مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية

ابن عمار المالكي

[مقدمة التحقيق]

المقدمة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فبين يديك أخي القارئ الكريم آخر أعمال المجموعة الأولى من مشروعنا الذي أطلقنا عليه اسم «مشروع سلسلة أعمال حديثية تنشر لأول مرة»، والذي عمدنا فيه إلى إخراج كنوز تراثية لا تزال قابعة في عالم «ألَّا مطبوع»، فنزيح عنها-بحول الله وقوته- غبار الزمان، ونكشف الستار عن مكنونها وخباياها، لنخرجها إلى عالم «المطبوع» في حُلَّةٍ قشيبة-بعون الله وتوفيقه- ليعم الانتفاع بها بين أهل العلم وطلابه. أما المجموعة الأولى من أعمال هذه السلسلة والتي أنجزناها كاملة فهي: 1 - «قضاء الوطر من نزهة النظر» للَّقاني المالكي، طبع عن المكتبة الأثرية بالأردن في ثلاثة مجلدات. 2 - «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» للحافظ ابن قطلوبغا طبع عن مركز النعمان في تسعة مجلدات. 3 - «التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل» للحافظ ابن كثير، في أربعة مجلدات. 4 - «تجريد الأسماء والكنى» للفراء، في مجلدين. 5 - «شرح ألفية العراقي» للعيني، في مجلد.

6 - «بهجة المحافل وأجمل الوسائل في التعريف برواة الشمائل» للقاني المالكي، في مجلدين. 7 - «ذيل لب اللباب في الأنساب» لابن العجمي، في مجلد. 8 - «مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية» لابن عمار المالكي، في مجلد. وأنا أعمل بِجِدٍّ في هذا المشروع بإزاء مشروعي الآخر «موسوعة العلامة الألباني» والذي صدر منه العمل الأول «جامع تراث الألباني في العقيدة» في تسعة مجلدات، سائلاً المولى عز وجل أن يُنْعِم عليِّ بالأسباب المعينة على إنجاز هذه الأعمال وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتي يوم ألقاه. وكما عودنا الإخوة القُرَّاء فقد قدمنا لهذا العمل بمقدمة نافعة نعدها مدخلاً جيدًا لمن رام حسن الاستفادة، والله من وراء القصد. وكتب شادي بن محمد بن سالم آل نعمان في صنعاء اليمن حرسها الله في يوم الأربعاء 28/ 11/1432هـ الموافق 26/ 10/2011م

شكر وعرفان

شكر وعرفان إنها لمن أعظم مِنَنِ الله علينا أن وفقنا فوفَّينا بما وعدنا به الإخوة القراء من إنجاز المجموعة الأولى من مشروعنا «مشروع سلسلة أعمال حديثية تنشر لأول مرة»، فأنجزنا جميع العناوين المذكورة آنفًا، وقد وَقَعَت بمجموعها في ثلاث وعشرين مجلدًا، لنتوجه إلى العمل على المجموعة الثانية التي تحتوي على كتب حديثية هامة سأرجئ ذكرها إلى موضع آخر، وأتوقع أن تقع المجموعة الثانية من المشروع فيما يقارب خمسين مجلدًا، أسأل الله أن يعينني على إنجازها كما أنجزنا المجموعة الأولى بفضله وحده ومنِّه وكرمه. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، لذا فأنا أتوجه بشكر خاص لأخي الكريم فؤاد الزيلعي الذي أعده من شركاء النجاح في هذا المشروع، فما يبذله من جهود مشكورة في صف وتنسيق الكتب، وإعانتي في فهرستها ومراجعتها، يُعَدُّ من أهم الأسباب التي سخرها الله لنجاح هذا المشروع، وأتمنى من الله أن يديم الود والتعاون بيننا لنكمل مشروعنا على أتمِّ وجه. وكما أشكر الأخوة حفظ الله الزيلعي، وفضل النهاري اللذين شاركا في مراحل المقابلة على المخطوط جزاهما الله خيرا. والحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً.

مقدمة الدراسة والتحقيق

مقدمة الدراسة والتحقيق المبحث الأول (¬1) ترجمة المصنف (¬2) اسمه ونسبه ولقبه وكنيته ومذهبه: هو محمد بن عمار بن محمد بن أحمد، الشمس، أبو ياسر، ولقبه بعض شيوخه ناصر الدين أبو عبد الله بن الزين أبي ياسر أو أبي شاكر القاهري المصري المالكي والد أبي سهل، ويعرف بابن عمار. مولده ونشأته وطلبه للعلم: ولد أذان عصر يوم السبت، العشرين من جمادى الثانية، سنة ثمان وستين وسبعمائة، بقناطر السباع. ونشأ في كنف والده. ¬

(¬1) توسعنا قبل ذلك في التعريف بالألفية ومصنفها والكلام على شروحها وذلك في مقدمة تحقيقنا على شرح السيوطي على الألفية، ثم مقدمة تحقيقنا على شرح العيني على الألفية، فليراجع هناك. (¬2) مصادر الترجمة: «الضوء اللامع» (8/ 232 ـ 235)، وقد اختصرت الترجمة منه، و «ذيل رفع الإصر» (ص301).وهدية العارفين (2/ 49).

مشايخه

وكان صالحاً فحفظ القرآن، والعمدة، والشاطبية، وألفية الحديث، والنحو، والرسالة الفرعية، ومختصر ابن الحاجب الأصلي، وغير ذلك. مشايخه: عرض ابن عمار على جماعة: كالتقي عبد الرحمن بن البغدادي. وأبي عبد الله بن مرزوق الكبير. والصدر المناوي. والضياء العفيفي. ونصر الله الكناني الحنبلي. والبلقيني. وابنه البدر. والأبناسي. وإمام الصرغتمشية. والغماري. والنورين الدميري أخي بهرام، وعلي بن قطز الحكري المقري، وعلى كل من الثلاثة الأخيرين قرأ الشاطبية تامة. وكذا قرأ القرآن والعمدة بتمامها على الولي عبد الله الجبرتي، وأجازوه

كلهم في آخرين. وأخذ علوم الحديث عن العراقي، وقرأ عليه نكته على ابن الصلاح دراية بحضرة الهيثمي رفيقه. وابن الملقن قرأ عليه تقريب النووي، وقطعة من شرحه للعمدة. والبلقيني قرأ عليه قطعة من محاسن الاصطلاح له، ولازمه في دروس التفسير بالبرقوقية، والعربية. والصرف عن المحب بن هشام، ولازمه مدة. وكذا لازم الغماري حتى أخذ عنه أيضاً النحو واللغة وغيرهما من العلوم اللسانية، والعروض، مع قطعة من الكشاف، ومن شرح له على ابن الحاجب الظاهر أنه الأصلي، والعز بن جماعة، في كثير من الفنون التي كان يقرئها، وقرأ هو عليه كل مختصر ابن الحاجب الأصلي، مع قطعة من كلٍّ من التلخيص، ومن شرحيه المطول، والمختصر. وأخذ أصول الفقه أيضاً عن ابن خلدون، مع سماع قطعة من مقدمة تاريخه. وتفقه في الابتداء بأبي عبد الله محمد الزواوي. ثم لقي أبا عبد الله بن عرفة باسكندرية في قفوله من الحج فقرأ عليه قطعة صالحة من مؤلفه الشهير. وكذا أخذ الفقه أيضاً عن بهرام، وعبيد البشكالسي، وابن خلدون، وناصر الدين أحمد بن التنسي وآخرين.

تدريسه وأعماله

وطلب الحديث بنفسه فقرأ وسمع أشياء بالقاهرة وإسكندرية، فكان من شيوخه بالقاهرة الصلاح الزفتاوي، وابن أبي المجد، والتنوخي، وابن الشيخة، والمطرز، والتاج الصردي، والأبناسي، والبلقيني، والعراقي، والهيثمي، والغماري، والمراغي، وعبيد البشكالسي، والسويداوي، والحلاوي، والنجم البالسي، وإمام الصرغتمشية، والتاج بن الفصيح، والجوهري، والشمس محمد بن إبراهيم العاملي، ومنهم باسكندرية البهاء عبد الله الدماميني، والزين محمد بن أحمد الفيشني المرجاني، وابن الموفق، وابن قرطاس، في آخرين كالفخر بن أبي شافع، ومحمد بن التقي التونسي، والتاجين ابن موسى وابن الخراط، وناصر الدين محمد بن عبد الرحيم الحراني، وابن الهزبر. وأجاز له أبو الخير بن العلائي، وأبو حفص البالسي، وابن قوام، ومحمد بن محمد بن يفتح الله، وفاطمة ابنة ابن المنجا، وفاطمة وعائشة ابنا ابن عبد الهادي، وطائفة. وأذن له معظم شيوخه في الإقراء والإفتاء كابن عرفة، وابن الملقن، والعز بن جماعة. تدريسه وأعماله: استقر ابن عمار معيداً بجامع طولون بل مدرساً للفقه بالمسلمية بمصر عوضاً عن ابن مكين، وبقبة الصالح إسماعيل داخل البيمارستان عوضاً عن ابن خلدون، وعمل لكل منهما أجلاساً حافلاً شهده الأكابر، وبالبرقوقية بعد البساطي.

رحلاته

ودرس وأعاد وأفتى وحدث وأفاد وانتفع به الأفاضل خصوصاً في إقامته بمصر. وناب في القضاء مسؤولاً، بل استخلفه الشمس بن معبد المدني بمرسوم حين سفره. رحلاته: حج ابن عمار في سنة خمس وثمانمائة حجة الإسلام، وكانت الوقفة الجمعة، وزار بيت المقدس. مصنفاته: صنف ابن عمار قديماً بحيث قرض الغماري بعض تصانيفه، ووقف عدة من شيوخه على بعضها، ومنها: 1 - «غاية الإلهام في شرح عمدة الأحكام» في ثلاث مجلدات. 2 - و «الأحكام في شرح غريب عمدة الأحكام». 3 - و «زوال المانع في شرح جمع الجوامع». 4 - و «جلاب الموائد في شرح تسهيل الفوائد» في ثمان مجلدات. 5 - و «الكافي في شرح المغنى» لابن هشام في أربع مجلدات. 6 - واختصر «توضيح ابن هشام وشرحه». 7 - و «شرح مختصر ابن الحاجب» الفرعي كتب منه إلي أثناء النكاح، وقطعة من أواخره.

علومه وأوصافه

8 - واختصر «شرح ألفية العراقي» للمؤلف، وهو الذي بين يديك. علومه وأوصافه: كان ابن عمار إماماً عالماً علامة في الفقه وأصوله والعربية والصرف، متقدماً فيهما، مشاركاً في كثير من الفنون، ممتع المحاضرة، أماراً بالمعروف، كثير الابتهال، محظوظاً في استجلاب الأكابر بعزة نفس وشهامة قل أن يوجد في آخر عمره في مذهبه مجموعه. ووصفه الحافظ ابن حجر في بعض ما أثبته له بالشيخ الإمام العلامة الفقيه الفاضل الفهامة المفيد المحدث. وذكره في إنبائه باختصار فقال: الشيخ الإمام العالم العلامة. وفاته: مات ابن عمار في محل سكنه بالناصرية من بين القصرين، يوم السبت، رابع عشر ذي الحجة، سنة أربع وأربعين، وصلي عليه بباب النصر، ودفن بحوش الحنابلة أصهاره تجاه تربة كوكاي رحمه الله. نظمه: من نظمه: يا رب يا غفار يا باري ... تدارك برحماك ابن عمار

المبحث الثاني منهج المصنف في كتابه

المبحث الثاني منهج المصنف في كتابه قال المصنف في مقدمة كتابه وهو يتحدث عن الألفية: فقويَ العزم، واستخرت الله تعالى في إبراز تعليقة بحاله، موضحةً ألفاظه ومعانيه، ومفصحةً عن ألفاظه ومبانيه، آمًّا في ذلك شرح الناظم، مع التذييل بفوائد ليس الإهمال مرجعها. وأهم ما يستفاد من هذه العبارة أنه: 1 - اعتمد في شرحه هذا على شرح الناظم -العراقي-، والناظر في شرحه يتبين له أنه اختصره من شرح العراقي وتابعه في كثير من عباراته، وهذا مصداق قوله: آمًّا في ذلك شرح الناظم، أي أنه جعله إمامًا له في شرحه. 2 - الفائدة الثانية أنه ذيل على ما أخذه من شرح العراقي بفوائد لم تقع فيه، رأى أنه يقبح به إهمالها لأهميتها. وأكثر هذه الفوائد والزوائد تدور في الغالب حول شرح كلمة لم يتعرض لشرحها العراقي، وبيان أهمية استعمالها في النظم دون غيرها، كما في شرحه كلمة «المقتدر» في بداية الكتاب (¬1). ¬

(¬1) «مفتاح السعيدية» (2 / أ).

أو في ضبط عَلَمٍ يُشكل، كما في ضبطه لحَمْد الخطابي (¬1)، وكذا ابن رُشَيْد (¬2)، واليعْمُرِي (¬3). أو في إعراب كلمة وبيان متعلقها، كقوله عند قول الناظم: ......................... ... من الشذوذ مع راو ما اتهم بكذب ولم يكن فردا ورد ... ............................. فقال: "بكذب متعلق باتهم" (¬4)، فهذا كله مما لم يتعرض له العراقي في شرحه. كما أنه يتوسع في تعريف الأعلام والبلدان بأكثر من العراقي. وابن عمار غالبًا ما يميز زوائده هذه بقوله: «قلت» (¬5) وأحياناً لا ينص على ذلك, وإنما يُعْرَفُ ذلك بالمقابلة. ¬

(¬1) المصدر السابق (13 / أ). (¬2) المصدر السابق (15 / ب). (¬3) المصدر السابق (15 / ب). (¬4) المصدر السابق (13 / أ). (¬5) المصدر السابق (15 / ب).

المبحث الثالث

المبحث الثالث الإضافة التي نقدمها بنشر هذا الكتاب الحق أن هذا الكتاب له مميزات تجعله من الكتب الهامة المتعلقة بألفية الحافظ العراقي، وأهم مميزاته: 1 - أن مصنفه من تلاميذ الحافظ العراقي، بل قد قرأ عليه نكتاً كان العراقي كتبها على الألفية، مما يدل على استيعابه لموضوع التصنيف، ووقوفه على مرادات ناظم الألفية بشكل مباشر. 2 - أن هذا الشرح يُعد أقدم شروح الألفية بعد شرحي مصنفها الكبير والمتوسط، حتى قال السخاوي في خاتمة فتح المغيث (¬1): وما علمت عليها -أي على الألفية- لسواه شرحاً. 3 - أن هذا الشرح احتوى من النكات والفوائد ما لا يوجد في غيره من شروح الألفية المطبوعة. ¬

(¬1) (4/ 523).

المبحث الرابع رموز المصنف

المبحث الرابع رموز المصنف أكثر المصنف من إيراد الرموز في كتابه، وغالبها إنما استخدمها للاختصار، وأهم هذه الرموز: (ش): يرمز بها للشرح أحيانا، وللشارح أحيانًا أخرى. (ن): رمز للناظم العراقي. (خ): رمز إلى آخره، واستخدمها للبخاري أحيانًا. (ت): رمز للترمذي. (ح): يرمز بها للحديث، ولحينئذ. (ق): رمز لابن ماجه القزويني. (ن): رمز للنسائي. (د): رمز لأبي داود. وبقيت رموز أخرى نبهنا على المراد منها في حواشي التحقيق.

المبحث الخامس إثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه

المبحث الخامس إثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه جاء في مقدمة هذا الكتاب ما نصه: قال سيدُنا وشيخُنا العالمُ العلَّامة القدوة، شيخ المسلمين، محمد أبو ياسر شمس الدين بن الشيخ الصالح القدوة عَمَّار المالكي رحمه الله ونفعنا بعلومه والمسلمين آمين. مما يبين بجلاء صحة نسبة هذا الكتاب لابن عمار المالكي، لذا فقد نسبه إليه مَن تَرْجَمَه كالسخاوي في الضوء اللامع، كما نسبه إليه في آخر فتح المغيث (¬1). ¬

(¬1) (4/ 523).

المبحث السادس تسمية الكتاب

المبحث السادس تسمية الكتاب نص ابن عمار المالكي نفسه على تسمية كتابه في مقدمته بقوله: وسميتها -أي تعليقته على الألفية- بـ «مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية»، وهذه هي التسمية التي اعتمدناها في نشرتنا للكتاب. وعنوان الكتاب يوحي بأنه شرح مستقل على الألفية وليس مختصرًا من شرح آخر، ولعله من أجل ذلك ذكر بعض من صنف في أسماء الكتب لابن عمار هذا شرحاً على الألفية، كصاحب "هدية العارفين"، إلا أن الواقع - كما أشار إليه ابن عمار نفسه في مقدمته- أنه استمد شرحه من شرح الناظم، لكن لعله لما كانت فيه فوائد ونكات زيادة على ما في شرح الناظم جعله وكأنه شرح مستقل.

المبحث السابع النسخة الخطية التي حققت عليها الكتاب - هي من محفوطات (المكتبة الأزهرية) بمصر، برقم (1325) مصطلح. - تقع في (187) ورقة، ومسطرتها (17) سطراً في الصفحة. - خطها واضح في الجملة إلا في بعض المواضع. - وعليها تعليقات وتصحيحات كثيرة. - ناسخها هو محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن محمد الدالاصي الأنصاري المالكي. - ولم يتبين لي من تاريخ نسخها الذي أثبته في خاتمة الكتاب إلا اليوم والشهر وهو التاسع من شهر ذي الحجة الحرام. - إلا أنه يظهر أنه نسخها في المئة التاسعة لأن مقدمة الناسخ للكتاب توحي بأنه من تلاميذ ابن عمار المالكي حيث قال في مقدمة الكتاب: قال سيدُنا وشيخُنا العالمُ العلَّامة القدوة، شيخ المسلمين، محمد أبو ياسر شمس الدين بن الشيخ الصالح القدوة عَمَّار المالكي ... -الكلمات التي وقعت على الجانب الأيسر من أول صفحات المخطوط لم تظهر بسبب خلل في التصوير على ما يبدو.

-وقع خرم ظاهر بعد (ق11/أ) فسقط شرح الأبيات (41، 42، 43) من الألفية، كما يؤكد وقوع الخرم التعقيبة التي وقعت في أسفل (ق11/أ) حيث كُتِب فيها (بالظن)، لكن الصفحة التالية بدأت بكلمة (الصلاح). - كما وقع خرم كبير بعد (ق120/أ) حيث انتقل الشرح من البيت رقم (605) إلى بيت رقم (786)، أي من باب الإشارة بالرمز إلى باب معرفة الصحابة، ويؤكد الخرم كذلك التعقيبة التي وقعت في أسفل (ق120/أ) حيث كتب فيها: (قلت: ورمز) لكن الصفحة التالية بدأت بقوله: (أخرج من رواه). - ويدل ما ذكرناه من موضوع التعقيبة أن الخرم لم يقع سهوًا من المصور بل النسخة التي بين يديه فيها خرم.

صور من النسخة الخطية

صور من النسخة الخطية

النص المحقق

صور من النسخ الخطية Description: 02Description: 187 النص المحقق النص المحقق بسم الله الرحمن الرحيم قال سيدُنا وشيخُنا العالمُ العلَّامة القدوة، شيخ المسلمين، محمد أبو ياسر شمس الدين بن الشيخ الصالح القدوة عَمَّار المالكي [رحمه الله] ونفعنا بعلومه والمسلمين آمين. الحمد لله الذي خَصَّنَا بالكتاب [والسنة] فدفع عنا ببركتهما الخسف الظاهر فجاءت البشرى، وما بقي حَديث (¬1). والصلاة والسلام على سيدنا محمد الكاشف بميزان ذهب فصاحِتِهِ عن شريعةٍ طاهرةٍ مَيَّزَت لنا الطَّيِّب من الخبيث، ورضي الله عن أصحابه الذين كانوا سعدَ السعود، ففدوه بأنفسهم وأموالهم، وأجابوه في الدركات ... ، ولسان حاله هل من معين. أما بعد: فإن أجلَّ العلوم بعد علوم الكتاب علمُ الحديث، وهو كما قال الناظم: خطير وقعه، كثير نفعه، عليه مدار الأحكام، وبه يُعْرَف الحلال والحرام. انتهى. وسئل بعض العلماء ... : ما بالنا نرى قوماً يشتغلون بالقرآن وعلومه وقراءته، وقوماً يشتغلون بالحديث وعلومه ونقله، وقوماً يشتغلون بالفقه ... ، وقوماً يشتغلون بالأدب ومحاسنه، وكل منهم يُقْبِلُ على الفَنِّ الذي هو فيه لا يشتغل بغيره؟ فقال: تلك الطرق إلى الله تعالى ... انتهى. ولأهل الحديث اصطلاح لابد للطالب من فَهْمِه، فلهذا نُدِب إلى تقديم ¬

(¬1) كذا.

العناية بكتب في علمه، وكان الإمام المحدث تقي الدين [2 - أ] ابن الصلاح صنف مصنفاً اعتنى العلماء به بعده فعكفوا عليه، فاختصره اختصاراً مفيداً النوويُّ في كتابه المسمى بـ «الإرشاد»، ثم اختصر «الإرشاد» في كتابه «التقريب والتيسير» فأجاده، وقرأتُه قراءةَ بحثٍ على شيخنا العلامة سراج الدين أبي حفص عمر النحوي (¬1)، وأجازني، واختصره جماعة آخرهم التاج التبريزي، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة فما قصر، وشيخنا الناظم أبو المعالي عبد الرحيم بن الحسين العراقي رحمه الله تعالى في هذه المنظومة الألفية، بعد أن كتب عليها نكتاً قرأتها على شيخنا وأجازني بها، ثم إنه شرحها شرحين كبيراً ومتوسطاً، وكنتُ قبل أن أقف عليه بحثتُ على شيخنا الإمام العالم سراج الدين أبي حفص عمر البُلْقيني طائفة من «مختصره» المترجم بـ «محاسن الاصطلاح» لما قرئ في بحثنا «الألفية» هذه، فقويَ العزم، واستخرت الله تعالى في إبراز تعليقة بحاله، موضحةً ألفاظه ومعانيه، ومفصحةً عن ألفاظه ومبانيه، آمًّا في ذلك شرح الناظم، مع التذييل بفوائد ليس الإهمال مرجعها، راجياً لك النفع والانتفاع، والعون على التذكرة بالمغفرة والرحمة ونفي الابتداع، وسميتها بـ «مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية» واللهَ أسأل الغفران والعفو عن زلات القدم، إنه الحاكمُ بالحق المدبِّرُ الحَكَم. قوله: 1 - يَقُوْلُ رَاجِي رَبّهِ المُقْتَدِرِ ... عَبْدُ الرَّحيمِ بنُ الحُسيْنِ الأَثَريْ ¬

(¬1) هو البلقيني الآتي ذكره.

[2 - ب] ش (¬1): قُلْتُ: مُقْتَدِر بمعنى قادر على ما أراد، فقال (ن) (¬2): «المقتدر» دون غيره من الصفات إعلاماً بأنه في مقام الرجاء والخوف، مقتدياً بقوله تعالى {يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57]، وأنه يؤمن بالقدرِ خيرِه وشَرِّهِ حُلْوِه ومُرِّه، لا غرو أنه بذلك أثري، وفاق قول الزواوي (¬3): «يقول راجي عفو ربه الغفور» (¬4). و «الأَثَري» بفتح الهمزة والمثلثة نِسْبَةً إلى الأثر: الحديث، واشتُهِر جماعةٌ بذلك ومنهم الخَلَّال الحسين بن عبد الملك (¬5) وابن منصور عبد الكريم. وقوله: 2 - مِنْ بَعْدِ حَمْدِ اللهِ ذي الآلاءِ ... على امْتِنَانٍ جَلَّ عَنْ إحْصَاء ش: الآلاء واحده «ألًا» بفتح الهمزة والتنوين كرحًى: النِّعَم، وقيل: «إلاً» كمعاً، بكسر أوله [وقيل] (¬6): كنِحىً بكسر أوله وسكون العين منوناً. ¬

(¬1) رمزٌ للشرح، كما مر التنبيه عليه في المقدمة. (¬2) رمزٌ للناظم، كما مر التنبيه عليه في المقدمة. (¬3) هو يحيى بن عبد المعطي الزواوي المتوفي سنة (628هـ)، له منظومة في النحو سماها «الدرة الألفية، بما في علم العربية». «هدية العارفين»: (ص2/ 219)، و «اكتفاء القنوع»: (ص463). (¬4) هذه الفقرة من زيادات ابن عمار المالكي على شرح الناظم. (¬5) هو أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين بن محمد الخلال الأثري، المتوفي سنة (532هـ). «سير أعلام النبلاء»: (19/ 620 - 621). (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من عندي يقتضيها السياق.

وقوله: 3 - ثُمَّ صَلاَةٍ وسَلامٍ دَائِمِ ... على نَبِيِّ الخَيْرِ ذِي المَرَاحِم ش: قلت هو بجر «صلاةٍ وسلامٍ دائم» عطفاً على «حَمْد» المخفوض بـ «بَعْد». و «المراحم» واحده مَرْحَمَة: الرَّحْمة، وفي «مسلم» (¬1): «أنا نبي الرَّحمة» أو «المرحمة» أو «الملحمة»، روايات ثلاث. وقوله: 4 - فَهَذِهِ المَقَاصِدُ المُهِمَّهْ ... تُوْضِحُ مِنْ عِلْمِ الحدِيْثِ رَسْمَهْ ش: قلت: و «تُوضِح» بِضَمِّ أوَّله من أَوْضَح رُباعياً. و «الرَّسم» لغةً: الأثر، ومنه رَسْمُ الدَّار: أَثَرُهَا اللَّاصِق بالأرض. واصطلاحاً: أَثَر أهل الحديث المبني على أصولهم (¬2)، وفيه الإشارة بالرَّسم إلى دُرُوس كثيرٍ من علم الحديث، وأنه بقيت منه آثار يُهْتَدَى بها. وقوله: 5 - نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلمُبتَدِيْ ... تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي والْمُسْنِد ش: قلت: هو بنصب «تبصرةً وتذكرة» على المفعول لأجله، أي: لأجل التبصرة والتذكرة [3 - أ]. ¬

(¬1) (7/ 90 رقم 2355)، وانظر: «شرح الناظم»: (2/ 99) مع حاشية التحقيق. (¬2) عبارة الناظم في شرحه (2/ 99): آثار أهله [أي أهل الحديث] التي بنوا عليها أصولهم.

و «المسند» بكسر النون اسم فاعل من أَسْنَدَ -رباعياً- الحديث إذا رواه بإسناده. والمُسْنَدي بفتحها: اسم مفعول، منه عبد الله بن محمد شيخ البخاري (¬1). وقوله: 6 - لَخَّصْتُ فيهَا ابْنَ الصَّلاحِ أَجْمَعَهْ ... وَزِدْتُهَا عِلْمَاً تَرَاهُ مَوْضِعَهْ ش: قلت: «أَجْمَعَه» بالنصب توكيداً لقوله «ابنَ الصلاح» على حذف مضاف أي: كتاب ابن الصلاح، وفيه التأكيد «بأجمع» دون «كل» على حد قوله: إذن ظللت أبكي أجمعا وابنُ الصلاح هو: الإمام تقي الدين أبو عَمرو عثمان بن عبد الرحمن، قرأ على والده ابن الصلاح وكان من جملة مشايخ الأكراد. انتهى. ويعني أنه في هذه المنظومة لَخَّصَ كتابَ ابن الصلاح مسألة وقسماً، وأسقط كثيراً من الأمثلة والتعاليل، ونسبة القول لقائله، والمكَرَّر، وزاد بها زيادات [يُعْثَر] على طريق كونها زيادة على ما نَبَّه عليه في (ش). وقوله: 7 - فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّميْرُ ... لِواحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ ¬

(¬1) سمي بذلك لأنه كان يطلب المسندات ويرغب عن المراسيل والمقاطيع. «تهذيب الكمال»: (16/ 59).

ش: اصطلح على تعيين ابن الصلاح بما [نقله] (¬1) من كتابه بعلامات منها: أن يأتي بفعلٍ مُسْنَد لواحدٍ غير مذكور ألبَتَّة مثل: «وقال: بان لي. ومنها أن يأتي بضمير واحد غير مُقَيَّد بما قبله مثل: «كذا له». ومنها: أن يُطْلِقَ لفظَ الشيخ مثل: «فالشيخ فيما بعد». وإلى هذا يشير بقوله: 8 - كَـ (قَالَ) أوْ أَطْلَقْتُ لَفْظَ الشَّيْخِ مَا ... أُرِيْدُ إلاَّ ابْنَ الصَّلاحِ مُبْهَمَا ش: مُبْهَماً بفتح الهاء وكسرها، اسم فاعل أو اسم مفعول من «أبْهَمَ» الرُّبَاعي. وقوله: 9 - وَإِنْ يَكُنْ لاثْنَيْنِ نَحْوُ (الْتَزَمَا) ... فَمُسْلِمٌ مَعَ البُخَارِيِّ هُمَا ش: يعني إذا كان الفعل والضمير لاثنين فالمراد: البُخَاري ومسلم، مثل: و «اقطع بصحةٍ لما [3 - ب] قَدْ أَسْنَدَا». وقوله: 10 - وَاللهَ أرجُوْ في أُمُوْرِي كُلِّهَا ... مُعْتَصمَاً في صَعْبِهَا وَسَهْلِهَا ش: قلت هو بنصب اسم الله تعالى هاهنا بوقوع الرَّجَاء على مُقَدَّم على القائل فيه لِضَرْبٍ من العناية والاهتمام بالمرجو لا إله إلا هو، والعرب تُقَدِّمُ ما ¬

(¬1) كلمة لم تظهر لي في الأصل، فاستبدلتها بما بين المعقوفين.

اهتُمَّ ببيانه أعني نحو قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: نعبدك ونستعينك، فَقَدَّم المفعول لِضَرْبٍ من العناية بالمعبود تعالى، ولو أتى به على أصله وقال: «أرجو الله» لجاز إلا أنه يكون خبراً ساذجاً فلا تخصيص ولا دلالة على العنايةِ به. وقد وُفِّق لما وُفق له هذا الناظم العلَّامة قبله جار الله تعالى من ابتداءً «المفصَّل النحوي»: الله أَحْمد على أن جَعَلَني من علماء العربية، انتهى. و «الله»: اسمٌ من أسماء الخالق خاصٌ لا يشركه فيه غيره، ولا يُدْعَى به أحدٌ سواه، قَبَضَ اللهُ الألسنةَ عن ذلك. و «مُعْتَصَماً»: بفتح الصاد اسم مفعول بمعنى الاعتصام، ونُصِبَ على المفعول الثاني لـ «أرجو» والتقدير: وأرجو الله في أموري كلها اعتصاماً. وبكسرها حالاً اسم فاعل من اَعْتَصَم وزن افْتَعَل. قوله:

أقسام الحديث

أقسام الحديث ش: هذا أَوَانُ شُروعِهِ فيما قَصَدَهُ. وقوله: 11 - وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ ... إلى صَحِيْحٍ وَضَعِيْفٍ وَحَسَنْ ش: يعني أنَّ أهلَ الحديث كما صرَّح به الخَطَّابيُّ في «المعالم» (¬1) قَسَّمُوا الحديثَ إلى صحيح وحَسَنٍ وسَقِيم. وهو (¬2) قوله: 12 - فَالأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسْنَادِ ... بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطِ الْفُؤَاد ش: «المُتَّصِلُ الإسناد» أَخْرَج به المنقطع، والمرْسَل، والمعضل. و «بنقل عَدْل» أَخْرَجَ [4 - أ] به المجهول. و «ضابط الفؤاد»: أخرج به المُغَفَّل وإن عُرِف صدقاً وعدالة. قلت: والفؤاد بضم الفاء، وبعده واو مهموزة، وآخره دال مهلمة، قال في «الصحاح» (¬3): القلب، والجمع الأَفْئِدَة انتهى. ¬

(¬1) (1/ 11). (¬2) كذا في الأصل، ولعل صوابه: وقوله ... ، أو أن يعود الضمير «هو» إلى «الصحيح». (¬3) (2/ 31).

وقوله: 13 - عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا شُذُوْذِ ... وَعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَتُوْذِي ش: فأخرج بهما الشاذ والمعلَّل بقادحة (¬1)، وأقحم «ما» بين «غير» وما أُضِيْف إليه. وقوله: 14 - وَبالصَّحِيْحِ وَالضَّعِيفِ قَصَدُوا ... في ظَاهِرٍ لاَ الْقَطْعَ، وَالْمُعْتَمَدُ ش: يَعني أن قولَ المحدِّثين «حديث صحيح» أو «ضعيف» فقصدهم بالأول عملاً بظاهر الإسناد لا القطع بصحته في نفس الأمور (¬2) لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، خلافاً لحسين الكرابيسي وجماعةٍ من المحدِّثين في حكاية ابن الصَّبَّاغ في «العُدَّة» أنه يوجب العلم (¬3) الظاهر، ورَدَّهُ الباقلَّاني قائلاً: إنه قولُ من لا يُحَصِّلُ عِلمَ هذا الباب، وكذا لا يُقْطَع بما أخرجه الشيخان أو أحدُهما عند المحققين خلافاً لابن الصلاح (¬4). ومَقْصدُهم بالثاني كذلك باعتبار الظاهر لا أنه كذبٌ قطعاً لجواز صدق الكاذب وإصابة المخطئ (¬5). ¬

(¬1) أي: بعلَّة قادحة. (¬2) كذا، ولعل صوابها: الأمر. (¬3) في الأصل: العمل. خطأ، والتصحيح من شرح الناظم. (¬4) في «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص24). (¬5) في الأصل: الخطأ. وما أثبته من عندي.

و (¬1) قوله: «لا القطعَ». قلت: هو بالنصب عطفاً على محل «في ظاهرٍ» أي: قصدوا الظاهرَ لا القطعَ بقولهم: «صحيح» أو «ضعيف». انتهى. وقوله: 15 - إمْسَاكُنَا عَنْ حُكْمِنَا عَلى سَنَدْ ... بِأَنهُ أَصَحُّ مُطْلَقاً، وَقَدْ ش: قلت هو برفع «إمساكُنا» خبراً عن قوله: والمعتمد، انتهى. أي: والمعتمد عند أهل الحديث إمساكُهم عن الحُكْمِ على إسنادٍ مُعَيَّن بأنه أصح الأسانيد مطلقاً لِعِزَّة وجود أعلى درجات القبول في كل فَرْدٍ فَرْد من ترجمةٍ واحدة بالنسبة إلى جميع الرواة [4 - ب]. وقوله: 16 - خَاضَ بهِ قَوْمٌ فَقِيْلَ مَالِكُ ... عَنْ نَافِعٍ بِمَا رَوَاهُ النَّاسِكُ ش: يعني أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضَّطَرَبت أقوالهم، فقائل: أصح الأسانيد ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر النَّاسك. قلت: والناسك وصفٌ ثابتٌ لعبد الله بن عُمَر بعد وصفه بالصالح من النبي صلى الله عليه وسلم لقول الدراوردي (¬2) عن مالك رضي الله عنه: «أفتى ابن عمر ستين سنة، وحج سبعين حجة، وأعتق ألف رأس، وحبس ألف فرس» كذا ¬

(¬1) في الأصل: فقوله. وما أثبته من عندي. (¬2) في الأصل: الداوردي. خطأ.

حكاه ابن دحية (¬1) في «مرج البحرين» (¬2). ثم قال: وذكر ابن شعبان عن مالك أنه اعتمر ألف عمرةٍ فكان رضي الله عنه من أعلم الناس بالمناسك. ورَوَى ابن أبي الزناد عن أبيه قال (¬3): اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنوا الزبير وعبد الله بن عمر فقالوا: تمنوا فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين، وقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة فنالوا كلهم ما تمنوا رضي الله عنهم. وقوله: 17 - مَوْلاَهُ وَاخْتَرْ حَيْثُ عَنْهُ يُسْنِدُ ... الشَّافِعِيُّ قُلْتُ: وعَنْهُ أَحْمَدُ ش: فأراد بمولاه الناسك؛ فإنه مولاه يعني سَيِّده، وخُصَّ نافع دون غيره من الرواة عن ابن عمر لأنه أكثر الرواية عنه دون غيره، وإلى هذا القول جنح البخاري. ¬

(¬1) في الأصل: ديحة. ويظهر أن الصواب ما أثبتناه فابن دحية هو صاحب كتاب «مرج البحرين». (¬2) اسمه بتمامه: «مرج البحرين في أخبار المشرقين والمغربين». (¬3) انظر: «البداية والنهاية»: (8/ 351).

وقائل: زاد واحد في الأصح الأول وهو الشافعي فأصح الأسانيد ما أسنده الشافعي عن مالك (خ) (¬1) وإليه ذهب عبد القاهر التميمي (¬2) قائلاً: لإجماع المحدثين بأنه [5 - أ] لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي. وقائل: أصح الأسانيد أحمد عن الشافعي عن مالك (خ) لاتفاقهم على أن أجل من أخذ عن الشافعي من المحدثين أحمد. قال (ش) (¬3): ووقع لنا بهذه الترجمة حديثٌ واحد وذكره بسنده إلى عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثني الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض، ونهى عن النَّجَش، ونهى عن بيع حَبَل الحَبَلَة، ونهى عن المُزَابَنَة» الحديث في «البخاري» مُفرَّفاً (¬4) من حديث مالك. قلت: ووقع لي بهذه الترجمة أثر بالإجازة العامة إلى ابن الصلاح في كتاب «الفتوى» بسنده إلى عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالكاً يقول: سمعت محمد بن عجلان يقول: «إذا أَغْفَلَ العالمُ لا أدري أصيبت مَقَاتله». ¬

(¬1) اختصار «إلى آخره» أي: إلى آخر السند. (¬2) «معرفة أنواع علم الحديث»: (ص12). (¬3) أي الشارح صاحب النظم (1/ 107). (¬4) رقم (2139) و (2142) و (2165) و (2171).

وقال: هذا إسنادٌ جليلٌ عزيزٌ جداً لاجتماع أئمة المذاهب الثلاثة فيه بعضهم عن بعض وروى مالك مثله عن ابن عباس، انتهى. قوله: 18 - وَجَزَمَ ابْنُ حنبلٍ بالزُّهْرِي ... عَنْ سَالِمٍ أَيْ: عَنْ أبيهِ البَرّ ش: يعني أن الإمام أحمد ذهب إلى أن أصَحَّ الأسانيد محمد بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، ووافقه جماعة منهم إسحاق بن راهويه، انتهى. 19 - وَقِيْلَ: زَيْنُ العَابِدِيْنَ عَنْ أَبِهْ ... عَنْ جَدِّهِ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ بِهْ ش: وقيل: أصح الأسانيد الزهري عن زين العابدين علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب، وإليه ذهب عبد الرزاق وابن أبي شيبة. فـ «ابن شهاب» [5 - ب] مرفوعٌ بالابتداء، وما بعده الخبر، والجملة منصوبة حالاً؛ أي: وابن شهاب عن زين العبادين به، أي: بالحديث في حال كونه راوياً الحديث عنه. وقوله: «عن أَبِه» قلت هو بحذف الياء من الأب في لغةِ النَّقْص، على حد قوله: بأبه اقتَدَي عديٌّ في الكرم ... ومن يشابه أَبَهُ فَمَا ظَلَم

وزين العابدين هو: ابن الخيرتين (¬1) أبو الحسن، وليس للحسين عقب إلا من له ولد (¬2). قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه. وقلت: ابن الخيرتين (¬3) لقوله صلى الله عليه وسلم: «لله من عباده خيرتان فخيرته من العرب قريش، ومن العَجَم فارس» (¬4). لا جرم أن أمه سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس، انتهى. وقوله: 20 - أَوْ فَابْنُ سِيْريْنَ عَنِ السَّلْمَاني ... عَنْهُ أوِ الأعْمَشُ عَنْ ذي الشَّان ش: قلت: السَّلْمَاني بفتح السين، وسكون اللام، وفتح الميم، وبعد الألف نون، نسبة إلى سلمان حي من مراد. قال ابن الأثير في «الأنساب» (¬5): وأصحاب الحديث يفتحون اللام، والمراد به عبيدة: صحب علياً وابن مسعود، وروى عنهما وعن غيرهما من الصحابة، ¬

(¬1) في الأصل: ابن [أبي] الخيرتين. حشو، والتصحيح من المصادر. (¬2) كذا وقعت العبارة في الأصل، وفيها خطأ ظاهر، وعبارة ابن خلكان في «وفيات الأعيان»: (3/ 267): وليس للحسين عقب إلا من ولد زين العابدين هذا، ويظهر لي أن المصنف أراد نقل عبارة ابن خلكان بتصرف. (¬3) في الأصل: ابن [أبي] الخيرتين. تقدم ما فيه. (¬4) أورده السيوطي في «الجامع الكبير»: (رقم 8254)، وعزاه للديلمي. (¬5) «اللباب»: (2/ 127).

