مسند الفاروق ت إمام
ابن كثير
مسند الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 774 هـ يطبع كاملاً لأول مرَّة على نسخة بخط المؤلِّف وعليها تعليقات بخط الحافظ ابن حجر حقَّق نصوصه وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه إمام بن علي بن إمام
الجزء الأول الطهارة - الفرائض
[مقدمة التحقيق]
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فإن من الأمور التي استفاضت واشتهرت عند أهل الإسلام أن أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبرُّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا. وقد تنوعت النصوص الشرعية في ذِكر فضائلهم ومناقبهم، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]. وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]. وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]. وفي «الصحيحين» من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ أمَّتي القَرْنُ الذين يَلُوني، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يَلُونَهم» (¬1). وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النجومُ أَمَنةٌ للسماءِ، فإذا ذهبت النجومُ أتى السماءَ ما توعَدُ، وأنا أَمَنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعَدون، وأصحابي أَمَنةٌ لأُمَّتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أُمَّتي ما يوعَدون» (¬2). وفي «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبُّوا أحدًا من أصحابي، فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما أدرك مُدَّ أحدِهِم ولا نَصِيفَه» (¬3). ومن بين هؤلاء الصَّحْب الكرام الذي جاءت النصوص في ذِكر مناقبه وفضائله: الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فمن ذلك: ¬
1 - ما ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَيْنا أنا نائمٌ إذ رأيتُ قَدَحًا أُتِيتُ به، فيه لبنٌ، فشربتُ منه حتى إني لأرى الرِّيَّ يجري في أظفاري، ثم أَعطيتُ فَضْلِي عُمرَ بنَ الخطابِ»، قالوا: فما أَوَّلتَ ذلك، يا رسولَ اللهِ؟ قال: «العلمَ» (¬1). 2 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَيْنا أنا نائمٌ رأيتُ الناسَ يُعرَضون عليَّ وعليهم قُمُصٌ، منها ما يَبلغُ الثُّدِيَّ، ومنها ما يَبلغُ دون ذلك، ومرَّ عُمرُ بنُ الخطابِ، وعليه قميصٌ يَجُرُّهُ»، قالوا: فما أَوَّلتَ ذلك، يا رسولَ اللهِ؟ قال: «الدِّينَ» (¬2). 3 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُريتُ كأني أنزع بدلوِ بَكْرةٍ على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين، فنزع نزعًا ضعيفًا، والله تبارك وتعالى يغفر له، ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت غَرْبًا، فلم أر عبقريًا يفري فَرِيَّه، حتى رَوِيَ الناس وضربوا العَطَن» (¬3). ¬
4 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إيهًا يا ابنَ الخطابِ، والذي نفسي بيده ما لَقِيكَ الشيطانُ سالكًا فجًّا قطُّ إلا سلك فجًّا غيرَ فجِّك» (¬1). 5 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنه قد كان فيما مضى قبلَكم من الأمم محدَّثون، وإنَّه إنْ كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمرُ بنُ الخطابِ» (¬2). بل بَلَغ من عظيم مكانته -رضي الله عنه- أن الوحي نزل بتصديقه في عدَّة من الوقائع، فمن ذلك: 1 - ما ثبت في «صحيح البخاري» (402) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال عمر رضي الله عنه: وافقت ربِّي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتَّخذنا من مقام إبراهيم مصلَّى، فنزلت: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} (¬3)، وآية الحجاب، قلت: يا رسولَ الله، لو أمرتَ نساءَك أن يحتجبن، فإنه يكلِّمهن البرُّ والفاجرُ، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه، فقلت لهنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ} (¬4)، فنزلت هذه الآية. 2 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: لما تُوفي عبد الله بن أُبَي ابن سَلُول جاء ابنُه عبد الله بن عبد الله إلى ¬
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصَه أن يكفِّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يُصلِّي عليه، فقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليصلِّي عليه، فقام عمرُ فأخذ بثوبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أتصلِّي عليه وقد نهاك اللهُ أن تصلِّي عليه؟ فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنما خيَّرني اللهُ، فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} وسأزيدُ على سبعين)). قال: إنه منافقٌ! فصلَّى عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عزَّ وجلَّ: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} (¬1). وهذا الكتاب الذي بين يديك صنَّفه الإمام الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي ليجمع لك فيه ما استطاع إليه سبيلاً من فقه هذا الصحابي الجليل، سواء في ذلك ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما أفتى به رضي الله عنه. ولفِقه عمر -رضي الله عنه- مزية خاصة، فقد طالت مدة خلافته، واتَّسعت رُقعة الإسلام في عهده، وكثُرَت الوقائع والمستجدات، فاحتاج إلى القول فيها، زد على هذا أن اللهَ تبارك تعالى حَبَاه بِثُلَّة من مشيخة المهاجرين والأنصار، فإذا نزلت بالمسلمين نازلةٌ جَمَعهم واستشارهم، فكانت فتاواه لا تمثل رأيه فحسب، بل تمثل رأي الجماعة من الصدر الأول. إذا تبين لك هذا؛ عرفتَ قدر هذا العمل الذي بين يديك، فشَكَرت لمؤلفه صنيعه، ودعوت الله أن يجزيه خيرًا على ما قام به من جمعٍ لفقه هذا ¬
الصحابي الجليل، فليس من السهل أن تتتبَّع ما في بطون الكتب لتقف هنا أو هناك على فتوى أو رأي في مسألة، إن هذا العمل الذي بين يديك هو ثمرة رحلة طويلة وشاقة، لا يصبر عليها إلا رجلٌ يريد بعمله اللهَ والدارَ الآخرةَ، فجزى اللهُ مؤلفَه خيرًا، وجعل عمله في موازين حسناته، وجمعنا به في دار كرامته. وكتب إمام بن علي بن إمام في العاشر من شهر شعبان لعام 1425 هـ (الرياض) محمول: 00966559334920 منزل: 0096614490865 (مصر) هاتف: 0020822241220 ثم أعدت النظر فيه حتى تم بحمد الله تعالى في العاشر من شهر رمضان المبارك لعام 1430 هـ بدار الفلاح بالفيوم
منهج التحقيق يتلخص عملي في هذا الكتاب على النحو التالي: 1 - الترجمة للمؤلف، مع ذِكر بعض شيوخه، وتلاميذه، وثناء العلماء عليه، وذِكر أهم مصنَّفاته. 2 - إثبات صحَّة نسبة الكتاب للمؤلف. 3 - منهج المؤلِّف في كتابه. 4 - مزايا الكتاب. 5 - موارد المؤلِّف في كتابه. 6 - وصف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق. 7 - منهج التحقيق. 8 - نقد الطبعة الأولى للكتاب. 9 - شكر وعرفان.
المبحث الأول: التعريف بالمؤلف
المبحث الأول: التعريف بالمؤلِّف (¬1) هو الإمام الحافظ المؤرِّخ المفسِّر عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي. مولده: ولد الحافظ ابن كثير رحمه الله في سنة 700 هـ، فيما قاله الحافظ ابن حجر، وابن العماد، والسيوطي. ¬
حياته العلمية
وذهب ابن تغري بردي، والدَّاوودي إلى أن ولادته كانت في سنة 701 هـ (¬1). حياته العلمية: حفظ القرآن الكريم، وهو ابن إحدى عشرة سنة على شيخه شمس الدين البعلبكي الحنبلي، المتوفى سنة 730 هـ. وسمع «صحيح مسلم» في تسعة مجالس بقراءة الوزير أبي القاسم الأزدي الأندلسي على الشيخ نجم الدين القسطلاني. ودَرَس الفقه على الشيخ ابن الفركاح، وابن قاضي شهبة. وحفظ «التنبيه» للشيرازي، و «مختصر ابن الحاجب». وقرأ «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» على شيخه الحافظ أبي الحجاج المزِّي. ودَرَس أصول الفقه على أبي البقاء الأصفهاني. ودَرَس النحو على عبد الله الزبيدي النحوي. وتولَّى التدريس في دار الحديث الأشرفية، وتربة أم الصالح، الصالحية (¬2). مشايخه: من أبرز مشايخه الذين تلقَّى عنهم العلم: 1 - ابن غيلان -شيخه في القرآن-: قال عنه ابن كثير: الشيخ الصالح العابد، شرف الدين أبي الحسن بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي، إمام مسجد السلالين بدار البطيخ العتيقة، سمع الحديث وأسمعه، وكان يقرئ القرآن طرفي النهار، وعليه ختمت القرآن في سنة أحد عشر وسبعمائة، وكان من الصالحين الكبار، والعُبَّاد الأخيار، توفي يوم السبت سادس صفر، وصلِّي عليه بالجامع، ودُفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة (¬3). 2 - ابن اللبَّاد -شيخه في القراءات-: ¬
قال عنه ابن كثير: قرأت عليه شيئًا من القراءات، وكان متقلِّلاً من الدنيا، لا يقتني شيئًا، وليس له بيت ولا خزانة، إنما كان يأكل في السوق وينام في الجامع، توفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين، ودُفن في باب الفراديس رحمه الله (¬1). 3 - ابن الشِّحنة: قال عنه ابن كثير: الشيخ الكبير المسنِد المعمَّر الرُّحْلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن بن علي بن بيان الديرمقرني، ثم الصالحي، الحجار، المعروف بابن الشِّحنة، سمع البخاري علي الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة بقاسيون، وإنما ظهر سماعه سنة ست وسبعمائة، ففرح بذلك المحدثون، وأكثروا السماع عليه، فقرئ البخاري عليه نحوًا من ستين مرة وغيره، وسمعنا عليه بدار الحديث الأشرفية في أيام الشتويات نحوًا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع (¬2). ¬
4 - برهان الدين الفَزَاري: قال عنه ابن كثير: هو الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ المذهب وعَلَمه، ومفيد أهله، شيخ الإسلام، مفتي الفرق، بقيَّة السَّلَف، برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم، ابن الشيخ العلامة تاج الدين أبي محمد عبد الرحمن، ابن الشيخ الإمام المقرئ المفتي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري المصري الشافعي، ولد في ربيع الأول سنة ستين وستمائة، وسمع الحديث، واشتغل على أبيه، وأعاد في حلقته، وبرع وساد أقرانه وسائر أهل زمانه من أهل مذهبه في دراية المذهب ونقله وتحريره، ثم كان في منصب أبيه في التدريس بالبادرائية، وأشغل الطلبة بالجامع الأموي فانتفع به المسلمون، وقد عُرضت عليه المناصب الكبار فأباها ... ، وكان مقبلاً على شأنه، عارفًا بزمانه، مستغرقًا أوقاته في الاشتغال والعبادة ليلاً ونهارًا، كثير المطالعة، وإسماع الحديث، وقد سمعنا عليه «صحيح مسلم» وغيره ... ، وله تعليق كثير على «التنبيه»، فيه من الفوائد ما ليس يوجد في غيره، وله تعليق على «مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه»، وله مصنَّفات في غير ذلك كبار، وبالجملة فلم أر شافعيًا من مشايخنا مثله، كان حسن الشكل، عليه البهاء والجلالة والوقار، حسن الأخلاق، فيه حدَّة، ثم يعود قريبًا، وكَرَمه زائد، وإحسانه إلى الطلبة كثير، وكان لا يقتني شيئًا ... ، توفي بُكرة يوم الجمعة سابع جمادى الأولى بالمدرسة المذكورة، وصلِّي عليه عقب الجمعة بالجامع، وحُملت جنازته على الرءوس وأطراف الأنامل، وكانت حافلة، ودُفن عند أبيه وعمه وذويه بباب الصغير رحمه الله تعالى (¬1). ¬
عقيدته
5 - الإمام المزي: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي الدمشقي الشافعي، المتوفى سنة 742 هـ. 6 - شيخ الإسلام ابن تيمية: قال ابن قاضي شهبة: لازم ابن تيمية، وعُرف بصحبته (¬1). وقال ابن حجر: وأَخَذ عن ابن تيمية، ففُتن بحبِّه، وامتُحن لسببه (¬2). 7 - الإمام الذهبي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الدمشقي، المتوفى سنة 748 هـ. عقيدته: كان -رحمه الله تعالى- سَلَفيَّ العقيدة، ولو لم يكن لدينا دليلٌ على صحة ذلك إلا تتلمذه لشيخ الإسلام ابن تيمية لكان كافيًا، ناهيك عن كُتُبه التي تشهد بصحة هذه النسبة. فمن ذلك: تقريره لعقيدة السَّلَف في باب الأسماء والصفات: * فقد ذَكَر في «تفسيره» عند قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} (¬3) ما نصُّه: للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدًّا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا، وهو إمرارها كما جاءت، من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يُشبهه شيء من خَلْقه، ¬
و {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، بل الأمر كما قال الأئمة، منهم: نعيم بن حماد الخزاعي قال: مَن شبَّه الله بخَلْقه كَفَر، ومَن جَحَد ما وصف الله به نفسه فقد كَفَر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه. فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفي عن الله تعالى النقائص؛ فقد سلك سبيل الهدى. * وذَكَر عند قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} (¬1) ما نصُّه: فيه أقوال للأئمة من السَّلَف: أحدهما: لا تدركه في الدنيا، وإن كانت تراه في الآخرة، كما تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ما طريق ثابت في الصحاح. ومن ذلك: ردُّه على الفلاسفة المنكرين للمعاد: * فقد ذَكَر في «تفسيره» عند قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} (¬2) ما نصُّه: يخبر تعالى عن قول الدُّهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد، {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا} أي: ما ثَمَّ إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثَمَّ معاد ولا قيامة، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد، وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، ينكرون البداءة والرجعة، وتقوله الفلاسفة الدُّهرية الدورية المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا المعقول، وكذَّبوا المنقول، ولهذا قالوا: ¬
{وما يهلكنا إلا الدهر} قال الله تعالى: {وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} أي: يتوهمون ويتخيَّلون. ومن ذلك: ردُّه على الرافضة: * فقد ذَكَر في «تفسيره» عند قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} (¬1) ما نصُّه: أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبَّهم، أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولاسيما سيد الصحابة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وخيرهم وأفضلهم، أعني: الصديق الأكبر، والخليفة الأعظم، أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة، ويبغضونهم، ويسبونهم، عياذًا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبُّون مَن رضي الله عنهم، وأما أهل السُّنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبُّون مَن سبَّه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدعون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون. * وذَكَر عند قوله تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا} (¬2) حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه في «الصحيحين» (¬3) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً»، ثم تكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أُبَي: ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «كلهم من قريش». ¬
وهذا لفظ مسلم. ومعنى هذا الحديث: البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحًا، يقيم الحق، ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وُجد منهم أربعة على نسق، وهم الخلفاء الأربعة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة، وبعض بني العباس، ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشَّر به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه اسم أبيه، فيملأ الأرض عدلاً وقِسطًا كما مُلئت جَورًا وظلمًا، وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده، ثم ظهوره من سرداب سامرا، فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هوس العقول السخيفة، وتوهُّم الخيالات الضعيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر؛ الأئمة الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم. * وذَكَر عند قوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (¬1) ما نصُّه: ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية. ومن ذلك: ردُّه على الخوارج: * فقد ذَكَر في «تفسيره» عند قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} (¬2) ما نصُّه: فسمَّاهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا ¬
استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، ونحوهم * وذَكَر عند قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} (¬1) ما نصُّه: فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدأهم بسبب الدنيا، حين قَسَم النبي صلى الله علي وسلم غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القِسمة، ففاجأوه بهذه المقالة، فقال قائلهم، وهو ذو الخويصرة -بَقَر اللهُ خاصرتَه-: اعدل، فإنك لم تعدل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني»، فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب، وفي رواية: خالد بن الوليد في قَتْله، فقال: «دعه، فإنه يخرج من ضئضئ هذا -أي: من جنسه- قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قَتَلهم» (¬2)، ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقَتْلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة، ثم انبعث القدرية، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك: ردُّه على عبَّاد القبور من الصوفية: * فقد ذَكَر في «البداية والنهاية (10/ 262 - 263) في ترجمة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ما نصُّه: قد بالغ ¬
العامة في اعتقادهم فيها وفي غيرها كثيرًا جدًّا، ولا سيما عوام مصر، فإنهم يطلقون فيها عبارات بشيعة مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك، وألفاظًا كثيرة ينبغي أن يعرفوا أنه لا تجوز، وربما نسبها بعضهم إلى زين العابدين، وليست من سلالته، والذي ينبغي أن يُعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات، وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام، ومن زعم أنها تفك من الخشب، أو أنها تنفع أو تضر بغير مشيئة الله فهو مشرك. * وذَكَر أيضًا (14/ 124) في حوادث سنة ست وعشرين وسبعمائة مسألة شد الرِّحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ما نصُّه: ثم يوم الخميس دخل القاضي جمال الدين بن جملة وناصر الدين مشد الأوقاف، وسألاه [أي: ابن تيمية] عن مضمون قوله في مسألة الزيارة، فكتب ذلك في درج، وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق: قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية، إلى أن قال: وإنما المحزّ جعله زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالإجماع، مقطوعًا بها، فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الإسلام، فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذِكر قولين في شدِّ الرَّحْل والسَّفَر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شدِّ رَحْل إليها مسألة، وشدُّ الرَّحْل لمجرد الزيارة مسألة أخرى، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شدِّ رَحْل، بل يستحبها ويندب إليها، وكُتُبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذه الوجه في الفتيا، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، ولا هو جاهل قول الرسول: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة»، والله سبحانه لا يخفى عليه شيء،
تلاميذه
ولا يخفى عليه خافية، {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}. تلاميذه: من أشهر تلاميذه الذين تلقَّوا عنه العلم ما يلي: 1 - علي بن علاء الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي. المتوفى سنة 792 هـ, وقد صرَّح بتتلمذه على المؤلِّف في عدة مواضع من كتابه «شرح العقيدة الطحاوية»، فانظر: (ص 277، 480، 603). 2 - أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، المتوفى سنة 794 هـ. 3 - محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن أبي المحاسن الشافعي، المتوفى سنة 765 هـ. 4 - العراقي: عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن الكردي، المتوفى سنة 806 هـ. 5 - ابن الجزري: محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي، المتوفى سنة 816 هـ. ثناء العلماء عليه: أثنى عليه جماعة من الأعيان، فقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (4/ 1508): له عناية بالرجال والمتون والتفقه، وخرَّج، وناظر، وصنَّف، وفسَّر، وتقدَّم. وقال في «المعجم المختص» (ص 74): فقيه، متفنن، ومحدِّث متقن، ومفسِّر نقَّال، وله تصانيف مفيدة.
مؤلفاته
وقال ابن حجر في «الدُّرر الكامنة» (1/ 374): كان كثير الاستحضار، حَسَن المفاكهة، سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته، ولم يكن على طريقة المحدِّثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدِّثي الفقهاء. وقال ابن قاضي شهبة في «تاريخه» (3/ 416): شيخ المفسرين، عمدة المحدِّثين والمؤرخين، مفتي المسلمين ... ، أقبل على حفظ المتون والأسانيد، والعلل والرجال والتاريخ، حتى برع في ذلك وهو شاب. وقال ابن حجي في «تاريخه»: وكان أحفظ من أدركنا لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها ورجالها، وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وكان يستحضر شيئًا كثيرًا من التفسير والتاريخ، قليل النسيان، وكان فقيها جيد الفهم، صحيح الذهن، يستحضر شيئًا كثيرًا، ويشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا وأفدت منه. وقال السيوطي في «طبقات الحفاظ» (ص 533): وقال ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» (6/ 231): مؤلفاته: للحافظ ابن كثير -رحمه الله- مؤلفات عديدة في شتى فنون العلم، فمن مؤلفاته المطبوعة: 1 - «الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمَّام». 2 - «الاجتهاد في طلب الجهاد». 3 - «اختصار علوم الحديث». 4 - «إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه».
5 - «البداية والنهاية». 6 - «تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب». 7 - «تفسير القرآن العظيم». 8 - «جامع المسانيد والسُّنن». 9 - «جزء في بيع أمهات الأولاد». 10 - «طبقات الفقهاء الشافعيين» 11 - «الفصول في سيرة الرسول». 12 - «فضائل القرآن». 12 - «مسند الفاروق» وهو كتابنا هذا. ومما ذُكر من مؤلفاته التي لم نقف عليها: 1 - «الأحكام الكبير». 2 - «التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل». 3 - «جزء في بطلان وضع الجزية عن يهود خبير». 4 - «جزء في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة رضي الله عنها». 5 - «جزء في تحريم الجمع بين الأختين». 6 - «جزء في طرق وألفاظ وعلل وما يتعلق بحديث كفَّارة المجلس». 7 - «جزء في فضل يوم عرفة». 8 - «جزء في المراد بالصلاة الوسطى». 9 - «سيرة الصديق». 10 - «سيرة عمر وأيامه». 11 - «شرح صحيح البخاري». 12 - «كتاب الصِّيام، وما يتعلَّق برمضان من أحكام».
وفاته
13 - «كتاب العقائد». 14 - «مسند الصديق». وفاته: بعد حياة حافلة بالتدريس والتأليف والعطاء والبذل توفي الإمام الحافظ ابن كثير في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان، سنة 774 هـ، ودُفن في مقبرة الصوفية بجوار شيخه الإمام ابن تيمية. وقد رثاه أحد طلابه بهذين البيتين (¬1): لِفَقْدك طلابُ العلوم تأسَّفوا ... وجادوا بدمع لا يبيدُ غزيرُ ولو مَزَجوا ماءَ المدامعِ بالدماء ... لكان قليلاً فيك يا ابنَ كثير ¬
المبحث الثاني: إثبات صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف
المبحث الثاني: إثبات صحة نسبة الكتاب إلى المؤلِّف لا أجدني في حاجة للتدليل على صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه، فقد ذكره في عدَّة مواضع من كتبه ونوَّه بشأنه، فقال في «البداية والنهاية» (5/ 154) عند حديثه عن تقبيل عمر للحجر الأسود وسجوده عليه: وقد أوردنا ذلك كله بطرقه وألفاظه وعزوه وعلله في الكتاب الذي جمعناه في «مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه»، ولله الحمد والمنَّة. وقال في (5/ 288) عند كلامه على حديث: «لانُورَث، ما تركنا صدقة»: وقد تقصَّيت طرق هذا الحديث وألفاظه في «مسنَدَي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما»، فإني -ولله الحمد- جمعت لكل واحد منهما مجلدًا ضخمًا مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه من الفقه النافع الصحيح، ورتبتُه على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم. وقال في (7/ 81) في معرض حديثه عن أم كلثوم بنت علي -رضي الله عنها-: وقد ذكرنا في «سيرة عمر»، و «مسنده» صفة تزويجه بها، وأنه أمهرها أربعين ألفًا. وقال في «تفسيره» (3/ 256) عند قوله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}: وقد ذكرنا في «مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب» من طرق متعددة عنه -رضي الله عنه- أنه لما تزوَّج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- قال: أما والله ما بي إلا أني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سَبَب ونَسَب فإنه منقطعٌ يومَ القيامةِ، إلا سَبَبي ونَسَبي».
وقال في «جامع المسانيد والسُّنن» (6/ 362 - ط ابن دهيش) في ترجمة عمر بن الخطاب: تقدم مسنده مع الخلفاء الأربعة -رضي الله عنه-، وقد أوردنا له مسندًا آخر مرتَّبًا على أبواب الفقه بما روي عنه من الأحاديث والآثار، ولله الحمد والمنَّة. وقال أيضًا في (5/ 352) في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: وقد أوردت «مسنده» على حِدَة في مجلد سيأتي على أبواب الأحكام، وكذلك «مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه». وقال في «اختصار علوم الحديث» (1/ 182 - النوع الثالث عشر) عند الكلام على حديث عمر رضي الله عنه: «إنما الأعمال بالنيات»: وقد ذكر له ابن منده متابعات غرائب، ولاتصح، كما بسطناه في «مسند عمر»، وفي «الأحكام الكبير».
المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتابه
المبحث الثالث: منهج المؤلِّف في كتابه 1 - لم يضع الحافظ ابن كثير لكتابه مقدِّمة يبيِّن فيها منهجه، والسبب في ذلك واضح؛ لأن «مسند الفاروق» حلقة من حلقات كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولَبِنَة من لَبِنَاته، كما هو واضح من كلامه على هذا الكتاب عند ترجمته لعمر رضي الله عنه، كما سبق نقله قريبًا. 2 - اتَّبع المؤلِّف في ترتيبه لأبواب الكتاب طريقة أصحاب الجوامع مع تقديم وتأخير في بعض الأبواب. 3 - جمع المؤلِّف في كتابه هذا بين الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، ولم يقتصر على واحد منهما. 4 - اعتمد المؤلِّف في كتابه هذا على جمع مرويات عمر رضي الله عنه من نفس المصادر التي بنى عليها كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، وهي: 1 - «مسند الإمام أحمد». 2 - «صحيح البخاري». 3 - «صحيح مسلم». 4 - «سنن أبي داود». 5 - «سنن الترمذي». 6 - «سنن النسائي». 7 - «سنن ابن ماجه». 8 - «مسند أبي يعلى الموصلي». 9 - «المعجم الكبير» للطبراني. 10 - «مسند البزار».
إلا أنه توسع في هذا الكتاب، وزاد مصادر أخرى، سيأتي ذكرها عند الكلام على موارد المؤلِّف في كتابه. وكان منهجه في ذلك: أنه يبدأ بذكر الحديث أو الأثر من «مسند الإمام أحمد»، ثم يعزوه إلى باقي أصحاب المصنَّفات الأخرى، لا سيما الكتب الستة، ثم بعد ذلك يقوم بجمع مروياته من باقي المصادر الأخرى. 5 - برزت شخصية الحافظ ابن كثير في هذا الكتاب بوضوح وجلاء، فهو لا يسوق الروايات ساكتًا عنها، بل تراه يتكلَّم على الأسانيد والمتون كلام العالم الخبير، فيصحِّح ويضعِّف، ويعدِّل ويجرِّح، ويناقش الأقوال، وينقل من كلام الأئمة والعلماء ما يؤيد رأيه ويقوِّيه، إضافة إلى آرائه القيمة التي يبديها في ثنايا الكلام، ولا يخفى على كل باحث ودارس أهمية هذه الآراء، لما لهذا الإمام من مكانة سَنية. 6 - لم يكتف المؤلِّف بسرد الروايات، بل كان يعلِّق على هذه الروايات بذكر مذاهب أهل العلم، وبيان الراجح منها. 7 - دقته وتحرِّيه في سياق الأسانيد والمتون، فإذا أَشكل عليه لفظ كتب فوقه (كذا) إشارة منه إلى وجود خلل في الرواية. 8 - تنبيهه على مواضع الانقطاع في الروايات بوضع علامة التضبيب. 9 - اهتمامه بنقل كلام أئمة العلل على الروايات تصحيحًا وتعليلاً.
المبحث الرابع: مزايا الكتاب
المبحث الرابع: مزايا الكتاب 1 - مما تميز به هذا الكتاب نقله لنصوص كثيرة من كتب صارت في زماننا في عداد المفقود، وهذا مما يعطي الكتاب أهمية كبرى. فمن ذلك: - «تفسير عَبد بن حميد». - «تفسير أبي بكر بن مردويه». - «تفسير ابن أبي شيبة». - «السُّنة» للطبراني. - «الفرائض» للإمام أحمد. - «الفرائض» لأبي بكر بن داود الظاهري. - «فضائل الشيخين» لأسد بن موسى. - «مستخرج البَرقاني». - «مسند أحمد بن مَنيع». - «مسند عمر» لأبي بكر الإسماعيلي. - «مسند مسدَّد بن مُسَرهد». - «المسند المعلَّل» لابن المديني. - «المسند الكبير» لأبي يعلى. - «مسند ابن أبي عمر العَدَني». - «معجم الصحابة» للدَّغولي. 2 - ومن مزاياه: أنه يُعدُّ مصدرًا أصليًا من مصادر التخريج، لاشتماله
على أسانيدَ لكتبٍ صارت في زماننا في عداد المفقود، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. 3 - ومن مزاياه: أنه ينقل من النسخ الخطية للكتب، ولهذا مزية كبرى حيث استطعنا مقارنة ما في هذا الكتاب بما في غيره من النسخ المطبوعة، وقد ظهر هذا جليًا عند المقارنة بين ما يورده المؤلف هنا وبين الموجود في الكتب المطبوعة، ومن أبرز هذه الكتب: «مسند الإمام أحمد»، فقد وقفت على حديث أورده المؤلِّف في هذا الكتاب، ولا وجود له في الطبعة التي تولَّت نشرها مؤسسة الرسالة، بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، فانظر رقم (334).
المبحث الخامس: موارد المؤلف في كتابه
المبحث الخامس: موارد المؤلِّف في كتابه لقد اعتمد المؤلِّف في كتابه هذا على كثير من المصادر الحديثية والفقهية، وها أنا أوردها لك مرتبة على حروف المعجم: 1 - «الآداب» للدَّغولي. 2 - «الأحاديث المختارة» لضياء الدين المقدسي. 3 - «الأدب المفرد» للبخاري. 4 - «إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه» للمؤلِّف. 5 - «الاستذكار» لابن عبد البر. 6 - «الاستيعاب» لابن عبد البر. 7 - «الإشراف على منازل الأشراف» لابن أبي الدُّنيا. 8 - «إصلاح المال» لابن أبي الدُّنيا. 9 - «الأم» للشافعي. 10 - «الأمالي» للمحاملي، رواية ابن البيِّع، وابن مهدي الفارسي. 11 - «الأمالي في آثار الصحابة» لعبد الرزاق الصنعاني. 12 - «الأموال» لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم. 13 - «البحر الزخار» للبزار. 14 - «التاريخ» لابن معين. رواية الدُّوري. 15 - «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي. 16 - «التاريخ الكبير» للبخاري. 17 - «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر. 18 - «تجريد الصحاح» لرَزين بن معاوية.
19 - «تحفة الأشراف» للمزِّي. 20 - «التحقيق في أحاديث الخلاف» لابن الجوزي. 21 - «تفسير القرآن العظيم» لابن أبي حاتم. 22 - «تفسير القرآن» لعَبد بن حميد. 23 - «تفسير القرآن» لابن دحيم. 24 - «تفسير ابن أبي شيبة». 25 - «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» لابن عبد البر. 26 - «التهجد وقيام الليل» لابن أبي الدُّنيا. 27 - «جامع البيان في تفسير القرآن» لابن جرير الطبري. 28 - «جامع الثوري». 29 - «جامع المسانيد» لابن الجوزي. 30 - «جامع المسانيد والسُّنن» للمؤلِّف. 31 - «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم. 32 - «جزء الحسن بن عرفة». 33 - «جزء الرافقي». 34 - «جزء علي بن حرب». 35 - «جزء ابن زَبر» في الشروط العمرية. 36 - «جزء ابن العلاَّف». 37 - «جزء أبي الجهم العلاء بن موسى». 38 - «الجعديات» لأبي القاسم البغوي. 39 - «جمهرة نسب قريش» للزبير بن بكَّار. 40 - «حديث خيثمة الأطرابلسي».
41 - «حديث محمد بن عبد الله الأنصاري». 42 - «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصبهاني. 43 - «دلائل النبوة» للبيهقي. 44 - «ذم المُسكر» لابن أبي الدُّنيا. 45 - «الزاهر في معاني كلمات الناس» لابن الأنباري. 46 - «الزهد» لأحمد بن حنبل. 47 - «الزهد والرقائق» لابن المبارك. 48 - «الزُّهريات» لمحمد بن يحيى الذُّهْلي. 49 - «الزيادات على كتاب المزني» لأبي بكر ابن زياد النيسابوري. 50 - «سنن ابن ماجه». 51 - «سنن أبي داود». 52 - «سنن الأثرم». 53 - «سنن الترمذي». 54 - «سنن الدارمي». 55 - «سنن الدارقطني». 56 - «سنن سعيد بن منصور». 57 - «سُّنن النسائي» الصغرى والكبرى. 58 - «السُّنن الكبرى» للبيهقي. 59 - «السُّنن المأثورة» للشافعي. 60 - «السُّنة» للطبراني. 61 - «السُّنة» لابن أبي عاصم. 62 - «سيرة الصِّدِّيق» للمؤلِّف.
63 - «السيرة» لابن إسحاق. 64 - «السيرة» لابن هشام. 65 - «سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز» لابن الجوزي. 66 - «الشمائل المحمدية» للترمذي. 67 - «الصحاح» للجوهري. 68 - «صحيح ابن حبان». 69 - «صحيح البخاري». 70 - «صحيح مسلم». 71 - «صفة المنافق» للفِريابي. 72 - «الصلاة» لأبي نعيم الفضل بن دُكَين. 73 - «الصيام» للفِريابي. 74 - «الضعفاء الكبير» للعقيلي. 75 - «الطبقات الكبرى» لابن سعد. 76 - «العقوبات» لابن أبي الدُّنيا. 77 - «علل الحديث» لابن أبي حاتم. 78 - «العلل ومعرفة الرجال» للإمام أحمد بن حنبل. 79 - «العلل الواردة في الأحاديث النبوية» للدارقطني. 80 - «العلل» لابن المديني. 81 - «عمل اليوم والليلة» للنسائي. 82 - «غريب الحديث» لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم. 83 - «الغيلانيات» لأبي بكر الشافعي. 84 - «الفرائض» للإمام أحمد بن حنبل.
85 - «الفرائض» لأبي بكر بن داود الظاهري. 86 - «فضائل الشيخين» لأسد بن موسى. 87 - «فضائل القرآن» لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم. 88 - «فوائد تمام الرازي». 89 - «فوائد عبد الوهاب الجوبري». 90 - «القبور» لابن أبي الدُّنيا. 91 - «الكامل في ضعفاء الرجال» لابن عدي. 92 - «كرامات أولياء الله» لأبي القاسم اللالكائي. 93 - «مجابو الدعوة» لابن أبي الدُّنيا. 94 - «المجروحين» لابن حبان. 95 - «محاسبة النفس» لابن أبي الدُّنيا. 96 - «المحلى» لابن حزم. 97 - «مختصر المزني». 98 - «المخلِّصيَّات» لأبي طاهر المخلِّص. 99 - «مداراة الناس» لابن أبي الدُّنيا. 100 - «المراسيل» لأبي داود السجستاني. 101 - «المراسيل» لابن أبي حاتم. 102 - «مسائل حرب الكِرماني». 103 - «المستخرج» للبَرقاني». 104 - «المستدرك» للحاكم. 105 - «مسند ابن أبي عمر العَدَني». 106 - «مسند أحمد بن مَنيع».
107 - «مسند الإمام أحمد بن حنبل». 108 - «مسند أبي داود الطيالسي». 109 - «مسند أبي يعلى الموصلي» رواية ابن حمدان، وابن المقرئ. 110 - «مسند إسحاق بن راهويه». 111 - «مسند إسماعيل الصفَّار». 112 - «مسند الحميدي». 113 - «مسند الشهاب» للقضاعي. 114 - «مسند الصدِّيق» للمؤلِّف. 115 - «مسند عَبد بن حميد». 116 - «مسند عمر» لأبي بكر الإسماعيلي. 117 - «مسند مسدَّد بن مُسَرهد». 118 - «المسند المعلَّل» لابن المديني. 119 - «مسند الهيثم بن كُلَيب». 120 - «مسند وكيع». 121 - «المصاحف» لابن أبي داود. 122 - «مصنَّف ابن أبي شيبة». 123 - «مصنَّف عبد الرزاق». 124 - «المطر والرعد والبرق» لابن أبي الدُّنيا. 125 - «المعجم الأوسط» للطبراني. 126 - «معجم الصحابة» للدَّغولي. 127 - «المعجم الصغير» للطبراني.
128 - «المعجم الكبير» للطبراني. 129 - «المعرفة والتاريخ» للفَسَوي. 130 - «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي. 131 - «مكائد الشيطان» لابن أبي الدُّنيا. 132 - «من عاش بعد الموت» لابن أبي الدُّنيا. 133 - «مناقب عمر بن الخطاب» لابن الجوزي. 134 - «المنتظم في تاريخ الأمم والملوك» لابن الجوزي. 135 - «الموطأ للإمام مالك» رواية يحيى الليثي وأبي مصعب الزهري. 136 - «الموفَّقيات» للزبير بن بكَّار. 137 - «الهواتف» لابن أبي الدُّنيا. 138 - «الورع» لابن أبي الدُّنيا.
المبحث السادس: الملحوظات على الكتاب
المبحث السادس: الملحوظات على الكتاب لقد وقفت أثناء عملي في هذا الكتاب على عدَّة ملحوظات، ألخصها فيما يلي: أولاً: هناك آثار عزاها المؤلِّف إلى مصادر غيرها أولى منها، فمن ذلك: عزوه بعض الآثار لـ «مناقب ابن الجوزي»، أو لـ «مسند عمر» للإسماعيلي، في حين أنها في مصادر أعلى، كـ «صحيح مسلم»، أو «موطأ مالك». وهذه بعض الأمثلة: المثال الأول: في (2/ 146) عزا أثرًا لعمر في استشارته الصحابة في إملاص المرأة إلى «غريب الحديث» لأبي عبيد، وهو عند البخاري في «صحيحه». المثال الثاني: في (2/ 540) عزا قول عمر رضي الله عنه: «وَجَدنا خير عيشنا في الصبر» لـ «جزء ابن العلاَّف»، وهو عند ابن المبارك في «الزهد والرقائق»، وأحمد في «الزهد»، وأبي نعيم في «الحلية»، بل وعلَّقه البخاري في «صحيحه» جازمًا به. المثال الثالث: في (2/ 584) عزا قول عمر: «كان أبو بكر أحبَّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» لـ «سنن الترمذي»، وهو في «صحيح البخاري». ثانيًا: صحَّح المؤلِّف أحاديث وآثارًا، وبالنظر في كلام أئمة العلل تبين خلاف ما ذهب إليه. وهذه بعض الأمثلة:
المثال الأول: عند الحديث رقم (3): ذَكَر ما أخرجه ابن ماجه وأحمد، من طريق رِشدين بن سعد وابن لهيعة، عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أَسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه توضَّأَ عام تبوك واحدةً واحدةً. ثم قال: وهذا إسناد حسن. قلت: لكن له علَّة، فقد قال الترمذي في «سننه» بعد ذِكره لهذه الطريق: وليس هذا بشيء، والصحيح: ما روى ابن عَجْلان، وهشام بن سعد، وسفيان الثوري، وعبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. المثال الثاني: عند الحديث رقم (76): ذَكَر ما أخرجه أبو يعلى من طريق بشر بن منصور، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». ثم قال: وهذا إسناد جيد من هذا الوجه. قلت: لكن له علَّة، فإنَّ أصحاب عبيد الله بن عمر خالفوا بشر بن منصور في روايته، فرووه عن عبيد الله بن عمر، فقالوا: عن نافع، عن ابن عمر. ليس فيه: عمر. المثال الثالث: عند الحديث رقم (183): ذَكَر ما أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدَّار قال: أصاب الناسَ قحطٌ في زمان عمرَ -رضي الله عنه-، فجاء رجلٌ إلى قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله! استَسق اللهَ لأمَّتك، فإنهم قد هَلَكوا. فأتاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: ائت عمرَ، فأقرئه منِّي السلامَ، وأخبره أنهم مُسقَون، وقل له: «عليك بالكَيس الكَيس»، فأتى الرجل، فأخبر عمر، وقال: يا ربُّ، ما آلو إلا ما عَجِزتُ عنه. ثم قال:
هذا إسناد جيد قوي. قلت: لكن له علَّة، والصواب: أنه ضعيف منكر، وقد أُعلَّ بستِّ علل، كما بيَّنت ذلك في موضعه. ثالثًا: ذَكَر المؤلِّف في بعض الأبواب أحاديثَ وآثارًا ضعيفة واقتصر عليها، ومع البحث وَجَدت لها طرقًا أخرى صحيحة تغني عن الضعيف الذي أورده، أو تشدُّ من أزره وتقوِّيه، وهذه بعض الأمثلة: المثال الأول: عند الحديث رقم (499): ذَكَر ما أخرجه أبو جعفر بن ذَريح، عن هنَّاد، عن عَبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي قال: أَتى عُمرَ بن الخطاب رجلٌ فقال: إنَّ ابنةً لي كنت وأدتها في الجاهلية، فاستخرجتها قبل أن تموت، فأدرَكَت معنا الإسلام، فأسلَمَت، فلمَّا أسلَمَت أصابها حدٌّ من حدود الله، فأَخَذَتْ الشَّفرةَ لتذبح نفسَها، فأدركناها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويناها حتى برئت، ثم أقبَلَتْ بعدُ بتوبة حسنة، وهي تُخطَب إلى قوم، فأُخبرهم من شأنها بالذي كان؟ فقال عمر رضي الله عنه: أَتَعمِد إلى ما ستره الله فتُبديه! والله لئن أخبرتَ بشأنها أحدًا من الناس؛ لأجعلنَّك نكالاً لأهل الأمصار، أَنكِحها نكاح العفيفة المسلمة. ثم قال: فيه انقطاع. قلت: له طريق أخرى صحيحة: أخرجها عبد الرزاق والطبري، من طريق الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: أنَّ رجلاً خطب إليه ابنة له، وكانت قد أَحدَثَت، فجاء إلى عمر، فذكر ذلك له، فقال عمر: ما رأيتَ منها؟ قال: ما رأيتُ إلا خيرًا. قال: فزوِّجها، ولا تُخبِر. المثال الثاني: عند الحديث رقم (577): ذَكَر ما أخرجه مالك في «الموطأ» عن يحيى، عن سعيد: أنَّ عمر قال: أيُّما امرأة فَقَدت زوجها
فلم تدر أين هو؛ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرًا. ثم قال: وهذه آثار صحيحة عن عمر. والخلاف في سماع سعيد من عمر مشهور، ومع ذلك، له طريق أخرى صحيحة: أخرجها البيهقي، عن أبي الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفَّار، نا محمد بن عبد الملك، نا يزيد بن هارون، أنا سليمان التيمي، عن أبي عمرو الشيباني: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- أجَّل امرأة المفقود أربع سنين. المثال الثالث: عند الحديث رقم (795): ذَكَر ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر: أنه انقطع شِسع نعله، فاسترجع، وقال: كلُّ ما ساءك مصيبة. قلت: سكت عنه، وفي إسناده عبد الله بن خليفة، قال عنه الذهبي في «الميزان»: لا يكاد يُعرَف. وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول. ومع ذلك فله طريق أخرى يتقوَّى بها، وذلك فيما أخرجه ابن أبي شيبة، عن عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيّب قال: انقطع قِبَال نعل عمر، فقال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. فقالوا: يا أمير المؤمنين، أفي قِبَال نعلك؟! قال: نعم، كلُّ شيء أصاب المؤمن يكره، فهو مصيبة. رابعًا: ذَكَر المؤلِّف أحاديث وآثارًا ضعيفة، ولم ينبِّه على ضعفها، وهذه بعض الأمثلة: المثال الأول: عند الحديث رقم (501): ذكر ما أخرجه قال أبو القاسم البغوي، عن أبي نصر التَّمار، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عُمَير، عن زيدِ بنِ عَذَبَةَ قال: قال عمرُ بن الخطاب: الرِّجالُ ثلَاثةٌ،
والنساءُ ثلاثةٌ: امرأةٌ هنِّيةٌ، ليِّنةٌ، عفيفةٌ، مسلمةٌ، وَدُودٌ، وَلُودٌ، تُعينُ أهلَها على الدَّهر، ولا تُعينُ الدَّهرَ على أهلها، وقَلَّ ما تجدها، وأخرى وعاءٌ للولد، لا تزيدُ على ذلك شيئًا، وأخرى غُلُّ قَمِلٌ، يَجعلُهُ اللهُ في عُنُق من يشاءُ، ويَنزِعه إذا شاءَ. والرِّجالُ ثلاثةٌ: فرجلٌ عاقلٌ، إذا أَقبَلَت الأمورُ وتشبَّهت يُؤتَمَرُ فيها أمرُهُ، ويُنزَلُ عند رأيه، وآخرُ حائِرٌ بائِرٌ، لا يأتَمِرُ رُشْدًا، ولا يَسْمعُ مُرشِدًا. وهو مُعلّ، فقد اختُلف فيه على عبد الملك بن عمير اختلافًا بيَّنته في موضعه. المثال الثاني: عند الحديث رقم (507): ذكر ما أخرجه الخطيب البغدادي عن إبراهيم بن مَخلد بن جعفر، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم الحُكَيمي، عن العباس بن محمد، عن محمد بن عبد الله الأَرُزِّي، عن عاصم بن هلال، عن أيوب، عن محمد بن سيرين: أنَّ عمرَ كان إذا سَمِعَ صوتَ دُفِّ أو كبَرٍ فقالوا: عُرسٌ أو ختانٌ، سَكَت. وهو مُعلّ، فقد اختُلف فيه على أيوب اختلافًا بيَّنته في موضعه. المثال الثالث: عند الحديث رقم (519): ذَكَر ما أخرجه مالك عن ابن شهاب وسليمان بن يسار: أنَّ عمر -رضي الله عنه- قال: أيما امرأة نكحت في عِدَّتها؛ فإن كان زوجها الذي تزوَّجها لم يدخل بها، فُرِّق بينهما، ثم اعتَدَّت بقيَّة عِدَّتها من زوجها الأوَّل، وكان خاطبًا من الخطَّاب، وإن كان دخل بها، فُرِّق بينهما، ثم اعتدَّت بقيَّة عِدَّتها من زوجها الأوَّل، ثم اعتَدَّت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا. قلت: وهو معلّ، أعلَّه ابن حزم في «المحلى» فقال: وجاء هذا عن عمر من طرق ليس منها شيء يتَّصل.
أحاديث فاتت المصنف
أحاديث فاتت المصنِّف ومما يجدر الإشارة إليه: أن المؤلِّف -رحمه الله- لم يستوعب في عمله هذا كل ما ورد عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، بل فاته الكثير والكثير، وهذه بعض النماذج: من كتاب الطهارة: (1) عن أسلم مولى عمر: أنَّ عمرَ كان يُسخَّن له ماء في قُمقُم، فيغتسل به. (2) عن عبد الرحمن بن أَبزَي: أنَّ رجلاً أتى عمرَ، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تُصلِّ. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا، فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تُصلِّ، وأما أنا فتمعَّكت في التراب، وصلَّيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفَّيك». فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال: إن شئتَ لم أحدِّث به، فقال عمر: نولِّيك ما تولَّيت. ومن كتاب الصلاة: (3) مرَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع ركعة واحدة، ثم انطلق، فلَحِقَه رجلٌ، فقال: يا أمير المؤمنين، ما ركعتَ إلا ركعة واحدة! قال: هو التطوع، فمن شاء زاد، ومن شاء نقص. (4) عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال: صلَّى بنا عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- المغرب، فلم يقرأ في الركعة الأولى شيئًا، فلما قام في الركعة الثانية قرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم عاد فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، فلما فرغ
ومن كتاب الجنائز
من صلاته سجد سجدتين بعد ما سلَّم. (5) عن عمر -رضي الله عنه- أنه سجد في الحج سجدتين. (6) وعن نُبيه بن صواب قال: صلَّيت مع عمر بن الخطاب بالجابية صلاة الصبح، فقرأ بسورة الحج، فسجد فيها سجدتين، ثم قال: إن هذه السورة فُضِّلت على السُّوَر بسجدتين. (7) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: الخطبة موضع الركعتين، فمن فاتته الخطبة صلَّى ركعتين. (8) عن ثعلبة بن أبي مالك: أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر بن الخطاب، فإذا خرج وجلس على المنبر وأذَّن المؤذن، جلسوا يتحدَّثون، حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا، فلم يتحدَّث أحد. (9) عن وهب بن كَيسان قال: شهدت ابن الزبير بمكة وهو أمير، فوافق يوم فطر أو أضحى يوم الجمعة، فأخَّر الخروج حتى ارتفع النهار، فخرج، وصعد المنبر، فخطب، وأطال، ثم صلى ركعتين ولم يصل الجمعة، فعاتبه عليه ناس من بني أمية، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: أصاب ابن الزبير السُّنة. فبلغ ابن الزبير، فقال: رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا. ومن كتاب الجنائز: (10) أنَّ عمر -رضي الله عنه- كان يرفع يديه في التكبيرات. (11) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: أعمقوا إلى قدر قامة وبسطة. (12) أنَّ امرأة نصرانية ماتت وفي بطنها ولد مسلم، فأمر عمر أن تدفن مع المسلمين من أجل ولدها.
ومن كتاب الزكاة
ومن كتاب الزكاة: (13) عن عمر -رضي الله عنه- قال: ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة. (14) عن عمر -رضي الله عنه- قال: في الزيتون العُشْر. (15) أنَّ عمر -رضي الله عنه- كَتَب إلى أبي موسى: أن مُر مَن قِبلَك من نساء المسلمين أن يتصدَّقن من حُلُيِّهنَّ. (16) أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شرب لبنًا فأعجبه، فسأل الذي سقاه: من أين هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سمَّاه، فإذا نَعَم من نَعَم الصدقة وهم يسقون، فحلبوا له من ألبانها، فجعله في سقائه، فأدخل عمر بن الخطاب يده فاستقاءه. (17) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إنا لا نُعطي على الإسلام شيئًا، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليَكفُر. ومن كتاب الصيام: (18) عن السائب بن يزيد: أنَّ الناس كانوا يقومون على عهد عمر -رضي الله عنه- بعشرين ركعة. (19) عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر -رضي الله عنه- بثلاث وعشرين ركعة. ومن كتاب الحج: (20) عن عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. (21) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إنَّ أتمَّ العمرة أن تُفردوها من أشهر الحج، {الحج أشهر معلومات} شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فأخلصوا فيهن
الحج، واعتمروا فيما سواهن من الشهور. (22) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إتمام الحج والعمرة أن تُحرم بهما من دويرة أهلك. (23) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت عمر يُهلُّ بالمزدلفة، قلت له: يا أمير المؤمنين، فيم الإهلال؟ قال: وهل قضينا نسكًا؟! (24) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال عمر: إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع، فإن رجع فليس بمتمتع. (25) عن عُبيد بن عُمَير قال: قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب: أنهيتَ عن المتعة؟ قال: لا، ولكني أردت زيارة البيت. فقال علي: من أفرد الحج فحسن، ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله وسُنَّة نبيه. (26) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من قدم منكم حاجًّا فليبدأ بالبيت فليطف به سبعًا، ثم ليصل ركعتين عند مقام إبراهيم، ثم ليأت الصفا فليقم عليها مستقبل القبلة، ثم ليكبر سبعًا بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى المروة مثل ذلك. (27) عن العلاء بن المسيب، عن أبيه قال: كان عمر إذا مرَّ بالوادي بين الصفا والمروة سعى فيه حتى يجاوزه، ويقول: رب اغفر وارحم، وأنت الأعز الأكرم. (28) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: الحج الأكبر يوم عرفة. (29) عن عمر رضي الله عنه: أنه مرَّ بقومٍ بعرفة فنهاهم عن صوم يوم عرفة. (30) عن سلمان بن ربيعة قال: نظرنا إلى عمر بن الخطاب يوم النفر الأول، فخرج علينا تقطر لحيته ماء، في يده حصيات، وفي حزمه حصيات، ماشيًا، يكبر في طريقه، حتى أتى الجمرة الأولى، فرماها،
ثم رماها، حتى انقطع من الحصيات، لا يناله حصى من رمى، ثم دعا ساعة، ثم مضى إلى الجمرة الوسطى، ثم الأخرى. (31) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من أهدى هديًا تطوعًا فعطب نَحَره دون الحرم ولم يأكل منه شيئًا، فإن أكل فعليه البدل. (32) عن عمر -رضي الله عنه- قال: لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة. (33) اجتمع عمر وعلي وابن مسعود -رضي الله عنهم- على التكبير في دُبُر صلاة الغداة من يوم عرفة، فأما ابن مسعود فإلى صلاة العصر من يوم النحر، وأما عمر وعلي فإلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. (34) عن عمر -رضي الله عنه- قال: أيها الناس، إن النَّفر غدًا، فلا ينصرف أحد حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت. (35) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني من أيام التشريق فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس. (36) أنَّ عمر -رضي الله عنه- قضى في النعامة يقتلها المحرم بَدَنة من الإبل. (37) عن طارق بن شهاب قال: أوطأ أربد ضبًّا فقتله وهو محرم، فأتى عمر ليحكم عليه، فقال له عمر: احكم معي، فحكما فيه جديًا قد جمع الماء والشجر، ثم قال عمر: {يحكم به ذوا عدل منكم}. (38) أنَّ عمر -رضي الله عنه- قضى في الجرادة بتمرة. (39) عن طارق بن شهاب قال: أصبنا حيات بالرمل ونحن محرمون، فقتلناهن، فقدمنا على عمر بن الخطاب فسألناه، فقال: هن عدو، فاقتلوهن حيث وجدتموهن. (40) عن سويد بن غَفَلة قال: أمرنا عمر بن الخطاب بقتل الحية،
ومن كتاب البيوع
والعقرب، والزنبور، والفأرة، ونحن مُحرمون. (41) عن عمير بن الأسود قال: سألت عمر، قلت: ما تقول في الخفين للمحرم؟ فقال: هما نعلا من لا نعل له. (42) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنه مرَّ به قوم مُحرمون بالرَّبَذة، فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أَحِلَّة يأكلونه، فأفتاهم بأكله، ثم قال: قدمتُ على ابن الخطاب، فسألته عن ذلك، فقال: بم أفتيتهم؟ قلت: أفتيتهم بأكله، فقال عمر: لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك. (43) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من أدرك ليلة النحر قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لم يقف حتى يصبح فقد فاته الحج. (44) عن سليمان بن يسار: أنَّ أبا أيوب الأنصاري خرج حاجًّا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضلَّ رواحله، ثم إنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر، فذكر ذلك له، فقال له عمر: اصنع كما يصنع المعتمر، ثم قد حللت، فإذا أدركت الحج قابلاً فاحجج، واهد ما استيسر من الهدي. (45) عن سويد بن غَفَلة قال: قال لي عمر بن الخطاب: يا أبا أمية، حُجَّ واشترط، فإن لك ما اشترطت، ولله عليك ما اشترطت. (46) أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أخرج الرقيق والدواب من مكة، ولم يكن يدع أحدًا يبوِّب داره، حتى استأذنته هند بنت سهيل، قالت: إنما أريد بذلك إحراز متاع الحاج وظهرَهم، فأذن لها، فعملت بابين على دارها. ومن كتاب البيوع: (47) عن عمر -رضي الله عنه-: أنه كان يضمِّن الأجير المشترك. (48) أن ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب كانت إبلاً مؤبَّلة
ومن كتاب الفرائض
تتناتج، لا يمسَّها أحد، حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان أمر بتعريفها، ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها. (49) أنَّ عمر -رضي الله عنه- قضى في أَمَة غرَّت بنفسها رجلاً، فذكرت أنها حُرَّة فولَدَت أولادًا، فقضى أن يُفدى ولده بمثلهم. (50) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إذا تزوج المملوك الحُرَّة فولَدَت، فولدها يعتقون بعتقها، ويكون ولاؤهم لمولى أمهم، فإذا أعتق الأب جرَّ الولاء. ومن كتاب الفرائض: (51) عن عمر -رضي الله عنه- قال: يُحدِث الرجل في وصيته ما شاء، ملاك الوصية آخرها. (52) عن عمر -رضي الله عنه- قال: ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي. (53) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إذا تحدثتم فتحدَّثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي. ومن كتاب النكاح: (54) عن عمر -رضي الله عنه-: أنَّ حذيفة نكح يهودية، فقال له: طلِّقها. (55) عن عمر -رضي الله عنه- فيمن قال لامرأته: حبلك على غاربك ... (56) عن عمر -رضي الله عنه- فيمن قال لامرأته: أنتِ عليَّ حرام ... (57) أنَّ عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- قالا: أيما رجل ملَّك امرأته أمرها وخيَّرها فافترقا من ذلك المجلس فلم تحدث فيه شيئًا، فأمرها إلى زوجها. (58) عن عمر -رضي الله عنه- في رجل ظاهر من أربع نسوة، قال: كفَّارة واحدة. (59) عن عمر -رضي الله عنه- في عدَّة الحامل: لو وَضَعت وزوجها على السرير حلَّت.
ومن كتاب الحدود والديات
(60) عن عمر -رضي الله عنه-: أنه أتي بامرأة قد وَلَدت لستة أشهر، فهَمَّ برجمها، فبلغ ذلك عليًّا -رضي الله عنه-، فقال: ليس عليها رجم. فبلغ ذلك عمر -رضي الله عنه-، فأرسل إليه، فسأله، فقال: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} وقال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} فستة أشهر حمله حولين تمام لا حدّ عليها، أو قال: لا رجم عليها. قال: فخلى عنها، ثم وَلَدت. (61) عن عمر -رضي الله عنه-: أنه خيرَّ غلامًا بين أبويه. (62) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: طلَّق عمر بن الخطاب امرأته الأنصارية أم ابنه عاصم، فلقيها تحمله وقد فطم ومشى، فأخذ بيده لينزعه منها، وقال: أنا أحق بابني منك، فاختصما إلى أبي بكر، فقضى لها به، وقال: ريحها وحرُّها وفراشها خير له منك حتى يشبَّ ويختارَ لنفسه. ومن كتاب الحدود والديات: (63) عن عمر -رضي الله عنه- قال: لا عفوَ عن الحدود عن شيء منها بعد أن تبلغ الإمام، فإن إقامتها من السُّنَّة. (64) عن عمر -رضي الله عنه- قال: لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها في الشبهات. (65) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينما أبو بكر في المسجد جاء رجل وهو دهش، فقال أبو بكر: قم إليه فانظر في شأنه، فإن له شأنًا. فقام إليه عمر، فقال: إنه ضافه ضيف فوقع بابنته، فصك عمر في صدره، وقال: قبَّحك الله، ألا سترتَ على ابنتك، فأمر بهما أبو بكر فضُرِبا الحدّ، ثم زوَّج أحدهما بالآخر، وأمر بهما، فغُرِّبا عامًا. (66) عن أبي واقِد الليثي: أنَّ عمر بن الخطاب أتاه رجل وهو
بالشام، فذكر له أنه وَجَد مع امرأته رجلاً، فبعث أبا واقِد إلى امرأته يسألها عن ذلك، فأتاها، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر، وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله، وجعل يلقِّنها أمثال هذا لتنزع، فأَبَتْ أن تنزع، وثَبَتَتْ على الاعتراف، فأمر بها عمر بن الخطاب، فرُجمت. (67) أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أتي بامرأة لقيها راعٍ بفلاةٍ من الأرض وهي عطشى، فاستسقت، فأبى أن يسقيها إلا أن تتركه فيقع بها، فناشدته بالله، فلما بلغت جهدها أمكنته، فدرأ عنها عمر الحدَّ بالضرورة. (68) عن عمر -رضي الله عنه- قال: ليس على من أتى بهيمة حدّ. (69) عن عمر -رضي الله عنه- في الذي يموت في القصاص: لا دية له. (70) أنَّ رفاعة اليهودي قُتل بالشام، فجعل عمر ديته ألف دينار. (71) أنَّ عمر -رضي الله عنه- قضى على عليِّ -رضي الله عنه- بأن يَعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب، وقضى للزبير بميراثها. (72) عن عمر -رضي الله عنه- فيمن سرق من بيت المال: لا قطع عليه، ما من أحد إلا وله فيه حق. (73) عن عمر -رضي الله عنه- قال: يُقطع السارق من المِفصَل. (74) عن أبي عثمان النَّهدي قال: أتي عمر برجل في حدٍّ فأمر بسوط، فجيء بسوط فيه شدَّة، فقال: أريد ألين من هذا. فأُتي بسوط فيه لين، فقال: أريد سوطًا أشدَّ من هذا. فأُتي بسوط بين السوطين، فقال: اضرب به، ولا يُرى إبطك، وأعط كل عضو حقه. (75) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أول من اتُّهم بالأمر القبيح -تعني عمل قوم لوط- اتُّهم به رجلٌ على عهد عمر، فأمر شباب قريش أن لا يجالسوه.
ومن كتاب الجهاد
(76) عن ابن المسيّب قال: غرَّب عمر أبا بكر أمية بن خَلَف في الشراب إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصَّر، قال عمر: لا أغرِّب بعده مسلمًا أبدًا. (77) عن إسماعيل بن أمية: أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا وَجَد شاربًا في رمضان نَفَاه مع الحدِّ. (78) عن صفية بنت أبي عبيد قالت: وَجَد عمر في بيت رويشد الثقفي خمرًا فحرَّق بيته، وقال: ما اسمك؟ قال: رويشد. قال: بل أنت فويسق. (79) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر. (80) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: شهدت عمر بن الخطاب قطع بعد يدٍ ورجلٍ يدًا في السرقة. (81) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: أنه وَجَد قومًا يختفون القبور باليمن على عهد عمر بن الخطاب، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر أن يقطع أيديهم. (82) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من أخذ من التمر شيئًا فليس عليه قطع يؤوى إلى المرابد والجرائن، فإن أخذ منه بعد ذلك ما يساوي ربع دينار قُطع. (83) عن عمر -رضي الله عنه- قال: لا قطع في عذق، ولا في عام السَّنة. (84) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان لا يجلدون العبد في القذف إلا أربعين، ثم رأيتهم يزيدون على ذلك. ومن كتاب الجهاد: (85) عن عمر -رضي الله عنه- أنه ضعَّف الصدقة على بني تَغلِب. (86) عن عمر -رضي الله عنه- قال في المجوس: سنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب.
ومن كتاب الإيمان
(87) عن عمر -رضي الله عنه- قال: أنا فئة كل مسلم. (88) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال للهرمزان: تكلَّم، لا بأس عليك. (89) عن عمر -رضي الله عنه- قال: العبد المسلم رجل من المسلمين، ذمَّته ذمَّتهم. ومن كتاب الإيمان: (90) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسنوا، فإن غُلبتم فكتاب الله وقَدَره، لا تدخلوا اللو، فإن من أدخل اللو عليه، دخل عليه عمل الشيطان». (91) عن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعثت داعيًا ومبلِّغًا، وليس إلي من الهدى شيء، وخُلق إبليس مزينًا، وليس إليه من الضلالة شيء». (92) عن عمر -رضي الله عنه- قال: عُرَى الإيمان أربع: الصلاة، والزكاة، والجهاد، والأمانة. ومن كتاب فضائل القرآن: (93) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله، ما لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟! قال: «كانت لغة إسماعيل قد دَرَست، فجاء بها جبريل، فحفظتها». (94) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: من قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ليلة كُتب من القانتين. (95) عن المِسوَر بن مَخرمة: أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: تعلَّموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإن فيهن الفرائض.
(96) عن عُبادة بن نُسَيّ: أنَّ عمر كان يقول: لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها. (97) عن بَجَالة قال: مرَّ عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم». فقال: ياغلام، حكَّها. قال: هذا مصحف أُبَي. فذهب إليه فسأله، فقال: إنه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالأسواق. (98) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت عند عمر، فقرأت: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب». فقال عمر: ما هذا؟! فقلت: هكذا أقرأنيها أُبَي، فجاء إلى أُبَي، وسأله عما قرأ ابن عباس، فقال: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. (99) عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ: «أإذا كنا عظامًا ناخرة». بألف. (100) عن عمرو بن ميمون قال: صلَّيت مع عمر بن الخطاب المغرب فقرأ: «والتين والزيتون * وطور سيناء». وهكذا في قراءة عبد الله. (101) عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ: «سراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين». (102) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ: «ولا يضارر كاتب ولا شهيد». (103) عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن الزبير يقرأ: «في جنات يتساءلون عن المجرمين يا فلان ما سلككم في سقر». قال عمرو: وأخبرني لقيط قال: سمعت ابن الزبير قال: سمعت عمر بن الخطاب يقرؤها كذلك.
ومن كتاب التفسير
(104) عن أبي مِجلَز: أن أُبَي بن كعب قرأ: {من الذين استحق عليهم الأوليان}. فقال عمر: كذبتَ. قال: أنت أكذب. فقال رجل: تكذِّب أمير المؤمنين؟! قال: أنا أشد تعظيمًا لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذَّبته في تصديق كتاب الله تعالى، ولم أصدِّق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله تعالى. فقال عمر: صدق. ومن كتاب التفسير: من سورة البقرة: (105) عن عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} قال: النفقة في سبيل الله. (106) عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان إذا تلا: {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} قال: مضى القوم فإنما يعني به أنتم. (107) عن عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {يتلونه حق تلاوته} قال: إذا مرَّ بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرَّ بذكر النار تعوَّذ بالله من النار. (108) أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا تلا هذه الآية: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} إلى قوله: {ومن الناس من يشرى نفسه} قال: اقتتل الرجلان. ومن سورة آل عمران: (109) في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: أنتم، فكنا كلنا، ولكن قال: {كنتم} خاصة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن صنع مثل صنيعهم كانوا خير أمة أُخرجت للناس (110) عن عمر -رضي الله عنه-: أنه قيل له إن هنا غلامًا من أهل الحيرة حافظًا
ومن سورة النساء
كاتبًا، فلو اتخذته كاتبًا؟ قال: قد اتخذت إذًا كلبًا بطانة من دون المؤمنين. (111) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قرأ: {زين للناس حب الشهوات ...} الآية، ثم قال: الآن يا رب، وقد زينتها في القلوب. ومن سورة النساء: (112) أنَّ عمر كان في سوق المدينة يومًا فطأطأ رأسه، فأخذ شق تمرة، فمسحها من التراب، ثم مرَّ أسود عليه قِربة، فمشى إليه عمر، وقال: اطرح هذه في فيك. فقال له أبو ذر: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه أثقل أو ذرة؟ قال: لا، بل هي أثقل من ذرة. قال: فهمت ما أنزل الله في سورة النساء: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} كان بدء الأمر مثقال ذرة، وكان عاقبته أجرًا عظيما. ومن سورة الأنعام: (113) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «يا عائشة، {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا}: هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمة، ليس لهم توبة، يا عائشة، إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة، أنا منهم بريء، وهم مني براء». ومن سورة براءة: (114) عن ابن عباس: أنَّ عمر قيل له: سورة التوبة؟ قال: هي إلى العذاب أقرب، ما أقلعت عن الناس حتى ما كادت تدع منهم أحدًا. ومن سورة الحج: (115) عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال: قرأ عمر بن
ومن سورة النور
الخطاب: هذه الآية {ما جعل عليكم في الدين من حرج}، ثم قال: ادعوا لي رجلاً من بني مدلج، قال عمر: ما الحرج فيكم؟ قال: الضيق. ومن سورة النور: (116) عن عمر -رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} قال: «توبتهم: إكذابهم أنفسهم، فإن كذَّبوا أنفسَهم قُبِلَت شهادتهم». ومن سورة المؤمنون: (117) عن أبي إسحاق قال: أتى رجلٌ عمرَ، فقال: لقاتل المؤمن توبة، ثم قرأ: {غافر الذنب وقابل التوب}. ومن سورة الطور: (118) عن عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {وأدبار السجود} قال: ركعتان بعد المغرب. وفي قوله: {وإدبار النجوم} قال: ركعتان قبل الفجر. ومن سورة القمر: (119) عن عمر -رضي الله عنه- لما نزلت: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} جعلت أقول: أي جمع يُهزَم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} فعرفت تأويلها يومئذ. ومن سورة الرحمن: (120) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: أتدرون ما {حور مقصورات في الخيام}؟ دُرّ مجوَّف. ومن سورة الجن: (121) عن السُّدي قال: قال عمر -رضي الله عنه-: {وأن لو استقاموا على الطريقة
ومن سورة الانفطار
لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه} قال: حيث ما كان الماء كان المال، وحيثما كان المال كانت الفتنة. ومن سورة الانفطار: (122) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قرأ هذه الآية: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} قال: غرَّه والله جهلُهُ. ومن سورة قريش: (123) عن إبراهيم قال: صلَّى عمر بن الخطاب بالناس بمكة عند البيت، فقرأ: {لإيلاف قريش} قال: {فليعبدوا رب هذا البيت} وجعل يومئ بإصبعه إلى الكعبة، وهو في الصلاة. هذا بعض ما تيسَّر إيراده مما فات المؤلف -رحمه الله-، وهو من الكثرة بمكان، لأجل هذا فقد عَقَدت العزم على عمل موسوعة علمية تجمع شتات ما ورد عن عمر رضي الله عنه مرتَّبًا على أبواب العلم، وسمَّيته: «الجامع المسند لفقه عمر بن الخطاب وأقواله على أبواب العلم»، يسَّر الله إتمامه بمنِّه وكَرَمه.
المبحث السابع: وصف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق
المبحث السابع: وصف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على صورة النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية -صانها الله من كل مكروه-، أحضرها لي الأخ الكريم الشيخ خالد بن محمود بن علي الرَّبَّاط، وهي النسخة الوحيدة للكتاب في حدود علمي واطلاعي، وتقع في 435 صفحة، عدد الأسطر في كل صفحة سبعة عشر سطرًا، في كل سطر عشر كلمات تقريبًا. وفي كثير من صفحات المخطوط استدراكات وزيادات، وقد عانيت كثيرًا في قراءة هذه الإلحاقات، وذلك لسوء تصوير النسخة التي وصلتني من دار الكتب المصرية، وبقيت على هذا بُرهة من الزمن، وأنا لا أجد حلاًّ لهذه المشكلة، إلى أن منَّ الله علي بأخ كريم، ألا وهو: الشيخ عمر بن سليمان الحفيان، فقام مشكورًا بزيارة لإحدى الجامعات، وقلَّب في سجلات المخطوطات، فعثر على نسخة مصورة عن نسخة دار الكتب المصرية، لكنها تمتاز بحسن التصوير مما حلَّ لي جُلَّ الإشكالات التي وقفت أمامها عاجزًا، فجزى اللهُ الشيخ عمر عني خيرًا، وجعل ذلك في موازين حسناته، فلولا مِنَّة الله تعالى عليَّ بهذه النسخة لما كان لإعادة إخراج الكتاب أدنى فائدة. وقد امتازت النسخة المعتمدة في تحقيق الكتاب بما يلي: 1 - أنها بخط المؤلِّف، وقد دلَّ على هذا عدَّة أمور: الأمر الأول: مقارنة خط المؤلِّف في هذا الكتاب بخطه في كتبه الأخرى، كما ستراه في صور المخطوطات التي وقفت من خلالها
على خط المؤلف. الأمر الثاني: كثرة الإلحاقات التي على هامش النسخة، والتي تمثل ثلث الكتاب تقريبًا، مما يستحيل معها القول بأنها من صنيع النُّسَّاخ، كما ستراه في صور المخطوط. الأمر الثالث: وجود أوراق ملحقة بين صفحات المخطوط، كان المؤلِّف يستدرك فيها ما فاته من الأحاديث والآثار. 2 - أن المؤلِّف قرأها على شيخه الحافظ المزي، وأثبت ذلك في عدة مواضع. 3 - أن على هامش النسخة تعليقات بخط الحافظ ابن حجر، وهي وإن كانت قليلة، إلا أنها تعليقات حديثية نافعة، وقد أثبتُّ هذه التعليقات في أماكنها. وقد دلَّلت على هذا كله بإيراد بعض صور المخطوط.
المبحث الثامن: منهج التحقيق
المبحث الثامن: منهج التحقيق 1 - نظرًا لأن الكتاب قد سبق طبعه، فلم أقم بإعادة نسخ المخطوط، ولكن قابلت المخطوط على المطبوع، وأصلحت ما في المطبوع، ثم دفعت الكتاب لولدي حذيفة -وفقه الله- فقام بصفِّه على الحاسب الآلي. 2 - عزوت الآيات القرآنية لأماكنها من كتاب الله العزيز. 3 - عزوت الأحاديث والآثار إلى مصادرها التي ذكرها المؤلِّف. 4 - ألحقت ما كتبه المؤلف بالحاشية إلى مواضعه من الكتاب، ولم أُشر إلى ذلك لكثرته، ولعدم الفائدة من التنبيه. 5 - خرَّجت الأحاديث والآثار من مصادر أخرى غير التي ذكرها المؤلِّف، وكنت قد تردَّدت في ذلك خوفًا من الإطالة إلا أن بعض إخواني طلب مني ذلك، وأيَّد رأيه بأن تخريج الآثار من الصعوبة بمكان، والله المسئول أن يأجرني على نيَّتي. 6 - عزوت أقوال أئمة الجرح والتعديل إلى مصادرها. 7 - وثَّقت الأقوال الفقهية وعزوتها إلى الكتب المعتمدة قدر الطاقة. 8 - شرحت الكلمات الغريبة، وعزوتها إلى مصادرها. 9 - قابلت نصوص الكتاب على الكتب المطبوعة، وأثبت الفروق المهمة، وقد أخذ ذلك مني وقتًا وجهدًا أحتسبه عند الله تعالى. 10 - إذا أورد المؤلِّف حديثًا أو أثرًا وفيه ضعف بيَّنت ما فيه، ثم اجتهدت في البحث عما يقويه أو التفتيش عما هو صحيح، فإن عثرت على شيء أثبتُّه، وإن لم أجد شيئًا يصح عن عمر -رضي الله عنه-؛ بحثت عما هو ثابت عن
غيره من الصحابة قدر الطاقة، فإن وَجَدت شيئًا أثبتُّه، وإن كان في الباب ما هو صحيح مرفوع أتيت به. وربما ذكرت بعض الشواهد وإن كان فيها ضعف؛ لأجل بيان عدم صلاحيتها للتقوية حتى لا يأتي من يستدرك أن للقصة شواهد تتقوى بها، فانظر على سبيل المثال رقم (95) فقد أوردت تحته عدَّة روايات مرفوعة لأبيِّن عدم صلاحيتها. 11 - ناقشت المؤلِّف فيما ذهب إليه من تصحيح لبعض الروايات، مسترشدًا في ذلك بكلام أئمة العلل، ولا أذكر إلا ما كان واضحًا جليًّا، أما المحتمل فلا أتعرَّض له. 12 - التزمت بنقل كلام الحفاظ على الروايات تصحيحًا وتعليلاً، بدءًا بعلمائنا الأوائل، وانتهاءً بالإمام الألباني، وما لم أجد لهم فيه كلامًا أو غاب عني، اجتهدت في دراسته حسب القواعد المقرَّرة في هذا الفن. 13 - وحرصًا مني على بلوغ أقصى ما يمكن أن أقوم به خدمة لهذا الكتاب، فقد قمت بجرد مجموعة كبيرة من المصنَّفات والأجزاء الحديثية، رجاء أن أظفر بكلام لأحد الأئمة، أو أن يقع تحت يدي مصدر عزيز من المصادر، أو أن أقف على طريق تشدُّ من أزر الطرق المتكلَّم فيها، وقد استغرق ذلك مني وقتًا وجهدًا لا يدركه إلا من مارس ذلك بنفسه، وها هي مرتَّبة على حروف المعجم: 1 - «أحكام أهل الملل» للخلاَّل. 2 - «أخبار القضاة» لوكيع محمد بن خلف. 3 - «أقضية الخلفاء الراشدين» للدكتور أر-كي - نور محمد بن أر - كي - محيي الدين.
3 - «إرواء الغليل» للألباني. 4 - «أمالي» ابن بشران. 5 - «أمالي المحاملي» رواية ابن البيِّع. 6 - «أمالي المحاملي» رواية ابن مهدي الفارسي. مخطوط. 7 - «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للخلاَّل. 8 - «أنساب الأشراف» للبلاذُري -سيرة عمر. 9 - «البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» لابن الملقِّن. 10 - «التاريخ الأوسط» للبخاري. 11 - «تاريخ ابن معين» رواية الدُّوري. 12 - «تاريخ الإسلام» للذهبي. الجزء الخاص بترجمة عمر رضي الله عنه. 13 - «تاريخ دمشق» لابن عساكر، الجزء الخاص بترجمة عمر رضي الله عنه. 14 - «تاريخ الرَّقة» لأبي علي القشيري الحرَّاني. 15 - «التاريخ الكبير» لابن أبي خيثمة. 16 - «تاريخ المدينة النبوية» لعمر بن شبَّة. 17 - «التحجيل لما فات إرواء الغليل» للطريفي. 18 - «الترجُّل» للخلال. 19 - ترجمة عمر بن الخطاب من «الإصابة» لابن حجر. 20 - ترجمة عمر بن الخطاب من «حلية الأولياء» لأبي نعيم. 21 - ترجمة عمر بن الخطاب من «الطبقات الكبرى» لابن سعد. 22 - «تفسير ابن المنذر». 23 - «التكميل لما فات إرواء الغليل» لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ. 24 - «تهذيب الآثار» للطبري. 25 - «التفسير من الجامع» لابن وهب. 26 - «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر.
27 - «جزء حنبل». 28 - «جزء في ذكر الإمام الحافظ ابن منده» لأبي موسى المديني. 29 - «جزء فيما انتقى ابن مردويه على الطبراني». 30 - «الجعديات» لأبي القاسم البغوي. 31 - «الجليس الصالح الكافي» للمعافى بن زكريا. 32 - جمهرة الأجزاء الحديثية، وتشتمل على 19 جزءًا، وهي: - «الأربعون» لابن المقرئ. - «من حديث أبي بكر ابن المقرئ». - «أحاديث بكر بن بكار». - «ستة مجالس من أمال الباغندي». - «حديث بدر بن الهيثم القاضي». - «من حديث أحمد بن سليمان بن حذلم». - «حديث الهميان». - «من حديث البغوي وابن صاعد وعبد الصمد». - «فوائد أبي الحسين أحمد بن محمد بن حمزة الثقفي». - «من مسند ابن زيدان». - «فوائد أبي الخير محمد بن أحمد الباغبان». - «حديث المصافحة» للسِّلَفي. - «كلام السِّلَفي على الأربعين الودعانية». - «حديث العثماني الديباجي». - «حديثان من إملاء أبي إسحاق الغساني السنهوري». - «أحاديث عن 19 من أصحاب ابن طبرزد».
- «من حديث التقي ابن المجد». - «خمسة أحاديث من إملاء العراقي». - «الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور» ليوسف بن عبد الهادي. 33 - «حديث أبي الفضل الزهري» رواية الجوهري. 34 - «حديث السرَّاج». 35 - «حديث شعبة» لابن المظفر. 36 - «حديث إسماعيل بن جعفر» رواية علي بن حُجر. 37 - «حديث مصعب بن عبد الله الزبيري». 38 - «الزيادات على كتاب المزني» لأبي بكر ابن زياد النيسابوري. 39 - «سؤالات أبي عبيد الآجري» لأبي داود. 40 - «سنن الدارمي». 41 - «الطيوريات» للمبارك بن عبد الجبار الصوفي. 42 - «علل ابن أبي حاتم الرازي». 43 - «العلل» لابن المديني. 44 - «العلل» للإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله. 45 - «العلل» للإمام أحمد، رواية المروذي وغيره. 46 - «فتوح البلدان» للبلاذُري. 47 - «فضائل القرآن» للفِريابي. 48 - «فضائل القرآن» للمستَغفِري. 49 - «فضائل القرآن» لابن الضريس. 50 - «فضائل القرآن» لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم. 51 - «فقه عمر بن الخطاب موازنًا بفقه أشهر المجتهدين» للدكتور رُوَيعي بن راجح الرحيلي. 52 - «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي.
53 - «فوائد الخليلي». 54 - «فوائد أبي محمد الفاكهي». 55 - «الفوائد العوالي المؤرخة من الصحاح والغرائب» للتَّنوخي. 56 - «فوائد الفاكهي». 57 - «فوائد الفوائد» لابن خزيمة. 58 - «الفوائد المعلَّلة» لأبي زرعة الرازي. 59 - «مجموع فيه مصنَّفات أبي الحسن ابن الحمامي، وأجزاء حديثية أخرى». 60 - «محض الصواب في فضائل عمر بن الخطاب» ليوسف ابن عبد الهادي. 61 - «المزكيات». انتقاء الدارقطني. 62 - «مسائل أحمد» رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ. 63 - «مسائل أحمد» رواية أبي داود السجستاني. 64 - «مسائل أحمد» رواية ابنه صالح. 65 - «مسائل أحمد» رواية ابنه عبد الله. 66 - «مسائل الكوسج». 67 - «مسند السَّرَّاج». 68 - مسند عمر بن الخطاب» للنَّجاد. 69 - مسند عمر بن الخطاب من «إتحاف المهرة». 70 - مسند عمر بن الخطاب من «تحفة الأشراف». 71 - مسند عمر بن الخطاب من «مسند الإمام أحمد». 72 - مسند عمر بن الخطاب من «مسند البزار». 73 - مسند عمر بن الخطاب من «علل الدارقطني». 74 - مسند عمر بن الخطاب من «المختارة» للضياء المقدسي. 75 - «مسند عمر بن الخطاب» ليعقوب بن شيبة.
76 - «مشيخة ابن عبد الباقي». 77 - «مشيخة الأبنوسي». 78 - «مشيخة ابن الحطاب الرازي». 79 - «مشيخة ابن أبي الصقر». 80 - «مشيخة ابن النَّقور». 81 - «مصارع العشَّاق» لأبي محمد السرَّاج. 82 - مصنَّفات ابن أبي الدُّنيا المطبوعة، وعددها (39) كتابًا، وهي: - «الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان». - «الإخلاص والنيَّة». - «الإخوان». - «إصلاح المال». - «الإشراف في منازل الأشراف». - «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». - «الأهوال». - «التوكل على الله». - «التهجد وقيام الليل». - «الجوع». - «حسن الظن بالله». - «الحِلم». - «ذكر الموت». - «ذم الدنيا». - «ذم الملاهي».
- «الرضا عن الله بقضائه». - «الرقة والبكاء». - «الشكر لله عزَّ وجلَّ». - «الصبر والثواب عليه». - «صفة النار». - «الصمت وآداب اللسان». - «العزلة والانفراد». - «العقوبات». - «العمر والشيب». - «العيال». - «فضائل رمضان». - «قرى الضبف». - «قصر الأمل». - «قضاء الحوائج». - «المتمنين». - «مجابو الدعوة». - «المحتضرين». - «مداراة الناس». - «المطر والرعد والبرق والريح». - «مقتل أمير المؤمنين». - «مكائد الشيطان». - «مكارم الأخلاق».
- «من عاش بعد الموت». - «الهواتف». - «الورع». - «اليقين». 83 - «معجم ابن الأعرابي». 84 - «معجم الإسماعيلي». 85 - «المعرفة والتاريخ» للفَسَوي. 86 - «المتفق والمفترق» للخطيب البغدادي. 87 - «المنتظم» لابن الجوزي. القسم المتعلِّق بخلافة عمر رضي الله عنه. 88 - «المطالب العالية» لابن حجر. 89 - «المنتخب من علل الخلاَّل» لابن قدامة. 90 - «المنتقى من الجزء الأول والثالث» لأبي القاسم المروزي المعروف بالحامض. 91 - «المهروانيات». 92 - «موسوعة أقوال الإمام أحمد في الطهارة والصلاة» لإبراهيم النحاس. 93 - «موسوعة فقه عمر بن الخطاب» لمحمد رواس قلعجي. 94 - «موطأ مالك». رواية يحيى الليثي. 95 - «الموطأ» لابن وهب (المحاربة، القضاء، البيوع). 96 - «الوقوف» للخلاَّل.
المبحث التاسع: نقد الطبعة السابقة للكتاب
المبحث التاسع: نقد الطبعة السابقة للكتاب قد يتساءل البعض قائلاً: ما الداعي لإعادة إخراج هذا الكتاب، وقد سبق طبعه؟ فأقول: نعم، لقد سبق طبع هذا الكتاب منذ عشرين عامًا تقريبًا بتحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، وقبل الجواب على هذا السؤال أنقل للقارئ بعض آراء أهل العلم والمختصين في تحقيقات الدكتور قلعجي جملة، ثم أبيِّن وجه الخلل الواقع في النشرة المطبوعة، فأقول: قال الشيخ العلاَّمة حماد الأنصاري: كل الكتب التي يطبعها القلعجي لاتصلح، لابد أن يعاد تحقيقها، وتعاد طباعتها. وقال -أيضًا-: سألت عن القلعجي الذي يحقِّق كتب العلم -لما كنت بمصر- رجلاً ثقة، فقال لي: هذا رجل بيطري، ترك البيطرة، واشتغل بتحقيق كتب العلم ونشرها للتجارة وجمع المال، ويجمع الشباب والشابَّات المتبنطلات لهذا الغرض. انظر: «المجموع في ترجمة المحدِّث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري» (2/ 594، 620). وقال الدكتور عبد الله عسيلان في كتابه: «تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل» (ص 77): وقد ظهرت في ساحة التحقيق منذ أمد قريب شرذمة أقحمت نفسها في ميدانه ... ، وأقرب مثال على ذلك: ما خَرَج لنا من بعض كتب الحديث التي يزعم طبيب اسمه: عبد المعطي أمين قلعجي أنه تولَّى تحقيقها، وتربو في مجموعها على ستين جزءًا، وما تراه فيها من تحقيق ينم عن جهل بأصوله وأصول
العلم الذي تدور في فَلَكه؛ بل يؤكد محمد عبد الله آل شاكر أن المذكور يستحل جهود الآخرين، ويسطو عليها، حيث يكلِّفهم بالعمل على تحقيقها بدعوى المشاركة، ثم يطبعها باسمه وحده (¬1)، كما حدَّثه بذلك أحد أساتذة الأزهر ممن وقع في أحابيله، ويؤكد ذلك تقارب تاريخ صدور بعض هذه الكتب مع كثرة أجزائها، مثل كتاب «الثقات» للإمام العجلي، الذي صدر سنة 1405 هـ، وهو جزء واحد، وفي السَّنَة نفسها صدر كتاب «دلائل النبوة» للإمام البيهقي في ثمانية أجزاء، وصدر في عام 1412 هـ كتاب «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي في خمسة عشر جزءًا، وبعد أقل من عامين، أي في عام 1414 هـ يصدر كتاب «الاستذكار» لابن عبد البر، وهو كتاب ضخم يقع في ثلاثين جزءًا، فهل كان يحقِّق هذه الكتب في وقت واحد، أو أن هناك عددًا من الأشخاص يعملون خلف الكواليس ... ؟ وقد أخبرني الشيخ حماد بن محمد الأنصاري بأنه وقف في عمل مَن تولَّى إخراج هذه الكتب على طامات وعجائب من التصحيفات والتحريفات والأخطاء في التعليق والتخريج. اهـ ¬
وممن قام بنقد أعماله: الدكتور زهير بن ناصر الناصر في كتابه: «القول المفيد في الذبِّ عن جامع المسانيد»، فقد عَقَد في كتابه هذا فصلاً كاملاً لبيان الأغلاط الواقعة في النشرة التي أخرجها الدكتور قلعجي لـ «جامع المسانيد والسُّنن»، وقد أجمل الدكتور هذه الأخطاء في عدَّة نقاط، ثم شرع في التفصيل، وإليكها مجملة: 1 - قصور المحقِّق في تخريجه للأحاديث وتعليقاته عليها. 2 - ضَعف المحقِّق في خدمة نص الحافظ ابن كثير. 3 - وجود الحديث في «مسند أحمد» مع عدم عزوه إليه. 4 - عدم استيعاب المحقِّق طرق الحديث الواحد. 5 - إيراد المحقِّق زيادات مخلَّة لا معنى لها في أسانيد الأحاديث متابعة للمطبوع. 6 - ذِكر المحقِّق ترجمة الراوي الواحد في موضعين، فيفرِّق بين مجتمع ظانًا أنهما اثنان. 7 - زيادة المحقِّق راويًا واحدًا في الإسناد متابعة للمطبوع. 8 - زيادته راويين في أول الإسناد. 9 - جعله الراويين راويًا واحدًا. 10 - سقوط راو أو أكثر من الإسناد مع عدم تنبُّه المحقِّق لذلك. 11 - إخلال المحقِّق بإغفاله ذكر بعض الأحاديث في مرويات التابعي عن الصحابي. 12 - استحداث المحقِّق تراجم خاطئة أو لا وجود لها نتيجة تحريف في المطبوع. 13 - جعل المحقِّق الحديث من رواية الإمام أحمد، والصواب أنه
من زيادات ابنه عبد الله. 14 - سقوط اسم شيخ الإمام أحمد من أول السند نتيجة متابعة المحقِّق للمطبوع. 15 - عدم توثيقه النص على الأصل للمخطوط. وقال عبد الله بن يوسف الجديع -هداه الله- في تعليقه على «المقنع في علوم الحديث» لابن الملقِّن (2/ 657) تعليقًا على نشرة الدكتور قلعجي لـ «الضعفاء الكبير» للعقيلي: واعلم أنه وقع في هذه النشرة سقط وتحريف ليس بالقليل، فالله المستعان. وقال الأستاذ مازن السرساوي في تحقيقه لـ «علل ابن المديني» (ص 7 - ط دار ابن الجوزي) عند الكلام على نشرات الكتاب السابقة: ثم تلاه [أي: الأعظمي]: الطبيبُ عبد المعطي قلعجي، فأعاد نشر الكتاب، وليته ما أتعب نفسه؛ فإنه ما فعل شيئًا يُذكَر، بل مسخ الكتاب، ولم يحسن قراءة المخطوط، وبعد ذلك أخرجه عن موضوعه بهذه الحواشي التي هي في وادٍ، والكتاب في وادٍ آخر، وهذا شأن الرجل في كل ما يطبعه أو يدعي أنه حقَّقه، والله يسامحه. وأما عن مبلغ علم الدكتور قلعجي بفن صناعة الحديث، فقد كفانا الجواب عن هذا الإمام الألباني، فقال في «السلسلة الضعيفة» (3/ 529) بعد كلام له: وهكذا فليكن تحقيق الدكتور! وكم له في تعليقاته من مثل هذا وغيره من الأخطاء والأوهام التي تدل على مبلغه من العلم. والله المستعان. وقال -أيضًا- في (4/ 17): وإنما أوقع الدكتور في هذا الخطإ الفاحش: افتئاته على هذا العلم، وظنه أنه يستطيع أن يخوض فيه تصحيحًا وتضعيفًا بمجرد أنه نال شهادة الدكتوراه.
وقال -أيضًا- في (5/ 235 - 237): ومثل هذا التخريج وغيره يدل دلالة واضحة على أن الدكتور ليس أهلاً للتخريج؛ بله التحقيق. وقال -أيضًا- في (7/ 23): وأما الدكتور القلعجي الجريء على تصحيح الأحاديث الضعيفة، وتضعيف الأحاديث الصحيحة، بجهل بالغ، وقلة خوف من الله عزَّ وجلَّ، فقد أورد هذا الحديث ... الخ. هذا ما قاله المختصون في تحقيقات الدكتور قلعجي على وجه الإجمال، وإليك الأمثلة التطبيقية على صحة ما قالوه من خلال تحقيقي لهذا الكتاب. فأقول، وبالله التوفيق: يمكن إجمال الأخطاء الواقعة في نشرة الدكتور قلعجي لـ «مسند الفاروق» في عدة نقاط رئيسة، وهي: 1 - إسقاطه لعشرات النصوص من النسخة الخطية. 2 - التصرف في النص بالزيادة والنقصان. 3 - التحريف والتصحيف في النصوص، وأسماء الرجال، ومتون الأحاديث. 4 - إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر. 5 - إتيانه بنص لا وجود له في النسخة الخطية. ولا يخفى عليك -أيها القارئ- أن خطأ واحدًا من هذه الأخطاء كافٍ لإسقاط طبعة الدكتور، فكيف بها مجتمعة؟! وسأبرهن على كل نوع من هذه الأنواع بذكر عدَّة أمثلة، أما الاستقصاء فهذا مما لا سبيل إليه؛ لكثرته، وقد وضعت ذلك في آخر الكتاب مع الفهارس لمن يريد النظر فيها.
شكر وعرفان
شكر وعرفان وفي الختام أرى لزامًا عليَّ أن أقوم بالشكر والعرفان لكل من كان عونًا لي بعد الله تعالى في إخراج هذا الكتاب، وأخص منهم بالذِّكر: فضيلة الشيخ العلاَّمة عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض الذي كان نِعم العون لي في تثبيتي في طريق طلب العلم، ولقد تشرَّفت بالعمل في مكتبه حين أوكل إليَّ القيام بتخريج أحاديث كتاب «كشاف القناع عن الإقناع» في الفقه الحنبلي، الذي تقوم الآن بطبعه وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية في (15) مجلدًا، واللهَ أسأل أن يجزيه عني خير الجزاء، وأن يبارك له في ذريته، وأن يجعله يوم القيامة فوق كثيرٍ من خَلْقه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والشكر موصول لأصحاب الفضيلة: الشيخ عمر بن سليمان الحَفْيان الذي دلَّني على العمل في هذا الكتاب، ونبَّهني على الأغلاط الواقعة في النسخة المطبوعة، ثم حثَّني على العمل على إخراجه، وإليه يعود الفضل فى تنبيهي على أن الاستدراكات التي على حواشي النسخة هي من خط الحافظ ابن حجر، فجزاه اللهُ عني خيرًا. والشيخ عبد الرحمن بن أحمد الجُميزي الذي قام معي بمقابلة المخطوط، وقراءة الكتاب بتمامه بعد الفراغ من تحقيقه، وقدَّم لي ملحوظات قيِّمة أفدت منها كثيرًا في إقامة نصِّ الكتاب،
فجزاه الله عني خيرًا. والشيخ خالد بن محمود بن علي الربَّاط الذي أحضر لي صورة النسخة الخطية من دار الكتب المصرية، والذي تولَّى إخراج الكتاب في داره العامرة بمصر. والشيخ عبد الحق التركماني، والشيخ ساعد غازي، والشيخ فتحي الجندي على ما قدَّموا لي من ملحوظات وتنبيهات. كما أشكر ولدي حذيفة الذي قام بصفِّ الكتاب على الحاسب الآلي، فجزاه اللهُ عني خيرًا، وجعله مباركًا أينما كان، وحفظَه وإخوانَه من جميع الشرور والآثام، اللهم آمين. وأخيرًا، فكما قال المزني رحمه الله: «لو عُورض كتابٌ سبعين مرَّة؛ لوُجد فيه خطأ، أَبَى اللهُ أن يكون كتابٌ صحيحًا غيرَ كتابِهِ»، فما كان في هذا الكتاب من حق وصواب؛ فذلك من فضل الله عليَّ، وهو المانُّ به،
وما كان فيه من خطإ أو خَلَل؛ فهو مني، وأنا المسئول عنه، واللهَ أسأل أن يغفر لي خطئي وزللي، والمرجو من إخواني ألا يبخلوا عليَّ بنصحي وتقويمي. والحمد لله أولاً وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، كما يحبُّ ويرضى، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
إسنادي إلى الحافط ابن كثير
إسنادي إلى الحافط ابن كثير أروي هذا الكتاب وغيره من مصنَّفات الحافظ ابن كثير عن شيخنا عبد الله بن عبد العزيز العقيل إجازة في الرياض سنة 1423 هـ، قال: أنبأنا عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي إجازة، عن أحمد بن عبد الله بن سالم البغدادي، عن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، عن جدِّه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عن عبد الله بن إبراهيم بن سيف الفرضي. وأنبأنا شيخنا زهير الشاويش مكاتبة من بيروت سنة 1423 هـ، قال: أنبأنا السيد محمد بدر الدين بن يوسف الحسني الدمشقي، عن عبد القادر بن عبد الرحيم الخطيب، عن عبد الرحمن الكُزبري، عن أحمد بن عبيد العطار، عن صالح الجِينيني. كلاهما (عبد الله بن إبراهيم بن سيف الفرضي، وصالج الجِينيني) عن أبي المواهب محمد بن عبد الباقي البعلي، عن النجم محمد بن البدر محمد الغزِّي، عن أبيه، عن أبي الفتح محمد الِمزِّي العوفي، عن الشمس محمد بن الجزري المقرئ، عن الإمام الحافظ ابن كثير.
نماذج خطية
نماذج خطية ظهرية النسخة الخطية للكتاب
اللوحة الأولى
اللوحة الأخيرة
نموذج تتداخل الحواشي والإلحاقات
حاشية بخط الحافظ ابن حجر
صورة من مخطوط (طبقات الشافعية) للحافظ ابن كثير وعليها إجازة بخط يده بتاريخ 746 هـ
النص محقَّقًا
كتاب الطهارة
/ (ق 2) بسم الله الرحمن الرحيم رب يسِّر مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاب الطهارة (1) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي، عن علقمة بن وقَّاص اللَّيثي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكلِّ امرئٍ ما نَوَى، فمَن كانت هجرتُهُ إلى اللهِ، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه، ومَن كانت هجرتُهُ لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يَنكحُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه». هكذا رواه عن سفيان. ورواه في موضع آخر (¬2) عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، به، ولفظه: «إنما العملُ بالنِّيَّةِ، وإنما لامرئٍ ما نَوَى، فمَن كانت هجرتُهُ إلى اللهِ وإلى رسولِهِ، فهجرتُهُ إلى اللهِ وإلى رسولِهِ، ومَن كانت هجرتُهُ لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه». وهذا حديثٌ عظيمٌ جليلٌ، اتَّفق الأئمَّة كلُّهم على إخراجه في كُتُبِ الإسلامِ وتلقِّيه بالقَبول من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري القاضي. ¬
فرواه أبو عبد الله البخاري -رحمه الله- في سبعة مواضعَ من كتابه «الصحيح»: ففي أول الكتاب (¬1) عن الحميدي -وهو: عبد الله بن الزبير-، عن سفيان (مـ) (¬2) / (ق 3) بن عيينة، به، ولفظه: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى، فمن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يُصيبُها أو إلى امرأةٍ يَنكحُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه». ورواه في كتاب الإيمان (¬3)، عن القَعْنبي (مـ س) (¬4). وفي النكاح (¬5)، عن يحيى بن قَزَعة. كلاهما عن مالك بن أنس (س) (¬6)، عن يحيى بن سعيد، به. ولفظه في الإيمان: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، ومَن كانت هجرتُه إلى دُنيا يُصيبها أو إلى امرأةٍ (¬7) يتزوَّجُها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه». ¬
ثم رواه البخاري في الهجرة (¬1)، عن مُسدَّد. وفي ترك الحيل (¬2)، عن محمد بن الفضل عارِم. كلاهما عن حماد بن زيد (مـ س) (¬3)، عن يحيى بن سعيد، به. ورواه في العتق (¬4)، عن محمد بن كثير (د) (¬5)، عن الثوري، عن يحيى بن سعيد، به. وفي النذور (¬6)، عن قتيبة، عن عبد الوهاب الثَّقَفي، عن يحيى بن سعيد، به. بألفاظ متقاربة. وأخرجه مسلم في أواخر كتاب الجهاد من «صحيحه» (¬7)، عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. وعن محمد بن عبد الله بن نُمَير، عن حفص بن غياث ويزيد بن هارون. كلُّهم عن يحيى بن سعيد, به. ورواه -أيضًا- من حديث الليث بن سعد (ق) (¬8)، وعبد الله بن ¬
المبارك (س) (¬1)، وأبي خالد الأحمر، ومن طرق أخر قد رَمَزنا له عليها. كلُّهم عن يحيى بن سعيد. ولفظ مسلم: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّةِ، وإنما لامرئٍ ما نوى / (ق 4) فمن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، ومن كانت هجرتُه لدنيا يُصيبها أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه». وأخرجه أصحاب السُّنن الأربعة: أبو داود السِّجستاني (¬2)، وأبو عيسى الترمذي (¬3)، وأبو عبد الرحمن النسائي (¬4)، وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القَزويني (¬5) من الطرق التي رَمَزنا لهم عليها، وألفاظهم متقارِبة. وقد حرَّرناها في أول «شرح البخاري» (¬6)، ولله الحمد. وقد رواه الإمام علي ابن المديني في «مسنده» (¬7)، عن سفيان بن ¬
عيينة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثَّقَفي، ويزيد بن هارون. كلُّهم عن يحيى بن سعيد، به. ثم قال: هذا حديث صحيح جامع، وهو من أصحِّ حديث روي عن عمرَ مرفوع، ولا نرويه من وجه من الوجوه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري. ورواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1) عن حماد بن زيد، وزُهَير بن محمد التميمي. كلاهما عن يحيى بن سعيد، به. ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (¬2) عن أبي خيثمة زُهَير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، به. وعن إسحاق بن إسماعيل، عن سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وجعفر بن عَون. كلُّهم عن يحيى بن سعيد، به. وعن القَوَاريري، عن حماد بن زيد، عن يحيى، به. ورواه الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار في «مسنده» (¬3) عن محمد بن عبد الملك القرشي بن أبي الشَّوارب. ¬
(ق 5) ......... (¬1) وعبد الرحمن. وكُلٌّ منهم قد تكلِّم فيه. (2) وقد رواه الدارقطني (¬2) عن الحسين بن إسماعيل، عن أحمد بن إبراهيم البُوشَنجي، عن سفيان بن عيينة قال: حدَّثونا عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: لما كنَّا بالشام أتيتُ عمرَ بن الخطاب بماءٍ، فتوضَّأ منه ... ، وذَكَر الحديث (¬3). ¬
وهكذا رواه علي بن حرب الطائي (¬1)، عن سفيان بن عيينة. لكن هذا الأثر مشهور عن عمرَ، متداولٌ بين الأئمَّة، والله أعلم (¬2). حديث آخر (3) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا يحيى بن غَيْلان، ثنا رِشدين بن سعد، ¬
حدثني أبو عبد الله الغافِقي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّه توضَّأ عامَ تبوكَ واحدةً واحدةً. ورواه ابن ماجه (¬1)، عن أبي كُرَيب، عن رِشدين بن سعد المصري، به. ثم رواه أحمد (¬2)، عن حسن بن موسى الأشيب، عن ابن لَهِيعة، ثنا الضحاك بن شُرَحبيل -وهو: أبو عبد الله الغافِقي-، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ مرَّةً مرَّةً. وهذا إسناد حسن (¬3). ¬
حديث آخر (4) قال الإمام أحمد (¬1)، وأبو محمد الدَّارمي (¬2)، وهذا لفظه: ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا حَيوة، أنا أبو عَقيل زُهرة بن مَعبد، عن ابن عمِّه، عن عُقبة بن عامر: أنَّه خَرَج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوكَ، فجَلَس رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومًا يحدِّثُ أصحابَه، فقال: «مَن قام إذا استقلَّتِ الشمسُ فتوضَّأَ، فأَحسَنَ الوُضوءَ، ثم قام فصلَّى ركعتين، خَرَج من ذنوبه كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّه». قال عُقبة: فقلتُ: الحمدُ لله الذي رَزَقني أن أسمعَ هذا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه -وكان تُجَاهي جالسًا- أَتَعجبُ / (ق 6) من هذا؟ فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَعجَبَ من هذا قبلَ أن تأتي؟ فقلتُ: وما ذاك بأبي أنت وأمِّي؟ فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن توضَّأَ فأَحسَنَ الوُضوءَ، ثم رَفَع بصرَه -أو نظرَه- إلى السماء، فقال: أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، فُتِحَتْ له ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ يَدخلُ من أيِّهنَّ شاءَ». وأخرجه أبو داود (¬3)، والنسائي (¬4) من حديث حَيوة -وهو: ابن شُريح-، عن زُهرة بن مَعبد، به. وقال علي ابن المديني: هذا حديث حسن (¬5). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
ورواه أبو داود -أيضًا- (¬1)، عن هارون بن عبد الله، عن عبد الله بن يزيد -وهو: أبو عبد الرحمن المقرئ-، عن سعيد بن أبي أيوب، عن زُهرة بن مَعبد. وأخرجه مسلم في «صحيحه» (¬2)، وأبو داود (¬3)، والنسائي (¬4) من طرق، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخَوْلاني، عن عُقبة بن عامر. قال معاوية بن صالح: وحدَّثني أبو عثمان -وهو: سعيد بن هانئ-، عن جُبَير بن نُفَير، عن عُقبة بن عامر، عن عمرَ بن الخطاب، به. ولفظ مسلم: قال عُقبة: كانت علينا رعايةُ الإبلِ، فجاءت نَوْبَتي، ¬
فَرَوَّحتُها بعَشِيٍّ، فأدركتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يُحدِّثُ الناسَ، فأَدرَكْتُ من قوله: «ما مِن مسلمٍ يَتوضَّأُ، فيُحسِنُ وُضوءَه، ثم يقومُ فيُصلِّي ركعتين، مُقبِلاً عليهما بقلبِهِ ووجهِهِ إلا وَجَبَت له الجنَّةُ)). / (ق 7) قال: قلت: ما أجودَ هذه! فإذا قائلٌ بين يَدَيَّ يقول: التي قبلَها أجودُ. فنَظَرتُ، فإذا عمرُ، فقال: إنِّي قد رأيتُك جئتَ آنفًا، قال: «ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُبلِغُ -أو: فيُسبِغُ- الوُضوءَ، ثم يقول: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنَّةِ الثمانيةِ يَدخلُ من أيِّها شاءَ». وقد رواه ابن ماجه (¬1)، عن علقمة بن عمرو الدَّارمي، عن أبي بكر بن ¬
عيَّاش، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر، عن عمرَ بن الخطاب، به. وروي من طريق أخرى عن عمرَ، فقال الترمذي (¬1): ثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي، عن زيد بن الحُبَاب، عن معاوية بن ¬
صالح، عن ربيعة بن يزيد الدِّمشقي، عن أبي إدريس الخَوْلاني وأبي عثمان. كلاهما عن عمرَ بن الخطاب، به. ثم قال: في إسناده اضطراب (¬1). قال محمد -يعني: البخاري- (¬2): أبو إدريس لم يَسْمع من عمر شيئًا. قلت: الظاهر أنَّه قد سَقَط على بعض الرواة عُقبة بن عامر، فقد تقدَّم من رواية مسلم ذِكر عُقبة بينهما (¬3)، والله أعلم. ¬
حديث آخر (5) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا موسى بن داود، ثنا ابن لَهِيعة، عن أبي الزبير، عن جابر: أنَّ عمرَ بن الخطاب أَخبَرَه أنَّه رأى رجلاً توضَّأَ للصلاة، فتَرَك موضعَ ظُفْرٍ على ظَهْر قدمِهِ، فأَبصَرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجِعْ، فأَحسِنْ وُضوءَك». فرَجَع فتوضَّأ، / (ق 8) ثم صلَّى. ثم رواه أحمد (¬2)، عن حسن بن موسى، عن ابن لَهِيعة، ثنا أبو الزبير، عن جابر، عن عمرَ، به. وأخرجه ابن ماجه (¬3)، عن حَرمَلَة، عن ابن وهب. وعن محمد بن حميد، عن زيد بن الحُبَاب. كلاهما عن ابن لَهِيعة، به. وهذا إسناد جيد حسن من هذا الوجه، لأنَّ ابن لَهِيعة إنما يُخشى من تدليسه، فإذا صرَّح بالسماع -كما ههنا-، فقد زال المحذور (¬4). ¬
وقد أخرجه مسلم في «صحيحه» (¬1)، عن سَلَمة بن شَبيب، عن الحسن ¬
بن محمد بن أَعْين، عن مَعقِل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمرَ، بمثله سواء (¬1). ¬
ورواه الدارقطني في «سننه» (¬1) من حديث المغيرة بن سِقْلاَب، عن الوازع بن نافع، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن أبي بكر، به. وليس هذا الإسناد شيئًا، والصحيح: الأول، والله أعلم. حديث آخر (6) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (¬2): ثنا أبو هشام، ثنا النضر -يعني: ابن منصور-، ثنا أبو الجَنوب قال: رأيتُ عليًّا -رضي الله عنه- ¬
يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال: مَه! يا أبا الجَنوب، فإني رأيتُ عمرَ يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال: مَه! يا أبا الحسن، فإني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال: «مَه! يا عمرُ، فإني أكرهُ أن يَشرَكَني في طُهُوري أحدٌ». النضر بن منصور الباهلي: ضعَّفه غير واحد من الأئمة (¬1)، وشيخُهُ أبو الجَنوب عُقبة بن علقمة: ضعَّفه أبو حاتم الرازي (¬2). ¬
أثر في انتقاض الوضوء من المذي
أثر في انتقاض الوضوء من المذي (7) قال علي بن حرب الطَّائي (¬1): ثنا سفيان -هو: ابن عيينة-، عن زيد بن أسلم: سَمِعتُ أبي يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب على المنبر يقول: إنَّه يخرجُ من أحدِنا مثلُ الخُرَيزة (¬2)، فإذا وَجَد أحدُكم ذلك، فليَغسِلْ ذَكَرَه، ولْيَتَوضَّأْ. إسناده صحيح. وسيأتي (¬3) مرفوعًا عن عليٍّ، والمقداد (¬4). ¬
أثر آخر فيه (8) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سليمان بن مُرَّة (¬2)، عن خَرَشة بن الحُرِّ، عن عمرَ: أنَّه سُئل عن المذي (¬3)؟ فقال: هو الفَطْرُ، وفيه الوُضوءُ. قال أبو عبيد: مأخوذٌ مِن فَطَرتُ الناقةَ، أَفْطُرُها فَطْرًا، وهو الحلبُ ¬
بأطراف الأصابع، فلا يَخرجُ اللَّبنُ إلا قليلاً، وكذلك يخرجُ المذيُّ، فأما المنيُّ، فإنَّه يَخرجُ خَذْفًا، يقال: أَمْنى الرجلُ يُمني: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} (¬1). وأما المذي، فيقال فيه: أمذى ويُمذي، لغتان. قال: وأما الوَدْي: فهو شيءٌ يَخرجُ من الذَّكَر بعد البول، ولم أسمع بفعلٍ اشتُقَّ منه إلا في حديثٍ يُروى عن عائشةَ (¬2). حديث آخر (9) عن يزيد بن هارون أنَّه قال: أنا عمرو، عن عمران بن مسلم، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: كنتُ عند عمرَ، وعنده عليّ -رضي الله عنهما- فقالا: سمعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجبُ على مسلمٍ وُضوءٌ من طعامٍ أَحلَّ اللهُ له أكلَه». هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (¬3) في «مسند عمر» من حديث يزيد بن هارون (¬4). ¬
(10) وذَكَر البخاري في «صحيحه» (¬1) أثرًا معلَّقًا في معناه، فإنَّه قال: وأَكَل أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ -رضي الله عنهم- لحمًا، فلم يتوضَّأوا. ¬
أثر عن عمر (11) قال عبد الرزاق (¬1): عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن ¬
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر: أنَّ عاتِكَةَ ابنةَ زيد قبَّلَتْ عمرَ بن الخطاب، وهو صائمٌ، فلم يَنهَهَا. قال: وهو يريدُ إلى الصلاة، ثم مضى وصلَّى، ولم يتوضَّأ. صحَّحه أبو عمر ابن عبد البر في «الاستذكار» (¬1). (12) وقال أبو القاسم البغوي: ثنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة، عن زيد بن واقِد، حدثني بُسر بن عبيد الله (¬2) قال: كانت تحتَ عمرَ بن الخطاب امرأةٌ تسمَّى عاصيةً، فسمَّاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: جميلةً -وكانت امرأةً جميلةً-، وكان عمرُ يحبُّها، فكان إذا خَرَج إلى صلاةٍ مَشَت معه من فراشها إلى الباب، فإذا / (ق 9) أراد الخروجَ قبَّلَتْهُ، ثم مضى، ورَجَعتْ إلى فراشِها. وهذا إسناد رجاله كلُّهم ثقات، إلا أنَّ بُسرًا لم يُدرك أيام عمر. وقد رواه أسد بن موسى، عن قيس بن الرَّبيع، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عمرَ ... ، فذَكَره. وسيأتي في العقيقة (¬3). ¬
ومن زوجات أمير المؤمنين عمر: جميلةُ بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، أخت عاصم، أمير سَريَّة الرَّجيع، وهي: أُمُّ عاصم بن عمر، فلعلَّها هذه (¬1)، والله أعلم. ثم رأيت حماد بن سَلَمة قد روى عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: كان اسم أُمِّ عاصم: عاصيَة، فسمَّاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جميلةً (¬2). وهذا صحيح. وهذا يقتضي أنَّ عمرَ كان لا يرى القُبْلةَ ناقضةً للوُضوءِ. لكن قد روى الدارقطني (¬3) عنه ما يقتضي خلاف هذا، فقال: (13) ثنا القاضي الحسين بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن شَبيب، حدَّثني يحيى بن إبراهيم بن أبي قُتيلة، حدَّثني عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ القُبْلةَ من اللَّمسِ، فتوضَّأؤا منها. وهذا بهذا الإسناد لا يثبت؛ لأنَّ عبد الله بن شَبيب هذا: ضعَّفه الحافظ أبو أحمد الحاكم، وابن حبان، وابن عدي، وغيرهم (¬4)، حتى قال فَضْلَك الرازي: يَحِلُّ ضَرْبُ عُنُقِهِ (¬5)! ¬
ومع هذا، فقد رواه الإمام مالك (¬1)، وعبيد الله العُمَري (¬2)، وعبد الرزاق (¬3)، عن معمر. كلُّهم عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ، قولَه. وهذا أصح. ¬
(14) وقال أبو بكر بن أبي شيبة (¬1): ثنا هشيم، وحفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عُبيدة قال: قال عبد الله: القُبْلةُ من اللَّمسِ، وفيها الوُضوءُ. حديث آخر (15) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا ابن لَهِيعة، عن ¬
أبي النضر، عن أبي سَلَمة، عن ابن عمرَ أنَّه قال: رأيتُ سعدَ بن أبي وقاص يَمسحُ على خُفَّيه بالعراق حين يتوضَّأ، فأَنكَرْتُ ذلك عليه، قال: فلما اجتَمَعنا عند عمرَ، قال لي: سَلْ أباك عمَّا أَنكَرْتَ عليَّ من مسحِ الخُفَّين. قال: فذَكَرتُ ذلك له، فقال: إذا حدَّثك سعدٌ بشيء فلا تَرُدَّ عليه، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَمسحُ على الخُفَّين. هذا حديث جيد الإسناد، محفوظ من حديث أبي النضر سالم مولى أبي أميَّة المديني أحد الأئمَّة الثقات. فقد رواه عبد الله بن أحمد (¬1) / (ق 10)، عن هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي النضر، به. ولهذا الحديث طرق أخر عن عمرَ -رضي الله عنه-، فمنها: (16) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا عبد الرزاق (¬3)، ثنا عبد الله (¬4) بن عمر، عن نافع قال: رأى ابنُ عمر سعدَ بن مالك يَمسحُ على خُفَّيه، ¬
فأنكره عليه (¬1)، حتى اجتَمَعا عند عمرَ ... ، فذَكَره. قال نافع: فكان ابنُ عمر يَمسحُ على الخُفَّين ما لم يَخلَعْهُما، ولم يوقِّت لذلك وقتًا. قال عبد الرزاق: فحدَّثت به معمرًا، فقال: حدَّثنيه أيوب، عن نافع، مثله. قلت: هذا ظاهره أنَّه منقطع، وهو في المعنى متَّصل؛ لأن نافعًا إنما سَمِعَه من ابن عمر (¬2). وهكذا وقع في رواية ابن ماجه (¬3)، فإنَّه قال: (17) حدثنا عمران بن موسى اللَّيثي، ثنا محمد بن سَوَاء، ثنا سعيد ¬
بن أبي عَروبة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّه رأى سعدَ بن مالك يَمسحُ على الخُفَّين، قال: إنكم لتفعلون ذلك؟! فاجتَمَعا عند عمرَ، فقال سعدٌ لعمرَ: أَفْتِ ابنَ أخي في المسحِ على الخُفَّين. فقال عمرُ: كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم نمسحُ على خفافِنا، لم نَرَ بذلك بأسًا. فقال ابن عمر: وإنْ جاء من الغائط؟ قال: نعم. طريق أخرى (18) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عاصم بن عبيد الله، عن أبيه، أو عن جدِّه، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد الحَدَثِ توضَّأ، / (ق 11) ومَسَح على الخُفَّين. ثم رواه (¬2) عن أبي داود الطيالسي (¬3)، عن شريك، عن عاصم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمسحُ على الخُفَّين. وقال -أيضًا- (¬4): ثنا وكيع، عن حسن بن صالح، عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم، عن ابن عمرَ قال: قال عمرُ رضي الله عنه: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمسحُ على خُفَّيه في السَّفرِ. إسناده جيد (¬5). ¬
طريق أخرى (19) قال أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا أبو كُرَيب، ثنا زيد بن الحُبَاب، ثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله العُمَري، ثنا سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُنا بالمسحِ على الخُفَّين، للمسافرِ ثلاثةُ أيامٍ ولياليهِنَّ، وللمقيمِ يومٌ وليلةٌ. قال الإمام علي ابن المديني: لم يَرفَعْ هذا الحديثَ أحدٌ إلا شيخٌ ضعيفٌ، يقال له: خالد بن أبي بكر بن عبيد الله (¬2)، فقد رواه سالم، ونافع، وعبد الله بن دينار، وأبو سَلَمة، فلم يَرفعوه (¬3). وقال الدارقطني (¬4): ليس هذا الحديث بالقوي. قلت: إنما يُنكَر من هذا الحديث ذِكرُ التوَّقيت فيه، وإلا فأصلُه محفوظ، ثم إنَّ المحفوظَ عن عمرَ -رضي الله عنه- عدمُ التوَّقيت في مسح الخُفَّين: (20) كما رواه الدارقطني في «سننه» (¬5): حدثنا أبو بكر النَّيسابوري، ثنا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني حَيوة، سَمِعتُ يزيد بن ¬
أبي حبيب، حدثني عبد الله بن الحكم، عن عُلَي بن رباح: أن عُقبة بن عامر حدَّثه: أنَّه / (ق 12) قَدِمَ على عمرَ بفتح دمشق، قال: وعليَّ خُفَّان، فقال لي عمر: كم لك يا عُقبةُ، منذ (¬1) لَم تَنْزع خُفَّيك؟ فذَكَرتُ (¬2) من الجمعة إلى الجمعة، فقلت: منذُ ثمانيةِ أيامٍ؟ فقال: أَحسنتَ، وأَصبتَ السُّنَّةَ. ورواه ابن ماجه (¬3) من حديث أبي عاصم، عن حَيوة بن شُريح، عن يزيد بن أبي حبيب، به (¬4). ورواه الدارقطني -أيضًا- (¬5)، عن أبي بكر النَّيسابوري، عن سليمان بن شعيب، عن بِشر بن بكر، عن موسى بن عُلَي، عن أبيه، عن عُقبة، به. وقال فيه: أَصبتَ السُّنَّةَ. ثم قال: وقال أبو بكر النَّيسابوري: هذا حديث غريب. قال الدارقطني: وهو صحيح الإسناد. وقال الدارقطني في «العلل» (¬6): وهكذا رواه مفضَّل بن فضالة، وابن ¬
لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحكم البَلَوي، عن عُلَي بن رباح، عن عُقبة، عن عمرَ، به (¬1). وكذا رواه موسى بن عُلَي، عن أبيه. وقال يحيى بن أيوب (¬2): عن يزيد، عن عُلَي بن رباح. لم يَذكر عبد الله بن الحكم. وكلُّهم قالوا: «أَصبتَ السُّنةَ». وقال عمرو بن الحارث، ويحيى بن أيوب، والليث بن سعد: عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحكم، عن عُلَي بن رباح، عن عُقبة، عن عمرَ: أنَّه قال: «أَصبتَ». ولم يقولوا: «السُّنَّةَ». قال الدارقطني: وهو المحفوظ (¬3). قلت: هذا مذهب طائفة من العلماء عدم توقيت المسح، وهو المشهور عن مالك (¬4)، وقول قديم للشافعي (¬5). ولكنَّ الجمهور على التَّوقيت (¬6). ¬
ورخَّص بعضُهم في عدم التَّوقيت في السَّير الجادِّ، كما فعل عُقبة بن عامر، واستَصوَبَه عمرُ رضي الله عنه. وإن صحَّ قولُه: «أَصبتَ السُّنةَ»؛ كان في حكم المرفوع عند جمهور الأصوليين، وغيرهم. (21) وله شاهد من حديث أُبَي بن عُمَارة -رضي الله عنه-، / (ق 13) كما سيأتي (¬1) عند أبي داود (¬2)، وابن ماجه (¬3)، وإن كان في إسناده غرابة. ¬
حديث آخر (22) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار (¬1): ثنا الحسين بن مهدي، ثنا عبد الرزاق (¬2)، ثنا معمر، عن عبد الكريم، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبولُ قائمًا، فقال: «مَه!» . قال عمرُ: فما عُدتُ لها بعدُ. ورواه ابن ماجه (¬3)، عن محمد بن يحيى الذُّهْلي، عن عبد الرزاق، به (¬4)، ولفظه: قال: رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبولُ قائمًا، فقال: «يا عمرُ، لا تَبُلْ قائمًا». فما بُلْتُ قائمًا بعدُ. وقال الترمذي (¬5): عبد الكريم بن أبي المُخارِق أبو أُميَّة هذا: ضعيف عند أهل الحديث (¬6). قال: وروى عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال عمرُ: ما بُلْتُ قائمًا منذُ أسلمتُ (¬7). ¬
وهذا أصح. كذا قال. وقد قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: (23) ثنا أحمد بن إبراهيم الشُلاثائي، ثنا إبراهيم بن بشَّار، ثنا سفيان، ثنا الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ أتى سُباطة (¬1) قومٍ، فبال قائمًا، ففَجَجَ (¬2)، حتى رَحِمتُهُ. وهذا إسناد جيد قوي (¬3). طريق أخرى (24) قال عبد الرزاق (¬4): عن ابن عيينة، عن الأعمش، عن زيد بن ¬
وهب قال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب يَبولُ قائمًا، ففَرَّجَ حتى رَحِمتُهُ. وهذا -أيضًا- صحيح. أثر آخر (25) قال عبد الرزاق (¬1): عن ابن عيينة، عن مُطرِّف، عن سعيد بن عمر (¬2) بن سعيد قال: قال عمرُ بن الخطاب: البولُ قائمًا أحصنُ للدُّبُر. قال: وأَحسَبُهُ قال: والبولُ جالسًا أَرخى للدُّبُر. رواهما أبو بكر ابن زياد النَّيسابوري (¬3)، عن إسحاق بن منصور، عن عبد الرزاق. وقد روي البول قائمًا عن علي (¬4)، ¬
وابن عمر (¬1)، وزيد بن ثابت (¬2). وروي عن حذيفة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في «الصحيح» (¬3). أثر آخر (26) قال أبو عبيد في كتابه «الغريب» (¬4): ثنا ابن عُليَّة، عن أيوب، ¬
عن ابن سيرين، عن عمرَ: أنَّه خَرَج من الخلاء فدعا بطعامٍ، فقيل له: ألا تتوضَّأُ؟ فقال: لولا التَّنَطُّسُ لما بالَيتُ ألا أَغسِلَ يَدَيَّ. فسُئل ابن عُليَّة عن التَّنَطُّس، فقال: هو التَّقذُّر. وقال الأصمعي: هو المبالغة في الطُّهور، وكُلُّ مَن أدقَّ النَّظرَ في الأمور واستَقصَى عِلمَها، فهو مُتَنَطِّسٌ، ومنه قيل: طبيبٌ نِطَاسِيّ، ونِطِّيسُ. أثر آخر (27) قال أبو القاسم البغوي: ثنا هُدبة، ثنا حماد بن سَلَمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين (¬1): أنَّ عمرَ بن الخطاب خَرَج من الخلاء، فقرأ القرآنَ، فقال له أبو مريم: يا أميرَ المؤمنين، أتقرأُ وأنت غيرُ طاهرٍ؟ / (ق 14) فقال له: مُسَيلمةُ أَمرَكَ بهذا؟ إسناد جيد، وفيه انقطاع (¬2). ¬
أثر في الاستطابة بالماء
أثر في الاستطابة بالماء (28) قال عبد الرزاق (¬1): عن معمر، عن الزهري (¬2): أنَّ عمرَ بن الخطاب أتى الغائطَ وهو في سَفَر، ثم استطاب بالماء بين راحلتين، فجعل أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَضحكون، ويقولون: يَتَوضَّأُ كما تَتَوضَّأُ المرأةُ! هذا منقطع، بل معضل بين الزهري وعمر (¬3). وإنما أَنكَروا من ذلك ندوره، لأنهم كان يَغلِبُ عليهم الاستنجاءُ بالحجارة، لا سيَّما في الأسفار، وإلا فقد ثَبَتت السُّنةُ بذلك في غير ما حديثٍ عن أنس (¬4)، وغيره. ¬
أثر آخر (29) قال عبد الرزاق (¬1): عن عبد الله بن كثير، عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان عمرُ بن الخطاب يبولُ، ثم يَمسحُ ذَكَره بحَجَر أو بغيره، فإذا توضَّأ لم يمسَّ ذَكَرَه بالماء. هذا أثر جيد الإسناد، مع أنَّ فيه انقطاعًا (¬2) على قول، والله أعلم. وقد روي مثلُه عن جماعة من السَّلف، وليس فيه نزاع. ¬
حديث آخر (30) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: كيف يَصنعُ أحدُنا إذا هو أَجنَبَ ثم أراد أن ينامَ قبل أن يَغتَسِلَ؟ قال: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لِيَتَوضَّأْ وُضوءَهُ للصلاة، ثم لِيَنَمْ». ثم رواه أحمد (¬2)، عن عَبيدة بن حميد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَيَرقُدُ الرجلُ إذا أَجَنبَ؟ قال: «نعم، إذا توضَّأَ». وكذا رواه مسلم (¬3)، والترمذي (¬4)، والنسائي (¬5) من حديث عبيد الله. وأخرجه النسائي -أيضًا- (¬6) من حديث أيوب. كلاهما عن نافع، به. قال الترمذي: وهو أحسن وأصح. طريق أخرى (31) قال أحمد (¬7): ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، ¬
عن عمرَ: أنَّه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ؟ قال: «يَتَوضَّأُ، وينامُ إنْ شاءَ». قال سفيان مرَّة: «لِيَتَوضَّأ، وَلْيَنَمْ». إسناد صحيح. ورواه أحمد -أيضًا- (¬1)، عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، به. طريق أخرى (32) قال النسائي (¬2): ثنا هلال بن العلاء، عن معلَّى بن أسد، عن أيوب (¬3)، عن أبي قِلاَبة عبد الله بن زيد الجَرمي البصري (¬4)، عن عمرَ: أنَّه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ ... ؟ الحديث. وهذا منقطع، فإن أبا قِلاَبة لم يُدرك عمرَ رضي الله عنه. طريق أخرى (33) رواه النسائي (¬5) من حديث الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سَلَمة، عن ابن عمرَ، عن عمرَ ... ، فذَكَره. ¬
طريق أخرى (34) قال / (ق 15) النسائي (¬1): ثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المُخرِّمي، عن قُرَاد أبي نوح، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ؟ فقال: «اغْسِلْ ذَكَركَ، ثم توضَّأ ونَمْ». هكذا رواه من حديث مالك. وقد رواه جماعة عن مالك (¬2)، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، فجعلوه من مسنده، كما سيأتي بيانه (¬3). وكذا رواه الدَّارمي (¬4)، عن عبيد الله بن موسى، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار. وكذلك هو في «الصحيح» (¬5) من حديث اللَّيث، وعبيد الله، عن نافع، ¬
عن ابن عمرَ من مسنده. وقد تكلَّم الإمام علي ابن المديني في «علله» في كونه من مسند عبد الله بن عمر أو أبيه بكلام طويل، والأمر في ذلك سهل. ولعلَّ عبد الله بن عمر سَمِعَ أباه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فتارة يَرويه عن أبيه، وتارة لا يَذكر أباه. والترمذي (¬1) يميل إلى أنَّ الحديث من مسند عمر رضي الله عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. أثر آخر (35) قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم -رحمه الله- في كتاب «فضائل القرآن» (¬2): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق بن سَلَمة، عن عَبيدة السَّلماني، عن عمرَ: أنَّه كَرِهَ للجُنُب أنْ يقرأَ شيئًا من القرآنِ. هذا إسناد صحيح. ¬
(36) وقال أبو عبيد (¬1): ثنا ابن أبي مريم، وسعيد بن عُفَير، كلاهما عن ابن لَهِيعة، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة أبي الكَنود، أو: ابن أبي الكَنود. قال ابن أبي مريم، عن مالك بن جُنادة الغافِقِي. وقال ابن عُفَير، عن عبد الله بن مالك: أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمرَ: «إذا توضَّأتُ وأنا جُنُبٌ أَكَلتُ وشَربتُ، ولا أُصلِّي ولا أَقرأُ حتى أَغتَسِلَ». إسناده مقارب (¬2). ¬
حديث آخر (37) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبيد الله، ثنا معمر (¬2) بن سليمان، عن ليث، عن عاصم، عن أبي المُستَهل، عن عمرَ -رضي الله عنه-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا أتى الرَّجلُ أهلَه ثم أراد أن يعودَ، فليَغسِلْ فَرْجَهُ». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأبو المُستَهل هذا: لا أعرفه، ولم يَذكره ابن أبي حاتم (¬3). ¬
(38) وله شاهد في «صحيح مسلم» (¬1) عن أبي سعيد / (ق 16): أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أَتى أحدُكم أهلَه ثم أراد أن يعودَ؛ فليُحدِثْ بينهما وُضوءًا». حديث آخر (39) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، سَمِعتُ عاصم بن عمرو البَجَلي يحدِّث عن رجل، عن القوم (¬3) الذين سألوا عمرَ بن الخطاب، فقالوا له: إنما أَتيناكَ نسألُكَ عن ثلاثٍ: عن صلاة الرَّجل ¬
في بيته تطوُّعًا، وعن الغُسل من الجنابة، وعن الرَّجل ما يَصلحُ له من امرأته إذا كانت حائضًا؟ فقال: أسُحَّار أنتم؟! لقد سألتُموني عن شيء ما سألني عنه أحدٌ منذ سألتُ عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صلاةُ الرَّجلِ في بيته تطوَّعًا نُورٌ، فمَن شاء نَوَّرَ بيتَه». وقال في الغُسل من الجنابة: «يَغسلُ فَرْجَه، ثم يتوضَّأُ، ثم يُفيضُ على رأسِه ثلاثًا». وقال في الحائض: «له ما فوقَ الإزارِ». قال علي ابن المديني: هذا حديث مرسل، وعاصم بن عمرو لم يلق عمرَ بن الخطاب. قلت: إنما رواه عن رجل، عن الرَّهط الذين سألوه. وقد رواه ابن ماجه (¬1)، عن محمد بن أبي الحسين، عن عبد الله بن جعفر، عن عبيد الله (¬2) بن عمرو الرَّقِّي، عن زيد بن أبي أُنَيسة، عن أبي ¬
إسحاق، عن عاصم بن عمرو، عن عُمَير مولى عمر، عن عمرَ، به. (40) وقال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو خالد (¬2)، عن زياد، عن معاوية بن قُرَّة قال: حدَّثني الثلاثةُ الرَّهطُ الذين سألوا عمرَ بقصَّة الصلاة / (ق 17) فقط. فهذه شواهد تدلُّ على صحَّة هذا الحديث (¬3)، والله سبحانه وتعالى أعلم. ¬
حديث آخر (41) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: ثنا محمد بن عُمَير، ثنا إبراهيم بن الحجَّاج بن نخرة الصَّنَعاني، ثنا محمد بن يوسف الحُذافي، ثنا عبد الملك الذّمَاري، عن أبي عصام رَوَّاد بن الجرَّاح العسقلاني، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية (¬1)، عن عمرَ قال: قال رجل: يا رسولَ الله، إنَّ امرأتي لا تزالُ تحتاضُ عليَّ، وإني وَقَعتُ عليها في بعض كَذِبها من ذلك، فإذا هي حائضٌ. فأَمَره أن يَتصدَّقَ بخُمس دينار. إسناده غريب جدًّا، وفيه انقطاع (¬2). ¬
حديث في الأمر بغسل الجمعة وتأكيده
حديث في الأمر بغسل الجمعة وتأكيده (42) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أسد بن موسى وحسين بن محمد (¬2)، قالا: ثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة: أنَّ عمرَ بن ¬
الخطاب بَيْنا هو يخطبُ يومَ الجمعةِ، إذ جاء رجلٌ، فقال عمرُ: لم تحتبسونَ عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أنْ سَمِعتُ النداءَ فتوضَّأتُ. فقال: أيضًا! أَوَ لَمْ تسمعوا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جاء (¬1) أحدُكُم إلى الجمعةِ فَلْيَغْتَسِلْ». ورواه البخاري (¬2)، عن أبي نعيم، عن شيبان -وهو: ابن عبد الرحمن-، به. ثم رواه أحمد (¬3)، عن عبد الصمد، عن أبيه، عن حسين المعلِّم. وعن عبد الصمد، عن حرب بن شدَّاد. كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، به. وأخرجه مسلم (¬4)، عن إسحاق بن راهويه، عن الوليد / (ق 18) بن مسلم، عن الأوزاعي. وأبو داود (¬5)، عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن معاوية بن سلاَّم. كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، به. طريق أخرى (43) رواه الإمام أحمد (¬6)، والبخاري (¬7) من حديث مالك، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ بن الخطاب بينما هو قائمٌ ¬
في الخطبة يومَ الجمعةِ، إذ دخل رجلٌ من المهاجرين الأوَّلين من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فناداه عمرُ: أيةُ ساعةٍ هذه؟! قال: إني شُغِلتُ فلم أَنقلِبْ إلى أهلي حتى سَمِعتُ التأذينَ، فلم أزد على أن توضَّأتُ. فقال: والوُضوءُ أيضًا! وقد عَلِمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأمُرُ بالغُسلِ. وهذا لفظ البخاري. ورواه مسلم (¬1) من حديث يونس بن يزيد. والنسائي (¬2) من حديث الزُّبيدي. كلاهما عن الزهري، بمثله. ورواه الإمام أحمد (¬3)، عن عبد الرزاق (¬4)، عن معمر، عن الزهري، به. وقد رواه الترمذي (¬5) من حديث معمر، ويونس، عن الزهري، حدَّثني آل عبد الله بن عمر، عن ابن عمرَ، به. قال الإمام علي ابن المديني: هذا الحديث صالح. ثم ساقه من طريق المدنيين عن ابن عمرَ. ومن طريق البصريين، عن أبي هريرة، كما تقدَّم. ثم قال: ولا يُحفظ عن عمرَ إلا من هذين الوجهين، وقد رواه غيره من الصحابة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬6). ¬
قلت: هذا الرجل الذي دخل وعمر يخطب هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، كما جاء مصرَّحًا به (¬1). / (ق 19) حديث آخر (44) قال الحافظ أبو حاتم محمد بن حبَّان البُستي في «صحيحه» (¬2) الموسوم بـ «الأنواع والتقاسيم»: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصُّوفي، ثنا الهيثم بن خارجة -وكان يقال له: شعبة الصغير- البغدادي، ثنا محمد بن حِميَر، عن ثابت بن عَجْلان، عن سُليم بن عامر قال: رأيتُ أبا بكرٍ يَخضِبُ بالحنَّاء والكَتَم (¬3)، وكان عمرُ بن الخطاب لا يَخضِبُ (¬4). ¬
وسَمِعتُهُ يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن شاب شَيبةً في الإسلام، كانت له نورًا يوم القيامة». وأنا لا أُغيِّر. ورواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬1)، عن عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن عبد الله العبدي، عن إسماعيل (¬2) بن يوسف، عن محمد بن حِميَر، به. فهو محفوظ من حديث محمد بن حِميَر الحمصي أحدِ الثقات الذين احتجَّ بهم البخاري في «صحيحه» (¬3). وكذا شيخه ثابت بن عَجْلان أيضًا (¬4). وأما سُليم بن عامر، ويكنى بأبي عامر، فقال أبو حاتم الرازي (¬5): روى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعمار، وعنه: ثابت بن عَجْلان (¬6). ¬
وقد اختار هذا الحديثَ من هذا الوجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبدالواحد المقدسي في كتابه المستخرَج على الصِّحاح (¬1). طريق أخرى (45) قال أبو القاسم الطبراني في «معجمه الكبير» (¬2): ثنا إبراهيم بن عمر (¬3) بن عِرق الحمصي، ثنا محمد بن مصفَّى، ثنا سُوَيد بن عبد العزيز، ثنا ثابت بن عَجْلان، عن مجاهد، عن ابن عمرَ: أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان لا يُغيِّر شيبَه، فقيل: يا أميرَ المؤمنين، ألا تُغيِّر؟ فقد كان / (ق 20) أبو بكرٍ يُغيِّر. فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن شَابَ شَيبةً في الإسلامِ، كانت له نورًا يومَ القيامةِ». وما أنا بمُغيِّرٍ شَيبي (¬4). إسناده فيه ضعف (¬5)، وهو شاهد للذي قبله. لكن قد يقال: قد اختُلف فيه على ثابت بن عَجْلان، وقد قال فيه أبو أحمد ابن عدي (¬6): له ثلاثة أحاديث غرائب. والجواب: أنَّه قد روى له البخاري. وإن صحَّ هذا السند الثاني إليه؛ فلعلَّه عنده من وجهين عن عمرَ رضي الله عنه (¬7). ¬
وقد روي من وجه آخر عن عمرَ من غير رفع: (46) فقال بَحير بن سعد: ثنا خالد بن مَعْدان، حدَّثني عبد الرحمن بن جُبَير -هو: ابن نُفَير-، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّه عرَّضت مولاتُه بخضاب لحيته، فقال: ما رَابَكِ إلى أن تُطفئي نوري، كما يُطفئ فلانٌ نورَه (¬1). أثر آخر (47) قال محمد بن سعد كاتب الواقدي (¬2)، يرفعه إلى العلاء بن أبي ¬
عائشة: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- دعا بحلاَّق فحَلَقه، فاستَسرَقَ له (¬1)، فقال: إنَّ هذا ليس من السُّنَّة، ولكنَّ النُّورةَ (¬2) من النعيم، فكرهتُها. أثر آخر فيه أنَّ مَن به سَلَس البول أو الاستحاضة أو قُرُوح أو غير ذلك، لا يَنتقض طُهرُهُم، وإن خَرَج منهم شيء. (48) قال البخاري (¬3): وصلَّى عمرُ، وجُرحه يَثعَبُ (¬4) دمًا. رواه هشام بن عروة عن أبيه، عن سليمان بن يَسَار، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة: أنَّه دخل مع ابن عباس ليلةَ طُعِنَ عمرُ، فلمَّا أصبح بالصلاة من الغدِ فزَّعوه، فقالوا: الصلاةَ! ففزع، وقال: نعم، ولاحظَّ في الإسلام ¬
لمن ترك الصلاةَ. فصلَّى وجُرْحُهُ يَثعَبُ دمًا (¬1). ¬
وقد ذَكَرناه في مقتله أيضًا (¬1). أثر آخر (49) قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم (¬2): ثنا يحيى بن سعيد ويزيد بن هارون، عن ابن أبي ذِئب، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن أسلم، عن عمرَ: أنَّه خَطَب، فقال: لا يَحِلُّ خلٌّ من خمرٍ أُفسِدَت حتى يَبدأَ اللهُ إفسادَها، فعند ذلك يَطيبُ الخلُّ (¬3). وروي عن أسلم مرسلاً (¬4). ورجَّح أبو حاتم وأبو زرعة أنَّه من كلام الزهري نفسه (¬5)، فالله أعلم. ¬
كتاب الصلاة
كتاب الصلاة وقت الصلاة (50) قال الدارقطني (¬1): ثنا محمد بن مَخلد، ثنا محمد بن عبد الملك بن زَنْجويه، ثنا زيد بن الحُبَاب، عن موسى بن عُبيدة، حدثني هود بن عطاء، عن أنس بن مالك: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلِّين. إسناده فيه غرابة (¬2). ¬
حديث آخر (51) قال الهيثم بن كُلَيب الشَّاشي رحمه الله (¬1): ثنا محمد بن عبيد الله بن المنادي، ثنا داود بن رشيد، ثنا الوليد بن مسلم، عن ابن أبي ذِئب، عن مسلم بن جُندب، عن الحارث الهُذَلي: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب إلى أبي موسى الأشعري: إنَّ أحقَّ ما تعاهدَ المسلمون دينُهم، وقد / (ق 21) رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي، حَفِظتُ من ذلك ما حَفِظتُ، ونسيتُ ما نسيتُ، فصلِّ الظهرَ بالهجير (¬2)، والعصرَ والشمسُ حيَّةٌ. الحارث بن عمرو الهُذَلي: ذَكَره ابن أبي حاتم، ولم يَذكر فيه جرحًا (¬3). ¬
وقال الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه «المختارة» (¬1): لهذا الحديث شاهد في «الصحيح» من حديث أبي بَرزة الأَسلميِّ رضي الله عنه (¬2). أثر (52) قال الإمام أحمد في «الزهد» (¬3): ثنا أسباط، ثنا ليث، عن نافع، عن ابن عمرَ، قال: خَرَج عمرُ -رضي الله عنه- إلى حائطٍ له، فرَجَع وقد صلَّى الناسُ العصرَ، فقال: إنما خَرَجتُ إلى حائطي، فرَجَعتُ، وقد صلَّى الناسُ، حائطي على المساكين صدقةٌ. قال ليث: إنما فاتته في الجماعة. أثر آخر (53) قال عبد الله بن المبارك (¬4): أنا حَيوة بن شُريح، ثنا الحسن بن ¬
ثوبان: أنَّ محمد بن عبد الرحمن بن أبي مسلم الأزدي أَخبَرَه، عن جدِّه أبي مسلم، أنَّه صلَّى مع عمرَ بن الخطاب، أو حدَّثه عمَّن صلَّى مع عمرَ بن الخطاب المغربَ، فمسَّى بها، أو شَغَله بعضُ الأمر حتى طلع نجمان، فلمَّا فرغ من صلاته تلك أعتَقَ رقبتين. قلت: معناه: أنَّه أخَّر ابتداءَها حتى أمسى، لا أنَّه مدَّها، فإنَّه قد ثبت في «الصحيح» جواز ذلك (¬1)، والله أعلم. أثر آخر (54) قال أبو نعيم الفضل بن دُكَين في «الصلاة» له (¬2): ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن نافع بن جُبَير بن مُطعِم قال: كَتَب عمرُ إلى أبي موسى: أنْ صلِّ العشاء أيَّ الليلِ شئتَ، ولا تُغفلها. هذا منقطع، إن لم يكن سَمِعَه نافع بن جُبَير من أبي موسى الأشعري. ويُحتج به لمذهب الشافعي (¬3): أنَّ وقت العشاء ممتدٌّ إلى طلوع الفجر الثاني. ¬
أثر في النهي عن السمر بعد العشاء
أثر في النهي عن السَّمَر بعد العشاء (55) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، أنا مغيرة، عن إبراهيم، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن عمرَ: أنَّه جَدَبَ السَّمَر بعد عَتَمة. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
قال أبو عبيد: معناه: عابَهُ وذَمَّه، وكلُّ عائبٍ جادبٍ. قال ذو الرُّمَّة: فَيَالَكَ مِن خدٍّ أسِيلٍ ومَنْطِقٍ ... رَخيمٍ ومن خَلْق تَعَلَّلَ جَادِبُهْ أي: تعلَّل بالكلام الذي لا يُجدي، حيثُ ذمَّ ما لا يُذَمّ. (56) قال أبو عبيد (¬1): وحدثنا حجَّاج، عن شعبة، عن قتادة -هو: أبو رافع (¬2) -، عن عمرَ: أنَّه كان يَنُشُّ الناسَ بعد العشاء بالدِّرَّة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم. قال أبو عبيد: ويُروى بالسين المهملة، أي: يَسوقُهُم. قال أبو عبيد: ... (¬3) أراد سوق الناس ... (¬4) يتناولهم بالدِّرَّة. ¬
أثر آخر (57) قال الدارقطني (¬1): ثنا أبو طالب الحافظ، ثنا أبو عمرو عثمان بن محمد البصري، ثنا إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي، ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن أبي حَصِين، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: كان عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- يُغلِّس (¬2) بالفجر ويُنوِّر، ويُصلِّي بين ذلك، ويقرأ سورة هود وسورة يوسف، ومن قصار المثاني من المفصَّل. إسناد جيد (¬3). (58) وقد علَّق البخاري في «صحيحه» (¬4) نحو هذا، فقال: وقرأ عمرُ ¬
في الركعة الأولى بمائةٍ وعشرينَ آيةً من البقرة، وفي الثانية بسورةٍ من المثاني. وقرأ الأحنف (¬1) بـ «الكهف» في الأولى، وفي الثانية بـ «يوسفَ» أو «يونسَ»، وذَكَر أنَّه صلَّى مع عمرَ الصبحَ بهما. أثر آخر (59) قال إسماعيل بن محمد الصفَّار (¬2) في «مسنده»: ثنا سعدان بن نصر، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المعرور بن سُوَيد قال: خَرَجنا مع عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- في الحجِّ، فقَرَأَ بِنَا في الصبح: «الفيل»، و «لإيلاف / (ق 22) قريش»، فلما فَرَغ رَأَوا مسجدًا، فبادَرُوا. فقال: ما هذا؟ قالوا: مسجدٌ صلَّى فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم. فقال: هكذا هَلَك أهلُ الكتاب قبلَكم، اتَّخذوا آثارَ أنبيائهم بِيَعًا (¬3)، مَن عَرَضتْ له فيه صلاةٌ، ¬
فليُصَلِّ، ومَن لم تَعرِضْ له صلاةٌ، فلْيَمضِ (¬1). هذا إسناد صحيح، والله أعلم. حديث آخر (60) قال الحافظ أبو يعلى (¬2): ثنا زُهَير، ثنا محمد بن الحسن (¬3) بن أبي الحسن المخزومي، أخبرني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ أبا محذورة أَذَّن بالظهر -وعمرُ بمكة-، فرفع صوتَه حين زالتِ الشمسُ، فقال: يا أبا محذورة، أَمَا خِفتَ أن تَنشقَّ مُرَيطاؤك؟! قال: أحببتُ أن أُسمعك. فقال عمرُ: إني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أبردوا بالصلاة إذا اشتدَّ الحرُّ، فإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيح (¬4) جهنمَ، وإنَّ جهنمَ تحاكَّت (¬5) حتى أَكَلَ بعضُها بعضًا، فاستأذنتِ اللهَ في ¬
نَفَسين، فأَذن لها، فشدَّة الحرِّ من فيحِ جهنمَ، وشدَّة البردِ من زَمهريرِها (¬1)». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأسامة بن زيد بن أسلم تكلَّموا فيه (¬2)، لكن له شاهد في «الصحيح» من وجوه كثيرة (¬3). قال الأصمعي: المُرَيطاء ممدودة، وهي ما بين السُّرَّة إلى العانة. وكان الأحمر يقول: هي مقصورة. وقال أبو عمرو: تُمدُّ وتُقصر. قال أبو عبيد (¬4): ولا أرى المحفوظ إلا قول الأصمعي، وهي كلمة لا يتكلَّم بها العرب إلا بالتصغير، كالثُّريَّا، والحُميَّا، والقُصَيرى، والسُّكيت، وهو الذي يجيء آخرًا في المسابقة. ¬
في الأذان
في الأذان (61) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: ثنا القاسم بن زكريا، ثنا محمد بن عمرويه الهروي، ثنا غسَّان بن سليمان، ثنا إبراهيم بن طَهْمان، عن مَطَر، عن الحسن البصري، عن عمرَ بن الخطاب / (ق 23) -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمَّ اغفر للمؤذِّنين» -مرتين-. فقلت: يا رسولَ الله، تَرَكتَنا ونحن نختلفُ على الأذانِ بالسيوفِ؟ قال: «كلاَّ يا عمرُ، إنَّه سيأتي على الناسِ زمانٌ يَتركون الأذانَ على ضعفائِهِم، وتلك لحومٌ حرَّمها اللهُ على النارِ، لحومُ المؤذِّنين». قالت عائشة رضي الله عنها: وفيهم نَزَل قولُه تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} الآية (¬1). هكذا رواه الحافظ الإسماعيلي في «مسند عمر»، وإسناده غريب (¬2). ¬
(62) وله شاهد من وجه آخر عن عمرَ قولَه: رواه أبو إسماعيل المؤدِّب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: قَدِمنا على عمرَ -رضي الله عنه-، فقال: مَن مؤذِّنوكم؟ قلنا: عبيدُنا. فقال بيده يُقلِّبها: إنَّ ذلك بكم لنقصٌ شديدٌ، لو أَطَقتُ الأذانَ مع الخلِّيفى لأَذَّنتُ (¬1). ¬
ورواه هشيم (¬1)، عن إسماعيل، بنحوه. وقال هشيم -أيضًا-، عن حُصَين: نبِّئت أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال: لولا أن تكونَ سُنَّةً ما أذَّن غيري (¬2). حديث آخر (63) قال مسلم بن الحجاج (¬3): حدثني إسحاق بن منصور، أنا أبو جعفر محمد بن جَهضَم الثَّقَفي، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عُمارة بن غَزية، عن خُبيب بن عبد الرحمن بن إسَاف، عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبيه، عن جدِّه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المؤذِّنُ: اللهُ أكبرُ،/ (ق 24) اللهُ أكبرُ، فقال أحدُكم: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، ثم قال: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، فقال: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، ثم قال: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، فقال: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، ثم قال: حيِّ على الصلاةِ، فقال: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ثم قال: حيِّ على الفلاحِ، فقال: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ثم قال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، فقال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، ثم قال: لا إلهَ إلا اللهُ، فقال: لا إلهَ إلا اللهُ، من قلبِهِ دخل الجنَّةَ». وهكذا رواه النسائي في «اليوم والليلة» (¬4)، عن إسحاق بن منصور -وهو: الكَوسَج-، به. ¬
ورواه أبو داود (¬1)، عن محمد بن مثنَّى، عن محمد بن جَهضَم، به (¬2). فقد تضمَّن هذا الحديث كيفية إجابة المؤذِّن على أصحِّ أقوال العلماء، وكيفية الأذان في قول بعضهم. (64) وقد قرأت على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزِّي: أخبَرَتكم الشيخة الصالحة فاطمة بنت عساكر، أنا فَرْقد بن عبد الله، أنا الحافظ أبو طاهر السِّلفي، أنا ابن البَطِر، أنا أبو الحسن بن رَزقويه قال: ثنا محمد بن جعفر الأَدَمي القارئ، ثنا أحمد بن عبيد النَّحْوي، ثنا أبو بكر الحنفي، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمرَ قال: كان بلال يقول إذا أذَّن: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، حيِّ على الصلاة. فقال عمرُ بن الخطاب: قُلْ في إثرها: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قُل كما أَمَرَكَ عمرُ» (¬3). وهذا فيه منقبة عظيمة لعمرَ -رضي الله عنه-، لكن عبد الله / (ق 25) بن نافع فيه ضعف، تكلَّم فيه علي ابن المديني، ويحيى بن معين، والبخاري، وغيرهم من الأئمَّة (¬4). (65) .... (¬5) لمَّا رأى عمرُ الأذانَ في النوم فذهب إلى رسول الله ¬
ليخبره بما رأى، فسَمِعَ بلالاً يؤذِّن، وقال له رسولُ الله حين أَخبَرَه: «قد سَبَقك بذلك الوحيُّ». ذَكَره ابن هشام في «السيرة» (¬1) قبل بدر. أثر آخر (66) قال الحسن بن عرفة (¬2): ثنا مَرحوم بن عبد العزيز، عن أبيه، ¬
عن أبي الزبير مؤذِّن بيت المقدس قال: جاءنا عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: إذا أَذَّنتَ فتَرَسَّلْ، وإذا أَقمتَ فاحذِم. ورواه أبو عبيد (¬1)، عن الأنصاري، عن مَرحوم. وحكى عن الأصمعي أنَّه قال: الحَذْم: الحَدْر (¬2). أثر آخر (67) قال الدارقطني (¬3): ثنا ابن مِرداس، ثنا أبو داود، ثنا أيوب بن منصور، ثنا شعيب بن حرب، ثنا عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن مؤذِّن لعمرَ، يقال له: مَسروح، أنَّه أذَّن قبل الصبح، فأمره عمرُ أن يَرجِعَ فينادي: أَلاَ إنَّ العبدَ نام -ثلاثًا-، فرَجَع، فنادى: أَلاَ إنَّ العبدَ نامَ. ثلاث مرات. وهكذا رواه أبو داود في «السُّنن» (¬4)، عن أيوب بن منصور. ثم قال: وقد رواه حماد بن زيد، عن عبيد الله، عن نافع أو غيره: أن مؤذِّنًا لعمرَ، يقال له: مَسروح، أو غيره. ورواه الدَّرَاوَردِي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: كان لعمرَ مؤذِّن، يقال له: مسعود، فذَكَر نحوه. وهذا أصح من ذاك. ¬
يعني: من الحديث الذي رواه هو والدارقطني (¬1) من حديث حماد بن سَلَمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ بلالا أذَّن قبل طلوع الفجر، فأَمَره رسولُ الله أن يرجع فينادي: أَلا إنَّ العبدَ نام ... ، الحديث. قال أبو داود: لم يروه عن أيوب، إلا حماد بن سَلَمة. وقال الترمذي (¬2): قال علي ابن المديني: هو غير محفوظ، وأخطأ فيه حماد بن سَلَمة (¬3). وقال الدارقطني (¬4): ورواه سعيد بن زَربي -وكان ضعيفًا-، عن أيوب، كذلك. ورواه عبد الرزاق (¬5)، عن معمر، عن أيوب، مرسلاً. وكذا رواه هشيم (¬6)، عن يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، مرسلاً. ثم رواه الدارقطني (¬7) من حديث عامر بن مُدرِك، ثنا عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ بلالا أذَّن قبلَ طلوعِ الفجرِ، فغضب رسولُ الله، وأَمَرَه أنْ ينادِي: إنَّ العبدَ نامَ. فوَجَد بلالُ وَجْدًا شديدًا. ثم قال: وَهِمَ فيه عامر بن مُدرِك، والصواب قد تقدَّم عن شعيب بن حرب، عن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن مؤذِّن عمر، عن عمرَ، قولَه. ¬
ثم رواه (¬1) من حديث أبي يوسف القاضي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أنَّ بلالاً أذَّن قبل طلوع الفجر، فأَمَره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يَصعَدَ فينادِي: إنَّ العبدَ نامَ. ففَعَلَ، وقال: ليتَ بلالاً لم تَلِدْهُ أُمُّه ... وابتلَّ من نَضحِ دَمٍ جَبِينُه ثم رواه الدارقطني (¬2)، عن عثمان بن أحمد، عن يحيى بن أبي طالب، عن عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، مرسلاً، وقال: هذا أصح. ثم أَسنَدَه (¬3) من وجه آخر، عن أنس مرفوعًا، فالله أعلم. ولكنه من رواية محمد بن القاسم الأسدي، وهو ضعيف (¬4). ¬
في ستر العورة
في ستر العورة (68) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، ثنا نافع قال: كان عبد الله بن عمر يقول: إذا لم يكن للرجلِ إلا ثوبٌ واحدٌ فلْيأْتزِرْ به، ثم ليُصلِّ، فإني سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول ذلك، ويقول: لا تَلتَحِفوا بالثوب إذا كان وحدَه، كما تفعلُ يهودُ. قال نافع: ولو قلتُ لك إنَّه أَسنَدَ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَرَجَوتُ ألا أكونَ كَذَبتُ. هذا إسناد جيد، وليس في شيء من الكتب السِّتة. طريق أخرى (69) قال الهيثم بن كُلَيب (¬2): ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا شيبان، ثنا جرير بن حازم، ثنا نافع قال: دخل ابنُ عمر وأنا أصلِّي في إزارٍ، فقال: أَلَم تُكس ثوبين؟ قلت: بلى. قال: أَفَرأيتَ لو بَعثتُك في حاجة، أكنتَ تذهبُ هكذا كما صَلَّيتَ؟ قلت: لا. قال: فربُّك أحقُّ أن تَزَيَّن له. ¬
ثم حدَّث، فلا أدري، رَفَعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أم حدَّث عن عمرَ -نافع شكَّ- قال: إذا لم يكُن لأحدكم غيرَ ثوبٍ واحدٍ، فأراد أن يصلِّي؛ فليشدَّ به حِقويه (¬1)، ولا يشتملْ اشتمالَ اليهود. حديث آخر (70) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا أحمد بن عثمان بن حكيم، والعباس بن جعفر قالا: ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا مسعود بن / (ق 26) سعد الجُعفِي، عن مُطرِّف، عن زيد العمِّي، عن أبي الصِّدِّيق النَّاجي، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: ذَكَر نساءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما يذيِّلن من الثياب، فقال: «شبرًا». فقلن: شبرًا قليل، تخرجُ منه العورةُ. قال: «فذراع». قلن: تبدو أقدامُهن. قال: «ذراعًا، لا يزدن على ذلك». ثم قال: اختُلف فيه على ابن عمر، وهذا حديث مُطرِّف، عن زيد العمِّي. قلت: وفيه ضعف. قال ابن عدي (¬3):لم يرو شعبة عن أضعف من زيد العمِّي. وهكذا روى هذا الحديث النسائي في الزينة (¬4)، عن أحمد بن عثمان بن حكيم ومعاوية بن صالح الدمشقي. كلاهما عن مالك بن إسماعيل، به. ¬
ولكن رواه أبو داود (¬1)، وابن ماجه (¬2) من حديث الثوري، عن زيد العمِّي، عن أبي الصِّديق، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يَذكر عمر بن الخطاب. وهذا أشبه (¬3)، والله أعلم. أثر عن عمر (71) قال محمد بن عبد الله الأنصاري (¬4): ثنا سليمان التَّيمي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن عمرَ بن الخطاب قال: تصلِّي المرأةُ في ثلاثةِ أثوابٍ: درعٍ، وخمارٍ، وإزارٍ. إسناد صحيح على شرطهما. ¬
أثر آخر (72) قال أبو عبيد (¬1): يُروى عن عوف بن أبي جميلة، عن أنس بن ¬
سيرين، عن عمرَ: أنَّه رأى جاريةً مملوكةً مُتَكَمْكِمَةً، فسَأَل عنها، فقالوا: أَمَةُ آلِ فلانٍ. فضَرَبها بالدِّرَّة ضرباتٍ، وقال: يالكعاءُ (¬1)، (أتشبَّهين) (¬2) بالحرائر؟! قال أبو عبيد: الأصلُ أن يقال: مُتَكَمِّمَةً، وهو من الكُمَّة، وهو القَلَنْسُوة، أي: رآها مغطيةً رأسَهَا كالحرائرِ، فضَرَبها. ¬
حديث آخر (73) روى أبو داود (¬1) عن سليمان بن حرب، عن حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال عمرُ: «إذا كان لأحدِكم ثوبانِ؛ فليُصلِّ فيهما». (74) وقال البخاري (¬2): ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قام رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصلاة في الثوب؟ فقال: «أوكُلُّكم يجدُ ثوبين؟». ثم سأل رجلٌ عمرَ، فقال: إذا وسَّع اللهُ فأَوسِعوا، جَمَع رجلٌ عليه ثيابه، صلَّى رجلٌ في إزارٍ ورداءٍ، في إزارٍ وقميصٍ، في إزارٍ وقَبَاءٍ (¬3)، في سراويلَ ورداءٍ، في سراويلَ وقميصٍ، في سراويلَ وقَبَاءٍ، في تُبَّانٍ (¬4) وقباءَ، في تُبَّانٍ وقميصٍ. قال: وأَحسَبُهُ قال: في تُبَّانٍ ورداءٍ. هكذا رواه البخاري. وهو عند مسلم (¬5) بدون ذِكر سؤال عمر رضي الله عنه. ¬
في المساجد ومواطن الصلاة
في المساجد ومواطن الصلاة (75) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سالم بن عبد الله قال: كان عمرُ بن الخطاب رجلاً غَيورًا، وكان إذا خَرَج إلى الصلاةِ اتَّبَعَتْهُ عاتكةُ بنت زيد، وكان يَكره خروجَها، ويَكره مَنْعَها، وكان يُحدِّث أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استأذَنَكُم نساؤكم إلى الصلاة فلا تَمنَعُوهُنَّ». هذا إسناد جيد، وإن كان فيه انقطاع، فإنَّ سالمًا لم يُدرك جدَّه عمر (¬2). قاله الحافظ أبو زرعة الرازي (¬3) (¬4). وقد جاء من طريق أخرى: ¬
(76) كما قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1) / (ق 27): ثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا بِشر بن منصور، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إمَاءَ اللهِ مساجدَ اللهِ». وهذا إسناد جيد من هذا الوجه (¬2)، وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬3). وهو في «الصحيح» من حديث عبد الله بن عمر، كما سيأتي (¬4). حديث آخر (77) قال الحافظ أبو يعلى (¬5): ثنا جُبَارة بن المغلِّس، ثنا عبد الكريم البَجَلي، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمرَ بن الخطاب قال: ¬
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما ساءَ عملُ قومٍ قطُّ إلا زَخرَفُوا (¬1) مساجدَهم». وكذا رواه ابن ماجه في «سننه» (¬2)، عن جُبارة بن المغلِّس، وفيه ضعف (¬3). (78) وقال البخاري (¬4): قال عمرُ: أَكِنَّ (¬5) الناسَ من المطر، وإيَّاك أن تُحمِّرَ أو تُصفِّرَ، فتَفتنَ الناسَ. قال (¬6): ورأى عمرُ بن الخطاب أنسَ بن مالك يصلِّي عند قبر، فقال: القبرَ! القبرَ! ولم يأمُره بالإعادة. ¬
قال (¬1): وقال عمرُ: إنَّا لا نصلِّي في البِيعة (¬2)، لا نَدخلُ كنائسَكم من أجل التماثيل التي فيها الصُّور. قال (¬3): وقال عمرُ: المصلُّون أحقُّ بالسَّواري من المتحدِّثين إليها. ورأى ابن عمر (¬4) رجلاً يصلِّي بين اسطوانتين، فأدناه إلى سارية، فقال: صَلِّ إليها. ¬
قلت: وقد روي نحو هذا في حديث آخر عن عمرَ مرفوع: (79) كما روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث بُرد بن سنان، عن إسحاق بن سُوَيد -وكان شيخًا كبيرًا- قال: مَرَّ عمرُ -رضي الله عنه- برجل يصلِّي، فقال: اُدْنُ من قِبْلتِكَ، / (ق 28) لايُفسِدُ الشيطانُ عليك صلاتَكَ، لستُ أقولُهُ برأيي، ولكني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُهُ (¬1). ¬
وهكذا رواه معتمر بن سليمان، عن إسحاق بن سُوَيد، عن رجل، عن عمرَ، به. أثر آخر (80) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عبيد الله، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- كان يُجمِّرُ (¬2) مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كلَّ جُمُعة. أثر آخر (81) قال أبو عبيد (¬3): حدِّثت عن عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عمَّن حدَّثه، عن عمرَ: أنَّه لمَّا حَصَّبَ المسجدَ قال له فلان: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: هو أَغفَرُ للنُّخامة، وألينُ في المَوْطئ. ¬
قال الأصمعي: أَصل الغَفر: التغطية، يعني: أنَّه أستر للنُّخامة. ودلَّ على جواز ذلك في المسجد بشرط التغطية، ويشهد له الحديث الصحيح (¬1): «البُزَاق في المسجدِ خطيئةٌ، وكفَّارتها دفنُها». وقوله: حَصَّبَ المسجدَ: يعني: جعل فيه الحصباءَ، وهي: الحصى. ¬
أثر آخر (82) قال ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد بن هارون، أنا الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أَسيد قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يَعُسُّ المسجدَ بعد العشاءِ، فلا يَرى فيه أحدًا إلا أَخرَجَهُ، إلا مَن يصلِّي، فمَرَّ بنفرٍ من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيهم أُبَيّ بن كعب فقال: ما خلَّفَكُم بعد الصلاة؟ قالوا: جَلَسنا نذكرُ اللهَ تعالى. فجلس معهم، ثم قال لأدناهم إليه: هاتِ. قال: فدعا، فاستَقرَأَهم واحدًا واحدًا (¬2) يَدعون، حتى انتهى إليَّ، وأنا إلى جنبه، فقال: هاتِ. فحَصِرتُ، وأخذني من الرِّعدة إفكِلٌ (¬3)، حتى جعل يجدُ مَسَّ ذلك منيِّ، فقال: ولو أن تقولَ: اللهمَّ اغفر لنا، اللهمَّ ارحمنا. قال: ثم أُخِذَ عمر، فما كان في القوم أكثرَ دمعةً منه، ولا أشدَّ بكاءً، ثم قال: إيهًا! الآن فتَفَرَّقوا. ¬
أثر آخر (83) قال البخاري (¬1): ثنا علي بن عبد الله، ثنا يحيى بن سعيد، أنا الجُعَيد بن عبد الرحمن، عن يزيد بن خُصيفة، عن السائب بن يزيد الكِندي / (ق 29) قال: كنتُ قائمًا في المسجد، فحَصَبني رجلٌ، فنَظَرتُ، فإذا عمرُ بن الخطاب، فقال: اذهب، فائتني بهذين، فجئتُهُ بهما. فقال: ممَّن أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتُكُما، ترفعانِ أصواتَكما في مسجدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم! طريق أخرى (84) قال النسائي (¬2): ثنا سُوَيد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك (¬3)، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: سَمِعَ عمرُ صوتَ رجلٍ في المسجد، فقال: أتدري أين أنت؟! وهذا -أيضًا- صحيح. ¬