أسلم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين، وروى عنه ابن سيرين وغيره. ويعني أن أصح الأسانيد إما الزهري (خ) (¬1) من قوله، وإما ابن سيرين محمد، عن عَبيدة السَّلْماني، عن علي - في الضمير المجرور-، يعني: يعود إلى جده في البيت قبله، وهو علي بن أبي طالب. وذهب إلى هذا القول عَمرو بن الفلاس، وعلي بن المديني، وسليمان بن حرب، إلا أن عبارة ابن المديني: «أجود الأسانيد: عبد الله بن عون عن ابن سيرين عنه». وعبارة بن حرب: «أصحها: أيوب عن ابن سيرين به». وقيل: أصح الأسانيد: الأعمش [6 - أ] سليمان بن مِهْران -بكسر الميم-، عن النخعي إبراهيم بن يزيد، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود، وهو قول يحيى بن معين. وإلى هذا الإشارة بقوله: 21 - النَّخَعِيْ عَنِ ابْنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ ... عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ وَلُمْ مَنْ عَمَّمَهْ ش: أي من عَمَّمَ الحكمَ في أصَحِّ الأسانيد في ترجمةٍ لصحابيٍّ واحدٍ، بل ينبغي أن تقيد كل ترجمة منها لصحابِيِّهَا؛ لأن لكلِّ صحابي رواة من التابعين ولهم أتباع وأكثرهم ثقات، فلا يمكن أن يُقطع في أصح الأسانيد لصحابي واحد، بل ينبغي أن تقيد كل ترجمة منها لكن بحسب أسانيد كل واحد لكن (¬2) ¬

(¬1) اختصار «إلى آخره» أي إلى آخر ما تقدم. (¬2) كذا وقعت العبارة في الأصل.

باعتبار الصفات في نظر الحاكم، فيقال: أصح الأسانيد لأهل البيت جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي، إذا كان الراوي عن جعفر ثقة. [وأصح أسانيد الصديق: إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر] (¬1). وأصح أسانيد (¬2) عمر: الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن جده. وأصح أسانيد أبي هريرة: الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. وأصح أسانيد ابن عمر: مالك به (¬3). وأصح أسانيد عائشة: عبيد الله عن القاسم عنها. وأصح أسانيد ابن مسعود: الثوري [عن منصور] (¬4) عن إبراهيم به (¬5). وأصح أسانيد أنس بن مالك: [مالك] (¬6) عن الزهري عنه. وأصح أسانيد المكيين: ابن عيينة، عن ابن دينار، عن جابر. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) في الأصل: الأسانيد. خطأ. (¬3) أي: بالإسناد المذكور في البيت رقم (16): مالك عن نافع عن ابن عمر. (¬4) زيادة من المصدر. (¬5) أي بالإسناد المذكور في البيت رقم (21): إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود. (¬6) زيادة من المصدر.

واليمانيين: معمر، عن همام، عن أبي هريرة. وأثبت أسانيد المصريين: الليث، عن يزيد عن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر. وهذه زيادة على ابن الصلاح نص عليها التبريزي في «مختصره» (¬1). ¬

(¬1) المسمى بـ «الكافي في علوم الحديث»: (ص411).

أصح كتب الحديث

أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ وقوله: 22 - أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْحِ ... مُحَمَّدٌ وَخُصَّ بِالتّرْجِيْحِ [6 - ب] ش: يعني أن أول من صَنَّفَ في جمع الحديث الصحيح البخاري محمد، وهو أرجح من مسلم عند الجمهور، وصَوَّبَه النووي وصحح. قلت: ولبعضهم ووُجد على قبر البخاري مكتوب: ألا أيها الحَبْر الإمام المفَضَّل ... وعالم قول المصطفى والمُحَصّل بأخبار إذ قد جَمَعْتَ صِحَاحها ... لعلمك بالصِّدِّيق ممن يَحْمِل عن المصطفى والتابعين وبعدهم ... كأنهم في نَصْب عينك مُثَّل تأملت فيما قد جمعت فما أرى ... سوى مسند مما يَصِحُّ فَيُقْبَل تركت روايات ضعاف رواتها ... ولم يأت فيها مرسل أو معلل كتابك قد فاق الجوامع كلها ... فما هو إلا حاكم أو معدل والمراد ما أسنده دون ما عَلَّقَهُ وتَرْجَمَهُ. وقوله: 23 - وَمُسْلِمٌ بَعْدُ، وَبَعْضُ الغَرْبِ مَعْ ... أَبِي عَلِيٍّ فَضَّلُوا ذَا لَوْ نَفَعْ ش: يعني أن كتاب مسلم يتلو كتاب البخاري في الصِّحة، وذهب بعض

أهل الغرب والحافظ أبو علي الحسين النيسابوري شيخ الحاكم إلى تفضيل كتاب مسلم عليه، وحكاه عياض عن شيخه أبي مروان الطُّبني -بضم الطاء المهلمة، وإسكان الموحدة، وبعده نون- وما قُبِلَ ذلك منهم فما نَفَعَ قولُ من فَضَّل مسلماً. وقوله: 24 - وَلَمْ يَعُمَّاهُ ولكن قَلَّمَا ... عِنْدَ ابْنِ الاخْرَمِ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا ش: يعني أن البخاري ومسلماً لم يذكُرَا كلَّ الصحيح في كتابيهما ولم يلتزما ذلك، فإلزام الدارقطني وغيره إياهما بأحاديث لا تلزم. وذهب الحافظ ابن الأَخْرم -بفتح الهمزة [7 - أ]، وإسكان الخاء المعجمة، وبعده راء مهملة، فميم- أبو عبد الله محمد شيخ الحاكم إلى أنه قَلَّ ما يفوتهما ذلك. وقوله: 25 - وَرُدَّ لكن قَالَ يَحيَى البَرُّ ... لَمْ يَفُتِ الخَمسَةَ إلاَّ النَّزْرُ ش: يعني رُدَّ كلام ابن الأخرم وقيل: بل فاتهما كثير، وإنما لم يَفُت الأصول الخمسة منه إلا قليل، وصوبه النووي في «التقريب»، وصححه ابن جماعة في «مختصره». والمراد بالخمسة: الأصول الخمسة، التي هي: كتاب البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي. قلت: والبَر بفتح الباء الموحدة: كُلُّ عَمَلٍ صالحٍ وقصد به هنا مَنْ دَأْبُهُ

العمل الصالح، ويحيى النووي لم يزل طول عمره على طريق أهل السنة والجماعة، مواظباً على الخير، لا يصرف ساعةً في غير طاعة، ولا دقيقة في شهوة معصيةٍ أطاعها فرحمه الله تعالى وأعاد علينا من بركته، انتهى. وقوله: 26 - وَفيهِ مَا فِيْهِ لِقَوْلِ الجُعْفِي ... أَحْفَظُ مِنْهُ عُشْرَ أَلفِ أَلْف ش: يعني أن كلام النووي فيه نظر؛ لقول البخاري الجُعْفي: «أحفظ مائة ألف حديث صحيح»، وهي «عُشْر» ألف الألف بضم العين. وقوله: 27 - وَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّكرَارِ ... لَهَا وَمَوْقُوْفٍ وفي البُخَارِي ش: قلت: «وعلة» لغة في [لعله] (¬1) حكاها سيبويه وغيره، قال الكسائي: هي لغة بني تيم الله من ربيعة. ومنه: لا تُهِنِ الفقير عَلَّكَ أن ... تركع يوماً والدهر قد رفعه انتهى. ويعني: أن لَعَلَّ البخاري أراد بالأحاديث: المكررة الأسانيد والموقوفات. وعليه فموقوف بالجر عطفاً على التكرار. ¬

(¬1) العبارة في الأصل: وعله لعله في حكاها ... خطأ، وما زدتُه من عندي لتستقيم العبارة.

وقوله: 28 - أَرْبَعَةٌ آلافِ والمُكَرَّرُ ... فَوْقَ ثَلاثَةٍ أُلُوْفاً ذَكَرُوا [7 - ب] ش: يعني أن عدد أحاديث البخاري بإسقاط المكرر أربعة آلاف، وبالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون، ومُسَلَّمٌ ذلك في رواية الفربري، وأما رواية حماد بن شاكر فدونها بمائتي حديث، ودون هذه بمائة رواية ابن مَعْقل إبراهيم. واقتصر الناظم تبعاً لابن الصلاح على عِدَّة كتاب البخاري دون كتاب مسلم، وذكر النووي وابن جماعة أنه نحو من أربعة آلاف بلا مكرر.

الصحيح الزائد على الصحيحين

الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ قوله: 29 - وَخُذْ زِيَادَةَ الصَّحِيْحِ إذْ تُنَصُّ ... صِحَّتُهُ أوْ مِنْ مُصَنِّفٍ يُخَصُّ ش: يعني أن الشيخين لما لم يستوعبا الصحيح فيعرف الصحيح الزائد على ما فيهما حيث يَنُصُّ على صِحَّتِه إمام معتمد كالترمذي، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي، وأبي داود، والخطابي، وإن لم يكن في مُصَنَّفَاتهم عند الناظم خلافاً لابن الصلاح؛ فإنه قيد ذلك بمصنفاتهم، فلو صَحَّحَهُ من لم يشتهر له تصنيف، كيحيى بن سعيد القطان وابن معين ومثلهما فكذلك عند الناظم. ويؤخذ الصحيح أيضاً من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط كصحيح ابن خزيمة، وابن حبان، والمستدرك على الصحيحين للحاكم، والموجود في المستخرجات عليهما زيادة أو تتمة لمحذوف كذلك، وإليه الإشارة بقوله: 30 - بِجَمْعِهِ نَحوَ (ابْنِ حِبَّانَ) الزَّكِيْ ... (وَابنِ خُزَيْمَةَ) وَكَالمُسْتَدْرَك ش: ابن حِبَّان بكسر الحاء وبالباء الموحدة أبو حاتم محمد. قلت: والزكي بالزاي وصفه بذلك لما زكاه الأمير في «الإكمال» مرتين والخطيب قائلاً: «وكان ثقة ثبتاً فاضلاً فهماً». وابن نقطة وأبو سعيد الإدريسي

قائلاً: «وكان من فقهاء الدين [8 - أ]، وحُفَّاظ الآثار المشهورين في الأمصار والأقطار» إلى آخر كلامه والحاكم في «تاريخ نيسابور» قائلاً: «كان من أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال»، إلى آخره، انتهى. وابن خزيمة: أبو بكر. وقوله: 31 - عَلى تَسَاهُلٍ-وَقَالَ: مَا انْفَرَدْ ... بِهِ فَذَاكَ حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدّْ ش: يعني: نأخذ الصحة من «المستدرك» على تساهل في «المستدرك» لا فيها (¬1) لقوله: و «كالمستدرك» بإعادة الكاف (¬2). قال ابن الصلاح: ما انفرد الحاكم بتصحيحه لا بتخريجه فقط، إن لم يكن صحيحاً فهو حسن يُحتج به ويُعمل إلى أن يظهر فيه علة مُضَعِّفة. وقوله: 32 - بِعِلَّةٍ، وَالحقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا ... يَليْقُ، والبُسْتِيْ يُدَانِي الحَاكِما ش: يعني أن الحكم عليه بالحسن فقط تَحَكُّم، والحقُّ: ما انفرد بتصحيحه يُتتبع بالكشف عنه، ويحكم عليه بما يليق بحاله من الصحة أو الحسن أو ¬

(¬1) أي وليس التساهل في جميع المصنفات المذكورة في البيت قبله. (¬2) أي أن الناظم «قيد تعلق الجار والمجرور بالمعطوف الأخير لتكرار أداة التشبيه فيه». «شرح الناظم»: (1/ 120).

الضعف إلا أن [ابن] (¬1) الصلاح رأيه أن لا يُصحح أحدٌ من هذه الأعصار فقطع النظر عن الكشف عليه، وهذه من زيادات (¬2) الناظم على ابن الصلاح، وتَمَيَّزَ بنفسه لكونه اعتراضاً على ابن الصلاح. وابن حبان يقارب الحاكم في التساهل، والحاكم أشد تساهلاً. قال الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم. قلت: و «البُسْتِي» بضم الموحدة، وإسكان السين المهلمة، وبعده مثناة فوق، فمثناة تحت، نسبةً إلى مدينة من بلاد كَابُل، بين هَرَاة وغزنة، وهي مدينة حسنة كثيرة الخضرة والأنهار، خرج منها جماعة من الأئمة منهم أبو حاتم [8 - ب] هذا، والخَطَّابي، وغيرهما. وقوله: ¬

(¬1) زيادة من المصادر. (¬2) في الأصل: زيادة.

المستخرجات

الْمُسْتَخْرَجَاتُ الشرح: موضوعه أن يُخَرِّج مُوَثَّقٌ أحاديث البخاري أو مسلم بأسانيد لنفسه من غير طريقهما، فيجتمع إسناد المُخَرِّج مع إسنادهما في شيخه أو في من فوقه، كمُستخرج الإسماعيلي والبرقاني والأصبهاني أبي نعيم على «البخاري»، ومستخرج أبي عوانة وأبي نعيم أيضاً على «صحيح مسلم». وقوله: 33 - وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِب ش: يعني أن المستخرج لما لم يلتزم لفظ الصحيح منهما بل رواه بلفظ وقع له عن شيخه مخالفاً للفظ الصحيح منهما، فيجتنب أن يعزو لفظ متن المستخرج لهما بقوله (¬1): «أخرجه البخاري أو مسلم بهذا اللفظ» إلا أن يكون علم أنه في المستخرج بلفظ الصحيح بمقابلته عليه. وقوله: 34 - عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا ش: يعني أن مخالفة المستخرجات لألفاظ الصحيحين كثير، ومخالفتهما لهما في المعنى قليل، فيتعلق قوله «ربما» بقوله «ومعنى» لا بما قبله ومعه. ¬

(¬1) في الأصل: فبقوله.

وقوله: 35 - وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه ... فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ ش: يعني أن المستخرج على الصحيح إذا زاد لفظاً عليه من تتمةٍ لمحذوف أو شرحٍ في حديث ونحو ذلك، فاحكم بصحة الزائد؛ لأنها من مخرج الصحيح، ثم إن المستخرج فائدته الزيادة المذكورة لدلالتها على حكم، وعلوِّ الإسناد لأن المستخرج إذا [9 - أ] روى حديثاً من طريق مسلم [لوقع] (¬1) أنزل (¬2) من الطريق الذي رواه به في المستخرج، كحديث في مسند [أبي داود الطيالسي فلو رواه أبو نعيم مثلاً من طريق مسلم، لكان بينه وبين] (¬3) أبي داود رجال أربعة: شيخان بينه وبين مسلم، ومسلم وشيخه، وإذا رواه من غير طريق مسلم كان بينه وبين أبي داود رجلان فقط، فإن أبا (¬4) نعيم سمع المسند على ابن فارس بسماعه من يونس بن حبيب بسماعه منه. ومن فوائده: القوة بكثرة الطرق للترجيح عند المعارضة، وهي زيادة على ابن الصلاح، حيثُ لم يذكر إلا الزيادة أو العلو، أو هما عند الناظم تبعاً لابن جماعة. وقوله: 36 - وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقي وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) في الأصل: أول. خطأ، والتصحيح من المصدر. (¬3) زيادة من المصدر يظهر أنها سقطت من الأصل. (¬4) في الأصل: أبي. خطأ.

ش: أي فإن قيل قد منعت فيما تقدم العزو إلى البخاري ومسلم لاختلاف الألفاظ والمعاني، ورأينا البيهقي في «سننه الكبرى» و «المعرفة» وغيرهما، والبغوي في «شرح السنة» يروون الحديث بأسانيدهم ثم يعزونه إلى أحدهما؟ أجاب بأنهم يريدون أصل الحديث لا ألفاظه. فقوله: «والأصلَ» منصوبٌ بـ «عزا» مفعولاً مقدماً. ثم ذكر أن الحميدي في «جمعه بين الصحيحين» زاد الألفاظ (¬1) وتتمات ليست فيهما من غير تمييز، وذلك كثير، وهو مما أُنكر عليه؛ لأنه جمع بين كتابين فمن أين يأتي بالزيادة؟ بخلاف «الجمع بين الصحيحين» لعبد الحق ومختصرات الصحيحين فيجوز أن ينقل منها ويعزوه للصحيح ولو باللفظ لأنهم أتوا بألفاظ الصحيح، بخلاف النقل من زيادات «الجمع» للحميدي. قلت: و «البيهقي» بفتح الباء الموحدة، وإسكان الياء المثناة تحت، وبعدها مفتوحة [9 - ب]، وقاف، نسبةً إلى بيهق قُرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخاً منها، هو أبو بكر أحمد بن الحسين الفقيه الشافعي الحافظ المشهور، وانفرد زمانه (¬2) في فنون من العلم، غلب عليه فن الحديث، واشتهر، وهو من كبار أصحاب أبي عبد الله الحاكم ابن البَيِّع، وهو أول من جمع نصوص الشافعي رضي الله عنه في عشرين مجلداً، ومصنفاته مشهورة، ومن أشهرها «دلائل النبوة» و «السنن والآثار» و «الشُّعَب» و «مناقب الشافعي»، و «الإمام أحمد»، وهو الذي قال إمام الحرمين في حقه: ما من شافعي إلا ¬

(¬1) كذا. (¬2) كذا.

وللشافعي عليه مِنَّة إلا البيهقي فإن له على الشافعي مِنَّة، رحمه الله تعالى. و «الحُمَيْدي» بضم الحاء المهلمة، وبفتح الميم، وسكون الياء المثناة تحت، وبعده دال مهملة، نسبة إلى جَدِّه حُمَيْد، وهو أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأندلسي صاحب «الجمع بين الصحيحين» وغيره، كان عالماً خيراً ورعاً ثقة، أثنى عليه الأمير ابن ماكولا فقال: أخبرني صديقنا أبو عبد الله الحميدي، وهو من أهل العلم والفضل والتيقظ، ولم أر مثله في عفته وزهادته وورعه [وأثنى] (¬1) عليه بالعلم. وله: لقاء الناس ليس يفيد شيئاً ... سوى الهذيان من قيلٍ وقال فاقلل من لقاء الناس إلا ... لأخذ العلم أو لصلاح حال ¬

(¬1) الكلمة في الأصل مشتبهة.

مراتب الصحيح

مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ وقوله: 37 - وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا ... ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا ش: يعني [10 - أ] إن درجات الصحيح تتفاوت بحسب تَمَكُّن الحديث من شروط الصحة وعدم [تمكنه. وأصح كتب الحديث] مروي [البخاري] وكذا ما عطف عليه «فمسلم» بالفاء (¬1)، فالصحيح أقسام سبعة: أحدها: وهو أصحها ما أخرجه الشيخان وهو المتفق عليه عندهم. وثانيها: ما انفرد به البخاري. وثالثها: ما انفرد به مسلم. ورابعها: ما هو على شروطها ولم يخرجه واحد منهما. وخامسها: ما هو على شرط البخاري وحده. ¬

(¬1) العبارة وقع فيها سقط ظاهر في الأصل، فاجتهدت في تقويمها بما جعلته بين معقوفتين، وعبارة الناظم في شرحه (1/ 125): اعلم أن درجات الصحيح تتفاوت بحسب تمكن الحديث من شروط الصحة وعدم تمكنه، وإن أصح كتب الحديث: البخاري ثم مسلم كما تقدم أنه الصحيح، وعلى هذا فالصحيح ينقسم إلى سبعة أقسام ...

وسادسها: ما هو على شرط مسلم وحده. وسابعها: ما صح عند غيرهما من المعتمدين وليس على شرط واحد منهما. وقوله: 38 - شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي ... فَمُسْلِمٌ، فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفي ش: «فشرطهما» مفعول «حوى» أي: فما حوى شرطَ للبخاري الذي هو الجعفي، فما حوى شرط مسلم، فشرط غير البخاري ومسلم من الأئمة، فهذه الأقسام السبعة. وقوله في (ش) (¬1): «واستعمال «غير» غير مضافة قليل» ممنوعٌ بل هي مضافة وعوض عن المضاف إليه للتنوين (¬2). والمراد بعلى شرطهما أن يكون رجال إسناده من كتابيهما؛ لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما، كذا قاله النووي وأخذه ابن الصلاح، وعليه عمل القشيري والذهبي في «مختصر المستدرك» وتعقبه الناظم في (ش) (¬3) بأن الحاكم صرح في خطبة «المستدرك» بخلاف ما فهموه فقال: «وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما» أي: بمثل رواتها لا بهم أنفسهم [10 - ب]، أو بمثل تلك الأحاديث، وذلك إذا ¬

(¬1) أي قول الناظم في شرحه (1/ 126). (¬2) ولعل صوابها: بالتنوين. (¬3) (1/ 128).

كانت بنفس رواتها، انتهى. وقوله: 39 - وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ ش: يعني عند ابن الصلاح أنه يتعذر في هذه الأعصار الاستقلال (¬1) بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد؛ لأنه ما من إسناد إلا وفيه من اعتمد على كتابه عريًّا عن الضبط والإتقان، فما صَحَّ سنده في كتاب أو جزء ولم يصححه فلا نتجاسر على الجزم بصحته لما ذُكر، واستظهر النووي جواز ذلك لمن تمكن وقويت معرفته. قال في (ش): «وعليه عمل أهل الحديث، فقد صحح غير واحد من المعاصرين لابن الصلاح وبعده أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحاً كأبي الحسن بن القطَّان والضياء المقدسي والمنذري ومن بعدهم، انتهى. قلت: وفي المسألة قول ثالث اختاره ابن جماعة وهو التفصيل مع غلبة الظن أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة لشدة فحصهم واجتهادهم، انتهى. ¬

(¬1) في الأصل الاستقبال. خطأ، والتصحيح من المصدر.

حكم الصحيحين والتعليق

حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعْلِيْق قوله: 40 - وَاقْطَعْ بِصِحَّةٍ لِمَا قَدْ أَسْنَدَا ... كَذَا لَهُ، وَقِيْلَ ظَنّاً وَلَدَى ش: قلت: «لَدَى» بفتح اللام والدال المهلمة لغة في لَدُن قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25]. يعني قال ابن الصلاح: ما رواه الشيخان بإسنادهما المتصل فَيُقْطَع بصحته تبعاً لابن طاهر (¬1) المقدسي، وأبي نصر عبد الرحيم. وقيل: لا بل يفيد الظن، وتلقيه بالقبول لإيجاب العمل عليهم [11 - أ] بالظن ... (¬2) [ابن] (¬3) الصلاح فاشترط الجزم في التعليق (¬4). 41 - مُحَقِّقِيْهِمْ قَدْ عَزَاهُ (النَّوَوِيْ) ... وَفي الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِيْ ¬

(¬1) في الأصل: لابن الطاهر. (¬2) وقع في هذا الموضع سقط ظاهر في الأصل حيث انتقل الكلام بعد ذلك على البيت رقم (44)، وسقط شرح الأبيات (41، 42، 43)، فانظرها في شرح الناظم (1/ 134 - 141). (¬3) زيادة من عندي. (¬4) هذا من شرح البيت رقم (44) حيث يتكلم على اشتراط ابن الصلاح إطلاق لفظ التعليق على ما فيه جزم كـ «قال» و «ذكر». وانظر شرح الناظم (1/ 142).

42 - مُضَعَّفاً وَلَهُمَا بِلا سَنَدْ ... أَشْيَا فَإنْ يَجْزِمْ فَصَحِّحْ، أو وَرَدْ 43 - مُمَرَّضاً فَلا، وَلكِنْ يُشْعِرُ ... بِصِحَّةِ الأصْلِ لَهُ كَـ (يُذْكَرُ) 44 - وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الاسْنَادِ حُذِفْ ... مَعْ صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقاً عُرِفْ قال في (ش) (¬1): ووقع في غير الجزم في استعماله جماعةٌ من المتأخرين، ومنهم المزي، كقول البخاري في باب «مس الحرير من غير لُبس»: ويُروَى فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره في «الأطراف» وعَلَّمَ عليه علامة التعليق للبخاري. 45 - وَلَوْ إلى آخِرِهِ، أمَّا الَّذِي ... لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي 46 - عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ ... لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِف يعني أنه لو حذف الإسناد إلى آخره واقتصر على ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في المرفوع أو على الصحابي في الموقوف فإنه يُسَمَّى تعليقاً. كذا قال ابن الصلاح نقلاً عن بعضهم وما حَكَى غَيَره، ومثاله قول البخاري في العلم: «وقال عمر: تفقهوا قبل أن تسودوا». وأما ما عزاه البخاري إلى بعض شيوخه بصيغة الجزم كقوله: قال فلان، وزاد، ونحوه، فليس [حكمه] (¬2) حكم التعليق عن شيوخ شيوخه ومن فوقهم، بل حكمه حكم الإسناد المعنعن، وحكمه الاتصال بشرط ثبوت اللقاء والسلامة من التدليس وهما موجودان في البخاري، ومثاله قول البخاري: قال ¬

(¬1) (1/ 142). (¬2) زيادة من المصدر.

هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثنا عطية بن قيس، قال: حدثني عبد الرحمن بن غنمٍ، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والمعازف» فهذا حكمه الاتصال لأن ابن عمار (¬1) من شيوخ البخاري [11 - ب] حدث عنه أحاديث، وخالف الظاهريُّ ابنُ حزم في ذلك فقال في «المحلى»: هذا حديث منقطع لم يتصل ما بين صدقة والبخاري، ولا يصح في هذا الباب شيءٌ أبداً، وكلُّ ما فيه موضوع. وخَطَّأَهُ ابن الصلاح في ذلك بما يُوقَف عليه في كتابه. قال في (ش) (¬2): والحديث اتصل من طريق ابن عمار وغيره فقال الإسماعيلي في «المستخرج»: حدثنا الحسن بن سفيان النسوي الإمام، قال: حدثنا هشام بن عمار ... إلى آخره. وقال الطبراني في «مسند الشاميين»: حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار، انتهى. ¬

(¬1) في الأصل: لابن عمار. خطأ. (¬2) (1/ 146).

نقل الحديث من الكتب المعتمدة

نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ 47 - وَأخْذُ مَتْنٍ مِنْ كِتَابٍ لِعَمَلْ ... أوِ احْتِجَاجٍ حَيْثُ سَاغَ قَدْ جَعَلْ ش: يعني إذا أخذ من يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به حديثاً من كتابٍ معتمد لعمل به أو احتجاج، فَشَرَط ابنُ الصلاح أن يكون ذلك الكتاب بمقابلةِ ثقةٍ على أصولٍ صحيحةٍ متعددةٍ مرويةٍ برواياتٍ متنوعة. وقال النووي: إنْ قابلَها بأصلٍ معتمدٍ مُحققٍ أجزأه، والإشارة بقوله: 48 - عَرْضَاً لَهُ عَلى أُصُوْلٍ يُشْتَرَطْ ... وَقَالَ (يَحْيَى النَّوَوِي):أصْلٌ فَقَطْ ش: فالضمير في «جَعَل» يعود على ابن الصلاح، وظاهر كلامه في قسم الحسن في قول الترمذي باختلاف النسخ بين حسن أو حسن صحيح (¬1) أن ذلك ليس بشرط بل يستحب، قال (ن) (¬2): وهو كذلك. وقوله: ¬

(¬1) كذا وقعت العبارة في الأصل، وفيها خلل ظاهر، وعبارة الناظم في شرحه (1/ 147): «وقال ابن الصلاح في قسم الحسن حين ذكر أن نسخ الترمذي تختلف في قوله: حسن أو حسن صحيح ونحو ذلك: «فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول، وتعقد على ما اتفقت عليه» فقوله هنا: ينبغي قد يشير إلى عدم اشتراط ذلك وإنما هو مستحب. (¬2) أي الناظم. شرحه (1/ 147).

49 - قُلْتُ: (وَلابْنِ خَيْرٍ) امْتِنَاعُ ... جَزْمٍ سِوَى مَرْوِيِّهِ إجْمَاعُ [12 - أ] هذا تنبيه على اشتراط ابن الصلاح في من أخذ حديثاً من معتمد أن يقابل في أن الحافظ ابن خيرٍ نص على اتفاق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مروياً ولو على أقل وجوه الروايات، لحديث «من كذب علي متعمداً»، وفي بعضها «من كذب عَليَّ» مطلقاً، فـ «امتناعُ جزمٍ» مبتدأ، و «إجماع» خبره معموله. قلت: و «ابن خَير» بفتح الخاء المعجمة، وإسكان الياء المثناة تحت، وبعده راء مهملة، هو: الحافظ أبو بكر محمد بن خير من أهل إشبيلية، وكان يقول في نسبه الأموي: بفتح الهمزة، سمع بالمغرب من جماعات كثيرين، ولقي عياضاً، وسمع منه، وأجاز له من الأعلام الأندلسيين بن عتاب وغيره، ومن أهل المشرق السِّلَفي، وكان من الإكثار في تقييد الآثار والعناية بتحصيل الرواية بحيث يأخذ عن أصحابه الذين شركهم في السماع من شيوخه، فكان عدد مَنْ سمع منه أو كتب إليه نيفاً ومائة رجل، قد احتوى على أسمائهم برنامج له ضخم في غاية الاحتفال والإفادة، ومن برنامجه هذا تَلَقَّفَ (ن) ما نص عنه هنا، تَصَدَّر بإشبيلية للإقراء والسماع، وأخذ عنه الناس، وكان مُقَرَّئاً، مجوِّداً، ضابطاً، محدثاً، جليلاً، متقناً، أديباً، نحوياً، لغوياً، واسع المعرفة، رضياً، مأموناً، كريم العشرة، خيراً، فاضلاً، ما صَحِبَ أحداً ولا صحبه أحدٌ إلا وأثنى عليه، انتهى.

القسم الثاني: الحسن

القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ [12 - ب] 50 - وَالحَسَنُ المَعْرُوْفُ مَخْرَجاً وَقَدْ ... اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ ش: اختُلِف في حد الحسن فقال الخطابي: «هو ما عُرِفَ مخرجُه واشتهر رجاله» قال: «وعليه مدار أكثر الحديث». فبالأول خرج المنقطع والمدلس قبل أن يتبين تدليسه. 51 - (حَمْدٌ) وَقَالَ (التّرمِذِيُّ):مَا سَلِمْ ... مِنَ الشُّذُوْذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ ش: «حَمْد» بفتح الحاء المهملة، وإسكان الميم، وبعده دال مهملة، هو أبو سليمان الخَطَّابي، وهو فاعل «حَد» في البيت قبله. وقوله: (خ) (¬1) وهذا قول آخر في حد الحسن وهو قول (ت) (¬2) في «العلل» آخر جامعه: «وما ذكرنا في هذا الكتاب فإنما أردنا به ما حَسُن إسناده عندنا: كل حديث يُروضي لا يكون في إسناده من يُتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويُروَى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن». وقوله: 52 - بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ ... قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَ بَعْضَ مَا انفَرَدْ ¬

(¬1) أي: قوله: «ما سلم ... » إلى آخر البيت. (¬2) رمز للترمذي.

ش: فبكذب يتعلق بـ «اتُّهَم»، و «لم يكن» (ح) هو بمعنى (¬1): ولا يكون الحديث شاذاً (خ). وأورد على الحد المذكور في قوله: «ولم يكن» (خ) بأن الترمذي حَسَّنَ أحاديث لا تروى إلا من حديث واحد، كحديث إسرائيل، عن يوسف بن أبي بردة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك» فإنه قال فيه: «حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة»، انتهى. وقوله: [13 - أ] 53 - وَقِيْلَ: مَا ضَعْفٌ قَرِيْبٌ مُحْتَمَلْ ... فِيْهِ، وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ هذا قول آخر في الحديث (¬2) الحسن نَصَّ عليه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» و «الموضوعات»: «الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن». وبه أراد ابن الصلاح: ببعض (¬3) المتأخرين، واعترضه القشيري. قال ابن الصلاح [بعد] (¬4) ما ذكر هذه الحدود الثلاثة: «كل هذا مُستبهَم لا ¬

(¬1) في الأصل: معنى. (¬2) في الأصل: حديث. (¬3) في الأصل: بعض. (¬4) في الأصل: أما .. وما أثبتناه من المصدر.

يشفي الغليل، وليس في كلام الترمذي والخطابي ما يفصلُ الحسن من الصحيح». وهذا معنى: «وما بكل ذا حَدٌّ حصل». وقوله: 54 - وَقَالَ: بَانَ لي بإمْعَانِ النَّظَرْ ... أنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذَكَرْ ش: أي: وقال ابن الصلاح: «وقد أمعنت النظرَ في ذلك والبحثَ، جامعاً بين أطراف كلامهم، ملاحظاً مواقع استعمالهم، فتنقح لي واتضح أن الحديث قسمان ... » إلى آخر كلامه. ونَزَّل على القسم الأول كلام الترمذي، وعلى القسم الثاني كلام الخطابي، وإليه الإشارة بقوله «كُلٌّ»، أي: كل واحدٍ من الترمذي والخطابي. وقوله: 55 - قِسْماً، وَزَادَ كَونَهُ مَا عُلِّلا ... وَلاَ بِنُكْرٍ أوْ شُذُوْذٍ شُمِلاَ ش: يعني أنه في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً أو منكراً سلامته من أن يكون معللاً. وهذه زيادة [من] (¬1) ابن الصلاح على ما ذُكِر. وقوله: 56 - وَالفُقَهَاءُ كلُّهُمْ يَستَعمِلُهْ ... وَالعُلَمَاءُ الْجُلُّ مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ (ش): يشير بذلك إلى قول الخطابي في حده الحسن: «وهو الذي يقبله ¬

(¬1) زيادة من عندي ليستقيم السياق.

أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء»، فَفَرَّقَ بين العلماء والفقهاء في ذلك. قوله: [13 - ب] 57 - وَهْوَ بأقْسَامِ الصَّحِيْحِ مُلْحَقُ ... حُجّيَّةً وإنْ يَكُنْ لا يُلْحَقُ ش: يعني أن الحسن ملحق بالصحيح في الاحتجاج به، وإن كان دونه رتبةً، فـ «حُجية» منصوب على التمييز. وقوله: 58 - فَإنْ يُقَلْ: يُحْتَجُّ بِالضَّعِيْفِ ... فَقُلْ: إذا كَانَ مِنَ المَوْصُوْف 59 - رُوَاتُهُ بِسُوْءِ حِفْظٍ يُجْبَرُ ... بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ 60 - وَإنْ يَكُنْ لِكَذِبٍ أوْ شَذَّا ... أوْ قَوِيَ الضُّعْفُ فَلَمْ يُجْبَر ذَا ش: هو بضم أول «يُقل» مبنياً للمفعول. لما قَرَّرَ أن الحسن يحتج به، قيل: كيف يحتج بالضعيف؟ فأجاب بأن الضعف يختلف، فضعيفٌ (¬1) يزول بمجيئه من وجوه بأن يكون ضعفه نشأ عن ضَعْفِ حفظِ راويه مع كونه صادقاً ديناً، فإذا رأينا حديثاً جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما حفظه، ولم يختل ضبطه له، وكذا إذا كان ضعفُه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كالمرسَل الذي أرسله إمام حافظ؛ إذ ضعفه قليل يزول بروايته من وجه آخر. ومنه ضَعْفٌ لا يزول بنحو ذلك لقوة ضعفه، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، كالضعف الناشئ عن كون الراوي ¬

(¬1) كذا في الأصل، والأولى: فَضَعْفٌ.

متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً (¬1)، وإلى ذلك الإشارة بقوله: [الموصوف رواته ... ] (¬2). ش: فـ «رواتُه» مرفوع مبنياً على الفاعل فيه: «الموصوف» أي: الذي وُصِفَ رواته. وقوله: [14 - أ] 61 - أَلاَ تَرَى الْمُرْسَلَ حَيْثُ أُسْنِدَا ... أوْ أرْسَلُوا كَمَا يَجِيءُ اعْتُضِدَا هذا جوابٌ عمَّن قال: إن الحسن متقاصرٌ عن الصحيح، فكيف يُحتج به إذا انضم إليه من لا يحتج به منفرداً؟ فيقال: نَصَّ الشافعي رضي الله عنه في مراسل التابعين أنه يقبل منها المرسَل الذي جاء نحوه مسنداً، وكذا لو وافقه مُرْسَلٌ آخَر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول (خ) في كلام له ذكر فيه وجوهاً من الاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر. وقوله: 62 - وَالحَسَنُ: الْمشهُوْرُ بِالعَدَالَهْ ... وَالصِّدْقِ رَاوِيهُ، إذَا أَتَى لَهْ 63 - طُرُقٌ أُخْرَى نَحْوُهَا مِن الطُّرُقْ ... صَحَّحْتُهُ ........................ ¬

(¬1) العبارة في الأصل: «كون الراوي متهماً بالكذب، [أو كون الراوي متهماً بالكذب]، أو كون الحديث شاذاً». وهو تكرار. خطأ. (¬2) زيادة من عندي لينضبط السياق.

ش: يعني أن الحَسَن الذي رواه مشهور بالصدق والعدالة إذا أتت له طرقٌ أُخرى حُكِمَ بصحته، كحديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة». فمحمد بن عمرو من المشهورين بالصدق والصيانة إلا أنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضُعِّفَ لسوء حفظه ووُثِّقَ لصدقه وجلالته فحديثه هذا من هذه الجهة حسن، فلما انضم إليه كونه رُويَ من جهة أخرى زال بذلك ما يُخشى عليه من سوء حفظه، وانجبر بذلك النقصُ اليسير، والتحق بدرجة الصحيح. فـ «طرقٌ أخرى» فاعل أتى. وقوله: ....................... ... ........ ُ كَمَتْنِ (لَوْلاَ أنْ أَشُقْ) 64 - إذْ تَابَعُوْا (مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو) ... عَلَيْهِ فَارْتَقَى الصَّحِيْحَ يَجْرِي ش: فَقَيَّدَ قولُه: «كمتن» بقوله: «إذ» (خ) إعلاماً بأن التمثيل ليس بمطلق [14 - ب] الحديث، بل بقيد كونه من رواية محمد بن عمرو. [و] (¬1) أراد بالمتابعة متابعة شيخِ محمد بن عمرو أبي سلمة عليه عن أبي هريرة، فقد تابعَ أبا سلمة عن أبي هريرة عبدُ الرحمن بن هرمز الأعرج، وسعيد المقبري، وأبوه أبو سعيد، وعطاء مولى أم حبيبة (¬2)، وحميد بن عبد ¬

(¬1) زيادة من عندي. (¬2) كذا في الأصل، وراجع حاشية تحقيق شرح الناظم (1/ 161 رقم 5).

الرحمن، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، وهو متفق عليه من طريق الأعرج، والمتابعة قد يُراد بها متابعة الشيخ، ومتابعة شيخ الشيخ كما يأتي إن شاء الله. 65 - قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ ... جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَن ش: يعني أن من مظان الحَسَن «سُنن أبي داود السجستاني». كذا قال ابن الصلاح. 66 - فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرْتُ فِيْهِ ... ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْه 67 - وَمَا بهِ وَهَنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ ... وَحَيْثُ لاَ فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ ش: يعني أن ابن الصلاح قال: روينا عنه أنه قال: «ذكرتُ فيه الصحيح، وما يشبهه، ويقاربه»، وروينا عنه أيضاً ما معناه أنه يذكر في كل باب ما عرفه في ذلك الباب، وقال: «ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصلح من بعض». قال ابن الصلاح: فعلى هذا ما وجدته في كتابه مذكوراً مطلقاً، وليس في واحد من الصحيحين، ولا نَصَّ على صحته أحدٌ يميز بين الصحيح والحسن عرفناه، فإنه من الحسن عند أبي داود. وإلى هذا الإشارة بقوله: 68 - فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحَّحْ وَسَكَتْ ... عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ ش: «ولم يُصَحَّح» بضم أوله مبنياً على المفعول. وقوله: [15 - أ]

69 - و (ابْنُ رُشَيْدٍ) قَالَ -وَهْوَ مُتَّجِهْ- ... : قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ ش: هذا اعتراض من أبي عبد الله محمد بن عمر الفِهْري الأندلسي، عُرِف بابن رُشيد بضم الراء المهلمة، وفتح الشين المعجمة، وإسكان المثناة تحت، وبعده دال مهملة، على ابن الصلاح؛ فإنه لا يَلْزَم من كون الحديث لم يَنُصُّ عليه أبو داود بضعف، ولا صححه غيره أن الحديث عند أبي داود حَسَن، إذ قد يكون [عنده] (¬1) صحيحاً وإن لم يكن عند غيره كذلك، واستحسنه أبو الفتح اليَعْمُري، و [هذا] (¬2) معنى قوله: «وهو متجه». 70 - وَللإمَامِ (اليَعْمُرِيِّ) إنَّما ... قَوْلُ (أبي دَاوُدَ) يَحْكي (مُسْلِما) ش: يعني أن اليَعْمُري محمد بن سيد الناس تعقب كلام ابن الصلاح في شرح الترمذي قائلاً: «لم يرسم أبو داود شيئاً بالحُسن، وعمله في ذلك شبيه بعمل مسلم الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره، أنه اجتنب الواهي الضعيف، وأتى بالقسمين الأول والثاني، وحديث مَنْ مَثَّل به من الرواة من القسمين المذكورين موجود في كتابه دون القسم الثالث، فكان ينبغي أن يُلْزِمَ أبو عمرو مسلماً ما ألزمه أبا داود، فإن معنى كلامهما واحد. قلت: واليَعْمَري بفتح المثناة تحت، وإسكان العين المهملة، وبعده ميم مفتوحة (¬3)، فراء مهملة، انتهى. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) زيادة من المصدر. (¬3) هذا وجه، والوجه الآخر: اليعمُري، بضم الميم.

71 - حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا ... تُوجَدُ عِنْدَ (مَالِكٍ) وَالنُّبَلا ش: يعني أن قول أبي داود يشبه قول مسلم في الصِّحة والمقاربة حيث يقول إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان. وقوله: [15 - ب] 72 - فَاحْتَاجَ أنْ يُنْزَلَ في الإسْنَادِ ... إلى (يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ) ش: يعني فاحتاج أن ينزل -يعني مسلماً- إلى (¬1) مثل حديث ليث بن أبي سُليم، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا حفظاً وإتقاناً. وقوله: 73 - وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ ... قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْق ش: يعني أنه لا فرق بين الطريقين، غير أن مسلماً شرط الصحيح فتحرَّج (¬2) من حديث الطبقة الثالثة، وأبا داوود ما اشترطه فذكر ما يشتد وهنُه والتزم عنده البيان عنه. وقوله: 74 - هَلاَّ قَضى عَلى كِتَابِ (مُسْلِمِ) ... بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّم ¬

(¬1) في الأصل: [قال] إلى مثل. وهو حشو. (¬2) في الأصل: فيخرج. خطأ، وانظر حاشية تحقيق شرح الناظم (1/ 165رقم8).

ش: هذا جواب عن اعتراض اليعمري (¬1)، وهو أن مسلماً التزم الصحة في كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه فيه بأنه حسن عنده لقصور الحسن عن الصحيح، وأبو داود قال: إن ما سكت عنه فصالح. والصالح قد يكون صحيحاً، وقد يكون حسناً عند من يرى الحَسَن دون الصحيح رتبةً، وما نقل عن أبي داود هل يقول بذلك، أو يرى ما ليس بضعيف صحيحاً؟ فكان الأحوط ألا يُرتفع بما سكت عنه إلى الصحة حتى يُعلم أن رأيه هو الثاني، ويحتاج إلى نقل. والضمير المجرور بـ «على» يعود إلى كتاب أبي داود. وقوله: 75 - وَ (البَغَوِيْ) إذْ قَسَّمَ المَصْابحَا ... إلى الصِّحَاحِ والحِسَانِ جَانِحا ش: قلت البغوي نسبةً إلى بلد من بلاد خُراسان يقال لها «بغ» و «بغشور» وقيل [16 - أ] لأبي القاسم هذا البغوي؛ لأجل جده أحمد بن منيع البغوي، ووُلِدَ هو ببغداد ونشأ بها، وكان محدِّث العراق في عصره، وإليه الرحلة من البلاد، انتهى. يعني أن البغوي رُدَّ عليه تسميته في كتاب «المصابيح» ما رواه أصحاب السُّنن: الحسان؛ إذ في السنن غير الحسن من الضعيف والصحيح إذا قلنا الحسن ليس أعم من الصحيح. ¬

(¬1) كذا قال المصنف وهو خطأ فهذا البيت تتمة لكلام اليعمري، وما ذكره هو جواب الناظم عن كلام اليعمري كله، كما تجد تفصيله في شروح «الألفية».

وقوله: 76 - أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ ... رَدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ ش: فـ «أَنَّ» بفتح الهمزة بإسقاط «إلى» أي: جانحا «إلى» أن. وقوله: 77 - كَانَ (أبُوْ دَاوُدَ) أقْوَى مَا وَجَدْ ... يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ ش: هذا بيان لكون السنن فيها غير الحسن، لقول أبي داوود، يعني أنه يذكر في كل باب أصحَّ ما عرفه في ذلك الباب قال ابن منده عنه إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال. وقوله: 78 - في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رَأيٍ اقوَى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ) ش: معناه ما تقدم. وقوله: 79 - وَالنَّسَئي يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكَاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ ش: قال ابن منده: إنه سمع محمد بن سعد الباوردي -بالباء الموحدة- بمصر يقول: كان مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يُجْمَع على تركه. و «مذهبٌ متسعٌ» خبر مبتدأ محذوف أي: «وهو ... ». وقوله: [16 - ب]

80 - وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا ... فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا ش: يعني أن من أطلق الصحيح على كتب السنن فقد تساهل كالسِّلَفي، حيث يقول في الكتب الخمسة: اتفق على صحتها المشرق والمغرب. وكالحاكم حيث يطلق على الترمذي «الجامع الصحيح» وكذا الخطيب أطلق على النسائي: «الصحيح». 81 - وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلاَ ... عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى ش: يعني أن دون السنن في رتبةِ الصَّحيح المصنَّف على المسانيد مما أُفرد فيه حديث كلِّ صحابي على حِدة من غير نظر للأبواب كأبي داوود الطيالسي، ويقال إنه أول مسنَد صُنِّفَ، وكمسند الإمام أحمد، والبزار، والبغوي، والدارمي عند ابن الصلاح، ووَهِم لأنه مُرَتَّبٌ على الأبواب. و «يُدعَى الجَفَلا» بضم أول الفعل مبنياً للمفعول. و «الجَفَلا» بضم الجيم (¬1) والفاء مقصور: الدعوة العامة للطعام، والدعوة الخاصة عندهم تسمى النقرى. قلت: والنقرى بفتح النون، والقاف، والراء المهملة، وبعده ألف. قال الأخفش: يقال: دُعي فلان في النقرى لا في الجفلا قال طَرَفة الشاعر: نحن في المَشْتَاة ندعو الجَفَلا ... لا ترى الآدب فينا ينتقر ¬

(¬1) كذا، وصوابها: بفتح الجيم. كما في شرح الناظم: (1/ 170).

وكنى بذلك عن [كون] (¬1) المسانيد [دون السنن في مرتبة الصحة، لأن من جمع مسند الصحابي يجمع] (¬2) فيه ما يقع له من حديث الصحابي صَلُح للاحتجاج أم لا. وقوله: 82 - كَمُسْنَدِ (الطَّيَالَسِيْ) و (أحْمَدَا) ... وَعَدُّهُ (لِلدَّارِميِّ) انْتُقِدَا ش: [17 - أ] فالضمير في «عَدُّه» لابن الصلاح. قلت: «الطَّيالسي» بفتح الطاء، والياء المثناة تحت، وبعده ألف، فلام مكسورة، فسين مهملة، نسبةً إلى الطَّيَالِسَة التي تجعل على العمائم، وشُهِرَ بهذه النسبة إلى الطَّيالسة أبو داود سليمان، وأصله من فارس وسكن البصرة، يروي عن الدستوائي وغيره، وعن الإمام أحمد، وابن المديني وغيرهما، ومسنده هذا من حَسَنِ الحديث، ولي به رواية، والله أعلم، انتهى. وقوله: 83 - والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ ... بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا ش: يعني أنهم يرون الحكم (¬3) بالصحة للإسناد دون المتن، فيقولون: هذا حديث إسناده صحيح، دون قولهم هذا حديث صحيح، وكذلك يقولون في حكمهم على الإسناد بالحسن: هذا إسناده حسن، دون: حديث حسن؛ لأنه ¬

(¬1) في الأصل: إجماع. خطأ، والتصحيح من المصدر. (¬2) زيادة من المصدر سقطت من الأصل. (¬3) في الأصل: الحاكم. خطأ.

قد يَصِحُّ الإسناد لثقة رجاله، ولا يَصِحُّ الحديث لشذوذٍ أو علةٍ. وقوله: 84 - وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ ... وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ ش: يعني أن المعتَمد من المُصَنِّفين إذا اقتصر على: «صحيح الإسناد»، ولم يذكر له علة، ولم يقدح فيه، فالظاهر الحُكْم بالصحة في نفس الحديث، لعدم العلة والقادح في الظاهر والأصل، كذا قال ابن الصلاح، وزاد (ن): وكذلك لو اقتصر على قوله: «حسن الإسناد»، ولم يعقبه بضعف فَيُحْكَم له بالحُسْن. وقوله: 85 - وَاسْتُشْكِلَ الحسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في ... مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يَرِدْ فَقُلْ: صِفِ [17 - ب] ش: يعني أن الجماعة استشكلوا قول الترمذي مثلاً أو غيره: «هذا حديث حسن صحيح»، كيف يجمع بينهما مع كون الحسن قاصراً عن الصحيح، فيكون جَمَعَ إثبات القصور ونفيه في حديث واحد؟ وأجاب ابن الصلاح عنه بجوابين ضَعَّفَهُما القُشيري؛ أحدهما: أن ذلك يرجع إلى الإسناد بأن يكون له إسنادان صحيح وحسن. فأورد (¬1) عليه القشيري أحاديث قيل فيها ذاك، وليس لها إلا مخرج واحد، كقول الترمذي في مواضع: «هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه»، كقوله في حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إذا بقى نصف شعبان فلا ¬

(¬1) في الأصل: «ش» فأورد ...

تصوموا» فقال فيه: «حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ». والثاني: أنه أراد بالحسن معناه اللغوي دون العرفي. قال القشيري: فيلزم عليه أن يُطْلَق على الموضوع إذا كان حَسَن اللفظ حَسَن. وقد مزج (ن) هذين الجوابين بردهما في هذا البيت وما بعدها بقوله: 86 - بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يَرِدْ مَا يَخْتَلِفْ ... سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وصِفْ؟ 87 - وَ (لأبي الفَتْحِ) في الاقْتِرَاحِ ... أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلاَح ش: أجاب القشيري أبو الفتح عن ما استشكله في كتابه «الاقتراح» لما رَدَّ الجوابين كما رأيت بأن الحَسَن لا يُشترط فيه أن يكون قاصراً عن الصحة إلا إن انفرد فيراد به حينئذ الحَسَن لا العُرفي (¬1)، وأما إن ارتفع إلى درجة الصحة [18 - أ] فالحسن حاصل تبعاً للصحة لا محالة؛ لأن وجود الدرجة العليا وهي الحفظ والإتقان، وذلك لا ينافي وجود الدنيا كالصدق، فيقال حسن باعتبار الدنيا، صحيح باعتبار العليا، وعلى ذلك فالصحة أخَصّ، فكل صحيح حسن، وأيده قولهم: «حسن» في الأحاديث الصحيحة كما هو في كلام المتقدمين. وقد قال ابن المواق: كل صحيح عند الترمذي حسن، ولا ينعكس. وإلى هذا أشار بقوله: ¬

(¬1) أي: فيراد به الحسن الاصطلاحي. كما هو تعبير الناظم في شرحه (1/ 173).

88 - وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ ... كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لاَ يَنْعَكِسْ 89 - وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ ... حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَاد ش: هذا إيراد أورده ابن سيد الناس على ابن المواق، فقال: قد بقي عليه أنه اشترط في الحَسن أن يُرْوَي نحوه من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح، فانتفى ما قاله، وعلى هذا فالأفراد الصحيحة ليست بحسنة عند الترمذي؛ إذ يشترط في الحسن أن يروى من غير وجه، كحديث الأعمال، والسَّفَر قطعة من العذاب، ونهى عن بيع الولاء وهبته. وأجاب (ن) (¬1) عن هذا بأن الترمذي إنما يشترط مجيئه من وجه آخر إذا لم يبلغ رتبة الصحيح، فإن بلغها لم يشترط ذلك، كقوله في مواضع: «هذا الحديث حديث حسن صحيح غريب» لما ارتفع إلى درجة الصحة أثبت له الغرابة باعتبار فرديته، انتهى. ¬

(¬1) (1/ 175).

القسم الثالث: الضعيف

القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ قوله: 90 - أمَّا الضَّعِيْفُ فَهْوَ مَا لَمْ يَبْلُغِ ... مَرْتَبَةَ الحُسْنِ، وإنْ بَسْطٌ بُغِي: ش: يعني أن ما قَصُر عن رتبة الحسن فهو ضعيف. وقوله: «وإن بسطٌ بُغي» معناه: إذا أردت [18 - ب] أقسام الضعيف باعتبار الانفراد والاجتماع فتنتهي الأقسام إلى اثنين وأربعين قسماً أشار إليها (ن) رحمه الله بقوله: 91 - فَفَاقِدٌ شَرْطَ قَبُوْلٍ قِسْمُ ... وَاثْنَيْنِ قِسْمٌ غَيْرُهُ، وَضَمُّوْا 92 - سِوَاهُما فَثَالِثٌ، وَهَكَذَا ... وَعُدْ لِشَرْطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ فَذَا 93 - قِسْمٌ سِوَاهَا ثُمَّ زِدْ غَيْرَ الَّذِي ... قَدَّمْتُهُ ثُمَّ عَلى ذَا فَاحْتَذِي ش: قوله: «ففاقد» مبتدأ يسوغ الابتداء به، وهو نكرة اسم فاعل منون عمله النصب في «شرطَ قبولٍ». وقوله: «قسم» خبره، والجملة في محل الجزم على الجواب. ش: ومعنى ذلك أن ما فُقِدَ فيه شرطٌ من شروط القبول فهو قسم، وشروط القبول هي شروط الصحيح والحسن وهي ستة:

أولها: اتصال السند حيث لم ينجبر [المرسل] (¬1) بما يؤكده كما سيأتي. وثانيها: عدالة الرجال. وثالثها: السلامة من كثرة الخطأ والغفلة. ورابعها: مجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور، لم تعرف أهليته، وليس متهماً كثير الغلط. وخامسها: السلامة من الشذوذ. وسادسها: السلامة من العلة القادحة. ففاقد الأول قسم تحته قسمان: منقطع، ومرسل لم ينجبر. وقوله: «واثنين» هو بالنصب عطفاً على «شرط قبول» أي: وفاقد شرطاً مضافاً إلى الشرط الأول الذي هو الاتصال قسم غير القسم الأول وتحته اثنا عشر قسماً إذ فقد العدالة [يدخل] (¬2) تحته الضعيف والمجهول [وهذه أقسامه] (¬3). مرسل في إسناده ضعيف. منقطع فيه ضعف. مرسل فيه [19 - أ] مجهول. ¬

(¬1) في الأصل: المسند. خطأ، والتصحيح من المصدر. (¬2) زيادة من المصدر. (¬3) زيادة من المصدر.

منقطع فيه مجهول. مرسل فيه مغفل كثير الخطأ، وإن كان عدلاً. منقطع فيه مغفل كذلك. مرسل فيه مستور، لم ينجبر بمجيئه من وجه آخر. منقطع فيه مستور، لم يجيء من وجه آخر. مرسل شاذ. منقطع شاذ. مرسل معلل. منقطع معلل. وقوله: «وضموا سواهما» أي: وإن ضموا إلى فقد الشرطين المتقدمين فقد شرط ثالث فهو قسم ثالث من أصول الأقسام، وتحته عشرة أقسام: مرسل شاذ فيه عدل مغفل كثير الخطأ. منقطع شاذ فيه مغفل كذلك. مرسل معلل فيه مغفل (¬1). [منقطع معلل] (¬2) فيه ضعف. ¬

(¬1) في المصدر: ضعيف. (¬2) زيادة من المصدر.

مرسل معلل فيه مجهول. منقطع معلل فيه مجهول. مرسل معلل فيه مغفل كذلك. منقطع معلل فيه مغفل كذلك. مرسل معلل فيه مستور، لم ينجبر. منقطع معلل فيه مستور كذلك. وقوله: «هكذا» يعني أنك تعد هكذا إلى آخر الشروط الستة، فتأخذ ما فقد فيه الاتصال مع فقد السلامة من الشذوذ (¬1) والسلامة من العلة [ثم أخذ ما فقد فيه شرط آخر مضموماً إلى فقد هذه الشروط الثلاثة] (¬2) وصورتها (¬3). مرسل شاذ معلل. منقطع شاذ معلل. [مرسل] (¬4) شاذ معلل فيه مغفل كثير الخطأ. منقطع شاذ معلل فيه مغفل كذلك فهذه ثمانية وعشرون قسماً. وقوله: «وعُد لشرط» (خ)، معناه: أنك تعود فتبدأ بما فُقد منه شرط واحد ¬

(¬1) في الأصل: السلامة من الشذوذ [والسلامة من الشذوذ]. تكرار. (¬2) زيادة من المصدر. (¬3) كذا. (¬4) زيادة من المصدر.

غير الشرط الأول الذي هو الاتصال، وهو عدالة الرجال، وتحته قسمان [ما] (¬1) في إسناده ضعيف. ما فيه مجهول. وهذه ثلاثون قسماً. وقوله: «فذا قسم سواها» أي: فهذا القسم [19 - ب] الذي فقد فيه ثقة الرواة قسم آخر من أصول الأقسام سوى الأقسام الأصول المذكورة. وقوله: «ثم زد» (خ)، معناه: أنك تزيد على فَقْدِ عدالة الراوي فَقْدَ شرط آخر غير الشرط المبدوء به الذي هو الاتصال، وتحته قسمان: ما فيه ضعف وعلة، ما فيه مجهول وعلة. وهذه اثنان وثلاثون. وقوله: «على ذا فاحتذي» قلت: احتذي بالحاء المهملة، والتاء المثناة فوق، والذال المعجمة، إذا اقتدى به. قال (ن) في (ش) (¬2): «وأدخلت الياء في آخره لضرورة القافية». قلت: وهو حذف فصيح لقصد تناسب بعض القوافي مع بعض صَرَّح به ابن الحاجب في «الشافية» (¬3) التصريفية قائلاً: وإثبات الواو والياء في الفواصل والقوافي فصيح، انتهى. والمعنى كَمِّل العمل الباقي الذي بدأت فيه بفقد الشرط المثنى به كما كَمَّلت العمل الأول، وهو أن تضم إلى فقد هذين الشرطين فقد شرط ثالث، ثم تعود فتبدأ بما فقد فيه غير المبدوء به، والمثنى به، وهو سلامة الراوي من ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) (1/ 179). (¬3) (ص65).

الغفلة. ثم تزيد عليه وجود الشذوذ أو العلة أو هما معاً. ثم تعوذ فتبدأ بما فقد فيه شرط رابع وهو عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في إسناده مستور. ثم تزيد عليه وجود العلة. ثم تعود فتبدأ بما فقد فيه الخامس وهو السلامة من الشذوذ. ثم تزيد عليه وجود العلة معه، ثم نختم بفقد السادس. ويدخل تحت ذلك باقي الأقسام وهي عشرة: شاذ معلل فيه عدل مغفل كثير الخطأ. ما فيه مغفل [20 - أ] كثير الخطأ. شاذ فيه مغفل كذلك. معلل فيه مغفل كذلك. [شاذ معلل فيه مغفل كذلك] (¬1). ما في إسناده مستور لم تعرف أهليته، ولم يرو من وجه آخر. معلل فيه مستور كذلك. شاذ. شاذ معلل. معلل. فهذه اثنان وأربعون قسماً للضعيف، وله أقسام تختص به لقباً كمقلوب (¬2) ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) كذا، وعبارة الناظم في شرحه: ومن أقسام الضعيف ما له لقبٌ خاص كالمضطرب ...

وموضوع ومنكر ومضطرب، [سيأتي] (¬1). وقوله: 94 - وَعَدَّهُ (البُسْتِيُّ) فِيما أوْعَى ... لِتِسْعَةٍ وَأرْبَعِيْنَ نَوْعَا ش: «البُستي» قلت بضم الباء الموحدة، وإسكان السين المهملة، وبعده مثناة فوق، هو أبو حاتم محمد بن حِبَّان بكسر الحاء المهملة، وبعده موحدة. ومعناه: أن البُستي فَصَّل أنواع الضعيف إلى تسعة وأربعين نوعاً. و «أوعي» بالعين المهملة رباعياً، أي: جمع وحفظ. ¬

(¬1) في الأصل: باقي. خطأ، والتصحيح من المصدر.

المرفوع

الْمَرْفُوْعُ قوله: 95 - وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبي ... وَاشتَرَطَ (الخَطِيْبُ) رَفْعَ الصَّاحِب ش: الحديث المرفوع المشهور فيه أنه: ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً له أو فعلاً صحابياً، كان المضيف أو تابعياً أو غيرهما، اتصل إسناده أم لا، فتناول: المتصل، والمرسل، والمنقطع، والمعضل. وقوله: «واشترط الخطيب» (خ)، يعني أن الخطيب حَدَّهُ بأنه ما أخبر به الصاحب عن قول الرسول أو فعله، فيخرج مرسل التابعي وغيره. وقوله: 96 - وَمَنْ يُقَابِلهُ بِذي الإرْسَالِ ... فَقَدْ عَنَى بِذَاكَ ذَا اتِّصَال ش: يعني أن [من] (¬1) قابل الحديث المرفوع بالمرسل فإنه يعني بالمرفوع: المتصل المسند. ¬

(¬1) زيادة من عندي يقتضيها السياق.

المسند

الْمُسْنَدُ قوله: [20 - ب] 97 - وَالمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ أوْ مَا قَدْ وُصِلْ ... لَوْ مَعَ وَقفٍ وَهوَ في هَذَا يَقِلْ ش: يعني أن الحديث المسنَد في حَدِّه ثلاثة أقوال: الأول: أنه المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونص أبو عمر في «التمهيد» قائلاً: وقد يكون منقطعاً. فالمتصل: كمالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمنقطع كمالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فهذا مسند لأنه أُسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس. وقوله: «أو ما قد وُصِل» (خ)، هذا هو القول الثاني دل عليه «أو» المنوعة للخلاف مع ما بعده، وهو أن المسند ما اتصل إسناده نص عليه ابن الصَّبَّاغ في «العُدة» فيدخل تحته المرفوع والموقوف. وقوله: «لو مع وقف» (خ)، يعني أن المسند ما اتصل إسناده وإن رُفع إلى صحابي (¬1) لكن ذلك قليل بخلافه فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه ¬

(¬1) كذا، ولعل صوابها: وإن وقف على صحابي.

وسلم كثيراً، كذا نص ابن الصلاح. وقوله: 98 - وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ (الحَاكِمُ) فِيهِ قَطَعَا ش: هذا القول الثالث وهو أن المسند مخصوص بما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ متصلٍ، وبه جزم أبو عبد الله الحاكم، وحكاه أبو عمر قولاً لهم.

المتصل والموصول

الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُوْلُ وقوله: 99 - وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا ش: يعني أن المتصل [21 - أ] والموصول: ما اتصل إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى صحابي موقوف عليه. وهذا معنى قوله: 100 - سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... ............................... وقوله: ........................... ... وَلَمْ يَرَوْا أنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ ش: يعني أن قول التابعي إذا اتصل الإسناد إليه لا يسمى متصلاً، وقيد (ن) (¬1) المنع بحالة الإطلاق بخلاف القيد كقولهم هذا متصل إلى ابن المسيب أو إلى مالك نحوه. ¬

(¬1) شرحه (1/ 184).

الموقوف

الْمَوْقُوْفُ قوله: 101 - وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ أوْ قَطَعْتَهُ ش: يعني أن الموقوف هو ما قصرته بصحابي قولاً أو فعلاً من غير أن يتجاوز به النبي صلى الله عليه وسلم، اتصل إسناده إليه أم لا. وقوله: 102 - وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَر ... وَإنْ تَقِفْ بِغَيرِهِ قَيِّدْ تَبرْ ش: يعني أن بعض الفقهاء خص الأثر بالموقوف، والمرفوع بالخبر، نَصَّ عليه الفُوراني أبو القاسم فيما نقله ابن الصلاح. قلت: وتأمل قول النووي رحمه الله تعالى في «التقريب»: «وعند فقهاء خراسان» (خ) (¬1) ففيه نظر. وقوله: «وإن تَقِف» (خ)، يعني: أنك إذا استعملت الموقوف عن غير الصحابي تابعياً أو غيره فقيده به كموقوف على عطاء، أو على مالك، أو على الشافعي، ونحو ذلك، وعلى هذا فالصواب أن تقرأ قول (ن) «وإن تقف بغيره» لا بتابع (¬2)، وكلام ابن الصلاح فيما أشار إليه (ن) يدل على ذلك. ¬

(¬1) عبارة النووي: وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر والمرفوع بالخبر. «التقريب»: (1/ 184) مع «التدريب». (¬2) أي فلا تقيد الغير بالتابعي، بل هو أعم من ذلك.

المقطوع

الْمَقْطُوْعُ قوله: 103 - وَسَمِّ بِالمَقْطُوْعِ قَوْلَ التَّابِعي ... وَفِعْلَهُ، وَقَدْ رَأى (للشَّافِعِي) [21 - ب] 104 - تَعْبِيرَهُ بِهِ عَنِ المُنقطِعِ ... قُلْتُ: وَعَكسُهُ اصطِلاحُ (البَردَعِي) ش: يعني أن المقطوع هو ما جاء عن التابعين من أقوالهم وأفعالهم موقوفاً عليهم. وقوله: «وقد رأى» (خ)، يعني: أن ابن الصلاح رأى أن التعبير بالمقطوع عن المنقطع وقع في كلام الشافعي وأبي قاسم الطبراني وغيرهما. قال (ن) (¬1): ووجدتُه في كلام أبي بكر الحميدي والدارقطني انتهى. وقوله: «قلت» (خ)، يعني: أن اصطلاح البَرْدَعي عَكْس ذلك وهو التعبير بالمنقطع عن المقطوع، وهو أنه جعل المنقطع هو قول التابعي وهذا وإن حكاه ابن الصلاح غير معين (¬2) فزاد (ن) هنا عزوه. و «البَرْدَعي» قلت: بفتح الباء الموحدة، وإسكان الراء، وفتح الدال المهملتين، وبعده عين مهملة، نسبةً إلى بَرْدَعه بلدة بأقصى بلاد أذربيجان ¬

(¬1) (1/ 186). (¬2) أي لم يعين القائل به.

فروع

نسب إليها جماعة، ومنهم الحافظ هذا أبو بكر أحمد بن هارون، انتهى. وقوله: فُرُوْعٌ 105 - قَوْلُ الصَّحَابيِّ (مِنَ السُّنَّةِ) أوْ ... نَحْوَ (أُمِرْنَا) حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ 106 - بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلى الصَّحِيْحِ، وهوَ قَوْلُ الأكْثَر ش: هذا تفريع على الموقوف، فالفرع الأول: أن يقول الصحابي: «من السنة كذا»، كما قال علي رضي الله عنه: «من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت» السرة في رواية أبي داود، ومن رواية ابن داسة وابن الأعرابي (¬1). وأن يقول: «أُمرنا بكذا، ونهينا عن كذا»، كما قالت أم عطية: «أمرنا أن نخرج [22 - أ] في العيدين العواتق ... » الحديث، وقالت: «نهينا عن اتباع الجنائز» الحديث. وقوله: «حكمه الرفع» يعني: أنه مرفوع عندهم وعند أكثر العلماء لظهور أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الآمر الناهي، وأنها سنته، وخالف فريق منهم الإسماعيلي أبو بكر فقالوا: ليس بمرفوع. قال (ن) (¬2): وجزم به أبو بكر الصيرفي في «الدلائل»، انتهى. ¬

(¬1) أي من روايتهما لسنن أبي داود. (¬2) (1/ 189).

وقوله: «ولو بعد النبي» (خ) يعني: أن حكمه الرفع مطلقاً قاله في زمن الرسول أو بعده بمُضي أعصر، أما إذا صرح الصحابي به صلى الله عليه وسلم كأن يقول: «أَمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» فقال (ن) (¬1): لا أعلم فيه خلافاً إلا ما حكاه ابن الصباغ في «العدة» عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لنا لفظه، وضَعَّفَهُ (¬2)، انتهى. وقوله: 107 - وَقَوْلُهُ (كُنَّا نَرَى) إنْ كانَ مَعْ ... عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ ش: هذا فرع ثان وهو أن يقول الصحابي: «كنا نرى كذا، أو نفعل، أو نقول كذا»، أو نحوه، فإن كان مضافاً إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم [كقول جابر: «كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم»] (¬3). وقوله: «كنا نأكل لحوم الخيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم» في رواية النسائي وابن ماجه، فقطع الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أنه مرفوع، وصححه الأصوليون: الرازي، والآمدي، وأتباعهما. وذهب الإسماعيلي لما سأله البرقاني عن ذلك إلى أنه موقوف، وأنكر كونه من المرفوع [22 - ب]، وهو بعيد؛ لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم اطَّلَع عليه وقَرَّرهم. ¬

(¬1) (1/ 189). (¬2) في الأصل: «أو ضعفه» خطأ. والمراد أن الناظم ضَعَّف هذا القول. (¬3) زيادة من المصدر سقطت من الأصل.

قال (ن): أما إذا كان في القصة اطِّلَاعه فمرفوع إجماعاً، كقول ابن عمر: «كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل هذه الأمة بعد نبيهم: أبو بكر وعمر وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره» فيما رواه (ط) (¬1) في أكبر «معاجمه». قال (ن): والحديث في الصحيح [لكن] (¬2) ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك صريحاً، انتهى. وقوله: 108 - وَقِيْلَ: لا، أوْ لا فَلا، كَذاكَ لَه ... و (لِلخَطِيْبِ) قُلْتُ: لكِنْ جَعَلَهْ 109 - مَرفُوعاً (الحَاكِمُ) و (الرَّازِيُّ ... ابنُ الخَطِيْبِ)،وَهُوَ القَوِيُّ ش: يعني أنه قيل بأنه موقوف لا مرفوع كما حكيناه عن الإسماعيلي. وقوله: «أو لا فلا» يعني: وإن كان قول الصحابي (¬3) «كنا نرى» غير مضاف إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فليس بمرفوع. وقوله: «كذاك له» يعني أن هذا لابن الصلاح تبعاً للخطيب. وقوله «قلت» (خ)، زاد المؤلف على ابن الصلاح أن الحاكم والرازي وهو الإمام فخر الدين جعلاه مرفوعاً وإن [لم] (¬4) يضفه إلى زمن النبي صلى الله ¬

(¬1) أي: الطبراني. «المعجم الكبير»: (رقم 13132). (¬2) في الأصل: فليس. وما أثبتناه من المصدر. (¬3) في الأصل: البخاري. خطأ. (¬4) زيادة من عندي، فعبارة الناظم: ولو لم يقيده بعهد النبي ...

عليه وسلم كقول عائشة رضي الله عنها: «كانت اليد لا تُقطع في الشيء التافه». وقوله: «وهو القوي»: يعني أن هذا القول قوي كما قال النووي في «شرح المهذب» أنه قوي من حيث المعنى، وهو ظاهر نص الإمام والآمدي. قال (ن) (¬1): وقال به أيضاً كثير من الفقهاء، انتهى [23 - أ]. 110 - لكنْ حَدِيْثُ (كانَ بَابُ المُصْطَفَى ... يُقْرَعُ بالأظفَارِ) مِمَّا وُقِفَا 111 - حُكْماً لَدَى (الحَاكِمِ) و (الخَطِيْبِ) ... وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيخِ ذُوْ تَصْوِيْب الشرح: يعني أن الحاكم والخطيب قالا في حديث رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير» أنه موقوف. وقوله: «والرفع» (خ)، يعني: أن الشيخ ابن الصلاح صوب كونه مرفوعاً، وأَوَّل مرادهما بأنه ليس مرفوعاً لفظاً بل مرفوعاً معنى. وقوله: 112 - وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي ... رَفْعَاً فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَاب الشرح: هذا فرع ثالثٌ وهو تفسير الصحابي فإنه موقوف ومن عَدَّهُ في المرفوع وهو الحاكم وعزاه للشيخين فَحُمِل على تفسير يتعلق بسبب نزول آيةٍ يخبر به الصحابي أو نحوه، كقول جابر رضي الله عنه: كانت اليهود ¬

(¬1) (1/ 193).

تقول: من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة:223]، الآية. بخلاف سائر تفاسير الصحابة غير مضافٍ شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فموقوف. فقوله: «رفعاً» بالنصب بمعنى مرفوع، والعامل فيه «عَدُّ» المبتدأ. قلت: وخبره «فمحمول» انتهى. وقوله: 113 - وَقَوْلُهُمْ (يَرْفَعُهُ) (يَبْلُغُ بِهْ) ... روَايَةً يَنْمِيْهِ رَفْعٌ فَانْتَبِهْ [23 - ب] الشرح: هذا فرع رابعٌ وهو إذا قيل عن الصحابي: «يرفعه» أو «يَبْلُغ به» أو «ينميه» أو «رواية» فمرفوعٌ، فَعَبِّرْ برفعٍ عنه، ومثاله حديث الأعرج عن أبي هريرة روايةً: «تقاتلون قوماً صغار الأعين» الحديث في الصحيحين، وروى مالك في «الموطأ» عن أبي حازم، عن سهل بن سعدٍ، قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليُسرى في الصلاة» قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك. ورواه البخاري من طريق القعنبي عن مالك فقال: ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَصَرَّح برفعه. وقوله: 114 - وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلٌ ... قُلْتُ: مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوْا 115 - تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ (أُمِرْنَا) مِنْهُ (للغَزَالي)

الشرح: يعني أن هذه الألفاظ إن قيلت عن تابعي يعني فمرسل. وقوله «قلت» (خ)، يعني أن من الزوائد على ابن الصلاح أن قول التابعي: «من السنة» إلى آخر الباب فهل هو موقوف متصل أو مرفوع مرسل كالذي قبله؟ فهو وجهان للشافعي. ومثاله رواية للبيهقي من قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: السنة: تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيراتٍ. وقوله: «عنه» أي: عن التابعي. وقوله: «نقلوا» (خ) [24 - أ]، يعني أن الأصح في مسألة التابعي أنه موقوف، نَصَّ على ذلك النووي في «شرح المهذب»، وحكى الداوودي في «شرح مختصر المزني» أن الشافعي كان يرى في القديم أنه مرفوع، ثم رجع عنه قائلاً: لأنهم يطلقونه ويريدون سنة البلد. وقوله: «وذو احتمال» (خ) يعني: أن التابعي إذا قال: «أُمرنا بكذا» ونحوه، فهل يكون موقوفاً أو مرفوعاً مرسلاً؟ فيه احتمالان للغزالي في «المستصفى»، ولم يُرَجِّح شيئاً. قال (ن) (¬1): وجزم ابن الصباغ في «العدة» بإرساله، انتهى. وقوله: 116 - وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى ¬

(¬1) (1/ 198).

117 - مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ مَنْ أتَى ... (فَالحَاكِمُ) الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا الشرح: يعني أن ما جاء عن صحابي موقوفاً عليه، ومثله لا يُقال من قِبَل الرأي فمرفوع على ما نص عليه الإمام في «المحصول». وقوله: «نحو: مَنْ أتى» (خ)، يعني: كقول ابن مسعودٍ: «من أتى ساحراً أو عَرَّافاً فقد كفر بما أُنْزِل الله على محمد صلى الله عليه وسلم». ترجم عليه الحاكم في «العلوم» (¬1) له: «معرفة المسانيد التي لا يُذكَر سَنَدُها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وذكر فيه ثلاثة أحاديث هذا أحدها. قال (ن) (¬2): ولا يَخُصُّ ذلك [24 - ب] المحصول بل نَصَّ عليه غَيرُ واحدٍ من الأئمة كأبي عُمر وغيره، وأدخل ابن عبد البر أبو عمر في «التقصي» أحاديث ذكرها مالك في «الموطأ» موقوفة مع أن موضوع الكتاب لما في «الموطأ» من الأحاديث المرفوعة، منها حديث سهل بن ابي حَثَمة في صلاة الخوف (خ)، انتهى. وقوله: 118 - وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَة 119 - كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ) ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ الشرح: يعني أن ما رواه أهلُ البصرة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: «قال: قال» فذكر حديثاً، ولم يَذْكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كَرَّر ¬

(¬1) أي في كتابه: «معرفة علوم الحديث». (¬2) (1/ 199).

لفظ «قال» بعد أبي هريرة، كما ذكر في «الكفاية» للخطيب من طريق موسى بن هارون الحمال، بسنده إلى حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال: «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مُصَلَّاه»، فقال الخطيب: إنه مرفوع (¬1). قال (¬2): قلت للبرقاني: أحسب أن موسى عنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصَّة، فقال: كذا يجب. قال: ويحقق قول موسى ما قال ابنُ سيرين محمدٌ: كل شيء حدثته عن أبي هريرة فهو مرفوع، انتهى. قال (ن) (¬3): ووقع من ذلك روايةُ البخاري في المناقب [25 - أ]: حدثنا سليمان بن حربٍ: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال: «أسلم وغفار وشيء من مزينة». الحديث، وهو عند مسلم من رواية ابن عُلَيَّة عن أيوب مُصَرَّحٌ فيه بالرفع، انتهى. ¬

(¬1) كذا وصواب العبارة من خلال شرح الناظم (1/ 201): قال موسى بن هارون: إذا قال حماد بن زيد والبصريون: قال: قال، فهو مرفوع. (¬2) أي: الخطيب. (¬3) (1/ 201 - 202).

المرسل

الْمُرْسَلُ قوله: 120 - مَرْفُوعُ تَابعٍ عَلى المَشهُوْرِ ... مُرْسَلٌ أو قَيِّدْهُ بِالكَبِيْر 121 - أوْ سَقْطُ رَاوٍ مِنْهُ ذُوْ أقْوَالِ ... وَالأوَّلُ الأكْثَرُ في استِعْمَال الشرح: المرسل في حَدِّه أقوال: أحدها: أنه ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كبيراً كان التابعي كعبيد الله بن عدي بن الخيار، وابن المسيب، ومثلهما، أو صغيراً كالزهري، وأبي حازمٍ، ومثلهما، وهذا هو المشهور. وقوله: «أو قيده» (خ) هذا هو القول الثاني، وهو ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مرسل باتفاقٍ، بخلاف مراسيل صغار التابعين فمنقطعة لا مرسلة على هذا القول. تنبيه: وجعل ابن الصلاح من الصغار الزهري، وقوله (¬1): «إنه لم يَلْقَ من الصحابة إلا واحداً أو اثنين، رَدَّهُ (ن) فإنه لقي اثني عشر صحابياً فأكثر: ابن عمر، وأنس، وسهل، وربيعة بن عِبَاد -بكسر العين، وتخفيف الموحدة-، [25 - ب] وعبد الله بن جعفر، والسائب بن يزيد، وسُنَين أبو جَميلة، وعبد ¬

(¬1) أي: ابن الصلاح.

الله بن عامرٍ، وأبو الطفيل، ومحمود بن الربيع، والمسور، وعبد الرحمن بن أزهر، انتهى. وقوله: «أو سقط راوٍ» (خ) هذا هو القول الثالث، وهو: ما سقط راوٍ من إسناده فأكثر، من أي موضع كان، وعليه فاتحد المرسل والمنقطع. قلت: فقوله: «ذو أقوال» خبر عن قوله «مرسل» انتهى. وقوله: «والأول» (خ)، يعني أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال القول الأول، وقطع الحاكم وغيره من المحدثين بخصوصه بالتابعين. وقوله: 122 - وَاحتَجَّ (مَاِلِكٌ) كَذا (النُّعْمَانُ) ... وَتَابِعُوْهُمَا بِهِ وَدَانُوْا الشرح: يعني أن مالكاً وأبا حنيفة وأتباعهما ذهبوا إلى الاحتجاج بالمرسل والتدين به، وهو معنى قوله: «ودانوا». قلت: والنعمان هو أبو حنيفة بن ثابت الإمام العالم العامل الخواف من الله تعالى. قال الشافعي رضي الله عنه: قيل لمالك رضي الله عنه: هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: نعم رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته. ونبهت على ذلك خشية أن يلتبس بأبي حنيفة النعمان صاحب المعز وقاضيه، وكان مالكي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الإمامية، وصنف

[26 - أ] كتاب «ابتداء الدعوة» للعبيديين، وكتاب «اختلاف الفقهاء» ينتصر فيه لأهل البيت رضي الله عنهم. وقوله: 123 - وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ؛ ... لِلجَهْلِ بِالسَّاقِطِ في الإسْنَاد 124 - وَصَاحِبُ التَّمهيدِ عَنهُمْ نَقَلَهْ ... وَ (مُسْلِمٌ) صَدْرَ الكِتَابِ أصَّلَهْ الشرح: يعني أن صاحب «التمهيد» ابن عبد البر حَكَى في مقدمته عن جماعة من أصحاب الحديث عدم الاحتجاج به، وكذا نص مسلمٌ في أول «صحيحه»، قائلاً: «المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحُجَّة»، انتهى. وقوله: «أَصَّله» قَصَد به الرد على ابن الصلاح، حيث أطلق نقله عن مسلم، ومسلمٌ إنما ذكره في أثناء كلام خصمه الذي رد عليه اشتراط ثبوت اللقاء فقال: «فإن قال: قُلْتُه .. » إلى آخر كلامه. وقوله: «للجهل» (خ) اللام تتعلق بقوله «وَرَدَّهُ» يعني أن الجماهير رَدُّوا المرسل لما كان في شرط الحديث الصحيح ثقة رجاله، والمرسل سقط منه رجل جُهِلَ حالُه، فَعُدِم معرفةُ بعض رواته. وقوله: 125 - لَكِنْ إذا صَحَّ لَنَا مَخْرَجُهُ ... بمُسْنَدٍ أو مُرْسَلٍ يُخْرِجُهُ 126 - مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ الأوَّلِ ... نَقْبَلْهُ، قُلْتُ: الشَّيْخُ لَمْ يُفَصِّل

الشرح: يعني أن المرسل يُحتج به إذا أُسند من وجه آخر، أو [26 - ب] أرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسِل الأول. وقوله: «نقبْله» قال (ن) (¬1): مجزوم جواباً للشرط على مذهب الأخفش والكوفيين كقول الشاعر: إذا تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ فاصْبِر لَهَا ... وإذا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّل قلت: لا أعرف هذا النحوي (¬2) ونصوص مشاهير النحويين أن ذلك لا يكون إلا في الشعر، وظاهر كلام ابن مالكِ بأَخَرةٍ في نص «التسهيل» أنه يجوز الجزم بها في قليل من الكلام، ولا يختص بالشعر، وهو ظاهر كلام ابنه في الشرح لهذا الموطن انتهى. وقوله: «قلت» (خ)، يعني أن من الزوائد على الشيخ ابن الصلاح الاعتراض عليه لما حكى كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه فأطلق القول عن الشافعي أنه يقبل مطلق المرسل إذا تأكد بما ذَكَره، والشافعي إنما يقبل مراسيل كبار التابعين إذا تأكدت مع وجود الشرطين المذكورين في النظم كما نص عليه الشافعي في «الرسالة»، وروى كلام الشافعي كذلك الخطيب في «الكفاية»، والبيهقي في «المدخل» بإسناديْهِما الصَّحِيْحَيْن إليه، تَحَصَّل منه أن الشافعي يقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها سواءً كان مرسل ابن المسيب أو غيره. ¬

(¬1) (1/ 208). (¬2) كذا، ولعل مقصوده أنه لا يعرف نسبة هذا الكلام للأخفش، وإلا فالأخفش إمامٌ لغوي شهير.