حديث في كراهة دخول المسجد لآكل الثوم والبصل
حديث في كراهة دخول المسجد لآكل الثوم والبصل (85) قال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (¬1): حدثنا سفيان، ثنا يحيى بن صَبيح الخراساني، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن عمرَ بن الخطاب أنَّه قال: إنِّي لأَحسَبُ أنكم تأكلون شجرتين -يعني: خبيثتين-، البصلَ والثومَ، فإن كنتم لابدَّ فاعلين؛ فاقتُلُوهما بالنضج، ثم كُلُوهما، فلقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يجدُ ريحَهُ من الرجل، فيأمُرُ به، فيُخرَجَ إلى البقيع. هكذا رواه الحميدي مختصرًا، وفيه زيادات كثيرة، ستأتي في موضعها (¬2) من هذا الحديث، وهو في «الصحيح» (¬3). وقد نقل الترمذي (¬4) عن عليٍّ وشريك بن الحنبل أنهما كرها البصل والثوم النِّيئ. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
ونقله ابن حزم (¬1) عنهما: أنهما حرَّماه. وقد يقال: إنَّ كلام عمر يقتضيه. وأما نهي آكلهما عن دخول المسجد، فقد صحَّ في غير ما حديث: «من أَكل البصلَ والثومَ والكُرَّاث؛ فلا يَقربنَّ مسجدَنا» (¬2). ولمسلم (¬3): «مساجدَنا». وقد كَرِهَ الفقهاءُ ذلك (¬4)، ومقتضى قواعد مذهب الإمام أحمد (¬5) أنَّه لا تصحُ صلاةُ آكلهما في المسجد ومعه الريحُ، لأنه قد نُهي عن الكون فيه، فيقتضي ألا تصحَّ صلاتُهُ فيه، كالدار المغصوبة، والله أعلم. ¬
حديث آخر (86) قال أحمد (¬1): ثنا حماد الخيَّاط، ثنا عبد الله، عن نافع: أنَّ عمرَ زاد في المسجد من الأُسطوانة إلى المقصورة، وزاد عثمان، وقال عمرُ: لولا أني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن يزيدُ في مسجدِنا؟» (¬2)؛ ما زِدْتُ فيه. وهذا وإن كان منقطعًا، إلا أن الظاهر أن نافعًا سَمِعَه من ابن عمر، وقد روي كذلك مرفوعًا من طريق أخرى: (87) كما قال الحافظ أبو يعلى (¬3): ثنا موسى بن حيَّان، ثنا سَلم بن قتيبة، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال عمرُ: لولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إني أريدُ أن أزيدَ في قِبْلَتِنا»؛ ما زِدتُ. وهذا إسناد حسن، وعبد الله بن عمر العُمَري في كلتا الطريقين ضُعِّف. ¬
صفة توسيع عمر في المسجد
صفة توسيع عمر في المسجد (88) قال الشيخ أبو الفرج / (ق 30) ابن الجوزي -رحمه الله- في آخر الباب الثالث والثلاثين من كتاب «مناقب عمر رضي الله عنه» (¬1): وروى يزيد بن هارون، ثنا أبو أُميَّة ابن يعلى، عن سالم أبي النَّضر، قال: كانت دارُ العباس بن عبد المطلب إلى جنب المسجد، وكان ميزابُها يشرع إلى الطريق، فقال له عمر: إنَّ ميزابَك يؤذي المسلمين، فحوِّله إلى دارك. فقال: إنما هو ماء المطر. فقال عمرُ: إنَّ المسلمين لا يحبُّون أن تَبلَّ السماءُ ثيابَهم، فحوِّله. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أقَطَعَها العباسَ، ثم رأى عمرُ في المسجد ضِيقًا عن المسلمين، فاشترى ما حولَه من المنازل، وبقيت حُجَر نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ودار العباس، فقال عمرُ للعباس: إنَّ مسجدَ المسلمين قد ضاق بهم، وقد ابتَعتُ ما حولَه من المنازل، غير حُجَر نساءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلا سبيلَ إليها، ودارِك، فبعنيها أُوسِّعُ بها مسجدَ المسلمين. فقال العباس: لستُ بفاعل. فأراده عمر، فأبَى. فقال له عمر: اختر منِّي واحدةً من ثلاث خصال. فقال العباس: هاتها، لعلَّ في بعضها فَرَجًا. فقال: اختر منِّي: إما أن تبيعنيها بحُكمكَ من بيت مال المسلمين، وإما أن أَخطَّك مكانَها خطَّةً حيث أَحببت، فأَبنيها لك مثلَ بناء دارك، وإما أن تصدَّقَ بها على المسلمين توسِّع بها عليهم مسجدَهم. فقال له العباس: ولا خصلةً من هذه الخصال. قال له عمر: اجعل بيني وبينك حَكَمًا. فقال: أُبَيّ بن كعب. فانطَلَقا إليه، فدَخَلا، فقال لعمرَ: أخصمًا جئتَ أم زائرًا؟ فقال: بل ¬
خصمًا. / (ق 31) قال: فاجلس مجلسَ الخصومِ. فجَلَسا بين يديه، فقصَّ عليه عمرُ قصتَه. فقال أُبَيّ بن كعب: إنْ شئتُما حدَّثتُكما حديثًا سَمِعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمرُ: حدِّثنا. فقال أُبَيّ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله أَوحى إلى داودَ عليه السلام أن ابْنِ لي بيتًا أُذكَرُ فيه، فاختَطَّ داودُ عليه السلام موضعَ بيتِ المقدسِ، فإذا خَطُّه يزِوي تَربيعتَها دارًا لبعض بني إسرائيل، فسأله أن يَخرُجَ له عنها، فيُدخِلُها في المسجدِ، فيُسوَّى تربيعتُه، فأَبَى، فهَمَّ داودُ عليه السلام بأخذها منه، فأوحى اللهُ تعالى إليه: إنِّي أَمَرتُك أن تَبنيَ لي بيتًا أُذكَرُ فيه، فأَردتَ أن تُدخِلَ بيتيَ الغصبَ، وليس من شأني الغصبُ، وإنَّ عقوبتَكَ ألاَّ تَبنيه، فقال: ياربّ، فمِن ذُريتي؟ قال: من ذُريتك، فأَوحى اللهُ إلى سليمانَ عليه السلام فبَنَاه». فأخذ عمرُ -رضي الله عنه- بمجامع قميص أُبَيّ، فقال: جئتُك بأمرٍ، فما جئتني به أشدَّ منه، لتأتينِّي على هذا ببيِّنة، أو لأفعلنَّ، ولأفعلنَّ، ولأفعلنَّ. فقال أُبَيّ: أَي عمر، أتَّتهمني على حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو ما أقول لك. فخَرَج به، حتى أتى به المسجدَ، فإذا فيه حَلقة من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فوَقَفَهُ عليهم، فقال أُبَيّ: أَنشُدُكم اللهَ، أيكم سَمِعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُ حديثَ داودَ حيثُ أَوحى اللهُ إليه أن يبني بيتَ المقدس؟ وحدَّثهم به. فقال / (ق 32) هذا من ههنا: أنا سَمِعتُهُ، وقال هذا من ههنا: أنا سَمِعتُهُ. فغضب أُبَيّ -رضي الله عنه-، وقال: أي عمر، أتَّتهمني على حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فأرسَلَه عمر، وقال: يا أبا المنذر، لا والله الذي لا إله إلا هو، ما اتَّهمتُك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حديثٍ ولا غيرِه، ولكني كرهتُ أن يجترئ (¬1) على ¬
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا. وقال عمرُ للعباس: انطلِق إلى دارك، فقد تركتُها لا أَعرضُ فيها. فقال العباس: وتركتَها لا تعرضُ فيها؟ قال: نعم. قال: فإنِّي قد جعلتُها صدقةً على المسلمين أُوسِّع بها في مسجدِهم، فأما وأنت غاصبي، فما كنتُ لأفعل. فأَخطَّه عمر خطَّة في السُّوق، وبناها له من مال المسلمين بحذاء من بنائه، فهي لهم اليوم. وهذا سياق غريب، وفي إسناده ضعف وانقطاع (¬1). حديث آخر يتضمن وضعه المسجد في البيت المقدَّس (89) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا أسود بن عامر، ثنا حماد بن سَلَمة، عن أبي سِنَان، عن عُبيد بن آدم، وأبي مريم، وأبي شعيب: أنَّ عمرَ بن ¬
الخطاب -رضي الله عنه- كان بالجابية (¬1) ... ، فذَكَر فتحَ بيتِ المقدسِ. قال: قال ابن سَلَمة (¬2): فحدَّثني أبو سِنَان، عن عُبيد بن آدم قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول لكعب: أين ترى أن أُصلِّي؟ قال: إنْ أَخذتَ عنِّي، صَلَّيتَ خلفَ الصخرةِ، فكانت القدسُ كلُّها بين يديك. فقال عمرُ: ضاهيْتَ (¬3) اليهودية، لا، ولكنْ أصلِّي حيثُ صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فتَقدَّم إلى القِبْلة فصَلَّى، ثم جاء، فبَسَط رداءَه، وكَنَس الكُنَاسةَ في ردائه، وكَنَس الناسُ. / (ق 33) وهذا حديث حسن الإسناد، اختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬4). وأبو سِنَان هذا: اسمه عيسى بن سِنَان الشَّامي الفلسطيني، روى عنه جماعة، وضعَّفه ابن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة، ووثَّقه بعضهم، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث. وروى له أهل السُّنن إلا النسائي (¬5). وعُبيد بن آدم هذا: قال أبو حاتم (¬6): اسمه: عبد العزيز بن آدم، يروي عن عمرَ وأبي هريرة، وعنه: أبو سِنَان القَسملي. وأما عُبيد بن آدم بن أبي إياس فمتأخِّر، يروي عن أبيه، وعنه: النسائي وأبو حاتم الرازي، وقال (¬7): صدوق. ¬
حديث آخر (90) قال أبو داود في «المراسيل» (¬1): ثنا مسلم بن إبراهيم، عن شعبة، عن عُمارة، عن أبي مِجْلَز: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمر عمرَ أن ينهى أن يُبالَ في قِبلة المسجد. حديث آخر (91) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعُ مواطنَ لا تكونُ فيها الصلاةُ: ظَهْرُ بيتِ اللهِ، والمقبرةُ، والمجزرةُ، والمزبلةُ، والحمَّامُ، وعَطَنُ الإبلِ، ومحجَّةُ (¬3) الطريقِ». هكذا رواه البزَّار. وكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث الرَّمادي، وحَرمَلَة، وحميد بن زَنْجويه، والأَعْين. كلُّهم عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عنه، به. ثم قال البزَّار: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولم يروه عن عبد الله بن عمر إلا الليث. ¬
وذَكَره الترمذي في «جامعه» (¬1) معلَّقًا عن الليث، عن عبد الله بن عمر العُمَري، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به. قلت: والعُمَري الذي دار الحديث عليه ضعيف. لكن رواه ابن ماجه (¬2)، / (ق 34) فسقط من روايته العُمَري، فإنَّه قال: ثنا علي بن داود، ومحمد بن أبي الحسين، قالا: ثنا أبو صالح -يعني: عبد الله بن صالح-، حدثني الليث، ثنا نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَر مثله. فلو كان محفوظًا بهذا الإسناد؛ لكان على شرط البخاري، فإنَّ كاتب الليث روى عنه البخاري في «الصحيح» على الصحيح (¬3)، لكن لابدَّ من ذِكر العُمَري فيه، وسَقَط إما من حفظ ابن ماجه أو أحد شيخيه، والله أعلم بالصواب (¬4). وقد روى هذا الحديثَ الترمذي (¬5) وابن ماجه (¬6) من حديث زيد بن جَبِيرة -وهو: ضعيف-، عن داود بن الحُصين، عن نافع، عن ابن عمرَ، ¬
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يَذكر فيه عمرَ (¬1)، والله أعلم. ¬
صفة الصلاة
صفة الصلاة (92) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا هشيم، ثنا أبو محمد -مولى قريش-، ثنا أبو عثمان النَّهدي قال: رأيتُ عمرَ -رضي الله عنه- إذا أقيمت الصلاةُ استَدبَرَ القِبْلةَ، ثم يقول: تقدَّم يا فلانُ، تأخَّر يا فلانُ، سوُّوا صفوفَكم. فإذا استوى الصفُّ، أَقبَلَ على القِبْلةِ، فكَبَّرَ. وقال نافع (¬2)، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- لم يكن يكبِّرُ بالصلاة حتى يسوِّي الصفوفَ، ويُوكِّلُ بذلك رجالاً. أثر في رفع اليدين في الابتداء فقط (93) قال أبو الحسن محمد بن أحمد الرافقي في «جزئه» (¬3) المشهور: ثنا سيَّار بن نصر، ثنا أبو عُبيدة بن أبي السَّفَر، ثنا عبد الله بن داود الخُرَيبي قال: قال عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي، ¬
عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّه رفع يديه في أول تكبيرة، ثم لم يَعُد. وقد رواه الحاكم في «مستدركه» (¬1) من حديث ابن أبجَر، ثم قال: وهذه رواية شاذة، ولا تعارِض ما رواه الناس عن طاوس (¬2)، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ كان يرفع يديه في الركوع والرفع منه. ¬
حديث آخر (94) قال عبد الله بن وهب (¬1): عن حَيوة، عن أبي عيسى سليمان بن ¬
كيسان، عن عبد الله بن القاسم (¬1) قال: بينما الناسُ يصلُّون على أنحى شيءٍ في القيام والركوع والسجود، إذ خَرَج عمرُ بن الخطاب، فلما رأى ذلك غضب، وهيَّت بهم (¬2)، حتى تجوَّزوا في الصلاة، فانصرَفوا، فقال عمرُ: أَقبِلُوا عليَّ بوجوهكم، وانظروا إليَّ كيف أصلَّي بكم صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصلِّي ويأمر بها. فقام مستقبِلَ القِبْلةِ، فرفع يديه حتى حاذى بهما مَنكبيه، فكَبَّر، ثم غَضَّ بصرَهُ، وخَفَضَ جناحَهُ. ثم قام قدرَ ما يقرأُ بأمِّ القرآن، وسورةٍ من المفصَّل، ثم رفع يديه حتى حاذى بهما مَنكبيه، فكَبَّرَ، ثم ركع، فوَضَع راحتيه على ركبتيه، وبَسَط يديه عليهما، ومدَّ عُنُقَه، / (ق 35) وخَفَضَ عَجُزَه، غيرَ مُصوِّبٍ ولا مُقنعٍ، حتى أنْ لو أنَّ قطرةَ ماءٍ وَقَعت في نَقرة قفاه لم تنته أن تقعَ، فيَمكثُ قدرَ ثلاثِ تسبيحاتٍ غيرَ عَجِلٍ، ثم كَبَّرَ ... ، وذَكَر الحديث (¬3). إلى أن قال: ثم كَبَّرَ، فرفع، واستوى على عقبيه، حتى وَقَع كلُّ عظمٍ منه موقعَهُ، ثم كَبَّرَ، فسَجَد قدرَ ذلك، ورفع رأسَه، فاستوى قائمًا، ثم صلَّى ركعةً أخرى مثلَها، ثم استوى جالسًا، فنَحَّى رجليه عن مَقعدتِهِ، ¬
وألزم مَقعدتَهُ الأرضَ، ثم جَلَس قدرَ أن يتشهدَ بتسعِ كلماتٍ، ثم سلَّم، وانصرف، فقال للقوم: هكذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بنا. حديث آخر (95) قال الدارقطني (¬1): ثنا عثمان بن جعفر بن محمد، ثنا محمد بن نصر المروزي، ثنا عبد الله بن شَبيب، حدثني إسحاق بن محمد، عن عبد الرحمن بن عمرو (¬2) بن شيبة، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا كَبَّرَ للصلاة قال: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك». فإذا تعوَّذ، قال: «أعوذ بالله من هَمز الشيطان، ونَفخه، ونَفْثه». ثم قال الدارقطني: رَفَعه هذا الشيخ -يعني: عبد الرحمن بن عمرو-، والمحفوظ عن عمرَ، من قوله. قال: وكذلك رواه إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن عمرَ. وكذلك رواه يحيى بن أيوب، عن عمرَ بن شيبة، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، من قوله، وهو الصواب. قال ابن الجوزي في «تحقيقه» (¬3): وعبد الرحمن هذا: ثقة، قد أخرج عنه البخاري في «صحيحه»، وإنما كان عمرُ يقوله اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم (¬4). ¬
قلت: هذا الحديث روي مرفوعًا عن أنس (¬1)، ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وأبي سعيد (¬1)، وعائشة (¬2). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
فأما عن عمرَ، فالمحفوظ أنَّه موقوف عليه، كما قاله الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬1). وكذلك رواه مسلم في / (ق 36) «صحيحه» (¬2)، فقال: (96) ثنا محمد بن مِهران الرازي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن عَبدة بن أبي لُبَابة: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يجهرُ بهؤلاءِ الكلماتِ: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، تبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك. وعن قتادة: أنَّه كَتَب إليه يُخبِرُهُ عن أنس بن مالك أنَّه حدَّثه قال: صَلَّيتُ خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لا يَذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أوَّل قراءةٍ ولا آخرِها. فعَبدة بن أبي لُبَابة لم يُدرك عمرَ بن الخطاب، وإنما لقي ابنَه عبد الله بن عمر، كما قاله الإمام أحمد بن حنبل (¬3)، وهو من ثقات المسلمين وأئمَّتهم. وهذا الأثر ثابت عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- من غير وجه، كما رواه الدارقطني (¬4) من طرق، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن ¬
الأسود قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- إذا افتتح الصلاةَ قال: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك. يُسْمِعُنا ذلك ويُعلِّمُنا. (97) وقال الحسن بن عرفة (¬1): ثنا هشيم، عن عبد الله بن عَون، عن إبراهيم، عن علقمة: أنَّه انطلَقَ إلى عمرَ بن الخطاب، قال: فرأيتُهُ قال حين افتتح الصلاةَ: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك. وهذه أسانيد صحيحة، والله أعلم. حديث آخر (98) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: ثنا الحسن / (ق 37) بن سفيان، حدثني أبو قُدَيد، ثنا حاتم بن أحمد، ثنا عمار بن زَربي -مؤذِّن مسجد الأصمعي-، ثنا معتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: كانت قراءةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى بنا مَدًّا. ¬
فيه غرابة من جهة إسناده (¬1). حديث آخر (99) قال الإسماعيلي أيضًا: ثنا جعفر بن أحمد الواسطي، وابن صاعد قالا: ثنا نصر بن مالك الخُزَاعي، ثنا علي بن بكَّار، ثنا أبو خَلْدة، عن أبي العالية قال: قال عمرُ رضي الله عنه: تعلَّموا القرآنَ، خمسَ آياتٍ، خمسَ آياتٍ، كذلك أنزله جبريلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬2). قال علي بن بكَّار: قال بعض أهل العلم: مَن تعلَّمه هكذا لم ينسه أبدًا. ¬
أثر آخر (100) روى البخاري، ومسلم (¬1) من حديث أبي عِمران الجَوْني، عن عبد الله بن الصامت، عن عمرَ أنَّه قال: اقرأوا القرآنَ ما ائتلفت عليه قلوبُكُم، فإذا اختلفتُم، فقُومُوا. ثم قال البخاري: والصحيح: أنَّه عن أبي عِمران، عن جُندَب، مرفوعًا. قلت: وسيأتي (¬2) كذلك، وهو في «الصحيحين». ¬
حديث آخر (101) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ -رضي الله عنه-، وهو بعَرَفة -قال (¬2): وحدثنا الأعمش، عن خيثمة، عن قيس بن مروان: أنَّه أتى عمرَ-، فقال: جئتُ يا أميرَ المؤمنين من الكوفة، وتَرَكتُ بها رجلاً يُملِي المصاحفَ عن ظَهر قلبِهِ، فغَضِبَ، وانتفخَ حتى كاد يملأُ ما بين شُعبَتَي الرَّحْلِ (¬3)، فقال: ومَن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يُطْفَأُ ويُسرَّى (¬4) عنه الغضبُ حتى عاد إلى حاله التي كان عليها. ثم قال: ويحك، واللهِ ما أَعلمُهُ بَقِيَ من الناس أحدٌ هو أحقُّ بذلك منه، وسأحدِّثك عن ذلك، كان النبيُّ / (ق 38) صلى الله عليه وسلم لا يزال يَسمُرُ عند أبي بكر -رضي الله عنه- الليلةَ كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وأنَّه سَمَر عنده ذاتَ ليلةٍ، وأنا معه، فخَرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وخَرَجنا معه، فإذا رجلٌ قائمٌ يصلِّي في المسجد، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسمعُ قراءتَه، فلما كِدْنا نَعرِفَهُ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سرَّه أن يَقرأ القرآنَ رَطْبًا كما أُنزلَ؛ فليَقرأْ على قراءةِ ابنِ أمِّ عَبْدٍ». قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَلْ تُعْطَهْ». قال عمرُ: قلت: واللهِ، لأَغدُونَّ إليه، فلأُبَشِّرنَّه، قال: فغَدَوتُ إليه لأُبَشِّره، فوَجَدتُ أبا بكر قد سَبَقَني إليه، فبَشَّره، ولا واللهِ ما سابَقْتُهُ إلى ¬
خيرٍ قطّ، إلا سَبَقَني إليه. ورواه الترمذي (¬1)، والنسائي (¬2) من حديث أبي معاوية محمد بن خازم الضَّرير، به، بنحوه. قلت: وكذلك رواه الثوري، عن الأعمش (¬3). قال الدارقطني (¬4): رواية الأعمش هي الصواب. وقال الترمذي (¬5): رواه الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن علقمة، عن رجل من جُعفي، يقال له: قيس، أو: ابن قيس، عن عمرَ، في قصة طويلة. وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر (¬6): رواه الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن قَرثَع الضَّبي (¬7)، عن رجل من جُعفي، يقال له: قيس، أو: ابن قيس، عن عمرَ، به. ¬
وقد رواه النسائي في المناقب (¬1)، عن محمد بن زَنبور المكي، عن فضيل بن عياض، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وخيثمة. كلاهما عن قيس بن مروان، به. وعن محمد بن أبان (¬2)، عن محمد بن فضيل، / (ق 39) عن الأعمش، ¬
عن خيثمة، عن قيس بن مروان، به، مختصرًا: «مَن سَرَّه أن يقرأَ القرآنَ كما أُنزِلَ، فليقرأهُ على قراءةِ ابنِ أمِّ عَبدٍ». وهذا الحديث لا يُشكُّ أنَّه محفوظ، وهذا الاضطراب لا يضرُّ صحته، والله أعلم. والغرض منه الاقتداء بعبد الله بن مسعود فيما صحَّ من قراءته عنه على مذهب من يرى ذلك. وقد قدَّمنا هذا الحديث في «مسند الصِّديق». حديث آخر (102) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1): ثنا شعبة، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، قال: قال عمرُ رضي الله عنه: أمِسُّوا (¬2)، فقد سُنَّتْ لكم الرُّكَبُ. وهكذا رواه علي بن الجَعْد (¬3)، عن شعبة، عن أبي حَصِين قال: سَمِعتُ أبا عبد الرحمن يقول: قال عمرُ: أَمِسُّوا، فقد سُنَّت لكم الرُّكَبُ. وأما النسائي، فرواه في «سننه» (¬4)، عن بُندَار، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن عمرَ أنَّه قال: إنَّ الرُّكَبَ قد سُنَّتْ لكم، فخُذُوا بالرُّكَبِ (¬5). ¬
وعن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن سفيان، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن، به (¬1). ورواه الترمذي (¬2)، عن أحمد بن مَنيع، عن أبي بكر بن عيَّاش، عن أبي حَصِين، به، وقال: حسن صحيح. واختاره الحافظ الضياء في كتابه المستخرَج على الصحيحين (¬3) من رواية الهيثم بن كُلَيب، عن أحمد بن حازم، عن جعفر بن عَون، عن مِسْعَر، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن قال: أَقبَلَ عمرُ على الناس، فقال: أيها الناسُ، سُنَّتْ لكم الرُّكَبُ، / (ق 40) فأَمِسُّوا بالرُّكَبِ. وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬4): رواه جماعة، منهم شعبة، واختُلف عليه، فرواه أبو قتيبة، عنه، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن، عن عمرَ، ووَهِمَ فيه، ورواه أبو داود، عن شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبد الرحمن، عن عمرَ، ولم يُتابَع عليه، والمحفوظ: حديث أبي حَصِين (¬5). ¬
قنوت عمر
قنوت عمر (¬1) (103) قال أبو عبيد (¬2): ثنا هشيم، أنا ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عُبيد بن عُمَير، عن عمرَ: أنَّه كان يقول في قنوت الفجر: وإليك نَسعى ونَحفِد، وقوله: إنَّ عذابَكَ بالكفارِ مُلحِقٌ (¬3). ورواه البيهقي (¬4) من حديث عُبيد بن عُمَير، عن عمرَ: أنَّه قَنَتَ بعد الركوع، فقال: اللهم اغفِرْ لنا، وللمؤمنين (¬5)، والمسلمين، والمسلمات، وألِّفْ بين قلوبهم، وأَصلحْ ذات بينهم، وانصُرهُم على عدوِّك، وعدوِّهم، اللهمَّ العَن كَفَرة أهلِ الكتابِ، الذين يَصدون عن سبيلِكَ، ويُكذِّبون ¬
رسلَكَ، ويُقاتِلونَ أولياءَكَ، اللهمَّ خالِفْ بين كلمتهم، وزلزِلْ أَقدامَهم، ونزِّل (¬1) بهم بأسَكَ الذي لا تردُّه عن القومِ المجرمينَ. بسم الله الرحمن الرحيم: اللهمَّ إنَّا نَستعينُكَ، ونَستغفرُكَ، ونُثني عليك، ولا نَكفرُكَ، ونَخلَعُ ونَتركُ مَن يَفجرُكَ. بسم الله الرحمن الرحيم: اللهمَّ إياك نعبدُ، ولك نُصلِّي ونَسجدُ، وإليك نَسعى ونَحفِدُ، نخشى عذابَكَ الجِدَّ، ونرجو رحمتَكَ، إنَّ عذابَكَ بالكفارِ مُلحِقٌ. قال أبو عبيد: أصل الحَفْد: الخدمة والعمل، يقول: إنا نعبدُكَ، ونسعى في طلب رضاك. وقوله: مُلحِقٌ: هكذا يُروى، وهو جائز في الكلام أن تقولَ: مُلحِقٌ، تريد: لاحِق. لأنهما لغتان (¬2). ¬
تشهد عمر رضي الله عنه
تشهد عمر رضي الله عنه (104) قال الإمام مالك (¬1): عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ: أنَّه سَمِعَ عمرَ -وهو على المنبر- يعلِّم الناسَ التشهدَ، يقول: قولوا: التحياتُ للهِ، الزاكياتُ للهِ، الطيباتُ، الصلواتُ للهِ، السلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ اللهِ (¬2)، السلامُ علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُهُ. وهكذا رواه معمر، عن الزهري (¬3). ورواه ابن جريج، عنه، فقدَّم الشهادة على السلام (¬4). ¬
ورواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمرَ، فزاد في أوله: بسم الله، خير الأسماء (¬1). قلت: أخذ الإمام مالك بهذا التشهد (¬2)؛ لأنَّ عمرَ علَّمه الناسَ على المنبر، ولم يُنكَر. وقد يقال: إنَّ مثل هذا لا يكون إلا عن توقيف. ¬
وأخذ الإمام أبو حنيفة (¬1) وأحمد بن حنبل (¬2) رحمهما الله بحديث ابن مسعود، وهو في «الصحيحين» (¬3). وأخذ الإمام الشافعي (¬4) بحديث ابن عباس، وهو في «صحيح مسلم» (¬5). وقد رُويت تشهداتٌ أخرُ عن جماعة من الصحابة، كأبي موسى (¬6) وجابر (¬7)، وكلٌّ منها مجزئٌ عندهم، وإنما اختلفوا في الأفضلية رضي الله عنهم أجمعين. ¬
/ (ق 41) وعند الإمام الشافعي (¬1): أنَّه لابدَّ من الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، ويُحتجُّ له بأشياء، منها: (105) ما رواه الحافظ أبو عيسى الترمذي في «جامعه» (¬2) حيث قال: ثنا أبو داود البَلخي، أنا النَّضر بن شُمَيل، عن أبي قُرَّة الأسدي، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: الدعاءُ موقوفٌ بين السماء والأرض لا يَصعدُ منه شيءٌ حتى تُصلِّي على نبيِّك. ¬
وهذا إسناد جيد (¬1). وكذا رواه أيوب بن موسى، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، قولَه (¬2). ورواه معاذ بن الحارث (¬3)، عن أبي قُرَّة الأسدي، عن سعيد، عن عمرَ، مرفوعًا، والأوَّل أصح. وقد رواه رَزين بن معاوية (¬4) في كتابه مرفوعًا، ولفظه: عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاءُ موقوفٌ بين السماءِ والأرضِ، لا يَصعدُ حتى يُصلَّى عليَّ، فلا تجعلوني كغُمَرِ الراكبِ (¬5)، صلُّوا عليَّ أوَّلَ الدعاءِ، وأوسطَه، وآخرَه». ¬
حديث آخر في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
حديث آخر في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم (106) قال أبو القاسم الطبراني (¬1): ثنا محمد بن عبدالرحيم بن بحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير بن رَيسان، ثنا يحيى بن أيوب (¬2)، حدثني عبيد الله بن عمر، عن الحكم بن عُتيبة، عن إبراهيم النَّخَعي، عن الأسود بن يزيد، عن عمرَ بن الخطاب قال: خَرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحاجتِهِ، فلم يجد أحدًا يَتبعُهُ، ففَزِعَ عمرُ، فأتاه بمِطهرةٍ من خلفِهِ، فوَجَد النبيَّ صلى الله عليه وسلم ساجدًا في شَرَبةٍ (¬3)، فتنحَّى عنه من خلفِهِ، حتى رَفَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسَهُ، فقال: «أَحسنتَ يا عمرُ حين وَجَدتني ساجدًا فتَنحَّيتَ عنِّي، إنَّ جبريلَ أتاني، فقال: مَن صلَّى عليك مِن أمَّتكَ واحدةً، صلَّى اللهُ عليه عشرًا، ورفَعَه بها عشرَ درجاتٍ». ثم قال الطبراني: تفرَّد به يحيى بن أيوب، ولم يروه / (ق 42) عنه ¬
إلا عمرو بن الربيع (¬1). وقد اختاره الحافظ الضياء من هذا الوجه (¬2). قلت: وله شواهد عن غير واحد من الصحابة مرفوعة (¬3)، والله أعلم. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حديث في الأدعية
حديث في الأدعية (107) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، وحسين بن محمد قالا: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ من خمس: من البُخلِ، والجُبْنِ، وفتنةِ الصَّدرِ، وعذابِ القبرِ، وسُوءِ العُمْرِ. ثم رواه أحمد (¬2)، عن وكيع، عن إسرائيل. قال وكيع: فتنة الصَّدر: أن يموت الرَّجل، وذَكَر وكيع الفتنة لم يتب منها. وأخرجه أبو داود (¬3)، والنسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5) من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، به. ورواه النسائي -أيضًا- (¬6)، وابن حبان في «صحيحه» (¬7) من حديث يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، به. وقال أبو داود (¬8): أسنده إسرائيل، ويونس، ورواه سفيان الثوري ¬
وشعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ... ، فأرسَلاه. قلت: هكذا رواه النسائي (¬1)، عن أحمد بن سليمان، عن أبي داود، عن الثوري، به. ورواه -أيضًا- (¬2) من حديث زُهَير، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: حدَّثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَره (¬3). ¬
قلت: وسيأتي (¬1) في مسند سعد وابن مسعود رضي الله عنهما (¬2). حديث آخر (108) قال الحافظ أبو يعلى (¬3): ثنا زُهَير، ثنا أحمد بن إسحاق، ثنا عبدالواحد بن زياد، حدثني عبد الرحمن بن إسحاق، حدثني شيخ من ¬
قريش، عن / (ق 43) ابن عُكَيم قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قل: اللهمَّ اجعَل سَريرتي خيرًا من علانيتي، واجعَل علانيتي صالحةً». هكذا رواه أبو يعلى، وهو غريب من هذا الوجه. وقد رواه الترمذي (¬1) من طريق أخرى، عن محمد بن حميد، عن علي بن أبي بكر، عن الجرَّاح بن الضَّحاك الكندي، عن أبي شيبة، عن عبد الله بن عُكَيم ... ، فذَكَره. ثم قال: ليس إسناده بقوي (¬2). حديث آخر (109) قال أبو حاتم ابن حبان في «صحيحه» (¬3): أنا ابن قتيبة، أنا حَرمَلَة، أنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، حدثني المعلَّى بن رُؤبة التَّميمي، عن هاشم بن عبد الله بن الزُّبير أنَّه أَخبَرَه: أنَّ عمرَ بن الخطاب أَصابَتْهُ مصيبةٌ، فأتى رسولَ الله، فشكا إليه ذلك، فسأله أنْ يأمُرَ له بوَسْقٍ (¬4) من تمر، فقال له: «إنْ شئتَ أَمَرتُ لك بَوسْقٍ، وإنْ شئتَ علِّمتُك كلماتٍ هُنَّ خيرٌ لك)). فقال: علِّمنيهُنَّ، ¬
ومُرْ لي بوَسْقٍ، فإني ذو حاجةٍ إليه. فقال: «أفعل» (¬1). فقال: «قل: اللهمَّ احفظني بالإسلام قاعدًا (¬2)، واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تُطِعْ فيَّ عدوًّا حاسدًا، وأعوذُ بك من شرِّ ما أنت آخذٌ بناصيتِهِ، وأسألُكَ من الخير الذي هو بيدِكَ كلِّه». هذا حديث غريب (¬3). ¬
حديث آخر (110) قال الإسماعيلي بإسناده عن شعبة (¬1)، عن خالد، سَمِعَ عبد الله بن الحارث: أنَّ ابنَ عمر أمر رجلاً أَخذ مَضجعه أن يقولَ: اللهمَّ أنت خَلَقتَ نفسي، وأنت توفَّاها، لك محياها ومماتها، إنْ أحييتَها فاحفَظْها، وإنْ أمتَّها فاغفِرْ لها، اللهمَّ إنِّي أسألُكَ العافيةَ. فقال رجلٌ: سَمِعتَهُ من عمرَ؟ قال: نعم، وسَمِعَه عمرُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. حديث آخر (111) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا الفضل بن سهل، ثنا عثمان بن زُفَر، عن صفوان بن أبي الصَّهباء -هكذا قال-، عن سالم، عن أبيه، / (ق 44) عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يقول اللهُ تعالى: إذا شَغَل عبدي ذِكري عن مسألتي أعطيتُه أفضلَ ما أعطي السائلين». هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرِّجوه (¬3). ¬
حديث آخر (112) قال عَبد بن حميد (¬1): ثنا حماد بن عيسى البصري، حدثني حنظلة بن أبي سفيان قال: سَمِعتُ سالم بن عبد الله بن عمر يحدِّث عن أبيه، عن جدِّه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا مَدَّ يديه في الدُّعاء لم يردَّهما حتى يَمسحَ بهما وجهَهُ. وقد رواه الترمذي في الدَّعوات (¬2) عن جماعة من شيوخه، عن حماد بن عيسى الجُهَني، وقال: تفرَّد به، ولا نَعرفه إلا من حديثه (¬3). ¬
حديث في صلاة التطوع
حديث في صلاة التَّطوع (113) قال عَبد بن حميد (¬1): ثنا علي بن عاصم، عن يحيى البكَّاء، حدثني عبد الله بن عمر قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ قبلَ الظهرِ بعدَ الزوالِ، تُحسَبُ بمثلهنَّ في صلاةِ السَّحَرِ». قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وليس من شيءٍ إلا وهو يُسبِّحُ اللهَ تلكَ الساعةِ»، ثم قرأ: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} (¬2) الآية كلُّها. ورواه الترمذي في التفسير (¬3)، عن عَبد، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث عليِّ بن عاصم. ¬
قلت: وقد كان من الحفَّاظ الذين بلغوا المائة الألف، ومع هذا تكلَّم فيه يحيى بن معين، والفلاَّس، والبخاري، والنسائي، وغيرهم من الأئمَّة (¬1)، / (ق 45) فالله أعلم. حديث آخر (114) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا سليمان بن داود -يعني أبا داود الطيالسي (¬3) -، ثنا أبو عَوَانة، عن داود الأَوْدي، عن عبد الرحمن المُسْلِي، عن الأشعث بن قيس قال: ضِفْتُ عمرَ، فتناول امرأتَهُ، فضَرَبها، فقال: يا أشعثُ، احفظْ عنِّي ثلاثًا حفظتهنَّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَسألِ الرَّجلَ فيمَ ضَرَبَ امرأتَهُ، ولا تَنَمْ إلا على وِتْرٍ». ونسيتُ الثالثة. وأخرجه أبو داود (¬4)، والنسائي (¬5)، وابن ماجه (¬6) من حديث ابن مهدي، عن أبي عَوَانة. ¬
ورواه ابن ماجه -أيضًا- (¬1)، وعَبد بن حميد (¬2) من حديث أبي عَوَانة، عن داود الأَوْدي. ورواه الإمام علي ابن المديني (¬3)، عن ابن مهدي، عن أبي عَوَانة، عن داود الأَوْدي، به، ثم قال: وهذا إسناد مجهول، وداود بن عبد الله الأَوْدي لا أعلم أحدًا روى عنه إلا زُهَير وأبو عَوَانة. قال: وعبد الرحمن المُسْلي، ويكنى بأبي وَبرة، لا أعلم روى عنه غير هذا. حديث آخر (115) قال عبد الله بن الإمام أحمد (¬4): حدثني أبي، ثنا عتَّاب بن زياد، ثنا عبد الله -يعني: ابن المبارك-، أنا يونس، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ، عن عمرَ بن الخطاب -قال عبد الله: وقد بَلَغ أبي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم-، قال: «مَن فاته شيءٌ من وِرْدِهِ -أو قال: جزئه (¬5) - من الليل، فقرأهُ ما بين صلاةِ الفجرِ إلى الظهرِ، فكأنما قَرَأَهُ من لَيلَتِهِ». وهكذا رواه / (ق 46) مسلم (¬6)، وأهل السُّنن (¬7) من حديث ابن وهب، ¬
عن يونس، عن الزهري، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ولفظ مسلم: عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القاري: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نام عن حزبِهِ، أو عن شيءٍ منه، فقَرَأهُ فيمَا بين صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظهرِ، كُتِبَ له كأنما قَرَأهُ من الليلِ». ثم قال الترمذي (¬1): ورواه ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، فوَقَفه. كذا قال، وقد تقدَّم في رواية أحمد رَفْعه من حديث ابن المبارك، وكأن وَقْفه من هذا الوجه أصح، فقد رواه النسائي (¬2) عن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن يونس، به، موقوفًا. ورواه -أيضًا- (¬3)، عن سُوَيد، عن ابن المبارك، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عمرَ ¬
موقوفًا، أيضًا. ورواه -أيضًا- (¬1)، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة. وعن قتيبة (¬2)، عن مالك (¬3)، عن داود بن الحُصَين، عن الأعرج. كلاهما عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ، عن عمر، موقوفًا أيضًا. وقد روى هذا الحديثَ الإمام علي ابن المديني، عن أبي صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان (د) (¬4) -، قال: ولم نر أحدًا ¬
أقعدَ منه، وكان عندنا ثقة- قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن الزهري، عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله. كلاهما عن عبد الرحمن بن عَبدٍ، عن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به. ثم قال: ورواه غير واحد عن عمر، ولم يَرفعه، ورَفَعه الزهري، وجوَّد إسناده، وصحَّحه. وقد حدثنا (¬1) يحيى بن سعيد، ومعاذ بن هشام. كلاهما عن هشام الدَّستَوائي، عن يحيى، عن أبي سَلَمة، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ، عن عمر، قولَه، موقوفًا. ورواه أبو داود (¬2)، عن قتيبة، عن أبي صفوان الأُمَوي، عن يونس، عن الزهري، به، مرفوعًا (¬3). ¬
أثر في قيام الليل
/ (ق 47) أثر في قيام الليل (116) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): ثنا محمد بن الحسين، ثنا الفضل بن دُكَين، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم قال: أخبرني أبي، قال: كنَّا نَبيتُ عند عمرَ، أنا ويَرْفَأ، قال: فكانت له ساعةٌ من الليل يُصلِّيها، وكان إذا استيقظَ قرأَ هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (¬2) الآية، حتى إذا كان ذاتَ ليلةٍ قام فصلَّى، ثم انصرَفَ، فقال: قُوما فَصَلِّيا، فواللهِ ما أستطيعُ أن أُصلِّيَ، وما أستطيعُ أنْ أَرقُدَ، وإنِّي لأفتتحُ السورةَ، فما أدري في أوَّلها أنا، أو في آخرِها. قلنا: ولِمَ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: من هَمِّي بالناسِ منذ جاءني هذا الخبرُ عن أبي عُبيدةَ. ثم رواه (¬3)، عن أبي خيثمة، عن ابن مهدي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ أبا عُبيدةَ كَتَب إلى عمرَ، فذَكَر جموعًا من الرُّوم وشدَّة، فكان يُصلِّي من الليل، ثم يُوقظني، فيقول: قُمْ فَصَلِّ، فإنِّي لأقومُ فأصلِّي وأَضطجعُ، فما يأتيني النومُ. ثم يَغدو إلى الثنيِّة (¬4) فيَستَخبِرُ. هذا صحيح عنه رضي الله عنه. وفيه دلالةٌ على أنَّه إذا نَعَسَ المصلِّي، أو غَلَبَهُ هَمٌّ، أو فَتَرَ عن الصلاة، أو اعتَرَاهُ كَسَلٌ أو ملالٌ؛ أنَّه يتركُ الصلاةَ إلى أنْ يثوبَ إليه نشاطُهُ. ¬
وله أن يَفعلَ، كما رواه محمد بن سعد (¬1)، عن عمرَ -رضي الله عنه- حيث قال: (117) أخبرنا عمرو بن عاصم، ثنا أبو هلال، عن محمد بن سيرين قال: كان عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- قد اعتَرَاهُ نسيانٌ في الصلاة، فجعل رجلاً خلفَهُ يُلقِّنُهُ، / (ق 48) فإذا أَومَأَ إليه أنْ يَسجدَ أو يَقومَ فَعَلَ. وهذا إن صحَّ مع انقطاعه؛ فمحمولٌ على أنَّه عَرَضَ له حينًا من الدَّهر، ولعلَّه في أيام اليرموك، حين بعث إليه أبو عُبيدة بتألُّب جيوش الرُّوم على المسلمين، كما تقدَّم، والله أعلم. (118) وكما علَّقه البخاري (¬2) عنه، حيث قال: وقال عمرُ: إنِّي لأجهِّز جيشي وأنا في الصلاةِ. ¬
صلاة التراويح
صلاة التراويح (119) قال البخاري رحمه الله (¬1): ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك (¬2)، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه». قال ابن شهاب: تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والأمرُ على ذلك، ثم كان الأمرُ على ذلك (¬3) في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمرَ. وعن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ القاري أنَّه قال: خَرَجتُ مع عمرَ بن الخطاب ليلةً في رمضانَ إلى المسجدِ، فإذا الناسُ أوزاعٌ مُتَفرِّقونَ، يُصلِّي الرَّجلُ لنفسِهِ، ويُصلِّي الرَّجلُ فيُصلِّي بصلاتِهِ الرَّهطُ، فقال عمرُ رضي الله عنه: إنِّي أرى لو جَمَعتُ هؤلاء على قارئٍ واحدٍ لكان أمثلَ، ثم عَزَمَ، فجَمَعَهُم علي أُبَي بن كعبٍ -رضي الله عنه-، ثم خَرَجتُ معه ليلةً أخرى، والناسُ يُصلُّون بصلاةِ قارئِهِم، فقال عمرُ: نعمَ البدعةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضلُ من التي يقومون -يريدُ: آخرَ الليلِ-، وكان الناسُ يقومون أوَّلَهُ. هكذا أتبع البخاري هذا الأثر عن عمرَ، موطِّئًا بحديث أبي هريرة قبله، وهو صنيع حسن رحمه الله. ¬
طريق أخرى (120) قال أبو داود (¬1): ثنا شجاع بن مَخلد، ثنا هشيم، أنا يونس بن عبيد، عن الحسن (¬2): أنَّ عمرَ بن الخطاب جَمَعَ الناسَ على أُبَي بن كعب، فكان يُصلِّي بهم عشرينَ ليلةً، لا يَقنتُ إلا في النصفِ الباقي، فإذا كانت العشرُ الأواخرُ تخلَّف فصَلَّى في بيته، فكانوا يقولون: أَبَقَ أُبَي. / (ق 49) طريق أخرى (121) قال إمام الأئمَّة محمد بن إسحاق بن خزيمة (¬3): ثنا عبد الله بن أبي زياد القَطَواني، ثنا سيَّار بن حاتم، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا قَطَن بن ¬
كعب القُطَعي، عن أبي إسحاق الهَمْداني قال: خَرَج عليُّ بن أبي طالب في أوَّل ليلةٍ في رمضانَ، فسَمِعَ القراءةَ في المساجد، ورأى القناديلَ تَزهَرُ (¬1)، فقال: نَوَّر اللهُ لعمرَ بن الخطاب في قبرِهِ، كما نَوَّر مساجدَ اللهِ بالقرآنِ. هذا منقطع بين أبي إسحاق وعليّ. وقد رواه بِشر بن موسى، عن عبد الرحمن بن واقِد، عن عمرو بن جُمَيع، عن ليث، عن مجاهد، عن عليٍّ، مثله. وهذا منقطع. حديث آخر (122) قال أبو يعلى (¬2): ثنا أبو خالد (¬3)، ثنا زياد، عن معاوية بن قُرَّة ¬
قال: حدَّثني الثلاثة الرَّهط الذين سألوا عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الصلاة في المسجد -يعني: التَّطوع-، فقال: سألتموني عمَّا سألتُ عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: قال: «الفريضةُ في المسجدِ -أو: المساجدِ- والتَّطوعُ في البيوتِ تُنوِّر» (¬1). وقد تقدَّم له طريق أخرى في الطهارة (¬2)، وسيأتي له شاهد في موقف الإمام والمأموم (¬3). حديث آخر (123) قال الحافظ أبو يعلى (¬4): ثنا محمد بن إسحاق المُسيَّبي، ثنا عبد الله بن نافع، عن حماد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثاً قِبلَ نجد (¬5)، فغنموا غنائمَ كثيرةً، ورَجَعوا، فأسرَعوا الرَّجعَةَ، فقال رجلٌ ممَّن لم يَخرج: ما رأيتُ بَعْثًا أسرعَ رَجعَةً، ولا أفضلَ غنيمةً من هذا البَعث! فقال النبيُّ ¬
صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدلُكُم على قومٍ أفضلَ غنيمةً، وأسرعَ رَجعَةً؟ قومٌ شَهِدوا صلاةَ الصبحِ، ثم جَلَسوا يَذكرون اللهَ حتى طَلَعتِ الشمسُ، فأولئك أسرعُ رَجعَةً، وأفضلُ غنيمةً». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وحماد بن أبي حميد هذا هو: محمد بن أبي حميد المدني، وهو ضعيف في الحديث (¬1)، والله أعلم. ¬
حديث في سجود التلاوة
حديث في سجود التلاوة (124) روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث بقيَّة بن الوليد: حدثني عبد الحميد بن إبراهيم، عن غالب، عن ابن المسيّب، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ أحدُكم القرآنَ فلا يَختَلِجِ (¬1) السجدةَ، يَقرأُ ما قبلَها وما بعدَها، فيُختَلَجُ الحقُّ من قلبِهِ». هذا حديث غريب. أثر عن عمر (125) قال البخاري (¬2): ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام بن يوسف، أنَّ ابن جريج أَخبَرَهم قال: أخبرني أبو بكر ابن أبي مُلَيْكَة، عن عثمان بن عبد الرحمن التَّيمي، عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدَير التَّيمي -قال أبو بكر: وكان ربيعةُ من خيارِ الناسِ-، عمَّا حَضَرَ ربيعةُ من عمرَ بن الخطاب، قرأ يومَ الجمعةِ على المنبرِ سورةَ النَّحلِ، حتى إذا جاء السجدةُ نَزَل فسَجَدَ، وسَجَدَ الناسُ، حتى إذا كانت الجمعةُ القابلةُ قرأ بها، حتى إذا جاء السجدةُ، قال: يا أيها الناسُ، إنا نَمرُّ بالسُّجودِ، فمَن سَجَدَ فقد أصابَ، ومَن لم يَسجُدْ فلا إثمَ عليه. ولم يَسجُدْ عمرُ رضي الله عنه. وزاد نافع، عن ابن عمرَ: إنَّ اللهَ لم يَفرضْ السُّجودَ إلا أنْ نشاءَ. وهذا يدل على عدم وجوبه، لأنه لم يُنكره أحدٌ من الصحابة، فكان كالإجماع السُّكوتي. ¬
(126) وفي «صحيح البخاري» (¬1): عن زيد بن ثابت: أنَّه قرأ النجمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلم يَسجُدْ. أثر آخر (127) قال الدارقطني (¬2): ثنا أبو بكر النَّيسابوري، ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم، ثنا حجَّاج، عن ابن جريج، أنا عكرمة بن خالد: أنَّ سعيدَ بن جُبَير أَخبَرَه: أنَّه سَمِعَ ابنَ عباس يقول: رأيتُ عمرَ قَرَأَ على المنبرِ {ص}، فنَزَل فسَجَدَ، ثم رَقَى على المنبرِ. إسناد صحيح. ¬
حديث يذكر في سجود الشكر
حديث يُذكر في سجود الشكر (128) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا بِشر بن معاذ العَقَدي، ومحمد بن عبد الملك، وعبد الواحد بن غياث، قالوا: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار -قَهْرمان (¬2) دار الزُّبير-، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن رأى مُبتلًى، فقال: الحمدُ للهِ الذي عافاني مما ابتلاكَ به، وفَضَّلني على كثيرٍ ممَّن خَلَقَ تفضيلاً؛ إلا عافاه اللهُ من ذلك البلاءِ، كائنًا ما كان، أبدًا ما عاش». ورواه الترمذي في الدَّعوات (¬3)، عن محمد بن عبد الله بن بَزيع، عن عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن دينار، به، وقال: هو شيخ بصري، وليس هو بالقوي. وقال البزَّار: لا يُتابَع عليه (¬4). ¬
أثر فيمن ترك القراءة في الصلاة ناسيا أنه لا تبطل صلاته، وأنه لا يسجد
أثر فيمن ترك القراءة في الصلاة ناسيًا أنَّه لا تبطل صلاته، وأنَّه لا يسجد وهو القول القديم عن الشافعيّ (¬1)، وحجَّته: (129) ما رواه (¬2) عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سَلَمة: أنَّ عمرَ بن الخطاب صلَّى (¬3)، فلم يَقرأْ (¬4)، فقال لهم: كيف كان الركوعُ والسُّجودُ؟ قالوا: حَسَنًا. قال: فلا بأسَ إذًا. ¬
قال الشافعي: ولم يَذكر أنَّه سَجَدَ للسَّهو، ولم يُعدِ الصلاةَ، وإنما فعل ذلك بين ظَهْراني المهاجرين والأنصار. قلت: وهو منقطع، أبو سَلَمة لم يُدرك عمر (¬1). سيأتي (¬2) في مسند ابن عمر من حديث يحيى بن المتوكِّل، عن إبراهيم بن يزيد، عن سالم، عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ، وعمرَ -رضي الله عنهما- قالوا: لا يَقطَعُ صلاةَ المسلمِ شيءٌ، وادْرَأْ ما استطعتَ. رواه الدارقطني (¬3). ¬
حديث في سجود السهو
حديث في سجود السَّهو (130) قال الدارقطني (¬1): حدثنا علي بن الحسن بن هارون بن رستم السَقَطي، ثنا محمد بن سعيد أبو يحيى العطَّار، ثنا شبابة، ثنا خارجة بن مصعب، عن أبي الحسن المديني (¬2)، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ليس على مَن خلفَ الإمامِ سهوٌ، فإن سَهَا الإمامُ؛ فعليه وعلى مَن خلفَهُ السَّهوُ، وإنْ سَهَا مَن خلفَ الإمامِ؛ فليس عليه سهوٌ، والإمامُ كافِيْهِ». هذا حديث لا يَثبت إسناده؛ لأنَّ خارجة بن مصعب الضُّبَعيِّ أبا الحجَّاج الخراساني السَّرَخسي تَرَكه الأئمَّة، كأحمد، وابن معين، ويحيى بن يحيى، وغيرهم، وكذَّبه ابن معين في رواية عنه (¬3)، وأما شيخه أبو الحسن المديني فلا أعرفه (¬4). ¬
قلت: وأقرب ما يُحمل هذا على أنَّه من فتاوى سالم، أو أبيه، والله أعلم.
حديث في النهي عن الصلاة في أوقات
حديث في النهي عن الصلاة في أوقات (131) / (ق 50) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا بهز، ثنا أبان، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس قال: شَهِدَ عندي رجال مَرْضيُّون، منهم: عمرُ، وأرضاهم عندي عمر: أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا صلاةَ بعد العصرِ حتى تَغرُبَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعد صلاةِ الصبحِ حتى تَطلُعَ الشمسُ». أخرجه الجماعة في كتبهم (¬2) من طرق، عن قتادة، عن أبي العالية، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه الحافظ علي ابن المديني، عن خالد بن الحارث، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، به. وقال: هذا حديث صحيح مثبت. وقد حدَّثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة: قال: لم يَسْمع قتادة من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، هذا منها. قال عليّ: ولولا ما قال شعبة كان هذا الحديث مضطَّربًا، وهو إسناد بصري، وقد روي في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح أحاديثٌ، ولا نحفظه عن عمرَ إلا من هذا الوجه. ¬
قلت: قد روي هذا الحديثُ عن عمرَ من غير هذا الوجه: (132) فقال الإمام أحمد (¬1): ثنا سلمة (¬2) بن نافع الباهلي، ثنا صالح، عن الزهري، حدَّثني ربيعة بن درَّاج: أنَّ عليَّ بن أبي طالب سبَّح بعد العصر ركعتين في طريق مكةَ، فرآه عمرُ، فتَغيَّظَ عليه، ثم قال: أمَا واللهِ لقد عَلِمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها. غريب من هذا الوجه، وربيعة بن درَّاج لا يُعرف إلا برواية الزهريِّ عنه، ولم يَذكره أبو حاتم (¬3). ¬
طريق أخرى (133) ورواه أحمد (¬1)، عن أبي المغيرة، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن الحارث بن معاوية: أنَّه سأل عمرَ عن الركعتين بعد العصر، فقال: نهاني عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. طريق أخرى (134) قال الحافظ / (ق 51) أبو بكر الإسماعيلي: ثنا يحيى بن محمد الحِنَّائي، ثنا شيبان، ثنا حماد بن سَلَمة، عن الأسود بن قيس، عن عبد الله بن الحارث: أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ -رضي الله عنهما- كانا إذا دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة بادَرَا، أيهما يكون حيالَهُ، فصلَّى ذاتَ يومٍ، فلما فَرَغ قام رجلٌ يُصلِّي ركعتين بعد العصر، فقام إليه عمرُ -رضي الله عنه-، فأخذ بمنكبه، وقال: إنما هلك بنو إسرائيل أنَّه لم يكن لصلاتهم فَصْلٌ، النبيُّ صلى الله عليه وسلم (¬2)، وقال: «صَدَق عمرُ» (¬3). ¬
طريق أخرى (135) قال أحمد (¬1): ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي، ثنا عمرو بن شعيب (¬2)، عن عبد الله بن عمرو، عن عمر: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاةَ بعد صلاةِ الصبحِ إلى طلوعِ الشمسِ، ولا بعدَ العصرِ حتى تَغيبَ الشمسُ». فهذه طرق مقوِّية للحديث من أصله، مع أنَّه قد اختاره صاحبا «الصحيح»، فجاز القنطرة. وسيأتي (¬3) من طريق أخرى في حديث موقف الإمام والمأموم. ¬
وقد رواه أحمد بن مَنيع في «مسنده» بلفظ آخر، فقال: (136) ثنا هشيم، أنا منصور بن زَاذَان، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمرَ قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الليل أَسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، فصّلِّ ما شئتَ، فإن الصلاةَ مشهودةٌ مكتوبةٌ حتى تُصلِّيَ الصبحَ، ثم اقصُر عن الصلاةِ حتى تطلُعَ الشمسُ، فتَرتفعُ قِيسَ رُمحٍ (¬1) أو رُمحين، فإنها تطلُعُ بين قَرني شيطانٍ، ثم صَلِّ حتى يَعدِلَ الرُمحُ ظِلَّه ثم اقصُر، فإنَّ جَهنَّمَ تُسَجَّرُ أو تُفتَّحُ أَبوابُها، فإذا زاغتِ / (ق 52) الشمسُ فصَلِّ العصرَ، ثم اقصُر حتى تَغرُبَ الشمسُ، فإنها تَغرُبُ بين قَرني شيطانٍ، ويُصلِّي لها الكفارُ». إسناده جيد، وهو غريب من هذا الوجه. أثر في ذلك (137) قال يعقوب بن سفيان (¬2): ثنا عيسى بن هلال السِّلَيحي، عن أبي حَيوة شُريح بن يزيد، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عروة -يعني: ابن الزُّبير-، قال: كنتُ غلامًا لي ذؤابتان (¬3)، فقمتُ أركع ركعتين بعد العصر، فبَصُرَ بي عمرُ بن الخطاب ومعه الدِّرَّة، فلمَّا رأيتُهُ فَرَرتُ منه، فأَحضَرَ في طلبي، حتى تعلَّق بذؤابتي، قال: فنهاني. فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، لا أَعودُ. هذا غريب جدًّا، فإنَّ عروة لم يُدرك أيام عمر، ولا وُلِدَ في حياته، ¬
فلهذا قال شيخنا (¬1): هذا وَهْم، والأشبه أنَّ هذا جرى لأخيه عبد الله، وإنما سقط اسمه على بعض الرواة (¬2). ¬
حديث في فضل الجماعة
حديث في فضل الجماعة (138) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن عُمارة بن غَزية، عن أنس، عن عمرَ -رضي الله عنه-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن صلَّى أربعينَ ليلةً لا تفوتُهُ الركعةُ الأُولى من صلاةِ العشاءِ، كُتِبَ له بها عِتقٌ من النارِ». ورواه ابن ماجه (¬2)، عن عثمان بن أبي شيبة، به، ولفظه: «مَن صَلَّى في مسجدٍ جماعةً أَربعينَ ليلةً ...». الحديث. ورجاله ثقات، إلا أنَّ عُمارة بن غَزية مدني، وإسماعيل بن عيَّاش إذا روى عن غير الشَّاميين فإنَّه ضعيف عند الجمهور (¬3)، ولكن هذا في باب ¬
الرغائب مقبول (¬1)، والله أعلم. حديث آخر (139) قال الهيثم بن كُلَيب الشاشي في «مسنده» (¬2): ثنا شعيب بن الليث، ثنا يعقوب بن حميد بن كَاسِب، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن أبي ¬
بكر بن نافع، عن أبيه، عن صفية بنت أبي عُبيد: أنها سَمِعتْ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبرِ يقول: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن أَتى عَرَّافًا لم تُقبَل له صلاةٌ أربعينَ ليلةً». ثم رواه الهيثم، عن عباس الدُّوري، عن إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزُّبير، عن الدَّرَاوَردي، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن أبيه، عن صفية، عن عمرَ، به. واختاره / (ق 53) الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه المستخرَج (¬1). وقال علي ابن المديني: هذا حديث ضعيف الإسناد من طريق أبي بكر بن نافع، عن نافع، عن صفية، عن عمرَ، وإنما رواه نافع (¬2)، عن صفية، عن بعض أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم. كذلك حدَّثناه يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، به. قال: وهذا هو الصحيح. (140) قد روى البخاري (¬3): أنَّ أميرَ المؤمنين عمرَ -رضي الله عنه- لما طَعَنَهُ أبو لؤلؤةَ وهو قائمٌ يُصلِّي بالناس أَخَذَ بيد عبد الرحمن بن عوف فقَدَّمَهُ، فأتمَّ الصلاةَ. ¬
واشتَهَر هذا وذاع، ولم يُنكره أحدٌ، فدلَّ على جوازه، وسيأتي هذا الحديث مطوَّلاً في مقتل عمرَ -رضي الله عنه-، في آخر «سيرته وأيامه» (¬1). حديث آخر (141) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمرَ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسمُرُ عند أبي بكر الليلةَ كذلك في الأمرِ من أمورِ المسلمين وأنا معه. ورواه الترمذي (¬3)، عن أحمد بن مَنيع. والنسائي (¬4)، عن إسحاق بن إبراهيم. كلاهما عن أبي معاوية، به. وقد رواه علي ابن المديني، عن أبي معاوية وغيره، عن الأعمش، به، وعلَّله. وقد تقدَّم في «مسند الصِّديق». (142) وقال حماد بن سَلَمة: عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: جَدَبَ لنا عمرُ بن الخطاب السَّمَرَ بعد العشاءِ (¬5). ¬
ففي هذا دليلٌ على جواز السَّمَر في الخير بعد صلاة العشاء، فأما في غيره؛ فلا، لما جاء في «الصحيح» (¬1): أنَّه عليه السلام كان يَكره النومَ قبلَها، والحديثَ بعدَها. (143) وفي «المسند» (¬2) عن شدَّاد بن أوس مرفوعًا: «مَن قَرَض بيتَ شِعرٍ بعدَ العشاءِ، فلا صلاةَ له». ¬
حديث في موقف الإمام والمأموم
/ (ق 54) حديث في موقف الإمام والمأموم (144) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، ثنا عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن الحارث بن معاوية الكندي: أنَّه رَكِبَ إلى عمرَ بن الخطاب يسألُهُ عن ثلاثِ خلالٍ، قال: فقَدِمَ المدينةَ، فسأله عمَّا أقدَمَك؟ (¬2)، قال: لأَسألَك عن ثلاث، قال: وما هنَّ؟ قال: ربما كنتُ أنا والمرأة في بناءٍ ضيِّقٍ، فتَحضرُ الصلاةُ، فإنْ صلَّيتُ أنا وهي كانت بحذائي، وإنْ صلَّتْ خلفي خَرَجَتْ من البناء؟ فقال عمرُ: تَستُر بينك وبينها بثوب، ثم تصلِّي بحذائك إنْ شئتَ. وعن الركعتين بعد العصر؟ فقال: نهاني عنهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال: وعن القصص، فإنهَّم أرادوني على القصص؟ قال: ما شئتَ -كأنَّه كان كره أن يمنعَهُ-. قال: إنما أردتُ أن أنتهي إلى قولك. قال: أخشى عليك أن تَقُصَّ فتَرتفعَ عليهم في نفسك، ثم تَقُصُّ فتَرتفعَ، حتى يُخيَّلَ إليك أنك فوقَهم بمنزلة الثُّرَيَّا، فيَضَعكَ اللهُ عزَّ وجلَّ تحتَ أقدامِهِم يومَ القيامةِ بقدرِ ذلك. إسناده شامي حسن، وقد تقدَّم له شواهد (¬3). واختاره الحافظ الضياء (¬4) من هذا الوجه. ¬
حديث في قصر الصلاة
حديث في قصر الصلاة (145) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا ابن إدريس، ثنا ابن جريج، عن ابن أبي عمَّار، عن عبد الله بن بابَيْه، عن / (ق 55) يَعلى بن أُميَّة قال: سألتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، قلت: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬2)، وقد أَمِنَ الناس؟ (¬3) فقال لي عمر: عَجِبتُ مما عَجِبتَ منه، فسألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «صدقةٌ، تصدَّقَ اللهُ بها عليكُم، فاقبَلُوا صدقتَه». ورواه مسلم (¬4)، وابن ماجه (¬5) من حديث عبد الله بن إدريس، به. ورواه مسلم -أيضًا- (¬6)، عن محمد بن أبي بكر المُقدَّمي، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، به. ورواه أبو داود (¬7)، عن أحمد بن حنبل (¬8) ومُسدَّد. كلاهما عن يحيى بن سعيد -وهو: القطَّان- عن ابن جريج، به. وعن أحمد، عن عبد الرزاق (¬9)، ومحمد بن بكر. كلاهما عن ابن جريج، به. ¬
وأخرجه الترمذي (¬1)، والنسائي (¬2) من حديث ابن جريج، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقد رواه علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، به، وقال: صحيح من حديث عمر، ولا يُحفظ إلا من هذا الوجه، ورجاله معروفون، ثم تكلَّم عليهم واحدًا واحدًا. قلت: ابن أبي عمَّار هذا: اسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمَّار كان أحدَ الثقاتِ النبلاءِ (¬3)، وكان يقال له: القَسّ؛ لكثرة عبادته وتنسُّكه. حديث آخر (146) قال الإمام أحمد (¬4): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة: سَمِعتُ يزيد بن خمير يحدِّث عن حبيب بن عُبيد، عن جُبَير بن نُفَير، عن ابن السِّمط: أنَّه أتى أرضًا، يقال لها: دَومين -من حمص على ثمانيةَ عشرَ / (ق 56) ميلاً، فصلَّى ركعتين، فقلتُ له: أتصلِّي ركعتين؟ فقال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب بذي الحليفة يصلِّي ركعتين، فسألتُهُ، فقال: إنما أفعلُ كما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَفعلُ. ورواه مسلم (¬5)، عن محمد بن مثنَّى، عن غُندَر. وعن زُهَير بن حرب وبُندَار. كلاهما عن ابن مهدي. ¬
والنسائي (¬1) عن إسحاق بن إبراهيم، عن النَّضر بن شُمَيل. ثلاثتهم عن شعبة، به. ورواه علي ابن المديني، عن غُندَر، عن شعبة، وقال: هذا من صالح حديث أهل الشَّام. قلت: وابن السِّمط هذا هو: شُرَحبيل بن السِّمط الكندي، وهو صحابي أيضًا (¬2). حديث آخر (147) قال أحمد (¬3): ثنا وكيع، وسفيان (¬4)، وعبد الرحمن، ثنا سفيان (¬5)، عن زُبيد الإيَامي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: صلاةُ السَّفرِ ركعتان، وصلاةُ الأضحى ركعتان، وصلاةُ الفطرِ ركعتان، وصلاةُ الجمعةِ ركعتان، تمامٌ غيرُ قصرٍ، على لسانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. ورواه النسائي (¬6)، وابن ماجه (¬7) من حديث شريك القاضي. والنسائي -أيضًا- (¬8) من حديث سفيان الثوري، وشعبة. ¬
ثلاثتهم عن زُبَيد الإيَامي، به. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬1)، عن أبي يعلى (¬2)، عن أبي خيثمة، ثنا وكيع، عن سفيان الثوري، به. ورواه ابن ماجه -أيضًا- (¬3)، عن محمد بن عبد الله بن نُمَير، عن محمد بن بِشر، عن يزيد بن زياد بن أبي الجَعْد، عن زُبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن عمرَ بن الخطاب، به. وهذا أشبه بالصواب، فإن عبَّاسًا / (ق 57) الدُّوري قال (¬4): سُئل يحيى بن معين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر؟ قال: لم يره. فقلت له: الحديث الذي يُروى عنه قال: كنَّا مع عمر نتراءى الهلال؟ فقال: ليس بشيء. وقال أبو حاتم الرازي (¬5): لا يصحُّ له سماع من عمر. وقال النسائي (¬6): لم يَسْمعه من عمر. ويؤيِّد ما قاله النسائي: ما رواه الحافظ أبو يعلى (¬7)، عن القَوَاريري، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن زُبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الثقة، عن عمر، فذَكَر هذا الحديث. ¬
وأما مسلم بن الحجَّاج فأثبت سماع ابن أبي ليلى من عمر في مقدمة كتابه «الصحيح» (¬1)، فقال: وأسند عبد الرحمن بن ليلى (¬2)، وحفظ عن عمر. ويؤيِّد ما ذهب إليه: (148) ما رواه الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬3) حيث قال: ثنا عيسى بن أحمد العسقلاني، عن يزيد بن هارون، عن سفيان الثوري، عن زُبيد، عن عبد الرحمن بن ليلى (¬4) قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب ... ، فذَكَره. لكن قال الدارقطني (¬5): لم يُتابَع يزيد بن هارون على قوله: سَمِعتُ عمرَ. قلت: يزيد بن هارون أحد أئمَّة الإسلام فيُقبل تفرُّده (¬6). ¬
وسماع عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قد ثبت في غير هذا الحديث: (149) كما قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سَمِعتُ أبي، ثنا الحسين بن واقِد، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت: أنَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى حدَّثه قال: خَرَجتُ مع عمرَ إلى مكةَ، قال: فاستَقبَلَنا أميرُ مكةَ نافعُ بن علقمة، فقال له عمرُ: مَن استَخلفتَ / (ق 58) على مكةَ؟ فقال: ابنُ أَبزَى ... ، وذَكَر الحديث، كما سيأتي في تفسير المجادلة (¬2). وهذا صريح في ذلك (¬3)، وقد أُثبت سماعُ جماعة من الصحابة بدون هذا، والله أعلم. ¬
حديث في اللباس
/ (ق 59) حديث في اللِّباس (¬1) (150) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا يحيى بن سعيد، ثنا التَّيمي، عن أبي عثمان قال: كنَّا مع عُتبة بن فَرْقَد، فكَتَب إليه عمرُ بأشياءَ، يحدِّثه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬3) قال: «لا يَلبسُ الحريرَ في الدُّنيا إلا مَن ليس له في الآخرة منه شيءٌ، إلا» (¬4)، وقال بإصبعيه: السَّبابة والوسطى. قال أبو عثمان: فرأيتُ أنها أزرارُ الطَّيالسةِ (¬5). ثم رواه / (ق 60) أحمد -أيضًا- (¬6)، عن خَلَف بن الوليد، عن خالد (¬7)، عن خالد (¬8)، عن أبي عثمان، به. وأخرجه الجماعة إلا الترمذي (¬9) من طرق، عن أبي عثمان النَّهدي، به. ¬
منها: ما رواه البخاري، عن مُسدَّد، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن طَرخان -وهو: التَّيمي-، عن أبي عثمان النَّهدي، به. ورواه البخاري، ومسلم -أيضًا- من حديث قتادة، وعاصم الأَحول، عن أبي عثمان، به. طريق أخرى (151) قال الهيثم بن كُلَيب (¬1): ثنا محمد بن عبيد الله بن المُنادي، ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: شهدتُ عمرَ بن الخطاب دَخَل عليه عبد الرحمن بن عوف، وعليه قميصٌ من حرير، فقال له عمر: دَعْ هذا عنك، أو انزَع هذا، فإنَّه ذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لَبِسَ الحريرَ والدِّيباجَ في الدُّنيا لم يَلبَسهُ في الآخرةِ، ومَن شَرِبَ في آنيةِ الذَّهبِ والفضَّةِ في الدُّنيا لم يَشرب منها في الآخرةِ». فقال عبد الرحمن بن عوف: إنِّي لأَرجو أنْ أَلبسَهُ في الدُّنيا والآخرة. وهذا إسناد جيد. وقول عبد الرحمن يُحمل على ما أباحه له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من لُبس الحرير لأجل الحِكَّة التي حصلت له وللزُّبير بن العوَّام رضي الله عنهما (¬2). ¬
طريق أخرى (152) قال أحمد (¬1): ثنا يحيى، عن شعبة، ثنا أبو ذُبيان (¬2) قال: سَمِعتُ عبد الله بن الزُّبير يقول: لا تُلبِسوا نساءَكم الحريرَ (¬3)، فإنِّي سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يحدِّثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: / (ق 61) «مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يَلبَسْهُ في الآخرةِ». قال عبد الله بن الزُّبير من عنده: ومَن لم يَلبَسْهُ في الآخرة، لم يَدخل الجنَّة، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (¬4). رواه البخاري (¬5)، ومسلم (¬6)، والنسائي (¬7) من طرق، عن شعبة، عن أبي ذُبيان -واسمه: خليفة بن كعب-، به. والزيادة من كلام ابن الزُّبير عند النسائيِّ فقط. ¬
طريق أخرى (153) قال أحمد (¬1): ثنا عبد الصمد، ثنا أبي، ثنا يزيد الرِّشْك، عن معاذة، عن أم عمرو بنت عبد الله: أنها سَمِعتْ عبد الله بن الزُّبير يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول في خطبته: أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا؛ فلا يُكْسَاهُ في الآخرةِ». ورواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬2)، عن عفان، عن عبد الواحد، عن يزيد الرِّشْك، به. وقد علَّق البخاري (¬3) هذه الطريق، فقال: وقال أبو معمر: عن عبد الوارث، عن يزيد الرِّشك، عن معاذة، عن أم عمرو بنت عبد الله بن الزُّبير، عن أبيها، بهذا. ورواه النسائي (¬4)، عن عبيد الله بن فَضَالة، عن أبي معمر، به. قلت: وقد رواه ثابت (¬5)، عن عبد الله بن الزُّبير، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (¬6) في مسنده إن شاء الله تعالى. طريق أخرى (154) قال أحمد (¬7): ثنا يحيى، عن عبد الملك، ثنا عبد الله - مولى ¬
أسماء -، قال: أرسَلَتني أسماءُ إلى ابن عمر: إنَّه بَلَغنا أنك تحرِّمُ أشياءَ ثلاثةً: العَلَمَ في الثوب، ومِيثرةَ الأُرجُوان (¬1)، وصومَ رجبٍ كلِّه. فقال: أمَّا ما ذَكَرتِ / (ق 62) من صوم رجب، فكيف بمن يَصومُ الأبدَ؟ وأما ما ذَكَرتِ من العَلَم في الثوب، فإنِّي سَمِعتُ عمرَ يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يَلبَسْهُ في الآخرة». ورواه مسلم (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4) من طرق عن عبد الملك -وهو: ابن أبي سليمان-، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. طريق أخرى (155) قال أحمد (¬5): ثنا عبد الصمد، ثنا حرب، ثنا يحيى، عن عمران بن حطَّان -فيما يَحسَبُ حرب-، أنَّه سأل ابنَ عباس عن لَبُوس الحرير، فقال: سَلْ عنه عائشةَ، فسأل عائشةَ، فقالت: سَلْ ابنَ عمر (¬6)، فقال: حدَّثني أبو حفص: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا، فلا خَلاَقَ له في الآخرة». ¬
وقد رواه البخاري (¬1)، عن بُندَار، عن عثمان بن عمر، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن عمران بن حطَّان، به. قال: وقال عبد الله بن رجاء: حدثني حرب (¬2) -يعني: ابن شدَّاد-، عن يحيى، حدَّثني عمران، بهذا. ورواه النسائي (¬3)، عن عمرو بن منصور، عن عبد الله بن رجاء، به. طريق أخرى (156) قال أحمد (¬4): ثنا محمد بن بكر، أنا عيينة، عن علي بن زيد قال: دَخَلتُ المدينةَ، فدَخَلتُ على سالم بن عبد الله، وعليَّ جُبَّة خَزّ، فقال لي سالم: ما تَصنعُ بهذه الثياب؟! سَمِعتُ أبي يحدِّث عن عمرَ بن الخطاب، أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يَلبسُ الحريرَ مَن لا خَلاَقَ له». غريب من هذا الوجه. / (ق 63) حديث آخر (157) قال مسلم بن الحجَّاج (¬5): حدثني زُهَير بن حرب، ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال: أخبرني أبو بكر بن حفص، عن سالم، عن ¬
ابن عمرَ: أنَّ عمرَ رأى على رجلٍ من آلِ عُطَاردٍ قَبَاءً من ديباجٍ أو حريرٍ، فقال لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: لو اشتَريتَهُ! فقال: «إنما يَلبسُ هذا مَن لا خَلاقَ له». فأُهدِيَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حُلَّةٌ سِيَرَاءُ، قال: فأَرسَلَ بها إليَّ. قال: قلتُ: أَرسَلتَ بها إليَّ، وقد سَمِعتُك قلتَ فيها ما قلتَ؟! قال: «إنما بَعَثتُ بها إليك لِتَستَمتِعَ بها». وقد أخرجه البخاري (¬1)، ومسلم -أيضًا- (¬2) من حديث شعبة، به. وإنما ذَكَره أصحاب الأطراف في مسند ابن عمر (¬3)، وما ذَكَرته هنا إلا لأن أبا الفرج ابن الجوزي أورده في كتابه «جامع المسانيد» (¬4) في مسند عمرَ، فذَكَرته لئلاَّ يتوهَّم أنَّه سقط، والله الموفِّق للصواب. حديث آخر (158) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد، عن قتادة، عن الشَّعبي، عن سُوَيد بن غَفَلة: أنَّ عمرَ خَطَب الناسَ بالجابية (¬6)، فقال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لُبس الحريرِ، إلا موضعَ إصبعين أو (ثلاثةٍ أو أربعةٍ) (¬7). وأشار بكفِّه. ¬
ورواه مسلم (¬1)، عن محمد بن عبد الله الأَرُزِّي، عن عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد -وهو: ابن أبي عَروبة-، عن قتادة، به. ورواه مسلم -أيضًا- (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4) من طرق، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، / (ق 64) عن قتادة، عن الشَّعبي، به. ورواه النسائي -أيضًا- (¬5) من حديث إسماعيل بن أبي خالد، وداود بن أبي هند، ووَبرة بن عبد الرحمن. ثلاثتهم عن الشَّعبي، عن سُوَيد بن غَفَلة، عن عمر، من كلامه، موقوفًا. ورواه -أيضًا- (¬6)، عن أحمد بن سليمان، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي حَصِين، عن إبراهيم، عن سُوَيد بن غَفَلة، عن عمر، قولَه (¬7). حديث آخر (159) قال الإمام أحمد (¬8): ثنا حسن بن موسى، ثنا زُهَير، ثنا ¬
عاصم الأَحول، عن أبي عثمان -وهو: النَّهدي-، قال: جاءنا كتابُ عمر ونحن بأذربيجان (¬1) مع عُتبة: يا عُتبة بن فَرقَد، إيَّاك والتنعُّمَ، وزِيَّ أهلِ الشِّركِ، ولباسَ الحريرِ، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لَبوس الحريرِ إلا هكذا، ورَفَع لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه. وقد أخرجه الجماعة (¬2) سوى الترمذي من حديث عاصم الأَحول. والباقون -أيضًا- (¬3)، إلا ابن ماجه من حديث سليمان التَّيمي، وقتادة. ثلاثتهم عن أبي عثمان النَّهدي -واسمه: عبد الرحمن بن مِلّ-، عن عمرَ، به. ورواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬4)، بزيادة فيه، فقال: ثنا يزيد، أنا ¬
عاصم، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّه قال: اتَّزروا، وارتَدُوا، وانتَعِلوا الخفافَ (¬1)، والسَّراويلاتِ، وأَلقوا الرُّكُبَ (¬2)، وانْزُوا نَزْوًا (¬3)، وعليكم بالمَعَدِّية (¬4)، وارمُوا الأغراضَ (¬5)، وذَروا التنعُّمَ، وزِيَّ العجمِ، وإياكم والحريرَ، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه (¬6)، ولا / (ق 65) تَلبَسوا من الحرير إلا ما كان هكذا. وأشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإصبعيه. أثر آخر (160) قال أبو عبيد (¬7): ثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن حميد بن ربيعة، ¬
عن سليمان بن موسى: أنَّ عمرَ كَتَب إلى خالدِ بن الوليد: أنَّه بَلَغني أنك دَخَلتَ حمَّامًا بالشَّامِ، وأنَّ مَن بها من الأعاجمِ أعدُّوا لك دَلُوكًا (¬1) عُجِنَ بخمرٍ، وإنِّي لأظنُّكُم آلَ المغيرةِ ذَرْءَ النَّارِ (¬2). قال أبو عبيد: مَن روى: ذَرْءَ النارِ: أي ممَّا ذَرَأ اللهُ للنَّارِ، من الذريّة. ومَن روى: ذَرْوَ النارِ: فممَّا يُذرَى به في النَّارِ. (161) وقال عبد الله بن المبارك في كتاب «الزهد» (¬3): ثنا بقيَّة، حدَّثني أرطأة بن المنذر، حدَّثني بعضهم: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إياكُم وكثرةَ الحمَّامِ، وكثرةَ طلاءِ النُّورةِ، والتَّوطِّي على الفُرُشِ، فإنَّ عبادَ الله ليسوا بالمتنعمين. (162) وقال أبو عبيد (¬4): ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن أبي العدبَّس، عن عمرَ: أنَّه قال: فَرِّقوا عن المنيَّةِ، واجعلوا الرأسَ رأسين، ولا تُلِثُّوا بدارِ مَعجَزَةٍ، وأَصلِحوا مَثَاوِيَكُم، وأَخيفوا الهَوَامَّ قبلَ أنْ تُخيفَكُم. وقال: اخشَوْشِنُوا، أواخشَوْشِبُوا، وتَمَعدَدُوا. ¬
ثم فسَّر قولَه: فرِّقوا عن المنيَّة، واجعلوا الرأسَ رأسين: أي: إذا أردتُم أن تشتروا شيئًا من الرَّقيق أو البهائم، فلا تُغالوا في الأثمان، ومكانَ ما يَشتري أحدُكم واحدًا، فليَأخُذْ بثمنِهِ اثنين، فإنْ مات أحدُهما بَقِيَ الآخرُ. وقوله: ولا تُلِثُّوا بدار مَعجَزَةٍ: أي لا تُقيموا بدارٍ قد أَعْجَزَكُم فيها الرِّزقُ.
والمثاوي: هي المنازل. وأَخيفوا الهَوَامَّ: من الحيَّات والعقارب. واخشَوْشِنُوا: من الخشونة. واخشَوْشِبُوا: من الصَّلابة. وتَمَعدَدُوا: أي: تشبَّهوا بأبناءِ مَعَدِّ بن عدنان في العيشِ الخشنِ والتقشُّفِ. حديث آخر (163) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا داود بن سليمان أبو سليمان المؤدِّب، ثنا عمرو بن جرير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَج عليهم، وفي إحدى يديه حرير، وفي الأخرى ذَهَب، فقال: «هذانِ حرامٌ على ذُكُورِ أُمَّتي، حِلٌّ لإِناثِها». ثم قال البزار: عمرو بن جرير ليِّن الحديث (¬2)، وقد احتُمل حديثه، وروي عنه، وقد روي هذا الكلام عن غير عمرَ، ولا نعلم في ذلك حديثًا ثابتًا عند أهل النَّقل. هكذا قال، والحديث في «المسند»، وفي «السُّنن» من حديث عليّ (¬3)، ¬
وأبي موسى الأشعري (¬1). وقد صحَّحه الترمذي من طريق الأشعري، وإسناده جيد على شرط الشيخين. والله أعلم. ¬
حديث آخر (164) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يزيد بن هارون، أنا أَصبغ، عن أبي العلاء الشَّامي قال: لَبِسَ أبو أُمَامة ثوبًا جديدًا، فلمَّا بَلَغ تَرْقُوتَهُ قال: الحمدُ لله الذي كَسَاني ما أُواري به / (ق 66) عورتي، وأَتجمَّلُ به في حياتي. ثم قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن استَجَدَّ ثوبًا فلَبِسَه، فقال حين يَبلغُ تَرقُوتَه: الحمدُ للهِ الذي كساني ما أُواري به عورتي، وأَتجمَّلُ به في حياتي، ثم عَمَدَ إلى الثوبِ الذي أَخلَقَ (¬2) - أو قال: أَلْقى - فتصدَّقَ به، كان في ذمَّة اللهِ، وفي جِوارِ اللهِ، وفي كَنَفِ اللهِ، حيًّا وميِّتًا، حيًّا وميِّتًا، حيًّا وميِّتًا». ورواه الترمذي في الدَّعوات (¬3)، عن يحيى بن موسى، وسفيان بن وكيع. وابن ماجه في اللِّباس (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة. ثلاثتهم عن يزيد بن هارون، به. وعندهما: عن أبي أُمَامة قال: لَبِسَ عمرُ يومًا ثوبًا، فقال: ... ، ثم ذَكَره مرفوعًا. وقال الترمذي: هذا حديث غريب. قلت: بل هو حسن على شرطه، فإن أصبغ بن زيد هذا هو: الجُهَني، وقد وثَّقه ابن معين وغيره، وإنما ضعَّفه ابن سعد، وابن حبان (¬5). ¬
وأما شيخه أبو العلاء الشَّامي فهو وإن لم يُعرَف إلا بهذا الحديث، لكنه لم يجرحه أحد، فهو مستور الحال، والله أعلم. وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أُمَامة، عن عمر، به (¬1). وروي من وجه آخر (¬2)، عن القاسم، عن أبي أُمَامة، عن عمرَ ... ، فذَكَره. وفيه: أنَّه مَدَّ كُمَّ قميصِهِ، فأَبصَرَ فيه فضلاً عن أصابعه، فقال لعبد الله بن عمرَ: أي بني، هاتِ الشَّفرةَ -أو المُدْيةَ (¬3) -، فقام، فجاء بها، فمدَّ كُمَّ قميصِهِ على يده، فنَظَرَ ما فَضَلَ عن أصابعه، / (ق 67) فَقَدَّه. قال أبو أُمَامة: قلنا: يا أميرَ المؤمنين، ألا تأتي بخيَّاط فيَكُفُّ هذا؟ قال: لا. قال أبو أُمَامة: ¬
فلقد رأيتُ عمرَ بعد ذلك، وإنْ هُدبَ ذلك القميصَ لَيَنتشرُ على أصابعه ما يَكُفُّهُ (¬1). حديث آخر (165) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬2): ثنا سليمان بن أحمد -يعني: الطَّبراني-: ثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا يحيى بن المتوكِّل، ثنا أبو سَلَمة، عن عبيد الله (¬3) بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن عمرَ قال: لَبِسَ عمرُ قميصًا جديدًا، ثم دعاني بشَفرة، فقال: خُذ يا بنيَّ كُمَّ قميصي، والزق يديك بأطراف أصابعي، ثم اقطَعْ ما فَضَل عنها. قال: فقَطَعتُهُ من الكمَّين من جانبيه جميعًا، (فصار كُمُّ القميص) (¬4) بعضُه فوقَ بعضٍ. فقلتُ: يا أبَتَاه، لو سَوَّيتَه (بالقَصِّ؟) (¬5). فقال: دَعْهُ يا بني، هكذا رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَفعلُ، فما زال عليه حتى تَقطَّع، وكان ربما رأيتُ الخيوطَ تَساقَطُ على قدميه. هذا سياق غريب، وإسناده فيه ضعف (¬6)، والله أعلم ¬
وقد قال الإمام علي ابن المديني: وأما حديث عمرَ: أنَّه لَبِسَ ثوبًا جديدًا ... ، فهو مضطَّرب الإسناد، ليس بمتَّصل، لا نحفظه من وجه. حديث آخر (166) قال عبد الله بن وهب: أخبرني محمد بن عمرو -هو: اليافِعِي-، قال ابن جريج: أَخبَرَني عمرُ بن حفص: أنَّ عامرَ بن عبد الله بن الزُّبير أَخبَرَه: / (ق 68) أنَّ مولاةً لهم ذَهَبتْ بابنةٍ إلى عمرَ بن الخطاب، فتَحَرَّكتِ الجاريةُ، فإذا في رجليها أجراسٌ، فقَطَعها عمرُ، ثم قال: إني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مع كلِّ جرسٍ شيطانٌ». وأخرجه أبو داود في كتاب الخاتم (¬1)، عن عليِّ بن سهل، وإبراهيم بن الحسن. كلاهما عن حجَّاج بن محمد الأعور، عن ابن جريج، به. ¬
حديث آخر (167) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفان، ثنا حماد، أنا عمَّار بن أبي عمَّار، أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأى في يد رجلٍ خاتمًا من ذَهَب، فقال: «أَلقِ ذا». فأَلقاه، فتختَّم بخاتمٍ من حديد، فقال: «ذا شرٌّ منه». فتختَّم بخاتمٍ من فضَّة، فسكت عنه. هكذا رواه أحمد. وقد قال أبو زرعة الرازي (¬2): عمَّار هذا لم يُدرك عمر بن الخطاب. ¬
أثر فيه جواز اتخاذ الخلع التي يعطيها الإمام للأمراء ونحوهم
أثر فيه جواز اتخاذ الخِلَع التي يعطيها الإمام للأمراء ونحوهم (168) قال علي ابن المديني: ثنا المغيرة بن سَلَمة، ثنا وهب، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّه كان يُنفقُ على الحُلَّةِ ألفَ درهمٍ، وثمانمائةِ درهمٍ، يَكسوها أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الدَّرَاوَردي، عن عبيد الله، به، ولفظُه: كان يأمُرُ بالحلالِ (¬1) فتُنْسَجُ باليمن، تَبلُغُ الحُلَّةُ الواحدةُ منها ألفَ درهمٍ، ثم يلبسها، ويَكسوها أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه وكيع، عن عثمان بن واقِد، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمر، به (¬2). وهذا صحيح عنه، والله أعلم. ¬
أثر عن عمر فيه إرشاد إلى التدبير في اللباس
أثر عن عمر فيه إرشاد إلى التدبير في اللِّباس (169) قال عبد الرزاق (¬1): ثنا عبد الله بن عمر، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: كنتُ عند عمرَ، فجاءته امرأةٌ من الأنصارِ، فقالت: اُكْسُني يا أميرَ المؤمنين. قال: فما هذا أوانُ كُسْوَتِكِ؟ قالت: واللهِ ما عليَّ ثوبٌ يُواريني. فدخل خزانتَهُ، فأَخرَجَ درعًا قد خيط وجيّب (¬2)، فقال: البَسي هذا، وارقعي خَلِقَكِ، وخِيطيه، فالبَسيه على بُرْمتِكِ (¬3) وعملِكِ، إنَّه لا جديدَ لمن لا خَلِقَ له. حديث آخر (170) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬4): ثنا أبو كُرَيب، / (ق 69) ثنا وكيع، ثنا إسحاق بن عثمان الكِلابي، ثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية الأنصاري، حدَّثتني جدَّتي أمُّ عطية قالت: لما قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة جَمَعَ نساءَ الأنصارِ، ثم بعث إلينا عمرُ، فقام، فسلَّم، فرَدَدْنا عليه السلامَ، فقال: ¬
إنِّي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكنَّ. فقلنا: مرحبًا برسولِ الله، وبرسولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قالت: فقال: أَتُبايعنني على ألا تَزنينَ، ولا تَسرقنَ، ولا تَقتلُنَ أولادكنَّ، ولا تَأتينَ ببهتانٍ تَفترينَهُ بين أيديكِنَّ وأرجلكِنَّ، ولا تَعصينَ في معروفٍ؟ قلنا: نعم، فمَدَدْنا أيدينا من داخلِ البيتِ، ومَدَّ يدَهُ من خارجه، وأَمَرَنا أنْ نُخرِجَ الحيَّضَ والعواتقَ (¬1) في العيدينِ، ونهانا عن اتباعِ الجنائزِ، ولا جُمُعةَ علينا. قال: قلت: فما المعروفُ الذي نُهيتنَّ عنه؟ قالت: النِّياحةُ. ورواه أبو داود (¬2)، عن أبي الوليد، ومسلم بن إبراهيم. كلاهما عن إسحاق بن عثمان، به. وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (¬3)، عن محمد بن أبان، عن وكيع. وابن حبان في «أنواعه» (¬4)، عن أبي خليفة، عن أبي الوليد الطيالسي، به. ¬
حديث في غسل الجمعة
/ (ق 58) حديث في غسل الجمعة (¬1) تقدَّم في كتاب الطهارة (¬2): لمَّا أَقبَلَ عثمانُ وعمرُ -رضي الله عنه- على المنبرِ، فقال: أيةُ ساعةٍ هذه؟! فقال: شُغِلتُ، فلمَّا سَمِعتُ التأذينَ توضَّأتُ. فقال: والوُضوءُ أيضًا؟! وقد سَمِعتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُ بالغُسلِ! أثر (171) قال البخاري في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس (¬3): وكذلك يُذكر عن عمرَ (¬4)، ¬
وعليٍّ (¬1)، والنُّعمان بن بشير (¬2)، وعمرو بن حُرَيث (¬3). هكذا علَّقه البخاري في «صحيحه». (172) فأما الأثر الذي رواه الإمام أحمد (¬4) حيث قال: ثنا وكيع، ¬
عن جعفر بن بُرقان، عن ثابت بن حجَّاج، عن عبد الله بن سِيدان، قال: شَهِدتُ الجمعةَ مع أبي بكر -رضي الله عنه- فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ قبل نصفِ النهارِ، وشهدتُها مع عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ إلى أنْ أقولَ: قد انتَصَفَ النهارُ، وصلَّيتها مع عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ إلى أنْ أقولَ: قد زالَ النهارُ. ثم قال أحمد: وكذلك روي عن ابن مسعود (¬1)، وجابر (¬2)، وسعد (¬3)، ومعاوية (¬4): أنهم صلَّوا قبل الزوال. ¬
فإنَّه إسناد جيد (¬1)، فإنَّ ثابت بن الحجَّاج هذا: جَزَري ثقة (¬2)، وشيخه عبد الله بن سِيدان -كما ترى- قد أدرك أَيام الصِّديق، ولكن قال البخاري (¬3): لا يُتابَع على حديثه هذا. وقال أبو القاسم اللاَّلَكَائي (¬4): هو مجهول، لا تقوم بروايته حجَّة، والله أعلم. ¬
(173) وقال الإمام أبو عبد الله الشافعي (¬1) ¬
فيما بَلَغه عن شعبة (¬1)، عن عمرو بن مُرَّة، عن عبد الله بن سَلِمة قال: صلَّى عبد الله -يعني: ابن مسعود- بأصحابه الجمعةَ ضحى، وقال: خَشِيتُ الحرَّ عليكم. ثم قال الشافعي: وليسوا -يعني أهل الكوفة- يقولون بهذا، يقولون: لا يقول بهذا أحد (¬2)، صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، والأئمَّةُ بعدُ في كلِّ جُمُعةٍ بعد زوالِ الشمسِ. (174) ثم قال الشافعي (¬3) فيما بَلَغه عن ابن مهدي (¬4)، عن سفيان، عن أبي إسحاق قال: رأيتُ عليًّا يَخطبُ يومَ الجمعةِ نصفَ النهارِ. ثم قال: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول: لا يَخطبُ إلا بعد الزوال. قال: وكذلك روِّينا عن عمرَ، وغيره (¬5). ¬
حديث آخر (175) روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث مغيرة، عن الحارث العُكلي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير (¬1) قال: بَعَث عمرُ جيشًا فيهم معاذ، فلمَّا ساروا إذا معاذ، قال: ما حَبَسَكَ؟ قال: أَردتُ الجمعةَ ثم أَخرُجُ. فقال عمرُ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَغَدوةٌ في سبيل اللهِ أو رَوحةٌ، خيرٌ من الدُّنيا وما فيها» (¬2). فيه انقطاع. وفيه دلالة على جواز السَّفر قبل الزوال يوم الجمعة، وهو قول بعض العلماء (¬3). ¬
حديث آخر يُذكر فيه مسألة الزِّحام (176) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سليمان بن داود أبو داود (¬2)، ثنا سلاَّم -يعني: أبا الأحوص-، عن سمَاك بن حرب، عن سيَّار بن المَعْرور قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يَخطبُ، وهو يقول: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه: المهاجرون والأنصار، فإذا اشتدَّ الزِّحامُ فلْيَسجُدِ / (ق 59) الرَّجلُ منكم على ظَهْر أخيه. ورأى قومًا يصلُّون في الطريق، فقال: صلُّوا في المسجد. ورواه علي ابن المديني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن أبي الأَحوص، عن سمَاك، به. وقال (¬3): هذا إسناد مجهول، لا نحفظه إلا من هذا الطريق، وسيَّار بن المَعْرور مجهول، لا نعلم أحدًا روى عنه إلا سمَاك. وكان أبو نعيم يقول: سيَّار بن المَغْرور. والصواب: مَعْرور. وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬4): هكذا رواه أبو الأحوص، وأسباط بن نصر، عن سمَاك بن حرب. واتفقا على أنَّه سيَّار بن مَعْرور. وقال يحيى بن معين (¬5): إنما هو سيَّار بن مَغْرور -بالمعجمة-، ولستُ أعلمُ من أين أخذ هذا؟ وسيَّار هذا: مجهول، لا نعلم حدَّث ¬
عنه غير سمَاك بن حرب، ولا نعلمه أسند إلا هذا الحديث (¬1). قلت: وفيه دلالة لقول بعض المالكية (¬2): أنَّ مَن صلَّى الجمعة خارج المسجد وهو قادر على دخوله أنَّه لا تصحُّ جمعته، لأنه أمرهم بذلك، والله أعلم. ¬
أثر في كراهية تطويل الخطب والتقعر فيها
أثر في كراهية تطويل الخطب والتَّقعر (¬1) فيها (177) قال أبو عبيد (¬2): ثنا إسماعيل بن جعفر (¬3)، عن حميد، عن أنس، عن عمرَ: أنَّ رجلاً خَطَبَ، فأَكثَرَ، فقال عمرُ: إنَّ كثيرًا من الخُطَب من شَقَاشِقِ الشيطانِ (¬4). قال أبو عبيد: واحدتُها شِقْشِقةٌ، وهي التي إذا هَدَرَ البعيرُ من الإبلِ العرابِ خاصّةً خَرَجتْ من شِدقِهِ شبيهةٌ بالرِّئةِ. (178) حديث ابن عمر: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمرُ -رضي الله عنهما- يُصلُّون العيدينَ قبلَ الخطبةِ. سيأتي (¬5) في مسنده من حديث أبي لُبَابة، عن عبيد الله، عن نافع، عنه. وهو في «الصحيحين» (¬6). ¬
أثر آخر (179) قال البخاري (¬1): وكان عمرُ يُكبِّر في قبَّته بمنًى، فيَسْمَعُهُ أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرون، ويُكبِّر أَهلُ الأسواقِ، حتى تَرْتَجَّ (¬2) مِنًى تكبيرًا. ¬
أحاديث الاستسقاء
/ (ق 69) أحاديث الاستسقاء (180) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا أبو مسلم الكَشِّي، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أبي، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- خَرَج يَستسقي، وخَرَج بالعباس معه يَستسقي، فيقول: / (ق 70) اللهمَّ إنَّا كنَّا إذا قَحَطنا على عهدِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم تَوَسَّلنا إليك بنبيِّنا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم. تفرَّد بإخراجه البخاري في «الصحيح» (¬2)، عن الحسن بن محمد، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، به، ولفظه: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطَّلب، فقال: اللهمَّ إنَّا كنَّا نَتَوسَّلُ إليك بنبيِّنا فتَسْقينا، وإنَّا نَتَوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسْقِنا. قال: فيُسْقَونَ. (181) وقال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا في كتابه «المطر» (¬3)، وكتابه «مجابي الدعوة» (¬4): ثنا أبو بكر النسائي (¬5)، ثنا عطاء بن مسلم، عن ¬
العُمَري، عن خوَّات بن جُبَير قال: خَرَج عمرُ يَستسقي بهم، فصلَّى ركعتين، فقال: اللهمَّ إنا نَستغفرك، ونَستسقيك. فما بَرَح من مكانه حتى مُطِرُوا، فقَدِمَ أعرابٌ، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، بينا نحن بِوادِينا في ساعةِ كذا، إذ أظلَّتنا غمامةٌ، فسمعنا منها صوتًا: أتاكَ الغوثُ أبا حفصٍ. أتاك الغوثُ أبا حفصٍ. (182) وقال -أيضًا- (¬1): ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا سفيان، عن مُطرِّف بن طَريف، عن الشَّعبي قال: خَرَج عمرُ يَستسقي بالناس، فما زاد على الاستغفار حتى رجع، قالوا: يا أميرَ المؤمنين! ما نَرَاكَ استسقيتَ؟ قال: طَلَبتُ المطرَ بمجاديحِ السماءِ التي يُستَنزَلُ بها المطرُ، ثم قرأ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)} (¬2)، / (ق 71) ¬
ثم قرأ: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} (¬1). ورواه أبو عبيد (¬2)، عن هشيم، وأبي يوسف جميعًا، عن مُطرِّف، به. قال أبو عمرو: والمجاديح واحدها مِجدَح، وهو كلُّ نَجمٍ من النُّجومِ، كانت العربُ تقولُ: إنه يُمطَرُ به. أثر آخر (183) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3): ثنا أبو نصر بن قتادة، وأبو بكر الفارسي قالا: أنا أبو عمرو بن مَطَر، ثنا إبراهيم بن علي الذُّهْلي، ثنا يحيى بن يحيى، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدَّار قال: أَصابَ الناسَ قحطٌ في زمانِ عمرَ -رضي الله عنه-، فجاء رجلٌ إلى قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، استَسقِ اللهَ لأمَّتك، فإنهم قد هَلَكوا. فأتاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: ائتِ عمرَ، فأَقْرِئْهُ منِّي السلامَ، وأَخبِرْهُ أنهم مُسْقَون، وقل له: عليكَ بالكيسِ (¬4) الكيسِ. (فأتى الرجلُ، فأَخبَرَ عمرَ، وقال:) (¬5) يا ربُّ، ما آلو إلا ما عَجِزتُ عنه. ¬
هذا إسناد جيد قوي (¬1). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
خبر نيل مصر
خبر نيل مصر (184) قال الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن اللاَّلكائي الطبري (¬1): أنا محمد بن أبي بكر، ثنا محمد بن مَخلد، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني ابن لَهِيعة، عن قيس بن حجَّاج، عمَّن حدَّثه قال: لما فُتحَت مصرُ أتى أهلُها عمرو بن العاص حين دخل بؤونةُ -من أشهر العجم-، فقالوا: أيها الأميرُ، إنَّ لِنيِلِنا هذا سُنَّةً لا يَجري إلا بها. قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت ثنتى (¬2) عشرةَ ليلةً خَلَتْ من هذا الشهرِ عَمَدنا إلى جاريةٍ بِكر بين أبويها، فأَرضَينا أبويها، / (ق 72) وجَعَلنا عليها من الحلي والثيابِ أفضلَ ما يكونُ، ثم ألقيناها في هذا النِّيل. فقال لهم عمرو رضي الله عنه: إنَّ هذا ما لا يكونُ في الإسلامِ، إنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قبلَهُ. فأقاموا بَؤونة، والنِّيلُ لا يَجري قليلاً ولا كثيرًا! وفي رواية: قاموا بؤونة وأبيب ومسرى وهو لا يَجري، حتى همُّوا بالجلاءِ. فكَتَب عمرو إلى عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- بذلك. فكَتَب إليه: إنكَ قد أصبتَ بالذي فعلتَ، وإنِّي قد بَعثتُ إليكَ ببطاقةٍ داخلَ كتابي هذا، فأَلْقِهَا في النِّيلِ. فلما قَدِمَ كتابُهُ، أخذ عمرو البطاقةَ، فَفَتَحها، فإذا فيها: من عبد الله عمرَ أميرِ المؤمنينَ إلى نيلِ أهلِ مصرَ، أما بعدُ، فإنْ كنتَ إنما تَجري من قِبَلكَ فلا تَجْرِ، وإنْ كان اللهُ الواحدُ القهَّارُ هو الذي يُجريك، ¬
فنسألُ اللهَ أَنْ يُجرِيكَ. قال: فأَلقى البطاقةَ في النِّيل، فأَصبَحوا يومَ السبتِ، وقد أجرى اللهُ النِّيلَ ستةَ عشرَ ذراعًا في ليلةٍ واحدةٍ، وقطع اللهُ تلك السُّنَّةَ عن أهلِ مصرَ إلى اليومِ. (185) ورواه خير بن عرفة (¬1)، عن هانئ بن المتوكِّل، عن ابن لَهِيعة، عن قيس بن الحجَّاج قال: لما فُتِحَتْ مصرُ، أتى أهلُها عمرو بن العاص ... ، وذَكَره. (186) وقال أبو الحسن محمد بن علي الحسني العَلَوي رحمه الله: سَمِعتُ يعقوب بن أحمد بمصر يقول: (ق 73) سَمِعتُ عبد الرحمن بن محمد -مولى بني أُميَّة- يقول: زاد نيلُ مصرَ حتى خَشِيَ الناسُ الغرقَ، قال: فوَقَفتُ عليه، فقلتُ: بحُرمةِ عمرَ بن الخطاب (¬2) عليك إلاَّ سَكَنتَ فسَكَنَ! أثر آخر (187) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬3): حدَّثني قاسم بن ¬
هاشم، ثنا علي بن عيَّاش، ثنا سعيد بن عُمارة، عن الحارث بن النُّعمان قال: سَمِعتُ أنسَ بن مالك يقول: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: إنَّ الرَّجفَ (¬1) من كثرةِ الزِّنى، وإنَّ قحوطَ المطرِ من قضاةِ السُّوءِ وأئمَّةِ الجورِ. أثر آخر (188) قال ابن أبي الدُّنيا -أيضًا- (¬2): حدَّثني عبد الرحمن بن عبد الله الباهلي، ثنا سفيان بن عيينة، عن عُبيد بن عُمَير (¬3)، عن نافع، عن صفية -يعني: بنت أبي عُبيد-، زوجة عبد الله بن عمر، قالت: زُلزِلتْ الأرضُ على عهدِ عمرَ، فقال: أيها الناسُ، ما هذا؟! ما أسرعَ ما أحدثتُم! إنْ عادت لا أُساكنُكُم فيها. إسناد صحيح (¬4). ¬
كتاب الجنائز
كتاب الجنائز (189) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الله بن نُمَير، عن مُجالِد، عن عامر، عن جابر بن عبد الله قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول لطلحةَ بن عبيد الله رضي الله عنهما: ما لي أَراك قد شَعِثْتَ واغْبَرَرْتَ مُذ تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ لعلَّك ساءك إمارةُ ابنِ عمِّك؟ قال: معاذَ الله، إنِّي لأَجْدَرُكم ألا أفعلَ ذلك، إنِّي سَمِعتُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنِّي لأعلمُ كلمةً لا يقولُها رجلٌ عند حضرةِ الموتِ إلا وَجَد رُوحُه لها رَوْحًا حين تخرجُ من جسدِه، وكانت له نورًا يومَ القيامةِ». فلم أَسأَل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم / (ق 74) عنها، ولا أَخبَرَني بها، فذلك الذي دَخَلني. فقال عمرُ: فأنا أَعلمُهُ. قال: فللَّهُ الحمدُ. قال: فما هي؟! قال: هي الكلمةُ التي قالها لعمِّه: لا إلهَ إلا اللهُ. قال: صَدَقتَ. وكذا رواه النسائي في «اليوم والليلة» (¬2)، عن يحيى بن موسى، عن عبد الله بن نُمَير، به. وهذا إسناد حسن (¬3). ¬
ولكن رواه أحمد -أيضًا- (¬1)، عن محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن الشَّعبي، عن عمر، به. وهذا منقطع، وفيه مبهم. طريق أخرى (190) قال أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا هارون بن إسحاق الهَمداني، ثنا محمد بن عبد الوهاب القنَّاد، عن مِسْعَر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، عن يحيى بن طلحة، عن أُمِّه سُعدى المُريَّة قالت: مرَّ عمرُ بطلحةَ بعد وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مالَكَ مُكتَئِبٌ، أَساءَتكَ (¬3) إمْرَةُ ابنِ عمِّكَ؟ قال: لا ... ، وذَكَر الحديث. وقد رواه النسائي في «اليوم والليلة» -أيضًا- (¬4)، وابن ماجه (¬5). جميعًا عن هارون بن إسحاق، به. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬6)، عن عبد الله بن محمد بن سَلْم، عن هارون بن إسحاق. ¬
واختاره الضياء في كتابه (¬1). وقال علي ابن المديني: حدَّثنا بهذا الحديث أصحابنا، عن محمد بن عبد الوهاب الكوفي (¬2) -وكان رجلاً صالحًا ثقة-، عن مِسْعَر، عن إسماعيل، عن الشَّعبي، عن يحيى بن طلحة، / (ق 75) عن سُعدى بنت عوف المُريَّة، امرأة طلحة، عن طلحة، عن عمر ... ، فذَكَره، بنحوه. قال: ورواه شعبة (¬3)، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، عن رجل، عن سُعدى امرأة طلحة، عن طلحة: أنَّ عمرَ مَرَّ به ... ، فذَكَر نحوه. قال: وكذا حدَّثناه يحيى، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، به. قال: وحدَّثناه محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن الشَّعبي، وأرسله. قال عليّ: وإنما أراد محمد: عن الشَّعبي، عن رجل. فقال: عن رجل، عن الشَّعبي؛ لأنَّ يحيى من أثبت مَن روى عن ابن أبي خالد، وكان يتتبَّع السماع من الفقهاء، ويَشدُّه رواية شعبة -أيضًا- كذلك. ثم رواه علي، عن المعلَّى الرازي، وعَبثر بن القاسم. كلاهما عن مُطرِّف، عن الشَّعبي، عن يحيى بن طلحة، عن طلحة قال: مَرَّ بي عمر ... ، فذَكَره. ورواه، عن جرير بن عبد الحميد، عن مُطرِّف، عن عامر، عن ابنٍ لطلحةَ: أنَّ عمرَ مَرَّ على طلحةَ ... ، فذَكَره (¬4). ¬
طريق أخرى (191) قال أحمد (¬1): ثنا أسباط، ثنا مُطرِّف -يعني: ابن طَريف-، عن عامر -هو: الشَّعبي-، عن يحيى بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد الله، عن عمرَ بن الخطاب، به. ورواه النسائي في «اليوم والليلة» (¬2)، عن علي بن حُجر، عن عليِّ بن مُسْهِر، عن مُطرِّف، به. ورواه أحمد بن مَنيع، وأبو يعلى الموصلي في «مسنديهما» (¬3) من حديث مُطرِّف، به. واختاره الضياء في كتابه (¬4) من هذا الوجه (¬5). ¬
/ (ق 76) طريق أخرى (192) روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، عن مسلم بن يَسَار، عن حُمران، عن عثمان، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلَمُ كلمةً، لا يقولها عبدٌ حقًا من قلبِه فيموتُ على ذلك؛ إلا حرَّمه اللهُ على النَّارِ: لا إلهَ إلا اللهُ» (¬1). وهذا إسناد جيد. حديث آخر (193) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا مؤمَّل، ثنا حماد، ثنا زياد بن مِخراق، عن شَهر، عن عُقبة بن عامر، حدَّثني عمر: أنَّه سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، قيل له: اُدخُلِ الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ الثمانيةِ شئتَ». هذا إسناد حسن (¬3)، وليس في شيء من الكتب السِّتة. ¬
حديث آخر (194) قال ابن ماجه (¬1): ثنا جعفر بن مُسَافر، حدثني كثير بن هشام، ثنا جعفر بن بُرقان، عن ميمون بن مِهران، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إذا دَخَلتَ على مريضٍ، فمُرْهُ يَدعُو لكَ، فإنَّ دعاءَه كدعاءِ الملائكةِ». إسناده حسن، ولكن ميمون بن مِهران لم يُدرك عمرَ بن الخطاب (¬2). حديث آخر (195) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن صالح، قال ابن شهاب: قال سالم: فسَمِعتُ عبد الله بن عمر يقول / (ق 77): قال عمرُ: أَرسِلُوا إليَّ طبيبًا يَنظُرُ إلى جُرحي هذا. قال: فأَرسَلُوا إلى طبيبٍ من العرب، فسقى عمرَ نبيذًا (¬4)، فشَبِهَ النبيذُ بالدَّم حين خَرَج من الطعنة التي تحت السُّرَّة. قال: فدَعَوتُ طبيبًا من الأنصار من بني معاوية، ¬
فسقاه لبنًا، فخَرَج اللَّبنُ من الطعنة يَصلِدُ (¬1) أبيض. فقال له الطبيب: يا أميرَ المؤمنين، اعهَدْ. فقال عمرُ: صَدَقني أخو بني معاوية، ولو قلتَ غيرَ ذلك كذَّبتُك. قال: فبكى عليه القومُ حين قال ذلك، فقال: لا تَبكوا علينا، مَن كان باكيًا؛ فليَخرُجْ، ألم تَسمعوا ما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «يُعذَّبُ الميِّتُ ببكاءِ أهلِه عليه». فمن أجل ذلك كان عبد الله لا يُقِرُّ أن يُبْكى عنده على هالكٍ من ولده ولا غيرهم. ورواه الترمذي (¬2)، عن عبد الله بن أبي زياد. والنسائي (¬3)، عن سليمان بن سيف الحرَّاني. كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. طريق أخرى (196) قال أحمد (¬4): ثنا يحيى، ومحمد بن جعفر قالا: ثنا شعبة، ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الميِّتُ يُعذَّبُ في قبره بالنياحةِ عليه». وقال محمد بن جعفر: «بما نِيحَ عليه». ورواه أحمد -أيضًا- (¬5)، عن يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمر، به. ¬
وقد رواه مسلم (¬1)، عن بُندَار، عن غُندَر. وابن ماجه (¬2)، عن بُندَار، ومحمد بن الوليد. / (ق 78) كلاهما عن غُندَر، عن شعبة، به. ورواه النسائي (¬3) عن الفلاَّس، عن يحيى بن سعيد -وهو: القطَّان-، عن شعبة، به. وأخرجه البخاري (¬4)، عن عَبدان، عن أبيه، عن شعبة. قال: وقال آدم، عن شعبة: «الميِّتُ يُعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ». قال: وتابَعَه عبد الأعلى -يعني: ابن حماد-، عن يزيد بن زُرَيع، عن سعيد، عن قتادة. ورواه ابن ماجه -أيضًا- (¬5)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أسود بن عامر -شاذان-. وعن نصر بن علي، عن عبد الصمد، ووهب بن جرير. كلُّ هؤلاء عن شعبة، بإسناده، نحوه. وقد رواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬6)، عن غُندَر، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، بإسناده، مثله. ¬
وهكذا رواه مسلم (¬1)، عن محمد بن المثنَّى، عن محمد بن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، به. ورواه أحمد -أيضًا- (¬2)، عن عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب (¬3): أنَّ عمرَ قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الميِّتُ يُعذَّبُ ببكاءِ أهلِهِ عليه». وهذا منقطع. ورواه أحمد -أيضًا- (¬4)، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيّب قال: لما مات أبو بكرٍ بُكِيَ عليه، فقال عمرُ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الميِّتَ يُعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ». قلت: ورواه همام (¬5)، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يَذكر عمرَ، لكن قال في عقبه: قال قتادة: وأخبرني يحيى بن رُؤبة قال: قلت لابن عمر: يُعذَّبُ هذا / (ق 79) الميِّتُ ببكاء هذا الحيِّ؟ قال: حدَّثنيه عمرُ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ووالله ما كَذَبتُ على عمرَ، ولا كَذَب عمرُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. طريق أخرى (197) قال أحمد (¬6): ثنا عفان، ثنا همام، عن قتادة، عن قَزَعة قال: قلت لابن عمر: يُعذِّبُ اللهُ هذا الميِّت ببكاء هذا الحيِّ؟ فقال: حدَّثني ¬
عمرُ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ما كَذَبتُ على عمرَ، ولا كَذَب عمرُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد صحيح على شرط الجماعة، ولم يخرِّجه أحد منهم إلا من هذا الوجه، وقَزَعة هذا هو: ابن يحيى، أخرجوا له كلُّهم. طريق أخرى (198) قال أحمد (¬1): حدثنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُعذَّبُ الميِّتُ ببكاءِ أهلِه عليه». وهكذا رواه النسائي (¬2) عن عبيد الله بن سعيد، عن يحيى -وهو: ابن سعيد القطَّان-، به. وأخرجه مسلم (¬3)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نُمَير. كلاهما عن محمد بن بِشر، عن عبيد الله -وهو: ابن عمر العُمَري-، به. طريق أخرى (199) قال أحمد (¬4): ثنا إسماعيل، ثنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكَة قال: كنت عند عبد الله بن عمرَ، ونحن ننتظر جنازة أمِّ أَبَان بن (¬5) عثمان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائده، قال: فأُراه ¬
أُخبِرَ بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، وكنتُ بينهما، فإذا صوتٌ من الدَّار، فقال ابن عمر: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الميِّتَ يُعذَّبُ ببكاءِ / (ق 80) أهلِه عليه». فأرسلها عبد الله مرسلة (¬1). قال ابن عباس: كنَّا مع أمير المؤمنين عمرَ، حتى إذا كنَّا بالبيداء إذا هو برجلٍ نازلٍ في ظلِّ شجرةٍ، فقال لي: انطلِق، فاعلَمْ مَن ذاك. فانطلقتُ، فإذا هو صهيبٌ، فرَجَعتُ إليه، فقلت: إنك أمرتني أن أَعلَمَ لك مَن ذاك، وإنَّه صهيبٌ. قال: مُرْه (¬2) فليَلحَق بنا. فقلتُ: إنَّ معه أهلُه. فقال: وإنْ كان معه أهلُه -وربما قال أيوب: مُرْه فلْيَلْحَق بنا-، فلمَّا بَلَغنا المدينةَ، لم يَلبَثْ أميرُ المؤمنين أنْ أُصيبَ، فجاء صهيب، فقال: واأَخاهُ! واصاحِباهُ! فقال عمرُ: ألَمْ تَعلَمْ، أو: ألَمْ تَسمعْ -أو قال: أَوَ لَمْ تَعلَمْ، أَوَ لَمْ تَسمعْ (¬3) -: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الميِّتَ ليُعذَّبُ ببعضِ بكاءِ أهلِه عليه». فأما عبد الله فأرسَلَها مرسَلَةً، وأما عمرُ فقال: «ببعض»، فأتيت عائشة، فذَكَرتُ لها قولَ عمرَ، فقالت: لا والله ما قاله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الميِّتَ ليُعذَّب ببكاءِ أحدٍ، ولكنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الكافرَ لَيَزيدُهُ اللهُ ببكاءِ أهلِه عذابًا». وإنَّ اللهَ لهو أضحك وأبكى، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬4). ¬
قال أيوب: وقال ابن أبي مُلَيْكَة: حدَّثني القاسم، قال: لمَّا بَلَغ عائشةَ قولُ عمرَ وابنِ عمرَ، قالت: إنكم لتُحدِّثونني عن غير كاذِبَين، ولا مكذَّبَين، ولكنَّ السمعَ يُخطئُ (¬1). ثم رواه أحمد (¬2)، عن عبد الرزاق (¬3)، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيْكَة، قال: تُوفيت ابنة عثمان بن عفان بمكَّة ... ، وساق الحديث، بنحوه. ورواه البخاري (¬4)، ومسلم (¬5)، والنسائي (¬6) من طرق، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عنه. طريق أخرى (200) قال مسلم (¬7): / (ق 81) ثنا علي بن حُجر، ثنا علي بن مُسْهِر، عن الشَّيباني، عن أبي بُرْدة، عن أبيه قال: لما أُصيبَ عمرُ جعل صهيبٌ يقول: وا أخاهُ! فقال له عمر: يا صهيبُ، أَمَا عَلِمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الميِّتَ ليُعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ». ¬
وهكذا رواه البخاري (¬1)، عن إسماعيل بن الخليل، عن علي بن مُسْهِر، عن أبي إسحاق الشَّيباني، به. ثم رواه مسلم (¬2)، عن علي بن حُجر، عن شعيب بن صفوان، عن عبد الملك بن عُمَير، عن أبي بُرْدة بن أبي موسى، عن أبيه، به. طريق أخرى (201) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬3): ثنا هُدبة، ثنا حماد بن سَلَمة، عن ثابت، عن أنس: أنَّ عمرَ لما طُعِنَ أَعوَلَتْ عليه حفصةُ، فقال: يا حفصةُ، أَمَا سَمِعتِ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ المُعوَّلَ عليه يُعذَّبُ». ورواه مسلم (¬4)، عن عمرو بن محمد النَّاقد، عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سَلَمة، به، وزاد (¬5): وأَعوَلَ عليه صهيبُ ... ، وذَكَر الحديث. فهذه الطرق تفيد التوكيد عند كثيرين من أئمَّة هذا الشأن وغيرهم عن عمرَ رضي الله عنه وأرضاه. ¬
أثر في جواز البكاء من غير صوت
أثر في جواز البكاء من غير صوت (202) قال أبو عبيد (¬1): ثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عمرَ: أنَّه قيل له: إنَّ النساءَ قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد، فقال: وما على نساءِ بني المغيرةِ أنْ يَسْفِكْنَ من دموعِهِنَّ على أبي سليمان ما لم يكن نَقْعٌ ولا لَقْلَقَةٌ. قال الكسائي: النَّقْعُ: صَنْعَةُ الطعامِ للمأتمِ. وأَنكَرَ ذلك أبو عبيد، وقال: إنما النَّقيعةُ صَنْعَة الطعام عند قدوم الغائب، وإنما المراد منه هنا: رفع الصوت، وهو الذي رأيت عليه قول أكثر أهل العلم، ومنه قول لَبيد: فمتى يَنقَعْ صُراخٌ صادقٌ ... يُحلِبوها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ قال: وقال بعضهم: المراد به ههنا: وضع التراب على الرأس. وضعَّفه. وقيل: شقُّ الجيوب. وأَنكَرَه. قال: وأما اللَقْلَقَة: فشدَّة الصوت. لم أسمع فيه اختلافًا. ¬
حديث آخر (203) قال الزهري: عن سالم، عن أبيه عبد الله بن عمرَ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمرُ -رضي الله عنهما- يمشون أمامَ الجنازةِ (¬1). ¬
وسيأتي (¬1) في مسند ابن عمر إن شاء الله. ¬
حديث في كلام الميت على سريره
حديث في كلام الميِّت على سريره (204) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي (¬2)، عن رجل من أهل البصرة، عن زيد بن أسلم (¬3)، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا من ميِّتٍ يُوضعُ على سريرِهِ، فيُخطَى به ثلاثَ خُطًى، إلا تكلَّم بكلامٍ يُسمعُ مَن شاءَ اللهُ إلا الثقلين، الجنَّ والإنسَ، يقول: يا إخوتاه، ويا إخواناه، ويا حملةَ نَعشَاهُ، لا تَغرنَّكُمُ الدُّنيا كما غَرَّتني، ولا يَلعَبَنَّ بكم الزمانُ كما لَعِبَ بي، خَلَّفتُ ما تَرَكتُ لِوَرَثتي، والدَّيانُ يومَ القيامةِ يُخاصِمُني، وأنتم تُشيِّعوني وتَدَعُوني». فيه انقطاع، وفي إسناده مَن لم يُسمّ، ولكن له شاهد في «الصحيح» (¬4). ¬
حديث آخر (205) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يحيى بن سعيد -أنا سألتُهُ-، ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا ثابت، عن أنس قال: كنَّا مع عمرَ بين مكةَ والمدينةَ، فتراءَيْنا الهلالَ، وكنتُ حديدَ البصر، فرأيتُهُ، فجَعَلتُ أقولُ لعمرَ: أما تَرَاهُ؟ قال: سأَراهُ وأنا مُستلقٍ على فراشي، / (ق 82) ثم أخذ يحدِّثنا عن أهل بدر، قال: إنْ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيُرينا مصارِعَهم بالأمس، يقول: «هذا مَصرعُ فلانٍ غدًا، إنْ شاء اللهُ، وهذا مَصرعُ فلانٍ غدًا، إنْ شاء اللهُ». قال: فجعلوا يُصرَعون عليها. قال: قلتُ: والذي بَعَثك بالحقِّ ما أخطأوا تيكَ، كانوا يُصرَعون. ثم أمر بهم فطُرحُوا في بئر، فانطَلَق إليهم: «يا فلانُ، يا فلانُ، هل وَجَدتُم ما وَعدَكُمُ اللهُ حقًّا، فإنِّي وَجَدتُ ما وَعدَني اللهُ حقًّا». قال عمرُ: يارسولَ الله، ما تكلِّمُ (¬2) قومًا قد جَيَّفوا؟! قال: «ما أنتم بأسمعَ لما أَقولُ منهم، ولكن لا يستطيعون أن يُجيبُوا». وهكذا رواه النسائي (¬3)، عن عمرو بن علي الفلاَّس، عن يحيى بن سعيد القطَّان. وأخرجه مسلم (¬4)، عن إسحاق بن عمر بن سليط، وشيبان بن فرُّوخ. كلاهما عن سليمان بن المغيرة، به. ¬
وقد رواه حميد، عن أنس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَذكر عمرَ (¬1)، وسيأتي (¬2) في مسنده، إن شاء الله تعالى. حديث آخر (206) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: حدثني محمد بن عُمَير، ثنا ابن قتيبة، ثنا محمد بن آدم، ثنا محمد بن فضيل، ثنا إسماعيل بن أبي خالد وليث، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن صَلَّى على جنازةٍ فله قِيرَاطٌ، ومَن شَهِدَها حتى تُدفَنَ فله قِيرَاطان». غريب من هذا الوجه (¬3). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
أثر عن عمر (207) قال الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2)، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ غُسِّل وكُفِّن وصُلِّي عليه. قال الشافعي: وهو شهيد، ولكنه صار إلى الشهادة في غير حرب. قلت: وروى البيهقي (¬3): أنَّ عليًّا غُسِّل وكُفِّن أيضًا. وفي هذا دلالة على أنَّ مَن قَتَله أهلُ البغيِّ يُغسَّل ويُصلَّى عليه. حديث آخر فيه ذِكر عمر (208) قال الدارقطني (¬4): ثنا محمد بن مَخلد، ثنا محمد بن الوليد القَلاَنسي أبو جعفر المُخرَّمي، ثنا الهيثم بن جميل، ثنا مبارك بن فَضَالة، عن الحسن، عن أنس قال: كَبَّرَتِ الملائكةُ على آدمَ أربعًا، وكَبَّرَ أبو بكرٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أربعًا، وكَبَّرَ عمرُ على أبي بكرٍ أربعًا، وكَبَّرَ صهيبٌ على عمرَ ¬
أربعًا، وكَبَّرَ الحسنُ بن عليٍّ على عليٍّ أربعًا، وكَبَّرَ الحسينُ على الحسنِ أربعًا. ثم قال: محمد بن الوليد هذا: ضعيف (¬1). ثم روى (¬2) من حديث خُنَيس بن بكر بن خُنَيس، عن فُرَات بن سلمان الجَزَري (¬3)، عن ميمون بن مِهران، عن ابن عباس، نحوه (¬4). ¬
أثر آخر (209) قال الشافعي (¬1): ويُذكر عن يحيى بن عبد الله بن أبي بُكَير: أنَّ أُسَيد بن حُضَير مات -ويُكنى: أبا يحيى-، وحَمَلَهُ عمرُ بين عمودي السَّرير حتى وَضَعَهُ. (210) ثم رواه الشافعي (¬2) عن عثمان (¬3)، وسعد بن أبي وقاص (¬4)، ¬
وأبي هريرة (¬1)، وابن عمر (¬2)، وابن الزُّبير (¬3): أنهم حَمَلوا بين العمودين. ¬
وأشار إلى تثبيت ذلك. قال (¬1): وروى بعض أصحابنا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه حَمَلَ في جنازة سعد بن معاذ بين العمودين. أثر عن عمر (211) قال البخاري (¬2) في النِّياحة على الميِّت: وكان عمرُ يَضربُ فيه بالعصا، وَيرمي بالحجارة، ويَحثي بالتراب. (212) وقال الأوزاعي (¬3) / (ق 83): بَلَغني أنَّ عمرَ سَمِعَ صوتَ بكاءٍ في بيتٍ، فدخل ومعه غيرُهُ، فمَالَ عليهم ضربًا، حتى بَلَغ النائحةَ، فضَرَبَها حتى سَقَطَ خمارُها، وقال: اضرِبْ، فإنها نائحةٌ، ولا حُرْمةَ لها، إنها ¬
لا تَبكي بشَجْوكُم، إنها تُهرِيقُ دموعَها على أخذِ دراهِمِكُم، إنها تُؤذي أمواتَكُم في قبورِهِم، وأحياءَكُم في دُورِهِم، إنها تَنهى عن الصَّبر، وقد أَمَرَ اللهُ به، وتأمُرُ بالجزعِ، وقد نَهَى اللهُ عنه! فأما البكاء المجرَّد، فقد قال البخاري في «صحيحه» (¬1): وقال عمرُ رضي الله عنه: دَعهنَّ يَبكين على أبي سليمانَ، ما لم يَكُن نَقْعٌ أو لَقْلَقَةٌ. والنَّقْعُ: الترابُ على الرأسِ. واللَقْلَقَة: الصوتُ. قلت: وأبو سليمان هذا هو: خالد بن الوليد. ورواه أبو عبيد (¬2)، عن جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عمر. (213) وقال البخاري (¬3): قال عمرُ: نِعمَ العِدْلانِ، ونِعمتِ العِلاوةُ: ¬
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (¬1). أثر آخر (214) قال ابن أبي الدُّنيا (¬2): حدثنا محمد بن عاصم، أخبرني أبو مَعشر، عن محمد بن المنكدر قال: مَرَّ عمرُ بن الخطاب بحفَّارين يَحفرونَ قبرَ زينبَ بنت جحش -رضي الله عنها- في يومٍ صائفٍ، فضَرَبَ عليهم فُسْطاطًا (¬3)، فكان أوَّلَ فُسْطاطٍ ضُرِبَ على قبرٍ. ¬
أثر آخر (215) قال أحمد في «الزهد» (¬1): ثنا هشيم، أنا مُجالِد، عن الشَّعبي، عن ابن عمرَ قال: أوصاني عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: إذا وَضَعتني في لَحْدي، فَافْضِ بخَدِّي إلى الأرضِ حتى لا يكونَ بين خدِّي وبين الأرض شيءٌ. حديث آخر (216) قال أبو بكر ابن أبي داود رحمه الله (¬2): ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، ثنا مفضَّل -يعني: ابن صالح بن جميلة (¬3) -، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي شَهْر، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتَ إذا كنتَ في أربعةِ أذرعٍ في ذراعين، فرأيتَ مُنكَرًا ونَكيرًا؟!». قال: قلت: يارسولَ الله، وما / (ق 84) مُنكَرُ ونَكيرُ؟ قال: «فتَّانا القبرِ، يَبحثانِ الأرضَ بأنيابِهِما، ويَطَآن في أَشعارِهما، أصواتُهما كالرَّعدِ ¬
القاصفِ، وأبصارُهما كالبرقِ الخاطفِ، معهما مِرْزبَّةٌ، لو اجتَمَعَ عليها (أهلُ الأرضِ) (¬1) لم يُطيقوا رَفعَها، هي أيسرُ عليهما مِن عصاي هذه». قال: قلت: يارسولَ الله، وأنا على حالتي هذه؟ قال: نعم». قلت: فإذًا أَكفيكهما. هذا حديث مشهور، وهو غريب الإسناد (¬2)، وقد ورد من طريق أخرى: (217) فقال عبد الله بن وهب (¬3): حدَّثني حُيَيّ بن عبد الله المُعَافري، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَر ¬
فتَّاني القبر، فقال عمرُ بن الخطاب: أتُردَّ إلينا عقولُنا يارسولَ الله؟ قال: «نعم، كهيئتِكُمُ اليومَ». قال عمرُ: بِفِيْهِ الحَجَرُ.
حديث في بعث الأجساد ليوم الحشر والمعاد
حديث في بعث الأجساد ليوم الحشر والمعاد (218) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): حدثنا هارون (¬2) بن عمر القرشي، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (¬3): أنَّ شيخًا من شيوخِ الجاهليةِ القساةِ (¬4) قال: يا محمدُ، ثلاثٌ قد بَلَغني أنك تقولُهُنَّ، لا يَنبغي لذي عقلٍ أنْ يُصدِّقك بهنَّ، بَلَغني أنك تقولُ: إنَّ العربَ تاركةٌ ما كانت تَعبدُ هي وآباؤها، وأنَّا سَنَظهَرُ على كنوزِ كِسْرَى وقيصرَ، وأنَّا سنُبعَثُ بعد أن نَرِمَّ (¬5). فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَجَل، والذي نفسي بيده، لَتَترُكَنَّ العربُ ما كانت تَعبدُ هي وآباؤها، ولَتَظهَرنَّ على كنوزِ كِسْرَى وقيصرَ، ولَتَموتَنَّ، ثم لَتُبعَثنَّ، ثم لآخُذنَّ بيدكَ يومَ القيامةِ، فلأُذَكِرنَّك مقالتَكَ هذه». قال: ولا تُضلَّني في الموتى ولا تَنساني؟! قال: «ولا أُضِلَّكَ في الموتى ولا أنساكَ». قال: فبَقِيَ الشيخُ حتى قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى ظهورَ المسلمينَ على كِسْرَى وقيصرَ، فأسلَمَ، فحَسُنَ إسلامُهُ، فكان عمرُ بن الخطاب كثيرًا ما يَسْمع نَحيبَهُ في مسجدِ رسولِ الله لإعظامِهِ ما كان واجهَ به رسولَ الله، فكان عمرُ ممَّا يأتيه (¬6) فيُسَكِّنُ منه، ويقول: قد أَسلَمْتَ، وَوَعَدَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يأخُذَ بيدِكَ، ولا يأخذُ رسولُ الله بيدِ أحدٍ يومَ القيامةِ إلا أَفلَحَ وسَعِدَ، إن شاء الله. ¬
أثر عن عمر في المرأة إذا ماتت وفي جوفها ولد ترجى حياته
أثر عن عمر في المرأة إذا ماتت وفي جوفها وَلَد ترجى حياته (219) قال ابن أبي الدُّنيا في كتاب «من عاش بعد الموت» (¬1): ثنا محمد بن الحسين، حدثني عبيد بن إسحاق، حدثني عاصم بن محمد العُمَري، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: بينا عمرُ يَعرِضُ الناسَ، إذ مَرَّ به رجلٌ معه ابنٌ له على عاتقِهِ، فقال عمرُ: ما رأيتُ غُرابًا بغُرابٍ أشبهُ من هذا بهذا! فقال الرجل: أما واللهِ يا أميرَ المؤمنين، لقد وَلَدَتهُ أُمُّه وهي ميتةٌ! قال: وَيْحكَ! ما هذا؟! وكيف ذلك؟! قال: خَرَجتُ في بَعثِ / (ق 85) كذا وكذا، وتَركتُها حاملاً، فقلت: أَستَودِعُ اللهَ ما في بطنِكِ. فلمَّا قَدِمْتُ من سفري أُخبِرْتُ أنها قد ماتت، فبينا أنا ذاتَ ليلةٍ قاعدٌ في البقيع مع بني عمٍّ لي، إذ نَظَرتُ، فإذا ضوءٌ شبيهٌ بالسِّراج في المقابر، قلت لبني عمِّي: ما هذا؟ قالوا: لا ندري، غير أنَّا نرى هذا الضوءَ كلَّ ليلةٍ عند قبرِ فلانةٍ، فأَخَذتُ معي فأسًا، ثم انطَلَقتُ نحو القبرِ، فإذا القبرُ مفتوحٌ، وإذا هو في ¬
حِجْرِ أُمِّهِ، فدَنَوتُ، فناداني منادٍ: أيها المستَودِعُ ربَّهُ، خُذْ وَديعَتَكَ، أَمَا لو استَودَعتَهُ أُمَّهُ، لوَجَدتَها. فأَخَذتُ الصبيَّ، وانضمَّ القبرُ. قال أبو جعفر (¬1): سألت عثمان بن زُفَر عن هذا الحديث؟ فقال: لقد سَمِعتُهُ من عاصم (¬2). حديث آخر (220) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا يونس بن محمد، ثنا داود -يعني: ابن أبي الفُرَات-، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبي الأسود أنَّه قال: أتيتُ المدينةَ، فوافقتُها (¬4)، وقد وقع فيها مرضٌ، فهم يموتون موتًا ذريعًا، فجَلَستُ إلى عمرَ بن الخطاب، فمَرَّت به جنازةٌ، فأُثْنِيَ على صاحبها خيرٌ، فقال: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ (¬5). ثم مُرَّ بأُخرى (¬6)، فأُثْنِيَ شرٌّ، فقال عمرُ: وَجَبَتْ. فقال أبو الأسود: ما وَجَبَتْ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: قلتُ كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما مسلمٍ شَهِدَ له أربعةٌ بخيرٍ أَدخَلَهُ اللهُ الجنَّةَ». قال: فقلنا: وثلاثةٌ؟ قال: فقال: «وثلاثةً». قال: فقلنا: واثنان؟ فقال: «واثنان». / (ق 86) قال: ثم لم نسأله عن الواحد. ثم قال أحمد (¬7): ثنا عبد الصمد، وعفَّان قالا: ثنا داود بن أبي الفُرَات ... ، وذَكَره. ¬
وكذا رواه البخاري في كتاب الجنائز (¬1)، فقال: وقال عفان (¬2). وفي الشهادات (¬3): عن موسى بن إسماعيل. كلاهما عن داود بن أبي الفُرَات، به. ورواه الترمذي (¬4) من حديث أبي داود الطيالسي (¬5)، عن داود بن أبي الفُرَات، به، وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي (¬6)، عن إسحاق بن إبراهيم، عن هشام بن عبد الملك، وعبد الله بن يزيد المقرئ. كلاهما عن داود بن أبي الفُرَات، به. وقد رواه علي ابن المديني، عن عبد الصمد بن عبدالوارث، عن داود بن أبي الفُرَات، به، وقال: لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده بعض الانقطاع؛ لأنَّ عبد الله بن بُرَيدة يُدخل بينه وبين أبي الأسود يحيى بن ¬
يَعمَر، وقد أدرك أبا الأسود، ولم يقل فيه: سَمِعتُ أبا الأسود. وهو حديث حسن الإسناد؛ إن كان سَمِعَه من أبي الأسود. انتهى كلامه (¬1). وقد رواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬2)، عن وكيع، عن عمر بن الوليد الشَّنِّي، عن عبد الله بن بُرَيدة قال: جَلَس عمرُ مجلسًا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجلِسُهُ تَمرُّ عليه الجنائزُ ... ، وذَكَر الحديث، هكذا منقطعًا (¬3). حديث آخر (221) قال أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني الحسن بن سفيان، ثنا سفيان بن وكيع، ثنا أبي، عن مِسْعَر، عن عمرو بن مُرَّة، / (ق 87) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجْرة قال: كان معي رجلٌ من المدينة، فذَكَر عبد الله بن أُبَيٍّ، وما أُنزِلَ فيه، وأخذ يَشتمُهُ وأنا ساكتٌ، ثم حكى لعمرَ، فطَلَبني، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، بيني وبين عبد الله قرابةٌ وصِهرٌ، وظَنَنُتُه إنما يريدني بذاك. فقال عمرُ للرَّجل: أما عَلِمتَ أنَّه نُهي أنْ يؤذَى الأحياءُ بسبِّ الأمواتِ؟! ثم قال: ألا رَفَعتَ يدَكَ فكَسَرتَ أنفَهُ! ¬
هذا غريب من هذا الوجه، ورجاله كلُّهم ثقات إلا سفيان بن وكيع؛ فإنهم تكلَّموا فيه من جهة وَرَّاق له كان يُدخل في أحاديثه المنكرات ويقال له في ذلك فلا يُغيِّر، فضُعِّف حديثه (¬1)، والله أعلم. ¬
كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (222) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عصام بن خالد وأبو اليَمَان قالا: أنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: ثنا عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود: أنَّ أبا هريرة قال: لما تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكرٍ -رضي الله عنه- (¬2)، وكَفَر مَن كَفَر من العرب، قال عمرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تُقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلا اللهُ (¬3)، عَصَم مني مالَهُ ونفسَهُ إلا بحقِّه وحسابُهُ على اللهِ»؟ قال أبو بكر: والله لأُقَاتِلَنَّ - قال أبو اليَمَان: لأقتُلَنَّ - مَن فرَّق بين الصلاة / (ق 88) والزكاة، فإنَّ الزكاةَ حقُّ المال، وواللهِ لو مَنَعوني عَنَاقًا (¬4) كانوا يؤدُّونها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ لقاتلتُهُم على مَنعِها. قال عمرُ: فواللهِ ما هو إلا أنْ رأيتُ أنَّ اللهَ قد شرح صدرَ أبي بكرٍ للقتالِ، فعَرَفتُ أنَّه الحقُّ. ¬
هذا حديث جليل كبير المحلّ، اتفق الجماعة على إخراجه في كتبهم سوى ابن ماجه. فرواه البخاري في الزكاة (¬1)، عن أبي اليَمَان الحكم بن نافع، عن شعيب، عن الزهري، به. ورواه -أيضًا- في الاعتصام (¬2). ومسلم في الإيمان (¬3). وأبو داود في الزكاة (¬4). والترمذي في الإيمان (¬5). والنسائي فيه (¬6)، وفي المحاربة (¬7). كلهم عن قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن عُقيل، عن الزهري، به. ورواه البخاري -أيضًا- في استتابة المرتدين (¬8)، عن يحيى بن يحيى (¬9)، عن الليث، به. ¬
قال البخاري (¬1): وقال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن الزهري ... ، فذَكَره. ورواه النسائي -أيضًا- (¬2) من طرق أخر، عن شعيب، وسفيان بن عيينة، وآخر. كلهم عن الزهري، به. ثم رواه الإمام أحمد (¬3)، عن عبد الرزاق (¬4)، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله، مرسلاً. قال الترمذي (¬5): وروي هذا الحديث عن عمران القطَّان، عن معمر، عن الزهري، عن أنس، عن أبي بكر (¬6). وهو خطأ، وقد خولف عمران في روايته عن معمر. ¬
قلت: وقد روي -أيضًا-، عن أبي هريرة، مرفوعًا، كما سيأتي (¬1). وفي بعض ألفاظهم: والله لو منعوني عِقَالاً (¬2). ¬
وقد نبَّهنا على معنى العِقَال (¬1)، وما المراد منه ههنا في «مسند الصِّديق»، في أول كتاب الزكاة منه، ولله الحمد. أثر آخر (223) قال الإمام مالك (¬2): عن ثَور بن زيد، عن ابن لعبد الله بن سفيان الثَّقَفي، عن جدِّه سفيان بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب بَعَثَهُ مُصدِّقًا، وكان يَعُدُّ على النَّاسِ بالسَّخل (¬3)، قالوا: تَعتَدُّ علينا بالسَّخلِ، ولا تأخُذُ منه شيئًا؟! فلما قَدِمَ على عمرَ بن الخطاب ذَكَر له ذلك، فقال له عمر: نعم، تَعتَدُّ عليهم بالسَّخلةِ يَحمِلُها الراعي، ولا تأخُذُها، ولا تأخُذُ الأَكُولة (¬4)، ولا الرُّبَّى (¬5)، ولا الماخِضَ (¬6)، ولا فَحْلَ الغنمِ، وتأخُذُ ¬
الجَذَعةَ (¬1)، والثَّنيَّةَ (¬2)، وذلك عَدْلٌ بين غَذِيّ (¬3) المالِ (¬4) وخِيَارهِ. وقد رواه الإمام الشافعي (¬5)، عن سفيان بن عيينة (¬6)، عن يونس (¬7) بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثَّقَفي، عن أبيه، عن جدِّه، به. حديث آخر (224) قال الإمام أحمد (¬8): ثنا أبو اليَمَان، / (ق 89) ثنا أبو بكر بن عبد الله، عن راشد بن سعد، عن عمرَ بن الخطاب وحذيفة بن اليَمَان رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأخُذْ من الخيل والرَّقيق صدقةً. هكذا رواه الإمام أحمد، وهو منقطع، فإنَّ راشد بن سعد المِقْرائي الحمصي وإن كان ثقةً نبيلاً، إلا أنَّه من صغار التابعين، ولم يُدرك أيام ¬
عمرَ، بل ولا حذيفة، بل قد نصَّ أحمد بن حنبل (¬1) على أنَّه لم يَسْمع من ثوبان. وقال أبو زرعة (¬2): روايته عن سعد بن أبي وقاص مرسلة، وهما قد ماتا بعد الخمسين من الهجرة. لكن قد روي معناه من طريق أخرى: (225) فقال أحمد أيضًا (¬3): ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة قال: جاء ناسٌ من أهل الشام إلى عمرَ، فقالوا: إنا قد أَصَبْنا أموالاً وخَيْلاً ورَقيقًا نحبُّ أن يكونَ لنا فيها زكاةٌ وطُهورٌ. قال: ما فَعَلَهُ صاحباي قبلي فأَفعَلَهُ. فاستَشَارَ أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وفيهم عليّ -رضي الله عنه-، فقال عليّ: هو حَسَنٌ، إن لم يكن جزيةً راتبةً يُؤخَذون بها من بعدِك. فهذا الإسناد جيد قوي، ولله الحمد والمنَّة. وقد رواه الدارقطني (¬4) من طرق، عن أبي إسحاق، عن حارثة -وهو: ابن مُضَرِّب-، وعاصم بن ضَمرة، كلاهما عن عمرَ، به. وزاد: فوَضَع على كلِّ فرسٍ دينارًا. (226) وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: ثنا المنيعي، ثنا يحيى بن الربيع المكي، ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن الزهري، عن السائب بن يزيد: أنَّ عمرَ أخذ عن كلِّ فرسٍ شاتين (¬5). ¬
حديث آخر (227) قال أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬1): قرئ على عليِّ / (ق 90) بن إسحاق المادرائي بالبصرة، وأنا أسمع: حدَّثكم الحارث بن محمد، ثنا عبد العزيز بن أبان، عن محمد بن عبيد الله، عن الحكم، عن موسى بن طلحة، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: إنما سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الزكاةَ في هذه الأربعة: الحنطةِ، والشعيرِ، والزَّبيبِ، والتمرِ. ¬
أثر آخر (228) قال الدارقطني (¬1): ثنا أبو بكر -يعني: النَّيسابوري-، ثنا عبد الرحمن بن بِشر، ثنا عبد الرزاق (¬2)، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: فيما سَقَتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ العُشْرُ، وما سُقِيَ بالرِّشاء (¬3) نصفُ العُشْرِ. هذا إسناد صحيح، وقد جاء في أحاديث مرفوعة مثلُه (¬4)، ولله الحمد. ¬
حديث في زكاة العسل
حديث في زكاة العسل (229) قال عبد الله بن وهب: ثنا أسامة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ بَطنًا (¬1) من سَهْمٍ كانوا يؤدُّونَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من نَحْلٍ عندهم العُشْرَ ... ، فذَكَر حديثًا، إلى أنْ قال: وكَتَب إليه -يعني: عمرَ رضي الله عنه- إلى سفيان بن عبد الله الثَّقَفي: إنما النَّحْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ، يَسُوقُهُ اللهُ رِزقًا إلى مَن شاءَ، فإنْ أدُّوا إليك ما كانوا يؤدُّونَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فاحْمِ لهم وادِيَهم، وإلا فَخَلِّ بين الناسِ وبينَهُ. إسناده حسن جيد (¬2). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
أثر في قيام الإمام على نعم الصدقة، وخدمتها، وحياطتها
أثر في قيام الإمام على نَعَم الصدقة، وخدمتها، وحياطتها (230) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): حدَّثني القاسم بن هاشم، عن عبد الله بن بَكر السَّهمي، حدثني الفضل بن عَميرة: أنَّ الأحنفَ بن قيس قَدِمَ على عمرَ بن الخطاب في وفدٍ من العراقِ، قَدِموا عليه في يومٍ صائفٍ، شديدِ الحرِّ، وهو مُحتَجِزٌ بعَبَاءةٍ يَهنَأ (¬2) بعيرًا من إبلِ الصدقةِ، فقال: يا أحنفُ، ضَعْ ثيابَكَ، وهلمَّ، فأَعِنْ أميرَ المؤمنينَ على هذا البعيرِ، فإنه / (ق 91) لمن إبلِ الصدقةِ، في حقِّ اليتيمِ، والأَرمَلةِ، والمسكينِ. فقال رجلٌ من القوم: يَغفِرُ اللهُ لكَ يا أميرَ المؤمنينَ! فهلاَّ تأمُرُ عبدًا من عبيد الصدقةِ فليكقك (¬3) هذا؟ ! قال عمرُ: وأيُّ عبدٍ هو أَعبَدُ منِّي، ومن الأحنفِ؟ إنَّه مَن وَلِيَ أمرَ المسلمينَ في عدِّ (¬4) المسلمين يجبُ عليه لهم ما يجبُ على العبدِ لسيدِهِ من النصيحةِ وأداءِ الأمانةِ. أثر آخر (231) وقال ابن أبي الدُّنيا أيضًا (¬5): حدثني عبد الله بن أبي بدر، ثنا ¬
يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله قال: أَبطَأَ خبرُ عمرَ على أبي موسى، فأتى امرأةً في بطنِها شيطانٌ، فسألها عنه، فقالت: حتى يَجِيءَ إليَّ شيطاني. فجاء، فسألتُهُ عنه؟ فقال: تَرَكتُهُ مُؤتَزِرًا بكساءٍ يَهَنَأُ إبلَ الصدقةِ، وذاك لا يَرَاهُ شيطانٌ إلا خَرَّ لمنخريه، المَلَكُ بين عينيه، وروحُ القُدُسِ يَنطِقُ على لسانِهِ. إسناده جيد قوي (¬1). أثر آخر (232) قال الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمه الله (¬2): أنا عمِّي، عن الثقة -أحسبه محمد بن عليِّ بن الحسين، أو غيره-، عن مولىً لعثمان قال: بينما أنا مع عثمانَ بالعاليةِ في يومٍ صائفٍ، إذ رأى رجلاً يَسوقُ بَكرَينِ، وعلى الأرضِ مثلُ الفراشِ من الحرِّ، فقال: ما على هذا لو ¬
أقامَ بالمدينةِ حتى يُبرِدَ؟! ثم قال: انظر مَن هو؟ (¬1) فنَظَرتُ، فإذا هو عمرُ -رضي الله عنه-، فقلت: هذا أميرُ المؤمنين! فقام عثمانُ -رضي الله عنه- فأَخرَجَ رأسَهُ من الباب، فآذاه لَفْحُ / (ق 92) السَّمومِ (¬2)، فأعاد رأسَهُ حتى حَاذَاهُ، فقال: ما أَخَرَجَكَ هذه الساعةَ يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: بَكرَانِ (¬3) من إبلِ الصدقةِ تَخَلَّفَا، فأَردتُ أنْ أُلحِقَهُمَا بالحِمَى، خشيتُ أن يَضيعا، فيَسأَلُني اللهُ عنهما! فقال: هَلمَّ إلى الماءِ والظلِّ، ونَكفيكَ. فقال: عُدْ إلى ظِلِّكَ. فقال: عندنا مَن يَكفيكَ. ومضى (¬4). فقال عثمان رضي الله عنه: مَن أحبَّ أنْ يَنظرَ إلى القويِّ الأمينِ؛ فليَنظُرَ إلى هذا. ثم عاد إلينا، فألقَى نفسَهُ، رضي الله عنه وأرضاه. ¬
أثر في زكاة العروض
أثر في زكاة العروض (233) قال الإمام الشافعي (¬1): أنا سفيان، ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن أبي سَلَمة، عن أبي عمرو بن حِمَاس: أن أباه قال: مَرَرتُ بعمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، وعلى عُنُقي أدمةٌ (¬2) أَحمِلُها، فقال عمرُ: ألا تؤدِّي زكاتَكَ ياحماسُ؟ فقلت: يا أميرَ المؤمنين، ما لِي غير هذه التي على ظَهْري، وأهبةٌ في القَرَظ (¬3). فقال: ذلك مال، فَضَعْ. قال: فوَضَعتُها بين يديه، فحَسَبَها، فوَجَدَ قد وَجَبَتْ فيها الزكاةُ، فأخذ منها الزكاةَ. ورواه الدارقطني (¬4) من حديث حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عمرو بن حِمَاس -أو: عن عبد الله بن أبي سَلَمة، عن أبي عمرو بن حِمَاس-، وذَكَر نحوه. ثم قال الشافعي (¬5): وأنا سفيان، ثنا ابن عَجْلان، عن أبي الزِّناد، عن أبي عمرو بن حِمَاس، عن أبيه، مثلَه. ورواه سعيد بن منصور في «سننه» (¬6)، بنحوه. ¬
حديث في جواز سلف الإمام الزكاة
حديث في جواز سَلَف الإمام الزكاة (234) قال النسائي (¬1): ثنا عمران بن بكَّار، ثنا علي بن عيَّاش، عن شعيب، عن أبي الزَّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: أَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصدقةٍ، فقيل: مَنَعَ ابنُ جميلٍ وخالدُ بن الوليد والعباسُ عمُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَر الحديث، كما سيأتي (¬2) في مسند أبي هريرة. كما أخرجه صاحبا «الصَّحيح» (¬3) من حديث جماعة، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ¬
حديث في غلول الصدقة
حديث في غُلُول الصدقة (235) قال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث: أنَّ موسى بن جُبَير حدَّثه، أنَّ عبد الله بن عبد الرحمن بن الحُبَاب حدَّثه، أنَّ عبد الله بن أُنَيس حدَّثه، أنَّه تذاكر هو وعمرُ بن الخطاب يومًا، فقال عمرُ: ألم تَسمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين يَذكر غُلُولَ الصَّدقةِ: «مَن غَلَّ منها بعيرًا، أو شاةً، أتى به يومَ القيامةِ يَحمِلُهُ»؟ فقال عبد الله بن أُنَيس: بلى. ورواه ابن ماجه (¬1)، عن عمرو بن سوَّاد المصري، عن ابن وهب. واختاره الضياء في كتابه (¬2). ¬
حديث في الفقراء
حديث في الفقراء (236) قال أبو حاتم محمد بن حبَّان البُستي في «صحيحه» (¬1): أنا أبو عَروبة، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن الحرَّاني، ثنا يحيى بن السَّكَن، ثنا حماد بن سَلَمة، عن داود بن أبي هند، عن الشَّعبي، عن مسروق / (ق 93) قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن سأل النَّاسَ لِيُثْرِيَ به مالَهُ؛ فإنَّما هو رَضْفٌ (¬2) من النَّارِ يَتَلقَّفُهُ (¬3)، مَن شاءَ فَلْيُقِلَّ، ومَن شاءَ فَلْيُكْثِرْ». هكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه «المختارة» (¬4). وقد أورده الحافظ أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي (¬5)، عن محمد بن محمد بن سليمان الباغَندي، عن أيوب بن سليمان السُّلَمي، عن يحيى بن السَّكَن، به. ثم قال: تفرَّد به يحيى بن السَّكَن، عن داود (¬6)، لا أعلم حدَّث به غيره، وهو حديث صحيح غريب (¬7). فيه دلالة على أن الفقير هو الذي لا يجد ما يكفيه. ¬
حديث في العامل
حديث في العامل (237) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو اليَمَان: أنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني السائب بن يزيد ابنُ أختِ نَمِر: أنَّ حُوَيْطِب بن عبد العُزَّى أَخبَرَه أنَّ عبد الله بن السَّعدي أَخبَرَه أنَّه قَدِمَ على عمرَ بن الخطاب في خلافته، فقال له عمر: ألَمْ أُحدَّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً، فإذا أُعطيتَ العمالةَ كرهتَها؟ قال: فقلت: بلى. فقال عمرُ: فما تريدُ إلى ذلك؟ قال: قلت: إنَّ لي أفراسًا وأعبُدًا، وأنا بخير، وأريدُ أن تكونَ عمالتي صدقةً على المسلمين. فقال عمرُ: فلا تفعل، فإنِّي كنتُ أردتُ الذي أردتَ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاءَ، فأقول: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي، حتى أعطاني مرةً مالاً، فقلت: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي. فقال (له) (¬2) النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذه فتَموَّلْهُ، وتصدَّقْ به، / (ق 94) فما جاءك من هذا المالِ وأنت غيرُ مُشرِفٍ (¬3) ولا سائلٍ؛ فخُذْهُ، ومَا لاَ، فلا تُتْبِعْهُ نفسَكَ». ¬
ثم رواه أحمد (¬1)، عن عبد الرحمن -يعني: ابن مهدي-، عن معمر (¬2)، عن الزهري، به. وعن عبد الرزاق (¬3)، عن معمر، عن الزهري، عن السائب قال: لَقِيَ عمرُ عبد الله بن السَّعدي ... ، فذَكَر معناه، إلا أنَّه قال: «تَصدَّقْ به». وقال: «لا تُتْبِعْهُ نَفسَكَ». هذا حديث جليل، قليل النَّظير؛ لأنه اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، فإنَّ السائب بن يزيد، وشيخه، وشيخ شيخه، وعمر بن الخطاب كلُّهم صحابة رضي الله عنهم. وهكذا رواه البخاري (¬4)، عن أبي اليَمَان الحكم بن نافع. وأخرجه النسائي (¬5) من حديثه أيضًا. ورواه مسلم (¬6)، عن أبي الطَّاهر، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن الزهري، به. ¬
وكذا رواه النسائي (¬1) من حديث الزُّبيدي، عن الزهري. ثم رواه مسلم (¬2)، والنسائي (¬3)، عن قتيبة. وأبو داود (¬4)، عن أبي الوليد الطيالسي. كلاهما عن الليث، عن بُكَير بن الأشج، عن بُسر بن سعيد، عن ابن السَّاعدي المالكي قال: استعملني عمرُ على الصَّدقة ... ، فذَكَره. ثم رواه مسلم (¬5)، عن هارون بن سعيد، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بُكَير بن الأشج، عن بُسر بن سعيد، عن ابن السَّعدي. كذا قال الليث: عن ابن السَّاعدي. وقال غيره: عن ابن السَّعدي (¬6). طريق أخرى (238) قال الحافظ البيهقي في «السُّنن الكبير» (¬7): أنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصمّ، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني هشام بن ¬
سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم أنَّه قال: لمَّا كان عامُ الرَّماداتِ وأَجدَبَتْ بلادُ العربِ، كَتَبَ عمرُ بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: من عبد الله عمر أميرِ المؤمنين، إلى العاصِ بن العاصِ، إنَّكَ لَعَمري ما تُبالِي إذا سَمِنتَ ومَن قِبَلَك، أنْ أَعجَفَ أنا ومَن قِبَلي، ويا غَوثَاهُ ... ، فذَكَر الحديث، وما فيه. ثم دعا أبا عُبيدة بن الجرَّاح، فخَرَج في ذلك، فلمَّا رجع بعث إليه بألفِ دينارٍ، فقال أبو عُبيدة: إنِّي لم أَعمَلْ لك يا ابنَ الخطاب، إنما عَمِلتُ للهِ، ولستُ آخذُ في ذلك شيئًا. فقال عمرُ: قد أعطانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في أشياءَ بَعَثَنا لها، فكَرِهْنَا ذلك، فأَبَى علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فاقْبَلْهَا أيُّها الرَّجلُ، فاستَعِنْ بها على دينِكَ ودنياكَ، فقَبِلَها أبو عُبيدة. ثم رواه -أيضًا- (¬1)، عن الحاكم (¬2)، عن أبي إسحاق إبراهيم بن فراس الفقيه، عن بكر بن سهل، عن شعيب بن يحيى التُّجيبي، عن الليث، بإسناده ومعناه، وذَكَر ما ترك من الأول، فقال: فكَتَب عمرو: السلام (¬3)، أمَّا بعدُ، لبَّيكَ، لبَّيكَ، أَتَتكَ عِيْرٌ أوَّلُها عندَكَ، وآخرُها عندي، مع أنِّي أرجو أنْ أجدَ سبيلاً أنْ أَحمِلَ في البحرِ، فلما قَدِمَ أوَّلُ عِيْرٍ دعا عمرُ الزُّبيرَ، فأَمَرَهُ أن يُخرِجَ لِيُفرِّقُها على الأحياءِ، فأَبَى، ثم دعا طلحةَ فأَبَى، فدعا أبا عُبيدة، فخَرَج فيها ... ، وذَكَر بقيَّتَه. ¬
طريق أخرى (239) قال أحمد (¬1): ثنا أبو اليَمَان، أنا شعيب، عن الزهري، ثنا سالم بن عبد الله: أنَّ عبد الله بن عمر قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاءَ، فأقول: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي، حتى أعطاني مرَّةً مالاً، فقلت: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذْهُ فتَموَّلْهُ، وتَصدَّقْ بهِ، فما / (ق 95) جاءك من هذا المال وأنت غيرُ مُشرفٍ ولا سائلٍ، فخُذْهُ، ومَا لاَ، فلا تُتْبِعْهُ نفسَكَ». ورواه البخاري (¬2)، عن الحكم بن نافع أبي اليَمَان. والنسائي (¬3)، عن عمرو بن منصور، عن أبي اليَمَان. ورواه أحمد (¬4)، والبخاري -أيضًا- (¬5)، ومسلم (¬6) من حديث يونس، عن الزهري، عن سالم، به. وقد رواه عمرو بن الحارث، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعله من مسند عبد الله (¬7)، كما سيأتي (¬8). ¬
أثر في أن العامل يستعمل بعض ظهر الصدقة لمصلحته في العمالة
أثر في أن العامل يستعمل بعض ظَهْر الصَّدقة لمصلحته في العمالة (240) قال أبو عبيد (¬1): يُروى من حديث ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن أسلم: أنَّ عمرَ رآه يَحمِلُ متاعَهُ على بعيرٍ من إبلِ الصَّدقةِ، قال: فهلاَّ ناقةً شَصُوصًا أو ابنَ لَبُونٍ بَوَّالاً؟ النَّاقةُ الشَّصُوص: التي قد انقَطَع لبنُها. وابنُ اللَّبُون البوَّالُ، مع أنَّ كلَّ الإبل تَبولُ: أي: ليس فيه نفعٌ سوى ذلك. ¬
حديث في المؤلفة قلوبهم
حديث في المؤلَّفة قلوبهم (241) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا بكر بن عيسى، ثنا أبو عَوَانة، عن المغيرة، عن الشَّعبي، عن عدي بن حاتم قال: أتيتُ عمرَ بن الخطاب في أناسٍ من قومي، فجعل يَفرِضُ للرَّجل من طيِّئ في ألفين، ويُعرِضُ عنِّي. قال: فاستَقبلتُهُ، فأعرَضَ عنِّي. ثم أَتيتُهُ من حيالِ وجهِهِ، فأَعرَضَ عنِّي. قال: فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ، أَتعرِفُني؟ قال: فضَحِكَ حتى استَلقى لِقَفَاهُ، ثم قال: نعم والله، إنِّي لأَعرِفُكَ، آمَنتَ إذ كَفَروا، وأَقبَلتَ إذ أَدبَروا، ووَفَّيتَ إذ غَدَروا، وإنَّ أوَّل صدقةٍ بَيَّضَتْ وجهَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ووجوهَ أصحابِهِ، صدقةُ طيِّئ، جئتَ بها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم أَخذ يَعتذرُ، ثم قال: إنما فَرَضتُ لقومٍ أَجحَفَتْ بهمُ الفاقةُ، وهم سادةُ عشائرِهِم لما يَنُوبُهُم من الحقوقِ. ورواه مسلم (¬2)، عن زُهَير بن حرب، عن أحمد بن إسحاق الحضرمي، عن أبي عَوَانة، به. وأخرجه البخاري (¬3)، عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عَوَانة، / (ق 96) عن عبد الملك بن عُمَير، عن عمرو بن حُرَيث، عن عدي بن حاتم، به. فيه دلالة على إعطاء المؤلَّفة، وعلى نقل الزكاة، والله أعلم. ¬
حديث آخر (242) قال علي ابن المديني: ثنا يحيى بن آدم، ثنا عبد الرحمن المحاربي، عن الحجَّاج بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن عَبيدة قال: جاء عيينةُ بن حصن والأقرعُ بن حابِس إلى أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فقالا: يا خليفةَ رسولِ الله، إنَّ عندنا أرضًا سَبِخَةً، ليس فيها كلأٌ ولا منفعةٌ، فإنْ رأيتَ أن تُقطعناها؟ قال: فأَقطَعَها إيَّاهما، وكَتَب لهما عليه كتابًا، وأَشهَدَ عمرَ وليس في القوم، فانطَلَقَا إلى عمرَ ليُشهِدَاهُ، فلمَّا سَمِعَ عمرُ ما في الكتاب تناولَهُ من أيديهما، ثم تَفَلَ فيه، فمَحَاهُ، فتَذَمَّرا، وقالا له مقالةً سيِّئةً. فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَتَألَّفكما والإسلامُ يومئذٍ قليلٌ، وإنَّ اللهَ قد أعزَّ الإسلامَ، فاذهَبَا، فاجْهَدَا جهدَكُما، لا أرعى اللهُ عليكما إنْ أرعيتُمَا، ثم أتى أبا بكرٍ، فقال له: أكُلَّ المسلمينَ رَضُوا بهذا؟ فقال له أبو بكرٍ رضي الله عنه: قد قلتُ لك إنَّكَ أقوى على هذا الأمرِ منِّي (¬1). ثم قال: هذا حديث منقطع الإسناد؛ لأنَّ عَبيدة لم يُدرك، ولم يرو عنه أنَّه سَمِعَ عمر ولا رآه، والحجَّاج بن دينار واسطي، ولا يحفظ هذا الحديث عن عمرَ بأحسنَ من هذا الإسناد، وقد رواه طاوس مرسلاً، وأوَّل هذا الحديث كوفي، ثم يرجع إلى واسطي، ثم يرجع / (ق 97) إلى بصري، ثم يرجع إلى عَبيدة وهو كوفي. انتهى كلامه رحمه الله. ¬
حديث آخر (243) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا أبو عَوَانة، عن سليمان الأعمش، عن شقيق، عن سلمان بن ربيعة قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- يقول: قَسَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قسمةً، فقلت: يا رسولَ الله، لَغَيرُ هؤلاءِ أحقُّ منهم: أهلُ الصَّدقةِ (¬2). فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنهم يُخيِّروني بين أن يَسألوني بالفُحشِ، وبين أن يُبخِّلُوني، ولستُ بباخلٍ». ورواه مسلم (¬3)، عن عثمان بن أبي شيبة، وزُهَير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم. ثلاثتهم عن جرير، عن الأعمش، به. حديث آخر (244) قال أبو يعلى الموصلي (¬4): ثنا داود بن رُشَيد، ثنا مُعمَّر بن سليمان، عن عبد الله بن بِشر، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن عمرَ قال: دخل رجلانِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يسألانِهِ في شيءٍ، فأعانَهُما بدينارين، فخَرَجا، فإذا هما يُثنيانِ خيرًا، فدَخَلتُ عليه، فقلت: يا رسولَ الله، رأيتُ فلانًا وفلانًا خَرَجَا من عندِكَ يُثنيانِ خيرًا. قال: «لكنَّ فلانًا ما يقولُ ذاك! وقد أَعطيتُهُ ما بين عشرةٍ إلى مائةٍ، فما يقولُ ذاك، وإنَّ أَحدَكم لَيَخرُجُ بصدقتِهِ من عندي مُتأبِّطُهَا (¬5)، وإنما هي له نارٌ». قلت: ¬
يا رسولَ الله، كيف تُعطيه، وقد عَلِمتَ أنها له نارٌ؟ قال: «فما أَصنَعُ، يأتُوني، فيَسألُوني، ويأبَى اللهُ لِيَ البخلُ». وهكذا رواه أبو بكر بن أبي عاصم (¬1)، عن / (ق 98) محمد بن فضيل، عن مُعمَّر بن سليمان، به. طريق أخرى (245) قال ابن حبان في «صحيحه» (¬2): ثنا محمد بن زُهَير أبو يعلى ¬
بالأُبُلَّة (¬1)، ثنا سَلم بن جُنَادة، ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن عمرَ بن الخطاب قال: قلت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي رأيتُ فلانًا يَدعو ويَذكرُ خيرًا، ويَذكرُ أنَّكَ أَعطيتَهُ دينارين. قال: «لكنَّ فلانًا أَعطيتُهُ ما بين كذا إلى كذا، فما أَثنى، ولا قال خيرًا». قال الدارقطني (¬2): ورواه جرير بن عبد الحميد (¬3)، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد. ¬
وروي عن أبي كُرَيب (¬1)، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ثم ذَكَر رواية أبي يعلى، وابن حبان، والله أعلم. ¬
حديث فيه أنه إذا فضل عند الإمام فاضلة من مال الزكاة أو الفيء أن الأولى المبادرة إلى إنفاذها في محالها
حديث فيه أنَّه إذا فضل عند الإمام فاضلة من مال الزكاة أو الفيء أنَّ الأولى المبادرة إلى إنفاذها في محالِّها (246) قال الإمام أحمد -في غير مسند عمر- (¬1): ثنا وهب بن جرير، حدثني أبي، قال: سَمِعتُ الأعمش يحدِّث عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي البَختَري، عن عليِّ قال: قال عمرُ بن الخطاب للناس: ما تَرَون في فضلٍ فَضَلَ عندنا من هذا المال؟ فقال الناس: يا أميرَ المؤمنين، قد شَغَلْناك عن أهلِكَ وضَيعتِكَ وتجارتِكَ، فهو لك. فقال لي: ما تقولُ أنت؟ فقلتُ: قد أَشاروا عليك. فقال لي: قُل. فقلتُ: لِمَ تَجعلُ يَقينَكَ ظنًّا؟ فقال: لَتَخرُجَنَّ ممَّا قلتَ. فقلتُ: أجل، واللهِ لأَخرُجَنَّ منه، أَتذكُرُ حين بَعَثَكَ رسولُ الله / (ق 99) صلى الله عليه وسلم سَاعيًا، فأتيتَ العبَّاسَ بن عبد المطَّلب فمنَعَك صدقتَهُ، فكان بينكما شيءٌ، فقلتَ لي: انطَلِقْ معي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فوَجَدناهُ خَاثِرًا (¬2)، فرَجَعنا، ثم غَدَونا عليه، فوَجَدناهُ طيِّبَ النَّفسِ، فأخبرتَهُ بالذي صَنَع، فقال لك: «أَمَا عَلِمتَ أنَّ عمَّ الرَّجلِ صِنْوُ أبيه؟». وذَكَرنا له الذي رأينا من خُثُورِهِ في اليومِ الأوَّلِ، والذي رأينا من طيبِ نَفْسِهِ في اليومِ الثاني، فقال: «إنكما أتيتُماني في اليومِ الأوَّلِ، وقد بَقِيَ عندي من الصَّدقة ديناران، فكان الذي رأيتُما من خُثُوري له، وأتيتُماني اليومَ الثاني وقد وجَّهتُهُما، فذاك الذي رأيتُما من طيبِ نَفْسي». ¬
فقال عمرُ رضي الله عنه: صدقتَ، واللهِ لأَشكُرنَّ لك الأولى والآخرةَ. هذا حديث حسن الإسناد جيِّده (¬1)، وهو لائق أن يكون في مسند عليِّ، ولكن لمَّا صدَّقه عمر على ذلك صلح لأن يكون في كلٍّ من المسنَدَين، فأحببنا تقديمه سَلَفًا وتعجيلاً، ولله الحمد والمنَّة. ¬
حديث في الأمر بكثرة الإعطاء
حديث في الأمر بكثرة الإعطاء (247) قال البزَّار (¬1): ثنا يحيى بن قطن الأَيلي، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحُنَيني، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: «ما عندي شيءٌ أُعطِيكَ، ولكنْ استَقرِضْ حتى يأتينا شيءٌ فنُعطِيكَ». قال عمرُ: ما كلَّفَكَ اللهُ هذا، أَعطيتَ ما عندك، فإذا لم يكن عندك فلا تَكلَّف. قال: فكَرِهَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قولَ عمرَ حتى عُرِفَ في وجهه، فقال الرَّجل: يا رسولَ الله، بأبي أنت وأُمِّي، فأعْطِ، ولا تَخشَ من ذي العرش إقلالاً. قال: فتبسَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «بهذا أُمِرتُ». ثم قال البزَّار: تفرَّد به إسحاق بن إبراهيم -وليس بالحافظ-، عن هشام بن سعد، لا نعلم رواه عنه غيره (¬2). وقد رواه الترمذي في «الشمائل» (¬3)، عن هارون بن موسى الفَرْوي، عن أبيه، عن هشام بن سعد، به. كما رواه إسحاق بن إبراهيم. ¬
حديث في جواز الصدقة بجميع المال لمن أطاق الصبر على الفاقة
حديث في جواز الصَّدقة بجميع المال لمن أطاق الصبر على الفاقة (248) قال الإمام عَبد بن حميد رحمه الله (¬1): ثنا أبو نعيم، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- قال: أَمَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَتَصدَّقَ، ووافَقَ ذلك مالاً عندي، فقلت: اليومَ أَسبِقُ أبا بكرٍ -رضي الله عنه- إنْ سَبَقْتُهُ / (ق 100) يومًا، فجئتُ بنصفِ مالي، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَبقيتَ لأهلكَ؟»، فقلتُ: مثلَه. وأتى أبو بكرٍ -رضي الله عنه- بكلِّ ما عنده، فقال له: «يا أبا بكرٍ، ما أَبقيتَ لأهلكَ؟»، فقال: أَبقيتُ لهم اللهَ ورسولَهُ. قلت: لا أُسابِقُكَ إلى شيءٍ أبدًا. وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة (¬2) عن أبي نعيم. ورواه أبو داود (¬3)، عن أحمد بن صالح وعثمان بن أبي شيبة. ورواه الترمذي في المناقب (¬4)، عن هارون بن عبد الله. ثلاثتهم عن أبي نعيم، به. وقال الترمذي: صحيح (¬5). ¬
طريق أخرى (249) قال الحافظ ابن عساكر (¬1): أنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، ثنا رَشَأ بن نظيف، أنا الحسن (¬2) بن إسماعيل، ثنا أحمد بن مروان، ثنا محمد بن مسلمة الواسطي، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، ثنا يحيى بن محمد بن حكيم، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَر بالصَّدقة، فقال عمرُ بن الخطاب -وعندي مالٌ كثيرٌ- فقلت: والله لأَفضُلَنَّ أبا بكرٍ هذه المرَّة، فأَخَذتُ نصفَ مالي، وتَرَكتُ نصفَهُ، فأتيتُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذا مالٌ كثيرٌ، فما تَرَكتَ لأهلكَ؟»، قال: ¬
تَرَكتُ له (¬1) نصفَهُ. وجاء أبو بكرٍ بمالٍ كثيرٍ، فقال رسولُ الله: «ما تَرَكتَ لأهلكَ؟»، قال: تَرَكتُ لهم اللهَ ورسولَهُ. فيه ضعف. طريق أخرى (250) قال ابن عساكر -أيضًا- (¬2): أنا أبو بكر ابن المزرَفي، ثنا أبو الحسين بن المهتدي، أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي الصَّيدلاني، عن يعقوب بن إبراهيم البزَّاز (¬3)، ثنا عبيد الله بن الحجَّاج بن المنهال، ثنا أبي، ثنا حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: ما سَابَقتُ أبا بكرٍ إلى شيءٍ إلا سَبَقَني إليه، فأَمَر رسولُ الله ذاتَ يومٍ بالصَّدقة، وحَضَّ عليها. فقلت: هذا اليومُ أَسبِقُ فيه أبا بكرٍ، فقلت: يا رسولَ الله، عندي كذا وكذا، فهو في سبيل ... (¬4) أبو بكر، فقال: يا رسولَ الله، عندي كذا وكذا فهو في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولِي عند الله معادٌ. فقال رسولُ الله: «يا عمرُ، ما وتَرْتَ القوسَ بوَتَرِها (¬5)». فيه انقطاع، وعلي بن زيد بن جُدعان فيه كلام، لكن هذا له شواهد، فهو صحيح. ¬
حديث آخر في الحث على مواساة الفقراء من الجيران وغيرهم
حديث آخر في الحثِّ على مواساة الفقراء من الجيران وغيرهم (251) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، عن أبيه، عن عَبَاية بن رفاعة، عن عمر قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَشبَعُ الرَّجلُ دونَ جارِهِ». إسناد صحيح، إلا أنَّ عَبَاية بن رفاعة بن رافع بن خديج الأنصاري لم يُدرك عمر بن الخطاب. قاله أبو زرعة الرازي، والدارقطني (¬2). قال الدارقطني (¬3): ورواه قيس بن الربيع، عن سعيد بن مسروق، عن عَبَاية بن رفاعة، عن جدِّه رافع بن خديج، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. والأوَّل هو الصواب (¬4). ¬
وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه (¬1). قلت: وقد رواه الإمام أحمد (¬2)، بإسناده المتقدِّم في موضع آخر، وفيه قصَّة، فقال: ثنا عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن أبيه، عن عَبَاية بن رفاعة قال: بَلَغ عمرَ أنَّ سعدًا لما بنى القصرَ قال: انقطَعَ الصُّوَيْتُ (¬3)، فبَعَث إليه محمدَ بن مسلمة، / (ق 101) فلما قَدِمَ أَخرَجَ زَنْدَه (¬4)، وأَورَى نارَه، وابتاع حَطَبًا بدرهمٍ، وقيل لسعد: إنَّ رجلاً فَعَل كذا وكذا. فقال: ذاك محمدُ بن مسلمة، فخَرَج إليه، فحَلَف بالله ما قاله، فقال: نؤدِّي عنك الذي تقولُ، ونفعلُ ما أُمِرْنا به. فأَحرَقَ البابَ، ثم أَقبَلَ يَعرِضُ عليه أن يَزوره (¬5)، فأَبَى، فخَرَج، فقَدِمَ على عمرَ، فهجَّر إليه (¬6)، فسار ذهابُهُ ورجوعُهُ تسعَ ¬
عشرةَ، فقال: لولا حسنُ الظنِّ بك لرأينا أنك لم تُؤدِّ عنَّا. قال: بلى، أَرسَلَ يقرأُ عليك السلامَ يَعتذرُ، ويَحلِفُ بالله ما قالَه. قال: فهل زَوَّدك شيئًا؟ قال: لا. قال: فما مَنَعكَ أنْ تزوِّدني أنت؟ قال: إني كَرِهتُ أن آمُرَ لك، فيكونَ لك الباردُ، ويكونَ لي الحارُّ، وحولي أهلُ المدينة قد قَتَلهم الجوعُ، وقد سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَشبَعُ الرَّجلُ دون جارِه». ورواه أبو يعلى (¬1)، عن القَوَاريري، عن ابن مهدي. واختاره الضياء في كتابه (¬2). أثر في ذلك عن عمر (252) قال ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬3): ثنا إسماعيل بن أبي الحارث، ثنا ¬
يحيى بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يأتي مَجزَرَةَ الزُّبيرِ بن العوَّام بالبقيعِ، ولم يكن بالمدينة مَجزَرَةٌ غيرُها، فيأتي معه بالدِّرَّة، فإذا رأى رجلاً اشترى لحمًا يومين متتابعين ضَرَبَهُ بالدِّرَّة، وقال: ألا طَوَيتَ بطنَكَ لجارِكَ، وابنِ عمِّكَ.
كتاب الصيام
/ (ق 102) كتاب الصيام (253) قال سعيد بن منصور (¬1): ثنا أبو عَوَانة، عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الله بن عُكَيم الجُهَني قال: كان عمرُ بن الخطاب إذا دخل شهرُ رمضانَ صلَّى لنا صلاةَ المغربِ، ثم تشهَّد لخطبة خفيفة، ثم قال: أمَّا بعدُ، فإنَّ هذا الشهرَ شهرٌ كَتَب اللهُ عليكم صيامَهُ، ولم يَكتب عليكم قيامَهُ، من استطاع منكم أن يقومَ؛ فإنها من نوافل الخير التي قال اللهُ تعالى، ومن لم يستطع منكم أن يقومَ؛ فليَنَمْ على فراشه، وليتقِّ منكم إنسانٌ أن يقولَ: أصومُ إن صام فلانٌ، وأقومُ إن قام فلانٌ، مَن صام منكم أو قام فليَجعل ذلك للهِ تعالى، وأقلِّوا اللَّغوَ (¬2) في بيوتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واعلموا أنَّ أحدَكم في صلاةٍ ما انتظر الصلاةَ، ألا لا يتقدَّمنَّ الشهرَ منكم أحدٌ -ثلاث مرات-، ألا لا تصوموا حتى تَرَوه، وألا وإن أُغمِيَ عليكم، فلن يُغَمَّ عليكم العددُ، فعدُّوا ثلاثين ثم أَفطِرُوا، ألا ولا تُفطِرُوا ¬
حتى تَرَوا الليلَ يَغسقُ على الظِّرابِ (¬1). هذا إسناد جيد حسن. ¬
أثر فيه استحباب أمر الصبيان بالصيام
أثر فيه استحباب أمر الصبيان بالصيام (254) قال البخاري (¬1): قال عمرُ لِنَشْوان (¬2) في رمضان: ويلك! وصبيانُنا صيام! وضَرَبه. وهذا الأثر قد رواه الثوري في «جامعه» (¬3)، عن عبد الله بن سنان (¬4)، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّه أُتِيَ بشيخٍ شرب الخمرَ في رمضانَ، فقال: للمنخرين! للمنخرين! وولدانُنا صيامٌ! ثم ضَرَبه ثمانينَ، وسيَّره إلى الشام. ورواه أبو عبيد (¬5)، عن أبي إسماعيل المؤدِّب، عن الأجلح، عن ابن أبي الهذيل، عن عمر، به. قوله: للمنخرين: معناه: الدعاءُ عليه، كقوله: بُعْدًا، وسُحْقًا، أي: أَبعَدَهُ اللهُ، وأَسحَقَهُ، وكذلك: كبَّهُ اللهُ للمنخرين. ¬
حديث في رؤية الهلال
حديث في رؤية الهلال (255) قال الإمام أحمد رحمه الله (¬1): ثنا يزيد بن هارون، أنا وَرقاء، عن عبد الأعلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنتُ مع البراءِ بن عازب، وعمرُ بن الخطاب بالبقيع يَنظرُ إلى الهلالِ، / (ق 103) فأَقبَلَ راكبٌ، فتلقَّاه عمرُ، فقال: من أين جئتَ؟ فقال: من الغَرب، فقال: أَهلَلْتَ؟ قال: نعم. فقال عمرُ: الله أكبر، إنما يَكفي المسلمينَ الرَّجلُ، ثم قام عمرُ فتوضَّأ، ومسح على خُفَّيه، ثم صلَّى المغربَ، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صَنَع. وقال أبو النَّضر، عن وَرقاء: وعليه جُبَّةٌ ضيِّقةُ الكُمَّين، فأَخرَجَ يدَه من تحتها ومَسَحَ. ثم رواه أحمد (¬2) عن يزيد، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى -وهو: ابن عامر الثعلبي-، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنتُ عند عمرَ ... ، فذَكَره. وهذا إسناد جيد قوي. وعبد الأعلى هذا: ثقة في نفسه، ولكن في حفظه شيء، وقد ضعَّفه أحمد، وأبو زرعة، وغيرهما. وأنكر يحيى بن معين هذا الحديث، وقال: لم يَسْمع ابن أبي ليلى من عمرَ شيئًا ولم يَرَه. ¬
وكذا قال أبو زرعة، والنسائي (¬1). وأما الحاكم أبو عبد الله النَّيسابوري فأخرج هذا الحديثَ في «مستدركه» (¬2)، وقال: إسناده على شرط مسلم. قلت: فيما قاله نظر من جهة اتِّصاله، ومن جهة: أنَّ عبد الأعلى هذا لم يخرِّج له مسلم شيئًا، وإنما روى له أهل السُّنن الأربعة فقط. وقد رواه الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬3) من حديث إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن ابن أبي ليلى قال: كنتُ عند عمرَ فأتاه راكبٌ، فزَعَم أنَّه رأى الهلالَ، فأمر الناسَ أن يُفطِرُوا. ومن حديث سفيان الثوري، عن عبد الأعلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنَّ عمرَ أجاز شهادةَ رجلٍ واحدٍ في رؤية الهلالِ في فطرٍ أو أضحى. ثم قال: هكذا رواه عبد الأعلى، وهو ضعيف، وابن أبي ليلى لم يُدرك عمرَ، وقد خالَفَه أبو وائل، رواه عن عمرَ أنَّه قال: لا تُفطِرُوا حتى يشهدَ شاهدان، ثم أَفرَدَهُ -كما سيأتي-، وقال: هو أصح (¬4). ¬
أثر في حكمه إذا رؤي نهارا
أثر في حكمه إذا رؤي نهارًا (256) قال أبو بكر الشافعي (¬1): ثنا عبد الله بن أحمد، ثنا أبي (¬2)، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن أبي وائل قال: كنا بخانِقين (¬3)، فأَهلَلْنا هلالَ شوال (¬4) -يعني: نهارًا-، فمنَّا من صام، ومنَّا من أَفطَرَ، فأتانا كتابُ عمرَ: إنَّ الأهلَّةَ بعضُها أكبرُ من / (ق 104) بعض، فإذا رأيتم الهلالَ نهارًا فلا تُفطِرُوا، إلا أن يَشهدَ رجلان أنهما أهلاَّه أمس. ¬
طريق أخرى (257) وقال أبو بكر الشافعي (¬1): ثنا عبد الله، ثنا أبي، ثنا هشيم، ثنا مغيرة، عن إبراهيم قال: كَتَب عمرُ إلى عُتبة بن فَرْقَد: إذا رأيتم الهلالَ من أوَّل النهار فأَفطِرُوا، فإنَّه من اللَّيلةِ الماضيةِ، وإذا رأيتموه من آخر النهار؛ فأتمُّوا صومَكم، فإنَّه للَّيلةِ المقبلةِ. طريق أخرى (258) وقال -أيضًا- (¬2): ثنا عبد الله، ثنا أبي (¬3)، ثنا ابن مهدي، ثنا سفيان، عن مغيرة، عن شِبَاك، عن إبراهيم (¬4) قال: بَلَغ عمرَ أنَّ قومًا رأَوا ¬
الهلالَ بعد زوالِ الشمسِ فأَفطَرُوا، فكَتَب إليهم يَلومُهمُ، وقال: إذا رأيتم الهلالَ قبلَ زوالِ الشمسِ فأَفطِرُوا، وإذا رأيتموه بعدَ زوالِ الشمسِ فلا تُفطِرُوا. هذه آثار جيدة، وإن كان إبراهيم لم يُدرك عمرَ. أثر آخر (259) قال ابن جريج: أُخبِرتُ عن معاذ بن عبد الرحمن التَّيمي: أن رجلاً قال لعمرَ: إني رأيتُ هلالَ رمضانَ، فقال: أرآه معك أحدٌ؟ قال: لا، قال: فكيف صَنَعتَ؟ قال: صُمتُ بصيام الناس. فقال عمرُ: يا لَكَ فقيهًا (¬1). وهذا فيه انقطاع. (260) وقد روى سعيد في «سننه» (¬2) من حديث معمر، عن أبي قِلاَبة: أنَّ رجلين رأيا الهلالَ في سفرٍ، فقَدِمَا المدينةَ ضُحى الغدِ، فأَخَبَرا عمرَ، فقال لأحدهما: أصائمٌ أنتَ؟ قال: نعم، كَرِهتُ أن يكونَ الناسَ صيامٌ، وأنا مُفطِرٌ، كَرِهتُ الخلافَ عليهم. وقال للآخر: فأنتَ؟ قال: أَصبحتُ مُفطِرًا؛ لأني رأيتُ الهلالَ. فقال له عمر: لولا هذا لأَوجعنا رأسَك، ورَدَدنا شهادَتَك، ثم أمر الناسَ فأَفطَرُوا. وهذا -أيضًا- منقطع. ¬
والغرض من هذا: أنَّه -رضي الله عنه- كان يرى أنَّ مَن انفرد برؤية الهلال؛ فإنَّه لا يصوم ولا يُفطر حتى يراه الناس. وهو مذهب عطاء (¬1)، والحسن البصري (¬2). وقال الأئمَّة الأربعة (¬3): يصوم وحده. واختلفوا في الفطر، فقال الشافعي وأحمد: يُفطر. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يُفطر إلا مع الناس (¬4). حديث آخر (261) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا وكيع، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر، عن أبيه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أَقبَلَ الليلُ من ههنا، وذهب النهارُ من ههنا، فقد أَفطَرَ الصائمُ». يعني: المشرقَ والمغربَ. ¬
وأخرجه الجماعة (¬1) سوى ابن ماجه من طرق أخر، عن هشام بن عروة، به. فمن ذلك: أبو داود، عن أحمد، به. والنسائي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن وكيع، عن هشام، به. ورواه علي ابن المديني، عن سفيان، وأبي معاوية، ووكيع، قالوا: ثنا هشام بن عروة، به. / (ق 105) ثم قال: لا نحفظه إلا من طريق هشام، وهو إسناد متَّصل، وهو من صحيح ما يُروى عن عمر. قلت: وهكذا رواه أبو معاوية (مـ ت) (¬2)، وأبو أسامة، وعبد الله بن نُمَير (مـ) (¬3)، وعبد الله بن داود (د ت) (¬4)، وعَبدة بن سليمان (ت) (¬5). كلُّهم عن هشام بن عروة، به. ¬
وقال الترمذي: صحيح. وقال في موضع آخر (¬1): ولا نَعلمه يُروى عن عمرَ بن الخطاب إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وإسناده صحيح. أثر في ذلك عن عمر (262) قال جعفر بن محمد الفِريابي (¬2): ثنا عباس العَنْبري، ثنا عبد الرزاق (¬3) عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيّب، عن أبيه قال: كنتُ جالسًا عند عمرَ، إذ جاءه راكبٌ من أهلِ الشامِ، فطَفِقَ عمرُ يَستخبِرُه عن حالهم، فقال: هل يُعجِّلُ أهلُ الشَّامِ الإفطارَ؟ قال: نعم. قال: لن يزالوا بخيرٍ ما فَعَلوا ذلك، ولم ينتظروا النجومَ انتظارَ أهلِ العراقِ. (263) وقال سفيان بن عيينة (¬4): عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن سعيد: أنَّ عمر قال: عجِّلوا الفطرَ، ولا تنطَّعوا تَنَطُّعَ أهلِ العراق. ¬
حديث في استحباب تأخير السحور
حديث في استحباب تأخير السَّحور (264) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا أحمد بن القاسم بن مُسَاور الجوهري، ثنا محمد بن إبراهيم الجوهري، أخو أبي معمر، قال: أنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس قال: أرسَلَ إليَّ عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى السَّحور (¬2)، وقال / (ق 106): إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سمَّاه الغداءَ المبارَك. ثم قال الطَّبراني: لا يُروى عن عمر إلا من هذ الوجه، ولا نعلم رواه عن ابن عيينة إلا محمد بن إبراهيم أخو أبي معمر عيسى بن السَّري الحَجواني كوفي. ¬
حديث فيمن أصبح جنبا
حديث فيمن أصبح جُنُبًا (265) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬1): ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا أبو بِشر إسماعيل بن عبد الله العَبدي، ثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَير المصري، حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الملك بن يزيد النَّوفلي، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السائب بن يزيد، عن عمرَ بن الخطاب قال: صلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصبحَ، وإنَّه لَيَنفضُ رأسَه، يتطايرُ منه الماءُ من غُسلِ الجنابةِ في رمضانَ. قال الحافظ الضياء في «المختارة»: لا أعلم أنِّي كَتَبتُ هذا الحديثَ إلا بهذا الإسناد، وعبد الملك بن يزيد لم يَذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم في كتابيهما، أخاف أن يكون هو يزيد بن عبد الملك النَّوفلي. قلت: هُوَ هُوَ، وقد تكلَّموا فيه (¬2)، وله نسخة يَرويها عن يزيد بن خُصَيفة، عن السائب بن يزيد، عن عمرَ، قد أفرد منها الحافظ أبو بكر البزَّار في «مسنده» قطعة، سيأتي منها في كتاب الجامع أحاديث، والله أعلم. ¬
وقد ورد معنى هذا الحديث في الصِّحاح من طرق أخر عن أُمِّ سَلَمة، وعائشة -رضي الله عنهما-، وغيرهما (¬1). ¬
أثر فيمن أكل قبل الغروب، هل عليه قضاء أم لا؟
أثر فيمن أكل قبل الغروب، هل عليه قضاء أم لا؟ (266) قال عبد الرزاق (¬1): ثنا معمر، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: أَفطَرَ النَّاسُ في زمنِ عمرَ بن الخطاب، فرأيتُ عِسَاسًا (¬2) أُخرِجَت من بيتِ حفصةَ، فشَرِبُوا، ثم طلعتِ الشمسُ من سَحَابٍ، فكأنَّ ذلك شقَّ على النَّاسِ، فقالوا: نَقضي هذا اليومَ، فقال عمرُ رضي الله عنه: لِمَ؟ واللهِ ما تَجَانفنَا لإثمٍ. هذا إسناد صحيح. وكذا رواه أبو عبيد (¬3). لكن رواه بعضهم عن الأعمش (¬4)، عن المسيّب، عن زيد بن وهب، فأدخل بينهما رجلاً. ¬
ورواه زيد بن أسلم (¬1)، عن أخيه خالد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، نحوه. ولم يَذكر قضاءً. قلت: وروي عن عمر القضاء من طريق علي بن حنظلة، عنه (¬2)، فالله أعلم. وعلى هذا جمهور الأئمة (¬3). ¬
والقول الأول اختاره ابن حزم (¬1)، وعزاه إلى أكثر السَّلَف، فالله أعلم. ورجَّح رواية زيد بن وهب على رواية علي بن حنظلة بأن زيدًا صحابيٌّ، وليس كما زَعَم، فإن زيد بن وهب لم يَعدَّه أحدٌ من الصحابة، وإنما هو تابعي كبير، أدرك زمانَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَرَه، والله أعلم. وقال أبو عبيد (¬2): الجَنَف: الميل، أي: لم نَمِل إلى إثم. أثر آخر (267) قال أبو عبيد (¬3): حدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن ¬
منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن عطاء، عن عمر: أنَّه قال في المضمضة للصائم قال: لا يَمُجُّه، ولكن فلْيَشرَبه، فإنَّ أوَّلَه خيرُهُ. قال أبو عبيد: وهذا في المضمضة عند الإفطار، وإنما أمر بشُربه لما فيه من بركة الخُلُوف. قال: وقد روي عن عثمان بن أبي العاص أنَّه رخَّص للصائم إذا خشي العطشَ أن يتمضمض (¬1). ¬
حديث في القبلة للصائم
حديث في القُبلة للصائم (268) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا حجَّاج، / (ق 107) ثنا ليث، ثنا بُكَير، عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري، عن جابر بن عبد الله، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: هَشِشْتُ (¬2) يومًا، فقَبَّلتُ وأنا صائمٌ، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: صَنَعتُ اليومَ أمرًا عظيمًا، قَبَّلتُ وأنا صائمٌ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَرأيتَ لو تَمضمَضتَ وأنت صائمٌ؟»، قلت: لا بأسَ بذلك. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَفِيمَ؟». ورواه علي ابن المديني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن الليث بن سعد، به. ثم قال: لا أحفظه إلا من هذا الوجه، وهو حديث مصري، يرجع إلى أهل المدينة، وهو إسناد حسن. وأخرجه أبو داود في الصيام من «سننه» (¬3)، عن أحمد بن يونس، وعيسى بن حماد. والنسائي (¬4) فيه، عن قتيبة. ثلاثتهم عن الليث بن سعد، عن بُكَير -وهو: ابن عبد الله الأشجِّ المدني-، عن عبد الملك بن سعيد بن سُوَيد الأنصاري المديني، عن جابر، عن عمرَ، به. ¬
وهذا إسناد حسن، كما قال علي ابن المديني (¬1). ولهذا أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬2) عن ابن خليفة (¬3) الفضل بن الحُبَاب الجُمَحي، عن أبي الوليد الطيالسي، عن اللَّيث، به. واختاره الضياء في كتابه (¬4). ولكن قال النسائي: هذا حديث منكر، وبُكَير مأمون، وعبد الملك بن سعيد روى عنه غير واحد، ولا يدرى ممَّن هذا (¬5)! وممَّا يؤيِّد ما قاله النسائي: الحديث الآخر الذي رواه أبو محمد ¬
يحيى بن محمد بن صاعد -رحمه الله-، / (ق 108) فإنَّه قال: (269) ثنا أحمد بن مَنيع، ثنا أبو أحمد الزُّبيري، ثنا زيد بن حِبَّان، أنا الزهري، عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمرُ بن الخطاب ينهى الصائمَ أن يُقبِّلَ، ويقول: إنَّه ليس لأحدٍ منكم من الحفظِ والعفَّةِ، ما كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم (¬1). ولكن زيد بن حِبَّان هذا هو: الرَّقِّي، وقد تَرَكه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما، واتَّهموه بأنه كان يَشرَبُ المُسكرَ حتى يَسكرَ، ووثَّقه ابن معين في رواية عنه. وقال ابن عدي: لا أرى برواياته بأسًا، يَحمِلُ بعضُها بعضًا (¬2). حديث آخر في معناه (270) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬3): ثنا بِشر بن خالد العسكري، ثنا ¬
أبو أسامة، عن عمر بن حمزة، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فرأيتُهُ لا يَنظرُ إليَّ، فقلتُ: يا رسولَ الله، ما شأني؟ فقال: «أَوَ لَستَ المُقبِّلُ وأنت صائمٌ؟!». فقلت: والذي نفسُ عمرَ بيده، لا أُقبِّلُ وأنا صائمٌ أبدًا. ثم قال البزَّار: لا أعرفه يُروى إلا بهذا الإسناد (¬1)، وقد روي عن عمرَ خلافه. يعني: الحديث المتقدِّم في إباحة ذلك. وقال أبو محمد ابن حزم الظاهري في كتابه (¬2) ما معناه: أنَّ هذا لا يعوَّل عليه؛ لأنَّه قد ثبتت الرخصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا ينسخه حُكمُ المَنَام. وهذا الذي قاله قاله جمهور العلماء (¬3) في حُكم المَنَام / (ق 109) إذا ¬
خالف حُكمًا ظاهرًا، وإنما ذهب إلى خلاف هذا شذوذ من الناس، والله أعلم. أثر آخر (271) قال الدارقطني (¬1): ثنا إسحاق بن محمد بن الفضل الزيَّات، ثنا محمد بن عبد الله المُخرِّمي، ثنا يحيى بن سعيد، عن سيف بن سليمان، سَمِعتُ قيس بن سعد، حدثني داود بن أبي عاصم، سَمِعَ سعيدَ بنَ المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب خرج على أصحابه، فقال: ما تَرَون في شيء صَنَعتُهُ اليومَ؟ أَصبحتُ صائمًا، فمَرَّت بي جاريةٌ، فأَعجبتني، فأَصبتُ منها. فعَظَّم القومُ عليه ما صَنَع، وعليُّ -رضي الله عنه- ساكتٌ، فقال: ما تقولُ؟ قال: أَتيتَ حلالاً، ويومٌ مكانَ يومٍ. قال: أنت خيرُهُم فُتيا. ¬
حديث في حكم الصيام في السفر والإفطار
حديث في حكم الصيام في السَّفر والإفطار (272) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا بُكَير، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ قال: غَزَونا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضانَ والفتحَ في رمضانَ، فأَفطَرْنا فيهما. هكذا رواه أحمد ههنا، وقد صرَّح ابن لَهِيعة بالسماع، فجاد الإسناد؛ لأنَّه إنما يُخشى من تدليسه، وسوء حفظه، فزال أحدهما. (273) ورواه أحمد -أيضًا- (¬2)، عن حسن بن موسى الأشيب. والترمذي (¬3)، عن قتيبة. كلاهما عن ابن لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حَبيبة (¬4)، عن ابن المسيّب: أنَّه سُئل (¬5) عن الصوم في السَّفر، فحدَّث أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: غَزَونا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في رمضانَ غَزوتين: يومَ بدرِ، والفتحَ، فأَفطَرْنا فيهما. وهذان طريقان إلى سعيد بن المسيّب، وروايته عن عمر مرسلة، فيما نصَّ عليه يحيى بن معين، وأبو حاتم، وغيرهما، لأنَّه وُلِدَ لسنتين خلتا من ¬
خلافة عمر، فكان صغيرًا، ولهذا استبعد يحيى بن معين أن يكون حفظ عنه شيئًا (¬1). قلت: قد روِّينا أنَّه حفظ عنه أشياء، كما سيأتي في مواضعها من كتاب الحج وغيره، ولهذا قال أحمد بن حنبل: مَن يُنكر أن يكون سَمِعَ منه. وقد استَوعبنا الكلامَ في ذلك وحرَّرناه في ترجمة سعيد بن المسيّب من كتاب «التكميل» (¬2)، ولله الحمد والمنَّة. أثر في ذلك عن عمر (274) قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: أنا المبارك بن علي، أنا محمد بن علي بن مَيمون، ثنا محمد بن علي العلوي، أنا علي بن عبد الرحمن البكَّائي، أنا ابن مُلَيل محمد بن عبد العزيز الكِلابي، ثنا أبي، ثنا أبو أسامة، حدثني صدقة بن أبي عمران، ثنا إياد بن لقيط، ثنا البراء بن ¬
عازب (¬1) قال: كنتُ مع سلمانَ بن ربيعة في بَعثٍ، وأنَّه بعثني إلى عمرَ في حاجةٍ له في أشهرِ الحُرُمِ، فقال عمرُ: أَيصومُ سلمانُ؟ فقلت: نعم. فقال: لا يَصُمْ، فإنَّ التقوِّي على الجهادِ أفضلُ من الصومِ (¬2). ¬
أثر فيمن تعمد إفطار يوم من رمضان، بماذا يقضيه؟
أثر فيمن تعمَّد إفطار يوم من رمضان، بماذا يقضيه؟ (275) قال وكيع بن الجراح في «مسنده» (¬1): عن جعفر بن بُرْقان، عن ثابت بن الحجَّاج الكِلابي، عن عوف بن مالك قال: قال عمرُ بن الخطاب: صومُ يومٍ من غيرِ رمضانَ، وإطعامُ ستينَ مسكينًا يَعدِلُ صيامَ يومٍ من رمضانَ. وجَمَع بين إصبعيه. وهذا إسناد جيد. وفي هذه المسألة أقوال كثيرة قد بَسَطناها في كتاب الصِّيام، وما يتعلَّق برمضانَ من أحكام. ¬
أثر في كراهية السفر في أواخر الشهر إذا لم يكن ثم ضرورة
أثر في كراهية السَّفر في أواخر الشهر إذا لم يكن ثَمَّ ضرورة (276) قال محمد بن إسحاق (¬1) عن الزهري، عن سالم، عن عمرَ: أنَّه سافر في عقب شهر رمضان، وقال: إنَّ الشهر قد تَسَعسَع فلو صُمْنا بقيَّتَهُ. قال أبو عبيد (¬2): معناه: أدبَر وفَنِيَ. قال: وبعضهم يقول: تَشَعشَعَ -بمعجمتين-، وأظنه ذهب إلى الطُّول، كما يقال: ناقة شَعشَعَانة، وعُنُق شَعشَعَان. قال: ومنهم من يقول: تَشَعسَعَ -بشين معجمة، ثم مهملة-، وأظنه ذهب إلى الشاسع، يقول: إنَّ الشهرَ قد ذهب وبَعُدَ، ولو كان من هذا لكان تَشَسَّعَ، والأوَّل هو المعروف، ولا معنى له عندي سواه. ¬
أثر في قضاء رمضان في عشر ذي الحجة
/ (ق 110) أثر في قضاء رمضان في عشر ذي الحجَّة (277) قال أبو عبيد (¬1): حدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّه كان يَستحب قضاءَ رمضانَ في عشر ذي الحجَّة. أو قال: ما من أيام أقضي فيهن رمضانَ أحبُّ إليَّ منها. قال أبو عبيد: معناه: أنَّه لا يتحرَّى التأخير إلى العَشر، ولكنه كان يَستحب صيام العَشر، فإذا دخل على مَن عليه قضاء صام قضاء، لئلاَّ يكون قد تطوَّع وعليه قضاء فيجتمع له الأمران. قال: وإنما كره عليٌّ القضاءَ في العَشر (¬2)؛ لما كان يراه من القضاء على الولاء، وقد يدخل العيد وقد بقي عليه شيء فيفرِّق. ¬
حديث في كراهة الصوم يومي العيدين
حديث في كراهة الصوم يومي العيدين (278) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان، عن الزهري، أنَّه سَمِعَ أبا عبيد (¬2) قال: شَهِدتُ العيدَ مع عمرَ بن الخطاب، فبدأ بالصلاةِ قبلَ الخطبةِ، وقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين، أمَّا يوم الفطرِ فَفِطرُكُم من صيامِكم، وأما يوم الأضحى فكُلُوا من لحم نُسُكِكُم. ثم رواه أحمد (¬3)، عن عبد الرزاق (¬4)، عن معمر. ومن حديث محمد بن إسحاق. كلاهما عن الزهري، به. وأخرجه الجماعة في كتبهم من طرق عن الزهري، فمنها: ما رواه أبو داود (¬5)، عن قتيبة، وزُهَير بن حرب. والنسائي (¬6)، عن إسحاق بن إبراهيم. ¬
وابن ماجه (¬1)، عن سهل بن أبي سهل. أربعة (¬2) عن سفيان بن عيينة، عن الزهري. ومنها: ما رواه الشيخان (¬3) من حديث مالك، عن الزهري، به. وقال الترمذي (¬4): حسن صحيح. ¬
حديث آخر في كراهة صوم الدهر
حديث آخر في كراهة صوم الدَّهر (279) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا شيبان، ثنا أبو هلال، ثنا غَيْلان بن جرير، حدثني عبد الله بن مَعبَد الزِّمَّاني، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ أتى على رجلٍ، فقالوا: ما أَفطَرَ مُذ كذا وكذا، فقال: «لا صام، ولا أَفطَرَ، أو ما صام، ولا أَفطَرَ» (¬2) -شك غَيْلان-. فلمَّا رأى عمرُ غَضَبَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: يا رسولَ الله، صومُ يومين، وإفطارُ يومٍ؟ قال: «ويُطِيقُ ذلك أحدٌ؟». قال: قلتُ: يا رسولَ الله / (ق 111) صومُ يومٍ، وإفطارُ يومٍ؟ قال: «ذاك صومُ أخي داود». قال: يا رسولَ الله، صومُ يومٍ، وإفطارُ يومين؟ قال: «ومَن يُطِيقُ ذلك؟». قال: يا رسولَ الله، صومُ يومِ الإثنينِ؟ قال: «ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه، ويومٌ أُنِزلَ عليَّ النبوةُ». قال: يا رسولَ الله، صومُ يومِ عرفةَ ويومِ عاشوراءَ؟ قال: «أحدُهما يُكفِّر». وقال: «الآخرُ ما قَبلَهَا، أو ما بعدَها» (¬3). شكَّ أبو هلال. هكذا رواه الحافظ أبو يعلى. وقد رواه النسائي في الصوم (¬4)، عن هارون بن عبد الله، عن الحسن ¬
بن موسى، عن أبي هلال، عن غَيْلان بن جرير، عن عبد الله بن مَعبَد الزِّمَّاني، عن أبي قتادة، عن عمرَ بن الخطاب، به. وهذا أقرب وأشبه بالصواب (¬1). وقد رواه مسلم في «الصحيح» (¬2)، وأهل السُّنن الأربعة (¬3) من حديث حماد بن زيد، وشعبة بن الحجَّاج. كلاهما عن غَيْلان بن جرير، عن عبد الله بن مَعبَد الزِّمَّاني، عن أبي قتادة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من غير ذِكر عمرَ، كما سيأتي (¬4) في مسند أبي قتادة، إن شاء الله تعالى. ¬
أثر عن عمر في تأديبه من صام الدهر
أثر عن عمر في تأديبه مَن صام الدَّهر (280) قال أبو محمد ابن صاعد رحمه الله: ثنا الحسين بن الحسن المروزي، ثنا المعتمر، سَمِعتُ إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي عمرو الشَّيباني قال: أُخبِرَ عمرُ برجلٍ يَصومُ الدَّهرَ، فجعل يَضربُهُ بِمِخفَقَتِهِ، ويقولُ: كُلْ يا دَهرُ، خُذْ يا دَهرُ. (¬1). إسناد صحيح. ¬
أثر آخر فيه أن عمر صام الدهر
أثر آخر فيه أن عمر صام الدَّهر (281) قال محمد بن عمر / (ق 112) الواقدي (¬1): عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يَصومُ الدَّهرَ. الواقدي وشيخه: ضعيفان. لكن قد روي من طريق أخرى: (282) قال جعفر بن محمد الفِريابي (¬2): ثنا هشام بن عمَّار، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عُقبة، عن نافع: قال عبد الله: كان عمرُ يَسرُدُ الصومَ، إلا يومَ الأضحى، ويومَ الفطر، أو في السَّفَرِ. وهذا إسناد صحيح. طريق أخرى (283) قال جعفر (¬3): ثنا إسحاق بن راهويه، ثنا وكيع، ثنا الثوري، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، قال: ما مات عمرُ حتى سَرَدَ الصومَ. صحيح أيضًا. طريق أخرى (284) قال جعفر (¬4): ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، ثنا عَبدة، عن عبيد الله، به. وقال: قبل موته بسنتين. ¬
وهذا صحيح أيضًا. وكأنَّه -والله أعلم- سَرَدَ الصومَ بُرهةً من الدَّهر، فوَافَقَه أَجَلُهُ وهو كذلك، لا أنَّه أراد صيامَ الدَّهرِ دائمًا، جمعًا بينه وبين ما تقدَّم، والله أعلم.
أثر في كراهة صيام رجب كله
أثر في كراهة صيام رجب كلّه (285) قال سعيد بن منصور في «سننه» (¬1): ثنا سفيان، عن مِسْعَر، عن وَبرة بن عبد الرحمن، عن خَرَشة بن الحُرِّ قال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يَضرِبُ أيدِيَ الرِّجالَ إذا رَفَعوها عن الطعامِ في رجبٍ حتى يَضَعوها فيه، ويقول: إنما هو شهرٌ كان أهلُ الجاهليةِ يُعظِّمونَهُ. هذا إسناد جيد. وكذا روِّيناه من حديث سعدان بن يحيى، وشعبة، وأبي نعيم. كلُّهم عن مِسْعَر، به. ¬
حديث في استحباب صيام أيام الليالي البيض
حديث في استحباب صيام أيام الليالي البيض (286) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو النضر، ثنا المسعودي، عن حكيم بن جُبَير، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوتكيَّة، قال: أُتِيَ عمرُ بن الخطاب بطعامٍ، فدعا إليه رجلاً، فقال: إني صائمٌ. فقال: وأيَّ الصيامِ تصومُ؟ لولا كراهيةُ أن أَزيدَ أو أَنقُصَ لحدَّثتُكم بحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين جاءه الأعرابيُّ بالأرنبِ، ولكن أَرسِلُوا إلى عمَّار. فلما جاء عمَّار قال: / (ق 113) أشاهدٌ أنت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم جاءه الأعرابيُّ بالأرنبِ؟ قال: نعم. قال: إني رأيتُ بها دمًا، فقال: «كُلُوها». قال: إني صائمٌ، قال: «وأيَّ الصِّيامِ تَصومُ؟». قال: أوَّلَ الشهرِ وآخرَه. قال: «إنْ كنتَ صائمًا فصُمْ الثلاثَ عشرةَ، والأربعَ عشرةَ، والخمسَ عشرةَ». هذا إسناد حسن جيد، وليس في الكتب السِّتة، والمسعودي وشيخه فيهما كلام، وابن الحَوتكيَّة اسمه: يزيد. وقد رواه يوسف بن يعقوب القاضي، عن محمد بن بكر، عن سفيان بن عيينة (¬2)، عن محمد بن عبد الرحمن وحكيم بن جُبَير، كلاهما عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوتكِيَّة قال: قال عمرُ: مَن حاضرنا يوم ¬
القاحَة (¬1)؟ قال أبو ذر: أنا، أتى رجلٌ بأرنب، فقال رجل: أنا رأيتها تَدمَى (¬2)، فكأنَّه اتَّقاها، فأمر أن يأكلوا منها، وكان الرجلُ صائمًا، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَر شيئًا، لا أدري ما هو؟ قال: «فأين أنت عن الغُرِّ البيض: ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخمسَ عشرةَ». وقد رواه حماد بن سَلَمة (¬3)، عن حجَّاج بن أرطاة، عن عثمان بن عبد الله بن مَوهَب، عن موسى بن طلحة، عن يزيد بن الحَوتكِيَّة، به. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬4): لا أعلم أحدًا سمَّى ابنَ الحَوتكِيَّة غيرَ حجَّاج بن أرطاة. حكاه الضياء في كتابه «المختارة» (¬5) في مسند عمر منها (¬6). ¬
قلت: وهذا الحديث مناسَب أن يُذكر في مسند أبي ذرّ، أو عمَّار بن ياسر، وفي مسند عمرَ رضي الله عنه، فقدَّمناه سَلَفًا وتعجيلاً. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حديث في ليلة القدر
/ (ق 114) حديث في ليلة القَدر (287) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن ¬
عاصم، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال عمرُ رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان منكم مُلتَمِسًا ليلةَ القَدرِ، فليَلتَمِسْها في العَشرِ الأواخرِ وِترًا». وهكذا رواه علي ابن المديني، عن حسين بن علي الجُعفِي، به. وقال: هو حديث صالح، ليس مما يسقط، وليس ممَّا يحتجُّ به، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبيت هذا الحديث (¬1). ورواه الهيثم بن كُلَيب الشاشي (¬2)، عن عباس بن محمد بن حاتم، عن حسين الجُعفِي، به. والحافظ أبو يعلى الموصلي (¬3)، عن أبي خيثمة، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، به. (288) وقال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة (¬4): ثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه، عن ابن عباس، عن عمرَ قال: لقد عَلِمتُم أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «اطلُبُوها في العَشرِ الأواخِر وِتْرًا». ¬
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبدالواحد المقدسي في كتابه «المختارة» (¬1): ولهذا الحديث شاهد من حديث ابن عمر (¬2)، وابن عباس رضي الله عنهما (¬3). ¬
حديث في الاعتكاف
حديث في الاعتكاف (289) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ أنَّه قال: يا رسولَ الله، إنِّي نَذَرتُ في الجاهلية أنْ أَعتَكِفَ في المسجدِ الحرامِ ليلةً، فقال له: «فأَوْفِ بنَذرِكَ». وأخرجه الجماعة (¬2) من طرق، / (ق 115) عن عبيد الله بن عمر العُمَري، به. وقد روى هذا الحديثَ علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد القطَّان -شيخ الإمام أحمد-، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به، فجعله من مسند عبد الله، ولم يَذكر عمرَ (¬3). وكذلك رواه -أيضًا-، عن سفيان بن عيينة (س ق) (¬4)، عن أيوب، عن نافع، عنه. ¬
ثم قال: وحدَّثناه حفص بن غياث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، به (¬1). قال: ولم أسمعه عن عمرَ إلا من هذا الوجه، فإن كان حفص حفظه؛ فهو من مسند عمر، وإلا، فإنَّ يحيى قد خالَفَه. هكذا قال، وقد رواه الإمام أحمد (¬2) عن يحيى، فجعله من مسند عمرَ، فالله أعلم. وقال مسلم بن الحجَّاج في «صحيحه» (¬3): ثنا محمد بن عمرو بن جَبَلة، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن نافع (¬4)، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّه جعل على نفسه يومًا يعتكفه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أوْفِ بنَذرِكَ». فهذه طريق أخرى عن عبيد الله، فيها أنَّه من مسند عمرَ (¬5). وسنورد هذا الحديث بتمام طرقه وألفاظه في مسند عبد الله بن عمر إذا وَصَلنا إليه، إن شاء الله تعالى (¬6). ¬
كتاب الحج
كتاب الحجِّ قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} الآية (¬1). ذِكر بيان أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه هو أوَّل من وَضَع التاريخَ، وجعله منوطًا بالأهلَّة الهجرية، ووافقه على ذلك الصحابةُ / (ق 116) رضوان الله عليهم. (290) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا خالد بن حيَّان، ثنا فُرَات بن سلمان، عن ميمون بن مِهران قال: رُفِعَ إلى عمرَ -رضي الله عنه- صَكٌّ (¬3) مَحَلُّه في شعبان، ¬
فقال عمرُ: أيُّ شعبانٍ؟ هذا الذي مَضَى، أو الذي هو آتٍ، أو الذي نحن فيه؟ ثم جَمَع أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضَعُوا للناس شيئًا يَعرفونه. فقال قائلٌ: اكتُبُوا على تاريخِ الرُّومِ. فقيل: إنَّه يَطولُ، وإنهم يَكتبون من عند ذي القَرنين. وقال قائلٌ: اكتُبُوا تاريخَ الفُرْسِ، كُلَّما قام مَلِكٌ طَرَح ما كان قبلَه (¬1). فاجتَمَع رأيُهُم على أن يَنظُرُوا: كم أقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة؟ فوَجَدوه أقامَ بها عشرَ سنينَ، فكَتَب أو كُتِبَ التاريخُ على هجرةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. (291) وقال حنبل بن إسحاق (¬2): ثنا هارون بن معروف، ثنا عبد العزيز بن محمد، أخبرني عثمان بن عبيد الله قال: سَمِعتُ سعيدَ ¬
بن المسيّب قال: جَمَع عمرُ بن الخطاب المهاجرينَ والأنصارَ، فقال: متى نكتبُ التاريخَ؟ فقال عليُّ بن أبي طالب: منذُ خَرَج النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أرض الشِّرك. يعني: من يوم هاجَرَ. قال: فكَتَب ذلك عمرُ بن الخطاب. (292) قال حنبل (¬1): وحدثني أبي -إسحاق-، ثنا محمد بن عمر، ثنا ابن أبي سَبِرَة، عن عثمان بن عبد الله (¬2) بن رافع، عن ابن المسيّب قال: أوَّلُ مَن كَتَب التاريخَ عمرُ لسنتين ونصفٍ من خلافته، فكُتِبَ لستَّ عشرةَ من الهجرة بمشورةٍ من عليِّ بن أبي طالب. (293) / (ق 117) قال محمد بن عمر -وهو: الواقدي- (¬3): وحدثنا ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، قال: استشار عمرُ في التاريخ، فأَجمَعوا على الهجرة. ¬
أثر عن عمر في وجوب الحج
أثر عن عمر في وجوب الحجِّ (294) قال الإمام أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي رحمه الله: حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، قال: حدثني عبد الرحمن بن غَنم، سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: مَن أطاق الحجَّ فلم يحجَّ، فسواءٌ عليه يهوديًا مات أو نصرانيًا. رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر» من حديث الأوزاعي (¬1). وهو إسناد صحيح عنه. وقد روي من وجوه أخر مرفوعًا (¬2)، والله أعلم. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
أثر آخر (295) قال محمد بن إسماعيل البصلاني: أنا محمد بن يحيى القُطَعي، ثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة قال: ذُكِر لنا أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: لقد هَمَمتُ أنْ أَبعثَ إلى الأمصارِ، فلا يُوجدُ رجلٌ قد بَلَغ سنًّا، وله سَعَةٌ ولم يحجَّ؛ إلا ضَرَبتُ عليه الجزيةَ، والله ما أولئكَ بمسلمينَ. والله ما أولئكَ بمسلمينَ. ورواه سعيد في «سننه». هذا منقطع بين قتادة وعمر رضي الله عنه. أثر آخر (296) قال الدارقطني (¬1): ثنا أبو محمد ابن صاعد، ثنا أبو عبيد (¬2) المخزومي، ثنا هشام بن سليمان وعبد المجيد، عن ابن جريج (¬3) قال: أخبرني عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثل قول عمر بن الخطاب: السَّبيلُ: الزَّادُ والراحلةُ. وقد رواه ابن ماجه في «سننه» (¬4) من حديث ابن جريج، حدَّثنيه عمر ¬
بن عطاء، -وهو: ابن وَرَاز، وهو ضعيف-، عن عكرمة، عن ابن عباس، فرَفَعه. وسيأتي (¬1) الكلام على ذلك في مسند ابن عباس إن شاء الله. أثر آخر (297) قال أبو عبيد (¬2): ثنا يحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون، عن سَلِيم (¬3) بن حيَّان، عن موسى بن قطن، عن أُميَّة بن مُحرِز (¬4)، عن عمرَ أنَّه قال: حجُّوا بالذُّريَّة، لا تأكلوا أرزاقَها، وتَذَرُوا أربَاقَهَا في أعناقِها. قال أبو عبيد: قلت ليحيى: ما وجه هذا الحديث؟ فقال: لا أعرفه. فقلت: إنَّه لم يُرد بالذُّريَّة الصبيانَ، وإنما أراد النساءَ، كما في الحديث: أنَّه رأى امرأةً مقتولةً، فقال: «مُرُوا خالدًا: ألا يَقتُلَ ذُرِيَّةً ولا عَسِيفًا» (¬5). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
قال: والأرباق: هي التي تُوضَع في أعناق الأسارى. قال زُهَير: أَشَمُّ أبيضُ فيَّاضٌ يُفَكِّكُ عن ... أيدي العُناةِ وعن أعناقِها الرِّبقَاَ ¬
حديث في فرضية الحج والعمرة
حديث في فرضية الحجِّ والعمرة (298) قال الإمام أحمد رحمه الله (¬1): ثنا سفيان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، يحدِّث عن عمر، يَبلُغُ به -وقال سفيان مرَّة: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال-: «تَابِعوا بين الحجِّ والعمرةِ، فإنَّ مُتابَعةً بينهما يَنفِيانِ الفقرَ والذنوبَ، كما يَنفِي الكِيرُ الخَبَثَ». وهكذا رواه ابن ماجه (¬2)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان / (ق 119) -وهو: ابن عيينة-، به. ورواه الحافظ أبو يعلى (¬3)، عن القَوَاريري، وأبي خيثمة، عن سفيان بن عيينة، به. وقد رواه ابن ماجه -أيضًا- (¬4)، عن ابن أبي شيبة، عن محمد بن بِشر، عن عبيد الله بن عمر، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن عمر، به. ورواه علي ابن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن عاصم -قال سفيان: مرَّة كان يقول:- عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن عمر! ومرَّة: عن عبد الله بن عامر، عن عمر، ولا يقول: «عن أبيه». وزاد فيه مرَّة: «ويَزيدانِ في العمرِ». وضعَّفه سفيان جدًّا. قال ابن المديني: وعاصم بن عبيد الله: ضعيف. ¬
قلت: عاصم بن عبيد الله هذا هو: العُمَري، وهو ضعيف جدًّا، وقد اختلفوا عليه في هذا الحديث، كما قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬1): روى هذا الحديث زُهَير، وابن نُمَير، وعَبدة بن سليمان، وأبو حفص الأبَّار، وأبو بدر، ومحمد بن بِشر، كلُّهم عن عبيد الله بن عمر، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب، به. وخالَفَهم علي بن مُسْهِر، وأبو أسامة، ويحيى بن سعيد، فرَوَوه عن عبيد الله بن عمر، لم يَذكروا في الإسناد: «عن أبيه». ورواه سفيان بن عيينة فجوَّد إسنادَه، وبيَّن أن عاصمًا كان يضطَّرب فيه، فمرَّة يُنقص من إسناده رجلاً، ومرَّة يزيد فيه، ومرَّة يَقِفه على عمر. قال ابن عيينة: وأكثر ذلك كان يقوله: «عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم». قال الدارقطني: وعاصم بن عبيد الله: ليس بحافظ. ثم أَطنَبَ الدراقطنيُّ / (ق 119) في تعليله هذا الحديث، وقد ذَكَرنا من كلامه ما فيه كفاية إن شاء الله، وبه الثقة (¬2). ¬
أثر في فضل الحج والعمرة والجهاد
أثر في فضل الحجِّ والعمرة والجهاد (299) قال أبو عبيد (¬1): ثنا ابن عُليَّة، عن إسحاق بن سُوَيد، عن حُرَيث بن الربيع -وهو أخو حُجَير بن الرَّبيع-، عن عمرَ أنَّه قال: كَذَب عليكم الحجُّ، كَذَب عليكم العمرةُ، كَذَب عليكم الجهادُ، ثلاثةُ أسفارٍ كَذَبنَ عليكم. قال ابن عُليَّة: قال إسحاق بن سُوَيد: العرب تقول للمريض: كَذَب عليك العسلُ، كَذَب عليك كذا وكذا، أي: عليك به. وكذلك حكى أبو عبيد عن الأصمعي: أنَّ معناه: الإغراء. ¬
أثر في استحباب الحج عاما والغزو عاما
أثر في استحباب الحجِّ عامًا والغزو عامًا (300) قال أبو عبيد (¬1): ثنا يحيى بن سعيد، عن ثابت بن يزيد الأودي، عن عمرو بن ميمون، عن عمر أنَّه قال: حَجَّةٌ ههنا، ثم احْدِجْ ههنا، حتى تَفْنَى. قال أبو عبيد: قوله: ثم احْدِجْ ههنا: يعني: إلى الغزو، والحَدْجُ: شدُّ الأحمالِ وغيرُها، أَحْدِجُها حَدْجًا. قال طَرَفَة: كأنَّ حُدوجَ المالِكِيَّة غُدْوَةً ... خَلايَا سَفينِ بالنَّواصفِ من دَد قال أبو عبيد: والذي يراد من هذا الحديث أنَّه فضَّل الغزو بعد حجَّة الإسلام على الحجِّ، ولهذا قال: حتى تَفْنَى: أي: تَهرِمَ. وهذا الذي قاله أبو عبيد -رحمه الله- أَظهر ممَّا ترجمت به الأثر، وإن كان ذاك محتملاً، والله أعلم. ¬
حديث في جواز الحداء في السفر من حج وغيره
حديث في جواز الحُدَاء في السَّفر من حجٍّ وغيره (301) قال الإمام محمد بن عبد الرحمن المخلِّص: ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا محمد بن يحيى بن كثير الحرَّاني بها، ثنا محمد بن موسى بن أَعْين، ثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: قال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة: «لو حَرَّكتَ بنا الرِّكابَ». فقال: لقد تَرَكتُ قولي. فقال له عمر: اسمَعْ وأَطِعْ. فقال: اللهمَّ لولا أنت ما اهْتَدَينا ... ولا تَصدَّقنا ولا صَلَيْنا فأَنْزِلَنْ سكينةَ علينا ... وثبِّتِ الأقدامَ إن لاَقَيْنا فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ ارْحَمْهُ». فقال عمرُ: وجَبَتْ. ورواه النسائي (¬1)، عن محمد بن يحيى بن كثير الحرَّاني، به. واختاره الضياء في كتابه (¬2). ¬
أثر في ذلك عن عمر (302) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو النَّضر، ثنا شريك، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر قال: سَمِعَ عمرُ -رضي الله عنه- صوتَ ابن المُغتَرِف الحادي في جوف الليل، ونحن منطلقون إلى مكةَ، فأَوْضَعَ عمرُ راحلتَهُ حتى دخل مع القوم، فإذا هو مع عبد الرحمن -يعني: ابن عوف-، فلما طلع الفجرُ، قال عمرُ: الآن اسْكُتْ، الآن قد طلع الفجرُ، اذكروا اللهَ. أثر آخر (303) قال أبو عبد الله ابن بطَّة رحمه الله: ثنا ابن أبي العقب، ثنا أبو زرعة، أنا ابن أبي مريم، أنا أسامة بن زيد، عن أبيه، / (ق 120) عن ¬
جدِّه قال: خَرَجنا مع عمرَ للحجِّ، فسَمِعَ رجلاً يغنِّي، فقيل: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ هذا يغنِّي، وهو مُحرِمٌ! فقال: دَعُوهُ، فإنَّ الغناءَ زادُ الراكبِ (¬1). أسامة بن زيد بن أسلم قد تكلَّموا فيه. أثر آخر (304) قال يعقوب بن سفيان (¬2): ثنا ابن بَشَّار، ثنا محمد بن عبد الله بن الزُّبير، ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: كان عمرُ ينهى أن يُعرِّضَ الحادِي بذِكرِ النساءِ، وهو مُحرِمٌ. هذا منقطع. ¬
أثر في قلة الكلفة في طريق الحج
أثر في قلة الكلفة في طريق الحج (305) قال محمد بن إسحاق بن خزيمة (¬1): ثنا أحمد بن عَبدة، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خَرَجت مع عمرَ بن الخطاب حاجًّا إلى أن رَجَعنا، فما ضَرَبَ فُسْطاطًا (¬2) ولاخِباءً، كان يُلقِي الكساءَ والنِّطعَ على الشجرةِ، فيَستَظِلُّ به. إسناده صحيح. ¬
أثر آخر في خروج المرأة في الحج مع من تأمن معه على نفسها
أثر آخر في خروج المرأة في الحجِّ مع من تأمن معه على نفسها (306) قال البخاري (¬1): قال لي أحمد بن محمد: ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدِّه قال: أَذِنَ عمرُ -رضي الله عنه- لأزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في آخرِ حجَّةٍ حجَّها، فبَعَثَ معهنَّ عثمانَ بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما. هذا يُعدُّ من تعليقات البخاري الجيِّدة القوية (¬2). ¬
وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ففيه انقطاع بين إبراهيم بن عبد الرحمن وبين عمر (¬1)، اللهمَّ إلا أن يقال: إنَّه سَمِعَه من أبيه، وهذا هو الظاهر, ولهذا اختاره البخاري من تعليقات كتابه «الصحيح». / (ق 121) أثر آخر (307) قال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي: أنا سعد الخير بن محمد الأنصاري، أنا طُرَاد بن محمد، أنا ابن رَزقويه، أنا محمد بن يحيى بن عمر، ثنا علي بن حرب (¬2) قال: ثنا سفيان بن عيينة، ¬
عن حميد الأعرج، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب قال: رَدَّ عمرُ بن الخطاب نسوةً من البَيداءِ خَرَجنَ مُحرِمَاتٍ في عِدَّتِهِنَّ.
حديث في المواقيت
حديث في المواقيت (308) قال البخاري (¬1): ثنا علي بن مسلم، ثنا عبد الله بن نُمَير، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: لما فُتِحَ هذان المِصْران (¬2) أَتَوا عمرَ، قالوا: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهلِ نجدٍ قَرْنًا (¬3)، وهو جَوْرٌ عن طريقنا، وإنَّا إنْ أَرَدْنا قَرْنًا شَقَّ علينا. قال: فانظُرُوا حَذْوَهَا من طريقكم، فحَدَّ لهم ذاتَ عِرْقٍ (¬4). تفرَّد به البخاري. وهو في «صحيح مسلم» (¬5) عن جابر، كالمرفوع (¬6): أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهلِ العراقِ ذاتَ عِرْقٍ. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
أثر في كراهية الإحرام قبل الميقات
أثر في كراهية الإحرام قبل الميقات (309) قال محمد بن إسماعيل البصلاني: ثنا محمد بن يحيى القُطَعي، ثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أنَّ عمرانَ ابن حصين أَحرَمَ من البصرةِ، فقَدِمَ على عمرَ بن الخطاب، فأَغلَظَ له، ونَهَاهُ عن ذلك، وقال: يَتَحدَّثُ الناسُ أنَّ رجلاً من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أَحرَمَ من مصرٍ من الأمصارِ (¬1)! هذا منقطع، اللهمَّ إلا أن يكون الحسن قد سَمِعَه من عمران بن حصين (¬2)، والله أعلم. ¬
حديث في أفضلية القران
/ (ق 122) حديث في أفضلية القِران (310) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، أنَّ يحيى بن أبي كثير حدَّثه عن عكرمة مولى ابن عباس قال: سَمِعتُ ابن عباس يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول -وهو بالعقيق (¬2) -: «أتاني الليلةَ آتٍ من ربِّي عزَّ وجلَّ، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المُبارَكِ، وقُل: عمرةً في حجَّةٍ». قال الوليد: يعني: ذا الحُلَيفة (¬3). ورواه البخاري في الحجِّ (¬4)، عن الحميدي، عن الوليد بن مسلم وبِشر بن بكر. وفي المزارعة (¬5)، عن إسحاق بن إبراهيم، عن شعيب بن إسحاق. وأبو داود في الحج (¬6)، عن النُّفَيلي، عن مسكين بن بُكَير. وابن ماجه (¬7)، عن دحيم، عن الوليد بن مسلم. وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن مصعب القُرْقُسَاني. خمستهم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، به. ¬
ورواه البخاري -أيضًا- في كتاب الاعتصام (¬1)، عن سعيد بن الرَّبيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، به. وقد رواه علي ابن المديني، عن الوليد بن مسلم، به، وقال: هذا حديث جيِّد الإسناد، وهو صحيح من حديث عمر. حديث آخر (311) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل: أنَّ الصُّبَيَّ بن مَعبَد كان نَصرانيًا تَغْلِبيًا أَعرابيًا، فأَسلَمَ، (فقال) (¬3): أيُّ العملِ أفضلُ؟ فقيل له: الجهادُ في سبيل الله عزَّ وجلَّ. فأراد أن يجاهدَ، فقيل له: حَجَجتَ؟ فقال: لا. فقيل: حُجَّ واعتَمر، ثم جاهِد في / (ق 123) سبيل الله. فانطَلَق، حتى إذا كان بالحوائطِ أَهَلَّ بهما جميعًا، فرآه زيد بن صُوْحَان، وسلمان بن ربيعة، فقالا: لَهُوَ أَضلُّ من جَمَلِهِ. أو: ما هذا بأَهدى من ناقتِهِ. فانطَلَق إلى عمرَ، فأَخبَرَه بقولهما، فقال له: هُدِيتَ لسُنَّة نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم. قال الحكم، فقلت لأبي وائل: أحدَّثك الصُّبَيُّ؟ فقال: نعم. ثم رواه أحمد (¬4)، عن سفيان (¬5)، عن منصور، عن أبي وائل. وعن سفيان (¬6)، عن عَبدة بن أبي لُبَابة، عن أبي وائل، به. ¬
وفي آخره: قال عَبدة: قال أبو وائل: كثيرًا ما ذهبتُ أنا ومسروق إلى الصُّبَيِّ نسألُهُ عنه. ورواه أبو داود (¬1)، والنسائي (¬2) من حديث جرير -زاد النسائي: وزائدة-. كلاهما عن منصور، عن أبي وائل -واسمه: شقيق بن سَلَمة-، قال: قال الصُّبَيُّ بن مَعبَد ... ، فذَكَره. ورواه النسائي -أيضًا- (¬3) من حديث ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد وغيره، عن رجلٍ من أهل العراق، يقال له: شقيق، بمعناه. ورواه ابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وهشام بن عمَّار. كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن عَبدة بن أبي لُبَابة، عن أبي وائل، به. وعن علي بن محمد، عن وكيع، وأبي معاوية، ويعلى بن عبيد. ثلاثتهم عن الأعمش، عن شقيق، بمعناه. وقال الإمام أحمد -أيضًا- (¬5): ثنا يحيى، عن الأعمش، ثنا شقيق، ثنا الصُّبي بن مَعبَد -وكان رجلاً نَصرانيًا من بني تَغْلِب- قال: كنتُ نصرانيًا، فأَسلَمْتُ، فاجتَهَدتُ، فلم آلُ، فأَهلَلتُ بحجَّةٍ وعمرةٍ، فمَرَرتُ بالعُذَيبِ (¬6) على سلمان بن ربيعة، وزيد بن صُوْحَان، فقال أحدهما: أبهما جميعًا؟! فقال له صاحبه: دَعْهُ، فلَهُوَ أَضلُّ من بعيره. ¬
قال: فكأَنما بعيري / (ق 124) على عُنُقي، فأَتيتُ عمرَ -رضي الله عنه-، فذَكَرتُ ذلك له، فقال لي عمر: إنهما لم يقولا شيئًا، هُدِيتَ لسُنَّةِ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم. ورواه أحمد بن مَنيع في «مسنده» (¬1)، عن هشيم، عن سيَّار، عن أبي وائل، به. قلت: فهو محفوظ، بل متواتر إلى أبي وائل، وقد صرَّح فيه بالتحديث عن الصُّبَيِّ بن مَعبَد، فهو على شرط البخاري ومسلم، فعَجَبًا لهما إذ لم يخرجاه! والظاهر أنهما عَدَلا عنه، لأنَّه لم يَرو عن الصُّبي بن مَعبَد إلا أبو وائل وحده، لكن في «الصحيحين» من هذا الضرب من الأحاديث قطعة، ثم قد سَمِعَه منه مسروق. ولهذا قال الإمام علي ابن المديني: لا أعلم أحدًا رواه عن الصُّبَيِّ بن مَعبَد غير أبي وائل، ومما حسَّن الحديثَ: أنَّ مسروقًا سأل الصُّبَيَّ بن مَعبَد عن هذا الحديث، ثم أَسنَدَ ذلك، كما تقدَّم، ثم قال: وهو عندي حديث صحيح، ثم قال: (312) ثنا يزيد بن زُرَيع، ثنا سعيد، عن أبي مَعشر، عن إبراهيم النَّخَعي: أنَّ عمرَ بن الخطاب أمَرَ الصُّبَيَّ أنْ يَذبَحَ شاةً. ثم قال: فهذا مما يقوِّي حديث الصُّبَيِّ، لأن إبراهيمَ من الفقهاء. قلت: وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البُستي في كتابه «الصحيح» (¬2). وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني -رحمه الله- (¬3)، وقد سُئل عن هذا ¬
الحديث: رواه عن أبي وائل منصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، والحكم بن عُتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وحبيب بن أبي ثابت، وعمرو بن مُرَّة، ومغيرة، وسَلَمة بن كُهَيل، وجندب بن حسان، وسيَّار، وثُوَير / (ق 125) بن أبي فاخِتَة، ويزيد بن أبي زياد، وعاصم بن أبي النَّجود، ومجاهد بن جَبْر. وقال في آخره شيئًا حسنًا لم يَذكره غيره: قال أبو وائل: كنتُ أختلفُ أنا ومسروقُ بن الأجدع إلى الصُّبَيِّ بن مَعبَد نَستذكره هذا الحديث. ثم قال الدارقطني: وهو حديث صحيح، وأحسنها إسنادًا حديث منصور، والأعمش، عن أبي وائل، عن الصُّبَيِّ، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه. قلت: وقد تقدَّم في رواية عنه عن أبي وائل كما قال مجاهد عنه من ذهابه هو ومسروق إلى الصُّبَيِّ بن مَعبَد في هذا الحديث. وهو في «مسند أحمد»، ولم يطَّلع عليه الدارقطني رحمه الله.
حديث آخر في نهي عمر عن المتعة في الحج والنكاح
حديث آخر في نهي عمر عن المتعة في الحج والنكاح (313) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عَبيدة بن حميد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد (¬2) قال: خَطَب عمرُ -رضي الله عنه- الناسَ، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ رخَّص لنبيِّه صلى الله عليه وسلم ما شاءَ، وإنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد مَضَى لسبيلِهِ، فأتموا الحجَّ والعمرةَ، كما أَمَرَكُمُ اللهُ، وحصِّنوا فُرُوجَ هذه النساءِ. هذا إسناد صحيح، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكتب. لكن روى مسلم (¬3)، عن محمد بن مثنىَّ، ومحمد بن بشَّار. كلاهما عن غُندَر، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي نَضرة قال: كان ابنُ عباسِ يأمُرُ بالمتعةِ، وكان ابنُ الزُّبير ينهى عنها، فذَكَرتُ ذلك لجابرِ بن عبد الله، فقال: على يَدَيَّ دارَ الحديثُ، تَمَتَّعنا على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا قام عمرُ قال: إنَّ اللهَ كان يُحِلُّ لرسولِهِ ما شاءَ (¬4)، وإنَّ القرآنَ قد نَزَل منازلَهُ، فأتمُّوا الحجَّ والعمرةَ للهِ، كما أمَرَكُمُ اللهُ، / (ق 126) وأَبِتُّوا نكاحَ هذه النساءِ، فلن أُوتَى برجلٍ نَكَحَ امرأةً إلى أجلٍ إلا رَجَمْتُهُ بالحجارةِ. ¬
حديث آخر (314) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرزاق. وأخبرني هشيم، عن الحجَّاج بن أرطاة، عن الحكم بن عُتيبة، عن عُمارة، عن أبي بُرْدة، عن أبي موسى: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال: هي سُنَّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم -يعني: المتعةَ-، ولكنِّي أخشى أنْ يُعرِّسوا بهنَّ تحتَ الأَرَاكِ، ثم يَروحوا بهنَّ حُجَّاجًا. غريب من هذا الوجه، وحجَّاج بن أرطاة فيه ضَعف (¬2)، لكن يشهد له الحديث الذي قبله، والحديث الآخر: (315) قال النسائي في كتاب الحج (¬3): ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: ثنا أبي، عن أبي حمزة السُّكَّري، عن مُطرِّف، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: والله إني لأَنهاكُم عن المتعةِ، وإنها لفي كتابِ اللهِ، وقد فَعَلَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم. إسناد جيد (¬4). ¬
حديث فيه النهي عن الطيب للمحرم
حديث فيه النهي عن الطِّيب للمُحرِم (316) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا إبراهيم بن الجنيد، حدثني عبد الرحمن بن مُطرِّف، حدثني عيسى بن يونس، عن إبراهيم بن يزيد، عن محمد بن عبَّاد بن جعفر، عن ابن عمرَ قال: (أَقبَلْنا حتى إذا كنَّا بذي الحليفة أَحْرَمْنا) (¬2)، فمَرَّ بنا راكبٌ يَنفَحُ طِيبًا، فقال عمرُ: مَن هذا؟ قالوا: معاوية. فقال: ما هذا يا معاوية؟! فقال: مَرَرتُ بأمِّ حبيبةَ، ففَعَلتْ بي هذا. فقال: ارْجِعْ، فاغْسِلهُ عنكَ، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ الله / (ق 127) صلى الله عليه وسلم يقول: «الحاجُّ: الشَّعِثُ التَّفِلُ (¬3)». إبراهيم بن يزيد هذا هو: الخُوزي، وهو ضعيف (¬4). ¬
والذي فَعَلَهُ معاويةُ هو السُّنَّة التي فَعَلَها رسولُ الله عند إحرامِهِ، فإنَّه تطيَّب عند إحرامه، وإنما خَشِيَ عمرُ أن يَقتدي بمعاوية مَن لا يَعلمُ ذلك، فيفيدُ جوازَ الطِّيبِ وتعاطيه في الإحرام، والله أعلم. ¬
أثر فيه جواز الاغتسال للمحرم، وانغماره بالماء حتى يغيب فيه
أثر فيه جواز الاغتسال للمُحرِم، وانغماره بالماء حتى يغيب فيه (317) قال الشافعي (¬1): أنا ابن عيينة، عن عبد الكريم الجَزَري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ربما قال لي عمرُ بن الخطاب: تَعَالَ أُباقِيكَ في الماءِ، أَيُّنا أطولُ نَفَسًا، ونحن مُحرِمُون. إسناد صحيح. أثر آخر (318) قال الشافعي (¬2): أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، أخبرني عطاء: أن صفوان بن يعلى أَخبَرَه عن أبيه يعلى بن أُميَّة أنَّه قال: بَيَنما عمرُ يَغتَسِلُ إلى بعيرٍ، وأنا أَسترُ عليه بثوبٍ، إذ قال له عمرُ: يا يعلى، أَصبُبْ على رأسي؟ فقلت: أميرُ المؤمنين أَعلَمُ. فقال عمرُ: والله ما يزيدُ الماءُ الشَّعرَ إلا شَعَثًا. فسمَّى اللهَ، ثم أفاض على رأسِهِ. إسناد جيد. وسيأتي (¬3) -إن شاء الله- في مسند ابن عباس، عن أبي أيوب: أنَّ ¬
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَغتَسِلُ، وهو مُحرِمٌ (¬1). حديث آخر (319) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى قال: قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاءِ (¬3)، فقال: «بِمَ أَهلَلْتَ؟». فقلت: بإهلالٍ، كإهلالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فقال: «هل سُقْتَ من هَدْيٍ؟»، قلتُ: لا. قال: «طُفْ بالبيتِ، وبالصَّفا والمروةِ، ثم حِلَّ». قال: فطُفْتُ بالبيتِ، وبالصَّفا والمروةِ، ثم أتيتُ امرأةً من قومي فمَشَّطَتني، وغسَلَتْ رأسي، فكنتُ أُفتي الناسَ بذلك إمارةَ أبي بكرٍ، وإمارةِ عمرَ، فإنِّي لَقَائمٌ في الموسمِ، فجاءني رجلٌ، فقال: إنك لا تدري ما أَحدَثَ أميرُ المؤمنين في شأنِ النُّسُكِ. فقلتُ: أيها الناسُ، مَن كنَّا أَفتَينَاهُ فُتيا؛ فهذا أميرُ المؤمنين قادمٌ عليه، فَبِهِ فائتَمُّوا. فلما قَدِمَ قلتُ: ما هذا الذي أَحدَثْتَ في شأنِ النُّسُكِ؟ فقال: إنْ نأخُذْ بكتابِ اللهِ؛ فإن اللهَ قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬4)، وإنْ نأخُذْ بسُنَّةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، فإنَّه لم يَحِلَّ حتى نَحَرَ الهَدي. ورواه ابن المديني، عن غُندَر، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، وقال: ¬
هذا إسناد حسن. وقد رواه مسلم (¬1)، والنسائي (¬2)، عن أبي موسى محمد بن مثنَّى، عن ابن مهدي، به. والبخاري (¬3)، عن محمد بن يوسف، عن سفيان / (ق 128) -وهو: الثوري-، به. وأخرجه الشيخان (¬4) من وجه آخر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى الأشعري، به. لكن ذَكَره أصحاب الأطراف (¬5) في مسند أبي موسى. وذَكَروا في مسند عمر (¬6): ما رواه مسلم (¬7)، والنسائي (¬8)، وابن ¬
ماجه (¬1) من حديث شعبة، عن الحكم، عن عُمارة بن عُمَير، عن إبراهيم بن أبي موسى، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذَكَر الحديث. قال علي ابن المديني: وهذا إسناد صالح. قلت: والكل قريب، وقد كان عمرُ -رضي الله عنه- يَستحبُّ إفرادَ الحجّ عن العمرة ليُفَعَلا على الوجه الأكمل، وإن كان التمتعُ بهما جائزًا عنده -كما تقدَّم عنه-، وكما دلَّت على ذلك السُّنة النبوية، ولم يكن عمرُ -رضي الله عنه- ينهى عن ذلك مُحرِّمًا له، كما اعتقده بعضهم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. فأما قول الدارقطني (¬2): (320) ثنا محمد بن مَخلد، ثنا علي بن محمد بن معاوية البزاز، ثنا عبد الله بن نافع، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استَعمَلَ عتَّاب بن أَسِيد على الحجِّ، فأَفرَدَ، ثم استَعمَلَ أبا بكر سنةَ تسعٍ، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سنةَ عشرٍ، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم تُوفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم واستَخلَفَ أبا بكر (¬3)، فبَعَث عمرَ، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم حجَّ أبو بكر، فأَفرَدَ الحجَّ، وتُوفي أبو بكر فاستَخلَفَ عمرَ (¬4)، فبَعَث عبد الرحمن بن عوف، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم حجَّ عمرُ سِنيَّهُ كلَّها، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم تُوفي عمرُ واستُخلِفَ عثمانُ، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم ¬
حُصِرَ عثمانُ، فأقام عبد الله بن عباس بالناسِ، فأَفرَدَ الحجَّ. فهذا حديث غريب، وهو محمول على أنهم أَفرَدُوا ... (¬1)، والله أعلم. ¬
حديث في كفارات الإحرام
حديث في كفَّارات الإحرام (321) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا أبو عُبيدة بن الفُضيل بن عياض، ثنا مالك بن سُعَير، عن الأجلح، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمرَ بن الخطاب -قال: ولا أَراه إلا أنَّه قد رَفَعه-: أنَّه حَكَم في الضَّبُع يُصيبُهُ المُحرِمُ شاةً، وفي الأرنبِ عَنَاقٌ (¬2)، وفي اليربوعِ (¬3) جَفْرةٌ (¬4)، وفي الظَّبي كَبشٌ. هكذا رواه الأَجلح بن عبد الله الكندي -وفيه ضعف (¬5) -، عن أبي الزُّبير، مع أنَّه شك في رفعه. وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي (¬6)، عن مالك (¬7): أنَّ أبا الزُّبير حدَّثه عن جابر: أنَّ عمرَ قَضَى في الضَّبعِ بكَبشٍ، وفي الغزالِ بعَنْزٍ، وفي الأرنبِ بعَنَاقٍ، وفي اليربوعِ / (ق 129) بجَفرةٍ. وهذا هو الصحيح موقوف. ¬
(322) وقد رواه الإمامان الشافعي (¬1)، وأحمد (¬2)، وأهل السُّنن (¬3) من حديث عبد الرحمن بن أبي عمَّار، عن جابر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بقصة الضَّبُع فقط. وقال البخاري والترمذي: هو حديث حسن صحيح (¬4). وحسَّنه -أيضًا- الدارقطني، والبيهقي (¬5). وسيأتي (¬6) تمام الكلام عليه في مسند جابر، إن شاء الله تعالى. أثر آخر (323) قال أبو عبيد (¬7): ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن سمَاك بن حرب، عن النعمان بن حميد، عن عمرَ: أنَّه قَضَى في الأرنب بحُلاَّن إذا قَتَلَهَا المُحرِم. يعني: الجَدْيَ. ¬
حديث في النهي عن قطع حشيش الحرم
حديث في النهي عن قطع حشيش الحَرَم (324) قال أبو طاهر المُخلِّص: ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرِّفاعي، ثنا حفص بن غياث، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن عُبيد بن عُمَير: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- رأى رجلاً يَحتشُّ في الحَرَم، فقال: أَمَا عَلِمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا؟ قال: فشَكى إليه الحاجةَ، فَرَقَّ له، وأَمَرَ له بشيءٍ. هكذا أورده الضياء المقدسي في كتابه «المختارة» (¬1) من هذا الوجه. وقال الدارقطني (¬2): ورواه بعضهم عن عبد الملك بن أبي سليمان موقوفًا على عمرَ (¬3). وكذا رواه الحجَّاج بن أرطاة (¬4)، عن عطاء، موقوفًا. ¬
والموقوف هو المحفوظ. ورواه ابن جريج، عن عطاء، عن عمرَ، قولَه (¬1). ¬
حديث في دخول مكة
حديث في دخول مكة (325) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا زُهَير، ثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلتُ لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه: كيف صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكةَ؟ قال: صلَّى ركعتين. ورواه أبو داود (¬2)، عن زُهَير -وهو: ابن حرب-، عن جرير، بإسناده، ولفظه: قلتُ لعمرَ: كيف صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين دخل البيتَ؟ قال: صلَّى ركعتين. ورواه علي ابن المديني، عن جرير، به، ولفظه: قال: قال عمرُ: لمَّا افتتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكةَ دخل البيتَ، فصلَّى ركعتين، ثم قال: هذا حديث صالح الإسناد، ولم يُرو عن عمرَ إلا من هذا الوجه (¬3). ¬
أثر في القول عند رؤية البيت
أثر في القول عند رؤية البيت (326) قال سعيد بن منصور ... (¬1) عن سعيد بن المسيّب قال: سَمِعتُ هذا من عمرَ، ما بَقِيَ على الأرض سَمِعَ هذا منه غيري: أنَّه نَظَرَ إلى البيت، فقال: اللهمَّ، أنت السلامُ، ومنك السلامُ، فحَيِّنا رَبَّنا بالسلام. هكذا رواه سعيد بن منصور في «سننه» (¬2). وقد رواه الإمام الشافعي (¬3)، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن سعيد بن المسيّب، عن أبيه، قولَه، فالله أعلم. ¬
حديث في استلام الحجر عند افتتاح الطواف
حديث في استلام الحَجَر عند افتتاح الطَّواف (327) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن عبيد، وأبو معاوية، قالا: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة قال: رأيتُ عمرَ -رضي الله عنه- أتى الحَجَرَ، فقال: أَمَا واللهِ، إنِّي لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، لا تَضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلك ما قَبَّلتُكَ. ثم دنا فقَبَّلَهُ. ورواه أحمد -أيضًا- (¬2)، / (ق 130) عن أسود بن عامر، عن زُهَير، عن الأعمش، به. ورواه البخاري (¬3)، وأبو داود (¬4)، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري. ومسلم (¬5)، والترمذي (¬6)، من حديث أبي معاوية. والنسائي (¬7)، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، وجرير. أربعتهم عن الأعمش، به. ¬
وقد رواه البخاري (¬1)، ومسلم (¬2)، والنسائي (¬3) من طرق عن زيد بن أسلم، عن أيبه، عن عمرَ، به. وقال علي ابن المديني: روي من غير وجه عن عمرَ رضي الله عنه. قلت: هي مفيدة للقطع عند كثير من الأئمَّة، وقد أوردتُ منها قطعةً كبيرةً ههنا. طريق أخرى (328) قال أحمد (¬4): ثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: رأيتُ عمرَ يُقبِّلُ الحَجَرَ، ويقول: إنِّي لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، لا تَضرُّ ولا تَنفعُ، ولكنِّي رأيتُ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بِكَ حَفِيًّا. وهكذا رواه أحمد -أيضًا- (¬5)، عن وكيع، عن سفيان، وزاد: فقبَّله، والتَزَمه. وأخرجه مسلم (¬6)، عن محمد بن المثنىَّ، عن عبد الرحمن بن مهدي، به. وعن أبي بكر بن أبي شيبة، وزُهَير بن حرب. والنسائي (¬7)، عن محمود بن غَيْلان. كلُّهم عن وكيع، عن سفيان الثوري، به. ¬
طريق أخرى (329) قال أحمد (¬1): ثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيم، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس: أنَّ عمرَ بن الخطاب أَكَبَّ على الرُّكن، وقال: إنِّي لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، ولو لَمْ أَرَ حبيبي صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ واسْتَلَمَكَ، ما اسْتَلَمْتُكَ، ولا قَبَّلتُكَ، لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حَسَنةٌ. وهذا إسناد صحيح، ولم يخرِّجوه. طريق أخرى (330) / (ق 131) قال أبو داود الطيالسي (¬2): ثنا جعفر بن عثمان القرشي -من أهل مكة- قال: رأيت محمد بن عبَّاد بن جعفر قبَّل الحَجَرَ، وسَجَدَ عليه، ثم قال: رأيتُ خالَكَ ابنَ عباس قَبَّلَهُ، وسَجَدَ عليه. وقال ابن عباس: رأيتُ عمرَ بن الخطاب قَبَّلَهُ، وسَجَدَ عليه، ثم قال عمرُ: لو لَمْ أَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَهُ ما قَبَّلتُهُ. وهذا -أيضًا- حسن، ولم يخرِّجوه (¬3). ¬
ولكن رواه النسائي (¬1)، عن عمرو بن عثمان، عن الوليد بن مسلم، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمرَ، به. طريق أخرى (331) قال أحمد (¬2): ثنا عبد الرزاق، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ قَبَّلَ الحَجَرَ، ثم قال: قد عَلِمتُ أنك حَجَرٌ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ ما قَبَّلتُكَ. ¬
ورواه مسلم (¬1)، عن محمد بن أبي بكر المقدَّمي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، به. وقال الدارقطني (¬2): اختُلف فيه على أيوب، وحماد بن زيد، وقد وَصَله مُسدَّد، والحَوَضي، عن حماد. وخالَفَهم سليمان بن حرب، وأبو الرَّبيع وعارِم، فأرسَلُوه عن حماد بن زيد. وقال ابن عُليَّة: عن أيوب: نُبِّئتُ أنَّ عمرَ ... ، ليس فيه نافع ولا ابن عمر. (قال: وهو صحيح من حديث عابس بن ربيعة، وسُوَيد بن غَفَلة، وعبد الله بن سَرجس، عن عمرَ ...) (¬3). قلت: ورواه أحمد (¬4)، عن أبي معاوية، عن عاصم الأَحول، عن عبد الله بن سَرجس، عن عمر، نحوه. وعن غُندَر (¬5)، عن شعبة، عن عاصم، به. ورواه مسلم (¬6)، والنسائي (¬7) من طرق عن حماد بن زيد، عن عاصم الأَحول، عن عبد الله بن سَرجس، عن عمرَ، به. ¬
ورواه ابن ماجه (¬1)، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬2)، وعلي بن محمد. كلاهما عن أبي معاوية، عن عاصم الأَحول، به، نحوه. طريق أخرى (332) قال أحمد (¬3): ثنا وكيع ويحيى -واللفظ / (ق 132) لوكيع-، عن هشام، عن أبيه: أنَّ عمرَ أتى الحَجَرَ، فقال: إني لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، لا تَضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُك ما قَبَّلتُك. قال: ثم قَبَّلَهُ. وهذا منقطع حسن. طريق أخرى (333) قال أحمد (¬4): ثنا وكيع، ثنا ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن يعلى بن أُميَّة، عن عمرَ أنَّه قال: إني لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، لا تَضرُّ ولاتَنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ ما قَبَّلتُكَ. وهذا إسناد جيد حسن، ولم يخرِّجوه. ¬
طريق أخرى (334) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا ابن إدريس، عن حِزَام بن هشام بن حُبَيش بن الأشعر الخزاعي قال: سَمِعتُ أبي يَذكر أنَّه رأى عمرَ بن الخطاب يُقبِّلُ الحَجَرَ، فقال: أَشهدُ أنك حَجَرٌ، ولكنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُكَ. غريب حسن؛ لأن حِزَام بن هشام بن حُبَيش بن خالد بن الأشعر روى عنه غير واحد، منهم عبد الله بن إدريس، ووكيع، ويحيى بن يحيى. وقال أبو حاتم الرازي (¬2): محلُّه الصِّدق. وأما أبوه؛ فروى عن عمرَ، وعائشة، وسُرَاقة بن مالك، وعنه: ابنه حِزَام فقط. قاله أبو حاتم الرازي (¬3). حديث آخر (335) قال أحمد (¬4): ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي يَعْفور العَبدي، قال: سَمِعتُ شيخًا بمكة في إمارة الحجَّاج يحدِّث عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عمرُ، إنك رجلٌ قويٌّ، لا تُزَاحِمْ على الحَجَر، فتُؤذِيَ الضعيفَ، إنْ وَجَدتَ خَلْوةً فاستَلِمْهُ، وإلا فاستَقْبِلْهُ، فهَلِّلْ وكَبِّرْ». ¬
إسناده / (ق 133) جيد، لكن راويه عن عمرَ مبهم لم يسمَّ، فالله أَعلم به، والغالب أنَّه ثقة جليل، فقد رواه الإمام الشافعي (¬1)، عن سفيان بن عيينة، عن أبي يَعْفور العَبدي -واسمه: وَقْدان-، قال: سَمِعتُ رجلاً من خُزَاعة حين قُتِلَ ابن الزُّبير -وكان أميرًا على مكةَ- يقول: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم لعمرَ: «يا أبا حفص، إنكَ رجلٌ قويٌّ؛ فلا تُزَاحِمْ على الرُّكنِ، فإنَّك تُؤذِيَ الضعيفَ، ولكنْ إنْ وَجَدتَ خَلْوةً فاستَلِمْ, وإلاَّ فكبِّر، وامْضِ». قال سفيان: هو: عبد الرحمن بن الحارث، كان الحجَّاج استَعمَلَهُ عليها مُنصَرفه منها حين قُتِلَ ابن الزُّبير (¬2). قلت: وقد كان جليلاً نبيلاً، وكان أحدَ النَّفَر الذين نَدَبَهُم عثمانُ في كتابة المصحف الإمام (¬3). حديث آخر (336) قال أحمد (¬4): ثنا رَوْح، ثنا ابن جريج، أخبرني سليمان بن عَتيق، عن عبد الله بن بابَيْه، عن بعض بني يعلى، عن يعلى بن أميَّة قال: ¬
طُفْتُ مع عمرَ بن الخطاب، فاستَلَمَ الرُّكنَ، قال يعلى: فكنتُ ممَّا يلي البيتَ، فلمَّا بَلَغْنا الرُّكنَ الغربيَّ الذي يلي الأسودَ جَرَرتُ بيده ليَستَلِمَ، فقال: ما شأنُكَ؟ فقلتُ: ألا تَستَلمُ؟ قال: أَلَمْ تَطُفْ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلتُ: بلى. فقال: أَفَرأيتَهُ يَستَلِمُ هذين الغربيَّين (¬1)؟ قلتُ: لا. قال: أفليس لك فيه أسوةٌ؟ (¬2). قال: قلتُ: بلى. قال: فانفُذْ عنك (¬3). وهذا إسناد جيد -أيضًا-، وليس هو في شيء من الكتب الستة، وجهالة ابن يعلى بن أميَّة لا تضر؛ لأنهم كلَّهم ثقات (¬4). وقد رواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬5)، عن يحيى، عن ابن جريج، عن سليمان، عن عبد الله بن بابَيْه، عن يعلى بن أُميَّة نفسه، فالله أعلم. ¬
حديث في الاضطباع والرمل في الطواف
حديث في الاضطِّباع والرَّمَل في الطَّواف (¬1) (337) قال أحمد (¬2): ثنا عبد الملك بن عمرو، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: فيمَ الرَّمَلانُ الآن، والكشفُ عن المناكب، وقد أَطَّأَ اللهُ الإسلامَ، ونَفَى الكفرَ وأهلَهُ، ومع ذلك لا نَدَعُ شيئًا كنَّا نَفعلُهُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه أبو داود في الحجِّ من «سننه» (¬3)، عن أحمد بن حنبل، به. ¬
وأخرجه ابن ماجه (¬1)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، / (ق 134) عن جعفر بن عَون، عن هشام بن سعد، به. طريق أخرى (338) قال مُسدَّد في «مسنده»: ثنا يزيد، عن يحيى، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكَة قال: جاء عمرُ إلى الحَجَر، فقال: عَلاَمَ نُبدي مناكبنا وقد جاء اللهُ بالإسلامِ؟ ثم قال: لأَرمُلَنَّ، كما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَرمُلُ. إسناد حسن. (339) وقال ابن عباس: رَمَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّته، وفي عُمَرِهِ كلِّها، وأبو بكرٍ، وعمرُ، والخلفاءُ. رواه أحمد (¬2). ¬
أثر آخر (340) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن عاصم، عن حبيب بن صُهبان: أنَّه رأى عمر يطوفُ بالبيت وهو يقول: ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً، وفي الآخرةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عذابَ النَّارِ. ما لَهُ هِجِّيرَى غيرُها. ¬
قال أبو عبيد: قال الكسائي وأبو زيد وغير واحد: هِجِّيرَاه: كلامُهُ ودَأْبُهُ وشأنُهُ. قال أبو عبيد: والهِجِّيرى: كالخِليِّفى، والخِطِّيبى، والرِمِّيى، والهِزِّيمى، والحِجِّيزى، والرِدِّيدى من الردِّ، والمِنِّينَى من المِنَّة. وكلُّها مقصورة.
حديث آخر في ترك الصلاة بين الطوافين
حديث آخر في ترك الصلاة بين الطوافين (341) قال الهيثم بن كُلَيب الشاشي في «مسنده» (¬1): ثنا أبو بكر ابن أبي خيثمة (¬2)، ثنا أحمد بن جُنَاب، ثنا عيسى، عن عبد السلام بن أبي الجَنوب (¬3)، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: طُفْتُ مع عمرَ بالبيتِ، فلما أتممنا دَخَلنا في الثاني، فقلتُ له: إنَّا قد أتممنا. قال: إنِّي لم أَوْهَم، ولكنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقرِنُ، فأنا أُحبُ أن أَقْرِنَ. أورده الحافظ الضياء في كتابه «المختارة» (¬4) من هذا الوجه، وهو غريب (¬5). ¬
(342) وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث ياسين بن معاذ، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن أبيه عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَنَ ثلاثةَ أسابيعَ. لكن ياسين: ضعيف (¬1). ¬
أثر عن عمر في تأخير صلاة الطواف
أثر عن عمر في تأخير صلاة الطَّواف (343) قال البخاري (¬1): وطاف عمرُ بعد صلاةِ الصبحِ فرَكِبَ حتى صلَّى الركعتين بذي طُوًى. ¬
أثر عن عمر فيما جدد عند الكعبة
أثر عن عمر فيما جُدِّد عند الكعبة (344) قال البخاري (¬1): ثنا أبو النعمان: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي يزيد قالا: لم يكن حولَ البيتِ على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حائطٌ، كانوا يُصلُّون حولَ البيتِ، حتى كان عمرُ، فبَنَى حولَهُ حائطًا. قال عبيد الله: جَدرُهُ قصيرٌ، فبَنَاهُ ابنُ الزُّبير رضي الله عنه (¬2). / (ق 135) أثر آخر (345) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3): أنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل، ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السُّلمي، ثنا أبو ثابت، ثنا الدَّرَاوَردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ المَقَامَ كان في زمانِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وزمانِ أبي بكرٍ، مُلتَصقًا بالبيتِ، ثم أَخَّره عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه. هذا إسناد صحيح (¬4). ¬
(346) وهكذا روى عبد الرزاق (¬1)، عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: أوَّل مَن أَخَّرَ المَقَامَ إلى موضعِهِ الآن عمرُ بن الخطاب. (347) وقال عبد الرزاق -أيضًا- (¬2)، عن ابن جريج: حدَّثني عطاء وغيره من أصحابنا قالوا: أوَّلُ مَن نَقَلَهُ عمرُ. أثر آخر فيه غرابة (348) قال الحافظ أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي (¬3) في ¬
كتابه «الآداب»: ثنا محمد بن المهلَّب، ثنا علي بن جرير، ثنا حماد، عن ثابت، عن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير (¬1) قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: المؤمنُ أكرمُ على اللهِ من الكعبةِ. وهذا منقطع. (349) لكن روي مثلُه عن ابن عمرَ (¬2)، وابن عباس (¬3)، وعبد الله بن عمرو (¬4): أنَّ كلاًّ منهم نَظَرَ إلى الكعبة، فقال: ما أَعظمَ حُرْمتَكِ! والمؤمنُ أعظمُ حُرْمةً منكِ. ¬
وأسانيد ذلك جيِّدة، والله أعلم. (350) وقال سفيان الثوري: عن واصل الأَحدب، عن أبي وائل قال: جَلَستُ مع شيبةَ على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جَلَس هذا المجلسَ عمرُ، فقال: لقد هَمَمتُ ألا أَدعَ فيها صَفراءَ ولا بيضاءَ إلا قَسَمتُها. قلتُ: إنَّ صَاحِبَيكَ لم يَفْعلا. قال: هما المرآنِ أَقتدِي بهما. رواه البخاري (¬1). وسيأتي (¬2) بتمامه في مسند شيبة بن عثمان الحَجَبي رضي الله عنه. ¬
حديث في السعي
حديث في السَّعي (351) قال سفيان الثوري (¬1)، عن عبد الكريم الجَزَري، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عمرَ قال: رأيتُ عمرَ يمشي بين الصَّفا والمروة، / (ق 136) وقال: إنْ مَشَيتُ؛ فقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وإنْ سَعَيتُ؛ فقد رأيتُهُ يَسعى. إسناده صحيح. (352) وقال الدارقطني (¬2): ثنا أحمد بن محمد بن سعيد، ثنا حفص بن محمد بن مروان، ثنا عبد العزيز بن أبان قال لأبي بُرْدة عمَّا ذكر إبراهيم (¬3) عن عبد الله قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَطوفُ لعُمرتِهِ وحجَّتِهِ طوافين، ويَسعى سَعيَين، وأبو بكرٍ، وعمرُ، وعليٌّ، وابنُ مسعود رضي الله عنهم. ثم قال الدارقطني: أبو بُرْدة هذا هو: عمرو بن يزيد: ضعيف (¬4). ¬
حديث في الدفع من المزدلفة
حديث في الدفع من المزدلفة (353) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرزاق، وعبد الرحمن، أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب قال: كان المشركون لا يُفيضون من جَمْعٍ حتى تُشرِقَ الشمسُ على ثَبِيرٍ، وكانوا يقولون: أَشرِقْ ثَبِير، كَيْما نُغِير، فخالَفَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأفاضَ قبلَ أنْ تطلُعَ الشمسُ. ورواه أحمد -أيضًا- (¬2): ثنا عفَّان، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سَمِعتُ عمرو بن ميمون قال: صلَّى بنا عمرُ بجَمْعٍ الصبحَ، ثم وَقَف، قال: وقال: إنَّ المشركين كانوا لا يُفيضونَ حتى تَطلُعَ الشمسُ، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خالَفَهم، ثم أفاضَ قبلَ أن تَطلُعَ الشمسُ. وقد رواه البخاري (¬3)، وأبو داود (¬4) من حديث سفيان -وهو: الثوري- به. ¬
والبخاري -أيضًا- (¬1)، والترمذي (¬2)، والنسائي (¬3) من حديث شعبة، به. وابن ماجه (¬4) من حديث حجَّاج بن أرطاة. ثلاثتهم عن أبي إسحاق السَّبيعي، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ¬
حديث في رمي الجمرة
حديث في رمي الجمرة (354) قال أبو بكر الإسماعيلي: ثنا علي بن الحسين بن حبَّان - صاحب التاريخ -، ثنا ابن بكَّار، ثنا حُدَيج بن معاوية، ثنا أبو إسحاق الهَمْداني، عن عمرو بن ميمون قال: رأيتُ عمرَ -رضي الله عنه- رَمَى الجمرةَ من بطنِ الوادي، فقال: والذي أَنزَلَ على عبدِهِ سورةَ البقرةِ؛ لقد رأيتُهُ صلى الله عليه وسلم / (ق 137) رَماَها ببطنِ الوادي. قال: ورَمَى رجلٌ الجمرةَ، فأصاب رأسَ عمرَ، فوالله ما أَخطأتِ الصَّلعةَ، فَشَجَّتهُ، فرأيتُهُ رَفَع يدَه إلى رأسِهِ، ثم نَظَر، فإذا الدَّم قد سال، فواللهِ ما أَرسَلَ إلى أحدٍ ولا سَبَّ أحدًا (¬1). وقد روى من حديث يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّه لما شجَّه ذلك الرجلُ قال بنو لهب -وكانوا يَعتَافون (¬2) -: والله لا يَرْمِها بعد عامِهِ هذا. فكان كذلك (¬3). ¬
أثر آخر (355) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، أنا حجَّاج، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن ابن الزُّبير، عن عمرَ قال: مَن لبَّد، أو عَقَصَ، أو ضَفَرَ؛ فعليه الحَلْقُ. ¬
ثم روى مثلَه عن عليٍّ (¬1)، وابن عمرَ (¬2). قوله: لبَّد: يعني: أن يجعل في رأسه شيئًا من صَمغ أو عسل لِيَتَلبَّدَ فلا يَقْمَل. هكذا فسَّره يحيى بن سعيد، وسألته عنه. وقال غيره: إنما التَّلبيد بُقْيًا على الشَّعر لئَّلا يَشعَثَ في الإحرام، فلذلك وَجَبَ عليه الحَلْقُ شبيهًا بالعقوبة له. وكان سفيان بن عيينة يقول بعضَ هذا. وأما العَقص والضَّفر فهو: فَتلُهُ ونَسجُهُ، وكذلك: التجمير. قال إبراهيم النَّخَعي: العاقِصُ، والضَّافِرُ، والمُجمِّرُ: عليهم الحَلْقُ. ¬
أثر آخر في بيان ما يحل بالتحلل الأول
أثر آخر في بيان ما يَحِلُّ بالتحلُّل الأوَّل (356) قال الشافعي (¬1): أنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله، عن عمرَ قال: إذا رميتُم الجمرةَ، فقد حَلَّ لكم ما حرُمَ عليكم، إلا النِّساءَ والطِّيبَ. إسناد جيد، وإن كان سالمًا لم يَسْمعه من عمرَ (¬2). ¬
أثر في [حكم] النفر الأول
أثر في [حكم] (¬1) النَّفر الأول (357) قال أبو عبيد (¬2): حدثني يحيى بن سعيد، عن شريك، عن زياد بن عِلاَقة، عن المعرور بن سُوَيد، عن عمرَ أنَّه قال: مَن شاء فليَنفِر في النَّفر الأوَّل، إلا بني أسد بن خزيمة. ¬
(358) وحدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن واصل الأحدب، عن المعرور: أنَّه سَمِعَ عمر يقول: يا آلَ خزيمةَ، أَصبِحُوا. وفي بعض الحديث: حَصِّبوا. قال أبو عبيد: وإنما خصَّ بني خزيمة -وهم: قريش وكِنانة- بذلك؛ لقُرب منازلهم من الحَرَم. والتحصيب: هو المبيت في المحصَّب، وهو الشِّعْب الذي يُخرِجُ إلى الأَبطَح. قال: وكان هذا شيئًا يُفعَل، ثم تُرِكَ. (359) قالت عائشة: ليس التحصِّيبُ بشيءٍ، إنما كان منزلاً نَزَلَهُ رسولُ الله ليكونَ أَسمَحَ لخروجه (¬1). ¬
حديث في توصية الحاج أو المعتمر بالدعاء
حديث في توصية الحاج أو المعتمر بالدُّعاء (360) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عاصم، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ -رضي الله عنه-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه استأذنه في العمرة، فأَذِنَ له، وقال له: «يا أُخَيَّ، لا تَنْسَنَا من دعائِكَ». وقال بعدُ في المدينة: «يا أُخيَّ، أَشْرِكْنَا في دعائِكَ». قال عمرُ: ما أُحبُّ أنَّ لي بها ما طَلَعتْ عليه الشمسُ، لقوله: «يا أُخَيَّ». وهكذا رواه علي ابن المديني، عن غُندَر، وأبي الوليد. كلاهما عن شعبة، به، وقال: لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وعاصم بن عبيد الله فيه ضعف، روى أحاديث مسندة. وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة من «سننه» (¬2). والحافظ أبو يعلى في «مسنده» (¬3). جميعًا عن سليمان بن حرب (¬4)، عن شعبة. ورواه الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬5)، عن أبي مسلم الكَشِّي، عن سليمان بن حرب، وحجاج بن نصير، وعمرو بن مرزوق. ثلاثتهم عن شعبة، به. ¬
/ (ق 138) ورواه ابن ماجه في الحجِّ من «سننه» (¬1)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن عبيد الله العُمَري، به. وكذا رواه الترمذي في الدَّعوات من «جامعه» (¬2)، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، به. وقال: هذا حديث حسن صحيح. قلت: وكذا اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه (¬3). ¬
أحاديث في فضل الحرمين الشريفين زادهما الله تعظيما
أحاديث في فضل الحَرَمين الشريفين زادهما الله تعظيمًا (361) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا محمد بن يحيى بن السَّكَن (¬2)، ثنا حَبَّان بن هلال -وأملاه علينا من كتابه-، عن همام، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدٍ: مسجدِ الحرامِ، ومسجدي هذا، ومسجدِ الأقصى». وهذا إسناد جيد، لكن قال البزَّار عقيب روايته له: أخطأ فيه حِبَّان؛ لأنَّ همامًا وغيره إنما يروونه عن قتادة، عن قَزَعة بن يحيى، عن أبي سعيد (¬3). (362) قلت: وروى الإسماعيلي من حديث الثوري، عن أبي سنان ضرار، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: سَمِعتُ عمرَ خَطَبنا بالرَّوْحاء (¬4)، فقال: لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى البيتِ العتيقِ (¬5). ¬
هكذا رواه موقوفًا على عمرَ رضي الله عنه. حديث آخر (363) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1): ثنا سوَّار بن ميمون أبو الجرَّاح العَبدي قال: حدَّثني رجل من آل عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن زار قبري -أو قال: / (ق 139) مَن زارني - كنتُ له شهيدًا -أو شفيعًا-، ومَن مات في أحدِ الحَرَمين، بَعَثَهُ اللهُ في الآمنينَ يومَ القيامةِ». قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬2): هذا إسناد مجهول، وقد اختُلف فيه، فقيل: ميمون بن سوَّار، وقيل: سوَّار بن ميمون. ¬
ثم قال (¬1): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو الحسن الدارقطني، أنا ابن عُقدةَ، حدثني داود بن يحيى، ثنا أحمد بن الحسن الترمذي، ثنا عبد الملك بن إبراهيم الجُدِّى، ثنا شعبة، عن سوَّار بن ميمون، عن هارون بن قَزَعة، عن رجل من آل الخطاب (¬2)، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه ¬
قال: «مَن زارني متعمدًا، كان في جِوَاري يومَ القيامةِ، ومَن مات في أحدِ الحَرَمينِ، بعَثَه اللهُ في الآمنينَ يومَ القيامةِ». وهكذا رواه الحافظ ابن عدي (¬1)، عن محمد بن موسى، عن أحمد بن الحسن الترمذي ... ، فذَكَره. أورده في ترجمة هارون بن قَزَعة، وحكى عن البخاري أنَّه قال: لا يُتابَع عليه. ¬
وكذا قال ابن حبان، والأزدي (¬1). ثم رواه الدارقطني (¬2)، والقاسم ابن عساكر (¬3) من طرق صحيحة (¬4)، ¬
عن محمد بن الوليد البُسري: ثنا وكيع، ثنا خالد بن أبي خالد وابن عَون، عن الشَّعبي، والأسود بن ميمون، عن هارون بن قَزَعة (¬1)، عن رجل من آل حاطب، مرفوعًا: «مَن زراني بعد موتي، فكأنَّما زارني في حياتي». وهذه الطريق والتي قبلها أمثلُ من رواية أبي داود الطيالسي، والله أعلم. وقد روي هذا الحديث من طرق أخر عن جماعة من الصحابة، قد أَفرَدتُ في ذلك جزءًا على حِدَة، والله سبحانه وتعالى أعلم. / (ق 140) أثر عن عمر (364) قال ابن ماجه -في كتاب الجنائز- (¬2): ثنا عمر بن شَبَّة، ثنا عبيد بن الطُّفيل المقرئ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مُلَيْكَة ¬
-وهو: المُلَيكي-، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن عائشةَ -رضي الله عنه- قالت: لمَّا مات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اختَلَفوا في اللَّحدِ (¬1) والشَّقِّ، فتَكَلَّموا في ذلك، حتى ارتَفَعَتْ أصواتُهُم، فقال عمرُ رضي الله عنه: لا تَضجُّوا (¬2) عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حيًّا، ولا ميتًّا. حديث آخر (365) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬3): ثنا عبد الله بن جعفر، أنا إسماعيل بن عبد الله، ثنا محمد بن سليمان القرشي، ثنا مالك بن أنس، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمرَ، حدثني عمرُ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَضَعتُ مِنبَري على تُرعةٍ من تُرَعِ الجنَّةِ». ¬
ذَكَره الحافظ الضياء في «المختارة» (¬1)، وحكى عن ابن أبي حاتم أنَّه قال (¬2): محمد بن سليمان بن معاذ القرشي، عن مالك بن أنس وعثمان بن طلحة القرشي، سَمِعَ منه أبي في أيام الأنصاري، وروى عنه عبَّاد بن الوليد الغُبَري، ولم يَذكر فيه جرحًا (¬3). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
طريق أخرى (366) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني أحمد بن محمد بن الجَعْد، ثنا عبد الملك بن عبد ربِّه، ثنا عطاء بن زيد، حدثني سعيد، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين قبري ومنبري واسطوانةِ التوبةِ روضةٌ من رياضِ الجنَّةِ» (¬1). ¬
قال عطاء: ورأيت ابن عمر يحفي شاربه. (367) / (ق 141) وبهذا الإسناد عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن حُدِّث حديثًا فعُمِلَ به، أُعطِيَ ذلك، وإن كان باطلاً». فيه نكارة شديدة جدًّا، والحديث الأوَّل له شاهد في «الصحيحين» (¬1)، والله أعلم. حديث آخر (368) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا محمد بن المثنىَّ، ثنا ¬
إبراهيم بن أبي الوزير، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن إسحاق بن المستورد، عن عبد الرحمن بن عمرو بن حارثة الأنصاري: أن عمر -رضي الله عنه- كان يأتي مسجدَ قُباءَ يوم الإثنين ويوم الخميس، فجاء يومًا، فلم يَجد فيه أحدًا من الناس، فقال: والذي نفسي بيده، لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ، وأناسًا من أصحابه، ونحن نَنقُلُ حجارتَهُ على بطوننا، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لهو أسَّسَهُ بيدِهِ، وجبريلُ يؤُمُّ له الكعبةَ. إسناده غريب. وسيأتي في كتاب النكاح في باب الوليمة حديث مرفوع في فضل المدينة (¬1). أثر آخر (369) قال البخاري في آخر كتاب الحج من «صحيحه» (¬2): ثنا يحيى بن بُكَير، ثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: اللهمَّ ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلدِ رسولِكَ. ¬
وقال ابن زُرَيع: عن رَوْح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن أُمِّه، عن حفصة بنت عمرَ قالت: سَمِعتُ عمرَ ... ، نحوه. وقال هشام: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة قالت: سَمِعتُ / (ق 142) عمرَ رضي الله عنه. انتهى ما ذَكَره البخاري. (370) وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬1): ثنا سليمان بن أحمد (¬2)، ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا أُميَّة بن بسطام، ثنا يزيد بن زُرَيع، عن رَوْح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن أُمِّه (¬3)، عن حفصةَ قالت: سَمِعتُ عمرَ يقول: اللهمَّ قَتْلاً في سبيلِكَ، ووفاةً في بلدِ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم. قلتُ: وأنَّى يكونُ هذا؟! قال: يأتي اللهُ به إذا شاءَ. قال الحافظ الدارقطني (¬4): رواه رَوْح بن القاسم، وحفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أُمِّه، عن حفصة. ورواه هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة. والصحيح: قول من قال: عن أُمِّه. قلت: وسنذكر باقي الكلام على هذا المعنى في وفاة عمر من «سيرته»، إن شاء الله تعالى. والغرضُ ههنا إنما هو سؤالُهُ -رضي الله عنه- الوفاةَ ببلدِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وقد استجاب اللهُ دعاءَه وتَقبَّلَ منه وجَعَلَهُ من أقربِ الخلائقِ إليه. ¬
حديث في فضل بيت المقدس
حديث في فضل بيت المقدس (371) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا الحسن بن سهل الجعفري (¬1)، ثنا أبو أسامة، عن عيسى بن سِنَان، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن محمد، عن أبيه قال: صلَّيتُ مع عمرَ في كنيسةٍ، يقال لها: كنيسةُ مريمَ، في وادي جهنَّمَ، فلمَّا انصرَفَ قال: لقد كنتُ غنيًّا أنْ أصلِّيَ على بابٍ من أبوابِ جهنَّمَ، ثم تَنخَّع، وعليه قميصان سُنبُلانيَان، فأخَرَج أحدَهما فبَزَق فيه، ودَلَك بعضَهُ / (ق 143) ببعض. قلنا: لو تَفَلتَ في الكنيسة، وهو مكان يُشرَكُ فيه، ثم صَنعتَ مارأينا؟ -يعني: من اتقائِهِ أن تَنَخَّعَ فيه- قال: فإنَّه وإنْ كان يُشرَكُ، فإنَّه يُذكَر فيه اسمُ اللهِ كثيرًا. قال: ثم دَخَلنا المسجدَ، فقال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «صَلَّيت ليلةَ أُسرِيَ بي في مُقدَّمِ المسجدِ، ثم دخلتُ إلى الصخرةِ، فإذا أنا بمَلَكٍ قائمٌ، معه آنيةٌ ثلاث، فقال: يا محمدُ -وأشار إليه بالآنية- قال: فتَنَاولتُ العسلَ، فشَرِبتُ منه قليلاً، ثم تَنَاولتُ الآخرَ، فشَرِبتُ منه حتى رَوِيتُ، فإذا هو لبنٌ، فقال: اشرَب من الآخر. فإذا هو خمرٌ، قلت: قد رَوِيتُ. قال: أمَا إنَّك لو شَرِبتَ من هذا لم تجتمع أُمَّتُك على الفطرةِ أبدًا. ثم انطَلَق بي إلى السماءِ، وفُرِضَتْ عليَّ الصلاةُ، ثم رَجَعتُ إلى خديجةَ، وما تَحَوَّلَتْ عن جانبها الآخرِ». هذا حديث غريب جدًّا. وفي «الصحيح»: أن خديجة ماتت قبل أن تُفرَضَ الصلاة. ¬
وهو المشهور عند العلماء: أن الإسراء كان بعد موت خديجة رضي الله عنها وأرضاها (¬1). وقد قدَّمنا في ذِكر المساجد (¬2) وَضْعَ عمرَ المسجد قِبلِي بيت المقدس بعد ما أشار كعبُ أن يكونَ من وراءِ الصخرةِ، فأَبَى عليه ذلك وعنَّفَهُ، ومع ذلك لم يمتهن الصخرةَ، بل أزاح الزِّبالةَ التي كانت عليها بردائه، وكَنَس معه المسلمون، وذلك أنَّ النصارى لما كانوا / (ق 144) قد استحوذوا على بيت المقدس جعلوا الصخرةَ مزبلةً؛ لأنها كانت قِبْلةَ اليهود، ومرادُهم بذلك الاقتصاص منهم لما وَضَعوا القمامةَ على الموضعِ الذي زَعَمتِ النصارى واليهودُ أنَّه قبرُ المسيحِ صلى الله عليه وسلم، ولُعِنَ اليهودُ والنصارى في بُهْتانِهِم على اللهِ، وعلى رسولِهِ. ¬
أثر في كون الأضحية غير واجبة
أثر في كون الأضحية غير واجبة (372) قال الإمام الشافعي (¬1): وبَلَغنا عن أبي بكر وعمرَ -رضي الله عنهما- أنهما كانا لا يُضحِّيان كراهيةَ أن يُقتدَى بهما فيَظنُّ مَن رآهما أنها سُنَّة (¬2). وهذا قد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3): فقال: (373) أنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن أحمد بن بَالُويه، ثنا محمد بن غالب، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن سعيد بن مسروق، عن الشَّعبي، عن أبي سَرِيحة قال: أدركتُ أبا بكرٍ وعمرَ وكانا لي جَارَيْن، وكانا لا يُضحِّيان. وهذا إسناد صحيح. وقد رواه -أيضًا- (¬4) من حديث مُطرِّف وإسماعيل، عن الشَّعبي. قال بعضهم: كراهية أن يُقتدَى بهما. ¬
حديث يذكر في باب العقيقة، فيه الدلالة على تغيير الاسم لمصلحة راجحة
حديث يُذكر في باب العقيقة، فيه الدلالة على تغيير الاسم لمصلحة راجحة (374) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا أبو عَوَانة، ثنا هلال بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نَظَر عمرُ إلى أبي عبد الحميد -أو: ابن عبد الحميد، شكَّ أبو عَوَانة- وكان اسمه: محمدًا، ورجلٌ يقول: يا محمدُ، فَعَلَ اللهُ بك، وفَعَلَ، وفَعَلَ، وجعل يَسبُّهُ، فقال أميرُ المؤمنين عند ذلك: يا ابنَ زيد، اُدْنُ منيِّ، ألا أَرى محمدًا صلى الله عليه وسلم يُسَبُّ بك! لا واللهِ لا يُدعى (¬2) محمدًا، ما دُمتُ حيًّا، فسمَّاه: ¬
عبد الرحمن، ثم أَرسَلَ إلى ابن (¬1) طلحة، ليُغيِّر أسماءَهم (¬2)، وهم يومئذٍ سبعةٌ، وسيِّدُهم أكبرُهم محمد (¬3). فقال محمد بن طلحة: أنشدُكَ اللهَ يا أميرَ المؤمنين، فواللهِ إنْ سمَّاني محمدًا -يعني- إلا محمدٌ صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ: قوموا، لا سبيل لي إلى شيء سمَّاه محمدٌ صلى الله عليه وسلم. ¬
حديث آخر فيه الدلالة على استحباب تغيير الاسم القبيح
حديث آخر فيه الدلالة على استحباب تغيير الاسم القبيح (375) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو النَّضر، ثنا أبو عَقيل، ثنا مُجالِد بن سعيد، أنا عامر، عن مسروق بن الأَجدع قال: لَقِيتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال لي: مَن أنت؟ قلت: مسروقُ بنُ الأَجْدَع. فقال عمرُ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «الأَجْدعُ شيطانٌ»، ولكنَّك مسروقُ بن عبد الرحمن. قال عامر: فرأيتُهُ في الدِّيوان: مسروقُ بن عبد الرحمن، فقلت: ما هذا؟! فقال: هكذا سمَّاني عمرُ بن الخطاب. ورواه أبو داود (¬2)، وابن ماجه (¬3) جميعًا في الأدب، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬4)، عن أبي النَّضر -وهو: هاشم بن القاسم-، عن أبي عَقيل -واسمه: عبد الله بن عَقيل الثَّقَفي الكوفي-، عن مُجالِد بن سعيد. وقد تكلَّموا فيه، ولكنه أخرج له مسلم في المتابعات. وقد رواه علي ابن المديني، عن أبي النَّضر، به، وقال: هذا حديث صالح الإسناد وليس بالصَّافي، وهو حديث كوفي، لا نحفظه إلا من هذا / (ق 145) الوجه، وأبو عَقيل: ضعَّفه أبو أسامة. انتهى كلامه رحمه الله (¬5). ¬
حديث آخر (376) قال أبو يعلى (¬1): ثنا موسى، ثنا أبو أحمد الزُّبيري، ثنا سفيان، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمرَ قال: إنْ عِشتُ -إنْ شاءَ اللهُ-؛ لأُخْرِجَنَّ اليهودَ من جزيرةِ العربِ. قال: وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَئِن عِشتُ -إنْ شاءَ اللهُ- لأَنهينَّ أن يُسمَّى رَبَاحًا، ونَجِيحًا (¬2)، وأَفلَحَ، ويَسَارًا». ورواه الترمذي (¬3)، وابن ماجه (¬4) بدون قصَّة إخراج اليهود والنصارى من حديث أبي أحمد الزُّبيري. ثم قال الترمذي: غريب، وهكذا رواه أبو أحمد، وهو ثقة حافظ، والمشهور عند الناس في هذا الحديث: عن جابر. ليس فيه عمر (¬5). ¬
حديث آخر (377) قال أبو داود (¬1): ثنا هارون بن زيد بن أبي الزَّرقاء، ثنا أبي، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- ضَرَبَ ابنًا له تكنَّى أبا عيسى، وأنَّ المغيرةَ بن شعبة تكنَّى بأبي عيسى، فقال له عمر: أَمَا يَكفيكَ أنْ تكتني بأبي عبد الله؟ فقال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كنَّاني. فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، وإنَّا في جَلْجَبَتِنَا (¬2)، فلم يَزَل يكنى بأبي عبد الله حتى هَلَكَ. وهكذا رواه حبيب بن الشَّهيد، عن زيد بن أسلم (¬3)، به. وهو إسناد حسن. لكن قال الدارقطني (¬4): رواه حماد بن سَلَمة وغيره، عن زيد بن أسلم مرسلاً، وهو أشبه. قلت: هكذا أورده أصحاب الأطراف (¬5) في مسند عمر، وهو مناسَب أن يُذكر في مسند المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. ¬
حديث آخر (378) قال أسد بن موسى في «فضائل الشيخين»: حدثنا قيس بن الربيع، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال: جاءت امرأةٌ إلى عمرَ، فقالت: إنَّ اسمي عاصية، فسمِّني باسمٍ غيره، فقال: اسمُكِ جميلة. فغَضِبتْ، وقالت: سمَّيتني اسمَ الولائدِ! قال: فأَتَتْ رسولَ الله، فذَكَرتْ ذلك له، فقالت: يا رسولَ الله، إنَّ اسمي عاصية، فحوِّل اسمي. قال: «أنتِ جميلةٌ»، فضَحِكتْ، وقالت: أتيتُ ابنَ الخطاب، فقال مثلَ ذلك! فقال: «أَمَا عَلِمتِ أنَّ اللهَ تعالى عند يدِ عُمرَ ولسانِهِ؟!» (¬1). وقد تقدَّم في كتاب الطهارة مثلُه من وجه آخر (¬2)، والله أعلم. ¬
أثر في كيفية الذبح
أثر في كيفية الذَّبح (379) قال الثوري (¬1): عن أيوب، عن يحيى بن أبي كثير، عن فُرافصَة الحنفي، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّه قال: الذَّكاةُ في الحَلْقِ واللَّبَّةِ، ولا تُعجِلُوا الأَنفُسَ أنْ تَزهَقَ. أثر آخر (380) قال أبو عبيد (¬2): ثنا مروان بن معاوية الفَزَاري، عن هشام ¬
الدَّستَوائي، وحجَّاج بن أبي عثمان، عن يحيى بن أبي كثير، عن المعرور الكلبي، عن عمرَ: أنَّه نهى عن الفَرْسِ في الذَّبيحةِ. قال: وحدَّثناه عبد الله بن المبارك، عن الأوزاعي، عن المعرور الكلبي، عن عثمان بن عفان، بذلك. قال أبو عبيد: ولا أرى المحفوظَ إلا هذا. قال أبو عُبيدة: والفَرْسُ هو: النَّخعُ، وذلك أن ينتهي بالذَّبح إلى النُّخاع، وهو عظم في الرَّقَبة. قال أبو عبيد: أما النَّخعُ؛ فهو كما قال، وأما الفَرْسُ؛ فهو كَسر رقَبَة الذَّبيحة قبل أن تَبرُدَ، وممَّا يبيِّن ذلك أن في الحديث: «ولا تُعجلوا الأنفس حتى تَزهَقَ».
أثر في النهي عن الحذف، والأمر [بالذبح] بالمحدد
أثر في النهي عن الحذف، والأمر [بالذَّبح] (¬1) بالمحدَّد (381) قال أبو عبيد (¬2): ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن عاصم، عن زرٍّ قال: قَدِمْتُ المدينةَ في يوم عيدٍ، فإذا رجلٌ مُتلبِّب (¬3)، أعسَر أيسَر (¬4)، يمشي مع الناس كأنَّه راكب، وهو يقول: هاجِرُوا، ولا تَهَجَّرُوا، واتَّقوا الأرنبَ أن يَحذِفَهَا أحدُكُم بالعَصا، ولكنْ ليُذَكِّ لكم الأَسَلُ: الرِّماحُ والنَّبلُ. قال أبو عبيد: قوله: ولا تَهَجَّرُوا: أي: لا تَشبَّهوا بالمهاجرين في الصُّورةِ الظاهرةِ من غير إخلاصٍ، كما يقال: تَحَلَّمَ وتَكَرَّمَ وتَشَجَّعَ، وليس كذلك. قال: والأَسَل: إنما يطلق غالبًا على الرِّماح، ولكن قد احتمل ههنا فيها، وفي النَّبل أيضًا. ¬
حديث في الأطعمة
حديث في الأطعمة (382) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد، عن قتادة، عن سليمان اليَشكري، عن جابر بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يُحرِّم الضَّبَّ وإنما قَذِرَه. هذا إسناد جيد قوي صحيح (¬2). تفرَّد بإخراجه ابن ماجه (¬3) من هذا الوجه، عن يحيى بن خَلَف، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، به. ولكن رواه مسلم بن الحجَّاج (¬4) من طريق أخرى: (383) فقال: حدَّثني / (ق 146) سَلَمة بن شَبيب، ثنا الحسن بن أَعْين، ثنا مَعقِل، عن أبي الزُّبير قال: سألتُ جابرًا عن الضَّبِّ؟ فقال: قال عمرُ بن الخطاب (¬5): إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُحرِّمْهُ، إنَّ اللهَ يَنفعُ به غيرَ واحد، وإنما هو ¬
طعامُ (¬1) عامَّة الرِّعاءِ منه، ولوكان عندي لَطَعِمتُهُ. انفرد به مسلم من هذا الوجه. وقد رواه -أيضًا- من طريق أخرى في الذَّبائح (¬2)، عن أبي موسى، عن ابن أبي عَدي، عن داود بن أبي هند، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد، عن عمرَ، بنحوه. ¬
أثر آخر في إجادة العجن
أثر آخر في إجادة العجن (384) قال أبو عبيد (¬1): يُروى عن هشام بن عروة، عن أبي ليث مولى الأنصار، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ: أنَّه قال: أَملِكُوا العجينَ، فإنَّه أحدُ الرَّيْعَيْن. قال أبو عبيد: يعني: أجيدوا عَجنَهُ وأَنعِمُوهُ، والرَّيع: الزيادة، والرَّيع الأوَّل عند الطَّحن، والآخر عند العجن. يقال: أَملَكتُ العجينَ إِملاكًا، ومَلَكتُهُ أَملِكُهُ مَلكًا. حديث عمر: إنِّي كنتُ نَذَرتُ في الجاهلية أنْ أعتكفَ يومًا في المسجدِ الحرامِ، فقال: أَوْفِ بنذرِكَ. ¬
تقدَّم في باب الاعتكاف (¬1). وقد استدلوا به على صحة انعقاد النَّذر من الكافر حيث أَمَره بوفاء ما نَذَره في جاهليته. ¬
حديث في نذر اللجاج والغضب
حديث في نذر اللَّجَاج والغضب (¬1) (385) قال مُسدَّد بن مُسَرهَد -رحمه الله- في «مسنده» (¬2): ثنا يزيد، عن حبيب المعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراثٌ، فسأل أحدُهما صاحبَه القسمةَ، فقال: لَئِنْ عُدتَ تسألُني القسمةَ لم أكلِّمْكَ أبدًا، وكلُّ مالِي في رِتَاج الكعبةِ (¬3)! فقال عمرُ رضي الله عنه: إنَّ الكعبةَ لَغَنيةٌ عن مالِكَ، كفِّرْ عن يمينِكَ وكلِّم أخاك، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يمينَ عليكَ، ولا نَذَر في معصيةِ الرحمنِ، ولا فيما لا تَملِكُ». ورواه أبو داود في الأيمان (¬4)، عن / (ق 147) محمد بن منهال، عن يزيد بن زُرَيع، عن حبيب المعلِّم، به. وزاد: «ولا في قطيعةِ الرحمِ». ورواه المُزَني (¬5)، عن الحميدي، عن ابن أبي روَّاد، عن المثنَّى بن الصبَّاح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال فيمن جَعَلَ مالَه في سبيل الله: يمينٌ، يُكفِّرُها ما يُكفِّرُ اليمينَ. ¬
وقال علي ابن المديني: هذا منقطع؛ لأن سعيد لم يَسْمع من عمر إلا حديثًا عند رؤية البيت. قال: وقد روي عنه غير حديث: سَمِعتُ. ولم يصحَّ عندي، ومات عمر وسعيد ابن ثمان سنين. آثر آخر في معناه (386) قال أسد بن موسى في كتاب «فضائل أبي بكر وعمر»: حدثنا زيد بن أبي الزَّرقاء، عن قيس بن الرَّبيع، عن وائل، عن البَهِي، عن عمرَ: أنَّ عبيد الله بن عمرَ سَبَّ المِقدادَ بن الأسود وعمَّارًا، فقال عمرُ رضي الله عنه: عليَّ نذرٌ إنْ لم أقطعْ لسانَهُ، حتى تكونَ سُنَّةً، حتى لا يجترئَ أحدٌ أن يَسُبَّ أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. فكُلِّم فيه، فتَرَكه (¬1). هذا إسناد لا بأس به (¬2). والقول بإجزاء الكفَّارة في نذر اللَّجاج والغضب يُروى عن عمرَ -كما ترى-، وابنه عبد الله، وحفصة، وعائشة أُمَّي المؤمنين، وابن عباس (¬3)، ¬
وزينب ربيبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬1). وحكاه القاضي الماوردي وأبو يعلى الحنبلي عن جماعة آخرين من الصحابة، ثم ادَّعيا أنَّه إجماع من الصحابة قاطع. وهو قول طاوس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وأبي الشعثاء، وأبي وائل، وغيرهم (¬2). وهو المشهور من مذهب الإمام الشافعي (¬3). ورواية عن أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن. وبه قال أحمد بن حنبل (¬4)، وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ومحمد بن نصر، وابن المنذر (¬5)، وجمهور العلماء (¬6). ¬
حتى إنَّ الليث بن سعد -رحمه الله- طرد الكفَّارة في نذر التبرُّر (¬1). وهو غريب. وذهب الإمام مالك بن أنس، وشيخه ربيعة، وأبو حنيفة في المشهور عنه إلى أنَّه لا كفَّارة في نذر اللَّجاج والغضب، بل يجب الوفاء بما نذر (¬2)، والله أعلم. وقد روي عن أبي حنيفة أنَّه رجع عن ذلك، فالله أعلم. وفي المسألة قول ثالث: وهو أنَّه لا يلزمه شيء، لا الوفاء بما نذر، ولا كفَّارة يمين. وهو قول الشَّعبي، والحكم، والحارث العُكلي، وابن أبي ليلى، ورواية عن محمد بن الحسن، نقلها ابن عبد البر، وغيره. وإليه ذهب داود وأصحابه، وأبو جعفر ابن جرير الطَّبري، وابن حزم, وغيرهم (¬3). وأما ما جاء في توجيه هذه الأقوال ووجوه الترجيح فلسنا بصدده، وبالله المستعان. ¬
حديث آخر في النذر
حديث آخر في النَّذر (387) قال الهيثم بن كُلَيب الشاشي في «مسنده» (¬1): ثنا ابن المنادي، ثنا علي بن بحر القطان، ثنا محمد بن سَلَمة، أخبرني أبو عبدالرحيم خالد بن أبي يزيد، عن جهم بن أبي الجارود (¬2)، عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- أَهدَى نَجيبةً (¬3) له، فأُعطي بها ثلاثمائة دينار، فأتى عمرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، إنِّي أَهدَيتُ نَجيبةً لي، أُعطِيتُ بها ثلاثمائة دينار، فأَبيعُها وأَشتري بثمنها بُدْنًا فأَنْحَرُها؟ قال: «لا، انْحَرْهَا إيَّاها». ¬
هكذا رواه الهيثم في مسند عمر. وذَكَره أصحاب الأطراف (¬1) في مسند ابن عمر من رواية أبي داود (¬2)، عن النُّفيلي، عن محمد بن سَلَمة، به. وهو في «مسند أحمد» (¬3)، كما سيأتي (¬4) إن شاء الله تعالى. وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه «المختارة» (¬5) من طريق الهيثم بن كُلَيب، والله أعلم. فيه دلالة على أن من نَذَر هَديًا معينًا أنَّه لا يجوز له إبداله بوجه من الوجوه حتى ولا بما هو أجودُ منه وأكثرُ ثمنًا. وقد رواه بعضهم فقال: بُختيَّة (¬6)، والصحيح: نَجيبة، واحدة النجايب، والله أعلم (¬7). ¬
كتاب البيوع
/ (ق 148) كتاب البيوع آثار عن عمرَ رضي الله عنه في الترغيب في التجارة (388) قال البخاري في كتاب «الأدب المفرد» (¬1): ثنا أبو نعيم، ثنا حَنَش بن الحارث، عن أبيه قال: كان الرَّجل منَّا تُنتج فرسُه، فينحرها، فيقول: أنا أعيشُ حتى أركبَ هذا؟! فجاءنا كتابُ عمرَ رضي الله عنه: أنْ أَصلِحُوا ما رَزَقَكُمُ اللهُ، فإنَّ في الأمرِ تنفيسًا (¬2). حَنَش هذا: روى عنه جماعة، منهم: وكيع، وأبو نعيم الفضل بن دُكَين، وقال: كان ثقة (¬3). وقال أبو حاتم الرازي (¬4): لا بأس به. ¬
(389) وقال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): ثنا محمد بن رزق الله، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثنا هارون الأعور، عن الزُّبير بن الخرِّيت، عن محمد بن سيرين، عن أبيه قال: شَهِدتُ مع عمرَ -رضي الله عنه- المغربَ، فأتى عليَّ (¬2) ومعي رُزَيمةٌ لي (¬3)، فقال: ما هذا معك؟ فقلتُ: إنيِّ أقومُ في هذا السُّوق فأشتري وأبيعُ. فقال: يا معشرَ قريش، لا يَغلبنَّكم هذا وأمثالُه (¬4) على التجارةِ، فإنها ثُلُثُ المُلْكِ. إسناد جيد. (390) وقال أيضًا (¬5): ثنا علي بن الجَعْد، ثنا المسعودي، ثنا جوَّاب التَّيمي قال: قال عمرُ: يا معشرَ القرَّاءِ، ارفَعوا رؤوسَكم، فقد وَضَح لكم الطريقُ، واستبقوا الخيراتِ، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين. (391) وقال أيضًا (¬6): / (ق 149) ¬
ثنا يعقوب بن (عبيد) (¬1)، ثنا يزيد بن هارون، أنا هشام، عن الحسن قال: قال عمرُ رضي الله عنه: مَن تَجَرَ في شيءٍ ثلاثَ مراتٍ فلم يُصبْ فيه شيئًا فلَيَتحوَّلْ إلى غيرِهِ. إسناد حسن (!) (392) وقال أيضًا (¬2): حدثني أبو جعفر (محمد) (¬3) بن الحارث بن المبارك، عن شيخ من قريش (¬4)، قال: قال عمرُ رضي الله عنه: لو كنتُ تاجرًا ما اختَرتُ على العطرِ شيئًا، إنْ فاتني ربحُهُ لم يَفتني ريحُهُ. هذا منقطع عن عمرَ. ¬
حديث في النهي عن بيع الخمر، وما لا يحل أكله، ويستفاد منه أن بيع النجاسة لا يصح، وأن الحيل حرام
حديث في النهي عن بيع الخمر، وما لا يحلُّ أكله، ويستفاد منه أنَّ بيع النجاسة لا يصحُّ، وأنَّ الحيل حرام (393) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس قال: ذُكِرَ لعمرَ -رضي الله عنه- أنَّ سَمُرةَ باع خمرًا، فقال: قاتَلَ اللهُ سَمُرةَ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ، حُرِّمت عليهم الشُّحومُ، فجَمَلُوها، فباعُوها». ورواه البخاري (¬2)، عن الحميدي (¬3)، وعلي ابن المديني. ومسلم (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬5) / (ق 149) (¬6)، وزُهَير بن حرب، وإسحاق بن راهويه (س) (¬7). كلُّهم عن سفيان، به. ورواه مسلم -أيضًا- (¬8)، عن أميَّة بن بِسطام، عن يزيد بن زُرَيع، عن رَوْح بن القاسم، عن عمرو بن دينار، به. ¬
طريق أخرى (394) قال علي ابن المديني: وحدثناه عبيد الله بن موسى، أنا شيبان، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن عمرَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ، / (ق 150) يحرِّمون شُحومَ الغَنَمِ، ويأكلون أثمانَها» (¬1). قلت: إسناد صحيح، ولم يخرِّجوه. حديث آخر (395) قال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطَّبراني (¬2): ثنا ¬
محمد بن الفضل السَّقَطي، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، ثنا يزيد بن عبد الملك النَّوفلي، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السَّائب بن يزيد، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثمنُ القَينةِ (¬1) سُحْتٌ (¬2)، وغِنَاؤها حرامٌ، والنظرُ إليها حرامٌ، وثمنُها مثلُ ثمنِ الكلبِ، وثمنُ الكلبِ سُحْتٌ، ومَن نَبَتَ لحمُهُ على السُّحْتِ، فالنَّارُ أولى به». غريب جدًّا، ويزيد بن عبد الملك هذا: ضعَّفوه (¬3). ¬
حديث آخر في بيع الطعام
حديث آخر في بيع الطعام (396) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا زُهَير، ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن اشترى طعامًا، فلا يَبِعْهُ حتى يَستوفِيَهُ». إسناده حسن، ولم يخرِّجه أهل السُّنن، فإنَّه على شرطهم، وإن كان في العُمَري كلام. ¬
حديث فيمن باع عبدا له مال
حديث فيمن باع عبدًا له مال (397) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا الحسن بن عرفة، ثنا هشيم، ثنا سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن باع عبدًا وله مالٌ، فمالُهُ للبائعِ إلا أن يَشترِطَ المُبتاعُ، ومَن باع نخلاً قد أُبِّرَت (¬2)، فثَمَرتُها للبائعِ، إلا أنْ يَشترِطَ المُبتَاعُ». وهكذا / (ق 151) رواه النسائي (¬3)، عن هلال بن العلاء، عن أبيه، عن هشيم، به. وهو إسناد جيد ظاهرًا، لكن قال الحافظ أبو بكر البزَّار عقيب ذلك: أخطأ فيه سفيان بن حسين على الزهري، فقد رواه الحفَّاظ عنه، عن سالم، عن أبيه فقط، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬4). قلت: كذلك هو مخرَّج في «الصحيحين»، وغيرهما (¬5)، ¬
كما سيأتي (¬1). طريق أخرى (398) قال الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬2): ثنا حنبل بن إسحاق، ثنا عفَّان، ثنا عبدالوارث، ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن باع عبدًا له مالٌ، فمالُهُ للذي باعَهُ، إلا أنْ يَشترِطَ المبتاعُ». وهكذا رواه النسائي في العتق من «سننه» (¬3)، عن هلال بن العلاء، عن أبيه، عن محمد بن سَلَمة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وزاد قصة النَّخل. وقد رواه أبو داود (¬4)، عن القَعْنبي، عن مالك (¬5)، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعله من مسند ابن عمر، كما سيأتي (¬6) في «الصحيحين» (¬7). ¬
لكن رواه النسائي -أيضًا- (¬1) من حديث اللَّيث بن سعد وعبيد الله بن عمر، وأيوب. ثلاثتهم عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ قَضَى في العبدِ يُباعُ وله مالٌ: أنَّ مالَه للذي باعَهُ، إلا أنْ يَشترِطَ المبتاعُ. ثم قال (¬2): وهذا هو الصواب، وحديث هلال بن العلاء خطأ. وذَكَر الدارقطني في «العلل» (¬3) فيه اختلافًا كثيرًا، ثم قال: والصواب: عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه-، قولَه (¬4). ¬
حديث في خيار الشرط
/ (ق 152) حديث في خيار الشَّرط (399) قال عبد الله بن وهب: عن ابن لَهِيعة، عن حَبَّان بن واسع، عن يزيد بن رُكَانةَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- خَطَب، فقال: لا أَجدُ لكم في بيوعِكُم في الرَّقيقِ شيئًا أفضلَ ممَّا جَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للمُنقِذ بن عمرو: ثلاثةَ أيامٍ فيما اشتَرى وباع. ورواه عثمان بن سعيد الحمصي، عن ابن لَهِيعة: أنَّ حَبَّان حدَّثه عن طلحة بن يزيد بن رُكَانة أنَّه قال: كُلِّم عمرُ -رضي الله عنه- في البيوع، فقال: لا أجدُ لكم أوسعَ ممَّا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحَبَّان بن مُنقِذ، أنَّه كان رجلاً ضريرًا، فجعل له عهدَهُ ثلاثةَ أيامٍ فيما اشتَرى، إنْ رَضِيَ أَخَذَ، وإنْ سَخِطَ تَرَكَ (¬1). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حديث في الربا والصرف
حديث في الرِّبا والصَّرف (400) قال البخاري (¬1): ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك (¬2)، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس أنَّه أَخبَرَه: أنَّه التَمَسَ صَرفًا بمائةِ دينارٍ، قال: فدعاني طلحةُ بن عبيد الله، فتَرَاوَضنا (¬3) حتى اصْطَرَف منيِّ، فأَخذ الذَّهَب يُقلِّبُها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة. وعمرُ يَسْمع ذلك، فقال: واللهِ لا تفارقُهُ حتى تأخذَ منه، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بالوَرِقِ (¬4) رِبًا، إلا هَاءَ وهَاءَ (¬5)، والبُرُّ بالبُرِّ رِبًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ رِبًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والتَّمرُ بالتَّمرِ رِبًا، إلا هَاءَ وهَاءَ». ¬
ثم رواه البخاري / (ق 153) مع بقية الجماعة (¬1) من طرق متعددة، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، به. وفي «مستخرج الحافظ أبي بكر البَرْقاني»: «الوَرِقُ بالوَرِقِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والذَّهَبُ بالذَّهَبِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ». أثر عن عمر (401) قال البخاري (¬2): ثنا محمد بن بشَّار، ثنا غُندَر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي البَختَري قال: سألتُ ابنَ عمرَ عن السَّلَم في النَّخل، فقال: نهى عمرُ (¬3) عن بيع الثَّمرِ حتى يَصلُحَ، ونهى عن الذَّهَب بالوَرِق نَسَاءً بناجزٍ. وسألتُ ابنَ عباس، فقال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيعِ النَّخلِ حتى يأكُلَ أو يُؤكَلَ، وحتى يُوزَن. قلت: وما يُوزَن؟ قال رجل عنده: حتى يُحرَزَ. ¬
أثر آخر (402) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، أنا المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عمرَ: أنَّه خَطَب، فذَكَر الرِّبا، فقال: إنَّ منه أبوابًا لا تخفى على أحد، منها: السَّلَمُ في السِّنِّ (¬2)، وأن تُباعَ الثَّمرةُ وهي مُغضَفَةٌ لمَّا تَطِبْ، وأن يُباعَ الذَّهبُ بالوَرِقِ نَسَاءً (¬3). قال أبو عمرو: المُغْضَفَة: المتدلية في شجرها، وكلُّ مُسْتَرخٍ أَغضَفُ، ومنه قيل للكلاب: غُضْفٌ، لأنها مُسْتَرخِيَة الآذانِ. قال أبو عبيد: [والكراهية (¬4)] من ذلك: النهيُّ عن بيعها قبل بُدُو الصَّلاح. ¬
حديث في النهي عن الاحتكار
حديث في النهي عن الاحتكار (403) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا الهيثم بن رافع الطَّاطَري، حدثني أبو يحيى -رجل من أهل مكة-، عن فَرُّوخ مولى عثمان: أنَّ عمرَ -وهو يومئذٍ أميرُ المؤمنين- خَرَج إلى المسجد، فرأى طعامًا منثورًا، فقال: ما هذا الطعامُ؟ فقالوا: طعامٌ جُلِبَ إلينا. قال: بارك اللهُ فيه، وفيمن جَلَبَهُ. قيل: يا أميرَ المؤمنين، فإنَّه قد احتُكِرَ. قال: ومَن احتَكَرَهُ؟ قالوا: فَرُّوخ مولى عثمان وفلان مولى عمر، فأَرسَلَ إليهما، فدعاهما، فقال: ما حَمَلكُما على احتكار طعام المسلمين؟ قالا: يا أميرَ المؤمنين، نشتري بأموالنا ونبيعُ. فقال عمرُ رضي الله عنه: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ¬
يقول: «مَن احتَكَرَ على المسلمين طعامَهم ضَرَبَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بالإفلاسِ أو بِجُذَامٍ». فقال فَرُّوخ عند ذلك: يا أميرَ المؤمنين، أُعاهدُ اللهَ وأُعاهِدُك ألا أعودَ في طعامٍ أبدًا. وأما مولى عمر، فقال: إنما نشتري بأموالنا ونبيعُ. قال أبو يحيى: فلقد رأيتُ / (ق 154) مولى عمرَ مجذومًا. وقد رواه ابن ماجه (¬1) -مختصرًا-، عن يحيى بن حكيم، عن أبي بكر الحنفي، عن الهيثم بن رافع، به، ولفظه: «مَن احتَكَرَ على المسلمين طعامَهم، ضَرَبَهُ اللهُ بالجُذَامِ والإفلاسِ». ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان، عن القَوَاريري، عن الهيثم الطَّاطَري قال: حدثنا أبو يحيى مولى عمر بن الخطاب -وكان قد أدرك عمر-: أنَّ عمرَ قال: سَمِعتُ رسولَ الله يقول: «مَن احتَكَرَ على المسلمين طعامَهم، ضَرَبَهُ اللهُ بجُذَامٍ، أو بإفلاسٍ» (¬2). هكذا وَجَدتُهُ، ليس فيه ذِكر فَرُّوخ، فالله أعلم. طريق أخرى (404) قال علي ابن المديني: ثنا محمد بن عبد الله الأسدي، أنا إسرائيل، عن علي بن سالم بن ثوبان، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الجالِبُ مرزوقٌ، والمُحتَكِرُ ملعونٌ» (¬3). ثم قال: هذا حديث كوفي، ضعيف الإسناد، منكر، مع أنَّه منقطع من قِبَل سعيد بن المسيّب، وقد روي عن عمرَ قوله في الحكرة من طريق أخرى. ¬
قلت: هذه الطريق تقوى بالأولى، كما أنَّ تلك تقوى بهذه، فيُحسَّن الحديث (¬1)، والله أعلم. وأما ما روي عن عمرَ من قوله: (405) فقال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬2): ثنا علي بن الجَعْد (¬3)، ثنا ابن أبي ذِئب، عن كثير (¬4)، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمرُ بن الخطاب: نِعمَ الرَّجلُ فلانٌ لولا بيعُهُ. قلت لسعيد: وما كان يبيعُ؟ قال: / (ق 155) الطعام. قلت: وببيعِ الطعامِ بأسٌ؟ (¬5) قال: ما بَاعَهُ رجلٌ إلا وَجَدَ للناسِ. أثر آخر (406) قال الترمذي (¬6): ثنا عباس بن عبد العظيم، ثنا ابن مهدي، ثنا ¬
مالك (¬1)، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال عمرُ رضي الله عنه: لا يَبِعْ في سُوقنا هذا إلا مَن تَفَقَّه في الدِّين. هكذا ذَكَره الترمذي في كتاب الصلاة من «جامعه»، في باب فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهو إسناد حسن صحيح. ¬
أثر في التسعير
أثر في التَّسعير (407) قال أبو يحيى المُزَني (¬1): ثنا أبو عبد الله الشافعي، ثنا الدَّرَاوَردي، عن داود بن صالح التَّمَّار، عن القاسم بن محمد، عن عمرَ: أنَّه مَرَّ بحاطبٍ بسوقُ المُصلَّى، وبين يديه غِرَارَتان (¬2) فيهما زبيب، فسأله عن سِعرهما، فسَعَّر له مُدَّين بكل درهم، فقال له عمر: قد حُدِّثتُ بعيرٍ مُقبلةٍ من الطائفِ تَحملُ زبيبًا، وهم يعتبرون بسعرِكَ، فإما أن ترفعَ في السِّعر، وإما أن تُدخِلَ زبيبكَ البيتَ فتَبيعُهُ كيف شئتَ. فلمَّا رجع عمرُ حاسَبَ نفسَهُ، ثم أتى حاطبًا في داره، فقال له: إنَّ الذي قلتُ ليس بعزمةٍ منيِّ ولا قضاءً، إنما هو شيء أردتُ به الخيرَ لأهل البلد، فحيثُ شئتَ فَبِعْ، وكيف شئتَ فَبِعْ. وقد رواه ابن وهب (¬3)، عن مالك (¬4)، عن يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيّب قال: مَرَّ عمرُ / (ق 156) بن الخطاب على حاطب بن أبي بَلتَعة وهو يبيعُ زبيبًا بالسُّوق، فقال له عمر: إمَّا أنْ تزيدَ في السعر، وإمَّا أنْ ترفعَ من سوقِنا. ¬
حديث يذكر في كتاب الصلح، فيه الدلالة على جواز أن يشرع الرجل ميزابا إلى الطريق النافذة
حديث يُذكر في كتاب الصُّلح، فيه الدِّلالة على جواز أن يشرع الرَّجل ميزابًا إلى الطريق النافذة (408) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أسباط بن محمد، ثنا هشام بن سعد، عن عبيد الله بن عباس قال: كان للعباسِ ميزابٌ على طريق عمرَ، فلَبِسَ عمرُ ثيابَه يومَ الجمعةِ، وقد كان ذُبِحَ للعباس فَرْخَانِ، فلمَّا وافَى الميزابَ صُبَّ ماءٌ بدمِ الفَرْخين، فأصاب عمرَ، فأمر عمرُ بِقَلْعِهِ، ثم رجع، وطَرَحَ ثيابَهُ، ولَبِسَ ثيابًا غيرَ ثيابِهِ، ثم جاء، فصلَّى بالناس، فجاءه العباسُ، فقال: والله إنَّه لَلْموضعُ الذي وَضَعَهُ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ للعباس: وأنا أَعزِمُ عليك لما صَعَدتَ على ظَهْري حتى تَضَعَهُ في الموضعِ الذي وَضَعَهُ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (¬2). ¬
(409) ورواه أبو داود في «المراسيل» (¬1)، عن أحمد بن عَبدة، عن ¬
سفيان، عن أبي هارون المدني قال: كان في دارِ العباسِ ميزابٌ نُصِبَ في المسجدِ، فجاء عمرُ فقَلَعَهُ ... ، الحديث. وهذا الحديث أليق بمسند العباس، وإنما قدَّمناه ههنا لتصديق عمر إيَّاه على ذلك.