قال البيهقي: وقد ذكرنا مراسيل لابن المسيب لم يقل بها الشافعي حين لم ينضم إليها ما يؤكدها [27 - أ]، ومراسيل لغيره قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها. وأما قول القفال المروزي في «شرح التلخيص» قال الشافعي في «الرهن الصغير»: «مرسل ابن المسيب عندنا حجة» فمحمول على ما قاله البيهقي. وقوله: 127 - و (الشَّافِعِيُّ) بِالكِبَارِ قَيَّدَا ... وَمَنْ رَوَى عَنِ الثِّقاتِ أبَدَا 128 - وَمَنْ إذا شَارَكَ أهْلَ الحِفْظِ ... وَافَقَهُمْ إلاّ بِنَقْصِ لَفْظ الشرح: يعني كما قررنا أن الشافعي ما أطلق كما أطلق الشيخ بل قصد ما قررناه. وقوله: «ومن روى» (ح) يعني: ومن روى ما أرسله عن الثقات، أو من روى مطلقاً عن الثقات المراسيل وغيرها، وعبارة الشافعي تحتمل ذلك، ويبقى النظر في أيهما أرجح حملاً لكلام (ن) على أرجح محملي كلام الشافعي. وقوله: «ومن إذا» (خ) يعني: أن الشافعي قَيَّدَ في لفظه قبول المرسل بأن يكون إذا سَمَّى من روى عنه لم يُسم مجهولاً ولا مرغوباً عن الرواية عنه، ويكون إذا شرك أحداً من الحفاظ في حديثه لم يخالفه، فإن خالفه بأن وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه، قال: ومتى خالف ما وصفت أضَرَّ بحديثه حتى لا يسع أحداً قبول مرسله، إلى آخر كلام الشافعي رضي الله عنه.

وقوله: 129 - فَإنْ يُقَلْ: فَالمُسْنَدُ المُعْتَمَدُ ... فَقُلْ: دَلِيْلانِ بِهِ يُعْتَضَدُ [27 - ب] الشرح: يعني إن قيل: المرسل إذا أسند من وجه آخر قُبِل والاعتماد على كونه مسنداً ولا حاجة للإرسال. فيُجَاب بأن المسند وسيلةٌ للإرسال، ومُصَحِّحٌ له، فصارا دليلين يُرَجَّح بهما عند معارضة (¬1) دليلٍ واحد، والضمير المجرور بالياء يعود إلى «المُسْنَد». وقوله: 130 - وَرَسَمُوا مُنْقَطِعاً عَنْ رَجُلِ ... وَفي الأصُوْلِ نَعْتُهُ: بِالمُرْسَل الشرح: يعني أنه إذا جاء إسنادٌ عن رجلٍ، أو عن شيخ، ونحوه، فهل هو منقطع أو مرسل؟ فقال الحاكم: منقطع لا مرسل. وكذا قال ابن القطان في كتاب «البيان». وقال إمام الحرمين في «البرهان»: مرسل، قال وكذلك كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يُسَم حاملها. وكذا نص صاحب «المحصول» أنه مرسل. فهذا معنى قوله «وفي الأصول»، أي أصول الفقه. وحكى (ن) (¬2) عن غير واحد من أهل الحديث أنه متصل في إسناده مجهول، قال: وحكاه الرشيدُ العَطَّار في «الغُرَر المجموعة» عن الأكثرين، ¬

(¬1) في الأصل: المعارضة. خطأ. (¬2) (1/ 213).

واختاره شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائي في كتاب «جامع التحصيل». انتهى. وقوله: 131 - أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ ... فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ [28 - أ] الشرح: يعني أن مراسيل الصحابة حكمها حكم الموصول، ولم يذكر ابن الصلاح خلافاً في مرسل الصحابي. قال (ن) (¬1): ولم يذكر ابن الصلاح خلافاً في مرسل الصحابي، وفي بعض كتب الأصول للحنفية أنه لا خلاف في الاحتجاج به، وتعقبه قائلاً عن الإسفراييني أبي إسحاق: «إنه لا يحتج به». ¬

(¬1) (1/ 213).

المنقطع والمعضل

الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ قوله: 132 - وَسَمِّ بِالمُنْقَطِعِ: الَّذِي سَقَطْ ... قَبْلَ الصَّحَابيِّ بِهِ رَاوٍ فَقَطْ الشرح: يعني أنه اختُلِفَ في الحديث المنقطع ما هو؟ والمشهور أنه ما سقط من رواته راوٍ واحدٌ غير الصحابي. وقوله: 133 - وَقِيْلَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ، وَقَالا: ... بِأنَّهُ الأقْرَبُ لا استِعمَالا الشرح: هذا قول في صورة المنقطع، وهو ما لم يتصل إسناده، ذكره أبو عمر. وقوله: «وقالا» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: إن هذا المذهب أقرب، صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم. وقوله: «لا استعمالاً» يعني أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال: «ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم»، وأكثر ما يوصف بالانقطاع: «ما رواه من دون التابعين عن الصحابة» مثل مالك عن ابن عمر ونحوه. وقوله: [28 - ب]

134 - وَالمُعْضَلُ: السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... فَصَاعِداً، وَمِنْهُ قِسْمٌ ثَان 135 - حَذْفُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابِيِّ مَعَا ... وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا الشرح: المعضل بفتح الضاد من أعْضَلَه رُباعياً. وقول (ن): بحثتُ فوجدت لهم: «أمر عضيلٌ» أي: مستغلق شديد. قلت: إنكاره معضَل بفتح الضاد لا وجه له؛ إذ هو القياس لاسم المفعول من أفعل الرباعي، وقد ينوب عن «مُفْعَل» بفتح العين «فَعيلٌ» سماعاً لا قياساً، ومنه قولهم أعقدي العسل فهو عقيدٌ بمعنى مُعْقَدٍ، وأَعَلَّه المرض فهو عليلٌ بمعنى مُعَل، وليس من ذلك عضيل كما ذكر، انتهى. وحَدُّ المعضَل ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً من أي موضعٍ كان [سواءً] (¬1) سقط الصحابي والتابعي، أو التابعي وتابعه، أو اثنان قبلهما. ومَثَّلَه أبو نصر السِّجْزي بقول مالك: بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للمملوك طعامه وكسوته» الحديث. قال ابن الصلاح ومنه قول المصنفين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا. وقوله: «ومنه» (خ) يعني: ومن المعضل قسم ثان، وهو أن يروي تابع التابعي عن التابعي حديثاً موقوفاً عليه، وهو حديث متصل مسند إلى رسول الله صلى الله عليه [29 - أ] وسلم، كرواية الأعمش عن الشعبي قال: «يقال ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

للرجل في القيامة: عملت كذا وكذا. فيقول: ما عملته. فيختم على فيه .. » الحديث، فجعله الحاكم نوعاً من المعضل، أعضله الأعمش لأن التابع أسقط اثنين: الصحابي والرسول صلى الله عليه وسلم، ووصله فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مما أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فقال: «من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تُجِرْني من الظلم؟ فيقول بلى ... » وذكر الحديث، رواه مسلم.

العنعنة

الْعَنْعَنَةُ قوله: 136 - وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ الشرح: العنعنة فَعْلَلَة من عَنْعَنَ الحديث إذا رواه بلفظ «عن» مِنْ غير بيان للتحديث والإخبار والسماع. واختُلِف في حكمه، والصحيح المعمول به وهو مذهب الجماهير من الأئمة المحدثين وغيرهم، أنه متصل بشرط سلامته (¬1) من التدليس وإمكان لقائهما. قلت: والدُّلسة بضم الدال فُعْلَة من دَلِس -وهو قياس مصدر فعِل بكسر العين- .... (¬2) في العيوب. انتهى. وقوله: 137 - وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إجمَاعَا ... و (مُسْلِمٌ) لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا [29 - ب] 138 - لكِنْ تَعَاصُراً، وَقِيلَ: يُشْتَرَطْ ... طُوْلُ صَحَابَةٍ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطْ 139 - مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ، ... وَقيْلَ: كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ ¬

(¬1) في الأصل: سلامتهما. (¬2) كلمة لم تظهر لي، ومراد العبارة واضح أن التدليس هو إخفاء العيوب.

140 - مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ، ... .................................. الشرح: يعني أن بعضهم وهو أبو عمر (¬1) وأبو عمرو الداني ادَّعيا الإجماع على أن المعنعن مُتصل بشرطه، وزاد الداني أن يكون معروفاً بالرواية عنه. وقوله: «ومسلم» (خ) يعني أن مسلماً أنكر في خطبة «صحيحه» اشتراط ثبوت اللقاء، وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه، وأن القول الشائع المتفق عليه إمكان لقائهما في كونهما في عصرٍ واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا. وقوله: «وقيل يشترط» (خ) يعني أن السمعاني أبا المظفر شَرَط طُول الصُّحبة بينهما. وقوله: «وبعضهم» (خ) يعني أن الداني شرط ما ذكرناه. وقوله: «وقيل» (خ) يعني أن بعضهم ذهب إلى أن المعنعن مرسل ومنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره. وقوله: ........................... ... وَحُكْمُ (أَنَّ) حُكمُ (عَنْ) فَالجُلُّ 141 - سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا (البَرْدِيْجِيْ) ... حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيج الشرح: هذا تفريعٌ على العنعنة، وهو ما إذا قال الراوي: «أن فلاناً قال كذا»، ¬

(¬1) يعني ابن عبد البر.

كقول الزهري: أن سعيد بن المسيب قال [30 - أ] كذا. فالجمهور سووا بين الرواية بالعنعنة والرواية بلفظ «أن»، وبه قال الإمام مالك رضي الله عنه والجمهور، فيما حكاه أبو عُمر في «التمهيد»، وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ بل باللقاء والمجالسة والسَّماع والمشاهدة. قلت: و «الجُل» بضم الجيم وتشديد اللام انتهى. وقوله: «وللقطع» (خ) يعني أن البرديجي نحا أي ذهب إلى أن مُطْلَقه محمول على الانقطاع ولا يلحق بـ «عن» حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى. قلت: والبَرْدِيجي بفتح الباء الموحدة، وإسكان الراء، وكسر الدال المهملتين، وبعدهما مثناة تحت ساكنةٌ، فجيم، نسبةً إلى بَرْدِيج بليدة بأقصى أذربيجان، بينها وبين بردعة أربعة عشر فرسخاً، وهو أبو بكر البردعي المقدم ذكره، حافظ ثقة إمام انتهى. وقوله: 142 - قَالَ: وَمِثْلَهُ رَأى (ابْنُ شَيْبَهْ) ... كَذا لَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ الشرح: يعني أن ابن الصلاح قال: «وجدت ما حكاه ابن عبد البر عن البرديجي للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في «مسنده» الفحل». وقوله: «كذا له» يعني أن ابن الصلاح أقام من قول ابن شيبة في مسنده لما ذَكَر رواية قيس بن سعد [30 - ب]، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن الحنفية: أن عماراً مَرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصَلِّي، وجعله مرسلاً لقوله

«أن عماراً» فعل، ولم يقل: «عن عمارٍ» أنه وافق البرديجي فيما قاله. وقوله: «ولم يُصَوِّب» (خ) يعني أن ابن الصلاح في هذه الإقامة لم يُعَرِّج صوب مقصد بن شيبة، وبيانه أن الذي فعله ابن شيبة هو صوابٌ من العمل، وهو الذي عليه عمل الناس، وما جعله مرسلاً من لفظ «أن» إنما جعله مرسلاً من جهة كونه لم يسند حكاية القصة إلى عمارٍ، فلو قال: «إن عماراً قال مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم» لما جعله مرسلاًَ، فلما قال: «أن عماراً فعل» كان ابن الحنفية هو الحاكي لقصة لم يدركها إذ لم يدرك مرور عمارٍ بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان نقله لذلك مرسلاً. وقوله: 143 - قُلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أدْرَكَ مَا ... رَوَاهُ بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا 144 - يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ كَيفَمَا رَوَى ... بـ (قَالَ) أو (عَنْ) أو بـ (أنَّ) فَسَوَا الشرح: بَيَّنَ بذلك قاعدةً يُعْرَف بها المتصل من المرسل فقال من الزيادة على ابن الصلاح: أن الراوي إذا روى حديثاً فيه قصةٌ أو واقعةٌ فإن كان أدرك ما رواه [31 - أ] بأن حكى قصة وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين صحابي والراوي لذلك صحابيٌّ أدرك الواقعة فهي متصلةٌ، وإن لم يُعلم أنه شاهدها. وإن لم يدرك الواقعة فمرسل صحابي. وإن كان الراوي تابعياً فمنقطع. وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها كان متصلاً، وإن لم

يدركها وأسندها الصحابي كانت متصلة، وإن لم يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابي فمنقطعة، كرواية ابن الحنفية عن عمارٍ. وقوله: «بالشرط» (خ) يعني لابد من اعتبار السلامة من التدليس في التابعين ومن بعدهم. وقوله: 145 - وَمَا حُكِي عَنْ (أحمَدَ بنِ حَنْبَلِ) ... وَقَولِ (يَعْقُوبٍ) عَلَى ذا نَزِّل الشرح: يعني أن ما حكاه ابن الصلاح عن الإمام أحمد وعن قول ابن شيبة المتقدم في «مسنده» فنزله على هذه القاعدة التي زادها (ن) على ابن الصلاح، والذي قاله أحمد ما رواه الخطيب في «الكفاية» بإسناده إلى أبي داود، قال: سمعت أحمد قيل له إن رجلاً قال: «عروة أن عائشة قالت: يا رسول الله». «وعن عروة عن عائشة» سواء؟ قال كيف هذا سواء، ليس هذا بسواء. فَفَرَّق الإمام بين اللفظين لكون عروة في اللفظ الأول لم [31 - ب] يُسند ذلك إلى عائشة ولا أدرك القصة فكانت مرسلة، بخلاف اللفظ الثاني فإنه أسند ذلك إليها يعني فكانت متصلة. وقوله: 146 - وَكَثُرَ استِعْمَالُ (عَنْ) في ذَا الزَّمَنْ ... إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ الشرح: يعني إن حمل «عن» على السماع مقيد بالزمن المتقدم بخلاف هذه الأزمان فإنها محمولة على الإجازة، فإذا قال أحدٌ قرأت على فلان عن فلان ونحوه فَظُنَّ به الرواية إجازةً.

قلت: «وإجازةً» منصوب على البيان انتهى. وقوله: «وهو بوصل» (خ) يعني أن هذا الظن لا يخرجه عن الاتصال؛ لأن الإجازة في حكم الاتصال لا القطع. و «قَمَن» بفتح القاف والميم، قلت: وبعده نون انتهى، ويجوز كسر الميم إلا أن الفتح هنا يتعين لمناسبة «زَّمَن» (¬1)، ومعناه حقيق وجدير بذلك. ¬

(¬1) أي لمناسبة قوله: «ذا الزَّمَن» في آخر الشطر الأول.

تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف

تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ قوله: 147 - وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ ... وَقِيْلَ: بَلْ إرْسَالِهِ لِلأكْثَر الشرح: يعني أن الثقات إذا اختلفوا في حديث فرواه بعضهم متصلاً، ورواه بعضهم مرسلاً، فهل الحكم لمن أوصل، أو لمن أرسل، أو للأكثر، أو للأحفظ؟ أقوال أربعة: أحدها: -وهو الأظهر- الأول الذي صححه الخطيب. وقوله: «وقيل» (خ) هذا القول الثاني، وهو الحكم لمن أرسل، وهو قول الأكثر. قلت: «وإرسالِهِ» [32 - أ] بالجر عطفاً بـ «بل» على «لوصلِ ثقةٍ» انتهى. و «للأكثر» خبر مبتدأ محذوف أي: وهذا للأكثر. وقوله: 148 - وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ ... أنْ صَحَّحُوْهُ، وَقَضَى (البُخَارِيْ) 149 - بِوَصْلِ ((لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيْ)) ... مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَل 150 - وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ ... ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ 151 - يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ ... مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا

152 - أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وَلَوْ ... مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا الشرح: يعني أن ابن الصلاح نسب القول الأول من الأربعة للنظار. قلت: والنُّظَّار بضم النون، وتشديد الظاء المشددة، وآخره راء مهملة، وزن فُعَّالٍ، وهو جمع كثرةٍ لما كان على فاعل وفاعلةٍ قياساً، ومنه ناظر ونظار انتهى، وهم أهل الفقه والأصول. وقوله: «أن صححوه». قلت: هو بفتح الهمزة، وتخفيف النون، موصولٌ حرفي مسبوك بتصحيحه منصوباً على البدل من الأول، أي: ونسب ابن الصلاح تصحيح القول الأول للنظار، انتهى. وقوله: «وقضى» (خ) يعني أن البخاري لما سُئل عن حديث: «لا نكاح إلا بولي» رواه إسرائيل وجماعة، عن أبي إسحاق، عن أبي بُردة، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه [32 - ب] الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فحكم البخاري لمن وصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولةً. هذا مع أن المرسل سفيان وشعبة ودرجتهما في الحفظ والإتقان معلومةٌ. وقوله: «مع كون من أرسله» (خ) يعني أنهما جبلان حفظاً وإتقاناً. وقوله: «الأكثر» هذا القول الثالث من الأربعة: أن الحكم للأكثر من أرسله أو وصله فالحكم له.

وقوله: «وقيل الأحفظ» هذا قول رابع، وهو الحكم للأحفظ من أرسله أو وصله، فالحكم له. وقوله: «ثم» (خ) يعني هذا تفريعٌ على القول الرابع، وهو أنه ينبني عليه فيما إذا كان الحكم للأحفظ ما إذا أرسل هل يقدح ذلك في عدالة من وصله وفي أهليته أو لا؟ قولان: أصحهما وبه صدر ابن الصلاح كلامه: لا يقدح، ثم قال: ومنهم من قال: يقدح في مسنده وفي عدالته وفي أهليته. وقوله: «أو مسنده» أي: وما أسنده من الحديث غير الذي أرسله من هو أحفظ لأن هذا بناءً على أن الحكم للأحفظ، وقد أرسل، فلا يشك على القول الثاني في قدحه في هذا المسند. قلت: فقوله: «فما» (خ) ما نافية حجازية، و «إرسال عدلٍ يحفظ» اسمها وخبرها [33 - أ] جملة «يقدح» إلى آخرها، أي قادحاً انتهى. وقوله: «ورَأوا» (خ) إشارة إلى مسألة تعارُض الرفع والوقف كما إذا رفع بعض الثقات حديثاً ووقفه بعضهم، فقال ابن الصلاح: الحكم على الأصح للرفع؛ لأنه مثبتٌ وغيره ساكِتٌ. وقوله: «ولو» (خ) إشارة إلى ما إذا وقع الاختلاف من راوٍ واحدٍ ثقةٍ في المسألتين معاً فوصله في وقت، وأرسله في وقت أو رفعه في وقت، ووقفه في وقت فالحكم على الأصح به لوصله ورفعه.

التدليس

التَّدْلِيْسُ قوله: 153 - تَدلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ... حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بـ (عَنْ) وَ (أَنْ) الشرح: التدليس ثلاثة أقسام، ذكر ابن الصلاح قسمين: تدليس الإسناد، وهو أن يروي عن مَنْ عاصره أو لقيه ما لم يسمعه منه، موهماً أنه سمعه منه وما سمعه إلا من شيخه بسماع شيخه من شيخه أو ممن فوقه (¬1) بقوله «عن فلانٍ» أو «أنَّ فلاناً» أو «قال فلانٌ»، ولا يقول «أخبرنا» ولا ما في معناه ونحوه. وقوله: 154 - وَقَالَ: يُوْهِمُ اتِّصَالاً، وَاخْتُلِفْ ... فِي أَهْلِهِ، فَالرَّدُّ مُطْلَقاً ثُقِفْ الشرح: فقوله «وقال» معطوف على قوله بـ «عن» و «أن» أي وبـ «قال». وقوله: «يوهم» (خ) يُفهم الشرط في تدليس الإسناد أن يكون المدلِّس عاصر المروي عنه أو لقيه؛ لأن الإيهام إنما [33 - ب] يقع مع المعاصرة. ¬

(¬1) كذا وقعت العبارة في الأصل، وفيها خلل ظاهر، وعبارة الناظم (1/ 234): هو أن يسقط اسم شيخه الذي سمع منه، ويرتقي إلى شيخ شيخه أو من فوقه فيسند ذلك إليه بلفظٍ لا يقتضي الاتصال ...

وقوله: «واختُلف» (خ) يعني أنه اختُلف في أهل هذا القسم من التدليس وهم المعروفون به، فقيل: يُرد حديثهم مطلقاً بينوا السماع أم لم يبينوا، ومن عُرف به مجروحٌ. وحكاه ابن الصلاح عن جماعة من المحدثين والفقهاء. وقوله: «فالرد» (خ) قلت: «ثُقِف» بضم المثلثة، وبعده قاف، ففاء، مبني للمفعول أي: وُجد عن بعضهم، انتهى. وقوله: 155 - وَالأكْثَرُوْنَ قَبِلُوْا مَا صَرَّحَا ... ثِقَاتُهُمْ بِوَصْلِهِ وَصُحِّحَا الشرح: يعني أن الصحيح التفصيل، فما بُيِّن فيه الاتصال بـ «سمعت» و «حدثنا» ونحوه مقبول محتج به، وإن أتى بلفظ محتملٍ فمُرسل حكمه. وقوله: «والأكثرون» من الزيادات على ابن الصلاح التي أهمل (ن) فيها لفظ «قلت»، والذي حكاه عن الأكثرين العلائيُّ في كتاب «المراسيل». قال (ن) (¬1): وهو قول الشافعي وابن المديني وابن معين وغيرهم. قلت: «وصُحِّحَا» بضم أوله مبني للمفعول، انتهى. وقوله: 156 - وَفي الصَّحِيْحِ عِدَّةٌ كـ (الاعْمَشِ) ... وَكـ (هُشَيْمٍ) بَعْدَهُ وَفَتِّش الشرح: يعني أن في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عِدَّة رواةٍ من المدلسين كمن ذكره. ¬

(¬1) (1/ 238).

قلت: [34 - أ] وهُشَيمٌ بضم الهاء، وفتح الشين المعجمة، وبعده ياء مثناة تحت ساكنة فميم، هو ابن بشيرٍ انتهى. وقوله: «وفتش» يعني فتش في الصحيح تجدْ جماعةً منهم كقتادة والسفيانين وعبد الرزاق وغيرهم. ونقل (ن) (¬1) عن الحلبي عبد الكريم في كتابه «القِدْح» أن المعنعنات التي في الصحيحين مُنَزَّلة بمنزلة السماع. وقوله: 157 - وَذَمَّهُ (شُعْبَةُ) ذُو الرُّسُوْخِ ... وَدُوْنَهُ التَّدْليْسُ لِلشِّيُوْخ الشرح: يعني أن تدليس الإسناد مكروه جداً، وفاعله مذموم، وممن ذمه شعبة، فبالغ في ذمه. وروى الشافعي رضي الله عنه عن شعبة قال: «التدليس أخو الكذب». وقال: «لأن أزني أَحَبُّ إلي من أن أدلس». قلت: وَصف شعبة بالرسوخ، وهو أبو بسطامٍ شعبة ابن الحجاج، كان إماماً من أئمة المسلمين، وركناً من أركان الدين، به حفظ الله أكثر الحديث. قال الشافعي: «لولا شعبة ما عُرِفَ الحديثُ بالعراق». وروى عنه الخلق، ومنهم سفيان الثوري، وابن المبارك، والطيالسي أبو داود رضي الله عنه. انتهى. وقوله: «ودونه» (خ) هذا القسم الثاني: تدليس الشيوخ، وهو أخَف من ¬

(¬1) (1/ 239)

الأول. وقوله: 158 - أنْ يَصِفَ الشَّيْخَ بِمَا لا يُعْرَفُ ... بِهِ، وَذَا بِمقْصِدٍ يَخْتَلِفُ [34 - ب] الشرح: هو بفتح «أَنْ» مخففةً مصدريةً والجملة في موضع رفع على البيان لقوله: «التدليس» أو خبر مبتدأ محذوفٍ أي: وهو أن يصف المدلس شيخه الذي سمع منه ذلك الحديث بوصفٍ لا يُعْرَف به من اسمٍ، أو كنيةٍ، أو نِسبةٍ إلى قبيلة، أو بلد، أو صنعة، ونحو ذلك؛ ليوعر الطريق إلى معرفة السامع له. كقول أبي بكر بن مجاهدٍ أحد أئمة القرآن: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، يريد عبد الله بن أبي داود السجستاني. وقوله: «وذا» (خ) يعني أن الحال يختلف في كراهة هذا القسم بحسب اختلاف المقصد الحامل على ذلك. وقوله: 159 - فَشَرُّهُ للضَّعْفِ وَاسْتِصْغَارا ... وَكـ (الخَطِيْبِ) يُوْهِمُ اسْتِكْثَارَا 160 - و (الشَّافِعيْ) أثْبَتَهُ بِمَرَّةِ ... قُلْتُ: وَشَرُّهَا أخُو التَّسْوِيَة الشرح: يعني أن شر ذلك إذا كان الحامل عليه كون المروي عنه ضعيفاً فيدلِّسُهُ حتى لا يُظهر روايته عن الضعفاء، أو كونه صغيراً في السن، أو تأخرت وفاته وشاركه فيه من هو دونه، أو إيهام كثرة الشيوخ بأن يروي عن الواحد في مواضع يُعَرِّفُهُ في موضعٍ بصفةٍ وفي آخر بأخرى موهماً إنه غيره، كما يصنعه كثيراً الخطيب، فإنه أكثر من ذلك في تصانيفه.

وقوله: [35 - أ] «والشافعي» (خ) يعني: أن الشافعي أثبت أصل التدليس لا هذا القسم الثاني، فلا يُقبل (¬1) من المدلس حتى يُبين، قد أجراه الشافعي رضي الله عنه فيمن عرفناه دَلَّسَ مرةً، وممن حكاه عن الشافعي البيهقي في «المدخل». وقوله: «قلت» (خ) هذا هو القسم الثالث الذي زاده (ن) على ابن الصلاح وهو تدليس التسوية، وصورته أن يروي حديثاً عن شيخٍ ثقةٍ، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقةٍ، فيأتي المدلِّس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيُسقط الضعيف الذي في السند ويجعل الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظٍ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقاتٌ. وهذا شر أقسام التدليس لما فيه من الغرور الشديد، وقد كان يفعل ذلك بقية بن الوليد، والوليد بن مسلم. أما بقية فقال ابن أبي حاتم في كتاب «العلل»: سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه ابن راهويه، عن بقية: حدثني أبو وهب الأسدي، عن نافع، عن ابن عمر حديث: «لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه». فقال أبي: هذا الحديث له أمرٌ قَلَّ من يفهمه، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمروٍ، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبيد الله بن عمرو يكنى أبا وهبٍ [35 - ب] وهو أسدي، فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد لكي لا يُفْطَنَ له، حتى إذا تُرِك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يُهتدى إليه. ¬

(¬1) هذا كلام لابن الصلاح.

وأما الوليد، فقال أبو مسهر: كان الوليد يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم. وقال جزرة صالحٌ: سمعت الهيثم بن خارجة يقول [قلت] (¬1) للوليد: قد أفسدت أحاديث الأوزاعي. قال: كيف؟ قلت: تروي عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن الزهري، وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد، وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرة، وقُرَّة. قال: أُنَبِّل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء. قلت: فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيَّرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضُعِّفَ الأوزاعي. فلم يلتفت إلى قولي. ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

الشاذ

الشَّاذُّ قوله: 161 - وَذُو الشُّذُوذِ: مَا يُخَالِفُ الثِّقَهْ ... فِيهِ المَلاَ فَالشَّافِعيُّ حقَّقَهْ الشرح: اختُلف في الشاذ، فقال الشافعي رضي الله عنه: هو ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الناس. وحكى الخليلي أبو يعلى عن جماعةٍ من الحجازيين نحو هذا. وقوله: 162 - والحَاكِمُ الخِلاَفَ فِيهِ ما اشْتَرَطْ ... وَلِلْخَلِيليْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ [36 - أ] الشرح: يعني أن الحاكم حَدَّ الشاذ فقال: ما انفرد به الثقة، وليس له أصل بمتابعٍ لذلك الثقة. فلم يشترط الحاكم فيه مخالفة الناس. وقوله: «وللخليلي» (خ) يعني أن الخليلي حَدَّهُ فقال: الذي عليه حُفَّاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسنادٌ واحدٌ يَشِذُّ بذلك شيخٌ ثقة أو غيرُ ثقة، فما كان غير ثقة فمتروك، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يُحتج به. فلم يشترط تفرد الثقة بل مطلق التفرد. قلت: و «الخليلي» بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام، بينهما ياء مثناة تحت ساكنة، نسبةً إلى جده الخليل؛ لأنه أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد بن

إبراهيم بن الخليل القزويني الحافظ، وابنه واقدٌ حدث عنه يحيى بن منده. انتهى. وقوله: 163 - وَرَدَّ مَا قَالاَ بِفَرْدِ الثِّقَةِ ... كالنَّهْي عَنْ بَيْعِ الوَلاَ وَالهِبَة 164 - وَقَوْلٍ مُسْلِمٍ: رَوَى الزُّهْرِيُّ ... تِسْعِينَ فَرْداً كُلُّهَا قَوِيُّ الشرح: يعني أن ما قاله الحاكم والخليلي رده ابن الصلاح بأفراد الثقات الصحيحة كحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، تفرد به يحيى عن التيمي، والتيمي عن علقمة، وعلقمة عن عمر، وعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكحديث «النهي عن بيع الولاء» تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر. وهذان وغيرهما أيضاً [36 - ب] مخرجة في الصحيحين، وليس لها إلا إسنادٌ واحد، فليس كما أطلقه الحاكم والخليلي. وقوله: «وقول مسلم» (خ) هو بِجَرِّ «وقول» عطفاً على بـ «فرد» أي: ورَدَّ ما قالاه بقولِ مسلمٍ: «للزهري نحو تسعين حرفاً يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحدٌ بأسانيد جياد». وقوله: 165 - واخْتَارَ فِيْمَا لَمْ يُخَالِفْ أنَّ مَنْ ... يَقْرُبُ مِنْ ضَبْطٍ فَفَرْدُهُ حَسَنْ 166 - أوْ بَلَغَ الضَّبْطَ فًصَحِّحْ أَوْ بَعُدْ ... عَنْهُ فَمِمَّا شَذَّ فَاطْرَحْهُ وَرُدْ

الشرح: يعني أن ابن الصلاح اختار التفصيل فما خالف مُفْرِدُهُ أحفظَ منه وأضبط فشاذ مردودٌ، وإن لم يخالف وهو عدلٌ ضابطٌ فصحيح، أو غير ضابطٍ ولا يبعد عن درجة الضابط فحسنٌ، وإن بَعُدَ فشاذ منكر. وقوله: «ورُدْ» فعل أمر، و «رد» معطوف على قوله: «فاطرحْه». قال ابن الصلاح: فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: الحديث الفرد المخالف، والفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف.

المنكر

الْمُنْكَرُ قوله: 167 - وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِيْ ... أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْج 168 - إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ ... فَهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ [37 - أ] 169 - نَحْوَ «كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ» الخَبَرْ ... وَمَالِكٍ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ 170 - قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ «نَزْعِهْ ... خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلاَ وَوَضْعِهْ» الشرح: يعني أن البرديجي حَدَّ المنكر بأنه الحديث الذي تفرد به الرجل، ولا يُعرف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه، ولا من آخر. قال ابن الصلاح: فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصِّل. «وكذا» بمعنى: عند. والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفاً في شرح الشاذ. وقوله: «نحو كلوا» (خ) هذا مثالٌ للفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده، وهو رواية النسائي وابن ماجه من رواية أبي زُكيرٍ -بضم الزاي، وفتح الكاف، وبعده مثناة تحت ساكنة، فراء مهملة- يحيى بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان»

الحديث. قال النسائي: حديث منكر. قال ابن الصلاح: تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالحٌ أخرج عنه مسلمٌ في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده انتهى. قال (ن) (¬1): وإنما أخرج مسلم في المتابعات. وقوله: «ومالك» (خ) هذا مثال ثانٍ للفرد المخالف لما رواه الثقات، وهو ما رواه عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان، عن أسامة [37 - ب] بن زيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلم الكافر» (ح) (¬2) فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين، وإنما هو عمروٌ بفتحها، فيما نص عليه مسلمٌ في «التمييز» إذ كل من روى هذا الحديث من أصحاب الزهري إنما يقوله «عمرو»، وذكر أن مالكاً كان يشير بيده إلى دار عُمر بن عثمان لما علم أنهم يخالفونه، وعمرو وعمر ولدا عثمان، إلا أن الحديث عن عمرو. وقوله: «فماذا» (خ) يعني أن قول مالكٍ عُمر بضم العين ماذا يترتب عليه؟ وغايته أن الإنكار أو الشذوذ في السند لمخالفة الثقات مالكاً في ذلك، ولا يلزم من شذوذ السند ونكارته اتصاف المتن بذلك، وقد ذكر ابن الصلاح أن العلة في السند قد تقدح في المتن، وقد لا، ومَثَّل لنفي القدح برواية يعلى بن عبيد، عن الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البيعان بالخيار» (ح) فهذا إسناد معلل غير صحيح والمتن ¬

(¬1) (1/ 253). (¬2) مهملة. أي: الحديث.

صحيح. قال: والعلة في قوله: «عمرو بن دينار» وإنما هو «عبيد الله بن دينار»، فقد صح المتن مع الحكم بوهم يعلى بن عبيد فيه. وقوله: «بل» (خ) إشارةً منه إلى مثال صحيح لأحد قسمي المنكر، وهو ما في السنن الأربعة عن همام بن يحيى عن ابن جريج، عن الزهري [38 - أ]، عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه». فقال أبو داود بعد تخريجه: هذا حديث منكر، وإنما يُعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورقٍ، ثم ألقاه. قال: والوهم فيه من همامٍ، ولم يروه إلا همامٌ. وقال النسائي بعد تخريجه: هذا حديث غير محفوظ. قال (ن) (¬1): وهمام ثقةٌ إلا أنه خالف الناس في روايته عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند، والذي رواه الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه (د) (¬2) انتهى. ¬

(¬1) (1/ 256). (¬2) أي: أبو داود.

الاعتبار والمتابعات والشواهد

الاعْتِبَارُ وَالْمُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ قوله: 171 - الاعْتِبَارُ سَبْرُكَ الحَدِيْثَ هَلْ ... شَارَكَ رَاوٍ غَيْرَهُ فيْمَا حَمَلْ 172 - عَنْ شَيْخِهِ، فَإنْ يَكُنْ شُوْرِكَ مِنْ ... مُعْتَبَرٍ بِهِ، فَتَابِعٌ، وَإنْ 173 - شُورِكَ شَيْخُهُ فَفَوْقُ فَكَذَا ... وَقَدْ يُسَمَّى شَاهِداً، ثُمَّ إذَا 174 - مَتْنٌ بِمَعْنَاهُ أتَى فَالشَّاهِدُ ... وَمَا خَلاَ عَنْ كُلِّ ذَا مَفَارِدُ 175 - مِثَالُهُ ((لَوْ أَخَذُوا إهَابَهَا)) ... فَلَفْظَةُ ((الدِّبَاغِ)) مَا أتَى بِهَا 176 - عَنْ عَمْرٍو الاَّ ابنُ عُيَيْنَةٍ وَقَدْ ... تُوبِعَ عَمْروٌ في الدِّبَاغِ فَاعْتُضِدْ 177 - ثُمَّ وَجَدْنَا ((أَيُّمَا إِهَابِ)) ... فَكَانَ فيهِ شَاهِدٌ في الباب الشرح: قلت: هذه أمور يتعرفون بها حال الحديث، فالاعتبار [38 - ب] أنه تأتي إلى حديث لبعض الرواة فتعتبره بروايات غيره منهم، فتسبر طرق الحديث لتعرف هل شاركه في الحديث راو غيره فرواه عن شيخه أم لا، فإن شاركه ممن حديثُه معتبرٌ فتسمي حديثه تابعاً، وإن لم تجد أحداً تابعه عليه عن شيخه، فانظر هل تابع أحدٌ شيخَ شيخه فرواه متابعاً له أم لا، فإن وُجد فسمه أيضاً تابعاً وشاهداً، وإن لم تجد فافعل ذلك فيمن فوقه إلى آخر الإسناد حتى في الصحابي، فكل من وُجد له متابع فسمه تابعاً وشاهداً، فإن لم تجد لأحدٍ

ممن فوقه متابعاً عليه، نظرت هل جاء بمعناه حديثٌ آخر في الباب أم لا، فإن (¬1)، فَسَمِّ ذلك الحديث شاهداً، وإن لم تجد حديثاً آخر يؤدي معناه فلا متابعة، ولا شاهداً، والحديث إذٍ فردٌ. وعلى هذا نَزِّل النظم. وقوله: «سبرك». قلت: هو بفتح السين المهملة، وإسكان الموحدة، وبعده راء مهملة، من سَبَرْتُ الجُرْح أسبُرُه إذا نظرت ما غَورُه، وكل أمر رُزْتَه (¬2) فقد سبرته وأسبرته. وقوله: «ففوق». قلت: هو بضم القاف غير منون مبنياً لَمَّا حذفَ المضاف إليه «فوق» ونُوي، ومنه: «ابدأ بهذا أَوَّلُ» (¬3)، وخذ هذا حسب: قال: «أقَبُّ من تحت عريضٌ من عَلِ». انتهى. ومثال طريق الاعتبار في الأخبار: حديث رواه حماد [39 - أ] بن سلمة مثلاً ولم يتابع عليه، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينظر هل رواه ثقة غير أيوب كذلك، فإن لم يوجد فثقة غير ابن سيرين كذلك، فإن لم يوجد فصحابي غير أبي هريرة، فأي ذلك وجدنا عُلِمَ أن له أصلاً يُرْجَع إليه، وإلا فلا. ومثاله أعني ما عُدمت فيه المتابعات رواية الترمذي برواية حماد بن سلمة بسنده المذكور إلى أبي هريرة أراه رفعه: «أحبِبِ حبيبك هوناً ما ... » الحديث، ¬

(¬1) أي فإن أتى بمعناه حديث .... (¬2) أي جربته واختبرته. تاج العروس (15/ 166). (¬3) العبارة فيها خطأ في الأصل، وما أثبتناه هو ما مَثَّلَ به أهل اللغة في هذا الباب.

قال (ت) (¬1): حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه. قال (ن) (¬2): أي من وجه يثبت، وقد رواه الحسن بن دينار وهو متروك الحديث، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال (¬3): في «الكامل»: ولا أعلم أحداً قال عن ابن سيرين عن أبي هريرة إلا الحسن بن دينار. ومن حديث أيوب بسنده رواه حماد، ويرويه الحسن بن أبي جعفر عن أيوب عن ابن سيرين عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن علي مرفوعاً. والحسن بن أبي جعفر منكر الحديث فيما نص عليه البخاري انتهى. وقوله: «مثاله» (خ) هذا مثال لما وجد له تابع وشاهد، وهو رواية مسلم والنسائي من رواية ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [39 - ب] مر بشاةٍ مطروحة أُعْطِيَتْهَا مولاةٌ لميمونة من الصَّدَقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به» رواه ابن جريج عن عمروٍ ولم يذكر الدباغ إلا ابن عيينة (¬4). قلت: و «الإهاب» بكسر الهمزة، وبعده هاء، فألف، فباء موحدة، قيل: هو الجلد مطلقاً. وقيل: هو الجلد قبل الدباغ، فأما بعده فلا يسمى إهاباً، انتهى. وقوله: «وقد توبع» (خ) يعني: أنا نظرنا هل نجد أحداً تابع شيخه عمرو بن ¬

(¬1) أي الترمذي. (¬2) (1/ 259). (¬3) أي: ابن عدي. (¬4) راجع شرح الناظم (1/ 260).