أثر في الفلس والحجر على المبذر
أثر في الفَلَس والحَجْر على المبذِّر (410) قال الإمام مالك (¬1): عن عمرَ بن عبد الرحمن بن دِلاَف المُزَني، عن أبيه: أنَّ عمرَ قال: أمَّا بعدُ، أيها الناسُ، فإن الأُسَيفعَ أُسَيفعُ جُهَينةَ، رَضِيَ من دِينِهِ وأمانتِهِ بأن يقال: سَبَقَ الحاجَّ، ألا وإنِّه ادَّان مُعرِضًا، فأصبحَ قد رِينَ به، فمَن كان له دَينٌ فليأْتنا بالغداة، نَقِسمُ مالَهُ بين غُرمائِهِ، ثم وإيَّاكم والدَّينَ، فإنَّ أوَّله هَمٌّ، وآخرَهُ حَرَبٌ (¬2). ورواه أبو عبيد (¬3)، عن أبي النَّضر، عن عبد العزيز بن عبد الله، ¬
عن (¬1) أبي سَلَمة، عن ابن دِلاف، عن عمرَ، به. ¬
قال: ادَّان مُعرِضًا: أي: استعرَضَ الناسَ، فاستَدَانَ ممَّن أمكنَهُ. وقوله: وقد رِينَ به: أي: وَقَع فيما لا يَستطيعُ الخروجَ منه، ولا قِبَلَ له به. قال أبو عبيد: وهذا مذهب أهل الحجاز، وبه كان يَحكم أبو يوسف، وأما أبو حنيفة، فقال: يُحبس أبدًا، أو يقضي دينَه. أثر آخر (411) قال إسحاق بن راهويه (¬1): أنا الوليد بن مسلم، عن ابن جريج، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه. وعن أبي الزِّناد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة وغيرهم: أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ -رضي الله عنهما- كانا يَستحلفانِ المعسرَ باللهِ ما يَجدُ مالاً يقضيه من عَرْضٍ (¬2) ولا قرضٍ -أو قال: ناضٍّ (¬3) -، ولئن وَجَدتَ من حيثُ لا يعلمُ لَتَقضينَّهُ، ثم يُخلِّيانِ سبيلَهُ. ¬
أثر يذكر في باب الحجر على اليتيم
أثر يُذكر في باب الحَجْر على اليتيم (412) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا أبو خيثمة، ثنا وكيع، عن سفيان، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إنِّي أَنزَلتُ نَفْسي من هذا المال بمنزلةِ والي اليتيمِ، إنْ استَغنَيتُ استَعفَفْتُ، / (ق 157) وإن احتَجتُ استَقرَضتُ، فإذا أَيسَرتُ قَضَيتُ. طريق أخرى (413) قال سعيد بن منصور (¬2): ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن البراء (¬3) قال: قال لي عمر: إنِّي أَنزَلتُ نَفْسي من مالِ اللهِ بمنزلةِ والي اليتيمِ، إنْ احتَجتُ أَخَذتُ منه، فإذا أَيسَرتُ رَدَدتُه، وإن استَغنَيتُ استَعفَفْتُ. كلٌّ من الإسنادين صحيح (¬4). ¬
أثر في كون الإنبات دليلا على البلوغ
أثر في كون الإنبات دليلاً على البلوغ (414) قال أبو عبيد (¬1): ثنا ابن عُليَّة، عن إسماعيل بن أُميَّة، عن محمد بن يحيى بن حِبَّان، عن عمرَ: أنَّ غلامًا ابتَهَرَ جاريةً في شِعرِهِ، فقال: انظُرُوا إليه، فلم يُوجَد أَنبَتَ، فدَرَأَ عنه الحدَّ. قال أبو عبيد: وبعضهم يَرويه عن عثمان (¬2). ¬
قوله: ابتَهَرَ، الابتهارُ: أنْ يَقذِفَهَا بنفسِهِ، فيقولُ: فَعَلتُ بها، كاذبًا، فإنْ كان قد فَعَل فهو الابتئارُ. قال الكُمَيت: قبيحٌ بمثلِي نَعتُ الفتاةِ ... إما ابتِهارًا وإمَّا ابتِئَارا (415) قال أبو عبيد: وهذا شبيه بما حدثنا هشيم، عن عبد الملك بن عُمَير، عن عطية القُرَظي: أنَّ رسولَ الله أَمَرَ بقتلِ مَن أنبت من بني قريظة (¬1). ¬
ثم قال: والذي عليه العمل ما: (416) ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: عُرِضتُ على رسولِ الله يومَ بدرٍ، وأنا ابنُ ثلاثَ عشرةَ سنةَ؛ فرَدَّني, وعُرِضتُ عليه يومَ الخندقِ، وأنا ابنُ خمسَ عشرةَ؛ فأَجَازَني (¬1). فهذا حدٌّ، إلا أنْ يكونَ احتلامٌ قبلَ ذلكَ. قلت: هكذا روي هذا الحديث، وذِكر يوم بدر فيه غريبٌ جدًّا. ¬
أثر في الشفعة
أثر في الشُّفعة (417) قال النسائي (¬1): ثنا محمد بن حاتم، عن سُوَيد، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن حفص، عن شُريح بن الحارث القاضي قال: أَمَرني عمرُ -رضي الله عنه- أنْ أَقضِيَ للجارِ بالشُّفعةِ. إسناد صحيح. ¬
أثر في القراض
أثر في القِرَاض (418) قال الإمام مالك في «الموطأ» (¬1): عن زيد بن أسلم، عن أبيه أنَّه قال: خَرَج عبد الله وعبيد الله ابنا عمرَ بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلمَّا قَفَلا مَرَّا على أبي موسى الأشعري، وهو أميرُ البصرة، فرَحَّبَ بهما وسَهَّل، وقال: لو قد أقدرُ لكما على أمرٍ أنفعُكُما به لفعلتُ. ثم قال: بلى، ههنا مالٌ من مالِ اللهِ، أريدُ أنْ أبعثَ به إلى أميرِ المؤمنينَ، فأُسلِفُكُماه، فتَبتاعَانِ به من متاعِ العراقِ، ثم تَبيعانِهِ بالمدينة، فتُؤَدِّيانِ رأسَ المالِ إلى أميرِ المؤمنينَ، فيكونُ لكما الرِّبحُ. فقالا: وَدِدْنا. ففعل، وكَتَبَ إلى عمرَ بن الخطاب أنْ يأخذَ منهما المالَ، فلمَّا قَدِمنا على عمرَ (¬2) قال: أَكُلُّ الجيشِ أَسلَفَهُ كما أَسلَفَكُما؟ فقالا: لا. فقال عمرُ: ابني (¬3) أميرِ المؤمنينَ، فأَسْلَفَكُما! أَدِّيا المالَ وربحَهُ. فأما عبد الله، فسَكَتَ، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أميرَ المؤمنينَ، لو هَلَكَ المالُ أو نَقَصَ، / (ق 158) لَضَمنَّاهُ. فقال: أَدِّياهُ. فسَكَتَ عبد الله، وراجَعَهُ عبيد الله، فقال رجلٌ من جُلسَاءِ عمرَ: لو جَعَلتَهُ قِرَاضًا. فأخذ عمرُ رأسَ المالِ ونصفَ ربحِهِ، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصفَ ربحِ ذلكَ المالِ. وهكذا رواه الإمام الشافعي (¬4)، عن مالك، وقال: مَرَّا على عاملٍ لعمرَ. ¬
ورواه الدارقطني (¬1) من وجه آخر، عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، به. وهو أصل كبير، اعتمد عليه الأئمَّة في هذا الباب، مع ما يعضده من الآثار. ¬
حديث في المزارعة
حديث في المزارعة (419) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر قال: خَرَجتُ أنا والزُّبير والمِقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبرَ نَتَعاهدُها، فلمَّا قَدِمْناها تَفَرَّقنا في أموالنا، قال: فعُدِيَ عليَّ تحتَ الليلِ، وأنا نائمٌ على فراشي، ففُدِعَتْ (¬2) يَدَاي من مِرْفَقَيَّ، فلمَّا أصبحتُ استُصْرِخَ عليَّ صاحِبَيَّ، فأتياني، فسألاني عمَّن صَنَعَ هذا بك؟ قلتُ: لا أدري. قال: فأصلَحَا من يَدَيَّ، ثم قَدِموا بي على عمرَ، فقال: هذا عملُ يهودَ، ثم قام في الناس خطيبًا، فقال: أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان عامَلَ يهودَ خيبرَ على أنَّا نُخرجُهم إذا شئنا، وقد عَدَوا على عبد الله بن عمر، ففَدَعُوا يديه، كما علمتُم، مع عَدوَتهم على الأنصاريِّ قبلَهُ، لا نشكُّ أنَّهم أصحابُهُ، ليس لنا هناك عدوٌّ غيرُهم، فمَن كان له مالٌ / (ق 159) بخيبرَ؛ فلْيَلحَقْ به، فإنِّي مُخرجُ يهودَ. فأَخرَجَهم. هذا إسناد جيد قويّ؛ لأن ابن إسحاق قد صرَّح بالتحديث فيه. ورواه أبو داود (¬3)، عن أحمد، ببعضه. وقد رواه علي ابن المديني، عن يعقوب بن إبراهيم الزهري، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، به. ¬
ثم قال: هذا إسناد مدني صالح، ولم نُصبه مسندًا إلا من هذا الطريق، وقد رواه غير واحد عن نافع، ولم يرفعه أحدٌ منهم إلى عمرَ بن الخطاب إلا محمد بن إسحاق. قلت: وقد رواه البخاري (¬1) من طريق أخرى عن عمرَ مرفوعًا، فقال: (420) حدثنا أبو أحمد، ثنا محمد بن يحيى أبو غسَّان، أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: لمَّا فَدَعَ أهلُ خبيرَ عبد الله بن عمر، قام عمرُ خطيبًا، فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان عامَلَ يهودَ خيبرَ على أموالهم، وقال: «نُقِرُّكُم ما أَقرَّكُمُ اللهُ». وإنَّ عبد الله بنَ عمرَ خَرَج إلى مالِهِ هناك، فعُدِيَ عليه من الليل، ففُدِعَتْ يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدوٌّ غيرَهم، هم عَدُوُّنا وتُهمَتُنا، وقد رأيتُ إجلاءَهم، فلمَّا أَجمَعَ عمرُ -رضي الله عنه- على ذلك، أتاه أحدُ بني أبي الحُقَيْق، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أتُخرِجُنا، وقد أَقَرَّنا محمدٌ، وعامَلَنا على الأموال، وشَرَطَ لنا ذلك؟! فقال عمرُ: أَظَنَنتَ أنِّي نسيتُ قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «كيف بك إذا أُخرِجتَ من خيبرَ تَعدُو بك قَلُوصُكَ (¬2) ليلةً بعدَ ليلةٍ». فقال: كانت هذه هُزَيلَةً من أبي القاسم. / (ق 160) قال عمرُ رضي الله عنه: كَذَبتَ، يا عدوَّ الله. فأجلاهم عمرُ، وأعطاهم قيمةَ ما كان لهم من الثَّمر مالاً، وإبلاً، وعُرُوضًا من أقتابٍ (¬3) وحبالٍ، وغير ذلك. ¬
ثم قال: ورواه حماد بن سَلَمة عن عبيد الله قال: أَحسَبُهُ عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬1) اختَصَرَهُ، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أهلُ خيبرَ فقاتَلَهم حتى ألجأَهم إلى قَصرِهِم ... ، الحديث، بطوله (¬2). ¬
حديث في الإجارة
حديث في الإجارة (421) قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده رحمه الله: ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي خراسان، أنا أحمد بن عبَّاد بن تميم، ثنا حامد بن آدم، ثنا أبو غانم يونس بن نافع، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَعطُوا الأَجيرَ أجرَهُ ما دامَ رَشْحُهُ». هذا إسناد غريب، وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬1) من هذا الوجه. ¬
قال: ويونس بن نافع هذا: روى عنه ابن المبارك، ومعاذ بن أسد، وأبو تُمَيْلة، وغيرهم. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
أثر في ضمان البساتين
أثر في ضمان البساتين (¬1) (422) قال حرب بن إسماعيل الكِرْماني: ثنا سعيد بن منصور، ثنا عبَّاد بن عبَّاد المهلَّبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنَّ أُسَيد بن حُضَير تُوفي وعليه ستةُ آلافِ درهمٍ دَينًا، فدعا عمرُ بن الخطاب غُرَماءَه، فقَبَّلَهم (¬2) أَرضَه سنين، وفيها النَّخلُ والشَّجرُ. هذا إسناد جيد، وإن كان فيه انقطاع (¬3). ¬
ومعنى قبَّلهم: أي: ضمَّنهم. وقد ذهب إلى مقتضاه بعض العلماء، ونصره ابن عقيل وغيره من متأخري أصحاب الأصحاب (¬1) الإمام أحمد رحمه الله. ¬
أثر يذكر في إحياء الموات وتملك المباحات
/ (ق 161) أثر يُذكر في إحياء الموات وتملُّك المباحات (423) قال حنبل بن إسحاق (¬1): ثنا داود بن شَبيب، ثنا حماد بن سَلَمة، عن ثابت: أنَّ أبا سفيان ابتنى دارًا بمكةَ، فأتى أهلُ مكةَ عمرَ، فقالوا: إنَّه قد ضيَّق علينا الوادي، وسيَّل علينا الماءَ. قال: فأتاه عمرُ، فقال: خُذْ هذا الحَجَرَ فَضَعْهُ ثمَّةَ، وخُذْ هذا الحَجَرَ فَضَعْهُ ثمَّةَ، ثم قال عمرُ: الحمدُ لله الذي أَذَّل أبا سفيانَ لأَبطحَ مكةَ. فيه انقطاع. طريق أخرى (424) / (ق 162) قال الهيثم بن عدي: أنا محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: قَدِمنا مكةَ مع عمرَ، فأَقبَلَ أهلُ مكةَ يَسعون: يا أميرَ المؤمنين، يا أميرَ المؤمنين، أبو سفيان حَبَسَ سيلَ الماءِ علينا لِيَهدمَ منازلَنا! فأَقبَلَ عمرُ ومعه الدِّرَّة، فإذا أبو سفيان قد نَصَبَ أحجارًا، فقال: ارفَعْ هذا. فرَفَعَهُ، وهذا. فَرَفَعَهُ، ثم قال: وهذا، وهذا. حتى رَفَعَ أحجارًا خمسةَ أو ستةَ، ثم استَقبَلَ عمرُ الكعبةَ فقال: الحمدُ لله الذي جعل عمرَ بن الخطاب يأمُرُ أبا سفيانَ ببطنِ مكةَ فيُطيعُهُ (¬2). ¬
حديث في ذلك (425) قال أبو داود (¬1): ثنا القَعْنبي، عن الدَّرَاوَردي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إيَّاكم والجلوسَ في الطُّرُقاتِ». قالوا: يا رسولَ الله، ما بُدٌّ لنا من مجالسنا، فقال: «إن أَبيتم؛ فأعطُوا الطريقَ حقَّه». قالوا: وما حقُّ الطريقِ يا رسولَ الله؟ قال: «غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذى، ورَدُّ السَّلامِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُّ عن المنكرِ». (426) قال أبو داود (¬2): وثنا الحسن بن عيسى النَّيسابوري، أنا ابن المبارك، أنا جرير بن حازم، عن إسحاق بن سُوَيد، عن ابن حُجَير العدوي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذه القصَّة، قال: «وتُغيثوا الملهوفَ (¬3)، وتَهدوا الضالَّ». وأخرجه البزَّار في «مسنده» (¬4) من حديث ابن المبارك، به. إسناده عن عمرَ جيد، انفرد / (ق 163) به أبو داود، واختاره الضياء في كتابه (¬5). وأما عن أبي سعيد؛ ففي «الصحيح» (¬6)، ¬
كما سيأتي (¬1) في مسنده إن شاء الله تعالى. وقد طَعَنَ علي ابن المديني في حديث عمرَ هذا، وقال: هذا عندنا وَهْم، فقد حدَّثناه وهب بن جرير، سَمِعتُ أبي يحدِّث عن إسحاق بن سُوَيد، عن يحيى بن يَعمَر: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكم والجلوسَ على ظَهْرِ الطريقِ». ثم قال: ووهب أعلم بحديث أبيه من غيره، وعنده كتب أبيه. ثم رواه علي، عن المعتمر بن سليمان، وعبد الوهاب الثَّقَفي، عن إسحاق بن سُوَيد، عن يحيى بن يَعمر، مرسلاً. قال: وما أظنُّ الوَهْم أتى إلا من جرير (¬2). (427) ثم قال: ثنا عبد الوهاب الثَّقَفي، ثنا إسحاق بن سُوَيد، ثنا حجير بن الرَّبيع قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: إيَّاكم والمزوَّجاتِ. قالوا: يا أميرَ المؤمنين، وما المزوَّجات؟ قال: المرأة تَخرجُ في أحسنِ زينتِها ... ، فذَكَر حديثًا لا أسوقه. كذا قال رحمه الله. أثر آخر (428) قال أبو القاسم البغوي: ثنا نعيم بن الهيصم، ثنا أبو عَوَانة، ¬
عن يونس، عن سعيد بن جُبَير: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال: كُلْ من الحائطِ، ولا تتَّخذْ خُبْنَةً (¬1). ¬
أثر في جواز الحمى للإمام
أثر في جواز الحمى للإمام (429) قال البخاري (¬1): ثنا إسماعيل، ثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ استَعمَلَ مولىً له يُدعَى هُنيًّا على الحِمَى، قال: يا هُنيُّ، اضْمُمْ جَنَاحَكَ عن المسلمينَ (¬2)، واتَّقِ دعوةَ المسكينَ (¬3)، فإنَّ دعوةَ المظلومِ مستجابةٌ، وأَدخِلْ ربَّ الصُّريْمَةِ، وربَّ الغُنيمة (¬4)، وإيَّاي ونَعَمَ ابنِ عفانَ وابنِ عوفٍ، فإنهما إنْ تَهلِكْ ماشيتُهُما يرجعانِ إلى زرعٍ ونخلٍ، وإنَّ ربَّ الصُّريْمَة، وربَّ الغُنيمة إنْ تَهلِكْ ماشيتُهُما يأتيني بِبَنِيهِ (¬5)، فيقول: يا أميرَ المؤمنين؟ يا أميرَ المؤمنين؟ أَفَتَارِكُهُم أنا لا أَبَا لكَ، فالماءُ والكَلَأُ أَيسَرُ عليَّ من الذَّهبِ والوَرِقِ، إنهم لَيَرَون أنِّي قد ظلمتُهُم، إنها لَبِلادُهُم، قاتَلُوا عليها في الجاهلية، وأَسلَمُوا عليها في الإسلامِ، والذي نفسي بيدِهِ، لولا المالُ الذي أَحمِلُ ¬
عليه في سبيلِ اللهِ (¬1) ما حَمَيْتُ عليهم في بلادِهِم شِبْرًا. وقد رواه الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2)، عن محمد بن عثمان الثَّقَفي، عن أميَّة بن خالد، عن هشام بن سعد، / (ق 164) عن زيد بن أسلم، به. (430) وقد روى البخاري (¬3)، وأبو داود (¬4)، والنسائي (¬5) من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصَّعب بن جثَّامة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حِمَى إلا للهِ ولرسولِه». (431) قال الزهري (¬6): وبَلَغنا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقيعَ (¬7)، وأنَّ ¬
عمرَ حَمَى السَّرَفَ (¬1) والرَّبَذةَ (¬2). أثر آخر (432) قال القاسم بن الفضل الحُدَّاني (¬3)، عن محمد بن زياد قال: كان جدِّي مولىً لبني مظعون، قال: ربما أتاني عمرُ نصفَ النهارِ واضعًا ثوبَه على رأسِهِ يَتَعاهدُ الحِمَى، ألا يُعضَدَ شَجَرُهُ، فيَجلسُ إليَّ يحدِّثني، فأُطعِمُهُ من القِثَّاء والبَقل، فقال: أراك لا تَبرحُ ههنا؟ قلت: أَجَل. قال: إنِّي أَستَعملُكَ على ما ههنا، فمَن رأيتَ يَعضِدُ شَجَرًا أو يَخبِطُ فخُذْ فأسَهُ وحبلَهُ. قلت: آخذ رداءَه؟ قال: لا. أثر آخر (433) قال أبو عبيد (¬4): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عمرَ. وحدثنا هشيم، عن أبي بِشر، عن مجاهد، عن عمرَ: إذا مَرَّ أحدُكُم بحائطٍ؛ فلْيَأْكُلْ منه، ولا يَتَّخِذْ ثِبَانًا -وقال الآخر-: خُبْنَةً. ¬
قال أبو عمرو: الثِّبَان: هو الوِعَاءُ الذي تَحمِلُ فيه الشيءَ بين يديك، والخُبْنَة: ما تَحمِلُهُ في حِضْنِكَ. أثر آخر (434) قال أبو عبيد (¬1): ثنا حجَّاج، عن شعبة، عن محمد بن عبيد الله الثَّقَفي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنَّ نَفَرًا من الأنصار مَرُّوا بحيٍّ من العرب، فسألوهم القِرَى، فأَبَوا، فسألوهم الشِّرى، فأَبَوا، فَضَبطوهم، فأصابوا منهم، فأتوا عمرَ، فذَكَروا ذلك له، فهَمَّ بالأعرابِ، وقال: ابنُ السَّبيلِ أحقُّ بالماءِ من التانئ (¬2) عليه. إسناد ... (¬3). ¬
حديث في اللقطة
حديث في اللُّقَطة (435) قال النسائي (¬1): ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عيسى بن يونس، ثنا الوليد بن كثير -قال عيسى: وكان ثقةً في الحديث- عن عمرو بن شعيب، عن عاصم، وعمر (¬2) ابني سفيان بن عبد الله: أنَّ سفيان بن عبد الله وَجَدَ عَيبَةً، فأتى بها عمرَ بن الخطاب، قال: عَرِّفْها سَنَةً، فإنْ عُرِفَتْ فذاك، وإلا فهي لك (¬3). فلَقِيَهُ من العامِ المُقبِلِ في الموسمِ، فذَكَرها له، فقال: هي لكَ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم / (ق 165) أَمَرَنا بذلك. قال: لا حاجةَ لي بها. فقَبَضهَا عمرُ، وجَعَلهَا في بيتِ المالِ. إسناد جيد. وكذا وقع في رواية النسائي: «عن عاصم وعمر ابني سفيان»، والصواب: «وعمرو». والله أعلم. ¬
أثر آخر فيها (436) قال القاسم بن أبي شيبة: ثنا حفص بن غياث، عن السَّيباني (¬1)، عن أبي عَون الثَّقَفي، عن السَّائب بن الأقرع: أنَّه كان جالسًا في إيوانِ كسرى، فنَظَر إلى تمثالٍ يُشيرُ بإصبعِهِ إلى موضعٍ، قال: فوَقَعَ في رُوْعي (¬2) أنَّه يُشيرُ إلى كنزٍ، فاحتَفَرتُ الموضعَ، فأَخرَجتُ كنزًا عظيمًا، فكَتَبتُ إلى عمرَ -رضي الله عنه- أُخبِرُهُ، فكَتَب إليَّ عمرُ: إنك أميرٌ من أمراءِ المسلمينَ فاقْسِمْهُ بين المسلمينَ (¬3). إسناد جيد أيضًا. ¬
أثر في اللقيط
أثر في اللَّقيط (437) قال الإمام مالك -رحمه الله- في «الموطأ» (¬1) عن الزهري: أنَّه سَمِعَ سُنَينًا أبا جَميلة يقول: وَجَدتُ مَنْبُوذًا على عهد عمرَ، فذَكَره عَرِيفي (¬2) لعمرَ، فأَرسَلَ إليَّ، فدَعَاني والعَرِيفُ عنده، فلمَّا رآني قال: «عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسًا». قال عَرِيفي: إنَّه لا يُتَّهم. فقال عمرُ: ما حَمَلَكَ على أَخْذِ هذه النَّسَمَةِ؟ قال: قلتُ: وَجَدتُ نَفسًا بِمَضْيَعَةٍ فأَحبَبتُ أنْ يأجُرَنِي اللهُ فيها. قال: هو حُرٌّ، وولاؤه لك، وعلينا رَضَاعُهُ. ورواه الشافعي (¬3)، عن مالك، كذلك. وكذا رواه سفيان بن عيينة (¬4)، عن الزهري، عن سُنَين، بمثله. وذَكَره البخاري في / (ق 166) كتاب الشهادات من «صحيحه» (¬5) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال أبو جَميلة: وَجَدتُ مَنْبُوذًا، فلمَّا رآني عمرُ قال: «عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسًا». كأنَّه يَتَّهِمُني، فقال عَرِيفي: إنَّه رجلٌ صالحٌ. قال: كذلك؟ اذهب، وعلينا نَفَقَتُهُ. وقد رواه الإمام أبو عبيد في «الغريب» (¬6)، عن يزيد بن هارون، عن ¬
محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سُنَينٍ أبي جميلة، عن عمرَ، بنحوه. قال الأصمعي: الأَبْؤُسُ: جمع البأس، وأصل هذا: أنَّه كان غارٌ فيه ناسٌ فانْهَارَ عليهم، أو قال: فأتاهم فيه عدوٌّ لهم فقتلوهم، فصار مثلاً لكلِّ شيء يُخافُ أن يأتِيَ منه شرٌّ، ثم صُغِّر الغارُ، فقيل: غُوَيرٌ. وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي: أنَّ الغُويرَ ماءٌ لبني كلب بناحية (¬1)، وأنَّ أوَّل مَن تكلَّم بهذا المثل الزَّبَّاءُ حين وَجَّهتْ قَصِيرًا في تلك التجارة، فرجع وقد حَمَلَ الرِّجالَ في الصناديق، وقيل: في الغَرَائِرِ، ليأخذَ بثأر جَذِيمَةَ الأَبْرَشِ منها، وسلك في رجوعه إليها غير الطريق المنهج على الغُوَير، فلمَّا بَلَغ الزَّبَّاءَ رجوعُهُ على تلك الطريق التي هي خلاف العادة، قالت: «عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسًا»، وكان الأمرُ كما ظنَّت. قال أبو عبيد: وهذا القول أشبه عندي صوابًا من الأوَّل، وإنما أراد عمرُ بهذا المثل أنْ يقولَ للرَّجل: لعلَّكَ أنت صاحبُ هذا المنبوذ، حتى أثنى عليه عَرِيفُهُ. قال: وجَعَله ولاءً له بسبب أنَّه أنقذه من الموت، أو أنْ يلتقطه أحدٌ فيدَّعي رقبته. قال: وهذا حُكْمٌ تَرَكه الناس، وصاروا إلى جَعْلِ ولائِهِ للمسلمين وجَرِيرَتِهِ عليهم. قال: ونَصَبَ أَبْؤُسًا بفعلٍ مُضمَر أو بحذف الجار، تقديره: عَسَى الغُوَير أن يُحدِثَ أَبْؤُسًا، أو يأتِيَ بأَبْؤُسٍ. ¬
قال الكُمَيت: قالوا: أساءَ بنو كُرزٍ فقلتُ لهم ... عَسَى الغُوَيرُ بإِبآسٍ وإغْوار
حديث في الوقف
حديث في الوقف (438) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عبيد الله، ثنا يزيد بن زُرَيع وسُليم جميعًا قالا: ثنا ابن عَون، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: أصاب عمرُ أرضًا بخيبر، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاسْتَأْمَرَهُ فيها، فقال: يا رسولَ الله، إنِّي أَصبتُ أرضًا بخيبرَ، لم أُصِبْ مالاً قطُّ هو أَنفَسُ عندي منه، فما تَرَى؟ قال: «إنْ شئتَ حَبَّستَ أَصلَهَا وتَصَدَّقتَ بها». قال: فتَصَدَّق بها عمرُ: لا يُباعُ أصلُها، ولا يُوهَبُ. فتَصَدَّق بها عمرُ في الفقراءِ، والقُربَى، وفي الرِّقابِ، وفي سبيلِ الله، وابنِ السَّبيلِ، وفي الضَّيفِ، لا جُنَاحَ على مَن وَلِيَهَا أنْ يأكُلَ بالمعروفِ، ويُطعِمَ صديقًا غيرَ مُتَمَوِّلٍ فيه. قال ابن عَون: فذَكَرت هذا لمحمد، فقال: غيرَ مُتَأَثِّلٍ مالاً. هكذا رواه أبو يعلى في مسند عمر. وهكذا رواه مسلم (¬2)، والنسائي (¬3) من حديث عبد الله بن عَون، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: أَصَبتُ أرضًا من أرضِ خيبرَ ... ، وذَكَره. وهو في «الصحيحين» من حديث ابن عمر (¬4)، كما سيأتي (¬5) في مسنده، إن شاء الله تعالى. ¬
صورة كتاب وقف عمر رضي الله عنه
/ (ق 167) صورة كتاب وقف عمر رضي الله عنه (439) قال أبو داود (¬1): ثنا سليمان بن داود المَهْري، أنا ابن وهب، أخبرني الليث، عن يحيى بن سعيد، عن صَدَقة عمرَ بن الخطاب قال: نَسَخَها لي عبد الله بن عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (¬2): بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كَتَبَ عبد الله عمرُ في ثَمْغٍ ... ، وقصَّ من خَبَرِهِ نحوَ حديث نافع، قال: غيرَ مُتَأَثّلٍ (¬3) مالاً، فما عَفَا عنه من ثَمَرِهِ فهو للسَّائلِ والمحرومِ ... ، وساق القصَّة: وإنْ شاءَ وَلِيُّ ثَمْغٍ (¬4) اشتَرَى من ثَمَرِهِ رَقِيقًا يَعمَلُهُ (¬5)، وكَتَبَ مُعَيقيب، وشَهِدَ عبد الله بن الأرقم. بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ماأَوصَى به عبد الله عمرُ أميرُ المؤمنين: إنْ حَدَث بي حَدَثٌ أنَّ ثَمغًا، وصِرْمَةَ ابنِ الأَكوع، والعبدَ الذي فيه، والمائةَ السَّهم الذي (¬6) بخيبرَ، وَرَقِيقَهُ الذي فيه، والمائةَ التي أَطعَمَهُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالوادِ، تَلِيَهُ حفصةُ ما عاشت، ثم يَلِيَهُ ذو الرأي من أهلِهَا: ألا يُباعَ، ولا يُشتَرَى، فَيَضَعُهُ (¬7) حيثُ رأى من السَّائلِ والمحرومِ ¬
وذي القُربَى، ولا حَرَجَ على وَلِيِّهِ (¬1) إنْ أَكَلَ، أو آكَلَ، أو اشتَرَى له رَقِيقًا منه. ¬
حديث في الهبة
حديث في الهبة (440) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرحمن، عن مالك (¬2)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- / (ق 168) قال: حَمَلتُ على فرسٍ في سبيل الله، فأَضاعَهُ صاحبُهُ، فأَردتُ أنْ أَبتاعَه، وظننتُ أنَّه بائِعُهُ برُخْصٍ، فقلت: حتى أسألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا تَبتَعْهُ، وإنْ أَعطاكَهُ بدرهمٍ، فإنَّ الذي يَعودُ في صَدَقتِهِ كالكلبِ يَعودُ في قَيْئِهِ». ثم رواه أحمد (¬3)، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، بنحوه. ورواه -أيضًا- (¬4)، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه (¬5) قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يعودُ في صدقتِهِ كمَثَلِ الذي يعودُ في قَيئِهِ». فذَكَره، مرسلاً. وقد رواه البخاري (¬6)، ومسلم (¬7)، والنسائي (¬8) من طرق عن مالك، كما تقدَّم. ¬
ورواه البخاري -أيضًا- (¬1)، عن الحميدي (¬2)، عن سفيان قال: سَمِعتُ مالك بن أنس يسأل زيد بن أسلم ... ، فذَكَره. وكذا رواه مسلم (¬3)، عن ابن أبي عمر، عن سفيان، به. وعن أميَّة بن خالد، عن يزيد بن زُرَيع، عن رَوْح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، به. ورواه ابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، ببعضه. حديث آخر (441) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬5): ثنا أحمد بن محمد بن صدقة، ثنا أبو الحطاب (¬6) زياد بن يحيى، ثنا مؤمَّل بن إسماعيل، ثنا شعبة، عن عاصم الأَحول، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ بن الخطاب قال: أعطيتُ ناقةً في سبيلِ الله، فأَردتُ أنْ أشترِيَ من نَسْلِهَا -أو قال: من / (ق 169) ضِئْضِئها (¬7) - فسألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «دَعْها حتى تَجِيءَ يومَ القيامةِ هي وأولادُها في ميزانِكَ». ثم قال الطَّبراني: لم يروه عن شعبة إلا مؤمَّل. قلت: وهذا إسناد جيد (¬8)، وليس في شيء من الكتب السِّتة. ¬
وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه من هذا الوجه (¬1). أثر (442) قال سعيد بن منصور (¬2): ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: الرَّجلُ أَحقُّ بِهِبَتِهِ ما لم يُثَبْ منها. هذا إسناد صحيح. وقد رواه ابن ماجه (¬3) من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن مجمِّع بن جارية -وهو ضعيف-، عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة، مرفوعًا. قال البخاري (¬4): والأوَّل هو الصحيح. طريق أخرى (443) قال ابن وهب (¬5): سَمِعتُ حنظلة، سَمِعتُ سالمًا، عن أبيه، عن عمرَ قال: مَن وَهَبَ هِبَةً فهو أحقُّ بها ما لم يُثَبْ منها. وهذا -أيضًا- صحيح. وقد رواه عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه، مرفوعًا (¬6). ¬
قال البيهقي: والأوَّل هو المحفوظ (¬1). ثم رواه من وجه آخر عن عمرَ، قولَه. ¬
حديث في الوصية
حديث في الوصية (444) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا زُهَير، ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ (¬2)، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ أنْ يَبِيتَ ليلتين سَودَاوَينِ وعنده ما يُوصِي فيه إلا وَوَصِيَتُهُ مكتوبةٌ». غريب من هذا الوجه، والعُمَري له أوهام، فإنَّ هذا الحديث في «الصحيحين» (¬3) عن عبد الله بن عمر نفسه، كما سيأتي (¬4) في مسنده. ¬
أثر في صحة وصية المميز من الصبيان
أثر في صحة وصية المميِّز من الصبيان (445) قال الإمام مالك في «موطئه» (¬1): ...... (¬2) عن عمرو بن سُليم الزُّرقي: أنَّه قيل لعمرَ: إنَّ ههنا غلامًا يَفاعًا (¬3) لم يَحتَلِم من غسَّانَ ¬
وَوَرَثَتُهُ (¬1) بالشَّام وهو ذو مال، وليس له ههنا إلا ابنةُ عمٍّ له، فقال عمرُ: فلْيُوصِ لها. فأَوصَى لها بمالٍ يقال له: بئر جُشَم. قال عمرو بن سُليم: فَبِيعَ ذلك المالُ بثلاثين ألفًا، وابنةُ عمِّهِ التي أَوصَى لها هي أم عمرو بن سُليم. وأما وصاة عمر بتلك الأمور التي ذَكَرها بعد ما طُعِنَ، فسيأتي إيرادها في مقتله -رضي الله عنه-، وهو في آخر سيرته (¬2). وقد استدلَّ العلماء بذلك على صحة وصية مَن لا يعيش مثله. ¬
حديث في العتق
/ (ق 172) حديث في العتق (¬1) (446) قال أبو عبيد (¬2): ثنا ابن أبي عدي، ويزيد، عن سليمان التَّيمي، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: السَّائبةُ (¬3) والصَّدقةُ ليومِهِما. قال أبو عبيد: معناه: مَن أَعتَقَ سائبةً أو تَصَدَّق بشيءٍ، فهُما ليومِهِما إلى يومِ القيامةِ، لا يَرجِعُ إلى شيءٍ من الانتفاع بهما في الدُّنيا. قال: فإذا مات مَن أَعتَقَهُ سائبةً فرجع إليه مالُهُ بالإرث الشَّرعي فالأولى التورعُ عنه، فإنْ أَخَذَهُ فَلْيَصْرِفْهُ في مثله، وكذلك فَعَلَ ابنُ عمر (¬4)، وليس بمُحرَّمٍ عليه أَكلُهُ، والله أعلم. ¬
أثر آخر (447) قال أبو صالح (¬1): ثنا الليث، عن عمرَ بن عيسى المديني (الأسلمي) (¬2)، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباسٍ قال: جاءت جاريةٌ إلى عمرَ، وقالت: إنَّ سيدي اتَّهَمَني فأَقعَدَني على النَّار حتى أَحرَقَ فَرْجي. فقال: هل رأى ذلك عليكِ؟ قالت: لا. قال: أَفَاعتَرَفتِ له بشيءٍ؟ قالت: لا. قال: عليَّ به. فلمَّا رأى الرَّجلَ قال: أَتعذِّبُ بعذابِ اللهِ؟! قال: يا أميرَ المؤمنين، اتَّهمتُها في نفسِها. قال: رأيتَ ذلك عليها؟ قال: لا. قال: فَاعْتَرَفتْ؟ قال: لا. قال: والذي نفسي بيده، لو لم أَسمعْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقادُ مملوكٌ من مالكِهِ، ولا ولدٌ من والدِهِ»؛ لأَقَدتُها منكَ. فبَرَزَهُ (¬3)، فضَرَبَهُ مائةَ سوطٍ، ثم قال: اذهبي فأنتِ حُرَّةٌ، وأنتِ مولاةٌ للهِ ورسولِهِ، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: / (ق 173) «مَن حُرِّقَ بالنَّارِ، أو مُثِّلَ به؛ فهو حُرٌّ، وهو مولىً للهِ ورسولِهِ». قال اللَّيث: هذا أمر معمول به. ¬
هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر»، وهو إسناد حسن، إلا أنَّ البخاريَّ (¬1) قال في عمر بن عيسى هذا: هو منكر الحديث. وكذلك قال ابن عدي (¬2). وقال العقيلي (¬3): حديثه غير محفوظ. وقال ابن حبان (¬4): يروي الموضوعات، فالله أعلم. والحديث فيه دلالة ظاهرة -لو صح- لمذهب مالك وغيره من السَّلف في أن مَن مثَّل بعبده يُعتَقُ عليه، حتى عدَّاه بعضُهم إلى من لاَطَ بمملوكه أو زَنَى بأَمَة غيره أنها تُعتَقُ عليه. وفيه أيضًا: أنَّه لا ولاءَ له عليه والحالةُ هذه، لقوله: «وهو مولىً للهِ ورسولِهِ». وقد نصَّ الإمام اللَّيث بن سعد على قبول هذا الحديث، وأنَّه معمولٌ به عندهم. وأما قول قتادة، عن عمرَ أنَّه قال: مَن مَلَك ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ (¬5) فهو حُرٌّ؛ فرواه أبو جعفر الطَّحاوي (¬6) من حديث الأسود، عن عمرَ، فقال: ... (¬7). ¬
وسيأتي (¬1) في مسند سَمُرة من رواية قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة (¬2). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
أثر آخر في أحكام العتق
أثر آخر في أحكام العتق (448) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن أبي حَصين، عن الشَّعبي قال: لمَّا قام عمرُ قال: ليس على عربيٍّ مِلْكٌ، ولسنا بنازعي من يدِ رجلٍ شيئًا أَسلَمَ عليه، ولكنَّا نقوِّمهم المِلَّةَ (¬2) خمسًا من الإبلِ. قال: فسألتُ محمدًا (¬3) عن تأويله، فَفَسَّرَهُ بالرَّجلِ يَسبِي الرَّجلَ في الجاهلية، ثم يُسلِمُ وهو في يدِهِ، كالمملوكِ له، فحَكَمَ عمرُ بأنَّ المَسْبِيَّ يُردُّ إلى نَسَبِهِ، لأنَّه عربيٌّ، وتكونُ قيمتُهُ عليه، يُؤدِّيها إلى الذي سَبَاهُ، لأنَّه أَسلَمَ وهو في يدِهِ. وهكذا وَجَّهَهُ أبو عبيد. أثر آخر (449) قال أبو عبيد (¬4): حدثنا ابن عُليَّة، عن أيوب، عن ابن سيرين: أنَّ الأشعثَ بن قيس خاصَمَ أهلَ نجرانَ إلى عمرَ في رقابِهِم، فقالوا: ¬
يا أميرَ المؤمنين، إنما كنَّا عَبِيدَ مَمْلكةٍ، ولم نكن عَبِيدَ قِنٍّ. قال: فتَغيَّظ عليه عمرُ، فقال: أردتَ أنْ تَغَفَّلَنِي (¬1). وكذلك ثنا معاذ، عن ابن عَون، عن ابن سيرين، عن عمرَ، إلا أنَّه قال: أردتَ أن تَعَنَّتَنِي (¬2). قال الكسائي: القِنُّ: أنْ يكونَ مُلِكَ وأبواه، والمَمْلكة: أنْ يَغلِبَ عليهم فيَستَعْبِدَهُم، وهم في الأصل أحرارٌ. قال أبو عبيد: فحَكَمَ فيهم عمرُ أنْ صَيَّرَهُم أحرارًا بلا عوضٍ؛ لأنَّه كان تَمَلُّكًا، وليس بِسِبَاءٍ. قال: وفي هذا الحديث أصلٌ لكلِّ مَن ادَّعى رَقَبَةَ رجلٍ وأَنكَرَ المُدَّعَى عليه أنْ القولَ فيه قولُهُ. قال: وقد كان الرَّجلُ من الملوك ربما غَلَبَ على البلادِ حتى يَستَعبِدَ أهلَهَا، فيَجوزُ حُكْمُهُ فيهم، كما يَجوزُ في مماليكه، وعلى هذا عامَّةُ ملوكِ العَجَمِ اليومَ الذين في أطرافِ الأرضِ، يَهَبُ منهم ما شاءَ، ويَصطفي لنفسه ما شاءَ، ولهذا ادَّعى الأشعثُ رقابَ أهلِ نجرانَ، وكان استَعبَدَهُم في الجاهليةِ، فلمَّا أَسلَمُوا أَبَوا عليه. أثر آخر (450) قال أبو عبيد (¬3): حدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن أيوب ¬
بن موسى، عن سليمان (¬1) بن يَسَار، عن عمرَ: أنَّه قَضَى في وَلَدِ المَغْرورِ غُرَّةً (¬2). يعني: الرَّجلَ يُزوِّجُ رجلاً مملوكةً على أنها حُرَّة، فقَضَى أنْ يَغرَمَ الزوجُ لمولى الأَمَة غُرَّةُ، ويكونُ وَلَدُهُ حُرًّا، ويَرجعُ الزَّوجُ على مَن غَرَّهُ بما غَرِمَ. وسيأتي -أيضًا- (¬3) في تفسير قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (¬4) قصةُ أمرِ عمرَ أنسًا أنْ يُكاتِبَ سيرينَ لما دَعَاهُ إلى ذلك، وكان كثيرَ المالِ، وأنَّ ذلك محمولٌ على الوجوب عند طائفة من السَّلف (¬5). وهو قول عن الشافعيِّ رحمه الله (¬6). ¬
أثر في عتق أم الولد
أثر في عتق أُمِّ الولد (451) قال مالك (¬1) عن نافع، عن ابن عمرَ قال (¬2): أيُّما وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ من سَيِّدِها، فإنَّه لا يَبيعُها، ولا يَهبُها، ولا يُورِّثُها، وهو يَستَمتِعُ بها، فإذا مات فهي حُرَّةٌ. هذا إسناد صحيح. وقد ورد من طرق أخر عن عمرَ (¬3). ¬
وروي مرفوعًا من وجوه أخر (¬1). وقد تَقَصَّيتُ ذلك كلَّه في جزء مُفرَد، وبيَّنتُ اختلافَ الأئمَّةِ في هذه المسألةِ، وتحصَّلَ من أقوالِهِم قريبٌ من ثمانيةِ مذاهبَ، ولله الحمدُ والمنَّةِ. حديث آخر (452) قال أبو بكر بن أبي شيبة في «مصنَّفه» (¬2): ثنا معاوية بن هشام، ثنا أيوب بن عُتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَلَمة، عن جابر قال: كنَّا نَبيعُ أمَّهاتِ الأولادِ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذَكَر أنَّه زَجَر عن بيعهنَّ، وكان عمرُ -رضي الله عنه- يَشتَدُّ في بَيعِهِنَّ. أيوب بن عُتبة هذا هو: اليمامي، وهو ضعيف (¬3). ¬
(453) وقد رواه أبو داود في «سننه» (¬1) من طريق أخرى، فقال: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن قيس، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: بِعْنا أمَّهاتِ الأولادِ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان عمرُ نهانا فَانْتَهَينا. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم (¬2)، ولله الحمد. ¬
أثر آخر (454) قال أبو عبيد (¬1): ثنا ابن عُليَّة ومعاذ، عن ابن عَون قال: أنبأنا غاضِرة العَبْدي (¬2): أنهم أَتَوا عمرَ في نساءٍ أو إمَاءٍ سَاعَيْنَ في الجاهليةِ، فأَمَرَ بأولادِهِن أنْ يُقوَّمُوا على آبائِهِم، وألا يُستَرَقُّوا. قال: وأخبرني الأصمعي أنَّه سَمِعَ ابن عَون يَذكر هذا الحديث، قال: فقلتُ لابن عَون: إنَّ المساعاةَ لا تكونُ في الحرائرِ، وإنمَّا تكونُ في الإماءِ. قال: فجعل ابن عَون يَنظرُ إليَّ. قال أبو عبيد: ومعنى المساَعَاة: الزِّنى، يعني: أنَّ الأَمَة تَسعى في أداء الضَّريبة التي عليها لسيِّدها كلَّ يوم كما كانوا في الجاهلية، وكان الحُكم بينهم أنَّ مَن أَحبَلَ أَمَةَ آخرَ أنَّ الولدَ يَلحَقُهُ نَسَبُهُ إنْ ادَّعاه أو أحدٌ من عَصَباتِهِ، فحَكَم عمرُ -رضي الله عنه- أنَّ مَن زَنَى بأَمَة في الجاهليةِ ثم أَسلَمَ وادَّعاه أنَّه ولدُهُ، ويَلزمُهُ قيمتُهُ لسيِّدِ الأَمَةِ؛ لأنَّه وَطَأَها وهو يَعتقدُ أنَّ الولدَ حُرٌّ يَتبعُهُ، فإنْ ادَّعى سيِّدُ الأَمَةِ الولدَ أو أحدٌ من قراباتِهِ فهو أحقُّ، كما حَكَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ابن وَلِيدةِ زَمْعة أنَّه لِعَبْدِ بن زَمْعة لمَّا ¬
ادَّعاهُ مع ظهور شَبَهِهِ في عُتبة بن أبي وقاص (¬1). هذا حُكْم مُسَاعَاةِ الجاهلية، فأما إنْ كان الزِّنى بعد الإسلامِ فالولدُ رقيقٌ لسيِّدِ الأَمَةِ قولاً واحدًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وللعَاهِرِ الحَجَرُ» (¬2). (455) وقال (¬3): ثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يَسَار: أنَّ عمرَ كان يُلحِقُ أولادَ الجاهليةِ بمن ادَّعَاهُم في الإسلامِ. ¬
حديث في الولاء
/ (ق 169) حديث في الولاء (¬1) (456) قال أحمد (¬2): ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا ابن لَهِيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَرِثُ الوَلاءَ مَن يَرِثُ المالَ من والدٍ أو وَلَدٍ». طريق أخرى (457) قال أحمد (¬3): ثنا يحيى، ثنا حسين المعلِّم، ثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: لما رَجَع عمرو جاء بنو معمر بن حبيب / (ق 170) يُخاصمونه في ولاءِ أختِهم إلى عمرَ بن الخطاب، فقال: أَقضي بينكم بما سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أَحرَزَ الوَلَدُ أو الوَالِدُ فهو لِعَصَبتِهِ مَن كان». فقَضَى لنا به. وهكذا رواه أبو داود (¬4)، والنسائي (¬5)، وابن ماجه (¬6) من حديث عبدالوارث (د) (¬7)، وأبي أسامة (س ق) (¬8)، عن حسين بن ذكوان المعلِّم -أحد الثقات- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب، بأبسطَ من هذا. ¬
وهذا لفظ أبي داود: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رِئابَ بنَ حذيفة تزوَّج امرأةً، فوَلَدَت له ثلاثَ غِلمةٍ، فماتت أُمُّهم، فورثوها رِباعَها، وولاءَ مواليها، وكان عمرو بن العاص عَصَبةَ بَنِيها، فأخرجهم إلى الشام، فماتوا، فقَدِمَ عمرو بن العاص، ومات مولىً لها وترك مالاً، فخاصمه إخوتُها إلى عمرَ بن الخطاب، فقال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَحرَزَ الوَلَدُ أو الوَالِدُ، فهو لِعَصَبَتِهِ مَن كان». قال: فكَتَب له كتابًا فيه شهادةُ عبد الرحمن بن عوف وزيدِ بن ثابت ورجلٍ آخر، فلما استُخلِفَ عبد الملك -يعني: ابن مروان- اختصموا إلى هشام بن إسماعيل -يعني: والي المدينة- فرَفَعَهم إلى عبد الملك، فقال: هذا من القضاء الذي ما كنت أُراه. قال: فقَضَى لنا بكتابِ عمرَ بن الخطاب، فنحن فيه إلى الساعة. / (ق 171) وعند ابن ماجه قال: تزوَّج رِئابُ بن حذيفة بن سعيد بن سهم أُمَّ وائل بنت معمر الجُمَحيَّة، فوَلَدَت له ثلاثةً ... ، وذَكَر أنهم ماتوا مع عمرو بن العاص بالشام في طاعون عَمْواس (¬1). إلى أن قال: فأتيناه بكتاب عمرَ، فقال: إنْ كنتُ لأرى أنَّ هذا من القضاء الذي لا يُشكُّ فيه، وما كنتُ أَرى أنَّ أمير المدينة (¬2) بَلَغ هذا أنْ يشكُّوا في هذا القضاء. فقَضَى لنا به، فلم نَزَل فيه بعدُ. وقال علي ابن المديني: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا حسين المعلِّم، ثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أَحرَزَ الوَالِدُ أو الوَلَدُ؛ فهو لِعَصَبَتِهِ مَن كان». ¬
ثم قال: هذا من صحيح ما يُروى عن عمرو بن شعيب، رواه حسين المعلِّم، وهو حديث فيه كلام كثير، ولستُ أحفظ الكلام كلَّه، وإنما هذا مختصر منه. قال: وإنما صار هذا الحديث عندي متَّصل الإسناد؛ لأنَّ هذه القصةَ كانت فيهم، خاصَمَ فيها عمرو بن العاص إلى عمرَ بن الخطاب، وحدَّث بها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وإنما روى هذه الأحاديثَ عن عبد الله بن عمرو شعيبٌ، عن جدِّه عبد الله بن عمرو، ولم يرو محمد بن عبد الله بن عمرو عن أبيه شيئًا، وليس يحفظ في هذا الوجه غيره. انتهى كلامه. وأما أبو بكر بن داود الظَّاهري، فقال: لا يَثبت هذا الحديثُ لضعف عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه. قلت: وهذا الحديث من غرائب الأحاديث على شهرة / (ق 172) إسناده، ولستُ أعلمُ أحدًا من الأئمَّة المشهورين من الفقهاء الأربعة ولا غيرهم قال به، ولهذا أَتبَعَهُ أبو داود بعد روايته له، بأن قال (¬1): أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت يورِّثون الكُبَرَ (¬2) من الولاء. ¬
قال: ثم روى عن أبي سَلَمة، عن حماد، عن حميد قال: الناس يتَّهمون عمرو بن شعيب في هذا الحديث. ورواه النسائي -أيضًا- (¬1)، عن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر قال: سَمِعتُ الحسين، عن عمرو بن شعيب قال: قال عمرُ. مرسلاً! فالله أعلم (¬2). ¬
أثر في الولاء أيضا
أثر في الولاء أيضًا (458) قال أبو بكر بن داود (¬1): ثنا الحسن بن مكرم، ثنا يزيد بن هارون، أنا شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل: أنَّه خاصَمَ إلى عمرَ في أَمَةٍ نصرانيةٍ فلم يُورِّثْهُ منها. قلت: وهو قول جمهور العلماء. قال الإمام مالك (¬2): وهو الأمر المجمع عليه عندنا. ¬
كتاب الفرائض
/ (ق 173) كتاب الفرائض (459) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا هشيم ويزيد، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب (¬2) قال: قال عمرُ: لولا أني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس لقاتلٍ شيءٌ»؛ لَوَرَّثتُكَ. قال: / (ق 174) ودعا أخا المقتولِ فأَعطاهُ الإبلَ. وهكذا رواه النسائي (¬3)، عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم، عن مالك (¬4)، عن يحيى بن سعيد، به. ورواه النسائي -أيضًا- (¬5)، عن علي بن حُجر، عن إسماعيل بن عيَّاش، عن ابن جريج ويحيى بن سعيد وذَكَر آخر (¬6)، ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن عمرو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ليس للقاتلِ من الميراثِ شيءٌ». ¬
ثم قال النسائي (¬1): وهذا خطأ، والصواب الأوَّل. يعني: عمرو بن شعيب، عن عمرَ، وهو منقطع. والعَجَب من الشيخ أبي عمر ابن عبد البر -رحمه الله- مع جَلالته كيف ادَّعى الاتفاقَ على صحةِ حديثِ عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه بهذا (¬2)، وهو من رواية إسماعيل بن عيَّاش عن الحجازيين، وهو غيرُ مقبولٍ في مثل هذا عند جمهور أئمَّة الإسلام، ثم قد صرَّح النسائيّ بأنَّه خطأ، وأنَّ الصحيحَ كونُهُ منقطعًا عن عمرَ. وسيأتي في كتاب الجنايات (¬3) من حديث الحجَّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ، قولَه: لا يَرِث القاتل. وهكذا رواه الدارقطني (¬4) من حديث الشَّعبي (¬5)، عن عمرَ أنَّه قال: لا يَرِث خطأً ولا عَمْدًا. ¬
أثر في توريث الزوجة مع الأبوين
أثر في توريث الزوجة مع الأبوين (460) قال الإمام أحمد بن حنبل -فيما قرأت بخطِّه من ورقة أُحضِرَت إليَّ في ذي القعدة من سَنَة إحدى وخمسين، عليها خطُّ الحافظ محمد بن ناصر السَّلاَمي يشهد بذلك، وأنها ورقة من «كتاب الفرائض» للإمام أحمد، وعَرَفَ ذلك الحفَّاظ: المِزِّي والذَّهبي والبِرزَالِي، قال فيها-: حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قال عبد الله: كان عمرُ إذا سَلَك طريقًا فاتَّبَعنَاهُ وَجَدْناه سَهْلاً، وأنَّه أُتي في امرأةٍ وأبوين فقَسَمَها في أربعة، فأَعطى المرأةَ الرُّبعَ، والأُمَّ ثُلُثَ ما بَقِيَ، وما بَقِيَ للأب (¬1). ثم رواه عن عثمان (¬2)، ¬
وعلي (¬1)، وزيد بن ثابت (¬2)، والحسن (¬3)، وعطاء (¬4). وروى عن ابن عباس أنَّه خالف الناسَ في ذلك، فجعل للأُمِّ الثُّلُثَ كاملاً (¬5)، وتَبِعَهُ على ذلك محمد بن سيرين. ¬
ونصَّ عليّ وزيد في مسألة زوج وأبوين على مثل ذلك، وأنَّ ابن عباس قال لزيد بن ثابت: بقولك من الكتاب أم من رأيك؟ قال: بل برأيي، لا أفضِّل أُمًّا على أبٍ. وقد رواه منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كان عمرُ إذا سلك بنا طريقًا وَجَدناه سهلاً، وأنَّه أُتي في امرأةٍ وأبوين، فجعل للمرأة الرُّبعَ، وللأُمِّ ثُلُثَ ما بَقِيَ، وما بَقِيَ فللأب. رواه البيهقي (¬1). وقد تقدَّم مثلُه في اجتماع الجدَّتين، في «مسند الصِّديق». حديث آخر (461) قال أحمد (¬2): ثنا يحيى بن آدم، ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن عيَّاش، عن حكيم بن حكيم، عن أبي أُمَامة بن سهل قال: كَتَب عمرُ إلى أبي عُبيدة بن الجرَّاح: أنْ علِّموا غلمانَكم العَوْمَ، ومقاتلتَكم / (ق 175) الرَّميَ. فكانوا يختلفون إلى الأغراض (¬3)، فجاء سَهْمٌ غَرْبٌ (¬4) إلى غلامٍ فقَتَلَهُ، فلم يُوجَد له أصلٌ، وكان في حِجْرِ خالٍ له، فكَتَب فيه أبو عُبيدة إلى عمرَ، فكَتَب إليه عمرُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهُ ورسولُهُ مولى مَن لا مولى له، والخالُ وارثُ مَن لا وارثَ له». ¬
ثم رواه أحمد (¬1)، عن وكيع، عن سفيان، به. ورواه الترمذي (¬2)، عن بُندَار، عن أبي أحمد الزُّبيري. والنسائي (¬3)، عن إسحاق بن إبراهيم. وابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد. ثلاثتهم (¬5) عن وكيع. كلاهما (¬6) عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة المخزومي -وقد وثَّقه محمد بن سعد (¬7)، وقال ابن معين (¬8): صالح. وقال أحمد (¬9): متروك. وقال أبو حاتم (¬10): شيخ. وقال النسائي (¬11): ليس بالقوي. وذَكَره ابن حبان في «الثقات» (¬12) - عن حكيم بن حكيم بن عبَّاد بن حُنَيف الأنصاري المدني -وقد قال فيه محمد بن سعد (¬13): كان قليل الحديث، ولايحتجون بحديثه. ¬
وذَكَره ابن حبان في «الثقات» (¬1) - عن أبي أُمَامة -،وهو: أسعد بن سهل بن حُنَيف الأنصاري، أحدِ الصحابة- عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن (¬2). وخرَّجه ابن حبان في «صحيحه» (¬3). واختاره الضياء في كتابه (¬4). وقال الغلاَّبي عن يحيى بن معين: ليس في الخال حديث قوي (¬5). قلت: قد روي من طرق عدَّة (¬6). وذهب إلى مقتضاه / (ق 176) طائفة من العلماء، والله أعلم. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حديث آخر (462) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان مُستَندًا إلى ابن عباس، وعنده ابنُ عمر وسعيدُ بن زيد، فقال: اعلَموا أني لم أَقُلْ في الكَلاَلةِ (¬2) شيئًا، ولم أستَخلِفْ من بعدي أحدًا، وأنَّه من أَدرك وفاتي من سَبْي العربِ فهو حُرٌّ من مال الله. فقال سعيد بن زيد: أَمَا إنَّك لو أَشَرتَ برجلٍ من المسلمين لائْتَمَنَكَ الناسُ، وقد فَعَل ذلك أبو بكرٍ وائْتَمَنَهُ الناسُ. فقال عمرُ: قد رأيتُ من أصحابي حِرصًا سيّئًا، وإني جاعلٌ هذا الأمرَ إلى هؤلاء النَّفَرِ السِّتَة الذين مات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ. ثم قال عمرُ: لو أَدرَكَني أحدُ رجلين ثم جَعَلتُ هذا الأمرَ إليه لَوَثِقْتُ به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عُبيدة بن الجرَّاح. هذا الإسناد على شرط السُّنن، ولم يخرِّجوه. وعلي بن زيد بن جُدعان له غرائب وإفرادات، ولكن له شاهد (¬3)، والله أعلم. ¬
حديث آخر (463) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان، عن عمرو، عن الزهري، عن مالك بن أوس قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- يقول لعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد: نَشَدتُكُم بالله الذي تقومُ السماءُ والأرضُ به، أَعَلِمتُم أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّا لا نُورَثُ / (ق 177) ما تَرَكْنا صدقةٌ»؟ قالوا: نعم. وقد أخرجه الجماعة (¬2) من طرق، عن الزهري، به. ¬
وعند البخاري: عن مالك بن أوس، عن عمرَ، وعثمان، وعلي، وسعد، والعبَّاس، خمستهم، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وعند مسلم: عن هؤلاء الخمسة وعبد الرحمن بن عوف والزُّبير بن العوَّام. وله في رواية أبي داود (¬1): عن عمرَ، عن أبي بكرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما تقدَّم في «مسند الصِّديق». طريق أخرى (464) قال أحمد (¬2): ثنا إسماعيل -هو: ابن عُليَّة- أنبأ أيوب، عن عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان قال: جاء العبَّاسُ وعليٌّ إلى عمرَ يَختَصمانِ، فقال العبَّاس: اقْضِ بيني وبين هذا، الكذا وكذا! فقال الناس: افصِلْ بينهما، افصِلْ بينهما. قال: لا أَفصِلُ بينهما، قد عَلِما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صدقةٌ». ¬
أثر آخر (465) قال أبو بكر بن داود الظاهري: ثنا حمدان بن علي الورَّاق، ثنا عبيد الله بن موسى، أنا ابن أبي ليلى، عن الشَّعبي، عن عَبيدة السَّلماني: أنَّ أهلَ بيتٍ بالشامِ وَقَع عليهم بيتٌ، فورَّث عمرُ بعضَهم من بعض (¬1). إسناده صالح. ¬
أثر في العول
أثر في العَوْل (¬1) (466) قال محمد بن إسحاق (¬2): ثنا الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنَّه قال: إنَّ الذي أحصى رملَ عالجٍ لم يجعل في مالٍ واحدٍ نصفًا، ونصفًا، وثلثًا. فقال له زُفَر بن أَوس: يا أبا عباس، مَن أوَّل مَن أعال الفرائضَ؟ قال: عمر. قال: ولم؟ قال: لمَّا تَدَافعت عليه، ورَكَب بعضُها بعضًا، قال: واللهِ ما أدري كيف أَصنعُ بكم؟ والله ما أدري أيَّكم قدَّم اللهُ، ولا أيَّكم أخَّر؟! قال: وما أَجدُ في هذا المال أحسنَ من أن / (ق 178) أَقسِمَهُ عليكم بالحِصَص. ثم قال ابن عباس: وايمُ اللهِ، لو قدَّم مَن قدَّم اللهُ، وأخَّر مَن أخَّر اللهُ، ما عَالَت فريضةٌ. فقال له زُفَر: وأَيُّهم قدِّم، وأَيُّهم أخِّر؟ فقال: كلُّ فريضةٍ لا تزولُ إلا إلى فريضةٍ فتلك التي قدَّم اللهُ. فقال له زُفَر: فما مَنَعَكَ أن تُشيرَ بهذا على عمرَ؟ فقال: هِبْتُهُ، واللهِ. قال ابن إسحاق: فقال لي الزهري: وايمُ اللهِ، لولا أنَّه تَقَدَّمَهُ إمامُ هدًى كان أمرُهُ على الورع ما اختَلَف على ابن عباس اثنان من أهل العلم. ¬
هذا إسناد جيد صحيح إلى عمرَ، وهو مشهور عنه، وقد وافق ابنَ عباس على ترك العَول طائفةٌ من السَّلف، ثم ادُّعي بعدُ الإجماعُ على ذلك، فالله أعلم.
أثر في توريث العصبات
أثر في توريث العَصَبات (467) قال أبو بكر بن داود الظاهري: ثنا محمد بن سعد العوفي، ثنا محمد بن كُناسة، ثنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: كَتَب عمرُ إلى عبد الله: أيُّ العصبةِ كان أقربَ للأُمِّ فأَعطِهِ المالَ (¬1). ¬
أثر في العمة
أثر في العَمَّة (468) قال مالك (¬1): عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه كان يقول: عَجَبًا للعمَّة تُورَثُ ولا تَرِثُ. طريق أخرى (469) قال أبو بكر بن داود: ثنا يحيى بن أبي طالب، أنا يزيد، أنا حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن هَرِم، عن جابر بن زيد: أنَّ عمرَ قَضَى للعَمَّةِ الثُّلُثين، وللخالةِ الثُّلُثُ (¬2). ¬
أثر في المشركة، وهي الحمارية
أثر في المُشرَّكة، وهي الحِمَارية (470) قال محمد بن نصر المروزي: ثنا محمد بن مثنىَّ، ثنا معاذ بن معاذ، ثنا حسين المعلِّم، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ أَشرَكَ بين الإخوة من الأب والأُمِّ، وبين الإخوة من الأُمِّ في الثُّلُثِ (¬1). وهذا إسناد صحيح. (471) وكذا رواه أبو بكر بن داود الظاهري، عن أحمد بن الوليد اللَّحام، عن عبد الوهاب، عن سليمان التَّيمي، عن أبي مِجْلَز: أنَّ عمرَ شَرَّكَ بينهم، ولم يُشرِّك بينهم عثمانُ، ولا عليٌّ. وهذا منقطع، يشهد له الأوَّل، وقد روي من وجه آخر عنه بأبسطَ منه. وصحَّ ذلك -أيضًا- عن عثمانَ، وهو قول ابنِ مسعود وزيد. ومَنَعَهُ عليٌّ وأبو موسى (¬2). ¬
قوله في الجد
/ (ق 179) قوله في الجَدِّ (472) قد ثبت في «الصحيحين» (¬1) عن عبد الله بن عمرَ: أنَّ عمرَ قال: ثلاثٌ وَدِدِتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهنَّ عهدًا ننتهي إليه: الجدُّ، والكلالة، وأبواب من أبواب الرِّبا. ولهذا اختَلَفت آراؤه في الجدِّ على وجوه، فكان أوَّلا يذهبُ إلى قول ¬
الصِّدِّيق فيه من إنزاله أَبًا، ثم رجع إلى التشريك بينه وبين الإخوة لما ناظره زيد بن ثابت في ذلك، كما نقله البيهقي في «سننه الكبير» (¬1)، وقد كان مذهب زيد إذ ذاك تقديم الأخوة عليه، فرجع كلٌّ منهما عن مذهبه، وصارا إلى التشريك، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنهم. (473) قال أبو بكر بن داود الظاهري في كتاب «الفرائض»: ثنا يحيى بن أبي طالب، أنا يزيد بن هارون، أنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عَبيدة قال: إنِّي لأحفظُ عن عمرَ -رضي الله عنه- في الجدِّ مائةُ قضيةٍ، كلُّها ينقضُ بعضُها بعضًا. هذا إسناد صحيح. ¬
أثر في المعادة
أثر في المعادَّة (474) قال عبد الله بن المبارك (¬1): أنا يونس، عن الزهري، حدثني سعيد بن المسيّب وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة وقَبيصة بن ذُؤَيب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى أنَّ الجَدَّ يقاسِمُ الإخوةَ للأبِ والأُمِّ، والإخوةِ للأبِ ماكانت المقاسمةُ خيرًا له من ثُلُثِ المالِ، فإن كَثُرَ الإخوةُ أَعطى الجَدَّ الثُّلُثَ، وكان للإخوة ما بَقِيَ، للذَّكَر مثلُ حظِّ الأنثيين، وقَضَى أنَّ بني الأب والأُمِّ أولى بذلك من بني الأبِ، ذكورِهِم وإناثِهِم، غيرَ أنَّ بني الأب يقاسمون الجَدَّ لبني الأب والأُمِّ / (ق 180) فيَردُّون عليهم، ولا يكونُ لبني الأب مع بني الأب والأُمِّ شيء، إلا أن يكونَ بنو الأب يردُّون على بنات الأب والأُمِّ، فإن بَقِيَ شيءٌ بعد فرائضِ بناتِ الأبِ والأُمِّ فهو للإخوةِ للأبِ، للذَّكَر مثلُ حظِّ الأنثيين. هذا إسناد صحيح (¬2). ¬
أثر فيمن أسلم قبل قسمة ميراث أبيه
أثر فيمن أسلم قبل قسمة ميراث أبيه (475) قال أبو بكر بن داود: ثنا إسماعيل بن محمد القاضي، أنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة، عن حسان بن بلال المُزَني: أنَّ يزيدَ بن قتادة حدَّث أنَّ رجلاً من أهله مات وهو على غير الإسلام، فوَرِثَتْهُ أختي دوني، وكانت على دينه، ثم إنَّ أبي أَسلَمَ، فشَهِدَ مع رسولِ الله حُنينًا، فمات، فأحرَزتُ ميراثَهُ سَنَةً، وكان ترك نخلاً، ثم إنَّ أختي أَسلَمَتْ، فخاصَمَتني في الميراث إلى عثمان بن عفان، فحدَّثه عبد الله بن الأرقم: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قَضَى أنَّ من أسلم على ميراث قبل أن يُقسَمَ فله نصيبه، فقَضَى به عثمان، فذَهَبت بذلك الأوَّل، وشارَكَتني في هذا (¬1). انتهى الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني، وأوله: كتاب النكاح ¬
كتاب النكاح
كتاب النكاح (476) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا عمر بن الخطاب - يعني: السِّجستاني-، ثنا أبو اليَمَان، ثنا شعيب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: تأيَّمَتْ حفصةُ من خُنَيس بن حُذافة ... ، وذَكَر الحديث، كما تقدَّم في «مسند الصِّدِّيق» في عَرْض الرَّجل ابنتَهُ على أهل الخير والصَّلاح. وكذا أورده أصحاب الأطراف (¬2) من حديث عمر في رواية البخاري (¬3)، والنسائي (¬4) من حديث الزهري، به. ¬
حديث في استئمار البنات
حديث في استئمار البنات (477) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا محمد بن الفضل السَّقَطي، ثنا عبد العزيز بن عبد الله، ثنا يزيد بن عبد الملك، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السائب بن يزيد، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أنْ يزوِّجَ امرأةً من نسائِهِ يأتيها من وراءِ الحجراتِ، فيقول: «يابُنيَّة، إنَّ فلانًا قد خَطَبَك، فإن كَرِهتِ فقولي: لا، فإنَّ أحدًا لا يَستحي أنْ يقولَ: لا، وإنْ أَحبَبتِ / (ق 181) فإنَّ سُكُوتَكِ إقرارٌ». هذا حديث غريب من هذا الوجه، ويزيد بن عبد الملك هو: النَّوفَلي، وقد تكلَّموا فيه، وضعَّفوه (¬2). ¬
أثر عن عمر في الأولياء
أثر عن عمر في الأولياء (478) قال الإمام الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2) فيما بلغه، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: لا تُنكَحُ المرأةُ إلا بإذنِ وليِّها، أو ذي الرأي من أهلِها، أو السُّلطانِ. وكذا رواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بُكَير بن الأشجِّ، سَمِعَ سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، به. ورواه الدارقطني في «سننه» (¬3). (479) وقال سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن الحسن، وسعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: لا نكاحَ إلا بوليٍّ، وشاهدَي عدلٍ (¬4). ¬
هذا ... (¬1). أثر آخر (480) روى أبو الحسن الدارقطني (¬2) من حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة (¬3) قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: لأَمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذواتِ الأحسابِ إلا من الأكفاءِ. فيه انقطاع. أثر آخر (481) قال ابن جريج (¬4): أخبرني عبد الحميد بن جُبَير بن شيبة، عن ¬
عكرمة بن خالد قال: جَمَعَتْ الطريقُ رَكبًا، فجَعَلت امرأةٌ منهم ثيِّبٌ أَمرَها بيدِ رجلٍ غيرَ وليٍّ، فأَنكَحَها، فبَلَغ ذلك عمرَ بنَ الخطابِ، فجَلَدَ الناكِحَ والمُنكِحَ، ورَدَّ نكاحَهما. فيه انقطاع.
أثر في بطلان نكاح من تزوج وهو محرم
أثر في بطلان نكاح من تزوَّج وهو مُحرِم (482) قال الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2)، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طَرِيف المُزَني، أنَّه أَخبَرَه: أنَّ أباه طَرِيفًا تزوَّج امرأةً وهو مُحرِمٌ، فردَّ عمرُ بن الخطاب نكاحَهُ. صحيح. وقد روي عن عليِّ (¬3)، ¬
وابن عمر (¬1)، وزيد بن ثابت (¬2) مثله بأسانيد جيِّدة. ¬
حديث في الرغبة في ذات الحسب العريق والشرف
حديث في الرَّغبة في ذات الحسب العريق والشَّرَف وهو حديث: «كلُّ نَسَبٍ وسَبَبٍ، فإنَّه ينقطعُ يومَ القيامةِ إلا نَسَبي وَسَبَبي». (483) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا سَلَمة بن شَبيب، ثنا الحسن بن محمد بن أَعْين، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ منقطعٌ يومَ القيامةِ إلا سَبَبي ونَسَبي». ثم قال البزَّار: رواه غير واحد عن زيد بن أسلم مرسلاً، ولم يَصله إلا عبد الله بن زيد بن أسلم. قلت: وقد تكلَّموا فيه، وضعَّفوه (¬2). طريق أخرى (484) قال الطَّبراني (¬3) في ترجمة الحسن بن علي رضي الله عنهما: حدثنا جعفر بن سليمان النَّوفلي المديني، ثنا إبراهيم بن حمزة الزُّبيري، ثنا عبد العزيز ¬
بن محمد الدَّرَاوَردِي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: دعا عمرُ بن الخطاب عليَّ بن أبي طالب فسَارَّه، ثم قام عليٌّ، فجاء الصُّفَّةَ، فوَجَد عبَّاسًا، وعَقيلاً، والحسين، فشَاوَرَهم في تزوُّج أُمِّ كلثوم عمرَ، فغضب عَقيل، وقال: يا عليٌّ، ما تَزيدُكَ الأيامُ والشُّهورُ والسُّنونُ إلا العَمَى في أمرك، واللهِ لئن فَعَلتَ ليكُوننَّ، وليكُوننَّ. لأشياءَ ... (¬1)، ومضى يَجُرُّ ثوبَهُ. فقال عليٌّ للعبَّاس: واللهِ ما ذاك منه نصيحةً، و ... (¬2) دِرَّة عمرَ أَحوَجَتْهُ (¬3) إلى ما تَرَى، أما واللهِ ما ذاك رغبةً فيك يا عَقيل، ولكن قد أَخبَرَني عمرُ بن الخطاب أنَّه سَمِعَ رسولَ الله يقول: «كلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ منقطعٌ يومَ القيامةِ إلا سَبَبي ونَسَبي». فضَحِكَ عمرُ، وقال: وَيْح عَقيلٍ، سَفِيهٌ أحمقُ. طريق أخرى (485) قال الطَّبراني (¬4): ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا الحسن بن سهل الخيَّاط، ثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول للناس حين تزوَّج بنتَ عليٍّ: ألا تُهنِئوني، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَنقطعُ يومَ القيامةِ كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ إلا سَبَبي ونَسَبي». ¬
ثم قال الطَّبراني: لم يجوِّده إلا الحسن بن سهل، ورواه غيره عن سفيان بن عيينة، عن جعفر، عن أبيه، ولم يَذكروا جابرًا (¬1). واختاره الضياء في كتابه (¬2). / (ق 182) طريق أخرى (486) قال الهيثم بن كُلَيب الشَّاشي في «مسنده» (¬3): ثنا أبو قِلاَبة ¬
عبد الملك بن محمد الرَّقاشي، ثنا عمر بن عامر وبِشر بن مِهران قالا: ثنا شريك، ثنا شَبيب بن غَرقَدة، عن المُستَظِلِّ بن حصين: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَب إلى عليٍّ ابنتَهُ، فاعتَلَّ بصغرِها، وقال: إني أَعددتُها لابن أخي جعفر، فقال عمرُ: إني واللهِ ما أردتُ بها الباهَ، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنقطعُ يومَ القيامةِ غيرَ سَبَبي وَنَسَبي». إسناد حسن (¬1). واختاره الضياء أيضًا. طريق أخرى (487) قال الطَّبراني (¬2): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عُبادة بن زياد الأسدي، ثنا يونس بن أبي يعقوب (¬3)، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ يقول: «كلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ يومَ القيامةِ منقطعٌ إلا سَبَبي ونَسَبي». ¬
طريق أخرى (488) روى الحافظ أبو بكر البيهقي في «السُّنن الكبير» (¬1): عن أبي الحسين بن بَشران، عن دَعْلج بن أحمد، عن موسى بن هارون، عن سفيان بن وكيع، عن رَوْح بن عُبادة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن حسن بن حسن، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- لما خَطَب أُمَّ كلثوم بنتَ عليِّ بنِ أبي طالب، قال له عليٌّ رضي الله عنه: إنها صغيرةٌ. فقال: إني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ منقطعُ يومَ القيامةِ إلا سَبَبي وَنَسَبي»، فأحببتُ أن يكونَ لي من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سَبَبٌ وَنَسَبٌ. فزوَّجه عليّ رضي الله عنه. وفي رواية: فقال عليٌّ للحسن والحسين: زَوِّجا عمَّكما. فقالا: هي امرأةٌ من النساء تَختارُ لنفسها. فقام عليّ وهو مُغضَبٌ، فأمسك الحسنُ بثوبه، وقال: لا صبرَ على هجرانِكَ يا أَبَتاهُ. قال: فزَوَّجاه. (489) / (ق 183) وقد رواه الحافظ الإسماعيلي من طريق أخرى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن عمرَ، بنحوه. (490) ومن طريق أخرى عن إبراهيم بن مِهران بن رستم، عن الليث، عن موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه، عن عُقبة بن عامر، عن ¬
عمرَ، نحوه، أيضًا (¬1). فهذه طرق جيدة مفيدة للقطع في هذه القضية بما تضمَّنته، ولله الحمد. وأُم كلثوم هذه: هي ابنة عليِّ بن أبي طالب من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنها وُلِدَت في حياته عليه السلام (¬2). (491) وقد ذَكَر الزُّبير بن بكَّار (¬3): أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَب أُمَّ ¬
كلثوم إلى عليٍّ، فقال: إنها صغيرةٌ. قال: إني أُرْصِدُ كرامتَها. فقال: إنِّي أَبعثُها إليك، فإنْ رَضِيتَهَا فقد زَوجتُكَها. فبَعَثَها ببُرْدٍ، وقال: قولي له: هذا البُرْدُ الذي قلتُ. فقالت ذلك لعمرَ، فقال: قولي له: قد رَضيتُهُ رضي اللهُ عنكِ، ووَضَع يده على ساقِها فكَشَفَها، فقالت له: أتفعلُ هذا؟ لولا أنكَ أميرُ المؤمنين لكَسَرتُ أنفَكَ. ثم خَرَجتْ حتى أَتَتْ أباها، فأَخبَرَتْهُ الخبرَ، وقالت: بَعَثْتَني إلى شيخِ سوءٍ! قال: مَهلاً يابنيَّة، فإنه زَوجُكِ. ثم جاء عمرُ إلى مجلسٍ فيه المهاجرون والأنصار، فقال: رَفِّئِوني (¬1)، تَزوَّجتُ أُمَّ كلثوم بنتَ علي، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ وصِهرٍ منقطعُ يومَ القيامةِ إلا / (ق 184) سَبَبِي وَنَسَبِي وصِهري»، فكان لِيَ به السببُ والنَّسبُ، فأردتُ أن أَجمعَ إليه الصِّهرَ، فرَفَّئوه، فوَلَدَتْ له زيدًا ورُقيَّة. (492) وقال محمد بن سعد (¬2): عن الواقدي وغيره: أنَّ عمرَ لمَّا خَطَب إلى عليّ ابنتَهُ أُمَّ كلثوم قال: يا أميرَ المؤمنين، إنها صبيَّةٌ. قال: إنك واللهِ مابكَ ذلك، ولكن قد عَلِمْنا مابك. فأَمَرَ بها عليٌّ فصُنِعَت، ثم أمر ببُرْدٍ فَطَواهُ، ثم قال: انطَلِقِي بهذا إلى أميرِ المؤمنين ... ، وذَكَر نحو ما تقدَّم. (493) وقال أبو عبد الله محمد بن عيسى بن الحسن بن إسحاق التَّميمي البغدادي، المعروف بابن العلاَّف (¬3): ثنا علي -يعني: ابن بَيَان ¬
المقرئ، المعروف بالباقلاَّني- ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، ثنا سيف بن هارون، ثنا فضيل بن كثير، ثنا عكرمة، عن ابن عباس قال: لما ابتنى عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- بأُمِّ كلثوم، جاءه مشيخةٌ من المهاجرين، فكان تحيتُهُ إيَّاهم أنْ صَفَّرَ لحاهم بالمَلاَبِ (¬1). (494) وقال وكيع (¬2): عن هشام بن سعد، عن عطاء الخراساني (¬3): أنَّ عمرَ بن الخطاب أَمهَرَ أُمَّ كلثوم أربعينَ ألفًا. هذا منقطع (¬4). ¬
(495) وقد رواه إسحاق بن المنذر (¬1)، عن محمد بن عبد الملك، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: تزوَّج عمرُ أُمَّ كلثوم بنتَ فاطمة على أربعينَ ألفًا. فهذا يقوِّي الذي قبله، والله أعلم. (496) وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدَّغولي (¬2) في «معجم الصحابة»: ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر، ثنا زيد بن الحُبَاب، عن الربيع بن المنذر، حدثني أبي قال: سَمِعتُ محمد ابن الحنفية يقول: دخل عمرُ بن الخطاب على أُمِّ كلثوم أختي، فضَمَّني إليه، وقال لها: تَلطَّفيه بالحلواءِ (¬3). ¬
أثر فيه الرغبة في ذات الدين والعقل والورع
/ (ق 185) أثر فيه الرَّغبة في ذات الدِّين والعقل والورع (497) قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري (¬1): ثنا أبو سعيد الحسن بن علي الجصَّاص، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أَعْين، أخبرني أبي، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه أسلم قال: بينما أنا مع عمرَ بن الخطاب وهو يَعُسُّ المدينةَ (¬2) إذ أَعيا، فاتَّكأ على جانبِ جدارٍ في جوفِ الليلِ، فإذا امرأةٌ تقولُ لابنتها: ياابنتاه، قُومي إلى ذلك اللَّبنِ فامْذُقيهِ بالماء. فقالت لها: يا أمَّتاه، وما عَلمتِ (¬3) بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت: وما كانت من عزمته يا بُنيَّة؟ قالت: إنَّه أمر مناديه فنادى: ألا يُشَابَ اللَّبنُ بالماء. فقالت لها: يابنتاه، قومي إلى اللَّبن فامْذُقيهِ بالماء، فإنك بموضعٍ لا يَراكِ عمرُ، ولا مُنادِي ¬
عمرَ. فقالت الصبيَّةُ لأمِّها: ياأمَّتاه، واللهِ ما كنتُ لأُطيعَهُ في الملأ، وأَعصِيَهُ في الخلا. وعمرُ يَسْمع كلَّ ذلك، فقال: يا أسلمُ، علِّمِ البابَ، واعرفِ الموضعَ. ثم مضى في عَسَسه، فلمَّا أصبح، قال: يا أسلمُ، امضِ إلى الموضعِ، فانظر مَن القائلة، ومَن المقول لها، وهل لهم من بَعْلٍ؟ فأتيتُ الموضعَ، فنَظَرتُ، فإذا الجاريةُ أَيِّمٌ لا بَعْلَ لها، وإذا تِيك أمُّها، وإذا ليس لهم (¬1) رجلٌ، فأتيتُ عمرَ بن الخطاب فأخبَرتُهُ، فدعا عمرُ وَلَدَهُ فجَمَعَهُم، فقال: هل فيكم مَن يحتاجُ / (ق 186) إلى امرأةٍ أُزوِّجُهُ، ولو كان بأبيكم حَرَكةٌ إلى النساء ما سَبَقَهُ فيكم (¬2) أحدٌ إلى هذه الجاريةِ. فقال عبد الله: لي زوجة. وقال عبد الرحمن: لي زوجة. وقال عاصم، يا أَبَتاهُ، لا زوجةَ لي، فزَوِّجني. فبَعَثَ إلى الجارية فزَوَّجها من عاصم، فوَلَدت لعاصم بنتًا، وَوَلَدت البنتُ بنتًا، وَوَلَدت الابنةُ عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله. قال ابن الجوزي (¬3): كذا وقع في رواية الآجري، وهو غلط، وإنما الصواب: فوَلَدت لعاصمٍ بنتًا، وَوَلَدت البنتُ عمرَ بن عبد العزيز. قلت: فيه دلالة على ما ذَكَرناه، وعلى أنَّ مَن لا ولِيَّ لها يزوِّجها السُّلطان. ¬
أثر في الستر على المخطوبة التي قد بدت منها هفوة في وقت، ثم تابت وأنابت
أثر في السَّتر على المخطوبة التي قد بَدَت منها هَفوة في وقت، ثم تابت وأنابت (498) قال أبو جعفر بن ذَرِيح: ثنا هنَّاد (¬1)، ثنا عَبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي قال: أتى عمرَ بنَ الخطابِ رجلٌ، فقال: إنَّ ابنةً لي كنتُ وأدتُها في الجاهلية، فاستَخرَجتُها قبل أنْ تموتَ، فأدرَكَتْ معنا الإسلام، فأسلَمَتْ، فلمَّا أسلَمَتْ أصابَها حدٌّ من حدود الله، فأَخَذتِ الشَّفرةَ لِتَذبَحَ نفسَها، فأَدرَكناها وقد قَطَعت بعضَ أوداجِها (¬2)، فدَاوَيناها حتى بَرِئَت، ثم أَقَبَلتْ بعدُ بتوبةٍ حَسَنةٍ، وهي تُخطَبُ إلى قومٍ، فأُخبِرُهُم من شأنها بالذي كان؟ فقال عمرُ رضي الله عنه: أَتَعمِدُ إلى ما ستَرَهُ / (ق 187) اللهُ فتُبْدِيه! واللهِ لئن أَخبَرتَ بشأنها أحدًا من الناس لأَجعلنَّك نكالاً لأهلِ الأمصارِ، أَنكِحَها نكاحَ العفيفةِ المسلمةِ. فيه انقطاع. ¬
(499) حديث من «تاريخ الخطيب» (¬1) في ترجمة الفضل بن أحمد الزُّبيدي -ثقة-، قال (¬2): نا زياد بن أيوب، قال ابن عُليَّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ (¬3): أنَّه تزوَّج امراةً، فأصابَها شمطاءَ، فطَلَّقها، وقال: حَصيرٌ في بيتٍ، خيرٌ من امرأةٍ لا تَلِدُ، واللهِ ما أقربُكُنَّ شهوةً، لكنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «تزوَّجُوا الودُودَ، الولُودَ، فإنِّي مكاثِرٌ بكم الأُممَ يومَ القيامةِ». رواه عنه ابن شاهين، وأبو محمد ابن معروف، وذَكَره الدارقطني، فقال: ثقة مأمون. ¬
حديث في التنفير من سيئة الخلق والخلق
حديث في التَّنفير من سيِّئة الخَلْق والخُلُق (500) قال محمد بن نوح الجُندَيسابوري: ثنا الحسين بن إسحاق، ثنا أبو جعفر أحمد بن النعمان المِصِّيصِي، ثنا عبد الله بن عبد الواحد، ثنا يونس، عن معاوية بن قُرَّة، عن أبيه، عن عمرَ قال: لم يُعطَ أحدٌ بعدَ كُفْرٍ باللهِ شرًّا من امرأةٍ حديدةِ اللسانِ، سيِّئةِ الخُلُقِ، ولم يُعطَ العبدُ بعدَ الإيمانِ باللهِ خيرًا من امرأةٍ حَسَنَةِ الخُلُقِ، وَدُودٍ، وَلُودٍ. وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ منهنَّ غُنْمًا لا يُحذَى منه، وإنَّ منهنَّ غُلاًّ لا يُفادَى منه» (¬1). غريب. ¬
أثر آخر (501) قال أبو القاسم البغوي (¬1): ثنا أبو نصر التَّمار، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عُمَير، عن زيدِ بنِ عَذَبَةَ (¬2) قال: قال عمرُ بن الخطاب: الرِّجالُ ثلاثةٌ، والنساءُ ثلاثةٌ (¬3): امرأةٌ هيِّنةٌ، ليِّنةٌ، عفيفةٌ، ¬
مسلمةٌ، وَدُودٌ، وَلُودٌ، تُعينُ أهلَها على الدَّهر، ولا تُعينُ الدَّهرَ على أهلها، وقَلَّ ما تجدها، وأخرى وعاءً للولد، لا تزيدُ على ذلك شيئًا، وأخرى غُلُّ قَمِلٌ (¬1)، يَجعلُهُ اللهُ في عُنُق من يشاءُ، ويَنزعه إذا شاءَ. والرِّجالُ ثلاثةٌ: فرجلٌ عاقلٌ، إذا أَقبَلَت الأمورُ وتشبَّهت / (ق 188) يُؤتَمَرُ (¬2) فيها أمرُهُ، ويُنزَلُ عند رأيه، وآخرُ حائِرٌ بائِرٌ (¬3)، لا يأتَمِرُ رُشْدًا، ولا يَسْمعُ مُرشِدًا (¬4). ¬
أثر في كراهة تزويج المرأة الحسنة من الرجل القبيح المنظر
أثر في كراهة تزويج المرأة الحَسَنة من الرجل القبيح المنظر (502) قال أبو محمد ابن حيَّان: ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا سعيد بن عمرو، ثنا بقيَّة، ثنا إسماعيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه قال: لا تُنكِحوا المرأةَ الرَّجلَ القبيحَ الذَّميمَ، فإنهنَّ يحببن لأنفسهنَّ ماتحبُّون لأنفسِكم (¬1). أثر آخر (503) قال أبو عبيد (¬2): حدثني يزيد -يعني: ابن هارون-، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه قال: ما بالُ رجالٍ لا يزالُ أحدُهم كاسِرًا وِسادَهُ عند امرأةٍ مُغزِيَة، يَتَحدَّثُ إليها، وتَتَحدَّثُ إليه، عليكم بالجَنْبَة، فإنها عفافٌ، ¬
إنما النساءَ لحمٌ على وَضَمٍ، إلا ما ذُبَّ عنه. المرأة المُغزِيَة: التي قد غاب زوجُها في الغزو. والجَنبَة: أي: الاجتناب والتَّنحِّي. والوَضَم: ما وَقَيت به اللَّحم من الأرض من خشب أو حصير ونحوه، أي: إذا كان كذلك، فإنَّه لا يمتنع ممَّن أراده إلا ماذُبَّ عنه.
أثر يذكر في النظر إلى المخطوبة
أثر يُذكر في النظر إلى المخطوبة (504) قال أبو حاتم الرازي: ثنا علي بن مَعبد، عن بَقيَّة بن الوليد، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إذا تَمَّ لونُ المرأةِ وشَعرُها، فقد تمَّ حُسْنُها، والعَجيزةُ (¬1) أحدُ الوجهين (¬2). أثر آخر (505) قال أبو عبيد (¬3): حدثني حجَّاج، عن حماد بن سَلَمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه قال: ماتَصَعَّدتني خطبةٌ ما تَصَعَّدتني خُطبةُ النكاحِ. يعني: ما شَقَّتْ عليَّ خُطبةٌ كخُطبةِ النكاحِ، لقوله تعالى: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (¬4)، وقوله: {يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} (¬5)، وقوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} (¬6). ¬
أثر في ضرب الدفوف في الأعراس
أثر في ضرب الدُّفوف في الأعراس (506) قال أبو بلال الأشعري: ثنا محمد بن أبان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سَمِعَ عمرُ صوتًا في دار، فقال: ما هذه الضَّوضاءُ؟ فقالوا: عُرسٌ. فقال: فهلاَّ حرَّكوا من غرابِيلِهم. يعني: الدُّفوف (¬1). طريق أخرى (507) قال الخطيب البغدادي (¬2): ثنا إبراهيم بن مَخلد بن جعفر، ثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحُكَيمي، ثنا العباس بن محمد، ثنا ¬
محمد بن عبد الله الأَرُزِّي، ثنا عاصم بن هلال، ثنا أيوب، عن محمد بن سيرين: أنَّ عمرَ كان إذا سَمِعَ صوتَ دُفٍّ أو كَبَرٍ (¬1) فقالوا: عُرسٌ أو ختانٌ، سَكَت. ¬
أثر في استحباب تزويج الصغار عند البلوغ
/ (ق 189) أثر في استحباب تزويج الصِّغار عند البلوغ (508) قال محمد بن إسحاق الصَّاغاني: ثنا إسحاق بن عيسى بن الطَّبَّاع، حدثني العطَّاف بن خالد، عن زيد بن أسلم قال: قال عمرُ بن الخطاب: زَوِّجوا أولادَكم إذا بَلَغوا، لا تَحمِلُوا آثامَهم (¬1). ¬
أثر في استحباب الجمع بين المتحابين بالتزويج
أثر في استحباب الجمع بين المتحابَّين بالتزويج (509) قال أبو عمر بن حيُّويه (¬1): حدثني أبو بكر محمد بن خلف، حدثني أبو محمد البَلْخي، حدثني أحمد بن سُرَاقة، حدثني العباس بن الفرج قال: سَمِعتُ الأصمعيَّ، عن ابن أبي الزِّناد (¬2) قال: قال عمرُ بن الخطاب: لو أدركتُ عَفراءَ وعروةَ لجَمَعتُ بينهما. هذا منقطع. وعَفراء وعروة بن حِزَام كانا في الجاهلية، ويُؤثَر عنهما أشعارٌ في المحبة (¬3). (510) وقد روى ابن ماجه في «سننه» (¬4) من حديث طاوس، عن ابن عباس: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يُرَ للمتحابَّين مثلُ النكاحِ». ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حديث آخر (511) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا الرفاعي، ثنا أبو الحسين، ثنا عبد الله بن بُدَيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشُّؤمُ في ثلاثةٍ: في الدَّابةِ، والمسكنِ، والمرأةِ». وكذا رواه أبو يعلى (¬1)، عن أبي هشام الرِّفاعي، عن زيد بن الحُبَاب، عن عبد الله بن بُدَيل، به. وهذا حديث حسن الإسناد من هذا الوجه (¬2). ¬
وقد صحَّ من وجه آخر (¬1). ¬
حديث في تحريم نكاح المتعة
حديث في تحريم نكاح المتعة (512) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان وبهز، قالا: ثنا همام، ثنا قتادة، عن أبي نَضرة: قلت لجابر بن عبد الله: إنَّ ابنَ الزُّبير ينهى عن المتعة، وإنَّ ابنَ عباس يأمُرُ بها؟ قال: فقال: على يَدَيَّ جَرَى الحديثُ، تَمَتَّعنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم -قال عفَّان: ومع أبي بكرٍ-، فلمَّا وَلِيَ عمرُ -رضي الله عنه- خَطَب الناسَ، / (ق 190) فقال: إنَّ القرآنَ هو القرآنُ، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هو الرسولُ، وإنهما كانتا مُتَعَتَانِ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: إحداهما الحجُّ، والأخرى متعةُ النساءِ. هكذا رواه الإمام أحمد. وأخرجه مسلم (¬2)، عن محمد بن المثنَّى، ومحمد بن بشَّار. كلاهما عن غُندَر، عن شعبة، عن قتادة، به. ولفظه: فلما قام عمرُ، قال: إنَّ اللهَ كان يُحِلُّ لرسولِهِ ما شاء، وإنَّ القرآنَ قد نَزَل منازِلَهُ، فأتمُّوا الحجَّ والعمرةَ للهِ، كما أَمَرَكُمُ اللهُ، وأَبِتُّوا نكاحَ هذه النساءَ، فلن أُوتى برجلٍ نَكَحَ امرأةً إلى أَجَلٍ إلا رَجَمتُهُ بالحجارةِ. ثم رواه، عن زُهَير بن حرب، عن عفَّان، عن همام، عن قتادة، به. وقال في الحديث: فافْصِلُوا حجَّكم من عُمْرتِكُم، فإنَّه أَتمَّ لحجِّكم وعُمْرتِكُم. وذَكَر أبو مسعود وخَلَف في آخر هذا الحديث قول عمر: مُتعَتَان كانتا على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنا أَنهى عنهما. ¬
قال شيخنا أبو الحجَّاج القضاعي في «أطرافه» (¬1): ولم يَذكر ذلك الحميدي، ولا وَجَدتُهُ في «صحيح مسلم». فهذا الحديث يقتضي ظاهره أنَّ عمرَ إنما نهى عن متعة النكاح برأيه، وقد صحَّ النهيُّ عنها من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في «الصحيحين» (¬2)، عن عليٍّ. وعند مسلم (¬3)، عن الرَّبيع بن سَبرة. وهو ثابت من طرق أخر، كما سيأتي بيانها في مواضعها. بل قد ورد ذلك مرفوعًا عن عمرَ -رضي الله عنه- / (ق 191) في الحديث الآخر: (513) الذي رواه الحافظ أبو بكر البزَّار (¬4) حيث قال: حدثنا عمر بن الخطاب السِّجِستاني، ثنا الفِريابي، ثنا أبان بن أبي حازم، حدثني أبو بكر بن حفص، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: لمَّا وَلِيَ عمرُ حَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ لنا المتعةَ، ثم حَرَّمها علينا. ¬
وقد أخرجه ابن ماجه (¬1)، عن محمد بن خلف بن عمَّار العسقلاني، عن محمد بن يوسف الفِريابي، به. ثم قال البزَّار: لا نعلم له إسنادًا أحسن من هذا. طريق أخرى (514) قال تمَّام بن محمد الرازي (¬2): أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الوليد المدني (¬3) المقرئ، قراءةً عليه: ثنا أبو القاسم أخطل بن الحكم بن جابر القرشي، ثنا محمد بن يوسف الفِريابي، ثنا أبان بن أبي حازم، حدثني أبو بكر بن حفص، عن ابن عمرَ قال: لمَّا وَلِيَ عمرُ حَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، ثم قال: يا أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ المتعةَ ثلاثًا، ثم حَرَّمها علينا، وأنا أُقسِمُ باللهِ قَسَمًا بَرًّا، لا أَجدُ أحدًا من المسلمين أُحْصِنَ مُتَمتِّعًا إلا رَجَمتُهُ، إلا أنْ يأتيني بأربعةِ شهداءَ أنْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَلَّها بعد إذ حَرَّمها، ولا أَجدُ رجلاً من المسلمين ¬
مُتَمتِّعًا إلا جَلَدتُهُ (¬1)، إلا أنْ يأتيني بأربعةِ شهداءَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَلَّها بعد ما حَرَّمها. ورواه ابن ماجه (¬2)، عن محمد بن خَلَف بن / (ق 192) عمَّار العسقلاني، عن الفِريابي، به. واختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬3). قلت: وأبان هذا هو: ابن عبد الله بن أبي حازم البَجَلي الكوفي، وثَّقه ابن معين (¬4). ¬
أثر في نكاح المحلل
أثر في نكاح المحلَّل (515) قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (¬1): أنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن سيف بن سليمان، عن مجاهد قال: طلَّق رجلٌ من قريشٍ امرأةً له فَبَتَّها، فأَمَرَ رجلاً بنكاحها، فنَكَحها، فبات معها، فلمَّا أصبحَ استأذن، فأُذِنَ له، فإذا هو ولاَّها الدُّبُر، فقالت: واللهِ لَئِنْ طلَّقني لا أَنكِحُكَ أبدًا، فذَكَر ذلك لعمرَ -رضي الله عنه- فدعاه، فقال له: لو نَكَحتَها؛ لفَعَلتُ بك كذا وكذا، وتَوَعَّده، ودعا زوجها، فقال: الزَمْها، وإنْ عَرَض لك أحدٌ بشيءٍ فأَخبِرني به. قال: وأنا سعيد، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن عمرَ مثله (¬2). هذا منقطع من وجهين. طريق أخرى (516) قال الشافعي (¬3): وأنا سعيد -يعني: ابن سالم القدَّاح-، عن ابن جريج قال: أُخبِرتُ عن ابن سيرين: أنَّ امرأةً طلَّقها زوجُها ثلاثًا، وكان مسكينٌ أعرابيٌّ يَقعدُ بباب المسجد، فجاءته امرأةٌ، فقالت: هل لك في امرأة تَنكِحُها، فتَبيتُ معها الليلةَ، وتُصبِحُ فتُفارِقْها؟ قال: نعم. فكان ذلك، فقالت له امرأتُهُ: إنَّك إذا أصبحتَ فإنهم سيقولون لك: فَارِقْها، فلا تَفعلْ ذلك، فإنِّي مقيمةٌ لك ماترى، واذهبْ إلى عمرَ، فلمَّا أَصبَحَتْ أَتَوه وأَتَوها، فقالت: كَلِّموه، فأنتم جئتُم به، فكَلَّموه، فأَبَى، فانطَلَق إلى ¬
عمرَ، فقال: الزَم امرأتَكَ، فإنْ رابُوك بريبٍ فائْتِني، وأَرسَلَ إلى المرأة التي مَشَتْ بذلك فنَكَّل (¬1) بها، ثم كان يَغدو على عمرَ ويَروحُ في حُلَّة، فيقول: الحمدُ لله الذي كَسَاك يا ذا الرُّقعتينِ حُلَّةً، تَغدو فيها وَتروحُ. ثم قال الشافعي: وسَمِعتُ هذا الحديث متَّصلاً عن ابن سيرين، عن عمرَ، بنحوه (¬2). قلت: وابن سيرين مع هذا لم يَسْمع من عمر. وقد استدل به الشافعي (¬3) على أنَّ نية التحليل لا تُفسد العقد، لأنَّه حديث نفس، وهو معفوٌّ عنه (¬4). ¬
أثر آخر في بطلان نكاح المحلل
أثر آخر في بطلان نكاح المحلَّل (517) قال الأعمش: عن المسيَّب بن رافع، عن قَبيصة بن جابر، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: لا أُوتَى بمُحِلٍّ ولا مُحلَّلٍ له إلا رَجَمتُهُما. رواه الإمام أبو بكر بن أبي شيبة (¬1)، والجُوزجاني، وحرب بن إسماعيل الكِرماني (¬2)، وأبو بكر الأثرم بالأسانيد الثابتة عن الأعمش، به. وروى الأثرم من حديث الزهري (¬3)، عن عبد الملك بن المغيرة بن بُدَيل: أنَّ ابن عمرَ سُئل عن تحليل المرأة لزوجها؟ قال: ذلك السِّفاحُ، لو أَدرَكَكُم عمرُ لَنَكَّلَكُم. ¬
وقد روي في النهي عن نكاح المحلَّل ولَعْنتِهِ أحاديث من طرق عديدة جيِّدة عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن مسعود (¬1)، وعلي (¬2)، ¬
وأبو هريرة (¬1)، وابن عباس (¬2)، وعُقبة بن عامر (¬3)، ¬
وابن عمر (¬1). وقد جَمَعت ذلك في جزء مُفرَد. وقد تكلَّم الإمام أبو العبَّاس ابن تيمية على هذه المسألة (¬2)، فأجاد القول فيها، وحرَّر النزاع، وأتى بفوائد جمَّة رحمه الله. ¬
أثر في النهي عن الجمع بين الأختين بملك اليمين
أثر في النهي عن الجمع بين الأختين بمِلْك اليمين (518) قال أبو مصعب الزهري (¬1): عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- سُئل عن المرأة وأختها من ملك اليمين، هل تُوطأُ إحداهُما بعد الأخرى؟ فقال عمرُ: ما أُحبُّ أن أخبرهما (¬2) جميعًا، ونَهَاه. إسناد صحيح. (519) وقال ابن وهب (¬3): أخبرني مالك ويونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه قال: سُئل عمرُ عن جمعِ الأُمِّ وابنتها في مِلْك اليمين، هل تُوطأُ إحداهُما بعد الأخرى؟ فقال عمرُ: ما أُحِبُّ أنْ تخبرهما جميعًا، ونَهَاه. ¬
وسيأتي (¬1) عن أمير المؤمنين عثمانَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: أَحَلَّتهما آيةٌ، وحَرَّمتهما آيةٌ (¬2). ¬
حديث في النهي عن إتيان النساء في الأدبار
حديث في النهي عن إتيان النساء في الأدبار (520) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عثمان بن اليَمَان، عن زَمْعة بن صالح، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن عبد الله ابن الهاد، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «استَحيُوا، فإنَّ اللهَ لا يَستحي من الحقِّ، لا تأتوا النساءَ في أدبارهِنَّ». ورواه النسائي (¬2)، عن سعيد بن يعقوب الطَّالْقاني، عن عثمان بن اليَمَان به. ثم رواه -أيضًا- (¬3) من حديث زَمْعة بن صالح، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، به. وذَكَر الدارقطني في «العلل» (¬4) فيه اختلافًا كثيرًا، ثم قال: وقول عثمان بن اليَمَان أصحها، والله أعلم (¬5). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حديث في النهي عن العزل عن الحرة إلا بإذنها
/ (ق 193) حديث في النهي عن العزل (¬1) عن الحُرَّة إلا بإذنها (521) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا إسحاق بن عيسى، ثنا ابن لَهِيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرَّر بن أبي هريرة، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن العزل عن الحُرَّةِ إلا بإذنِها. ¬
ورواه ابن ماجه (¬1)، عن الحسن بن علي الخلاَّل، عن إسحاق بن عيسى، به. وهذا إسناد حسن جيد (¬2)، والله أعلم. ¬
أثر آخر (522) قال الشافعي (¬1): أنا ابن عيينة، أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة -وكان ثقة-، عن سليمان بن يَسَار، عن عبد الله بن عُتبة: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: يَنكِحُ العبدُ امرأتين، ويُطلِّقُ تطليقتين، وتَعتدُّ الأَمَةُ حيضتين، فإنْ لم تكن تحيضُ فشهرين، أو شهرًا ونصفًا. قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬2): وروى الثوري عن جعفر بن محمد، عن أبيه (¬3)، عن علي بن أبي طالب مثلَه (¬4)، وروي عن عبد الرحمن بن عوف (¬5) مثل قولهما، ولا يُعرَف لهم مخالِفٌ من الصحابة. ¬
وقال الشافعي (¬1): هذا قول الأكثر من المفتين بالبلدان. ¬
أثر آخر في الخيار في النكاح
أثر آخر في الخيار في النكاح (523) قال الشافعي (¬1) أنا مالك (¬2)، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمرُ: أيُّما رجلٌ تزوَّج امرأةً وبها جنونٌ، أو جُذامٌ، أو بَرَصٌ، (¬3)، فَمَسَّها، فلها صداقها، وذلك لزوجها غُرْمٌ على وليِّها. إسناد صحيح. ¬
أثر آخر (524) قال الشافعي (¬1): أنا ابن عيينة، أنا الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ أنَّه قال في العنِّين: يُؤجَّل سَنَةً، فإنْ قَدَرَ عليها، وإلا فُرِّقَ بينهما. صحيح أيضًا. ¬
حديث في الصداق
حديث في الصَّداق (525) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا يوسف بن موسى، ثنا الفضل بن دُكَين، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يُصدِقْ أحدًا من نسائِهِ أكثرَ من ثنتي عشرةَ وُقِيَّةً. إسناده جيد، ليس فيه متكلَّم فيه سوى العُمَري وحده (¬2). حديث آخر (526) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا إسماعيل، ثنا سَلَمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين قال: نبِّئت عن أبي العَجْفاء السُّلمي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: ألا لا تَغلُوا في صُدُق النساءِ، فإنها لو كانت مَكرُمةً في الدنيا، أو تقوًى عند الله؛ كان أولاكم بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ما أَصْدقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم امرأةً من نسائِهِ، ولا أُصدِقَتْ امرأةٌ من بناته أكثرَ من ثنتي عشرةَ أوقيَّةً، وإنْ كان الرَّجلُ لَيُبتَلَى بصَدُقةِ امرأتِهِ، حتى يكونَ لها عداوةٌ في نفسه، / (ق 194) وحتى يقولَ: كلِّفتُ إليك عَلَقَ القِربة (¬4). قال: وكنتُ غلامًا عربيًا ¬
مُولَّدًا (¬1)، لم أدرِ ما عَلَقُ القِربةِ. قال: وأخرى تقولونها لمن قُتِلَ في مغازيكم: قُتِلَ فلانٌ شهيدًا، أو مات فلانٌ شهيدًا، ولعله أنْ يكونَ قد أوقَرَ (¬2) عَجُزَ دابته، أو دَفَّ (¬3) راحلته ذهبًا أو وَرِقًا يلتمسُ التجارةَ، لا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن قُتل أو مات في سبيلِ اللهِ، فهو في الجنةِ». طريق أخرى (527) قال أحمد (¬4): ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، سَمِعَه من أبي العَجْفاء قال: سَمِعتُ عمرَ يقول ... ، فذَكَره. طريق أخرى (528) قال أحمد (¬5): ثناه إسماعيل مرَّة أخرى، أنا سَلَمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء (¬6) قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: ألا لا تُغلُوا ¬
صُدُقَ النساءِ ... ، فذَكَر الحديث. قال إسماعيل: وذَكَر أيوب، وهشام، وابن عَون، عن محمد، عن أبي العَجْفاء، عن عمرَ، نحوًا من حديث سَلَمة، إلا أنهم قالوا: لم يقل محمدٌ: نُبِّئتُ عن أبي العَجْفاء. وقد رواه أهل السُّنن في كتبهم بنحوه، فرواه أبو داود (¬1)، عن محمد بن عبيد، عن حماد بن زيد. والترمذي (¬2)، عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. كلاهما عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء السُّلمي، واسمه: هَرِم بن نُسَيب البصري. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬3). ورواه ابن ماجه (¬4) من حديث ابن عَون، عن محمد بن سيرين، به. وأخرجه النسائي (¬5)، عن علي بن حُجر، عن إسماعيل / (ق 195) بن عُليَّة، عن أيوب، وابن عَون، وسَلَمة بن علقمة، وهشام بن حسان -دخل حديث بعضهم في بعض-، أربعتهم عن محمد بن سيرين، به. وفي حديث سَلَمة، عن ابن سيرين قال: نُبِّئتُ عن أبي العَجْفاء ... ، فذَكَره. ¬
ورواه ابن حبان في «صحيحه» (¬1)، عن الحافظ أبي يعلى، عن زُهَير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن ابن عَون، وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء، به. وقد رواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه، عن عمرَ، وسمَّاه بعضهم: عبد الله بن أبي العَجْفاء (¬2). قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬3): وقد خالف عمرو بن قيس (¬4) الحمَّادان، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُليَّة، والحارث بن عُمَير، وعبد الوهاب الثَّقَفي، ومعمر، فرووه عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء. وكذا رواه عن ابن سيرين: ابن عَون، وهشام بن حسان، ومنصور بن زَاذَان، وأشعث بن سوَّار، ومَطَر الوراق، والصَّلت بن دينار، ومحمد بن عمرو الأنصاري، وعوف الأعرابي، وإسماعيل بن مسلم، ومُجَّاعة بن الزُّبير، وعَبيدة بن حسان -هو: السِّنجاري-، وعُقبة بن خالد الشَّنِّي، ويحيى بن عَتيق، وأبو حُرَّة، وأخوه (¬5). قال: ورواه معاذ بن معاذ، عن ابن عَون، عن ابن سيرين، عن أبي ¬
العَجْفاء، أو: ابن أبي العَجْفاء، عن عمرَ. وقال منصور بن / (ق 196) زَاذَان، عن ابن سيرين: ثنا أبو العَجْفاء ... ، فذَكَره. قال الدارقطني: فإنْ كان عمرو بن قيس (¬1) حفظه عن أيوب؛ فيشبه أن يكون ابن سيرين سَمِعَه من أبي العَجْفاء، وحَفِظَه عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه -والله أعلم-، وذلك لقول منصور -وهو من الثقات الحفَّاظ-، عن ابن سيرين: حدثنا أبو العَجْفاء، ولكثرة مَن تابَعَه ممن رواه عن ابن سيرين، عن أبي العَجْفاء، والله أعلم. ثم ذَكَر الدارقطني جماعة رووه من غير طريق أبي العَجْفاء، ثم قال: ولا يصح هذا الحديث إلا عن أبي العَجْفاء (¬2). ¬
قلت: بل قد رواه مسروق، عن عمرَ بن الخطاب بنحوه، كما سيأتي (¬1) في كتاب التفسير، إن شاء الله تعالى. ¬
أحاديث تذكر في الوليمة، وآداب الطعام
أحاديث تُذكر في الوليمة، وآداب الطعام (529) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الكوفي، ثنا عَبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبيد الله، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأكلُ أحدُكُم بشمالِهِ، فإنَّ الشيطانَ يَأكلُ بشمالِهِ، ويَشربُ بشمالِهِ». هذا إسناد صحيح (¬2)، وليس هو في الكتب السِّتة، وإنما رواه مسلم (¬3) من حديث عبد الله بن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬4): وهذا هو المحفوظ. / (ق 197) حديث آخر (530) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا هارون، ثنا ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث، أنَّ عمرَ بن السائب حدَّثه، أنَّ القاسم بن أبي القاسمِ السبئي حدَّثه، عن قاصِّ الأجناد بالقسطنطينية، أنَّه سَمِعَه يحدِّث: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: يا أيها الناسُ، إني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ¬
يقول: «مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يَقعُدَنَّ على مائدةٍ يُدَارُ عليها الخمرُ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يَدخُلِ الحمَّامَ إلا بإزارٍ، ومَن كانت تؤمنُ باللهِ واليومِ والآخرِ فلا تَدخُلِ الحمَّامَ». هذا إسناد حسن (¬1)، ليس فيه مجروح، ولم يخرِّجوه. وعمر بن السَّائب هذا: ذَكَره أبو حاتم الرازي (¬2)، فقال: روى عن القاسم بن أبي القاسم، وعنه: عمرو بن الحارث، وابن لَهِيعة. وقال (¬3) في شيخه القاسم بن أبي القاسم: روى عن قاصِّ الأجناد، وعنه: عمر بن السائب. ولم يزد على هذا القدر، وفيه مقنع، والله أعلم. وقد أَفرَدتُ أحاديث الحمَّام في مُصنَّف على حِدَة (¬4)، ولله الحمد والمنَّة. ¬
حديث آخر (531) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا الفضل بن سهل، ومحمد بن عبد الرحيم قالا: ثنا الحسن بن موسى، ثنا سعيد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: غلا السِّعرُ بالمدينةِ، فاشتدَّ الجَهدُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اصبِرُوا، وأَبشِرُوا، / (ق 198) فإنِّي قد بارَكتُ على صاعِكم ومُدِّكم، فكُلُوا ولا تَفَرَّقُوا، فإنَّ طعامَ الواحدِ يكفي الاثنين، وطعامَ الاثنين يكفي الأربعة، وطعامَ الأربعةِ يكفي الخمسةَ والسِّتةَ، وإنَّ البركةَ في الجماعةِ، فمَن صَبَرَ على لأوائِها وشِدَّتها كنتُ له شفيعًا، أو شهيدًا يومَ القيامةِ، ومَن خَرَجَ عنها رغبةً عمَّا فيها أَبدَلَ اللهُ به مَن هو خيرٌ منه فيها، ومَن أرادها بِسُوءٍ أذابَهُ اللهُ كما يَذوبُ الملحُ في الماءِ». وقد روى ابن ماجه (¬2) بعضه: «طعامُ الواحدِ يَكفي الاثنين، فكُلُوا جميعًا، ولا تَتَفرَّقُوا ...» الحديث. عن الحسن بن علي الخلاَّل، عن الحسن بن موسى -وهو: الأشيب-، به. وعمرو بن دينار هذا هو: قَهْرمان آل الزُّبير، وهو ضعيف (¬3)، والله أعلم. ¬
ففيه دلالة على استحباب الاجتماع على الطعام كما هو المألوف من شيم العرب لا التفرُّق فيه، كما هو طريقة العجم من المتصوفة وغيرهم.
أثر فيه أدب كريم
أثر فيه أدب كريم (532) قال الحافظ أبو نعيم (¬1): ثنا عبد الله بن محمد، ثنا أحمد بن الحسين، ثنا الدَّورقي، حدثني عبيد بن الوليد الدمشقي قال: سَمِعتُ سهلاً -يعني: ابن هاشم- يَذكر عن إبراهيم بن أدهم: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: لؤمٌ بالرَّجلِ أنْ يرفعَ يديه (¬2) من الطعامِ قبلَ أصحابِهِ. هذا منقطع معضل. أثر آخر (533) قال عبد الله بن المبارك (¬3): أنا حماد بن سَلَمة، / (ق 199) عن رجاء أبي المِقدام الشَّامي، عن حميد بن نعيم: أنَّ عمرَ بن الخطاب وعثمانَ بن عفان دُعيا إلى طعام، فأجابا، فلمَّا خَرَجا قال عمرُ لعثمان: قد شَهِدتُ طعامًا وَدِدتُ أني لم أَشهدهُ. قال: وما ذاك؟ قال: خشيتُ أن يكونَ جُعِلَ مُباهاةً. ¬
حديث آخر غريب (534) رأيت على ظَهر كتاب «الموطأ» -رواية يحيى بن يحيى-، أحضره لي الشيخ الصالح أحمد الواسطي ... (¬1)، أخبرني أبو عبد الله بن قاسم، ثنا مُطيَّن أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان، ثنا محمد بن العلاء، ثنا مختار بن غسَّان، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن أحمد بن رومان قال: سُئل عمرُ بن الخطاب عن طعام العُرس، قالوا: مالَهُ أطيبُ ريحًا من طعامنا؟ فقال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ طعامَ العُرسِ مَثَاقيلٌ من ريحِ الجَنَّةِ». قال عمرُ: دعا اللهَ إبراهيمُ خليلُ اللهِ، ونبيُّ الله محمدٌ أنْ يُبارِكَ اللهُ فيه، وأنْ يُطيِّبهُ (¬2). ¬
حديث يذكر في عشرة النساء
حديث يُذكر في عشرة النساء (535) قال أبو داود الطيالسي (¬1): ثنا حماد بن زيد (¬2)، عن معاوية بن قُرَّةَ المُزَني قال: أتيتُ المربدَ (¬3) زمنَ الأَقِط (¬4) والسَّمن، والأعراب يأتون بالبُرقان (¬5)، فيبيعونها، فإذا برجلٍ طامحٍ بصرُهُ، ينظرُ إلى الناسِ، فظننتُ أنَّه غريبٌ، فدَنَوتُ منه، فسلَّمتُ عليه، فرَدَّ السلامَ، وقال لي: أمِن أهل هذه أنت؟ (¬6) فجلستُ معه، فقلت: فممَّن أنتَ؟ قال: من بني هلال، واسمي: كَهْمس -أو قال: من بني سَلُول، واسمي: كَهْمس-، ثم قال لي: ألا أحدِّثكَ حديثًا شهدتُهُ من عمرَ بن الخطاب؟ قلت: بلى. قال: بينما نحن جلوسٌ عنده، إذ جاءت امرأةٌ، فجَلَستْ إليه، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ زوجي قد كثُرَ شرُّه، وقَلَّ خيرُهُ. فقال لها عمر: مَن زوجُكِ؟ قالت: أبو سَلَمة. قال: إنَّ ذاك له صحبةً، وإنَّه لرجلُ صِدقٍ. ¬
ثم قال عمرُ لرجل عنده جالس: أليس كذاك؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، لا نَعرفُهُ إلا بما قلتَ. فقال عمرُ لرجل: قُم، فادعُهُ لي. فقامت المرأة حين / (ق 200) أرسَلَ إلى زوجها، فقَعَدتْ خلفَ عمرَ، فلم يَلبث أن جاءا معًا حتى جلسا بين يدي عمر، فقال عمرُ: ما تقول هذه الجالسة خلفي؟ (¬1) قال: ومَن هذه يا أميرَ المؤمنين؟! قال: هذه امرأتُكَ. قال: تقول ماذا؟ قال: تَزعمُ أنَّه قد قَلَّ خيرُكَ، وكثُرَ شرُّكَ. فقال: بئس ما قالت يا أميرَ المؤمنين، إنها لمن صالحِ نسائِها، أكثرهُنَّ كُسوة، وأَكثرهُنَّ رفاهيةُ بيتٍ، ولكنَّ فحلُها بَكِيٌّ (¬2). فقال عمرُ: يرحمه الله، ما تقولين؟ قالت: صدق. فقام إليها عمر بالدِّرَّة، فتناولها بها، وقال: أي عَدُوَّةَ نفسِهِا، أَكَلتِ مالَهُ، وأَفنيتِ شبابَهُ، ثم أنشأتِ تُخبرينَ بما ليس فيه. فقالت: ياأميرَ المؤمنين، لا تَعجَلْ، فوالله لا أَجلسُ هذا المجلسَ أبدًا. ثم أَمَر لها بثلاثةِ أثوابٍ، فقال: خذي هذا لما صَنَعتُ بكِ، وإيَّاكِ أنْ تشتكي هذا الشيخَ، كأني أنظرُ إليها حين قامت ومعها الثياب، ثم أَقبَلَ على زوجها، فقال: لا يمنعكَ (¬3) ما رأيتني صَنَعتُ بها أن تُسيءَ (¬4) إليها، انصرِفَا. فقال الرَّجل: ما كنتُ لأفعل. ثم قال عمرُ رضي الله عنه: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «خيرُ أُمَّتي القَرنُ الذي أنا منه، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم يَنشَأُ قومٌ تَسبِقُ ¬
أيمانُهُم شهادتَهم، يَشهدُون من غيرِ أن يُستَشهَدُوا، لهم لَغَطٌ في أسواقِهم». قال معاوية: قال لي كَهْمس: أفتخافُ أنْ يكونَ هؤلاءِ من / (ق 201) أولئك؟ ثم قال لي كَهْمس: إنِّي أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُهُ بإسلامي، ثم غِبتُ عنه حولاً، ثم أتيتُهُ، فقلت: يا رسولَ الله، كأنَّك تُنكِرني؟ قال: «أَجَل». فقلت: يا رسولَ الله، ما أَفطَرتُ منذُ فارقتُكَ. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومَن أَمَرَكَ أن تُعذِّبَ نَفسَكَ؟ صُم يومًا من الشهرِ». قلت: زدني. قال: «فصُم يومين». حتى قال لي: «فصُم ثلاثةَ أيامٍ من الشهرِ». هذا حديث غريب من هذا الوجه. أثر آخر في ذلك (536) قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو رَوْح البَلَدي، ثنا أبو الأَحوص سلاَّم بن سُليم، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: قال عمرُ رضي الله عنه: استَعينوا على النساءِ بالعُري، فإنَّ إحداهنَّ إذا كَثُرَت ثيابُها وحَسُنَت زينتُها أَعجَبَها الخروجُ (¬1). إسناد صحيح. حديث آخر (537) قال الهيثم بن كُلَيب (¬2): ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان -يعني: ابن بلال-، ¬
عن عبد الله بن يَسَار الأعرج، أنَّه سَمِعَ سالم بن عبد الله يحدِّث عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّه كان يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يَدخلون الجَنَّة: العاقُّ لوالديه، والدَّيوثُ (¬1)، ورَجُلةُ النساءِ». هذا حديث حسن. اختاره الضياء في كتابه من هذا الوجه. وأخو إسماعيل هو: عبد الحميد. وقد رواه أحمد (¬2)، والنسائي (¬3)، وابن حبان في «صحيحه» (¬4) من حديث ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (¬5)، إن شاء الله تعالى. أثر آخر (538) قال الشيخ الإمام أبو عمر ابن عبد البر -رحمه الله- في كتابه «الاستيعاب لأسماء الصحابة» (¬6): أنا عبد الوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا مُضَر بن محمد، ثنا إبراهيم بن عثمان (¬7)، ثنا مَخلد بن حسين، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين: قال: جاءت امرأةٌ إلى ¬
عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقالت: إنَّ زوجي يصومُ النهارَ، ويقومُ الليلَ. فقال: ما تريدينَ؟ أتريدينَ أن أَنهاهُ عن صيامِ النهارِ، وقيامِ الليلِ؟ قال: ثم رَجَعتْ إليه، فقالت: إنَّ زوجي يصومُ النهارَ، ويقومُ الليلَ. قال: أفتريدينَ أن أَنهاهُ عن صيامِ النهارِ، وقيامِ الليلِ؟ ثم جاءته الثالثة، فقالت: إنَّ زوجي يصومُ النهارَ، ويقومُ الليلَ. فقال: أتريدينَ أن أَنهاهُ عن صيامِ النهارِ، وقيامِ الليلِ؟ قال: وكان عنده كعب بن سُور، فقال كعب: إنها امرأةٌ تَشتكي زوجَها. فقال عمرُ رضي الله عنه: أَمَا إذ فَطِنتَ لها، فقُمْ، فاحكُم بينهما. قال: فقام كعب، وجاءت بزوجها، فقالت: يا أيها القاضي الفقيهُ أَرشَدَهُ ... أَلهَى خليلي عن فراشي مسجِدَه زهَّدَهُ في مضجعي تعبّدُه ... نهارُه وليلُه ما يَرقُدُه ولستُ في أَمرِ النساءِ أَحمَدُه ... فاقضِ القَضَا يا كَعبُ لا تَردده [فقال] الزَّوج: إني امرؤٌ قد شَفَنِي ما قد نَزَل ... في سورةِ النورِ وفي السَّبعِ الطِّوَل وفي الحواميمِ الشِّفا وفي النَّحلِ ... وفي كتابِ اللهِ تخويفٌ جَلَل فرُدَّها عنِّي وعن سُوءِ الجَدَل فقال كعب بن سُور القاضي رحمه الله:
إنَّ السعيدَ بالقضاءِ مَن فَصَل ... ومَن قَضَى بالحقِّ حقًّا وعَدَل إنَّ لها حقًّا عليكَ يا بَعُل ... مِن أربعٍ واحدةٌ لمَن عَقَل امضِ لها ذاكَ وَدَع عنكَ العِلَل ثم قال: أيها الرَّجلُ، إنَّ لك أنْ تتزوَّجَ مثنى، وثلاثَ، ورُباعَ، فلك ثلاثةُ أيامٍ، ولامرأتِكَ هذه يومٌ، ومن أربع ليالٍ ليلةٌ، فلا تُصَلِّ في ليلتِها إلا الفريضةَ. قال: فبَعَثَهُ عمرُ -رضي الله عنه- قاضيًا على البصرة. ثم قالت المرأة: يا أميرَ المؤمنين، واللهِ ما بي شوقٌ إلى ما تَشتاقُ إليه النساءُ من الرِّجال، إلا أني رأيتُهُ يقومُ الليلَ يَستغفِرُ اللهَ لوالديه، فرَجَوتُ أن يُخرِجَ اللهُ مني ومنه مَن يَستغفِرُ اللهَ لي وله. وقد روى وكيع (¬1)، عن زكريا، عن الشَّعبي مثل هذا، أو نحوه، وليس فيه شِعر، وهو مشهور عند الفقهاء، يَذكرونه في باب القَسْم (¬2). ¬
حديث في الخلع
حديث في الخلع (539) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا إبراهيم بن هانئ النَّيسابوري، ثنا عبد الغفار بن داود، ثنا ابن لَهِيعة، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ قال: إنَّ أوَّلَ مختلعةٍ في الإسلام حبيبةُ بنت سهل، كانت تحت ثابت بن قيس بن شمَّاس، فأَتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ الله، لا أنا ولا ثابت. فقال لها: «أَتَرُدِّين عليه ما أَخَذتِ منه؟» قالت: نعم. وكان تزوَّجها على حديقةِ نخلٍ، فقال ثابت: أَيطيبُ ذلك يا رسولَ الله؟ قال: «نعم». قال: ولم يجعل لها نفقة ولا سُكنى. إسناده حسن (¬2)، ولم يخرِّجوه من هذا الوجه. ¬
حديث في الطلاق
حديث في الطَّلاق (540) قال أبو داود الطيالسي (¬1): ثنا ابن أبي ذِئب، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّه طلَّق امرأتَهُ وهي حائضٌ، فأتى عمرُ -رضي الله عنه- إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَذكرُ ذلك له، فجَعَلها واحدةً. / (ق 202) هذا إسناد قوي، رجاله ثقات. وهو ظاهر الدلالة لمذهب الجمهور (¬2) في نفوذ الطَّلاق في زمن الحيض، والله أعلم بالصواب. طريق أخرى (541) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه، ثنا عبد الملك بن محمد الرَّقاشي، ثنا بِشر بن عمر، ثنا شعبة، عن أنس بن سيرين ... ، فذَكَره، بنحوه -يعني حديثه عن ابن عمرَ في طلاق الحائض-، غير أنَّه قال: «فَليُطَلِّقهَا إن شاءَ». قال: فقال عمرُ: يا رسولَ الله، أفيُحتَسَبُ بتلك التطليقة؟ قال: «نعم». ¬
وهذا الإسناد رجاله ثقات، إلا أنَّه قد رواه البخاري في «الصحيح» (¬1)، عن سليمان بن حرب، عن شعبة. ومسلم (¬2) من حديث غُندَر عنه، بدون هذه الزيادة. وكذلك رواه حجَّاج بن منهال، عن شعبة (¬3) بدونها، وقولهم أثبت وأصح، والله أعلم. طريق أخرى (542) قال الإمام أحمد (¬4): ثنا يزيد، أنا عبد الملك، عن أنس بن سيرين قال: قلت لابن عمرَ: حدِّثني عن طلاقِكَ امرأتَكَ، قال: طلَّقتُها وهي حائضٌ، فذَكَرت ذلك لعمرَ، فذَكَره للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَليُرَاجِعْهَا، فإذا طَهُرَت، فَليُطَلِّقها في طُهْرِها». قال: قلت له: هل اعْتَدَدتَ بالتي طلَّقتَها وهي حائضٌ؟ قال: فمَالي لا أَعتدُّ بها، وإنْ كنتُ قد عَجِزتُ واستَحمَقْتُ. هكذا رواه أحمد في مسند عمر، وهو عند أصحاب الأطراف (¬5) في مسند ابن عمر، كما رواه الشيخان (¬6) من حديث شعبة. ¬
ومسلم من طريق عبد الملك هذا، وهو: ابن أبي سليمان. كلاهما عن أنس بن سيرين، كما سيأتي (¬1) إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان. حديث آخر (543) قال عبد بن حميد في «مسنده» (¬2): ثنا ابن أبي شيبة، ثنا يحيى بن آدم، عن يحيى بن زكريا، عن صالح بن حي، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن عمرَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طَلَّق حفصةَ ثم رَاجَعَها. ورواه أبو داود (¬3)، والنسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، وابن حبان في «صحيحه» (¬6) من طرق، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن صالح -وهو: ابن صالح بن حَي الهَمَداني-، به. وهذا إسناد جيد قويّ ثابت (¬7). ¬
/ (ق 203) طريق أخرى (544) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو كُرَيب، ثنا يونس بن بُكَير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عمرَ قال: دخل عمرُ على حفصةَ وهي تبكي، فقال لها: مايُبكيكِ؟ لعلَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طلَّقكِ؟ إنَّه قد كان طلَّقكِ مرَّةً، ثم رَاجَعَكِ من أجلي، والله لئنْ كان طلَّقكِ مرَّةً أخرى لا أُكلِّمكِ أبدًا. هذا إسناد صحيح على شرطهما ولم يخرِّجوه. فأما الحديث الذي رواه مسلم في «صحيحه» (¬2) من حديث عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان الطلاقُ على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وسنتين من خلافة عمرَ طلاقُ الثلاثِ واحدةً، فقال عمرُ بن ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
الخطاب: إنَّ الناسَ قد استَعجَلُوا في أمرٍ كانت لهم فيه أَنَاةٌ فلو أَمضَينَاهُ عليهم. فأَمضَاهُ عليهم؛ فسيأتي (¬1) في مسند ابن عباس. وقد اعتمد أكثرُ الأئمَّة على هذا من فعلِ عمرَ -رضي الله عنه- وإمضائِهِ على الناسِ الثلاثةَ المجموعةَ، كما هو مذهبُ الأئمَّةِ الأربعةِ رحمهم الله وأصحابِهم قاطبةً، وإنما يُؤثَرُ القولُ بخلافِهِ عن طائفةٍ من السَّلف، واختاره بعض المتأخرين من العلماء، وغيرهم. ¬
أثر يذكر في طلاق الفار
أثر (¬1) يُذكر في طلاق الفارِّ (545) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا محمد بن إسماعيل بن سَمُرة، ثنا وكيع، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ رجلاً من ثقيف طلَّق نساءَه، وأعتَقَ مملوكيه (¬3)، فقال له عمر: لَتُرَاجعنَّ مالَكَ ونساءَكَ، وإلا فإنْ مِتَّ لأَرجُمنَّ قبرَكَ، كما رَجَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبرَ أبي رِغَال. قال البزَّار: لم يُسنده إلا صالح بن أبي الأخضر، وليس بالقوي (¬4)، والحفَّاظ يَروونه: كما يُرجَمُ قبر أبي رِغَال. قلت: هذا الرجل الثَّقَفي، هو: غَيْلان بن سَلَمة، الذي أَسلَمَ على عشرِ نسوةٍ، فأَمَرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يختارَ منهنَّ أربعًا، كما روى ذلك الإمام أحمد (¬5)، والترمذي (¬6)، وابن ماجه (¬7) من حديث معمر، عن ¬
الزهري، عن سالم، عن أبيه. وقد علَّل هذا الحديثَ البخاريُّ (¬1)، ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
كما سيأتي (¬1) في مسند ابن عمر. والغرض: أنَّ الإمام أحمد زاد في آخر هذا الحديث: فلمَّا كان في عهد عمرَ طلَّق نساءَه وقَسَمَ مالَهُ بين بنيه، فبلغ ذلك عمرَ، فقال: إنِّي لأظنُّ الشيطانَ فيما يَستَرِقُ من السَّمع سَمِعَ بموتِكَ، فقَذَفَهُ في نفسِكَ، ولعلَّك لا تَمكثُ إلا قليلاً، وايمُ اللهِ، لَتُراجِعنَّ نساءَك، ولَتُرجِعنَّ مالَكَ، أو لأُوَرِّثَهنَّ منك، أو لآمُرنَّ بقبرك أنْ يُرجَمَ كما رُجِمَ قبرُ أبي رِغَال. قلت: وأبو رِغَال كان رجلاً من ثمود، وكان قد لجأ إلى الحَرَم عند هلاكِ قومِهِ، فلمَّا خَرَج منه أصابَه حَجَرٌ من السماء، فمات، فلمَّا مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقبرِهِ، أَخبَرَهم بشأنِهِ، وأَعلَمَهم أنَّ معه غُصنًا من ذَهَب، فنَبَشوا عنه وأخذوه. وهذا الحديث في «سنن أبي داود» (¬2)، ¬
كما سيأتي في مسند ... (¬1). أثر آخر (546) قال الثوري (¬2): عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عمرَ في الذي يطلِّق امرأتَه وهو مريضٌ؟ قال: تَرِثُهُ في العِدَّة، ولا يَرِثُها. ¬
فهذا منقطع بين إبراهيم وعمر. وقال البخاري في «التاريخ» (¬1): ليس هذا بثابت عن عمرَ. يعني: أن الصحيح: ما رواه يحيى بن سعيد القطَّان، عن عُبيدة الضَّبي، عن إبراهيم والشَّعبي: أنَّ ابنَ هُبيرة كَتَب إلى شُريح بذلك. وليس عن عمرَ (¬2)، والله أعلم. ¬
أثر آخر يذكر في طلاق المكره
أثر آخر يُذكر في طلاق المكره (547) قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم (¬1): ثنا يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن قدامة بن إبراهيم الجُمَحي، عن أبيه: أنَّ رجلاً تدلَّى يَشتَارُ عَسَلاً، فجاءته امرأته، فوَقَفتْ على الحبلِ لَتَقطَعَنَّهُ، أو لَتُطَلَّقَنَّ ثلاثًا. فذكَّرها اللهَ والإسلام فأَبَتْ إلا ذلك، فطلَّقها ثلاثًا. قال: فرُفِعَ إلى عمرَ -رضي الله عنه- فأبانَهَا منه. قال أبو عبيد: وقد روي عن عمرَ خلافُهُ، والحديث منقطع. قال أبو عبيد: ومعنى يَشتَارُ: يَجتني. قال: وفيه أنَّ عمرَ أجاز طلاقَ المكرهِ، وهو رأي أهل العراق (¬2)، وقد روي عن عمرَ خلافُهُ (¬3). ¬
ويُروى عن عليٍّ (¬1)، وابن عباس (¬2)، ¬
وابن عمر، وابن الزُّبير (¬1)، وعطاء (¬2)، وعبد الله بن عُبيد بن عُمَير (¬3): ¬
أنهم كانوا يرون طلاقه غير جائز، وهو رأي أهل الحجاز، وكثير من غيرهم. قلت: رواه ابن أبي أويس (¬1)، عن عبد الملك بن قدامة، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذَكَره، فقال عمرُ: ارجع إلى أهلك، فليس هذا بطلاق. وقد نقل هذا المذهب أبو عبد الله البخاري (¬2) عن ابن عباس، وابن عمر، وابن الزُّبير، والشَّعبي، والحسن البصري، واختاره هو -أيضًا-، واحتجَّ عليه بحديث عمرَ رضي الله عنه: «إنمَّا الأعمالُ بالنيَّاتِ» (¬3)، يعني: والمكره لا نيَّة له، وإنما طلَّق لفظًا، ولم يُرد معناه. وهذا قول جمهور العلماء (¬4) رحمهم الله، فيُشبه أن تكون هذه الرواية عن عمرَ هي الصحيحة، والله أعلم. ¬
أثر فيمن طلق امرأته طلقة أو طلقتين، فتزوجت بزوج غيره، فطلقها، ثم راجعها الأول، هل تعود إليه بالثلاث، أو بما بقي لها من عدد الطلقات؟
أثر فيمن طلَّق امرأته طلقة أو طلقتين، فتزوَّجت بزوج غيره، فطلَّقها، ثم راجعها الأوَّل، هل تعود إليه بالثلاث، أو بما بقي لها من عدد الطَّلقات؟ (548) قال عبد الرزاق (¬1): عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، وحميد وعبيد الله بن عبد الله، وغيرهم، عن أبي هريرة، عن عمرَ بن الخطاب قال: هي على ما بَقِيَ من الطلاق. هذا إسناد صحيح. ورواه شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن أُبيِّ بن كعب، مثله (¬2). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
ورواه الثوري، عن محمد بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مَزِيدة، عن أبيه، عن عليٍّ أنَّه قال: لا يَهدِمُ إلا الثلاثَ (¬1). واعتَمَده سفيان الثوري، فذهب إليه، وهو قول الشافعي، وأحمد، ومالك، وجمهور العلماء (¬2). وذهب الإمام أبو حنيفة وأحمد في رواية إلى أنها ترجعُ بجميع الطلاق، قال: لأنَّ الزَّوجَ الثاني إذا كان يَهدِمُ الثلاثَ فلئن يَهدِمَ ما دونها بطريق الأولى والأحرى (¬3)، والله أعلم. ¬
أثر آخر في أن الكناية لا تقع إلا بالنية
أثر آخر في أن الكناية لا تقع إلا بالنِّيَّة (549) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، أنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن شهاب الخَوْلاني، عن عمرَ: أنَّه رُفِعَ إليه رجلٌ قالت امرأتُه: شَبِّهني. فقال: كأنكِ ظَبيةٌ، كأنكِ حَمَامَةٌ. فقالت: لا أرضى حتى تقولَ: خَلِيَّةٌ، طالِقٌ. فقال ذلك. فقال عمرُ: خذ بيدها، فهي امرأتُكَ. ثم قال أبو عبيد: شبَّهها بالنَّاقة التي تكون معقولةً ثم تُخلَّى وتُطلَق، ولم يُرِد طلاقَها الشرعي. قال: وهذا أصلٌ لكلِّ مَن تكلَّم بشيء يُشبهُ لفظَ الطلاقِ والعِتاقِ وهو ينوي غيرَه أنَّ القولَ قولُهُ فيما بينه وبين الله، وفي الحكمِ على تأويلِ مذهبِ عمرَ. قال: وسَمِعتُ أبا يوسف يقول في مثل هذا: إنْ كان في غضبٍ أو جوابِ كلامٍ لم أُديِّنهُ في القضاء، وحكاه عن أبي حنيفة. قال: وقول عمر أولى بالاتِّباع. ¬
حديث في الإيلاء
حديث في الإيلاء (550) قال أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبد الأعلى، ثنا حماد، ثنا يحيى بن سعيد، عن عُبيد بن حُنين، عن ابن عباس، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم آلَى من نسائِهِ شهرًا، فلمَّا مَضَت تسعٌ وعشرون نَزَل إليهنَّ. رواه البخاري (¬2)، ومسلم (¬3) من طرق، عن يحيى بن سعيد -وهو: الأنصاري-، به. وسيأتي في تفسير سورة التحريم مطولاً (¬4). ¬
أثر يذكره الفقهاء في باب الإيلاء في أكثر مدته
أثر يَذكره الفقهاء في باب الإيلاء في أكثر مُدَّته (551) قال أبو بكر ابن الأنباري (¬1): ثنا أبي، ثنا أحمد بن الربيع، ثنا يونس بن بُكَير، ثنا ابن إسحاق، عن السائب بن جُبَير مولى ابن عباس -وكان قد أَدرَكَ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم-، قال: مازِلتُ أسمعُ حديثَ عمرَ أنَّه خَرَج ذاتَ ليلةٍ يَطوفُ بالمدينةِ، وكان يَفعلُ ذلك كثيرًا، إذ مَرَّ بامرأةٍ من نساءِ العربِ مُغلِقَةً بابَهَا، وهي تقول: تَطَاولَ هذا الليلُ تَسرِي كَواكِبُه (¬2) ... وأَرَّقَنِي ألا ضجيعَ أُلاَعِبُهْ / (ق 204) أُلاَعِبُهُ طَورًا وطَورًا كأنَّما ... بدا قَمَرًا في ظلمةِ الليلِ حاجِبُهْ يُسَرُّ به مَن كان يَلهُو بقُربِهِ ... لطيفُ الحَشَا لا يَجتوِيهُ (¬3) أَقَارِبُهْ ¬
فواللهِ لولا اللهُ لا شيءَ غيرُهُ ... لَنُقِّضَ مِن هذا السَّريرِ جَوَانِبُهْ ولكنَّني أَخشى رقيبًا موكَّلاً ... بأَنفُسِنا لا يَفتُرُ الدَّهرَ كَاتِبُهْ ثم تَنفَّسَتِ الصُّعَداءَ، وقالت: لَهَان على عمرَ وحشتي، وغيبةَ زوجي عنِّي! فقال عمرُ رضي الله عنه: يَرحمُكِ الله، يَرحمُكِ الله، ثم وَجَّه إليها بكِسوةٍ ونَفَقةٍ، وكَتَب في أنْ يَقدُمَ عليها زوجُها. وقد روى نحوَه الهيثمُ بن عدي، عن مُجالِد، عن الشَّعبي، وفيه: فقال عمرُ لحفصةَ -رضي الله عنها-: يابنيَّةُ، في كم تحتاجُ المرأةُ إلى زوجها؟ قالت: في ستةِ أشهرٍ. فكان لا يُغزي جيشًا أكثرَ منها. (552) وقال الإمام مالك (¬1): عن عبد الله بن دينار قال: خَرَج عمرُ بن الخطاب من الليل، فسَمِعَ امرأةً تقول: تَطَاولَ هذا الليلُ واسوَدَّ جانبُه ... وأَرَّقَنِي ألا خليلَ أُلاَعبُه ¬
فواللهِ لولا اللهُ أنِّي أُرَاقِبُه ... لَحُرِّكَ مِن هذا السَّريرِ جوانبُه فسأل عمرُ -رضي الله عنه- ابنتَهُ حفصةَ: كم أكثرُ ماتَصبرُ المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستةَ أشهرٍ، أو أربعةَ أشهرِ. فقال عمرُ: لا أَحبِسُ أحدًا من الجيوش أكثرَ من ذلك. أثر آخر (553) قال محمد بن إسحاق: عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، وأبي بكر بن عبد الرحمن: أنَّ عمرَ كان يقول: إذا مَضَت أربعةُ أشهرٍ، فهي تطليقةٌ، وهو أَملَكُ بردِّها، مادامت في عِدَّتِها. هكذا رواه محمد بن إسحاق، عن الزهري (¬1). وقد رواه مالك (¬2)، عن الزهري، عن سعيد وأبي بكر، قولهما. قال البيهقي (¬3): وهو أصح. قال مالك: وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب. ¬
أثر في اللعان
أثر في اللِّعان (554) قال الثوري في «جامعه»: عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عمرَ قال في المتلاعِنَين: يُفرَّق بينهما، ولا يَجتمعانِ أبدًا (¬1). وهذا منقطع. ويُروى مثلُه عن عليٍّ، وابن مسعود (¬2). وفيه حديث مرفوع عن ابن عمرَ (¬3). وهو قول جمهور العلماء (¬4). ¬
حديث في الأنساب
حديث في الأنساب (555) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان (¬2)، عن ابن أبي يزيد، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوَلَدُ للفِرَاشِ». ورواه أبو داود (¬3)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد الليثي المكِّي، عن أبيه، به. ورواه أبو يعلى الموصلي (¬4)، عن زُهَير بن حرب أبي خيثمة، عن سفيان، به. وكذا رواه علي ابن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه: أنَّه سَمِعَ عمر بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الولدُ للفِرَاشِ». ثم قال: وهذا حديث / (ق 205) صحيح، وعبيد الله بن أبي يزيد رجل رَضِىٌّ، معروف، ثقة، وأبوه لم يرو عنه غيره، ولم نَسمع أحدًا يقول فيه شيئًا. (556) وقال محمد بن يحيى بن أبي عمر (¬5): ثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه قال: جَلَس عمرُ بن الخطاب في الحِجْرِ، فأَرسَلَ إلى ¬
رجلٍ من بني زُهرة من أهل دارنا قد أَدرَكَ الجاهليةَ، فأتاه، قال: فذهبتُ معه، فأتاه، قال: فسأله عن بنيانِ الكعبةِ، فقال: إنَّ قريشًا تَقَوَّت في بنائها، فعَجَزوا عن نَفَقتِها، واستَصْغَروا، فبَنَوا وتركوا بعضًا في الحِجْرِ. فقال عمرُ: صَدَقتَ. وسأله عن وِلاَدٍ من وِلاَدِ الجاهلية، فقال الشيخ: أمَّا النُّطفةُ من فلانٍ، وأما الوَلَدُ على فراشِ فلانٍ. فقال عمرُ: صَدَقتَ، ولكنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى بالفراش. اختاره الضياء في كتابه من هذا الوجه.
أثر في أن الولد لا يلحق الرجل لدون ستة أشهر
أثر في أن الولد لا يلحق الرَّجل لدون ستَّة أشهر (557) قال أبو عبيد (¬1): بَلَغني عن مالك بن أنس (¬2)، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي، عن سليمان بن يَسَار، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أُميَّة، عن عمرَ: أنَّه أُتِيَ بامرأةٍ مات زوجُها، فاعتدَّت أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، ثم تزوَّجت رجلاً، فمَكَثتْ عنده أربعةَ أشهرٍ ونصفًا، ثم وَلَدَت ولدًا، فدعا عمرُ بنساءٍ من نساءِ الجاهليةِ، فسألهنَّ عن ذلك، فقلن: هذه امرأةٌ كانت حاملاً من زوجها الأوَّل، فلمَّا مات حَشَّ وَلَدُها في بطنِهِا، فلمَّا مسَّها الزَّوجُ الآخرُ تحرَّك وَلَدُها. فأَلحَقَ الولدَ بالأوَّلِ. قوله: حَشَّ، يعني: أنَّه يَبِسَ. حديث آخر (558) روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن رَبَاح قال: زوَّجني أَهلي أَمَةً رُوميَّة، فوَلَدتْ لي غلامًا أسودَ مثلي، فسَمَّيتُهُ: عبد الله، وآخرَ سمَّيته: عبيد الله، ثم طَبِنَ (¬3) لها غلامٌ روميٌّ، يقال له: يُحنَّس، ¬
فرَاطَنَها (¬1)، فوَلَدَتْ منه غلامًا، كأنه وَزَغَة، فرُفِعنَا إلى عمرَ (¬2)، فسألها، فقال: أَتَرضيانِ أنْ أقضي بقضاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: الوَلَدُ للفراش. قال: وأَحسَبُهُ جَلَدَهُما، وكانا مملوكَين (¬3). ¬
حديث آخر (559) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث محمد بن جامع المعطار (¬1): ثنا عبد القاهر بن السَّرِي، ثنا عبد الله بن يزيد السُّلمي، عن جَرير بن عبد الله قال: كَلَّمتُ عمرَ بن الخطاب في حَيٍّ، فكَتَب: مِن عبد الله عمرَ إلى القاسم بن قيس -وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم استَعمَلَهُ على بني سُليم-، أمَّا بعدُ، فإنَّ جَريرا كَلَّمني في حَيٍّ من بَجِيلةَ، حُلفاءَ بني سُليم، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى: «أيُّما حَيٍّ كانوا في حَيٍّ حلفاءَ، فأَدرَكَهم الإسلامُ، فإنَّ الإسلامَ لم يَزِد حِلفَهُم إلاَّ قُوَّةً»، ولكنَّ / (ق 206) جَريرَ كَلَّمَني في أن يَردَّهم إلى قومهم، فأَعرِضُ ذلك عليهم. قال: فعَرَضَهُ عليهم، فأَبَوا، وقالوا: نحن على ما قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقال: «لا حِلفَ في الإسلامِ». حديث آخر (560) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا ¬
إسحاق (¬1)، ثنا بقيَّة قال: وَجَدتُ في كتبي عن حبيب بن نَجيح، عن بعض أهل المدينة، عن ابن عباس، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ يَلعَنُهُمُ اللهُ: رجلٌ رَغِبَ عن والديه، وآخرٌ سَعَى في تفريقٍ بين رجلٍ وامرأتِهِ ليَخلُفَ عليها، ورجلٌ يَسعى بالأحاديثِ بين المؤمنين لِيَتَعادَوا». في إسناده مبهم لم يُسمَّ، ولكنَّه في الترهيب مغتفر، والله أعلم. أثر آخر (561) قال محمد بن إسحاق بن يَسَار في «السِّيرة» (¬2): وحدَّثني محمد بن جعفر بن الزُّبير، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن حصين: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: لو كنتُ مُدَّعيًا حيًّا من العربِ أو مُلحِقُهُم بِنَا؛ لادَّعَيتُ بني مُرَّة بن عوف، إنَّا لنعرِفُ فيهم الأَشباهَ، مع ما نَعرِفُ من موقعِ ذلك الرَّجلِ حيثُ وَقَعَ. يعني: عَوف بن لُؤي. وقال أيضًا: حدَّثني مَن لا أَتهَّم: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لرجالٍ من بني مُرَّة: إنْ شئتُم أنْ تَرجعوا إلى نَسَبكمٍ، فارجِعُوا إليه. قلت: قد ذَكَر ابن إسحاق كيف انتزح عوف بن لؤي من مكة، وكيف أقام في بني غطفان، وتزوَّج منهم، وانتَسَب إليهم، ثم إنَّ بَنيه نَدِمُوا على ذلك، وجَعلوا يَلهَجون في أشعارهم بانتسابهم إلى لؤي بن غالب، وبنو مُرَّة بطن منهم أيضًا. ¬
أثر في لحوق ولد الأمة
أثر في لحوق وَلَد الأَمَة (562) قال الإمام الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2)، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه قال: ما بالُ رجالٍ يطئون ولائدَهم، ثم يعتزلونهن (¬3)، لا تأتيني وليدةٌ يَعترِفُ سيِّدها أنَّه قد ألَمَّ بها إلا أَلحقتُهُ وَلَدَها، فاعزِلوا بعدُ، أو اترُكُوا. هذا إسناد صحيح. (563) ورواه أيوب (¬4)، عن نافع، عن صفية، عن عمرَ بن الخطاب، بنحوه. ¬
أثر يذكر في مدة الحمل
أثر يُذكر في مدَّة الحَمْل (564) قال الأعمش (¬1): عن أبي سفيان، حدَّثني أشياخ مِنَّا، قالوا: جاء رجلٌ إلى عمرَ بن الخطاب، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي غِبتُ عن امرأتي سنتين، فجئتُ وهي حُبلى. فشَاوَرَ عمرُ الناسَ في رجمها، فقال معاذ بن جبل: يا أميرَ المؤمنين، هذا (¬2) لك سبيلٌ عليها، فليس لك سبيلٌ على ما في بطنها، فتَرَكها، فلما وَضَعَت، وَضَعَتْ غلامًا قد خَرَجت ثنيَّتاه، فعَرَفَ الرجلُ الشَّبَهَ فيه، فقال: ابني، وربِّ الكعبةِ! فقال عمرُ: عَجِزَتِ النساءُ أن يَلِدنَ مثلَ معاذٍ، لولا معاذٌ هَلَكَ عمرُ. ¬
حديث في الأيمان
/ (ق 207) حديث في الأيمان (¬1) (565) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا بِشر بن شعيب بن أبي حمزة، حدثني أبي، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أنَّ عبد الله بن عمر أَخبَرَه أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ ينهاكُم أنْ تحلفُوا بآبائِكُم». قال عمرُ: فوالله ما حَلَفتُ بها منذُ سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ولا تَكلَّمتُ بها ذاكرًا ولا آثرًا (¬3). ورواه البخاري (¬4)، ومسلم (¬5) من حديث يونس. ومسلم من حديث عُقيل، ومعمر. ورواه أبو داود (¬6)، عن أحمد (¬7)، عن عبد الرزاق (¬8)، عن معمر. ورواه النسائي (¬9)، وابن ماجه (¬10) من حديث سفيان بن عيينة. ¬
ورواه النسائي (¬1) من حديث الزُّبيدي أيضًا. كلُّهم عن الزهري، به. ورواه علي ابن المديني من طرق، عن الزهري، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ثبت. قلت: وقد رواه بعضهم، فجعله من مسند عبد الله بن عمر (¬2)، كما سيأتي (¬3). طريق أخرى (566) قال أحمد (¬4): ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا زائدة، ثنا سمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال عمرُ: كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رَكْبٍ، فقال رجلٌ: لا وأبي! فقال رجل: «لا تحلفُوا بآبائكُم». فالتفتُّ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثم رواه أحمد (¬5)، عن عبد الرزاق (¬6)، عن إسرائيل، عن سمَاك، عن ¬
عكرمة، عن ابن عباس قال: قال عمرُ: كنتُ في رَكْبٍ أَسيرُ في غَزَاة مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فحَلَفتُ، فقلت: لا وأبي، فنَهَرني رجلٌ من خلفي، وقال: «لا تحلفُوا بآبائِكُم». فالتفتُّ، فإذا أنا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم. هذا صحيح من هذا الوجه، ولم يخرِّجوه. طريق أخرى (567) قال أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا إسرائيل، ثنا سعيد بن مسروق، عن سعد بن عُبيدة، عن ابن عمرَ، عن عمرَ أنَّه قال: لا وأبي! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَه، إنَّه مَن حَلَفَ بشيءٍ دونَ اللهِ، فقد أَشرَكَ». هذا إسناد صحيح، ولم يخرِّجوه. وقد رواه عبد الرزاق (¬2)، عن الثوري، عن أبيه سعيد بن مسروق، ¬
والأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن ابن عمرَ، عن عمرَ (¬1) قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن حَلَفَ بغيرِ اللهِ فقد أَشرَكَ». إسناده على شرط الصحيحين (¬2). ¬
أثر فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها
أثر فيمن حَلَف على يمين فرأى غيرَها خيرًا منها فليتحلَّل يمينه، وإن كان قد أكَّدها (568) قال علي ابن المديني (¬1): ثنا هشام أبو الوليد الطيالسي، ثنا شعبة، أخبرني هلال الوزَّان قال: سَمِعتُ ابن أبي ليلى قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، احْمِلنِي. قال: والله لا أَحْمِلُكَ. قال: والله لَتَحْمِلنِّي. قال: والله لا أَحْمِلُكَ. قال: والله لَتَحْمِلنِّي، إنِّي ابنُ سبيلٍ، قد أدَّت (¬2) بي راحلتي. قال: والله لا أَحْمِلُكَ. قال: حتى حَلَف نحوًا من عشرينَ يمينًا. قال: فقال له رجلٌ من الأنصار: مالَكَ ولأميرِ المؤمنين؟! قال: والله لَيَحْمِلنِّي، إني ابنُ سبيلٍ، قد أدَّت بي راحلتي. فقال عمرُ: والله لا أَحْمِلُكَ، ثم والله لا أَحْمِلُكَ. قال: فحَمَلَهُ، ثم قال: مَن حَلَف على يمينٍ، فرأى غيرَها خيرًا منها؛ فليأتِ الذي هو خيرٌ، وليُكفِّر عن يمينه. هذا إسناد جيد، وفيه انقطاع (¬3)، والله أعلم. ¬
أثر في النهي عن الحلف بالأمانة
أثر في النهي عن الحلف بالأمانة (569) قال عبد الله بن المبارك في كتاب «الزهد» (¬1): ثنا شريك، عن أبي إسحاق الشَّيباني، عن خُنَاس بن سُحَيم -أوقال: جَبَلَة بن سُحَيم- قال: أَقبَلتُ مع زياد بن حُدَير الأسدي من الجابية (¬2)، فقلت في كلامي: لا والأمانةِ! فجعل زياد يبكي ويبكي، فظنَنَّت أني أتيتُ أمرًا عظيمًا، فقلت له: أكان يُكرهُ هذا؟ قال: نعم، كان عمرُ ينهى عن الحلفِ بالأمانةِ أشدَّ النَّهي. هذا إسناد حسن. (570) وعن بُرَيدة بن الحُصَيب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَلَفَ بالأَمانةِ؛ فليس منَّا». رواه أبو داود (¬3). ¬
أثر في الاستبراء
أثر في الاستبراء (¬1) (571) قال أبو عبد الله محمد بن عيسى بن الحسن البغدادي -المعروف بابن العلاَّف- في «جزئه»: ثنا أبو الحسن عمر بن أحمد السني، ثنا أبو همام، ثنا ابن المبارك، ثنا خالد الحذَّاء، عن أبي قِلاَبة قال: كَتَب عمرُ إلى أبي موسى الأشعري حين افتَتَح تُسْتَر (¬2): إنَّ الماءَ يزيدُ في الوَلَدِ، فلا تُشارِكوا المشركينَ في أولادِهم. هذا منقطع (¬3). وقال الأوزاعي: إذا اشترى الرَّجلُ الجاريةَ من السَّبي وهي حاملٌ؛ فقد روي عن عمرَ بن الخطاب أنَّه قال: لا تُوطأُ حاملٌ حتى تَضَعَ. رواه الترمذي في السِّير (¬4)، عن علي بن خَشْرم، عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، به. وهو معضل، وقد روي من وجه آخر، مرفوعًا (¬5). ¬
أمَّا قول عمر بن الخطاب (¬1): كيف نترك كتابَ ربِّنا لقول امرأة؟! فسيأتي (¬2) في مسند فاطمة بنت قيس في حديثها الدالِّ على المنع من الإنفاق على المبتوتة وإسكانِها (¬3)، وعمر أَنكَرَ ذلك، وجعل لها السُّكنى، وفَهِمَ من ظاهر الكتاب الوجوبَ. ¬
وهو قول عائشة (¬1)، وطائفة من السَّلف. وهو مذهب الإمام الشافعيِّ، وجماعة من الأئمَّة والعلماء، والله أعلم. ¬
أثر يذكر في باب العدد
/ (ق 208) أثر يُذكر في باب العِدَد (572) روى البيهقي (¬1) من حديث زُرَارة بن أوفى قال: قضاءُ الخلفاء الراشدين: أنَّه مَن أَغلَقَ بابًا، وأَرخَى سِتْرًا؛ فقد وَجَبَ الصَّداقُ والعِدَّةُ. قال: وهذا منقطع. ثم روى (¬2) من حديث الأحنف بن قيس: أنَّ عمرَ وعليًّا قالا: إذا أَغلَقَ بابًا، أو أَرخَى سِتْرًا؛ فلها الصَّداقُ كاملاً، وعليها العِدَّةُ. وعن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، مثله (¬3). ¬
وهذه طرق يشدُّ بعضها بعضًا. وهذا مذهب طائفة من العلماء، وأحد قولي الشافعي (¬1). ¬
أثر آخر في العدد
أثر آخر في العِدَد (573) قال الشافعي (¬1): وقال عمرُ، وعلي، وابن مسعود، وأبو موسى: لا تَحِلُّ حتى تغتسلَ من الحيضةِ الثالثةِ (¬2). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وذهبوا إلى أنَّ الأقراءَ: الحِيَضُ. وقال هذا ابن المسيّب (¬1)، وعطاء (¬2)، وجماعة من التابعين. أثر آخر (574) قال الشافعي (¬3): عن مالك (¬4)، عن يحيى بن سعيد، ويزيد بن عبد الله بن قُسَيط، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمرُ بن الخطاب: أيُّما امرأةٍ طُلِّقت فحَاضَت حيضة، أو حيضتين، ثم رَفَعتْها حيضةٌ، فإنها تنتظرُ تسعةَ أشهرٍ، فإن بَانَ بها حَمْلٌ فذاك، وإلا اعتدَّت بعد التسعةِ بثلاثةِ أشهرٍ، ثم حَلَّتْ. هذا إسناد صحيح. ¬
أثر في امرأة المفقود
أثر في امرأة المفقود (575) قال الشافعي (¬1): عن مالك (¬2)، عن يحيى، عن سعيد: أنَّ عمرَ قال: أيُّما امرأةٍ فَقَدَتْ زوجَها فلم تَدر أين هو؛ فإنها تنتظرُ أربعَ سنينَ، ثم تنتظرُ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا. ¬
قال البيهقي (¬1): ورواه يونس، عن الزهري، عن سعيد، عن عمرَ، وزاد: فإذا تَزوَّجت، فقَدِمَ زوجُها المفقودُ قبل أن يَدخلَ بها زوجُها الآخرُ؛ فهو أحقُّ بها، وإنْ دخل بها زوجُها الآخرُ، فالأوَّلُ المفقودُ بالخيارِ بين امرأتِهِ والمهرِ. طريق أخرى (576) قال الشافعي (¬2): أنا الثَّقَفي، عن داود بن أبي هند، عن الشَّعبي، عن مسروق، أو قال: أظنُّه عن مسروق قال: لولا أنَّ عمرَ خيَّر المفقودَ بين امرأتِهِ أو الصَّداقِ؛ لَرَأيتُ أنَّه أحقُّ بها إذا جاءَ. وهذه آثار صحيحة عن عمرَ. ¬
وقد بَسَطتُ الكلامَ في مسألة المفقود في أحكام التنبيه (¬1)، ولله الحمد. (577) أبو عبيد: ثنا هشيم، أنا داود بن أبي هند ... (¬2). ¬
أثر آخر فيمن تزوج بامرأة في عدتها
أثر آخر فيمن تزوَّج بامرأة في عِدَّتها (578) قال الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2)، عن ابن شهاب، وسليمان بن يَسَار (¬3): أنَّ عمر -رضي الله عنه- قال: أيُّما امرأةٍ نَكَحتْ في عِدَّتها؛ فإن زوجها (¬4) الذي تزوَّجها لم يَدخلْ بها فُرِّقَ بينهما، ثم اعتَدَّتْ بقيَّةَ عِدَّتها من زوجها الأوَّل، وكان خاطبًا من الخُطَّاب، وإنْ كان دَخَل بها فُرِّقَ بينهما، ثم اعتَدَّت بقيَّةَ عِدَّتها من زوجها الأوَّل، ثم اعتَدَّت من الآخر، ثم لم يَنكِحْها أبدًا. قال البيهقي (¬5): إلى هذا ذهب الشافعي في القديم، وخالَفَه في الجديد، لقول عليٍّ (¬6): أنها تَحِلُّ له. ¬
(579) وقد روى الثوري (¬1)، عن أشعث، عن الشَّعبي، عن مسروق: أنَّ عمرَ رَجَع عن ذلك، وجَعَل لها مهرَها، وجَعَلَهما يجتمعان. ¬
أما إنكار عمر -رضي الله عنه- خبر فاطمة بنت قيس في نفي النفقة والسُّكني للمبتوتة، فسيأتي مع الحديث في مسندها، إن شاء الله تعالى (¬1). ¬
أثر في أن نفقة الزوجة تصير دينا في ذمة الزوج، ولا تسقط بالمضي
أثر في أن نفقة الزوجة تصير دَينًا في ذمَّة الزَّوج، ولا تسقط بالمضيِّ (580) قال الشافعي (¬1): أنا مسلم بن خالد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب إلى أمراءِ الأجنادِ في رجالٍ غابوا عن نسائهم، فأَمَرَهم أنْ يأخذوهم بأن يُنفِقُوا، أو يُطلِّقوا، وإنْ طَلَّقوا بَعَثوا بنفقةِ ماحَبَسُوا. إسناد جيد. ¬
أثر يذكر في نفقة الرقيق
أثر يُذكر في نفقة الرَّقيق (581) قال البخاري في كتاب «الأدب» (¬1): ثنا بِشر بن محمد، ثنا عبد الله (¬2)، ثنا يونس البصري (¬3)، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ: قال أبو مَحذورة: كنتُ عند عمرَ، إذ جاء صفوانُ بن أميَّة بجَفْنةٍ يَحمِلُها نَفَرٌ في عَبَاءةٍ، فوَضَعوها بين يدي عمرَ، فدعا عمرُ ناسًا مساكينَ وأرقَّاءَ حولَه، فأكلوا معه، وقال: لَحَا اللهُ قومًا يَرغبون عن أرقَّائهم أنْ يأكلوا معهم. فقال صفوان: أَمَا واللهِ ما نَرغَبُ عنهم، ولكن نَستأثرُ عليهم. يعني: بالطَّيب (¬4). طريق أخرى (582) قال أبو بكر ابن دُرَيد (¬5): ثنا علي بن ذَكوان، ثنا كثير بن يحيى، ثنا سالم، حدثني أبو عامر، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن ابن عباس قال: قَدِمَ علينا عمرُ بن الخطاب حاجًّا، فصَنَع له صفوان بن أميَّة طعامًا، ¬
قال: فجاءوا بجَفْنةٍ يَحمِلُها أربعةٌ، فوُضِعَتْ بين القوم، فأَخَذَ القومُ يأكلون، وقام الخُدَّام، فقال عمرُ: مالي لا أَرى خُدَّامَكم يأكلون معكم، أترغبون عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا واللهِ يا أميرَ المؤمنين، ولكنَّا نستأثرُ عليهم. فغضب غضبًا شديدًا، ثم قال: ما لقومٍ يستأثرون على خُدَّامهم، فَعَلَ الله تعالى بهم، وفَعَلَ. ثم قال للخُدَّام: اجلِسوا، فكُلُوا، فقَعَدَ الخدَّام يأكلون، ولم يأكلْ أميرُ المؤمنينَ.
أثر آخر في الرفق بالبهائم
أثر آخر في الرِّفق بالبهائم (583) قال محمد بن سعد (¬1): أنا / (ق 209) المعلَّى بن أسد، ثنا وهيب بن خالد، عن يحيى بن سعيد، عن سالم بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يُدخِلُ يدَه في دبرةِ البعيرِ، ويقول: إني خائفٌ أن أُسألَ عمَّا بك. فيه انقطاع بين سالم وعمر رضي الله عنه. أثر آخر في معناه (584) قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري: ثنا محمد بن كردي، ثنا أبو بكر المروذي، ثنا رَوْح بن حرب، ثنا محمد بن الحسين، عن أبي خَلدة، عن المسيّب بن دارم قال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يَضربُ جَمَّالاً، ويقول: حَمَّلتَ جَمَلَكَ مالا يُطيقُ. قال: ورأيتُ عمرَ مَرَّ به سائلٌ وعلى ظَهْره جِرَابٌ مملوءٌ طعامًا، فأَخَذَهُ، فنَثَرَهُ للنواضح، ثم قال: الآن سَلْ ما بدا لكَ (¬2). ¬
كتاب الجنايات
كتاب الجنايات (585) روى الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي -رحمه الله- في «مسند عمر» من طريقين عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أَعانَ على قَتل مسلمٍ بشطرِ كلمةٍ، جاء يومَ القيامةِ مكتوبٌ بينَ عينيه: آيسٌ من رحمةِ اللهِ» (¬1). حديث آخر (586) قال أحمد (¬2): ثنا أبو سعيد، ثنا عبد الله بن لَهِيعة، ثنا عمرو ¬
بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم [قال] (¬1): «لا يُقادُ والدٌ من وَلَدٍ». وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يرثُ المالَ مَن يرثُ الولاءَ». ورواه أحمد -أيضًا- (¬2)، عن حسن بن موسى، عن ابن لَهِيعة، به. وروى الفصل الأوَّل منه الترمذي (¬3)، عن / (ق 210) أبي سعيد الأشجِّ. وابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬5). كلاهما عن أبي خالد الأحمر، عن حجَّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، به. وحديث الولاء تقدَّم (¬6). طريق أخرى (587) قال أحمد (¬7): ثنا أسود بن عامر، أنا جعفر -يعني: الأحمر، عن مُطرِّف، عن الحكم، عن مجاهد قال: حَذَف (¬8) رجلٌ ابنًا له بسيف، فقَتَله، فرُفِعَ إلى عمرَ، فقال: لولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقادُ الوالدُ من ولده»؛ لقَتَلتُكَ قبل أن تَبرَحَ. هذا منقطع. ¬
حديث آخر (588) قال أحمد (¬1): ثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر (¬2)، أُراه عن حجَّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: قَتَلَ رجلٌ ابنَه عمدًا، فرُفِعَ إلى عمرَ بن الخطاب، فجعل عليه مائةً من الإبل: ثلاثينَ حِقَّةً (¬3)، وثلاثينَ جَذَعةً (¬4)، وأربعينَ ثَنِيَّةً (¬5)، وقال: لا يَرِثُ القاتلُ، فلولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقتَلُ والدٌ بولدِهِ»؛ لَقَتلتُكَ. وقال علي ابن المديني، وقد سُئل عن هذا الحديث: هو ضعيف، إنما رواه عمرو بن شعيب، رواه عنه حجَّاج بن أرطاة، وإسماعيل بن مسلم، وليس هذا ممَّا يُعتمد عليه. هكذا قال رحمه الله. طريق أخرى (589) قال أحمد (¬6): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدَّثني عبد الله بن أبي نَجيح، وعمرو بن شعيب، كلاهما عن مجاهد بن جبر ... ، فذَكَر الحديثَ، يعني: المتقدِّم: أنَّ رجلاً حَذَفَ ابنًا له بسيفه. وقال: أخذ عمرُ من الإبل ثلاثينَ حِقَّةً، وثلاثينَ جَذَعةً، وأربعينَ / (ق 211) ثَنِيَّةً إلى ¬
بازِل (¬1) عامِهِا، كلُّها خَلِفةً (¬2). قال: ثم دعا أخا المقتولِ فأعطاه إيَّاه دون أبيه، وقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس لقاتلٍ شيءٌ». وقال أبو داود (¬3): ثنا النُّفيلي، ثنا سفيان، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد قال: قَضَى عمرُ في شِبهِ العَمدِ ثلاثينَ حِقَّةً، وثلاثينَ جَذَعةً، وأربعينَ خَلِفةً ما بين ثَنِيَّةٍ إلى بازِلِ عامِهِا. هذا منقطع بين مجاهد وعمرَ، فإنَّه لم يَسْمع منه، ولم يَرَه، ولم يُدركه. ولمَّا روى الحسن بن دينار، عن حميد بن هلال، عن مجاهد قال: «سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب» أَنكَرَ عليه شعبةُ ذلك إنكارًا شديدًا، وقال: مجاهد سَمِعَ عمرَ! فقام الحسنُ، فذهب (¬4). ¬
أثر في القود بالمحدد، سواء كان حديدا أو نحوه
أثر في القَوَد بالمحدَّد، سواء كان حديدًا أو نحوه (590) قال أبو عبيد (¬1): ثنا يزيد، عن حجَّاج بن أرطاة، عن زيد بن جُبَير، عن جَروة بن حُمَيل، عن عمرَ أنَّه قال: آللهِ! لَيَضرِبنَّ أحدُكم أخاهُ بمثلِ آكِلَةِ اللَّحمِ، ثم يُرَى أنَّي لا أُقِيدُهُ، واللهِ لأُقِيدَنَّهُ منه. قال يزيد: قال حجَّاج: آكَلِةُ اللَّحمِ، يعني: عصًا مُحدَّدَةً. قال الأموي: سُمِيتْ بذلك تشبيهًا لها بالسِّكين، فإنها تأكلُ اللَّحمُ. حديث آخر (591) قال أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا محمد (¬3) بن بكر بن عبد الرحمن، ثنا أبي، عن عيسى بن المختار، عن ابن أبي ليلى -وهو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى-، عن عكرمة بن خالد، عن أبي بكر بن ¬
عبيد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «في الأنفِ إذا استُوعِبَ جَدعُهُ الدِّيَةُ، وفي العينِ خمسون، (¬1) وفي الرِّجلِ خمسون، وفي الجائفةِ (¬2) ثُلُثُ النَّفسِ، وفي المُنَقِّلةِ (¬3) خمسَ عشرةَ، وفي المُوضِحَةِ (¬4) خمسٌ، وفي السِّنِّ خمسٌ، وفي كلِّ إِصبعٍ ممَّا هنالك عشرٌ عشرٌ». ثم قال: لا نعلمه يُروى إلا من هذا الوجه (¬5). قلت: هذا بعيد أن يكون صحيحًا، فإنَّ عمرَ كان يذهب إلى خلاف هذا الحديث في الأصابع أوَّلاً: (592) كما قال الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمه الله (¬6): أنا سفيان بن ¬
عيينة، وعبد الوهاب الثَّقَفي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى في الإبهامِ / (ق 212) بخمسَ عشرةَ، وفي التي تليها بعشرٍ، وفي الوسطى بعشرٍ، وفي التي تلي الخنصرَ بتسعٍ، وفي الخنصرٍ بستٍّ. فهذا أصحُ إسنادًا من هذا الذي قبله بكثير. قال الشافعي (¬1): فلما وُجِدَ كتابُ آل عمرو بن حزم فيه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «وفي كُلِّ إِصبِعٍ ممَّا هنالكَ عشرٌ من الإبلِ»؛ صاروا إليه. وهكذا روى النسائي (¬2)، عن سعيد بن المسيّب مثل هذا الكلام سواء. ¬
أثر آخر (593) قال علي بن حرب: ثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن مسلم بن جُندب، عن أبي زيد (¬1) قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: في الضِّلعِ جَمَلٌ، وفي التَّرْقوةِ (¬2) جَمَلٌ، وفي الضِّرسِ جَمَلٌ (¬3). أثر آخر (594) قال البيهقي (¬4): وقد روى يونس، عن الزهري: أنَّه قرأ في ¬
كتابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي كَتَبه لعمرو بن حزم: «وفي الأذنِ خمسونَ من الإبلِ». قال: وروينا عن عمرَ (¬1)، وعلي (¬2) أنهما قَضَيا بذلك. أثر آخر (595) قال الشافعي (¬3): أنا محمد بن الحسن (¬4)، أنا محمد بن أبان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عمرَ وعليٍّ -رضي الله عنهما- أنهما قالا: عَقْلُ المرأةِ على النِّصفِ من عَقْلِ (¬5) الرَّجلِ في النَّفسِ، وفيما دونَهَا. هذا منقطع بين إبراهيم وبينهما. (596) وقال الشافعي (¬6) فيما بَلَغه عن شعبة (¬7)، عن الأعمش، عن ¬
شقيق، عن عبد الله بن مسعود في جراحاتِ الرِّجالِ والنساءِ: تَستوي في السِّنِّ والمُوضِحَة، وما خلا فعلى النِّصفِ (¬1). وهذا مروي عن عمرَ (¬2) فيما كَتَب به إلى شُريح ليَحكم به، ففَعَل. (597) وحديث أبي هريرة: أنَّ عمرَ استَشَارَ النَّاسَ في إملاصِ المرأةِ، فقال المغيرة بن شعبة: شَهِدتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى فيه بغُرَّة عبدٍ أو أَمَةٍ. سيأتي (¬3) في مسند المغيرة بن شعبة. وقد رواه أبو عبيد في كتاب «الغريب» (¬4)، عن عمرَ، فقال: ثناه حجَّاج، عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة، عن عمرَ: أنَّه استَشَارَهم في إملاصِ المرأةِ. ¬
قال أبو عبيد: هو أنْ تُلقِي جَنينَها قبلَ وقتِ الولادةِ ميِّتًا، يقال منه: قد أَملَصَتْ إملاصًا؛ لأنَّها تُزْلِقُهُ. (598) وقال إسماعيل بن عيَّاش، عن زيد بن أسلم: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قوَّم الغُرَّةَ خمسينَ دينارًا (¬1). هذا منقطع، وإسماعيل بن عيَّاش عن غير الشَّاميين لا يحتج به عند الجمهور. / (ق 213) حديث فيه أثر عن عمر (599) قال أبو داود (¬2): ثنا يحيى بن حكيم، ثنا عبد الرحمن بن عثمان، ثنا حسين المُعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: كانت الدِّيةُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائةَ دينارٍ، و (¬3) ثمانيةَ آلافِ درهمٍ، وديةُ أهلِ الكتابِ يومئذٍ النِّصفُ من ديةِ المسلمين. قال: فكان ذلك كذلك حتى استُخلِفَ عمرُ، فقام خطيبًا، فقال: إنَّ الإبلَ قد غَلَت، قال: فَفَرَضَها على أهلِ الذَّهَبِ ألفَ دينارٍ، وعلى أهلِ الوَرِقِ اثني عشر ألفًا، وعلى أهلِ البقرِ مائتي بقرةٍ، وعلى أهلِ الشَّاءِ ألفي ¬
شاةٍ، وعلى أهلِ الحُلَلِ مائتي حُلَّةٍ. قال: وتَرَك ديةَ أهلِ الذِّمَّةِ لم يَرفعها فيما رَفَع من الدِّيَةِ. هذا إسناد جيد قوي (¬1)، حجَّة في هذا الباب وغيره، والله أعلم. قال الشافعي رحمه الله (¬2): لا دلالةَ في الوحي على تعدادِ إبلِ الدِّيةِ، فأخذناه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأخذنا الذَّهبَ والوَرِقَ عن عمرَ، إذ لم نجد فيه شيئًا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأخذنا ديةَ الحُرِّ المسلمِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وعن عمرَ ديةَ غيرِهِ ممَّن خالفَ الإسلامَ. والغرضُ من إيراد هذا عن الإمام الشافعي صحةُ هذا الأثرِ عنده عن عمرَ رضي الله عنه. أثر آخر (600) قال الإمام الشافعي (¬3): أنا فضيل بن عياض، عن منصور بن ¬
المعتمر، عن ثابت -وهو: ابن هُرمز الحدَّاد-، عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمرُ يجعل ديةَ اليهودي والنصراني أربعةَ آلافٍ، والمجوسي ثمانِمائةٍ. وهكذا رواه قتادة (¬1)، ويحيى بن سعيد الأنصاري (¬2)، عن سعيد بن المسيّب. ¬
أثر آخر (601) روى البيهقي (¬1) من حديث ليث، عن مجاهد: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى فيمن قُتِلَ في الحَرَمِ، أو في الشهرِ الحرامِ، أو وهو مُحْرِمٌ بالدِّيةِ، / (ق 214) وثُلُثِ الدِّيةِ. هذا منقطع أيضًا (¬2). ¬
أثر آخر (602) وروى البيهقي -أيضًا- (¬1) من حديث جابر الجُعفِي، عن الحكم، عن عمرَ بن الخطاب قال: عَمدُ الصَّبيِّ وخَطَؤُهُ سواءٌ. منقطع، بل معضل، وجابر بن يزيد الجُعفِي: ضعيف (¬2). (603) فأما الحديث الذي رواه أحمد (¬3)، عن سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: الدِّيةُ للعاقلةِ، ولا تُورَّثُ المرأةُ من ديةِ زوجِها، حتى أَخبَرَه الضحَّاك بن سفيان الكِلاَبي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَب إليَّ أنْ أُورِّثَ امرأةَ أَشْيَمَ الضِّبابي من دِيةِ زوجِها، فرَجَع عمرُ عن قولِهِ؛ فرواه أهل السُّنن -أيضًا- (¬4) من حديث الزهري. وقال الترمذي: حسن صحيح. ¬
وسيأتي (¬1) في مسند الضحَّاك -أيضًا-، إن شاء الله. أثر آخر (604) قال ابن أبي الدُّنيا (¬2): حدثنا أبو بلال الأشعري، ثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: خَرَج عمرُ بن الخطاب ذاتَ يومٍ إلى سوقِ المدينةِ، فجعل يقول: يا عُمَرَاهُ، يَالَبَّيْكَاهُ. قال: فسأَلنَاهُ عن خبرِهِ، فقيل لنا: إنَّ عاملاً من عُمَّالِهِ أَمَرَ رجلاً أنْ يَنزلَ في وادٍ يَنظرُ كم عُمقُهُ؟ فقال الرَّجل: إنِّي أخافُ. فضَرَبَهُ، فنَزَل، فلما خَرَج كَزَّ (¬3) فمات، فنادى: يا عُمَرَاهُ! فبعث عمرُ إلى الوالي: أَمَا لولا أنِّي أخافُ أنْ تكونَ سُنَّةً بعدي؛ لَضَرَبتُ عُنُقَكَ، ولكن ما تَبرَحُ حتى تُؤدِّيَ دِيتَهُ، والله لا أُولِّيكَ أبدًا. / (ق 215) إسناده جيد قوي. أثر آخر (605) روى الحافظ أبو بكر البيهقي (¬4) من حديث مَطَر الورَّاق، عن ¬
الحسن البصري (¬1) قال: أَرسَلَ عمرُ إلى امرأةٍ مَغيبةٍ (¬2) كان يُدخَلُ عليها، فأَنكَرَ ذلك، فقيل لها: أجيبي عمرَ، قالت: ياويلَهَا! مالَهَا ولعمرَ، فبينما هي في الطريقِ ضَرَبَها الطَّلقُ، فدَخَلتْ دارًا، فأَلقَتْ وَلَدَها، فصاح الصبيُّ صيحتين ومات، فاستشار عمرُ الصحابةَ، فأشار عليه بعضُهم أنْ ليس عليك شيءٌ، إنما أنت والٍ ومؤدِّبٌ. قال: ما تقولُ يا علي؟ قال: إنْ كانوا قالوا ذلك برأيهم؛ فقد أخطأوا رأيَهم، وإن كانوا قالوه في هواك؛ فلم يَنصحوا لك، أرى أنَّ دِيتَهُ عليك؛ لأنك أنت أفزعتَهَا، وأَلقَتْ وَلَدَها في سبيلِكَ. فأَمَرَ عليًّا أن يَقسِمَ عَقْلَهُ على قريشٍ، فأخذ عَقْلَهُ من قريشٍ لأنَّه أخطأَ. هذا مشهور متداول، وهو منقطع، فإنَّ الحسن البصري لم يُدرك عمرَ. وفيه دلالةٌ على أنَّ ما يجب بخطإ الإمام يجبُ على عاقلته، وهو أحد قولي الشافعي، وأهل العلم. أثر آخر (606) روى الدارقطني (¬3)، والبيهقي (¬4) من حديث عبد الملك بن حسين، عن عبد الله بن أبي السَّفَر، عن الشَّعبي، عن عمرَ بن الخطاب أنَّه قال: العمدُ، والعبدُ (¬5)، والصلحُ، والاعترافُ، لا تَعقِلُهُ العاقلةُ. ¬
هذا منقطع، وعبد الملك هذا: تكلَّموا فيه (¬1). قال البيهقي: والمحفوظ: رواية ابن إدريس (¬2)، عن مُطرِّف، عن الشَّعبي، قولَه. أثر آخر (607) روى البيهقي -أيضًا- (¬3) من حديث الشَّعبي قال: جعل عمرُ بن الخطاب الدِّيةَ في ثلاثِ سنينَ، وثلثي الدِّية في سنتين، ونصفَ الدِّيةِ في سنتين، وثُلُثَ الدِّيةِ في سَنَةٍ. / (ق 216) وهذا منقطع أيضًا. (608) وقد رواه الحسن بن عُمارة، عن واصل الأَحدب، عن المعرور بن سُوَيد، عن عمرَ، نحوه (¬4). لكن الحسن بن عمارة هذا: متروك. ¬
وقد حكى الترمذيُّ (¬1) الإجماعَ على القول بمقتضى هذا. ونَسَبَهُ الإمام الشافعي (¬2) إلى حُكم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (¬3). ¬
أثر في قتل الجماعة بالواحد
أثر في قتل الجماعة بالواحد (609) قال البخاري في كتاب الدِّيات في «صحيحه» (¬1): وقال لي ابن بشَّار: حدثني يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ غلامًا قُتِلَ غِيْلةً (¬2)، فقال عمرُ رضي الله عنه: لو اشتَرَكَ فيها أهلُ صنعاءَ؛ لَقَتلتُهُم. وقال مغيرة بن حكيم، عن أبيه: إنَّ أربعةً قَتَلوا صبيًّا، فقال عمرُ ... مثلَه (¬3). ¬
هكذا أورد البخاري هذا الحديث في كتابه (¬1)، وهو من صيغ التعليق عند أئمَّة هذا الشأن، وهو من الصِّحاح النازلة عن درجة المسنَدَات، والله أعلم. طريق أخرى (610) قال الشافعي (¬2): أنا مالك (¬3)، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَتَل نَفَرًا خمسةً أو سبعةً برجلٍ قَتَلوه قتلَ غِيْلةٍ، فقال عمرُ رضي الله عنه: لو اشتَرَكَ فيه أهلُ صنعاءَ؛ لَقَتلتُهُم جميعًا. وقولُ عمرَ هذا: هو الذي استقرَّت عليه مذاهبُ أهلِ العلمِ قاطبةً، إلا قولاً عن بعضهم: أنَّ الوليَّ يَقتلُ واحدًا، ويأخذُ بقيَّةَ الدِّيةِ من الباقين. ¬
ويؤيِّدُ قولَ الجمهورِ: ما روي من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لو أنَّ أهلَ السماواتِ والأرضِ اشتَرَكوا في قتلِ مسلمٍ، لأكبَّهمُ اللهُ في النَّارِ» (¬1). وقد بَسَطتُ هذا في كتاب الأحكام، والله أعلم. ¬
أثر فيه القصاص من الضربة واللطمة ونحو ذلك
أثر فيه القِصَاص من الضَّربة واللَّطمة ونحو ذلك (611) قال البخاري أيضًا (¬1): وأَقاد أبو بكرٍ (¬2)، وابنُ الزُّبير (¬3)، وعليٌّ (¬4)، وسُوَيدُ بن مُقرِّن (¬5) من / (ق 217) اللَّطمة. وأقاد عمرُ -رضي الله عنه- من ضَربةٍ بالدِّرَّة (¬6). وأقاد عليٌّ من ثلاثةِ أسواطٍ (¬7). ¬
واقتصَّ شُريحٌ من سَوطٍ وخُمُوشٍ (¬1). هكذا أورد ذلك معلَّقًا، وهو صحيحٌ عنهم. وإليه ذهب الإمام أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد الشَّالَنجي عنه، واختاره بعض أصحابه المتأخرين، وأفتى به. وقد وَهِمَ الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي -رحمه الله- في حكايته الإجماعَ على خلاف ذلك، قال: وإنما يُعدَلُ في مثل هذا إلى التعزير، وكأنه لم يطَّلع على ما نقَلَهُ البخاري -رحمه الله-، وهذا تقصيرٌ، والله أعلم. ذِكر الرواية عن عمر بن الخطاب بذلك (612) قال عبد الرزاق (¬2): عن مالك (¬3)، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كنتُ مع عمرَ في طريقِ مكةَ، فقال تحتَ شجرةٍ، فلمَّا استوتِ الشَّمسُ أخذ عليه ثوبَهُ، وقام، فناداه رجلٌ: يا أميرَ المؤمنين! ثم حاذ به، فضَرَبَهُ بالدِّرَّة، فقال: عَجِلتَ عليَّ. فأعطاهُ المِخفَقَةَ (¬4)، وقال: اقتصَّ. قال: ما أنا بفاعلٍ. قال: والله لَتَفعَلَنَّ. قال: فإنِّي أَغفِرُها. هكذا رواه عبد الرزاق، عن مالك. ¬
ورواه أصحاب الموطَّآت عن مالك، عن عاصم، عن عمرَ، ليس بينهما أحد، والأوَّل أشبه بالصواب. وسنذكر شواهد ذلك في «سيرة عمر»، إن شاء الله تعالى. وسيأتي -أيضًا- حديث (دس) (¬1) سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أبي فراس النَّهدي، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقصَّ من نفسِهِ. وفي الحديث قصَّة. ¬
أثر آخر فيه تقديم المباشرة على السبب
أثر آخر فيه تقديم المباشرة على السَّبب (613) قال عبد الله بن صالح كاتب الليث (¬1): ثنا موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه: أنَّ أعمى كان له قائدٌ بصيرٌ، فغَفَلَ البصيرُ، فوقعا في بئرٍ، فمات البصيرُ، وسَلِمَ الأعمى، فجعل عمرُ -رضي الله عنه- دِيَتَهُ على عاقلةِ الأعمى، فسَمِعتُهُ يقول في الحجِّ: يا أيها الناسُ لَقِيتُ مُنكَرًا ... هل يًعقِلُ الأعمى الصحيحَ المُبْصِرَا خَرَّا معًا كلاهما تَكَسَّرا وأخرجه الدارقطني في «سننه» (¬2)، وزاد فيه: فوَقَعا في بئرٍ، فوقع الأعمى على البصير، فمات. وهذا إسناد حسن (¬3). ¬
أثر عن عمر في الدفع بالأسهل
أثر عن عمر في الدَّفع بالأسهل (614) قال أبو عبيد (¬1): يُروَى عن مبارك بن فَضَالة، عن الحسن، عن عمرَ أنَّه قال: ورِّعْ اللِّصَّ، ولا تُراعِهِ. قال أبو عبيد: يقول: إذا رأيتَهُ في منزلِكَ فادفَعْهُ، واكْفُفْهُ بما استطعتَ، ولا تنتظر فيه شيئًا، وكلُّ شيءٍ كَفَفْتَهُ فقد وَرَّعْتَهُ. قال أبو زُبَيد: وَوَرَّعْتُ ما يُكْبِي الوُجُوهَ رِعَايةً ... ليُحْضَرَ خيرٌ أو لِيُقْصَرَ مُنكَرُ يقول: وَرَّعْتُ عنكم ما يُكبِى وجوهَكم، يَمتنُّ عليهم. وقوله: لا تُراعِهِ: أي: لا تَنتظِرْهُ، وهذا يقال للصَّائم: يَرعى الشَّمسَ. قال: وهذا رخصةٌ من عمرَ في الإقدامِ عليه بلا انتظارٍ. وهكذا روي عن ابن عمرَ (¬2) أنَّه رأى لصًّا في دارِهِ، فطلب السَّيفَ، أو نحوَه من السلاح، ليُقدِمَ عليه. ¬
وكذلك يُروى عن ابن سيرين (¬1) أنَّه قال: ما كانوا يمسكون عن اللِّصِّ إذا دخل دارَ أحدِهِم تأثُّمًا (¬2). ¬
أثر في العاقلة
/ (ق 218) أثر في العاقلة (615) قال أبو عبيد (¬1): يُروى عن سفيان بن سعيد، عن عمرَ بن عبد الرحمن المديني، عن أبي سَلَمة بن سفيان المخزومي، عن أبي أميَّة بن الأخنس: أنَّ رجلاً أتى عمرَ، فقال: ابنُ عمِّي شُجَّ مُوضِحَةً. فقال: أَمِنْ أهلِ القرى، أَم من أهلِ الباديةِ؟ فقال: من أهلِ الباديةِ. فقال عمرُ: إنَّا لا نَتَعاقَلُ المُضَغَ بيننا. ¬
قال أبو عبيد: حَمَلَه بعضُ العلماء على أنَّ أَهلَ القرى لا يَعقلونَ عن أهلِ الباديةِ، ولا أهلَ الباديةِ عن أهلِ القرى. ثم قال: وفيه هذا التأويل وزيادة، وأنَّ العاقلةَ لا تَحملُ السِّنَّ، و ... (¬1)، ولا مادونَ ثُلُثِ الدِّيةِ. وهذا قول أهل المدينة إلى اليوم، وإنما هو في مال الجاني. قال: بخلاف أهل العراق، فإنهم يقولون: المُوضِحةُ فما فوقها على العاقلةِ، وما دونها في مال الجاني. قال أبو عبيد: وسمَّاها مُضَغًا تصغيرًا لها. (616) وحدثنا (¬2) حجَّاج، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن ابن الزُّبير، عن عمرَ قال: لا يَعقِلُ أهلُ القرى ... (¬3)، ويَعقِلُها أهلُ الباديةِ. قلت: صحيح، وحُكم غريب جدًّا، والله أعلم. ¬
أثر آخر في دفع الصائل
أثر آخر في دفع الصَّائل (617) قال علي بن حرب: ثنا سفيان بن عيينة (¬1)، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن عُبيد بن عُمَير: أنَّ رجلاً ضاف ناسًا من هُذَيل، فذَهَبت جاريةٌ لهم تَحتَطِبُ، فأرادَها على نفسِها، فَرَمَتهُ بِفِهْرٍ (¬2)، فقَتَلتْهُ، فرُفِعَ ذلك إلى عمرَ، فقال: ذاك قتيلُ اللهِ، والله لا يُودَى أبدًا. ورواه صالح بن كيسان (¬3)، عن الزهري، عن القاسم، ولم يَذكر عُبيد بن عُمَير، نحوه. وهو إسناد جيد، وفيه انقطاع (¬4)، والله أعلم. ¬
أثر آخر في معناه (618) قال أحمد بن منصور الرَّمادي (¬1): ثنا عبد الله بن صالح، حدثني اللَّيث (¬2) قال: أُتي عمرُ بن الخطاب يومًا بفتًى أمرد، قد وُجِدَ قتيلاً، مُلقًى على وجهِ الطريقِ، فسأل عمرُ عن أمرِهِ واجتَهَدَ، فلم يَقفْ له على خبرٍ، ولم يَعرفْ له قاتلاً، فشقَّ ذلك على عمرَ، وقال: اللهمَّ اظفِرني بقاتلِهِ، حتى إذا كان رأسُ الحَوْلِ، أو قريبٌ من ذلك، وُجِدَ صبيٌّ مولودٌ مُلقًى بموضعِ القتيلِ، فأُتِيَ به عمرُ -رضي الله عنه-، فقال: ظَفَرتُ بدمِ القتيلِ -إن شاء الله-، فدَفَع الصَّبيَّ إلى امرأةٍ، وقال لها: قومي بشأنِهِ، وخُذي منَّا نفقةً، وانظري مَن يأخذُهُ منكِ، فإذا وَجَدتِ امرأةً تُقبِّله وتضُمُّه إلى صدرِها، فأَعلميني بمكانها. فلمَّا شَبَّ الصبيُّ جاءت جاريةٌ، فقالت للمرأة: إنَّ سيِّدتي بعثتني إليكِ، أنْ تبعثي بالصَّبيِّ لِتَرَاهُ وتَردُّهُ إليكِ، فقالت: نعم، اذهبي به إليها، وأنا معك، فذَهَبت بالصَّبيِّ والمرأةَ معها، حتى دَخَلتْ على سيِّدتها، فلمَّا رأتْهُ أخذتُهُ فَقَبَّلتْهُ، وضَمَّتْهُ إليها، فإذا ابنةُ شيخٍ من الأنصار من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأَخَبَرتْ عمرَ خبرَ المرأةِ، فاشتَمَلَ على سيفِهِ، ثم أَقبَلَ إلى منزلها، فوَجَد أباها مُتكِئًا على بابِ دارِهِ، فقال: يا فلانُ، ما فَعَلتْ ابنتُكَ فلانةٌ؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، جَزَاها اللهُ خيرًا، هي من أعرفِ الناسِ لحقِّ اللهِ، وحقِّ أبيها، مع حُسْنِ صلاتِها، والقيامِ بدينِها. فقال عمرُ: قد أَحبَبتُ أنْ أَدخُلَ إليها وأَزيدَها رغبةً في الخير، وأَحُثَّها على ذلك. فقال: جَزَاك اللهُ خيرًا يا أميرَ المؤمنين، امكُثْ مكانَكَ حتى أرجعَ إليكَ، فاستأذَنَ لعمرَ، فلمَّا دخلَ أَمَرَ عمرُ كلَّ ¬
من كان عندها فخَرَج عنها، وبَقِيتْ هي وعمرَ في البيتِ، ليس معهما أحدٌ، فكَشَفَ عمرُ عن السَّيف، وقال: لَتَصدُقِني -وكان عمرُ رضي الله عنه لا يُكذَّب- فقالت: على رِسْلكَ يا أميرَ المؤمنينَ، فوالله لأَصدُقنَّكَ، إنَّ عجوزًا كانت تَدخلُ عليَّ، فاتَّخذتُها أُمًّا، وكانت تقومُ من أَمري بما تقومُ به الوالدةُ، وكنت لها بمنزلةِ البنتِ، فأَمضَتْ بذلك حينًا، ثم إنها قالت: يا بُنيَّة! إنَّه قد عَرَضَ لي سفرٌ، ولي بنتٌ في موضعٍ أتخوَّفُ عليها فيه أنْ تضيعَ، وقد أَحبَبتُ أن أَضمُّها إليكِ حتى أرجعَ من سفري، فعَمَدَت إلى ابنٍ لها شابٍّ أمردَ، فهَيَّأتْهُ كهيأةِ الجاريةِ، فأتتني به، لا أَشكُّ أنَّه جاريةٌ، فكان يرى منِّي ما ترى الجاريةُ من الجارية، حتى اغتَفَلني يومًا وأنا نائمةٌ، فما شَعَرتُ حتى عَلاَني وخَالَطَني، فمَدَدتُ يدي إلى شَفرةٍ كانت إلى جنبي فقَتَلتُهُ، ثم أَمَرتُ به، فأُلقِيَ حيثُ رأيتَ، فاشتَمَلتُ منه على هذا الصَّبيِّ، فلمَّا وَضَعتُهُ أَلقَيتُهُ في موضعِ أبيه، فهذا واللهِ خَبَرُهُما على ما أَعلَمتُكَ. قال عمرُ: صَدَقتِ، باركَ اللهُ فيكِ، ثم أوصاها وَوَعَظَها، ودعا لها وخَرَج، وقال لأبيها، باركَ اللهُ لكَ في ابنتِكَ، فنِعْمَ الابنةُ ابنتُكَ، وقد وَعَظتُها وأَمَرتُها، فقال الشيخ: وَصَلكَ اللهُ يا أميرَ المؤمنينَ، وجَزَاك خيرًا عن رعيتِكَ. هذا أثر غريب، وفيه انقطاع، بل معضل. وفيه فوائد كثيرة، منها: حَذْقُ عمرَ -رضي الله عنه-، وحُسْنِ تأنِّيهِ، وجودةُ فراستِهِ. وفيه: أنَّه يجوز دفع الصَّائل، وأنَّه لا ضمان عليه في قَتْله حيثُ لم يأمر بالدِّية، والله أعلم.
أثر آخر في قتل المرتد
أثر آخر في قتل المرتدِّ (619) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): حدثنا أبو خيثمة، ثنا ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: لما أُتي عمرُ بفتح تُسْتَر، قال: هل كان شيء؟ قال: نعم، رجلٌ من المسلمين ارتدَّ عن الإسلام. قال: فما صنعتُم به؟ قالوا: قَتَلنَاهُ. قال: فهلاَّ أَدخلتُمُوهُ بيتًا، وأَغلقتُم عليه بابًا، وأَطعمتُمُوهُ كلَّ يومٍ رغيفًا، واستَتَبتُمُوهُ، فإن تاب؛ و ... (¬2) قتلتموه؟ ثم قال: اللهمَّ لم أَشهَدْ، ولم آمُرَ، ولم أَرْضَ إذ بَلَغني. إسناد جيد. وهكذا رواه الإمام الشافعي (¬3)، عن الإمام مالك (¬4)، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري، عن أبيه قال: قَدِمَ على عمرَ رجلٌ من قِبَلِ أبي موسى، فسأله عن الناس؟ فأَخبَرَه، ثم قال: هل فيكم من مُغَرّبةٍ خبرٌ؟ قال: نعم، رجلٌ كَفَرَ بعد إسلامِهِ. قال: فما فعلتُم به؟ قال: قرَّبنَاهُ، فضَرَبنَا عُنُقَهُ. قال: فهلاَّ حَبَستُمُوهُ ثلاثًا، وأَطعمتُمُوهُ كلَّ يومٍ رغيفًا، واستَتَبتُمُوهُ، لعلَّه يتوبُ، أو يُراجِعُ (¬5) أمرَ اللهِ؟! اللهمَّ لم أَحضُرْ، ولم آمُرْ، ولم أَرْضَ إذ بَلَغني. ¬
ورواه أبو عبيد (¬1)، عن إسماعيل بن جعفر (¬2)، عن عبد الرحمن بن محمد، به. وقال: مُغَرّبة: بكسر الراء وفتحها، وأصلُه فيما نرى من الغَربِ، وهو البُعد (¬3). وفيه دلالةٌ على استتابةِ المرتدِّ، وإنْ كان قد وُلِدَ على الفطرةِ؛ لأنَّه لم يستفصل. قال: ولم أسمع التَّوقيتَ بثلاثٍ إلا في هذا. وقد رواه الإمام أحمد (¬4) من طريق أخرى، بإسناد صحيح (¬5)، عن أنس بن مالك قال: لما افتَتَحنا تُسْتَر، بعثني الأشعريُّ إلى عمرَ بن الخطاب، فلما قَدِمْتُ عليه قال: ما فَعَلَ البكريُّون، حُجَينةُ وأصحابُهُ؟ قال: فأَخَذتُ به في حديثٍ آخرَ، قال: فقال: ما فَعَلَ النَّفَرُ البَكريُّون؟ قال: فلمَّا رأيتُهُ لا يُقلِعُ، قلتُ: يا أميرَ المؤمنين، ما فَعَلوا! إنهم قَتَلوا، ولَحِقُوا بالمشركين، ارتدُّوا عن الإسلام، وقاتَلوا مع المشركين حتى قُتلوا. قال: فقال: لأنْ أَكونَ أخذتُهُم سِلمًا، كان أحبَّ إليَّ ممَّا على وجهِ ¬
الأرضِ من صفراءَ أو بيضاءَ. قال: فقلت: وما كان سبيلُهُم لو أخذتَهُم سِلمًا؟ قال: كنتُ أعرِضُ عليهم البابَ الذي خَرَجوا منه، فإن أَبَوا استودعتُهُم السِّجنَ. وهذا يقتضي أنهم إنما قَتَلوا بعد تمنُّعهم بلحاقهم بالمشركين، فإنه لا يُقتصُّ منهم عند كثيرٍ من العلماء، منهم الإمام أحمد بن حنبل، وإلا فلو قَتَلوا قبل امتناعِهِم، لوَجَبَ القَصاصُ قولاً واحدًا. وأما حَبْسهم حتى يُسلِمُوا، ففيه دلالة لمذهب سفيان الثوري ومَن وافَقَه: أنَّ المرتدَّ يستتابُ، ويُنظرُ ما رُجِيَت توبتُه، وهو معنى قول إبراهيم النَّخَعي. وذهب طاوس وعُبيد بن عُمَير إلى أنَّه يُقتلُ ولا يُستتابُ، لقوله عليه السلام: «مَن بَدَّلَ دينَهُ فاقتلُوه» (¬1)؛ ولأنَّ كُفرَه أغلظُ من كُفْر الأسير الحربيِّ، فإذا قُتِلَ هذا بلا استتابةٍ، فالمرتدُّ أولى. وقال الحنفية: الاستتابةُ مستحبةٌ، لكنه إنْ لم يَتب في الحال قُتِلَ، إلاَّ أن يَسأَلَ الإنظارَ، فيُنظَرَ ثلاثةَ أيامٍ. وهذا قول للإمام الشافعي: أنَّ الاستتابةَ مستحبةٌ. وعنه قول آخر: أنها واجبةٌ، لكنَّه يُقتلُ في الحال إنْ لم يَتب في قول. وهو اختيار المُزَني وابن المنذر. والقول الآخر: تجبُ الاستتابةُ، ويُؤجَّلُ ثلاثةَ أيامٍ، وهو مذهب مالك وأحمد. ¬
وقال الزهري وابن القاسم: يُستتابُ ثلاثةَ مرَّاتِ. فهذه حكاية أقوال الأئمَّة في المرتدِّ.
أحاديث الجهاد
أحاديث الجهاد قد تقدَّم في أوَّل كتاب الزكاة (¬1) قول عمرَ -رضي الله عنه- للصِّدِّيق: كيف تُقاتِلُ الناسَ؟ وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولوا لا إلهَ إلا اللهُ، فإذا قالوها عَصَمُوا منِّي دماءَهُم وأموالَهُم، إلا بحقِّها وحسابُهُم على اللهِ». أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه (¬2). حديث آخر (620) قال أبو بكر البزَّار (¬3): ثنا عمرو بن علي، ثنا عبيد الله بن عبد ¬
المجيد، ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمرَ: أنَّ الزبيرَ استأذن عمرَ في الجهاد، فقال: اجلس، فقد جَاهَدتَ مع / (ق 219) رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. عطية العَوفي: فيه ضعف (¬1)، ولو صحَّ؛ لدلَّ على أنَّ الجهادَ ليس فرضًا على الأعيان، والله أعلم. حديث آخر (621) قال أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا عبيد الله بن عمر، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثني شعبة، عن يحيى بن هانئ، عن نعيم بن دِجَاجة قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: لا هجرةَ بعد وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه النسائي في «سننه» (¬3)، عن عمرو بن علي الفلاَّس، عن ابن مهدي، به. ¬
حديث فيه أثر عن عمر في استحباب الإكثار من الغزو
حديث فيه أثر عن عمر في استحباب الإكثار من الغزو (622) قال أبو داود في كتاب «المراسيل» (¬1): ثنا موسى بن إسماعيل، أنا إبراهيم بن سعد، أنا ابن شهاب، عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري: أنَّ جيشًا من الأنصار كانوا بأرضِ فارسَ مع أميرِهِم، وكان عمرُ -رضي الله عنه- يُعقِّبُ الجيوشَ (¬2) في كلِّ عام، فشُغِلَ عنهم عمرُ، فلمَّا مَرَّ الأجلُ، قَفَلَ أهلُ ذلك الثَّغرِ، فاشتدَّ عليهم، وأَوَعَدهم (¬3)، وهم أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا عمرُ، إنَّك شُغِلتَ (¬4) عنَّا، وتَرَكتَ فينا الذي أَمَرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من إعقابِ بعضِ الغزيةِ بعضًا. ¬
حديث في فضل النفقة في الغزو
إسناد جيد. حديث في فضل النفقة في الغزو (623) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يونس -يعني: ابن محمد-، ثنا ليث، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عثمان بن عبد الله -يعني: ابن سُرَاقة-، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن أَظَلَّ رأسَ غازٍ، أَظَلَّهُ اللهُ يومَ القيامةِ، ومَن جَهَّزَ غَازِيًا حتى يَستَقِلَّ كان له مثلُ أَجرِهِ حتى يموتَ أو يَرجِعَ، ومَن بَنَى مسجدًا يُذكَرُ فيه اسمُ اللهِ، بَنَى اللهُ له بَيتًا في الجنَّةِ». ثم رواه أحمد (¬2)، عن أبي سَلَمة الخزاعي، عن اللَّيث. وعن الحسن بن موسى (¬3)، عن ابن لَهِيعة. كلاهما عن الوليد، به. ورواه ابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬5)، عن يونس بن محمد ¬
-وهو: المؤدِّب-، عن اللَّيث، به. وأخرجه (¬1) من وجه آخر، عن ابن الهاد، ببعضه. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬2)، عن أبي يعلى (¬3)، عن أحمد بن إبراهيم / (ق 220) الدَّورقي، عن أبي عبد الرحمن المُقرئ (¬4)، عن اللَّيث، به. واختاره الضياء في كتابه (¬5). ¬
وقد قال الإمام علي ابن المديني: هذا حديث مرسل؛ لأنَّ عثمان بن عبد الله بن سُرَاقة لم يُدرك عمرَ بن الخطاب (¬1). قلت: وقد رواه موسى بن يعقوب الزَّمْعي (¬2)، عن عبد الرحمن بن ¬
إسحاق المدني، عن الزهري، عن عثمان بن سُرَاقة، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به. قال الزهري: ثم أخبرنيه بُسر بن سعيد، فالله أعلم (¬1). ¬
حديث في فضل الشهادة
حديث في فضل الشهادة (624) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1): ثنا حماد بن سَلَمة، عن هشام بن عمرو، عن رجل، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: كنتُ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وعنده قِبضٌ (¬2) من الناسِ، فأتاه رجلٌ، فقال: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ خيرٌ منزلةً عند اللهِ يومَ القيامةِ بعد أنبيائِهِ وأصفيائِهِ؟ فقال: «المجاهِدُ في سبيلِ اللهِ بنفسِهِ ومالِهِ حتى تأتِيَهُ دعوةُ اللهِ وهو على متنِ فَرَسِهِ، وآخِذٌ بعَنَانِهِ». قال: ثم مَن؟ قال: «وامرُؤٌ بناحيةٍ، أَحسَنَ عبادةَ ربِّهِ، وترك الناسَ من شرِّهِ». قال: يا رسولَ الله، فأيُّ الناسِ شرٌّ منزلةً عند اللهِ يومَ القيامةِ؟ قال: «المشركُ». قال: ثم مَن؟ قال: «وإمامٌ جائرٌ، يَجورُ عن الحقِّ، وقد مُكِّنَ له». وحَصَر (¬3) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبوابَ الغيبِ، فقال: «سلُوني، ولا تسأَلُوني عن شيءٍ إلاَّ نَبَّأتُكُم بِهِ». فقال عمرُ: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دِينًا، / (ق 221) وبكَ نبيًّا، وحسبُنا ما أتانا. قال: فسُرِّي عنه. إسناده جيد؛ لكن فيه رجل مبهم لم يُسمَّ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتة (¬4). ¬
أثر في جواز قتل ذي الرحم الكافر في الحرب
أثر في جواز قتل ذي الرَّحم الكافر في الحرب (625) قال الإمام عبد الملك بن هشام النَّحوي (¬1): حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لسعيدِ بن العاص ومَرَّ به: إنِّي أراك وكأنَّ في نفسِكَ شيئًا، أُراكَ تظنُّ أنِّي قتلتُ أباك، إنِّي لو قَتَلتُهُ لم أَعتذرْ إليك من قَتْلِهِ، ولكنِّي قَتَلتُ خالي العاصَ بن هشام بن المغيرة، فأمَّا أبوك، فإنِّي مَرَرتُ به، وهو يَبحثُ بحثَ الثَّورِ بِرَوقِهِ (¬2)، فَحِدْتُ عنه، فصَمَدَ له (¬3) ابن عمِّه عليٌّ، فَقتَلَهُ. وهذا منقطع، وهو كالمشهور. فأمَّا ما يَذكره بعضُ من لا يَعلم من أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قَتَلَ أباه يومَ بدرٍ، فغلطٌ، ولم يكن أَبوه حيًّا يومئذٍ، بل لم يحضر بدرًا مع المشركين أحدٌ من بني عدي بإجماع أصحاب المغازي. وسعيد هذا هو: ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أُميَّة، وكان [عبدًا سخيًّا رئيسًا] (¬4)، وكان أشبهَ خَلْق اللهِ لهجةً برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جَعَله عثمانُ فيمن كَتَب المصحفَ الإمامَ رضي الله عنهم (¬5). ¬
حديث آخر في تقسيم الشهداء
حديث آخر في تقسيم الشُّهداء (626) قال أحمد (¬1): ثنا يحيى بن إسحاق، أنا ابن لَهِيعة، عن عطاء بن دينار، عن أبي يزيد الخَوْلاني قال: سَمِعتُ فَضَالة بن عُبيد يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «الشهداءُ أربعةٌ: رجلٌ مؤمنٌ جيِّدٌ الإيمانِ، لَقِيَ العدوَّ، فصَدَقَ اللهَ، فقُتِلَ، فذلك الذي ينظرُ الناسُ إليه هكذا -ورفع رأسَهُ حتى سقطَت قَلَنسُوَةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أو قَلَنسُوَةُ عمرَ-، والثاني: مؤمنٌ لَقِيَ العدوَّ، فكأنَّما يُضرَبُ ظَهْرُهُ بشَوكِ الطَّلحِ، جاءه سَهمٌ غَربٌ فقَتَلَهُ، فذلكَ في الدرجةِ الثانيةِ. والثالثُ: رجلٌ مؤمنٌ خَلَطَ عملاً صالحاً وآخرَ سيِّئًا، لَقِيَ العدوَّ، فصَدَقَ اللهَ حتى قُتِلَ. قال: فذلكَ في الدرجةِ الثالثةِ. والرابعُ: رجلٌ مؤمنٌ أَسرَفَ على نفسِهِ إسرافًا كثيرًا، لَقِيَ العدوَّ، فصَدَقَ اللهَ حتى قُتِلَ، فذلكَ في الدرجةِ الرابعةِ». وهكذا رواه علي ابن المديني، عن أبي داود الطيالسي (¬2)، عن ابن المبارك (¬3)، عن ابن لَهِيعة (¬4)، به. وقال: هذا حديث مصري، وهو صالح. وأخرجه الترمذي (¬5)، عن قتيبة، عن ابن لَهِيعة، به. ¬
وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا / (ق 222) من حديث عطاء بن دينار، وسَمِعتُ محمدًا -يعني: البخاري- يقول: قد روى سعيد بن أبي أيوب هذا الحديثَ عن عطاء بن دينار، عن أشياخ من خَولان، لم يَذكر فيه (عن أبي يزيد)، وقال: عطاء بن دينار: ليس به بأس (¬1). وقد روى الإمام أحمد (¬2) هذا الحديثَ -أيضًا-، عن أبي سعيد، عن ابن لَهِيعة، به، وقال: «الشهداءُ ثلاثةٌ ...»، ولم يَذكر الرابع. حديث آخر (627) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا هاشم بن القاسم، ثنا عكرمة -يعني: ابن عمَّار-، حدثني سمَاك الحنفي أبو زُمَيل، حدثني عبد الله بن عباس، حدثني عمرُ بن الخطاب قال: لمَّا كان يومُ خيبرَ أَقبَلَ نَفَرٌ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلانٌ شهيدٌ! فلانٌ شهيدٌ! حتى مرُّوا على رجلٍ، فقالوا: فلانٌ شهيدٌ! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كلاَّ، إنِّي رأيتُهُ (¬4) في بُردَةِ غَلَّها، أو عَبَاءةٍ». ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اذهَب، فنادِ في الناسِ: إنَّه لا يَدخلُ الجنَّةَ إلا المؤمنونَ». قال: فخَرَجتُ، فنَادَيتُ: إنَّه لا يَدخلُ الجنَّةَ إلا المؤمنونَ. وهكذا رواه مسلم (¬5)، عن زُهَير بن حرب، عن أبي النَّضر هاشم بن القاسم، به. ¬
وأخرجه الترمذي (¬1)، عن الحسن بن علي، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن عكرمة بن عمَّار، به. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. ورواه علي ابن المديني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن عكرمة بن عمَّار، به. وقال: لا نحفظه إلا من هذا / (ق 223) الوجه، وهو حديث جيِّد الإسناد حسن. ¬
حديث في أن العرب لا يسترقون
حديث في أنَّ العرب لا يُسترقُّون (628) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا إسحاق بن إسماعيل، وخالي أبوجعفر قالا: ثنا يحيى بن أبي بُكَير، ثنا عبد الله بن عمر القرشي، ثنا سعيد بن عمرو بن سعيد -سَمِعَ أباه-، فزَعَم أنَّه سَمِعَ أباهُ يومَ المَرْج (¬2) يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: لولا أني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ سيمنعُ الدِّينَ بنصارى من ربيعةَ على شاطئ الفراتِ؛ ما تَرَكتُ عربيًّا إلا قَتَلتُهُ، أو يُسلِمُ». ورواه النسائي في «سننه» (¬3)، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن يحيى بن أبي بُكَير، به. واختاره الضياء في كتابه (¬4). وقد تفرَّد به عبد الله بن عمر السَّعدي هذا، وهو في كتاب «الثقات» (¬5) لابن حبان. ¬
حديث آخر في فكاك الأسير
حديث آخر في فكاك الأسير (629) قال أبو يعلى -أيضًا- (¬1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (¬2)، ثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه قال: لَقِيتُ عمرَ -وهو بالموسم- فنادَيتُهُ من وراء الفُسْطاط (¬3): ألا إنِّي فلانُ بنُ فلانٍ الجَرْمي، وإنَّ ابنَ أختٍ لنا، له أخٌ عانٍ (¬4) في بني فلان، وقد عَرَضنا عليه فريضةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (¬5). قال: فرفع عمرُ جانبَ الفسطاطِ، وقال: أتعرفُ صاحبَكَ؟ قلت: نعم، هو ذاك. قال: انطَلِقَا به حتى يُنفِّذَ لكما فريضةَ (¬6) رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال: وكنَّا نَتَحدَّثُ أنَّ الفريضةَ أربعٌ من الإبلِ. هذا إسناد جيد. وقال علي ابن المديني: إسناد صحيح (¬7)، وليس فيه كلامٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم نفسه، وإنما حكى القضيةَ القومُ الذين أتوا عمرَ. ¬
حديث آخر في تحريم الغلول في المغانم، والعقوبة عليه
حديث آخر في تحريم الغُلُول في المغانم، والعقوبة عليه (630) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا عبد العزيز بن محمد، ثنا صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم بن عبد الله: أنه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرضِ الرُّومِ، فوُجد في متاعِ رجلٍ غُلُولٌ، قال: فسأل سالِمَ بن عبد الله، فقال: حدَّثني عبد الله، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن وَجَدتُم في متاعِهِ غُلُولاً؛ فأَحرِقُوهُ». قال: وأَحسبُهُ قال: «واضرِبُوهُ». قال: فأَخرَجَ متاعَه في السُّوق، فوَجَد فيه مصحفًا، فسأل سالماً، فقال: بِعْهُ، وتَصدَّق بثمنِهِ. وقد رواه علي ابن المديني، عن أُميَّة بن بسطام، عن الدَّرَاوَردِي، به. ثم قال: هذا حديث منكر، يُنكِره أصحاب الحديث، وكان وهيب قد لقي أبا واقِد هذا، وكان يضعِّفه، ويُروى عنه عجائبَ. وأخرجه أبو داود (¬2)، والترمذي (¬3) من حديث الدَّرَاوَردِي. زاد أبو داود: وأبي إسحاق الفَزَاري. كلاهما عن صالح بن محمد أبي واقِد الليثي الصَّغير، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، به. وفي بعض نسخ الترمذي (¬4): عن عبد الله بن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فالله أعلم. ¬
ثم قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا عن هذا، فقال: إنما رواه صالح بن محمد، وهو منكر الحديث (¬1). / (ق 224) وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬2): أبو واقِد هذا: ضعيف، والمحفوظ: أنَّ سالماً أمر بهذا، ولم يَرفعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا ذَكَره عن أبيه، ولا عن عمرَ (¬3). ¬
حديث في قتل الجاسوس
حديث في قتل الجاسوس (631) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا أبو خيثمة زُهَير بن حرب، ثنا عمر بن يونس الحنفي، ثنا عكرمة بن عمَّار، ثنا أبو زُمَيل، قال: قال ابن عباس: قال عمرُ رضي الله عنه: كَتَب حاطبُ بن أبي بلتعة إلى مكةَ، وأَطلَعَ اللهُ عليه نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فبَعَث عليًّا والزُّبيرَ في أَثَرِ الكتابِ، فأدرَكا المرأةَ على بعيرٍ، فاستَخرَجَاهُ من قُرُونها (¬2)، فأتيا به رسولَ الله، فقُرِئَ عليه، فأَرسَلَ إلى حاطبٍ، فقال: «يا حاطبُ، أنتَ كتبتَ هذا الكتابَ؟» قال: نعم. قال: «فما حَمَلَكَ على ذلك؟» قال: يا رسولَ الله، أَمَا واللهِ إنِّي لناصِحٌ للهِ ولرسولِهِ، ولكنْ كنتُ غريبًا في أهلِ مكةَ، وكان أهلي بين ظَهْرانِيهم، وخشيتُ عليهم، فكَتَبتُ كتابًا لا يَضرُّ اللهَ ورسولَهُ شيئًا، وعسى أنْ يكونَ فيه منفعةٌ لأهلي. قال عمرُ: فاختَرَطتُ سيفي، ثم قلت: يا رسولَ الله، أَمكنِّي من حاطب، فإنَّه قد كَفَرَ، فأَضرِبُ عُنُقَه! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابنَ الخطابِ، ما يُدريكَ، لعل اللهَ اطَّلَعَ على هذه العصابةِ من أهلِ بدرٍ، فقال: اعمَلُوا ما شئتُم، فإنِّي قد غَفَرتُ لكم». وقد رواه الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬3)، عن العباس بن محمد الدُّوري، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود، عن عكرمة بن عمَّار، به. ¬
وهذا إسناد جيد، اختاره الضياء في كتابه (¬1). وقال الحميدي: قال البَرقاني: روى مسلم هذا الحديث. قال الحميدي: ولم يَذكره أبو مسعود، ولا خَلَف. قال الضياء (¬2): ولا رأيناه في «صحيح مسلم». قلت: وهو في «الصحيحين» (¬3) من حديث علي بن أبي طالب. ¬
أحاديث قسم أموال الفيء والغنائم
أحاديث قسم أموال الفيء والغنائم (632) قال الإمام أحمد رحمه الله (¬1): ثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: لولا آخرُ المسلمينَ، ما فُتِحَتْ قريةٌ إلا قَسَمتُها، كما قَسَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبرَ. وهكذا رواه علي ابن المديني، عن عبد الرحمن بن مهدي، به. وقال: هذا حديث صحيح من هذا الوجه. ورواه البخاري -أيضًا- (¬2) من حديثه. وأخرجه أحمد -أيضًا- (¬3)، عن أبي عامر العَقَدي، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، به. وكذا رواه البخاري (¬4)، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، أخبرني زيد بن أسلم، عن أبيه: أنه سَمِعَ عمرَ يقول: والذي نفسي بيده، لولا أنْ أَترُكَ الناسَ بَبَّانًا (¬5) ليس لهم شيءٌ، ما فُتِحَتْ عليَّ قريةٌ إلا قَسَمتُها، كما قَسَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبرَ، ولكنِّي أَترُكُها جِرَايةً لهم (¬6). ¬
حديث آخر (633) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا زُهَير، ثنا أبو إسحاق الطَّالْقاني، أخبرني بقيَّة بن الوليد، حدثني الوزير بن عبد الله الخَوْلاني، عن محمد بن الوليد الزُّبيدي، عن الزهري، عن / (ق 225) سعيد بن المسيّب، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن مَنَحَهُ المشركونَ أرضًا، فلا أرضَ له». وَزِير بن عبد الله هذا: شاميٌّ، قال فيه أبو حاتم الرازي (¬2): مجهول. وقال أبو زرعة: ضعيف، وحديثه لا أصل له. أثر آخر (634) روى الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3) من حديث وكيع وغيره، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: كَتَب عمرُ رضي الله عنه: أنَّ الغنيمةَ لمن شَهِدَ الوقعةَ. إسناده صحيح. ¬
أثر آخر (635) قال علي بن حرب الطَّائي (¬1): ثنا سفيان بن عيينة، عن الأسود بن قيس، عن أبي الأرقم (¬2) قال: أغارتِ الخيلُ بالشَّامِ، فأَدرَكَتِ العِرَاب (¬3) يومها، وأَدرَكَتِ الكوادِن (¬4) ضُحَى الغدِ، وعلى الناس ابنُ أبي حميصة الوادعي، فقال: لا نجعلُ مَن أدركَ كمن لا يُدرِكْ، فكَتَب ¬
في ذلك إلى عمرَ، فكَتَب عمرُ: هَبِلَتِ الوادعِيَّ أُمُّهُ (¬1)! لقد أدركتُ (¬2) به، امضُوهَا على ما قال. حديث آخر (636) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا سفيان، عن عمرو ومعمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، عن عمرَ قال: كانت أموالُ بني النَّضير ممَّا أَفاء (¬4) اللهُ على رسولِهِ ممَّا لم يُوجِفِ المسلمونَ عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، فكانت لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم خالصةً، فكان يُنفِقُ على أهلِهِ منها نَفَقَةَ سَنَتِهِ -وقال مرَّةً: قُوتَ سَنَتِهِ- وما بَقِيَ جَعَلَهُ في الكُرَاعِ (¬5) والسِّلاحِ عُدَّةً في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ. ورواه الجماعة إلا ابن ماجه (¬6) من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، به. ¬
ورواه مسلم (¬1)، والنسائي (¬2) من حديث سفيان، عن معمر، عن الزهري، به. وجمعهما النسائي (¬3) في رواية له -أيضًا-، كما رواه أحمد رحمه الله. وأتبعه أبوداود (¬4) بما رواه عن مُسدَّد، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، أنا أيوب، عن الزهري قال: قال عمرُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} (¬5). قال الزهري: قال عمرُ: هذه لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم خاصةً قُرى عُرَينة (¬6)، وكذا وكذا، ممَّا أفاء اللهُ على رسولِهِ من أهلِ القرى، فللهِ، وللرسولِ، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابنِ السبيل، وللفقراءِ الذين أُخرجوا / (ق 226) من ديارِهِم وأموالِهِم، والذين تبوَّؤا الدارَ والإيمانَ من قبلِهِم، والذين جاءوا من بعدِهم، فاستَوعَبَتْ هذه الناسَ، فلم يبق أحدٌ من المسلمين إلا له فيها حقٌّ. -قال أيوب: أو قال: حظٌّ- إلا بعضَ مَن تملكون من أرقَّائِكُم. ثم قال أبو داود (¬7): ثنا هشام بن عمَّار، ثنا حاتم بن إسماعيل. وحدثنا ¬
سليمان بن داود المَهْري، ثنا ابن وهب، أخبرني عبد العزيز بن محمد. وحدثنا نصر بن علي، أنا صفوان، -وهذا لفظ حديثه- كلُّهم عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن مالك بن أَوس بن الحَدَثان قال: كان فيما احتجَّ به عمرُ أنَّه قال: كانت لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثُ صفايَا (¬1): بنو النَّضير، وخيبرُ، وفَدَك. فأمَّا بنو النَّضير فكانت حُبُسًا لنوائبِهِ، وأمَّا فَدَكُ فكانت حُبُسًا لأبناءِ السبيلِ، وأمَّا خيبرُ فجزَّأها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أجزاءَ، (جزئين) (¬2) للمسلمين، وجزءًا نفقةً لأهلِهِ، فما فَضَلَ عن نفقةِ أهلِهِ، جَعَلَهُ بين فقراءِ المهاجرينَ. أثر آخر (637) قال أحمد (¬3): ثنا محمد بن مُيسَّر أبو سعد الصَّاغاني، ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن مالك بن أَوس بن الحَدَثان قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يَحلِفُ على أيمانٍ ثلاثٍ، يقول: والله ما أحدٌ أَحقَّ بهذا المالِ من أحدٍ، وما أنا بأَحقَّ به من أحدٍ / (ق 227)، والله ما من المسلمينَ أحدٌ، إلا وله في هذا المالِ نصيبٌ إلا عبدًا مملوكًا، ولكنَّا على منازِلِنا من كتابِ الله، وقَسْمِنا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فالرَّجلُ وبلاؤه في الإسلامِ، والرَّجلُ وقَدَمُهُ (¬4) في الإسلامِ، والرَّجلُ وغَنَاؤه (¬5) في ¬
الإسلام، والرَّجلُ وحاجتُهُ، ووالله لئن بَقِيتُ لهم، لَيَأتينَّ الرَّاعيَ بجبلِ صنعاءَ حَظُّه من هذا المالِ وهو يَرعى مكانَهُ. رواه أبو داود (¬1) بنحوه، عن عبد الله بن محمد النُّفَيلي، عن محمد بن سَلَمة، عن محمد بن إسحاق، به. (638) وقال البخاري (¬2): ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا محمد بن فضيل، عن إسماعيل، عن قيس قال: كان عطاءُ البدريين خمسةَ آلافٍ، وقال عمرُ: لأُفَضِّلنَّهم على مَن بعدَهم. أثر آخر (639) قال حنبل بن إسحاق (¬3): ثنا عبيد الله بن محمد التَّيمي -هو: ابن عائشة-، ثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب المهاجرينَ على خمسةِ آلافٍ، والأنصارَ على أربعةِ آلافٍ، ومَن لم يشهد بدرًا من أبناءِ المهاجرينَ على أربعةِ آلافٍ، فكان منهم عمر بن أبي سَلَمة، وأسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش، وعبد الله بن عمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: إنَّ ابنَ عمرَ ليس من هؤلاء، إنَّه وإنَّه، فقال ابن عمر: إنْ كان لي حقٌّ فأَعطِنِيه، وإلا فلا تُعطِني. فقال عمرُ لابن عوف: اكتُبْهُ على ¬
خمسةِ آلافٍ، واكتُبنِي على / (ق 228) أربعةِ آلافٍ. فقال عبد الله: لا أريدُ هذا. فقال عمرُ: واللهِ لا أجتمعُ أنا وأنت على خمسةِ آلافٍ. علي بن زيد بن جُدعان فيه كلام (¬1). أثر آخر (640) قال سيف بن عمر التَّميمي (¬2): عن محمد، وطلحة، والمهلَّب، بإسنادهم، وسعيد بن المرزبان، عن محمد بن حذيفة بن اليَمَان، وزهرة، ومحمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن قال: قال عمرُ: إنِّي مجنِّدُ المسلمينَ على الأُعطيةِ، ومُدوِّنُهُم، ومُتَحرٍّ الحقَّ. فقال عبد الرحمن، وعثمان، وعلي -رضي الله عنهم-: ابدَأْ بنفسِكَ. فقال: لا، بل أَبدَأُ بعمِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأقربُ، فالأقربُ منهم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ففَرَضَ للعبَّاس، فبَدَأَ به، ثم فَرَضَ لأهلِ بدرٍ خمسةَ آلافٍ خمسةَ آلافٍ، ثم فَرَضَ لمن بعدَ بدرٍ إلى الحديبيةِ أربعةَ آلافٍ أربعةَ آلافٍ، ثم فَرَضَ لمن بعد الحديبيةِ إلى أن أَقلَعَ أبو بكر -رضي الله عنه- عن أهلِ الرِّدَّة ثلاثةَ آلافٍ ثلاثةَ آلافٍ، ودخل في ذلك مَن شَهِدَ الفتحَ، ثم فَرَضَ لأهلِ القادسيةِ وأهلِ الشَّامِ أصحابِ اليرموكِ ألفينَ ألفينَ، وفَرَضَ لأهلِ البلاءِ النازع منهم ألفين وخمسَمائةٍ. -فقيل له: لو ألحقتَ أهلَ القادسيةِ بأهلِ الأيامِ؟ فقال: لم أكن لأُلحقهم بدرجةِ من لم يُدركوا، لاهَا اللهِ إذًا! وقيل له: لو سَوَّيتَهم على بُعدِ دارِهِم، بمَن قَرُبت دارُهُ؟ فقال: هم كانوا أحقَّ بالزيادةِ؛ لأنهم ¬
كانوا / (ق 229) رِدءَ الهتوفِ، وشجى العدوِّ، وايمُ اللهِ، ما سَوَّيتُهُم حتى اسْتَطَبتُهُم- وللروادفِ الذين رَدِفُوا بعد افتتاحِ القادسيةِ واليرموكِ ألفًا ألفًا، ثم الرَّوادفُ الثنَّا خمسُمائةٍ خمسُمائةٍ، ثم الرَّوادفُ الثُّلَّثُ بعدَهم ثلاثُمائةٍ ثلاثُمائةٍ، سوَّى كلَّ طبقةٍ في العطاءِ، ليس بينهم فيما بينهم تفاضلٌ، قويُّهُم وضعيفُهُم، عربيُّهُم وأعجميُّهُم في طبقاتِهم سواء. حتى إذا حَوَى أهلُ الأمصارِ ما حَوَوا من سباياهم، ورَدِفتِ الرُّبَّعُ من الرَّوادفِ، فَرَضَ لهم على خمسينَ ومائتينَ، وفَرَضَ لمَن رَدِفَ من الرَّوادفِ الخُمَّسِ على مائتين، وكان آخرَ من فَرَضَ له عمرُ أهلُ هَجَرَ على مائتين، ومات عمرُ على ذاك، وأَدخَلَ عمرُ في أهل بدر أربعةً من غيرِهِم: الحسنَ، والحسينَ، وأبا ذرٍّ، وسلمانَ. (641) وقال سيف أيضًا (¬1): عن زهرة، ومحمد، عن أبي سَلَمة ومحمد وطلحة والمهلَّب بإسنادهم، وعمرو، عن الشَّعبي، والمستنير، عن إبراهيم: وجعل نساءَ أهلِ بدرٍ على خمسِمائةٍ خمسِمائةٍ، ونساءَ مَن بعدَ بدرٍ إلى الحديبيةِ على أربعِمائةٍ أربعِمائةٍ، ونساءَ مَن بعدَ ذلك إلى الأيامِ ثلاثَمائةٍ ثلاثَمائةٍ، ثم نساءَ أهلِ القادسيةِ على مائةٍ مائةٍ، ثم سوَّى بين النساءِ بعد ذلك، وجعل الصِّبيانَ من أهل بدرٍ وغيرِهِم سواءً، على مائةٍ مائةٍ، وفَرَضَ لأزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرةَ آلافٍ عشرةَ آلافٍ، إلا مَن جَرَى / (ق 230) عليه المِلكُ، وفضَّل عائشةَ -رضي الله عنها- بألفين، فأَبَتْ، فقال: بفضلِ منزلتِكِ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أَخَذتِ، فشأنُكِ. هذا إسناد غريب، ولكن في سياقه فوائد كثيرة، ويشهد له بالصحة ما تقدَّمه، وما يأتي بعده، والله أعلم. ¬
حديث آخر (642) قال وكيع (¬1): عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- فَرَضَ لأهل بدرٍ ستةَ آلافٍ، وفَرَضَ لأمَّهاتِ المؤمنينَ في عشرةِ آلافٍ، وفَضَّلَ عائشةَ بألفين لحُبِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إيَّاها، إلا صفيةَ وجويريةَ، فَرَضَ لهما ستةَ آلافٍ، ستةَ آلافٍ، وفَرَضَ لنساءٍ من نساءِ المهاجرينَ في ألفٍ، منهنَّ أُمُّ عَبْدٍ. هذا إسناد جيد. وقال الزهري: فَرَضَ عمرُ للعبَّاسِ عشرةَ آلافٍ. وقال سيف بن عمر: عن زُهرة، عن أبي سَلَمة: أنَّ عمرَ فَرَضَ للعباسِ خمسةً وعشرينَ ألفًا. حديث (¬2) آخر (643) قال عبد الله بن المبارك (¬3): ثنا سعيد بن يزيد قال: سَمِعتُ الحارث بن يزيد الحضرمي، يحدِّث عن عُلَي بن رباح، عن ناشِرَة بن سُميٍّ ¬
اليَزَني قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- يقول يوم الجابية، وهو يَخطبُ: إنَّ اللهَ جعلني خازنًا لهذا المال وقاسِمُهُ. ثم قال: بل اللهُ قَسَمَهُ، وأنا بادئٌ بأهلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم أشرفِهِم، فقَسَمَ لأزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرةَ آلافٍ، إلا جويريةَ، وصفيةَ، وماريةَ (¬1)، فقالت عائشة: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَعدِلُ بيننا، فعَدَلَ عمرُ بينهنَّ، ثم فَرَضَ لأصحابِ بدرٍ المهاجرينَ خمسةَ آلافٍ، ولمن شَهِدَها من غيرِ المهاجرينَ أربعةَ آلافٍ، ولمن شَهِدَ أُحُدًا ثلاثةَ آلافٍ، وقال: مَن أَبطَأَ في الهجرةِ أَبطَأَ به العطاءُ، فلا يَلومنَّ رجلٌ إلا مُناخَ راحلتِهِ، وإنِّي أَعتذرُ إليكم من خالد بن الوليد، إنِّي أَمَرتُهُ أن يحبسَ هذا المالَ على ضعفةِ المهاجرينَ، فأعطاه ذا الشَّرَفِ، وذا اللِّسانِ، فنَزَعتُهُ، وأَمَّرتُ أبا عُبيدةَ. وهذا إسناد جيد. وهذا هو السَّبب الذي / (ق 231) اقتَضى عزلَ عمرَ خالدًا عن إمرة الشَّام، لأنَّ خالداً كان يتساهلُ في إعطاءِ المالِ في الغزو، ومستندُهُ في ذلك تسويغُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم له ما فَعَلَهُ في قضيةِ المَدَدي يومَ مؤتةَ من مَنْعِهِ إيَّاه بعضَ ذلك السَّلب (¬2)، والله تعالى أعلم بالصواب. أثر آخر (644) قال الفَسَوي (¬3): ثنا عَبْدان، ثنا عبد الله بن المبارك، ثنا عبيد الله بن مَوهَب، حدثني عبيد الله بن عبد الله قال: سَمِعتُ ¬
أبا هريرة (¬1) يقول: قَدِمْتُ على عمرَ بن الخطاب بثمانِمائةِ ألفِ درهمٍ من عند أبي موسى الأشعري، فقال: بماذا قَدِمتَ؟ فقلت: بثمانِمائةِ ألفٍ. فقال: إنما قَدِمتَ بثمانينَ ألفِ درهمٍ. قلت: إنمَّا قَدِمْتُ بثمانِمائةِ ألفٍ. قال: لم أقل لك إنَّك ... (¬2)، إنما قَدِمتَ بثمانينَ ألفِ درهمٍ، فكم ثمانُمائةِ ألفٍ؟! فعَدَدتُ مائةَ ألفٍ، ومائةَ ألفٍ، حتى عَدَدتُ ثمانيةً. فقال: أطيِّبٌ ويلك؟! قلت: نعم. فبات عمرُ ليلتَهُ أَرِقًا، حتى إذا نودي بالصبح قالت له امرأتُهُ: يا أميرَ المؤمنين، مانِمْتَ الليلةَ؟ فقال: كيف ينامُ عمرُ وقد جاء الناسَ مالم يكن يأتيهم مثلُهُ منذُ كان الإسلامُ، فما يُؤمِّنُ عمرُ لو هَلَكَ وذلك المالُ عنده لم يَضَعْهُ في حقِّه، فلمَّا صلَّى الصبحَ اجتَمَعَ إليه نَفَرٌ من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم في المال، وقد رأيتُ رأيًا، فأَشيرُوا عليَّ، رأيتُ أنْ أَكيلَ / (ق 232) للناسِ بالمكيالِ. فقالوا: لا تَفعَلْ، إنَّ الناسَ يدخلون في الإسلامِ، ويَكثرُ المالُ، ولكنْ أَعطِهِم على كتابِ اللهِ، فكلَّما كثُرَ الإسلامُ وكثُرَ المالُ أَعطيتَهُم. قال: فأَشيرُوا عليَّ بمن أَبدَأُ؟ قالوا: بِكَ يا أميرَ المؤمنين، إنَّك وَلِيُّ ذلك. قال: لا، ولكنْ ¬
أَبدَأُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأقربُ، فالأقربُ. فوَضَعَ الديوانَ على ذلك. قال عبيد الله: بَدَأ بهاشم، ثم بني عبد المطلب. إسناده جيد صحيح (¬1). طريق أخرى (645) قال وكيع: ثنا سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (¬2) قال: لما وَضَعَ عمرُ بن الخطاب الديوانَ استَشَارَ الناسَ، فقال: بمَن أَبدَأُ؟ فقالوا: ابدَأْ بنفسِكَ يا أميرَ المؤمنين. قال: لا، ولكنْ أَبدَأُ بالأقربِ، فالأقربِ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (¬3). وهذا منقطع. أثر آخر (646) قال محمد بن سعد كاتب الواقدي (¬4): ثنا يزيد بن هارون، أنا يحيى بن المتوكِّل، حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمرَ قال: ¬
قَدِمَتْ رِفقَةٌ من التُّجار، فنزلوا المُصلَّى، فقال عمرُ لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نَحرُسَهم الليلةَ؟ فبَاتَا يَحرسانهم، ويُصلِّيانِ ما كَتَبَ اللهُ لهما. فسَمِعَ عمرُ بكاءَ صبيٍّ، فتَوَجَّه نحوه، فقال لأُمِّه: اتَّقِّ اللهَ، وأَحْسِنِي إلى صَبيِّكِ. ثم عاد إلى بكائِهِ (¬1)، فسَمِعَ بكاءَهُ، فعاد إلى أُمِّهِ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ، كلُّ ذلك يقول: اتَّقِّ اللهَ، وأَحسِنِي إلى صَبيِّكِ. ثم قال لها: إنِّي لأراكِ أُمَّ سَوْءٍ، مالي أرى ابنَكِ لا يَقِرُّ؟! قالت: يا عبد الله، قد أَبرَمْتَنِي (¬2) منذُ الليلةَ، إنِّي أُرِيغُهُ (¬3) عن الفِطام فيأبَى. قال: ولِمَ؟ قالت: لأنَّ عمرَ لا يَفرضُ إلا للفُطُم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرًا. قال: وَيْحكِ لا تُعجِليهِ! فصلَّى الفجرَ (¬4)، فلمَّا سلَّم قال: / (ق 233) بُؤسًا لعمر، كم قَتَلَ من أولادِ المسلمينَ! ثم أمر مناديًا فنَادَى: لا تُعجِلُوا صبيانَكم عن الفطامِ، فإنَّا نَفرِضُ لكلِّ مولودٍ. وكَتَبَ بذلك إلى الآفاقِ. أثر آخر (647) قال أبو بكر بن أبي شيبة (¬5): ثنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- كان يَفرِضُ للصَّبيِّ إذا استَهَلَ. وهذا إسناد صحيح. ¬
أثر آخر عن عمر مشتمل على فوائد من أهمها ما نحن فيه من قسمة مال الفيء
أثر آخر عن عمر مشتمل على فوائد من أهمِّها ما نحن فيه من قسمة مال الفَيء (648) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار -رحمه الله- في «مسنده» (¬1): ثنا زُهَير بن محمد بن قُمَير، ثنا حسين بن محمد، ثنا أبو مَعشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه. وعن عمرَ بن عبد الله مولى غُفْرة قالا: قَدِمَ على أبي بكرٍ -رضي الله عنه- مالٌ من البحرين، فقال: مَن كان له على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ فليأتْ، فليأخذ. قال: فجاء جابرُ بن عبد الله، فقال: قد وَعَدَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إذا جاءني من البحرين مالٌ أَعطيتُكَ هكذا، وهكذا، وهكذا». ثلاثَ مرَّاتٍ ملءَ كَفَّيْهِ. قال: خُذ بيديك. فأَخَذَ بيديه، فوَجَدَ خمسَمائةٍ. قال: عُدْ إليها. ثم أعطاه مثلَها، ثم قَسَمَ بين الناس ما بَقِيَ، فأصاب عشرةَ الدراهمِ -يعني: لكلِّ واحد-، فلمَّا كان العامُ المقبلُ، جاءه مالٌ أكثرَ من ذاك، فقَسَمَ بينهم، فأصاب كلُّ إنسانٍ عشرةَ دراهمٍ (¬2)، وفَضَلَ من المالِ فَضْلٌ، فقال للناسِ: أَيُّها الناسُ، قد فَضَلَ من هذا المالِ فَضلٌ، ولكم خَدَمٌ يُعالِجُونَ لكم ويَعملونَ لكم، إنْ شئتُم / (ق 234) رَضَخنا لهم، فرَضَخ (¬3) لهم خمسةَ الدراهمِ خمسةَ الدراهمِ، فقالوا: يا خليفةَ رسولِ الله، لو فَضَّلتَ المهاجرينَ؟ فقال: أجرُ أولئكَ على اللهِ، إنما هذه معايشُ، الأسوةُ فيها خيرٌ من الأَثرَةِ. ¬
فلمَّا مات أبو بكرٍ -رضي الله عنه- استُخلِفَ عمرُ، ففتح اللهُ عليه الفتوح، فجاءه أكثرَ من ذلك المالِ، فقال: قد كان لأبي بكر في هذا المال رأيٌ، وَلِي رأيٌ آخرُ، لا أَجعلُ مَن قاتَلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كمَن قاتَلَ معه، فَفَضَّلَ المهاجرينَ والأنصارَ، ففَرَضَ لمن شَهِدَ بدرًا منهم خمسةَ آلافٍ خمسةَ آلافٍ، ومَن كان إسلامُهُ قبلَ إسلامِ أهلِ بدرٍ فَرَضَ له أربعةَ آلافٍ أربعةَ آلافٍ، وفَرَضَ لأزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفًا لكلِّ امرأة منهنَّ، إلا صفيةَ وجويريةَ، فَرَضَ لكلِّ واحدة ستةَ آلافٍ ستةَ آلافٍ، فأَبَيْنَ أنْ يأخُذنَهَا، فقال: إنما فَرَضتُ لهنَّ بالهجرةِ. قلن: ما فَرَضتَ لهنَّ بالهجرةِ، إنما فَرَضتَ لهنَّ لمكانِهِنَّ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولنا مثلُ مكانِهنَّ، فأَبَصَرَ ذلكَ، فجَعَلَهُنَّ سواءً مثلَهنَّ. وفَرَضَ للعبَّاسِ بن عبد المطَّلب اثنَي عشرَ ألفًا لقرابتِهِ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفَرَضَ لأسامةَ بن زيد أربعةَ آلافٍ، وفَرَضَ للحسنِ والحسينِ خمسةَ آلافٍ خمسةَ آلافٍ، فألحَقَهُما بأبيهما لقرابتِهِما / (ق 235) من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفَرَضَ لعبد الله بنِ عمرَ ثلاثةَ آلافٍ، فقال: يا أَبَةِ، فَرَضتَ لأسامةَ أربعةَ آلافٍ، وفَرَضتَ لي ثلاثةَ آلافٍ، فما كان لأبيه من الفضل مالم يكن لك؟! وما كان له من الفضلِ ما لم يكن لي؟ ! فقال: إنَّ أباه كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وهو كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منك. وفَرَضَ لأبناء المهاجرين والأنصار ممَّن شَهِدَ بدرًا ألفين ألفين، فمرَّ به عمرُ بن أبي سَلَمة، فقال: زِيدُوهُ ألفًا، أو قال: زِدْهُ ألفًا ياغلامُ، فقال محمد بن عبد الله بن جحش: لأيِّ شيءٍّ تَزيدُهُ علينا، ما كان لأبيه من الفضل مالم يكن لآبائنا؟! فقال: فَرَضتُ له بأبي سَلَمة ألفين، وزِدتُهُ بأُمِّ سَلَمة ألفًا، فإنْ كان لك أُمٌّ مثلَ أُمِّهِ زِدتُكَ ألفًا. وفَرَضَ لأهلِ مكةَ ثمانِمائةٍ
ثمانِمائةٍ، وفَرَضَ لعثمانَ بن عبد الله بن عثمان، وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله -يعني: عثمان بن عبد الله- ثمانِمائةٍ، وفَرَضَ لابنِ النَّضر بن أنس ألفي درهمٍ، فقال طلحة بن عبيد الله: جاءك ابنُ عثمان قبلَهُ، ففَرَضتَ له ثمانِمائةٍ، وجاءك غلامٌ من الأنصارِ ففَرَضتَ له ألفين؟ فقال: إنِّي لَقِيتُ أبا هذا يومَ أُحُدٍ، فسألني عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما أُراه إلا قد قُتِلَ. فسَلَّ / (ق 236) سيفَهُ، وكَسَرَ زَندَهُ (¬1)، وقال: إنْ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد قُتِلَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ، فقاتَلَ حتى قُتِلَ، وهذا يَرعى الغنمَ! فتُريدون أنْ أجعلُهُما سواءً! فعَمِلَ عمرُ -رضي الله عنه- عُمُره بهذا، حتى إذا كان من آخرِ السَّنَةِ التي حجَّ فيها، قال ناسٌ من الناسِ: لو قد مات أميرُ المؤمنين، أَقَمنا فلانًا -يعنون طلحة بن عبيد الله- وقالوا: كانت بيعةُ أبي بكرٍ فَلتَةً، فأراد أن يتكلَّمَ في أوسطِ أيامِ التشريقِ بمنىً، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنَّ هذا المجلسَ يَغلِبُ عليه غَوغَاءُ الناسِ، وهم لا يَحتملون كلامَكَ، فأَمهِلْ أو أَخِّرْ، حتى تأتِيَ أرضَ الهجرةِ وحيثُ أصحابُكَ ودارُ الإيمانِ والمهاجرينَ والأنصارِ، فتَتَكلَّمُ بكلامِكَ، أو فتَتَكلَّمُ فيُحتمل كلامُكَ. قال: فأَسرَعَ السَّيرَ حتى قَدِمَ المدينةَ، فخَرَج يومَ الجمعةِ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، ثم قال: قد بَلَغني مقالةُ قائِلِكم: لو قد مات عمرُ، أو لو قد مات أميرُ المؤمنين، أَقَمنا فلانًا فبَايعناه، وكانت إمارةُ أبي بكرٍ -رضي الله عنه- فَلتَةً، أَجَلْ واللهِ، لقد كانت فَلتَةً، ومِن أين لنا مثلُ أبي بكرٍ نَمُدُّ أَعناقَنَا إليه، كمَا نمُدُّ أعناقَنَا إلى أبي بكرٍ، وإنَّ أبا بكرٍ رأى رأيًا، ورأيتُ أنا رأيًا، فرأى أبو بكرٍ أن يَقسِمَ بالسَّويَّةِ، ورأيتُ ¬
أنا أنْ أُفضِّلَ، فإنْ أَعِشْ إلى هذه السَّنَةِ، فسأَرجِعُ إلى / (ق 237) رأي أبي بكرٍ، فرأيُهُ خيرٌ من رأيي، إنَّي قد رأيتُ رؤيا، وما أرى ذلك إلا عند اقترابِ أجلي، رأيتُ كأنَّ دِيكًا نَقَرَني ثلاثَ نَقَراتٍ، فاستَعبَرتُ أسماءَ، فقالت: يَقتُلُكَ عبدٌ أعجمي، فإنْ أَهلِكَ؛ فإنَّ أَمرَكم إلى هؤلاءِ السِّتَّةِ، الذين تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ: عثمانُ بن عفَّان، وعليٌّ بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزُّبيرُ بن العوام، وطلحةُ بن عبيد الله، وسعدُ بن مالك، وإنْ عِشتُ فسأَعهَدُ عَهدًا لا تَهلَكوا، ألا، ثم إنَّ الرَّجم (¬1) قد رَجَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورَجَمنا بعدَهُ، ولولا أن تقولوا: كَتَبَ عمرُ ما ليس في كتاب الله لَكَتَبتُهُ، قد قَرَأنا في كتابِ اللهِ: «الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيَا فارجُمُوهُمَا البتَّةَ نَكَالاً من اللهِ، واللهُ عزيزٌ حكيمٌ»، نَظَرتُ إلى العمَّةِ وابنةِ الأخِ، فما جَعَلتُهُما وَارِثَين، ولا يَرِثَا، وإنْ أَعِشْ؛ فسأَفتَحُ لكم منه طريقًا تَعرفونَهُ، وإنْ أَهلِكَ؛ فاللهُ خليفتي، وتختارون رأيَكُم، إنِّي قد دَوَّنتُ الدِّيوانَ، ومَصَّرتُ الأمصارَ، وإنما أتخوَّف عليكم أحدَ رجلينِ: رجلٌ تأوَّلَ القرآنَ على غير تأويلِهِ، فيُقاتِلُ عليه، ورجلٌ يرى أنَّه أَحقُّ بالمُلكِ من صاحبِهِ، فيُقاتِلُ عليه. تَكلَّم بهذا الكلامِ يومَ الجمعةِ، ومات -رضي الله عنه- يومَ الأربعاءِ. وهذا الحديث / (ق 238) حسن؛ لأنَّ له شواهدَ من أحاديثَ متعددة تَقَدَّمت، وستأتي، إن شاء الله تعالى. ¬
أثر آخر (649) قال البخاري في كتاب المغازي (¬1): حدثني إسماعيل بن عبد الله، حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: خَرَجتُ مع عمرَ بن الخطاب إلى السُّوق، فلَحِقَتْ عمرَ امرأةٌ شابَّةٌ، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، هَلَك زوجي، وترك صِبيةً صغارًا، والله ما يُنضِجونَ كُراعًا (¬2)، ولا لهم زرعٌ، ولا ضَرعٌ، وخَشِيتُ أنْ تأكلَهم الضَّبُع، وأنا ابنةُ خُفَاف بن إيماء بن رَحضة الغفاري، وقد شَهِدَ أبي الحديبيةَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فوقف معها عمرُ، ولم يمضِ، ثم قال: مرحبًا بنَسَبٍ قريبٍ، ثم انصرَفَ إلى بعيرٍ ظَهيرٍ، كان مربوطًا في الدَّار، فحمل عليه غِرارتين ملأهما طعامًا، وحَمَلَ بينهما نفقةً وثيابًا، ثم ناولها بخطامِهِ، ثم قال: اقْتَادِيهِ، فلن يَفنى حتى يأتيكِ اللهُ بخيرٍ. فقال رجل: يا أميرَ المؤمنين، أَكثَرتَ لها. فقال عمرُ رضي الله عنه: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، والله إنَّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصَرَا حِصنًا زمانًا، فافتَتَحَاهُ، ثم أصبحنا نَستَفِيء سُهمانَهُما فيه. انفرد به البخاري. وقولها: وخَشِيتُ أنْ تأكلَهم الضَّبُعُ: أي يَهلَكوا في هذه السَّنَةِ المَحلِ، فإنَّ السَّنةَ المُمحِلَةَ تسمَّى الضَّبُعُ لغةً. ¬
حديث آخر (650) قال البخاري أيضًا (¬1): ثنا يحيى بن بُكَير، / (ق 239) ثنا اللَّيث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: وقال ثعلبة بن أبي مالك: إنَّ عمرَ بن الخطاب قَسَمَ مُرُوطًا بين نساءٍ من نساءِ أهلِ المدينةِ، فبَقِيَ منها مِرطٌ جيِّدٌ، فقال له بعضُ من عندَه: يا أميرَ المؤمنين، أعطِ هذا ابنةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم التي عندك -يريدون: أُمَّ كلثوم بنتَ عليٍّ بن أبي طالب-. فقال عمرُ رضي الله عنه: أُمُّ سَلِيطٍ أحقُّ به. -وأُمُّ سَلِيط من نساءِ الأنصارِ ممَّن بايع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم-. قال عمرُ: فإنها كانت تَزفِرُ -أي: تحمل (¬2) - لنا القِرَبَ يومَ أُحُدٍ. ورواه البخاري -أيضًا- (¬3)، عن عَبْدان، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، به. أثر (¬4) آخر (651) قال الحافظ أبو يعلى (¬5): ثنا زُهَير، ثنا زيد بن الحُبَاب، ثنا عمر (¬6) بن سعيد بن أبي حسين، ثنا عبد الله بن أبي مُلَيْكَة، عن ذكوان مولى ¬
عائشة، عن عائشةَ: أنَّ دُرْجًا أتى عمرَ بن الخطاب، فنظر إليه أصحابُهُ، فلم يعرفوا قيمتَهُ، فقال: أتأذنون أن أَبعثَ به إلى عائشةَ؛ لِحُبِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إِيَّاها؟ قالوا: نعم. فأتي به عائشة -رضي الله عنها-، فَفَتَحته، فقيل: هذا أَرسَلَ به إليكِ عمرُ بن الخطاب. فقالت: ماذا فَتَحَ عليَّ ابنُ الخطاب بعدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟! اللهمَّ لا تُبقِنِي لعطية قابل. إسناده جيد، وقد اختاره الضياء في كتابه (¬1). والدُّرْج ههنا هو: الصُّندوق. / (ق 240) أثر آخر (652) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬2): ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بِشر بن موسى، ثنا خلاَّد بن يحيى، ثنا هارون بن أبي إبراهيم، عن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير (¬3) قال: بينما الناسُ يأخذون أُعطياتهم بين يدي عمرَ -رضي الله عنه-، إذ رفع رأسَه، فنظر إلى رجلٍ في وجهه ضَربة، قال: فسأله، فأَخبَرَه أنَّه أصابته في غَزَاةٍ كان فيها، فقال: عُدُّوا له ألفًا، فأُعطي الرَّجلُ ألفَ درهمٍ (¬4)، ثم قال: عُدُّوا له ألفًا، فأُعطي ألفًا أخرى، ثم قال له ذلك أربع مرات، كلُّ ذلك يُعطيه ألفَ درهمٍ، فاستحيا ¬
الرَّجلُ من كثرة ما يُعطيه، فخَرَج. قال: فسأل عنه، فقيل له: إنَّا رأينا أنَّه استحيا من كثرة ما أُعطي، فخَرَج. فقال: أما واللهِ لو أنَّه مكث ما زلتُ أُعطيه ما بقي منها درهم، رجلٌ ضُرِبَ ضربةً في سبيل الله حَفَرت في وجهه. هذا أثر حسن، وفيه انقطاع. أثر آخر (653) قال الحافظ أبو بكر الخطيب (¬1): أخبرني أحمد بن علي بن محمد المحتسِب، ثنا عمر بن القاسم المُقرئ، ثنا محمد بن مَخلد العطَّار، ثنا محمد بن أبان العَلاَّف، ثنا عامر بن سيَّار، ثنا سليمان بن أرقم، عن الحسن: أنَّ عمرَ بن الخطاب وعثمانَ بن عفَّان -رضي الله عنهما- كانا يرزقان المؤذِّنين، والأئمَّة، والمُعلِّمين، والقُضاة. أثر آخر (654) قال الحافظ أبو بكر الباغَندي: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حسين بن علي، عن إسرائيل، عن / (ق 241) الحسن قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: السَّنَةُ ثلاثُمائةٍ وستون يومًا، وإنَّ حقًّا على عمرَ أن يَكسَحَ (¬2) بيتَ المال في كلِّ سَنَةٍ يومًا، عُذرًا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ أنِّي لم أدع فيه شيئًا (¬3). ¬
أثر آخر (655) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): حدثني المثنىَّ بن معاذ، ثنا بِشر بن المُفضَّل، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة (¬2) قال: كان مُعيقيب على بيت مال عمر، فكَسَحَ (¬3) بيتَ المالِ يومًا، فوجد فيه درهمًا، فدفعه إلى ابنٍ لعمرَ، قال مُعيقيب: ثم انصرفت إلى بيتي، فإذا رسولُ عمرَ قد جاءني يدعوني، فإذا الدرهمُ في يده. فقال: ويحك يا مُعيقيب! أَوَجَدتَ عليَّ في نفسك شيئًا، أو مالي ولك؟! قلت: وما ذاك؟ قال: أردتَ أن تخُاصِمَني أُمَّةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في هذا الدرهمِ يومَ القيامةِ. فيه انقطاع بيِّن. أثر آخر (656) قال حنبل بن إسحاق (¬4): ثنا خالد بن خِدَاش (¬5)، ثنا حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري: أنَّ عمرَ كَسَا أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثيابًا (¬6)، فلم يكن فيها ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن، فأتى لهما بكِسوة، وقال: الآن طابت نفسي. منقطع. ¬
أثر آخر (657) قال سيف بن عمر التَّميمي (¬1)، عن عبد الملك بن عُمَير قال: أصاب المسلمون يوم المدائن بُهار كِسرى (¬2)، ثَقُلَ عليهم أن يذهبوا به، وكانوا يعدُّونه للشتاء إذا ذهبت الرَّياحين، / (ق 242) وكانوا إذا أرادوا الشُّرب شربوا عليه، فكأنَّهم في رياض بِسَاط واحد ستين في ستين، أرضه بذَهَب، ووَشْيه بفصوص، وثمره بجوهر، ووَرقه بحرير وماء ذهب، فلمَّا قَسَمَ سعد فَيئهم فضل عنهم، ولم يَتَّفِق قَسمُهُ، فجمع سعد المسلمين، فقال: إنَّ اللهَ قد ملأ أيديكم، وقد عَسُرَ قَسمُ هذا البِساط، ولا يقوى على شرائه أحد، وأرى أن تطيبوا به أَنفُسًا لأمير المؤمنين، يَضَعُهُ حيث شاء. ففعلوا. فلمَّا قَدِمَ على عمرَ بالمدينة رأى رؤيا، فجمع الناسَ، فحَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، واستشارهم في البِساط، وأَخبَرَهم خبرَه، فمن بين مُشير بقبضه، وآخر مُفوِّض إليه، وآخر مُرقِّق. فقام عليٌّ -رضي الله عنه- حين رأى عمرَ يأبى حتى انتهى إليه، فقال: لم تجعل علمَكَ جَهلاً! ويقينَكَ شكًّا! إنَّه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيتَ فأمضيتَ، أو لَبِستَ فأبليتَ، أو أكلتَ فأفنيتَ. فقال: صدقتني. فقطَّعه، فقَسَمه بين الناس، فأصاب عليًّا -رضي الله عنه- قطعةً منه، فباعها بعشرين ألفًا، وما هي بأجودَ تلك القطع. هذا أثر مشهور، وإسناده ههنا فيه انقطاع. ¬
أثر آخر (658) قال الشيخ الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (¬1): أنا محمد بن أبي منصور (¬2)، أنا أبو الحسين بن يوسف، أنا محمد بن علي بن صخر القاضي، ثنا أبو الحُبَاب (¬3) أحمد بن الحسن بن أيوب، ثنا أبو رَوق / (ق 234) الهَزَّاني، ثنا القاسم بن محمد بن عبَّاد المهلَّبي، ثنا موسى بن المثنىَّ بن سَلَمة بن المحبَّق الهُذَلي، عن أبيه، عن جدِّه قال: شهدتُ فتحَ الأُبُلَّة (¬4)، وأميرنا قطبة بن قتادة السَّدوسي، فاقتُسِمَت المغانمُ، فدُفِعت إليَّ قِدرٌ من نحاس، فلمَّا صارت في يَدَيَّ تبيَّن لي أنها ذهبٌ، وعَرَفَ ذلك المسلمون، فشكوني (¬5) إلى أميرنا، فكَتَب إلى عمرَ بن الخطاب يخبره بذلك، فكَتَب إليه عمرُ: أَصبِرْ يمينَه (¬6) أنه لم يعلم أنها ذهب إلا بعد ما صارت إليه، فإنْ حَلَف فادفعها إليه، وإنْ أَبَى فاقسمها بين المسلمين. فحَلَف، فدَفَعها إليه، فكان فيها أربعون ألفَ مثقالٍ. قال جدِّي: فمنها أموالنا التي نتوارثها اليوم. هذا أثر غريب، وحُكمه أغرب منه. ¬
أثر آخر (659) قال حنبل بن إسحاق (¬1): ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا عامر بن شقيق، أنَّه سَمِعَ أبا وائل يقول: استعملني ابنُ زياد على بيت المال، فأتاني رجلٌ بصَكٍّ، فقال فيه: أعطِ صاحبَ المطبخِ ثمانمائة درهم، فقلت له: مكانك، ودخلتُ على ابن زياد، فحدَّثتُه، فقلت: إنَّ عمرَ استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وعثمانَ بن حنيف على ما سقى الفُرَات، وعمَّارَ بن ياسر على الصلاة والجند، ورَزَقهم كلَّ يوم شاة، فجعل نصفها وسَقَطَها وأكارِعَها لعمَّار؛ لأنَّه كان على الصلاة والجند، وجعل لعبد الله بن مسعود رُبُعَها، وجعل لعثمان بن حَنيفٍ رُبُعَها. ثم قال: إنَّ مالاً يؤخذ منه كلَّ يومٍ شاةٌ، إنَّ ذلك فيه لسريعٌ. قال ابن زياد: ضع المفتاحَ، واذهب / (ق 244) حيثُ شئتَ. هذا إسناد صحيح. أثر آخر (660) قال عبد الله بن المبارك (¬2): ثنا جرير بن حازم قال: سَمِعتُ نافعًا يقول: أصاب الناسُ فتوحًا في الشَّام، منهم بلال، -وأظنه ذَكَر معاذًا- فكتبوا إلى عمرَ: إنَّ هذا الفَيءَ لك خُمُسَه، ولنا ما بقي، ليس ¬
لأحد فيه شيء، كما صنع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فكتب عمرُ رضي الله عنه: إنَّه ليس على ما قلتم، ولكنِّي أَقِفُها للمسلمين. فراجعوه، وراجعهم، يأبون، ويأبى، فلمَّا أَبَوا قام فدعا عليهم، فقال: اللهمَّ بلالاً وأصحاب بلال. فما حال عليهم الحَوْل. هذا أثر مشهور، وهو مرسل.
حديث يذكر في باب عقد الذمة وضرب الجزية
حديث يُذكر في باب عقد الذمة وضرب الجزية (661) قال أحمد (¬1): ثنا رَوْح ومؤمَّل قالا: ثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ عشتُ لأُخرِجَنَّ اليهودَ والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أتركَ فيها إلا مسلمًا». ثم رواه أحمد (¬2)، عن عبد الرزاق (¬3)، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سَمِعَ جابر بن عبد الله، عن عمرَ، به. ثم رواه (¬4)، عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمرَ أنه قال: لئن عشتُ -إن شاء الله-، لأُخرجنَّ اليهودَ والنَّصارى من جزيرة العرب. هكذا رواه موقوفًا. وقد رواه مسلم / (ق 245) في «صحيحه» (¬5)، عن أبي خيثمة زُهَير بن حرب، عن رَوْح بن عُبادة، عن الثوري. ومن حديث ابن جريج ومَعقِل بن عبيد الله. ثلاثتهم عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمرَ، مرفوعًا، كما تقدَّم. ¬
ورواه أبو داود (¬1)، والترمذي (¬2)، والنسائي (¬3) من حديث الثوري، به. وأبو داود (¬4) من حديث ابن جريج، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال علي ابن المديني: لا يحفظ عن عمرَ إلا من هذا الوجه، لكن رواه جماعة من الصحابة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬5). وقال الإمام مالك (¬6): وقد أجلى عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- يهودَ نجرانَ، وفَدَك. قال مالك: قال عمرُ (¬7) أجلى أهلَ نجرانَ ولم يُجلَوا من تَيماء؛ لأنها ليست من بلاد العرب، فأمَّا الوادي فإنِّي أَرى أنما لم يُجلَ مَن فيها مِن اليهود، لأنهم لم يروها من أرض العرب. ¬
رواهما أبو داود في كتاب الخراج من «سننه» (¬1)، عن مالك رحمه الله. أثر عن عمر (662) قال محمد بن إسحاق (¬2): فحدَّثني عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن مِكْنَف أخي بني حارثة قال: لما أَخرج عمرُ يهودَ من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار، وخَرَج معه جبَّار بن صَخر بن أُميَّة بن خنساء، أخي بني سَلَمة -وكان خارصَ أهلِ المدينةِ وحاسبَهم-، ويزيد بن ثابت، فهُمَا قَسَما خيبر بين أهلها على أصل جماعة السُّهمان التي كانت عليها ... ، ثم ذَكَر قِسمَتَه لوادي القرى، وماخصَّ كلَّ واحد من أهله، مفصَّلاً في «السِّيرة» (¬3). ¬
ذكر الشروط العمرية في أهل الذمة
ذِكر الشروط العُمرية في أهل الذمة (663) أخبرني شيخنا الإمام الحافظ أبو الحجَّاج يوسف بن عبد الرحمن المزِّي -فيما قرأت عليه-، أنا أبو العباس أحمد بن عبد الكريم بن غازي بن الأغلاقي الواسطي -بقراءتي عليه بالقاهرة سنة ثلاث وثمانين وستِّمائة-، أنا أبو الفضل مُكرم بن محمد بن حمزة بن أبي الصَّقر القرشي، أنا أبو النَّدى حسان بن تَميم بن نصر الزيَّات، أنا الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي -رحمه الله- قال: أنا أبو محمد عبد الله بن الحسن بن طلحة بن إبراهيم بن النحاس التِّنيسي، أنا أبو عبد الله محمد بن بَيَان الكازروني، أنا أبو الفرج الحسين بن عبيد الله بن أحمد الصَّابوني القاضي بالموصل، ثنا أبو عبد الله محمد بن يحيى، ثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، ثنا الرَّبيع بن ثعلب، ثنا يحيى بن عُقبة بن أبي العيزار، عن سفيان الثوري، والوليد / (ق 246) بن نوح، والسَّري بن مصرِّف يَذكرون عن طلحة بن مصرِّف، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غَنم قال: كَتَبتُ لعمرَ بن الخطابِ حين صالح نصارى من أهل الشَّام: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ لعبد الله عمرَ أميرِ المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، أنكم لمَّا قَدِمْتُم علينا، سألناكم الأمانَ لأنفسنَا، وذرارينا، وأموالنا، وأهلِ ملَّتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا: ألا نحدِثَ في مدينتنا، ولا فيما حولها دَيرًا، ولا كنيسة، ولا قَلاَّيةَ (¬1)، ولا صومعةَ راهب، ولا نجدِّدَ ما خَرِبَ منها، ولا نحيي ما كان في خططِ المسلمين، وألا نمنعَ كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين ¬
في ليل ولا نهار، وأن نوسِّعَ أبوابها للمارَّة، وابنِ السبيلِ، وأن نُنزِلَ من مَرَّ بنا من المسلمين ثلاثة أيام نُطعِمُهُم، وألا نُؤوي في كنائسنا، ولا منازلنا جاسوسًا، ولا نكتم غِشًّا للمسلمين، ولا نُعلِّمَ أولادنا القرآن، ولا نُظهرَ شِركًا، ولا ندعو إليه أحدًا، ولا نمنعَ أحدًا من ذَوِي قراباتِنا الدخولَ في الإسلام إن أرادوه، وأن نُوقِّرَ المسلمين، وأن نقومَ لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبَّهَ بهم في شيء من ملابسهم، في قَلنسُوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فَرق شَعر، ولا نتكلَّمَ بكلامهم، ولا / (ق 247) نَكتني بكُناهم، ولا نركبَ السُّروجَ، ولا نتقلَّدَ السُّيوف، ولا نتَّخِذَ شيئًا من السِّلاح، ولا نحملَه معنا، ولا ننقشَ خواتيمنا بالعربية، ولا نبيعَ الخمور، وأن نجُزَّ مقاديمَ رُءوسنا، وأن نلتزمَ دِيننا (¬1) حيث ماكنَّا، وأن نشُدَّ الزَّنانير على أوساطنا، وألا نُظهِرَ الصَّليب على كنائسنا، وألا نُظهِرَ صَلِيبًا (¬2)، أو نجسًا في شيءٍ من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نَضرِبَ بنواقيسنا في كنائسنا، إلا ضربًا خفيفًا، وألا نرفعَ أصواتَنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين، ولا نُخرِجَ سَعَانين (¬3)، ولا باعوثاً (¬4)، ولا نرفعَ أصواتنا مع موتانا، ولا نُظهِرَ النيرانَ معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نجاورَهم بموتانا، ولا نتَّخِذَ من الرَّقيق ما جرى عليه سهامُ المسلمين، وأن نُرشِدَ المسلمين، ولا نطَّلعَ عليهم في منازلهم. ¬
فلمَّا أتيتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- زاد فيه: ولا نضربَ أحدًا من المسلمين. شَرَطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل مِلَّتنا، وقَبِلنَا عليه الأمانَ، فإن نحن خالفنا في شيء ممَّا شرطنا لكم وَوَصفنا على أنفسنا؛ فلا ذِمَّة لنا، وقد حلَّ لكم منَّا ما يحِلُّ لكم من أهل المعاندة والشِّقاق. وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في «سننه الكبير» (¬1)، عن أبي طاهر الفقيه، عن أبي الحسن / (ق 248) علي بن محمد بن سَخْتُويه، عن أبي بكر يعقوب بن يوسف المطَّوِّعي، عن الربيع بن ثعلب، فذكر بإسناده مثله، سوى ما بيَّنته في الحاشية، ولله الحمد. وهكذا رواه الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زَبر -قاضي دمشق- في جزء جمعه في الشروط العمرية (¬2)، عن محمد بن هشام بن البَختَري أبي جعفر المستملي، عن الربيع بن ثعلب الغَنَوي، به، مثلَه. ثم قال (¬3): ووَجَدتُ هذا الحديثَ بالشَّام، رواه عبد الوهاب بن نَجدة الحَوطِي، عن محمد بن حِميَر، عن عبد الملك بن حميد بن أبي غَنيَّة، عن السَّري بن مصرِّف، وسفيان الثوري، والوليد بن نوح، عن طلحة بن مصرِّف، عن مسروق بن الأَجدع، عن عبد الرحمن بن غَنم قال: كَتَبتُ لعمرَ بن الخطاب حين صالحه نصارى أهل الشَّام، فذَكَر مثله سواءً بطوله، فتَعَجبتُ من اتفاق ابن أبي غَنيَّة ويحيى بن عُقبة على روايته عن هؤلاء الثلاثة بأعيانهم، حتى كأن أحدهما أخذه من الآخر، والله أعلم. ¬
قال (¬1): ورأيتُ هذا الحديثَ في كتاب رجل من أصحابنا بدمشق، ذَكَر أنَّه سَمِعَه من محمد بن ميمون بن معاوية الصُّوفي بطبرية، بإسناد ليس بمشهور، ينتهي إلى إسماعيل بن مُجالِد، حدثني سفيان الثوري، عن طلحة بن مصرِّف، عن مَسروق، عن عبد الرحمن بن غَنم ... ، فذَكَره بطوله. وقال فيه: ولا نتشبَّهَ بهم في شيء من لباسهم، في قَلنسُوة، ولا / (ق 249) عمامة، ولا سراويل ذات خَدَمة، ولا نعلين ذات عَذَبة، ولا نمشي إلا بزُّنَّار من جِلد، ولا يوجد في بيت أحدنا سلاح إلا انتُهِبَ. ثم قال (¬2): وما رأيتُ هذه الزيادةَ فيما وقع إلينا في شيءٍ من عهودِ عمرَ بن الخطاب، وهي مرويَّةٌ عن عمرَ بن عبد العزيز. طريق أخرى (664) ثم قال ابن زَبر (¬3): ثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، ثنا أبي، ثنا بقيَّة بن الوليد، عن عبد الحميد بن بَهرام، عن شَهر بن حَوشب، عن عبد الرحمن بن غَنم: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب على النصارى حين صولحوا: بسم الله الرحمن الرحيم ... ، فذَكَر مثلَه، أو نحوَه. طريق أخرى (665) قال ابن زَبر (¬4): وذَكَر أحمد بن علي المصِّيصي -المعروف بالحُطَيطي، ومسكنه بكَفْر بَيَّا (¬5) -: أنَّ مخزوم بن حميد بن خالد حدَّثهم ¬
عن أبيه حميد بن خالد، عن خالد بن عبد الرحمن، عن عبد السلام بن سلامة بن قيصر الحضرمي، كذلك كان في العهد الذي عهده عمرُ بن الخطاب إلى سلامة بن قيصر في سنة ست من خلافة عمر: هذا عهدُ عمرَ بن الخطاب الذي أودعه سلامة بن قيصر على أنهم اشترطوا على أنفسهم بهذا الشَّرط، طلبنا إليك الأمانَ لأنفسنا، وأهلِ مِلَّتِنا ... ، وذَكَر مثلَ حديث عبد الرحمن بن غَنم. فهذه طرق يشدُّ بعضها بعضًا، وقد ذَكَرنا شواهد هذه الشروط، وتكلَّمنا عليها مُفرَدَة، ولله الحمد (¬1). أثر فيه حديث (666) قال محمد بن سعد في «الطبقات» (¬2): أنا علي بن محمد -يعني المدائني-، عن أبي مَعشر، عن يزيد بن رومان. (ح) وأنا علي ¬
بن محمد بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، وعكرمة بن خالد، وعاصم بن عمر بن قتادة. (ح) وأنا يزيد بن عياض بن جُعدُبة، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم من أهل العلم، يزيد بعضهم على بعض، قالوا: (وَفدُ نَجران) ... ، فذَكَر قصتَهم، وإقرارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إيَّاهم على ما هم عليه، وأخذه منهم الجزية بعد نكولهم عن المباهلة. إلى أن قال: وأقام أهلَ نَجران على ما كَتَب لهم به رسولُ الله حتى قبضه اللهُ، ثم وَلِيَ أبو بكرٍ الصِّديق، فكَتَب بالوصاة بهم عند وفاته، ثم أصابوا ربًا، فأخرجهم عمرُ بن الخطاب من أرضهم، وكَتَب لهم: هذا ما كَتَب عمرُ أمير المؤمنين لنجرانَ: أنَّ من سار منهم، أنَّه آمن بأمان الله، لا يضرهم أحدٌ من المسلمين، ووفاءً لهم بما كَتَب لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، أمَّا بعد: فمن وقعوا به من أمراء الشام وأمراء العراق؛ فليُوَسّعهم من خراب (¬1) الأرض، فما اعتملوا من ذلك، فهو لهم صدقةٌ، وعُقبةٌ لهم مكانَ أرضهم، لا سبيلَ عليهم فيها لأحدٍ، ولا مَغرمٍ. أمَّا بعد: فمن حَضَرهم من رجل مسلم؛ فليَنصرهم على مَن ظلمهم، فإنَّهم أقوامٌ لهم الذِّمَّة، وجِزيتهم عنهم متروكةٌ أربعةً وعشرينَ شَهرًا بعد أن تقدموا، ولا يُكلَّفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا، غيرَ مظلومين، ولا معنوفٍ عليهم. شَهِدَ عثمانُ بن عفان، ومُعيقيبُ بن أبي فاطمة، فوقع ناسٌ منهم بالعراق، فنزلوا ... (¬2). ¬
(667) ... (¬1) عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح الهُذَلي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صالحَ أهلَ نجرانَ، فكَتَب لهم كتابًا ... ، فذَكَره، وفيه: على ألا تأكلوا الرِّبا، فمَن أكل الرِّبا من ذي قبلُ، فذمَّتي منهم بريئةٌ. ثم ذَكَر (¬2) عن أبي بكرٍ وعمرَ -رضي الله عنهما- نحو ما تقدَّم. أثر آخر (668) / (ق 250) قال الحسن بن عرفة (¬3): ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن زيد بن رُفَيع، عن حَرَام بن معاوية قال: كَتَب إلينا عمرُ بن الخطاب: أن أدِّبُوا الخيلَ، ولا يُرفعنَّ بين ظَهْرانيكم الصُّلُب، ولا تجاورنَّكم الخنازيرُ. إسناد جيد. وأدِّبوا من التأديب، هذا هو المشهور، ويُروى: أَدئبوا: أي: أتعبوها في السَّوق ونحوه من وجوه السِّباق وغيره. ¬
حديث آخر (669) قال القاضي أبو محمد بن زَبر رحمه الله (¬1): حدثنا أحمد بن عبد الجبار العُطَاردي، حدثني أبي، ثنا سعيد بن عبد الجبار، عن سعيد بن سنان، ثنا أبو الزَّاهرية، عن كثير بن مُرَّة الحضرمي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُبنَى بَيعةٌ في الإسلام، ولا يُجدَّدُ ما خَرِبَ منها». هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعًا، تفرَّد به سعيد بن عبد الجبار هذا، وهو حمصي ضعيف (¬2). وشيخه -أيضًا- من أهل بلده ضعيف مثله (¬3). وقد روي مرسلاً من وجه آخر، بنحوه، والصحيح: أنه موقوف، ¬
كما رواه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عمرَ (¬1). وكذا رواه مُجالِد، عن الشَّعبي (¬2)، عن عمرَ، والله أعلم. أثر آخر (670) قال مالك (¬3): عن نافع، عن أسلم: أنَّ عمرَ ضرب الجزيةَ على أهلِ الذَّهبِ أربعةَ دنانيرَ، وعلى أهل الوَرِق أربعينَ درهمًا، مع ذلك أرزاقُ المسلمين، وضيافةُ ثلاثةِ أيامٍ. إسناد صحيح. أثر آخر (671) قال أبو عبيد في كتاب «الأموال» (¬4): ثنا النضر بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن خليفة بن قيس قال: قال عمرُ بن الخطاب: يا يَرفَأ، اكتُب إلى أهل الأمصار في أهل الكتاب: أن يجُزُّوا ¬
نواصيَهم، وأن يربطوا الكُستِيجات (¬1) في أوساطهم، ليُعرَفَ زِيُّهم من زِيِّ أهلِ الكتابِ (¬2). أثر آخر (672) قال أبو عبيد (¬3): ثنا عبد الرحمن (¬4)، عن عبيد الله (¬5) بن عمر، عن نافع، عن أسلم: أنَّ عمرَ أمر في أهل الذِّمَّة أن يجُزُّوا نواصيَهم، وأن يركبوا على الأَكُفِّ، وأن يركبوا عَرضًا، لا يركبوا كما يركب المسلمونَ، وأن يوثِّقوا المناطق (¬6). قال أبو عبيد: يعني: الزَّنانير (¬7). ¬
أثر آخر (673) قال سفيان الثوري في «جامعه»: عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن أسلم قال: كَتَب عمرُ إلى الأجناد: أنِ اختموا أهلَ الجزية في رقابِهِم. رواه أبو عبيد (¬1)، عن أبي المنذر، ومصعب بن المِقدام. كلاهما عن الثوري، به. وهو منقطع جيد (¬2). أثر آخر (674) روى البيهقي (¬3) بإسناد صحيح، عن الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينار قال: قال عمرُ: لا تعلَّموا رطانةَ الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يومَ عيدِهِم، فإنَّ السُّخطةَ تنزلُ عليهم. وقد روي عن عطاء بن أبي رباح، قولَه: (675) كما قال وكيع (¬4): ثنا ثور، عن عطاء قال: لا تعلَّموا رطانةَ الأعاجمِ، ولا تدخلوا عليهم كنائسَهم، فإنَّ السُّخطَ ينزلُ عليهم. ¬
أثر آخر (676) قال ابن أبي شيبة في «المصنَّف» (¬1): أنا وكيع، عن أبي هلال، عن ابن بُرَيدة قال: قال عمرُ: ما تعلَّمَ الرَّجلُ بالفارسية إلا خَبَّ (¬2)، ولا خَبَّ إلا نَقَصَت مروءته. حديث في ذلك (677) روى الحافظ أبو طاهر السِّلَفي (¬3) بإسناده إلى أبي سهل محمود بن عمر العُكبري، ثنا محمد بن الحسن بن محمد المقرئ، ثنا أحمد بن الخليل ببلخ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الجُرَيري، ثنا عمر بن هارون، عن أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله: «مَن كان يُحسِنُ أن يَتكَلَّمَ بالعربيةِ فلا يَتكَلَّمُ بالفارسيةِ، فإنه يورِثُ النفاقَ». وهذا حديث غريب منكر، بل موضوع مكذوب، والصحيح: أنه من ¬
قول عمرَ، كما تقدَّم، والله أعلم (¬1). / (ق 251) أثر آخر (678) روى الحافظ أبو بكر البيهقي في «سننه الكبير» (¬2) من حديث عياض الأشعري، عن أبي موسى الأشعري: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- أمره أن يرفعَ إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد، وكان لأبي موسى كاتبٌ نصراني، فرفع (¬3) إليه ذلك، فعجب عمرَ، وقال: إنَّ هذا لحافظٌ. وقال: إنَّ لنا كتابًا في المسجد، وكان جاء من الشَّام، فادعه، فليقرأه. فقال أبو موسى، إنَّه لا يستطيع أن يَدخل المسجدَ. فقال عمرُ: أَجُنُبٌ؟ قال: لا، بل نصراني. قال: فانتهرني، وضرب فخذي، وقرأ: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين} (¬4). ففيه: أنه لا يجوز توليتُهم على شيء من أعمال المسلمين، وأنهم لا يمكَّنون من دخول المساجد، وأنَّ المسجدَ لا يَدخلُهُ جُنُبٌ، والله أعلم. ¬
أثر آخر (679) قال أبو عبيد (¬1): [ثناه الأنصاري] (¬2)، عن أبي عَقيل بشير بن عُقبة، عن الحسن، عن عمرَ قال: لا تشتروا رقيقَ أهلِ الذِّمَّةِ وأَرَضِيهِم. فقلت للحسن: ولم؟ قال: لأنهم فَيءُ المسلمين. قال أبو عبيد: فهذا تأويل الحسن، وقد جاء عن عمرَ تفسير أصحُّ مما قال الحسن: (680) ثناه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن سفيان (¬3) العُقيلي، عن أبي عياض، عن عمرَ قال: لا تشتروا رقيقَ أهلِ ¬
الذِّمَّةِ، فإنَّهم أهلُ خراجٍ يؤدِّي بعضُهم عن بعض، وأَرَضِيهِم فلا تبتاعوها، ولا يَقِرَّن أحدُكم بالصَّغار بعد إذ نجاه اللهُ منه. ثم قال: فمعنى قوله: يؤدِّي بعضُهم عن بعض: أنَّ الذِّمِّي إذا كان له عبيدٌ وأراضي كَثُرت عليه الجزيةُ بحسب اليسار، والله أعلم. أثر آخر في وصيةِ عمر التي رواها البخاري، كما سيأتي (¬1): وأُوصِي الخليفةَ من بعدي بذمَّةِ اللهِ، وذمَّةِ رسولِه: أن يُوفي لهم بعهدهم، وأن يُقاتلَ من ورائهم، ولا يكلَّفوا إلا طاقتَهم. أثر آخر (681) قال عبد الله بن وهب (¬2): حدثني جرير بن حازم، عن مُجالِد، عن الشَّعبي، عن سُوَيد بن غَفَلة: أنَّ يهوديًّا جاء إلى عمرَ بن الخطاب وهو ¬
بالشَّام يستعدي على عوف بن مالك الأشجعي أنه ضَرَبه وشَجَّه، فسأل عمرُ عوفًا عن ذلك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، رأيته يسوق بامرأة مسلمة، فنَخَسَ الحمارَ ليصرَعَها، فلم تُصرَع، ثم دفعها، فخَرَّت عن الحمار، فغشيها، ففعلتُ ما ترى. فذهب إليها عوف، فأَخبَرَها بما قال لعمرَ، فذهبت لتجيءَ معه، فانطلق أبوها وزوجها، فأخبرا عمرَ بذلك. قال: فقال عمرُ لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم. فأمر به فصُلِبَ، ثم قال: يا أيُّها الناسُ، فُوا بذمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فمن فعل منهم هذا؛ فلا ذمَّة له. قال سُوَيد بن غَفَلة: فإنه لأوَّل مصلوب رأيته. قال البيهقي: ورواه ابن أشوع، عن الشَّعبي، عن عوف.
حديث في الهدنة
حديث في الهدنة (682) في «صحيح البخاري» (¬1) من حديث عروة بن الزُّبير، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة ومروان بن الحكم: أنَّ رسولَ الله / (ق 252) صلى الله عليه وسلم لمَّا صالح المشركين عامَ الحديبيةِ على وَضع الحربِ بينهم، وأنَّه لا إسلالَ (¬2)، ولا إغلالَ (¬3)، وأنَّه من جاءك منَّا مسلمًا رَدَدتَه علينا، ومَن جاء من عندكم لا نَردُّهُ عليهم (¬4)، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أجابهم إلى ذلك كلِّه. فقال له عمر: يا رسولَ الله، ألستَ نبيَّ الله حقًّا؟ قال: «بلى». قال: ألسنا على الحقِّ، وعدوُّنا على الباطل؟ قال: «بلى». قال عمرُ: قلت: فلِمَ نُعطِي الدَّنيَّة في ديننا إذًا؟ قال: «إنِّي رسول الله، ولستُ أَعصيه، وهو ناصري». قلت: أو ليس كنتَ تحدِّثنا أنَّا سنأتي البيتَ، ونَطوفُ به؟ قال: «بلى، فأخبرتُكَ أنَّك تأتيه العامَ؟» قلت: لا. قال: «فإنَّكَ آتِيهِ، ومُطَّوِّفٌ به». قال: فأتيتُ أبا بكرٍ، فقلت: يا أبا بكرٍ، أليس هذا نبيَّ الله حقًّا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقِّ، وعدوُّنا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلِمَ نُعطي الدَّنيَّةَ في ديننا إذاً؟ قال: أيُّها الرجلُ، إنَّه رسولُ الله، وليس يعصي ربَّه، وهو ناصرُهُ، فاستمسكْ بغَرْزِهِ، فواللهِ إنَّه على الحقِّ. قلت: أليس كان يحدِّثنا أنَّا سنأتي البيتَ، ونطوفُ به؟ قال: بلى. أفأخبَرَكَ أنَّك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنَّك تأتيه، ومُطَّوِّفٌ به. قال عمرُ رضي الله عنه: فعَمِلتُ لذلك أعمالاً. ¬
قال بعض العلماء: معنى قوله: فعَمِلتُ لذلك أعمالاً: أي: لتكفِّرَ عنيِّ ما اجترأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السُّؤال في ذلك الوقت، والله أعلم. حديث آخر (683) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو موسى، ثنا يونس بن عبيد الله العُمَيري أبو عبد الرحمن، ثنا مبارك بن فَضَالة، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال عمرُ (¬2): اتَّهموا الرأيَ في الدِّين، فلقد رأيتُني أرادُّ أمرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما آلو عن الحقِّ، وذلك يومَ أبي جَندل، والكتابُ بين يدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأهلِ مكةَ، فقال: «اكتُبُوا: بسم الله الرحمن الرحيم». قالوا: تُرانا إذًا قد صدَّقناك بما تقول، ولكنَّا نَكتب: باسمك اللهمَّ. قال: فرضي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبيتُ عليهم، حتى قال: «يا عمرُ،تُراني قد رضيتُ وتأبى أنتَ؟!». قال: فرضيتُ. ¬
هذا حديث حسن، وإسناد جيد (¬1)، ويونس العُمَيري هذا: قال فيه أبو زرعة (¬2): لا بأس به. أثر آخر (684) قال مالك (¬3): عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ كان يأخذُ من النَّبطِ (¬4) من الحنطةِ والزيتِ نصفَ العُشْرِ -يريد بذلك أن يَكثُرَ الحملُ إلى المدينة-، ويأخذُ من القِطنيَّةِ (¬5) العُشْرَ. صحيح. ¬
آثار في حكم أرض السواد
/ (ق 253) آثار في حكم أرض السَّواد (685) قال سعيد بن منصور (¬1): ثنا هشيم، أنا العوَّام بن حَوشب، ثنا إبراهيم التَّيمي قال: لما افتتح المسلمون السَّوادَ، قالوا لعمرَ: اقْسِمهُ بيننا. فأَبَى، فقالوا: إنَّا افتتحناها عَنوةً. قال: فما لمن جاء بعدَكم من المسلمين؟ فأخافُ أن تفاسدوا (¬2) بينكم في المياه، وأخافُ أن تقتتلوا، فأقرَّ أهلَ السَّوادِ في أرضِهِم، وضرب على رؤوسِهِم الضرائبَ -يعني: الجزيةَ-، وعلى أرضهم الطَّسقُ -يعني: الخراجَ-، ولم يَقسمها بينهم. هذا أثر جيد، وفيه انقطاع. أثر آخر (686) قال عبد الله بن المبارك (¬3): عن ابن لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب (¬4) قال: كَتَب عمرُ إلى سعد حين افتتح العراقَ: أمَّا بعدُ، فقد بَلَغني كتابُك، تذكرُ أنَّ الناسَ سألوك أن تَقسم بينهم مغانِمَهم وما أفاء اللهُ عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فانظُر ما أجلبَ الناسُ به عليك إلى العسكر من كُرَاعٍ (¬5)، ¬
أو مالٍ، فاقْسِمهُ بين مَن حضر من المسلمين، واترك الأرضين والأنهارَ لعُمَّالها؛ ليكونَ ذلك في أُعطياتِ المسلمينَ، فإنَّك إن قَسَمتها بين مَن حَضَر لم يكن لمن بَقِيَ بعدَهم شيءٌ. وهذا -أيضًا- معضل. أثر آخر (687) قال وكيع (¬1): عن ابن أبي ليلى، عن الحكم (¬2): أنَّ عمرَ بن الحكم (¬3) بَعَث عثمانَ بن حَنيف يمسحُ السَّوادَ، فوَضَع على كل جَريبٍ (¬4) عامرٍ، أو غامرٍ (¬5) / (ق 254) حيث يناله الماءُ قفيزًا ودرهمًا -قال وكيع: يعني: الحنطة والشَّعير-، ووضع على جَريبِ الكَرمِ عشرةَ دراهمٍ, وعلى جَريبِ الرِّطابِ خمسةَ دراهمٍ. معضل أيضًا (¬6). ¬
آخر (688) قال أبو عبيد في كتاب «الأموال» (¬1): ثنا إسماعيل بن مُجالِد، عن أبيه، عن الشَّعبي (¬2): أنَّ عمرَ بعث عثمان بن حَنيف، فمسحَ السَّوادَ، فوجده ستةً وثلاثين ألفَ ألفِ جَريبٍ، فوضع على كل جريبٍ درهمًا وقفيزًا. وهذا منقطع أيضًا. أثر آخر (689) روى أبو بكر البيهقي (¬3) من حديث الشَّعبي، عن عُتبة بن فَرقد قال: اشتريتُ عشرةَ أجربةٍ من أرضِ السَّوادِ على شاطيءِ الفراتِ لقَضبِ دوابي، فذَكَرت ذلك لعمرَ، فقال: ممَّن اشتريتَها؟ قال: من أهلها. قال: ¬
فهؤلاء أهلُها -للمسلمين-، أبعتُمُوه شيئًا؟ قالوا: لا. قال: اذهب، فاطلُب مالَكَ. أثر آخر (690) قال قتادة، عن أبي مِجْلَز قال: بعث عمرُ بن الخطاب عمَّارًا، وابنَ مسعود، وعثمانَ بن حَنيف إلى الكوفة، فعمَّارُ على الجيوش، وابنُ مسعود على القضاء وعلى بيت المال، وعثمانُ بن حَنيف على مساحة الأرض. قال: فوضع عثمانُ بن حَنيف على جَريبِ الكَرمِ عشرةَ دراهمٍ، وعلى جَريبِ النَّخلِ ثمانيةَ دراهمٍ، وعلى جَريبِ القَضبِ (¬1) ستةَ دراهمٍ، / (ق 255) وعلى جَريبِ البُرِّ أربعةَ دراهمٍ، وعلى جَريبِ الشَّعيرِ درهمين، وعلى رءوسِهم على كلِّ رجلٍ أربعةً وعشرينَ، وعَطَّل من ذلك النِّساءَ والصِّبيانَ، وفيما يختلف به من تجاراتِهم نصفُ العُشْرِ. قال: ثم كَتَب بذلك إلى عمرَ، فأجاز ذلك، ورضي به. وقيل لعمر: كيف نأخذُ من تجَّارِ الحربِ إذا قدمُوا علينا؟ فقال: كيف يأخذون منكم إذا أتيتُم بلادَهم؟ قالوا: العُشْرَ. قال: فكذلك خذوا منهم. رواه البيهقي (¬2) بإسناد صحيح إلى قتادة. ¬
أثر آخر (691) قال الإمام الشافعي (¬1): أنا الثقة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: كانت بجِيلة رُبُعَ الناس، فقَسَمَ لهم رُبُع السَّواد، فاستغلُّوه ثلاثًا، أو أربع سنين -أنا شككت-، ثم قَدِمْتُ على عمر، فقال: لولا أنِّي قاسم مسئول؛ لتركتكم على ما قَسَمَ لكم، ولكنِّي أرى أن تَردُّوا على الناس. قال الشافعي رحمه الله: وكان في حديثه: وعاضَني من حقِّي فيه نيِّفًا وثمانين دينارًا. قال الرَّبيع عن الشافعي: ويقولون: إنَّ هذا أثبت حديث عندهم في حكم أرض السَّواد. قلت: وإسناده صحيح، والثقة الذي أبهمه الشافعي الظاهر أنَّه هشيم، فقد روى هذا الأثر هشيم (¬2)، وعبد الله بن المبارك (¬3)، / (ق 256) وسفيان بن عيينة (¬4). ثلاثتهم عن إسماعيل بن أبي خالد، به. ¬
حدود أرض السواد
حدود أرض السَّواد قال أبو عبيد (¬1): ويقال: إنَّ حدَّ السَّواد الذي وقعت عليه المساحة من لدن تخوم الموصل مادًّا مع الماء إلى ساحل البحر ببلاد عبَّادان من شَرقي دِجلة. هذا طوله. فأمَّا عَرضه: فحدُّ مُنقَطَع الجبل من أرض حُلوان إلى منتهى طول (¬2) القادسية المتَّصل بالعُذَيب من أرض العرب. فهذه حدود السَّواد، وعليه وقع الخراج. انتهى كلامه. وقال الكَلبي (¬3): إنما سُمِّيَ السَّواد؛ لأنَّ العرب حين جاءوا نظروا إلى مثل الليل من النَّخل والشَّجر والماء، فسمّوه سوادًا. ¬
كتاب الحدود
كتاب الحدود حديث في الرجم (692) قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (¬1): ثنا هشيم، أنا علي بن زيد، عن يوسف بن مِهران، عن ابن عباس قال: خَطَب عمرُ -وقال هشيم مرَّة: خَطَبنا عمرُ- فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، فذَكَر الرَّجم، فقال: لا تُخدَعُنَّ عنه، فإنَّه حَدٌّ من حدود الله عزَّ وجلَّ، أَلا إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد رَجَم، ورَجَمنا بعده، ولولا أن يقولَ قائلون: زاد عمرُ في كتاب الله ما ليس منه؛ لكتبتُ في ناحيةٍ من المصحف: شَهِدَ عمرُ بن الخطاب. / (ق 257) وقال هشيم مرَّة: وعبد الرحمن بن عوف، وفلان، وفلان: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَجَم، ورَجَمنا بعدَه، أَلا وإنَّه سيكونُ من بعدكم قومٌ يُكذِّبون بالرَّجم، وبالدجَّال، وبالشَّفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النَّار بعد ما امتُحِشُوا (¬2). ¬
هذا الحديث له شاهد في «الصحيح»، كما سيأتي (¬1) في حديث السَّقيفة، وإن كان في سياقه هذا غرابة، فإن عليَّ بن زيد بن جُدعان يأتي بسياقات غريبة (¬2)، والله أعلم بحاله. طريق أخرى (693) قال أحمد (¬3): أنا هشيم، أنا الزهري، عن عبيد الله بن عُتبة بن مسعود قال: أخبرني عبد الله بن عباس قال: حدَّثني عبد الرحمن بن عوف: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَب الناسَ، فسمعه يقول: أَلا وإنَّ أناسًا يقولون: ما بالُ الرَّجمِ في كتابِ اللهِ الجلدُ؟ وقد رَجَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورَجَمنا بعده، ولولا أن يقولَ قائلون، ويتكلَّمَ متكلِّمون: أنَّ عمرَ زاد في كتابِ اللهِ ما ليس منه؛ لأثبتُّها كما نَزَلت (¬4). ¬
ورواه النسائي (¬1) من طرق، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة. ثم رواه النسائي (¬2) من حديث عبيد الله، عن عمرَ، مرسلاً، والمحفوظ الأوَّل. وقد رواه أحمد -أيضًا- (¬3)، عن يحيى القطَّان، عن يحيى الأنصاري، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: إيَّاكم أن تَهلِكوا عن آية الرَّجم ... الحديث. ورواه الترمذي (¬4) من حديث سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، وقال: صحيح (¬5). ورواه النسائي (¬6) من طريق أخرى، عن زيد بن ثابت، عن عمرَ أيضًا. فهذه طرق كالمتواترة إليه. ¬
أثر آخر (694) قال عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجَوْبَري (¬1): ثنا سفيان بن عيينة قال: سَمِعَ عمرو سعيدَ بن المسيّب يقول: ذُكِر الزِّنى بالشَّام، فقال رجل: قد زَنَيتُ البارحةَ. فقالوا: ما تقول؟! فقال: أَوَحَرَّمه اللهُ؟ ما عَلِمتُ أنَّ الله حَرَّمه. فكُتِبَ إلى عمرَ، فكَتَب: إنْ كان عَلِمَ أنَّ اللهَ حرَّمه، فحُدُّوه، وإنْ لم يكن عَلِمَ، فعلِّموه، فإنْ عاد، فحُدُّوه. هذا إسناد صحيح. (695) وهكذا رواه أبو عبيد -رحمه الله- (¬2)، عن مروان الفَزَاري، ويزيد، عن حميد، عن بكر المُزَني، عن عمرَ ... ، وفيه: أنه كَتَب: يُستَحلَف. ¬
أثر آخر (696) قال محمد بن إسحاق (¬1): عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: كان حاطبُ قد أَعتَقَ حين مات من رقيقه مَن صام منهم وصلَّى، وقد كانت له جاريةٌ حبشيةٌ قد صامت وصلَّت، ولم تَفقَهْ، وتزوَّجت، فلم يُرَع بها في زمن عمرَ إلا وهي حُبلى من زنى، فأتيتُ عمرَ، وجئتُهُ بها، فسألها: أَزَنيتِ؟ قالت: نعم، مرعوس بدرهمين (¬2). قال عمرُ: ماذا ترون في هذه؟ فقال عليٌّ وعبد الرحمن بن عوف: أقضاءٌ غيرَ قضاءِ اللهِ تعالى تبغي؟ وعثمانُ جالسٌ، قانعًا (¬3) رأسَه. فقال: مالَكَ يا عثمانُ لا تكلَّم؟! فقال: أشار عليك أخواك. فقال: وأنت فأَشِرْ. فقال: أَراها تَستهلُّ به، كأَنها لا تَعرفه، ولا أرى الحدَّ إلا على مَن عَرَفه. فقال: صَدَقتَ يا عثمان، فضَرَبها الحدَّ الأدنى، ونَفَى عنها الرَّجم. وهذا إسناد حسن. ¬
ومثله قد قال بمقتضاه الإمام أحمد في أنه يجوز التعزير بالحدِّ الأدنى في الزِّنى لمن فعل ذلك لشبهة. ويُعضِّده الأثر الآخر: (697) قال عبد الرزاق (¬1): أنا معمر، عن سمَاك بن الفضل، عن عبد الرحمن بن البَيْلَمَاني، عن عمرَ بن الخطاب: أنه رُفِعَ إليه رجلٌ وقع على جاريةِ امرأتِهِ، فجَلَدَه مائةً، ولم يَرجُمْهُ. قال البيهقي (¬2): وهذا منقطع، وكأنه ادَّعى جهالةً، فعَزَّره. قلت: هذا شبيه بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السُّنن من حديث قتادة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير أنه ... (¬3) إليه رجلٌ وَقَع على جارية امرأته، فقال: لأقضينَّ فيها بقضاء رسول الله، إنْ كانت أحلَّتها له لأَجلدَنَّه مائةً، وإن لم تكن أحلَّتها له رَجَمتُهُ (¬4). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
أثر آخر (698) قال أبو عبيد (¬1): ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، سَمِعَ الحارثَ بن عبد الله بن أبي ربيعة (¬2)، يحدِّث عن عمرَ أنه: سُئِلَ عن ¬
حدِّ الأَمَة، فقال: إنَّ الأَمَةَ قد ألقت فَروتَها من وراء الدَّار. قال الأصمعي: الفَروة: جِلْدَةُ الرأس. قال أبو عبيد: ومعناه: أنَّ هذه لا قِنَاع لها، وهي مبتذلةٌ في الحاجات، فلا حَدَّ عليها. قال: وقد حدثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم قال: تذاكرنا يومًا قولَ عمرَ هذا، فقال سعد بن حَرمَلَة: إنما ذلك من قول عمرَ في الرَّعايا، فأمَّا الإماء اللَّواتي قد أحصنَهنَّ موالِيهُنَّ، فإذا أَحدَثْنَ حُدِدْنَ. / (ق 258) أثر عن عمر (699) قال البخاري (¬1): وقال اللَّيث: حدَّثني نافع، عن صفية بنت أبي عُبيد: أنَّ عبدًا من رقيق الإمارة وَقَع على وليدةٍ من الخُمُس، فاستَكرَهَها، حتى افتضَّها (¬2)، فجَلَده عمرُ الحدَّ، ونَفَاه، ولم يجلدِ الوليدةَ من أجل أنه استَكرَهَها. فيه دلالة على نفي العبد، وظاهره أنه نَفَاه سَنَة، وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعيِّ والعلماء. ¬
أثر آخر (700) قال البخاري (¬1): ثنا مالك بن إسماعيل، عن عبد العزيز بن أبي سَلَمة، عن الزهري، عن عروة بن الزبير: أنَّ عمرَ بن الخطاب غَرَّب، ثم لم تزل تلك السُّنَّة. هكذا ذَكَره عقيب حديث زيد بن خالد فيمن زَنَى ولم يُحصَن، وهو منقطع، فإنَّ عروةَ لم يُدرك عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه (¬2). ¬
وسيأتي في كتاب «السِّيرة» (¬1) قصة نصر بن حجَّاج لما غرَّبه عمرُ من المدينة إلى البصرة، وألزمه ألا يعود ما دام عمر حيًّا، وذلك لمَّا سَمِعَ من بعض الجواري تلهج به في شِعْرها: هل من سبيلٍ إلى خمرٍ فأشربُهَا ... أم من سبيلٍ إلى نَصر بنِ حجَّاج ¬
أثر آخر (701) قال ابن خزيمة: ثنا علي بن حُجر، ثنا إسماعيل بن جعفر (¬1)، ثنا حميد، عن أنس: أنَّ عمرَ أُتي بشابٍّ قد حَلَّ عليه القطعُ، فأمر بقطعه، فجعل يقول: يا ويلَه، ما سَرَقتُ سَرِقةً قطُّ قبلَها. فقال عمرُ: كَذَبتَ، وربِّ عمرَ، ما أَسلَمَ اللهُ عبدًا عند أوَّل ذنبٍ. إسناده صحيح. وقد استدلوا به على أنه إذا قَذَف رجلاً فلم يُحدَّ القاذفُ حتى زَنَى المقذوف، فإنه لا يُحدُّ القاذف؛ لأنا استدللنا بذلك على تقدُّم زناه قبل القذف، والحدود تدرأ بالشُّبهات، والله أعلم. وأما خبر أبي بَكرة والمغيرة بن شعبة فسيأتي في الشهادات (¬2). ¬
أثر في حد القذف
أثر في حدِّ القذف (702) قال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذِئب (¬1): عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ رجلاً قال لرجل: واللهِ ما أنا بزانٍ، ولا ابن زانٍ، فرُفِعَ إلى عمرَ -رضي الله عنه-، فضَرَبه الحدَّ تامًّا. هذا إسناد صحيح. طريق أخرى (703) قال مالك (¬2): عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الرِّجال، عن أُمه عَمرة: أنَّ رجلين استبَّا في زمن عمرَ، فقال أحدهما للآخر: ما أنا بزانٍ (¬3)، ولا أُمِّي بزانية. فاستشار في ذلك عمرَ، فقال قائل: مَدَح أباه وأُمَّه. وقال آخرون: كان لأبيه وأُمِّه مَدْحٌ سوى هذا، فنرى أن تجلدَهُ الحدَّ. فجَلَده عمرُ الحدَّ ثمانين. روى البيهقي (¬4)، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ كان قَضَى في التعريض الحدَّ. وقد ذهب إلى مقتضى هذا الأثر طائفة من العلماء، و ... (¬5) وجوب الحدِّ على من عرَّض بغيره في القذف، وهو منزع قوي يُعضِّده قول أمير المؤمنين. ¬
أثر آخر (704) قال مالك (¬1): عن أبي الزِّناد قال: جَلَد عمرُ بن عبد العزيز عَبداً في فِرية ثمانين. قال أبو الزِّناد: فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك، فقال: أدركتُ عمرَ بن الخطاب، وعثمانَ بن عفَّان، والخلفاءَ هَلُمَّ جَرَّا، ما رأيتُ أحدًا جَلَد عبدًا في فِرية أكثرَ من أربعين. ورواه الثوري (¬2)، عن أبي الزِّناد، عن عبد الله بن عامر قال: لقد أدركتُ أبا بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، ومَن بعدهم من الخلفاء، فلم أرهم يضربون المملوكَ في القذف إلا أربعين. ¬
أثر في قطع السارق
أثر في قطع السَّارق (705) قال مالك (¬1): عن الزهري، عن السَّائب بن يزيد: أنَّ عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلامٍ له إلى عمرَ بن الخطاب، فقال: اقطع يدَ هذا، فإنه سَرَق. قال عمرُ: ماذا سَرَق؟ قال: سَرَق مِرآةً لامرأتي، ثمنُها ستون درهمًا. فقال عمرُ: أَرسِلهُ، فليس عليه قطعٌ، خادمُكم سَرَق متاعَكم. إسناده صحيح. ¬
حديث في الخمر
حديث في الخمر (706) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن سَلَمة بن كُهَيل قال: سَمِعتُ أبا الحكم قال: سألتُ ابنَ عمرَ عن الجرِّ، فحدَّثنا عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجرِّ (¬2)، وعن الدُبَّاء (¬3)، وعن المُزفَّت (¬4). ثم رواه أحمد (¬5)، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، به، بأطولَ منه. وعن مؤمَّل (¬6)، عن سفيان، عن سَلَمة بن كُهَيل، به. ورواه النسائي (¬7)، عن بُندَار، عن يحيى القطان، به. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي (¬8)، عن شعبة، به. وأبو يعلى الموصلي (¬9) من حديث شعبة. ¬
ورواه علي ابن المديني، عن يحيى القطَّان، عن شعبة به، وقال: هو صالح الإسناد، / (ق 259) ولا يحفظ عن عمرَ إلا من هذا الوجه، وأبو الحكم هذا: لا أعلم روى عنه إلا سَلَمة بن كُهَيل، وقد روي هذا الحديثُ من وجوه كثيرة عن الصحابة. قلت: أبو الحكم هذا: اسمه: عمران بن الحارث السُّلمي، ولم يَجرحه أحد (¬1). وقد اختار الحافظ أبو عبد الله المقدسي هذا الحديث في كتابه (¬2)، قال: وروى مسلم (¬3) من حديث طاوس، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مثلَه. حديث آخر (707) قال الحافظ أبو يعلى (¬4): ثنا أبو خيثمة، ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يَسَار، عن سفيان بن وهب الخَوْلاني قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُ مُسكِرٍ حرامٌ». هذا إسناد على شرط أصحاب السُّنن، ولم يخرِّجه واحد منهم، وعبد الرحمن بن زياد بن أَنعُم فيه كلام (¬5)، والله أعلم. ¬
حديث آخر (708) قال البخاري (¬1): ثنا أحمد بن أبي رجاء، ثنا يحيى، عن أبي حيَّان التَّيمي، عن الشَّعبي، عن ابن عمرَ قال: خَطَب عمرُ على منبرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيُّها الناسُ، إنه نَزَل تحريمُ الخمرِ، وهي من خمسةِ أشياءَ: من العنب، والتمر، والحنطة، والشَّعير، والعسل. والخمرُ ما خامَرَ العقلَ. وثلاثٌ وَدِدتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يُفارقْنا حتى يعهدَ إلينا فيهنَّ عهدًا / (ق 260) ننتهى إليه: الجدُّ، والكَلاَلة، وأبوابٌ من أبواب الرِّبَا. هكذا رواه في كتاب الأشربة. وأخرجه في أماكن أخر (¬2). ¬
ورواه الجماعة (¬1) سوى ابن ماجه من طرق، عن الشعبي، به. منها: أبو داود (¬2)، عن أحمد (¬3)، عن ابن عُليَّة، عن أبي حيَّان التَّيمي، عن الشَّعبي، به. ورواه النسائي (¬4) في بعض الطرق موقوفًا على ابن عمر. أثر آخر (709) قال النسائي في الأشربة (¬5)، وفي الوليمة (¬6): ثنا الحارث بن مِسكين، أبنا ابن القاسم، عن مالك (¬7)، عن الزهري، عن السَّائب بن يزيد الكِندي: أنَّ عمرَ خَرَج عليهم، فقال: إنِّي وَجَدتُ من فلانٍ ريحَ شرابٍ، فزَعَم أنه شَرِبَ (¬8) الطِّلاء (¬9)، وإنِّي سائلٌ عمَّا شَرِبَ، فإن كان ¬
يُسكِرُ (¬1) جَلَدتُهُ، فجَلَدهُ عمرُ الحدَّ تامَّا. هذا إسناد صحيح. والظاهر أنَّ هذا كان قد شرب غير الطِّلاء، فإنَّ الطِّلاء مباح، وهو شبيه بالدِّبس (¬2)، أو هو هو، والله أعلم. (710) وقال النسائي في الوليمة (¬3): ثنا سُوَيد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن أسلم مولى عمر قال: قَدِمنا على عمر الجابية (¬4)، فأُتي بطلاءٍ، مثلَ عَقيدِ الرُّبِّ (¬5)، إنما يُخاضُ (¬6) بالمخاوض (¬7) خَوضًا، فقال: إنَّ في هذا لشرابًا (¬8) ماانتهى إليه. طريق أخرى (711) قال النسائي (¬9): ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا المعتمر، عن ¬
منصور، عن إبراهيم، عن نُبَاتة، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: كَتَب عمرُ -رضي الله عنه- إلى بعض عُمَّاله: / (ق 261) أنِ ارزقوا المسلمين من الطِّلاء ما ذهب ثُلُثاه، وبقي ثُلُثُه. طريق أخرى (712) قال النسائي (¬1): ثنا سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن سليمان التَّيمي، عن أبي مِجْلَز، عن عياض (¬2) بن عبد الله قال: قرأتُ كتابَ عمرَ إلى أبي موسى: أمَّا بعدُ، فإنها قَدِمَتْ عليَّ عِيرٌ من الشَّام تحمل شرابًا غليظًا أسودَ، كطلاء الإبل، وإنِّي سألتُهم على كم يطبخونه؟ فأَخبروني أنهم يطبخونه على الثُّلُثين، ذهب ثُلُثاه الأخبثان، ثُلُث بريحه، وثُلُث بِبَغيه، فمُرْ مَن قِبَلَكَ أن يشربوه. ثم رواه النسائي -أيضًا- (¬3)، عن سُوَيد، عن ابن المبارك، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي مِجْلَز: أنَّ عمرَ كتب إلى عمَّار بن ياسر ... ، بمثله. فهذه طرق قوية يشدُّ بعضها بعضًا. وهذا هو الدِّبس السائل -والله أعلم-، وهو مباح ما كان على هذه ¬
الصفة المذكورة مالم يُسكِر كثيره، كما هو المعهود، وليس في مثل هذا نزاع بين العلماء. أثر آخر (713) قال النسائي (¬1): ثنا زكريا بن يحيى، عن عبد الأعلى بن حماد، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب قال: تَلَقَّت ثقيفُ عمرَ بن الخطاب بشراب، فلمَّا قَرَّبه من فِيهِ كرهه، فدعا به، فكَسَره بالماء، فقال: هكذا فافعلوا. هذا إسناد جيد، وسعيد بن المسيّب وإن كان لم يَسْمع كلَّ ما رواه عن عمرَ / (ق 262) إلا أنه أعلم التابعين بأيام عمر وأحكامه. ¬
(714) وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في «مستدركه» (¬1) من حديث أبي الأحوص سلاَّم بن سُليم قال: حدثنا مسلم الأعور، عن أبي وائل قال: غزوتُ مع عمرَ الشَّامَ، فنزلنا منزلاً، فجاء دهقَان (¬2) فسَجَد (¬3)، فقال عمرُ: ماهذا؟! قال: هكذا نفعل بالملوك! قال: اسجد لربِّك الذي خَلَقك. قال: يا أميرَ المؤمنين، قد صنعتُ لك طعامًا، فأتني. قال: هل في بيتك تصاويرُ العجم؟ قال: نعم. قال: لا حاجة لي في بيتك، انطَلِق، فابعث لنا بلون من الطعام، لا تزدنا عليه، ففعل، فأكل منه. وقال لغلامه: هل في إداوتك شيءٌ من ذلك النَّبيذ؟ قال: نعم، فأتاه، فصبَّه في إناء، ثم شمَّه، فوَجَده مُنكرَ الريح، فصبَّ عليه ماءً، ثم شمَّه، فوَجَده مُنكرَ الريح، فصبَّ عليه الماءَ ثلاثَ مراتٍ، ثم شَرِبَه. ثم قال: إذا رابكم من شرابكم شيءٌ، فافعلوا به هكذا. قال الحاكم: هذا صحيح. قلت: لكن مسلم الأعور: ضعَّفوه، فقال أحمد بن حنبل: لا يُكتب حديثه. وقال البخاري: يتكلَّمون فيه (¬4). ¬
طريق أخرى (715) قال النسائي (¬1): ثنا سُوَيد، ثنا ابن المبارك، عن السَّرِي بن يحيى: ثنا أبو حفص -إمام لنا، وكان من أسنان الحسن-، عن أبي رافع الصَّائغ قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إذا خشيتم / (ق 263) من نبيذٍ شِدَّتَهُ، فاكْسِروه بالماء. هذا إسناد حسن يتقوَّى بالذي قبله. ¬
حديث في كيفية الحد من المسكر
حديث في كيفية الحدِّ من المسكر (716) قال البخاري (¬1): ثنا يحيى بن بُكَير، حدَّثني اللَّيث، حدَّثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رجلاً كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله، وكان يلقَّب حِمَارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد جَلَده في الشَّرَابِ، فأُتِي به يومًا، فقال رجل من القوم: اللهمَّ الْعَنْهُ، فما أكثرَ ما يؤتى به! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَلعَنُوهُ، فواللهِ ما عَلِمتُ إنَّهُ (¬2) يُحبُ اللهَ ورسولَه». انفرد به البخاري من هذا الوجه. وفيه دلالة على أنه لا يتحتَّم قتل الشَّارب في الرابعة، وأنَّ تلك الأحاديث الواردة بالأمر بقتله في الرابعة محمولة على الإذن الشَّرعي عند من يرى ذلك من العلماء، والله أعلم. ¬
أثر شبيه بهذا الحديث من حيث الرفق بشارب الخمر والتلطف
أثر شبيه بهذا الحديث من حيث الرفق بشارب الخمر والتلطُّف به، ليدعوه ذلك إلى التوبة و ... (¬1) (717) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬2): ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن سهل، ثنا عبد الله بن عمر، ثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن (¬3)، ثنا يزيد بن الأصمِّ: أنَّ رجلاً كان ذا بأس، وكان يُرفَدُ (¬4) لبأسِهِ، وكان من أهل الشَّام، وأنَّ عمرَ فَقَدَه، فسأل عنه، فقيل: تتابع في هذا الشَّراب، فدعا كاتبَه، فقال: اكتب: «من عمرَ بن الخطاب إلى فلان: سلامٌ عليك، فإنِّي أحمدُ إليك اللهَ الذي لا إله إلا هو {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}». ثم دعا وأمَّن مَن عنده، فدعوا له أن يُقبِلَ اللهُ بقلبه، وأن يتوبَ الله عليه، فلمَّا أتت الصحيفةُ الرَّجلَ، جعل يقرأها، ويقول: {غَافِرِ الذَّنْبِ}: قد وَعَدني اللهُ أن يغفرَ لي، و {وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ}: قد حذَّرني اللهُ عقابَه، {ذِي الطَّوْلِ}، والطَّول: الخير الكثير، {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} فلم يزل يردِّدها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع، فأحسن النزع. فلمَّا بلغ عمرُ خبَرَه قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخًا لكم زلَّ زلَّة، فسدِّدوه، ووفِّقوه، وادعوا الله أن يتوبَ عليه، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه. إسناد جيد، وفيه انقطاع. ¬
أثر آخر (718) قال البخاري (¬1): ثنا مكِّي بن إبراهيم، عن الجُعَيد، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السَّائب بن يزيد قال: كنا نؤتى بالشَّارب على عهدِ رسولِ الله، وإمرةِ أبي بكرٍ، وصدرًا من خلافة عمرَ بن الخطاب فنقومُ إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخرُ إمرةِ عمرَ فجَلَد أربعين، حتى إذا عَتَوا وفَسَقوا جَلَد ثمانين. وروى مسلم (¬2)، عن عليٍّ قال: جَلَد رسولُ الله أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمرُ ثمانين، وكُلٌّ سُنَّة، وهذا أحبُّ إليَّ. يعني: الأربعين. وروى -أيضًا-، عن أنس (¬3): أنَّ عمرَ استشارهم في حدِّ الخمر، فقال عبد الرحمن: أخفَّ الحدود ثمانين. فأَمَر به عمر رضي الله عنه. ¬
أثر عن عمر فيه جواز التغريب في الخمر إن رأى الإمام في ذلك مصلحة فعله
أثر عن عمر فيه جواز التغريب في الخمر إن رأى الإمام في ذلك مصلحة فَعَلَه (719) قال النسائي (¬1): ثنا زكريا بن يحيى قال: ثنا عبد الأعلى بن حماد، عن معتمر بن سليمان، عن عبد الرزاق (¬2)، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب أنه قال: غَرَّبَ عمرُ ربيعةَ بنِ أُميَّةَ في الخمر / (ق 264) إلى خيبرَ، فلَحِقَ بهرقلَ فتنصَّر، فقال عمرُ -رضي الله عنه: لا أُغرِّبُ بعدَه مسلمًا. هذا إسناد جيد غريب. أثر آخر (720) قال محمد بن سعد (¬3): أنا محمد بن عمر -يعني: الواقدي-، أنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه قال: سَمِعتُ عمرو بن العاص ذَكَر عمرَ فترحَّم عليه، وقال: ما رأيتُ أحدًا بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬4) أخوفَ للهِ منه، لا يبالي على من وقع الحقُّ، إنِّي لفي منزلي بمصرَ، إذ أتاني آتٍ، فقال: قَدِمَ عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمرَ غازِيَيْن، فقلت: أين نزلا؟ ولم أستطع أن آتيهما، ولا أهدي لهما خوفًا من عمرَ رضي الله عنه. فقيل لي: ¬
هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سِروعة يستأذنان، فدخلا وهما مُكسرَان (¬1)، فقالا: أقم علينا حدَّ الله، إنَّا شربنا فَسَكِرنَا، فزَبَرتُهما (¬2)، وطردتُهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرتُ أبي إذا رَجَعتُ. قال: فدخل عليَّ عبد الله بن عمر، فقمتُ، ورحَّبتُ به، فقال: إنَّ أبي نهاني أن أدخلَ عليك، إلا ألا أجدَ بُدًّا، إنَّ أخي لا يُحلَقُ على رءوس الناس أبدًا، أمَّا الضرب، فنعم، فأخرجتهما إلى صحن الدار، فضربتُهما الحدَّ، ودخل عبد الله بأخيه فحَلَق رأسَه، ورأسَ أبي سَروعة. فواللهِ ما كَتَبتُ إلى عمرَ بحرفٍ، فجاءني كتابٌ منه يقول: إلى العاص بن / (ق 265) العاص: بجرأتك عليَّ، وخلاف عهدي، أنا قد خالفتُ فيك أصحابَ بدرٍ ممَّن هو خيرٌ منك واخترتُك، وأراك قد تلوَّثتَ بما تلوَّثتَ بضرب عبد الرحمن وحَلْقِهِ في بيتك، ولا تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، وقلتَ: هو ولدُ أمير المؤمنين، وقد عرفتَ أنَّه لا هوادةَ لأحدٍ عندي في حقٍّ، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعثه في عباءة على قَتَب. فبعثتُ به كما أَمَر، وكَتَبتُ أعتذر، وبالله الذي لا يُحلَفُ بأعظمَ منه إنِّي لأُقيمُ الحدودَ في صحن داري. قال أسلم: فقَدِمَ عبد الرحمن وعليه عباءة، ولا يستطيع المشي من مَركبه، فقال عمرُ: السِّياط! فقال: يا أميرَ المؤمنين، قد أُقِيمَ عليَّ الحدُّ، فلم يلتفت عليه، وجعل عبد الرحمن يصيح: أنا مريض، وأنت قاتلي، فضربه، فحبسه، فمرض، فمات (¬3). ¬
طريق أخرى (721) قال الحافظ أبو بكر الخطيب (¬1): أنا محمد بن أحمد بن رزق والحسن بن أبي بكر قالا: ثنا محمد بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله الهروي، أنا علي بن محمد بن عيسى الجكاني، أنا أبو اليَمَان، أنا شعيب بن أبي حمزة (¬2)، عن الزهري، عن سالم: أنَّ أباه قال: شَرِبَ أخي عبد الرحمن، وشَرِبَ معه أبو سِروعة عُقبة بن الحارث ونحن بمصر، فسَكِرا، ثم صحوا، فانطلقا إلى عمرو بن العاص، فقالا: طهِّرنا. ولم أشعر أنا، ¬
فذَكَر لي أخي أنه قد سَكِرَ، فقلت: ادخل الدَّار أُطهِّرك، فآذنني أنه قد أَعلَمَ عَمرا، فقلت: / (ق 266) والله لا يُحلَقُ على رءوس الناس، ادخل أَحلِقُكَ -وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحدِّ- قال: فحَلَقتُهُ بيدي، ثم جَلَدهم عمرو، فسَمِعَ بذلك عمرُ، فكَتَب أن ابعث إليَّ بعبد الرحمن على قَتَب، ففعل، فلما قَدِمَ عليه جَلَده وعاقَبَه من أجل مكانه منه، ثم أرسَلَه، فلبِثَ شهرًا صحيحًا، ثم أصابه قَدَرُهُ، فيَحسَبُ عامَّة الناس أنه مات من جَلْد عمر، فلم يمت من جَلْدِهِ. هذا إسناد صحيح، والسياق الأوَّل حسن. وفيه دلالة على جواز الزيادة على الحدِّ بما يراه الإمام زاجرًا من حَلْق شَعْر أو تغريب، وأما إعادة عمر الحدَّ على ابنه فيحتمل أنه أكمل له ثمانين (¬1)، كما رواه مسلم (¬2)، عن أنس بن مالك: أنَّ عمرَ بن الخطاب استشارهم في حدِّ الخمر، فقال عبد الرحمن: أخفَّ الحدود ثمانين، فأمر به عمرُ رضي الله عنه. وروى -أيضًا- (¬3)، عن علي -رضي الله عنه- أنه لما جَلَد الوليد بن عُقبة أربعين بين يَدَي عثمان قال: جَلَد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمرُ ¬
ثمانين، وكُلٌّ سُنَّة، وهذا أحبُّ إليَّ. فقوله: وكُلٌّ سُنَّة: دليل على تسويغ ذلك، ويحتمل أنه ثنَّاه عليه لأجل أنه قريبه، فإنَّه كان قد تقدَّم في أوَّل ولايته إلى أهله أنهم لا يأتون شيئًا مما نهى الناس عنه إلا أضعف لهم العقوبة (¬1). وهذا هو الظاهر، لقول عبد الله بن عمرَ: فلمَّا قَدِمَ عليه جَلَده وعاقَبَه من أجل مكانه منه، ومرادُ عمرَ أنَّ وَلَدَهُ لا يختصُّ في حدود الله من بين الناس بمزية، وإلا فلو رأى الإمامُ أن يُقيمَ الحدَّ على شارب الخمر في البيت كان له ذلك. (722) كما رواه البخاري (¬2): عن قتيبة، عن عبد الوهاب، عن ¬
أيوب، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن عُقبة بن الحارث قال: جيء بالنُّعيمان -أو: ابن النُّعيمان- شاربًا، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن كان في البيت أنْ / (ق 267) يضربوه، فكنتُ فيمن ضَرَبه بالنِّعال. أثر آخر (723) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو النضر، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن عمرَ: أنه أُتي بشارب، فقال: لأبعثنَّكَ إلى رجلٍ لا تأخذُهُ فيك هَوَادةٌ، فبعث به إلى مُطيع بن الأسود العَدَوي، فقال: إذا أصبحتَ غدًا، فاضْرِبْهُ الحدَّ. فجاء عمرُ، وهو يضربه ضربًا شديدًا، قال: قَتَلتَ الرَّجلَ! كم ضربتَه؟ قال: ستين. فقال: أَقِصَّ عنه بعشرين. قال أبو عبيد: معناه: اجعل شدَّة هذا الضرب الذي ضَرَبتَه قصاصًا بالعشرين التي بقيت. قال: وفي هذا الرِّفق بالشَّارب، كما سَمِعتُ محمد بن الحسن يقول. قال: وكذلك القاذف، وأمَّا الزَّاني ... (¬2). قال: والتعزير أشدُّ الضرب. وفيه: أنه ... (¬3) حتى أفاق، لهذا قال: إذا أصبحتَ غدًا ... (¬4). ¬
أثر آخر (724) قال ابن أبي الدُّنيا (¬1): حدثني يعقوب بن عُبيد، ثنا يزيد، أنا حماد بن سَلَمة، عن سمَاك، عن عبد الله بن شَدَّاد، عن عبد الله بن عمرَ قال: كنَّا مع عمرَ في مسير، فأبصر رجلاً يُسرِعُ في مسيره، فقال: إنَّ هذا الرَّجلَ يريدنا، فأناخ، ثم ذهب لحاجته، وجاء الرَّجل فبكى، وبكى عمر، وقال: ما شأنُك؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي شربتُ الخمر، فضَرَبني أبو موسى، وسوَّد وجهي، وطاف بي، ونهى الناسَ أن يجالسوني، فهَمَمتُ أن آخُذَ سيفي فأضربُ به أبا موسى، وآتيك، فتحوِّلني إلى دارٍ لا أُعرَفُ فيه، أو ألحقُ بأرض الشِّرك، فبكى عمرُ، وقال: ما يَسرُّني أنَّك لَحِقتَ بأرض الشِّرك وأنَّ لي كذا وكذا، وقال: إنْ كنتُ لمِن أشرب الناس للخمر في الجاهلية، ثم كَتَب إلى أبي موسى: إنَّ فلانًا أتاني، فذَكَر كذا وكذا، فإذا أتاك كتابي هذا، فمُرِ الناسَ أن يجالسوه، وأن يخالطوه، وإن تاب فاقبل شهادتَه. وكَسَاه، وأمر له بمائتي درهم. وهذا إسناد جيد. ¬
حديث فيه الستر على أهل المعاصي، وأن الحدود تدفع بالشبهات
حديث فيه السِّتر على أهل المعاصي، وأن الحدود تُدفَع بالشُّبهات (725) قال عبد الله بن المبارك: عن إبراهيم بن نَشيط، عن كعب بن علقمة، عن ابن الهيثم، عن عُقبة بن عامر أنه قال لعمرَ: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ لنا جيرانًا يشربون الخمرَ، فيفعلون، ويفعلون، فيُرفَعون؟ قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن رأى عَورةً فسَتَرها، كان كمَن أحيا مَوءودةً (¬1) في قبرِها». رواه أبو بكر الإسماعيلي من حديث ابن المبارك (¬2). ¬
أثر يذكر في باب التعزير
أثر يُذكر في باب التعزير (726) قال حنبل بن إسحاق: ثنا إبراهيم بن محمد، ثنا سفيان، عن مُطرِّف، ثنا الشَّعبي قال: قال عمرُ رضي الله عنه: لا أُوتَى برجلٍ فضَّلني على أبي بكرٍ -رضي الله عنه- إلا جَلَدتُهُ أربعين، وكان عمرُ إذا بعث عاملاً كَتَب مالَهُ (¬1). إسناد جيد. أثر آخر (727) قال خيثمة بن سليمان الأطرابلسي (¬2): ثنا الحُنَيني، ثنا عارِم، ثنا هشيم، ثنا حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: وَفَد ناسٌ من أهل الكوفة والبصرة على عمرَ، فلمَّا نزلوا المدينةَ تحدَّث القومُ بينهم، ففَضَّل القومُ أبا بكرٍ على عمرَ، وفَضَّل بعضُهم عمرَ على أبي بكرٍ، وكان الجارود بن المُعلَّى ممَّن فَضَّل أبا بكرٍ، فجاء عمرُ ومعه دِرَّته، وما في وجهه رائحة، فأقبل على الذين فَضَّلوه، فضَرَبهم بالدِّرِّة حتى ما تبقَّى أحدٌ ¬
إلا برِجله (¬1). فقال له الجارود: أَفِق يا أميرَ المؤمنين، فإنَّ اللهَ لم يكن لِيرانا نُفضِّلك على أبي بكرٍ. فسُرِّي عنه، فلمَّا كان من العشي صعد المنبرَ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، ثم قال: ألا إنَّ أفضلَ هذه الأمَّة بعد نبيها أبو بكرٍ، مَن قال غيرَ ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتري، وعليه ما على المفتري. هذا إسناد جيد قوي. وفيه دلالة على عقوبة الشِّيعة (¬2) بهذا النَّكال، والرافضي (¬3) أسوأ حالاً منه، وقد ذهب / (ق 268) عبد الرزاق بن همَّام إلى تكفير الرافضة، وهو رواية عن الإمام مالك -رحمه الله-، وذهب طائفة آخرون إلى أنهم لا يستحقُّون شيئًا من الخُمُس، ودلائل ذلك مبسوطة في غير هذا الموضع، والله أعلم. ¬
أثر آخر يذكر في تأديب السبابة
أثر آخر يُذكر في تأديب السَّبَّابة (728) روى حنبل بن إسحاق، وأبو عبد الله بن بطَّة، وأبو القاسم اللالكائي من حديث قيس بن الرَّبيع، عن وائل، عن البَهِي قال: وَقَع بين عبيد الله بن عمر وبين المقداد كلامٌ، فشَتَم عبيد الله المقدادَ، فقال عمرُ: عليَّ بالحدَّاد أقطعُ لسانَه، لا يجترئ أحدٌ بعدَه يَشتِمُ أحدًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: فَهَمَّ عمرُ بقطع لسانه، فكلَّمه فيه أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم، قال: ذَروني أقطعُ لسانَ ابني، حتى لا يجترئ أحدٌ من بعدي يسبُّ أحدًا من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وقد تقدَّم في النَّذر (¬1). ¬
حديث في الإمامة وغير ذلك
حديث في الإمامة وغير ذلك (729) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا همَّام بن يحيى قال: ثنا قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد الغَطَفاني، عن مَعْدان بن أبي طلحة اليَعْمَري: أنَّ عمرَ بن الخطاب قام على المنبر يومَ جمعةٍ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، ثم ذَكَر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وذَكَر أبا بكرٍ -رضي الله عنه-، ثم قال: رأيتُ رؤيا لا أُراها إلا لحضور أجلي، رأيتُ كأنَّ ديكًا نَقَرني نَقْرتين، قال: ذُكر لي أنه دِيك أَحمر، فقَصَصتُها على أسماء بنت عُميس امرأة أبي بكر، فقالت: يَقتلُكَ رجلٌ من العجم. وإنَّ الناسَ يأمرونني أنْ أستَخلِفَ، وإنَّ اللهَ لم يكن ليُضيعَ دينَهُ وخلافتَهُ التي بَعث بها نبيَّه صلى الله عليه وسلم، وإن يَعْجَلْ بي أَمرٌ، فإنَّ الشُّورى في هؤلاء السِّتة الذين مات نبيُّ الله وهو عنهم راضٍ، فمن بايعتُم منهم، فاسمعوا له وأطيعوا، وإنِّي أعلم أنَّ أناسًا سيَطعنون في هذا الأمرِ، أنا قاتلتُهم بيدي هذه على الإسلام، أولئك أعداءُ الله الكفارُ الضُّلاَّل (¬2). وايمُ اللهِ ما أغلظَ / (ق 269) لي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما أغلظَ لي في شأن الكَلاَلة، حتى طَعَن بإصبعيه في صدري، وقال: «تَكفيكَ آيةُ الصَّيفِ التي نَزَلَت في آخر سُورة النِّساءِ»، وإنيِّ إن أَعشْ، فسأقضي فيها بقضاءٍ يَعلمُهُ مَن يقرأُ، ومَن لا يقرأُ. وإنِّي أُشهِدُ اللهَ على أمراءِ الأمصارِ أنِّي إنمَّا بعثتُهم ليُعلِّموا الناسَ دينَهم، ويُبيِّنوا لهم سُنَّة نبيِّهم، ويَرفعوا لي ما عُمِّيَ عليهم. ثم إنَّكم يا أيُّها الناس تأكلون من ¬
شجرتين لا أُراهما إلا خبيثتين: هذا الثَّوم والبصل، وايمُ اللهِ، لقد كنتُ أَرى نبيَّ الله يجدُ ريحَهما من الرجل، فيأمُرُ به، فيُؤخذُ بيده فيُخرَجَ من المسجد حتى يؤتى البقيعَ، فمَن أكَلَهما لابدَّ فليُمِتْهما طبخًا. قال: فخَطَب الناسَ يوم الجمعة، وأُصيبَ يومَ الأربعاء. ثم رواه أحمد (¬1)، عن غُندَر، عن سعيد، عن قتادة، به. وذَكَر أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه «جامع المسانيد» (¬2): أنَّ هذا الحديث مخرَّج في «الصحيحين»، وليس كما قال، إنما رواه مسلم (¬3) عن محمد بن المثنَّى، عن يحيى بن سعيد، عن هشام الدَّستوائي، عن قتادة، بطوله. ورواه -أيضًا- (¬4) من حديث شعبة (¬5)، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، مختصرًا. وأخرجه النسائي (¬6)، وابن ماجه (¬7) من حديث يحيى بن سعيد القطَّان، مختصرًا، بقصَّة الكَلاَلة، والبصل، والثَّوم. ¬
وقد رواه الإمام علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، ومعاذ بن هشام. كلاهما عن هشام الدَّستوائي، به. وعن محمد / (ق 270) بن بُكَير، عن سعيد، عن قتادة. وعن حَرَمي بن عُمارة، عن شعبة، عن قتادة، به. ثم قال: وهذا صحيح من الحديث، وهكذا كان يقول قتادة: «مَعْدان بن أبي طلحة»، وتابَعَه على ذلك زائدة، عن السائب بن حُبيش الكِلاَعي، عن مَعْدان بن أبي طلحة، وخالَفَهم الأوزاعي في نسبه، فقال: «مَعْدان بن طلحة». قال: وكنَّا نحبُّ أن نعلم أنَّ مَعْدان لَقِيَ عُمرَ أو لا؟ فحدَّثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، حدثني الوليد بن هشام المُعيطي، ثنا مَعْدان بن أبي طلحة اليَعمَري قال: قَدِمْتُ على عمرَ بن الخطاب من الشَّام ... ، فذَكَر حديثًا فيه كلام لم نحفظه. قال: وإنما كَتَبناه لنعلمَ أنَّ مَعْدان لَقِيَ عُمرَ حتى يصحَّ ما روى عن عمرَ. وقال في موضع آخر: هذا حديث حسن، وهو من حديث قتادة -وهو بصري-، عن سالم بن أبي الجَعْد -وهو كوفي-، عن مَعْدان، وهو شامي. وقد روى النسائي (¬1) من حديث حصين ومنصور. كلاهما عن سالم بن أبي الجَعْد قال: قال عمرُ ... ، به. رَفَعه حُصين، ووَقَفه منصور، ولم يَذكرا مَعْدان، فالله أعلم. ¬
وقد تقدَّم في الوصية (¬1) من حديث جُويرية بن قدامة، عن عمرَ، قريبٌ من هذا. حديث آخر (730) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا عبد الرزاق (¬3)، ثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ: أنَّه قال لعمرَ: إني سَمِعتُ الناسَ يقولون / (ق 271) مقالةً، فآليتُ أن أقولهَا لك، زعموا أنك غيرُ مُستَخْلِفٍ، فوضع رأسَه ساعة، ثم رفعه فقال: إنَّ اللهَ تعالى يحفظُ ¬
دينَه، وأني إنْ لا أَستَخْلفْ، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يَستَخْلِفْ، وإن أَستَخْلِفْ فإنَّ أبا بكرٍ قد استَخْلَفَ. قال: فواللهِ ما هو إلا أنْ ذَكَر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ -رضي الله عنه-، فعَلْمْتُ أنه لم يكن يَعدلُ برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا، وأنه غيرُ مُستَخْلِفٍ. قال ابن الجوزي (¬1): أخرجاه في صحيح (¬2). وليس كما قال، إنما رواه مسلم في كتاب المغازي (¬3)، عن ابن أبي عمر، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن رافع، وعَبد بن حميد. ورواه أبو داود (¬4)، عن محمد بن داود بن سفيان، وسَلَمة بن شَبيب. والترمذي (¬5)، عن يحيى بن موسى، مختصرًا. سبعتهم عن عبد الرزاق بن همَّام، به. وقال الترمذي: صحيح. طريق أخرى (731) قال أحمد (¬6): ثنا محمد بن بِشر، ثنا هشام، عن عروة، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ قيل له: ألا تَستَخلِفُ؟ قال: إنْ أَترُكْ، فقد تَرَك مَن هو ¬
خيرٌ منِّي، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وإن أَستَخلِفْ، فقد استَخلَفَ مَن هو خيرٌ منِّي، أبو بكرٍ رضي الله عنه. فهذا من هذا الوجه: أخرجه الشيخان في «الصحيحين»: البخاري (¬1)، عن الفِريابي، عن الثوري. ومسلم (¬2)، عن أبي كُرَيب، عن أبي أسامة. كلاهما عن هشام بن عروة، به. ¬
حديث السقيفة الطويل
/ (ق 272) حديث السَّقيفة الطويل (732) قال الإمام أحمد رحمه الله (¬1): حدثنا إسحاق بن عيسى الطَبَّاع، ثنا مالك بن أنس (¬2)، حدثني ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود: أنَّ ابنَ عباس أَخبَرَه: أنَّ عبد الرحمن بن عوف رجع إلى رَحله، قال ابن عباس: وكنت أقرئُ عبد الرحمن بن عوف، فوَجَدني وأنا أنتظر، وذاك بمنىً، في آخر حجَّة حجَّها عمرُ بن الخطاب، قال عبد الرحمن بن عوف: إنَّ رجلاً أتى عمرَ بن الخطاب، فقال: إنَّ فلانًا يقول: لو قد مات عمرُ بايعتُ فلانًا، فقال عمرُ رضي الله عنه: إنِّي قائمٌ العشيَّة -إن شاء الله- في الناس، فمحذِّرهم هؤلاء الرَّهطَ الذين يريدون أن يَغصبوهم أمرَهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أميرَ المؤمنين، لا تفعل، فإنَّ الموسمَ يجمعُ رِعاعَ الناس وغوغاءَهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمتَ في الناس، فأخشى أن تقول مقالة يَطِيرُ بها أولئك فلا يَعُوها، ولا يضعوها مواضعَها، ولكن حتى تَقدَمَ المدينةَ، فإنَّها دارُ الهجرة والسُّنة، وتَخلُصَ بعلماء الناس وأشرافِهم، فتقولُ ما قلتَ متمكنًا، فيَعُون مقالتَك، ويضعونها مواضعَها. قال عمرُ: لئن قَدِمْتُ المدينةَ صالحًا؛ لأكلمنَّ بها الناسَ في أول مقامٍ أقومُهُ. فلمَّا قدمنا المدينةَ في عقب ذي الحجَّة، وكان يوم الجمعة، عجَّلت الرَّواح، / (ق 273) صكَّة الأعمى -قلت لمالك: وما صكَّة الأعمى؟ قال: إنه لا يبالي أيَّ ساعة خَرَج، لا يعرف الحرَّ والبرد، نحو هذا- فوَجَدتُ سعيد بن زيد عند ركن المنبر الأيمن قد سَبَقني، فجلستُ حذاءه، تحكُّ ¬
رُكبتي رُكبتَه، فلم أَنشَب أن طلع عمرُ -رضي الله عنه-، فلمَّا رأيتُه قلتُ: ليقولَنَّ العشيَّةَ على هذا المنبرِ مقالةً ما قالها عليه أحدٌ قبلَه. قال: فأنكر سعيد بن زيد ذلك، وقال: ما عسيتَ أن يقول مالم يقل أحدٌ؟ فجلس عمرُ على المنبر، فلمَّا سَكَت المؤذِّن قام، فأثنى على الله بما هو أهلُه، ثم قال: أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ، فإنِّي قائلٌ مقالةً قد قُدِّر لي أن أقولهَا، لا أدري لعلَّها بين يَدَي أجلي، فمَن وَعَاها وعَقَلَها فليُحدِّث بها حيثُ انتهت به راحلتُه، ومَن لم يَعِهَا فلا أُحِلُّ له أن يكذبَ عليَّ: إنَّ اللهَ بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحقِّ، وأنزل عليه الكتابَ، فكان فيما (¬1) أُنزِلَ عليه آية الرَّجم، فقرأناها، ووعَيناها، وعَقَلناها، ورَجَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورَجَمنا بعدَه، فأخشى إن طال بالناس زمانٌ أن يقولَ قائلٌ: لا نجدُ آيةَ الرَّجمِ في كتاب الله، فيضلُّون (¬2) بتركِ فريضةٍ قد أنزلها اللهُ عزَّ وجلَّ، فالرَّجمُ في كتابِ اللهِ حقٌّ على من زَنَى إذا أُحصِنَ من الرِّجال والنساء إذا قامت البيِّنةُ، أو كان الحَبَلُ، أو الاعترافُ. / (ق 274) ألا وإنَّا قد كنَّا نقرأ: لا ترغبوا عن أبائكم، فإنَّ كُفرًا بكم أن ترغبوا عن أبائكم. ألا وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُطرُوني كما أُطرِيَ عيسى ابنُ مريمَ، فإنما أنا (عبدٌ للهِ) (¬3)، فقولوا: عبد الله ورسولُه»، وقد بلغني أنَّ قائلاً منكم يقول: لو قد مات عمرُ بايعتُ فلانًا، فلا يَغترَنَّ امرؤٌ أن يقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلتةً (¬4)، ألا وإنَّها كانت كذلك، إلا أنَّ الله ¬
وَقَى شرَّها، وليس فيكم اليومَ مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مثلُ أبي بكرٍ رضي الله عنه، وإنَّه كان من خَيرِنا (¬1) حين توفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عليًّا والزُّبيرَ ومن كان معهما تخلَّفوا في بيتِ فاطمةَ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلَّف عنها الأنصارُ بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكرٍ، فقلت له: يا أبا بكرٍ، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمُّهم، حتى لَقِيَنا رجلان صالحان، فذَكَرا لنا الذي صنع القومُ، فقالا: أين تريدون يا معشرَ المهاجرين؟ فقلتُ: نريد إخوانَنا هؤلاء من الأنصار. فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم، واقضوا أمرَكم يا معشرَ المهاجرينَ. فقلت: والله لنأتينَّهم. فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظَهْرانيهم رجلٌ مُزمَّلٌ (¬2)، فقلتُ: من هذا؟ قالوا: / (ق 275) سعد بن عُبادة، فقلت: مالَه؟ قالوا: وَجِعٌ. فلمَّا جلسنا، قام خطيبُهم، فأثنى على الله بما هو أهلُه، وقال: أمَّا بعدُ، فنحن أنصارُ الله، وكتيبةُ الإسلام، وأنتم يا معشرَ المهاجرين رهطٌ منَّا، وقد دَفَّت دافَّةٌ (¬3) ¬
منكم تريدون (¬1) أن تختزلونا (¬2) من أصلنا، وتَحضُنُونا (¬3) من الأمر، فلمَّا سَكَتَ أردتُ أن أتكلَّمَ، وكنتُ قد زوَّرتُ (¬4) مقالةً أعجبتني، أريد (¬5) أن أقولهَا بين يَدَي أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، وقد كنتُ أُداري منه بعضَ الحدِّ، وهو كان أحلمَ منيِّ وأوقرَ، (¬6) واللهِ ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضلَ، حتى سَكَتَ، فقال: أمَّا بعدُ، فما ذَكَرتم من خير فأنتم أهلُه، ولم تعرفِ العربُ هذا الأمرَ إلا لهذا الحيِّ من قريش، هم أوسطُ العرب نسبًا ودارًا، وقد رَضِيتُ لكم أحدَ هذين الرَّجلين أيُّهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عُبيدة بن الجرَّاح، فلم أكره ممَّا قال غيرَها، وكان والله أن أُقدَّمَ فتُضرَبَ عُنُقي لا يُقرِّبني ذلك إلى إثم، أحبُّ إليَّ أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكرٍ، إلاَّ أن تَعيَر (¬7) نفسي عند الموت. فقال قائل من الأنصارِ: أنا جُذَيْلُها المُحكَّك، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ، منَّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ، يا معشر قريش -فقلت لمالك: ما معنى أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ؟ قال: كأنه يقول: أنا داهيتُها-. قال: فكَثُر اللَّغطُ، / (ق 276) وارتفعت ¬
الأصواتُ، حتى خشينا (¬1) الاختلافَ، فقلت: ابسُط يدَك يا أبا بكرٍ، فَبَسَطَ يدَه، فبايعتُه، وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، ونَزَوْنا على سعد بن عُبادة (¬2)، فقال قائل منهم: قتلتم سعدًا! فقلتُ: قَتَلَ اللهُ سعدًا. وقال عمرُ رضي الله عنه: أما واللهِ ما وَجَدنا فيما حَضَرنا أمرًا هو أوفق (¬3) من مبايعة أبي بكر، وخشينا (¬4) إن فارقنا القومَ ولم تكن بيعةٌ أن يُحدِثوا بعدنا بيعةً، فإمَّا أن نتابعهم على مالا نرضى، وإمَّا أن نخالفَهم فيكون فيه فسادٌ، فمن بايع أميرًا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعةَ له، ولا بيعةَ للذي بايعه، تَغِرَّةَ أن يُقتَلا (¬5). قال مالك: فأخبرني ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير: أنَّ الرَّجلين اللَّذين لقياهما: عُوَيم بن ساعدة، ومَعْن بن عدي. قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيّب: أنَّ الذي قال: أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ هو الحُبَاب بن المُنذر. هذا حديث عظيم، أخرجه الجماعة في كتبهم من طرق متعددة، من حديث الزهري: فرواه البخاري (¬6)، عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن مالك ويونس. ¬
وأخرجه -أيضًا- (¬1) من حديث معمر، وسفيان بن عيينة، وصالح بن كَيسان. ومسلم (¬2) من حديث يونس، وسفيان بن عيينة. وأبو داود (¬3) من حديث هشيم. والنسائي (¬4) من حديث اللَّيث، / (ق 277) وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. كلُّهم عن الزهري، به. ورواه النسائي من طرق أخر منقطعة ومرسلة، وفيما ذَكَرنا كفاية، والله أعلم. ¬
حديث آخر في السقيفة أيضا
حديث آخر في السَّقيفة أيضًا (733) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا معاوية بن عمرو، ثنا زائدة، حدثنا عاصم. (ح) وحسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله قال: لمَّا قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منَّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ. فأتاهم عمرُ -رضي الله عنه-، فقال: يا معشرَ الأنصار، ألستم تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد أَمَر أبا بكرٍ أن يَؤمَّ الناسَ؟ فأَيُّكم تَطِيبُ نفسُهُ أن يتقدَّمَ أبا بكرٍ؟ فقالت الأنصار: نعوذُ باللهِ أن نتقدَّمَ أبا بكرٍ. أخرجه النسائي (¬2)، عن إسحاق بن إبراهيم، وهنَّاد بن السَّري. كلاهما عن حسين بن علي الجُعفِي، عن زائدة، به. وهكذا رواه علي ابن المديني، عن حسين بن علي الجُعفِي، به، وقال: صحيح، لا أحفظه إلا من حديث زائدة، عن عاصم. طريق أخرى (734) ورواه النسائي -أيضًا- (¬3) من حديث سَلَمة بن نُبَيط، عن نعيم بن أبي هند، عن نُبَيط بن شَرِيط، عن سالم بن عبيد الأشجعي -وله صحبة-، عن عمرَ أنه قال مثل ذلك. طريق أخرى (735) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي رحمه الله: حدثنا ¬
محمد بن اللَّيث الجوهري، ثنا محمد بن يحيى الأزدي، ثنا عبد الرحيم بن سليمان الكوفي، عن يزيد بن سعيد بن ذي عَصْوان، / (ق 278) عن عبد الملك بن عُمَير: أنه أَخبَرَه رافع بن عمرو الطَّائي قال: أخبرني أبو بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه: أنَّ عمرَ قال يوم السَّقيفة للأنصار: أَمَا تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَر أبا بكرٍ أن يصلِّي بالناس؟ قالوا: نعم. قال: فأيكم يجترئ أن يتقدَّمه؟ قالوا: لا أَيُّنا (¬1). هذا حديث غريب بهذا الإسناد. طريق أخرى (736) قال الإمام محمد بن يحيى الذُّهْلي في كتاب «الزُّهريات»: ثنا عيَّاش بن الوليد، ثنا عبد الأعلى، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمرَ قال: قلت: يا معشرَ الأنصار، يا معشرَ المسلمين، إنَّ أَولى الناس بأمر نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأبو بكرٍ السَّبَّاق المتين، ثم أخذتُ بيده، وبَدَرني رجلٌ من الأنصارِ، فضَرَب على يده قبل أن أضربَ على يده، ثم ضَرَبتُ على يده، فتتابَعَ الناس. ¬
هذا حديث جيد الإسناد من هذا الوجه، وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬1). ويقال: إنَّ هذا الرَّجلَ من الأنصار الذي بايع أبا بكرٍ أولاً، هو بشير بن سعد والد النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما. طريق أخرى (737) قال محمد بن سعد (¬2): ثنا عارِم بن الفضل، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد (¬3): أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا تُوفي اجتمعت الأنصارُ إلى سعد بن عُبادة، فأتاهم أبو بكرٍ، وعمرُ، وأبو عُبيدة بن الجرَّاح، قال: فقام حُبَاب بن المُنذر -وكان بدريًّا-، فقال: منَّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ، فإنَّا واللهِ ما نَنْفسُ هذا الأمرَ عليكم أيها الرَّهطُ، ولكنَّا نخافُ أن يَلِيَها -أو قال: يَلِيه- أقوامٌ، قَتَلنا آباءَهم، وإخوتَهم. قال: فقال له عمر: إذا كان ذلك فمُتْ إن استطعتَ. فتكلَّمَ أبو بكرٍ، فقال: نحن الأمراءُ، وأنتم الوزراءُ، وهذا الأمرُ بيننا وبينكم نصفين، كقَدِّ الأُبلُمَة -يعني: الخوصة (¬4) - فبايع أولَ الناس بشيرُ بن سعد أبو النُّعمان. قال: فلمَّا اجتمع الناسُ على أبي بكرٍ قَسَم بين الناس قَسْمًا، فبَعَث إلى عجوز من بني عدي بن النَّجَّار بقَسْمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قَسْمٌ قَسَمَهُ أبو بكرٍ للنساء. فقالت: أتُراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا. قالت: أتخافون أن أدَعَ ما أنا عليه؟ قالوا: لا. قالت: ¬
فوالله لا آخذُ منه شيئًا أبدًا. فرجع زيد إلى أبي بكرٍ فأَخبَرَه بما قالت، فقال أبو بكرٍ: ونحن لا نأخُذُ ممَّا أعطيناها شيئًا أبدًا. هذا إسناد حسن، وفيه انقطاع. وقال عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه في حديث السَّقيفة: قال عمرُ: فكنتُ أوَّلَ الناس أخذ بيده -يعني: يد أبي بكرٍ-، فبايعه، إلا رجلاً من الأنصار، أدخل يدَه من خلفي بين يَدَيَّ ويده، فبايعوه قبلي. حديث آخر (738) قال البخاري (¬1): ثنا إبراهيم بن موسى، أنا هشام، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّه سَمِعَ خُطبةَ عمرَ الآخرةَ حين جلس / (ق 279) على المنبر، وذلك الغدُ من يومٍ تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ -رضي الله عنه- صامتٌ لا يتكلَّم. قال: كنتُ أرجو أن يعيشَ رسولُ الله صلى الله وسلم حتى يَدبُرَنا -يريد بذلك أن يكونَ آخرَهم-، فإن يكُ محمدٌ قد مات، فإنَّ اللهَ تعالى قد جعل بين أظهركم نورًا تهتدون به، هَدَى الله (¬2) محمدًا صلى الله عليه وسلم، وإنَّ أبا بكر -رضي الله عنه- صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين، وإنه أولى المسلمين بأموركم، فقوموا فبايعوه، وكانت طائفةٌ قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعةُ العامة على المنبر. ¬
قال الزهري: عن أنس بن مالك: سَمِعتُ عمرَ يقول لأبي بكرٍ يومئذ: اصعدِ المنبرَ، فلم يزل به حتى صَعِدَ المنبرَ، فبايعه الناسُ عامَّةً. ثم رواه البخاري (¬1)، عن يحيى بن بُكَير، عن اللَّيث، عن عُقيل، عن الزهري، به. مختصرًا. وقد قدَّمنا في «سيرة الصِّديق» أنه بايَعَه يومئذٍ المهاجرون والأنصار حتى عليٌّ والزُّبيرُ، وذلك بإسناد صحيح ارتضاه مسلم بن الحجَّاج وابن خزيمة رحمهما الله (¬2). ¬
فهذه بيعة الصِّديق التي اتفق عليها المهاجرون والأنصار، وإنما كانت فَلتةً لأنهم لم يحتاجوا إلى تفكُّرٍ وتَرَوٍّ في أمر الصِّديق، إذ هم جازمون قاطعون بأنه أفضلُهم وخيرُهم بعدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأما بيعةُ عمرَ بنِ الخطابِ فكانت بتفويض الصِّديق إليه الأمرَ من بعده، وأجمع الصحابةُ على تلقِّي ذلك من الصِّديق بالقَبول، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا ممَّن يحبُّهم ويتولاهم. / (ق 280) حديث آخر (739) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا وكيع، عن ابن أبي خالد، عن قيس قال: رأيتُ عمرَ وبيده عسيبُ نخلٍ، وهو يُجلِسُ الناسَ، يقول: اسمعوا لقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء مولىً لأبي بكر-يقال له: شَديد- بصحيفة، فقرأها على الناس، فقال: يقول أبو بكرٍ رضي الله عنه: اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصَّحيفة، فوالله ما أَلَوتُكم. قال قيس -وهو: ابن أبي حازم-: فرأيتُ عمرَ بعد ذلك على المنبر. ¬
أثر في تحذير الإمام أن يولي على المسلمين قريبا لقرابته أو فاجرا
أثر في تحذير الإمام أن يولِّي على المسلمين قريبًا لقرابته أو فاجرًا (740) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): ثنا هارون بن سفيان، ثنا خلف بن تميم، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر قال: سَمِعتُ عبد الملك بن عُمَير قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: مَن استعمل رجلاً لمودَّة، أو لقرابة، لا يستعملُهُ إلا لذلك؛ فقد خان اللهَ، ورسولَه، والمؤمنين. (741) قال: وحدثنا عبيد الله بن جرير العَتَكي، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا فرج بن فَضَالة، عن النَّضر بن شُفَي، عن عمران بن سُليم، عن عمرَ بن الخطاب قال: مَن استعمل فاجرًا وهو يعلم أنه فاجرٌ، فهو مثلُه (¬2). ¬
أثر في جواز استعانة الإمام ببعض العمال على ما لا يتمكن منه
أثر في جواز استعانة الإمام ببعض العمَّال على ما لا يتمكَّن منه (742) قال أبو داود في «المراسيل» (¬1): عن محمد بن يحيى، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن الزهري قال: حتى كان في آخر زمانه -يعني: زمان عمر-، فقال ليزيد بن أخت نَمِر: اكفني بعضَ الأمورِ. يعني: صغارَها. (743) ثم رواه -أيضًا- (¬2)، عن محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق (¬3)، ¬
عن معمر، عن الزهري قال: ما اتخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاضيًا حتى مات، ولا أبو بكرٍ، ولا عمرُ، إلا أنه قال لرجل في آخر خلافته: اكفني أمور الناس.