دينار على ذكر الدباغ أم لا فوجدنا أسامة بن زيد الليثي تابع عمراً عن عطاء عن ابن عباس: «ألا نزعتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به» فيما رواه الدارقطني من طريق ابن وهب عن أسامة. قال البيهقي: وهكذا رواه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاءٍ. وكذا رواه يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء. فهذه متابعات لرواية ابن عيينة. وقوله: «ثم وجدنا» (خ) يعني: ثم نظرنا أيضاً فوجدنا له شاهداً، وهو رواية مسلم والسنن الأربعة عن عبد الرحمن بن وَعْلَة المصري، عن ابن عباسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دُبِغَ فقد طهر».

زيادة الثقات

زِيَادَةُ الثِّقَاتِ قوله: 178 - وَاقْبَلْ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ مِنْهُمُ ... وَمَنْ سِوَاهُمْ فَعَلَيْهِ المُعْظَمُ [40 - أ] 179 - وَقِيْلَ: لاَ، وَقِيْلَ: لاَ مِنْهُمْ، وَقَدْ ... قَسَّمَهُ الشَّيْخُ، فَقَالَ: مَا انْفَرَدْ 180 - دُوْنَ الثِّقَاتِ ثِقَةٌ خَالَفَهُمْ ... فِيْهِ صَرِيْحَاً فَهُوَ رَدٌّ عِنْدَهُمْ 181 - أَوْ لَمْ يُخَالِفْ، فَاقْبَلَنْهُ، وَادَّعَى ... فِيْهِ الخَطِيْبُ الاتِّفَاقَ مُجْمَعَا 182 - أَوْ خَالَفَ الاطْلاَقَ نَحْوُ ((جُعِلَتْ ... تُرْبَةُ الارْضِ)) فَهْيَ فَرْدٌ نُقِلَتْ 183 - فَالْشَّافِعِيْ وَأَحْمَدُ احْتَجَّا بِذَا ... ............................... الشرح: هو فن العناية به مستحسنة، واشتُهر بمعرفته الفقيه أبو بكر عبد الله النيسابوري فكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون فيما نص عليه الحاكم عنه، واشتهر به أيضاً أبو الوليد حسان بن محمد القرشي النيسابوري تلميذ ابن سُرَيج (¬1) وغير واحد من الأئمة، واختُلِف في زيادة الثقة على أقوال: أحدُها: القبول، وهو مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين فيما حكاه الخطيب عنهم، سواءً تعلق بها حكم شرعي أم لا، وسواءً غيرت الحكم الثابت أم لا، وسواءً أوجبت نقصاً من أحكام ثبتت بخبر ليس فيه تلك ¬

(¬1) في الأصل: شريح. خطأ، وراجع حاشية التحقيق على شرح الناظم (1/ 262رقم6).

الزيادة أم لا، وسواءً كان ذلك من شخص واحد بأن رواه مرةً ناقصاً ومرةً بزيادة، أو كانت الزيادة من غير من [40 - ب] رواه ناقصاً. وهذا معنى قوله «ومن سواهم» أي: ومَن سوى من زادها بشرط كونه ثقة؛ لأن الفصل معقود لذلك، لا أن المراد ومَن سوى الثقات. وقوله: «وقيل لا» هذا قول ثان: لا تقبل مطلقاً ممن رواه ناقصاً ولا من غيره، حكاه الخطيب في «الكفاية»، وابن الصباغ في «العدة». وقوله: «وقيل لا» (خ) هذا قول ثالث لا تُقبل ممن رواه ناقصاً، وتُقبل من غيره من الثقات، حكاه الخطيب عن بعض الشافعية. وزاد (ن) (¬1) في (ش) حكاية قولٍ رابع، وهو إن كانت الزيادة مغيرةً للإعراب كانا متعارضين، وإن لم تُغَير قُبِلت، حكاه في «العدة» عن بعض المتكلمين، وقول خامس: أنها لا تقبل إلا إذا أفادت [حكماً] (¬2). وقول سادس: أنها تقبل في اللفظ دون المعنى حكاهما الخطيب. وقوله: «وقد قسمه» (خ) يعني ابن الصلاح قسم هذا النوع الذي هو زيادة الثقة إلى أقسام ثلاثة: أحدها: زيادة تخالف ما رواه الثقات، وحكم هذا الرد كما سبق في الشاذ. والثاني: زيادة حديث لا يخالف فيه غيره بشيء أصلاً، كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة، ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفةٍ أصلاً، فهذا مقبول، ¬

(¬1) (1/ 264). (¬2) زيادة من المصدر.

ونَقَل الخطيب اتفاق العلماء عليه، وسبق مثاله في نوع الشاذ. والثالث: زيادة لفظ في حديث لم يذكرها سائر من رواه، كرواية مالك عن [41 - أ] نافع عن ابن عمر في حديث الفِطْر (¬1) لَفْظَ «من المسلمين»، فذكر (ت) (¬2) أن مالكاً تفرد بزيادة هذه اللفظة، وأخذ بها غير واحد من الأئمة ومنهم الشافعي وأحمد رضي الله عنهم. وإلى هذا أشار (ن) بقوله: فالشافعي وأحمد احتجا بذا. وترك (ن) المثال بهذا مخالفاً لابن الصلاح قائلاً: إن مالكاً لم يتفرد بالزيادة كما زعم (ت) بل تابعه عليها عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان، ويونس بن يزيد، وابن عمر، وعبد الله (¬3) والمعلى بن إسماعيل، وكثير بن فَرْقَد، واقتَصَرَ على مثال حديث: «جُعلت لنا الأرض مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً» فهذه الزيادة تفرد بها أبومالك سعد بن طارق الأشجعي وسائر الروايات لفظها: «جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا» فلذلك قال: «فهي فرد نُقلت» وهو صحيح، تفرد بالزيادة (¬4) سعد بن طارق الأشجعي المذكور والحديث في صحيح مسلم والنسائي من رواية الأشجعي، عن ربعي، عن حذيفة. ¬

(¬1) هو ما روي عن ابن عمر أنه قال: فرض زكاة الفطر من رمضان على كلِّ حر، أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين». (¬2) أي الترمذي. (¬3) كذا ويظهر أن صوابه: «وعبد الله بن عمر». (¬4) الزيادة هي لفظة: وجعلت [تربتها لنا] طهوراً.

وقوله: ............................. ... وَالوَصْلُ والارْسَالُ مِنْ ذَا أُخِذَا 184 - لَكِنَّ في الإرْسَالِ جَرْحاً فَاقْتَضَى ... تَقْدِيْمَهُ وَرُدَّ أنَّ مُقْتَضَى 185 - هَذَا قَبُولُ الوَصْلِ إذْ فِيْهِ وَفِيْ ... الجَرْحِ عِلْمٌ زَائِدٌ لِلْمُقْتَفِيْ الشرح: يعني أن زيادة الوصل مع الإرسال من راوي الزيادة كما بين الوصل والإرسال من المخالفة، إلا أن الإرسال نوعُ قَدْحٍ في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل، وأُجيب عنه بأن الجرح قُدِّم لما فيه من زيادة العلم، والزيادة هنا مع من وصل، فَقُدِّمَ على الإرسال. هذا معنى قوله: «لكن» (خ).

الأفراد

الأَفْرَادُ قوله: 186 - الفَرْدُ قِسْمَانِ، فَفَرْدٌ مُطْلَقَاْ ... وَحُكْمُهُ عِنْدَ الشُّذُوْذِ سَبَقَا 187 - وَالفَرْدُ بِالنِّسْبَةِ: مَا قَيَّدْتَهُ ... بِثِقَةٍ، أوْ بَلَدٍ ذَكَرْتَهُ 188 - أوْ عَنْ فُلانٍ نَحْوُ قَوْلِ القَائِلِ ... لَمْ يَرْوِهِ عَنْ بَكْرٍ الاَّ وَائِل 189 - لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ الاّ (ضَمْرَهْ) ... لَمْ يَرْوِ هَذَا غيرُ أهْلِ البَصْرَهْ 190 - فَإنْ يُرِيْدُوا وَاحِدَاً مِنْ أهْلِهَا ... تَجَوُّزَاً، فاجْعَلْهُ مِنْ أوَّلهِا [41 - أ] 191 - وَلَيْسَ في أفْرَادِهِ النِّسْبِيَّهْ ... ضَعْفٌ لَهَا مِنْ هَذِهِ الحَيْثِيَّهْ 192 - لَكِنْ إذَا قَيَّدَ ذَاكَ بِالثِّقَهْ ... فَحُكْمُهُ يَقْرُبُ مِمَّا أطْلَقَهْ الشرح: يعني أن الفرد قسمان: أحدهما: فرد عن جميع الرواة وهذا معنى كونه مطلقاً. وقوله: «وحكمه» (خ) يعني أن حكم هذا القسم ومثاله سبق في قسم الشاذ. وقوله: «والفرد» (خ) هذا هو القسم الثاني، وهو أن يكون مفرداً بالنسبة إلى

جهةٍ خاصة، كتقييد التفرد به بثقة أو بلد معين كمكة والبصرة [فإذا] (¬1) ذكرته فتقول: تفرد به أهل مكة ونحوه. وقوله: «أو عن فلانٍ» (خ) يعني أو تقول: تفرد به فلان عن فلان، أو أهل البصرة عن أهل الكوفة. وقوله: «نحو قول القائل» (خ) ومثاله حديث السنن الأربعة عن سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل، عن الزهري، عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ على صفية بسَويقٍ وتمرٍ». قال ابن طاهر في «أطراف الغرائب»: غريبٌ من حديث بكر بن وائل عنه، تفرد به وائل بن داود، ولم يروه عنه غير سفيان. وقوله: «لم يروه ثقة» (خ) مثاله حديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأضحى والفطر بقاف واقتربت الساعة». رواه مسلم والسنن الأربعة من رواية ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله [42 - أ] المازني، عن أبي واقد الليثي، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث لم يروه إلا ضمرة فيما نص عليه علاء الدين التركماني شيخ (ن) في «الدُّر النقي». قلت: وضمرة بفتح الضاد المعجمة وإسكان الميم انتهى. وقوله: «لم يرو هذا» (خ) مثاله رواية أبي داود، عن أبي الوليد الطيالسي، عن همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر». ¬

(¬1) زيادة من عندي يقتضيها السياق.

قال الحاكم تفرد بذكر الأمر فيه أهل البصرة من أول الإسناد إلى آخره، ولم يشركهم في هذا اللفظ سواهم. وحديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح رأسه بماءٍ غير فضل يده، رواه مسلم وأبو داوود والترمذي، قال الحاكم: وهذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ولم يشركهم فيها أحد. فقوله: «لم يروه عن بكر» يرجع إلى «أو عن فلانٍ». وقوله: «لم يروه إلا ضمرة» يرجع إلى قوله: «بثقةٍ». وقوله: «لم يرو هذا» يرجع إلى قوله: «أو بلد» فهو لف بياني غير مرتب. وقوله: «فإن يريدوا» (خ) يعني أنهم إن أرادوا بقولهم: «انفرد به أهل البصرة» ونحو ذلك واحداً منها انفرد به متجوزين بذلك فإنه من القسم الأول الفرد والمطلق. مثاله: حديث: «كلوا البلح» المتقدم. قال الحاكم: «هو من أفراد البصريين عن المدنيين، تفرد به أبو زُكير عن هشام بن عروة» [42 - ب]. فجعله من أفراد البصريين وأراد واحداً منهم. فالضمير في «أولها» يعود إلى الأفراد. وقوله: «وليس» (خ) يعني أنه ليس في أفراد القسم الثاني ما يقتضي الحكم بضعفها من حيث كونها أفراداً. وقوله: «لكن» (خ) يعني اللهم إلا أن يكون القيد بالنسبة لرواية الثقة مثل: «لم يروه ثقة إلا فلان» فحكمه قريب من القسم الأول المطلق؛ لأن رواية غير الثقة كلا رواية.

المعلل

الْمُعَلَّلُ قوله: 193 - وَسَمِّ مَا بِعِلّةٍ مَشْمُوْلُ ... مُعَلَّلاً، وَلاَ تَقُلْ: مَعْلُوْلُ الشرح: يعني أن الحديث إذا شملته علةٌ من علل الحديث يسمى مُعَلَّلاً لا معلولاً كما هو في عبارة الكثير من المحدثين، والترمذي، وابن عدي، والدارقطني، وأبي يعلى الخليلي، والحاكم، وغيره من الفقهاء في باب القياس حيث قالوا: «العلة والمعلول» قال ابن الصلاح: وهو مرذولٌ عند أهل العربية واللغة، وقال النووي: لحن. واختار (ن) المُعَلَّ. وقوله: 194 - وَهْيَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْبَابٍ طَرَتْ ... فِيْهَا غُمُوْضٌ وَخَفَاءٌ أثَّرَتْ 195 - تُدْرَكُ بِالخِلاَفِ وَالتَّفَرُّدِ ... مَعَ قَرَائِنٍ تُضَمُّ، يَهْتَدِيْ 196 - جِهْبَذُهَا إلى اطِّلاَعِهِ عَلَى ... تَصْويْبِ إرْسَالٍ لِمَا قَدْ وُصِلاَ 197 - أوْ وَقْفِ مَا يُرْفَعُ، أوْ مَتْنٌ دَخَلْ ... في غَيْرِهِ، أوْ وَهْمِ وَاهِمٍ حَصَلْ [43 - أ] 198 - ظَنَّ فَأمْضَى، أوْ وَقَفْ فأحْجَمَا ... مَعْ كَوْنِهِ ظَاهِرَهُ أنْ سَلِمَا الشرح: يعني أن المعلل هو ما فيه سببٌ قادحٌ غامضٌ مع أن ظاهره السلامة منه، ويتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب. ويتطرق ذلك إلى

الإسناد الجامع لشروط الصحة ظاهراً ويُدرَك ذلك بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن منضمة إلى ذلك، يهتدي الناقد بذلك إلى اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث أو وهم واهمٍ بغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فأمضاه وحكم به، أو تردد في ذلك فوقف وأحجم عن الحكم بصحة الحديث، وإن لم يغلب على ظنه صحة التعليل بذلك، مع كون الحديث المعلل ظاهره السلامة من العلة. فقوله: «جهبذها». قلت: هو بكسر الجيم، وإسكان الهاء، وبعده باء موحدة مكسورة، فذال معجمة. وقوله: «أن سَلما»، هو بفتح الهمزة، مخفف النون مصدريةٌ في موضع رفع على الخبر، لقوله: «ظاهره» والجملة من مبتدأ وخبر في موضع نصبٍ خبر لكونِهِ. وقوله: «فأحجما». قلت: هو بالحاء المهملة، وبعده جيم، فميم، أي: كَفَّ. انتهى. ومثال العِلَّة في الحديث: حديث رواه الترمذي وحسنه أو صححه، وابن حبان، والحاكم وصححه [43 - ب]، من رواية ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً: «من جلس في مجلسٍ فَكَثُرَ فيه لَغَطُه» الحديث. قال الحاكم: في «العلوم» له: هذا حديثٌ من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح، وله علةٌ فاجتنبه، ثم روى أن مسلماً جاء إلى البخاري فسأله عن

علته فقال: هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد، إلا أنه معلول؛ حدثنا به موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب: حدثنا سهيل، عن عون بن عبد الله (¬1). وقوله: 199 - وَهْيَ تَجِيءُ غَالِباً في السَّنَدِ ... تَقْدَحُ في المتْنِ بِقَطْعِ مُسْنَد 200 - أوْ وَقْفِ مَرْفُوْعٍ، وَقَدْ لاَ يَقْدَحُ ... (كَالبَيِّعَانِ بالخِيَار) صَرَّحُوا 201 - بِوَهْمِ (يَعْلَى بْنِ عُبَيدٍ): أبْدَلا ... (عَمْراً) بـ (عَبْدِ اللهِ) حِيْنَ نَقَلا 202 - وَعِلَّةُ المتْنِ كَنَفْي البَسْمَلَهْ ... إذْ ظَنَّ رَاوٍ نَفْيَها فَنَقَلَهْ 203 - وَصَحَّ أنَّ أَنَساً يَقُوْلُ: (لا ... أحْفَظُ شَيْئاً فِيهِ) حِيْنَ سُئِلاَ الشرح: يعني أن العلة تكون غالباً في السَّنَد، أي الإسناد، وهو الأكثر، وتكون في المتن. والتي تكون في الإسناد قد تقدح في صحة المتن، وقد لا تقدح. فالتي تقدح في المتن كالتعليل بالإرسال والوقف، والتي لا تقدح كحديث يعلى بن عبيد، عن الثوري، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم [44 - أ]: «البيعان بالخيار» (خ) فوهم فيه يعلى بن عبيدٍ الطنافسي أحد رجال الصحيح على سفيان في قوله: عمرو بن دينار، وإنما ¬

(¬1) قال البخاري: هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل. وقد رد الناظم هذه الحكاية عن البخاري في شرحه (1/ 276).

المعروف من حديث سفيان عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمر، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان كالفضل بن دكين وعبيد الله بن موسى العبسي، ومحمد بن يوسف الفِرْيَابي، وغيرهم. فقوله: «بقطع مسند». قلت: لك أن تقرأه بكسر النون اسم فاعلٍ من أَسْنَدَ رباعياً، وبفتحها اسم مفعول منه، بمعنى: الحديث، أي: الإسناد والمرسلُ صالح لهما (¬1). انتهى. وقوله: «أَبْدَلا» (خ) يعني أن السبب في توهم يعلى كونه ترك عبد الله بن دينار وأتى بعمرو بن دينار، فأدخل الباء على المتروك وهو جائز. وقوله: «وعلة المتن» (خ) يعني أن مثال علة المتن انفراد مسلم في «الصحيح» من رواية الوليد بن مسلمٍ: حدثنا الأوزاعي، عن قتادة: أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها». ثم رواه من رواية الوليد، عن الأوزاعي: أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالكٍ يذكر ذلك [44 - ب]. وروى مالك في «الموطأ»، عن حُميد، عن أنسٍ قال: «صليت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم»، وزاد فيه الوليد: عن مالك: «صَلَّيت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم». ¬

(¬1) كذا وقعت العبارة في الأصل، وفيها خلل ظاهر.

قال أبو عمر: «هو عندهم خطأ»، وحديث أنسٍ أَعَلَّه الشافعي رضي الله عنه فيما نص عليه البيهقي في «المعرفة» عنه أنه قاله في «سنن حرملة» جواباً لسؤال أورده (¬1). وقوله: «إذ ظن» (خ) يعني أن بعض الرواة ظن فهماً منه أن معنى قول أنس «يستفتحون بالحمد لله» أنهم لا يبسملون، فرواه على ما فهمه بالمعنى، وأخطأ في فهمه. وقوله: «وصح» (خ) هذا دليلٌ على قوله: «إذ ظن» (خ)، أي: والدليل على أن أنساً لم يُرِد بما قاله نفي البسملة: ما صح عنه من رواية أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، وما سألني عنه أحدٌ قبلك. كذا رواه أحمدُ في «مسنده»، وابن خزيمة في «صحيحه»، والدارقطني قائلاً: هذا إسناد صحيح. قال البيهقي في «المعرفة»: وفي هذا دليل على أن مقصود أنسٍ ما ذكره الشافعي. وقوله: [45 - أ] 204 - وَكَثُرَ التَّعْلِيْلُ بِالإرْسَالِ ... لِلوَصْلِ إنْ يَقْوَ عَلَى اتِّصَال 205 - وَقَدْ يُعِلُّوْنَ بِكُلِّ قَدْحِ ... فِسْقٍ، وَغَفْلَةٍ، وَنَوْعِ جَرْح ¬

(¬1) راجع كلام الشافعي في شرح الناظم (1/ 281).

206 - وَمِنْهُمُ مَنْ يُطْلِقُ اسْمَ العِلَّةِ ... لِغَيْرِ قادحٍ كَوَصْلِ ثِقَة 207 - يَقُوْلُ: مَعْلُوْلٌ صَحِيْحٌ كَالذّيْ ... يَقُوْلُ: صَحَّ مَعْ شُذُوْذٍ احْتَذِيْ الشرح: يعني أنهم قد يُعِلُّون بأمور ليست خفية كالتعليل بالإرسال، وفِسْق الراوي وضعفه، ومالا يقدح أيضاً. قال ابن الصلاح: وكثيراً ما يُعَلِّلون الموصول بالمرسل مثل أن يجيء الحديث بإسنادٍ موصولٍ وبإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول. وقوله: «إن يَقْوَ» (خ) أي: إن يقوي الإرسال على الاتصال. وقوله: «ومنهم» (خ) يعني أن بعضهم يُطلق اسم العلة على ما ليس بقادح مِن وجوه الخلاف كالحديث الذي وصله الثقة الضابط وأرسله غيره. وقوله: «يقول» (خ) يعني حتى يقول: مِنْ أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول. والقائل ذلك هو أبو يعلى الخليلي في «الإرشاد» لما قال: «إن أقسام الحديث كثيرةٌ: صحيح متفق عليه، وصحيحٌ معلول، وصحيح مختلف فيه». ثم مَثَّل الصحيحَ المعلول بحديث رواه إبراهيم بن طهمان، والنعمان بن عبد السلام، عن مالكٍ، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «للمملوك [45 - ب] طعامه وشرابه». رواه أصحاب مالك كلهم في «الموطأ» عن مالكٍ، قال: بلغنا عن أبي هريرة. قال: الخليلي فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحاً يُعتمد عليه، ثم قال: وكان مالكٌ يرسل الأحاديث لا يبين إسنادها، وإذا استقصى عليه من

يتجاسَر سؤاله ربما أجابه بالإسناد. وقوله: «كالذي» (خ) يعني كما قال بعضهم في الصحيح ما هو صحيحٌ شاذٌ. وقوله: 208 - وَالنَّسْخَ سَمَّى (التِّرْمِذِيُّ) عِلَّهْ ... فَإنْ يُرِدْ في عَمَلٍ فَاجْنَحْ لَهْ الشرح: يعني أن الترمذي سمىَّ النسخ علةً من علل الحديث. وقوله: «فإن يُرد»، هو من الزوائد على ابن الصلاح، ويعني: إن أراد (ت) أنه علةٌ في العمل بالحديث فهو كلام صحيح فَمِلْ له إلى كلامه، وإن يراد أنه علةٌ في صحة نقله فلا؛ لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة. فقوله: «فاجنح» بالجيم، والنون، والحاء المهملة، أَمْرٌٌ من جَنَحَ إلى كذا: إذا مال إليه. انتهى.

المضطرب

الْمُضْطَرِبُ قلت: بكسر الراء اسم فاعل من اضطرب نوعٌ من أنواع الحديث. وقوله: 209 - مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا ... مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا 210 - في مَتْنٍ اوْ في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ ... فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ [46 - أ] 211 - بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا ... وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا 212 - كَالخَطِّ للسُّتْرَةِ جَمُّ الخُلْفِ ... والاضْطِرَابُ مُوْجِبٌ للضَّعْف الشرح: يعني أن المضطرب من الحديث هو ما اختلف راويه فيه فرواه مرةً على وجه ومرةً على آخر مخالف له، وكذا إن اضطرب راويان فأكثر فرواه كل واحدٍ على وجه مخالف للآخر. فقوله: «من واحدٍ» صفة لموصوف أي: راوٍ واحدٍ. وقوله: «في متن» (خ) يعني أن الاضطراب يكون في المتن وفي السند. وقوله: «إن اتضح» (خ) يعني أنه لا يُسَمَّى مضطرباً إلا إذا تساوت الروايتان المختلفتان في الصحة، بحيث لم تُرَجَّح إحدى الروايتين على الأخرى، أما إذا ترجَّحت إحداهما بكون راويها أحفظ أو أكثر صحبةً للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيح، فإنه لا يُطلق على الوجه الراجح وصف الاضطراب، ولا

حكمه، والحكم للراجح. وقوله: «كالخط» (خ) مثال الاضطراب في السند رواية أبي داود وابن ماجه من رواية إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن محمد بن حُريث، عن جده حُريث، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل شيئاً تلقاء وجهه» الحديث، وفيه: «فإذا لم يجد عصاً [46 - ب] ينصبها بين يديه فليخط خطاً». وقوله: «جَمّ الخُلْف» يعني أنه اختُلف فيه على إسماعيل اختلافاً كثيراً: فرواه بشر بن المفضل، وروح بن القاسم عنه هكذا. ورواه سفيان الثوري عنه، عن أبي عمروٍ بن حريث، عن أبيه، عن أبي هريرة. ورواه حميد بن الأسود عنه، عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث، عن جده حُريث بن سليم، عن أبي هريرة. ورواه وهيب بن خالد وعبد الوارث عنه، عن أبي عمرو بن حريث، عن جده حُريث. ورواه ابن جريج عنه، عن حُريث بن عمار، عن أبي هريرة. ورواه ذَوَّاد بن عُلْبَة الحارثي عنه، عن أبي عمرو بن محمد، عن جده حريث بن سليمان. قال أبو زرعة الدمشقي: لا نعلم أحداً بَيَّنَهُ ونَسَبَهُ غير ذَوَّاد.

وفيه من الاضطراب غير ما ذكرت. قلت: وذَوَّاد بفتح الذال المعجمة، وتشديد الواو، وبعده ألف، فدال مهملة. وقوله: «كالخط» أي: كحديث الخط. «جم الخلف» أي: كثيره. قلت: و «جَمّ» بفتح الجيم وتشديد الميم. انتهى. ومثال الاضطراب في المتن حديث فاطمة بنت قيس قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الزكاة فقال: «إن في المال لحقاً سوى الزكاة». اضطرب لفظه ومعناه، فرواه (ت) هكذا من رواية شريكٍ، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة. ورواه ابن ماجه من هذا [47 - أ] الوجه بلفظ: «ليس في المال حقٌ سوى الزكاة». قلت: الذي في ابن ماجه بلفظ (ت): «إن في المال لحقاً سوى الزكاة» (¬1) فأين الاضطراب في المتن. انتهى. وقوله: «والاضطراب» (خ)، يعني أن المضطرب ضعيف لإشعاره بأنه لم يضبط راويه ورواته. ¬

(¬1) لم أجده بهذا اللفظ في سنن ابن ماجه، بل باللفظ الأول: «ليس في المال حق سوى الزكاة».

المدرج

الْمُدْرَجُ قوله: 213 - المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ ... مِنْ قَوْلِ راوٍ مَا، بلا فَصْلٍ ظَهَرْ 214 - نَحْوُ إذَا قُلْتَ: (التَّشَهُّدَ) وَصَلْ ... ذَاكَ (زُهَيْرٌ) وَ (ابنُ ثَوْبَانَ) فَصَلْ الشرح: المدرجُ بضم الميم، وإسكان الدال، وفتح الراء المهملتين، وآخره جيمٌ، نوع من أنواع الحديث. وهو أقسامٌ: أحدها: ما أُدرج في آخر الحديث من قول بعض رواته -الصحابي أو مَنْ بعده- موصولاً بالحديث من غير فصلٍ بين الحديث وبين ذلك الكلام بذكر قائله فيلتبس على من لا يعلم حقيقة الحال فيتوهم أنه من الحديث. وقوله: «نحو» (خ) يعني أن أمثاله رواية أبي داود بسنده عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أخذ بيد عبد الله فعلمنا التشهد في الصلاة. فذكر مثل حديث الأعمش: «إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد [47 - ب] قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد». فقوله: «إذا قلت» (خ) وصله زهير بن معاوية بالحديث المرفوع في رواية (د) هذه. قال الحاكم قوله: «إذا قلت» هذا مُدْرَج في الحديث من كلام ابن مسعود.

وكذا قال البيهقي في «المعرفة»: قد ذهب الحفاظ إلى أن هذا وهمٌ، وأن قوله «إذا فعلت هذا، أو قضيت هذا، فقد قضيت صلاتك» من قول ابن مسعود فأُدرج في الحديث. وكذا قال الخطيب في كتابه «المدرج». وقال النووي في «الخلاصة»: اتفق الحفاظ على أنها مدرجة. وقوله: «وابن ثوبان» فصل (خ) يعني أن ابن زُهير اختلف النقل عنه في الحديث فرواه النُّفَيْلي وجماعة عديدة عنه مدرجاً. ورواه شبابة بن سوار عنه فَفَصَلَهُ، وبَيَّنَ أنه من قول عبد الله، فقال: قال عبد الله: «فإذا قلت ذلك فقد قضيت ما عليك من الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد». كذا رواه الدارقطني قائلاً: شبابة ثقة. وقد فَصَلَ آخر الحديث وجعله من قول ابن مسعود وهو أصح ممن أدرج [آخره] (¬1) والدليل عليه أن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحُر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقوله [48 - أ]: «التشهد» هو بالنصب على البيان، أي أعني التشهد. و «ابن ثوبان» بفتح المثلثة، وإسكان الواو، وبعده باء موحدة، فألف، فنون، هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان. ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

وقوله: 215 - قُلْتُ: وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ قُلِبْ ... كـ (أسْبِغُوا الوُضُوْءَ وَيْلٌ لِلعَقِبْ) الشرح: هذا من الزيادة على ابن الصلاح؛ لأن ابن الصلاح قَيَّدَ هذا القسم من المدرج بكونه أُدرج عقيب الحديث، والخطيب ذكر في كتابه «المدرج» ما أُدخل أول الحديث أو وسطه، فأشار إلى ذلك بقوله: «ومنه» (خ) يعني أتى به قبل الحديث المرفوع، أو قبل آخره في وسطه. وقوله: «قُلِب»، يعني: جعل آخره أَوَّلَه؛ لأن الغالب في المدرجات ذكرها عقيب الحديث. ومثاله: رواية الخطيب من رواية أبي قَطَن وشَبابة، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار». فقوله: «أسبغوا الوضوء». قلت: هو بفتح الهمزة أمرٌ من أَسْبَغَ رباعياً، وهو من قول أبي هريرة وُصِلَ بالحديث أَوَّلَه. كذا رواه البخاري في «صحيحه» عن آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم [48 - ب] قال: «ويل للأعقاب من النار». وكذلك الخطيب بَيَّنَهُ وأنَّ «أسبغوا الوضوء» كلام أبي هريرة، و «ويل للأعقاب» كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وكذا رواه أبو داود الطيالسي وغيره عن شعبة، وجعلوا «أسبغوا الوضوء»

من قول أبي هريرة و «ويل ... » من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: «للعَقِب» واحد الأعقاب للوزن في «قُلِب». وكذا هو في رواية الطيالسي عن شعبة: «ويل للعَقِب من النار». ومثال المدرج وسط الحديث رواية الدارقطني في «السُّنن» من رواية عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بُسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مَسَّ ذكره أو أنثييه أو رُفْغَه فليتوضأ». قال الدارقطني: كذا رواه عبد الحميد عن هشامٍ، ووهم في ذكر الأنثيين والرفع وإدراجه ذلك في حديث بسرة، والمحفوظ أن ذلك من قول عروة، كما رواه الثقات عن هشامٍ ومنهم أيوب السختياني بلفظ: «من مس ذكره فليتوضأ»، قال وكان عروة يقول: «إذا مس رُفغيه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ». وكذا نص الخطيب قائلاً إنه من قول عروة بن الزبير فأدرجه الراوي في متن الحديث وفيه بحث للقشيري (¬1) ذكره (ن) في (ش) (¬2). وقوله: [49 - أ] 216 - وَمِنْهُ جَمْعُ مَا أتَى كُلُّ طَرَفْ ... مِنْهُ بِإسْنَادٍ بِوَاحِدٍ سَلَفْ 217 - كـ (وَائِلٍ) في صِفَةِ الصَّلاَةِ قَدْ ... اُدْرِجَ (ثُمَّ جِئْتُهُمْ) وَمَا اتَّحَدْ ¬

(¬1) أي: ابن دقيق العيد، وكلامه في «الاقتراح». (¬2) (1/ 300).

الشرح: يعني أن من القسم الثاني من أقسام المدرج أن يكون الحديث عند من رواه بإسناد إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر فيجمع الراوي عنه طَرَفي الحديث بإسناد الطرف الأول، ولا يذكر إسنادَ طَرَفِهِ الثاني. وقوله: «كوائل» (خ) مثال ذلك وهو حديث رواه أبو داود من رواية زائدة وشريك، والنسائي من رواية ابن عيينة، كلهم عن عاصم بن كُليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجرٍ في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيه: «ثم جئتهم بعد ذلك في زمانٍ فيه بردٌ شديدٌ، فرأيت الناس عليهم جُل الثياب، تَحَرَّك أيديهم تحت الثياب». قال الحمال موسى بن هارون: وهذا عندنا وهمٌ. فقوله: «ثم جئتهم» ليس هو بهذا الإسناد، وإنما أُدرج عليه، وهو من رواية عاصمٍ، عن عبد الجبار بن وائلٍ، عن بعض أهله، عن وائلٍ. وقوله: «أُدرج» بضم أوله مبنياً للمفعول. وقوله: «وما اتحد» يعني أن إسناد الطرف الأخير ما اتحد مع أول الحديث، بل إسنادهما مختلف. وقوله: 218 - وَمِنْهُ أنْ يُدْرَجَ بَعْضُ مُسْنَدِ ... في غَيْرِهِ مَعَ اخْتِلاَفِ السَّنَدِ [49 - ب] 219 - نَحْوُ (وَلاَ تَنَافَسُوْا) في مَتْنِ (لاَ ... تَبَاغَضُوا) فَمُدْرَجٌ قَدْ نُقِلاَ 220 - مِنْ مَتْنِ (لاَ تَجَسَّسوا) أدْرَجَهُ ... (ابْنُ أبي مَرْيَمَ) إذْ أخْرَجَهُ

الشرح: القسم الثالث من المدرج أن يُدرج بعض حديثٍ في حديث آخر يخالفه في السند، كالحديث الذي رواه سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا» (خ). فقوله: «ولا تنافسوا» أدرجها ابن أبي مريم فيه من حديث آخر لمالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا .. » وهكذا الحديثان (¬1) عند رواة «الموطأ» القعنبي ويحيى بن يحيى وغيرهما. قلت: وابن أبي مريم اسمه سعيد بن محمد بن الحكم (¬2) بن أبي مريم، أبو محمد، حافظ مصر، مولى لبني الضبيع (¬3)، روى عنه البخاري في العلم وغير موضع، وروى عن محمد بن عبد الله عنه في سورة الكهف، وروى عن مالك ونافع ابن عمر، وَثَّقَه أبو حاتم انتهى. وقوله: 221 - وَمِنْهُ مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ ... وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضاً في السَّنَدْ ¬

(¬1) عبارة الناظم في شرحه (1/ 302): وكلا الحديثين متفق عليه من طريق مالك، وليس في الأول: «ولا تنافسوا»، وهي في الحديث الثاني، وهكذا الحديثان .. (¬2) كذا، وهو قلب، صوابه: سعيد بن الحكم بن محمد. (¬3) في مصادر ترجمته: مولى أبي الضبيع مولى لبني جمح.

222 - فَيَجْمَعُ الكُلَّ بإسْنَادٍ ذَكَرْ ... كَمَتْنِ (أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ) الخَبَرْ 223 - فَإنَّ (عَمْراً) عِنْدَ (وَاصِلٍ) فَقَطْ ... بَيْنَ (شَقيْقٍ) وَ (ابْنِ مَسْعُوْدٍ) سَقَطْ [50 - أ] الشرح: القسم الرابع من المدرج أن يروي بعض الرواة حديثاً عن جماعة وبينهم في إسناده اختلاف، فيجمع الكل على إسنادٍ واحدٍ مما اختلفوا فيه، ويُدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق. كحديث رواه (ت) عن بُندار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن الثوري، عن واصلٍ ومنصور والأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شُرَحبيل، عن عبد الله قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ (خ) وكذا رواه محمد بن كثير العبدي، عن سفيان. فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش؛ لأن واصلاً لا يذكر فيه عمراً بل يجعله عن أبي وائل عن عبد الله. وقوله: «بين شقيق». قلت: هو بفتح الشين المعجمة، وكسر القاف، وإسكان المثناة تحت، وبعده قاف، وهو أبو وائل الراوي عن عبد الله بن مسعود. وقوله: «فإن عَمْراً». قلت: هو بفتح العين بن شُرَحبيل بضم الشين المعجمة، وفتح الراء، وإسكان الحاء المهملتين، وبعده موحدة مكسورة، فمثناة تحت ساكنة، فلام، غير منصرف للعَلَمية والعُجْمَة. وقوله: 224 - وَزَادَ (الاعْمَشُ) كَذَا (مَنْصُوْرُ) ... وَعَمْدُ الادْرَاجِ لَهَا مَحْظُوْرُ الشرح: يعني أن الأعمش ومنصوراً زادا ذكر عمرو بن شرحبيل بين شقيق

وابن مسعود. وقوله: «وعَمْدُ» (خ) يعني أن الإدراج لا يجوز تَعَمُّدَه في شيء من هذه الأقسام الأربعة. وقد صَنَّف في هذا النوع الخطيب [50 - ب] كتاباً سماه «الفصل للوصل المدرج في النقل» وقفتُ عليه وهو عندي، شَفَى فيه وكَفَى.

الموضوع

الْمَوْضُوْعُ قوله: 225 - شَرُّ الضَّعِيْفِ: الخَبَرُ الموضُوْعُ ... الكَذِبُ، المُختَلَقُ، المَصْنُوْعُ 226 - وَكَيْفَ كَانَ لَمْ يُجِيْزُوا ذِكْرَه ... لِمَنْ عَلِمْ، مَا لَمْ يُبَيِّنْ أمْرَهْ 227 - وَأكْثَرَ الجَامِعُ فِيْهِ إذْ خَرَجْ ... لِمُطْلَقِ الضُّعْفِ، عَنَ: أبَا الفَرَجْ الشرح: هذا نوع من أنواع الحديث وهو شر الأحاديث الضعيفة ويقال له المختلق، بفتح اللام والمصنوع. وقوله: «وكيف» (خ) يعني أن الموضوع كيف كان في الأحكام، أو القصص، أو الترغيب والترهيب، وغير ذلك، لم يجيزوا لمن عَلِمَ أنه موضوع أن يذكره بروايةٍ أو احتجاج إلا مع بيان أنه موضوع، بخلاف غيره من الضعيف المحتمل للصدق فإنهم جوزوا روايته في الترغيب والترهيب. وقوله: «وأكثر» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيها كثيراً منها (¬1)، لا دليل على وضعه وحقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة. وعني ابن الصلاح بالجامع المذكور أبا الفرج ابن الجوزي. ¬

(¬1) في الأصل: مبهماً. خطأ.

وقوله: 228 - وَالوَاضِعُوْنَ لِلحَدِيْثِ أضْرُبُ ... أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا 229 - قَدْ وَضَعُوْهَا حِسْبَةً، فَقُبِلَتْ ... مِنْهُمْ، رُكُوْنَاً لَهُمُ ونُقِلَتْ [51 - أ] 230 - فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا نُقَّادَهَا ... فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا 231 - نَحْوَ أبي عِصْمَةَ إذْ رَأَى الوَرَى ... زَعْمَاً نَأوْا عَنِ القُرَانِ، فافْتَرَى 232 - لَهُمْ حَدِيْثَاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ ... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ 233 - كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ اعْتَرَفْ ... رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ، وَبِئسَمَا اقتَرَفْ 234 - وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتَابَهْ ... - كَالوَاحِدِيِّ - مُخْطِيءٌ صَوَابَهْ الشرح: يعني أن الواضعين للحديث أصنافٌ بحسب الحامل على الوضع. [فضربٌ من] (¬1) الزنادقة فضلوا وأضلوا، كابن أبي العوجاء أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان، وبيانٍ قتله خالد القسري وحرقه بالنار. وروى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال: وَضَعَتِ الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث. وضربٌ قصد التقرب للسلطان والأمير بما يوافق فعلهم ورأيهم، كغياث بن إبراهيم لما وضع للمهدي في حديث: «لا سبق إلا في نصلٍ، أو خُف، أو حافرٍ» فزاد فيه «أو جناح»، وكان المهدي يلعب بها ثم تركها بعدُ وأمر بذبحها، وقال: أنا حملته على ذلك. ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

وضربٌ للتكسب والارتزاق في القصص، نقله المدائني أبو سعيد (¬1) وعَمَّت به البلوى في ديار مصر وريفها. وضَرْبٌ قصدَ إقامة الدليل على ما تفردوا برأيهم في الإفتاء، ونُقِل عن ابن دحية والله أعلم [51 - أ] بذاك. وأعظم هؤلاء ضرراً قومٌ ينسبون إلى الزهد والديانة فوضعوه حسبةً بزعمهم الباطل، وجهلهم، فَقُبلت موضوعاتُهم ثقةً بهم، ولهذا قال يحيى بن سعيد القطان: «ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث»، وأراد -والله تعالى أعلم- مَنْ يُنسب إلى الصلاح بلا عِلْم، والله تعالى تبرأ من صلاحٍ بجهل، ومن يُنسب إلى الصلاح بلا علمٍ يُحسن الظن فَيَحْمِلُ كلَّ ما سمعه على الصِّدق، ولا وازع من العلم عنده يُمَيِّز به بين الخطأ فيجتنبه، والصواب فيرتكبه. قلت: ومن ثم منع أصحابنا شهادة من لديه تغفل (¬2)، فقال ابن عبد الحكم: قد يكون الخَيِّر الفاضل ضعيفاً لغفلته فلا تقبل شهادته، وأدركت بأخَرةٍ من ولي قضاء المالكية بديار مصر ممن أخذنا عنه المعقول وبضاعته مزجاة في الفقه فلم يقبل شهادة شخصٍ بمصر يشار إليه بالديانة والفضل لما نصه ابن عبد الحكم انتهى. وقوله: «فقيض الله» (خ) يعني أنه وإن خفى على الكثير من الناس وضع من ¬

(¬1) كذا، وهو خطأ صوابه أبو سعد. (¬2) كذا.