حديث فيه جواز اتخاذ كاتب أمين
حديث فيه جواز اتخاذ كاتب أمين (744) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا عمر بن الخطاب السِّجستاني، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا محمد بن صَدَقة / (ق 281) الفَدَكي، ثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: كُتِبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابٌ، فقال لعبد الله بن أرقم: «أَجِب هؤلاءِ»، فأخذه عبد الله بن أرقم، فكَتَبَهُ، ثم جاء بالكتاب، فعَرَضَهُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أحسنتَ»، فما زال ذلك في نفسي حتى وليتُ، فجعلتُه على بيت المال. ثم قال: لا نعلم رواه عن زيد بن أسلم، عن أبيه، إلا مالك (¬2). قلت: ومحمد بن صَدَقة هذا: ذَكَره أبو حاتم (¬3)، فقال: كان يسكن ناحية المدينة، روى عن مالك، وعنه: إبراهيم بن المنذر، ولم يزد على هذا. ولهم شيخ آخر يقال له: محمد بن صَدَقة الجُبْلاني المُكتِب الحمصي، روى عن بقيَّة وطبقته، وعنه: أبو حاتم، وقال (¬4): صدوق. وهو من رجال النسائي. ¬
وآخر يقال له: محمد بن صَدَقة (¬1)، رأى أنس بن مالك، وليس في ... (¬2). ¬
أثر فيه أن الإمام يأذن للناس عليه بحسب منازلهم في الإسلام والشرف، وأنهم يجلسون منه كذلك
أثر فيه أنَّ الإمام يأذن للناس عليه بحسب منازلهم في الإسلام والشَّرَف، وأنهم يجلسون منه كذلك (745) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا جرير بن حازم قال: سَمِعتُ الحسنَ قال: حَضَر بابَ عمرَ بن الخطاب سهيلُ بن عمرو، والحارثُ بن أبي هشام (¬2)، وأبو سفيان بن حرب، ونَفَرٌ من قريش من تلك الرءوس، وصهيبُ، وبلالُ، وتلك الموالي الذين شهدوا بدرًا، فخَرَج آذنُ عمرَ، فأذن لهم، وترك هؤلاء، فقال أبو سفيان: لم أر كاليوم قطُّ! يأذن لهؤلاء العبيد، ويتركنا على بابه لا يلتفت إلينا! فقال سهيل بن عمرو -وكان رجلاً عاقلاً-: أيُّها القوم، إنِّي والله لقد أرى الذي في وجوهكم، إن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم، دُعِيَ القوم ودُعِيتُم، فأسرعوا وأبطأتم، فكيف بكم إذا دُعُوا يوم القيامة وتُرِكتُم؟! / (ق 282) أثر آخر (746) قال الزُّبير بن بكَّار (¬3): حدَّثني مصعب بن عثمان، حدثني ¬
نوفل بن عُمارة قال: جاء الحارث بن هشام وسُهيل بن عمرو إلى عمر بن الخطاب، فجلسا عنده، وهو بينهما، فجعل المهاجرون الأَوَّلون يأتون عمرَ، فيقول: ههنا يا سُهيل، ههنا يا حارث، فيُنحِّيهما عنهم، وجعل الأنصار يأتون عمرَ، فيُنحِّيهما عنهم، حتى صاروا في آخر الناس، فلمَّا خَرَجا من عند عمرَ، قال الحارث بن هشام لسُهيل بن عمرو: ألم تَرَ ما صَنَع بنا؟! فقال له سُهيل: أيُّها الرَّجل، لا لومَ عليه، ينبغي أن نرجع باللَّوم على أنفسنا، دُعِيَ القوم فأسرعوا، ودُعِينا فأبطأنا، فلمَّا قاموا من عند عمرَ أتياه، فقالا: يا أميرَ المؤمنينَ، قد رأينا ما فعلتَ اليوم، وعَلِمنا أنَّا أُتِينَا من أنفسنا، فهل من شيء نستدرك به؟ فقال لهما: لا أعلمُه إلا هذا الوجه، وأشار لهما إلى ثغر الرُّوم. فخَرَجا إلى الشام، فماتا بها رضي الله عنهما. أثر آخر (747) قال الهيثم بن عَدي: أنا أبو بكر الهُذَلي، عن الحسن قال: كَتَب عمرُ بن الخطاب إلى أبي موسى، وهو بالبصرة: بلغني أنك تأذن للناس جمًّا غفيرًا، فإذا جاءك كتابي هذا، فَأْذَنْ لأهل الشَّرَف، وأهل القوَّة والتَّقوى والدِّين، فإذا أخذوا مجالسَهم، فَأْذَنْ للعامَّة. فهذه آثار حسنة، وإن كان فيها انقطاع.
حديث في التحذير من أئمة الضلال والجور
/ (ق 283) حديث في التحذير من أئمَّة الضَّلال والجور (748) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبدالقدوس بن الحجَّاج، ثنا صفوان، حدثني أبو المُخارِق زُهَير بن سالم: أنَّ عُمَير بن سعد الأنصاري كان عمرُ ولاَّه حمص ... (فذَكَر الحديث) (¬2)، قال عمرُ -يعني لكعب-: إني أسألك عن أمرٍ فلا تكتُمْني. قال: والله لا أكتُمُك شيئًا أعلمُه. قال: ما أخوفُ شيء تخوَّفُهُ على أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟ قال: أئمَّةً مُضِلِّين. قال عمرُ: صَدَقتَ، قد أَسرَّ ذلك إليَّ وأَعلَمَنِيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. هذا إسناد جيد (¬3)، وليس في شيء من الكتب السِّتة، ولم يَسرد الإمام أحمد قصَّة عُمَير بن سعد، وقد ساقها الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر»، وفيها غرابة. (749) وقد روى الإسماعيلي -أيضًا- (¬4) من طرق جيدة عن الشَّعبي، عن زياد بن حُدير قال: قال لي عمرُ بن الخطاب: يا زيادُ، هل تدري ما يَهدمُ دعائمَ الإسلامِ؟ قلت: لا. قال: زَلَّةُ العالِمِ، وجدالُ المنافقِ بالقرآنِ، وحُكمُ الأئمَّةِ المضلين. ¬
طريق أخرى (750) وقال أبو الجهم العلاء بن موسى (¬1): ثنا سوَّار، ثنا مُجالِد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد، عن ابن عباسٍ قال: خَطَب عمرُ، فقال: إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم تغيُّرُ الزَّمانِ، وزَيغةُ عالِمٍ، وجدالُ منافقٍ بالقرآنِ، وأئمَّةٌ يُضلُّون الناسَ بغير علم. / (ق 284) حديث آخر (751) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا مصعب بن عبد الله، ثنا الدَّرَاوَردِي، عن محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألاَ أُخبِرُكُم بخِيَارِ أَئِمَّتِكم من شِرَارِهم؟ الذين تُحبونَهم ويُحبونَكم، وتَدعُون لهم ويَدعُون لكم، وشِرارُ أَئِمَّتِكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتَلعنونَهم ويَلعنونَكم». ورواه الترمذي في الفتن (¬3)، عن بُندَار، عن أبي عامر العَقَدي، عن محمد بن أبي حميد. وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي حميد، وهو يضعَّف من قبل حفظه (¬4). ¬
أثر في أنه يجوز استعمال الرجل القوي وإن كانت له ذنوب يستسر بها
أثر في أنه يجوز استعمال الرَّجل القويِّ وإن كانت له ذنوب يَستَسِر بها (752) قال أبو عبيد في «الغريب» (¬1): حدثني يزيد بن هارون، عن هشام، عن الحسن قال: قال حذيفةُ لعمرَ: إنَّك تستعين بالرَّجل الذي فيه -وفي رواية: بالرَّجل الفاجر-؟ فقال عمرُ: إنِّي أستعملُهُ لأستعين بقوَّته، ثم أكون على قَفَّانِه. قال الأصمعي: قَفَّان كلِّ شيء: جِمَاعُهُ، واستقصاءُ معرفتِه، يقول: أكون على تَتَبُّع أمره حتى أستقصي عِلمَهُ وأعرفَهُ. قال أبو عبيد: ولا أَحسِبُ هذه الكلمة عربية، إنما أصلها: قَبَّان، ومنه قول العامَّة: فلانٌ قَبَّانٌ على فلان، إذا كان بمنزلة الأمين عليه، والرئيس الذي يَتَتَبَّع أمرَه ويحاسِبُه، ومنه سمِّي هذا الميزان الذي يقال له: القَبَّان. ¬
أثر فيه أن الوالي إذا طرأ عليه ما ينافي العدالة فإنه يعزل
أثر فيه أن الوالي إذا طرأ عليه ما ينافي العدالة فإنه يُعزَل (753) قال محمد بن سعد في «الطبقات» (¬1): كان عمرُ بن الخطاب قد استَعمل النعمان بن عديِّ بن نَضلة، على مَيْسان من أرض البصرة، وكان يقول الشِّعر، فقال: ألا هل أتَى الحسناءَ أنَّ حَلِيلَها ... بمَيْسانَ يُسقَى في زُجَاجٍ وحَنْتَمِ (¬2)؟ إذا شئتُ غَنَّتني دَهَاقينُ قريةٍ ... وَرَقَّاصَةٌ تَجثُو (¬3) على كُلِّ مَنْسِم فإنْ كنتَ نَدماني فبالأكبرِ اسْقِنِي ... ولا تَسْقِني بالأصغرِ المُتَثَلِّم لعل أميرَ المؤمنينَ يَسُوؤهُ ... تَنادُمُنا في الجَوْسَقِ المُتَهَدِّم ¬
فلمَّا بَلَغ عمرُ قولَه، قال: نعم، واللهِ إنَّه لَيَسُوءنِي، مَن لَقِيَهُ / (ق 285) فليُخبِرْهُ أنِّي قد عَزَلتُه. فقَدِمَ عليه رجلٌ من قومه فأَخبَرَه بعزله، فقَدِمَ على عمرَ، فقال: واللهِ ما صنعتُ شيئًا ممَّا قلتُ، ولكن كنتُ امرأً شاعرًا، وَجَدتُ فَضلاً من قول، فقلتُ فيه الشِّعر. فقال عمرُ رضي الله عنه: والله لا تعملُ لي على عملٍ ما بقيتُ، وقد قلتَ ما قلتَ. (754) وقد روى الحافظ أبو بكر ابن أبي الدُّنيا -رحمه الله- (¬1) عن أحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق ... ، فذَكَر مثلَه. وحكى الزُّبير بن بكَّار مثل ذلك -أيضًا-، إلا أنه قال: إذا شئتُ غَنَّتني دَهَاقينُ قريةٍ ... وَصَنَّاجةٌ (¬2) تَجذُو على كُلِّ مَنْسِم قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي عن شيخه أبي منصور: وهذا هو الصحيح. والمِنسَمُ: استعارة، وإنما يقال ذلك للبعير، وهو من الإنسان الظُّفر. قال: والجوسق: فارسيٌّ مُعرَّب، وهو القَصر الصغير، ويقال له: الكَوشك. ¬
(755) قال الزُّبير بن بكَّار (¬1): وحدَّثني محمد بن الضَّحَّاك بن عثمان الحِزَامي، عن أبيه قال: لمَّا بلغ عمرُ بن الخطاب هذا الشِّعر، كَتَب إلى النعمان: بسم الله الرحمن الرحيم: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} (¬2)، أمَّا بعد، فقد بلغني قولُك: لعل أميرَ المؤمنينَ يَسُوؤهُ ... تَنادُمُنا في الجَوْسَقِ المُتَهَدِّم / (ق 286) وايمُ الله، إنَّه لَيَسُوءنِي، وعَزَله. فلمَّا قَدِمَ على عمرَ بَكَّتَه بهذا الشِّعر، فقال: يا أميرَ المؤمنين، ما شَرِبتُها قطُّ، وما ذاك الشِّعر إلا شيءٌ طَفَح على لساني. فقال عمرُ رضي الله عنه: أظنُّ ذاك، ولكن لا تعمل لي على عملٍ أبدًا. فهذا مشهور من صنيع عمر رضي الله عنه. أثر آخر (756) قال الحارث بن مسكين: ثنا سفيان، عن شَبيب بن غَرقَدة، عن المستَظِلِّ قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: قد عَلِمتُ وربِّ الكعبة: متى تَهلِكُ العرب، إذا ساسهم مَن لم يُدرك جاهلية، ولم يكن له قَدَمٌ في الإسلام (¬3). ¬
كتاب الأقضية
كتاب الأقضية (757) قال البخاري رحمه الله (¬1): ثنا الحكم بن نافع، ثنا شعيب، عن الزهري: حدَّثني حميد بن عبد الرحمن بن عَوف: أنَّ عبد الله بن عُتبة قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: إنَّ أناسًا كانوا يُؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّ الوحيَ قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظَهَر لنا من أعمالِكم، فمن أظهر لنا خيرًا أَمِنَّاه (¬2)، ومَن أظهر لنا سُوءًا لم نأمَنْهُ، ولم نُصدِّقْهُ، وإنْ قال: إنَّ سَريرتَه حَسَنة. ¬
هكذا أورده البخاري، وليس هو عند أصحاب الأطراف (¬1). وفيه دلالة على الحكم بالظاهر. وقد روي من طريق أخرى: (758) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا إسماعيل -يعني: ابن عُليَّة-، أنا الجُرَيري سعيد، عن أبي نَضرة، عن أبي فِراس قال: خَطَب عمرُ بن الخطاب، فقال: يا أيُّها الناسُ، ألا إنما كنَّا نَعرِفُكم إذ بين ظَهْرينا (¬3) النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإذ ينزل الوحي، إذ يُنبِّئُنا اللهُ من / (ق 287) أخباركم، ألا وإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد انطلق، وانقطع الوحي، وإنمَّا نَعرِفُكم بما نقولُ لكم، من أظهر منكم خيرًا ظَننَّا به خيرًا، وأحبَبْناهُ عليه، ومَن أظهر لنا شرًّا ظَننَّا به شرًّا، وأبغضنَاهُ عليه، سرائرُكم بينَكم وبين ربِّكم عزَّ وجلَّ، ألا وإنَّه قد أتى عليَّ حينٌ وأنا أَحسِبُ أنَّ مَن قرأ القرآنَ يريد اللهَ وما عنده، وقد خُيِّل إليَّ بأخرة أنَّ رجالاً قد قرؤوه يريدون به ما عند الناس، فأَريدوا اللهَ بقراءتِكم، وأَريدوه بأعمالكم، أَلا إنيِّ والله ما أُرسِلُ عُمَّالي إليكم ليضربوا أبشارَكم، ولا ليأخذوا أموالَكم، ولكن أُرسِلُهُم إليكم لِيعلِّموكُم دينَكم وسُنتَكم، فمَن فُعِلَ به سوى ذلك؛ فليرفَعْه إليَّ، فوالذي نفسي بيده، إذاً لأُقِصَّنَّهُ منه. فوَثَب عمرو بن العاص، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أو رأيتَ إن كان رجلٌ من المسلمين على رعيَّة فأدَّب بعض رعيته، أَئنَّك لَمُقصُّه (¬4) منه؟! قال: إي، والذي نفس عمر بيده، إذًا لأُقِصَّنَّه منه، أنا لا أُقِصُّ منه، وقد ¬
رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقِصُّ من نفسِهِ؟ أَلا لا تضربوا المسلمين فتُذِلُّوهم، ولا تُجمِّروهم (¬1) فتَفتنوهم، ولا تَمنعوهم حقوقَهم فتُكفِّروهم (¬2)، ولا تُنزلوهم الغِياض (¬3) فتُضيِّعوهم. ورواه النسائي في القصاص (¬4)، عن مؤمَّل بن هشام، عن إسماعيل بن عُليَّة، مختصرًا: / (ق 288) رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَقَصَّ من نفسِهِ. وأخرجه أبو داود في الدِّيات (¬5)، عن محبوب بن موسى، عن أبي إسحاق الفَزَاري (¬6)، عن سعيد بن إياس الجُرَيري، به. وفيه خُطبة عمرَ: إنِّي لم أَبعَثْ عُمَّالي ليضربوا أبشارَكم ... ، الحديث. واختاره الحافظ الضياء (¬7) من طريق أبي يعلى (¬8)، عن عبد الله بن محمد بن أسماء، عن ابن مهدي (¬9)، عن سعيد الجُرَيري. وقد رواه علي ابن المديني، عن عبد الأعلى، ورِبعي بن إبراهيم. كلاهما عن الجُرَيري، بطوله. ¬
وقال: إسناده بصري حسن. وقال في موضع آخر: لا نعلم في إسناده شيئًا يُطعنُ فيه، وأبو فِراس رجل معروف من أسلم (¬1)، روى عنه أبو نَضرة، وأبو عمران الجَوْني. قلت: ولا يُعرف اسمه، ومنهم من سمَّاه: الرَّبيع بن زياد الحارثي (¬2)، وأنكر ذلك بعضُهم، وفرَّق بينهما (¬3)، فالله أعلم. ¬
حديث فيه أثر عن عمر في التحذير من غائلة ولاية القضاء
حديث فيه أثر عن عمر في التحذير من غائلة ولاية القضاء (759) قال هشام بن عمَّار، عن صَدَقة، عن الشُّعيثي، عن زُفَر بن وَثِيمة: أنَّ عمرَ دعا رجلاً إلى القضاء، فأَبَى عليه، قال: لم؟ قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «القضاةُ ثلاثةٌ: قاضٍ في الجنَّةِ، وقاضيانِ في النَّارِ ...» الحديث. هكذا رواه أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر» من حديث هشام بن عمَّار. (760) وقد روى أبو بكر ابن أبي عاصم، والترمذي (¬1) من حديث معتمر بن سليمان، عن عبد الملك بن أبي جميلة، عن عبد الله بن موهَب: أنَّ عثمانَ قال لابن عمرَ: اذهب فاقض بين الناس، قال: أَوَ (تُعافيني) (¬2) يا أميرَ المؤمنين، قال: فما تكره من ذلك، وقد كان أبوك يقضي؟ قال: إنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان قاضيًا، فقَضَى بالعدلِ، فَبِالحَرِي أن يَنفَلِتَ منه كفافًا»، فما أرجو بعد ذلك؟! وفي الحديث قصَّة ... (¬3) غريب، وليس إسناده عندي بمتَّصل. ¬
ولفظ ابن أبي عاصم، عن عبد الله بن موهَب، عن ابن عمرَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن كان قاضيًا، فقَضَى بحقٍّ، سأل التَّفلُتَ كفافًا» -قال ابن عمرَ: فما أرجو بعدُ إذًا- «ومَن كان قاضيًا، فقَضَى بجهلٍ كان من أهلِ النَّارِ، ومَن كان قاضيًا، فقَضَى بجَورٍ فهو من أهلِ النَّارِ». ففي سياق ابن أبي عاصم مايبيِّن اتِّصال الحديث، لكن عبد الملك هذا لم يرو عنه سوى معتمر، ولهذا قال فيه أبو حاتم (¬1): مجهول. وأما ابن حبان، فذَكَره في «الثقات» (¬2). وعلى كلِّ حال، فهذا أولى ممَّا رواه الإسماعيلي في «مسند عمر»، فلعلَّه تصحَّف عليه بعثمان، وإن كان محفوظًا، فلعلَّهما واقعتان، والله أعلم. ¬
أثر في صفة القضاء
أثر في صفة القضاء (761) قال إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي (¬1)، ويحيى بن الرَّبيع المكي -واللفظ لإبراهيم-، كلاهما عن سفيان بن عيينة، حدَّثنا والد عبد الله بن ¬
إدريس قال: أتيتُ سعيدَ بن أبي بُرْدة، فسألته عن رسائل عمرَ التي كان يكتب إلى أبي موسى، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بُرْدة، قال: فأخرَجَ إليَّ كُتُبًا، فرأيتُ في كتاب منها: أمَّا بعدُ، فإنَّ القضاءَ فريضةٌ مُحكَمَةٌ، وسُنَّةٌ مُتبَعةٌ، فافهم إذا أُدلِيَ إليك، فإنَّه لا ينفعُ تَكلُّم بحقٍّ لا نفاذَ له. آسِ بين الاثنين في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمعَ شريفٌ في حَيْفِك، ولا ييأس وَضِيعٌ -أو / (ق 289) قال: ضعيفٌ- في عدلك. الفَهمَ الفَهمَ فيما يتلجلجُ في صدرك ويُشكِلُ عليك. اعرِفِ الأشباهَ والأمثالَ، ثم قِس الأمورَ بعضَها ببعض، وانظر أقربَها إلى الله، وأشبهها بالحقِّ، فاتَّبِعْه. وأعهد (¬1) إليك، ولا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس راجعتَ فيه نفسَك، وهُدِيتَ فيه لرُشْدِك أن تُراجِعَ الحقَّ، فإنَّ مراجعة الحقِّ خيرٌ من التَّمادي في الباطل. ¬
المسلمون عُدُولٌ بعضُهم على بعض، إلا مجلودًا في حدٍّ، أو مجرَّبًا عليه شهادة زُور، أو ظِنِّينًا في وَلاَء، أو قَرَابة. اجعل لمَن ادَّعى حقًّا غائبًا أمدًا يَنتهي إليه، أو بيِّنةً عادلةً، فإنَّه أَثبتُ في الحجَّة وأبلغُ في العذر، فإن أَحضَرَ بيِّنتَه، وإلاَّ وجَّهتَ عليه القضاء. البيِّنة على من ادَّعى، واليمينُ على من أَنكر. إنَّ الله تولَّى منكم السَّرائرَ، ودرأَ عنكم الشُّبهاتِ. إيَّاك والقلقَ، والضَّجرَ، والتأذِّيَ بالناس، والتَّنكُرَ للخصم في مجالس القضاء. إلى أن قال: والصلحُ جائزٌ بين المسلمين، إلا صُلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً. ومَن تَزيَّن للناس بما لم يعلم اللهُ منه شانَه اللهُ، فما ظنُّك بثواب غير الله في عاجل دنيا وآجل آخرة. هذا أثر مشهور، وهو من هذا الوجه غريب، ويسمَّى وِجاَدة (¬1)، والصحيح: أنه يحتجُّ بها إذا تحقِّق الخطُّ، لأنَّ أكثرَ كُتُب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك / (ق 290) الأقطار كذلك، وقد بَسَطتُ القولَ بصحَّتها في أوَّل شرح البخاري، ولله الحمد. وقد ورد هذا الأثر من وجه آخر: ¬
(762) كما رواه الحافظ البيهقي في «سننه» (¬1) فقال: أنا الحاكم، أنا الأصمُّ، ثنا محمد بن إسحاق الصَّاغاني، ثنا محمد بن عبد الله بن كُناسة، ثنا جعفر بن بَرقان، عن معمر البصري، عن أبي العوَّام البصري قال: كَتَبَ عمرُ إلى أبي موسى: إنَّ القضاءَ فريضةٌ مُحكَمةٌ، وسُنَّةٌ مُتبعَةٌ، فعليك بالعقل والفَهم وكثرة الذِّكر، فافهم إذا أَدلى إليك الرَّجلُ الحُجَّةَ، فاقضِ إذا فَهِمتَ، وامضِ إذا قضيتَ، فإنَّه لاينفَع تكلَّم بحُكم لا نفاذ له. وآسِ بين الناسِ في وجهِكَ، ومجلسِكَ، وقضائِكَ، حتى لا يَطمعَ شريفٌ في حَيفِكَ، ولا يَيأسَ ضعيفٌ من عدلِكَ. والبيِّنةُ على مَن ادَّعى، واليمينُ على مَن أَنكَرَ. والصلحُ جائزٌ بين المسلمين، إلا صُلحًا أَحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً. ومَن ادَّعى حقًّا غائبًا أو بيِّنةً، فاضرِبْ له أَمَدًا يَنتهي إليه، فإنْ جاء ببينتِهِ أعطيتَهُ حقَّهُ، وإنْ أَعجَزَهُ ذلك استَحْلَلتَ عليه القضيَّةَ، فإنَّ ذلك أبلغَ في العذرِ، وأجلى للعَمَى. ¬
ولا يمنعك من قضاء قضيتَه اليوم فراجَعتَ فيه لرأيك، وهُدِيتَ فيه لرُشدِكَ أن تُراجِعَ الحقَّ، لأنَّ الحقَّ قديم، لا يُبطِلُ الحقَّ شيءٌ، ومراجعةُ الحقِّ خيرٌ من التَّمادي في الباطل. والمسلمون عُدُول بعضُهم على بعض في الشَّهادات، إلا مجلودًا في حدٍّ، أو مجرَّبًا عليه شهادة الزُّور، أو ظنِّينًا في وَلاَء ... (¬1)، فإنَّ اللهَ تولَّى من عباده السرائر، وسَتَرَ عليهم الحدودَ إلا بالبيِّنات والأيمان. والفهمَ الفهمَ فيما أُدلِيَ إليك ممَّا ليس في قرآن أو سُنَّة، ثم قايس الأمورَ عند ذلك، واعرِفِ الأشباهَ والأمثالَ، ثم اعمد إلى أحبِّها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحقِّ. وإيَّاك والغضب، والقلق، والضَّجر، والتأذِّي بالناس عند الخصومة والنظر، فإنَّ القضاء في مواطن الحقِّ يُوجِبُ اللهُ به الأجرَ، ويحسن به الذِّكر، فمَن خَلُصَت نيَّته في الحقِّ ولو على نفسه، كَفَاه الله ما بينه وبين الناس، ومَن تَزيَّن لهم بما ليس في قلبه شانَه اللهُ، فإنَّ الله لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصًا، وما ظنُّك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته. ثم قال البيهقي: وقد رواه سعيد بن أبي بُرْدة. وروى عن أبي المليح الهُذَلي أنه رواه (¬2). وهو كتاب معروف مشهور، لابدَّ للقضاة من معرفته والعمل به. ¬
أثر آخر (763) قال الحافظ أبو بكر ابن أبي عاصم (¬1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (¬2)، ثنا علي بن مُسْهِر، عن الشَّيباني، عن الشَّعبي، عن شُريح -يعني: ابن الحارث القاضي-: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- كَتَب إليه: إذا جاءك شيءٌ في كتاب الله فاقض به، ولا يغلبنَّك عليه الرِّجال، وإذا جاءك ما ليس في كتاب الله؛ فانظر سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها، فإن كان أمرًا ليس في كتاب الله، ولا في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلَّم فيه قبلَك أحدٌ فاختر أيَّ الأمرين شئتَ، إن شئتَ أن تجتهدَ رأيَك وتُقدِمَ، فتقدَّم، وإن شئتَ أن تتأخَّر فتأخَّر، أَلا وإنَّ التأخُّر خيرٌ لك. وأخرجه النسائي في «سننه» (¬3) بنحوه، عن بُندَار، عن أبي عامر، عن الثوري، عن الشَّيباني، به. واختاره الحافظ الضياء في كتابه. ¬
أثر آخر (764) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا غسَّان بن الرَّبيع، عن حماد بن سَلَمة، عن عطاء بن السَّائب، عن / (ق 291) محارِب بن دِثَار (¬2)، عن عمرَ: أنَّه قال لرجل قاضٍ كان بدمشق: كيف تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإذا لم تجد؟ قال: أقضي بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإذا جاءك ما ليس في السُّنَّة؟ قال: أجتهد رأيي، وأُؤامِرُ جلسائي. قال: أحسنتَ. وقال: إذا جلستَ، فقل: اللهمَّ، إنِّي أسألك أن أُفتِيَ بعلم، وأقضي بحُكمٍ، وأسألك العدل في الغضب والرِّضا. قال: فسار الرَّجلُ غيرَ بعيدٍ، ثم رجع، فقال لعمر: إنِّي رأيتُ كأنَّ الشَّمسَ والقمرَ يقتتلان، ومع كُلِّ واحد منهما جنودٌ من الكواكب. قال: مع أيِّهما كنتَ؟ قال: مع القمر. فقال عمرُ رضي الله عنه: يقول الله تعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (¬3) لا تلي لي عملاً. هذا أثر منقطع. ¬
أثر في رد شهادة الزور
أثر في ردِّ شهادة الزُّور (765) قال أبو عبيد (¬1): حدثني إسحاق، عن مالك (¬2)، عن ربيعة، يَرويه عن عمرَ: أنَّ رجلاً أتاه، فقال: إنَّ شهادةَ الزُّور قد كَثُرَت في أرضهم، فقال: لا يُؤسَر أحدٌ في الإسلام بشهداء السُّوء، فإنَّا لا نقبلُ إلا العُدُولَ. قال أبو عبيد: لا يُؤسَر: أي: لا يُحبَسُ. وفسَّر مجاهد قوله تعالى: {مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (¬3) بالمحبوس. أثر آخر (766) قال إسماعيل بن عيَّاش (¬4): عن محمد بن يزيد الرَّحَبي، ¬
ومحمد بن الحجَّاج الخَوْلاني، عن عروة بن رُويم اللَّخمي قال: كَتَب عمرُ بن الخطاب إلى أبي عُبيدة بن الجرَّاح كتابًا، فقرأه على الناس بالجابِيَة (¬1): أمَّا بعدُ، فإنَّه لم يُقِمْ أمرَ اللهِ في الناس إلا حصيفَ العُقدةِ (¬2)، بعيدَ الغِرَّةِ (¬3)، ولا يَطَّلع الناسُ منه على عَورة، ولا يحنقُ في الحق على جرأة (¬4)، ولا يخافُ في الله لومةَ لائمٍ، والسَّلام عليك. وكَتَب عمرُ إلى أبي عُبيدة: أمَّا بعدُ، فإنِّي كَتَبتُ إليك بكتابٍ لم آلُكَ ونفسي (¬5) فيه خيرًا، الزم خمسَ خلالٍ (¬6) يَسلَمُ لك دينُك، وتحظى بأفضلَ حظِّك: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبيِّنات العُدُول، والأيمان القاطعة، ثم أدنِ الضعيفَ حتى ينبسطَ لسانُه، ويجترئَ قلبُه، وتعاهدِ الغريبَ، فإنَّه إذا طال مقامُهُ ترك حاجتَه وانصرف إلى أهله، فإذا الذي أبطل حقَّه مَن لم ¬
يرفع به رأسًا، واحرص على الصُّلح مالم يتبيَّن لك القضاءُ، والسَّلام عليك. أثر آخر (767) قال أبو القاسم البغوي: ثنا عمر بن وَرَّاد، ثنا المسيّب بن شريك، عن الحسن بن حَي قال: سَمِعتُ علي بن بَذِيمة يقول: قال عمرُ بن الخطاب: رُدُّوا الخصومَ، فإنَّ القضاءَ يورثُ الشَّنَآنَ (¬1). ¬
أثر في النهي عن الرشوة للحاكم في الحكم
أثر في النهي عن الرِّشوة للحاكم في الحكم (768) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا أبو كُرَيب، ثنا طَلق بن غنَّام، ثنا محمد بن زياد البَرجُمُي، ثنا أبو حَريز الأزدي قال: كان رجلٌ لا يزال يُهدِي لعمرَ فَخِذَ جزورٍ، إلى أن جاء ذاتَ يومٍ بخصمٍ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، اقضِ بيننا قضاءً فَصْلاً، كما يُفصَل الفَخِذُ من سائر الجزور. قال عمرُ رضي الله عنه: فما زال يردِّدها عليَّ حتى خفتُ على نفسي، فقَضَى عليه عمر، وكَتَب إلى عمَّاله: إيَّاكم والهدايا؛ فإنها من الرُّشَا. ¬
أثر آخر في كيفية التعديل
أثر آخر في كيفية التعديل (769) قال أبو القاسم البغوي (¬1): ثنا داود بن رُشيد، ثنا الفضل بن زياد، ثنا شيبان، عن الأعمش، عن خَرَشة بن الحُرِّ قال: شهد رجلٌ عند عمرَ بن الخطاب شهادةً، فقال له: لست أعرفُك، ولا يضرُّك ألا أعرفَك، ائتِ بمَن يعرفُك. فقال رجل من القوم: أنا أعرفُه. فقال: بأيِّ شيء تعرفُه؟ ¬
فقال: بالعدالة والفضل! قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليلَه ونهارَه ومدخلَه ومخرجَه؟ قال: لا. قال: فمعاملُك بالدِّينار / (ق 292) والدِّرهم اللَّذين يُستَدَل بهما على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقُك في السَّفر الذي يُستَدَلُ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لست تعرفُه. ثم قال للرَّجل: ائت بمن يَعرفُك.
أثر فيه أن المتحاكمين يذهبان إلى الحاكم بأنفسهما
أثر فيه أنَّ المُتحاكِمَين يذهبان إلى الحاكم بأنفسهما (770) قال أبو القاسم البغوي (¬1): ثنا علي بن الجَعْد، ثنا شعبة، عن سيَّار قال: سَمِعتُ الشَّعبي قال: كان بين عمرَ وأُبَي -رضي الله عنهما- خصومةٌ، فقال عمرُ: اجعل بيني وبينك رجلاً. فجعلا بينهما زيدًا -يعني: ابن ثابت-. قال: فأتياه، فقال عمرُ: أتيناك لِتَحكُم بيننا، في بيته يُؤتى الحَكَم. إسناده جيد، وإن كان منقطعًا، وفيه دليل على التحكيم -أيضًا-، والله أعلم. أثر آخر (771) قال معمر، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: كان بين عمرَ بن الخطاب وسعيدِ بن زيد خصومةٌ، فتقاضيا إلى أُبَي بن كعب، فقَضَى على عمرَ باليمين، فقال سعيد: أما إذ صارت إليَّ اليمين، فإنِّي أعفيه منها. فقال عمرُ: ما أريد أن تعفيني منها، إنِّي أحلفُ على حقٍّ، فاستحلفه، فحَلَف، ثم صعد المنبرَ، فقال: أيها الناسُ، إنه ليس باليمين البرَّة الصادقة بأسٌ. قال: ثم حَلَف على ثوبه، ثم قال: والله إنَّ هذا الثَّوبَ لثوبي. ¬
أثر يذكر في باب اليمين في الدعاوى
أثر يُذكر في باب اليمين في الدَّعاوى (772) قال الإمام مالك (¬1): عن ابن شهاب، عن سليمان بن يَسَار. وعن أنس (¬2) بن مالك: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال للجُهني الذي ادَّعى دم وَليِّهِ على رجل من بني سعد بن ليث، وكان أجرى فرسَه، فوَطِئَ على إصبع الجُهَني، فنَزَى منها (¬3)، فمات، فقال عمرُ للَّذين ادُّعي عليهم: أتحلفون بالله خمسينَ يمينًا ما مات منها؟ فأَبَوا، أوتحرَّجوا، فقال للمدَّعين: احلفوا، فأَبَوا، فقَضَى بشطر الدِّية على السَّعديين. هذا إسناد صحيح، والأثر غريب جدًّا (¬4). ¬
حديث يذكر في الشهادات وغيرها
حديث يُذكر في الشَّهادات وغيرها (773) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن يزيد، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن رجل من قريش من بني سَهم، عن رجل منهم يقال له: ماجدة. وفي روايته: عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن العلاء، عن رجل، عن ابن ماجدة قال: عَارَمْتُ (¬2) غلامًا بمكةَ، فعضَّ أذني، فقطع منها، أو عَضضتُ أذنَه، فقطعتُ منها، فلمَّا قَدِمَ علينا أبو بكرٍ حاجًّا رُفِعنَا إليه، فقال: انطلقوا بهما إلى عمرَ بن الخطاب، فإن كان الجارحُ بلغ أن يُقتَصَّ منه، فليَقتصَّ منه. قال: فلمَّا انتُهي بنا إلى عمرَ نظر إلينا، فقال: قد بلغ هذا أن يُقتصَّ منه، ادعوا لي حجَّامًا، فلمَّا ذُكر الحجَّامَ قال: أما إنِّي قد سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «قد أعطيتُ خالتي غلامًا، وأنا أرجو أن يُبارِكَ اللهُ لها فيه، وقد نهيتُها أن تجعلَه حجَّامًا (¬3)، أو قصَّابًا (¬4)، أو صائغًا (¬5)». وهكذا رواه أبو داود في «سننه» (¬6)، عن الفضل بن يعقوب، عن عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن العلاء، عن رجل من سَهم، عن ابن ماجدة / (ق 293) عن عمرَ، به. ورواه البخاري في «التاريخ» (¬7) من حديث محمد بن إسحاق، ¬
عن العلاء، عن رجل من بني سَهم، عن علي بن ماجدة، سَمِعَ عمرَ، سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وَهَبتُ لخالتي غلامًا، ونهيتُ أن تجعَلَهُ حجَّامًا». قال: وقال لنا حجَّاج: ثنا حماد بن سَلَمة، عن محمد بن إسحاق، عن العلاء، عن أبي ماجدة، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: وهو مرسل (¬1)، لم يصحَّ إسناده. وهكذا رواه أبو داود (¬2)، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سَلَمة، به. وعن يوسف بن موسى، عن سَلَمة بن الفضل. كلاهما عن محمد بن إسحاق، عن العلاء، عن (ابن) (¬3) ماجدة، به ¬
حديث آخر في خطبة عمر رضي الله عنه بالجابية، وما فيها من الفوائد المتعلقة بالشهادت وغيرها
حديث آخر في خطبة عمر رضي الله عنه بالجابية، وما فيها من الفوائد المتعلِّقة بالشَّهادت وغيرها (774) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا علي بن إسحاق، أنا عبد الله -يعني: ابن المبارك (¬2) -، أنبأنا محمد بن سُوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ خَطَب بالجابِيَة (¬3)، فقال: قام فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقامي فيكم، فقال: «استَوصُوا بأَصحابي خيرًا، ثم الذين يَلَونهُم، ثم الذين يَلَونهَم، ثم يَفشُو الكذبُ، حتى إنَّ الرَّجلَ لَيَبتَدِئُ بالشَّهادةِ قبلَ أن يُسأَلَها، فمن أراد منكم بحبَحَةَ الجنَّةِ، فليَلزَمِ الجماعةَ، فإنَّ الشَّيطانَ مع الواحدِ، وهو من الاثنين أبعدُ، لا يخلُونَّ أحدُكُم بامرأةٍ، فإنَّ الشَّيطانَ ثالثُهما، / (ق 294) ومَن سرَّتهُ حسنتُهُ، وسَاءَتهُ سيِّئتُهُ، فهو مؤمنٌ». ورواه الترمذي في الفتن (¬4)، عن أحمد بن مَنيع. والنسائي في عشرة النِّساء (¬5)، عن محمد بن الوليد الفحَّام. كلاهما عن أبي المغيرة النَّضر بن إسماعيل، عن محمد بن سُوقة، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه النسائي -أيضًا- (¬6)، عن صفوان بن عمرو الحمصي، عن موسى بن أيوب، عن عطاء بن مسلم، عن ابن سُوقة، عن أبي صالح ¬
قال: قَدِمَ عمرُ ... ، فذَكَره. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬1)، عن الحسن بن سفيان، عن حَبَّان بن موسى، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن سُوقة، كما رواه الإمام أحمد. قال أبو الحسن الدارقطني (¬2): هكذا رواه النَّضر بن إسماعيل، وعبد الله بن المبارك، والحسن بن صالح (¬3)، عن محمد بن سُوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، به. وخالَفَهم يزيد بن أسامة بن الهاد، فرواه عن عبد الله بن دينار، عن الزهري: أنَّ عمرَ لمَّا قَدِمَ الشَّامَ خَطَبَهم ... ، فذَكَر مثلَه (¬4). قلت: كذا رواه النسائي (¬5)، عن الرَّبيع بن سليمان بن داود، عن إسحاق بن بكر بن مُضَر، عن أبيه، عن يزيد بن الهاد، به. وهو منقطع، لكن قد رُويت هذه الخطبةُ عن عمرَ من وجوه عديدة إذا تُتبِّعت بَلَغت حدَّ التَّواتر. فمن ذلك: ما رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬6)، حيث قال: أنا شعبة (¬7)، عن عبد الملك بن عُمَير قال: سَمِعتُ جابر بن سَمُرة قال: خَطَبنا ¬
عمرُ بالجابِيَة ... ، فذَكَره، بنحوه. ورواه أحمد (¬1)، عن جرير / (ق 295) بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عُمَير، به. وأخرجه النسائي (¬2)، وابن ماجه (¬3) من حديث جرير. ورواه ابن حبان في «صحيحه» (¬4)، عن أبي يعلى الموصلي (¬5)، عن أبي خيثمة وعلي بن حمزة المِعْوَلي. كلاهما عن جرير، به. ورواه الإمام علي ابن المديني، عن جرير بن عبد الحميد. وعن وهب بن جرير، عن أبيه. كلاهما عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة، به. قال: وخالَفَهما زائدة ومعمر، فروياه عن عبد الملك بن عُمَير، عن رجل، عن ابن الزُّبير. ورواه ابن عيينة، عن عبد الملك بن عُمَير، مرسلاً. ¬
ثم ساقه من هذه الطرق، ولم يحكم فيه بشيء، ولكن قال: قلت لسفيان فيه، فقال: ثنا ابن أبي لبيد، عن ابن سليمان بن يَسَار، عن أبيه: أنَّ عمرَ خَطَبَ (¬1). فلمَّا حفظته من ابن أبي لبيد لم أهتمُّ بحديث عبد الملك بن عُمَير. قال علي: وَوَجْدناه في كتاب ابن أبي شيبة (¬2)، عن شيخ ضعيف الحديث، يقال له: يحيى بن يعلى التَّيمي، جَعَله عن عبد الملك بن عُمَير، عن قَبيصة بن جابر! وليس هذا عندنا بمحفوظ؛ لأنَّه لم يقله أحدٌ من الحفَّاظ، وإنما كتبناه لِيُعرَف. ومنها: ما رواه عَبد بن حميد في «مسنده» (¬3)، عن عبد الرزاق، عن معمر (¬4)، عن عبد الملك بن عُمَير، عن عبد الله بن الزُّبير قال: خَطَبنا عمر بالجابِيَة ... ، فذَكَره. ورواه النسائي (¬5) من حديث يونس بن أبي إسحاق، والحسين بن واقِد. كلاهما عن عبد الملك بن عُمَير، به. ¬
ورواه أبو يعلى (¬1)، عن إبراهيم بن الحجاج، عن حماد، عن عبد الله بن المختار، عن عبد الملك بن عُمَير، به. وقد تكلَّم أبو الحسن الدارقطني (¬2) -رحمه الله- على هذا الحديث بكلام طويل، حاصله: أنَّه قد رواه جماعة عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة، عن عمرَ. ورواه آخرون عن عبد الملك، عن ابن الزُّبير، عن عمرَ. قال: ويشبه أن يكون الاضطِّراب من عبد الملك؛ لكثرة اختلاف الثقات عليه (¬3). قلت: عبد الملك من أئمَّة التابعين وساداتهم، وليس الاضطِّراب في حديث مستحيلاً عليه، ولكن ههنا الاضطِّراب بعيد، لأنَّ هذه الخطبة شهدها خَلْق كثير، فلا يبعد أن يكون عبد الملك قد سَمِعَها من جماعة منهم، فمن الجائز أنَّه سَمِعَها من عبد الله بن الزُّبير ومن جابر بن سَمُرة، فرواها تارة عن هذا، وتارة عن هذا، والله أعلم. ومنها: / (ق 296) مارواه مسلم (¬4) من حديث سُوَيد بن غَفَلة: أنَّه سَمِعَ عمرَ يخطب بالجابِيَة، يقول: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لُبس الحرير ¬
إلا موضعَ إصبعين، أو ثلاثٍ، أو أربعٍ. (775) وقال أبو داود الطيالسي (¬1): ثنا حماد بن (يزيد) (¬2)، عن معاوية بن قُرَّة، عن كَهْمس -رجل من بني هلال-، أنَّه سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «خيرُ أُمَّتي القَرنُ الذي أنا منه، ثم الثاني، ثم الثالثُ، ثم يَنشَأُ قومٌ تَسبِقُ أيمانُهُم شهاداتِهِم، يَشهَدُون مِن غيرِ أن يُستَشهَدُوا، لهم لَغَطٌ في أَسواقِهِم». ¬
فوائد من خطبة عمر بالجابية
فوائد من خطبة عمر بالجابِيَة (776) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث محمد بن يحيى بن أبي عمر العَدَني (¬1): ثنا بِشر بن السَّري، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عروة، عن أبي البَختَري، عن الباهلي، أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال بالجابِيَةِ: تعلَّموا القرآنَ تُعْرَفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنَّه لم يبلغ منزلة ذي حقٍّ أن يطاع في معصية الله، واعلموا أنَّه لا يُقرِّب من أجل، ولا يُبعد من رزق، قولٌ بحقٍّ، وتذكيرٌ بعظيم. واعلموا أنَّ بين العبد وبين رزقه حجابٌ، فإنَ صبر أتاه رزقُه، وإن اقتَحَم هَتَك الحجابَ، ولم يُدرك فوق رزقِهِ. أَدِّبوا الخيلَ، وانتضلوا، وانتعلوا، (وتسرولوا) (¬2)، وتَمَعددوا، وإيَّاي وأخلاقَ العجم، ومجاورةَ الخنازير، وأن يُرفَعَ بين ظَهْرانيكم صليبٌ، وأن تجلسوا على مائدة / (ق 297) يُدارُ عليها الخمرُ، أو تدخلوا الحمَّامَ بغير إزار، أو تَدَعوا نساءَكم يدخلن الحمَّاماتِ، فإنَّ ذلك لا يحلُّ. وإيَّاي أن تكسبوا من عقد (¬3) الأعاجم بعد نزولكم في بلادهم ما يحبسكم في أرضهم، فإنَّه توشكون أن ترجعوا إلى بلادكم، وإيَّاي والصَّغارَ أن تجعلوه في رقابكم. وعليكم بأموال العرب الماشية، تنزلون بها حيثُ نزلتم. ¬
واعلموا أنَّ الأشربةَ تصنعُ من ثلاث: من الزَّبيب، والعسل، والتَّمر، فما عَتَقَ منه فهو خمرٌ لا يحلُّ. واعلموا أنَّ اللهَ لا يزكِّي ثلاثةً، ولا ينظرُ إليهم، ولا يُقرِّبهم يوم القيامة، ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ أَعطى إمامَه صفقتَه يريد بها الدُّنيا، فإن أصابها وفَّى له، وإن لم يصبها لم يَفِ له، ورجلٌ خَرَج بسلعته بعد العصر، فحَلَف بالله لقد أُعطي بها كذا وكذا، فاشتُريت لقوله. وسبابُ المسلم فسوقٌ، وقتاله كُفْر، لا يحلُّ لك أن تهجرَ أخاك فوقَ ثلاثٍ. ومن أتى ساحرًا أو كاهنًا أو عرَّافًا، فصدَّقه بما يقول؛ فقد كَفَر بما أُنزِلَ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم. إسناد جيد، وله شواهد.
حديث يستدل به على أنه لا تقبل شهادة الوالد لولده
حديث يُستدل به على أنه لا تقبل شهادة الوالد لولده (777) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا محمد بن بلال، ثنا سعيد بن بشير، عن مُطرِّف (¬2)، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم / (ق 298) فقال: إنَّ أبي يريد أن يأخذَ مالي، فقال: «أنت ومالكَ لأبيكَ». ثم قال البزَّار: قد رواه غير (مُطرِّف) (¬3)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه. وقال ابن أبي حاتم في كتاب «العلل» (¬4): سألت أبي عن حديث رواه سعيد بن بشير، عن مَطَر (¬5)، عن عمرو بن شعيب -أحسبه-، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أنت ومالُكَ لأبيك»؟ فقال أبي: هذا خطأ، إنما هو عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬6). ¬
قلت: ورواه الإمام أحمد (¬1)، وأبو داود (¬2) من حديث حبيب المعلِّم. وابن ماجه (¬3) من حديث حجَّاج أرطاة (¬4). كلاهما عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، فالله أعلم (¬5). ¬
أثر في الشهادة على القذف، وقصة أبي بكرة وزياد والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم
أثر في الشهادة على القذف، وقصَّة أبي بَكرة وزياد والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم (778) قال أبو بكر بن أبي شيبة (¬1): ثنا أبو أسامة، عن عَوف، عن قَسَامة بن زُهَير قال: لمَّا كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان ... ، فذَكَر الحديث. قال: فدعا الشُّهود، فشهد أبو بَكرة وشِبل بن مَعبد وأبو عبد الله نافع، فقال عمرُ حين شهد هؤلاء الثلاثة شقَّ على عُمرَ شأنُه (¬2)، فلما قام زياد، قال: لن يشهدَ -إن شاء الله- إلا بحقٍّ. قال زياد: أما الزِّنى فلا أشهد به، ولكن قد رأيتُ أمرًا قبيحًا. قال عمرُ: الله أكبر، حُدُّوهم. فجَلَدهم (¬3). قال: فقال أبو بَكرة بعد ما ضَرَبه: أشهد أنه زانٍ. فَهَمَّ عمر أن يُعيدَ عليه الحدَّ، فنهاه عليٌّ، وقال: إنْ جَلَدتَه، فارجُم صاحبَك. فتركه ولم يَجلِده. / (ق 299) طريق أخرى (779) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬4): أنا الحاكم، أنا أبو الوليد ¬
الفقيه، أنا أبو القاسم البغوي (¬1)، ثنا عبد الله بن مُطيع، عن هشيم، عن عيينة بن عبد الرحمن بن جَوشَن، عن أبيه، عن أبي بَكرة ... ، فذَكَر القصَّة، كما تقدَّم. (780) وقال علي بن زيد بن جُدعان، عن عبد الرحمن بن أبي بَكرة: أنَّ أبا بَكرة وزيادًا ونافعًا وشِبل بن مَعبد كانوا في غرفة، والمغيرة في أسفل الدَّار، فهبَّت ريحٌ، ففتحت البابَ، ورفعت السِّترَ، فإذا المغيرة بين رجليها، فقال بعضهم لبعض: قد ابتُلينا ... ، فذَكَر القصَّة. قال: فشهد أبو بَكرة ونافع وشِبل، وقال زياد: لا أدري، أنكحها أم لا؟ فجَلَدهم عمرُ -رضي الله عنه- إلا زيادًا. فقال أبو بَكرة رضي الله عنه: أليس قد جَلَدتموني؟ قال: بلى، قال: فأنا أشهد بالله لقد فعل. فأراد عمرُ أن يَجلِدَه -أيضًا-. فقال عليٌّ: إن كانت شهادةُ أبي بَكرة شهادةَ رجلين فارجُمْ صاحبَك؛ وإلاَّ فقد جَلَدتموه (¬2). ¬
يعني: لا يُجلَد ثانيًا بإعادة القذف. طريق أخرى (781) وقال الشافعي (¬1): أنا سفيان بن عيينة، سَمِعتُ الزهري يقول: زَعَم أهل العراق أنَّ شهادة القاذف لا تجوز، فأشهد لأخبرني سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لأبي بَكرة: تُبْ نَقبلُ شهادتَك. أو: إن تُبتَ قَبِلتُ شهادتَك. ثم حكى الشافعي عن ابن عيينة أنه شك في روايته، فاحتشم عنه الشافعي (¬2)، فكان يَرويه بَعدُ عمَّن يثق به عن الزهري، عن سعيد: أنَّ عمرَ لمَّا جَلَد الثلاثة استتابهم، فرجع اثنان، فَقَبِلَ شهادتَهما، وأَبَى أبو بَكرة أن يرجع، فردَّ شهادتَه. ¬
وهكذا رواه محمد بن إسحاق (¬1)، عن الزهري / (ق 300) قال: وكان أفضلَ القوم. ورواه الأوزاعي (¬2)، عن الزهري، كذلك. قال البيهقي (¬3): ورواه محمد بن يحيى الذُّهْلي، عن أبي الوليد، عن سليمان بن كثير، عن الزهري، به. وهذه طرق صحيحة عن عمرَ رضي الله عنه وأرضاه. فأما قبول رواية أبي بَكرة فمجمع عليه (¬4). ¬
كتاب التفسير
كتاب التفسير ذِكر أنَّ عُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه أوَّلُ من جَمَع القرآن، بمعنى أنَّه كان ذلك في زمن الصِّدِّيق، ولكن كان هو المشير بذلك أو المستشار، ثم كان يَستحثُّ في ذلك، والله أعلم (782) قال أبو بكر ابن أبي داود -رحمه الله- في كتاب «المصاحف» (¬1): ثنا عبد الله بن محمد بن خلاَّد، ثنا يزيد، ثنا مبارك، عن الحسن: أنَّ عمرَ بن الخطاب سأل عن آيةٍ من كتابِ اللهِ، فقيل: كانت مع فلان، فقُتِلَ يومَ اليمامةِ. فقال: إنَّا لله، فأَمَر بالقرآن فجُمِعَ، فكان أوَّلَ مَن جَمَعه في المصحف. هذا الأثر منقطع بين الحسن وعمر، فإنَّه لم يُدركه (¬2). ¬
أثر آخر (783) وقال أبو بكر (¬1): ثنا أبو الطَّاهر، ثنا ابن وهب، أنا عمرو (¬2) بن طلحة اللَّيثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنَّ عمرَ لمَّا جَمَع القرآنَ كان لا يَقبلُ من أحدٍ شيئًا حتى يَشهدَ شاهدان. أثر آخر (784) وقال أبو بكر (¬3): ثنا إسماعيل بن أسد، ثنا هَوذة، ثنا / (ق 301) عوف، عن عبد الله بن فَضَالة قال: لمَّا أراد عمرُ أن يَكتبَ الإمامَ أَقعَدَ له نفرًا من أصحابه، وقال: إذا اختلفتُم في اللُّغة فاكتُبُوها بلُغة مُضَر، فإنَّ القرآنَ نزل بلُغةِ رجلٍ من مُضَر صلى الله عليه وسلم. ¬
أثر آخر (785) وقال أبو بكر (¬1): ثنا عبد الله بن محمد بن خلاَّد، ثنا يزيد، ثنا ¬
شيبان، عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: لا يملينَّ في مصاحفنا هذه إلا غلمانُ قريش، أو غلمانُ ثقيف. هذا إسناد صحيح. والجمع بين هذه الآثار وما ثبت في «الصحيح» (¬1) من أنَّ الصِّدِّيق هو الذي ابتدأ بجمع القرآن -لمَّا استَحَرَّ القتل في قرَّاء القرآن يوم اليمامة، وكانت في خلافته-، هو ما ذَكَرته أوَّلاً، والله أعلم. وقد عَزَم عمرُ -رضي الله عنه- في وقتٍ على جمع الأحاديث وكتابتها، ثم عَدَل عن ذلك رعايةً لحفظ القرآن، وألا يشتبه بغيره. (786) كما قال حنبل بن إسحاق (¬2): ثنا قَبيصة بن عُقبة، ثنا سفيان، عن معمر (¬3)، عن الزهري، عن عروة قال: أراد عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- أنْ يَكتبَ السُّننَ، فاستخار اللهَ شهرًا، ثم أصبح وقد عُزِمَ له، فقال: ذَكَرتُ قومًا كَتَبوا كتابًا فأقبَلوا عليه، وتَرَكوا كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ. إسناد صحيح. ¬
من فاتحة الكتاب
من فاتحة الكتاب (787) قال أبو عبيد في كتاب «فضائل القرآن» (¬1): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ بن الخطاب أنَّه كان يقرأ: «غير المغضوب عليهم وغير الضَّالين». إسناده صحيح. ¬
ومن البقرة
ومن البقرة حديث في تفسير آية النَّسخ (788) قال سفيان الثوري (¬1): عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: قال عمرُ: عليٌّ أقضانا، / (ق 302) وأُبَيّ أَقرأنَا، وإنَّا لندعُ كثيرًا من لحن أُبَيّ، إنَّ أُبَيًّا يقول: سَمِعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ولم) (¬2) أدعه لشيء، والله يقول: «ما ننسخ من آية أو نَنْسَأْها (¬3) نأت بخير منها أو مثلها» (¬4). إسناد صحيح. ¬
حديث آخر في قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
حديث آخر في قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬1) (789) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا هشيم، ثنا حميد، عن أنس قال: قال عمرُ رضي الله عنه: وافقتُ ربِّي في ثلاث، قلت: يا رسولَ الله! لو اتَّخَذْنا من مقام إبراهيم مصلَّى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬3)، وقلت: يا رسولَ الله، إنَّ نساءَك يَدخل عليهنَّ البرُّ والفاجرُ، فلو أَمرتَهنَّ أن يَحتجبنَ؟ فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغَيْرة، فقلت لهنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} (¬4)، فنزلت كذلك. ثم رواه أحمد (¬5)، عن يحيى وابن أبي عَدي. كلاهما عن حميد، عن أنس، عن عمرَ أنَّه قال: وافقتُ ربِّي في ثلاث، ووافقني ربِّي في ثلاث ... ، وذَكَره. وأخرجه البخاري (¬6)، عن عمرو بن عَون. والترمذي (¬7)، عن أحمد بن مَنيع. والنسائي (¬8)، عن يعقوب بن إبراهيم الدَّورقي. ¬
وابن ماجه (¬1)، عن محمد بن الصبَّاح. كلُّهم عن هشيم، به. ورواه البخاري -أيضًا- (¬2)، عن مُسدَّد، عن يحيى -وهو القطَّان-. ورواه الترمذي -أيضًا- (¬3)، عن عَبد بن حميد، عن حجَّاج بن منهال، عن حماد بن سَلَمة. والنسائي (¬4)، عن هَنَّاد، عن يحيى بن أبي زائدة. كلاهما (¬5) عن حميد -وهو: ابن تَيرويه الطَّويل-، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه / (ق 303) الإمام علي ابن المديني، عن يزيد بن زُرَيع، عن حميد، به. وقال: هذا من صحيح الحديث، وهو بصري. طريق أخرى (790) ورواه مسلم (¬6) من حديث نافع، عن ابن عمرَ قال (¬7): وافقتُ ربِّي في ثلاث: في الحجاب، وفي أسارى بدر، وفي مقام إبراهيم. ¬
حديث في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}
حديث في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬1) (791) قال يونس بن بُكَير، عن محمد بن إسحاق (¬2)، حدَّثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ عمرَ بن الخطاب ذَكَر له ماحَمَله على مقالته التي قال حين توفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كنتُ أتأوَّلُ هذه الأية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (¬3)، فواللهِ إنْ كنتُ لأظنُّ أنَّه سيبقى في أمَّته حتى يَشهد عليها بآخر أعمالها، وإنَّه للذي حَمَلني على أنْ قلتُ ما قلتُ. وفي إسناده ضعف لحال حسين بن عبد الله هذا (¬4)، ولكن له شاهد من وجه أخر. أثر آخر (792) قال أبو عبيد (¬5): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن زيد بن صُوحان، عن عمرَ أنَّه قال: ما يمنعكم إذا رأيتم الرَّجلَ يخرِّق أعراضَ الناس ألا تُعرِّبوا عليه! قالوا: نخاف لسانَه. قال: ذلك أدنى ألا تكونوا شهداءَ. ¬
قال أبو زيد والأَصمعي: قوله: ألا تُعرِّبوا عليه، أي: تُفسدوا عليه كلامَه، وتُقبِّحوه له.
أثر يذكر عند قوله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}
أثر يُذكر عند قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (¬1) (793) قال أبو بكر بن أبي شيبة في «تفسيره» (¬2): ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ: أنَّه انقطع شِسْع نعلِه، فاستَرجَعَ، وقال: كُلُّ مَا ساءك مصيبةٌ. ¬
حديث يذكر عند قوله: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}
حديث يُذكر عند قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (¬1) (794) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مَردويه في «تفسيره»: ثنا عبد الله بن جعفر، ثنا سمُّويه، ثنا عمرو بن عَون، ثنا هشيم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قام عمر، فقال: يا رسول الله، إنِّي أردتُ أَهلي البارحةَ على ما يريد الرَّجلُ أهلَه، فقالت: إنَّها قد نامت، فظننتُها تَعتلُّ، فواقعتها، فنزل في عمر: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الآية (¬2). وهذا إسناد جيد، وابن أبي ليلى مختَلَف في سماعه من عمرَ (¬3)، ولكن قد روي من وجه آخر عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أنَّ عمرَ فَعَل مثلَ هذا (¬4). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وقال موسى بن عُقبة: عن كُرَيب، عن ابن عباس، عن قصة عمرَ نحو ما تقدَّم، لكن فيه: أنَّ عمرَ كان قد نام، ثم واقع أهلَه، ثم أخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «ما كنتَ خليقًا أن تَفعَلَ»، ونزل الكتاب: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} الآية (¬1). وقد كان هذا شرعًا في أوَّل الإسلام، أن الرَّجل يحلُّ له الطعامُ والشرابُ والوقاعُ حتى يصلِّي العشاءَ أو ينامُ قبل ذلك، فمتى وَجَد أحدَهما حَرُمَ عليه ذلك، فنَسَخه اللهُ إلى أخفَّ منه، ولله الحمدُ والمنَّة. ¬
حديث آخر في آية تحريم الخمر
حديث آخر في آية تحريم الخمر (795) قال أحمد (¬1): ثنا خَلَف بن الوليد، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمرَ بن الخطاب أنَّه قال: لمَّا نزل تحريمُ الخمرِ قال: اللهمَّ بَيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} (¬2) فدُعِيَ عمر، فقُرئت عليه. فقال: اللهمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (¬3)، فكان منادي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاةَ نادى: ألا يَقربَنَّ الصلاةَ سكرانٌ. فدُعِيَ عمر، فقُرئت عليه، فقال: اللهمَّ بَيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة، فدُعِيَ عمر، فقُرئت عليه، فلمَّا بلغ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (¬4) قال عمرُ: انتَهَينا، انتَهَينا. وهكذا رواه علي ابن المديني، عن عبيد الله بن موسى، وإسحاق بن منصور. كلاهما عن إسرائيل، به. وعن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، به، وقال: هذا حديث كوفي، صالح الإسناد. ورواه أبو داود (¬5)، والترمذي (¬6)، والنسائي (¬7) / (ق 304) من طرق عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبيعي، عن أبي ميسرة ¬
-واسمه: عمرو بن شُرَحبيل الهَمْداني-، عن عمرَ، به. وليس له عنه سواه. قال أبو زرعة (¬1): وروايته عنه مرسلة. وهكذا صحَّح ذلك الترمذيُّ رحمه الله. وقد رواه حمزة الزيَّات، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: قال عمرُ ... ، فذَكَره (¬2). فإن كان محفوظًا؛ فيُشبه أن يكون عند أبي إسحاق من وجهين (¬3). ¬
أثر في فضل آية الكرسي
أثر في فضل آية الكرسي (796) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬1): أنا علي بن أحمد بن عَبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا عباس بن الفضل، ثنا أحمد بن يونس، ثنا سعيد بن سالم، ثنا محمد بن أَبَان، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن زِرّ، عن ابن مسعود: أنَّ رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لَقِيَ شيطانًا، فصَرَعه، أحسبه قال له الشيطان: دعني أُعلِّمك شيئًا، لا تقولُهُ في بيتٍ فيه شيطانٌ إلا خَرَج. -أَظنُّه فعلَّمه آية الكرسي- قال زِرُّ: فقيل لابن مسعود: مَن هو؟ قال: مَن تَرَونه إلا عمرَ بن الخطاب. قال البيهقي: ورويناه في كتاب «الفضائل» من حديث المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود (¬2). وفي موضع آخر عن الشَّعبي: أنَّ رجلاً من الجنِّ لقيه، فقال له: هل لك أن تُصارعني ... ، فذَكَره، وذَكَر صفتَه. ¬
طريق أخرى (797) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو معاوية، عن أبي عاصم الثَّقَفي، عن الشَّعبي، عن عبد الله بن مسعود، قال: خَرَج رجلٌ من الإنس، فلقيه رجلٌ من الجنِّ، فقال: هل لك أن تصارعني؟ فإنْ صَرَعْتَني علَّمتُك آيةً، إذا قرأتَها حين تَدخلُ بيتَك لم يدخله شيطانٌ، فصارَعَه، فصَرَعه. فقال: إنيِّ أراك ضئيلاً شَخِيتًا، كأنَّ ذراعيك ذراعا كلبٍ، أفهكذا أنتم أيُّها الجنُّ كلُّكم، أَم أنت من بينهم؟ فقال: إنِّي منهم لَضَليع، فعَاوِدني. فصارَعَه، فصَرَعه الإنسيُّ، فقال: أتقرأ آية الكرسي؟ فإنَّه لا يقرؤها أحدٌ إذا دخل بيتَه إلاَّ خَرَج الشيطانُ وله خَبَجٌ كخَبَج الحمار. قال أبو عبيد: قوله: ضئيلاً شَخِيتًا: هو النَّحيف الجسم. والضَّليع: هو الضَّخم الخَلْق. قال: والخَبَج -بالخاء المعجمة، ويقال المهملة-: هو الضُّراط. قلت: وقد ورد نحوٌ من هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، وقد اعتنى بجمع ذلك الإمام أبو بكر ابن أبي الدُّنيا -رحمه الله- في كتابه «مكايد الشيطان». ¬
حديث آخر غريب (798) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا زُهَير، ثنا ابن أبي بُكَير، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن / (ق 305) عمرَ -رضي الله عنه- قال: أتت امرأةٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ادعُ اللهَ أن يدخلني الجنَّة. قال: فعظَّم الربَّ تبارك وتعالى، وقال: «إنَّ كُرسِيَّهُ وَسِعَ السماواتِ والأرضِ، وإنَّ له أَطِيطًا كأَطِيطِ الرَّحلِ الجديدِ من ثِقَلِهِ». تفرَّد به عبد الله بن خليفة، وليس بالمشهور. ورواه الحافظ أبو بكر البزَّار في «مسنده» (¬2)، عن الفضل بن سهل، عن يحيى بن أبي بُكَير، به. ثم قال: وعبد الله بن خليفة لم يُسنِد غير هذا الحديث، ولم يرو عنه سوى أبي إسحاق، ولم يُسنِده إلا إسرائيل، وقد رواه الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ موقوفًا، وقد روي عن جُبَير بن مُطعِم بنحو من ذلك (¬3). -يعني: لفظه-. انتهى كلامه. ¬
وهكذا رواه أبو بكر ابن أبي عاصم في كتاب «السُّنَّة» (¬1)، عن إسماعيل بن سالم الصَّائغ، عن يحيى بن أبي بُكَير، به. ¬
ورواه أبو القاسم الطَّبراني (¬1)، عن محمد بن عبد الله الحضرمي، عن عبد الله بن أبي زياد القطواني، عن يحيى بن أبي بُكَير، به، وعنده زيادة غريبة. وأورده الحافظ الضياء المقدسي في كتابه «المختارة» (¬2) من طرق: منها: من حديث سَلْم بن قتيبة، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (¬3) ... ، فذَكَره. ورواه عَبد بن حميد في «تفسيره»، عن عبيد الله بن موسى، ومؤمَّل بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، مرسلاً (¬4). ¬
حديث آخر (799) قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو رَوْح / (ق 306) البَلَدي، ثنا أبو الأحوص سلاَّم بن سُليم، عن أبي إسحاق، عن حسَّان العبسي قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إنَّ الجِبتَ: السِّحرُ، والطاغوتَ: الشيطانُ. وإنَّ الشجاعةَ والجُبنَ غرائزٌ تكون في الرِّجال، يُقاتِلُ الشجاعُ عمَّن لا يَعرِفُ، ويَفِرُّ الجَبَانُ عن أُمِّه، وإنَّ كَرَم الرَّجل دِينُهُ، وحَسَبَه خُلُقُه، وإن كان فارسيًّا أو نبطيًا (¬1). ¬
أثر يذكر عند قوله: {ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}
أثر يُذكر عند قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (¬1) (800) قال أبو عبيد (¬2): حدِّثت عن ابن المبارك (¬3)، عن يونس، عن الزهري، عن عمرَ أنَّه قال: شَوَى أخوك حتى إذا أنضج رَمَّد. قال أبو عبيد: هذا مَثَل يُضرَبُ للرَّجل يصطنع المعروف، ثم يُفسِدُهُ عليه بالامتنان، أو يقطعه ولا يُتمَّه. أثر آخر (801) قال البخاري (¬4) في تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ ¬
لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} (¬1) الآية: ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام -هو: ابن يوسف-، عن ابن جريج، سَمِعتُ عبيد الله (¬2) بن أبي مُلَيْكَة، يحدِّث عن ابن عباس. وسَمِعتُ أخاه أبا بكر بن أبي مُلَيْكَة يحدِّث عن عُبيد بن عُمَير قال: قال عمرُ بن الخطاب يومًا لأصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم: فيمن تَرَون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}؟ قالوا: الله أعلم. فغضب عمرُ، فقال: قولوا: نعلمُ أو لا نعلمُ. فقال ابن عباس: في نَفْسي منها شيءٌ يا أميرَ المؤمنين. فقال عمرُ: يا ابنَ أخي، قُل، ولا تَحقِرْ نفسَكَ. قال ابن عباس: ضُرِبَت مثلاً لِعَمَل. قال عمرُ: أيُّ عمل؟ قال ابن عباس: لعمل. قال عمرُ: لرجلٍ غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث اللهُ له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعمالَه. ورواه البخاري -أيضًا- (¬3)، عن الحسن / (ق 307) بن محمد الزَّعفراني، عن حجَّاج بن محمد الأَعور، عن ابن جريج، به. وهو من أفراد البخاري. حديث آخر (802) قال أبو بكر ابن مَردويه (¬4): ثنا أحمد بن محمد بن عاصم، ثنا ¬
عمر (¬1) بن عبد الرحيم، ثنا محمد بن الصبَّاح الدُّولابي، ثنا موسى بن عُمَير القرشي، عن الشعبي (¬2) قال: لمَّا نزلت هذه الآية: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} (¬3) إلى آخر الآية، جاء عمرُ بنصف ماله يحملُه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يحملُه على رءوس الناس، وجاء أبو بكرٍ بماله أجمع، يكاد أن يخفيه من نفسه. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما تَرَكتَ لأَهلك؟»، فقال: عِدَةُ الله، وعِدَةُ رسوله. قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت، أو بأهلي أنت، ما استبقنا بابَ خيرٍ قطُّ، إلا سَبَقتنا إليه. مرسل، وتقدَّم له شاهد في الزَّكاة (¬4). حديث آخر (803) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا يحيى، عن ابن أبي عَروبة، ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمرُ رضي الله عنه: آخرُ ما نزل من القرآن آيةُ الرِّبا، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قُبِضَ ولم يُفسِّرْها، فدعوا الرِّبا والرِّيبة (¬6). ورواه ابن ماجه (¬7)، عن نصر بن علي، عن خالد بن الحارث، عن سعيد بن أبي عَروبة، به. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
طريق أخرى (804) رواه أبو بكر الإسماعيلي من حديث هيَّاج بن بِسطام، عن داود بن أبي هند، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد، عن عمرَ، به (¬1). أثر عن عمر (805) قال أبو بلال الأشعري، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- لما خَتَم سورةَ البقرة نَحَر جزُورًا. قال: وتعلَّمها في ثنتي عشرة سَنَة (¬2). أبو بلال هذا: ضعَّفه الدارقطني. ¬
ومن سورة آل عمران
ومن سورة آل عمران / (ق 160) وتقدَّم في باب المسابقة (¬1) حديث يُذكر عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬2). (806) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن سمَاك قال: سَمِعتُ عِياضًا الأشعري قال: شهدتُ اليرموكَ، وعلينا خمسةُ أمراء: أبو عُبيدة بن الجرَّاح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حَسَنَة، وخالد بن الوليد، وعياض -وليس عياض هذا بالذي حدَّث سمَاكًا-. قال: وقال عمرُ: إذا كان قتالٌ فعليكم أبو عُبيدة. قال: فكَتَبنا إليه: إنَّه قد جَاشَ إلينا الموتُ (¬4)، واستَمْدَدْناه، فكَتَب إلينا: إنَّه قد جاءني كتابُكم تَستَمِدُّونِي، وإنِّي أَدلُّكم على مَن هو أعزُّ نصرًا، وأحضَر جُندًا: الله عزَّ وجلَّ، فاستَنْصِروه، فإنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصِرَ يومَ بدرٍ في أقلَّ من عِدَّتِكُم، فإذا أتاكم كتابي هذا؛ فقاتلوهم، ولا تراجعوني. قال: فقاتلناهم، فهزمناهم أربع فراسخ. قال: وأصبنا أموالاً، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة. قال: وقال أبو عُبيدة: مَن يُراهنّي؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب. ¬
قال: فَسَبَقَه، فرأيت عَقِيصَتَي (¬1) أبي عُبيدة تَنقُزانِ (¬2)، وهو خلفَه على فَرَس عُري (¬3). هذا حديث جيد بإسناد صحيح، ولم يخرِّجوه. وقد رواه ابن حبان في «صحيحه» (¬4)، عن عمرَ بن محمد الهلالي، عن محمد بن يَسَار، عن غُندَر، عن شعبة، بنحوه. واختاره الضياء في كتابه (¬5). (807) قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم رحمه الله (¬6): ثنا حجَّاج، عن هارون بن موسى، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّه صلَّى العشاءَ الآخرة، فاستفتح آل عمران، فقرأ: ألم. الله لا إله إلا هو الحيُّ القيَّام. قال هارون: وهي في مصحف عبد الله مكتوبة: «الحيُّ القيِّم». إسناد صحيح إلى عمرَ. ¬
أثر آخر (808) قال الزهري: وبَلَغنا عن عبد الله بن عمرَ أنه قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرُ المسلمين في القتال يومئذٍ -يعني: يوم أحد- بأمور، فعَصَوه، فابتُلُوا بذلك، فلمَّا أصابوا ما أَصابهم من النَّبل والجراح أمرهم بعد ذلك بأمرٍ، فقال: ... (¬1) سمعنا وأطعنا. قال: فرأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت أنيابُهُ من قولهم حين أصابهم الجَهد لما ابتلوا. فصاح الشيطانُ يقول: قُتِلَ محمدٌ ... (¬2) ما أصابهم من نبل الجراح ... (¬3) مابهم. رواه الحافظ أبو بكر ابن مَردويه في «تفسيره». ¬
ومن تفسير سورة النساء
ومن تفسير سورة النساء (809) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو خيثمة، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن المُجالِد بن سعيد، عن الشَّعبي، عن مسروق قال: رَكِبَ عمرُ بن الخطاب منبرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناسُ، ما إكثارُكم في صُدُق النساء، وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، وإنَّما الصُّدُقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك، ولو كان الإكثارُ في ذلك تقوًى عند الله، أو مَكرمةً لم تَسبِقوهم إليها، فلا أَعرِفَنَّ وما زاد (¬2) رجل في صداق امرأة / (ق 308) على أربعمائة درهم. قال: ثم نزل، فاعتَرَضَته امرأةٌ من قريش، فقالت له: يا أميرَ المؤمنين، نَهَيتَ الناسَ أنْ يزيدوا النساءَ في صَدُقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعتَ ما أنزل اللهُ في القرآن؟ قال: وأيُّ ذلك؟ فقالت: أَمَا سمعتَ اللهَ يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (¬3). قال: فقال: اللهم غُفرَا، كلُّ الناس أفقهُ من عمرَ. قال: ثم رجع، فركب المنبرَ، فقال: أيُّها الناسُ، إنِّي كنتُ نهيتكم أنْ تزيدوا النساءَ في صُدُقهنَّ على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يُعطِيَ من مالِهِ ما أحبَّ. ¬
قال أبو يعلى: وأظنُّه قال: فمن طابت نفسُهُ، فليفعل. هذا حديث جيِّد الإسناد، حسنه (¬1)، ولم يخرِّجوه. ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وقد تقدِّم في كتاب النكاح (¬1) من حديث أبي العَجْفاء السُّلمي، عن عمرَ، نحوه. طريق أخرى (810) قال الزُّبير بن بكَّار (¬2): حدَّثني عمِّي مصعب بن عبد الله، عن جدِّي قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: لا تزيدوا في مُهُور النساء، وإن كانت بنت ذي القُصَّة -يعني يزيد بن الحصين الحارثي- فمن زاد أَلقيتُ الزيادةَ في بيت المال. فقالت امرأةٌ من صُفَّة النساء، طويلةٌ، في أنفها فَطَس: ما ذاك لك؟ قال: ولم؟ قالت: لأنَّ الله تعالى قال: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (¬3) الآية. / (ق 309) فقال عمرُ رضي الله عنه: امرأةٌ أصابت، ورجلٌ أخطأ. ¬
فيه انقطاع. تقدَّم في كتاب الطهارة (¬1) قول عمر رضي الله عنه: قُبلةُ الرَّجل امرأتُه وجسُّها بيده من اللِّماس. ¬
أثر يذكر عند قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم}
أثر يُذكر عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} (¬1) (811) قال أبو بكر ابن مَردويه: ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، ثنا معاذ بن المثنَّى، ثنا مُسدَّد (¬2)، ثنا عبد الله بن داود، عن موسى بن عُبيدة، عن طلحة بن عبيد الله بن كَريز قال: قال عمرُ بن الخطاب: إنَّ أَخوفَ ما أخافُ عليكم إعجابُ المرء برأيه، فمن قال: إنَّه عالِمٌ، فهو جاهلٌ، ومن قال: إنَّه في الجنَّة، فهو في النَّار. طريق أخرى (812) قال حنبل بن إسحاق (¬3): ثنا أحمد بن حنبل، ثنا معتمر، عن أبيه، عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمرُ بن الخطاب: من قال: أنا ¬
مؤمن؛ فهو كافر، ومن قال: هو عالِمٌ، فهو جاهلٌ، ومَن قال: هو في الجنَّة، فهو في النَّار. هذان طريقان متعاضدان. وفي قوله: «ومن قال: أنا مؤمن، فهو كافر» مستَدَلٌّ لمن ذهب من العلماء إلى وجوب الاستثناء في ذلك، وقد بَسَطنا القول في ذلك في أوَّل شرح البخاري، ولله الحمدُ والمنَّة. حديث آخر (813) قال ابن أبي حاتم في «تفسيره» (¬1): ذَكَر هشام بن عمَّار: ثنا سعدان اللَّخمي -واسمه: سعيد بن يحيى-، ثنا نافع مولى قريش (¬2) ¬
السُّلمي البصري، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قُرِئَ عند عمر: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} (¬1)، فقال: أعدها. فأعادها. فقال معاذ: عندي تفسيرها، قال: تبدَّل في ساعة مائة مرَّة. قال عمرُ: هكذا سَمِعتُ / (ق 310) رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا حديث غريب من هذا الوجه. حديث آخر (814) قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دُحيم في «تفسيره»: ثنا شعيب بن شعيب، ثنا أبو المغيرة، ثنا عُتبة بن ضَمرة، حدثني أبي: أنَّ رجلين اختَصَما إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى للمحقِّ على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصِّدِّيق، فذهبا إليه، فقال الذي قُضِيَ له: قد اختَصَمنا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى لي عليه، فقال أبو بكر: فأنتما على ما قَضَى به النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فأَبَى صاحبُهُ أن يرضى، قال: نأتي عمرَ بن الخطاب. فأتياه، فقال المَقضِيُّ له: قد اختَصَمنا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى لي عليه، فأَبَى أن يرضى، ثم أتينا أبا بكر الصِّدِّيق، فقال: أنتما على ما قَضَى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأَبَى أن يرضى، فسأَله عمرُ، فقال كذلك، فدخل عمرُ منزلَه، وخَرَج والسَّيفُ بيده قد سَلَّه، فضَرَب به رأسَ الذي أَبَى أن يرضى، فقَتَله، فأنزل اللهُ تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ} إلى آخر الآية (¬2). ¬
طريق أخرى (815) قال ابن دُحيم: ثنا الجوزجاني، ثنا أبو الأسود، عن ابن لَهِيعة (¬1)، قال: اختَصَم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، فقَضَى لأحدهما، فقال الذي قُضِيَ عليه: رُدَّنا إلى عمر. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، انطلقوا (¬2) إلى عمرَ»، فانطَلَقا، فلمَّا أَتَيا عمرَ، قال الذي قُضِيَ له: يا ابنَ الخطاب، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى لي، وإنَّ هذا قال: رُدَّنا إلى عمرَ، فردَّنا إليك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ: أكذلك؟ للذي قُضِيَ عليه، قال عمرُ: مكانَك حتى أخرج فأقضي بينكما، فخَرَج مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: رُدَّنا إلى عمرَ، فقتله، وأدبر الآخرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، قَتَل عمرُ صاحبي، ولولا ما أعجزه لقتلني! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما كنتُ أَظنُّ عمر يجترئُ على قتلِ مؤمن!»، فأنزل اللهُ تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ} (¬3) فبَرَّأَ اللهُ عمرَ من قتلِهِ (¬4). فهذان الطريقان متعاضدان (¬5). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وسيأتي (¬1) في مسند الزُّبَير بن العوَّام أنها نزلت فيه، وفي الذي نازعه في شِرَاج الحَرَّة (¬2)، فالله أعلم. ¬
وعند قوله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} الآية.
وعند قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} (¬1) الآية. حديث يأتي في سورة التحريم (¬2). ¬
حديث يذكر عند قوله تعالى: {قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم}.
حديث يُذكر عند قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (¬1). (816) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا هشيم قال: زَعَم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُطرُونِي كما أَطرَتِ النصارى عيسى ابنَ مريمَ، فإنما أنا عبد الله ورسولُه». ثم رواه (¬3)، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، كذلك. وهكذا رواه البخاري (¬4)، عن الحميدي (¬5)، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، به، ولفظه: «فإنَّما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسولُه». ورواه علي ابن المديني، عن سفيان بن عيينة، به، وقال: هذا حديث صحيح مُسنَد. ورواه الترمذي في «الشمائل» (¬6) من حديث سفيان بن عيينة، به. ¬
حديث آخر (817) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا إسماعيل، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن مَعْدان بن أبي طلحة قال: قال عمرُ: ما سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثرَ ممَّا سألتُه عن الكَلاَلة، حتى طَعَن بإصبعه في صدري، وقال: «تكفيكَ آيةُ الصَّيفِ التي في آخرِ سورةِ النساءِ». هكذا رواه ههنا مختصرًا، وقد تقدَّم في الحدود مطوَّلا (¬2)، وهو في «صحيح مسلم» (¬3). طريق أخرى (818) قال أحمد (¬4): ثنا أبو نعيم، ثنا مالك -يعني ابن مِغْول-: سَمِعتُ الفضيل / (ق 311) بن عمرو، عن إبراهيم، عن عمرَ قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الكَلاَلة؟ فقال: «تكفيكَ آيةُ الصيفِ». قال: لئن أكونَ سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنها أَحبُّ إليَّ من أن يكونَ لي حُمْرُ النَّعَم. هذا إسناد جيد، وفيه انقطاع، لأنَّ إبراهيم لم يُدرك عمرَ، والله أعلم. ¬
ومن تفسير سورة المائدة
ومن تفسير سورة المائدة (819) قال أحمد (¬1): ثنا جعفر بن عَون، أنا أبو العُمَيس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجلٌ من اليهود إلى عمرَ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّكم تقرؤون آيةً في كتابكم، لو علينا يا معشرَ اليهود نَزَلت؛ لاتَّخَذْنا ذلك اليومَ عيدًا. قال: وأيُّ آية هي؟ قال: قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (¬2). قال عمرُ: والله إنِّي لأَعلمُ اليومَ الذي نَزَلت على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والساعةَ التي نَزَلت فيها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عشيَّةَ عرفةَ في يوم جمعة. ورواه البخاري (¬3)، عن الحسن بن الصبَّاح، عن جعفر بن عَون، به. ورواه -أيضًا- (¬4)، ومسلم (¬5)، والترمذي (¬6)، والنسائي (¬7) من طرق، عن قيس بن مسلم، به. تقدَّم في سورة البقرة (¬8) قولُ عمرَ لما نَزَل قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} انتَهَيْنا يا ربَّنا. في تحريم الخمر. ¬
حديث آخر (820) قال البخاري (¬1): ثنا أبو اليَمَان، أنا شعيب، عن الزهري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة -وكان أبوه شهد بدرًا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم-، قال: استعمل عمرُ قُدامةَ بن مَظعون على البحرين، / (ق 312) وكان شهد بدرًا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهو خالُ ابنِ عمرَ وحفصةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. هكذا رواه البخاري في كتاب المغازي من «صحيحه» مختصرًا (¬2)، وهو قطعة من حديث طويل، وفيه ذِكر قُدوم الجارود العَبدي على عمرَ، وإخبارُه إيَّاه أنَّ قُدامة بن مَظعون شرب مُسكِرًا، وتأوَّل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (¬3)، وأنَّ عمرَ جَلَده، وردَّ تأويلَه ذلك (¬4). ¬
أثر يذكر عند قوله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم}
أثر يُذكر عند قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬1) (821) قال أبو عبيد (¬2): أخبرني ابن أبي أُميَّة، عن أبي عَوَانة، عن عبد الملك بن عُمَير، عن قَبيصة بن جابر قال: أتيتُ عمرَ، فقلتُ: إنِّي ¬
رميتُ ظبيًا وأنا مُحرِمٌ، فأصبتُ خُشَشَاءَهُ، فرَكِبَ رَدْعَه، فأَسِنَ، فمات. فأقبل على عبد الرحمن بن عوف، فشاوَرَه، ثم قال: اذبح شاة. قال أبو عبيد: الخُشَشَاء: العظم الناشز الذي خلف الأُذُن، وفيه لغتان: خُشَّاء وخُشَشَاء. وقوله: رَكِبَ رَدْعَهُ: يعني: أنَّه سَقَط على رأسه، وإنما أراد بالرَّدع الدَّم، أي أنّه صُرِعَ على دمِهِ، وقيل: ذهب على وجهه، فلا يَردَعُهُ شيء. وقوله: أَسِنَ: أي أنَّه دِيرَ به، أي حصل له دُوَار، كما يحصل للرَّجل إذا نزل في بئر دُوَار من ريحها فيسقط. قال زُهَير (¬1): يُغادِرُ القِرْنَ (¬2) مُصفَّرًا أناملُهُ ... يَميلُ في الريحِ مَيلَ الماتِحِ (¬3) الأسِن ¬
حديث آخر (822) قال البخاري (¬1): حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كنَّا عند عمرَ بن الخطاب، فقال: نُهينا عن التَّكلُّف. هكذا رواه البخاري، ثم أتبعه بما رواه من حديث الزهري، عن أنس: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَلُوني». فقال رجل: مَن أبي؟ فقال: «أبوك حُذَافة». فقال عمرُ رضي الله عنه: رَضِينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا. ونَزَل قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية (¬2). وذَكَر تمام الحديث، كما سيأتي (¬3) في مسند أنس إن شاء الله تعالى. ¬
ومن سورة الأنعام
ومن سورة الأنعام (823) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أحمد بن يونس، عن زُهَير بن معاوية، ثنا أبو إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ قال: الأنعام من نواجب (¬2) القرآن. صحيح. ¬
حديث يذكر عند قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}
حديث يُذكر عند قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (¬1) (824) قال الحافظ أبو يعلى (¬2): ثنا محمد بن المثنَّى، ثنا عبيد بن واقِد القيسي أبو عبَّاد، حدثني محمد بن عيسى (¬3) بن كيسان، ثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قَلَّ الجَرَادُ في سَنَة من سِنِيِّ عمر التي وَلِيَ فيها، فسأل عنه، فلم يُخبَر بشيء، فاغتمَّ لذلك، فأرسَلَ راكبًا فضَرَب إلى كَدَاء، وآخرَ إلى الشَّام، وآخرَ إلى العراق، يَسأل: هل رُئي من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الرَّاكب الذي من قِبَلِ اليمن بقبضة من جراد فألقاها ¬
بين يديه، فلمَّا رآها كَبَّر، ثم قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «خَلَقَ اللهُ ألفَ أُمَّةٍ، ستَمائةٍ في البحرِ، وأربعَمائةٍ في البَرِّ، فأوَّلُ شيءٍ يَهلكُ من هذه الأُمَمِ الجَرَادُ، فإذا هَلَكَت تَتَابَعت مثلَ النِّظامِ إذا قُطِعَ سِلكُهُ». هذا حديث غريب، ومحمد بن عيسى هذا هو: الهلالي العَبدي، أبو يحيى البصري، ضعَّفه الفلاَّس (¬1)، وأبو زرعة، وأبو حاتم (¬2)، وقال: روى عن محمد بن المنكدر مناكير، وأمر أن يُضربَ على حديثه، ولم يُقرأ عليه. وقال البخاري (¬3): منكر الحديث. وضعَّفه ابن حبان (¬4)، والدارقطني (¬5). وذَكَر له ابن عدي (¬6) هذا الحديث، وحديثًا آخر، وقال: هذان ممَّا أُنكر عليه. ¬
ومن سورة الأعراف
ومن سورة الأعراف (825) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا رَوْح، ثنا مالك (¬2)، عن زيد بن أبي أُنَيْسة: أنَّ عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أَخبَرَه، عن مسلم بن يَسَار الجُهَني: أنَّ عمرَ بن الخطاب سُئل عن هذه الآية: «وإذ أخذ ربك / (ق 313) من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم (¬3) وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ...» الآية (¬4)، فقال عمرُ بن الخطاب: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئل عنها، فقال: «إنَّ اللهَ خَلَقَ آدمَ عليه السلام ثم مَسَحَ ظَهْرَه بيمينه، فاستَخرَجَ منه ذُريَّةً، فقال: خَلَقتُ هؤلاءِ للجنَّةِ، وبعملِ أهلِ الجنَّةِ يعملون، ثم مَسَحَ ظَهْرَه، فاستَخرَجَ منه ذُريَّةً، فقال: خَلَقتُ هؤلاءِ للنَّارِ، وبعملِ أهلِ النَّارِ يعملون». فقال رجل: يا رسولَ الله، ففيمَ العملُ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خَلَق اللهُ العبدَ للجنَّةِ استعمَلَهُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حتى يموتَ على عملٍ من أعمالِ أهلِ الجنَّةِ، فيدخُلُ به الجنَّةَ، وإذا خَلَق العبدَ للنَّارِ استعمَلَهُ بعملِ أهلِ النَّارِ حتى يموتَ على عملٍ من أعمالِ أهلِ النَّارِ، فيُدخِلَهُ به النَّارَ». وهكذا رواه أبو داود (¬5)، عن القَعْنبي. والنسائي (¬6)، عن قتيبة. ¬
والترمذي (¬1)، عن إسحاق بن موسى، عن مَعْن. ثلاثتهم عن مالك، به. ورواه ابن حبان في «صحيحه» (¬2) من حديث أبي مصعب الزهري (¬3)، عن مالك، كذلك. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يَسَار لم يَسْمع من عمر، وقد ذَكَر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يَسَار وبين عمر رجلاً. قلت: هو نُعيم بن ربيعة الأزدي، كما رواه أبو داود في «سننه» (¬4)، عن محمد بن مصفَّى، عن بقيَّة، عن عمرَ بن جُعثُم القرشي، عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يَسَار الجُهَني، عن نُعيم بن ربيعة قال: / (ق 314) كنتُ عند عمرَ بن الخطاب، وقد سُئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، وذَكَر الحديث. قال الدارقطني (¬5): وقد تابع عُمرَ بنَ جُعثُم يزيدُ بن سنان أبو فروة الرُّهاوي (¬6)، وقولهما أولى بالصواب من قول مالك. ¬
وقال أبو زرعة وأبو حاتم (¬1): مسلم بن يَسَار لم يَسْمع عمرَ، وروايته عنه مرسلة. زاد أبو حاتم: وبينهما نُعيم بن ربيعة (¬2). ¬
ومن سورة الأنفال
ومن سورة الأنفال (826) قال أحمد (¬1): ثنا أبو نوح قُرَاد، أنا عكرمة بن عمَّار، ثنا سمَاك الحنفي أبو زُمَيل، حدثني ابن عباس، حدثني عمرُ بن الخطاب قال: لما كان يومُ بدر نَظَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وهم ثلثمائة ونَيِّف، ونَظَر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم القِبلةَ، ثم مَدَّ يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: «اللهمَّ أَنجِزْ لي ما وَعَدتَنِي، اللهمَّ أَنجِزْ لي ما وَعَدتَنِي، اللهمَّ إن تُهلِكْ هذه العِصابةَ من أهلِ الإسلامِ فلا تُعبَدُ في الأرضِ أبدًا». قال: فما زال يستغيثُ ربَّه ويدعوه، حتى ¬
سَقَط رداؤه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءَه فرَدَّاه، ثم التَزَمَه من ورائه، ثم قال: يا رسولَ الله، كذاك مُناشدَتُكَ ربَّك، فإنَّه سيُنجِزُ لك ماوَعَدك. وأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ / (ق 315): {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (¬1)، فلمَّا كان يومئذٍ والتَقَوا، فهزم اللهُ المشركين، فقُتِلَ منهم سبعون رجلاً، وأُسِرَ منهم سبعون رجلاً، واستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعليًّا وعمرَ، فقال أبو بكرٍ: يا رسولَ الله، هؤلاء بنو العمِّ والعشيرة والإخوان، وإنِّي أرى أن تأخذ منهم الفديةَ، فيكون ما أخذنا منهم قوَّةً لنا على الكفَّار، وعسى أن يهديَهم اللهُ فيكونوا لنا عَضُدًا. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما تَرَى يا ابنَ الخطابِ؟»، قال: قلت: واللهِ ما أرى ما رأى أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أن تُمكِّنَني من فلان -قريب لعمرَ- فأَضرِبَ عُنُقَه، وتُمكِّن عليًّا من عَقيل فيَضرِبَ عُنُقَه، وتُمكِّنَ حمزةَ من فلان أخيه فيَضرِبَ عُنُقَه، حتى يعلم اللهُ أنه ليست في قلوبنا هوادةٌ للمشركين، هؤلاء صناديدُهم وأئمَّتُهم وقادتُهم. فهَوِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يَهْوَ ما قلتُ، وأخذ منهم الفِداء. فلمَّا كان من الغد قال عمرُ: فغَدَوتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قاعد وأبو بكرٍ، وهما يبكيان، فقلتُ: يا رسولَ الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبَك، فإنْ وَجَدتُ بكاءً بَكَيتُ، وإن لم أجد بكاءً تَباكيتُ لبكائِكما. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «للذي عَرَضَ عليَّ أصحابُكَ من الفِدَاءِ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُكُم / (ق 316) أدنى من هذه الشجرةِ» -لشجرة قريبة-، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى: ¬
{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬1) -من الفداء-، ثم أَحلَّ لهم الغنائمَ. فلمَّا كان يومُ أُحُد من العام المقبل عوقبوا بما صَنَعوا يومَ بدرٍ من أخذهم الفداء، فقُتِلَ منهم سبعون، وفَرَّ أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكُسِرَت رَبَاعِيَتُه، وهُشِّمَتِ البيضةُ على رأسه، وسال الدَّم على وجهه، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2) بأخذكم الفِداء. ورواه أبو داود (¬3)، عن أحمد بن حنبل، عن قُرَاد أبي نوح - واسمه عبد الرحمن بن غَزوان - به، ببعضه: لمَّا كان يومُ بدرِ، وأَخَذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الفداءَ، أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآية (¬4). وأخرجه مسلم في المغازي (¬5)، عن هَنَّاد بن السَّري، عن ابن المبارك. وعن زُهَير بن حرب، عن عمرَ بن يونس. كلاهما عن عكرمة بن عمَّار، به. وليس عنده من قوله: فلما كان يومُ أحد ... ، إلى آخره. ورواه الترمذي في التفسير (¬6)، عن بُندَار، عن عمرَ بن يونس -وهو: ¬
اليمامي-، بالقصَّة الأولى، إلى قوله: فأمدَّهم اللهُ بالملائكة، وقال: حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث عمرَ إلا / (ق 317) من حديث عكرمة بن عمَّار، عن أبي زُمَيل. ورواه الإمام علي ابن المديني، عن عمرَ بن يونس، وقُرَاد أبي نوح. كلاهما عن عكرمة بن عمَّار. ثم قال: والحديث صحيح، ولا يُحفظ إلا من طريق عكرمة بن عمَّار، وسمَاك من أهل اليمامة، ومَسْكنه الكوفة. حديث آخر (827) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا عبد الله بن شَبيب، ثنا إسحاق بن محمد الفَرَوي، ثنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أسلم، عن عمرَ بن الخطاب قال: أقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكة يَعرِضُ نفسَه على قبائل العرب قبيلةً قبيلةً في الموسم، ما يجدُ أحدًا يجيبه إلى ما يدعو إليه، حتى جاء إليه هذا الحيُّ من الأنصار، لِمَا أسعدهم اللهُ، وساق إليهم من الكرامة، فآووا ونصروا، فجزاهم اللهُ عن نبيِّهم خيًرا، والله ما وَفَّينا لهم كما عاهدناهم عليه، إنَّا قلنا لهم: إنَّا نحن الأمراءُ، وأنتم الوزراءُ، وإن بقيتُ إلى رأس الحول لا يَبقى لي عاملٌ إلا من الأنصار. ثم قال البزار: إسناده حسن. ¬
ومن سورة براءة
ومن سورة براءة حديث يُذكر عند قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية (¬1). (828) قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (¬2): وَجَدتُ في كتاب أبي بخطِّ يده: كَتَب إليَّ الرَّبيع بن نافع أبو توبة -يعني الحلبي- فكان في كتابه: حدثنا معاوية بن سَلاَّم، عن أخيه زيد بن سلاَّم، أنَّه سَمِعَ أبا سلاَّم قال: حدثني النُّعمان بن بشير قال: كنتُ إلى جانب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: ما أُبالي ألا أعملَ عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقيَ الحاجَّ. وقال آخر: ما أُبالي ألا أعملَ عملاً بعد الإسلام إلا أن أَعمُرَ المسجدَ الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضلُ ممَّا قلتم. فزَجَرهم عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: لا ترفعوا أصواتَكم عند منبرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الجمعة، ولكنْ إذا صلَّيتُ الجمعةَ دَخلتُ، فاستفتيتُه فيما اختلفتم فيه. فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى آخر الآيات كلِّها. هكذا رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فقط في مسند النُّعمان. وكذا رواه مسلم في «صحيحه» (¬3) منفردًا به من بين أصحاب الكتب عن حسن الحُلْواني، عن أبي توبة. ¬
وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدَّارمي، عن يحيى بن حسَّان. كلاهما عن معاوية بن سلام، به، مثله، سواء. وإنَّما ذَكَره أصحاب الأطراف (¬1) وغيرهم في مسند النُّعمان، وهو مناسَب أن يُذكر في مسند عمرَ -رضي الله عنه-، لأنه هو الذي سأل عن ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. حديث آخر (829) قال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي (¬2): ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن ثوبان قال: كنَّا في سَفَر مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسير، إذ قال المهاجرون: لَوَدِدنا أنَّا عَلِمنا أيَّ المال خيرٌ أو أفضلُ فنتَّخِذَه، إذ أُنزل في الفضَّة والذَّهب ما أُنزل. فقال عمرُ: إن شئتم سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: أجل. فانطَلَق وتَبِعتُه، أوضَعُ (¬3) على قَعودٍ (¬4) لي، قال: يا رسولَ الله، إنَّ المهاجرين لمَّا أُنزل في الذَّهب والفضَّة، قالوا: وَدِدنا أنَّا عَلِمنا الآن أيُّ المال أفضلُ فنَتَّخِذَه، قال: نعم، «لِيَتَّخِذ أحدُكُم لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وزوجةً تُعين أحدَكم على إيمانه». ورواه الإمام أحمد (¬5) من حديث سالم، به. ¬
إنما ذَكَره أصحاب الأطراف (¬1) في مسند ثوبان. وقد رواه الترمذي (¬2)، عن عَبد بن حميد، عن عبيد الله بن موسى، عن جرير (¬3)، به. وأخرجه ابن ماجه (¬4) من وجه آخر، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن ثوبان، به. ولفظهما: لمَّا نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية (¬5). وقال الترمذي: حسن، وسألت محمدًا: أسَمِعَ سالم من ثوبان؟ قال: لا (¬6). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
حديث آخر (830) قال أحمد (¬1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: لما تُوفي عبد الله بن أُبَيّ دُعِيَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه، فلمَّا وقف عليه يريدُ الصلاةَ، تحوَّلتُ حتى قمتُ في صدره، فقلتُ: يا رسولَ الله، أعَلَى عدوِّ الله عبد الله بن أُبَيّ، القائل يومَ كذا: كذا وكذا؟! -يعدِّدُ أيامَه-، قال: ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتبسَّمُ حتى إذا أَكثرتُ عليه، قال: «أَخِّرْ عنِّي يا عمرُ، إنِّي خُيِّرتُ فاخترتُ، قد قيل لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (¬2)، لو أعلمُ أنِّي إنْ زِدتُ على السبعين غُفِرَ له لَزِدتُ». قال: ثم صلَّى عليه، ومشى معه، وقام على قبره حتى فُرِغَ منه. قال: فعجبًا لي وجَرَاءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم! قال: فواللهِ، ما كان إلا يسيرًا حتى نَزَلت هاتان الآيتان / (ق 318): {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (¬3)، فما صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعدَه على منافقٍ، ولا قام على قبره حتى قَبَضَه اللهُ عزَّ وجلَّ. ¬
وكذا رواه الترمذي في التفسير (¬1)، عن عَبد بن حميد (¬2)، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن الزهري به، وقال: حسن صحيح. وأخرجه البخاري في الجنائز (¬3)، والتفسير (¬4)، عن يحيى بن بُكَير، عن اللَّيث، عن عُقيل، عن الزهري، به. ورواه النسائي (¬5)، عن ثلاثة من شيوخه، عن حُجَين بن المثنَّى، عن اللَّيث، به. وقال علي ابن المديني: إسناده جيد، ولم نجده إلا عند أهل المدينة. أثر في معناه (831) قال أبو عبيد (¬6) في حديث عمرَ: أنه أراد أن يشهدَ جنازةَ رجلٍ، فَمَرَزَه حذيفةُ، كأنَّه أراد أن يَصدَّهُ عن الصلاة عليها. ¬
قلت: لم يُسنده، وحذيفة كان يعلم أعيان أشخاص من المنافقين بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكى عن بعضهم أنه قال: المَرْز بلُغة أهل اليمامة: القَرصُ بأطراف الأصابع خفيفًا. أثر عن عمر (832) قال أبو عبيد في «فضائل القرآن» (¬1): ثنا حجَّاج، عن هارون، أخبرني حبيب بن الشهيد وعمرو بن عامر الأنصاري: أنَّ عمرَ بن الخطاب ¬
قرأ: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصارُ الذين اتبعوهم بإحسان» فرفع الأنصارَ، ولم يُلحِق الواو في: «الذين»، فقال له زيد بن ثابت: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}، فقال عمرُ: «الذين اتبعوهم بإحسان». فقال زيد: أمير المؤمنين أَعلمُ. فقال عمرُ: ائتوني بأُبَيّ بن كعب، فقال أُبَيّ: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}. فقال عمرُ: فنعم إذًا. فتابع أُبَيًّا.
ومن سورة يونس
ومن سورة يونس (833) قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطَّبري -رحمه الله- في «تفسيره» (¬1): ثنا بِشر، ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (¬2) ذُكِرَ لنا أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: صَدَق الله ربُّنا، ما جَعَلنا خلفاءَ إلا لينظرَ إلى أعمالنا، فأَرُوا اللهَ في أعمالِكم خيرًا بالليلِ والنهارِ والسِّرِ والعلانيةِ. فيه انقطاع بين قتادة وعمر. أثر آخر (834) قال الحافظ أبو نعيم (¬3): ثنا سليمان بن أحمد (¬4)، ثنا أبو زرعة، ثنا حَيوة بن شُريح، ثنا بقيَّة، عن صفوان بن عمرو قال: سَمِعتُ أيفع بن عَبدٍ يقول: لمَّا قَدِمَ خراجُ العراق على عمرَ بن الخطاب / (ق 319) -رضي الله عنه-، خَرَج عمرُ ومولًى له، فجعل عمرُ يَعُدُّ الإبلَ، فإذا هي أكثرُ من ذلك، وجعل عمرُ يقول: الحمدُ لله. وجعل مولاه يقول: يا أميرَ المؤمنين، هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمرُ رضي الله عنه: كَذَبتَ، ¬
ليس هو الذي يقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (¬1)، فهذا ما تجمعون (¬2). حديث آخر (835) قال أبو داود في باب الرهن من «سننه» (¬3) -في رواية ابن داسَة عنه-: حدثنا زُهَير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا جرير، عن عُمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير (¬4): أنَّ عمرَ بن ¬
الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن عبادِ اللهِ لأُناسًا ما هُم بأنبياءَ ولا شهداءَ، يَغبِطُهُم الأنبياءُ والشهداءُ يومَ القيامةِ لِمَكَانَتِهِم مِن اللهِ عزَّ وجلَّ». قالوا: يا رسولَ الله، (فخَبِّرنا) (¬1) مَن هم؟ قال: «هم قومٌ تَحَابُّوا برَوْحِ اللهِ على غيرِ أرحامٍ بينهم ولا أموالٍ يَتَعاطَونَها، فواللهِ (إنَّ بوجهِهِم لَنُورًا) (¬2)، وإنَّهم لعلى نُورٍ، ولا يخافون إذا خاف الناسُ، ولا يحزنون إذا حَزِنَ الناسُ»، وقرأ هذه الآية: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬3). هذا حديث جيد الإسناد، وفيه انقطاع بين أبي زرعة وعمرَ (¬4)، ولا تظهر وجه المناسبة في ذِكر أبي داود هذا الحديث في الرَّهن، والله أعلم. ¬
ومن سورة هود
ومن سورة هود (836) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا موسى بن حبَّان، ثنا عبد الملك بن عمرو، ثنا سليمان بن سفيان، ثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: لمَّا نَزَلَت: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} (¬2) سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ الله، على ما نعملُ، على شيء قد فُرِغَ منه؟ أم على شيء لم يُفرَغ منه؟ قال: «على شيء قد فُرِغَ منه -يا عمرُ- وَجَرت به الأقلامُ، ولكنْ كُلٌّ مُيسَّر لما خُلِقَ له». ورواه الترمذي في التفسير (¬3)، عن بُندَار، عن أبي عامر العَقَدي ¬
-واسمه: عبد الملك بن عمرو-، به، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي عامر العَقَدي. قلت: وقد رواه أبو الأشعث أحمد بن المِقدام (¬1)، عن معتمر بن سليمان، عن أبي سفيان سليمان بن سفيان المدني التَّيمي، وهو: ضعيف (¬2). ولكن سيأتي (¬3) له شاهد في حديث القَدَر، إن شاء الله تعالى. ¬
أثر آخر في قوله: {إلا ما شاء ربك}
أثر آخر في قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (¬1) (837) / (ق 320) قال عَبد بن حميد: ثنا سليمان بن حرب الواشِحي، ثنا حماد بن سَلَمة، عن حميد، عن الحسن، عن عمرَ بن الخطاب قال: لو لبث أهلُ النَّار في النَّار عددَ رملِ عالج (¬2)؛ لكان لهم على ذلك يومٌ يَخرجون فيه. فيه انقطاع بين الحسن وعمرَ، فإنَّه لم يَسْمع منه، وفيه غرابة جدًّا (¬3)، ¬
وإن كان قد روي نحوُه عن أبي هريرة (¬1)، وجابر، وأبي سعيد (¬2)، وعبد الله بن عمرو بن العاص (¬3)، وغيرهم. ¬
روى الطَّبراني (¬1) فيه حديثًا عن أبي أُمَامة مرفوعًا، وهو ضعيف الإسناد، لأنَّه من رواية عبد الله بن مِسْعَر بن كِدَام، وقد قال أبو حاتم (¬2): متروك. وقال أبو جعفر العقيلي (¬3): لا يُعرَف إلا بحديث واحد، وهو منكر. وتأوَّل ذلك بعضُهم على أهل التوحيد، والله أعلم. ¬
ومن سورة يوسف
ومن سورة يوسف (838) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبدالغفار بن عبد الله بن الزبير، / (ق 321) ثنا علي بن مُسْهِر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن خليفة بن قيس، عن خالد بن عُرفُطَة قال: كنتُ جالسًا عند عمرَ، إذ أُتِيَ برجل من عبد القيس مَسْكنه بالسُّوس (¬2)، فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العَبدي؟ قال: نعم. قال: وأنت النازل بالسُّوس؟ قال: نعم. فضَرَبه بقَنَاة معه. قال: فقال الرَّجل: مالِي يا أميرَ المؤمنين؟ فقال له عمر: اجلس. فجَلَس، فقرأ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)} (¬3)، فقرأها عليه ثلاثًا، وضَرَبه ثلاثًا. فقال له الرَّجل: مالِي يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: أنت الذي نَسَختَ كتاب دانيال؟ قال: مُرني بأمرك أتبعْه. قال: انطلق، فامْحُهُ بالحميم والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه، ولا تُقرِئهُ أحدًا من الناس، فلئن ¬
بَلَغني عنك أنك قرأتَه أو أقرأتَه أحدًا من الناس لأُنهكنَّك (¬1) عقوبة. ثم قال له: اجلس. فجَلَس بين يديه. فقال: انطلقتُ أنا فانتَسَختُ كتابًا من أهل الكتاب، ثم جئتُ به في أديم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا في يَدِكَ يا عمر؟»، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، كتابٌ نَسَختُهُ لنزدادَ به علمًا إلى عِلمنا، فغضب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّت وَجنَتَاه، ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار: أُغضِبَ نبيُّكم صلى الله عليه وسلم؟ السِّلاحَ! / (ق 322) السِّلاحَ! فجاءوا حتى أحدَقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أيُّها الناسُ، إنِّي قد أُوتيتُ جوامِعَ الكَلِمِ وخواتيمَه، واختُصِرَ لي اختصارًا، ولقد أَتيتُكُم بها بيضاءَ نقيَّةً، فلا تَتَهوَّكُوا (¬2)، ولا يَغُرَنَّكُمُ المُتَهَوِّكُون»، قال عمرُ: فقمتُ، فقلتُ: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبك رسولاً، ثم نزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. هذا حديث غريب من هذا الوجه، فإنَّ عبد الرحمن بن إسحاق هذا هو: أبو شيبة الواسطي، وقد ضعَّفه أحمد، ويحيى، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم (¬3). ¬
وزَعَم الحافظ الضياء في كتابه «المختارة» (¬1) أنه الذي روى له مسلم، وليس كما قال. وأما شيخه خليفة بن قيس، فقال فيه أبو حاتم الرازي (¬2): شيخ، ليس بالمعروف. وقال البخاري (¬3): لم يصح حديثه. قلت: لكن قد روي نحوه من طريق أخرى: (839) كما قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: أخبرني الحسن بن سفيان، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزَّبيدي، حدثني عمرو بن الحارث، ثنا عبد الله بن سالم الأشعري، عن الزَّبيدي، ثنا سُليم بن عامر: أنَّ جُبَير بن نُفَير حدَّثهم: أنَّ رجلين تحابَّا بحمص في خلافة عمرَ، فأرسل إليهما فيمن أرسَلَ من أهل حمص، وكانا قد اكتتبا من اليهود ملء صِفتة (¬4)، فأخذا (¬5) معهما يستفتيان فيها أمير المؤمنين، ويقولان: إنْ رَضِيها لنا أميرُ المؤمنين ازددنا فيها رغبةً، وإنْ نهانا عنها رفضناها. / (ق 323) فلما قَدِما عليه قالا: إنَّا بأرض أهل الكتابين، وإنَّا نسمع منهم كلامًا تقشعر منه جلودُنا، أفنأخذُ منه أو نترك؟ قال: لعلَّكما كَتَبتما منه شيئًا؟ فقالا: لا. قال: سأحدِّثكما، إنِّي انطَلَقت في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتى أتيتُ خبيرَ، فوَجَدتُ يهوديًا يقول قولاً ¬
أعجبني، فقلتُ: هل أنت مُكتِبي ما تقول؟ قال: نعم، فأتيته بأَديم، فأخذ يُمل عليَّ حتى كتبتُ في الأكرع، فلما رجعتُ، قلتُ: يا نبيَّ الله ... ، وأخبرتُه، قال: «ائتِنِي به»، فانطلقتُ أرغبُ عن المشي، رجاءَ أن أكونَ جئتَ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم ببعض مايحبُّ. فلمَّا أَتيتُ به، قال: «اجلس، اقرأ عليَّ»، فقرأتُ ساعةً، ثم نَظَرتُ إلى وجهه، فإذا هو يتلَّون، فتحيَّرت من الفَرَقِ، فما استطعتُ أُجِيز منه حرفًا، فلما رأى الذي بي دفعتُه، ثم جعل يَتبعُهُ رسمًا رسمًا فيمحوه بريقه، وهو يقول: «لا تَتَّبِعوا هؤلاءِ، فإنَّهم قد هَوَّكُوا وتَهَوَّكُوا»، حتى محا آخرَه حرفًا حرفًا، قال عمرُ: فلو عَلِمتُ أنَّكما كتبتما منه شيئًا؛ جعلتكما نكالاً لهذه الأمَّة. قالا: والله ما نكتبُ منه شيئًا أبدًا، فخَرَجا بصُفتيهما، فحَفَرا لها في الأرض، فلم يألو أن تعمَّقا، ودَفَناها، فكان آخرَ العهد منها. وهكذا رواه الثوري، عن جابر بن يزيد الجُعفِي، عن الشَّعبي، عن عبيد الله (¬1) بن ثابت الأنصاري، عن عمرَ، بنحوه (¬2). ¬
(840) وروى أبو داود في «المراسيل» (¬1)، عن محمد بن عبيد، عن حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة (¬2): أنَّ عمرَ مرَّ بقوم من اليهود، فسَمِعَهم يَذكرون دعاءً من التوراة، فانتَسَخه، ثم جاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَر الحديث. ¬
ومن سورة الرعد
/ (ق 324) ومن سورة الرَّعد (841) قال الحافظ أبو بكر البَرقاني (¬1): ثنا إبراهيم بن محمد المُزَني، ثنا محمد بن إسحاق السرَّاج، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا وهب بن جرير، ثنا هشام الدَّستوائي، عن أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان النَّهدي: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يطوفُ بالبيت وهو يبكي، ويقول: اللهمَّ إن كنتَ كَتَبتنا عندك في شِقوة وذنب، فإنَّك تمحو ما تشاء وتُثبِتُ، وعندك أُمُّ الكتاب، فاجعلها سعادةً ومغفرةً. إسناد حسن. ورواه ابن جرير في «تفسيره» (¬2) من حديث حماد بن زيد ومعاذ بن هشام، عن أبيه. ومعتمر بن سليمان، عن أبيه. كلُّهم عن أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمرَ. وعن أبي عامر، عن قُرَّة بن خالد، عن عصمة أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمرَ، به (¬3). ¬
وروي مثلُه عن ابن مسعود (¬1)، وأبي وائل (¬2)، ومجاهد (¬3)، وغيرهم. تقدَّم في كتاب الصلاة (¬4) حديث يتعلَّق بتفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} (¬5). ¬
ومن سورة إبراهيم
ومن سورة إبراهيم (842) قال الأوزاعي: حدثني أيوب بن موسى، عن سالم بن عبد الله (¬1)، عن عمرَ: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا هؤلاءِ الكلماتِ، كما يعلِّمنا السورةَ من القرآن: «اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بك أن أبدِّلَ نعمتَكَ كُفرًا، أو أن أجحدَها بعد إذ عرفتُها، أو أن أنساها فلا أُثني بها». رواه الإسماعيلي من حديث الأوزاعي، وفيه انقطاع بين سالم وعمرَ، إلا أنَّه حسن. أثر آخر (843) قال أبو عبيد (¬2): ثنا حجَّاج، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يقرأ: «وإن كاد مكرهم». بالدال. وكذا قرأ علي (¬3)، ¬
وأُبَي بن كعب (¬1)، وغير واحد من السَّلف. ¬
أثر عند قوله: {سبعا من المثاني}
أثر عند قوله: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} (¬1) (844) قال خلف بن هشام البزَّار: ثنا عبد الوهاب، عن أبي مسعود، عن أبي نَضرة، عن رجل من ... (¬2) المسلمين، يقال له جابر، أو جُويبر -شك أبو مسعود-: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: السبعُ المثاني: هي أُمُّ الكتاب (¬3). ¬
ومن سورة الكهف
ومن سورة الكهف حديث يُذكر عند قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} الآية (¬1). (845) قال البخاري (¬2): ثنا ابن أبي مريم، ثنا أبو غسَّان، ثنا زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب قال: قُدِمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بسَبْي، فإذا امرأةٌ من السَّبْي تَسعى، فإذا وَجَدَت صبيًّا في السَّبْي أَخَذتْهُ فألصَقَتْهُ ببطنها وأرضَعَتْهُ، فقال لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَرونَ هذه طارحةً وَلَدَها في النَّارِ؟». قلنا: لا، وهي تقدرُ على ألا تَطرَحَهُ. فقال: «للهُ أرحمُ بعبادِه من هذه بوَلَدِها». وقد رواه مسلم (¬3)، عن حسن الحُلْواني، ومحمد بن سهل بن عسكر. كلاهما عن سعيد بن أبي مريم، به. حديث آخر (846) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬4): ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، ثنا النَّضر بن شُمَيل، ثنا أبو قُرَّة، عن سعيد بن المسيّب، عن ¬
عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأ في ليلة: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (¬1) كان له نورٌ من عدن أبينَ إلى مكةَ، حشوه الملائكة». هذا حديث غريب، وإسناده لا بأس به. ¬
ومن سورة مريم
ومن سورة مريم (847) قال ابن أبي حاتم في «تفسيره» (¬1): ثنا أحمد بن [سنان] (¬2)، ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي مَعمر: أنَّ عمرَ قرأ سورةَ مريم، فلمَّا بلغ السجدةَ سَجَد، ثم قال: هذا السُّجود، فأين البكاءُ! هذا إسناد صحيح متصل. ورواه ابن جرير (¬3)، عن بُندَار، عن ابن مهدي، به، ولم يَذكر فيه أبا مَعمر (¬4)، فالله أعلم. ¬
ومن سورة طه
ومن سورة طه (848) قال ابن أبي الدَّنيا (¬1): ثنا الحسن بن يحيى، ثنا عبد الرزاق (¬2)، أنا مالك (¬3)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يصلِّي من الليل ماشاء الله، حتى إذا كان من آخرِ الليلِ أيقظَ أهلَه، فيقول: / (ق 325) الصلاةَ! الصلاةَ! ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (¬4) الآية. ¬
ومن سورة الحج
ومن سورة الحج (849) قال الترمذي (¬1): ثنا عَبد بن حميد، ثنا حسين بن علي الجُعفِي، عن فضيل بن عياض، عن هشام بن حسان، عن الحسن البصري، عن عُتبة بن غَزوان قال: قال عمرُ رضي الله عنه: اذكروا النَّارَ، فإنَّ حرَّها شديدٌ، وقَعرَها بعيدٌ، ومقامعَها حديدٌ. قال الترمذي: لا نعرف للحسن سماعًا من عُتبة بن غَزوان (¬2). حديث آخر (850) قال عبد الرزاق (¬3): أنا ابن عيينة، أنا عمرو بن دينار، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: قال عمرُ لعبد الرحمن بن عوف: أَمَا عَلِمتَ أنَّا كنَّا نقرأ: «جاهدوا في الله حق جهاده» في آخر الزمان كما جاهدتُم في أوَّله. قال: فقال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أميرَ المؤمنين؟ قال: إذا كان بنو أميَّة الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء. هذا إسناد صحيح. وهكذا رواه البيهقي في «الدلائل» (¬4)، عن أبي محمد عبد الله بن يحيى السُّكَّري، عن إسماعيل بن محمد الصفَّار، عن أحمد بن منصور ¬
الرَّمادي، عن عبد الرزاق، به (¬1). وهو غريب مع نظافة إسناده، والله أعلم. ¬
ومن سورة المؤمنون
ومن سورة المؤمنون (851) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرزاق (¬2)، أخبرني يونس بن سُليم -وهو: الصَّنعاني، سكن الشَّام- قال: أَملَى عليَّ يونس بن يزيد الأَيْلي، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير، عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ / (ق 326) القارئ قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: كان إذا أُنزل على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ، يُسمَعُ عند وجهِهِ كَدَويِّ النَّحلِ، فمَكَثنا ساعةً، فاستقبَلَ القبلةَ، ورفع يديه، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تَنقُصْنا، وأكرِمنا ولا تُهنَّا، ولا تحرمنا (¬3)، وآثِرنَا ولا تُؤْثِرْ علينا، وارْضَ عنَّا وارضِنا»، ثم قال: «لقد أُنزلت عليَّ عشرُ آياتٍ؛ من أقامهنَّ دخل الجنَّةَ»، ثم قرأ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى خَتَم العشرَ. وهكذا رواه علي ابن المديني، عن عبد الرزاق. وأخرجه الترمذي في التفسير (¬4)، عن محمد بن أبان. والنسائي (¬5)، عن إسحاق بن إبراهيم. كلاهما عن عبد الرزاق، به. ورواه الترمذي -أيضًا-، عن يحيى بن موسى، وعَبد بن حميد، وغير واحد. كلهم عن عبد الرزاق، عن يونس بن سُليم، عن الزهري، به. ¬
لم يَذكروا يونس بن يزيد الأَيْلي. قال الترمذي: والأوَّل أصحُّ. وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (¬1)، عن القَطيعي، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، به. واختاره الضياء في كتابه (¬2). لكن قال النسائي: هذا حديث منكر، لا نعلم أحدًا رواه غير يونس بن سُليم، ويونس هذا لا نعرفه، والله أعلم. وكذا قال ابن معين (¬3)، وزاد: لم يرو عنه غير عبد الرزاق. وقال الإمام أحمد: سألتُ عنه عبد الرزاق، فقال: أظنُّه لاشيء. حكاه ابن أبي حاتم في كتابه (¬4) عن أحمد. حديث آخر (852) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬5): / (ق 327) ثنا حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد، عن أنس قال: قال عمرُ: وَافَقتُ ربِّي عزَّ وجلَّ في أربع: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو صَلَّينا خلفَ المقامِ (¬6)، ولو ضَرَبتَ على نسائِكَ الحجابَ (¬7)، ونَزَلت هذه الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ ¬
طِينٍ} (¬1)، فقلتُ أنا: تبارك اللهُ أحسنُ الخالقين، فنَزَلَت: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، ودَخَلتُ على أزواجِهِ، فقلتُ: لَتَنتهينَّ، أو لَيُبْدِلَنَّه اللهُ أزواجًا خيرًا منكنَّ، فنَزَلت الآية (¬2). لبعضه شاهد في الصِّحاح (¬3)، ولكن علي بن زيد بن جُدعان في سياقته للأحاديث غرابة ونكارة، والله أعلم، والمعروف في هذا قصَّة عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح (¬4). ¬
حديث آخر في قوله تعالى: {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}.
حديث آخر في قوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} (¬1). ويُذكر -أيضًا- عند قوله: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} الآية (¬2). (853) قال عَبد بن حميد في «مسنده» (¬3)، و «تفسيره»: أنا عبد الرزاق، أنا معمر (¬4)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ائتَدِمُوا بالزَّيتِ، وادَّهِنُوا به، فإنَّه يخرجُ من شجرةٍ مباركةٍ». ورواه الترمذي (¬5)، عن يحيى بن موسى. وابن ماجه (¬6)، عن الحسين بن مهدي. كلاهما عن عبد الرزاق، به. ورواه الترمذي -أيضًا-، عن أبي داود السَّبَخي، عن عبد الرزاق، به، إلا أنه لم يَذكر فيه عمرَ! ثم قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، وكان يضطَّرب فيه، فربما ذَكَر فيه عن عمرَ، وربما / (ق 328) رواه على الشك، فقال: أَحسَبُهُ عن عمرَ، وربما قال: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ¬
لا يَذكر عمرَ (¬1). قلت: قد روي عن أبي أَسِيد (¬2)، ¬
وأبي هريرة (¬1) نحو هذا، كما سيأتي (¬2) -إن شاء الله تعالى- في مسنديهما. ¬
طريق أخرى عن عمر (854) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبي، ثنا سفيان بن عيينة، حدثني الصَّعب بن حكيم بن شريك بن نملة، عن أبيه، عن جدِّه قال: ضِفْتُ عمرَ بن الخطاب ليلةُ، فأطعَمَني عشورًا (¬2) من رأس بعير بارد، وأطعَمَنا زيتًا، وقال: هذا الزَّيتُ المبارَكُ الذي قال اللهُ تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم. هذا غريب من هذا الوجه. ¬
حديث آخر: يُذكر عند قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)} (¬1) (855) قال أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا زُهَير، ثنا يونس بن محمد، ثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري، ثنا حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي مُمسِكٌ بحُجَزِكم (¬3)، هلُمَّ عن النَّارِ، هلُمَّ عن النَّارِ، وتَغلِبُونَنِي، تقاحَمون (¬4) فيها تقاحمَ الفراشِ والجنادبِ (¬5)، فأُوشِكُ أن أُرسِلَ حُجَزَكم، وأنا فَرَطُكُم (¬6) على الحوضِ، فتردونَ عليَّ معًا وأشتاتًا، فأعرِفُكُم بسيماكم ¬
وأسمائكم، كما يَعرِفُ الرَّجلُ الغريبةَ من الإبلِ في إبلِهِ، ويُذهَبُ بكم ذاتَ الشِّمالِ، وأُناشِدُ فيكم ربَّ العالمين: أي ربِّ، قومِي، أي ربِّ، أُمَّتي. فيقال: يا محمدُ، إنَّك لا تَدري ما أَحدَثُوا بعدَكَ، إنَّهم كان يمشون بعدَكَ القَهْقَرَى على أعقابِهِم. فلا أَعرِفَنَّ أحدَكُم يأتي يومَ القيامةِ يَحمِلُ شاةً لها ثُغَاءُ (¬1)، يُنادِي: يا محمدُ! يا محمدُ! فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئًا، قد بَلَّغتُ. ولا أَعرِفَنَّ أحدَكُم يأتي يومَ القيامةِ يَحمِلُ بعيرًا له رُغَاءُ (¬2)، يُنادِي: يا محمدُ! يا محمدُ!، فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئًا، قد بَلَّغتُ. ولا أَعرِفَنَّ أحدَكُم يومَ القيامةِ يَحمِلُ فَرَسًا لها حَمحَمَةٌ (¬3)، فيُنادِي: يا محمدُ! يا محمدُ! فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئًا قد بَلَّغتُ. ولا أَعرِفَنَّ أحدَكُم يأتي يومَ القيامةِ يَحمِلُ سِقَاءً من أَدَمٍ، يُنادِي: يا محمدُ! يا محمدُ! فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئًا، قد بَلَّغتُ». وقد روى هذا الحديثَ عليُّ ابن المديني (¬4)، عن يونس بن محمد المؤدِّب، عن يعقوب القُمِّي، واختصره. ثم قال: ولم نَجده عن عمرَ إلا من هذا الطريق، وهو حسن الإسناد، إلا أنَّ حفص بن حميد مجهول، لا أعلم أحدًا روى عنه إلا القُمِّي، وإنما روى هذا أهل الحجاز عن أبي هريرة (¬5)، انتهى كلامه. ¬
وقد روى عن حفص بن حميد هذا: أشعث بن إسحاق أيضًا (¬1). وقال فيه ابن معين: صالح (¬2). ووثَّقه النسائي (¬3)، وابن حبَّان (¬4). ¬
حديث فيه أن آية الرجم نسخ تلاوتها ورسمها وبقي مقتضاها وحكمها
حديث فيه أنَّ آية الرَّجم نُسِخَ تلاوتها ورسمها وبقي مقتضاها وحكمها (856) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبيد الله -هو: القَوَاريري-، ثنا يزيد بن زُرَيع، ثنا ابن عَون، عن محمد -هو: ابن سيرين-، قال: نبِّئت عن كثير بن الصَّلت قال: كنَّا عند مروان وفينا زيد، فقال زيد بن ثابت: كنَّا نقرأ: «والشيخ والشيخة فارجُمُوهُما البتَّةَ»، فقال مروان: ألا كتبتَها في المصحف؟ قال: ذَكَرنا ذلك وفينا عمرُ بن الخطاب، فقال: أنا أشفيكم من ذلك، قال: قلنا: فكيف؟ قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: فذَكَر كذا وكذا، فذَكَر الرَّجم، فأتاه، فذَكَر ذلك الرَّجلُ الرَّجمَ، فقال: يا رسولَ الله، اكتِبنِي آيةَ الرَّجمِ. قال: «لا أَستطيعُ / (ق 329) الآن». هذا، أو نحوه. وهذا فيه انقطاع. لكن رواه النسائي (¬2)، عن محمد بن المثنىَّ، عن غُندَر، عن شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جُبَير، عن كثير بن الصَّلت، عن زيد بن ثابت، به. وعن إسماعيل بن مسعود، عن خالد بن الحارث، عن ابن عَون، عن محمد: نبِّئت عن ابن أخي كثير، عن زيد. وقيل: عن محمد: نبِّئت عن كثير، به. واختاره الحافظ الضياء في كتابه. ¬
أثر يذكر عند قوله تعالى: {أو نسائهن}
أثر يُذكر عند قوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} (¬1) (857) قال سعيد بن منصور (¬2): ثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن هشام بن الغاز، عن عُبادة بن نُسَي، عن أبيه، عن الحارث بن قيس قال: كَتَب عمرُ بن الخطاب إلى أبي عُبيدة: أمَّا بعدُ، فإنَّه بَلَغني أنَّ نساءً من نساء المسلمين يَدخلن الحمَّامات مع نساءِ أهلِ الشِّركِ، فَانْهَ مَن قِبَلَكَ عن ذلك، فإنَّه لا يَحلُ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن يَنظرَ إلى عورتها إلا أهلُ ملَّتِها. ورواه سعيد -أيضًا- (¬3)، عن عيسى بن يونس، عن هشام بن الغاز، عن عُبادة بن نُسَي قال: كَتَب عمرُ ... ، فذَكَره. ¬
أثر آخر (858) قال البخاري (¬1): وقال رَوْح، عن ابن جريج: قلت لعطاء: أواجبٌ عليَّ إذا علمتُ له مالاً أن أُكاتِبَه؟ قال: ما أراه إلا واجبًا. وقال عمرو بن دينار: قلت لعطاء: تأثُرُهُ عن أحد؟ قال: لا. ثم أخبرني: أنَّ موسى بن أنس أَخبَرَه: أنَّ سيرينَ سأل أنسًا المكاتبة، وكان كثيرَ المالِ، فأَبَى، فانطَلَق إلى عمرَ، فقال: كَاتِبه. فأَبَى، فضَرَبه بالدِّرَّة، ويتلو عمرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (¬2) فكاتَبَهُ. ¬
ومن سورة الفرقان
ومن سورة الفرقان (859) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرحمن، عن مالك (¬2)، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ هشام بن حكيم يقرأُ سورةَ الفرقان في الصلاة على غير ما أقرؤها، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فأخذتُ بثوبه، فذهبتُ به إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ الله، إني سَمِعتُهُ يقرأُ سورةَ الفرقان على غيرِ ما أقرأتَنِيها. فقال: «اقرأ»، فقرأ القراءةَ التي سَمِعتُها منه، فقال: «هكذا أُنزِلَت»، ثم قال لي: «اقرَأ»، فقرأتُ، فقال: «هكذا أُنزِلَت، إنَّ هذا القرآنَ أُنزِلَ على سبعةِ أحرفٍ، فاقرأوا ما تَيسَّرَ». ورواه البخاري (¬3)، ومسلم (¬4)، وأبو داود (¬5)، والنسائي (¬6) من حديث مالك، به، وعندهم: سَمِعتُ هشام بن حكيم بن حِزَام. وكذا رواه أحمد -أيضًا- (¬7)، عن عبد الرزاق (¬8). وعن عبد الأعلى بن عبد الأعلى. ¬
كلاهما عن معمر، عن الزهري، به. وقال فيه: هشام بن حكيم بن حِزَام. وأخرجه البخاري -أيضًا- (¬1) من طرق أخر، عن عُقيل، وشعيب، ويونس. ومسلم -أيضًا- (¬2) من حديث يونس، ومعمر. كلُّهم عن الزهري، عن عروة، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة، وعبد الرحمن بن عبدٍ. كلاهما عن عمرَ، به. ورواه الترمذي في التفسير (¬3) من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. وقال: صحيح. وقال علي ابن المديني بعد ما رواه من طرق: هذا حديث صحيح ثبت. ¬
ومن سورة القصص
ومن سورة القصص (860) قال ابن أبي حاتم في «تفسيره» (¬1): ثنا علي بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (¬2)، ثنا عبيد الله -يعني: ابن موسى-، أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه: أنَّ موسى عليه السلام لما وَرَد ماءَ مدينَ وَجَد عليه أُمَّةً من الناس يسقون، قال: فلمَّا فرغوا أعادوا الصخرةَ على البئر، ولا يُطيقُ رفعَها إلا عشرةُ رجالٍ، فإذا هو بامرأتين تذودان، قال: ما خَطْبُكُما؟ فحدَّثتاه، فأتى الحَجَر فرَفَعه، ثم لم يَستقِ إلا ذَنوبًا (¬3) واحدًا حتى رَوِيت الغنمُ. هذا إسناد صحيح. ¬
ومن سورة فاطر
ومن سورة فاطر (861) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني محمد بن حبَّان الباهلي البصري، ثنا عمرو بن الحصين، ثنا الفضل بن عَميرة، حدثني ميمون بن سِيَاه، عن أبي عثمان النَّهدي قال: سَمِعتُ عمرَ قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَابُقنا سابِقٌ، ومقتصِدُنا ناجٍ، وظالمُنا مغفورٌ له»، ثم قرأ: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} الآية (¬1). ¬
/ (ق 330) ثم رواه من وجه آخر، عن عمرو بن الحصين، وهو: متروك.
ومن سورة يس
ومن سورة يس عند قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} (¬1) حديث: «لأَن يمتلئ جوف أحدكم قَيْحًا، خيرٌ له من أن يمتلئ شِعْرًا». وسيأتي في باب الأدب من كتاب الجامع (¬2). ¬
ومن سورة ص
ومن سورة ص (862) قال الإمام أحمد في كتاب «الزهد» (¬1): ثنا أَسباط بن محمد، ثنا ليث، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- خَرَج إلى حائط، فرَجَع، وقد صلُّوا العصرَ، فقال: حائطي على المساكين صدقةٌ. يعني: لفوات الجماعة. كأنَّه -رضي الله عنه- أراد التأسِّي بسليمانَ عليه السلام في قوله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} (¬2) القصَّة بتمامها على أحد التفاسير (¬3). ¬
ومن سورة الزمر
/ (ق 331) ومن سورة الزُّمر (863) ذَكَر محمد بن إسحاق في كتاب «السِّيرة» (¬1): حدثني نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قصَّة هجرته هو وعيَّاش بن أبي ربيعة، ورجوعَ عيَّاش إلى مكة وافتتانه، ونزول قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} الآية (¬2). وهو سياق طويل. ¬
ومن سورة الأحقاف
ومن سورة الأحقاف (¬1) (864) قال جرير بن حازم (¬2): سَمِعتُ الحسن البصري يقول: قَدِمَ على عمرَ وَفدٌ من أهل البصرة مع أبي موسى، قال: فكنَّا نَدخلُ عليه، وله كلُّ يومٍ خبزٌ مأدومٌ بسمن، وربما كان بزيت، وأحيانًا باللَّبن، وربما وافَقْنا القدائدَ (¬3) اليابسةَ قد دُقَّت، ثم أُغلِيَت بالماء، وربما وافَقْنا اللَّحمَ الغَرِيضَ (¬4)، وهو قليل، فقال لنا يومًا: إنِّي واللهِ لقد أرى تَقذِيرَكم، وكراهيتَكم طعامي، وإنِّي واللهِ لو شئتُ لكنتُ أطيبَكم طعامًا، وأرقَّكَم عيشًا، أما واللهِ ما أَجهلُ عن كَراكِر (¬5)، وعن صِلاء (¬6)، وعن صَلائِق (¬7)، ولكنِّي سَمِعتُ اللهَ عَيَّر قومًا، فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}. فيه انقطاع، لكن قد روي من وجوه أخر عنه (¬8). ¬
ومن سورة الفتح
ومن سورة الفتح (865) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا قُرَاد أبو نوح، ثنا مالك بن أنس (¬2)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَر، قال: فسألتُه عن شيء ثلاثَ مراتٍ، فلم يَرُدَّ عليَّ، فقلت لنفسي: ثَكِلَتْكَ أُمُّك يا ابنَ الخطاب، نَزَرتَ (¬3) رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مراتٍ، فلم يَرُدَّ عليك. قال: فرَكِبتُ راحلتي، فتقدَّمتُ مخافةَ أن يكون نَزَل فيَّ شيء. قال: فإذا أنا بمنادٍ: يا عمرُ. قال: فرَجَعتُ وأنا أظنُّ أنَّه نَزَل فيَّ شيءٌ، قال: فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَزَلَت عليَّ البارحةُ سُورةً هي أَحبُّ إليَّ من الدُّنيا وما فيها: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}» (¬4). ورواه البخاري (¬5)، والترمذي (¬6)، والنسائي (¬7) من طرق، عن مالك. ورواه علي ابن المديني، / (ق 332) عن مَعْن وقُرَاد، عن مالك، به. وقال: هذا إسناد مدني جيد، ولم نجده إلا عند أهل المدينة (¬8). ¬
ومن الحجرات
ومن الحجرات (866) قال أحمد في «الزهد» (¬1): ثنا عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: كُتِبَ إلى عمرَ: يا أميرَ المؤمنين، رجلٌ لا يَشتهي المعصيةَ ولا يَعملُ بها أفضلُ، أم رجلٌ يَشتهي المعصيةَ ولا يَعملُ بها؟ فكَتَب عمرُ رضي الله عنه: إنَّ الذين يشتهون المعصيةَ ولا يعملون بها أولئك الذين امتحن اللهُ قلوبَهم للتقوى، لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ. فيه انقطاع. ¬
ومن سورة الذاريات
ومن سورة الذَّاريات (867) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): حدثنا إبراهيم بن هانئ، حدثنا سعيد بن سلاَّم العطَّار، حدثنا أبو بكر ابن أبي سَبْرة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب قال: جاء صَبِيغ التَّميمي إلى عمرَ بن الخطاب، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أخبِرني عن الذاريات ذَرْوًا؟ قال: هي الرِّياحُ، ولولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُهُ ما قلتُهُ (¬2). قال: فأخبِرني عن المُقسِّمات أمرًا؟ قال: هي الملائكةُ، ولولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُهُ ما قلتُهُ. قال: فأخبِرني عن الجاريات يُسرًا؟ قال: هي السُّفُنُ، ولولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُهُ ما قلتُهُ. ثم أَمَر به فضُرِبَ مائةً، وجُعِلَ في بيت، فلمَّا بَرَأَ، دعا به، فضَرَبه مائةً أخرى، وحَمَله / (ق 333) على قَتَب، وكَتَب إلى أبي موسى الأشعري: امنَعِ الناسَ من مجالسته. فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى، فحَلَف له بالأيمان الغليظة ما يجدُ في نفسِهِ ممَّا كان يجدُ شيئًا، فكَتَب في ذلك إلى عمرَ، فكَتَب عمرُ: ما أخاله إلا قد صَدَق، فخَلِّ بينَه وبين مجالسة الناس. قال البزَّار: أبو بكر ابن أبي سَبْرة: ليِّن (¬3)، وسعيد بن سلاَّم العطَّار لم يكن من أصحاب الحديث (¬4). ¬
قلت: المستغرَبُ من هذا السِّياق رَفْعُ هذا التفسير إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإلا فقصَّة صَبِيغ بن عِسل التَّميمي مع عمرَ مشهورةٌ (¬1)، وكأنَّه -والله أعلم- إنَّما ضَرَبه لما ظهر له من حاله أنَّ سؤالَه سؤالُ تعنُّتٍ واستشكالٍ لا سؤالَ استرشادٍ واستدلالٍ، كما قد يفعله كثيرٌ من المتفلسفةِ الجهَّالِ والمبتدعةِ الضُّلاَّلِ، فنسأل اللهَ العافيةَ في هذه الحياة الدُّنيا وفي المآل. ¬
ومن سورة الطور
ومن سورة الطور (868) قال ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا أبي، ثنا موسى بن داود، عن صالح المُرِّي، عن جعفر بن زيد العَبدي قال: خَرَج عمرُ يَعُسُّ (¬2) المدينةَ ذاتَ ليلةً، فمَرَّ بدار رجلٍ من المسلمين، فوافَقَه قائمًا يصلِّي، فوَقَف، فسَمِعَ قراءتَه يقرأ: {وَالطُّورِ} حتى بَلَغ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}، فقال: قَسَمٌ وربِّ الكعبة حقٌّ، فنَزَل عن حماره، واستَنَدَ إلى حائط، فلَبِثَ مليًّا، ثم رجع إلى منزله، فلَبِثَ شهرًا يَعودُهُ الناسُ، لا يَدرون ما مَرَضُهُ رضي الله عنه. (869) وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب «فضائل القرآن» (¬3): ثنا محمد بن صالح، ثنا هشام بن حسَّان، عن الحسن: أنَّ عمرَ قرأ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (¬4) فرَبَا لها رَبوةً، عِيدَ منها عشرين يومًا. ¬
حديث يذكر عند قوله تعالى: {والبحر المسجور}
حديث يُذكر عند قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (¬1) (870) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا يزيد، ثنا العوَّام، حدثني شيخٌ كان مرابطًا بالسَّاحل قال: لقيتُ أبا صالح مولى عمرَ بن الخطاب، فقال: حدَّثنا عمرُ بن الخطاب، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس مِن ليلةٍ إلا والبحرُ يُشرِفُ فيها ثلاثَ مراتٍ، يَستأذِنُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يَنفَضِخَ (¬3) عليهم، فيَكُفُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ». (871) وقال أبو بكر الإسماعيلي: ثنا الحسن بن سفيان، عن إسحاق بن راهويه (¬4)، / (ق 334) عن يزيد -وهو ابن هارون- عن العوَّام بن حوشب: حدثني شيخ مرابِط قال: خَرَجتُ ليلةً لِمَحرَسي، لم يخرج أحدٌ من الحرس غيري، فأتيتَ الميناءَ، فصَعَدتُ، فجعل يَخيَّل إليَّ أنَّ البحرَ يُشرِفُ حتى يحاذي برؤوس الجبال، فَعَل ذلك مرارًا، وأنا مستيقظٌ، فلَقِيتُ أبا صالح، فقال: حدَّثنا عمرُ بن الخطاب: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِن ليلةٍ إلا والبحرُ يُشرِفُ ثلاثَ مراتٍ، يَستأذِنُ اللهَ أن يَنفَضِخَ عليهم، فيَكُفُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ». فيه رجل مبهم لم يُسمّ، والله أعلم بحاله. ¬
ومن سورة الرحمن
ومن سورة الرحمن (872) قال عَبد بن حميد (¬1): ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا حُصين بن عمر، ثنا مُخارِق، عن طارق بن شهاب، عن عمرَ بن الخطاب قال: جاء أناسٌ من اليهود إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، أفي الجنَّة فاكهة؟ قال: «نعم، فيها فاكهة ونخل ورمان»، قالوا: أفيأكلون كما يأكلون في الدُّنيا؟ قال: «نعم، وأضعاف»، قالوا: فيقضون الحوائجَ؟ قال: «لا، ولكنهم يَعرقون ويَرشحون، فيُذهِبُ اللهُ ما في بطونِهم من أذًى». هذا غريب من هذا الوجه، لأنَّ حصين بن عمر الأحمسي تكلَّموا فيه (¬2)، ولكن قد روي من غير هذا الوجه، كما سيأتي في موضعه. والمشهورُ عن النصارى: إنكارُ التلذُّذ بالطعام والشَّراب في الجنَّة، إنما هو الأصواتُ والمناظرُ الحسنةُ! وإليه ذهب بعض اليهود، كما دل / (ق 335) عليه هذا السِّياق، وكما حكاه أصحابُ المقالات عنهم. وقد ردَّ اللهُ ذلك عليهم في كتابه العزيز، قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (¬3)، وقال تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} (¬4)، ¬
وقال تعالى: «يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهي (¬1) الأنفس وتلذ الأعين» (¬2)، في آي كثير من القرآن، وجاءت السُّنَّة المتواترة عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك -أيضًا-، ولله الحمد والمنَّة. ¬
أثر في ذكر العبقري
أثر في ذِكر العَبقَري (¬1) (873) قال أبو عبيد (¬2): حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن تَوبة العَنْبري، عن عكرمة بن خالد، عن عبد الله بن عمَّار: أنَّه رأى عمرَ يَسجدُ على عَبقَري. قال يحيى بن سعيد: إنما هو: عبد الله بن أبي عمَّار، ولكن كان سفيان يقول كذلك. قال أبو عبيد: العَبقَري: البُسُط التي فيها الأصباغ والنُّقوش، والعَبقَري: جمعٌ، واحده عَبقَريةٌ، وكذلك الرَّفرَف، واحدتُهُ: رَفْرَفَة، زَعَم ذلك الأحمر. قال: وهو منسوب إلى بلاد يقال لها: عَبقَر، يُعمَلُ بها الوَشْي. قال ذو الرُّمَّة: حتى كأنَّ رياضَ القُفِّ ألبَسَها ... مِن وَشْي عَبقَرَ تَجليلٌ وتَنجيدُ قال: والعربُ ينسبون إلى هذه البلاد كلَّ شيءٍ يريدون مدحَهُ، ويَرفعون قدرَهُ، وما وَجَدنا أحدًا يدري أين هذه البلاد، ومتى كانت، والله أعلم. ¬
ومن سورة المجادلة
ومن سورة المجادلة حديث يُذكر عند قوله تعالى: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (¬1) (874) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جُنَادة بن محفوظ بن علقمة: حدَّثني أبي، عن نَصر بن علقمة، عن أخيه، عن عبد الرحمن بن عائذ قال: قال عمرُ: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: زوِّدني كلمةً أعيشُ بها. قال: «استحِي اللهَ، كما تستحيِّ رجلاً من صالح عشيرتك، لا يُفارقُك». إسناده غريب. وفي حديث القَدَر (¬2): «فإن لم تكن تَرَاه؛ فإنَّه يَرَاك». حديث آخر (875) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا أبو كامل، ثنا إبراهيم، ثنا ابن شهاب، عن أبي الطُّفيل عامر بن واثِلة: أنَّ نافع بن عبدالحارث لَقِيَ عمرَ بن الخطاب بعُسْفان (¬4)، وكان عمرُ استعمَلَه على مكة، فقال له عمر: مَن استَخلفتَ على أهل الوادي؟ قال: استَخلفتُ عليهم ابن أَبْزَى، قال: ومَن ابنُ أَبْزَى؟ قال: رجلٌ من موالينا. قال عمرُ: استَخلفتَ عليهم مولىً! فقال: إنَّه قارئٌ لكتاب الله، عالِمٌ بالفرائض، ¬
قاصٌّ (¬1). فقال عمرُ: أَمَا إنَّ نبيَّكُم صلى الله عليه وسلم قد قال: «إنَّ اللهَ يَرفَعُ بهذا الكتابِ أقوامًا، ويَضَعُ به آخرين». ورواه مسلم (¬2)، عن زُهَير بن حرب، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن الزهري، به. وأخرجه ابن ماجه (¬3)، عن أبي مروان محمد بن عثمان العثماني، عن إبراهيم بن سعد، به. ورواه مسلم -أيضًا- (¬4) من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، به. ورواه علي ابن المديني، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه. وعن عبد الرزاق، عن معمر (¬5). كلاهما عن الزهري، به. طريق أخرى (876) ورواه أبو يعلى الموصلي (¬6)، عن إبراهيم بن الحجَّاج السَّامي، ثنا حماد بن سَلَمة، عن / (ق 336) حميد، عن الحسن بن سَلْم (¬7): أنَّ عمرَ بن الخطاب استَعمَلَ ابنَ عبدالحارث على مكةَ ... ، وذَكَر نحو ما تقدَّم. ¬
طريق أخرى (877) قال أبو يعلى (¬1): وحدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سَمِعتُ أبي يقول: ثنا الحسين بن واقِد، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت: أنَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خَرَجتُ مع عمرَ بن الخطاب إلى مكة، فاستقبَلَنا أميرُ مكة نافعُ بن علقمة -ويُسمَّى بعمٍّ له يقال له: نافع- فقال: مَن استَخلفتَ على مكة؟ قال: استَخلفتُ عليها عبد الرحمن بن أَبْزَى. قال: عَمَدتَ إلى رجلٍ من الموالي، فاستَخلفتَهُ على مَن بها مِن المسلمين وأصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: نعم، وَجَدتُهُ أقرأَهم لكتاب الله، ومكةُ أرضٌ مُحتَضَرَة (¬2)، فأحببتُ أن يَسْمعوا كتابَ الله من رجلٍ حَسَنِ القراءةِ. قال: نِعْمَ ما رأيتَ، إنَّ اللهَ يرفعُ بالقرآن أقوامًا، ويَضَعُ بالقرآن أقوامًا، وإنَّ عبد الرحمن بن أَبْزَي ممَّن رَفَعَهُ اللهُ بالقرآن. هذا إسناد جيد، ولم يخرِّجوه (¬3). ¬
ومن سورة الحشر
ومن سورة الحشر وكان ابن عباس يقول: سورة بني النَّضير (¬1). (878) قال أبو داود رحمه الله (¬2): حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس -المعنى واحد- قالا: حدثنا بِشر بن عمر الزَّهراني، حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس قال: أَرسَلَ إليَّ عمرُ حين تعالى النَّهار، فجئتُهُ، فوَجَدتُهُ جالسًا على سرير، مُفضِيًا إلى رمالِهِ (¬3)، فقال حين دَخَلتُ عليه: يامَالْ (¬4) / (ق 337) إنَّه قد دَفَّ أهلُ أبياتٍ (¬5) من قومِك، وقد أَمَرتُ فيهم بشيء، فاقسِم فيهم، قلتُ: لو أَمَرتَ غيري بذلك؟ فقال: خُذه. فجاءه يَرْفَأُ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، هل لك في عثمانَ بن عفَّان وعبد الرحمن بن عوف والزُّبيرِ بن العوَّام وسعدِ بن أبي وقاص؟ قال: نعم. فأَذِنَ لهم، فدخلوا. ¬
ثم جاءه يَرْفَأ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، هل لك في العبَّاسِ وعليٍّ؟ قال: نعم، فأَذِنَ لهم (¬1)، فدخلوا. فقال العبَّاس: يا أميرَ المؤمنين، اقض بيني وبين هذا -يعني: عليًّا-، فقال بعضهم: أَجَل، يا أميرَ المؤمنين، فاقضِ بينهما، وأَرِحْهُما. -قال مالك بن أوس: خُيِّل إليَّ أنَّهما قَدَّما أولئك النَّفر لذلك-. فقال عمرُ رضي الله عنه: اِتَّئِدَا (¬2)، ثم أَقبَلَ على أولئك الرَّهط، فقال: أنشدُكم بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ»؟ قالوا: نعم. ثم أَقبَلَ على عليٍّ والعبَّاس-رضي الله عنهما-، فقال: أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمانِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ»؟ فقالا: نعم. قال: فإنَّ الله خَصَّ رسولَه بخاصةٍ لم يَخُصَّ بها أحدًا من الناس، فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬3) / (ق 338) فكان اللهُ عزَّ وجلَّ أفاء على رسوله بني النَّضير، فوالله ما استأثَرَ بها عليكم، ولا أخذها دونَكم، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقةَ سَنَة، أو نفقتَه ونفقةَ أهله سَنَة، ويجعلُ ما بقي أسوةَ المال. ثم أَقبَلَ على أولئك الرَّهط، فقال: أنشدُكم بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم أَقبَلَ على العبَّاس وعليٍّ، فقال: أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمانِ ذلك؟ قالا: نعم. ¬
فلمَّا تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا وَلِيُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فجئتَ أنت وهذا إلى أبي بكر تطلبُ أنت ميراثَك من ابن أخيك، ويطلبُ هذا ميراثَ امرأتِهِ من أبيها، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا نُورثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ»، والله يعلم أنَّه صادقٌ بارٌّ راشدٌ، متابعٌ للحقِّ، فوَلِيَهَا أبو بكرٍ، فلمَّا توفِّي، قلتُ: أنا وَلِيُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ووَلِيُّ أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فوُلِّيتُها ما شاء اللهُ أن أَلِيَهَا، فجئتَ أنت وهذا وأنتما جميع، وأمرُكما واحدٌ، فسَأَلتُمَانِيها، فقلتُ: إنْ شئتُما أن أدفعَها إليكما على أنَّ عليكما عهدَ الله أن تَلِيَاهَا بالذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَلِيَهَا، فأخذتماها منيِّ على ذلك، ثم جئتُماني لأَقضِيَ بينكما بغير ذلك؟! والله لا أقضي بينكما / (ق 339) بغير ذلك حتى تقومَ الساعة، فإن عَجِزتُما عنها، فرُدَّاها إليَّ (¬1). وقد أخرجه بقيَّة الجماعة إلا ابن ماجه (¬2)، من طرق عن الزهري، به. ¬
ثم قال أبو داود (¬1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن عَبدة -المعنى- أنَّ سفيان بن عيينة أخبَرَهما عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، عن عمرَ قال: كانت أموالُ بني النَّضير ممَّا أفاء اللهُ على رسوله، ممَّا لم يُوجِفُ المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصًا، يُنفِقُ على أهل بيته -قال ابن عَبدة: يُنفِقُ على أهله- قوتَ سَنَته، فما بقي جَعَله في الكُرَاع (¬2)، والسِّلاح، عُدَّةً في سبيل الله - قال ابن عَبدة: في الكُراع والسِّلاح-. وأخرجوه -أيضًا- من حديث الزهري. (879) ثم قال أبو داود (¬3): ثنا مُسدَّد، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن الزهري (¬4) قال: قال عمرُ رضي الله عنه: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}. قال الزهري: قال عمرُ: هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، قُرًى عربيةً، وكذا وكذا (¬5)، ممَّا أفاء اللهُ على رسوله من أهل القرى، فلله، ولرسوله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم ¬
وأموالهم، والذين تبوَّؤا الدَّار والإيمان / (ق 340) من قبلهم، والذين جاءوا من بعدهم، فاستَوعَبَتْ هذه الناسَ، فلم يَبقَ أحدٌ من المسلمين إلا له فيها حقٌّ -قال أيوب: أو قال: حظٌّ- إلا بعض مَن تملِكون من أرقَّائكم.
ومن سورة الممتحنة
ومن سورة الممتحنة (880) قال علي ابن المديني: ثنا عمر بن يونس اليَمَامي، ثنا عكرمة بن عمَّار، حدثني أبو زُمَيل، عن ابن عباس، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أدرَك حاطبَ بن أبي بَلتَعة وقد كَتَب كتابًا إلى أهلِ مكةَ، يُخبرهم بمسير رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقلتُ: دعني يا رسولَ الله فأضربُ عُنُقَه. فقال: «دَعهُ يا عمرُ، فما يُدرِيكَ، لعلَّ اللهَ قد اطَّلَعَ على أهلِ بدرٍ، فقال: اعمَلُوا ما شئتُم، فقد غَفَرتُ لكم» (¬1). ثم قال: لم نجده عن عمرَ إلا من هذه الطريق، وقد روي عن عليٍّ من وجوه صحاح. قلت: حديث علي بن أبي طالب مخرَّج في «الصحيحين» (¬2)، وفي ¬
سياقه نزول قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الآيات. وهذه الطرق جيدة، ولم يخرِّجها أحدٌ من أصحاب الكتب، وهي على شرط مسلم، والله أعلم (¬1). ¬
ومن سورة الجمعة
ومن سورة الجمعة (881) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، ثنا مغيرة، عن إبراهيم، عن خَرَشة بن الحُرِّ: أنَّ عمرَ بن الخطاب رأى معه لوحًا مكتوبًا فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬2). فقال: مَن ¬
أَقرأك، أو مَن أملى عليك هذا؟ فقال: أُبَيّ بن كعب. فقال: إنَّ أُبَيًّا كان أقرأنا للمنسوخ، اقرأها: «فامضوا إلى ذكر الله». إسناد صحيح.
ومن سورة التغابن
ومن سورة التغابن (882) قال أبو عبيد (¬1): ومن حديث جعفر بن عَون، عن مِسْعَر، عن أبي الضُّحى، يُسندُهُ إلى عمرَ: أنَّه سَمِعَ رجلاً يتعوَّذ من الفتن، فقال عمرُ: اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الضَّفاطَة، أتسألُ ربَّك ألا يرزقَك أهلاً ومالاً. أو قال: أهلاً وَوَلَدًا. قال أبو عبيد: معناه عندي: قول الله تعالى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (¬2) فهذا الذي أراده عمر. والضَّفاطَة: ضَعْف الرأي. ¬
ومن سورة التحريم
ومن سورة التحريم (883) قال الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬1): ثنا أبو قِلاَبة عبد الملك بن محمد الرَّقَاشي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا جرير بن حازم، / (ق 341) عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لحفصةَ: «لا تُحدِّثي أحدًا، وإنَّ أُمَّ إبراهيمَ عليَّ حرامٌ». فقالت: أَتُحرِّم ما أحلَّ اللهُ لك؟ قال: «فوالله لا أَقرَبُهَا». قلتُ: فلم تَقِرَّ بها نفسُها حتى أخبَرَتْ عائشةَ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬2). هذا إسناد صحيح على شرطهما (¬3)، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب، وإنما اختاره الضياء في كتابه. ¬
حديث آخر (884) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثَور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصًا على أن أسأَلَ عمرَ عن المرأتين من أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتين قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬2) حتى حجَّ عمرُ، وحَجَجتُ معه، فلمَّا كنَّا ببعض الطريق عَدَل عمرُ وعَدَلتُ معه بالإداوة، فتَبرَّز، ثم أتاني، فسَكَبتُ على يديه، فتوضَّأ، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتان مِن أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتان قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ فقال عمرُ: واعجبًا لك يا ابنَ عباس! -قال الزهري: كَرِهَ واللهِ ما سأله عنه، ولم يَكتُمْهُ عنه- قال: هي حفصةُ وعائشةُ. قال: ثم أخذ يَسوقُ الحديثَ، قال: كنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نَغلِبُ النساءَ، / (ق 342) فلمَّا قدمنا المدينةَ، وَجَدنا قومًا تَغلِبُهُم نساؤهم، فطَفِقَ نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في بني أميَّة بن زيد ¬
بالعَوالي، قال: فغضبتُ يومًا على امرأتي، فإذا هي تُراجعني، فأَنكَرتُ أن تُراجعَني، فقالت: ما تُنكِرُ أن أُراجِعَك، فواللهِ إنَّ أزواجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنَه، وتَهجُرُه إحداهُنَّ اليوم إلى الليل. قال: فانطلقتُ، فدَخَلتُ على حفصةَ، فقلتُ: أتُراجِعينَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قلتُ: وتَهجُرُه إحداكُنَّ اليومَ إلى الليل؟ قالت: نعم. قلتُ: قد خاب مَن فَعَل ذلك منكنَّ وخَسِرَ، أَفَتأمَنُ إحداكُنَّ أن يغضبَ اللهُ عليها لغضب رسولِه، فإذا هي قد هَلَكت؟ لا تُراجعي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئًا، وسَلِيني ما بدا لكِ، ولا يَغُرَّنَّكِ أن كانت جارَتُكِ هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منكِ. يريد: عائشة. قال: وكان لي جارٌ من الأنصار، وكنَّا نتناوبُ النزولَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يَنزلُ يومًا، وأَنزلُ يومًا، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك. قال: وكنَّا نتحدَّث أنَّ غسَّانًا تُنعِلُ الخيلَ لتغزُونَا، فنزل صاحبي يومًا، ثم أتى عشاءً فضَرَب بابي، ثم ناداني، فخَرَجتُ إليه، فقال: حَدَثَ أمرٌ عظيمٌ. فقلتُ: وماذاك، أجاءت غسَّانُ؟ قال: لا، بل أعظمُ من / (ق 343) ذلك وأطولُ، طلَّق رسولُ الله عليه وسلم نساءَه. فقلتُ: قد خابَتْ حفصةُ وخَسِرَتْ، قد كنتُ أظنُّ هذا كائنًا، حتى إذا صلَّيتُ الصبحَ شَدَدتُ عليَّ ثيابي، ثم نَزَلتُ، فدَخَلتُ على حفصةَ وهي تبكي، فقلتُ: أطلَّقكنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا أدري، هو هذا معتزلٌ في هذه المَشْربة (¬1). فأتيتُ غلامًا له أسودَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فدخل الغلام، ثم خَرَج إليَّ، فقال: قد ذَكَرتُك له فصَمَت، فانطلقتُ، حتى أتيتُ المنبرَ، فإذا عنده رَهْطٌ ¬
جلوسٌ يبكي بعضُهم، فجَلَستُ قليلاً، ثم غَلَبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فدخل، ثم خَرَج، فقال: قد ذَكَرتك له فصَمَت. فخَرَجتُ، فجَلَستُ إلى المنبر، ثم غَلَبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فدخل، ثم خَرَج إليَّ، فقال: قد ذَكَرتك له فصَمَت. فولَّيتُ مدبرًا، فإذا الغلام يَدعوني، فقال: ادخل، قد أَذِنَ لك. فدَخَلتُ، فسلَّمتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مُتَّكئٌ على رملِ حصير (¬1) -قال الإمام أحمد: وحدثناه يعقوب في حديث صالح، قال: رمال حصير- قد أَثَّر في جنبه، فقلتُ: أَطلَّقتَ يا رسولَ الله نساءَك؟ فرفع رأسَه إليَّ، وقال: «لا». فقلتُ: الله أكبر، لو رأيتَنَا يا رسولَ الله، وكنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نَغلِبُ النساء، فلمَّا قَدِمنا المدينةَ وَجَدنا قومًا / (ق 344) تَغلِبُهُم نساؤهم، فطَفِقَ نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، فتَغَضَّبتُ على امرأتي يومًا، فإذا هي تُراجعني، فأَنكَرتُ أن تُراجعَني، فقالت: ما تُنكر أن أُراجِعكَ؟ فواللهِ إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنَه، وتَهجُرُه إحداهُنَّ اليومَ إلى الليل. فقلتُ: قد خاب مَن فَعَل ذلك منكنَّ وخَسِرَتْ، أَفَتأْمَنُ إحداكُنَّ أن يغضبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِهِ، فإذا هي قد هَلَكت؟ فتبسَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، فدَخَلتُ على حفصةَ، فقلتُ: لا يَغرُّكِ أن كانت جارتُكِ هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم أخرى، فقلتُ: أَستأنِسُ يا رسولَ الله؟ قال: «نعم». فجَلَستُ، فرَفَعتُ رأسي في البيت، فواللهِ ما رأيتُ في البيتِ شيئًا يَرُدُّ البصرَ إلا أَهَبَةً (¬2) ثلاثةً، فقلتُ: ادعُ اللهَ يا رسولَ اللهِ أن يوسِّع على أُمَّتك، فقد وَسَّعَ على فارسَ والرومَ، وهم لا يَعبدون اللهَ. فاستوى ¬
جالسًا، وقال: «أفي شَكٍّ أنت يا ابنَ الخطابِ؟ أولئك قومٌ عُجِّلَت لهم طيباتُهُم في الحياةِ الدُّنيا»، فقلت: استغفِرْ لي يا رسولَ اللهِ. وكان أقسَمَ ألا يَدخلَ عليهنَّ شهرًا من شدَّة مَوْجِدتِهِ عليهنَّ، حتى عاتَبَه اللهُ عزَّ وجلَّ. وهكذا رواه البخاري (¬1)، ومسلم (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4) من طرق متعددة، عن الزهري. منها: ما رواه مسلم في الطلاق، / (ق 345) عن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر. والترمذي، عن عَبد بن حميد. ثلاثتهم عن عبد الرزاق، عن معمر، به. وقد روي من غير وجه عن ابن عباس. (885) وأخرجه البخاري (¬5) ومسلم -أيضًا- (¬6) من حديث يحيى بن ¬
سعيد الأنصاري، عن عُبيد بن حُنَين، عن ابن عباسٍ قال: قلت: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتانِ اللَّتانِ قال اللهُ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ}؟ قال: عائشةُ وحفصةُ ... ، وساق الحديثَ بطوله، ومنهم من اختصره. طريق أخرى (886) قال مسلم في الطلاق -أيضًا- (¬1): حدثني زُهَير بن حرب، ثنا عمر بن يونس الحنفي، ثنا عكرمة بن عمَّار، عن سمَاك بن الوليد أبي زُمَيل، حدثني عبد الله بن عباس، حدثني عمرُ بن الخطاب قال: لمَّا اعتَزَل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم نساءَه، دَخَلتُ المسجدَ، فإذا الناس يَنكتون بالحصى (¬2)، ويقولون: طلَّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءَه! وذلك قبلَ أن يُؤمَرَ (¬3) بالحجاب (¬4)، فقلت: لأَعلَمنَّ ذلك اليومَ. فذَكَر الحديثَ في دخوله على عائشةَ وحفصةَ، ووَعْظه إيَّاهما، إلى أن قال: فدَخَلتُ، فإذا أنا برَبَاحٍ غلامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على أُسكُفَّة (¬5) ¬
المَشْربة (¬1)، فناديتُ، فقلت: يا رباحُ، استأذِنْ لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَر نحو ما تقدَّم. إلى أن قال: فقلتُ: يا رسولَ الله، ما يَشُقُّ عليك من أمر النساء؟ فإنَّ كنتَ طلَّقتَهنَّ فإنَّ اللهَ معك، وملائكتَه، وجبريلَ، وميكالَ، وأنا، وأبو بكرٍ، / (ق 346) والمنون (¬2) معك، وقلَّما تكلَّمتُ وأحمدُ اللهَ بكلامٍ؛ إلا رَجَوتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّقُ قولي، ونَزَلت هذه الآية، آيةُ التَّخيير: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خير منكن}، {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}. فقلت: أَطلَّقتَهنَّ؟ قال: «لا»، فقمتُ على باب المسجد، فناديتُ بأعلى صوتي، لم يُطلِّق نساءَه، ونَزَلت هذه الآية: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (¬3) فكنتُ أنا استَنْبَطتُ ذلك الأمرَ. أثر آخر (887) قال أبو جعفر بن ذَرِيح، ثنا هنَّاد بن السَّري (¬4)، ¬
ثنا أبو الأحوص، عن سمَاك، عن النُّعمان بن بشير قال: سُئل عمرُ بن الخطاب عن التوبة النَّصوح، قال: أن يتوبَ الرَّجلُ من العمل السَّيئ، ثم لا يعودُ إليه أبدًا. إسناد صحيح.
ومن سورة الحاقة
ومن سورة الحاقة (888) قال الحافظ أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): أنا إسحاق بن إسماعيل، أنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن بُرقان، عن ثابت بن الحجَّاج قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تحاسَبوا، وزِنُوا أنفسَكم قبل أن تُوزَنوا، فإنَّه أخفَّ عليكم في الحساب غدًا أن تحاسِبوا أنفسَكم اليومَ، وتَزيَّنوا للعرض الأكبر / (ق 347) الأكبر (¬2)، يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية. أثر مشهور، وفيه انقطاع، وثابت بن الحجَّاج هذا جَزَري، تابعي صغير، لم يُدرك عمرَ، ولم يرو عنه سوى جعفر بن بُرقان (¬3)، وله عند أبي داود في «السُّنن» حديثان (¬4). حديث آخر (889) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدثنا شُريح بن عبيد قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: خَرَجتُ أتعرَّضُ ¬
رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن أُسلِمَ، فوَجَدتُهُ قد سَبَقني إلى المسجد، فقمتُ خلفَه، فاستفتَحَ سورةَ الحاقَّة، فجَعَلتُ أعجبُ من تأليف القرآن، قال: فقلت: هذا واللهِ شاعرٌ كما قالت قريش. قال: فقرأ: {إنه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون}. قال: قلتُ: كاهنٌ. قال: {ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون. تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين} إلى آخر السورة. قال: فوَقَع الإسلامُ في قلبي كلَّ موقعٍ. هذا حديث حسن جيد الإسناد، إلا أنَّ شُريح بن عبيد هذا هو الحضرمي الشَّامي الحمصي، وهو أحد الثقات (¬1) إلا أنَّه لم يُدرك أيام عمرَ، فيما قاله أبو زرعة الرازي، وغيره (¬2). وأبلغ من ذاك: ما قاله محمد بن عوف / (ق 348) الطَّائي الحمصي عنه أنه ثقة، وما أظنُّ أنه سَمِعَ أحدًا من الصحابة. قلت: وقد ذَكَرنا إسلامَ عمرَ على وجوه عديدة، كما سيأتي في «سيرته» (¬3)، إن شاء الله تعالى. ¬
ومن سورة عبس
ومن سورة عبس (890) قال محمد بن سعد (¬1): ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كنَّا عند عمرَ -رضي الله عنه- وفي ظَهْر قميصِهِ أربعُ رقاعٍ، فقرأ: {وفاكهة وأبا}، فقال: ما الأبُّ؟ ثم قال: إنَّ هذا لهو التَّكلُّف، فما عليك ألا تَدريه. إسناد صحيح. ¬
ومن سورة التكوير
ومن سورة التكوير (891) قال أبو بكر أحمد بن جعفر بن حَمدان: ثنا بِشر بن موسى، ثنا خلف بن الوليد، عن إسرائيل، عن سمَاك قال: سَمِعتُ النُّعمانَ بن بشير يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: {وإذا النفوس زوجت} قال: الفاجرُ مع الفاجر، والصالحُ مع الصالح (¬1). حديث آخر (892) قال أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا الحسين بن مهدي، ثنا ¬
عبد الرزاق (¬1)، أنا إسرائيل، عن سمَاك -يعني: ابن حرب-، عن النُّعمان بن بشير، عن عمرَ بن الخطاب في قوله تعالى: {وإذا الموؤدة سئلت}، قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، إنِّي وَأَدتُ بناتٍ لي في الجاهلية، فقال: «أَعتِقْ عن كُلِّ واحدةٍ منهنَّ رَقَبةٍ»، قال: يا رسولَ الله! إني صاحبُ إبلٍ. قال: «فانحَر عن كُلِّ واحدة منهنَّ / (ق 349) بَدَنةً». ثم قال البزَّار: خولف فيه عبد الرزاق، ولم نَكتبه إلا عن الحسين بن مهدي، عنه. ¬
ومن سورة الغاشية
ومن سورة الغاشية (893) قال الحافظ أبو بكر البَرقاني: ثنا إبراهيم بن محمد المزكِّي، ثنا محمد بن إسحاق السرَّاج، ثنا هارون بن عبد الله، ثنا سيَّار، ثنا جعفر، قال: سَمِعتُ أبا عمران الجَوْني يقول: مَرَّ عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- بدير راهب، قال: فناداه: يا راهب! يا راهب! فأشرَفَ، قال: فجَعَل عمرُ يَنظرُ إليه، ويبكي، فقيل له: يا أميرَ المؤمنين، ما يُبكيك من هذا؟ قال: ذَكَرتُ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في كتابه: {عاملة ناصبة. تصلي ناراً حامية} فذاك الذي أبكاني (¬1). وهذا إسناد جيد. فأمَّا حديث سؤال عمر -رضي الله عنه- لعبد الله بن عباس عن تفسير سورة: {إذا جاء نصر الله والفتح} وامتحان الصحابة بذلك، فسيأتي (¬2)، -إن شاء الله- في مسند ابن عباس، فإنه أليق به، وهو في «الصحيح» (¬3) من حديث شعبة، عن أبي بِشر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: كان عمرُ بن الخطاب يُدنِي ابنَ عباسٍ، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنَّ لنا أبناءً مثلَه، فقال: إنَّه من حيث تَعلَمُ. فسأل عمرُ ابنَ عباس عن هذه الآية: ¬
{إذا جاء نصر الله والفتح}، قال: أَجَلُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أًعلَمَهُ إيَّاه. قال: ما أعلمُ منها إلا ما تَعلَمُ. لفظ البخاري (¬1). كتاب الجامع ¬
كتاب الجامع
كتاب الجامع ما ورد في العلم عنه رضي الله عنه (894) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا دُجَين أبو الغصن -بصري- قال: قَدِمْتُ المدينةَ، فلقيتُ أسلمَ مولى عمر بن الخطاب، فقلتُ: حدِّثني عن عمرَ، فقال: لا أستطيعُ، أخافُ أن أزيدَ أو أُنقصَ، / (ق 350) كنَّا إذا قلنا لعمرَ: حدِّثنا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: أخافُ أن أزيدَ حرفًا أو أُنقصَ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كَذَب عليَّ فهو في النَّار». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وله طرق عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم متواترة عن نيِّف وثمانين صحابيًا. ودُجَين بن ثابت هذا: أبو الغصن -بالجيم-، وهو بصري، ضعَّفه البخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، وابن حبان، وابن عدي، ¬
والدارقطني، وغيرهم (¬1). وحكى علي ابن المديني (¬2)، عن عبد الرحمن بن مهدي -وقد سُئل عنه-، فقال: قال لنا أوَّل مرَّة: حدَّثني مولىً لعمرَ بن عبد العزيز. فقلنا له: إنَّ مولىً عمر بن عبد العزيز لم يُدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم! فتَرَكه، فما زالوا يلقِّنونه، حتى قال: أسلم مولى عمر بن الخطاب! ثم قال عبد الرحمن: لا يُعتمد عليه. وقال يحيى بن معين (¬3): ليس حديثه بشيء. قلت: وقد توهَّم بعضُهم أنَّ دُجَينًا هذا هو: جُحَا المشهور بالمُجُون (¬4)، وأَنكر ذلك ابن حبان، وغيره (¬5)، والله أعلم. أثر آخر (895) قال يونس بن بُكَير (¬6): عن محمد بن إسحاق، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: واللهِ ما مات عمرُ -رضي الله عنه- حتى بَعَث إلى أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فجَمعَهم جميعًا من الآفاق، حذيفةَ، وابنَ مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعُقبةَ بن ¬
عامر، فقال: ما هذه الأحاديثُ التي أفشيتم عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الآفاق؟! قالوا: أتتهمُنا؟! قال: لا، ولكن أقيموا عندي، / (ق 351) ولا تفارقوني ما عشتُ، فنحن أعلمُ بما نأخذ منكم وما نردُّ عليكم. فما فارقوه حتى مات، فما خَرَج ابنُ مسعود إلى الكوفة ببيعة عثمان إلا من سجن عمر. إسناد جيد (¬1). ¬
أثر آخر (896) قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في «سننه» (¬1): ثنا أحمد بن عَبدة، ثنا حماد بن زيد، عن مُجالِد، عن الشَّعبي، عن قَرَظة بن كعب قال: بَعَثنا عمرُ إلى الكوفة وشَيَّعنا، فمشى معنا إلى موضعٍ يقال له: مُرَار (¬2)، فقال: أتدرون لم مشيتُ معكم؟ قال: قلنا: لِحَقِّ صُحبة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ونحن (¬3) الأنصار. قال: لكنِّي مَشَيتُ معكم لحديثٍ أردتُ أن أحدِّثَكم به، ¬
أردتُ أن تحفظوه لممشايَ معكم، إنَّكم تَقدَمُون على قومٍ للقرآن في صدورهم هَزيزٌ كهَزيز المِرْجَل، فإذا رَأَوكُم مَدُّوا إليكم أَعناقَهم، وقالوا: أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأقلُّوا الروايةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شَريكُكُم. إسناد جيد (¬1). ¬
أثر آخر (897) قال حنبل (¬1): ثنا قَبيصة بن عُقبة، ثنا سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال: أراد عمرُ بن الخطاب أنْ يكتبَ السُّننَ، فاستخار اللهَ شهرًا، ثم أصبح وقد عُزِمَ له، فقال: ذَكَرتُ قومًا كَتَبوا كتابًا فأقبَلوا عليه وتَرَكوا كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ. إسناد جيد قوي، إلا أنَّ عروة لم يلق عمرَ بن الخطاب، والله أعلم. أثر آخر (898) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن السَّائب بن أخت نَمِر، أنَّه سَمِعَ عمرَ يقول: إنَّ حديثَكم شرُّ الحديث، وإنَّ كلامَكم شرُّ الكلام، إنَّكم قد حدَّثتم الناسَ حتى قيل: قال فلان، وقال فلان، وتُرِكَ كتابُ اللهِ، من كان منكم قائمًا؛ فليَقم بكتاب الله، وإلا فليجلس (¬2). (899) وبهذا الإسناد: أنَّ عمرَ قال لكعب الأحبار: لتتركنَّ الإخبارَ، أو لألحقنَّك بأرض القردة (¬3). ¬
أثر آخر (900) قال الإسماعيلي: ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا الحسن بن إسماعيل، ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد الله بن شُرَحبيل بن حَسَنة، عن عبد الرحمن بن أزهر، قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- يقول: اللهمَّ لا يُدركني أبناءُ الهَمَذَانيات والإِصْطَخْريات (¬1)، الذين قلوبُهم قلوبُ العجم، وألسنتُهم ألسنةُ العربِ (¬2). أثر آخر (901) قال أبو عبيد في كتاب «فضائل القرآن» (¬3): ثنا الأنصاري، عن أشعث، عن الحسن قال: مات عمرُ، يعني ... (¬4) ولم يجمع القرآنَ. قال: أموتُ وأنا في زيادة، أحبُّ إليًّ من أن أموتَ وأنا في نقصان. قال الأنصاري: يعني: نسيان القرآن. أثر آخر (902) وقال أبو عبيد (¬5): ثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن الشيباني، عن أُسَير بن عمرو قال: بَلَغ عمرَ بن الخطاب أنَّ سعدًا قال: ¬
مَن قرأ القرآنَ ألحَقتُهُ في ألفين. فقال عمرُ: أُفٍّ! أُفٍّ! أيعطى على كتاب الله عزَّ وجلَّ؟! إسناد صحيح. / (ق 352) أثر آخر (903) قال مسلم في مقدمة كتابه «الصحيح» (¬1): ثنا يحيى بن يحيى، أنا هشيم، عن سليمان التَّيمي، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ أنه قال: بحَسْبِ المرء من الكذب أن يُحدِّث بكلِّ ما سَمِعَ. إسناد صحيح. حديث آخر (904) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: حدثني أبو بكر بن عمير، ثنا أحمد بن وهب بن داود بدمشق، ثنا محمد بن اللَّيث، عن معمر، عن محمد بن عمرو اليماني، عن وهب، عن ابن عباس. وأبي تميم الجيشاني، عن عمرَ، وعائشة. وابن طاوس، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن سُئِلَ عن علمٍ فكَتَمَهُ، جاء يومَ القيامةِ مُلَجَّمًا بلجَامٍ من نارٍ». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي من وجوه عديدة، والله أعلم بصحَّته (¬2). حديث آخر (905) قال عبد الله بن وهب (¬3): أخبرني عمرو بن الحارث: أنَّ عبَّاد ¬
بن سالم حدَّثه عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَهِّمهُ». وفي لفظ: «يُفَقِّههُ». وفي لفظ: «مَن يُرِدِ اللهُ يَهِدِهِ، يُفَقِّههُ في الدِّينِ». هذا حديث جيد من هذا الوجه، فإنَّ عبَّاد بن سالم هذا تجيبي، قال أبو حاتم (¬1): روى عن سالم، وعنه: عمرو بن الحارث، وابن لَهِيعة. وهو في «الصحيحين» (¬2) من حديث عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن معاوية قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِدُ اللهُ به خيرًا يُفَقِّههُ في الدِّينِ». أثر آخر (906) قال أبو عبد الله البخاري (¬3): وقال عمرُ: تفقَّهوا قبل أن تسودوا (¬4). هكذا رواه معلَّقًا بصيغة الجزم، وقد رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب «الغريب» (¬5)، فقال: ثناه ابن عُليَّة ومعاذ، عن ابن عَون، ¬
عن ابن سيرين، عن الأحنف بن قيس، عن عمرَ، به. قال: ومعناه: تعلَّموا العلمَ ما دمتُم صغارًا قبل أن تصيروا سادةً رؤساءَ منظورًا إليكم، فإذالم تعلَّموا قبل ذلك استَحيَيْتُم أن تعلَّموه بعد الكِبَرِ فبَقِيتُم جُهَّالاً تأخذونه من الأصاغر، فيُزرِي ذلك بكم. وسيأتي في كتاب «السِّيرة» (¬1) عنه آثارٌ كثيرةٌ متعلِّقةٌ بالعلم، إن شاء الله تعالى، وبه الثِّقة والمعونة. ¬
ما ورد عنه في الإيمان
/ (ق 353) ما ورد عنه في الإيمان (907) قال الإمام أحمد (¬1): قرأتُ على يحيى بن سعيد: عثمان بن غياث، حدَّثني عبد الله بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر وحميد بن الرحمن الحِمْيَري قالا: لَقِينا عبد الله بن عمرَ، فذَكَرنا القَدَر، وما يقولون فيه، فقال: إذا رَجَعتُم إليهم، فقولوا: إنَّ ابنَ عمر منكم برئٌ، وأنتم منه بُرَآءُ -ثلاث مرار-. ثم قال: أخبرني عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- أنهم بينما هم جلوسٌ -أو قُعودٌ- عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم جاءه رجلٌ يمشي، حَسَنُ الوجه، حَسَنُ الشَّعر، عليه ثيابُ بياض، فنظر القومُ بعضُهم إلى بعض: ما نَعرِف هذا، وما هذا بصاحب سَفَر، ثم قال: يا رسولَ الله، آتيك؟ قال: «نعم»، فجاء، فوضع رُكبَتَيهِ عند رُكبَتَيهِ، ويديه على فخذيه، فقال: ما الإسلام؟ قال: «شهادة أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وتقيمُ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضان، وتحجُ البيت». قال: فما الإيمان؟ قال: «أن تؤمِنَ بالله، وملائكته، والجنَّة والنَّار، والبعث بعد الموت، والقَدَر كُلِّه». قال: فما الإحسان؟ قال: «أن تعمَلَ (¬2) كأنَّكَ تَرَاهُ، فإن لم تَكُن تَرَاهُ، فإنَّه يَرَاك». قال: فمتى السَّاعة؟ قال: «ما المسؤولُ عنها بأعلَمَ من السَّائلِ». ¬
قال: فما أشراطُها؟ قال: «إذا الحُفَاةُ العُرَاةُ العالَةُ رِعَاءُ الشَّاءِ تطاوَلُوا في البُنيانِ، وَوَلَدَتِ / (ق 354) الإمَاءُ أَربَابَهُنَّ (¬1)». قال: ثم قال: «عليَّ الرَّجُلَ»، فطلبوه، فلم يَرَوا شيئًا. فمَكَث يومين أو ثلاثة، ثم قال: «يا ابنَ الخطابِ، أتدري مَن السَّائلُ عن كذا وكذا؟»، قال: الله ورسوله أعلم. قال: «ذاك جبريلُ، جاءكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم». قال: وسأله رجلٌ من جُهَينة أو مُزَينة، فقال: يا رسولَ الله، فيم نعملُ؟ في شيءٍ قد خلا، أو في شيءٍ يُستَأنَفُ الآن؟ قال: «في شيءٍ قد خَلاَ أو مضى»، فقال رجل -أو بعض القوم-: يا رسولَ الله، فِيمَ نعملُ؟ قال: «أهلُ الجنَّةِ يُيَسَّرُون لعملِ أهلِ الجنَّةِ، وأهلُ النَّارِ يُيَسَّرُون لعملِ أهلِ النَّارِ». قال يحيى: هو هكذا. ثم رواه أحمد -أيضًا- (¬2)، عن غُندَر ويزيد بن هارون. كلاهما عن كَهْمس، عن ابن بُرَيدة، به. وعن عبد الله بن يزيد، عن كَهْمس، عن عبد الله بن بُرَيدة، به. وقال غُندَر في حديثه: فلَبِثَ مَليًّا. وقال يزيد بن هارون وعبد الله بن يزيد: ثلاثًا. وقال أحمد -أيضًا- (¬3): ثنا وكيع، ثنا كَهْمس، عن سليمان بن بُرَيدة، ¬
عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ جبريل قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمِنَ باللهِ، وملائكتِهِ، وكُتُبِه، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخرِ، وبالقَدَرِ خيرِهِ وشَرِّهِ». فقال له جبريل: صَدَقتَ. قال: فعجبنا منه يسألُه ويصدِّقُه! قال: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ذاك جبريلُ، أتاكم يُعلِّمكم معالِمَ دينِكُم». وهكذا رواه -أيضًا- (¬1)، عن أبي نعيم، عن سفيان، عن علقمة بن مَرْثَد، عن / (ق 355) سليمان بن بُرَيدة، به، فقال فيه: «هذا جبريلُ، جاءكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم، ما أتاني في صورةٍ إلا عَرَفتُهُ، غيرَ هذه الصورةِ». وكذا رواه -أيضًا- (¬2) عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان، بمعناه. وقد روى هذا الحديثَ بطوله الإمام علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد القطَّان، عن عثمان بن غياث كما تقدَّم. وعن وكيع، عن كَهْمس، عن عبد الله بن بُرَيدة، به. وعن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن مَطَر الورَّاق، عن عبد الله بن بُرَيدة، وقال: هو حديث صحيح. قال عليّ: وعثمان بن غياث: ثقة، وكان رَوْح راويه عنه، وكان يزيد بن زُرَيع يقول: حدثني عثمان بن غياث، وكان مرجئًا (¬3)، وكان من خير المرجئة. ¬
وقد رواه مسلم بن الحجَّاج في «صحيحه» (¬1) منفردًا به عن البخاري (¬2)، فقال في أوَّل كتاب الإيمان منه: حدثني أبو خيثمة زُهَير بن حرب، ثنا وكيع، عن كَهْمس، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر (ح) وحدثنا عبيد الله بن معاذ العَنْبري، وهذا حديثه: ثنا أبي، ثنا كَهْمس، عن ابن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر قال: كان أوَّلَ مَن قال في القَدَر بالبصرة مَعبَدٌ الجُهَني (¬3)، فانطلقتُ أنا وحميد بن عبد الرحمن الحِمْيَري حاجَّين أو مُعتَمِرَين، فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القَدَر، فوُفِّقَ لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجدَ، فاكتَنَفتُهُ أنا وصاحبي، / (ق 356) أحدُنا عن يمينه، والآخرُ عن شماله، فظننتُ أنَّ صاحبي سَيَكِلُ الكلامَ إليَّ، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنَّه قد ظهر قِبَلَنا ناسٌ يقرأون القرآنَ، ويَتَقفَّرون العلمَ (¬4) -وذَكَر من شأنهم-، وأنهم يزعمون ألا قَدَرَ، وأنَّ الأمرَ أُنُفٌ (¬5). فقال: إذا لقيتَ أولئك، فأخبِرْهُم أنِّي بريءٌ منهم، وأنهم بُرَآءُ منَّي، والذي يَحِلفُ به عبد الله بن عمر، لو أنَّ لأحدهم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا فأنفقَهُ، ما قَبِلَ اللهُ منه حتى يؤمنَ بالقَدَر. ¬
ثم قال: حدثني أبي عمرُ بنُ الخطابِ -رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم، إذ طلع علينا رجلٌ، شديدُ بياضِ الثيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعرِ، لا يُرى عليه أثرُ السَّفر، ولا يَعرفُهُ منَّا أحدٌ، حتى جلس إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأسنَدَ رُكبَتَيهِ إلى رُكبَتَيهِ، ووضع كفَّيه على فخذيه، وقال: يا محمدُ، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلامُ: أن تشهدَ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتِيَ الزكاةَ (¬1)، وتحجَّ البيتَ إن استطعتَ إليه سبيلا». قال: صَدَقتَ. قال: فعجبنا له، يسألُه ويصدِّقُه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «تؤمِنُ باللهِ، وملائكتِهِ، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليومِ الآخرِ، وتؤمِنُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشَرِّهِ». قال: صَدَقتَ. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: «أن تعبدَ اللهَ كأنَّك تَرَاهُ، فإن لم تَكُن تَرَاهُ، فإنَّه يَرَاك». قال: فأخبرني / (ق 357) عن السَّاعة؟ قال: «ما المسؤولُ عنها بأعلَمَ من السَّائلِ». قال: فأخبرني عن أَمَارَتِها؟ قال: «أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها، وأن تَرى الحُفَاةَ العُرَاةَ، العالةَ، رعاءَ الشَّاءِ، يَتَطاوَلُون في البنيانِ». قال: ثم انطلق، فلبث مليًّا، ثم قال: «يا عمرُ، أتدري مَن الرَّجلُ؟»، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنَّه جبريلُ، أتاكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم». ثم رواه مسلم (¬2)، وأهل السُّنن (¬3) من طرق أخر، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر، به. ورواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬4)، عن حماد بن زيد، عن مَطَر الورَّاق، عن عبد الله بن بُرَيدة، به، نحوه. وقال فيه: فلم يَزَل يَدنو حتى كانت رُكبَتُهُ عند رُكبَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه مسلم -أيضًا- (¬5) من حديث معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يَعمَر، به. ¬
ورواه أبو داود السَّجِستاني -أيضًا- (¬1) من حديث الثوري، عن علقمة بن مَرْثَد، عن سليمان بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر، به، وزاد بعد قوله: «وصوم رمضان: وتغتسل من الجنابة». وفي «صحيح ابن حبان» (¬2)، والجوزقي (¬3)، و «سنن الدارقطني» (¬4) من حديث المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمرَ، عن أبيه ... ، فذَكَره، وزادوا بعد قوله: «وتحجَّ البيتَ»: «وتَعتَمِرَ، وتُتمَّ الوُضُوءَ». ¬
وصحَّحه الدارقطني، وهو قوي الإسناد (¬1). وعند الحافظ أبي بكر البيهقي (¬2): ثم وَضَع يديه على رُكبَتَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ أبي داود والنسائي: فلبثتُ ثلاثًا. وعند الترمذي وابن ماجه / (ق 358): فلَقِيني النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ ثلاثٍ، فقال: «يا عمرُ، أتدري مَن الرَّجلُ؟». فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «هو جبريلُ، أتاكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم». وزاد الدارقطني: «فخذوا عنه، فوالذي نفسي بيده ما شُبِّه عليَّ منذ أتاني قبل مرتي هذه، وما عرفتُهُ حتى ولَّى». وقال الترمذي بعد روايته الحديث: هذا حديث حسن صحيح. قال: وقد روي هذا الحديث، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والصحيح عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قلت: وقد استَقصيتُ جميع طرقه وألفاظه في أوَّل شرح البخاري -رحمه الله-، ولله الحمدُ والمنَّةُ. حديث آخر (908) قال أحمد (¬3): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة. وحجَّاج قال: سَمِعتُ شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن ¬
عمرَ: أنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ ما نعملُ فيه، أقد فُرِغَ منه، أو في شيءٍ مبتدإٍ، أو أمرٍ مبتَدَعٍ؟ قال: «فيما قد فُرِغَ». فقال عمرُ: أَلاَ نتَّكِلُ؟ فقال: «اعمَل يا ابنَ الخطابِ، فكُلٌّ مُيسَّرٌ، أمَّا مَن كان من أهلِ السَّعادةِ؛ فيَعمَلُ للسَّعادةِ، وأمَّا أهلُ الشَّقاءِ؛ فيَعمَلُ للشَّقاءِ». لم يخرِّجوه من هذا الوجه، وعاصم بن عبيد الله العُمَري تكلَّموا فيه. وقد تقدَّم في التفسير (¬1) من رواية عبد الله بن زياد (¬2)، عن ابن عمرَ، عن عمرَ. وذكره الضياء في «المختارة» (¬3). (909) ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث الزُّبيدي والأوزاعي ومحمد / (ق 359) بن مَيْسرة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب، به (¬4). ¬
حديث آخر (910) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا الحارث بن مِسكين المصري، ثنا عبد الله بن وهب (¬2)، أنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال موسى عليه السلام: ياربُّ، أَرِنا آدمَ، أَخرَجَنا ونَفْسَهُ من الجنَّةِ، فأَرَاهُ اللهُ آدمَ. قال: أنت آدمُ؟ ¬
فقال له آدمُ: نعم. قال: أنت الذي نَفَخَ اللهُ فيك مِن رُوحِهِ، وأَسجَدَ لك ملائكتَهُ، وعلَّمَكَ الأسماءَ كُلَّها؟ قال: نعم. قال: فما حَمَلَكَ على أن أَخرَجتَنَا ونَفْسَكَ من الجنَّةِ؟ فقال له آدمُ: مَن أنت؟ قال: أنا موسى. قال: أنت موسى بني إسرائيل الذي كلَّمَكَ اللهُ من وراءِ حجابٍ، فلم يَجعل بينكَ وبينَه رسولاً من خلقِهِ؟ قال: نعم. قال: فَتَلُومُنِي على أمرٍ قد سَبَقَ مِن اللهِ القضاءُ قبلي؟!». قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «فحجَّ آدمُ موسى، فحجَّ آدمُ موسى». ورواه أبو داود (¬1)، عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب، بمعناه. طريق أخرى (911) قال أبو يعلى (¬2): حدثنا محمد بن مثنَّى الزَّمِن، ثنا عبد الملك بن الصبَّاح المِسْمَعي، أنا عمران، عن الرُّدَيْني بن أبي مِجْلَز، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -قال أبو محمد: أكبر ظنِّي أنَّه رَفَعه- قال: «التقى آدمُ وموسى، قال موسى لآدمَ: أنت أبو الناسِ، أَسكَنَكَ اللهُ جنَّتَه، وأَسجَدَ / (ق 360) لك ملائكتَه. قال آدمُ لموسى: أما تَجدُهُ مكتوبًا؟ فحجَّ آدمُ موسى، فحجَّ آدمُ موسى». ¬
غريب من هذ الوجه، رُدَيْني بن أبي مِجْلَز، -واسم أبي مِجْلَز: لاحِق بن حميد-، روى عن أبيه، ويحيى بن يَعمَر. وعنه عمران بن حُدَير هذا، والمنذر بن ثعلبة، وقُرَّة بن خالد. هكذا ترجمه ابن أبي حاتم (¬1) -رحمه الله-، وباقي رجاله ثقات أئمَّة. طريق أخرى (912) قال الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬2): ثنا ابن المنادي، ثنا يونس بن محمد المؤدِّب، ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يَعمَر قال: كان رجلٌ من جُهَينة فيه رَهَقٌ (¬3)، وكان يتوثر-وأظنُّه يتوثَّب على جيرانه-، ثم إنَّه قرأ القرآنَ، وفَرَض الفرائضَ، وقصَّ على الناس برأيه، وصار من أمره أنَّه زَعَم أنَّ الأمرَ أُنُفٌ، وأنَّه مَن شاء عمل خيرًا، ومَن شاء عمل شَرًّا، فذَكَر كلامًا، ثم قال: فلَقِينا ابنَ عمرَ ... ، فذَكَر كلامًا، ثم قال: لقد حدَّثني عمرُ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «أنَّ موسى لَقِيَ آدمَ، فقال: يا آدمُ، أنت خَلَقكَ اللهُ بيدِهِ، وأسجدَ لك الملائكةَ، وأَسكَنَكَ الجنَّةَ، فواللهِ لولا ما فَعَلتَ ما دخلَ أحدٌ من ذُرِيَّتِكَ النَّارَ. قال: فقال: يا موسى، أنت الذي اصطفاكَ اللهُ برسالتِهِ وكلامِهِ، تَلُومُنِي فيمَا قد كان كُتِبَ عليَّ قبل أن أُخلَقَ؟! فاحتجَّا إلى اللهِ، فحجَّ آدمُ موسى». أورده الضياء في كتابه «المختارة». وقال الحافظ أبو بكر البَرْقاني: رواه مسلم. وليس في مسلم هذه الزيادة، وإنما / (ق 361) عنده أصل الحديث. ¬
حديث آخر في القدر أيضا
حديث آخر في القَدَر أيضًا (913) قال أحمد (¬1): حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثني سعيد بن أبي أيوب، حدثني عطاء بن دينار، عن حكيم بن شريك الهُذَلي، عن يحيى بن ميمون الحضرمي، عن ربيعة الجُرَشي، عن أبي هريرة، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُجالسُوا أهلَ القَدَرِ ولا تفاتحوهُم». هذا حديث غريب، ثماني الإسناد، من أطول ما يقع في «المسند». وقد رواه أبو داود في كتاب السُّنة من «كتابه» (¬2)، عن أحمد بن حنبل، به، فوقع تساعيًّا من هذا الوجه. ورواه -أيضًا- (¬3)، عن أحمد بن سعيد الهَمْداني، عن ابن وهب، عن ابن لَهِيعة، وعمرو بن الحارث، وسعيد بن أبي أيوب. ثلاثتهم عن عطاء بن دينار، به. وهذا إسناد حسن، فإنَّ عطاء بن دينارلم أر أحدًا جَرَحَه (¬4). وشيخُه وثَّقه ابن حبان (¬5). ¬
ويحيى بن ميمون الحضرمي قال فيه أبو حاتم (¬1): صالح. وربيعة بن عمرو -يقال: ابن الحارث بن الغاز الجرشي أبو الغاز الشَّامي الدِّمشقي- عدَّه محمد بن سعد (¬2) فيمن نزل الشام من الصحابة، فعلى هذا يكون قد اجتمع في إسناد هذا الحديث ثلاثةٌ من الصحابة، يروي بعضُهم عن بعض. لكن قال ابن سعد -أيضًا- وأبو زرعة (¬3)، وأبو حاتم (¬4): لا صُحبة له. وقد روى هذا الحديثَ أبو حاتم ابن حبان في «صحيحه» (¬5) عن الحافظ أبي يعلى الموصلي (¬6)، عن أبي خيثمة. ورواه أبو يعلى -أيضًا- (¬7) عن هارون بن معروف. وعن هنَّاد. ورواه الهيثم بن / (ق 362) كُلَيب في «مسنده» (¬8)، عن عباس الدُّوري وابن المنادي. كلهم عن أبي عبد الرحمن المُقرئ -واسمه عبد الله بن يزيد- بإسناده المتقدِّم مثله. ¬
حديث آخر (914) قال أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا موسى، ثنا سليمان بن عبيد الله (¬2) المروزي، حدثني بقيَّة بن الوليد، حدثني حبيب بن عمر الأنصاري، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ينادي يومَ القيامةِ منادٍ: أَلاَ لِيقُم خصماءُ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهم القدريةُ». غريب من هذا الوجه، ولم يخرِّجوه. وكذا رواه إسحاق بن راهويه (¬3) وغيره عن بقيَّة. وحبيب بن عمر هذا: قال فيه أبو حاتم الرازي (¬4) والدارقطني (¬5): مجهول. ¬
زاد أبو حاتم: وهو صحيح الحديث (¬1)، ولم يرو عنه سوى بقيَّة بن الوليد. ¬
حديث آخر في التوكل
حديث آخر في التَّوكل (915) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو عبد الرحمن، ثنا حَيوة، أخبرني بكر بن عمرو، أنه سَمِعَ عبد الله بن هُبيرة يقول: إنَّه سَمِعَ أبا تميم الجَيْشاني يقول: إنَّه سَمِعَ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: إنَّه سَمِعَ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أنَّكم تَوَكَّلون على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُم كما يَرزُقُ الطيرَ، تَغدُو خِمَاصًا، وتَروحُ بِطَانًا (¬2)». ورواه أحمد -أيضًا- (¬3) عن حجَّاج. وعن يحيى بن إسحاق (¬4). كلاهما عن ابن لَهِيعة، ثنا عبد الله بن هُبيرة، به. وهكذا رواه عَبد بن حميد (¬5)، عن أبي عبد الرحمن -وهو عبد الله بن يزيد المُقرئ- به. وأخرجه / (ق 363) ابن حبان في «صحيحه» (¬6)، عن أبي يعلى الموصلي (¬7)، عن أبي خيثمة، عن المقرئ، به. ورواه علي ابن المديني، عن أبي داود الطيالسي (¬8) عن ابن المبارك (¬9)، ¬
عن حَيوة بن شُريح، به، وقال: لم نجده إلا من هذا الوجه، وإسناده مصري، ورجاله معروفون عند أهل مصر.
حديث فيه أثر عن عمر في القدر أيضا
حديث فيه أثر عن عمر في القَدَر أيضًا (916) قال البخاري (¬1): ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك (¬2)، عن ابن شهاب، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نَوفل، عن عبد الله بن عباس: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَرَج إلى الشَّام، حتى إذا كانوا بسَرْغ (¬3) لَقِيَهٌ أمراءُ الأجنادِ: أبو عُبيدة بن الجرَّاح وأصحابه، وأخبروه أن الوباءَ (¬4) قد وَقَع بالشام. قال ابن عباس: فقال عمرُ: اُدعُ لِيَ المهاجرين الأوَّلين. فدَعَاهم، فاستَشَارَهم، وأخبَرَهم أن الوباءَ قد وَقَع بالشام، فاختَلَفوا، فقال بعضهم: قد خَرَجتَ لأمر، ولا نَرَى أن ترجعَ عنه. وقال بعضهم: معك بقيَّة الناس، وأصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا نَرَى أن تُقْدِمَهُم على هذا الوباء. فقال: ارتَفِعُوا عنيِّ. ثم قال: ادعُ لِيَ الأنصارَ. فدَعَوتُهم، فاستَشَارهم، فسَلَكوا سبيلَ المهاجرين، واختَلَفوا كاختلافهم، فقال: ارتَفِعُوا عنِّي. ثم قال لي: ادعُ لِيَ مَن كان ههنا من مشيخة قريش من مُهَاجرة الفتح. فدَعَوتُهم، فلم يَختَلِفْ منهم عليه / (ق 364) رجلان، فقالوا: نَرَى أن ترجعَ بالناس، ولا تُقْدِمَهُم على هذا الوباء. فنادى عمرُ -رضي الله عنه- في الناس: إني مُصبِّحٌ على ظَهْرٍ، فأَصبِحُوا عليه. قال أبو عُبيدة بن الجرَّاح: أَفَرارًا من قَدَر الله؟ فقال عمرُ: لو غَيرُكَ قالها يا أبا عُبيدة! نعم، ¬
نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله، أرأيتَ لو كان لك إبلٌ هَبَطَتْ واديًا له عُدْوَتَان (¬1)، إحداهما خَصِبَةٌ (¬2)، والأخرى جَدْبَةٌ، أليس إنْ رَعَيتَ الخَصْبةَ رَعَيتَها بقَدَر الله، وإنْ رَعَيتَ الجَدْبةَ رَعَيتَها بقَدَر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان مُتغيِّبًا في بعض حاجته، فقال: إنَّ عندي من (¬3) هذا عِلمًا، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقَعَ بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا فِرَارًا منه». قال: فحَمِدَ اللهَ عمرُ، ثم انصَرَف. وقد رواه مسلم (¬4)، عن يحيى بن يحيى، عن مالك. ومن طرق، عن الزهري، به. وسيأتي (¬5) ما فيه من المرفوع في مسند عبد الرحمن بن عَوف، وأسامة بن زيد بن حارثة، -إن شاء الله تعالى-، وبه الثقة. أثر آخر في القَدَر (917) قال الإمام محمد بن الحسن الشَّيباني (¬6)، عن الإمام أبي ¬
حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- خَطَب الناسَ بالجابية (¬1)، فقال في خُطبته: إنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يشاء، ويَهدي مَن يشاء. فقال القَسُّ (¬2): اللهُ أعدلُ أن يُضِلَّ / (ق 365) أحدًا! فبلغ ذلك عمرُ، فبَعَثَ إليه: بلِ اللهُ أَضلَّكَ، ولولا عَهدُك لضَرَبتُ عُنُقَكَ. وقد روي هذا من طرق كثيرة عن عمرَ رضي الله عنه (¬3). ¬
حديث يذكر في تفاضل الإيمان
حديث يُذكر في تفاضل الإيمان (918) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا مصعب بن عبد الله، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب قال: كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم جالسًا، فقال: «أنبئوني بأفضلِ أهلِ الإيمانِ إيمانًا؟». قالوا: يا رسولَ الله، الملائكةُ. قال: «هم كذلك (¬2)، وما يَمْنَعُهُم وقد أنزلَهمُ اللهُ المنزلةَ التي أنزلَهُم بها، بل غيرُهُم». قالوا: يا رسولَ الله، الأنبياءُ الذين أكرَمَهم اللهُ برسالته والنبوَّة. قال: «هم كذلك، ويَحِقُّ لهم ذلك، وما يَمْنَعُهُم وقد أنزلَهُمُ اللهُ المنزلةَ التي أنزلَهُم بها» (¬3). قالوا: يا رسولَ الله، الشهداءُ الذين استُشهدوا مع الأنبياء. قال: «هم كذلك، ويَحِقُّ لهم ذلك، وما يَمْنَعُهُم وقد أكرمَهمُ اللهُ بالشهادةِ مع الأنبياءِ، بل غيرُهُم». قالوا: فمَن يا رسولَ الله؟ قال: «أقوامٌ في أصلابِ الرِّجالِ يأتون مِن بعدي، يؤمنون بي ولم يَرَوني، ويصدِّقون بي ولم يَرَوني، يجدون الورقَ المُعلَّقَ فيَعملون بما فيه، هؤلاءِ أفضلُ أهلِ الإيمانِ إيمانًا». ¬
وكذا رواه الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1) عن محمد بن المثنَّى، عن ابن أبي عَدي وأبي عامر العَقَدي. كلاهما عن محمد بن أبي حميد المدني. وقد ضعَّفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والبخاري، والسعدي، وأبو زرعة، / (ق 366) وأبو حاتم الرازيان، وغيرهم (¬2). ولكن رواه البزَّار (¬3) من وجه آخر، فقال: ثنا محمد بن مرزوق، عن ¬
منهال بن بحر، عن هشام الدَّستوائي، عن يحي بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، به. وقد ذَكَرتُ له طرقًا أخر في شرح كتاب العلم من «صحيح البخاري» عند الاحتجاج لصحَّة العمل بالوِجَادة (¬1)، ولله الحمدُ والمنَّة. حديث آخر في معناه (919) قال أبو يعلى -أيضًا- (¬2): ثنا محمد بن جامع العطَّار -بصري- ثنا محمد بن عثمان، ثنا سليمان بن أبي داود، عن رجاء بن حَيوة، عن عبد الرحمن بن غَنم، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغُ عبدٌ صريحَ الإيمانِ حتى يَدَعَ المزاحَ والكذبَ، ويَدَع المراءَ وإن كان محقًّا». ¬
سليمان هذا: ضعَّفه البخاري، وأبو زرعة وأبو حاتم الرَّازيان، وأبو حاتم ابن حبان البُستي (¬1). ¬
حديث في تضعيف ثواب توحيد الله وذكره
حديث في تضعيف ثواب توحيد الله وذِكره (920) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار مولى آل الزبير، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قال في سُوقٍ: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، بيدِهِ الخيرُ، يحيي ويُميت، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، كَتَب اللهُ لها بها ألفَ ألفِ حَسَنةٍ، ومحا عنه بها ألفَ ألفِ سيئةٍ، / (ق 367) وبنى له بيتًا في الجنَّةِ». ورواه الترمذي (¬2)، وابن ماجه (¬3) من حديث حماد بن زيد -زاد الترمذي: والمعتمر بن سليمان-، كلاهما عن عمرو بن دينار القَهْرمان، وقد تكلَّموا فيه. وقال الترمذي: غريب. ثم رواه الترمذي (¬4) عن أحمد بن مَنيع، عن يزيد بن هارون، عن أزهر بن سِنَان، عن محمد بن واسِع قال: قَدِمنا مكةَ، فلَقِيَني أخي سالم بن عبد الله، فحدَّثني بهذا. وكذا رواه أبو يعلى (¬5) عن أبي خيثمة، عن يزيد بن هارون، به. ورواه علي ابن المديني عن يزيد بن هارون، إلا أنه لم يرفعه. ¬
ورواه الحاكم في «مستدركه» (¬1) عن أبي بكر إسماعيل بن محمد الفقيه وأبي أحمد بكر بن محمد الصَّيرفي. كلاهما عن الحارث بن أبي أسامة، عن يزيد بن هارون، به، مرفوعًا، وزاد: «ورُفِعَ له ألفُ ألفِ درجةٍ، وبُنِيَ له بيتٌ في الجنَّةِ». قال محمد بن واسِع: فقَدِمْتُ خراسانَ، فأتيتُ قتيبةَ بن مسلم، فقلتُ: أتيتُكَ بهدية، فحدَّثته الحديثَ، فكان يَركب في موكبه فيقولهُا، ثم ينصرف. وذَكَر الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬2) أنَّ الإمام أحمد رواه عن يزيد بن هارون -أيضًا-، به. قال الحافظ الضياء (¬3): لم أره في «المسند»، ويحتمل أنه رواه عنه في غيره، والله أعلم. وقد رواه ابن ماجه (¬4) عن علي بن محمد، عن وكيع، عن خارجة بن مصعب، عن عمرو بن دينار، به. لكن جعله من مسند ابن عمرَ. وكذا رواه علي بن يزيد الصُّدَائي، عن خارجة. ¬
/ (ق 368) وقال أبو خالد الأحمر: عن المُهاصِر بن حبيب، عن سالم، عن أبيه، عن جدِّه (¬1)، ورواه غيره عن المهاصِر، فلم يقل: عن جدِّه. قال علي ابن المديني في مسند عمرَ: وأما حديث مهاصِر، عن سالم، فيمن دخل السوق، فإنَّ مهاصِر بن حبيب ثقة من أهل الشام، ولم يلقَه أبو خالد الأحمر، وإنما روى عنه ثور بن يزيد والأحوص بن حكيم وفَرَج بن فَضَالة وأهل الشَّام، وهذا حديث منكر من حديث مهاصِر من أنه سَمِعَ سالمًا، وإنما روى هذا الحديث شيخٌ لم يكن عندهم بِثَبتٍ، يقال له: عمرو بن دينار قَهْرمان آل الزُّبير، حدَّثناه زياد بن الربيع، عنه، به. فكان أصحابنا ينكرون هذا الحديثَ أشدَّ الإنكار لجودة إسناده (¬2). قال: وقد رَوى هذا الشيخُ حديثًا آخر (¬3) عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن رأى مُبتلًى ...»، فذَكَر كلامًا لا أحفظه، ¬
وهذا ممَّا أَنكروه، ولو كان مهاصِر يصحُّ حديثُه في السُّوق، لم يُنكَر على عمرو بن دينار هذا الحديث. انتهى كلامه رحمه الله وإيَّانا.
حديث في التواضع
حديث في التواضع (921) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يزيد، ثنا عاصم بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمرَ، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه -قال: لا أَعلم إلا رَفَعه- قال: «يقول الله تعالى: مَن تواضعَ لِي هكذا -وجعل يزيد باطن كفِّه إلى الأرض، وأدناها إلى الأرض- / (ق 369) رَفَعتُهُ هكذا»، وجعل باطنَ كفِّه إلى السماء، ورفعَها نحو السماءِ. وهكذا رواه عَبد بن حميد (¬2) عن يزيد بن هارون. ورواه أبو يعلى (¬3) عن القَوَاريري. والهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬4) عن ابن المنادي. كلاهما عن يزيد بن هارون، به. ورواه أبو القاسم الطَّبراني (¬5) عن عبد الله بن محمد مُرَّة أبي الطَّاهر البصري -وهو خَتَن محمد بن المثنَّى- (¬6) عن محمد بن المثنَّى، عن يزيد بن هارون، به. ¬
وهو إسناد جيد، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب السُّنن، وإنما اختاره الضياء في كتابه (¬1). وقد روي من طريق أخرى بنحوه موقوفًا: (922) كما قال الإمام أبو بكر ابن الأنباري (¬2): ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا محمد بن الصبَّاح، ثنا سفيان، عن ابن عَجْلان، عن بُكَير بن عبد الله بن الأشجِّ، عن معمر بن أبي حبيبة، عن عبد الله (¬3) بن عدي بن الخِيَار قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: إنَّ العبدَ إذا تواضع لله رَفَعَ اللهُ حَكَمتَه، وقال له: انتَعِشْ نَعَشَكَ اللهُ، فهو في نَفْسِهِ صغيرٌ (¬4)، وفي أعين الناسِ عظيمٌ (¬5)، وإذا تكبَّر وَعَتا وَهَصَه اللهُ إلى الأرض، وقال: اِخْسَأْ خَسَأَكَ اللهُ، فهو في نَفْسِهِ عظيمٌ (¬6)، وفي أعينِ الناسِ حقيرٌ، حتى يكون عندَهم أحقرَ من الخنزير. قال ابن الأنباري: قال اللُّغويون: اِخْسَأْ، تفسيره: ابعد. ووَهَصَه، معناه: كَسَرَه. وهكذا رواه الإمام أبو عبيد في كتاب «الغريب» (¬7) عن ابن مهدي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عَجْلان، به. وفسَّره بما تقدَّم أيضًا. ¬
حديث في الزهد في الدنيا والصبر على ضيق العيش
حديث (¬1) في الزُّهد في الدُّنيا والصَّبر على ضيق العيش (923) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا محمد بن جعفر وحجَّاج، قالا: ثنا شعبة، عن / (ق 370) سمَاك بن حرب: سَمِعتُ النعمانَ بن بشير يخطبُ ¬
قال: ذَكَر عمرُ ما أصاب الناسُ من الدُّنيا، فقال: لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يظلُّ اليوم يَلْتَوي، لا يجدُ دَقَلاً (¬1) يملأُ بطنَه. ورواه مسلم في آخر الكتاب (¬2) عن أبي موسى محمد بن المثنىَّ وبُندَار. كلاهما عند غُندَر، عن شعبة، به. وابن ماجه في الزُّهد (¬3) عن نصر بن علي، عن بِشر بن عمر، عن شعبة، نحوه، وزاد: يَلْتَوي من الجوع. ورواه علي ابن المديني عن غُندَر، عن شعبة، به، ولفظه: وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَربطُ الحَجَرَ على بطنه من الجوع، ما يَجدُ ما يُشبِعُهُ من الدَّقَل. ورواه مسلم -أيضًا- (¬4) والترمذي (¬5) من وجه آخر عن سمَاك، عن النعمان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (¬6) في مسنده، إن شاء الله. ¬
حديث آخر في معناه (924) قال عَبد بن حميد (¬1): حدثنا محمد بن بِشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أخيه، عن مصعب بن سعد قال: قالت حفصة لأبيها: قد أوسَعَ اللهُ في الرِّزق، فلو أنَّك أكلتَ طعامًا ألينَ من طعامِكَ، ولبستَ ثوبًا ألينَ من ثوبِكَ. قال: سأُخاصِمُكِ إلى نَفْسكِ، فجعل يُذكِّرها ما كان فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وما كانت فيه من الجَهد حتى أبكاها. وقال: قد قلتُ لكِ: إنَّه كان لي صاحبان سَلَكا طريقًا، وإنِّي إنْ سلكتُ غيرَ طريقهما، سُلِكَ بي غيرُ طريقهما، وإنِّي واللهِ لأُشاركنَّهما في مثلِ عيشِهِما، لعلي أن أُدركَ معهما عيشَهُما الرَّخيّ. ورواه النسائي (¬2) في / (ق 371) الرَّقائق عن سُوَيد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك (¬3)، عن إسماعيل بن أبي خالد، به. ورواه الإمام علي ابن المديني عن محمد بن بِشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أخيه النعمان، عن مصعب بن سعد، عن حفصة، به. ثم قال: وهذا عندنا مرسل، لأنَّ مصعب بن سعد لم يلق حفصة، فانقطع من ههنا (¬4). ¬
وقد رواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬1) عن يزيد بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن مصعب بن سعد، عن حفصة، به. قال الدارقطني (¬2): وكذا رواه أبو أسامة (¬3) عن إسماعيل، عن مصعب بن سعد، لم يَذكرا أخاه النعمان. قال: وقول عبد الله بن المبارك ومحمد بن بِشر أولى بالصَّواب، والله أعلم. وقد اختار هذا الحديثَ الضياء في كتابه (¬4). ورواه معمر (¬5) عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد: أنَّ حفصةَ وابنَ مطيع وابنَ عمرَ كلَّموا عمرَ في ذلك، فذَكَر ما تقدَّم. طريق أخرى (925) قال إسماعيل القاضي: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن غالب، عن الحسن: أنَّ ناسًا كلَّموا حفصةَ، فقال لها: لو كلَّمتِ أباكِ في أن يليِّن من عيشه، فجاءته، فقالت: يا أَبَتاه، ويا أَبَتاه، ويا أميرَ المؤمنين، إنَّ ناسًا من قومكَ كلَّموني في أن أكلِّمكَ في أن تليِّن من عيشك. فقال: يا بنيَّة، غَشَشتِ أباكِ، ونَصَحتِ لقومكِ (¬6). ¬
وهذا منقطع. ورواه ابن أبي الدُّنيا (¬1) عن عبد الله بن ... (¬2)، عن أبيه: حدَّثني أبو مَعشر، عن محمد بن قيس قال: دخل ناسٌ على حفصة ... ، فذَكَر نحوه. / (ق 372) طريق أخرى (926) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا الرَّبيع بن سليمان، ثنا أسد بن موسى، ثنا بكر بن خُنَيس، عن ضِرار بن عمرو، عن ابن سيرين أو غيره، عن الأحنف: أنَّه سَمِعَ عمرَ يقول لحفصةَ: نَشَدتُكِ بالله، تعلمينَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَبِثَ في النبوَّة كذا وكذا سَنَة، ولم يَشبع هو وأهلُه من الطعام غَدوة إلا جَاعوا عشيَّةً ... ؟ وذَكَر تمام الحديث. حديث آخر (927) قال الإمام مالك (¬3): عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قلتُ لعمرَ: إنَّ في الظَّهر (¬4) ناقةً عمياءَ، فقال عمرُ: نَدفعها إلى أهل بيتٍ ¬
ينتفعون بها. قال: قلتُ: وكيف وهي عمياءُ؟ قال: يَقطُرُونها بالإبل. قال: قلتُ: كيف تأكلُ من الأرض؟ قال: أردتُم -واللهِ- أَكلَها (¬1). قال: وكانت له صحافٌ تسعٌ، فلا تكونُ طريفةٌ ولا فاكهةٌ إلا جعل منه لأزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وآخرُ من يَبعثُ إليه حفصة، فإن كان نقصانٌ كان في حظِّها. قال: فنَحَر تلك الجزور، وبَعَث منها إلى أزواجِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وصَنَع ما فَضَل، فدعا عليه المهاجرينَ والأنصارَ. طريق أخرى (928) قال مُسدَّد بن مُسَرْهَد -رحمه الله- في «مسنده» (¬2): ثنا يحيى بن سعيد -يعني القطان- عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيّب قال: كُسِرَ بعيرٌ من المال، فنَحَرَهُ عمرُ، ودعا عليه ناسًا من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له / (ق 373) العبَّاس رضي الله عنه: لو صَنَعتَ هذا كلَّ يوم لتَحَدَّثنا عندك. فقال: لا أعودُ لمثلِها، إنَّه مضى لي صاحبان سَلَكا طريقًا، وإنِّي إنْ عملتُ بغير عملهما؛ سُلِكَ بي طريقًا غيرُ طريقهما. إسناده جيد. (929) ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان ¬
العبَّاس يحدِّث عن عمرَ: أنَّه انكَسَرت قَلوصٌ (¬1) من الصَّدقة، فأَمَر بها عمرُ، فنُحِرَت، ثم جُفِّنت للناس، فأكلوا منها. فقال العبَّاس: يا أميرَ المؤمنين، لو كنتَ تفعلُ بنا هذا كلَّ يوم ... ، فذَكَر نحو ما تقدَّم. حديث آخر (930) قال عبد الله بن المبارك (¬2): ثنا إسماعيل بن عيَّاش، حدثني يحيى الطَّويل، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: بَلَغ عمرُ أنَّ يزيدَ بن أبي سفيان يأكلُ ألوانَ الطعام، فقال: أولى له! وقال ليَرْفَأ: إذا عَلِمتَ أنَّه قد حَضَر عشاؤه فأَعلِمنِي. فأَعلَمَه، فأتاه، فجاء ثريدٌ ولحمٌ، فأكل عمرُ معه، ثم قرِّب شواءٌ، فكَفَّ عمر، فقال: عمَّه؟ فقال: اللهَ يا يزيد، طعامٌ بعد طعامٍ! والذي نفسي بيده، لئن خالفتُم سنَّتَه، لَيُخالفنَّ بكم عن طريقه. يحيى الطَّويل: لا أعرفه (¬3)، وأظنُّ هذا كان لمَّا قَدِمَ عمرُ الشَّامَ، والله أعلم، فإنَّ يزيد بن أبي سفيان كان أحدَ أمراء الأجناد بالشَّام رضي الله عنه. ¬
حديث آخر (931) قال ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا علي بن محمد، ثنا أسد بن موسى، ثنا حكيم بن / (ق 374) حِزَام (¬2)، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبي أُمَامة قال: بينا نحن مع عمرَ، ومعنا الأشعث بن قيس، فأدرك عمرَ العَيَاءُ (¬3)، فقَعَد وقَعَد إلى جنبِهِ الأشعث، فأُتِيَ عمرُ بمِرجَلٍ (¬4) فيه لحمٌ، فجعل يأخذُ منه العَرْقَ (¬5) فيَنهَسُهُ، فيَنتضِحُ على الأشعث، فقال: يا أميرَ المؤمنين، لو أَمَرتَ بشيءٍ من سمنٍ فيُصَبُّ على هذا اللَّحم. فرَفَع عمرُ يدَه، فضَرَب بها في صدر الأشعث، وقال: أُدمَان في أدمٍ! كلا، إنِّي لقيتُ صاحِبَيَّ، وصَحِبتُهُما، فأخافُ أن أُخالِفَهُما، فيُخالَفُ بي عنهما فلا أنزل حيثُ نزلا. في إسناده ضعف (¬6). حديث آخر (932) قال ابن ماجه (¬7): ثنا أبو كُرَيب، ثنا يحيى بن عبد الرحمن الأزجي، ثنا يونس بن أبي يَعْفور، عن أبيه، عن ابن عمرَ قال: دَخَل عليه ¬
عمرُ وهو على مائدته، فأوسعَ له عن صدر المجلس، فقال: بسم الله، ثم ضَرَب بيده، فلَقِمَ لقمةً، ثم ثنَّي بالأخرى، ثم قال: إنِّي لأجدُ طعمَ دسمٍ ما هو بدسمِ اللَّحم. فقال عبد الله: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي خَرَجتُ إلى السُّوق أطلبُ السَّمين لأشترِيَهُ، فوجدتُهُ غاليًا، فاشتريتُ بدرهم من المهزول، وحملتُ عليه بدرهمٍ سمنًا، فأردتُ أن يتردَّدَ عليه عيالي عظمًا عظمًا. فقال عمرُ رضي الله عنه: ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ إلا أكل أحدَهما وتصدَّق بالآخر. فقال عبد الله: عُد يا أميرَ المؤمنين، فلن يجتمعا عندي إلا فعلتُ ذلك. قال: ما كنتُ لأفعلَ. تفرَّد به ابن ماجه. / (ق 375) أثر آخر (933) قال أبو عبد الله محمد بن عيسى بن الحسن بن إسحاق التَّميمي البغدادي المعروف بابن العلاَّف في «جزء من حديثه» (¬1): حدثنا محمد بن غالب تَمتَام، ثنا إسحاق بن إسماعيل الطَّالْقاني، حدثنا ¬
جرير، عن منصور، عن مجاهد (¬1) قال: قال عمرُ رضي الله عنه: وَجَدنا خيرَ عيشِنا في الصَّبر. هذا أثر منقطع بين مجاهد وعمر، فإنه لم يُدرك أيامَه، والله أعلم (¬2). ¬
حديث آخر في كراهية كثرة المال
حديث آخر في كراهية كثرة المال (934) قال الإمام أحمد (¬1): حدثنا حسن، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا أبو الأسود، أنَّه سَمِعَ محمد بن عبد الرحمن، يحدِّث عن أبي سنان الدُّؤَلي: أنه دَخَل على عمرَ بن الخطاب وعنده نَفَرٌ من المهاجرين الأوَّلين، فأرسَلَ عمرُ إلى سَفَطٍ (¬2) أُتِيَ به من قلعةٍ من العراق، وكان فيه خاتم، فأخذه بعضُ بَنِيهِ فأَدخله في فِيهِ، فانتزعه عمرُ منه، ثم بكى عمر، فقال له من عنده: لِمَ تبكي وقد فتح اللهُ لك، وأظهَرَك على عدوِّك، وأقرَّ عينكَ؟! فقال عمرُ: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُفتحُ الدُّنيا على أحدٍ إلا ألقى اللهُ بينهم العداوةَ والبغضاءَ إلى يومِ القيامةِ»، فأنا أُشفِقُ من ذلك. هذا إسناد جيد (¬3)، لأنَّ ابن لَهِيعة قد صرَّح فيه بالتحديث فزال محذور تدليسه، لكن قال الإمام علي ابن المديني: الحسن بن موسى إنما سَمِعَه من ابن لَهِيعة بآخره، وإنما يُروى حديث ابن لَهِيعة ممَّن سَمِعَ منه قبل أن يُصاب بكُتبِهِ، / (ق 376) مثل ابن المبارك وأبي عبد الرحمن ¬
المقرئ وابن وهب. قلت: وسيأتي في كتاب «السِّيرة» (¬1) موقوفًا على عمرَ رضي الله عنه. ¬
أحاديث في الأدب
أحاديث في الأدب (935) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا الحكم بن نافع، ثنا ابن عيَّاش، عن أبي سَبَأ عُتبة بن تميم، عن الوليد بن عامر اليَزَني، عن عروة بن مُغيث الأنصاري، عن عمرَ بن الخطاب قال: قَضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ صاحبَ الدابَّةِ أَحقُّ بصدرِها. هذا إسناد حسن، ليس فيه مجروح (¬2)، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب ¬
الكتب، وعروة بن مُغيث هذا قال فيه ابن أبي حاتم (¬1): هو أنصاريٌّ شاميٌّ، روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬2): أنَّ صاحب الدابَّة أحقُّ بصدرها. وعنه الوليد بن عامر، أخرج اسمَه أبو زرعة في مسند الشَّاميين. حديث آخر (936) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬3): ثنا عمَّار بن خالد الواسطي، ثنا القاسم بن مالك المُزَني، ثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عمرَ بن الخطاب أنه قال: إذا كنتم ثلاثةً في سَفَر فأَمِّروا عليكم أحدَكم، ذاك أميرٌ أَمَّرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. هذا إسناد جيد، لكن قال البزَّار: رواه غير واحد عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عمرَ، موقوفًا. ¬
حديث آخر (937) قال البزَّار -أيضًا- (¬1): حدثنا إبراهيم بن زياد الصَّائغ، ثنا يونس بن محمد المؤدِّب، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانوا / (ق 377) ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما». العُمَري ضعيف، وهو في «الصحيح» (¬2) من حديث ابن عمر، كما سيأتي (¬3). حديث آخر (938) قال البزَّار -أيضًا- (¬4): ثنا محمد بن مرزوق بن بُكَير، ثنا عمر بن عمران السَّعدي أبو حفص، ثنا عبيد الله بن الحسن، قاضي البصرة -يعني العَنْبري- ثنا سعيد الجُرَيري، عن أبي عثمان النَّهدي قال: سَمِعتُ ¬
عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى الرجلانِ المسلمانِ فسَلَّم أحدُهما على صاحبِهِ، فإنَّ أحبَّهُما إلى اللهِ أحسنُهُما بِشرًا لصاحبِهِ، فإذا تصافحا نَزَلت عليهم مائةُ رحمةٍ، للبادي منهما تسعون، وللمُصافح عشرةٌ». قال البزَّار: ولم يُتابَع عمر بن عمران على هذا الحديث (¬1). حديث آخر (939) قال الحافظ أبو يعلى (¬2): ثنا جُبَارة، ثنا حماد بن زيد، ثنا إسحاق بن سُوَيد العَدَوي، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ رجلاً نادى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، كلُّ ذلك يَردُّ عليه: لبَّيكَ لبَّيكَ. جُبَارة بن المُغلِّس الحِمَّاني: ضعيف. ¬
حديث آخر (940) قال أبو داود (¬1): ثنا عباس العَنْبري. وقال النسائي في «اليوم والليلة» (¬2): ثنا فضل بن سهل. كلاهما عن أسود بن عامر، عن حسن بن صالح، عن ليث بن أبي سُليم (¬3)، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن عمرَ: أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في مَشربةٍ (¬4) له، فقال: السَّلامُ عليكم يا رسولَ الله، سلامٌ عليكم، أَيدخُلُ عمرُ؟ ورواه الترمذي (¬5) في / (ق 378) الاستئذان، عن محمود بن غَيْلان، عن عمرَ بن يونس، عن عكرمة بن عمَّار، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (¬6)، عن عمرَ قال: استأذنتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، فأَذِنَ لي. ¬
ثم قال الترمذي: حسن غريب. ورواه ابن ماجه (¬1)، عن بُندَار، عن عمرَ بن يونس، به. ولفظه: دَخَلتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير ... ، وذَكَر الحديث. قلت: وهو قطعة من الحديث المتقدِّم في تفسير سورة التحريم (¬2)، والله أعلم. حديث آخر (941) قال الحافظ أبو يعلى (¬3): ثنا أبو هشام الرِّفاعي، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ قال: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول لرجل: تَعالَ أُقامِرْكَ، فأَمَرَهُ أن يتصدَّقَ بصَدَقةٍ. معاوية بن يحيى هذا هو: الصَّدفي، وهو متروك (¬4)، إلا أنَّ هذا الحديثَ قد روي في «الصحيحين» من وجه آخر (¬5)، ¬
كما سيأتي (¬1). حديث آخر (942) قال أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا زُهَير بن محمد وأحمد بن إسحاق -واللفظ لزُهَير- قالا: ثنا خلاَّد بن يحيى، ثنا سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن حُرَيث، عن عمرَ بن الخطاب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لأَن يمتلئَ جوفُ أحدِكُم قَيْحًا خيرٌ له من أن يمتلئَ شِعرًا». ثم قال البزَّار: رواه غير واحد عن إسماعيل، عن عمرو بن حُرَيث، عن عمرَ، موقوفًا، ولا نعلم أَسنَدَه إلا خلاَّد، عن سفيان. وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬3): رواه بعضهم عن سفيان، فوَقَفَه، وكذا رواه يحيى القطَّان، / (ق 379) وأبو معاوية، وأبو أسامة، وغيرهم، عن إسماعيل، عن عمرو بن حُرَيث، عن عمرَ موقوفًا، وهو الصحيح. ¬
قلت: وسيأتي (¬1) الحديث في مسند ابن عمر عند البخاري (¬2). وفي «صحيح مسلم» (¬3) عن سعد بن أبي وقَّاص. وفي «سنن أبي داود» (¬4) عن أبي هريرة. حديث آخر (943) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬5): ثنا إبراهيم بن زياد، ثنا خالد بن خِدَاش بن عَجْلان، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب قال: دَخَلتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإذا غلامٌ أسودٌ ¬
يَغمزُ ظَهْرَه، فسألتُه، فقال: «إنَّ الناقةَ اقتحَمَت بي (¬1)». ثم قال: ورواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم (¬2). قلت: ورواه قتيبة عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، منقطعًا (¬3). طريق أخرى (944) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬4): ثنا زكريا السَّاجي (¬5)، ثنا عبد الرحمن بن يونس الرَّقِّي، ثنا أبو القاسم بن أبي الزِّناد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: دَخَلتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحَبَشيٌّ يَغمزُ ظَهْرَه. فقلتُ: ما هذا يا رسولَ الله؟ فقال: «إنَّ الناقةَ تقحَّمَت بِيَ البارحةَ». اختاره الضياء في كتابه من هذا الوجه. قلت: فيه دلالةٌ على جواز التكبيس إذا دَعَت إليه حاجةٌ، فإنَّ الغمزَ ههنا هو التكبيسُ، وفيه نفعٌ مباحٌ، والله أعلم. ¬
أحاديث في الملاحم
أحاديث في الملاحم (945) قال البخاري في كتاب بدء الخلق (¬1): وروي عن عيسى -يعني: ابن موسى، غُنجَار- عن رَقبَة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: / (ق 380) سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قام فينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَقامًا، فأخبَرَنا عن بَدءِ الخلقِ، حتى دخل أهلُ الجنَّةِ منازلَهم، وأهلُ النَّارِ منازلَهم، حَفِظَ ذلك مَن حَفِظَهُ، ونَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ. قال أبو مسعود الدِّمشقي في «الأطراف»: هكذا رواه البخاري معلَّقًا، وإنمَّا رواه عيسى، عن أبي حمزة، عن رَقَبة (¬2). ¬
حديث آخر (946) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1): ثنا همَّام، عن قتادة، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن سليمان بن الرَّبيع العَدَوي قال: لَقِينا عمرَ بن الخطاب، فقلنا له: إنَّ عبد الله بن عمرو حدَّثنا بكذا وكذا، فقال عمرُ: عبد الله بن عمرو أعلمُ بما يقولُ -قالها ثلاثًا-، ثم نودي بـ «الصلاة جامعة»، فاجتمع إليه الناسُ، فخَطَبَهم عمرُ، فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تَزَالُ طائفةٌ من أُمَّتي على الحقِّ حتى يأتِيَ أمرُ اللهِ». هذا إسناد حسن، لكن قال البخاري في «التاريخ» (¬2): لا يُعرَف سماع قتادة من ابن بُرَيدة، ولا ابن بُرَيدة من سليمان بن الرَّبيع. قلت: وسليمان بن الرَّبيع هذا ذَكَره أبو حاتم الرازي في كتابه (¬3)، فقال: روى عن عمرَ، وعنه: ابن بُرَيدة، ويقال: سليمان وحُجَير وحرب بنو الرَّبيع إخوة. ¬
وقد اختار هذا الحديثَ من هذا الوجه الحافظُ الضياء في كتابه. طريق أخرى (947) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو خيثمة، ثنا معاذ بن هشام، حدثني / (ق 381) أبي، عن قتادة، عن أبي الأسود الدِّيلي قال: خَطَب عمرُ بن الخطاب يومَ جمعةٍ، فقال: ألا إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تَزَالُ طائفةٌ من أُمَّتي على الحقِّ حتى يَأتِيَهَا أمرُ اللهِ». وهذا -أيضًا- جيد. وقد اختاره الضياء أيضًا (¬2). وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث إسماعيل بن عيَّاش، حدثني ابن عامر وسعيد بن بَشير، عن قتادة، ثنا عبد الله بن أبي الأسود، قال: أَتَينا عمرَ، فنادَى بـ «الصلاة جامعة»، فخَطَب ... ، وذَكَر الحديث (¬3). فقد اختَلَفوا على قتادةَ هكذا، فالله أعلم. ¬
وسيأتي (¬1) في «الصحيحين» (¬2) من مسند معاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة. وفي «صحيح مسلم» (¬3) عن ثوبان، إن شاء الله تعالى. حديث آخر (948) قال الحافظ أبو يعلى (¬4): ثنا أبو سعيد القَوَاريري، ثنا يزيد بن زُرَيع ويحيى بن سعيد قالا: ثنا عوف، حدثني علقمة بن عبد الله المُزَني -قال يزيد في حديثه: في مسجد البصرة- قال: حدثني رجلٌ قد سمَّاه، ونَسِيَ عوف اسمَه -وقال يحيى: حدثني رجلٌ- قال: كنتُ بالمدينة في مجلس فيه عمرُ بن الخطاب، فقال لبعض جُلسائه: كيف سمعتَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ¬
يَصِفُ الإسلامَ؟ فقال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الإسلامَ بدأَ جَذَعًا (¬1)، ثم ثَنِيًّا (¬2)، ثم رَبَاعِيًّا (¬3)، ثم سَدِيسًا (¬4)، ثم بازِلاً» (¬5). فقال عمرُ: فما بعدَ البُزُولِ إلا النقصانُ. هكذا رواه أبو يعلى / (ق 382) -رحمه الله- في مسند عمر، وهو غريب (¬6)، والله أعلم. حديث آخر (949) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا كثير بن عبيد، ثنا محمد بن حِميَر، عن مسلمة بن عُلَي، عن عمرَ بن ذَرٍّ (¬7)، عن أبي قِلاَبة، عن أبي مسلم الخَوْلاني، عن أبي عُبيدة بن الجرَّاح، عن عمرَ قال: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلِحيَتِي وأنا أعرفُ الحزنَ في وجهِهِ، وقال: «إنَّا للهِ وإنا إليه راجعون، أتاني جبريلُ آنفًا، فقالها، فقلتُ: أجل، فلِمَ ذاك ياجبريلُ؟ قال: إنَّ أُمَّتَكَ مُفتَتَنَةٌ بعدَكَ بقليلٍ من دَهْرٍ غيرَ كثير! فقلتُ: فتنةُ كُفرٍ، أو فتنةُ ضلالةٍ؟ فقال: كُلٌّ ¬
سيكونُ. فقلت: من أين؟ وأنا تاركٌ فيهم كتابَ اللهِ. فقال: بكتابِ اللهِ يقتَتِلُونَ، وذلك من قِبَلِ أُمَرَائهم وقُرَّائهم، يَمنعُ الأمراءُ الناسَ الحقوقَ فيُظلَمون حقوقَهم ولا يُعطونها، فيَقتتلُوا ويُفتَتَنُوا، ويَتبَعُ القُرَّاءُ أهواءَ الأمرَاءِ، فيمُدُّونهم في الغيِّ، ثم لا يُقصِرُون. فقلتُ: كيف سَلِمَ مَن سَلِمَ منهم؟ فقال: بالكفِّ والصَّبرِ، إن أُعطوا الذي لهم أخذوه، وإن مُنِعوهُ تركُوه» (¬1). هذا حديث غريب من هذا الوجه، فإنَّ مسلمة بن عُلَي الخُشَني ضعيف (¬2). حديث آخر (950) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬3): ثنا عبد الله بن شَبيب، ثنا إسحاق الفَرَوي، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن / (ق 383) ¬
جدِّه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يظهرُ الإسلامُ حتى تخُوضَ الخيلُ البحارَ، وحتى يختلف التُّجارُ في البحرِ، ثم يظهرُ قومٌ يقرؤونَ القرآنَ، يقولون: مَن أقرأُ منَّا، مَن أفقهُ منَّا؟»، ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هل في أولئكَ من خيرٍ؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «أولئك وَقودُ النَّارِ، أولئك منكم من هذه الأُمَّةِ». في إسناده ضعف (¬1). حديث آخر (951) قال عبيد الله بن موسى: حدثنا مبارك بن حسَّان، حدثني عمر بن عاصم بن عبيد الله بن عمر (¬2) قال: قال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا طَغَت نساؤُكُم، وفَسَق شبابُكم؟!». فقالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائنٌ؟ قال: «وأشدَّ من ذلك، تَرَون المعروفَ منكرًا، وتَرَون المنكرَ معروفًا!»، فقيل: وإنَّ ذلك لكائنٌ؟ قال: «وأشدَّ من ذلك». قال ¬
عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بئسَ القومَ قومٌ لا يأمرونَ بالقسطِ من الناسِ، وبئسَ القومَ قومٌ يَقتلون الذين يأمرونَ بالمعروفِ، وبئسَ القومَ قومٌ يستحلُّونَ الحُرُماتِ والشَّهواتِ بالشُّبُهاتِ، وبئسَ القومَ قومُ يمشي المؤمنُ بين ظَهْرانِيهِم بالتَّقيَّةِ والكتمانِ». هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث عبيد الله بن موسى، وهو معضل، والله أعلم. / (ق 384) حديث آخر (952) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا دَيْلَم بن غَزوان، ثنا ميمون الكُردي، حدثني أبو عثمان النَّهدي، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال (¬2): «إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أُمَّتي كُلَّ منافقٍ، عليمِ اللِّسانِ». وكذا رواه أحمد -أيضًا- (¬3)، عن يزيد بن هارون، عن دَيْلَم بن غَزوان، به. ورواه عَبد بن حميد (¬4) عن محمد بن الفضل، عن دَيْلَم بن غَزوان، به، ولفظه: «إنما أخافُ عليكم كُلَّ منافقٍ عليمٍ، يتكلَّمُ بالحكمةِ، ويعملُ بالجَورِ». وقد رواه جعفر بن محمد الفِريابي في «صفة المنافق» (¬5)، عن القَوَاريري، ومحمد بن أبي بكر. كلاهما عن دَيْلَم بن غَزوان، به. ¬
(953) وقال جعفر -أيضًا- (¬1): ثنا قتيبة، ثنا جعفر بن سليمان، عن المعلَّى بن زياد، عن أبي عثمان النَّهدي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرَ من عدد أصابعي هذه يقول: إنَّ أخوفَ ما أخافُ على هذه الأُمَّة: المنافقُ العليمُ. قيل: وكيف يكونُ المنافقُ العليمُ؟ قال: عالِمُ اللِّسانِ، جاهلُ القلبِ والعملِ. قال الدارقطني رحمه الله (¬2): هذا الموقوف أشبه بالصواب، وكذلك رواه حماد بن زيد، عن ميمون الكردي، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ، موقوفًا (¬3). وقال دَيْلَم بن غَزوان والحسن بن أبي جعفر الجفري (¬4)، عن ميمون الكردي، فرَفَعاه، والأوَّل أشبه. طريق أخرى (954) روى / (ق 385) الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من طريقين عن الحسن البصري، عن الأحنف بن قيس قال: قَدِمْتُ على عمرَ، فاحتَبَسني عنده حَوْلاً، ثم قال: يا أحنفُ، قد بَلَوتُكَ وخَبَرتُكَ، فرأيتُ علانيتَكَ حسنةً، وأرجو أن تكونَ سريرتُكَ مثلَ علانيتِكَ، وإنَّا كنَّا نتحدَّث: إنما يُهلِكُ هذه الأمَّة كلَّ منافقٍ عليمٍ. وفي رواية: وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَوَّفنا كلَّ منافقٍ عليمٍ، ولستَ منهم، -إن شاء الله- فالحَقْ ببلدِكَ (¬5). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
طريق أخرى (955) قال جعفر الفِريابي (¬1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن كثير بن زيد، عن المطَّلب بن عبد الله بن حَنْطَب قال: قال عمرُ: ما أخافُ عليكم أحدَ رجلين: مؤمنٌ قد تبيَّن إيمانُه، ورجلٌ كافرٌ قد تبيَّن كُفرُهُ، ولكن أخافُ عليكم منافقًا يتعوَّذ بالإيمان، يعملُ بغيره. طريق أخرى (956) قال جعفر -أيضًا- (¬2): حدثني زكريا بن يحيى البَلخي، ثنا ¬
وكيع، عن مالك بن مِغْول، عن أبي حصين، عن زياد بن حُدَير قال: قال عمرُ: يَهدِمُ الإسلامَ ثلاثٌ: زلَّةُ عالِمٍ، وجدالُ منافقٍ بالقرآنِ، وأئمَّةٌ مضلُّون. (957) وقال -أيضًا- (¬1): أنا وهب بن بقيَّة، أنا إسحاق بن يوسف، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشَّعبي، عن زياد بن حُدَير قال: قال عمرُ: إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم ثلاثةٌ: منافقٌ يقرأ القرآنَ، لا يُخطي منه واوًا ولا أَلِفًا، يجادلُ الناسَ أنه أعلمُ منهم، ليُضلَّهم عن / (ق 386) الهدى، وزلَّةُ عالِمٍ، وأئمَّةٌ مضلُّون. طريق أخرى (958) قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو الجهم العلاء بن موسى، ثنا سوَّار بن مصعب، ثنا مُجالِد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد، عن ابن عباس قال: خَطَبنا عمرُ بن الخطاب، فقال: إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم تغيُّرُ الزمان، وزيغةُ عالِمٍ، وجدالُ منافقٍ بالقرآنِ، وأئمَّةٌ مضلُّون، يُضلُّون الناسَ بغير علمٍ. فهذه طرق يشدّ القوي منها الضعيف، فهي صحيحة من قول عمرَ -رضي الله عنه-، وفي رَفْعِ الحديث نظرٌ، والله أعلم. ¬
وسيأتي (¬1) -إن شاء الله- في مسند حذيفة حديث سؤال عمر إيَّاهم عن الفتنة التي تموج موج البحر، وقول حذيفة له: إنَّ بينك وبينها بابًا مُغلقًا. فقال عمرُ: أيُفتح البابُ أم يُكسَرُ؟ قال: يُكسَرُ. فقال: إذًا لا يُغلَقُ أبدًا ... ، الحديث (¬2). وفي سياقه ما يدلُّ على أنَّ عمرَ سَمِعَهُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنَّه نَسِيَ لفظَه، فأراد أن يستذكرَه من غيره، فحدَّثه حذيفةُ ذو السِّر الذي لا يَعلمُهُ غيره، والله أعلم. ¬
حديث في ذكر الخوارج
حديث في ذِكر الخوارج (¬1) (959) روى الإسماعيلي من حديث قتيبة: ثنا ابن لَهِيعة، عن ابن هُبيرة، عن أبي قيس مالك بن الحكم أو ابن حكيم، عن عبد الرحمن بن غَنم الأشعري: أنه سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرجُ أناسٌ من أمَّتي يقرأون القرآنَ، يمرقونَ من الدِّينِ، كما يمرقُ السهمُ من الرميَّةِ، وأَمَارةُ ذلك أنهم مُحلِّقون ...» (¬2). وذَكَر تمامَ الحديث في جَمْع عمر القُرَّاء والتماسِهِ أن يجدَ فيهم مَحلوقًا. ¬
حديث في ذكر وقعة الحرة التي كانت أيام يزيد بن معاوية
حديث في ذِكر وقعة الحَرَّة (¬1) التي كانت أيام يزيد بن معاوية (960) قال يعقوب بن سفيان (¬2): حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثني ابن أفلح، عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب / (ق 387) بن بشير المُعافِري (¬3): أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَج في سَفَر من أسفاره، فلمَّا مرَّ بحَرَّة زُهرة وَقَف فاستَرجَعَ، فسَاءَ ذلك مَن معه، وظنُّوا أنَّ ذلك من أمرِ سَفَرهم، فقال عمرُ بن الخطاب: يا رسولَ الله، ما الذي رأيتَ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إنَّ ذلك ليس في سَفَركم هذا». قالوا: فما هو يا رسولَ الله؟ قال: «يُقتَلُ بهذه الحَرَّةِ خِيارُ أُمَّتي بعدَ أصحابي». هكذا رواه البيهقي (¬4) من حديث يعقوب بن سفيان، وهو مرسل في الظاهر، فإنَّ أيوب بن بشير وإن كان قد وُلِدَ في زمان النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يُدركه ولم يَسْمع منه، ولعلَّه إنما سَمِعَ هذا من عمرَ بن الخطاب فإنه كان في زمانه كبيرًا، وكان ممَّن جُرح يوم الحرَّة رحمه الله. ¬
حديث في ذكر الحجاج بن يوسف الثقفي
حديث (¬1) في ذِكر الحجَّاج بن يوسف الثَّقَفي (961) قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه «دلائل النبوة» (¬2): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو النَّضر، ثنا عثمان بن سعيد الدَّارمي، ثنا عبد الله بن صالح المصري: أنَّ معاوية بن صالح حدَّثه عن شُريح بن عُبيد، عن أبي عَذَبة قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ بن الخطاب فأَخبَرَه أنَّ أهلَ العراقِ قد حَصَبوا أميرَهم، فخَرَج غضبانَ، فصلَّى لنا الصلاةَ، فسَهَا فيها، حتى جعل الناسُ يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فلمَّا سلَّم، أقبَلَ على الناس، فقال: مَن ههنا من أهل الشَّام؟ فقام / (ق 388) رجلٌ، ثم قام آخرُ، ثم قمتُ أنا ثالثًا، أو رابعًا، فقال: يا أهلَ الشَّامِ، استعدُّوا لأهل العراق، فإنَّ الشيطانَ قد بَاضَ فيهم وفَرَّخ، اللهمَّ إنهم قد لبَّسوا عليَّ فالبِسْ (¬3) عليهم، وعجِّل عليهم بالغلام الثَّقَفي يَحكمُ فيهم بحكمِ الجاهليةِ، لا يَقبلُ من مُحْسِنِهم، ولا يَتَجاوزُ عن مُسيئِهِم. قال عبد الله بن صالح: وحدَّثني ابن لَهِيعة بمثله (¬4)، قال: وما وُلِدَ الحجَّاجُ يومئذٍ. وكذا رواه يعقوب بن سفيان (¬5)، عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح. ورواه عثمان الدَّارمي (¬6) ويعقوب بن سفيان (¬7). ¬
كلاهما عن أبي اليَمَان، عن حَريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن مَيْسرة بن أزهر، عن أبي عَذَبة قال: قَدِمْتُ على عمرَ رابعَ أربعةٍ ... ، وذَكَر الحديث. قال عثمان: قال أبو اليَمَان: عَلِمَ عمرُ أنَّ الحجَّاج خارجٌ لا محالةَ، فلمَّا أغضبوه استَعجَلَ العقوبةَ التي لا بدَّ لهم منها (¬1). قلت: وطريقه في علم هذا الَّنقلُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (¬2) في مسند أسماء بنت الصِّديق: أنَّ رسولَ الله قال: «إنَّ في ثقيفَ كذَّابًا ومُبِيرًا (¬3)» (¬4). فالكذَّاب: المختار بن أبي عبيد، والمُبِيرُ هو: الحجَّاج، كما فسَّرت ¬
ذلك للحجَّاج حين قَتَل ولدَها رضي الله عنه. وقد كان الحجَّاجُ من الملوك الجبَّارين الذين طَغَوا في البلاد، وقَتَلَ الجمَّ الغفيرَ من صدر هذه الأُمَّة، ومع هذا فأَمرُهُ إلى الله، فإنه لم يُترَف بغير الظُّلم وسفكِ الدِّماء، ولا يُلتفتُ إلى قول الرَّافضة (¬1) فيه من / (ق 389) تكفيره، وتكفير مستنيبيه، بل هم من مُلُوك الإسلام، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم. ¬
حديث في ذكر الوليد
حديث في ذِكر الوليد (962) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو المغيرة، ثنا ابن عيَّاش، حدثني الأوزاعي وغيره عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: وُلِدَ لأخي أُمِّ سَلَمة زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم غلامٌ، فسَمَّوه الوليدَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَمَّيتُموهُ بأسماءِ فَرَاعنتِكُم، لَيَكُونَنَّ في هذه الأُمَّةِ رجلٌ يقالُ له: الوليدُ، هو شرٌّ على هذه الأُمَّةِ من فرعونَ لقومِهِ». هكذا رواه أحمد في مسند عمر، وإسناده جيد (¬2)، ولم يخرِّجوه. ¬
لكن قد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (¬1) عن الحاكم وغيره، عن الأصمِّ، عن سعيد بن عثمان التَّنوخي، عن بِشر بن بكر، حدثني الأوزاعي، حدثني الزهري، حدثني سعيد بن المسيّب قال: وُلِدَ لأخي أُمِّ سَلَمة من أُمِّها غلامٌ فسَمَّوه الوليدَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تُسمُّونَ بأسماءِ فَرَاعنتِكُم، غيِّروا اسمَه -فسَمَّوه: عبد الله-، فإنَّه سيكونُ في هذه الأُمَّةِ رجلٌ، يقالُ له: الوليدُ، هو شرٌّ لأُمَّتي من فرعونَ لقومِهِ». هكذا وقع في رواية البيهقي مرسلاً. وكذا رواه يعقوب بن سفيان (¬2) عن محمد بن خالد بن العبَّاس السَّكسكي، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، مرسلاً. قال الوليد بن مسلم: فكان الناسُ يَرَون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين / (ق 390) خَرَجوا عليه، فقَتَلوه، فانفَتَحتِ الفتنةُ على الأُمَّة والهَرْجُ. قلت: أما الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فكان فاسقًا مجاهرًا بالمعاصي، وقد حَكَى عنه صاحب «العِقد» (¬3) وأصحابُ التاريخ شيئًا فرِيًّا من أنه أَذِنَ لحبابَةَ مولاتِه، فصَلَّتْ بالناس الفجرَ وهي جُنُب! والله أعلم بصحَّة ذلك، وكانت مدَّة ولايته للسَّلطنة سَنَة وقريبًا من شهرين، ثم خُلِعَ، وقُتِلَ، وعُلِّق رأسُه على حائط الجامع الشرقيِّ ممَّا يلي المصلِّين مدَّةً، ثم رُفِعَ، وغُسِلَت آثارُ دمِهِ. ¬
وأمَّا عمُّه الوليد بن عبد الملك فامتدَّت ولايتُه نحوًا من عشر سنين، فعمَّر فيها المسجدَ الجامعَ بدمشق، وزَخْرَفَهُ، وزَيَّنهُ، وتأنَّق فيه جدًّا، ولم يكن بناءٌ على وجه الأرض شرقًا ولا غربًا في زمانه أبهى منه ولا أحسنَ، وصَرَف عليه من بيت مال المسلمين من الذَّهَب مالايُحدُّ كثرةً، مع أنه كان موصوفًا بالشهامة والصَّرامَة، وكان فيه جَبرية. وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب «أحكام القبور» (¬1)، عن عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله: أنه لمَّا أَلحده في قبره شاهَدَ منه أمرًا منكرًا، فيه عظةٌ عظيمةٌ للناس: رَوى أنه حين وَضَعه في اللَّحد جُمِعَت رُكبَتَاه إلى عُنُقِهِ، ورَوى أنه حُوِّل وجهُهُ عن القِبلة. والذي اشتَهَر من حاله أنه كان من مُلُوك الإسلام، وكانت له مملكةٌ متَّسعةٌ في المشارق والمغارب، ومن أحسن ما روي عنه أنه كان يباشرُ أحوالَ الرَّعيةِ / (ق 391) بنفسِهِ، ويَصرفُ إلى الزَّمنَي والمرضى والمجذَّمين ما يَكفيهم من بيت المال. وأحسن من هذا ما روي عنه أنه قال: لولا أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قصَّ علينا خبرَ قومِ لوطٍ ما ظننتُ أنَّ ذَكَرًا يَعلو ذَكَرًا! حديث آخر (963) قال أحمد (¬2): ثنا حسن، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا أبو الزُّبير، عن ¬
جابر: أنَّ عمرَ بن الخطاب أخبَرَه أنه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرُجُ أهلُ مكةَ ثم لا يعير (¬1) بها، أو يغير (¬2) بها إلا قليلٌ، ثم تمتلِئُ وتُبنَى، ثم يَخرجون منها ولا يعودون فيها أبدًا». هذا إسناد جيد، لأنَّ ابن لَهِيعة قد صرَّح بالسماع فزال محذور تدليسه (¬3). حديث آخر (964) قال أحمد (¬4): ثنا يحيى بن إسحاق، أنا ابن لَهِيعة، عن أبي الزُّبير، عن جابر، أخبرني قال (¬5): سَمِعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيَسيرَنَّ الرَّاكبُ في جَنَباتِ المدينةِ، ثم لَيَقولَنَّ: لقد كان في هذا حاضِرٌ من المؤمنين كثيرٌ». ¬
قال أحمد: ولم يَجز به حسن الأشيب جابرًا (¬1). وهذا -أيضًا- جيد (¬2)، والله أعلم. وقد تقدَّم في كتاب الجهاد (¬3) من حديث عبد الله بن عمر السَّعدي، عن سعيد بن عمرو بن سعيد، عن أبيه، عن أبيه، سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: لولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ سَيَمنعُ الدِّينَ بنصارى من ربيعةَ على شاطئِ الفُرَاتِ»؛ ما تَرَكتُ عربيًا إلا قَتَلتُهُ أو يُسلِمُ. رواه النسائي (¬4)، وهو غريب (¬5). ¬
أحاديث المعجزات والمناقب والفضائل، وهي مرتبة على أسماء الأعيان، ثم القبائل، ثم البلدان
أحاديث المعجزات والمناقب والفضائل، وهي مرتَّبة على أسماء الأعيان، ثم القبائل، ثم البلدان (965) قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي رحمه الله (¬1): ثنا أبو هشام، ثنا ابن فضيل، ثنا ابن أبي زياد، عن عاصم بن عبيد الله / (ق 392) بن عاصم، عن أبيه، عن جدِّه عمرَ قال: كنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، فقلنا: يا رسولَ الله، إنَّ العدوَّ قد حَضَر وهم شِباعٌ، والناسُ جياعٌ، فقالت الأنصار: ألا نَنحَرُ نواضِحنا فنُطعِمَه للناس؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن كان عندَه فضلُ طعامٍ؛ فليَجِئ به»، فجعل الرَّجلُ يجيءُ بالمُدِّ والصَّاعِ، وأكثرَ وأَقلَّ، فكان جميعُ ما في الجيش بِضعًا وعشرين صاعًا، فجلس النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، فدعا بالبركة، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا ولا تَنتَهِبُوا»، فجعل الرَّجل يأخذُ في جِرابِهِ، وفي غِرارتِهِ، وأخذوا في أوعيتهم، حتى إنَّ الرَّجلَ لَيَربِطُ كُمَّ قميصِهِ فيَملأَه، فَفَرغوا والطَّعامُ كما هو، ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهَ، وأنِّي رسولُ الله، لا يأتي بهما عبدٌ مُحِقٌّ إلا وَقَاهُ اللهُ حَرَّ النَّارِ». ثم رواه -أيضًا- (¬2)، عن إسحاق بن إسماعيل الطَّالْقاني، عن جرير، عن يزيد بن أبي زياد ... ، فذَكَره، وسمَّى الغزوة تبوك. ¬
وهذا إسناد حسن (¬1)، ولم يخرِّجوه، وله شاهد في «الصحيح» (¬2) من حديث سَلَمة بن الأكوع في غزوة تبوك. حديث آخر (¬3) (966) قال أبو يعلى (¬4): ثنا زُهَير، ثنا يونس بن محمد، ثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري، ثنا حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنيِّ مُمْسِكٌ بحُجزِكم / (ق 393) هلُمَّ عن النَّارِ، هلُمَّ عن النَّارِ ....» الحديث. وقد تقدَّم في تفسير سورة براءة (¬5). ¬
حديث آخر (967) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا عمر بن الخطاب -يعني السِّجستاني- ثنا أصبَغ بن الفَرَج، ثنا عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عُتبة بن أبي عُتبة، عن نافع بن جُبَير، عن ابن عباس قال: قيل لعمرَ: حدِّثنا عن شأن العُسرة، فقال عمرُ: خَرَجنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوكَ في قَيظٍ شديدٍ، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطشٌ شديدٌ حتى ظنَّنا أنَّ رِقابَنَا ستنقطعُ، حتى إن كان أحدُنا يذهبُ يلتمسُ الخلاءَ فلا يرجعُ حتى يظنَّ أنَّ رَقَبتَه تنقطعُ، وحتى إنَّ الرَّجلَ لَيَنحَرُ بعيرَه فيَعصِرُ فَرثَه فيَشرَبُهُ ويَضعُهُ على بطنِهِ، فقال أبو بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه: يا رسولَ الله، إنَّ اللهَ قد عَوَّدك في الدُّعاء خيرًا، فَادْعُ لنا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أتحبُّ ذلك يا أبا بكر؟». قال نعم. قال: فرَفَع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديه، فلم يَرجعْهُما حتى قالتِ السماءُ، فأَظلَّت (¬2)، ثم سَكَبت، فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظرُ، فلم نَجدْها جاوزتِ العسكرَ. ثم قال البزَّار: لا نَعلمه يُروى إلا بهذا الإسناد. قلت: وقد رواه الإمام الحَبْر محمد بن إسحاق بن خزيمة في «صحيحه» (¬3) عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب. والحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البُسْتي في «صحيحه» أيضًا (¬4)، عن عبد الله بن محمد بن سَلْم، / (ق 394) عن حَرمَلَة، عن ابن وهب، به. ¬
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬1): وكذا رواه أحمد بن صالح، عن ابن وهب. ورواه يعقوب بن محمد الزهري، عن ابن وهب، فلم يَذكر في الإسناد عُتبة بن أبي عُتبة. قال: والقول: قول مَن أثبتَه. حديث آخر (968) قال الحافظ أبو يعلى (¬2): ثنا إبراهيم بن الحجَّاج، ثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان بالحَجُون (¬3) وهو كَئيبٌ، فقال: «اللهمَّ أَرِني اليومَ آيةً لا أُبالِي مَن كذَّبَنِي بعدَها من قومِي». فنادى شجرة من قِبَلِ عَقَبة أهلِ المدينةِ، فناداها، فجاءت تَشقُّ الأرضَ حتى انتَهَتْ إليه، فسَلَّمَتْ عليه، ثم أَمَرها فذَهَبتْ. قال: فقال: «ما أُبَالِي مَن كذَّبَنِي بعدَها من قومِي». وهكذا رواه الإمام علي ابن المديني عن حَرَمي بن عُمارة، عن حماد بن سَلَمة، به. وقال: هذا إسناد بصري، ولا نعرفه إلا من حديث حماد. وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (¬4) من حديث عبيد الله بن محمد بن عائشة، عن حماد بن سَلَمة، به. ¬
قال: وقد رويناه في «المبعث» عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس، نحوه. حديث آخر (969) قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (¬1): ثنا أبو عبد الله الحافظ (¬2) إملاء وقراءة، ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل -إملاء-، ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، / (ق 395) ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفِهري -قال أبو الحسن: هذا من رهط أبي عُبيدة بن الجرَّاح- أنا إسماعيل بن مسلمة، أنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لمَّا اقتَرَفَ آدمُ الخطيئةَ، قال: ياربُّ، أسألُكَ بحقِّ محمدٍ إلا غَفَرتَ لِي، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: ياآدمُ، كيف عرفتَ محمدًا ولم أخلُقهُ بعدُ؟ قال: ياربُّ، لأنَّك لمَّا خَلَقتَنِي بيدِكَ، ونَفَختَ فيَّ مِن رُوحِك، رَفَعتُ رأسي، فرأيتُ على قوائمِ العرشِ مكتوبًا: لا إلهَ إلا اللهُ، محمدٌ رسول الله، فعَلِمتُ أنَّك لم تُضِفْ إلى اسمِكَ إلا أحبَّ الخلقِ إليكَ. فقال اللهُ: صَدَقتَ ياآدمُ، إنَّه لأحبُّ الخلقِ إليَّ، وإذْ سَأَلتَنِي بحقِّه، فقد غَفَرتُ لك، ولولا محمدٌ ما خَلَقتُكَ». ثم قال البيهقي: تفرَّد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه، وهو ضعيف (¬3)، والله أعلم. ¬
ومن فضل الصديق
ومن فضل الصِّديق (970) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: ثنا محمد بن عَلُّويه الفقيه، ثنا أبو شعيب السُّوسي، ثنا يحيى بن سعيد العطَّار، ثنا فُرَات بن السَّائب، عن ميمون، عن ابن عمرَ: أنَّ أبا موسى إذ كان واليًا على البصرة، كان إذا خَطَب يومَ الجمعةِ حَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ثَنَّى بعمرَ يَدعو له، ولا يَتَرحَّمُ على أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فتَقَدَّم إليه ضَبَّة بن مِحصَن يقول: أين أنت / (ق 396) من ذِكر صاحبِهِ قبلَهُ تَذكره بفضِلهِ؟ ففعل ذلك جُمَعَ، ثم كَتَب إلى عمرَ بقول ضَبَّة بن مِحصَن، فكَتَب إليه عمرُ يأمُرُه بتسريحه إليه، فلمَّا أتاه الكتابُ، قال: اشخَص إلى
أمير المؤمنين. فلمَّا قَدِمَ المدينةَ استأذن على عمرَ، فدخل عليه، فقال: أنت ضَبَّة بن مِحصَن؟ قال: نعم. قال: فلا مَرحبًا ولا أهلاً. قال: أمَّا المرحبُ فمن الله، وأمَّا الأهلُ فلا أهلَ ولا مالَ، فعَلاَم استَحلَلتَ إشخاصي من مصرَ يا عمرُ بلا ذنبٍ ولا جنايةٍ ولا سوءٍ أتيتُهُ؟! قال: وما تَبوء بذنبٍ تعتذرُ منه؟ قال: لا. قال: فما شَجَر بينك وبين عامِلِكَ؟ قال: كان إذا خَطَب يومَ الجمعةِ صلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ثنَّى بك يَدعو لك، ولا يَتَرحَّمُ على أبي بكرٍ، فكان ذلك ممَّا يغيظني منه. قال: أنت كنتَ أوفَقَ منه وأفضلَ، فهل أنت غافرٌ ذنبي إليك؟ قال: نعم، يَغفِرُ اللهُ لك. فاستبكى عمر، حتى انتَحَبَ، ثم قال: واللهِ ليومٌ أو ليلةٌ من أبي بكرٍ -رضي الله عنه- خيرٌ من عمرَ وآل عمرَ من لدن وُلِدوا، أمَّا ليلتُهُ فإنَّه لمَّا توجَّه مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى الغار جعل يمشي طَورًا أمامَهُ، وطَورًا خلفَهُ، ومرَّة عن يمينه، ومرَّة عن يَسَاره، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا من فِعلك يا أبا بكر؟». قال: بأبي أنت وأُمِّي، أذكرُ الرَّصَدَ (¬1) فأَكونُ أمامَكَ، وأذكرُ الطَّلبَ فأَكونُ خَلفَكَ، وأَنفضُ الطريقَ يمينًا وشمالاً. قال: «إنَّه ليس عليك بأسٌ»، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم حافيًا، ولم يكن مخصَّرَ القدمين، فحَفِيَ، / (ق 397) فحَمَله أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه- على كاهله حتى انتهى به إلى الغار، فلمَّا ذهب لِيَدخُلَهُ، قال: لا، والذي بَعَثك بالحقَّ لا تَدخلُهُ حتى استبرئَهُ، فدخل، فنظر، فلم ير شيئًا يَريبه، فدخلا، فلمَّا قَعَدا فيه هُنيَّةً أسفَرَ لهما الغارُ بعضَ الإسفارِ، فأبصر أبو بكرٍ إلى خَرقٍ في الغارِ فألقَمَهُ قَدَمَهُ، مخافةَ أن يكونَ فيه دابَّةٌ فتخرجُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتُؤذيه، فهذه ليلتُهُ رضي الله عنه. ¬
وأمَّا يومُهُ، فإنَّه لمَّا قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ارتدَّ مَن ارتدَّ من العرب، وقالوا: نصلِّي، ولا نزكِّي، ولا نُجبَى، فأتيتُهُ لا آلوه نصحًا، فقلتُ: يا خليفةَ رسولِ اللهِ تألَّفِ الناسَ، وارفُق بهم، فإنَّهم بمنزلة الوحش. فقال: رَجَوتُ نُصرَتَكَ وجئتني بخذلانك! جبَّارًا في الجاهلية! خوَّارًا في الإسلام! بماذا عَسَيتَ أن أتأَلَّفَهم؟! بِشِعرٍ مُفتَعل! أو بِسِحرٍ مفتَرَى! هيهات! هيهات! مضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، والله لأُجَاهِدنَّهم ما استمسك السَّيفُ في يدي وإن مَنَعوني عَقَالاً. قال: فوَجَدتُهُ في ذلك أمضى منِّي وأصرمَ، وأَدَّبَ الناسَ على أمورٍ هانت عليَّ كثير من مؤنتهم حين وَلِيتُهُم، هذا يومُهُ (¬1). وهذا إسناد غريب من هذا الوجه، ويحيى بن سعيد العطَّار هذا حمصي، فيه ضعف، ولكن لهذا شواهد كثيرة من وجوه آخر. / (ق 398) حديث آخر (971) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا إبراهيم بن سعيد، ثنا ابن أبي أُوَيس، ثنا سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ¬
عائشة، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنه قال: كان أبو بكرٍ أحبَّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال البزَّار: لا يُروى إلا من هذا الوجه. ورواه الترمذي (¬1) عن إبراهيم بن سعيد الجوهري به. وقال: صحيح غريب. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬2) عن محمد بن إسحاق الثَّقَفي، عن إبراهيم بن سعيد، به. ولفظهما: أبو بكر سيِّدنا وخيرُنا، وأحبُّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬3). طريق أخرى (972) قال البخاري (¬4): ثنا أبو نعيم، عن عبد العزيز بن أبي سَلَمة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال عمرُ رضي الله عنه: أبو بكر سيِّدُنا، وأَعتَقَ سيِّدَنا. يعني: بلالاً. ¬
حديث آخر في فضل الصديق، وفيه شرف عظيم لعمر رضي الله عنهما
حديث آخر في فضل الصِّديق، وفيه شَرَف عظيم لعمر رضي الله عنهما (973) قال الحافظ أبو بكر الخطيب (¬1): أنا القاضي أبو العلاء الواسطي، أنا أحمد بن محمد بن عَمرويه بن آدم ببغداد، ثنا محمد بن جعفر بن أحمد بن اللَّيث، ثنا علي بن عبد الله بن جعفر الهَمداني، ثنا عبد الله بن محمد بن جَيهان، ثنا عبد الله بن بكر السَّهمي، ثنا مبارك بن فَضَالة، ثنا ثابت البُناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصِّديق قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «حدَّثني عمرُ بن الخطاب أنَّه ما سابقَ أبا بكرٍ إلى خيرٍ قطٌّ إلا سَبَقَهُ به». فإن كان هذا محفوظًا ففيه رواية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرَ بن الخطاب، فيكونُ من أحسنِ ما يُذكر في باب رواية الأكابر عمَّن دونهم، كما في «الصحيح» (¬2) أنه عليه السَّلام أخبر بقصَّة الدجال عن خبر تميم الدَّاريِّ له بذلك. وقد تقدَّم لهذا الحديث في كتاب الزكاة، وفي تفسير قوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} (¬3) شواهد. (974) وقال حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: ما سَابَقْتُ أبا بكرٍ قطُّ إلى خيرٍ؛ إلا سَبَقَني به. ¬
أثر آخر (975) قال عبد الله بن المبارك: عن ابن سُوقة (¬1)، عن محمد بن جُحادة، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن هُزَيل بن شُرَحبيل قال: قال عمر: لو وُزِنَ إيمانُ أبي بكرٍ بإيمانِ أهلِ الأرضِ لرَجَحَ بهم (¬2). قلت: وقد روي عن ابن عمرَ مرفوعًا، ولا يصحُّ (¬3). ¬
حديث في فضل علي رضي الله عنه
حديث في فضل عليٍّ رضي الله عنه (976) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبيد الله -يعني القَوَاريري- ثنا عبد الله بن جعفر، أخبرني سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: لقد أُعطيَ عليُّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- ثلاثَ خِصَالَ، لأنْ تكونَ لي واحدةٌ منها أحبُّ إليَّ من أن أُعطَى حُمْرَ النَّعَم (¬2). قيل: وما هنَّ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: تزويجَهُ فاطمةَ بنتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وسُكنَاهُ المسجدَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَحِلُّ له فيها (¬3) ما يَحِلُّ له، والرَّايةَ يومَ خيبرَ. إسناد قوي، لولا عبد الله بن جعفر بن نَجيح والد علي ابن المديني، فإنه ضعَّفه غير واحد من الأئمَّة، / (ق 399) منهم ابنه عليّ رحمه الله (¬4). ¬
حديث آخر في فضل طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله عنه.
حديث آخر في فضل طلحة بن عبيد الله التَّيمي رضي الله عنه. (977) قال أبو داود الطيالسي -رحمه الله- في «مسنده» (¬1): حدثنا أبو بكر الهُذَلي، حدثنا أبو المَلِيح الهُذَلي، عن ابن عباس قال: ذَكَرتُ طلحةَ لعمرَ -رضي الله عنهما-، فقال: ذاك رجلٌ فيه بَأْوٌ منذُ أُصيبت يدُهُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. هذا حديث غريب، ولم يخرِّجوه، وأبو بكر الهُذَلي قد ضُعِّف (¬2). قال الجوهري -رحمه الله- في «صحاحه» (¬3): البَأْوُ: الكِبْرُ والفخرُ، يقال: بَأَوتُ على القوم أَبْأَى بَأْوًا. قال حاتم: وما زَادَنا بَأْوًا على ذِي قَرَابةٍ ... غِنَانَا ولا أَزرَى بأحسابِنَا الفَقرُ قلت: فكأنَّ طلحة -رضي الله عنه- كان يَفخَرُ على غيره بما نال من إصابة يده يوم أُحُد حين شَلَّت، لمَّا وَقَى بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬4)، كما تقدَّم في ¬
«مسند الصِّديق» -رضي الله عنه- أنه كان يقول عن يوم أُحُد: ذاك يوم كان كلُّه لطلحة (¬1). وقد تقدَّم الحديث بتمامه. حديث آخر (978) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا حميد بن الرَّبيع، ثنا يزيد بن هارون، ثنا أبو يعلى الجَزَري، ثنا ميمون بن مِهران، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، قال له الناس في الشُّورى: ألا تشيرُ علينا؟ قال: لا أُبالي أن أفعلَ، رؤوس قريش، ومن سمَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سبعةٍ، فسمَّى السِّتةَ، وسعيدَ بن زيد. هذا إسناد / (ق 400) جيد، وله شواهد، وأبو يعلى الجَزَري هذا لم أعرفه، والسِّتة الذين سمَّاهم في الشُّورى هم: عثمان، وعليّ، وطلحة، والزُّبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم-، فهؤلاء رؤوس قريش في الجاهلية، وسادة المسلمين في الإسلام، وممَّن سمَّاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ونصَّ عليهم بأنهم من أهل الجنَّة، وفيهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل العَدَوي أنه من أهل الجنَّة، وإنما تَرَكه عمرُ ولم يَذكره مع أهل الشُّورى؛ لأنه من قبيلته، وخَتَنه على أخته فاطمة بنت الخطاب، فخشي -رضي الله عنه- إنْ ذَكَره معهم أن يُرجِّحوه لذلك، فتَرَكه، وأما أبو عُبيدة بن الجرَّاح فكان قد مات ¬
قبل ذلك بنحوٍ من ستِّ سنين -رضي الله عنه وأرضاه-، وإلا فقد كان عند عمرُ أهلاً لذلك، وفوقَ ذلك، كما في الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد (¬1)، حيث قال: (979) حدثنا محمد بن فُضيل، حدثنا إسماعيل بن سُمَيع، عن مسلم البَطِين، عن أبي البَختَري قال: قال عمرُ -رضي الله عنه- لأبي عُبيدة بن الجرَّاح: ابسُطْ يدَك حتى أُبايعَكَ، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أنت أمينُ هذه الأُمَّةِ»، فقال أبو عُبيدة: ما كنتُ لأتقدَّمَ بين يدي رجلٍ أَمَرَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يؤُمَّنا، فأَمَّنا حتى مات. هذا إسناد جيد، وفيه انقطاع، لأنَّ أبا البَختَري لم يُدرك عمرَ، بل ولا عليًّا، فيما قاله شعبة بن الحجَّاج وأبو حاتم الرازي (¬2). / (ق 401) طريق أخرى (980) قال البزَّار (¬3): ثنا عمر بن الخطاب السِّجِستاني، ثنا عبد الغفار بن داود، ثنا (عبد الجبار) (¬4) بن عمر الأَيْلي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هذه الأُمَّةِ أبو عُبيدة بن الجَرَّاح». ¬
ثم قال البزَّار: لا نعرف أحدًا تابع (عبد الجبار) (¬1) هذا على هذا عن الزهري، وإن كان قد رواه عمر بن حمزة، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، به. قلت: وكلاهما فيه ضعف، والله أعلم. حديث آخر (981) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا أبو المغيرة وعصام بن خالد قالا: ثنا صفوان، عن شُريح بن عُبيد وراشد بن سعد وغيرهما قالوا: لمَّا بَلَغ عمرُ بن الخطاب سَرْغَ (¬3) حُدِّث أنَّ بالشَّام وباءً شديدًا، قال: بلغني أنَّ شدَّةَ الوباء بالشَّام، فقلتُ: إنْ أَدرَكَني أَجَلي وأبو عُبيدة بن الجرَّاح حَيٌّ استَخلفتُهُ، فإنْ سألني اللهُ عزَّ وجلَّ: لم استَخلفتَهُ على أمَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: إنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ لكُلِّ نبيٍّ أمينًا، وأميني أبو عُبيدة بنُ الجرَّاح». فأَنكَرَ ¬
القومُ ذلك، وقالوا: ما بال علياء قريش؟! -يعنون بني فِهر-، ثم قال: وإنْ أَدرَكَني أَجَلي وقد تُوفي أبوعُبيدة؛ استَخلفتُ معاذَ بن جبل، فإنْ سألني ربِّي: لم استَخلفتَهُ؟ قلتُ: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّه يُحشرُ يومَ القيامةِ بين يَدَي العلماءِ نَبذَةً». هذا إسناد فيه انقطاع؛ / (ق 402) فإنَّ شُريح بن عبيد وراشد بن سعد المِقرائِيَين الحمصيَيْن من التابعين الثقات إلا أنهما لم يُدركا زمن عمر بن الخطاب، وكأنَّ هذا من المستفيض عندهم بالشَّام، إلا أنَّ ذِكر استخلاف معاذ بن جبل الأنصاري على الأمَّة فيه غرابةٌ (¬1)، لأنَّ الأئمَّةَ من قريش فلا يجوز أن يكونَ من غيرهم عند جمهور علماء الأُمَّة، والله أعلم. (982) وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من طريق أخرى: فقال: حدثنا الحسن بن سفيان، عن أبي عمير بن النَّحاس، عن ضَمرة، عن السَّيباني، عن أبي العَجْفاء، عن عمرَ أنه قال: لو أدركتُ خالدَ بن الوليد ثم وَلَّيتُهُ، ثم قَدِمْتُ على ربِّي، فقال: مَن استَخلفتَ؟ قلت: قال عبدُك ونبيُّك: «خالد سيفٌ من سيوفِ اللهِ سَلَّهُ اللهُ على المشركين». ثم ذَكَر أبا عُبيدة ومعاذًا كما تقدَّم، وقال: «بين يَدَي العلماءِ بِرِتوَةٍ» (¬2). قال ضَمرة: كأنها أكثر من خطوة. ¬
وهذا إسناد حسن (¬1). وقد تقدَّم في كتاب الفرائض (¬2) حديث في فضل سالم مولى أبي حذيفة وأبي عُبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنهما وأرضاهما. ¬
حديث في فضل ابن مسعود وعمار رضي الله عنهما
حديث في فضل ابن مسعود وعمَّار رضي الله عنهما (983) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان (ح) وحدثنا عثمان بن عمر الضَّبِّي، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة (ح) وحدثنا أحمد بن عمرو القَطَواني، ثنا محمد بن الطُّفيل النَّخَعي، ثنا شريك. / (ق 403) كلُّهم عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: كَتَب عمرُ -رضي الله عنه- إلى أهل الكوفة: إنِّي قد بَعَثتُ عمَّارَ بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود مُعلِّمًا ووزيرًا، وهما من النُّجباء، من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فاقْتَدُوا بهما، واسمعُوا من قولهما، وقد آثرتُكم بعبد الله على نَفْسي أثرةً. إسناده قوي صحيح، وقد اختاره الضياء في كتابه (¬2). ¬
حديث في فضل مصعب بن عمير العبدري الذي قتل يوم أحد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حماية عنه رضي الله عنه وأرضاه
حديث في فضل مصعب بن عُمَير العَبدَري الذي قُتِلَ يوم أُحُد بين يَدَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم حمايةً عنه رضي الله عنه وأرضاه (984) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي -رحمه الله- من حديث عبد العزيز بن عمر الخراساني الزَّاهد، عن زيد بن أبي الزَّرقاء، عن جعفر بن بَرقان، عن ميمون بن مِهران، عن يزيد بن الأصمِّ، عن عمرَ قال: نَظَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى مصعبِ بن عُمَير مُقبلاً وعليه إهابُ كَبشٍ قد تَنَطَّق به، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «انظُرُوا إلى هذا الرَّجلِ الذي نُوِّرَ له قلبُه، لقد رأيتُهُ بين أبوين يَغذُوانِهِ بأطيبَ الطَّعامِ والشَّرَابِ، ولقد رأيتُ عليه حُلَّةً شِراؤُها، أو شُرِيت له بمائتي درهمٍ، فدعاه حبُّ اللهِ وحبُّ رسولِهِ إلى ما تَرَونَ» (¬1). فيه غرابة وانقطاع. ¬
حديث في فضل زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وحبه وولده أسامة الحب بن الحب رضي الله عنهما وأرضاههما
حديث (¬1) في فضل زيد بن حارثة مولى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحِبِّه وولده أسامة الحِبِّ بن الحِبِّ رضي الله عنهما وأرضاههما (985) / (ق 404) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا مصعب -يعني ابن عبد الله (¬3) - ثنا عبد العزيز بن محمد -هو الدَّرَاوَردِي- عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: فَرَضَ عمرُ لأسامةَ أكثرَ ممَّا فَرَضَ لي، فقلت: إنما هِجرتي وهجرة أسامةَ واحدةٌ! فقال: إنَّ أباه كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وإنَّه كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منك، وإنما هاجَرَ بك أبوك. هذا حديث صحيح، رواه البخاري في كتاب الهجرة (¬4) عن إبراهيم بن موسى، عن هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عبيد الله بن عمر العُمَري، به، أطول من هذا. قُتِلَ زيد بن حارثة أميرًا بمؤتةَ في سنة سبع من الهجرة رضي الله عنه. ¬
أثر في فضل رأي عبد الله بن عباس وأبيه رضي الله عنهما
أثر في فضل رأي عبد الله بن عباس وأبيه رضي الله عنهما (986) قال الإمام أبو عبيد في كتاب «الغريب» (¬1): كان سفيان بن عيينة يحدِّث عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه، عن ابن عباس: أنه شَاوَرَ عمرَ في شيء، فأَعجَبَهُ كلامُهُ، فقال عمرُ: نِشنِشَةٌ أَعرِفُها من أَخشَنَ. هكذا كان يُحدِّث ابن عيينة. قال الأصمعي: وإنما هي شِنشِنَة أعرفُها من أخزمٍ. ¬
قال أبو عبيد: أخبرني ابن الكلبي أنَّ هذا الشِّعر لأبي أخزم الطَّائيِّ، وهو جَدُّ جَدِّ حاتم الطَّائي، وكان له ابن يقال له: أخزم، فمات أخزم وترك بنين، فوثبوا يومًا على جدِّهم أبي أخزم، فأَدمَوهُ، فقال: إنَّ بَنِيَّ زَمَّلُونِي بالدَّمِ ... شِنْشِنَةٌ أَعرِفُها مِن أَخزَم يعني: أنهم أشبَهوا أباهم في طبيعته وخُلُقه.