يُنسب إلى الصلاح، فلا يخفى على الجهابذة النُّقَّاد في الحديث، فإنهم قاموا بأعباء ما حُمِّلوه فتحمَّلوه وكشفوا عُوَارَها ومحوا عَارَها، حتى روي عن سفيان أنه قال: «ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث». ورضي الله عن ابن المبارك فقيل له: هذه الأحاديث [52 - أ] المصنوعة؟ فقال: يعيش لها الجهابذة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. وقوله: «نحو أبي عصمة» (خ) يعني أن مثال مَنْ كان يضع الحديث حسبةً ما روي عن أبي عصمة في رواية الحاكم بسنده إلى أبي عمار المروزي، أنه قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةً سورةً، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبةً. قلت: «وأبو عِصْمَة» بكسر العين، وإسكان الصاد المهملتين، وبعده ميم مفتوحة، فهاء تأنيث، هو نوح بن أبي مريم المروزي قاضي مرو، وكان يقال له: «نوح الجامع»، فقال ابن حبان: جَمَعَ كل شيء إلا الصدق. وهو الواضع حديث فضائل القرآن فيما نص عليه الحاكم. قال الذهبي في «الميزان»: لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، والحديث عن حجاج بن أرطأة، والتفسير عن الكلبي ومقاتل، والمغازي عن محمد بن إسحاق قال ابن حبان: وهو الذي روى عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن أبي هريرة: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقطع الخبز بالسكين، وقال: أكرموا الخبز فإن الله تعالى أكرمه». وروى عن

زيد العمي، عن سعيد [52 - ب] بن جبير، عن ابن عباس مرفوعاً: «من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلماً ضَعَّف الله له أجر الصف الأول» مات أبو عصمة سنة ثلاث وسبعين ومائة. انتهى. وقوله: «زَعْماً» بفتح الزاي، وإسكان العين المهملة، وبعده ميم، وهو القول المقرون بالاعتقاد صحيحاً كان أو باطلاً. وقوله: «نأوا» بالنون، أي: أعرضوا. وقوله: «كذا الحديث» (خ) يعني وهكذا حديث أُبَي الطويل في فضائل قراءة سُوَر القرآن سورةً سورةً، كما روي عن المؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ به فقلت للشيخ: من حدثك؟ فقال: حدثني رجل بالمدائن وهو حي. فصرت إليه فقلت: من حدثك؟ فقال: شيخ بواسط وهو حي. فصرتُ إليه فقال: حدثني شيخ بالبصرة. فصرت إليه فقال: حدثني شيخ بعبَّادان. فصرتُ إليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتاً فإذا فيه قوم من المتصوِّفَة ومعهم شيخ فقال: هذا الشيخ حدثني. فقلت: يا شيخ من حَدَّثَك. فقال: لم يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن. وقوله: «وبئسما اقترف» أي: بئسما اكتسب. قلت: ويشبه هذا الواضع حسبةً مَنْ يتصدى الشهادة على هلال رمضان [53 - أ] بالزُّور زاعماً أنه يشغل الناس بالتعبد بالصوم عن مفاسد تقع منهم ذلك اليوم فبئس ما اقترف، والله تعالى أعلم.

وقوله: «وكل» (خ) يعني أن كُلَّ من أودع حديث أُبَي المذكور تفسيره كالواحدي، والثعلبي، والزمخشري، يخطئ ذاك طريق الصواب. والزمخشري أفحش في ذاك حيث أورده بصيغة الجزم غير مُبْرِزٍ لسنده بخلاف الثعلبي والواحدي. وقوله: 235 - وَجَوَّزَالوَضْعَ عَلَى التَّرْغِيْبِ ... قَوْمُ ابنِ كَرَّامٍ، وَفي التَّرْهِيْب الشرح: يعني أن الكَرَّامية المبتدعة جَوَّزُوا الوَضْع في الترغيب والترهيب وهو خلاف إجماع المسلمين الذين يُعْتَدُّ بهم. واستدلوا على ذلك بما روي في بعض طرق الحديث: «من كذب علي متعمداً ليُضِلَّ به الناس فليتبوأ مقعده من النار». وحمله بعضهم على أي قال: «أنه ساحر أو مجنون» (¬1). وأغرب وأفحش بعض من خذله الله تعالى فقال: «من كذب» أي عليَّ، وهم يكذبون له ويُقَوُّون شرعه، قَبَّحَهُم الله تعالى في ذلك. قلت: «وابن كَرَّام» بفتح الكاف، وتشديد الراء، وبعده ألف، فميم، كذا ضبطه الأمير، وابن السمعاني، وغير واحدٍ، وهو الجاري على الألسنة، وأنكره محمد بن الهيصم وغيره من الكَرَّامية، وحكى ابن الهيصم فيه وجهين: التخفيف وذكر أنه المعروف في ألسنة [53 - ب] مشايخهم، ¬

(¬1) كذا وقعت العبارة في الأصل، وعبارة الناظم في شرحه (1/ 314): وحمل بعضهم حديث «من كذب عليَّ» أي: قال: إنه ساحر أو مجنون.

والتشديد وحكاه عن أهل سجستان. قال ابن الصلاح: ولا يُعْدَل عن التشديد. وهذا الذي أورده ابن السمعاني في «الأنساب» وقال: كان والده يحفظ الكرم فقيل له الكرام. انتهى. وتَعَقَّبَ الذهبيُّ في «الميزان» كلامَ السمعاني هذا قائلاً: إنه بلا إسنادٍ وفيه نظر، فإن كلمة كرام علمٌ على والد محمدٍ سواءً عمل في الكرم أو لم يعمل، والله تعالى أعلم. انتهى. وابن كَرَّامٍ هو السجستاني العابد المُتَكَلِّم شيخ الكَرَّامية، ساقط الحديث لأجل بدعته. قال ابن السراج: شهدت البخاري ودُفِعَ إليه كتاب من ابن كرام يسأله عن أحاديث منها الزهري عن سالمٍ عن أبيه مرفوعاً: «الإيمان لا يزيد ولا ينقص»، فكتب أبو عبد الله على ظهر كتابه: مَن حَدَّث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل. انتهى. وسُجِن بنيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثم أُخرج، وسار إلى بيت المقدس ومات بالشام، وعكف أصحابه على قبره مدةً. ومِنْ بدعته قوله في المعبود: إنه جسمٌ لا كالأجسام. وله أتباعٌ على ذلك ومريدون يُقال لهم الكَرَّامية كما أشار شيخنا (ن) (¬1)، انتهى. وقوله: 236 - وَالوَاضِعُوْنَ بَعْضُهُمْ قَدْ صَنَعَا ... مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ وَضَعَا ¬

(¬1) (1/ 313).

237 - كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا في المُسْنَدِ ... وَمِنْهُ نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدِ [54 - أ] 238 - نَحْوُ حَدِيْثِ ثَابِتٍ (مَنْ كَثُرَتْ ... صَلاَتُهُ) الحَدِيْثَ، وَهْلَةٌ سَرَتْ الشرح: يعني أن الواضعين للحديث منهم من يَضَع كلاماً من قِبَلِهِ ويرويه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم من يأخذ كلام بعض الحُكَماء أو بعض الزُّهَّاد أو الإسرائيليات فيجعله حديثاً نحو حديث: «حُبُّ الدنيا رأس كل خطيئة» فإنه من كلام مالك بن دينار. كما رواه ابن أبي الدنيا في «مكايد الشيطان» بإسناده إليه. أو من كلام عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، كما رواه البيهقي في «الزهد»، ولا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا من مراسيل الحسن البصري، كما رواه البيهقي في «الشُّعَب» في الباب الحادي والسبعين منه، ومراسيل الحسن عندهم شبه الريح. ومثال ذلك: «المعدة بيتُ الداء، والحِمْيَةُ رأس الدواء» فهذا من كلام بعض الأطباء لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: «ومنه» (خ) يعني من أقسام الموضوع ما لم يُقْصَد وضعُه، وإنما وَهِمَ فيه بعضُ الرواة، كالحديث الذي رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطَّلْحي، عن ثابت بن موسى الزَّاهد، عن شَرِيك، عن الأعمش، عن أبي سُفيان، عن جابر مرفوعاً: «من كَثُرَت صلاتُهُ بالليل، حَسُنَ وجهه بالنهار». فقيل: الحديث منكرٌ. وقيل: موضوع. قال ابن عدي: إنه حديثٌ منكر لا يُعْرَف إلا لثابت [54 - ب]، وسرقه منه من

الضعفاء عبد الحميد بن بحر، وعبد الله بن شبرمة الشَّريكي، وجماعة منهم. وروى عن محمد بن عبد الله بن نُمير أنه ذُكر له هذا الحديث عن ثابت فقال: باطل، شُبِّه على ثابت، وذلك أن شريكاً كان مَزَّاحاً، وكان ثابت رجلاً صالحاً، فيشبه أن يكون ثابت دخل على شريك، وكان شريك يقول: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالتفتَ فرأى ثابتاً فقال يمازحه: «من كثرت صلاته» (خ) فظن ثابتٌ لغفلته أن هذا الكلام هو متن الإسناد الذي قرأه (فحمله على ذلك. وإنما ذلك قول شريك. انتهى. وشريك غير ثقة، وثابت كذاب. كذا قيل) (¬1). وقوله: «وَهْلَة» بفتح الواو، وإسكان الهاء، وبعده لام مفتوحة، فهاء تأنيث: غفلة. وقوله: 239 - وَيُعْرَفُ الوَضْعُ بِالاقْرَارِ، وَمَا ... نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَرُبَّمَا 240 - يُعْرَفُ بِالرِّكَةِ قُلْتُ: اسْتَشْكَلاَ ... (الثَّبَجِيُّ) القَطْعَ بِالوَضْعِ عَلَى 241 - مَااعْتَرَفَ الوَاضِعُ إذْ قَدْ يَكْذِبُ ... بَلَى نَرُدُّهُ، وَعَنْهُ نُضْرِبُ الشرح: يعني أن الوَضْع يُعْرَف بإقرار واضعه، أو معنى إقراره. وقوله: «وربما» (خ) يعني أنه قد يُفهم الوضع من قَرينة حال الراوي أو المروي، فقد وُضِعَت أحاديث تشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها. ¬

(¬1) ما بين القوسين ملحق بالحاشية اليمنى.

وعن الربيع بن خثيم: «إن للحديث ضَوْءًا كضوء النهار، تَعْرِفُهُ، وظُلمة كظلمة الليل تنكره». ورحم الله ابن الجوزي قائلاً: الحديث [55 - أ] المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم، وينفر منه قلبه غالباً. و «الرِّكَّة» بكسر الراء المهملة، وتشديد الكاف، وبعده هاء تأنيث، مِنْ رَكَّ الشيء إذا رَقَّ وضعف. ومنه قولهم: «اقطعْهُ من حيث رَكَّ». قال في «الصحاح»: والعامة تقول من حيث رَقَّ. يعني بالقاف. انتهى. وقوله: «قلت» (خ) يعني أن ابن دقيق العيد استشكل الاعتماد على إقرار الراوي بالوضع فقال: هذا كافٍ في رده لكن ليس بقاطع بوضعه؛ لاحتمال أن يكذب في هذا الإقرار. و «الثبجي» بفتح المثلثة، والباء الموحدة، وبعده جيم، نسبة ابن دقيق العيد، وبخطه وُجِدَت؛ لأنه ولد بثبَج البحر، بساحل ينبع من الحجاز. وثبج البحر: ظهره أو وسطه.

المقلوب

الْمَقْلُوْبُ قوله: 242 - وَقَسَّمُوا المَقْلُوْبَ قِسْمَيْنِ إلى: ... مَا كَانَ مَشْهُورَاً بِراوٍ أُبْدِلا 243 - بِواحدٍ نَظِيْرُهُ، كَيْ يَرْغَبَا ... فِيهِ، لِلاغْرَابِ إذا مَا اسْتُغْرِبَا الشرح: من أنواع الحديث الضعيف المقلوب، وهو قسمان: أحدهما: أن يكون مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه راوٍ آخر في طبقته ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه كحديثٍ مشهور عن سالمٍ فيجعل مكانه نافعٌ، فيصير غريباً مرغوباً فيه. وفَعَل ذلك حماد بن عمرو النَّصِيبي الوَضَّاع فيما روى عمرو بن خالد الحَرَّاني، عن حماد بن عمرو النَّصِيبي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً: «إذا لقيتم المشركين في طريقٍ فلا تبدأوهم [55 - ب] بالسلام» الحديث. فهذا مقلوبٌ قَلَبَه حماد المتروك فجعله عن الأعمش، وإنما هو معروف بسهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، هكذا رواه مسلمٌ في «صحيحه» من رواية شُعبة، والثوري، وجَرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن محمد الدَّرَاوردي، كلهم عن سُهَيْل.

وقوله: 244 - وَمِنْهُ قَلْبُ سَنَدٍ لِمَتْنِ ... نَحْوُ: امْتِحَانِهِمْ إمَامَ الفَنّ 245 - في مائَةٍ لَمَّا أتَى بَغْدَادَا ... فَرَدَّهَا، وَجَوَّدَ الإسْنَادَا الشرح: هذا القسم الثاني من المقلوب، وهو أن يُؤخذ إسنادُ متنٍ فَيُجْعل على متنٍ آخر، ومتن هذا فيجعل بإسنادٍ آخر، وهذا يكون لقصد الإغراب، فيكون كالوضع، ويكون اختباراً لحفظ المحدث كما يرتكبه المحدثون كثيراً، وفي جوازه نظر. وممن فعله شعبة وحماد بن سلمة. وقوله: «نحو امتحانهم» (خ) يعني بذلك ما رواه (ن) (¬1) بسنده إلى الرازي أبي أحمد الحسن (¬2)، قال: سمعت أبا أحمد بن عدي يقول: سمعت عدة مشايخ يحكون أنَّ البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديثٍ فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسنادٍ آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس، إلى كلِّ رجلٍ عشرة أحاديث، وأمرُوهم إذا حضروا المجلس يُلْقُون ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس [56 - أ]، فحضر المجلس جماعةُ أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه. فسأله عن آخر ¬

(¬1) (1/ 321). (¬2) كذا، وصوابه: أحمد بن الحسن الرازي. كما في «شرح الناظم».

فقال: لا أعرفه. فما زال يُلقى عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، و (خ) (¬1) يقول: لا أعرفه فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فَهِم، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على (خ) بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب آخر من العشرة فسأله عن حديثٍ من تلك الأحاديث المقلوبة فقال (خ): لا أعرفه. فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه. فلم يزل يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، و (خ) يقول: لا أعرفه. ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، و (خ) لا يزيدهم على: لا أعرفه. فلما علم (خ) أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، على الولاء، حتى أتى على العشرة فَرَدَّ كلَّ متن على إسناده وكُلَّ إسنادٍ إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورَدَّ متونَ الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأَقَرَّ له الناسُ بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل. وقوله: «بغدادا» بدالين مهملتين، أحد لغاتٍ جمة فيه [56 - ب]، نبهتُ عليها في «الكافي» شرحي لمغني ابن هشام، نفع الله تعالى به. وقوله: 246 - وَقَلْبُ مَا لَمْ يَقْصِدِ الرُّوَاةُ ... نَحْوُ: (إذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ ... ) 247 - حَدَّثَهُ - في مَجْلِسِ البُنَاني - ... حَجَّاجٌ، اعْنِي: ابْنَ أبي عُثمَان ¬

(¬1) أي: البخاري.

248 - فَظَنَّهُ - عَنْ ثَابِتٍ - جَرِيْرُ، ... بَيَّنَهُ حَمَّادٌ الضَّرِيْرُ الشرح: من أقسام المقلوب ما انقلب على راويه ولم يقصد قلبه، كالحديث الذي رواه جرير بن حازم، عن ثابت البناني، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني». فهذا حديث انقلب إسناده على جرير، والحديث مشهور ليحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا رواه الأئمة الخمسة من طُرُق تدور على يحيى، وهو عند مسلم والنسائي من رواية حجاج بن أبي عثمان الصَّوَّاف، عن يحيى. وأما جرير فما سمعه إلا من حَجَّاج فانقلب عليه. وقوله: «حدثه» (خ) يعني أن حماد الضرير بن زيد قال: كنت وجرير بن حازم عند ثابت البناني، فحدث حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير بسنده المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، فظن جرير أنه إنما حدث به ثابت عن أنس قال الطَّبَّاع إسحاق بن عيسى: حدثنا جرير بن حازم بهذا، فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث، فقال: وَهِم أبو النَّضْر-يعني جريراً- إنما كنا جميعاً في مجلس البناني، وذكر [57 - أ] نحوه. قلت: «والبُنَاني» بضم الباء الموحدة، وبعده نون، فألف، فنون، نسبةً إلى بُنَانة بن سعد بن لؤي بن غالب، وهو أبو محمد ثابت بن أسلم، من تابعي البصرة، صحب أنس بن مالك أربعين سنة.

تنبيهات

تنبيهات قوله: 249 - وَإنْ تَجِدْ مَتْنَاً ضَعِيْفَ السَّنَدِ ... فَقُلْ: ضَعِيْفٌ، أيْ: بِهَذَا فَاقْصِد 250 - وَلاَ تُضَعِّفْ مُطْلَقاً بِنَاءَ ... عَلَى الطَّرِيْقِ، إذْ لَعَلَّ جَاءَ 251 - بِسَنَدٍ مُجَوَّدٍ، بَلْ يَقِفُ ... ذَاكَ عَلَى حُكْمِ إمَامٍ يَصِفُ 252 - بَيَانَ ضَعْفِهِ، فَإنْ أطْلَقَهْ ... فَالشَّيْخُ فِيما بَعْدَهُ حَقَّقَهْ الشرح: ذَكَر تنبيهات، باعتبار أنه ذكر ثلاثة: التنبيه الأول: أشار إليه بقوله: «وإن تجد» (خ) ومعناه: إذا وجدت حديثاً بإسنادٍ ضعيفٍ، فلك أن تقول: «ضعيف» عانياً بذلك الإسناد، ولا تعني بذلك ضعيف مطلقاً بناءً على ضعف ذلك السند؛ إذ لَعَلَّ له إسناداً آخر صحيحاً يَثْبُت بمثله الحديث، بل سبيلك أن تقف (¬1) جواز إطلاق ضعفه على حكم إمام من أئمة الحديث بأن ليس له إسنادٌ يثبت به، مع وَصْف ذلك الإمام بيان وجه ضعفه مفسراً، فإن أَطْلَقَ ذلك الإمام ضَعْفَهُ وما فَسَّرَهُ، فلابن الصلاح فيه كلام حَقَّقَهُ في النوع الثالث والعشرين من كتابه. ¬

(¬1) كذا، وعبارة الناظم (1/ 324): «بل يقف جواز ... ».

وقوله: 253 - وَإنْ تُرِدْ نَقْلاً لِوَاهٍ، أوْ لِمَا ... يُشَكُّ فِيهِ لاَ بِإسْنَادِهِمَا 254 - فَأتِ بِتَمْرِيضٍ كـ (يُرْوَى) وَاجْزِمِ ... بِنَقْلِ مَا صَحَّ كـ (قَالَ) فَاعْلَمِ [57 - ب] الشرح: هذا التنبيه الثاني من التنبيهات، وهو: إذا أردت نقل حديث ضعيفٍ أو ما في صحته وضعفه شكٌ بغير إسنادٍ فلا تذكره جازماً بصيغته كـ «قال» و «فَعَلَ» ونحوه، وقُلّ فيه ممرضاً: «يُرْوَى» و «رُوِيَ» و «وَرَدَ» و «جاء» و «بلغنا» ونحو ذلك. وقوله: «واجزم» (خ) يعني إذا نقلت حديثاً صحيحاً بغير إسناد فاذكره جازماً كـ: «قال»، ونحوه. وقوله: 255 - وَسَهَّلُوا في غَيْرِ مَوْضُوْعٍ رَوَوْا ... مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ لِضَعْفٍ، وَرَأوْا 256 - بَيَانَهُ في الحُكْمِ وَالعَقَائِدِ ... عَنِ (ابنِ مَهْدِيٍّ) وَغَيْرِ وَاحِد الشرح: وهذا التنبيه الثالث من التنبيهات وهو أن الحديث غير الموضوع يجوز التساهل في إسناده وروايته من غير بيانٍ لضعفه إذا كان في غير الأحكام والعقائد: كالترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل الأعمال ونحوها. وقوله: «عن ابن مهدي» (خ) يعني أن ممن نَصَّ على ذلك من الأئمة: ابن مَهْدي، بفتح الميم، وإسكان الهاء، وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء، عبد

الرحمن، والإمام أحمد (¬1). «قلت» (¬2): و «عن» متعلق بـ «رأوا» وبتضمينه نقلوا (¬3)، وهو أولى من ادعاء حذف مبتدأ محذوف مقدرٍ بـ «هذا» كما زعم (ن) في (ش) (¬4)، والله تعالى أعلم. ¬

(¬1) أي: ممن نص على ذلك كذلك الإمام أحمد. (¬2) وقعت العبارة في الأصل: [فقال]: قلت ... يظهر أنه حشو. (¬3) أي فيكون المعنى: نقلوا عن ابن مهدي .. (¬4) (1/ 325).

معرفة من تقبل روايته ومن ترد

مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رُوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ قوله: 257 - أَجْمَعَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الأَثَرْ ... وَالْفِقْهِ فِي قَبُوْلِ نَاقِلِ الْخَبَرْ [58 - أ] 258 - بِأنْ يَكُوْنَ ضَابِطاً مُعَدَّلاَ ... أيْ: يَقِظاً، وَلَمْ يَكُنْ مُغَفَّلاَ 259 - يَحْفَظُ إنْ حَدَّثَ حِفْظاً، يَحْوِيْ ... كِتَابَهُ إِنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِيْ 260 - يَعْلَمُ مَا فِي الَّلَفْظِ مِنْ إحِالَهْ ... إنْ يَرْوِ بالْمَعْنَى، وَفِي الْعَدَالَهْ 261 - بِأنْ يَكُوْنَ مُسْلِماً ذَا عَقْلِ ... قَدْ بَلَغَ الْحُلْمَ سَلِيْمَ الفِعْل 262 - مِنْ فِسْقٍ اوْ خَرْمِ مُرُوْءَةٍ وَمَنْ ... زَكَّاهُ عَدلاَنِ، فَعَدْلٌ مُؤْتًمَنْ 263 - وَصَحَّحَ اكْتِفَاؤُهُمْ بِالْوَاحِدِ ... جَرْحَاً وَتَعْدِيْلاً خِلاَفَ الشَّاهِد الشرح: هذا الطرف يتضمن الكلام في الإسناد، وما يتعلق به، والكلام فيه، في أنواعٍ استوفاها (ن)، فالنوع الأول فيه فصول: الأول: أجمع جماهير أهل العلم بالحديث والفقه والأصول على أنه يُشْتَرَط فيمن يُحتج بحديثه العدالة والضبط. فقوله «معدلاً» بفتح الدال. وقوله: «يقظاً» راعى تقديم الضبط في نظمه على العدالة، فَقَدَّمَ شروطه على شروط العدالة، فالضبط أن يكون متيقظاً، حافظاً إن حدث من حفظه،

ضابطاً لكتابه إن حدث منه، عارفاً بما يُحيل المعنى إن رَوَى به. وقد نَصَّ الشافعيُّ رضي الله عنه على اعتبار هذه الأوصاف فيمن يُحتج بخبره في «الرسالة» التي أرسل بها إلى عبد الرحمن بن مهدي. فقوله: «أي يقظاً» هو بفتح الياء المثناة تحت، وضم القاف وكسرها لغتان، وبعده ظاء مُشَالة. وقوله: [58 - ب] «ولم يكن مغفلاً» زيادة في البيان، وتقدم اشتراط ذلك في الشاهد في المذهب عندنا. وقوله: «يحوي كتابه» أي: يحتوي عليه. وقوله: «من إحالة» بكسر الهمزة، من أَحَال يُحيل إحالةً. و «مِن» لبيان الإبهام في «ما» مِنْ قوله: «ما في اللفظ». وقوله: «إن يَرْوِ» بفتح أوله (¬1) مجزومٌ بـ «إن» وجملة «يعلم» دليل على جواب «إن»، لا جواب «إن» على الصحيح. وقوله: «وفي العدالة» (خ) إشارة إلى شروط العدالة، وهي خمسة: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والسلامة من الفِسق، وخُرم المروءة. والفسق: ارتكاب كبيرة أو إصرارٌ على صغيرة. وقوله: «ومن زَكَّاهُ» (خ) هذا الفصل الثاني من فصول النوع الأول، وهو بيان ما تثبُت به العدالة، فَتُعْرَف العدالة بتنصيص عدلَيْن عليها كما في الشهادة. ¬

(¬1) أي: أول يَرْو.

وقوله: «وصَحَّح» (خ) هذا الفصل الثالث من فصول النوع الأول، وهو أنه هل يثبت الجرح والتعديل في الرواية بقول واحدٍ أو لا إلا باثنيين كما في الجرح والتعديل في الشهادة؟ قولان، والصحيح يثبت بالواحد. قوله: «بالواحد»، يعني العَدْل، فتدخل المرأة العدل، والعبد العدل وفي تعديل المرأة خلاف فأكثر الفقهاء فيما حكاه القاضي أبو بكر من علمائنا من أهل المدينة وغيرهم أنها لا تُعَدِّل مطلقاً لا في الرواية ولا في الشهادة. واختار القاضي أنه يُقبل مطلقاً فيهما إلا في الحكم الذي لا تقبل شهادتها فيه [59 - أ]. وإن كان الإمام في «المحصول» أطلق القول بتزكيتها من غير تقييد بما نصه القاضي. وفي تزكية العبد خلاف أيضاً. قال الخطيب: والأصل في هذا الباب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم بَرِيرة في قصة الإفك عن حال عائشة وجوابها رضي الله عنها. وقوله: 264 - وَصَحَّحُوا استِغْنَاءَ ذِي الشُّهْرَةِ عَنْ ... تَزكِيَةٍ، كـ (مَالكٍ) نَجْمِ السُّنَنْ 265 - و (لابنِ عَبْدِ البَرِّ) كُلُّ مَنْ عُنِي ... بِحَمْلِهِ العِلْمَ وَلَمْ يُوَهَّن 266 - فَإنَّهُ عَدْلٌ بِقَوْلِ المُصْطَفَى ... (يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ) لكِنْ خُوْلِفَا الشرح: يعني أن العدالة تُعْرَفُ أيضاً بالاستفاضة فيمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو غيرهم من العلماء، أو شاع الثناء عليه بها، فإنه يُستغنى فيه بذلك عن بينة شاهدٍ بعدالته تنصيصاً.

قال ابن الصلاح: وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي رضي الله عنه، وعليه الاعتماد في أصول الفقه. وقوله: «كمالكٍ» رضي الله عنه (خ)، يعني: مثل مالكٍ، وكذا شعبة، والسفيانان، والليث، والأوزاعي، وابن المبارك، وأحمد، ومن هو في ضَرْبهم رضي الله عنهم. وقوله: «نجم السنن» هكذا قال الشافعي: «إذا ذُكِر الأثر فمالكٌ النجم». وقوله: «ولابن عبد البر» (خ) يعني: أن ابن عبد البر، وهو أبو عُمر حافظ المغرب. قال: كل حامل علم، معروف بالعناية [به] (¬1) محمولٌ على العدالة أبداً حتى يتبين جرحه، واسْتَدَلَّ [59 - ب] على ذلك بحديث أورده العقيلي في «الضعفاء» في ترجمة مُعَان بن رِفَاعة وقال: لا يُعْرَف إلا به. والحديث من رواية مُعَان السلامي، عن إبراهيم عن عبد الرحمن العُذْري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ووقع في كتاب «العلل» للخلال أن الإمام أحمد سئل عن هذا الحديث فقيل له: كأنه كلام موضوع. فقال: لا هو صحيح. فقيل له: ممن سمعته؟ قال: من غير واحد قيل له: من هم؟ قال: حدثني به مسكين، إلا أنه يقول عن مُعانٍ. قال أحمد: ومعان لا بأس به. ووثقه أيضاً ابن المديني، وفيه بحث يطول. وقوله: «لكن خولفا» يعني ابن عبد البر خولف في اختياره هذا، وفي ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

استدلاله بالحديث. أما اختياره وإن وافقه عليه من المتأخرين أبو عبد الله بن الموَّاق بفتح الميم، وتشديد الواو، وبعده ألف، فقاف، كذا تلقنته من (ن) رحمه الله تعالى في قراءتي عليه هذا الموطن من «النكت له على ابن الصلاح»، فإنه أعني ابن المواق نص في كتابه «بغية النقاد» على أن أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك. قال ابن الصلاح: وفيما قاله يعني ابن عبد البر اتساع غير مرضي، وأما استدلاله بالحديث فلا يصح من وجهين: أحدهما [60 - أ]: إرساله وضعفه. والثاني: أن الاستدلال به موقوف على أن لو كان خبراً، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة، فلم يبق له محمل، إلا على الأمر أي إنه أُمِرَ الثقات بحمل العلم، قالوا: ويدل على ذلك وقوعه في بعض طرق ابن أبي حاتم «ليحمل هذا العلم» بلام الأمر. قلت: إن صحت هذه فظاهرٌ ما قالوا، وذكر التخلف (¬1) في كلام الصادق لا يصح لأنه صلى الله عليه وسلم قصد المظنة، فاعرفه، والله تعالى أعلم. وقوله: 267 - وَمَنْ يُوَافِقْ غَالِباً ذا الضَّبْطِ ... فَضَابِطٌ، أوْ نَادِراً فَمُخْطِيْ الشرح: يعني أن الذي يُعرف به ضبط الراوي أن يُعتبر حديثَه بحديث الثقات ¬

(¬1) كذا.

الضابطين، فإن وافقهم في رواياتهم لفظاً أو معنىً ولو غالباً أثبتنا (ح) (¬1) ضبطه، وإن غَلَبَ على حديثه المخالفة لهم وإن وافقهم فنادر، أثبتنا (ح) خطأه وعدم ضبطه والاحتجاج بحديثه. وقوله: 268 - وَصَحَّحُوا قَبُوْلَ تَعْدِيْلٍ بِلاَ ... ذِكْرٍ لأسْبَابٍ لَهُ، أنْ تَثْقُلاَ 269 - وَلَمْ يَرَوْ قَبُوْلَ جَرْحٍ أُبْهِمَا؛ ... لِلْخُلْفِ في أسبَابِهِ، وَرُبَّمَا 270 - اسْتُفْسِرَ الجَرْحُ فَلَمْ يَقْدَحْ، كَمَا ... فَسَّرَهُ (شُعْبَةُ) بِالرَّكْضِ، فَمَا 271 - هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الأثَرْ ... كـ (شَيْخَيِ الصَّحِيْحِ) مَعْ أهْلِ النَّظَرْ [60 - ب] الشرح: هذا الفصل الرابع من فصول النوع الأول، وهو أنه يُقبل التعديل من غير ذكر سَبب؛ لأن أسبابه كثيرة فَثَقُل وشَقَّ ذكرُها؛ لأنه يُحْوِجُ أن يقول: ليس يفعل كذا، ولا كذا، عادًّا ما يجب تركه، ويفعل كذا، عادَّا ما يجب عليه فعله. وقوله: «أن تثقُلا» هو بفتح الهمزة، وتخفيف النون، مصدرية منصوب على العلة، أي: لأجل الثقل. وقوله: «ولم يروا» (خ) يعني: أن الجرح لا يُقبل إلا مفسراً؛ لاختلاف الناس في موجبه، فربما يُطْلِقُ أحدُهم الجرح على معتقده، وليس كذلك في نفس ¬

(¬1) أي: حينئذ.

الأمر، فالبيان برفع ذلك حتى يظهر أهو قادح أم لا، وهذا هو المختار في التعديل والجرح. وقوله: «وربما» (خ) يعني: أن الدليل على أن الجرح لا يقبل غير مفسر أنه ربما اسْتُفْسِر الجارح فذكر ما ليس بجرح. وروى الخطيب بإسناده إلى محمد بن جعفر المدائني قال: قيل لشعبة لم تركت حديث فلانٍ؟ قال: رأيته يركض على بِرْذَون، فتركت حديثه. قلت: ويقرب من ذلك أن النسائي جَرَحَ أحمد بن صالح المصري، فأخذ الناس عليه ذلك، فقال ابن يونس: لم يكن أحمد عندنا كما قال النسائي، لم يكن له آفة غير الكِبْر، وتكلم فيه ابن معين فيما رواه معاوية بن صالح عنه، وفي كلامه ما [61 - أ] يشير إلى الكبر، فقال: كذابٌ يتفلسف، رأيته يَخْطر في جامع مصر فنسبته إلى الفلسفة، وأنه يخطر في مشيته انتهى. وقوله: «فما» (خ) يعني فماذا يلزم من ركضه على برذون. وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أن السماع يكره ممن يقرأ بالألحان. قلت: وقد نص الإمام مالك رضي الله عنه في «المدونة» على أن القراءة في الصلاة بالألحان والترجيع تَرُدُّ الشهادة انتهى. وقوله: «هذا» (خ) يعني أن هذه المسألة في ذكر سبب التجريح والتعديل انتهى الخلاف فيها إلى أقوالٍ أربعة، والقول الأول وهو المذكور هو الذي عليه حفاظ الأثر، ويستحق أن يُصَحَّح، وهو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه وصَوَّبَهُ الخطيب، وصَحَّحَهُ: أن الجرح لا يُقْبَل إلا مفسراً.

قال ابن الصلاح: وهو ظاهر مُقَرَّر في الفقه وأصوله. وقوله: 272 - فَإنْ يُقَلْ: (قَلَّ بَيَانُ مَنْ جَرَحْ) ... كَذَا إذَا قَالُوا: (لِمَتْنٍ لَمْ يَصِحْ) 273 - وَأبْهَمُوا، فَالشَّيْخُ قَدْ أجَابَا ... أنْ يَجِبَ الوَقْفُ إذا اسْتَرَابا 274 - حَتَّى يُبِيْنَ بَحْثُهُ قَبُوْلَهْ ... كَمَنْ أُوْلُو الصَّحِيْحِ خَرَّجُوا لَهْ 275 - فَفي (البُخَارِيِّ) احتِجَاجاً (عِكْرِمَه) ... مَعَ (ابْنِ مَرْزُوْقٍ)، وَغَيْرِ تَرْجُمَهْ 276 - وَاحْتَجَّ (مُسْلِمٌ) بِمَنْ قَدْ ضُعِّفَا ... نَحْوَ (سُوَيْدٍ) إذْ بِجَرْحٍ مَا اكتَفَى [61 - ب] 277 - قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ (أبُو المَعَاليْ) ... واخْتَارَهُ تِلْمِيْذُهُ (الغَزَاليْ) 278 - و (ابْنُ الخَطِيْبِ) الْحَقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا ... أطْلَقَهُ العَالِمْ بِأسْبَابِهِمَا الشرح: لما قَرَّرَ أن الجرح لا يُقْبَل إلا مُفَسَّراً، وكذلك الحديث الضعيف، أورد على ذلك سؤالاً سأله ابن الصلاح مُلَخَّصُهُ أن يُقال: وجدنا اعتماد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على كتب الجرح والتعديل، وقَلَّ أن يتعرضوا فيها لبيان السبب، بل يقتصرون على قولهم: «فلانٌ ضعيف»، «ليس بشيء»، ونحو ذلك، أو: «هذا حديث ضعيف»، أو «غير ثابت»، ونحوه، فاشتراط بيان السبب مفضٍ إلى التعطيل، وسَدِّ باب الجرح غالباً كثيراً (¬1). وقوله: «فالشيخ» (خ) يعني: أن ابن الصلاح أجاب عن ذلك، ملخصه بأنا ¬

(¬1) كذا، وعبارة ابن الصلاح: في الأغلب الأكثر.

وإن [لم] (¬1) نعتمد ذلك في إثبات الجرح والحكم به، فقد اعتمدناه في أن يُوقِفَنَا عن قَبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك، بناءً على إيقاع ريبة عندنا فيهم قوية، يجب في مثلها التوقف. وقوله: «حتى يبين بحثه» (خ) يعني: أنا نقف حتى تنزاح عنه الريبة بالبحث عن حاله فيظهر البحث عنه قبولَه والثقةَ بعدالته. فقوله: «حتى يُبين» (خ) هو بضم أوله، من «أَبَان» رباعياً، بمعنى يظهر. و «بحثُه» مرفوع على الفاعل ليُبين. و «قبوله» منصوب به على المفعول. وقوله «كمن» (خ) يعني أن الخطيب لما نقل عن أئمة [62 - أ] الحديث أن الجرح لا يُقبل إلا مفسراً، قال: إن (خ) (¬2) احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم والجرح لهم، كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين. قلت: لكن روى له البخاري قليلاً مقروناً بغيره، وأعرض عنه مالك إلا في حديث أو حديثين. وقوله: «ففي البخاري» (خ) قلت: «احتجاجاً» منصوب على التفسير. و «عكرمة» وما بعده خبرٌ عن قوله «ففي البخاري». و «عِكرمة» بكسر العين، وإسكان الكاف، وبعده راء مكسورة، فميم، فهاء تأنيث. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) أي: البخاري.

هو أبو عبد الله مولى عبد الله بن عباس الهاشمي المدني، سمع: ابن عباس، والخدري، وأبا هريرة، وابن عمروٍ، وابن عمر، وعائشة، وتُكِلِّم فيه لرأيه لا لحفظه، فاتُّهِمَ برأي الخوارج، ووثَّقَهُ جماعة، ومما أُنكر عليه ما حدثه حماد بن زيد في آخر يوم مات فيه فقال: أحدثكم بحديث لم أحدث به قط؛ لأني أكره أن ألقى الله تعالى ولم أحدث به: سمعت أيوب يحدث عن عكرمة قال: «إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به». قال الذهبي في «الميزان»: ما أسوأها عبارة، وأخبثها، بل أنزله ليهدي به، وليضل به الفاسقين. انتهى. وقول بعض المفسرين في قوله: {لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:168]، نقلاً عنه بسنده أنه سُئل عن رجل قال لغلامه: إن لم أجلدك مائة سوط فامرأته طالق. قال: لا يجلد غلامه، ولا تَطْلُق امرأته، هذه من خطوات الشيطان. انتهى [62 - ب]. و «ابن مرزوق» هو عمرو الباهلي البصري، يروي عن عكرمة بن (¬1) عمارٍ، وشعبة. وروى عنه (خ) (¬2) لكن مقروناً بآخر، و (د) (¬3) والجمَحي أبو خليفة (¬4) وعدة. ¬

(¬1) في الأصل: ثم. خطأ. (¬2) أي: البخاري. (¬3) أي: أبو داود. (¬4) اسمه: الفضل بن الحباب.