حديث في فضل الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانتيه، وسيدي شباب أهل الجنة رضي الله عنهما
حديث في فضل الحسن والحسين سِبطَي رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانتيه، وسيِّدَي شباب أهل الجنَّة رضي الله عنهما (987) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا محمد بن مرزوق البصري، حدثني حسين -يعني الأشقر- حدثني علي بن هاشم، عن ابن أبي رافع، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ الحسنَ والحسينَ على عاتِقَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلت: نِعْمَ الفَرَسُ تَحتَكما، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ونِعْمَ الفارسانِ هُمَا». غريب من هذا الوجه، وحسين بن حسن الأَشقر هذا: شيعي، ضعيف (¬2). ¬
حديث آخر (988) قال أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني عبد الله بن زيدان، ثنا قاسم / (ق 405) بن مؤمَّل المقري، ثنا جعفر بن محمد بن إسحاق الأزرق، ثنا إسحاق، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن شُريح قال: قال لي علي: أنشُدُك بالله أسمعتَ عمرَ -رضي الله عنه- يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الحسنُ والحسينُ سَيِّدَا شبابِ أهلِ الجنَّةِ»؟ قال شُريح: نعم. وذَكَر قصَّة تحاكم عليّ مع ذلك اليهوديّ إلى شُريح في شأن الدِّرع التي فقدها عليٌّ رضي الله عنه. وهو غريب الإسناد -أيضًا- (¬1)، والله أعلم. ¬
فأمَّا قول عمرَ -رضي الله عنه- في صُهيب بن سِنَان الرُّومي: نِعْمَ العبدُ صهيب، لو لم يخفِ اللهَ لم يَعصِهِ؛ فهو مشهور عنه، ولم أره إلى الآن بإسنادٍ عنه، والله الموفِّق. وقد ذَكَره أبو عبيد في كتاب «الغريب» (¬1)، ولم أره أَسنَدَه. قال: وَوَجُهُه: أنَّ صهيبًا إنما يُطيعُ اللهَ حُبًّا له لا مخافةَ عقابِهِ، يقول: فلو لم يكن عقابٌ يَخافُهُ ما عَصَى اللهَ أيضًا. ¬
أثر في فضل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وأرضاه
أثر في فضل جَرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه وأرضاه (989) قال الترمذي في «الشمائل» (¬1): ثنا عمر بن إسماعيل بن مُجالِد، عن أبيه، عن بَيَان، عن قيس بن أبي حازم، عن جَرير بن عبد الله البَجَلي قال: عُرِضْتُ بين يَدَي عمرَ، فألقى جريرٌ رداءَه ومشى في إزار، فقال له: خُذ رداءَك. فقال عمرُ للقوم: ما رأيتُ رجلاً أحسنَ صورةً من جريرٍ إلا ما بَلَغنا من صورةِ يوسفَ الصَّديق عليه السلام. إسناده جيد قوي (¬2). وقد كان جَرير من أحسنِ الناسِ وجهًا، كما ثَبَت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ على وَجهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ» (¬3)، فرَضِيَ اللهُ عن أصحابِ رسولِ الله أجمعين. ¬
حديث في فضل زينب بنت جحش أم المؤمنين
حديث في فضل زينب بنت جحش أُمِّ المؤمنين (990) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا علي بن نصر ومحمد بن معمر -واللفظ له- قالا: ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، عن عبد الرحمن بن أَبْزَى: أنَّ عمرَ كَبَّر على زينب بنت جحش أربعًا، ثم أَرسَلَ إلى أزواجِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: مَن يُدخِلُ هذه قبرَها؟ فقلن: مَن كان يَدخُلُ عليها في حياتها. ثم قال عمرُ: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أسرَعُكُنَّ بِي لُحُوقًا، أَطولُكُنَّ يدًا»، فكنَّ يتطاولن بأيديهنَّ، وإنما كان ذاك أنها كانت صَنَاعًا تعينُ بما تَصنعُ في سبيل الله. ثم قال: قد روي من وجوه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬2)، ولم يَروه أجلَّ من عمرَ، ورواه غير واحد عن إسماعيل، عن الشَّعبي مرسلاً، وتفرَّد برفعه وهب بن ¬
جرير، عن شعبة، عن إسماعيل (¬1). ¬
أثر في فضل غضيف بن الحارث الكندي
أثر في فضل غُضَيف بن الحارث الكندي (991) قال أسد بن موسى: ثنا حماد بن سَلَمة، عن بُرد أبي العلاء، عن عُبادة بن نُسَي: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لغُضيف بن الحارث: نِعْمَ الفتى غُضَيفُ. فعَلِمَهُ أبو ذرٍّ، فقال: يا غُضيفُ، استغفِرْ لي. فقال: أنت صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت أحقُّ أن تستغفِرَ لي. قال أبو ذرٍّ: فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ ضَرَبَ الحقَّ على لسان عمرَ يقولُ به»، وإنِّي سَمِعتُ عمرَ يقول: نِعْمَ الفتى غُضَيف. فاستغفِرْ لي. فاستغفَرَ له (¬1). ¬
غُضَيف بن الحارث هذا: صحابي (¬1)، فيما حكاه ابن أبي حاتم (¬2)، ويكنى بأبي أسماء السَّكُوني ... (¬3). ¬
أثر في فضل عمرو بن الأسود العنسي الشامي أحد التابعين العابدين الناسكين الزاهدين رحمه الله
/ (ق 406) أثر (¬1) في فضل عمرو بن الأسود العَنَسي الشَّامي أحد التابعين العابدين الناسكين الزَّاهدين رحمه الله (992) قال الإمام أحمد في «المسند» (¬2): ثنا أبو اليَمَان، ثنا أبو بكر، عن حكيم بن عمير وضَمرة بن حبيب، قالا: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: مَن سَرَّه أن يَنظُرَ إلى هَدْي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فليَنظُرْ إلى هَدْي عمرو بن الأسود. فيه انقطاع بين حكيم بن عمير وضَمرة بن حبيب العنسيَيْن الشَّاميَيْن الحمصيَيْن وبين عمرَ بن الخطاب، فإنهما لم يُدركاه، لكن هذا ممَّا يؤخذ عنهم (¬3)، فإنهما من قبيلة عمرو بن الأسود وبَلدِهِ، وهما من الثقات، فهذا عندهما من المشهورات، وكأنَّ عمرَ -رضي الله عنه- رآه بالشَّام لمَّا قَدِمَها في فتح بيت المقدس، والله أعلم. ¬
حديث في فضل أويس بن عامر القرني أحد التابعين رحمه الله
حديث في فضل أُويس بن عامر القَرَني أحد التابعين رحمه الله (993) قال الإمام أحمد في «المسند» (¬1): حدثنا عفَّان، حدثنا حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر، قال: لمَّا أَقبل أهلُ اليمن جعل عمرُ -رضي الله عنه- يَستَقري الرِّفاقَ، فيقول: هل فيكم أحدٌ من قَرَن؟ حتى أتى على قَرَن، فقال: من أنتم؟ قالوا: قَرَن. فوقع زمامُ عمر، أو زمام أُوَيس، فناوَلَه -أو ناول أحدُهما الآخر- فعَرَفَه. فقال عمرُ: ما اسمُك؟ قال: أنا أُوَيس. قال: هل لك والدةٌ؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض / (ق 407) شيءٌ؟ قال: نعم، فدَعَوتُ الله فأَذْهَبَهُ عنِّي إلا موضعَ الدرهمِ من سُرَّتِي لأذكُرَ به لِرَبِّي (¬2). قال له عمر: استَغفِرْ لي. قال: أنت أحقُّ أن تستغفِرَ لي، أنت صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ خيرَ التابعين رجلٌ يقالُ له: أُوَيسٌ، وله والدةٌ، وكان به بَيَاضٌ، فدعا اللهَ فأَذْهَبَهُ عنه إلا موضعَ الدرهمِ في سُرَّتِهِ». فاستغفَرَ له، ثم دخل في غمارِ الناسِ، فلم يَدْرِ أين وَقَع. قال: فقَدِمَ الكوفةَ. قال: فكنَّا نجتمعُ في حَلْقة فنَذكُرُ اللهَ عزَّ وجلَّ فيَجلسُ معنا، فكان إذا ذَكَر هو وَقَع حديثُهُ في قلوبنا مَوقِعًا لا يَقعُ حديثُ غيرِهِ ... ، فذَكَر الحديث. هكذا رواه الإمام أحمد مختصرًا. ¬
وقد رواه الإمام الحافظ مسلم بن الحجَّاج القشيري -رحمه الله- في «صحيحه» (¬1) مطوَّلاً جدًّا، فقال: (994) حدثنا محمد بن المثنَّى، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن زُرَارة بن أَوْفَى، عن أُسَير بن جابر قال: كان عمرُ بن الخطاب إذا أتى عليه أمدادُ أهلِ اليمنِ سألهم: أيُّكم (¬2) أُوَيس بن عامر؟ حتى أتى على أُوَيسٍ، فقال: أنت أُوَيسُ بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مُراد ثم من قَرَن؟ قال: نعم (¬3). قال: ألك والدةٌ؟ قال: نعم. قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أُوَيسُ بن عامر مع أمدادِ أهلِ اليمنِ، من مُراد، ثم من قَرَن، كان به بَرَصٌ فبَرِأَ منه إلا موضعَ درهمٍ، له والدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبرَّه، فإن استطعتَ أن يَستغفِرَ لك فافعل». فاستغفِرْ لي. فاستغفَرَ له. فقال له عمر: أين تريدُ؟ قال: الكوفةَ. قال: ألا أَكتبُ لك إلى عاملها؟ قال: أكونُ في غَبرَاءَ الناسِ أحبُّ إليَّ. قال: فلمَّا كان من العام المقبل حجَّ رجلٌ من أشرافهم، فوافَقَ عمرَ، فسأله عن أُوَيس، فقال: تَرَكتُهُ رَثَّ الهيئةِ (¬4)، قليلَ المتاعِ. قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أُوَيسُ بن عامرٍ مع أمدادِ أهلِ اليمنِ، من مُراد، ثم من قَرَن، كان به بَرَصٌ، فبَرِأَ منه إلا موضعَ درهمٍ، له والدةٌ / (ق 408) هو بها بَرٌّ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبرَّهُ، فإن استطعتَ أن يَستغفِرَ لك فافعل». فأتى أُوَيسًا، فقال: استغفِرْ لي. قال: أنت أحدثُ عهدًا بسَفَرٍ صالحٍ، ¬
فاستغفِرْ لي. قال: استغفِرْ لي. قال: لَقِيتَ عمر؟ قال: نعم. قال: فاستغفَرَ له. قال: ففَطِنَ له الناسُ، فانطَلَق على وجهِهِ. قال أُسَير: وكَسَوتُهُ بُردَةً، وكان كلُّ من رآه قال: من أين لأُويسٍ هذه البُردةُ؟ (995) ثم قال مسلم (¬1): ثنا محمد بن المثنَّى، ثنا عفَّان، ثنا حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ خيرَ التابعين رجلٌ يقال له: أُوَيسٌ، وله والدةٌ، وكان به بَيَاضٌ، فمُرُوهُ فليستغفِرْ لكم». / (ق 409) هكذا أورد حديث أُويس الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه «جامع المسند» (¬2) من كتاب مسلم من هذين الوجهين، ولم يَسقه من «مسند الإمام أحمد»، ولا عَزَاه إليه. وقد قال شيخنا الحافظ أبو الحجَّاج المزِّي في كتابه «الأطراف» (¬3): حديث أُويس القَرَني بطوله، رواه مسلم في الفضائل عن زُهَير بن حرب، عن أبي النَّضر هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة، عن أبي نَضرة (¬4). وعن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنَّى وبُندَار. ثلاثتهم عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن زُرَارة بن أَوْفَى. ¬
كلاهما عن أُسَير بن جابر، عن عمرَ، به. وعن زُهَير بن حرب، عن عفَّان (¬1) عن حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، به مختصرًا. انتهى كلامه، وفيه مخالفة لابن الجوزي، والله أعلم. وقال الإمام علي ابن المديني -وقد رواه من طرق-: هذا حديث بصري، لم نَجِدْ لأهل الكوفة فيه حديثًا مثل ما رواه أهل البصرة. قلت: تفرَّد بهذا الحديث عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب أُسَيرُ، ويقال: -يُسَير- بن جابر، ويقال: ابن عمرو -أبو الخيار المحاربي- ويقال: العَبدي، ويقال: الكِندي، ويقال: الدَّرمَكي، ويقال: القِتباني- البصري، روى عن عمرَ وسهل بن حُنَيف وخُرَيم بن فَاتِك وأبي مسعود البدري، وروى عنه جماعة، منهم: ابنه قيس، وأبو إسحاق الشَّيباني، ومحمد بن / (ق 410) سيرين، وأبو عمران الجَوْني. قال علي ابن المديني: أُسَير بن جابر هذا من أصحاب ابن مسعود، روى عنه أهل البصرة، سَمِعتُ سفيانَ بن عيينة يقول: قَدِمَ أُسَير بن جابر البصرةَ، فجعل يحدِّثهم، فقالوا: هذا هكذا! فكيف النَّهر الذي شرب منه؟! -يعنون: عبد الله بن مسعود-، أي: أنه منه أخذ العلمَ. قال علي: وأهل البصرة يقولون: أُسَير بن جابر، وأهل الكوفة يقولون: أُسَير بن عمرو، ومنهم من يقول: يُسَير. وقال العوَّام بن حَوشب: وُلِدَ في مُهاجَرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومات سنة خمس وثمانين، وقد روى له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. ¬
طريق أخرى لحديث أُوَيس القَرَني (996) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا هُدبة بن خالد أبو خالد، ثنا مبارك بن فَضَالة، حدثني أبو الأصفر، عن صَعْصَعَة بن معاوية، قال: كان أُوَيس بن عامر رجلٌ (¬2) من قَرَن، وكان من أهل الكوفة، وكان من التابعين، وخَرَج به وَضَحٌ (¬3)، فدَعَا اللهَ أن يُذهِبَهُ، فأَذهَبَهُ، فقال: اللهمَّ دَعْ في جسدي منه ما أذكرُ به نِعَمَكَ عليَّ، فتَرَك له ما يَذكرُ به نِعَمَهُ عليه، وكان رجلاً يلزم المسجدَ في ناسٍ من أصحابه، وكان ابنُ عمٍّ له يلزمُ السُّلطانَ، يَولَعُ به (¬4)، فإنْ رآه مع قومٍ أغنياءَ قال: ما هو إلا أن / (ق 411) يَستأكِلُهُم! وإنْ رآه مع قومٍ فقراءَ قال: ما هو إلا أن يَخدَعُهُم! وأُوَيس لا يقولُ في ابنِ عمِّه إلا خيرًا، غيرَ أنه إذا مَرَّ به استَتَرَ منه مخافةَ أن يأثمَ في سَبِّه. وكان عمرُ بن الخطاب يسألُ الوفودَ إذا قَدِموا عليه من الكوفة: هل تعرفون أُوَيسَ بن عامر القَرَني؟ فيقولون: لا. فقَدِمَ وَفدٌ من أهل الكوفة، فيهم ابنُ عمِّه ذاك، فقال: هل تعرفون أُوَيس بن عامر القَرَني؟ قال ابن عمِّه: يا أميرَ المؤمنين، هو ابن عمِّي، وهو رجلٌ نَذلٌ فاسدٌ، لم يَبلُغْ ما إن تَعرفُهُ أنت يا أميرَ المؤمنين. فقال له عمر: ويلكَ هَلَكتَ، ويلكَ هَلَكتَ، إذا أتيتَهُ فأَقرئْهُ منِّي السَّلامَ، ومُرْهُ فَليَفِدْ إليَّ. فقَدِمَ الكوفةَ، فلم يَضَع ثيابَ سَفَرِهِ عنه حتى أتى المسجدَ، قال: فرأى أُوَيسًا، ¬
فلَمَّ به (¬1)، فقال: استغفِرْ لي يا ابنَ عمِّي. قال: غَفَرَ اللهُ لك يا ابنَ عمِّ. قال: وأنت يَغفِرُ اللهُ لك يا أُوَيسَ بن عامر، أميرُ المؤمنينَ يُقرِئُكَ السَّلامَ. قال: ومَن ذَكَرني لأمير المؤمنين؟ قال: هو ذَكَركَ، وأَمَرني أن نُبلِّغك أن تَفِدَ إليه. قال: سمعًا وطاعةً لأمير المؤمنين. فوَفَد إليه حتى دخل على عمرَ -رضي الله عنه-، فقال: أنت أُوَيسُ بن عامر؟ قال: نعم. قال: أنت الذي خَرَج بك وَضَحٌ فدَعَوتَ اللهَ أن يُذهِبَهُ عنك، فأَذَهَبَهُ؟ فقلتَ: اللهمَّ دَعْ في جسدي منه ما أَذكُرُ به نعمتَكَ عليَّ. فتَرَك لك في جسدك ما تَذكُرُ به نعمتَهُ عليك. / (ق 412) قال: وما أدراك يا أميرَ المؤمنين؟ فواللهِ ما اطَّلعَ على هذا بشرٌ. قال: أخبَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكونُ في التابعين رجلٌ من قَرَن، يقال له: أُوَيس بن عامر، يَخرجُ به وَضَحٌ يَدعو اللهَ تعالى أن يُذهِبَهُ عنه، فيُذهِبَهُ، فيقول: اللهمَّ دَعْ لي في جسدي ما أَذكُرُ به نعمتَكَ عليَّ، فيَدَعُ له منه ما يَذكُرُ به نعمتَهُ عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يَستغفِرَ له؛ فليَستغفِرْ له. فاستغفِرْ لي يا أُوَيسَ بن عامر! فقال: غَفَرَ اللهُ لك يا أميرَ المؤمنين. قال: وأنت يغفِرُ اللهُ لك يا أُوَيسَ بن عامر. قال: فلمَّا سمعوا عمرَ قال عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال رجلٌ: استغفِرْ لِي يا أُوَيس، وقال آخر: استغفِرْ لِي يا أُوَيس، فلمَّا كَثَروا عليه انسَابَ، فما رُئِيَ حتى السَّاعةَ. وهذا إسناد حسن، إلا أنَّ أبا الأصفر هذا لا أعرفه (¬2)، ولم يَذكره أبو ¬
حاتم الرازي، فأمَّا صَعْصَعَة بن معاوية التَّميمي هذا فصحابي (¬1)، وهو أخو جَزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس رضي الله عنهم. طريق أخرى (997) روى الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي في «مسند عمر» من حديث مُعَلِّل بن نُفَيل، ثنا محمد بن مِحصَن، عن إبراهيم بن أبي عَبلة، عن سالم، عن أبيه، عن جدِّه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمرُ، إذا رأيتَ أُوَيسًا القَرَني، فقل له فليستغفِرْ لك، فإنَّه يَشفعُ يومَ القيامةِ في مثلِ / (ق 413) ربيعةَ ومُضَرَ، بين كَتِفَيهِ علامةً مثلَ الدرهمِ». هذا منكر جدًّا من هذا الوجه، ومخالف لما تقدَّم، ومحمد بن مِحصَن هذا هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عكَّاشة بن مِحصَن العُكَّاشي، كذَّبه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، وضعَّفه باقي الأئمَّة (¬2). ولنذكر ترجمة أُوَيس القَرَني ليُعرَفَ حاله، وبالله المستعان، فإنه قد نَقَل الحافظ أبو أحمد ابن عدي (¬3) عن الإمام مالك بن أنس أنه كان يُنكرُ وجودَ أُوَيس، يقول: لم يَكُن. وقال البخاري (¬4): في إسناده نظر فيما يَرويه. وقال ابن عدي: ليس له من الرواية شيء، إنما له حكايات ونُتَفٌ في زُهده، ولا يَتهَيَّأُ أن نحكمَ عليه بالضعف، بل هو صدوق، وقد شُكَّ في وجوده، وهو مشهور. ¬
وأمَّا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، فإنه قال في كتابه «حلية الأولياء» (¬1): فمن الطبقة الأولى من التابعين سيِّد العُبَّاد، وعَلَم الأَصفياء من الزُّهاد، أُوَيس بن عامر القَرَني، بَشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم به، وأوصى به، ثم روى حديثَ عمرَ من رواية أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر عنه، كما تقدَّم، وفيه زيادات، وعَزَاه إلى «صحيح مسلم»! ثم قال (¬2): ورواه الضَّحَّاك بن مُزَاحم، عن أبي هريرة بزيادة ألفاظ لم يُتابِعه أحدٌ عليها، تفرَّد به مَخلد (¬3) بن يزيد، عن نوفل بن عبد الله، عنه، ثم أَسنَدَه كذلك / (ق 414)، وفيه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَر لأصحابه يومًا أُوَيسًا، فقالوا: يا رسولَ الله، وما أُوَيس؟ قال: «أَشهَلُ (¬4)، ذا صُهُوبَةٍ (¬5)، بعيدُ ما بين المَنكِبَين، مُعتَدِلُ القَامَةِ، آدمٌ شديدُ الأُدمَةِ (¬6)، ضارِبٌ بذَقنِهِ إلى صَدرِهِ، رَامٍ (بِبَصَرِهِ) (¬7) إلى موضعِ سُجُودِهِ واضعٌ يمينَه على شمالِه يَتلُو القرآنَ، يَبكي على نفسِهِ، ذُو طِمرَين (¬8) لا يُؤبَهُ له، مُتَّزِرٌ بإزارِ صُوف، ورداءِ صُوف، مجهولٌ في أهلِ الأرضِ، معروفٌ في السماءِ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّ قَسَمَهُ، ألا وإنَّ تحت مَنكِبِهِ الأيسرِ لُمعةً بيضاءَ، ألا وإنَّه إذا كان يومُ القيامةِ قيل للعُبَّاد: ادخُلُوا الجنَّةَ، ويقال ¬
لأُوَيس: قِف فاشفَعْ، فيُشفِّعُهُ اللهُ في مثلِ عددِ ربيعةَ ومُضَر، يا عمرُ، ويا عليُّ، إذا أنتما لَقِيتُمَاهُ فاطلُبَا إليه يستغفِرْ لكما، يَغفِرُ اللهُ لكما». قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يَقدران عليه، فلمَّا كان في آخر السَّنَة التي هَلَك فيها عمرُ في ذلك العام، قام على أبي قُبَيس، فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أُوَيس من مُراد؟ فقام شيخ كبير، طويل اللِّحية، فقال: إنَّا لا ندري مَن أويس؟ ولكن ابن أخ لي يقال له: أُوَيس، وهو أخملُ ذِكرًا، وأقلُّ مالاً، وأهونُ أمرًا من أن نَرفعُهُ إليك، وإنه ليرعى إبلَنَا، حقيرٌ بين أظهرنا، وإنه بأراكِ عرفات ... ، وذَكَر تمام الحديث في اجتماع عمر وعليّ به، وهو يرعى الإبل، وسؤالهما إيَّاه / (ق 415) الاستغفار، وعَرْضهما عليه شيئًا من المال وإبائه عليهما ذلك. وهو حديث يَسبق إلى القلب -بعد النظر وقبله- أنه موضوع، والله أعلم. (998) ثم روى الحافظ أبو نعيم (¬1) من طرق، عن هَرِم بن حيَّان قال: قَدِمْتُ الكوفةَ فلم يكن لي هَمٌّ إلا أُوَيس أسألُ عنه، فدُفِعتُ إليه بشاطئ الفرات، يتوضَّأ ويغسل ثوبه، فعَرَفتُهُ بالنَّعت، فإذا رجلٌ آدم، محلوقُ الرأس، كَثُّ اللِّحية، مهيبُ المنظر، فسَلَّمتُ عليه، ومَدَدتُ إليه يدي لأُصافِحَهُ، فأَبَى أن يصافِحَني، فخَنَقَتني العبرةُ لما رأيتُ من حاله، فقلتُ: السَّلام عليك يا أُوَيس، كيف أنت يا أخي؟ قال: وأنت فحيَّاك اللهُ يا هَرِمُ بن حَيَّان، مَن دَلَّك عليَّ؟ قلت: اللهُ عزَّ وجلَّ! قال: ¬
سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً. قلت: يرحمك الله، من أين عرفتَ اسمي واسمَ أبي؟! فواللهِ ما رأيتُك قطُّ ولا رأيتني. قال: عَرَفَت رُوحي رُوحَكَ حيث كَلَّمَت نفسي نفسَكَ، لأنَّ الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد، وإنَّ المؤمنين يتعارفون بروح الله وإن نَأَت بهمُ الدَّار وتفرَّقت بهم المنازل. قال: قلت: حدِّثني عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بحديث أحفظه عنك، فبكى، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إنِّي لم أُدرك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قد رأيتُ من رآه، عمرَ وغيرَه (¬1)، ولستُ أحبُّ أن أفتحَ هذا الباب على نفسي، لا أحبُّ أن أكونَ قاصًّا (¬2)، أومُفتيًا. / (ق 416) ثم سأله هَرِمُ أن يتلو عليه شيئًا من القرآن، فتلا قولَه تعالى: {إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين. يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون. إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم} (¬3). ثم قال: ياهَرِمُ بن حيَّان، مات أبوك، ويوشك أن تموتَ، فإمَّا إلى جنَّة وإمَّا إلى نار، ومات آدم، وماتت حوَّاء، ومات إبراهيم، وموسى، ومحمد عليهم السلام، ومات أبو بكرٍ خليفة المسلمين، ومات أخي وصديقي وصفيِّي عمر، واعمراه، واعمراه. قال: وذلك في آخر خلافة عمر. قال: قلت: يَرحمُك اللهُ، إنَّ عمرَ لم يمت! قال: بلى، إنَّ ربِّي قد نَعَاه لي! وقد علمتُ ما قلتَ، وأنا وأنت غدًا في الموتى، ثم دعا بدعواتٍ خفيفاتٍ ... ، وذَكَر بقيَّة القصَّة (¬4). ¬
(999) وقال عبد الله بن أحمد (¬1): ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا إبراهيم بن عيَّاش، ثنا ضَمرة، عن أصبغ بن زيد، قال: إنما مَنَع أُوَيسًا أن يَقدَمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِرُّهُ بأُمِّه. (1000) وقال عبد الله (¬2): ثنا علي بن حكيم، أنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجلٌ من أهل الشَّام يومَ صِفِّين: أيُّكم أُوَيس القَرَني؟ قال: قلنا: نعم، وما تريدُ منه؟ قال: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أُوَيس القَرَني خيرُ التابعين بإحسانٍ». وعَطَف دابَّتَهُ، فدخل مع أصحاب عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين. (1001) وقال أبو نعيم (¬3): حدثني أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد (¬4)، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن الأشعث بن / (ق 417) سوَّار، عن مُحارِب بن دِثَار (¬5) قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من أُمَّتي مَن لا يستطيعُ أن يأتِيَ مسجدَهُ أو مُصلاَّهُ من العُرِي، يَحجُزُهُ إيمانُهُ أن يسألَ الناسَ، منهم أُوَيس القَرَني، وفُرَات بن حيَّان» (¬6). (1002) قال عبد الله (¬7): وحدثني عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن ¬
عيَّاش، عن مغيرة قال: إنْ كان أُوَيس القَرَني لَيَتَصدَّقُ بثيابه، حتى يجلسَ عريانًا لا يجدُ ما يروحُ فيه إلى الجمعة. (1003) وقال أبو زرعة الرازي (¬1): ثنا سعيد بن أسد بن موسى، ثنا ضَمرة بن ربيعة، عن أصبغ بن زيد قال: كان أُوَيس القَرَني إذا أمسى يقول: هذه ليلةُ الرُّكوع، فيَركعُ حتى يُصبحَ، وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلةُ السُّجود، فيَسجدُ حتى يُصبحَ، وكان إذا أمسى تَصَدَّق بما في بيته من الفضل من الطَّعام والشَّراب، ثم قال: اللهمَّ مَن مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومَن مات عُريًا فلا تؤاخذني. (1004) وقال أبو نعيم (¬2): ثنا مَخلد (¬3) بن جعفر، ثنا محمد بن جرير، ثنا محمد بن حميد، ثنا زافر بن سليمان، عن شريك، عن جابر، عن الشَّعبي قال: مَرَّ رجلٌ من مُراد على أُوَيس القَرَني، فقال: كيف أصبحتَ؟ قال: أصبحتُ أحمدُ اللهَ عزَّ وجلَّ. قال: كيف الزَّمانُ عليك؟ قال: كيف الزَّمانُ على رجلٍ إنْ أصبحَ ظنَّ أنَّه لا يُمسِي، وإنْ أمسى ظنَّ أنَّه لا يُصبِحُ، فمُبشَّر بالجنَّة، أو مُبشَّر بالنَّار، يا أخا مُراد، إنَّ الموتَ وذِكرَه لم يترك لمؤمنٍ / (ق 418) فَرَحًا، وإنَّ عِلمَهُ بحقوق الله لم يترك له في ماله فضَّةً ولا ذَهَبًا، وإنَّ قيامَه للهِ بالحقِّ لم يترك له صديقًا. (1005) وقال الهيثم بن عدي (¬4): ثنا عبد الله بن عمرو بن مُرَّة، عن ¬
أبيه، عن عبد الله بن سَلَمة، قال: غَزَونا أذربيجان زمنَ عمرَ بن الخطاب ومعنا أُوَيس القَرَني، فلمَّا رَجَعنا مَرِضَ علينا، فحَمَلناه، فلم يَستمسِك فمات، فنزلنا، فإذا قبر محفورٌ، وماءٌ مسكوبٌ، وكَفَنٌ، وحَنُوطٌ (¬1)، فغَسَّلناه، وكَفَّنَّاه، وصَلَّينا عليه، ودَفنَّاه، فقال بعضنا لبعض: لو رَجَعنا فعَلَّمنا قبرَه، فرَجَعنا، فإذا لا قبرٌ ولا أثرٌ. فهذا مخالف للخبر الذي تقدَّم من أنَّه كان بصِفِّين، وهو أصحُّ من هذا، فإنَّ الهيثم بن عدي أخباري ضعيف، وزَعَم بعضهم أنَّه مات بالحيرة. وقيل: بصِفِّين، والله أعلم. والغرض أنَّ هذه الآثار والأخبار تدلُّ على اشتهار وجوده في التابعين، مع ما تقدَّم من الحديث في «صحيح مسلم»، والله أعلم. وقد وقع لنا حديثٌ من رواية أُوَيس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مرسلاً، وهو ما أخبرني به شيخنا الحافظ أبو الحجَّاج المزِّي: (1006) أنا ابن أبي الخير سماعًا، أنا أبو المكارم أحمد بن محمد بن اللَّبَّان إجازة، أنا أبو علي بن الحدَّاد، أنا الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في «الحلية» (¬2) قال: ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن يحيى، حدثني أحمد بن معاوية بن الهذيل، ثنا محمد بن أبان العَنْبري، ثنا عمرو -شيخ كوفي-، عن أبي سِنَان / (ق 419) قال: سَمِعتُ حميدَ بن صالح، سَمِعتُ أُوَيسًا القَرَني يقول: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «احفظُونِي في أصحابي، فإنَّ من أشراطِ الساعةِ أن يلعَنَ آخرُ هذه الأُمَّةِ أوَّلَها، وعند ذلك يَقَعُ المقتُ ¬
على الأرضِ وأهلِها، فمن أدركَ ذلك فليَضَع سيفَهُ على عاتِقِه، ثم لِيَلقَ ربَّه تعالى شهيدًا، فمن لم يفعلْ فلا يلومنَّ إلا نفسَهُ». هذا حديث مرسل غريب (¬1)، وإسناده إليه غريب -أيضًا-، إلا أنه من الأسانيد العزيزة، والله أعلم. ¬
أثر فيه فضيلة لأبي مسلم الخولاني رحمه الله
أثر فيه فضيلة لأبي مسلم الخَوْلاني رحمه الله (1007) قال الشيخ أبو عمر ابن عبد البر في «استيعابه» (¬1): ثنا عبد الوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أحمد بن زُهَير، ثنا عبد الوهاب بن نَجدة الحَوْطي، ثنا إسماعيل بن عيَّاش، ثنا شُرَحبيل بن مسلم الخَوْلاني: أنَّ الأسود بن قيس بن ذي الخمار تنبَّأَ باليمن، فبعث إلى أبي مسلم، فلمَّا جاء، قال: أتشهد أنِّي رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: أتشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله؟ قال: نعم. فردَّد عليه، كلُّ ذلك يقول له مثل ذلك. قال: فأَمَر بنار عظيمة، فأُجِّجت، ثم ألقى فيها أبا مسلم فلم تضرَّه، قال: فقيل له: انفِهِ عنك، وإلا أفسدَ عليك مَن اتَّبعك. قال: فأَمَره بالرَّحيل، فأتى أبو مسلم المدينةَ، وقد قُبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، واستُخلِفَ أبو بكرٍ -رضي الله عنه-، فأناخ أبو مسلم راحلتَهُ بباب المسجد ودخل المسجدَ، وقام إلى سارية يصلِّي، وبَصُر به عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقام إليه، فقال: ممَّن الرَّجل؟ قال: من أهل اليمن. قال: ما فَعَل الرَّجلُ الذي أَحرَقَهُ الكذَّاب بالنَّار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثُوَب. قال: أنشدُك بالله أنت هو؟ قال: اللهمَّ نعم. قال: فاعتَنَقَهُ عمرُ وبكى، ثم ذهب حتى أجلَسَهُ بينه وبين أبي بكرٍ، وقال: الحمدُ لله الذي لم يُمتني حتى أراني في أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم مَن فُعِلَ به كما فُعِلَ بإبراهيمَ خليلِ اللهِ عليه السلام. هذا وإن كان فيه انقطاع، إلا أنه مشهور (¬2). ¬
أثر آخر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه ذكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ومدحه والثناء عليه
أثر آخر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه ذِكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ومدحه والثَّناء عليه (1008) قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (¬1): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو حامد أحمد بن علي المقرئ، ثنا أبو عيسى الترمذي، ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عفَّان بن مسلم، ثنا عثمان بن عبد الحميد بن لاحق، عن جُوَيرية بن أسماء، عن نافع (¬2) قال: بَلَغنا أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ من ولدي رجلاً بوجهه شَينٌ يَلِي، فيملأُ الأرضَ عدلاً. قال نافع من قِبَلِهِ: ولا أَحسَبُهُ إلا عمرَ بن عبد العزيز. إسناده صحيح إلى نافع، وهو منقطع بينه وبين عمر، والظاهر أنه سَمِعَه من ابن عمرَ، عن عمرَ، فقد روى البيهقي -أيضًا- (¬3) من حديث مبارك بن فَضَالة، عن عبيد الله، عن نافع قال: سَمِعتُ ابنَ عمر يقول كثيًرا: ليتَ شِعري، مَن هذا الذي مِن وَلَدِ عمرَ بن الخطاب في وجهِهِ علامةٌ، يملأُ الأرضَ عدلاً؟! ثم قال الترمذي / (ق 420) في «التاريخ» أيضًا (¬4): ثنا أحمد بن إبراهيم، أخبرني أبو داود، ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمة، أنا عبد الله بن دينار، قال: قال ابن عمر: ياعجبًا، يَزعمُ الناسُ أنَّ الدُّنيا لن ¬
تنقضي حتى يَلِيَ رجلٌ من آل عمرَ، يَعملُ مثلَ عملِ عمرَ. قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر، وكان بوجهه (¬1)، فإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأُمه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. فلنذكر شيئًا من ترجمة أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن عبد العزيز (¬2)، لِيُعرَفَ محلُّه من الدِّين، وسبب اتِّفاق الكلمة على الثَّناء عليه من السَّلف والخلف، فنقول، وبالله المستعان: هو أميرُ المؤمنين أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأُموي المدني ثم الدِّمشقي، الإمامُ العادل، والخليفةُ الصالح، المطيعُ للهِ ورسولِهِ رضي الله عنه وأرضاه. وأُمُّه أُمُّ عاصم حفصة -وقيل: ليلى- بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قاله محمد بن سعد كاتب الواقدي وغيره. وكان من التابعين بإحسان. روى عن أنس بن مالك، وصلَّى أنسٌ خلفَه، وقال: ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. وعن الرَّبيع بن سَبرة بن مَعبد الجُهَني (م) والسَّائب بن يزيد، وسعيد بن المسيَّب -وكان لا يُجاوِزُ فتياه لمَّا / (ق 421) كان نائبًا على المدينة- واستَوهَب من سهل بن سعد السَّاعدي قَدَحًا شَرِبَ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فوَهَبَهُ له، وعن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص، وعبد الله بن إبراهيم بن قارِظ (م س)، ويقال: إبراهيم بن عبد الله بن قارِظ (م)، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب (د سي ق)، وعروة بن الزُّبَير (م س)، وعُقبة بن عامر الجُهَني (ت) -يقال: مرسل-، ومحمد بن ¬
عبد الله بن الحارث بن نوفل، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ومات قبله، ونوفل بن مُساحق العامري، ويحيى بن القاسم بن عبد الله بن عمرو بن العاص، ويوسف بن عبد الله بن سلام (د)، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (ع)، وأبي سَلَمة بن عبد الرحمن بن عوف (س)، وخَوْلة بنت حكيم (ت) -مرسل-. وروى عنه: إبراهيم بن أبي عَبْلة (م)، وإبراهيم بن يزيد النصري، وإسماعيل بن أبي حكيم، وأيوب السَّخْتياني (د)، وتمَّام بن نَجيح، وتَوبة العَنْبري، ومولاه ثَرْوان أبو علي، والحكم بن عمر الرُّعَيني، وحميد الطَّويل، ورجاء بن حَيوة، ورُزَيق بن حيَّان الفَزَاري، ورَوْح بن جَنَاح، وأخوه زَبَّان بن عبد العزيز بن مِهران، وزياد بن حبيب، وسليمان بن داود الخَوْلاني، وصالح بن محمد زائدة أبو واقِد اللَّيثي الصَّغير (ق)، وصخر بن عبد الله بن حَرمَلَة المدلجي، وابنه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن العلاء بن زَبْر، وعبد الله بن محمد العَدَوي، وابنه عمر بن عبد العزيز، وعبد الملك / (ق 422) بن الطُّفيل الجَزَري (س) -فيما كَتَب إليهم- وعثمان بن داود الخَوْلاني، وعمر بن عبد الملك الكناني، وعمرو بن عامر الأسدي والد أسد بن عمرو القاضي، وعمرو بن مهاجر (ي)، وعمير بن هانئ العَنْسي، وعَنْبسة بن سعيد بن العاص (خ م) -قوله في القَسَامة- وعيسى بن أبي عطاء الكاتب، وغَيْلان بن أنس (ي)، وكاتبه ليث بن أبي رُقيَّة الثَّقَفي (خد)، وأبو هاشم مالك بن زياد الحمصي، ومحمد بن الزُّبير الحنظلي (مد)، ومحمد بن أبي سُوَيد الثَّقَفي (ت)، وقاصُّه محمد بن قيس (س)، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (م س) -وهو من شيوخه-، ومحمد بن المنكدر، ومروان بن جَناح، ومسلمة بن عبد الله
الجُهَني، وابن عمِّه مسلمة بن عبد الملك بن مروان، والنَّضر بن عربي (د)، وكاتبه نعيم بن عبد الله بن همام القَيْني (س)، ونوفل بن الفُرَات، ومولاه هلال أبو طعمة (د سي ق)، والوليد بن هشام المُعَيطي (خد)، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، ويعقوب بن عُتبة بن المغيرة بن الأخنس (د)، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (ع)، وأبو سَلَمة بن عبد الرحمن (م س) -وهو من شيوخه- وأبو الصَّلت (د). ذَكَره الإمام محمد بن سعد (¬1) كاتب الواقدي في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة، قال: وأُمُّه أُمُّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. قالوا: وُلِدَ في سنة ثلاث وستين، وهي السَّنة التي ماتت فيها ميمونة أُمِّ المؤمنين. قال: وكان ثقة مأمونًا، له فقه وعلم ووَرَع، وروى حديثًا كثيرًا، وكان إمام عَدل. / (ق 423) وقال الفلاَّس وخليفة: وُلِدَ سنة إحدى وستين. وهذا هو المشهور. قال الفَلاَّس: ومات يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة إحدى ومائة. وكذا قال أبو نعيم الفضل بن دُكَين، وأبو مُسْهِر الغَسَّاني، وغير واحد أنه مات في رجب سنة إحدى ومائة. وزَعَم الهيثم بن عدي أنه مات سنة اثنتين ومائة، وليس بشيء. ¬
قال الفلاَّس: وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة عشر يومًا. وقال سعيد بن كثير بن عُفَير: كان أسمرَ، دقيقَ الوجه، حَسَنَهُ، نحيفَ الجسم، حسنَ اللِّحية، غائرَ العينين، بجبهته أثرُ نفحة دابة، قد وَخَطَهُ الشَّيبُ. وقال إسماعيل بن علي الخُطَبي: رأيتُ صفتَهُ في بعض الكتب ... ، فذَكَر مثل هذا، إلا أنَّه قال: كان أبيضَ، فالله أعلم. فأمَّا الأثر الذي كان بجبهته، وهو الذي وَصَفه أميرُ المؤمنين عمرَ بن الخطاب: (1009) فقال آدم بن أبي إياس، عن ضَمرة بن ربيعة: ثنا أبو علي ثَرْوان مولى عمر بن عبد العزيز قال: دخل عمرُ بن عبد العزيز إلى اصطبل أبيه وهو غلام، فضَرَبه فرسٌ فَشَجَّه، فجعل أبوه يمسح عنه الدَّمَ، ويقول: إن كنتَ أشجَّ بني أُميَّة إنك إذًا لسعيدٌ. وأمَّا بشارةُ عمرَ -رضي الله عنه- بولاية عمر بن عبد العزيز، وأنه سَيَملأُ الأرضَ عدلاً كما مُلِئَت جَوْرًا، فقد كان هذا مشهورًا في الملاحم. (1010) قال أبو بكر ابن أبي خيثمة (¬1): ثنا أبي، ثنا المُفضَّل بن عبد الله، عن داود / (ق 424) بن أبي هند قال: دخل علينا عمرُ بن عبد العزيز من هذا الباب -يعني بابًا من أبواب مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم- فقال رجلٌ من القوم: بعث إلينا الفاسقُ بابنه هذا يتعلَّم الفرائضَ والسُّننَ، ويزعم أنَّه لن يموتَ حتى يكونَ خليفةً، ويسيرُ بسيرة عمرَ بن الخطاب. قال داود: فوالله ما مات حتى رأينا ذلك فيه. ¬
قلت: وكان أبوه عبد العزيز بن مروان من خيار الأمراء كَرَمًا وشجاعةً ودِينًا، ولم يكن فاسقًا كما زَعَم هذا القائل، وكان نائبًا لأخيه عبد الملك بن مروان على مُلك مصر، وكان قد بعث بابنه إلى الحجاز يتعلَّم العلمَ من الفقهاء بها، وكان قد أدَّبه قبل ذلك على صالح بن كَيسان، فقال عنه صالح لأبيه: ما رأيتُ أحدًا اللهُ أعظمُ في صدره من هذا الغلام. وقال الإمام مالك: كان عمرُ بن عبد العزيز بالمدينة قبل أن يُستَخلَفَ وهو يُعنىَ بالعلم، ويحفر عنه، ويجالسُ أهلَهُ، ويَصدرُ عن رأي سعيد بن المسيّب، وكان سعيدٌ لا يأتي أحدًا من الأمراء غيرَ عمرَ، أرسَلَ إليه عبد الملك فلم يأته، وأرسَلَ إليه عمرُ فأتاه، وكان عمرُ يكتب إلى سعيد في عِلْمِهِ. وقال أبو زرعة الدِّمشقي: عن دُحيم، عن ابن وهب، عن عبد الجبار الأَيْلي، عن إبراهيم بن أبي عَبْلة قال: قَدِمْتُ المدينةَ وبها ابنُ المسيّب وغيرُه، وقد بَذَّهم (¬1) عمرُ يومئذ رأيًا. (1011) وقال محمد بن سعد (¬2): أنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن / (ق 425) بن أبي الزِّناد، عن أبيه قال: لما قَدِمَ عمرُ بن عبد العزيز المدينةَ واليًا عليها، كَفَّ حاجبُهُ الناسَ، ثم دخلوا، فسلَّموا عليه، فلمَّا صلَّى الظهرَ دعا عشرةَ نَفَرٍ من فقهاء البلد: عروة بن الزُّبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسليمان بن يَسَار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد ¬
بن ثابت (¬1)، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه بما هو أهلُهُ، ثم قال: إنِّي أَدعوكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحقِّ، ما أريدُ أن أقطعَ أَمرًا إلا برأيكم، أو برأي من حضر من منكم (¬2)، فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى، أو بَلَغكم عن عاملٍ ظُلامة، فأُحرِّج بالله على أحد بَلَغَهُ ذلك إلا أبلغني، فَجَزَوه خيرًا، وافتَرَقوا. وقال ابن وهب، عن اللَّيث: حدَّثني قادِمٌ البربري أنه ذاكر ربيعةَ بنَ أبي عبد الرحمن شيئًا من قضاء عمر بن عبد العزيز إذ كان بالمدينة، فقال له ربيعة: كأنك تقول: إنه أخطأ، والذي نفسي بيده ما أخطأ قطُّ. قلت: وقد رأيتُ في بعض الكتب العتيقة حكايةً مرسلةً عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: لستُّ أحتجُّ بقول أحدٍ من التابعين إلا بقولِ عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله. هذا الكلام صحيح من وجهين عند كثير من علماء الأصول: أحدهما: أنَّ إجماع أهل المدينة حجَّة؛ لأنه قد اتفق مع فقهاء عصره (¬3) / (ق 426) على ألا يحكم إلا بقولهم، وهو وَهُم أهلُ الحلِّ والعقد، وعليهم تدور الفتاوى في زمانهم رحمهم الله. الثاني: أنَّ قول الإمام إذا اشتَهَر ولم يُنكَر يكون حجَّة بخلاف غيره من ¬
العلماء، وهو اختيار بعض علماء الأصول، ولم تكن هذه الخاصَّة إلا لعمر بن عبد العزيز من بين التابعين رحمهم الله. وقال علي بن حرب: عن سفيان بن عيينة قال مجاهد: أتيناه نُعلِّمه، فما بَرحنا حتى تعلَّمنا منه. قال: وقال ميمون بن مِهران: ما كانت العلماء عند عمر بن عبد العزيز إلا تلامذة. وقال البخاري (¬1): وقال موسى: ثنا نوح بن قيس قال: سَمِعتُ أيوب يقول: لا نعلم أحدًا ممَّن أدركنا كان آخَذَ عن نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم منه. يعني: عمر بن عبد العزيز. وقال خُصيف: ما رأيت رجلاً خيرًا منه. وقال محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر الباقر: إنَّ لكلِّ قوم نَجِيبة، وإنَّ نَجِيبة بني أُميَّة عمر بن عبد العزيز، وإنه يُبعث يوم القيامة أُمَّةً وحدَه. وقال ضَمرة بن ربيعة (¬2)، عن السَّريِّ بن يحيى، عن رَيَاح بن عَبيدة: خَرَج عمرُ بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ متوكئ على يده، فقلت في نفسي: إنَّ هذا لشيخ جاف. فلمَّا صلَّى ودخل لَحِقتُهُ، فقلت: أصلح اللهُ الأمير، مَن الشيخ الذي يتَّكئُ على يدك؟ قال: يا رَيَاحُ رأيتَهُ؟ قلت: نعم. قال: ما أَحسَبُكَ يا رَيَاحُ إلا رجلاً صالحًا، ذاك أخي الخَضِر، / (ق 427) أتاني فأَعلَمَني أنِّي سأَلِي أمرَ هذه الأُمَّة، وأنِّي سأَعدِلُ فيها. هذه حكاية غريبة جدًّا، ولم أر للخَضِر ذِكرًا أَصحُّ منها إن كانت محفوظة، والله أعلم. ¬
والغرض أنَّه -رضي الله عنه- أقام بالمدينة واليًا عليها مدًّة، ثم بعد ذلك صارت إليه الخلافة من ابن عمِّه وصِهره سليمان بن عبد الملك بن مروان -رحمه الله-، أدخله بينه وبين أخويه يزيد وهشام، وذلك أنَّ عبد الملك كان قد عهد بالأمر إلى بنيه الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، فولي الوليد بعده عشر سنين، بنى فيها مسجد دمشق، وزَخرَفَه، وتأنَّق فيه، ثم مات في سنة ستٍّ وتسعين، فقام بعده أخوه سليمان، وجعل ابنَ عمِّه وزوجَ أخته فاطمة عمرَ بن عبد العزيز مشيرًا ووزيرًا، فلا يقطع شيئًا إلا برأيه، وعهد بالأمر إليه من بعده، وتوفي سليمان يوم الجمعة لعشر خلون -وقيل: بقين- من صفر سنة تسع وتسعين، واستُخلف عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في ذلك اليوم، وبايعه الناس، وقام في الخلافة أتمَّ قيام، وردَّ المظالِمَ والحقوقَ إلى أهلها، وجعل اللهُ له لسانَ صدقٍ في الآخرين مع قصر ولايته رحمه الله. قال ابن عَون: لمَّا ولِيَ عمرُ بن عبد العزيز الخلافة، قام على المنبر، فقال: أيُّها الناس، إن كرهتموني لم أقم عليكم. فقالوا: رضينا، رضينا. قال ابن عَون: الآن حين طاب الأمر. (1012) وقال الزُّبير بن بكَّار: حدَّثني محمد بن سلاَّم، عن سلاَّم بن سُليم قال: لمَّا ولِيَ عمرُ بن عبد العزيز / (ق 428) صَعِدَ المنبرَ، فكان أوَّل خطبة خطبها حَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، مَن صحبنا فليصحبنا بخمس، وإلاَّ فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجةَ من لا يستطيعُ رفعَها، ويعينُنا على الخير بجهده، ويدلُّنا من الخير على مالا نهتدي إليه، ولا يغتابنَّ عندنا الرَّعيةَ، ولا يعترضُ فيما لا يعنيه. قال: فانقشع عنه الشُّعراء والخطباء، وثَبَت الفقهاء والزُّهاد، وقالوا: ما يسعنا أن نفارق
هذا الرَّجل حتى يخالف فعلُه قولَه. وقال إسماعيل بن عيَّاش: عن عمرو بن مهاجر: إنَّ عمرَ بن عبد العزيز لمَّا استُخلِفَ قام في الناس، فحَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، ثم قال: يا أيُّها الناسُ، إنَّه لا كتابَ بعد القرآن، ولا نبيَّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وإنِّي لست بقاضٍ، ولكنيِّ مُنفِّذٌ، أَلا وإنِّي لستُ بمبتدعٍ، ولكنِّي مُتَّبعٌ، إنَّ الرَّجلَ الهاربَ من الإمام الظالم ليس بظالم، أَلاَ وإنَّ الإمامَ الظالمَ هو العاصي، ألا لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق. وقال فضيل بن عياض: عن السَّري بن يحيى: إنَّ عمرَ بن عبد العزيز حَمِدَ اللهَ تعالى، ثم خنقته العبرة، ثم قال: أيُّها الناس، أصلحوا آخرتَكم تصلح لكم دنياكم، وأصلحوا سرائرَكم تصلح لكم علانيتُكم، والله إنَّ عبدًا ليس بينه وبين آدم أبٌ إلا قد مات، إنَّه لَمُعرَّقٌ له في الموت. (1013) وقال محمد بن سعد (¬1): عن سعيد بن عامر، عن جُوَيرية بن أسماء: قال عمرُ بن عبد العزيز: إنَّ نفسي هذه نفسٌ توَّاقةٌ، / (ق 429) وإنَّها لَم تُعطَ من الدُّنيا شيئًا إلاَّ تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلمَّا أُعطيت الذي لا أفضل منه في الدُّنيا، تاقت إلى ما هو أفضل من ذلك. قال سعيد: الجنَّة أفضل من الخلافة. وذِكر محاسنه وفضائله ومآثره على الاستقصاء يطول شرحه، وقد استوعب ذلك محرَّرًا الشيخ الإمام أبو الفرج ابن الجوزي -رحمه الله- في «سيرة العُمَرَين». وفيما ذَكَرنا إشارة إلى ذلك، إن شاء الله تعالى، وبه الثِّقة. ¬
قد تقدَّم أنه مات في رجب سنة إحدى ومائة، فكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر ونصفًا، أزيد من خلافة أبي بكر الصِّديق بقليل، رضي الله عنهما. قال جعفر بن سليمان الضُبَعي: عن هشام بن حسَّان: لمَّا جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن: مات خير الناس. روى له الجماعة في كتبهم السِّتة، وإنما وقع له في «صحيح البخاري» (¬1) حديث واحد من رواية اللَّيث بن سعد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرَ بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرئٍ أَفلَسَ، ثم وَجَدَ متاعَهُ عنده بِعينِهِ، فهو أولى به من غيرِهِ». وقد أخرجه الجماعة (¬2) من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني القاضي أحد التابعين، ومَن بعده إلى أبي هريرة تابعون -أيضًا-، فقد اجتمع في هذا الإسناد أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، والله أعلم. ¬
أحاديث في فضل القبائل والبقاع
/ (ق 430) أحاديث في فضل القبائل والبقاع (1014) قال نعيم بن حماد (¬1): ثنا عبد الرحيم بن زيد العمِّي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سألتُ ربيِّ فيما اختَلَف فيه أصحابي من بعدِي؟ فأوحى اللهُ إليه: يا محمدُ، إنَّ أصحابَكَ عندي بمنزلةِ النُّجُومِ في السماءِ، بعضُها أَضوَأُ من بعضٍ، فمن أخذ بشيءٍ ممَّا هُم عليه من اختلافِهم فهو عندي على هُدًى». هذا حديث ضعيف من هذا الوجه، فإن عبد الرحيم بن زيد هذا: كذَّبه ابن معين، وضعَّفه غير واحد من الأئمَّة (¬2)، إلاَّ أن هذا الحديث مشهور في ألسنة الأصوليين وغيرهم من الفقهاء يلهجون به كثيرًا محتجِّين به، وليس بحجَّة، والله أعلم (¬3). ¬
حديث آخر في فضل عنزة
حديث آخر في فضل عنَزَة (¬1) (1015) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا المثنَّى بن عَوف العنَزَي، أنبأني الغَضْبان بن حنظلة: أنَّ أباه حنظلة بن نعيم وَفَدَ إلى عمرَ، وكان عمرُ إذا مرَّ به إنسانٌ من الوفد سأله ممَّن هو، حتى مرَّ به أبي، فسأله: ممَّن أنت؟ فقال: من عنَزَة. فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «حَيٌّ من هَهُنا مَبغِيٌّ عليه منصورون». هذا حديث غريب الإسناد، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكُتُب السِّتة. ¬
حديث في ذكر بني بكر
حديث في ذِكر بني بكر (1016) قال البزَّار (¬1): ثنا إبراهيم بن سعيد، ثنا ابن أبي أويس، ثنا زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن أسلم قال: قال لي عمر: مَن صحبتَ في سفرك هذا؟ قلت: قومًا من بني بكر بن وائل. قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أخوك البَكري، ولا تَأمَنْهُ». في إسناده ضعف بيِّن. (1017) وعند أحمد (¬2) وفي «سنن أبي داود» (¬3) شاهد له من حديث محمد بن إسحاق، عن عيسى بن معمر بن عبد الله بن عمرو بن الفَغواء، عن أبيه قال: بَعَثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمالٍ إلى أبي سفيان، وذلك بعد الفتح ... ، فذَكَر قصتَه مع عمرو بن أُميَّة، وصحابته له، ومعارضته له في طريقه، وفي الحديث: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «أخوكَ البكري، ولا تَأمَنْهُ». ¬
حديث في فضل عمان
حديث في فضل عُمَان (¬1) (1018) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا يزيد، أنا جرير، أنا الزُّبَير بن الخِرِّيت، عن أبي لبيد قال: خَرَج رجلٌ من طاحِيةَ مهاجرًا، يقال له: بَيرَح بن أسد، فقَدِمَ المدينةَ بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأيام، فرآه عمرُ، فعلم أنه غريبٌ، فقال له: ممَّن أنت؟ قال: من أهل عُمَان. قال: من أهل عُمَان؟ قال: نعم. قال: فأخذ بيده، فأَدخَلَهُ على أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فقال: هذا من أهلِ الأرضِ التي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنِّي لأَعلمُ أرضًا يقال لها: عُمَان، يَنضحُ بناحيتِها البحرُ، بها حَيٌّ مِن العربِ، لو أتاهم رسولِي ما رَمَوهُ بسَهْمٍ ولا حَجَرٍ». هذا إسناد جيد (¬3)، وقد تقدَّم في «مسند الصِّديق» -رضي الله عنه- أيضًا، فإنه قد ¬
روي بفتح التاء من «سمعتَ» (¬1)، فيكون من مسند الصِّديق، ويحتمل أن يكون من مسنديهما، والله أعلم. ¬
حديث في فضل الشام
حديث في فضل الشَّام (¬1) (1019) قال الحافظ أبو بكر البيهقي / (ق 431) في كتابه «دلائل النبوة» (¬2): أخبرنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان (¬3)، حدثني نصر بن محمد بن سليمان الحمصي، ثنا أبي أبو ضَمرة محمد بن سليمان السُّلمي، حدثني عبد الله بن أبي عيسى (¬4)، سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رأيتُ عمودًا من نُورٍ خَرَج من تحت رأسِي ساطعًا حتى استقرَّ بالشَّامِ». هذا حديث حسن الإسناد (¬5)، وفي الشَّام أحاديث كثيرة جدًّا. ¬
وسيأتي (¬1) مثل هذا الحديث في مسند عبد الله بن عمرو، وأبي أُمَامة، وأبي الدَّرداء رضي الله عنهم. ¬
حديث فضل حمص
حديث فضل حمص (1020) قال الإمام أحمد -رحمه الله- في «مسنده» (¬1): ثنا أبو اليَمَان الحكم بن نافع، ثنا أبو بكر بن عبد الله، عن راشد بن سعد، عن حُمْرة بن عبدِ كُلاَل قال: سار عمرُ بن الخطاب إلى الشَّام بعد مسيره الأوَّل كان إليها، حتى إذا شارَفَها (¬2)، بَلَغه ومَن معه أنَّ الطَّاعونَ فاشٍ فيها، فقال له أصحابه: ارجِعْ، ولا تَقَحَّمْ عليه، فلو نَزَلتَها وهو بها لم نَرَ لك الشُّخُوصَ (¬3) عنها. فانصَرَف راجعًا إلى المدينة، فعرَّس من ليلته تلك، وإننا (¬4) أقرب القوم منه، فلمَّا انبَعَثَ انبَعَثتُ معه في أَثَره، فسَمِعتُهُ يقول: رَدُّوني عن الشَّام بعد أن شَارَفتُ عليه لأنَّ الطَّاعونَ فيه، ألا وما مُنصرَفي عنه مؤخِّرٌ في أجلي، وما كان قُدُومِيه (¬5) بمُعجِّلي عن أجلي، ألا ولو قَدِمْتُ المدينةَ ففَرَغتُ من / (ق 432) حاجاتٍ لابدَّ لي منها فيها، لقد سِرتُ حتى أَدخلَ الشَّام، ثم أنزلَ حمصَ، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيَبعَثَنَّ اللهُ منها يومَ القيامةِ سبعين ألفًا لا حسابَ ولا عذابَ، مَبعَثُهُم فيما بين الزَّيتون وحائِطِها في البَرْثِ الأحمرِ منها». وهكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان، عن إسحاق بن راهويه، عن بقيَّة، عن أبي بكر بن عبد الله، وهو: ابن أبي مريم ¬
الغسَّاني الحمصي أحد الضعفاء والمتروكين لسوء حفظه، وإن كان رجلاً صالحًا، فقد ضعَّفه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعيسى بن يونس، وابن حبان، وغير واحد من الأئمَّة (¬1). وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2) عن محمد بن مِسكين، عن بِشر بن بكر التِّنِّيسي، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن حُمْرة بن عبدِ كُلال، عن عمرَ، به. ثم قال: وابن عبدِ كُلال ليس بمعروف بالنقل. قلت: هو حُمْرة -بالحاء والراء المهملتين- ويقال: اسمه معدي كرب بن عبدِ كُلاَل. قال أبو حاتم الرازي (¬3): روى عن عمرَ وعبد الله بن عمرو، وعنه راشد بن سعد. وقال الجوهري (¬4): البَرْث: الأرض السَّهلة الليِّنة. قلت: وممَّا يدلُّ على نكارة هذا الحديث وغرابته وأنه موضوع -كما زَعَمه بعض الحفَّاظ الكبار- أنَّ أميرَ المؤمنينَ عمرَ -رضي الله عنه- لمَّا عاد إلى الشَّام عامَ فتحِهِ بيتَ المقدسِ لم يُنقَل أنه جاء أرضَ حمصٍ، ولا دَخَلها، فلو كان هذا / (ق 433) صحيحًا لجاء إليها، كما قاله من نَقَل عنه، والله أعلم. وقد تسمَّح الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البَيِّع الحاكم ¬
النَّيسابوري فأخرجه في كتابه «المستخرج على الصحيحين» (¬1) من طريق أخرى، فقال: (1021) أنا محمد بن عبد الله الأصبهاني الزَّاهد، ثنا محمد بن إسماعيل السُّلَمي، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، حدثني عمرو بن الحارث الزَّبيدي، ثنا عبد الله بن سالم، ثنا الزَّبيدي، ثنا راشد بن سعد: أنَّ أبا راشد، حدَّثهم -يردُّه إلى معدي كرب بن عبدِ كُلال- قال: قال عبد الله بن عمرو: سافَرنا مع عمرَ بن الخطاب إلى الشَّام، فلمَّا شَارَفَها أُخبِرَ أنَّ الطَّاعونَ فيها ... ، ثم ذَكَر الحديث، كما تقدَّم. ثم قال الحاكم: هذا صحيح. قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذَّهبي (¬2): بل موضوع، فإنَّ إسحاق بن إبراهيم: كذَّبه محمد بن عوف، وغيره. ¬
حديث في فضل عسقلان
حديث في فضل عسقلان (1022) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا محمد بن بكَّار، ثنا بِشر (¬2) بن ميمون، عن عبد الله بن يوسف، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَذكر أهل مقبرة يومًا، قال: فصلَّى عليها، فأكثرَ الصلاةَ عليها، قال: فسُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: «أهلُ مقبرةِ شهداءِ عسقلان، يُزَفُّونَ إلى الجنَّةِ كما تُزَفُّ العروسُ إلى زوجِها». وهذا -أيضًا- حديث منكر جدًّا، بل قد ذَكَره الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي / (ق 434) في «الموضوعات» (¬3)، واتَّهم به بِشر بن ميمون هذا، وهو الخراساني الواسطي، قال فيه يحيى بن معين: اجتمع الأئمَّة على طرح حديثه. واتَّهمه البخاري بوضع الحديث (¬4). وقد ورد في فضل عسقلان أحاديثُ أخر لا يقوم منها شيء يُعتمد عليه، وإنما تَدَاعت رَغَباتُ الواضعين فيها؛ لأنها كانت ثَغرًا في بعض الأزمان، فوَضَعوا فيها ترغيبًا للمجاهدين. ¬
وهذا آخر ما يسَّر اللهُ جمعَه من الأحاديث المسنَدة / (ق 435) والآثار المسدَّدة عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. وذَكَرنا في «سيرته» (¬1) من أخلاقه وأحكامه وكُتُبه وسياسته أشياءَ اكتفينا بذكرها هناك عن إعادتها ههنا، وهي ... (¬2) إن شاء الله. ولله الحمد أولاً وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، كما يحبُّ ويرضى، ونسأل اللهَ الهداية والتوفيق والإعانة ومتابعة نبيِّه صلى الله عليه وسلم تسليمًا. ¬
الملاحق والفهارس
الملاحق والفهارس نقد الطبعة السابقة للكتاب الفهارس
نقد الطبعة السابقة للكتاب
نقد الطبعة السابقة للكتاب قد يتساءل البعض قائلاً: ما الداعي لإعادة إخراج هذا الكتاب، وقد سبق طبعه؟ فأقول: نعم، لقد سبق طبع هذا الكتاب منذ عشرين عامًا تقريبًا بتحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، وقبل الجواب على هذا السؤال أنقل للقارئ بعض آراء أهل العلم والمختصين في تحقيقات الدكتور قلعجي جملة، ثم أبيِّن وجه الخلل الواقع في النشرة المطبوعة، فأقول: قال الشيخ العلاَّمة حماد الأنصاري: كل الكتب التي يطبعها القلعجي لاتصلح، لابد أن يعاد تحقيقها، وتعاد طباعتها. وقال -أيضًا-: سألت عن القلعجي الذي يحقِّق كتب العلم -لما كنت بمصر- رجلاً ثقة، فقال لي: هذا رجل بيطري، ترك البيطرة، واشتغل بتحقيق كتب العلم ونشرها للتجارة وجمع المال، ويجمع الشباب والشابَّات المتبنطلات لهذا الغرض. انظر: «المجموع في ترجمة المحدِّث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري» (2/ 594، 620). وقال الدكتور عبد الله عسيلان في كتابه: «تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل» (ص 77): وقد ظهرت في ساحة التحقيق منذ أمد قريب شرذمة أقحمت نفسها في ميدانه ... ، وأقرب مثال على ذلك: ما خَرَج لنا من بعض كتب الحديث التي يزعم طبيب اسمه: عبد المعطي أمين قلعجي أنه تولَّى تحقيقها، وتربو في مجموعها على ستين جزءًا، وما تراه فيها من تحقيق ينم عن جهل بأصوله وأصول العلم الذي تدور في فَلَكه؛ بل يؤكد محمد عبد الله آل شاكر أن المذكور يستحل جهود الآخرين، ويسطو عليها، حيث يكلِّفهم بالعمل
على تحقيقها بدعوى المشاركة، ثم يطبعها باسمه وحده (¬1)، كما حدَّثه بذلك أحد أساتذة الأزهر ممن وقع في أحابيله، ويؤكد ذلك تقارب تاريخ صدور بعض هذه الكتب مع كثرة أجزائها، مثل كتاب «الثقات» للإمام العجلي، الذي صدر سنة 1405 هـ، وهو جزء واحد، وفي السَّنَة نفسها صدر كتاب «دلائل النبوة» للإمام البيهقي في ثمانية أجزاء، وصدر في عام 1412 هـ كتاب «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي في خمسة عشر جزءًا، وبعد أقل من عامين، أي في عام 1414 هـ يصدر كتاب «الاستذكار» لابن عبد البر، وهو كتاب ضخم يقع في ثلاثين جزءًا، فهل كان يحقِّق هذه الكتب في وقت واحد، أو أن هناك عددًا من الأشخاص يعملون خلف الكواليس ... ؟ وقد أخبرني الشيخ حماد بن محمد الأنصاري بأنه وقف في عمل مَن تولَّى إخراج هذه الكتب على طامات وعجائب من التصحيفات والتحريفات والأخطاء في التعليق والتخريج. اهـ وممن قام بنقد أعماله: الدكتور زهير بن ناصر الناصر في كتابه: «القول المفيد في الذبِّ عن جامع المسانيد»، فقد عَقَد في كتابه هذا ¬
فصلاً كاملاً لبيان الأغلاط الواقعة في النشرة التي أخرجها الدكتور قلعجي لـ «جامع المسانيد والسُّنن»، وقد أجمل الدكتور هذه الأخطاء في عدَّة نقاط، ثم شرع في التفصيل، وإليكها مجملة: 1 - قصور المحقِّق في تخريجه للأحاديث وتعليقاته عليها. 2 - ضَعف المحقِّق في خدمة نص الحافظ ابن كثير. 3 - وجود الحديث في «مسند أحمد» مع عدم عزوه إليه. 4 - عدم استيعاب المحقِّق طرق الحديث الواحد. 5 - إيراد المحقِّق زيادات مخلَّة لا معنى لها في أسانيد الأحاديث متابعة للمطبوع. 6 - ذِكر المحقِّق ترجمة الراوي الواحد في موضعين، فيفرِّق بين مجتمع ظانًا أنهما اثنان. 7 - زيادة المحقِّق راويًا واحدًا في الإسناد متابعة للمطبوع. 8 - زيادته راويين في أول الإسناد. 9 - جعله الراويين راويًا واحدًا. 10 - سقوط راو أو أكثر من الإسناد مع عدم تنبُّه المحقِّق لذلك. 11 - إخلال المحقِّق بإغفاله ذكر بعض الأحاديث في مرويات التابعي عن الصحابي. 12 - استحداث المحقِّق تراجم خاطئة أو لا وجود لها نتيجة تحريف في المطبوع. 13 - جعل المحقِّق الحديث من رواية الإمام أحمد، والصواب أنه من زيادات ابنه عبد الله. 14 - سقوط اسم شيخ الإمام أحمد من أول السند نتيجة متابعة
المحقِّق للمطبوع. 15 - عدم توثيقه النص على الأصل للمخطوط. وقال عبد الله بن يوسف الجديع -هداه الله- في تعليقه على «المقنع في علوم الحديث» لابن الملقِّن (2/ 657) تعليقًا على نشرة الدكتور قلعجي لـ «الضعفاء الكبير» للعقيلي: واعلم أنه وقع في هذه النشرة سقط وتحريف ليس بالقليل، فالله المستعان. وقال الأستاذ مازن السرساوي في تحقيقه لـ «علل ابن المديني» (ص 7 - ط دار ابن الجوزي) عند الكلام على نشرات الكتاب السابقة: ثم تلاه [أي: الأعظمي]: الطبيبُ عبد المعطي قلعجي، فأعاد نشر الكتاب، وليته ما أتعب نفسه؛ فإنه ما فعل شيئًا يُذكَر، بل مسخ الكتاب، ولم يحسن قراءة المخطوط، وبعد ذلك أخرجه عن موضوعه بهذه الحواشي التي هي في وادٍ، والكتاب في وادٍ آخر، وهذا شأن الرجل في كل ما يطبعه أو يدعي أنه حقَّقه، والله يسامحه. وأما عن مبلغ علم الدكتور قلعجي بفن صناعة الحديث، فقد كفانا الجواب عن هذا الإمام الألباني، فقال في «السلسلة الضعيفة» (3/ 529) بعد كلام له: وهكذا فليكن تحقيق الدكتور! وكم له في تعليقاته من مثل هذا وغيره من الأخطاء والأوهام التي تدل على مبلغه من العلم. والله المستعان. وقال -أيضًا- في (4/ 17): وإنما أوقع الدكتور في هذا الخطإ الفاحش: افتئاته على هذا العلم، وظنه أنه يستطيع أن يخوض فيه تصحيحًا وتضعيفًا بمجرد أنه نال شهادة الدكتوراه. وقال -أيضًا- في (5/ 235 - 237): ومثل هذا التخريج وغيره يدل
دلالة واضحة على أن الدكتور ليس أهلاً للتخريج؛ بله التحقيق. وقال -أيضًا- في (7/ 23): وأما الدكتور القلعجي الجريء على تصحيح الأحاديث الضعيفة، وتضعيف الأحاديث الصحيحة، بجهل بالغ، وقلة خوف من الله عزَّ وجلَّ، فقد أورد هذا الحديث ... الخ. هذا ما قاله المختصون في تحقيقات الدكتور قلعجي على وجه الإجمال، وإليك الأمثلة التطبيقية على صحة ما قالوه من خلال تحقيقي لهذا الكتاب. فأقول، وبالله التوفيق: يمكن إجمال الأخطاء الواقعة في نشرة الدكتور قلعجي لـ «مسند الفاروق» في عدة نقاط رئيسة، وهي: 1 - إسقاطه لعشرات النصوص من النسخة الخطية. 2 - التصرف في النص بالزيادة والنقصان. 3 - التحريف والتصحيف في النصوص، وأسماء الرجال، ومتون الأحاديث. 4 - إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر. 5 - إتيانه بنص لا وجود له في النسخة الخطية. ولا يخفى عليك -أيها القارئ- أن خطأ واحدًا من هذه الأخطاء كافٍ لإسقاط طبعة الدكتور، فكيف بها مجتمعة؟! وسأبرهن على كل نوع من هذه الأنواع بذكر عدَّة أمثلة، أما الاستقصاء فهذا مما لا سبيل إليه؛ لكثرته.
الاستدراك الأول: إسقاطه لعشرات النصوص
الاستدراك الأول: إسقاطه لعشرات النصوص: ص/368 أول الصفحة أسقط ما يلي: قال سعيد بن منصور: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عمر قال: الرَّجل أحقُّ بِهِبَته ما لم يثب منها. هذا إسناد صحيح. وقد رواه ابن ماجه من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن مجمِّع بن جارية -وهو ضعيف-، عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة، مرفوعًا. قال البخاري: والأوَّل هو الصحيح. طريق أخرى: قال ابن وهب: سمعت حنظلة، سمعت سالمًا، عن أبيه، عن عمر قال: مَن وهب هِبَة فهو أحقُّ بها، ما لم يثب منها. وهذا - أيضًا - صحيح. وقد رواه عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه، مرفوعًا. قال البيهقي: والأوَّل هو المحفوظ. ثم رواه من وجه آخر عن عمر، قوله. ص/378 بعد السطر الأول، أسقط ما يلي: أثر في توريث الزوجة مع الأبوين: قال الإمام أحمد بن حنبل - فيما قرأت بخطِّه من ورقة أُحضرت إليَّ في ذي القعدة من سنة إحدى وخمسين، عليها خطّ الحافظ محمد بن ناصر السَّلاَمي، يَشهد بذلك، وأنها ورقة من كتاب «الفرائض» للإمام أحمد، وعرف ذلك الحفَّاظ: المزِّي، والذَّهبي، والبِرزالي، قال فيها -: حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قال عبد الله: كان عمر إذا سلك طريقًا فاتَّبعناه وَجَدناه سهلاً، وأنه أُتي في امرأة وأبوين فقَسَمَها من أربعة، فأعطى المرأة الرُّبع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي للأب. ثم رواه عن عثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، والحسن، وعطاء. وروى عن ابن عباس أنه خالف الناس
في ذلك، فجعل للأم الثلث كاملاً، وتبعه على ذلك محمد بن سيرين، ونصَّ عليٌّ وزيد في مسألة زوج وأبوين على مثل ذلك، وأن ابن عباس قال لزيد بن ثابت: بقولك من الكتاب أم من رأيك؟ قال: بل برأيي، لا أفضِّل أُمًّا على أب. وقد رواه منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كان عمر إذا سلك بنا طريقًا وجدناه سهلاً، وأنه أُتي في امرأة وأبوين، فجعل للمرأة الرُّبع، وللأُمِّ ثلث ما بقي، وما بقي فللأب. رواه البيهقي. وقد تقدَّم مثله في اجتماع الجدَّتين، في «مسند الصِّديق». ص/383 بعد السطر التاسع، أسقط ما يلي: وكذا رواه أبو بكر بن داود الظاهري عن أحمد بن الوليد اللَّحام، عن عبد الوهاب، عن سليمان التَّيمي، عن أبي مِجلز: أنَّ عمر شرَّك بينهم، ولم يشرِّك بينهم عثمان ولا عليٌّ. وهذا منقطع، يشهد له الأول. وقد روي من وجه آخر عنه بأبسط منه. وصح ذلك أيضًا عن عثمان، وهو قول ابن مسعود، وزيد، ومنعه عليّ، وأبو موسى. ص/388 السطر الثامن، أسقط بعده ما يلي: أثر عن عمر في الأولياء: قال الإمام الشافعي: أنا مالك، فيما بلغه عن سعيد بن المسيّب، عن عُمر -رضي الله عنه- أنه قال: لا تُنكح المرأة إلا بإذن وليِّها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السُّلطان. وكذا رواه ابن وهب، عن عَمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشجِّ، سمع سعيد بن المسيِّب، عن عمر، به. ورواه الدارقطني في «سننه». وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيِّب: أنَّ عمر قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. أثر آخر: روى أبو الحسن الدارقطني من حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لأَمنعنَّ فُرُوج ذوات الأحساب إلا من الأَكفاء. فيه انقطاع. قال ابن جريج: أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة،
عن عكرمة بن خالد قال: جَمَعَت الطريق رَكبًا، فجعلت امرأة منهم ثيِّب أمرها بيد رجل غير وليٍّ، فأَنكحها، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فجلد الناكح والمُنكِح، ورَدَّ نكاحهما. فيه انقطاع. ص/394 السطر الثاني عشر، أسقط بعده ما يلي: حديث من «تاريخ الخطيب» في ترجمة الفضل بن أحمد الزُّبيدي - ثقة - قال: نا زياد بن أيوب، قال ابن عُليَّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر: أنه تزوَّج امرأة فأصابها شمطاء، فطلَّقها، وقال: حصير في بيت، خير من امرأة لا تَلد، والله ما أقربكن شهوة، لكنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تزوَّجوا الودود الولود، فإنِّي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة». رواه عنه ابن شاهين، وأبو محمد بن معروف، وذكره الدارقطني، فقال: ثقة مأمون. ص/409 السطر الثامن، سقط بعده ما يلي: طريق أخرى: قال أحمد: ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، سمعه من أبي العَجفاء قال: سمعت عمر يقول ... ، فذكره. طريق أخرى: قال أحمد: ثناه إسماعيل مرَّة أخرى، أنا سلمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجفاء قال: سمعت عمر يقول: ألاَ لا تَغلُوا صُدُق النساء ... ، فذكر الحديث. قال إسماعيل: وذكر أيوب، وهشام، وابن عون، عن محمد، عن أبي العَجفاء، عن عمر، نحوًا من حديث سلمة، إلا أنهم قالوا: لم يقل محمد: نبِّئت عن أبي العَجفاء. وقد رواه أهل السُّنن في كتبهم بنحوه، فرواه أبو داود عن محمد بن عبيد، عن حماد بن زيد. والترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. كلاهما عن أيوب السَّختِياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجفاء السُّلمي -واسمه هَرِم بن نُسيب البصري-. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه من حديث ابن عون، عن محمد بن سيرين، به. وأخرجه النسائي عن علي بن حُجر، عن إسماعيل بن عُليَّة، عن
أيوب، وابن عون، وسلمة بن علقمة، وهشام بن حسان -دخل حديث بعضهم في بعض-، أربعتهم عن محمد بن سيرين، به. وفي حديث سلمة، عن ابن سيرين قال: نبِّئت عن أبي العَجفاء ... ، فذكره. ورواه ابن حبان في «صحيحه» عن الحافظ أبي يعلى، عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن ابن عون، وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجفاء، به. وقد رواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي العَجفاء، عن أبيه، عن عمر، وسمَّاه بعضهم: عبد الله بن أبي العَجفاء. قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني -رحمه الله-: وقد خالَف عَمرو بن قيس الحمادان، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُليَّة، والحارث بن عمير، وعبد الوهاب الثَّقفي، ومعمر، فرووه عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجفاء. وكذا رواه عن ابن سيرين: ابن عون، وهشام بن حسان، ومنصور بن زاذان، وأشعث بن سَوَّار، ومطر الوراق، والصَّلت بن دينار، ومحمد بن عمرو الأنصاري، وعوف الأعرابي، وإسماعيل بن مسلم، ومُجَّاعة بن الزُّبير، وعَبيدة بن حسان -هو: السِّنجاري-، وعقبة بن خالد الشَّنِّي، ويحيى بن عتيق، وأبو حُرَّة، وأخوه. قال: ورواه معاذ بن معاذ، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي العَجفاء، أو ابن أبي العَجفاء، عن عمر. وقال منصور بن زاذان، عن ابن سيرين: ثنا أبو العَجفاء ... ، فذكره. ص/413 السطر الثالث عشر سقط بعده ما يلي: حديث آخر غريب: رأيت على ظهر كتاب «الموطأ» رواية يحيى بن يحيى، أحضره لي الشيخ الصالح أحمد الواسطي ... ، أخبرني أبو عبد الله بن قاسم، ثنا مُطيَّن أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان، ثنا محمد بن العلاء، ثنا مختار بن غسَّان، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن أحمد بن
رومان قال: سُئل عمر بن الخطاب عن طعام العُرس، قالوا: ما لَه أطيبُ ريحًا من طعامنا؟ فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن طعام العُرس مثاقيل من ريح الجنَّة». قال عُمر: دعا اللهَ إبراهيمُ خليل الله، ونبيُّ الله محمد أن يُبارك اللهُ فيه، وأن يُطيِّبه. ص/415 السطر الأول، سقط بعده ما يلي: أثر آخر في ذلك: قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو رَوح البلدي، ثنا أبو الأَحوص سلاَّم بن سليم، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرِّب قال: قال عمر رضي الله عنه: استعينوا على النساء بالعُري، فإنَّ إحداهنَّ إذا كثرت ثيابها، وحَسُنت زينتها، أَعجبها الخروج. إسناد صحيح. حديث آخر: قال الهيثم بن كليب: ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان -يعني: ابن بلال- عن عبد الله بن يسار الأَعرج: أنه سمع سالم بن عبد الله يحدِّث عن أبيه، عن عمر بن الخطاب: أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والدَّيوث، ورَجُلة النساء». هذا حديث حسن، اختاره الضياء في كتابه من هذا الوجه. وأخو إسماعيل، هو عبد الحميد. وقد رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان في «صحيحه» من حديث ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. حديث في الخُلع: قال أبو بكر البزَّار: ثنا إبراهيم بن هانئ النَّيسابوري، ثنا عبد الغفار بن داود، ثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيِّب، عن عُمر قال: إن أول مختلعة في الإسلام: حبيبة بنت سهل، كانت تحت ثابت بن قيس بن شمَّاس، فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، لا أنا ولا ثابت. فقال لها: «أترُدِّين عليه ما أخذت منه؟» قالت: نعم. وكان تزوَّجها على حديقة نخل، فقال ثابت:
أيطيب ذلك يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: ولم يجعل لها نفقة ولا سكنى. إسناده حسن، ولم يخرِّجوه من هذا الوجه. حديث في الطَّلاق: قال أبو داود الطيالسي: ثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه طلَّق امرأتَه وهي حائض، فأتى عمرُ -رضي الله عنه- إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يذكر ذلك له، فجعلها واحدة. هذا إسناد قوي، رجاله ثقات، وهو ظاهر الدلالة لمذهب الجمهور في نفوذ الطَّلاق في زمن الحيض، والله أعلم بالصواب. فأما الحديث الذي رواه مسلم في «صحيحه» من حديث عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عُمر بن الخطاب: إنَّ الناس قد استَعجلوا في أَمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، فسيأتي في مسند ابن عباس. وقد اعتمد أكثر الأئمَّة على هذا من فعل عمر -رضي الله عنه-، وإمضائه على الناس الثلاثة المجموعة، كما هو مذهب الأئمَّة الأربعة رحمهم الله وأصحابهم قاطبة، وإنما يؤثَر القول بخلافه عن طائفة من السَّلف، واختاره بعض المتأخرين من العلماء وغيرهم. ص/427 سقط منها ما يلي: حديث آخر: روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن رباح قال: زوَّجني أَهلي أَمَةً روميةً، فوَلَدت لي غلامًا أسود مثلي، فسمَّيته عبد الله، وآخر سمَّيته عبيد الله، ثم طَبِنَ لها غلام روميٌّ، يقال له: يُحنَّس، فراطنها، فولدت منه غلامًا، كأنه وزغة، فرُفِعنا إلى عمر، فسألها، فقال: أترضيان أن أقضي بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش. قال: وأحسبه جلدهما، وكانا مملوكين.
ص/627 السطر قبل الأخير، سقط بعده ما يلي: قال أبو عبد الله البخاري: وقال عمر: تفقَّهوا قبل أن تسودوا. هكذا رواه معلَّقًا بصيغة الجزم. وقد رواه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب «الغريب» فقال: حدَّثناه ابن عُليَّة ومعاذ، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن الأحنف بن قيس، عن عمر، به. قال: ومعناه: تعلَّموا العلم ما دمتم صغارًا، قبل أن تصيروا سادةً رؤساء، منظورًا إليكم، فإذا لم تعلَّموا قبل ذلك استحييتم أن تعلَّموه بعد الكِبَرِ، فبقيتم جهالاً، تأخذونه من الأصاغر، فيزري ذلك بكم. ص/701 السطر التاسع، سقط بعده ما يلي: حديث في ذِكر بني بكر: قال البزَّار: حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا ابن أبي أويس، حدثنا زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن أسلم قال: قال لي عمر: مَن صحبتَ في سفرِكَ هذا؟ قلت: قومًا من بني بكر بن وائل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أخوك البَكري، ولا تَأمَنهُ». في إسناده ضعف بيِّن. وعند أحمد، وفي «سنن أبي داود» شاهد له من حديث محمد بن إسحاق، عن عيسى بن معمر بن عبد الله بن عمرو بن الفَغواء، عن أبيه قال: بَعَثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمالٍ إلى أبي سفيان، وذلك بعد الفتح، وذكر قصته مع عمرو بن أُميَّة، وصحابته له، ومعارضته له في طريقه، وفي الحديث: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «أخوكَ البكري، ولا تَأمَنهُ».
الاستدراك الثاني: التصرف في النص بالزيادة والنقصان
الاستدراك الثاني: التصرف في النص بالزيادة والنقصان ص/164: وقد رواه الحاكم في «مستدركه» من حديث ابن عدي. والصواب: وقد رواه الحاكم في «مستدركه» من حديث ابن أبجَر، ثم قال: وهذه رواية شاذة، ولا تُعارِض ما رواه الناس عن طاوس، عن ابن عُمر: أنَّ عمر كان يرفع يديه في الركوع والرفع منه. ص/193: ورواه الترمذي في الدَّعوات عن محمد بن عبد الله بن بَزِيع، عن عبد الوارث بن سعيد، عن عَمرو بن دينار، مولى آل الزبير عنه، به، وقال: غريب، وعمرو -قهرمان آل الزبير- شيخ بصري، وهو ليس بالقوي في الحديث. والصواب: ورواه الترمذي في الدَّعوات عن محمد بن عبد الله بن بَزِيع، عن عبد الوارث بن سعيد، عن عَمرو بن دينار، به، وقال: هو شيخ بصري، وليس هو بالقوي. وقال البزَّار: لا يُتابع عليه. ص/235: أترك ما تركت لأريتني، ولا يحملون عني خطيئتي يوم القيامة، وأنتم تشيعوني وتدعوني، الجبار يخاصمني. والصواب: خَلَّفتُ ما تَرَكتُ لورثتي، والدَّيانُ يومَ القيامةِ يُخاصِمُني، وأنتم تُشيِّعوني وتَدَعُوني. ص/ 237: قال الشافعي: أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ عمر قُتل وكُفِّن، وصلِّي عليه. قال الشافعي: وهو بهذا ذهب شهيدًا في غير حرب. قلت: وقال البيهقي: إنَّ عليًّا غُسِّل. والصواب: قال الشافعي: أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ
عمر غُسِّل وكُفِّن، وصلِّي عليه. قال الشافعي: وهو شهيد، ولكنه صار إلى الشهادة في غير حرب. قلت: وروى البيهقي: أنَّ عليًّا غُسِّل وكُفِّن أيضًا. وفي هذا دلالة على أنَّ مَن قَتَله أهل البغيِّ يُغسَّل ويصلَّى عليه. ص/242: فجلست إلى عمر بن الخطاب، فمرَّت به جنازة، فأُثني على صاحبها خير، فقال: وجَبَت. ثم مُرَّ بأُخرى، وأُثني على صاحبها خيرًا، فقال عمر: وجَبَت. ثم مُرَّ بالثالثة فأُثني عليها شر، فقال عمر: وجَبَت. والصواب: فجلست إلى عمر بن الخطاب، فمَرَّت به جنازة، فأُثني على صاحبها خير، فقال: وجَبَت. وجَبَت. ثم مُرَّ بأُخرى، فأُثني شر، فقال عمر: وجَبَت. ص/257: مع أني أرجو أن أجد سبيلاً أن أحمل في البحر، فلما قدم أول عير، دعا الزبير -رضي الله عنه-، فقال: اخرج في أول هذه العير، فاستقبل بها نجدًا، فاحمل إلى كل أهل بيت قدرت أن تحملهم إلي، ومن لم تستطع حمله فمُر لكل أهل بيت ببعير بما عليه، ومُرهم فليلبسوا كساءين، ولينحروا البعير فيجملوا شحمه، وليقددوا لحمه، وليحتذوا جلده، ثم ليأخذوا كبَّة من قديد، وكبَّة من شحم، وجفنة من دقيق، فيطبخوا ويأكلوا حتى يأتيهم الله برزق، فأبى الزبير أن يخرج، فقال: أما والله لا تجد مثلها حتى تخرج من الدنيا، ثم دعا آخر، أظنه طلحة، فأبى، ثم دعا أبا عبيدة بن الجراح، فخرج في ذلك، وذكر باقي الحديث بنحوه. والصواب: مع أنِّي أرجو أن أجد سبيلاً أن أحمل في البحر، فلما قدم أوَّل عير، دعا عمر الزَّبير، فأمره أن يخرج ليفرِّقها على الأحياء، فأَبَى، ثم دعا طلحة، فأَبَى، فدعا أبا عبيدة، فخرج فيها، وذكر بقيَّته.
ص/338: ورواه أبو داود في الأيمان، عن محمد بن مِنهال، عن يزيد بن زُرَيع، حدثنا حبيب المُعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، أنَّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما صاحبه القسمة، فقال: إن عدتَ تسألني عن القسمة؛ فكل مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إن الكعبة غَنية عن مالك، كفِّر عن يمينك، وكلِّم أخاك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرب، وفي قطيعة الرحم، وفيما لا تملك». والصواب: ((ورواه أبو داود في الأيمان عن محمد بن مِنْهال، عن يزيد بن زُرَيع، عن حبيب المُعلِّم، به، وزاد: «ولا في قطيعة الرَّحم». ورواه المزني عن الحميدي، عن ابن أبي روَّاد، عن المثنَّى بن الصبَّاح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيِّب: أنَّ عمر بن الخطاب قال فيمن جعل ماله في سبيل الله: يمينٌ، يكفِّرها ما يكفِّر اليمين. ص/366: والعبد الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالواد. والصواب: والعبد الذي فيه، والمائة السَّهم الذي بخيبر، ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالواد. ص/385: قال أبو بكر بن داود: ثنا إسماعيل بن محمد القاضي، أنا أبو ... ، ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة، عن حسان بن
بلال المزني: أنَّ يزيد بن قتادة حدَّث أنَّ رجلاً من أهله مات، وبعض ورثته كفار، فأسلموا بعد موته وقبل أن يقسم الميراث، فقال عمر: من أسلم على ميراث قبل أن يقسم ورث منه. والصواب: قال أبو بكر بن داود: ثنا إسماعيل بن محمد القاضي، أنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قِلابة، عن حسان بن بلال المزني: أنَّ يزيد بن قتادة حدَّث أنَّ رجلاً من أهله مات وهو على غير الإسلام، فوَرِثته أختي دوني، وكانت على دينه، ثم إنَّ أبي أسلم، فشهد مع رسول الله حُنينًا، فمات، فأحرزت ميراثه سَنَة، وكان ترك نخلاً، ثم إنَّ أختي أسلمت، فخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان، فحدَّثه عبد الله بن الأرقم: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قضى أنَّ من أَسلم على ميراث قبل أن يُقسَمَ فله نصيبه، فقضى به عثمان، فذهبت بذلك الأوَّل، وشاركتني في هذا. ص/394: والرجال ثلاثة: رجل عفيف، هيِّن ليِّن، ذو رأي ومشورة، وإذا نزل أمر اؤتمن رأيه، وصدر الأمور مصادرها، ورجل لا رأي له، وإذا نزل به أمر أتى ذا الرأي والمشورة فنزل عند رأيه، ورجل جائر، لا يأتم راشدًا، ولا يطيع مرشدًا. والصواب: والرجال ثلاثة: فرجل عاقل، إذا أقبلت الأمور وتشبَّهت، يؤتمر فيها أمره، وينزل عند رأيه، وآخر حائر بائر، لا يأتمر رشدًا، ولا يسمع مرشدًا. ص/398: قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا الرِّفاعي، ثنا أبو الحسين، ثنا عبد الله بن بُدَيل، عن الزهري، عن
سالم، عن أبيه، عن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، عندنا يتيمة قد خطبها رجلان: موسر ومعسر، وهي تهوى المعسر، ونحن نهوى الموسر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح». والصواب: قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا الرِّفاعي، ثنا أبو الحسين، ثنا عبد الله بن بُدَيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشُّؤم في ثلاثة: في الدَّابة، والمسكن، والمرأة». وكذا رواه أبو يعلى، عن أبي هشام الرِّفاعي، عن زيد بن الحُبَاب، عن عبد الله بن بُدَيل، به. وهذا حديث حسن الإسناد من هذا الوجه، وقد صحَّ من وجه آخر. ص/409 - 410: [ورواه منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، قال: حدثنا أبو العجفاء ... ، فذكره. ورواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي العجفاء، عن أبيه، عن عمر، وسماه بعضهم عبد الله بن أبي العجفاء] (¬1). قال الدارقطني: فإن كان عمرو بن قيس حفظه عن أيوب؛ فيشبه أن يكون ابن سيرين سَمِعَه من أبي العَجْفاء، وحفظه عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه -والله أعلم- وذلك لقول منصور -وهو من الثقات الحفَّاظ- عن ابن سيرين: حدثنا أبو العَجْفاء، ولكثرة مَن تابَعَه ممن رواه عن ابن سيرين، عن أبي العَجْفاء، والله أعلم. ثم ذَكَر الدارقطني جماعة رووه من غير طريق أبي العَجْفاء، ثم قال: ولا يصح هذا الحديث إلا عن أبي العَجْفاء. قلت: بل قد رواه مسروق، عن عمرَ بن الخطاب بنحوه، كما سيأتي في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى. والصواب: طريق أخرى: قال أحمد: ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، سَمِعَه من أبي العَجْفاء قال: سَمِعتُ عمرَ يقول ... ، فذَكَره. طريق أخرى: قال أحمد: ثناه إسماعيل مرَّة أخرى، أنا سَلَمة، عن محمد بن ¬
سيرين، عن أبي العَجْفاء قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: ألا لا تَغلُوا صُدُقَ النساءِ ... ، فذَكَر الحديث. قال إسماعيل: وذَكَر أيوب وهشام وابن عَون، عن محمد، عن أبي العَجْفاء، عن عمرَ، نحوًا من حديث سَلَمة، إلا أنهم قالوا: لم يقل محمدٌ: نُبِّئتُ عن أبي العَجْفاء. وقد رواه أهل السُّنن في كتبهم بنحوه، فرواه أبو داود عن محمد بن عبيد، عن حماد بن زيد. والترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. كلاهما عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء السُّلمي -واسمه: هَرِم بن نُسَيب البصري-. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه من حديث ابن عَون، عن محمد بن سيرين، به. وأخرجه النسائي عن علي بن حُجر، عن إسماعيل بن عُليَّة، عن أيوب، وابن عَون، وسَلَمة بن علقمة، وهشام بن حسان -دخل حديث بعضهم في بعض-، أربعتهم عن محمد بن سيرين، به. وفي حديث سَلَمة، عن ابن سيرين قال: نُبِّئتُ عن أبي العَجْفاء ... ، فذَكَره. ورواه ابن حبان في «صحيحه»، عن الحافظ أبي يعلى، عن زُهَير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن ابن عَون، وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء، به. وقد رواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه، عن عمرَ، وسمَّاه بعضهم: عبد الله بن أبي العَجْفاء. قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني -رحمه الله-: وقد خالف عمرو بن قيس الحمَّادان، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُليَّة، والحارث بن عُمَير، وعبد الوهاب الثَّقَفي، ومعمر، فرووه عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء. وكذا رواه عن ابن سيرين: ابن عَون، وهشام بن حسان،
ومنصور بن زَاذَان، وأشعث بن سوَّار، ومَطَر الوراق، والصَّلت بن دينار، ومحمد بن عمرو الأنصاري، وعوف الأعرابي، وإسماعيل بن مسلم، ومُجَّاعة بن الزُّبير، وعَبيدة بن حسان -هو: السِّنجاري-، وعُقبة بن خالد الشَّنِّي، ويحيى بن عَتيق، وأبو حُرَّة، وأخوه. قال: ورواه معاذ بن معاذ، عن ابن عَون، عن ابن سيرين، عن أبي العَجْفاء، أو ابن أبي العَجْفاء، عن عمرَ. وقال منصور بن زَاذَان، عن ابن سيرين: ثنا أبو العَجْفاء ... ، فذَكَره. قال الدارقطني: فإن كان عمرو بن قيس حفظه عن أيوب؛ فيشبه أن يكون ابن سيرين سَمِعَه من أبي العَجْفاء، وحفظه عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه -والله أعلم-؛ وذلك لقول منصور -وهو من الثقات الحفَّاظ-، عن ابن سيرين: حدثنا أبو العَجْفاء، ولكثرة مَن تابَعَه ممن رواه عن ابن سيرين، عن أبي العَجْفاء، والله أعلم. ثم ذَكَر الدارقطني جماعة رووه من غير طريق أبي العَجْفاء، ثم قال: ولا يصح هذا الحديث إلا عن أبي العَجْفاء. قلت: بل قد رواه مسروق، عن عمرَ بن الخطاب بنحوه، كما سيأتي في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى. ص/423: وقد رواه مالك عن الزهيري، عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يُولي في امرأته: أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدَّة. والصواب: وقد رواه مالك عن الزهري، عن سعيد وأبي بكر قولهما. ص/500: ولكن أرى الناس قد كثروا، فأرى أن تردوا على الناس، ففعل جرير ذلك، فأجازه عمر بثمانين دينارًا. والصواب: ولكني أرى أن تردُّوا على الناس.
ص/507: عن النعمان بن بشير: أنه أتي برجل غشى جارية امرأته، فقال: لا أقضي فيها إلا بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كانت أحلتها له جلدته مائة، وإن لم تكن أذنت له رجمته. والصواب: عن النعمان بن بشير أنه ... (¬1) إليه رجلٌ وَقَع على جارية امرأته، فقال: لأقضينَّ فيها بقضاء رسول الله، إن كانت أحلَّتها له لأَجلدَنَّه مائةً، وإن لم تكن أحلَّتها له رَجَمتُهُ. ص/567: فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربنَّ الصلاة سكران، فدعي عمر، فقرئت عليه، فلمَّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} قال عمر: انتهينا، انتهينا. والصواب: فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربنَّ الصلاة سكران، فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهمَّ بَيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر، فقرئت عليه، فلمَّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} قال عمر: انتهينا، انتهينا. ص/592: وروى أبو داود في «المراسيل» عن محمد بن عبيد، عن حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة: أنَّ عمرَ مرَّ بقوم من اليهود، فسَمِعَهم يَذكرون دعاءً من التوراة، فانتَسَخه، ثم جاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعل يقرؤه، ووجه النبي صلى الله عليه وسلم يتغيَّر، فقال رجل: يا ابن الخطاب، ألا ترى ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فوضع عمر الكتاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزَّ وجلَّ بعثني خاتمًا، وأُعطيت جوامع الكَلِم وخواتمه، واختُصر لي الحديث اختصارًا، فلا يُلهينكم المتهوكون»، فقلت لأبي قِلاَبة: ما المتهوكون؟ قال: المتجبرون. والصواب: وروى أبو داود في «المراسيل» عن محمد بن عبيد، عن ¬
حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة: أنَّ عمرَ مرَّ بقوم من اليهود، فسَمِعَهم يَذكرون دعاءً من التوراة، فانتَسَخه، ثم جاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَر الحديث. ص/593: ورواه ابن جرير في «تفسيره»، ومعاذ بن هشام، عن أبيه. ومعتمر بن سليمان، عن أبيه. كلُّهم عن أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمر. والصواب: ورواه ابن جرير في «تفسيره» من حديث حماد بن زيد ومعاذ بن هشام، عن أبيه. ومعتمر بن سليمان، عن أبيه. كلُّهم عن أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمرَ. وعن أبي عامر، عن قُرَّة بن خالد، عن عصمة أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمرَ، به. ص/644: وهكذا رواه الإمام أبو عبيد في كتاب «الغريب» عن ابن مهدي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عَجْلان، عن بكير بن الأشج، عن معمر بن أبي حبيبة، عن عبيد الله بن عدي، سمع عمر بن الخطاب يقول ذلك. والصواب: وهكذا رواه الإمام أبو عبيد في كتاب «الغريب» عن ابن مهدي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عَجْلان، به. وفسَّره بما تقدَّم أيضًا. ص/661: قال عمر: إنَّ أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق بالقرآن، قرأ القرآن، فما أسقط منه أَلِفًا ولا واوًا، أضل الناس عن الهدى، وزلَّة عالِمٍ، وأئمَّة مضلُّون.
والصواب: قال عمر: إنَّ أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن، لا يُخطي منه واوًا ولا أَلِفًا، يجادلُ الناسَ أنه أعلم منهم، ليُضلَّهم عن الهدى، وزلَّة عالِمٍ، وأئمَّة مضلُّون. ص/674: كما في الصحيح من أنه عليه السلام أخبر سعد بن مالك عن خيرهم: المؤمن المجاهد بماله. والصواب: كما في الصحيح من أنه عليه السلام أخبر بقصة الدَّجَّال عن خبر تميم الداري له بذلك.
وههنا أمر ينبغي التنبيه عليه: لقد استوعب الحافظ ابن كثير غالب النصوص الواردة عن عمر -رضي الله عنه- في كتاب «غريب الحديث» لأبي عبيد، وثمَّت فرق واضح في نقل الحافظ ابن كثير، حيث أنه لم يلتزم بحرفية النقل لهذه النصوص، فماذا صنع المحقِّق الدكتور تجاه هذه النصوص؟ لقد قام بنقلها من النسخة المطبوعة من «غريب الحديث»، وترك المخطوط جانبًا لا شأن له به!! وهذا عبث بالتراث لا يُحتمل. واعلم أن عدد النصوص التي نقلها الحافظ ابن كثير من «غريب الحديث» (62) نصًّا، فلك أن تتخيل حجم الكارثة التي وقع فيها الدكتور بصنيعه هذا. وهذه بعض النماذج: ص/ 141: قال أبو عبيد: وحدثنا حجَّاج، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن عمر: أنه كان يَنشُّ الناسَ بعد العشاء بالدِّرَّة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم. هكذا الحديث: ينش. قال أبو عبيد: ونرى أن هذا ليس بمحفوظ. وقال بعض أهل العلم: إنما هو ينس، بالسين المهملة، يقول: يسوق الناس، والنس هو السوق؛ ومنه قول الحطيئة: وقد نظرتكم إيناء صادرة ... للورد طال بها حوزي وتنساسي فالحوز: السير اللين، والتنساس: الشديد، يقول: مرة أسوقها كذا ومرة كذا. قال أبو عبيد: فإن كان هذا الحرف هكذا، فهذا تصحيف بيِّن على المحدِّث، ولكني أحسبه: ينوش الناس (بالشين)، وهذا قد يقرب في اللفظ من ينش، ومعنى النوش صحيح ها هنا، إنما هو التناول، يقول: يتناولهم بالدرة، وقال الله تبارك وتعالى: {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد}
إذا لم يهمز فهو من التناول؛ ومنه قيل: تناوش القوم في القتال، وكل مَن أنلته خيرًا أو شرًّا فقد نشته نوشًا، ومنه حديث علي -رضي الله عنه- حين سئل عن الوصية فقال: نوش بالمعروف، يعني أن يتناول الميت الموصى له بالشيء ولا يجحف بماله. والصواب: قال أبو عبيد: وحدثنا حجَّاج، عن شعبة، عن قتادة، (هو: أبو رافع)، عن عمر: أنه كان يَنشُّ الناسَ بعد العشاء بالدِّرَّة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم. قال أبو عبيد: ويُروى بالسين المهملة، أي: يَسوقهم. قال أبو عبيد: ... أراد: سَوْقَ الناس ... يتناولهم بالدِّرَّة. ص/281: قال أبو عبيد: نرى أنه كان يستحبه لأنه كان لا يحب أن يفوت الرجل صيام العشر، ويستحبه نافلة، فإذا كان عليه شيء من رمضان كره أن يتنفل، وعليه من الفريضة شيء، فيقول: فيقضيها في العشر، فلا يكون أفطرها، ولا يكون بدأ بغير الفريضة، فيجتمع له الأمران، وليس وجهه عندي أنه كان يستحب تأخيرها عمدًا إلى العشر، ولكن هذا لمن فرَّط حتى يدخل العشر، وكان علي -رضي الله عنه- يكره قضاء رمضان في العشر، وذلك؛ لأن رأي علي -رحمه الله- كان على أن لا يقضي رمضان متفرِّقًا، فيقول: إن صام العشر ثم جاء العيد، وقد بقيت عليه أيام لم يستقم له أن يصوم يوم النحر، لما فيه من النهي، ولم يستقم له أن يفطر، فيكون قد فرَّق رمضان، وذلك عنده مكروه، فلهذا كره قضاء رمضان في العشر إن شاء الله! والصواب: قال أبو عبيد: معناه: أنه لا يتحرَّى التأخير إلى العَشر، ولكنه كان يَستحبُّ صيام العَشر، فإذا دخل على مَن عليه قضاء؛ صام قضاء، لئلاَّ يكون قد تطوَّع وعليه قضاء، فيجتمع له الأمران. قال: وإنما
كره علي القضاء في العَشر، لما كان يراه من القضاء على الولاء، وقد يدخل العيد، وقد بقي عليه شيء، فيفرِّق. ص/371: يعني بقوله: ليومها: يوم القيامة: اليوم الذي كان أعتق سائبته وتصدَّق بصدقته له، يقول: فلا يرجع إلى الانتفاع بشيء منها بعد ذلك في الدنيا، وذلك كالرجل يعتق عبده سائبة، ثم يموت المعتق ويترك مالاً، ولا وارث له إلا الذي أعتقه، يقول: فليس ينبغي له أن يرزأ من ميراثه شيئًا إلا أن يجعله في مثله، وكذلك يروى عن ابن عمر أنه فعل بميراث عبد له كان أعتقه سائبة، فإنما هذا منهم على وجه الفضل والثواب، ليس على أنه محرَّم، ألا ترى أنه إنما ردَّه عليه الكتاب والسُّنة؟ فكيف يحرم هذا؟ ولكنهم كانوا يكرهون أن يرجعوا في شيء جعلوه لله، إنما هذا بمنزلة رجل تصدق على أمه أو على أبيه بداره، ثم ماتا فورثهما فهذا حلال له - وإن تنزه عنه فهو أفضل. والصواب: قال أبو عبيد: معناه: من أعتق سائبة أو تصدَّق بشيء، فهما ليومهما إلى يوم القيامة، لا يرجع إلى شيء من الانتفاع بهما في الدُّنيا. قال: فإذا مات من أعتقه سائبة فرجع إليه ماله بالإرث الشَّرعي، فالأولى التورع عنه، فإن أخذه؛ فليصرفه في مثله، وكذلك فعل ابن عمر، وليس بمحرَّم عليه أكله، والله أعلم. ص/396: قوله: ما تصعدتني: أي ما شقَّت عليَّ، وكل شيء ركبته أو فعلته بمشقة عليك؛ فقد تصعدك؛ قال الله تبارك وتعالى: {ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} ويروى أن أصل هذا من الصعود، وهي العقبة المنكرة الصعبة، يقال: وقعوا في صعود منكرة، وكؤود مثله، وكذلك هبوط وحدور، وقال الله تبارك وتعالى: {سأرهقه صعودا}.
والصواب: يعني: ما شقَّت عليَّ خطبة كخطبة النكاح، لقوله تعالى: {كأنما يصعد في السماء} وقوله: {يسلكه عذابا صعدا} وقوله: {سأرهقه صعودا}. ص/455: قال أبو عبيد: وهذا الحديث يحمله بعض أهل العلم على أن أهل القرى لا يعقلون عن أهل البادية، ولا أهل البادية عن أهل القرى، وفيه هذا التأويل وزيادة أيضًا أن العاقلة لا تحمل السِّن، والموضحة، والإصبع، وأشباه ذلك، مما كان دون الثلث في قول عمر وعلي، هذا قول أهل المدينة إلى اليوم، يقولون: ما كان دون الثلث فهو في مال الجاني في الخطأ، وأما أهل العراق فيرون أن الموضحة فما فوقها على العاقلة إذا كان خطأ، وما كان دون الموضحة فهو في مال الجاني، وإنما سماها مضغًا فيما نرى أنه صغَّرها وقلَّلها، كالمضغة من الإنسان في خلقه، وفي حديث عمر قال: لا يعقل أهل القرى الموضِحة، ويعقلها أهل البادية. روى عن حجَّاج، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيكة، عن ابن الزُّبير، عن عمر. والصواب: قال أبو عبيد: حمله بعض العلماء على أنَّ أَهل القرى لا يعقلون عن أهل البادية، ولا أهل البادية عن أهل القرى. ثم قال: وفيه هذا التأويل وزيادة، وأنَّ العاقلة لا تحمل السِّنَّ، و ... ، ولا مادون ثُلُث الدِّية. وهذا قول أهل المدينة إلى اليوم، وإنما هو في مال الجاني. قال: بخلاف أهل العراق، فإنهم يقولون: الموضحة فما فوقها على العاقلة، وما دونها في مال الجاني. قال أبو عبيد: وسمَّاها مُضغًا تصغيرًا لها. وحدثنا حجَّاج، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيكة، عن ابن الزُّبير، عن عمر قال: لا يعقل أهل القرى ... ، ويعقلها أهل البادية. قلت: صحيح، وحُكم غريب جدًّا، والله أعلم.
الاستدراك الثالث: التحريف والتصحيف في أسماء الرجال، ومتون الأحاديث
الاستدراك الثالث: التحريف والتصحيف في أسماء الرجال، ومتون الأحاديث الصفحة ... الخطأ ... الصواب ص 110 ... من أيها شاء ... من أيهن شاء ص 113 ... المغيرة بن شعلان ... المغيرة بن سقلاب الزارع بن نافع ... الوازع بن نافع ص 116 ... قيس بن الزمع ... قيس بن الربيع عمر لا يدري القُبلة ناقضة للوضوء ... عمر لا يرى القُبلة ناقضة للوضوء ص 122 ... ففرَّج حتى رجمته!! ... ففَجَج حتى رحمته ص 124 ... منفصل بين الزهري وعمر ... معضل بين الزهري وعمر ص 128 ... سفيان بن سلمة ... شقيق بن سلمة ص 130 ... حسن بن موسى ... أسد بن موسى ص 137 ... حتى يكون الله هو الذي أفسدها ... حتى يبدأ الله إفسادها وروي عن أسلم في ملأ ... وروي عن أسلم مرسلاً ص 141 ... النهي عن السَّهَر ... النهي عن السَّمَر ص 145 ... تبينت أن عمر ... نبئت أن عمر ص 149 ... فليشد به حقوته ... فليشد به حقويه ص 152 ... وإن كان فيه القطع ... وإن كان فيه انقطاع ص 158 ... أخبرني واحدة ... اختر مني واحدة ص 160 ... فقال أبو سلمة ... قال ابن سلمة وروى له أهل السُّنة ... وروى له أهل السُّنن ص 162 ... ويزيد بن الحنبلي ... وشريك بن الحنبل
ص 163 ... وقد يقال: إن كلام عمر شبهه ... وقد يقال: إن كلام عمر يقتضيه ص 171 ... وهو يعرفه ... وهو بعرفة حتى كاد يملأ ما بين شُعبَتي الرَّجُل!! ... حتى كاد يملأ ما بين شُعبَتي الرَّحْل ص 174 ... فامشُوا بالرُّكَب!! ... فأمِسُّوا بالرُّكَب ص 176 ... كعمر الراكب ... كغمر الراكب ص 187 ... لا يَقنتُ إلا في النص الثاني ... لا يَقنتُ إلا في النصف الباقي سياد بن حاتم ... سيار بن حاتم ص 197 ... إذا روى عن غير السامعين ... إذا روى عن غير الشاميين ص 198 ... سمعت عمر بن الخطاب على البئر ... سمعت عمر بن الخطاب على المنبر ص 199 ... فقد روى السخاوي ... فقد روى البخاري ص 206 ... هذا منتصف النهار ... قد انتصف النهار ص 207 ... عبد الله بن مسلمة ... عبد الله بن سلمة ص 208 ... عن أبي داود الطيالسي ... عن أبي الوليد الطيالسي ص 210 ... لم يشرب فيها في الآخرة ... لم يشرب منها في الآخرة ص 212 ... عن عبد الواحد ... عن عبد الوارث ص 213 ... دخلت المدينة ... قدمت المدينة ص 215 ... وانتحلوا الخفاف ... وانتعلوا الخفاف ص 218 ... فشطر ما فضل عن أصابعه ... فنظر ما فضل عن أصابعه ص 221 ... يكبِّر في مبيته ... يكبِّر في قُبَّته يبرح منى مكبِّرًا ... ترتج منىً تكبيرًا ص 224 ... من قضاء السوء ... من قضاة السوء ص 225 ... إني لأحذركم ... إني لأجدركم ص 226 ... مالك تكتئب ... مالك مكتئب
محمد بن الهيثم ... عبثر بن القاسم ص 228 ... أخو بني أمية ... أخو بني معاوية ص 234 ... جواز البكاء من غير قنوت ... جواز البكاء من غير صوت عند قدوم القائد ... عند قدوم الغائب المراد منه هنا رفع العلم ... المراد منه هنا رفع الصوت ص 240 ... فامض بخدي إلى الأرض ... فافض بخدي إلى الأرض بنيه الحجر ... بفيه الحجر حديث في بعث الأجناد ... حديث في بعث الأجساد عبد الرحمن بن جابر ... عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بلغني أنك تقولن ما لا ينبغي ... بلغني أنك تقولهن لا ينبغي ص 241 ... أنا سمعت ما وعدك ... قد أسلمت ووعدك ص 248 ... جاء مائتان ... جاء ناس عاصم بن حمزة ... عاصم بن ضمرة ص 271 ... أن من يبشر برؤية الهلال ... أن من انفرد برؤية الهلال ص 276 ... والقول الأول لجبارة بن حزم ... والقول الأول اختاره ابن حزم ص 280 ... البراء بن قيس ... البراء بن عازب ص 284 ... كان عمر يرد الصوم ... كان عمر يسرد الصوم ص 301 ... زيد بن صحان ... زيد بن صوحان ص 331 ... وكبَّر معه المسلمون ... وكنس معه المسلمون ص 339 ... فتكلم فيه بقوله ... فكُلِّم فيه فتركه ص 360 ... ابن جرير العدوي ... ابن حجير العدوي ص 361 ... واتق دعوة المظلوم ... واتق دعوة المسلمين يأتي ببينة ... يأتي ببنيه
ص 365 ... حديث في الموقف ... حديث في الوقف ص 383 ... أثر في الشركة ... أثر في المشرَّكة، وهي الحِمَارية ص 389 ... أخرجته إلى ما ترى ... أحوجته إلى ما ترى ص 396 ... حرَّكوا من غزائلهم ... حرَّكوا من غرابيلهم إذا سمع دفًا أو كِبرًا ... إذا سمع صوت دف أو كَبَر ص 422 ... بطرف المدينة ... يطوف بالمدينة واسود جانبه ... تسري كواكبه ثم وجَّه إليها بنسوة ونفقة ... ثم وجَّه إليها بكسوة ونفقة ص 423 ... وهو أملك تزدها ... وهو أملك بردِّها ص 426 ... فعجزوا عن تغطيتها ... فعجزوا عن نفقتها ص 428 ... ورجل يسعى بين المؤمنين بالأحاديث ليتباغضوا ويتحاسدوا ... ورجل يسعى بالأحاديث بين المؤمنين ليتعادوا ص 429 ... عن نافع، عن عمر ... عن نافع، عن صفية، عن عمر ص 432 ... وإن كان قد أخَّرها ... وإن كان قد أكَّدها أخبرني بلال ... أخبرني هلال بريد بن الخصيب ... بريدة بن الحصيب ص 433 ... حتى تغتسل من الحيضة التالية ... حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ص 434 ... ثم رفعتها حيضتها ... ثم رفعتها حيضة فإن بان لها حمل ... فإن بان بها حمل ص 435 ... ثم تعتد ... ثم تنتظر أخبرنا الثقة ... أخبرنا الثقفي لرأيت أن يحق لها ... لرأيت أنه أحق بها ص 436 ... في أحكام المفقود ... في أحكام التنبيه
الشافعي في مسنده ... الشافعي في القديم ص 444 ... عن سفيان ... عن شقيق يستوي في السِّن والنفس ... يستوي في السِّن والموضحة ص 450 ... لا تفعله العاقلة ... لا تعقله العاقلة وعبد الملك هذا يضعَّف فيه ... وعبد الملك هذا تكلَّموا فيه ص 456 ... فرمته بحجر ... فرمته بفِهْر ص 459 ... إلا أن يسأل الانتظار ... إلا أن يسأل الإنظار فهذه كافة أقوال الأئمة ... فهذه حكاية أقوال الأئمة ص 467 ... ينفِّذ لكما قضية رسول الله ... ينفِّذ لكما فريضة رسول الله أن القضية أربع من الإبل ... أن الفريضة أربع من الإبل ص 468 ... وإنما حلَّ القضية بين القوم وعمر ... وإنما حكى القضية القوم الذين أتوا عمر ص 470 ... إني كنت امرأً ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها ... أما والله إني لناصح لله ولرسوله ص 473 ... فأدركت القرابة ... فأدركت العراب لقد أذكرني أمرًا كنت أنسيته ... لقد أُذكرت به ص 476 ... فإذا أجدت فشأنك ... فإذا أجزت فشأنك ص 477 ... فرض لأهل بدر خمسة آلاف ... فرض لأهل بدر ستة آلاف عن أبي مسلم ... عن أبي سلمة ص 481 ... يقسم بالتسوية ... يقسم بالسوية ص 484 ... لو أنه مكث ما قلت أعطيه ... لو أنه مكث ما زلت أعطيه ص 485 ... خاصمتني أمة محمد ... تخاصمني أمة محمد ونفسك شكًّا ... ويقينك شكًّا ص 486 ... أبو روق القرابي ... أبو روق الهزاني
على ماء سقي الفرات ... على ما سقى الفرات وكارعها ... وأكارعها ص 487 ... عن سفيان، عن جابر ... عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر ص 488 ... أخو بني مسلمة ... أخي بني سلمة ص 489 ... وألا نؤتى في كنائسنا ... وألا نؤوي في كنائسنا أو ناقوسنا في شيء من طرق المسلمين ... أو نجسًا في شيء من طرق المسلمين ولا نجاوزهم بموتانا ... ولا نجاورهم بموتانا وقد حلَّ لكم من أهل المعاندة ... وقد حلَّ لكم منا ما يحل لكم من أهل المعاندة ص 491 ... حميد بن خالد بن عبد الرحمن ... حميد بن خالد، عن خالد بن عبد الرحمن سلامة بن قبيص ... سلامة بن قيصر فليوسعهم من جريب الأرض ... فليوسعهم من خراب الأرض ص 492 ... سمعت عمر رضي الله عنه يقول: لا تُبنى بيعة في الإسلام ... سمعت عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تُبنى بيعة في الإسلام ص 493 ... ليعرف أن من أهل الكتاب ... ليعرف زِيّهم من زي أهل الإسلام ص 496 ... أن توفى لهم بعدهم ... أن يوفي لهم بعهدهم ص 498 ... فأخاف أن يفسدوا عليكم ... فأخاف أن تفاسدوا بينكم ص 503 ... في سياقه هذا غير أنه قال ... في سياقه غرابة فإن ص 504 ... عن عبيد بن عبد الله ... عن عبيد الله بن عبد الله ص 505 ... سمع عمرٌ وسعيد بن المسيّب ... سمع عمرو سعيدَ بن المسيّب ص 506 ... وكان عثمان جالسًا فاضطجع ... وعثمان جالس مقنعًا رأسه أراها تستسهل به ... أراها تستهل به ص 507 ... يجوز التعزير بالحد في الزنى لمن فعل ذلك ونسبها ... يجوز التعزير بالحد الأدنى في الزنى لمن فعل ذلك شبهة
ص 508 ... تلج به في شِعْرها ... تلهج به في شِعْرها ص 509 ... وأما قصة المغيرة بن شعبة وأبي بَكرة فستأتي ... وأما خبر أبي بَكرة فسيأتي في الشهادات ص 517 ... وكان يرفو لباسه ... وكان يُرفد لبأسه ص 522 ... إن لنا جيرانًا يشربون الخمر ويفعلون ويفعلون ... إن لنا جيرانًا يشربون الخمر فيفعلون ويفعلون فيُرفعون؟ ص 523 ... لا يستحقون شيئًا من الخير ... لا يستحقون شيئًا من الخُمُس بقيَّة بن الربيع ... قيس بن الربيع ص 526 ... حربي بن عمارة ... حَرَمي بن عمارة ص 529 ... يريدون أن يخزلونا ... تريدون أن تختزلونا ص 535 ... إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر قال: قال عمر ... إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت عبد الملك بن عمير قال: قال عمر ص 536 ... وعنه إبراهيم بن المنذر الحزامي، وذكر شيخًا آخر ... وعنه إبراهيم بن المنذر، ولم يزد على هذا، ولهم شيخ آخر روى عن اليمان بن عدي، ومحمد بن حرب، وعمر بن صالح، وأبي حيوة المقرئ ... روى عن بقيَّة وطبقته ص 537 ... يعقوب، عن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه قال: ... يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن الزهري محمد بن يحيى، عن معمر ... محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر ص 539 ... وإن كانت له ذنوب يستثنى بها ... وإن كانت له ذنوب يستسر بها ص 541 ... فلما قدم على عمر بكرة بهذا الشعر ... فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر ص 545 ... فبالحري أن ينقلب كفافًا ... سأل التَّفلُتَ كفافًا
ص 546 ... رواه الإسماعيلي مسنَدًا، فلعله لم يجبر عليه عثمان ... رواه الإسماعيلي في «مسند عمر»، فلعله تصحَّف عليه بعثمان ص 547 ... فمن خلصت نيته في الحق وأقبل على نفسه ... فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه فإنَّ اللهَ تولَّى منكم السرائر، ودرأ بالبيِّنات والأيمان ... فإنَّ اللهَ تولَّى من عباده السرائر، وستر عليهم الحدودَ إلا بالبيِّنات والأيمان ص 548 ... ويروى عن أبي الهذلي ... وروى عن أبي المليح الهذلي أن أقضي بعلم ... أن أُفتي بعلم ص 551 ... في بيته توفي الحَكَم ... في بيته يُؤتى الحَكَم ص 553 ... عن أبي ماجدة ... عن ابن ماجدة ص 556 ... ومجاورة الجبارين ... ومجاورة الخنازير ص 574 ... وجوب الاستفتاء في ذلك ... وجوب الاستثناء في ذلك ص 575 ... فقضى للحق على الباطل ... فقضى للمحق على المبطل ص 579 ... فقال: أبو حذافة ... فقال: أبوك حذافة ص 580 ... ربيعة بن معاوية ... زهير بن معاوية الأنعام من مواجب القرآن ... الأنعام من نواجب القرآن ص 593 ... عن شديد ... عن عكرمة (وإن كان مكرهم لتزول) ... (وإن كاد مكرهم) بالدال ص 594 ... عن أبي نضرة، عن رجل من عند المسلمين، يقال له جابر: أن عمر ... عن أبي نضرة، عن رجل من عند ... ، يقال له جابر، أو جويبر -شك أبو مسعود- امرأة من السَّبي تحلب ثديها تسقي ... امرأة من السَّبي تسعى ص 600 ... فرسًا له همهمة ... فرسًا لها حمحمة لا أعلم أحدًا روى عنه إلا يعقوب ... لا أعلم أحدًا روى عنه إلا القُمِّي
ص 601 ... فازجر عن ذلك وحُل دونه ... فانْهَ من قِبلك عن ذلك ص 602 ... سمعت حكيم بن حزام ... سمعت هشام بن حكيم بن حزام ص 604 ... ورجوع عياش إلى مكة واقتتاله ... ورجوع عياش إلى مكة وافتتانه ص 607 ... ففرَّ لها بربوة عِيدَ عشرين يومًا ... فرَبَا لها رَبوةً، عِيدَ منها عشرين يومًا خَرَجتُ ليلة لمخر شيء، لم يخرج أحد من الحربيين غيري ... خَرَجتُ ليلة لِمَحرَسي، لم يخرج أحد من الحرس غيري ص 614 ... مَن علَّمك هذا؟ ... مَن أملى عليك هذا؟ عن ابن عمر قال: قال النبي ... عن ابن عمر، عن عمر قال: قال النبي ص 625 ... عن أشعث الحسن ... عن أشعث، عن الحسن ص 635 ... وأنه مَن سأعمل خيرًا، ومَن سأعمل شرًّا ... وأنه مَن شاء عمل خيرًا، ومَن شاء عمل شرًّا ص 637 ... رواه غُندر بن حميد ... رواه عَبد بن حميد ص 643 ... رفعه الله حكمة ... رفع الله حَكَمته ص 646 ... إلا جاء عواءً عشية ... إلا جاعوا عشية ص 647 ... بلغ أن يزيد ... بلغ عمر أن يزيد ثم قرِّب شواء فبسط يزيد يده وكَفَّ عمر ... ثم قرِّب شواء، فكَفَّ عمر فأخذ يأخذ منه العَرْقَ فينهه ... فجعل يأخذُ منه العَرْقَ فيَنهَسُهُ ص 654 ... عن عمر مرفوعًا ... عن عمر موقوفًا ورواه قبيصة ... ورواه قتيبة ص 659 ... محمد بن جبير ... محمد بن حمير ص 664 ... فإنه لم يقترف بغير الظلم ... فإنه لم يترف بغير الظلم وتكفير مستتيبيه ... وتكفير مستنيبيه ص 669 ... وقاه الله حرَّ الناس ... وقاه الله حرَّ النار
ص 670 ... ليخر بعيره فيعثر فرثه ... لَيَنحر بعيره فيعصر فرثه ص 678 ... أحمد بن عمرو القطراني ... أحمد بن عمرو القطواني وعبد الله بن سعود ... وعبد الله بن مسعود ص 680 ... عن ابن أبي نافع ... عن ابن أبي رافع ص 682 ... وأسنده شعبة، فقال: عن ابن أبزى، ولا نعلم حدَّث عن شعبة إلا وهب ... وتفرَّد برفعه وهب بن جرير، عن شعبة، عن إسماعيل ص 703 ... وقد تسامح الحافظ ... وقد تسمح الحافظ ص 705 ... والآثار المسندة ... والآثار المسدَّدة
الاستدراك الرابع: إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر
الاستدراك الرابع: إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر لقد امتازت هذه النسخة بقراءة الحافظ ابن حجر لها، وتعليقه عليها تعليقات نفيسة، فماذا صنع الدكتور قلعجي غفر الله له؟!! لقد حذفها برمَّتها، ولم يشر إلى شيء من ذلك. وهذه بعض النماذج التي أسقطها: أ - عند الحديث (168): قال الحافظ ابن حجر: له علَّة خفية، رواه الحسن بن عرفة، عن كثير بن هشام، فأدخل بينه وبين جعفر رجلاً ضعيفًا جدًّا، وهو: عيسى بن إبراهيم، أخرجه ابن السُّني، والبيهقي من طريق الحسن بن عرفة، والحسن أتقن من جعفر بن مُسافِر، وكان كثير بن هشام حدَّثه بالعنعنة، ولكن جعفر بن مُسافِر أسقط الضعيف، فقال: عن كثير: حدَّثنا! وخفي عليه أن بينهما واسطة، وأكَّد ذلك عنه أن كثير بن هشام ذكر الرواية عن جعفر بواسطة. ب - وعند الحديث (311): قال الحافظ ابن حجر: فاته حديث عمر في الدعاء يوم عرفة: أخرجه البيهقي من طريق بَكر بن عَتيق، عن سالم بن عبد الله بن عُمر، حدثني أبي، عن عُمرَ، فذكره، وفيه قصَّة لبَكر مع عَتيق. ج - وعند الحديث (837): قال الحافظ ابن حجر: هذا علَّقه البخاري عن عُمرَ، فذَكَرتُ في «تغليق التعليق»، مَن وَصَله، وهو في كتاب أشهر من هذا الجزء.
الاستدراك الخامس: إتيانه بنص لا وجود لها في النسخة الخطية
الاستدراك الخامس: إتيانه بنص لا وجود لها في النسخة الخطية في ص/419: طلاق الحائض: قال مالك، عن نافع: أنَّ عبد الله ابن عمر طلَّق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعدُ، وإن شاء طلَّق قبل أن يمسَّ، فتلك العدَّة التي أمر الله أن يُطلَّق لها النساء». وهذا النص لا وجود له في النسخة الخطية، ولا أدري من أين جاء به؟!
وأخيرا: وقفة مع حواشي الدكتور قلعجي
وأخيرًا: وقفة مع حواشي الدكتور قلعجي: من عادة الدكتور قلعجي في تحقيقاته للكتب أن يُكثر من الحواشي التي لا حاجة إليها، والتي لا تقدِّم أي خدمة للنص المحقَّق، ومن أبرز النماذج على ذلك: ما صنعه في تحقيقه لـ «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي، و «الاستذكار» لابن عبد البر، وشبيه بهما ما صنعه في هذا الكتاب، فإن كثيرًا من حواشيه بعيدة كل البعد عن خدمة النص، ولو أن الدكتور قلعجي أولى النص الخدمة اللائقة لما كان عليه عتب في هذه الحواشي لو كان يرى لها فائدة، لكنه -وللأسف- عكس الأمر، فأهمل النص، وانشغل بغيره!! وهذه بعض النماذج من حواشي الدكتور: في ص/108، حاشية (11) علَّق على حديث «إنما الأعمال بالنيات» تعليقًا فقهيًا في ثلاثين سطرًا لا حاجة إليه إطلاقًا! وترك التعليق على سقط في المخطوط لم ينبِّه عليه! وقارن برقم (2) من طبعتنا. ص/132، حاشية (89) ترجم لابن حبان البُستي ترجمة مطولة في أكثر من عشرين سطرًا، وترك التعليق على ما هو أهم، فقارن برقم (36، 37) من طبعتنا، لترى الفرق بين التعليقين. ولا أدري ما الفائدة من هذه الترجمة؟! وهناك عشرات المصنِّفين لم يترجم لهم، فلماذا اختار ابن حبان من بينهم؟! وفي ص/153، حاشية (47) علَّق على قول عمر رضي الله عنه: «أكِنَّ الناس من المطر، وإيَّاك أن تحمِّر أو تصفِّر، فتَفتن الناس»، تعليقًا فقهيًا في ثلاثين
سطرًا في النهي عن زخرفة المساجد، وأول مَن زخرفها، وكل هذا لا حاجة إليه! وفي ص/173، حاشية (99) ترجم لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في سبعة عشر سطرًا، ولا أدري ما الفائدة من هذه الترجمة؟! وهي ليست منهجًا له في الكتاب، فهناك مئات الرواة من الصحابة وغيرهم أغفل تراجمهم! وفي ص/184، حاشية (123) ترجم لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ستة وأربعين سطرًا! ولم يكتف بالترجمة التي كتبها في المقدمة في تسعة وثلاثين صفحة، زد على هذا أنه ترك التعليق على قول عمر: «إني لأجهِّز جيشي وأنا في الصلاة»، فبعد أن عزاه للبخاري معلَّقًا، لم يكلِّف نفسه عناء البحث عمَّن وَصَله! وفي ص/190، حاشية (132) علَّق على قول عمر -رضي الله عنه-: «إنَّ الله لم يَفرض السُّجودَ إلا أن نشاء»، تعليقًا فقهيًا مطوَّلا في ثمانية عشر سطرًا، سرد فيه أقوال العلماء في عدم وجوب سجود التلاوة! وكذا صنع في الحاشية التي تليها! وكل هذا حشو ليس فيه كبير فائدة عند تحقيق كتاب حديثي كهذا. وفي ص/196 - 198، حاشية (151 - 157) ترجم لجماعة من الصحابة والرواة، وترك التعليق على النص في مواضع مشكِلة، فقارن برقم (121، 122) من طبعتنا. وفي ص/442 - 452، حاشية (14 - 47) علَّق عدَّة تعليقات فقهية متفرقة عن أحكام الدِّية، ونقل كثيرًا من آراء الفقهاء في ذلك، وترك متن الكتاب لا شأن له به!
وهكذا يصنع الدكتور -غفر الله له- في جميع الكتب التي يحقِّقها، ولست ألوم الدكتور على صنيعه هذا -إن كان يرى فيه فائدة-، وإنما ألومه على إهماله لخدمة النص الذي هو الغاية المنشودة من تحقيق الكتب.
فهرس الفوائد
فهرس الفوائد سماع محمد بن سواء من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط 1/ 136 حديث من «مستدرك الحاكم» ليس في المطبوع، ولا «إتحاف المهرة» 1/ 217 شروط عمر على أهل الذمة محل إجماع 2/ 224 توقف أبي حاتم الرازي في تصحيح حديث 1/ 389 درة من درر الإمام الألباني 2/ 381 بين ابن أبي حاتم الرازي والدارقطني 1/ 207 بين الإمام أحمد والحاكم والدارقطني 1/ 218 بين البخاري والدارقطني 1/ 233 بين ابن المديني وأبي حاتم والدارقطني 1/ 390 بين الإمام أحمد وابن المديني والنسائي وابن حبان 1/ 418 بين الدارقطني والطحاوي وابن حبان وابن القطان الفاسي والألباني 1/ 644 بين ابن المديني وأبي زرعة 2/ 315 بين الدارقطني وابن كثير 2/ 364 بين ابن تيمية وابن حزم والبوصيري 2/ 374 بين ابن حزم والبيهقي وابن كثير والهيثمي 2/ 499 الاختلاف بين الرفع والوقف:2/ 155
السقط
السقط: سقط في مخطوط «مسند الفاروق» 1/ 262 سقط في «المطر والرعد والبرق» لابن أبي الدُّنيا 1/ 320 سقط في «المداراة» لابن أبي الدُّنيا 1/ 373 سقط في «المستدرك»، و «إتحاف المهرة» 1/ 404 و 2/ 540 سقط في «سنن الترمذي» 1/ 409 سقط في «غريب الحديث» لأبي عبيد 1/ 415، 451، 600، 623 سقط في «مصنف ابن أبي شيبة» 1/ 464، 626 سقط في «علل الدارقطني» 1/ 493 سقط في «مسند أحمد» 1/ 494 سقط في «الأحاديث المختارة» 2/ 323 سقط في «جامع معمر» 2/ 444 سقط في «سنن الدارقطني» 1/ 562 سقط في «المقصد العلي» للهيثمي 1/ 613 التصحيفات: تصحيف في «المقصد العلي» 1/ 181، 209 و 2/ 260 تصحيف في «سنن الدارقطني» 1/ 112 تصحيف في «جزء علي بن حرب» 1/ 126 تصحيف في «مصنف ابن أبي شيبة» 1/ 127، 133 تصحيف في «سنن النسائي» 1/ 151 تصحيف في «فضائل القرآن» للمستغفري 1/ 153 تصحيف في «سنن ابن ماجه» 1/ 157 تصحيف في «سنن النسائي الكبرى» 1/ 234 تصحيف في «المنتظم» لابن الجوزي 1/ 261 تصحيف في «فضائل رمضان» لابن أبي الدُّنيا 1/ 261 تصحيف في «الترغيب والترهيب» للأصبهاني 1/ 261 تصحيف في «سنن الترمذي» 1/ 263 تصحيف في «تاريخ المدينة» لابن شبة 1/ 353 تصحيف في «تاريخ دمشق» لابن عساكر 1/ 395، 396 تصحيف في «الأموال» لأبي عبيد 2/ 232 تصحيف في مخطوط «مسند الفاروق» 2/ 239 تصحيف في «غريب الحديث» لأبي عبيد 2/ 248 تصحيف في «الإشراف على منازل الأشراف» لابن أبي الدُّنيا 2/ 328
التحريفات
التحريفات: تحريف في «سنن الدارقطني» 1/ 450 تحريف في «غريب الحديث» لأبي عبيد 1/ 451، 600 تحريف في «الأحاديث المختارة» 1/ 501، 551 تحريف في «علل ابن أبي حاتم» 1/ 505 تحريف في «حلية الأولياء» 1/ 530 و 2/ 614 تحريف في «إصلاح المال» لابن أبي الدُّنيا 1/ 554، 555، 571 و 2/ 538 تحريف في «سنن سعيد بن منصور» 1/ 580 تحريف في «الأوسط» لابن المنذر 2/ 228 تحريف في «الأموال» لأبي عبيد وابن زنجويه 2/ 228 تحريف في مخطوط «مسند الفاروق» 2/ 228 تحريف في «مصنف ابن أبي شيبة» 2/ 230 تحريف في «الكنى والأسماء» للدُّولابي 2/ 399 تحريف في «المقصد العلي» للهيثمي 2/ 526 تحريف في «الدعاء» للطبراني 2/ 528 تحريف في «المعجم الصغير» للطبراني 2/ 530 تحريف في «علل الدارقطني» 2/ 545 تحريف في «السنة» لابن أبي عاصم 2/ 558
الاختلافات
الاختلافات: اختلاف بين نسخ «مسند الإمام أحمد» 1/ 135، 156، 160، 209، 213، 254، 281، 282، 288، 296، 339، 346، 360، 380، 388، 398، 422، 496، 536، 574 الاختلاف بين نسخ «سنن الدارقطني» 1/ 139، 188، 269، 508 اختلاف بين نسخ «الأحاديث المختارة» للضياء المقدسي 1/ 163 الاختلاف بين نسخ «صحيح البخاري» 1/ 200، 292، 360، 566، 567، 587، 597، 598، 599 و 2/ 269، 297 - 298، 313، 372، 522 الاختلاف بين نسخ «غريب الحديث» لأبي عبيد 1/ 228 الاختلاف بين نسخ «المعجم الصغير» للطبراني 1/ 241 الاختلاف بين نسخ «المعجم الأوسط» للطبراني 1/ 241، 411 الاختلاف بين نسخ «الأم» للشافعي 1/ 315، 316، 368، 374، 375 الاختلاف بين نسخ «صحيح ابن حبان» 1/ 248، 379 الاختلاف بين نسخ «مجابو الدعوة» لابن أبي الدُّنيا 1/ 320 الاختلاف بين نسخ «القبور» لابن أبي الدُّنيا 1/ 345، 358 الاختلاف بين نسخ «البعث» لابن أبي الدُّنيا 1/ 356 الاختلاف بين نسخ «المستدرك» 1/ 383 الاختلاف بين نسخ «الغيلانيات» 1/ 405
الاختلاف بين نسخ «مسند البزار» 1/ 478 و 2/ 342، 579، 591 الاختلاف بين نسخ «سنن أبي داود» 1/ 539، 608 و 2/ 333، 476، 478، 548 الاختلاف بين نسخ «صحيح مسلم» 1/ 544، 545 و 2/ 488، 608 اختلاف بين نسخ «الأدب المفرد» 1/ 553 الاختلاف بين نسخ «سنن النسائي الكبرى» 1/ 602، 636 و 2/ 548 الاختلاف بين نسخ «الموطأ» لمالك 1/ 614، 625 و 2/ 331، 536 اختلاف في نقل حكم الترمذي 1/ 641 اختلاف في إسناد بين المطبوع من «الأموال» لأبي عبيد، و «أحكام أهل الذمة» لابن القيم، و «أحكام أهل الملل» للخلال 2/ 228 - 229 الاختلاف في سياق إسنادين بين ابن كثير وابن تيمية 2/ 231 الاختلاف بين نسخ «حلية الأولياء» لأبي نعيم 2/ 270، 614، 615، 617 الاختلاف بين نسخ «تاريخ بغداد» 2/ 274 اختلاف بين نسخ «أخبار القضاة» لوكيع بن خلف 2/ 320 الاختلاف بين نسخ «التاريخ الكبير» للبخاري 2/ 333 الاختلاف بين نسخ «مسند الطيالسي» 2/ 335، 442، 443 الاختلاف بين نسخ «مصنف ابن أبي شيبة» 2/ 344 الاختلاف بين نسخ «سنن البيهقي» 2/ 345 ذِكر ابن كثير لإسناد للبخاري لا وجود له في المطبوع، ولا في «تحفة الأشراف» 2/ 373 الاختلاف بين نسخ «تفسير ابن أبي حاتم» 2/ 386 الاختلاف بين نسخ «سنن الترمذي» 2/ 408 الاختلاف بين نسخ «المعجم الكبير» للطبراني 2/ 447 الاختلاف بين نسخ «مسند أبي يعلى» 2/ 519، 524، 644 الاختلاف بين نسخ «الجرح والتعديل» و «العلل» لابن أبي حاتم 2/ 519 الاختلاف بين نسخ «الزاهر في معاني كلمات الناس» لابن الأنباري 2/ 531 الاختلاف بين نسخ «دلائل النبوة» للبيهقي 2/ 639
الاستدراكات
الاستدراكات: استدراك على محقق «الكواكب النيرات» لابن الكيال 1/ 136 استدراك على عبدالعزيز الطريفي 1/ 134 استدراك على الشيخ بكر أبو زيد 1/ 326 استدراك على الإمام علي بن المديني 2/ 449 التعقبات: تعقبات أهل العلم بعضهم على بعض: تعقب أحمد شاكر والألباني للترمذي 1/ 120، 121 تعقب ابن التركماني للبيهقي 1/ 203 تعقب الألباني للزيلعي 1/ 591 تعقب الذهبي للحاكم 1/ 643، 2/ 436، 446، 534، 581، 590 تعقب أحمد شاكر لابن حجر 2/ 178 تعقب الألباني لحسين أسد 2/ 318 تعقب ابن حجر وأحمد شاكر لابن حزم 2/ 319 تعقب الألباني للعقيلي 2/ 329 تعقب الألباني لابن القيم 2/ 422 تعقب الألباني للحاكم والذهبي 2/ 446 تعقب ابن حجر لابن كثير 2/ 585 تعقبات المحقق: تعقب المحقق لابن كثير 1/ 113، 115، 122، 143، 157، 179، 198، 202، 240، 277، 286، 287، 301، 323، 329، 333، 371، 374، 376، 392، 462، 544، 548، 580، 610 و 2/ 229، 288، 306، 351، 352، 381، 398، 474، 501، 542، 543، 574، 575، 578، 602، 639 تعقب المحقق لمحققي «مسند الإمام أحمد» ط مؤسسة الرسالة 1/ 114، 123، 124، 135، 156، 197، 233، 246، 366، 390، 418، 439، 465، 497، 499، 535، 565، 576، 620، 621 و 2/ 375، 545، 593 تعقب المحقق لعمرو عبد المنعم سليم 1/ 116، 418، 501 تعقب المحقق للدارقطني 1/ 140 تعقب المحقق للدكتور أحمد فارس السلوم 1/ 147
تعقب المحقق لابن القطان الفاسي 1/ 267 تعقب المحقق لأحمد شاكر 1/ 377 تعقب المحقق لابن شاهين 1/ 379 تعقب المحقق للبزار 1/ 389 تعقب المحقق لابن حجر 1/ 395، 469 و 2/ 177، 434 تعقب المحقق لابن الجوزي 1/ 221 تعقب المحقق للألباني 1/ 200، 221، 228، 277، 621 و 2/ 370، 446، 639 تعقب المحقق لعبد الملك بن دهيش 1/ 241 تعقب المحقق لابن القيم 1/ 244 تعقب المحقق لسليم الهلالي 1/ 321 و 2/ 529 تعقب المحقق للحاكم والذهبي 1/ 398 و 2/ 361 تعقب المحقق للدكتور خالد المطيري في تحقيقه لـ «الزيادات على المزني» 1/ 653 تعقب المحقق للدكتور جمال فرحات صاولي في تحقيقه لـ «المطالب العالية» لابن حجر 2/ 164 تعقب المحقق لحاتم عارف الشريف 2/ 501 تعقب المحقق للبوصيري 1/ 523 و 2/ 414، 539 تعقب المحقق لشعيب الأرناؤوط 1/ 621 و 2/ 177، 501 تعقب المحقق لحسين محمد علي شكري 1/ 523 تعقب المحقق لأبي إسحاق الحويني 1/ 565، 621 و 2/ 358 تعقب المحقق لحسين سليم أسد 2/ 177، 185، 186 و 2/ 318 تعقب المحقق لابن حزم وابن القطان الفاسي 2/ 88 تعقب المحقق لابن حزم والبيهقي 2/ 499
فهرس مصادر التحقيق
فهرس مصادر التحقيق المصادر المخطوطة: الأوسط لابن المنذر. أمالي المحاملي. رواية ابن مهدي الفارسي. جزء الرافقي. جزء علي بن حرب. فوائد الحنائي. سنن الترمذي. علل الدارقطني. المصادر المطبوعة: الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم. تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة. نشر: دار الراية (الرياض). ط/1/ 1411 هـ. آداب الزفاف للألباني. الآداب الشرعية لابن مفلح الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة. تحقيق: رضا بن نعسان معطي وآخرين. نشر: دار الراية (الرياض) ط/1/ 1415 هـ. إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري. تحقيق: أبي تمام ياسر بن إبراهيم. نشر: دار الوطن. (الرياض) إتحاف السالك برواة الموطأ عن مالك. إتحاف المهرة لابن حجر إتحاف النبلاء بأدلة تحريم إتيان المحل المكروه من النساء إثبات عذاب القبر للبيهقي. تحقيق: د. شرف محمود القضاة. نشر: دار الفرقان. ط/1/ 1403 هـ. الأجوبة النافعة عن أسئلة مسجد الجامعة للألباني الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس للدارقطني. تحقيق: رضا بن خالد الجزائري. نشر: مكتبة الرشد (الرياض) ط/1/ 1418 هـ. الأحاديث المختارة لضياء الدين المقدسي. تحقيق: د. عبد الملك بن دهيش. نشر: مكتبة النهضة (مكة المكرمة). ط/
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ترتيب ابن بلبان الفارسي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/2/ 1414 هـ. أحكام أهل الذمة لابن القيم أحكام أهل الملل للخلال. تحقيق سيد كسروي حسن. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت) ط/1/ 1414 هـ. أحكام الجنائز للألباني. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم. أحكام النظر لابن القطان الأحكام الوسطى لعبد الحق الإشبيلي. تحقيق: حمدي السلفي وصبحي السامرائي. نشر: مكتبة الرشد (الرياض). سنة 1416 هـ. أخبار أصبهان أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي. أخبار عمر بن عبد العزيز للآجري. أخبار القضاة أخبار مكة للفاكهي. تحقيق: د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش. نشر: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة (مكة المكرمة). ط/1/ 1407 هـ. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي. تحقيق: رشدي الصالح ملحس. طبعة: مطابع دار الثقافة (مكة المكرمة). ط/2/ 1385 هـ. اختصار علوم الحديث لابن كثير. الإخلاص والنية لابن أبي الدُّنيا. الأدب المفرد للبخاري. الأربعون العشارية للعراقي. الإرشاد للخليلي إرشاد الساري شرح صحيح البخاري إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه لابن كثير. تحقيق: بهجة يوسف حمد أبو الطيب. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1416 هـ. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل لمحمد ناصر الدين الألباني. نشر: المكتب الإسلامي. ط/1. سنة 1399 هـ. أساس البلاغة للزمخشري أسباب النزول للواحدي. تحقيق: السيد أحمد صفر. نشر: دار القبلة (جدة)
ومؤسسة علوم القرآن (بيروت). ط/3/ 1407 هـ. أساس البلاغة للزمخشري الاستذكار لابن عبد البر. تحقيق: عبد الرزاق المهدي. نشر: دار إحياء التراث العربي (بيروت) ط/1/ 1421 هـ. الاستيعاب لابن عبد البر. تحقيق: علي محمد البجاوي. الأسماء والصفات للبيهقي. الإشراف على منازل الأشراف لابن أبي الدُّنيا. الإصابة في تمييز الصحابة. للحافظ ابن حجر العسقلاني. تحقيق: إصلاح المال لابن أبي الدُّنيا. أطراف الغرائب والأفراد لابن طاهر المقدسي. إطراف المسنِد المعتلي لابن حجر العسقلاني. تحقيق: د. زهير بن ناصر الناصر. نشر: دار ابن كثير (دمشق). الاعتصام للشاطبي. الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للبيهقي. اعتلال القلوب للخرائطي. إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن قيم الجوزية. تحقيق: علي حسن عبد الحميد. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام) ط/1/ 1424 هـ. الاقتراح لابن دقيق العيد. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية. تحقيق: د. ناصر عبد الكريم العقل. نشر: دار العاصمة (الرياض). ط/6/ 1419 هـ. أقضية الخلفاء الراشدين. الإقناع للحجاوي. الإقناع لابن المنذر إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي. الإكمال لابن ماكولا. نشر: محمد أمين دمج (بيروت). نشر: مطبعة دائرة المعارف العثمانية (الهند). ط/1/ 1381 هـ. الإلمام لابن دقيق العيد.
الأم للشافعي. نشر: دار المعرفة (بيروت). ط/ 2/ 1393 هـ. الأمالي لابن بشران. أمالي المحاملي. رواية ابن البيع. الأمالي في آثار الصحابة لعبد الرزاق. تحقيق: مجدي السيد إبراهيم. نشر: مكتبة القرآن (القاهرة). الأمالي المطلقة لابن حجر الإمام في معرفة أحاديث الأحكام. لابن دقيق العيد. الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع لابن حجر. تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد. نشر: الدار السلفبة (الكويت) ط/1/ 1408 هـ. الأمثال لأبي الشيخ الأصبهاني. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال. تحقيق عمرو عبد المنعم سليم. نشر: مكتبة الصحابة (الإمارات) ط/1/ 1426 هـ. الأموال لأبي عبيد. الأموال لحميد بن زنجويه. الانتصار في المسائل الكبار للكلوذاني. تحقيق: مجموعة من أهل العلم. نشر: مكتبة العبيكان (الرياض). ط/1/ 1413 هـ. أنساب الأشراف للبلاذري. الأوائل لأبي عروبة الحراني الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر. تحقيق: د. صغير أحمد بن محمد حنيف. نشر: دار طيبة (الرياض). ط/1. الإيمان لابن أبي شيبة البحر الزخار للبزار. تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله. نشر: مؤسسة علوم القرآن (بيروت)، ومكتبة العلوم والحكم (المدينة). ط/1. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/2/ 1406 هـ. (مصورة عن طبعة مطبعة المطبوعات العلمية بمصر) سنة 1327 هـ. البداية والنهاية للحافظ ابن كثير. تحقيق: محمد عبد العزيز النجار. نشر: مكتبة الفلاح (الرياض). بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد البدر المنير
البر والصلة لابن المبارك البعث والنشور للبيهقي البعث لابن أبي داود بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثمي. تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني. نشر: دار الطلائع (القاهرة). بيان الدليل على بطلان التحليل بيان الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي. تحقيق: د. الحسين آيت سعيد. نشر: دار طيبة (الرياض). ط/1/ 1418 هـ. تاريخ ابن معين رواية الدوري تاريخ أبي زرعة الدمشقي. تحقيق: د. سعدي الهاشمي. نشر: الجامعة الإسلامية (المدينة المنورة). ط /1/ 1402 هـ تاريخ الإسلام للذهبي تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين تاريخ الأمم والملوك للطبري التاريخ الأوسط للبخاري وتحقيق: تاريخ الرقة تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. نشر: دار الكتاب العربي (بيروت). وتحقيق: بشار عواد معروف التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة التاريخ الكبير للإمام البخاري. نشر: المكتبة الإسلامية (تركيا) (مصورة عن الطبعة الهندية). تاريخ مصر والمغرب لابن عبد الحكم. تحقيق: علي محمود عمر. نشر: مكتبة الثقافة الدينية (مصر). تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر. نشر: دار الفكر (بيروت). ط/1. تاريخ المدنية المنورة لابن شبة النميري. تحقيق: فهيم محمد شلتوت. ط / سنة 1399 هـ. تاريخ واسط لبحشل تالي تلخيص المتشابه للخطيب البغدادي التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل التدوين للرافعي تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألباني
تحفة الأشراف للمزِّي. تحقيق: عبد الصمد شرف الدين. نشر: المكتب الإسلامي. ط/2/ 1403 هـ. وتحقيق: بشار عواد معروف تحفة التحصيل تحفة الصديق تحفة الفقهاء تحفة المحتاج التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي. تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزيلعي. تحقيق: سلطان بن فهد الطبيشي. نشر: دار ابن خزيمة (الرياض) ط/1/ 1414 هـ. تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني لأبي محمد عبد الله بن يحيى بن أبي بكر يوسف الغساني. تحقيق: أشرف بن عبد المقصود بن عبد الرحيم. نسر: عالم الكتب (الرياض) ط/1/ 1411 هـ. التخويف من النار لابن رجب. تحقيق: طلعت بن فؤاد الحلواني. نشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر (القاهرة) ط/1/ 1425 هـ. تذكرة الحفاظ تذكرة المحتاج ترتيب مسند الشافعي تأليف: السيد يوسف علي الزواوي الحسيني والسيد عزت العطار الحسيني. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1370 هـ. الترغيب والترهيب للمنذري. تحقيق: محيي الدين مستو وسمير أحمد العطار ويوسف علي بديوي. نشر: دار ابن كثير (دمشق). ط/1/ 1414 هـ. الترغيب والترهيب لأبي القاسم الأصبهاني. تحقيق: أيمن صالح شعبان. نشر: دار الحديث (القاهرة). ط/1/ 1414 هـ. الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين. تحقيق: صالح أحمد الوعيل. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام) ط/1/ 1415 هـ. تصحيفات المحدثين للعسكري. تحقيق: محمود أحمد ميرة. ط/1/ 1402 هـ. التعازي لأبي الحسن المدائني تعجيل المنفعة
تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي. تحقيق: د. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. نشر: مكتبة الدار (المدينة المنورة). ط/1/ 1406 هـ. التعليقات على لمجروحين تغليق التعليق لابن حجر العسقلاني. تحقيق: سعيد عبد الرحمن القزقي. نشر: المكتب الإسلامي. ط/1/ 1405 هـ. تقريب البغية تفسير ابن أبي حاتم. تحقيق: أسعد محمد الطيب. نشر: مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة). ط/1/ 1417 هـ. تفسير ابن جرير الطبري = انظر: جامع البيان تفسير ابن المنذر تفسير القرآن العزيز لعبد الرزاق. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار المعرفة (بيروت) ط/1/ 1411 هـ. تفسير القرآن العظيم لابن كثير. نشر: مطبعة الاستقامة (القاهرة). ط/2/ 1373 هـ. تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني. تحقيق: أبي الأشبال. نشر: دار العاصمة (الرياض). ط/1/ 1416 هـ. تقييد العلم للخطيب البغدادي التلخيص الحبير تلخيص المتشابه في الرسم للخطيب. تحقيق: سكينة الشهابي. نشر: دار طلاس (سوريا). ط/1/ 1985 م. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر. تحقيق: مجموعة من العلماء. نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية. وتحقيق: تنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عراق الكناني. تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/ 2/ 1401 هـ. تنقيح تحقيق أحاديث التعليق لابن عبد الهادي المقدسي. تحقيق: أيمن صالح شعبان. نشر: دار الكتب العلمية. ط/1/ 1419 هـ. التهجد وقيام الليل لابن أبي الدُّنيا
تهذيب الآثار للطبري تهذيب التهذيب لابن حجر تهذيب سنن أبي داود لابن قيم الجوزية. تحقيق: أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي. نشر: دار المعرفة (بيروت). سنة 1400 هـ. تهذيب الكمال للمزِّي. تحقيق: بشّار عواد معروف. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1. التوسل للألباني الثقات لابن حبان الثقات للعجلي الجامع لابن وهب جامع الأحاديث (الجامع الصغير وزياداته والجامع الكبير) للسيوطي. جمع وترتيب: عباس أحمد صقر، وأحمد عبدالجواد. نشر: المكتبة التجارية (مكة المكرمة) ط/1414 هـ. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي. تحقيق: د. محمود الطحان. نشر: مكتبة المعارف (الرياض). سنة 1403 هـ. جامع الأصول جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر. تحقيق: أبي الأشبال الزهيري. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام). ط/1/ 1414 هـ. جامع البيان في تفسير القرآن للطبري. نشر: مصطفى البابي الحلبي (مصر) ط/ 2/ 1373 هـ. وتحقيق: أحمد محمد شاكر وتحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف سنة 1398 هـ. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) للترمذي تحقيق: أحمد شاكر. نشر: جامع المسانيد لابن الجوزي. تحقيق: د. علي حسين البوّاب. نشر: مكتبة الرشد (الرياض) ط/1/ 1426 هـ. جامع المسانيد والسنن لابن كثير. تحقيق: د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش. نشر: مكتبة النهضة (مكة) ط/2/ 1419 هـ، وط/3/ 1425 هـ. وتحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار الفكر (بيروت) ط/1415 هـ.
جامع معمر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم جزء ابن عيينة جزء ابن الغطريف جزء أبي سعيد الأشج جزء أحاديث الشعر لعبد الغني المقدسي جزء الألف دينار جزء الحسن بن عرفة جزء علي بن حرب جزء العلاء بن موسى جزء في بيع أمهات الأولاد لابن كثير. تحقيق: عمر بن سليمان الحفيان. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/1/ 1427 هـ. جزء لوين الجعديات لأبي القاسم البغوي. تحقيق: د. عبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي. نشر: مكتبة الفلاح (الكويت). ط/1/ 1405 هـ. جلباب المرأة المسلمة لمحمد ناصر الدين الألباني. نشر: المكتبة الإسلامية (عمان) ط/3/ 1417 هـ. الجليس الصالح جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن قيم الجوزية. تحقيق: مشهور حسن آل سلمان. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام). ط/1/ 1417 هـ. الجمع بين رجال الصحيحين للكلاباذي جمهرة الأجزاء الحديثية الجهاد لابن المبارك الجوع لابن أبي الدُّنيا الجوهر النقي لابن التركماني. مطبوع بهامش السنن الكبرى للبيهقي. نشر: دار المعرفة. (مصورة). حادي الأرواح لابن القيم. تحقيق: علي الشربجي وقاسم النوري. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/3/ 1424 هـ. حاشية ابن عابدين
الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني. ترتيب وتصحيح وتعليق: مهدي حسن الكيلاني القادري. طبع: مطبعة المعارف الشرقية بحيدرآباد (الهند) سنة 1385 هـ. نشر: عالم الكتب. الحجة في بيان المحجة حديث أبي الفضل الزهري حديث إسماعيل بن جعفر الحديث الحسن لذاته ولغيره. دراسة استقرائية نقدية. د. خالد منصور الدِّريس. نشر: مكتبة أضواء السلف (الرياض) ط/1/ 1426 هـ. حديث علي بن حجر السعدي حديث محمد بن عبد الله الأنصاري. تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني. نشر: مكتبة أضواء السلف (الرياض). ط/1/ 1418 هـ. حديث مصعب الزبيري حديث هشام بن عمار. تحقيق د عبد الله بن وكيل الشيخ. نشر: دار إشبيليا (الرياض) ط/1/ 1419 هـ. الحسن بمجموع الطرق في ميزان المتقدمين والمتأخرين لعمرو عبد المنعم سليم. حفظ العمر لابن الجوزي حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني. نشر: دار الكتاب العربي (بيروت). ط/ 2/ 1387 هـ. الخراج ليحيى بن آدم خلق أفعال العباد للبخاري خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للنووي. تحقيق: حسين إسماعيل الجمل. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1418 هـ. خلاصة البدر المنير الخلافيات للبيهقي. تحقيق: مشهور حسن سلمان. نشر: دار الصميعي (الرياض) ط/1/ 1415 هـ. الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر العسقلاني. تحقيق: عبد الله هاشم اليماني. نشر: مطبعة الفجالة الجديدة (القاهرة) سنة 1384 هـ. الدرالمنثور في التفسير بالمأثورللسيوطي وتحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي الدرر الكامنة لابن حجر
الدعاء للطبراني. تحقيق: د. محمد سعيد بن محمد حسن البخاري. نشر: دار البشائر الإسلامية (بيروت). ط/1/ 1407 هـ. الدعاء لمحمد بن فضيل بن غزوان. تحقيق: أحمد البزرة. نشر: مكتبة لينة (القاهرة) ط/1/ 1415 هـ. الدعوات الكبير للبيهقي دلائل النبوة لأبي نعيم دلائل النبوة للبيهقي. تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1/ 1405 هـ. الديات لابن أبي عاصم الذخيرة لشهاب الدين القرافي. تحقيق: د. محمد حجي وغيره. نشر: دار الغرب الإسلامي (بيروت). ذم الكلام وأهله لأبي إسماعيل الهروي. ضبط وتخريج وتعليق: عبد الله بن محمد الأنصاري. نشر: مكتبة الغرباء الأثرية (المدينة المنورة). ط/1/ 1419 هـ. ذم الهوى لابن الجوزي. تحقيق: مصطفى عبد الواحد. ط/1/ 1381 هـ. ذيل تذكرة الحفاظ الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد الرد على الجهمية لابن منده الرد على من يقول: القرآن مخلوق لأبي بكر النجاد الرسالة للإمام الشافعي. تحقيق أحمد محمد شاكر. طبعة: مصطفى البابي الحلبي ط/1/ 1358 هـ. رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار الرقة والبكاء لابن أبي الدُّنيا الرقة والبكاء لابن قدامة روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي روضة العقلاء لابن حبان رياض الصالحين زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1399 هـ.
الزاهر في معاني كلمات الناس لابن الأنباري. تحقيق: د. حاتم صالح الضامن. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/1/ 1412 هـ. الزهد للإمام أحمد. تحقيق: محمد بسيوني زغلول. نشر: ونشرة أخرى: طبع دار الريان (مصر) ط/1/ 1408 هـ. الزهد لهناد بن السري الزهد لوكيع بن الجراح الزهد والرقائق لابن المبارك. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: مجلس إحياء المعارف (الهند). دار الكتب العلمية. الزيادات على كتاب المزني سؤالات الآجري سؤالات أبي بكر البرقاني للدارقطني في الجرح والتعديل رواية أبي غالب محمد بن الحسن بن أحمد الكرجي. تحقيق: مجدي السيد إبراهيم. نشر: مكتبة الساعي (الرياض). سؤالات حمزة السهمي سبعة مجالس من أمالي أبي طاهر المخلص سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني. نشر: مكتبة المعارف الرياض. ط/. سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني. نشر: مكتبة المعارف الرياض. ط/1. السُّنة لابن أبي عاصم. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. نشر: المكتب الإسلامي. ط/1/ 1400 هـ. السنة لعبد الله بن الإمام أحمد السنة للخلال السنة للمروزي سنن ابن ماجه. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. نشر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي). سنة 1372 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: خليل مأمون شيحا. سنن أبي داود. تحقيق: محمد عوامة. نشر: سنن الترمذي سنن الدارمي. تحقيق: حسين سليم أسد. نشر: دار المغني (الرياض). ط/1/ 1421 هـ. سنن الدارقطني. تحقيق: عبد الله هاشم اليماني. نشر: دار المحاسبة للطباعة (القاهرة)
سنة 1386 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق سنن سعيد بن منصور السنن الكبرى للبيهقي. نشر: دار الفكر (مصورة عن طبعة الهند). السنن الكبرى للنسائي. تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي. ط/1/ 1422 هـ. سنن النسائي. تحقيق: مكتب تحقيق التراث الإسلامي. نشر: دار المعرفة (بيروت). ط/1/ 1411 هـ. السير للفزاري سير أعلام النبلاء للذهبي. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت). ط/1. سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث لابن المبرد السير الكبير لمحمد بن الحسن سيرة ابن هشام شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي. تحقيق: د. أحمد سعد حمدان. نشر: دار طيبة (الرياض). شرح الزرقاني على موطأ مالك شرح السُّنة للبغوي. تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط. نشر: المكتب الإسلامي (بيروت). ط/ 1/ 1390 هـ. شرح صحيح مسلم للنووي = المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج شرح علل الترمذي لابن رجب. تحقيق: نور الدين عتر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني ونشرة أخرى، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد الله بن عبد المحسن التركي شرح فتح القدير للشوكاني شرح كتاب الصيام من عمدة الفقه لابن تيمية شرح الكوكب المنير شرح مشكل الآثار لأبي جعفر الطحاوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت). ط/1/ 1415 هـ. شرح معاني الآثار لأبي جعفر الطحاوي. تحقيق: يوسف المرعشلي. نشر: شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي الشريعة للآجري. تحقيق: د. عبد الله بن عمر الدميجي. نشر: دار الوطن (الرياض). ط/1/ 1418 هـ.
شعب الإيمان للبيهقي الشمائل المحمدية للترمذي. تحقيق: الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية. تحقيق: محمد بن عبد الله بن عمر الحلواني، ومحمد كبير أحمد شودري. نشر: رمادي للنشر (الدمام) ط/1/ 1417 هـ. الصارم المنكي في الرد على السبكي الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. نشر: دار العلم للملايين (بيروت). ط/ 3/ 1399 هـ. الأدب المفرد للبخاري. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني صحيح البخاري. تحقيق: د محمد زهير بن ناصر الناصر. نشر: دار طوق النجاة (بيروت) ط/1/ 1422 هـ. صحيح ابن حبان = الإحسان صحيح ابن خزيمة. تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي. نشر: المكتب الإسلامي. صحيح الترغيب والترهيب للألباني صحيح سنن ابن ماجه للألباني. نشر مكتبة المعارف (الرياض) ط/1/ 1417 هـ. صحيح سنن أبي داود للألباني صحيح سنن النسائي للألباني صحيح مسلم. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. نشر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي). ط/1/ 1374 هـ. الصفات للدارقطني صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني. تحقيق: علي رضا بن عبد الله بن علي رضا. نشر: دار المأمون (دمشق) ط/12/ 1415 هـ. صفة المنافق للفريابي صفة النفاق لأبي نعيم الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا الصيام للفريابي الضعفاء الكبير للعقيلي. تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1/ 1404 هـ. الضعفاء والمتروكين للدارقطني. تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر. نشر: مكتبة المعارف (الرياض). ط/1/ 1404 هـ.
ضعيف الترغيب والترهيب للألباني ضعيف سنن أبي داود للألباني الطبقات الكبرى لابن سعد. نشر: دار صادر (بيروت). ونشرة أخرى، تحقيق الدكتور علي محمد عمر. نشر: مكتبة الخانجي (مصر) ط/1/ 1421 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق زياد منصور. نشر: مكتبة جامع العلوم والحكم (المدينة النبوية) ونشرة أخرى، تحقيق: عبد العزيز السلومي طبقات المفسرين للداودي. مراجعة: لجنة من العلماء. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1/ 1403 هـ. طبقات المحدثين بأصبهان طريق الهجرتين وباب السعادتين الطيوريات العجاب في بيان الأسباب لابن حجر. تحقيق: عبد الحكيم محمد الأنيس. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام) ط/1/ 1418 هـ. العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني. تحقيق: رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري. نشر: دار العاصمة (الرياض) ط/1/ 1408 هـ. عِقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس. تحقيق: العقد الفريد لابن عبد ربه. تحقيق: محمد سعيد العريان. نشر: مطبعة الاستقامة (القاهرة) ط/2/ 1372 هـ. العقوبات لابن أبي الدنيا. تحقيق: محمد خير رمضان يوسف. نشر: دار ابن حزم (بيروت). ط/1/ 1416 هـ. علل ابن أبي حاتم ونشرة أخرى، تحقيق: الدباسي العلل لابن المديني. تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي ونشرة أخؤى، تحقيق الدكتور مازن السرساوي ونشرة أخرى، تحقيق دار غراس علل الأحاديث في كتاب الصحيح لابن عمار علل الترمذي الكبير. تحقيق: السيد صبحي السامرائي وغيره. نشر: عالم الكتب (بيروت). ط/ 1/ 1409 هـ. العلل الصغير للترمذي = سنن الترمذي العلل المتناهية لابن الجوزي
العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل. تحقيق: وصي الله عباس. نشر: المكتب الإسلامي (بيروت)، ودار الخاني (الرياض). ط/1/ 1408 هـ. العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني. تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله السلفي. نشر: دار طيبة (الرياض). ط/1. العلو للعلي العظيم للذهبي عمل اليوم والليلة لابن السني. تحقيق: سليم بن عيد الهلالي. نشر: دار ابن حزم (بيروت). ط/1/ 1422 هـ. عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي. تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان. نشر: مؤسسة قرطبة (مصر). ط/2/ 1388 هـ. العيال لابن أبي الدنيا. تحقيق: د. نجم عبد الرحمن خلف. نشر: دار ابن القيم (الدمام). ط/ 1/ 1410 هـ. غاية المقصد في زوائد المسند غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق: د حسين محمد محمد شرف والأستاذ مصطفى حجازي. نشر: مجمع اللغة العربية (مصر)، ط/1413 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: الغوامض والمبهمات الغيلانيات لأبي بكر الشافعي. تحقيق: حلمي كامل عبد الهادي. نشر: دار ابن الجوزي. ط/ 1/ 1417 هـ. الفتاوى الكبرى لابن تيمية فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب تحقيق: محمود بن شعبان عبد المقصود وغيره. نشر: مكتبة الغرباء (المدينة المنورة). ط/1/ 1417 هـ. فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني. نشر: المطبعة السلفية (مصر). الفتح السماوي في تخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي لعبد الرؤوف المناوي. تحقيق: أحمد مجتبى بن نذير عالم السلفي. نشر: دار العاصمة (الرياض) ط/1/ 1409 هـ. فتوح البلدان للبلاذري فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم. تحقيق: د علي محمد عمر. نشر" مكتبة الثقافة الدينية (مصر) ط/1415 هـ. الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية لابن علان. نشر: دار إحياء التراث العربي (بيروت).
فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد وذم الاختلاف لأبي العلاء الهمذاني الفرائض للثوري الفروع لابن مفلح الفصل للوصل المدرج في النقل فضائل أبي بكر لأبي خيثمة فضائل الشام لابن رجب فضائل الشام لابن عبد الهادي فضائل القرآن لابن أبي الدُّنيا فضائل القرآن لجعفر بن محمد المستغفري. تحقيق: الدكتور أحمد بن فارس السلوم. نشر: دار ابن حزم (بيروت) ط/1/ 1427 هـ. فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق: وهبي سليمان غاوجي. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1/ 1411 هـ. فضائل القرآن للفريابي. تحقيق: د. يوسف عثمان فضل الله جبريل. نشر: مكتبة الرشد (الرياض). ط/1/ 1409 هـ. فضائل بيت المقدس للضياء المقدسي فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لابن أبي عاصم فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل بن إسحاق القاضي. تحقيق: عبد الحق التركماني. نشر: دار رمادي للنشر (الدمام). ط/1/ 1417 هـ. الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي فوائد أبي أحمد الحاكم. تحقيق: الدكتور أحمد بن فارس السلوم. نشر: دار ابن حزم (بيروت) ط/1/ 1425 هـ. فوائد أبي محمد الفاكهي الفوائد لأبي القاسم تمام الرازي. تحقيق: الفوائد المعللة لأبي زرعة الدمشقي الفوائد المنتخبة لأبي إسحاق المزكي قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية. القبور لابن أبي الدُّنيا القدر لابن وهب القدر للفريابي
القراءة خلف الإمام للبخاري قصر الأمل لابن أبي الدُّنيا القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي القول المسدد في الذي عند مسند أحمد الكافي لابن قدامة الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي. نشر: دار الفكر (بيروت). ط/ الكبائر للذهبي. تحقيق: مشهور حسن سلمان كتاب التفسير من الجامع لابن وهب كتاب التوحيد لابن خزيمة. تحقيق: د. عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان. نشر: مكتبة الرشد (الرياض) ط/6/ 1418 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: سمير أمين الزهيري. نشر: دار المغني (الرياض) ط/1/ 1425 هـ. كتاب التمييز للإمام مسلم. تحقيق: كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين كتاب المجروحين لابن حبان. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. نشر: دار الوعي (حلب). ط/1/ 1396 هـ. كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني. كرامات الأولياء للالكائي. تحقيق: أحمد سعد حمدان. نشر: دار طيبة (الرياض) سنة 1412 هـ. كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1399 هـ. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي. ونشرة أخرى، تحقيق: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للهندي. ضبط: بكري حياتي وتصحيح: أحمد السقا. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت). سنة 1399 هـ. الكنى والأسماء للدولابي. تحقيق: نظر محمد الفاريابي. نشر: دار ابن حزم (بيروت). ط/1/ 1421 هـ. الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لابن الكيال. تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبي. نشر: دار المأمون للتراث. ط/1/ 1401 هـ. اللآلئ المصنوعة
لسان العرب لابن منظور. نشر: دار صادر (بيروت). لسان الميزان لابن حجر العسقلاني. نشر: مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية (حيدر آباد، الهند) سنة 1329 هـ. المؤتلف والمختلف للدارقطني. المتحابين في الله لابن أبي الدُّنيا. المتحابين في الله لابن قدامة. المتفق والمفترق للخطيب البغدادي. مجابو الدعوة لابن أبي الدُّنيا. المجالسة وجواهر العلم للدينوري. تحقيق: مشهور حسن آل سلمان. نشر: جمعية التربية الإسلامية (البحرين)، دار ابن حزم (بيروت). ط/1/ 1419 هـ. مجمع البحرين وزوائد المعجمين للهيثمي المجموع شرح المهذب للنووي. تحقيق: محمد نجيب المطيعي. نشر: المكتبة العالمية بالفجالة (القاهرة)، سنة 1971 م. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. جمع عبد الرحمن بن قاسم. نشر: وزارة الأوقاف بالمملكة العربية السعودية مجموع فيه مصنفات ابن البختري محاسبة النفس لابن أبي الدُّنيا المحدث الفاصل للرامهرمزي. تحقيق: د. محمد عجاج الخطيب. نشر: دار الفكر. ط/1/ 1391 هـ. المحلى لابن حزم. نشر: المكتب التجاري للطباعة والنشر (بيروت). مختصر إتحاف السادة المهرة للبوصيري. تحقيق: سيد كسروي حسن. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت) ط/1/ 1417 هـ. مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (اختصار الجصاص الرازي.) تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد. نشر: دار البشائر الإسلامية (بيروت). ط 1/ 1/ 1416 هـ. مختصر خلافيات البيهقي لأحمد بن فَرَح اللخمي الإشبيلي. تحقيق: د. ذياب عبد الكريم ذياب عقل. نشر: مكتبة الرشد (الرياض). ط/1/ 1417 هـ. مختصر سنن أبي داود لابن القيم. مختصر الشمائل المحمدية للألباني. مختصر صحيح البخاري للألباني.
مختصر العلو للذهبي. مختصر المزني المداراة لابن أبي الدُّنيا. مدارج السالكين لابن قيم الجوزية المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي المدونة الكبرى للإمام مالك نشر: دار صادر (طبع: مطبعة السعادة بمصر). المراسيل لأبي داود السجستاني. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1408 هـ. المراسيل لابن أبي حاتم. عناية: شكر الله بن نعمة الله قوجاني. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1397 هـ. مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله. تحقيق: د. علي سليمان المهنا. نشر: مكتبة الدار (المدينة المنورة). ط/1/ 1406 هـ. مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانئ. تحقيق: زهير الشاويش. نشر: المكتب الإسلامي سنة 1400 هـ. مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح. تحقيق: د. فضل الرحمن دين محمد. نشر: الدار العلمية (الهند، دلهي). مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود. مسائل الإمام أحمد برواية ابن منصور الكوسج. تحقيق خالد محمود الرباط وجماعة. نشر: دار الهجرة (الخبر) ط/1/ 1425 هـ مسائل حرب الكرماني المستخرج لأبي نعيم الأصبهاني. المستدرك للحاكم. دار المعرفة. (مصورة عن الهندية). مسند الإمام أحمد. تحقيق شعيب الأرناؤوط وجماعة. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط 1/ 1413 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: السيد أبو المعاطي النوري وجماعة. نشر: عالم الكتب (بيروت) ط/1/ 1419 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: أحمد محمد شاكر مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر المروزي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: المكتب الإسلامي (دمشق). ط/2/ 1393 هـ.
مسند أبي داود الطيالسي. نشر: مسند أبي عوانة مسند أبي يعلى. تحقيق: حسين سليم أسد. نشر: دار المأمون. ط/1. مسند إسحاق بن راهويه. تحقيق: د. عبد الغفور البلوشي. توزيع: مكتبة الإيمان (المدينة المنورة). ط/1. مسند الروياني مسند الشاشي مسند الشاميين للطبراني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1409 هـ. مسند الشهاب للقضاعي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1405 هـ. مسند عبد الله بن المبارك. مسند عبد الرحمن بن عوف مسند عمر بن الخطاب لأبي بكر النجاد الفقيه. تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله. نشر: مكتبة العلوم والحكم (المدينة المنورة). ط/1/ 1415 هـ. مسند عمر بن الخطاب ليعقوب بن شيبة ونشرة أخرى، تحقيق: المسودة لآل تيمية مشارق الأنوار مشكاة المصابيح = هداية الرواة مشيخة ابن الحطاب الرازي مشيخة ابن شاذان مشيخة ابن عبد الباقي مشيخة ابن النقور مشيخة ابن أبي الصقر مشيخة الأبنوسي مصباح الزجاجة في زوائد سنن ابن ماجة للبوصيري. تحقيق: ونشرة أخرى، تحقيق: كمال يوسف الحوت. نشر: دار الجنان المصباح المنير للفيومي. مصنف ابن أبي شيبة. تحقيق: ونشرة أخرى، تحقيق ونشرة أخرى، تحقيق محمد عوامة
مصنف عبد الرزاق. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: المكتب الإسلامي (بيروت). ط/ 1/ 1390 هـ. المطر والرعد والبرق لابن أبي الدُّنيا. المعجم لابن الأعرابي. تحقيق: عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني. نشر: دار ابن الجوزي (الرياض). ط/1/ 1418 هـ. المعجم لابن المقرئ. المعجم لأبي يعلى الموصلي المعجم للإسماعيلي المعجم الأوسط للطبراني. تحقيق: طارق عوض الله. وعبد المحسن إبراهيم الحسيني. نشر: دار الحرمين (مصر). سنة 1416 هـ. معجم البلدان لياقوت الحموي. نشر: دار صادر (بيروت) سنة 1397 هـ. معجم شيوخ الإمام أحمد في المسند معجم الصحابة لابن قانع المعجم الصغير للطبراني. صححه وراجعه: عبد الرحمن محمد عثمان. نشر: دار الفكر. ط/1/ 1401 هـ. معجم قبائل العرب لعمر كحالة المعجم الكبير للطبراني تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: دار إحياء التراث العربي. ط/2 مزيدة ومنقحة. معجم المؤلفين معجم ما استعجم للبكري معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد معرفة السنن والآثار للبيهقي المعرفة والتاريخ للبسوي. تحقيق: أكرم ضياء العمري. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/2/ 401 هـ. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني. تحقيق: عادل يوسف العزازي. نشر: دار الوطن (الرياض). ط/ 1/ 1419 هـ. معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري. المعونة على مذهب عالم أهل المدينة المغني لابن قدامة المقدسي. تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح
الحلو. نشر: دار هجر. ط/1/ 1407 هـ. المغني عن حمل الأسفار للعراقي المغني في الضعفاء للذهبي. تحقيق: نور الدين عتر. نشر: دار المعارف (سوريا). ط/1/ 1391 هـ. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة لابن قيم الجوزية. تحقيق: علي بن حسن الحلبي. نشر: دار ابن عفان (الخبر). سنة 1416 هـ. المقاصد الحسنة للسخاوي. تحقيق: محمد عثمان الخشت. نشر: دار الكتاب العربي (بيروت). ط/1/ 1405 هـ. مقام إبراهيم للمعلمي اليماني المقصد العلي مكائد الشيطان لابن أبي الدُّنيا. تحقيق: مجدي السيد إبراهيم. نشر: مكتبة القرآن (مصر). مكارم الأخلاق لابن أبي الدُّنيا. مكارم الأخلاق للخرائطي. تحقيق: د. سعاد سليمان الخندقاوي. نشر: المؤسسة السعودية بمصر (القاهرة). ط/1/ 1411 هـ. الملل والنحل للشهرستاني من تكلم فيه وهو موثق مناقب الإمام الشافعي للبيهقي. تحقيق السيد أحمد صقر. نشر: مكتبة دار التراث (مصر) مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي. المنتخب من مسند عبد بن حميد. تحقيق: مصطفى بن العدوي شلباية. نشر: دار الأرقم (الكويت) ط/1/ 1405 هـ، ومكتبة ابن حجر (مكة المكرمة) ط/1/ 1408 هـ. المنتخب من العلل للخلال لابن قدامة المقدسي. تحقيق: أبي معاذ طارق بن عوض الله بن محمد. نشر: دار الراية (الرياض). ط/1/ 1419 هـ. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك لابن الجوزي. تحقيق: محمد ومصطفى عبد القادر عطا. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت) ط/1/ 1412 هـ. المنتقى لابن الجارود (غوث المكدود). تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري. نشر: دار الكتاب العربي (بيروت) ط/1/ 1408 هـ. المنتقى من أخبار المصطفى = نيل الأوطار المنتقى من مكارم الأخلاق
المنهج المقترح لفهم المصطلح المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية. تحقيق: د. محمد رشاد سالم. ط/1/ 1406 هـ. جامعة الإمام ط/2/ 1411 هـ. منهاج الطالبين المهذب للشيرازي المهذب في اختصار السنن الكبير للذهبي. تحقيق: دار المشكاة للبحث. نشر: دار الوطن (الرياض). سنة 1422 هـ. المهروانيات موارد الظمآن تحقيق: حسين سليم أسد موافقة الخبر الخبر لابن حجر العسقلاني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي وصبحي السيد جاسم السامرائي نشر: مكتبة الرشد (الرياض). ط/1/ 1414 هـ. مواهب الجليل الموضح لأوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي. تصحيح ومراجعة: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. نشر: دار الفكر الإسلامي. ط/2/ 1405 هـ. الموضوعات من الأحاديث المرفوعات لابن الجوزي. تحقيق: د. نور الدين بن شكري. نشر: مكتبة أضواء السلف (الرياض). ط/1/ 1418 هـ. الموطأ للإمام مالك. رواية يحيى الليثي. تحقيق: بشار عواد معروف. نشر: دار الغرب الإسلامي (بيروت) ط/2/ 1417 هـ الموطأ للإمام مالك. رواية أبي مصعب الزهري. تحقيق بشار عواد معروف ومحمود محمد خليل. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/1/ 1412 هـ الموطأ للإمام مالك. رواية سويد بن سعيد الحدثاني. تحقيق عبد المجيد تركي. نشر: دار الغرب الإسلامي (بيروت) ط/1/ 1994 الموطأ للإمام مالك. رواية محمد بن الحسن الشيباني الموطأ للإمام مالك. رواية القعنبي. تحقيق عبد المجيد تركي. نشر: دار الغرب الإسلامي (بيروت) ط/1/ 1999 الموطأ للإمام مالك برواياته الثمانية لسليم الهلالي ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي. تحقيق: علي محمد البجاوي. نشر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي مصر). ط/1/ 1382 هـ.
ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين. تحقيق: سمير الزهيري. نشر: مكتبة المنار (الأردن). ط/1/ 1408 هـ. نتائج الأفكار لابن حجر العسقلاني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: دار ابن كثير (دمشق). ط/1/ 1421 هـ. النجم الوهاج في شرح المنهاج للدَّميري. نشر: دار المنهاج (جدة). ط/1/ 1425 هـ. النشر في القراءات العشر لابن الجزري. تحقيق: علي محمد الضباع. نشر: المكتبة التجارية (مصر). نصب الراية للزيلعي. تحقيق: محمد عوّامة. نشر: دار القبلة (جدة)، ومؤسسة الريان (بيروت). ط/1/ 1418 هـ. النكت على ابن الصلاح لابن حجر العسقلاني النكت الظراف على الأطراف لابن حجر العسقلاني. (مطبوع بهامش تحفة الأشراف) تحقيق: عبد الصمد شرف الدين. نشر: المكتب الإسلامي ط/ 2/ 1403 هـ. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي. نشر: دار إحياء الكتب العلمية (عيسى البابي الحلبي مصر). ط/1/ 1383 هـ. نيل الأوطار هداية الرواة هدي الساري الهواتف لابن أبي الدُّنيا الوابل الصيب وطء المرأة في الموضع الممنوع منه شرعًا لطارق الطواري