قال القواريري: كان يحيى القطان لا يرضاه في الحديث. وقال ابن حرب: جاء بما ليس عندهم فحسدوه. وعن ابن المديني: اتركوا حديث العَمْرين: عمرو بن مرزوق، وعمرو بن حكام. ووثقه أبو حاتم، والإمام أحمد. كان يحضر مجلسه عشرة آلاف رجلٍ، وأحصن ألفَ امرأة أو أكثر، لما سئل أتزوجت ألف امرأة؟ فقال: أو أكثر. وأما عمرو بن مرزوق الواشحي فشيخ صدوق، لا مَطْعَنَ فيه، قد روى عنه الحَوْضي ومسلم، فكان حق شيخنا (ن) التنبيه عليه، فاعرفه. انتهى. وقوله: «وغيرِ ترجمة».قلت: هو بجر «غير» عطفاً على المجرور بمع، والتقدير مع ابن مرزوق ومع جماعة أُخر لم تحطهم هنا ترجمة. والترجمة: بفتح الجيم، مصدرية، ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر، ومنه الترجمان بفتح التاء، وضمها. وقوله: «واحتج» (خ) يعني: وهكذا قول مسلم فإنه احتجَّ بسويد بن سعيدٍ، وجماعةٍ غيرهم، اشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم، وقد سلك أبو داود هذه الطريقة وغير واحدٍ ممن بعده. قلت: «وسويد» هذا هو: ابن سعيد، أبو محمد الهروي الأنباري. روى عنه البغوي [63 - أ] وخلق، كان صاحب حديث وحفظ؛ إلا أنه عُمِّرَ وعَمِى فربما لُقِّن ما ليس من حديثه، وهو صادق في نفسه. وأما ابن معين فكذبه، وسَبَّهُ لما ذُكِرَ له حديثه فيمن عشق وعَفَّ وكتم، وقال: لو كان لي فرسٌ

ورمح لغزوت سويداً. انتهى. وأما سويد بن سعيد الدقاق فلا يكاد يُعْرَف، فكان حق شيخنا (ن) التنبيه عليه انتهى. وقوله: «بجرح» يعني: بمطلق جرح؛ لأن سويداً صدوقٌ في نفسه، كما نص عليه أبو حاتم وغيره، وقد ضعفه البخاري فقال: حديثه منكرٌ. والنسائي فقال: ضعيف. ولم يفسر الجرح، وإنما روى مسلم عن سويد لطلب العلو مهما صح عنده بنزول، ولم يخرِّج عنه ما تفرد به. قال إبراهيم بن أبي طالب: قلت لمسلمٍ: كيف استجزت الرواية عن سويد في الصحيح؟ قال: ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة؟ لأن مسلماً لم يرو عن أحد ممن سمع من حفص في الصحيح إلا عن سويد فقط. وقوله «قلت»: هذا من الزوائد على ابن الصلاح، وهو الرد على السؤال الذي ذكره؛ لأن إمام الحرمين نص في «البرهان» على أن الحق أن المزكِّي إن كان عالماً بأسباب الجرح والتعديل كفانا إطلاقه، وإلا فلا، واختاره الغزالي، والإمام فخر الدين الرازي. قوله: «تلميذه» [63 - ب]. قلت: هو بالذال المعجمة، أدخله الجواليقي في «المُعَرَّب» وذكر أنه غلام الصَّاغة. وقوله: «وابن الخطيب» هو الإمام فخر الدين الرازي. وقوله: 279 - وَقَدَّمُوا الجَرْحَ، وَقِيْلَ: إنْ ظَهَرْ ... مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ فَهْوَ المُعْتَبَرْ

الشرح: هذا فصل خامس من الفصول للنوع الأول، وهو أن يجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مُقَدَّم لزيادة العلم، ولو كان المعدِّلون أكثر، ونقله الخطيب عن جمهور العلماء، وصححه ابن الصلاح، والأصوليون كالإمام فخر الدين والآمدي. وقوله: «وقيل» (خ) هذا قول آخر في المسألة، وهو إن كان عدد المعدِّلين أكثر ورُجِّحَ التعديل، حكاه الخطيب في «الكفاية»، والإمام في «المحصول». وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن الحاجب وأهمله (ن) لما كان كلام الخطيب يقتضي نفيه لقوله: اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان وعدَّله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولى. فأنت ترى في هذه الصورة حكاية الإجماع على تقديم الجرح، خلاف ما حكاه ابن الحاجب (¬1). وقوله: «الأكثر» هو بالنصب على الحال وعرف كما قرئ شذوذاً {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:8] على أن «يخرج» ثلاثي قاصرٍ، و «الأذل» حال. وقوله: 280 - وَمُبْهَمُ التَّعْدِيْلِ لَيْسَ يَكْتَفِيْ ... بِهِ (الخَطِيْبُ) والفَقِيْهُ (الصَّيْرَفِيْ) الشرح: هذا الفصل السادس من فصول النوع الأول، وهو أن [64 - أ] ¬

(¬1) الذي حكاه ابن الحاجب هو أنه «يتعارض الجرح والتعديل فلا يرجح أحدهما إلا بمرجح».

التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدَّل لا يُكتفَى به في التوثيق، فلو قال: «حدثني الثقة» لم يكفِ، وبذلك قطع الخطيب والصَّيرفي أبو بكر، وأبو نصر بن الصباغ من الشافعية، وغيرهم، وهو الصحيح. وقوله: 281 - وَقِيْلَ: يَكْفِي، نَحْوُ أنْ يُقالا: ... حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، بَلْ لَوْ قَالاَ: 282 - جَمِيْعُ أشْيَاخِي ثِقَاتٌ لَوْ لَمْ ... أُسَمِّ، لاَ يُقْبَلُ مَنْ قَدْ أَبْهَمْ الشرح: في التعديل على الإبهام قولان آخران أحدهما: أنه يُقْبَل مطلقاً كما لو عينه لأنه مأمون في الحالتين وحكاه في «العدة» عن أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو ماش على قول من يحتج بالمرسل وأولى بالقبول. وقوله: «بل» (خ) يعني أن الخطيب زاد على القول الأول بأن قال: لو صَرَّح بأن جميع شيوخه ثقات ثم روى عَمَّن لم يُسَمِّه أنَّا لا نعمل بتزكيته له، نعم لو قال العالم: كل من أروي لكم عنه وأسميه فهو عَدْل رَضِيٌّ مقبول، كان تعديلاً لكل من روى عنه وسماه، جزم بذلك الخطيب، وقال: سلك هذه الطريقة عبد الرحمن بن مهدي. قال البيهقي: ومالك بن أنس رضي الله عنه، وقد روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق لخفاء حاله عليه. وقوله: 283 - وَبَعْضُ مَنْ حَقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ ... مِنْ عَالِمٍ في حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ الشرح: هذا القول الثالث في التعديل على الإبهام، وحكاه ابن [64 - ب] الصلاح عن اختيار بعض المحققين، وهو أنه إن كان القائل «حدثني الثقة»

عالماً أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه، كقول مالك: «أخبرني الثقة»، وقول الشافعي ذلك في مواضع، وحدثني (¬1) بعض العلماء ما أبهما من ذلك باعتبار شيوخهما. فحيث قال مالك: حدثني الثقة -عنده- عن بكير بن عبد الله بن الأشج، فالثقة مخرمة بن بكير. وحيث قال: عن الثقة عن عمرو بن شعيب، فقيل الثقة عبد الله بن وهب، وقيل الزهري. هكذا نص أبو عمر. وإذا قال الشافعي في كتبه: أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب، فهو ابن أبي فديك. وإذا قال: أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد، فهو يحيى بن حسان. وإذا قال: أخبرنا الثقة عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد. وإذا قال: أخبرنا الثقة عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن يحيى، نَصَّ على ذلك محمد بن الحسين الأبري السجستاني في «فضائل الشافعي» رضي الله عنه. وقوله: 284 - وَلَمْ يَرَوْا فُتْيَاهُ أوْ عَمَلَهُ ... -عَلَى وِفَاقِ المَتْنِ- تَصْحِيْحَاً لَهُ 285 - وَلَيْسَ تَعْدِيلاً عَلَى الصَّحِيْحِ ... رِوَايَةُ العَدْلِ عَلَى التَّصْرِيْح ¬

(¬1) كذا، ويظهر لي أن صوابها: «حدد» وعبارة الناظم في شرحه (1/ 348): وقد بين بعض العلماء بعض ما أبهما ...

الشرح: يعني أنه ليس عمل العالم أو فتياه على وِفق حديث حُكماً بصحته، ولا مخالفته له جرحاً فيه أو في راويه. وقوله: «وليس» (خ) يعني أن العدل إذا روى عن شيخ بصريح اسمه فهل [65 - أ] هو تعديل أم لا فيه أقوال ثلاثة: أحدها: ليس بتعديل، وهو الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم لجواز روايته عن غير عدلٍ. والثاني: أنه تعديل مطلقاً حكاه الخطيب وغيره، وحكاه الصيرفي بأن الرواية تعريفٌ له، والعدالة بالخبرة. وأجاب الخطيب بأنه قد لا يَعْلم عدالته ولا جرحه. والقول الثالث: إن كان لا يروي إلا عن عدلٍ كانت روايته تعديلاً وإلا فلا، واختاره السيف الآمدي، وابن الحاجب، وغيرهما. قلت: وكذلك إذا حَكَمَ بشهادته حاكمٌ يَشْتَرِطُ العدالةَ في الشهادة فهو تعديل له، انتهى. وقوله: 286 - وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يُقْبَلُ المَجْهُوْلُ؟ ... وَهْوَ -عَلَى ثَلاَثَةٍ- مَجْعُوْلُ 287 - مَجْهُوْلُ عَيْنٍ: مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ ... وَرَدَّهُ الاكْثَرُ، وَالقِسْمُ الوَسَطْ: 288 - مَجْهُوْلُ حَالٍ بَاطِنٍ وَظَاهِرِ ... وَحُكْمُهُ: الرَّدُّ لَدَى الجَمَاهِرِ، 289 - وَالثَّالِثُ: المَجْهُولُ لِلعَدالَهْ ... في بَاطِنٍ فَقَطْ. فَقَدْ رَأَى لَهْ

290 - حُجِّيَّةً -في الحُكْمِ-بَعْضُ مَنْ مَنَعْ ... مَا قَبْلَهُ، مِنْهُمْ (سُلَيْمٌ) فَقَطَعْ 291 - بِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّ العَمَلا ... يُشْبِهُ أنَّهُ عَلَى ذَا جُعِلا 292 - في كُتُبٍ منَ الحَدِيْثِ اشْتَهَرَتْ ... خِبْرَةُ بَعْضِ مَنْ بِهَا تَعَذَّرَتْ 293 - في بَاطِنِ الأمْرِ، وبَعْضٌ يَشْهَرُ ... ذَا القِسْمَ مَسْتُوْرَاً، وَفِيْهِ نَظَرُ الشرح: هذا الفصل السابع من فصول النوع الأول وهو رواية المجهول هل تقبل أم لا؟ وقوله: «وهو» (خ) يعني أن المجهول [65 - ب] أقسامه ثلاثة: مجهول العين، ومجهول الحال ظاهراً أو باطناً، ومجهول الحال باطناً. وقوله: «مجهول» (خ) هذا القسم الأول وهو مجهول العين فضَبَطَهُ (ن) بأنه من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، وتبع في ذلك ابن عبد البر. وقال الخطيب: هو كلُّ من لم تعرفه العلماء، ولم يُعْرَف حديثُهُ إلا من راوٍ واحد. وأهمله (ن) فما عرَّفه. وقوله: «ورده» (خ) يعني أن هذا القسم فيه أقوال، والصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم أنه لا تقبل. والثاني: يقبل مطلقاً. والثالث: إن كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدلٍ كابن مهدي، واكتفينا في التعديل بالواحد، قُبل وإلا فلا.

والرابع: يُقْبَل إن اشتهر بالزهد أو النَّجدة [في] (¬1) غير العلم، واختاره أبو عمرو. الخامس: إن زَكَّاهُ أحدٌ من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قُبِلَ وإلا فلا، واختاره أبو الحسن بن القَطَّان في «بيان الوهم والإيهام» له. وقوله: «والقسم» (خ) هذا القسم الثاني، وهو مجهول الحال ظاهراً وباطناً مع عرفان عينه برواية عدلين عنه. وفيه أقوال: أحدها -وهو قول الجماهير-: لا تقبل روايته، وعليه اقتصر (ن). وقوله: «والثالث» (خ) هذا القسم الثالث، وهو مجهول العدالة الباطنة، وهو عدل ظاهر (¬2) [66 - أ] فهذا يحتج به بعضُ من رد القسمين الأولين، وبه قطع من ذكره. وقوله: «منهم سُليم». قلت: هو بضم السين، وهو الإمام ابن أيوب الرازي انتهى. وقوله: «وقال الشيخ» (خ) يعني ابن الصلاح أن العمل على قول سُليم في أكثر كتب الحديث المشهورة فيمن تقادَم عهدُهم وتَعَذَّرَت معرفتهم، وأطلق الشافعي رضي الله عنه كلامه في «اختلاف الحديث» قولَهُ: إنه لا يُحتج بالمجهول. وحكى البيهقي في «المدخل» أن الشافعي لا يحتج بأحاديث المجهولين. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) كذا، ولعل صوابها العبارة وهو عدل في الظاهر.

وقوله: «وبعضٌ» (خ) يعني أن ابن الصلاح نقل عن بعض الأئمة أن هذا القسم الأخير هو المستور، وعَيَّنَ (ن) هذا البَعْض بأنه البَغَوي نَصَّ عليه بحُروف ما نقله ابن الصلاح في «التهذيب» (¬1) قال: وتبعه عليه الرافعي، وحكى الرافعي في الصوم وجهين في قبول رواية المستور من غير ترجيح، ثم قال: وصحح النووي في «شرح المهذب» قبول رواية المستور. و «يَشْهَر» بفتح أوله وفتح الهاء من شهر الأمر يَشهَرُ شُهوراً. وقوله: «وفيه نظر» من الزوائد على ابن الصلاح التي لم تتميز بقلت، ووجه النظر أن الشافعي في عبارته في اختلاف الحديث ما يقضي بأن ظاهري العدالة من يحكم الحاكمُ بشهادتهما، وعليه فلا يُقال لمن يكون عدلاً في الظاهر فقط مستور، ونقل الروياني [66 - ب] في «البحر» نص الشافعي في «الأم» أنه لو حضر العقد رجلان مسلمان ولا يعرف حالهما من الفسق والعدالة انعقد النكاح بهما في الظاهر، قال: لأن الظاهر من المسلمين العدالة انتهى. وقوله: 294 - وَالخُلفُ في مُبْتَدِعٍ مَا كُفِّرَا ... قِيْلَ: يُرَدُّ مُطلَقَاً، وَاسْتُنْكِرَا 295 - وَقْيِلَ: بَلْ إذا اسْتَحَلَّ الكَذِبَا ... نُصْرَةَ مَذْهَبٍ لَهُ، وَنُسِبَا 296 - (لِلشَّافِعيِّ)، إذْ يَقُوْلُ: أقْبَلُ ... مِنْ غَيْرِ خَطَّابِيَّةٍ مَا نَقَلُوْا ¬

(¬1) كذا وعبارة الناظم في شرحه (1/ 355) وهذا الذي نقل-ابن الصلاح- كلامه آخراً، ولم يسمه، هو البغوي، فهذا لفظه بحروفه في «التهذيب».

297 - وَالأكْثَرُوْنَ - وَرَآهُ الأعْدَلاَ - ... رَدُّوَا دُعَاتَهُمْ فَقَطْ، وَنَقَلا 298 - فِيهِ (ابْنُ حِبَّانَ) اتِّفَاقَاً، وَرَوَوْا ... عَنْ أهْلِ بِدْعٍ في الصَّحِيْحِ مَا دَعَوْا الشرح: الفصل الثامن من فصول النوع الأول: رواية مُبتدع لم يُكَفَّر في بدعته، وفيه أقوال: فقيل: يُرد مطلقاً لأنه فسق ببدعته وإن تأول، فيرد كالفاسق بغير تأويل، كما استوى الكافر متأولاً وغير متأول، وهو المروي عن مالك فيما نصه الخطيب عنه. قلت: ونصوص «المدونة» في غير ما موطن تشهد له، انتهى. وقوله: «واستنكرا» يعني أن ابن الصلاح استبعد هذا القول بأن كتب المحدثين ملأى بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة. وقوله: «وقيل» (خ) هذا القول الثاني: أنه يُقبل إن لم يكن ممن يستحل الكذب لنصرة مذهبه، أو لأهل مذهبه، سواءً كان [67 - أ] داعية أم لا، وإن كان ممن يستحل لم يُقبل. وقوله: «ونسبا» (خ) يعني أن هذا القول نسبه الخطيبُ للشافعي، لقوله: أَقْبَل شهادة أهل الأهواء إلا الخطَّابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم. وروى البيهقي في «المدخل» عن الشافعي أنه قال: ما في أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة. وقوله: «من غير خطابية». قلت: الخطَّابية بفتح الخاء المعجمة، وتشديد

الطاء المهملة، وبعده ألف، فباء موحدة، فياء مثناة تحت مشددة، نسبة إلى رئيسهم أبي الخطَّاب، وهم جماعة يزعمون أن الله حَلَّ في علي، ثم في الحسن، ثم في الحسين، ثم في زين العابدين، ثم في الباقر، ثم في الصادق، وتوجَّهوا هؤلاء إلى مكة في زمان جعفر الصادق وكانوا يعبدونه، فلما سمع الصادق بذلك لَعَنَهُم فبلغ ذلك أبا الخطاب فزعم أن الله قد انفصل عن جعفر وحلَّ فيه، ثم قُتل، لعنه الله، ولعن فريقه، وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. انتهى. وقوله: «والأكثرون» (خ) هذا قول ثالث، وهو: أنه إن كان داعيةً لمذهبه لم يُقبل، وإلا قُبِل، وهذا الذي عليه الأكثر، وإليه ذهب الإمام أحمد في نَصِّ الخطيب، ونَقَلَ ابنُ حبان في اتفاقَهُم عليه. وقوله: [67 - ب] «ونَقَلا فيه ابن حبان» (خ) يعني أن ابن حبان نقل اتفاق العلماء في رَدِّ رواية الدَّاعية، وفي قبول غير الداعية أيضاً، وإن كان ابن الصلاح قصر ذلك على الصورة الأولى دون الثانية، ويدلُّ على عموم نقل الاتفاق أن ابن حبان نَصَّ في «تاريخ الثقات» في ترجمة جعفر بن سليمان الضُّبَعي على أنه ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعةٌ ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره. ونَقَلَ (ن) (¬1) في المسألة قولاً رابعاً زيادة على ابن الصلاح، وهو أنه تُقبل أخبارهم مطلقاً وإن كانوا كفاراً أو فساقاً بالتأويل، حكاه الخطيب عن ¬

(¬1) (1/ 359).

جماعة من النقلة والمتكلمين. و «ابن حبان» هذا بكسر الحاء المهملة، وتشديد الباء الموحدة. وقوله: «رآه الأعدلا» جُمْلة لا محل لها لاعتراضها بين المبتدأ الذي هو «الأكثرون» وبين الخبر الذي هو «رَدُّوا». وقوله: «وردوا» (خ) يعني أن في الصحيحين كثيراً من أحاديث المبتدعة غير الدعاة احتجاجاً واستشهاداً كعمران بن حطَّان، وداود بن الحصين، وغيرهما. ونص الحاكم في «تاريخ نيسابور» في ترجمة محمد بن الأخرم أن كتاب مسلم ملآن من الشيعة. وقوله: «والُخلْفُ» (خ) احترز به عن المبتدع الذي كُفِّر ببدعته كالمجسمة إن قيل بتكفيرهم على الخلاف [68 - أ] في ذلك، خلافاً لابن الصلاح. وقوله: 299 - وَ (لِلحُمَيْدِيْ) وَالإمَامِ (أحْمَدَا) ... بأنَّ مَنْ لِكَذِبٍ تَعَمَّدا 300 - أيْ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ نَعُدْ نَقْبَلُهُ ... وَإنْ يَتُبْ، وَ (الصَّيْرَفِيِّ) مِثْلُهُ 301 - وَأطْلَقَ الكِذْبَ، وَزَادَ: أنَّ مَنْ ... ضُعِّفَ نَقْلاً لَمْ يُقَوَّ بَعْدَ أنْ 302 - وَلَيْسَ كَالشَّاهِدِ، وَ (السَّمْعَانِي ... أبُو المُظَفَّرِ) يَرَى فِي الجَانِي 303 - بِكَذِبٍ فِي خَبَرٍ إسْقَاطَ مَا ... لَهُ مِنَ الحَدِيْثِ قَدْ تَقدَّمَا الشرح: هذا الفصل التاسع من فصول النوع الأول، وهو: من تَعَمَّد الكذبَ

في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا تُقبل روايته أبداً، وإن تاب وحسنت توبته، كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم، ومنهم الإمام أحمد، والحُميدي شيخ البخاري أبو بكر، بخلاف الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق فإنه تقبل رواية التائب منه. وقوله: «والصيرفي» (خ) يعني أن الصيرفي نص في «شرح الرسالة» للشافعي على أن كلَّ من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نَعُد نقبله بتوبةٍ تظهر. وقوله: «وزاد» (خ) يعني أن الصَّيرفي زاد أيضاً فقال: ومن ضَعَّفْنَا نقله لم نجعله قوياً بعد ذلك، وذكر أن ذلك فيما افترقت فيه الرواية والشهادة. قال شيخنا (ن) رحمه الله قلت: الظاهر أنه إنما أراد [68 - ب] الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مطلقاً، بدليل قوله: «من أهل النقل» أي: الحديث، ويدل [على ذلك] (¬1) أنه قيده بالمحدث فيما رأيته في كتاب «الدلائل» و «الإعلام» له، فقال: وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول عمَدْتُ الكذب (خ) انتهى. وقوله: «والصيرفي» هو بالجر عطفاً على «وللحميدي». وقوله: «بعد أن» يعني: بعد أن ضُعِّفَ فحذفه لدلالة «ضُعِّفَ» المتقدم عليه. وقوله: «وليس» (خ) يعني أن هذا مما افترق [فيه] (¬2) الشاهد من الراوي. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) زيادة من عندي.

وقوله: «والسمعاني» (خ) يعني أن السمعاني ذكر أن من كذب في خبر واحدٍ وجَبَ إسقاط ما تَقَدَّمَ من حديثه. قلت: «والسَّمعاني» بفتح السين المهملة، وإسكان الميم، وبعده عين مهملة، فألف، فنون مكسورة، نسبة إلى سَمْعَان بن تميم، انتسب إليه أبو سعد السمعاني وأهله. قال أبو سعد: هكذا سمعت سَلَفي يذكرون ذلك، وهم جماعة أئمة علماء فقهاء محدثون، منهم الإمام أبو منصور محمد كان إماماً في العربية وله فيها تصانيف مفيدة، وولده أبو المظفر وهو منصور الفقيه الإمام المشهور له تصانيف في الفقه وأصوله والحديث، وهو صاحب كتاب «الاصطلاح» وكان حنفياً فصار شافعياً سنة اثنين وستين وأربعمائة [69 - أ] سمع أباه وغيره. وقوله: 304 - وَمَنْ رَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَكَذَّبَهْ ... فَقَدْ تَعَارَضَا، وَلَكِنْ كَذِبَهْ 305 - لاَ تُثْبِتَنْ بِقَوْلِ شَيْخِهِ، فَقَدْ ... كَذَّبَهُ الآخَرُ، وَارْدُدْ مَا جَحَدْ 306 - وَإنْ يَرُدَّهُ بِـ (لاَ أذْكُرُ) أوْ ... مَا يَقْتَضِي نِسْيَانَهُ، فَقَدْ رَأوْا 307 - الحُكْمَ لِلذَّاكِرِ عِنْدَ المُعْظَمِ، ... وَحُكِيَ الإسْقَاطُ عَنْ بَعْضِهِم 308 - كَقِصَّةِ الشَّاهِدِ واليَمِيْنِ إذْ ... نَسِيَهُ (سُهَيْلٌ) الَّذِي أُخِذْ 309 - عَنْهُ، فَكَانَ بَعْدُ عَنْ (رَبِيْعَهْ) ... عَنْ نَفْسِهِ يَرْوِيْهِ لَنْ يَضِيْعَهْ

310 - وَ (الشَّافِعي) نَهَى (ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ) ... يَرْوِي عَنِ الحَيِّ لخَوْفِ التُّهَم الشرح: الفصل العاشر من فصول النوع الأول أن يروي ثقةٌ عن ثقةٍ حديثاً يكذبه المروي عنه صريحاً، كقوله: كذب علي، أو بنفي جازمٍ كقوله: ما رويت هذا له. فقد تعارض قولهما، ولا يكون ذلك قادحاً في عدالتهما وباقي رواياتهما. وقوله: «ولكن» (خ) يعني: أنا نرد ما جحده الأصل؛ لأن الراوي عنه فرعه، ولا نثبت كذب فرعه بقول أصله له: «ما قاله» حتى يكون ذلك جرحاً له؛ لأنه أيضاً يكذب أصله الذي هو شيخه في نفيه لذلك، وليس قبول جرح كل منهما بأولى من الآخر فتساقطا. و «كَذِبَه» بفتح الكاف، وكسر الذال مخففة، منصوب مفعولاً مقدماً لقوله «لا» تُثبتن من أَثْبَتَ [69 - ب] الرباعي. وقوله: «واردُد» (خ) يعني اردُد من حديث الفرع إذا نفى أصله تحديثه للفرع به خاصة، ولا يُرَدّ من حديث الأصل نفسه إذا حدث به. وقوله: «وإن يَرُدَّه» (خ) يعني أن الأصل إذا لم يُكَذِّب فرعه صريحاً، ولكن قال: لا أذكره، أو لا أعرفه، ونحوه مما يقتضي جواز كونه نسيه فذلك لا يقتضي رُدَّ رواية الفرع عنه. وقوله: «فقد رأوا» (خ) يعني أنه مع ذلك اختلف هل الحكم للذاكر الذي هو الفرع، أو للأصل الناسي؟ فذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء والمتكلمين إلى قبول ذلك، وأن نسيان الأصل لا يُسْقِط العمل بما نسيه،

وصححه ابن الصلاح. وقوله: «وحُكِىَ» (خ) يعني أن بعضهم ذهب إلى إسقاطه بذلك، وحكاه ابن الصباغ في «العدة» عن أصحاب أبي حنيفة. وقوله: «كقصة» (خ) هذا مثاله وهو الحديث الذي رواه (د) و (ت) و (ق) (¬1) من رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد». قال (د) في رواية: إن عبد العزيز الدراوردي قال: قد ذكرتُ ذلك لسهيل، فقال أخبرني ربيعة -وهو عندي ثقة- أني حدثته إياه، ولا أحفظه. قال عبد العزيز: وقد كانت أصابت سهيلاً عِلَّة أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه، فكان سهيل [70 - أ] بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه. وقوله: «فكان بعدُ» هو بضم الدال مبنياً. وقوله: «لن يَضيعَه» هو بفتح أوله من ضاع يضيع. وقوله: «والشافعي» (خ) يعني أنه روى عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال لابن عبد الحكم: إياك والرواية عن الأحياء. وفي رواية البيهقي في «المدخل»: لا تُحَدِّث عن حي، فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان. قاله له حين روى عن الشافعي حكاية فأنكرها ثم ذكرها. 311 - وَمَنْ رَوَى بأُجْرَةٍ لَمْ يَقْبَلِ ... (إسْحَاقُ) و (الرَّازِيُّ) و (ابْنُ حَنْبَلِ) ¬

(¬1) أي: ابن ماجه القزويني.

312 - وَهْوَ شَبيْهُ أُجْرَةِ القُرْآنِ ... يَخْرِمُ مِنْ مُرُوْءَةِ الإنْسَان 313 - لَكِنْ (أبُوْ نُعَيْمٍ الفَضْلُ) أَخَذْ ... وَغَيْرُهُ تَرَخُّصَاً، فإنْ نَبَذْ 314 - - شُغْلاً بِهِ - الكَسْبَ أجِزْ إرْفَاقَا، ... أفْتَى بِهِ الشَّيْخُ (أبُوْ إسْحَاقا) الشرح: الحادي عشر من فصول النوع الأول وهو قبول رواية من يُحَدِّث بالأجر. فذهب الإمام أحمد، وإسحاق، وأبو حاتم الرازي إلى أنه لا يقبل. وقوله: «وهو شبيه» (خ) هكذا قال ابن الصلاح أنه شبيه بأخذ الأجر على تعليم القرآن وغيره، إلا أن في هذا عرفاً الخُرْم للمروءة، والظن السيء بفاعله. وقوله: «يَخْرِمُ». قلت: هو بفتح أوله، وبالخاء المعجمة، وبعدها راء مهملة مكسورة فميم، من خرم منه إذا نقص، ومعناه أن أخذ الأجر على التحديث لا على القرآن ينقص [70 - ب] المروَّة، ويطرق التهمة. وعلى هذا فيُعرب «وهو» مبتدأ، وقوله: «شبيه» خبره، وقوله «يخرم» خبرٌ بعد خبر. وحكى السمعاني في «الذيل» عن أبي الغنائم محمد بن علي الدجاجي أنه كان ذا وجاهة وحالٍ واسعةٍ، كريماً جواداً، أحنى الزمان عليه، قال: وقصدته في جماعة من الطلبة المُبرين وهو موعوك في مرضه، فدخلنا عليه وهو على نارية مُحْرِقَة وعليه جُبَّة قد أكلت النار أكثرها، وليس في بيته ما يساوي درهماً، فَحَمَل على نفسه حتى قرأنا عليه بحسب شَرَهِ أصحاب الحديث، وأطلنا عليه وهو متحمل المشقة في إكرامنا وبسطنا، فلما خرجنا من داره،

قلتُ: هل مع ساداتنا ما يصرفه في نفقة هذا الشيخ، فإنه واقعٌ مَوْقِعَه، ولا قربة أولى من ذلك، ولا أظن أنا نلقاه بعد فمال الجماعة إلى ذلك، وأخرج كلٌّ منهم ما تيسر، واجتمع خمسة مثاقيل، واحتشمته في تسليمها إليه، فلما دخلتُ عليه وسلمت إليه المبلغ وأعلمته وجه ذلك لطم على وجهه ونادى وافضيحتاه آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضاً لا والله لا والله ثلاثاً، ونهض حافياً إلى خارج منزله ينادي خلفي بحرمة ما بيننا إلا رجعت، فعدتُ فبكى وقال: تفضحني مع أصحاب الحديث، الموت أهون من ذلك، وسَلَّمَهُ إليَّ فأعدته على الجماعة فلم يقبلوه، فنفد [71 - أ] إلى جامع الرَّصافة فَفُرِّق على الفقراء المقيمين به انتهى. وقوله: «لكن» (خ) يعني أن أبا نعيم الفضل بن دكين رخص في أخذ الأجرة على التحديث. وقوله: «وغيره» (¬1). وقوله: «فإن نَبْذ» (خ) قلت: «نبذ» بالنون، والباء الموحدة، والذال المعجمة، من نَبَذْتَ الشيء إذا ألقيته، ومعناه إن ألقى -لاشتغاله بالتحديث- الكسبَ لعياله. فـ «شغلاً» منصوبٌ على العلة. والضمير المجرور بالباء يعود على التحديث. و «الكسب» منصوبٌ على المفعول لنَبْذ. وقوله: «أجز» جواب الشرط. ويعني أن هذا الذي يُحَدِّث بالأجر يَلْحَقه ما ¬

(¬1) وقع في هذا الموضع بياض في الأصل المخطوط يقدر بخمسة سطور.

ذكره إلا أن يقترن ذلك بِعُذْر ينفي ذلك عنه، مثل ما حَدَّث أبو المظفر السمعاني، عن أبيه الحافظ أبي سعد السمعاني: أن أبا الفضل محمد بن ناصر ذكر أن أبا الحسين بن النَّقُّور فعل ذلك؛ لأن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أفتاه [71 - ب] بجواز [أخذ] (¬1) الأجر على التحديث لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب لعياله. وقوله: 315 - وَرُدَّ ذُوْ تَسَاهُلٍ في الحَمْلِ ... كَالنَّوْمِ وَالأدَا كَلاَ مِنْ أصْلِ، 316 - أوْ قَبِلَ التَّلقِيْنَ، أوْ قَدْ وُصِفَا ... بِالمُنْكَرَاتِ كَثْرَةً، أوْ عُرِفَا 317 - بِكَثْرَةِ السَّهْوِ، وَمَا حَدَّثَ مِنْ ... أصْلٍ صَحِيْحٍ فَهْوَ رَدٌّ، ثُمَّ إنْ 318 - بُيِّنْ لَهُ غَلَطُهُ فَمَا رَجَعْ، ... سَقَطَ عِنْدَهُمْ حَدِيْثُهُ جُمَعْ 319 - كَذَا (الحُمَيْدِيُّ) مَعَ (ابْنِ حَنْبَلِ) ... و (ابْنِ المُبَارَكِ) رَأَوْا فِي العَمَل 320 - قَالَ: وَفيهِ نَظَرٌ، نَعَمْ إذَا ... كَانَ عِنَادَاً مِنْهُ مَا يُنْكَرُ ذَا الشرح: الثاني عشر من فصول النوع الأول رواية من عُرِفَ بالتساهل في سماع الحديث وإسماعه، كمن ينام هو أو شيخه في حال السماع، ولا يبالي بذلك. وكذلك رَدُّوا رواية من عُرِفَ [72 - أ] بالتساهل في حالة الأداء للحديث، كأن يؤدي لا من أصلٍ صحيحٍ مقابَلٍ على أصله، أو أصل شيخه. ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

وكذا رَدُّوا روايةَ من عُرِفَ بقبول التلقين في الحديث، وهو أن يُلَقَّن الشيء فيُحدِّث به من غير أن يعلم أنه من حديثه، كموسى بن دينار ونحوه. وكذلك رَدُّوا حديث من كَثُرَت المناكير والشواذ في حديثه، كما قال شعبة: لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ. وكذلك رَدُّوا رواية من عُرِفَ بكثرة السَّهْو في رواياته إذا لم يُحَدِّث من أصل صحيح. وقوله: «وما حدث» (خ) جملة في موضع نصب على الحال، أي: ورُدَّ حديث من عُرِف بكثرة السهو في حال كونه ما حَدَّثَهُ من أصلٍ صحيح، أما إذا حَدَّثَ من أصلٍ صحيحٍ فالسماع صحيح، وإن عرف بكثرة السهو؛ لأن اعتماد (ح) (¬1) على الأصل لا على حفظه. قال الشافعي في «الرسالة»: من كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادات لم تقبل شهادته. وقوله: «فهو رد» يعني: مردود. وقوله: «ثم إن» (خ) يعني أَنَّ من أَصَرَّ على غلطه بعد البيان، فورد عن ابن المبارك وأحمد والحُميدي وغيرهم أَنّ من غَلط في حديثٍ وبُيِّنَ له غَلَطه فلم يرجع عنه وأَصَرَّ على رواية ذلك الحديث سَقَطَت رواياته ولم يكتب عنه. ¬

(¬1) أي: حينئذ.

وقوله: «قال» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: في هذا نظر، وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك. قال ابن حبان: مَنْ بُيِّنَ له خطؤه، وعَلِمَ فلم يرجع عنه، وتمادى في ذلك كان كذاباً بعلم صحيح. 321 - وَأعْرَضُوا فِي هَذِهِ الدُّهُوْرِ ... عَنِ اجتِمَاعِ هَذِهِ الأمُوْر 322 - لِعُسْرِهَا، بَلْ يُكْتَفَى بِالعَاقِلِ ... المُسْلِمِ البَالِغِ، غَيْرِ الفَاعِل 323 - لِلفِسْقِ ظَاهِرَاً، وَفِي الضَّبْطِ بأنْ ... يَثْبُتَ مَا رَوَى بِخَطٍّ مُؤْتَمَنْ [72 - ب] 324 - وَأنَّهُ يَرْوِي مِنَ اصْلٍ وَافَقَا ... لأصْلِ شَيْخِهِ، كَمَا قَدْ سَبَقَا 325 - لِنَحْوِ ذَاكَ (البَيْهَقِيُّ)، فَلَقَدْ ... آلَ السَّمَاعُ لِتَسَلْسُلِ السَّنَدْ الشرح: الثالث عشر من فصول النوع الأول: أَعْرَضَ الناسُ في هذه الأعصار عن مجموع الشروط المذكورة لعُسْرِها وتَعَذُّرِ الوفاء بها، واكتفوا من عدالة الراوي بكونه مسلماً بالغاً عاقلاً غير متظاهر بالفسق وما يخرم المروءة ومِنْ ضَبْطِه بوجود سماعه مثبتاً بخط ثقةٍ غير متهم، وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه، وقد سبق إلى نحو ذلك البيهقي لما ذكرَ تَوسَُّع من تَوَسَّع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يُقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءةُ عليهم من أصل سماعهم لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث. وقوله: «فلقد» (خ) يعني أن القصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلاً بحدثنا وأخبرنا، وتبقى هذه الكرامة التي خُصَّت بها هذه

الأمة شرفاً لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي استقرَّ عليه العمل. قال الذهبي في مقدمة «الميزان»: إن العُمْدَةَ في زماننا ليس على الرواة، بل على المحدثين والمقتدين (¬1) الذين عُرِفَت عدالتُهُم وصدقُهُم في ضبط أسماء السامعين، ثم من المعلوم [73 - أ] أنه لا بد من صون الراوي وستره. انتهى كلامه. وقوله: «بأَن يثبت». قلت: هو بفتح الهمزة من «أن»، و «يثبت» إن قراءته ثلاثياً (¬2) فيكون قوله «ما روى» فاعلاً وإن قرأته رباعياً (¬3) فيكون «ما روى» مفعولاً. وقوله: «مؤتمَن» بفتح الميم. ¬

(¬1) في المصدر: المقيدين. (¬2) أي: يَثْبُتَ. من ثَبَتَ يَثْبُت. (¬3) أي: يُثْبِت. مِن أَثْبَتَ يُثْبِت.

مراتب التعديل

مَرَاتِبُ التَّعْدِيْلِ قوله: 326 - وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيْلُ قَدْ هَذَّبَهُ ... (إِبْنُ أبي حَاتِمِ) إِذْ رَتَّبَهُ 327 - وَالشَّيْخُ زَادَ فِيْهِمَا، وَزِدْتُ ... مَا فِي كَلاَمِ أَهْلِهِ وَجَدْتُ الشرح: الألفاظ المستعملة في الجرح والتعديل رَتَّبَهَا عبد الرحمن بن أبي حاتم في مقدمة كتابه «الجرح والتعديل» فأجاد وأحسن، وقد أوردها ابن الصلاح وزاد فيها ألفاظاً من كلام غيره، وزاد هنا (ن) عليها ألفاظاً من كلام أهل هذا الشأن غير متميز بـ «قلت». فقوله «هذبه» بالذال المعجمة، أي: نَقَّاه، ومنه رجل مُهَذَّب أي: مُطَهَّر الأخلاق. وقوله: 328 - فَأَرْفَعُ التَّعْدِيلِ: مَا كَرَّرْتَهُ ... كَـ (ـثِقَةٍ) (ثَبْتٍ) وَلَوْ أَعَدْتَهُ 329 - ثُمَّ يَلِيْهِ (ثِقَةٌ) أوْ (ثَبْتٌ) اوْ ... (مُتْقِنٌ) اوْ (حُجَّةٌ) اوْ إذا عَزَوْا 330 - الحِفْظَ أَوْ ضَبْطَاً لِعَدْلٍ وَيَلِي ... (لَيْسَ بِهِ بَأسٌ) (صَدُوقٌ) وَصل 331 - بِذَاكَ (مَأَمُوْنَاً) (خِيَارَاً) وَتَلا ... (مَحَلُّهُ الصّدْقُ) رَوَوْا عَنْهُ إلى 332 - الصِّدْقِ مَا هُوَ كذَا شَيْخٌ وَسَطْ ... أَوْ وَسَطٌ فَحَسْبُ أَوْ شَيْخٌ فَقَطْ [73 - ب]

333 - وَ (صَالِحُ الْحَدِيْثِ) أَوْ (مُقَارِبُهْ) ... (جَيِّدُهُ)، (حَسَنُهُ)، (مُقَارَبُهْ) 334 - صُوَيْلِحٌ صَدُوْقٌ انْ شَاءَاللهْ ... أَرْجُوْ بِأَنْ (لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) عَرَاهُ الشرح: مراتب التعديل أربع طبقات أو خمس، فالمرتبة الأولى العُليا من ألفاظ التعديل أهملها ابن أبي حاتم وابن الصلاح، وهي إذا كَرَّرَ لفظَ التوثقة في هذه المرتبة الأولى، إما بالتباين نحو ثبت حجة، أو ثبتٌ حافظ، أو ثقة ثبت، أو ثقة متقن، ونحوه. وإما مع إعادة اللفظ الأول نحو: ثقة ثقة، وهو معنى قوله: «ولو أعدته». وقوله: «ثم يليه» (خ) هذه المرتبة الثانية التي تلي الأولى، وهو أن يقال للواحد: ثقة، أو متقن، أو ثبت، أو حُجة. فَيُحْتَجُّ بحديثه. وقوله: «أو إذا عَزَوا» (خ) يعني: وكذا إذا قيل في العدل: إنه حافظ، أو ضابط. وقوله: «وَيَلي» (خ) هذه المرتبة الثالثة: قولهم: ليس به بأس، ولا بأس به، أو صدوق، أو مأمون، أو خِيار. وقوله: «وتلا» (خ) هذه المرتبة الرابعة: قولهم: محله الصدق، أو رووا عنه، أو إلى الصدق ما هو، أو شيخ وسط، أو وسط، أو شيخ، أو صالح الحديث، أو مقارب الحديث بفتح الراء وكسرها على ما نصه ابن العربي في «العارضة على الترمذي»، أو جيد الحديث، أو حسن الحديث، أو صُوَيلح، أو صَدوق إن شاء الله تعالى، وأرجو أنه ليس به بأس. وقوله: «عَرَاه» هو بالعين والراء المهملتين [64 - أ] أي غَشِيَهُ، ومنه أَعْرَاني

هذا الأمر واعتراني، إذا غشيك. وقوله: 335 - وَ (ابْنُ مَعِيْنٍ) قال: مَنْ أَقُوْلُ: (لاَ ... بَأْسَ بِهِ) فَثِقَةٌ وَنُقِلاَ 336 - أَنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ أَجَابَ مَنْ سَأَلْ: ... أَثِقَةٌ كَاَنَ أبو خَلْدَةَ؟ بَلْ 337 - كَانَ (صَدُوْقاً) (خَيِّراً) (مَأْمُوْنَا) ... الثِّقَةُ (الثُّوْرِيُّ) لَوْ تَعُوْنَا 338 - وَرُبَّمَا وَصَفَ ذَا الصِّدْقِ وَسَمْ ... ضُعْفاً بِ (صَالِحِ الْحَدِيْثِ) إِذْ يَسِمْ الشرح: يعني أن يحيى بن مَعين -بفتح الميم- ذكر أن قولهم: ثقة، وليس به بأس سواءً في التوثقة فيما نص عنه ابن أبي خيثمة في كلام جرى بينه وبينه، وتعقبه (ن) في (ش) (¬1) ووافق ابنُ دحيم ابن معين في التسوية بينهما. قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم: ما تقول في علي بن حَوْشَب الفَزاري؟ قال: لا بأس به، قال: قلت: ولمَ لا تقول ثقة، ولا نعلم إلا خيراً؟ قال: قد قلتُ لك إنه ثقة. وقوله: «ونُقِلا» (خ) يعني أن الدال على أن «ثقة» أرفع أن عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا أبو خَلْدَة. فقيل له: أكان ثقة؟ فقال: كان صدوقاً، وكان مأموناً، وكان خيراً -وفي رواية: وكان خياراً- الثقة شعبة وسفيان. فَوَصَفَ أبا خَلْدَة بما يقتضي القبول، ثم ذكر أن هذا اللفظ يقال لمثل شعبة والثوري. قلت: «وأبو خَلْدَة» بفتح الخاء المعجمة، وإسكان اللام، وبعده دال مهملة، ¬

(¬1) (1/ 373).

فهاء تأنيث، هو خالد بن دينار [74 - ب] التميمي السعدي البصري الخيَّاط تابعي من ثقات التابعين، روى عن أنس، وروى عنه يزيد بن زُرَيع ووكيع. انتهى. وقوله: «لو تعونا» (خ) كَمَّل به وزن البيت، أي: لو تحفظون مراتب الرواة. وتعون من وَعَا يَعي وعياً. وقوله: «وربما» (خ) يعني: أن ابن مهدي كان ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق، فيقول: رجل صالح الحديث. فقوله: «إذ يَسِم» بفتح الياء المثناة تحت، وكسر السين المهملة، وبعده ميم، من وَسَم بفتح السين: إذا أَثَّرَ فيه بِسِمَةٍ وكَيّ.

مراتب الجرح

مَرَاتِبُ الجَرْح (¬1) قوله: 339 - وَأَسْوَأُ التَّجْرِيْحِ: (كَذَّابٌ) (يَضَعْ) ... يَكْذِبُ وَضَّاعٌ وَدَجَّالٌ وَضَعْ 340 - وَبْعَدَهَا مُتَّهَمٌ بَالْكَذِبِ ... وَ (سَاقِطٌ) وَ (هَالِكٌ) فَاجْتَنِب 341 - وَذَاهِبٌ مَتْرُوْكٌ اوْ فِيْهِ نَظَرْ ... وَ (سَكَتُوْا عَنْهُ) (بِهِ لاَ يُعْتَبَرْ) 342 - وَ (لَيْسَ بِالثِّقَةِ) ثُمَّ (رُدَّا ... حَدِيْثُهُ) كَذَا (ضَعِيْفٌ جِدَّا) 343 - (وَاهٍ بَمَرَّةٍ) وَ (هُمْ قَدْ طَرَحُوْا ... حَدِيْثَهُ) وَ (ارَمِ بِهِ مُطَرَّحُ) 344 - (لَيْسَ بِشَيءٍ) (لاَ يُسَاوِي شَيْئَاً) ... ثُمَّ (ضَعِيْفٌ) وَكَذَا إِنْ جِيْئَا 345 - بِمُنْكَرِ الْحَدِيْثِ أَوْ مُضْطَرِبِهْ ... (وَاهٍ) وَ (ضَعَّفُوهُ) (لاَ يُحْتَجُّ بِهْ) 346 - وَبَعْدَهَا (فِيْهِ مَقَالٌ) (ضُعِّفْ) ... وَفِيْهِ ضَعفٌ تُنْكِرُ وَتَعْرِفْ 347 - (لَيْسَ بِذَاكَ بالْمَتِيْنِ بِالْقَوِيِّ ... بِحُجَّةٍ بِعُمْدَةٍ بِالْمَرْضِيِّ) [75 - أ] 348 - لِلضَّعْفِ مَا هَوُ فيْهِ خُلْفٌ طَعَنُوْا ... فِيْهِ كَذَا (سَيِّئُ حِفْظٍ لَيِّنُ) 349 - (تَكَلَّمُوا فِيْهِ) وَكُلُّ مَنْ ذُكِرْ ... مِنْ بَعْدُ شَيْئَاً بِحَدِيْثِهِ اعْتُبِرْ الشرح: ألفاظ التجريح أيضاً مراتب خمس، وجعلها ابن أبي حاتم وابن ¬

(¬1) كذا، والذي في نسخ الألفية: مراتب التجريح.

الصلاح تبعاً له أربعاً: المرتبة الأولى: أسوأها أن يُقَال: كَذَّاب، أو يكذب، أو يضع الحديث، أو وَضَّاع، أو وضع حديثاً، أو دَجَّال. وفرق (ن) بين بعض هذه الألفاظ تبعاً للذهبي. وقوله: «وبعدها» (خ) هذه المرتبة الثانية: فلان متهم بالكذب والوضع، وساقط، وهالك، وذاهب، وذاهب الحديث، ومتروك، أو متروك الحديث، أو فيه نظر، أو سكتوا عنه. وقوله: «وليس بالثقة» (خ) هذه المرتبة الثالثة: فلان رُدَّ حديثه، أو رَدُّوا حديثه، أو مردود الحديث، أو ضعيف جداً، أو واهٍ بمرة، أو طَرَحُوا حديثه، أو مُطَّرح، أو مطرح الحديث، وارم به، أو ليس بشيء، أو لا شيء، أو لا يساوي شيئاً، ونحوه. وقوله: «ثم ضعيف» (خ): هذه المرتبة الرابعة: فلان ضعيف منكر الحديث حديثه منكر، مضطرب الحديث، واه، ضعفوا، لا يحتج به. وقوله: «وبعدها» (خ) هذه المرتبة الخامسة: فلان فيه مقال، ضُعِّف، في حديثه ضَعف، تَعرف وتُنكر، ليس بذاك القوي، ليس بالمتين، ليس بالقوي، ليس بحجة، ليس بعُمدة، ليس بالمرضي، للضعف ما هو، فيه خلف [75 - ب]، طعنوا فيه، مطعون فيه، سيء الحفظ، لين، لين الحديث، فيه لين، تكلموا فيه. وقوله: «وكل من ذُكر» (خ) يعني أن كل من ذَكَرَهُ من بعد قوله: «شيئاً» من قوله: «لا يساوي شيئاً» فإنه يُخَرَّج حديثه للاعتبار، وهو مَنْ ذُكر في المرتبة الرابعة والخامسة.

متى يصح تحمل الحديث أو يستحب؟

مَتَى يَصحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيْثِ أوْ يُسْتَحَبُّ؟ قوله: 350 - وَقَبَلُوا مِنْ مُسْلِمٍ تَحَمُّلاَ ... فِي كُفْرِهِ كَذَا صَبِيٌّ حُمِّلاَ 351 - ثُمَّ رَوَى بَعْدَ الْبُلُوْغِ وَمَنَعْ ... قَوْمٌ هُنَا وَرُدَّ (كَالسِّبْطَيْنِ) مَعْ 352 - إِحْضَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلصِّبْيَانِ ثُمّْ ... قَبُوْلُهُمْ مَا حَدَّثُوا بَعْدَ الْحُلُمْ الشرح: هذا الطرف الثالث في تَحَمُّلِ الحديث، وطُرُق نقله، وضبطه، وروايته، وآداب ذلك وما يتعلق به، والكلام فيه، في أنواع: النوع الأول: في أهلية التَّحَمُّل: يَصِحُّ التَّحَمُّل قبلَ الإسلام، ورَوَى بعده (¬1) قُبِلَ منه، لحديث جُبير بن مطعم المتفق على صحته: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، وكان جاء في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم، وفي البخاري: «وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي». وقوله: «كذا صبي» (خ) وكذا تقبل رواية من سمع قبل البلوغ، وروى بعده. وقوله: «ومَنَع» (خ) يعني أن بعضهم منع ذلك في مسألة الصبي، وأخطأوا بذلك، لاتفاق الناس على قبول رواية [76 - أ] الحسن، والحسين، وابني عباس، والزبير، والنعمان بن بشير، وغيرهم. ¬

(¬1) أي أن من تحمل الحديث تحمله حال كفره ثم رواه بعد إسلامه.

وقوله: «كالسِّبْطين». قلت: هو تثنية سِبْط بكسر السين المهملة، وإسكان الباء الموحدة، وبعده طاء مهملة، وهو وَلَد الولد. انتهى. وقوله: «مع إحضار» (خ) يعني أن أهل العلم كانوا يُحْضِرُون الصبيان مجالس الحديث، ويعتدُّون بروايتهم لذلك بعد البلوغ. وقوله: 353 - وَطَلَبُ الْحَدِيْثِ فِي الْعِشْرِيْنِ ... عِنْدَ (الزُّبَيْرِيِّ) أَحَبُّ حِيْن 354 - وَهْوَ الَّذِي عَلَيْهِ (أَهْلُ الْكُوْفَهْ) ... وَالْعَشْرُ فِي (الْبَصْرَةِ) كَالْمَألُوْفَهْ 355 - وَفِي الثَّلاَثِيْنَ (لأَهْلِ الشَّأْمِ) ... وَيَنْبَغِي تَقْيِيْدُهُ بِالْفَهْم 356 - فَكَتْبُهُ بالضَّبْطِ، والسَّمَاعُ ... حَيْثُ يَصِحُّ، وَبِهِ نِزَاعُ 357 - فَالْخَمْسُ لِلْجُمْهُورِ ثُمَّ الحُجَّهْ ... قِصَّةُ (مَحْمُوْدٍ) وَعَقْلُ الْمَجَّهْ 358 - وَهْوَ ابْنُ خَمْسَةٍ، وَقِيْلَ أَرْبَعَهْ ... وَلَيْسَ فِيْهِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَهْ 359 - بَلِ الصَّوَابُ فَهْمُهُ الْخِطَابَا ... مُمَيِّزَاً وَرَدُّهُ الْجَوَابَا الشرح: قال أبو محمد بن خَلَّاد الرَّامَهُرمزي في «المحدث الفاصل» حكاية عن أبي عبد الله الزبيري: أنه يُسْتَحَبُّ كتب الحديث في العشرين؛ لأنها مُجْتَمَعُ العقل. فقوله: «في العشرين» بكسر النون على حد قول الشاعر: وقد جاوزته حد الأربعين وقوله: «عند الزُّبَيْرِي». قلت: هو بضم الزاي، وفتح الباء الموحدة، هو أبو

عبد الله من الفقهاء الشافعية [76 - ب]، واسمه الزبير بن أحمد. وقوله: «وهو الذي» (خ) يعني أن أهل الكوفة كانوا لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغاراً حتى يستكملوا عشرين سنة. وقوله: «والعشر» (خ) يعني أن أهل البصرة يثبتون لعشر سنين. وقوله: «وفي الثلاثين» (خ) يعني وأهل الشام لثلاثين سنة. قلت: «والشَّأْم» بفتح الشين مقصور مهموز، ومعناه بالسريانية الطَّيِّب، سُميت بذلك لِطيبها وكَثْرَة خصبها، وقيل غير ذلك، ونَقَلَ ابنُ عبد البر أن العرب كانت تقول: «من خرج إلى الشام نقص عمره، وقَتَلَهُ نعيم الشام» وأنشد لثعلب: إن الشَّأْمَ يَقْتُلُ أَهْلَهُ ... فمن لي إن لَمْ آتِه بخلود وقوله: «وينبغي» (خ) يعني أن طلب الحديث، وكتابته بالضبط والسماع من حيثُ يَصِحّ. وقوله: «فَكَتْبُهُ» هو بالرفع عطفاً بالفاء على تقييده. وكذا قوله: «والسماعُ» مرفوعٌ عطفاً على «فكتبُهُ». وقوله: «وبه نزاع» يعني: أن في الوقت الذي يصح فيه السماع نزاعاً بين العلماء انتهى إلى أقوال أربعة: أحدها: مذهب الجُمْهُور أن أقلَّه خمس سنين، وحكاه عياض في «الإلماع» عن أهل الصنعة قال ابن الصلاح: وهو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين.

وقوله: «ثم الحُجَّة» (خ) يعني أن حُجَّة الجمهور في ذلك ما رواه البخاري في «صحيحه» [77 - أ]، والنسائي، وابن ماجه، من حديث محمود بن الرَّبيع قال: «عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مجها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين» وبوب عليه (خ) «باب متى يصح سماع الصغير». وقوله: «وقيل أربعة» هو بالتاء، وكذا خمسة، قصد العام، وهو مُذَكَّر اقتداءً بالقرآن، .... (¬1)، ويعني أن سن محمود كان إذ ذاك أربعة، ويشير بذلك إلى قول الحافظ أبي عُمر: يُحفظ ذلك عن محمود وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين. وقوله: «وليس» (خ) هذا هو القول الثاني من الأربعة أقوال: أنه يعتبر في صحة سماعه تمييزه، فمتى فهم الخطاب ورَدَّ الجواب صَحَّ سماعُه وإن كان أقل من ابن خمسة، وإن لم يكن كذلك لم يصح وإن زاد على الخمس، وهذا هو الصواب. وقوله: 360 - وَقِيْلَ: (لابْنِ حَنْبَلٍ) فَرَجُلُ ... قال: لِخَمْسَ عَشْرَةَ التَّحَمُّلُ 361 - يَجُوْزُ لاَ فِي دُوْنِهَا، فَغَلَّطَهْ ... قال: إذا عَقَلَهُ وَضَبَطَهْ 362 - وَقِيْلَ: مَنْ بَيْنَ الْحِمَارِ وَالْبَقَرْ ... فَرَّقَ سَامِعٌ، وَمَنْ لاَ فَحَضَرْ 363 - قال: بِهِ الَحْمَّالُ وابْنُ الْمُقْرِيْ ... سَمَّعَ لاِبْنِ أَرْبَعٍ ذِي ذُكْر ¬

(¬1) عبارة لم تظهر لي ورسمت هكذا: نداولا بالغيب والبركة.

الشرح: يُستدل على اعتبار التمييز في صحة سماع الصبي بقول الإمام أحمد وسئل متى يجوز سماع الصبي للحديث؟ فقال: إذا عَقل وضبط. فَذُكِرَ له عن رجل أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون [77 - ب] له خمس عشرة سنة فأنكر قوله، وقال: بئس القول. وهذا هو القول الثالث. وقوله: «إذا عقله». قلت: «عَقَله» بفتح العين المهملة والقاف، يُقال عَقَل يَعْقِلُ عَقْلاً. انتهى. وقوله: «وقيل» (خ) هذا هو القول الرابع، وهو قول موسى بن هارون الحَمَّال وسُئل متى يجوز سماع الصبي للحديث؟ فقال: إذا فَرَّقَ بين البقرة والدابة، وفي رواية: بين البقرة والحمار. قلت: والحمال بفتح الحاء المهملة، وتشديد الميم، وبعده ألف، فلام. وقوله: «ومن لا فَحَضَر» يعني إن من لم يُفَرِّق بين البقرةِ والحمار يُكتب له على مذهب الحَمَّال حَضَرَ أو أُحْضِر، لا سَمِع. وقوله: «وابن المقرئ» مبتدأ خبره «سَمَّع». ومعناه أن ابن المقرئ سَمَّع لابن أربع سنين، وهو القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن اللَّبَّان الأصبهاني. قال الخطيب: سمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، وأُحْضِرَت عند أبي بكر بن المقرئ ولي أربع سنين، فأرادوا أن يُسَمِّعُوا لي فيما حَضَرْت قراءته، فقال بعضهم: إنه يصغر عن السماع. فقال لي ابنُ المقري: اقرأ سورة الكافرين. فقرأتها، فقال: اقرأ سورة التكوير فقرأتها، فقال لي غيره: اقرأ سورة

والمرسلات فقرأتها، ولم أَغْلَط فيها. فقال ابن المقرئ: سَمِّعُوا له والعُهْدَةُ عليَّ. وقوله: «ذي ذُكر». قلت: هو بضم الذال المعجمة، وكسرها، لغتان، حكاهما الجوهري [78 - أ] في «صِحَاحه». انتهى. تنبيه على وَهْم: قول ابن الصلاح بلغنا عن الجوهري أنه قال: «رأيت صبياً ابن أربع سنين حُمل إلى المأمون، قرأ القرآن، ونظر في الرَّأي، غير أنه إذا جاع يبكي». قال شيخنا (ن): والذي يغلب على الظن عدم صحة هذه الحكاية، وقد رواها الخطيب في «الكفاية» بإسناده، وفي السند أحمد بن كامل القاضي، ومن (¬1) يعتمد على حفظه فيهم. وقال الدارقطني: كان متساهلاً. ¬

(¬1) كذا، وفي المصدر: وكان ...

أقسام التحمل، وأولها: سماع لفظ الشيخ

أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ، وأوَّلُهَا: سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ قوله: 364 - أَعْلَى وُجُوْهِ الأَخْذِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ ... وَهْيَ ثَمِانٍ: لَفْظُ شَيْخٍ فَاعْلَم 365 - كتَاباً او حِفْظَاً وَقُلْ: (حَدَّثَنَا) ... (سَمِعْتُ)، أَوْ (أَخْبَرَنَا)، (أَنْبَأَنَا) 366 - وَقَدَّمَ (الْخَطِيْبُ) أَنْ يَقُوْلاَ: ... (سَمِعْتُ) إِذْ لاَ يَقْبَلُ التَّأْوِيْلاَ 367 - وَبَعْدَهَا (حَدَّثَنَا)، (حَدَّثَنِي) ... وَبَعْدَ ذَا (أَخْبَرَنَا)، (أَخْبَرَنِي) 368 - وَهْوَ كَثْيِرٌ وَ (يَزِيْدُ) اسْتَعْمَلَهْ ... وَغَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا قَدْ حَمَلَهْ 369 - مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ، وَبَعْدَهُ تَلاَ: ... (أَنْبَأَنَا)، (نَبَّأَنَا) وَقَلَّلاَ الشرح: هذا النوع الثاني في طُرُق تحمل الحديث، وهي ثمانية، على اتفاقٍ في بعضها، واختلافٍ في بعض. الطريق الأول، وهو أرفعها وأعلاها عند الأكثرين: السماع من لفظ الشيخ، سواءً كان إملاءً أم تحديثاً من غير إملاء، وسواءً كان من حفظه أم من كتابه. وقوله: [78 - ب] «وقد» (خ) قال القاضي عياض لا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه إذا روى: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت فلاناً يقول، وقال لنا فلان، وذَكَر لنا فلان. وقوله: «وقَدَّم» (خ) يعني أن الخطيب قال: أرفع العبارات سمعتُ، ثم

حدثنا، وحدثني، ثم أخبرنا، وهو كثير في الاستعمال، ثم أنبأنا، ونبأنا، وهو قليل في الاستعمال. وقوله: «إذ لا يَقْبَلُ التأويلا» يعني أن الخطيب استدلَّ على ترجيح «سمعت» بأن أحداً لم يَقُلْها في الإجازة والمكاتبة والتدليس لما (¬1) لم يسمعه، واستعمل بعضهم «حدثنا» في الإجازة، ولقول الحسن: «حدثنا أبو هريرة». قال ابن دقيق العيد: وهذا إذا لم يَقُم دليلٌ قاطع على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة لم يجز أن يصار إليه. قلت: قال أبو زرعة وأبو حاتم: من قال عن الحسن: حدثنا أبو هريرة، فقد أخطأ. انتهى. قال شيخنا: والذي عليه العمل أنه لم يسمع منه شيئاً فيما نصه أيوب، و (ت)، و (ن) (¬2)، والخطيب، وغيرهم، بل قال يونس بن عبيد: ما رآه قط. وفي «صحيح مسلم» في حديث الذي يقتله الدَّجَّال فيقول: «أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم» دلالة على أن حدثنا ليست نصاً في سماع قائلها. وقوله: «ويزيد» (خ) يعني أن يزيد بن هارون وغيره استعمل «أخبرنا» فيما سمعه من لفظ الشيخ، فإذا رأيت [79 - أ] «حدثنا» فمن خطأ الكاتب، وممن كان يفعل ذلك فيما نصه الخطيب: ابنُ المبارك، وحمادُ بن سلمة، وجماعة. ¬

(¬1) في الأصل: ما. وعبارة الناظم (1/ 387): ولا في تدليس ما لم يسمعه. (¬2) أي: النسائي.

وقوله: 370 - وَقَوْلُهُ: (قَالَ لَناَ) وَنَحْوُهَا ... كَقُوْلِهِ: (حَدَّثَنَا) لَكِنَّهَا 371 - الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا مُذَاكَرَهْ ... وَدُوُنَهَا (قَالَ) بِلاَ مُجَارَرَهْ 372 - وَهْيَ عَلى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِيْ ... لاَ سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوْهُ فِي الْمُضِيْ 373 - أنْ لاَ يَقُوْلَ ذَا بِغَيْرِ مَا سَمِعْ ... مِنْهُ (كَحَجَّاجٍ) وَلَكِنْ يَمْتَنِعْ 374 - عُمُوْمُهُ عِنْدَ الْخَطيْبِ وَقُصِرْ ... ذَاكَ عَلى الَّذِي بِذَا الوَصْفِ اشْتُهِرْ الشرح: يعني أن قول الراوي: قال لنا فلان، أو قال لي، أو ذَكَر لنا، أو ذكر، ونحوه، من قبيل حدثنا فلان في أنه متصل. وقوله: «لكنها» (خ) يعني إلا أنهم كثيراً ما يستعملون هذا فيما سمعوه حال المذاكرة. وقوله: «ودونها [قال] (¬1) بلا مجاورة» هو بالجيم ورائين مهملتين، ومعناه: أن دون هذه العبارة قول الراوي: قال فلان، وذكر فلان، من غير ذكر الجار والمجرور، وهي أوضع العبارات، كما نَصَّه ابن الصلاح. وقوله: «وهي على السماع» (خ) يعني أن هذه العبارة محمولة على السماع بالشرط في المعنعن، وهو أن يُعلم اللُّقي، ويَسْلَم الراوي من التدليس، لا سيما من عُرف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه كحجاج بن محمد الأعور فروى كتب ابن جريج بلفظ «قال ابن جريج» فحملها الناس عنه واحتجوا [79 - ب] ¬

(¬1) زيادة من الأبيات.

الثاني: القراءة على الشيخ

بها. وقوله: «ولكن يمتنع» (خ) يعني أن الخطيب خَصَّ ذلك لمن عُرِفَ من عادته مثل ذلك، فأما من لا يُعْرَف بذلك فلا يَحْمِلُه على السماع. الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ قوله: 375 - ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتَهَا ... مُعْظَمُهُمْ عَرْضَاً سَوَا قَرَأْتَهَا 376 - مِنْ حِفْظٍ أو كِتَابٍ او سَمِعْتَا ... والشَّيْخُ حَافِظٌ لمِاَ عَرَضْتَا 377 - أولاَ، وَلَكِنْ أَصْلُهُ يُمْسِكُهُ ... بِنَفْسِهِ، أو ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ 378 - قُلْتُ: كَذَا إنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ ... يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِماَعٍ فَاقْتَنِعْ الشرح: الطريق الثاني من الطرق الثمانية في القراءة على الشيخ، ويسميها أكثر قدماء المحدثين «عرضاً»؛ لأن القارئ يعرضه على الشيخ، وسواءً قرأ هو على الشيخ من حفظه، أو من كتاب، أو سمع بقراءة غيره من كتاب، أو حفظه، وسواءً كان الشيخ يحفظه أم لا إذا كان يمسك أصله هو أو ثقة غيره. وقوله: «قلت» من الزيادة على ابن الصلاح، وهو أن الأمر هكذا إن كان ثقة من السامعين يحفظ ما يُقْرَأ على الشَّيخ، والحافظ لذلك يستمع لما يُقرأ غير غافل عنه. وقوله: 379 - وَأَجْمَعوُا أَخْذَاً بِهَا، وَرَدُّوا ... نَقْلَ الخِلاَفِ، وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا

380 - وَالْخُلْفُ فِيْهَا هَلْ تُساوي الأوَّلاَ ... أو دُوْنَهُ أو فَوْقَهُ؟ فَنُقِلاَ 381 - عَنْ (مَالِكٍ) وَصَحبْهِ وَمُعْظَمِ ... (كُوْفَةَ) وَ (الحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ) [80 - أ] 382 - مَعَ (البُخَارِي) هُمَا سِيَّانِ ... وَ (ابْنُ أبِي ذِئْبٍ) مَعَ (النُّعْمَانِ) 383 - قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ وَعَكْسُهُ أَصَحّْ ... وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) نَحْوَهُ جَنَحْ الشرح: يعني أنهم أجمعوا على صِحَّة الرواية بالعرض، ورَدُّوا ما حُكي عن بعض من لا يُعتد بخلافه أنه كان لا يراها، وهو أبو عاصم النبيل، فيما رواه صاحب «المحدث» (¬1). وروى الخطيب عن وكيع قال: ما أخذت حديثاً قط عرضاً، وأدرك عبد الرحمن بن سلام الجمحي مالكاً والناس يقرأون عليه فلم يكتف بالعرض، فقال مالك: أخرجوه عني. والحقُّ صحة الرواية بالعرض، واستدلَّ البخاريُّ على ذلك بحديث ضِمام بن ثعلبة. وقوله: «والخلف» (خ) يعني أنهم اختلفوا في تساوي هذين الطريقين والترجيح بينهما على ثلاثة أقوال: فمذهب مالك وأصحابه ومعظم علماء الحجاز والكوفة والبخاري التسوية بينهما، وحكاه الصيرفي في «الدلائل» عن الشافعي. ¬

(¬1) أي كتاب «المحدث الفاصل».

وقوله: «وابن أبي ذئب» (خ) هذا القول الثاني، وهو ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه، وإليه ذهب من ذَكَر (ن)، وحكاه ابن فارس عن مالك وغيره، وكذا رواه الخطيب عن مالك، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وجماعة عديدة من الأئمة. قلت: وابن أبي ذئب بضم الذال المعجمة وفتح الهمزة (¬1) بعدها هو قبيصة. والنعمان هو أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه. وقوله: [80 - ب] «وجُلّ أهل الشرق» (خ) هذا هو القول الثالث، وهو ترجيح السماع من لفظ الشيخ على القراءة عليه وهو الصحيح. وقوله: 384 - وَجَوَّدُوا فِيْهِ قَرَأْتُ أو قُرِىْ ... مَعْ وَ (أَنَا أَسْمَعُ) ثُمَّ عَبِّر 385 - بِمَا مَضَى فِي أولٍ مُقَيَّدَا ... (قِرَاَءةً عَلَيْهِ) حَتَّى مُنْشِدَا 386 - (أَنْشَدَنَا قِرَاَءةً عَلَيْهِ) لاَ ... (سَمِعْتُ) لَكِنْ بَعْضُهُمْ قَدْ حَلَّلاَ 387 - وَمُطْلَقُ التَّحْدِيْثِ وَالإِخْبَارِ ... مَنَعَهُ (أَحْمَدُ) ذُوْ الْمِقْدَار 388 - (وَالنَّسَئِيُّ) وَ (التَّمِيْمِيُّ يَحْيَى) ... وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) الْحَمِيْدُ سَعْيَا 389 - وَذَهَبَ (الزُّهْرِيُّ) وَ (الْقَطَّانُ) ... وَ (مَالِكٌ) وَبَعْدَهُ (سُفْيَانُ) 390 - وَمُعْظَمُ (الْكُوْفَةِ) وَ (الْحِجَازِ) ... مَعَ (الْبُخَارِيِّ) إلى الْجَوَاز ¬

(¬1) كذا قال!.

391 - وَابْنُ جُرَيِجٍ وَكَذَا الأوزَاعِيْ ... مَعَ (ابْنِ وَهْبٍ) وَ (الإمَامُ الشَّافِعِيْ) 392 - وَ (مُسْلِمٌ) وَجُلُّ (أَهْلِ الشَّرْقِ) ... قَدْ جَوَّزُوا أَخْبَرَنَا لِلْفَرْق 393 - وَقَدْ عَزَاهُ صَاحِبُ الإِنْصَافِ ... (للنَّسَئي) مِنْ غَيْرِ مَا خِلاَف 394 - وَالأَكْثَرِيْنَ وَهُوَ الَّذِي اشْتَهَرْ ... مُصْطَلَحَاً لأَهْلِهِ أَهْلِ الأَثَر الشرح: هذا تفريع على الطريق الثاني الفرع الأول: إذا روى السامع بهذه الطريقة فله عبارات أحوطها وأجودها أن يقول: «قرأت على فلان» إن كان هو الذي قَرَأ، و «قرئ عليه وأنا أسمع» إذا سمع عليه بقراءة غيره. فقوله: «وجودوا» أي: رأوه أَجْوَد [81 - أ]. وقوله: «ثم عَبر» (خ) يعني أنه يلي ذلك عبارات السماع من لفظ الشيخ مقيدةً بالقراءة عليه فيقول: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا قراءةً عليه، ونحوه، حتى إنهم استعملوا ذلك في الإنشاد فقالوا: أنشده فلان قراءةً عليه، أو بقراءتي. قال السبكي تاج الدين رحمه الله تعالى: أنشدني شيخنا أبو حيان بقراءتي عليه: عدَاتي لهم فَضْلٌ علي ومِنَّةٌ ... فلا أَذْهَبَ الرحمنُ عني الأعاديا هموا بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبتُ المعاليا وقوله: «لا سمعت» (خ) يعني أنهم لم يستثنوا مما يجوز في الطريق الأول إلا لفظ «سمعت» فلم يجوزوها في العرض، وصرح بذلك أحمد بن صالح فقال لا يجوز أن يقول: «سمعت». قال الباقلَّاني: وهو الصحيح.

وقوله: «لكن» (خ) يعني أن بعضهم جَوَّزَه. قال عياض: وهو قول رُوِيَ عن مالكٍ، والثوري، وابن عيينة. وقوله: «مطلق» (خ) يعني أن إطلاق «ثنا» و «أنا» من غير تقييد بقوله: «بقراءتي عليه»، أو «قراءةً عليه»، اختلفوا فيه على مذاهب؛ فذهب ابن المبارك، ويحيى بن يحيى التميمي، والإمام أحمد، والنسائي، فيما حكاه عنه ابن الصلاح تبعاً لعياض، إلى منع إطلاقهما، وصحَّحَهُ الباقلاني. وقوله: «الحميد سعيا» قلت: هو صفة لابن المبارك «في سعيه محمود»، فـ «سعيَا» منصوب على التفسير، ولا شك في ذلك، واجتمع جماعةٌ من أصحابه مثل الفضل بن موسى، ومخلد بن حسين، ومحمد بن النضر [81 - ب]، فقالوا: تعالوا حتى نَعُدّ خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشعر، والفَصَاحة، والوَرَع، والإنصات، وقيام الليل، والعبادة، والشِّدَّة في رأيه، وقِلَّة الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه. وفي «الكمال» لعبد الغني بسنده إلى ابن القاسم قال: لما قدم الرشيد الرَّقَّة أشرفت أم ولد الرشيد من قصرٍ من خَشَب فرأت الغبرة قد ارتفعت، والنِّعَال قد انقطعت، وانحفل الناس، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عالم خراسان، يقال له عبد الله بن المبارك. قالت: هذا والله المُلْك لا مُلْك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بالسوط والخشب. انتهى. فمن هو بهذه الصفات جدير أن يوصف بالحميد سعياً فصدق شيخنا (ن) وبَرَّ، وتعدَّى الذهبي في «الكاشف» فقال: شيخ الإسلام. وشيخُ الإسلام

إنما هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي ثبت الزكاة، وقاتل أهل الردة، فاعرفْه، والله تعالى أعلم، وكان ابن المبارك كثيراً ما يتمثل بقوله: وإذا صاحبت فاصحب صاحباً ... ذا حياءٍ وعفاف وكرم قوله للشيء: لا، إن قلتَ: لا ... وإذا قلت: نعم، قال نعم رضي الله تعالى عنه، وأرضاه، ونفعنا بخيره، وعلومه، وبركاته. وقوله: «وذهب الزهري» (خ) هذا المذهب الثاني في [82 - أ] المسألة وهو جواز إطلاقهما، وإليه ذهب الزهري محمد بن شهاب، ومالك تلميذه، والثوري، وأبو حنيفة، وصاحباه، وابن عيينة، والقطان يحيى بن سعيد، ومن ذكره (ن) بعد، ومالك في أحد القولين عنه، وأحمد، وثعلب، والطحاوي، وصنف فيه جزءاً، يرويه بالإجازة عنه شيخنا (ن)، سمعه متصلاً، وغيرهم من العلماء. وقوله: «وابن جريج» (خ) هذا المذهب الثالث في المسألة وهو الفرق بين اللفظين، فيجوز إطلاق «أخبرنا» ولا يجوز إطلاق «حدثنا»، وإليه ذهب من ذكره (ن). وقوله: «وقد عزاه» (خ) يعني أن صاحب كتاب «الإنصاف» وهو محمد بن الحسن التميمي الجوهري عزاه للنسائي ولأكثر أصحاب الحديث. وقوله: «وهو الذي» (خ) قلت: «هُو» بضم الهاء من «وهُوَ» في لغة أهل الحجاز يحركون الهاء من «هُو» بعد الواو، والفاء، وثُم، واللام. ولغة نجد التسكين، وتسكينها بعد همزة الاستفهام، وكاف الجر مخصوص بالشعر

فيما نصه ابن مالك انتهى. يعني أن هذا هو الشائع الغالب على أهل الحديث كما نَصَّهُ ابن الصلاح. وقوله: «وبعده سفيان» يريد ابن عُيينه لا الثوري؛ لأن الثوري تقدمت وفاتُه على مالك، وابن عيينة متأخر. وقوله: 395 - وَبَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَا أَعَادَا ... قِرَاءَةَ الصَّحِيْحِ حَتَّى عَادَا 396 - فِي كُلِّ مَتْنٍ قَائِلاً: (أَخْبَرَكَا) ... إِذْ كَانَ قال أوَّلاً: (حَدَّثَكَا) [82 - ب] 397 - قُلْتُ وَذَا رَأْيُ الَّذِيْنَ اشْتَرَطُوا ... إِعادَةَ اْلإِسْنَادِ وَهْوَ شَطَطُ الشرح: يعني أن بعض من قال بالفرق بين اللفظين وهو الهروي أبو حاتم محمد بن يعقوب في حكاية البرقاني عنه أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفربري «صحيح البخاري» وكان يقول له في كل حديث: «حدثكم الفربري»، فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر أنه إنما سمع الكتاب من الفربري قراءةً عليه فأعاد قراءة الكتاب كله، وقال له في جميعه: «أخبركم الفربري». وقوله: «قلت» (خ) من الزيادة على ابن الصلاح، يعني أن هذا الذي فعل ذلك لعله يرى أنه لا بد مِنْ ذكر السند في كل حديث، وإن كان الإسنادُ واحداً إلى صاحب الكتاب وهو مذهب شَطَط في الرواية، والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعادته في كل حديثٍ، والله تعالى أعلم.

تفريعات

تَفْرِيْعَاتٌ قوله: 398 - وَاخْتَلَفُوا إِنْ أَمْسَكَ الأَصْلَ رِضَا ... وَالشَّيْخُ لاَ يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا 399 - فَبَعْضُ نُظَّارِ الأُصُوْلِ يُبْطِلُهْ ... وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثْيِنَ يَقْبَلْهْ 400 - وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ ... مُمْسِكُهُ فَذَلِكَ السَّمَاعُ رَدّْ الشرح: يعني أن الشيخ إذا قُرئ عليه عَرْضاً لا يحفظ ذلك المقروء عليه، فإن كان أَصْلُهُ بيده صَحَّ السَّمَاع كما تقدم، وإن كان القارئ يقرأ في أصله فصحيح أيضاً، خلافاً لمن شَذَّ في [83 - أ] الرواية. وإن لم تكن القراءة من الأصل ولكن الأصل يمسكه أحد السامعين الثقات، فاختلفوا في صحة السماع؛ فحكي عياضٌ تردد الباقلاني فيه، وأن أكثر ميله إلى المنع، وإليه ذهب الجويني إمام الحرمين، وأجازه بعضهم، وصَحَّحَهُ وبه عمل كافة الشيوخ والمحدِّثون، واختاره ابن الصلاح. وقوله: «فإن لم يُعْتَمَد» (خ) هو بضم أوله مبنياً للمفعول، ويعني أن الممسك للأصل لا يُعتمد عليه، ولا يُوثق به، فالسماع مردودٌ لا يُعتد به. وقوله: 401 - وَاخْتَلَفُوا إنْ سَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ ... يُقِرَّ لَفْظاً، فَرآهُ الْمُعْظَمْ

402 - وَهْوَ الصَّحِيْحُ كَافِياً، وَقَدْ مَنَعْ ... بَعْضُ أولي الظَّاهِرِ مِنْهُ، وَقَطَعْ 403 - بِهِ (أبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ الرَّازِي) ... ثُمَّ (أبُو إِسْحَاقٍ الشِّيْرَازِيْ) 404 - كَذَا (أبُو نَصْرٍ) وَقال: يُعْمَلُ ... بِهِ وَألْفَاظُ الأَدَاءِ الأَوَّلُ الشرح: هذا الفرع الثاني من التفريعات، وهو إذا قُرِئ على الشيخ «أخبرك فلانٌ» وهو مُصْغٍ، فاهم، غير مُنكِر، ولا مكرَه، صَحَّ السماع، وجازت الرواية به، وإن لم ينطق الشيخ على الصحيح. وقوله: «المعظم» بضم الميم، وفتح الظاء، ويعني به الجمهور من الفقهاء والمحدثين والنظار، كما نَصَّه عياضٌ. وقوله: «وقد منع» (خ) يعني أن بعضهم شرط نُطْقَهُ، إليه مال بعضُ الظاهرية، وبه عمل جماعة من شيوخ المشرق [83 - ب]، وبه قطع من الشافعية من ذكره (ن)، و «أبو نصرٍ» هو ابن الصَّبَّاغ. تنبيه: وقوله: «وقد مَنَعَ بعضُ أولي الظاهر منه»، فيه الإشارة إلى أن الظاهرية على فرقتين ففرقةٌ تقول: لابد من النطق كما قررنا، وفرقة تقول: يشترط إقراره به عند تمام السماع. هكذا حَرَّرَهُ عنهم قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة في «مختصره» لابن الصلاح. وقوله: «أبو الفتح سليم». قلت: هو بضم السين مصغراً. وقوله: «وألفاظ» (خ) يعني أنه يُعَبَّرُ في الأداء بالرتبة الأولى من الأداء في العَرْض، وهو ما تَقَدَّم من قوله: «وجودوا فيه قرأت أو قرئ» هكذا نص ابن الصباغ، فقال: وله أن يعمل بما قرئ عليه، وإذا أراد روايته عنه فليس له أن

يقول: «حدثني» ولا «أخبرني»، بل يقول: «قرأتُ عليه» أو «قُرئَ عليه» وهو يسمع. فإن أشار الشيخ برأسه أو أصبعه للإقرار به غير مُتَلَفِّظٍ، فجزم في «المحصول» أنه لا يقول في الأداء «حدثني» ولا «أخبرني» ولا «سمعت». قال شيخنا (ن) (¬1): وفيه نظر. وقوله: 405 - وَالْحَاْكِمُ اخْتَارَ الَّذِي قَدْ عَهِدَا ... عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوْخِ فِي الأَدَا 406 - حَدَّثَنِي فِي الْلَفْظِ حَيْثُ انْفَرَدَا ... وَاجْمَعْ ضَمِيْرَهُ إذا تَعَدَّدَا 407 - وَالْعَرْضِ إِنْ تَسْمَعْ فَقُلْ أَخْبَرَنَا ... أو قَارِئاً (أَخْبَرَنِي) وَاسْتَحْسَنَا 408 - وَنَحْوُهُ عَنْ (ابْنِ وَهْبٍ) رُوِيَا ... وَلَيْسَ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ رَضِيَا [84 - أ] الشرح: هذا الفرع الثالث من التفريعات، وهو: أنه يستحب أن يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ: «حدثني»، وفيما سمعه منه مع غيره: «حدثنا»، وفيما قرأه عليه بنفسه: «أخبرني»، وفيما قُرئ عليه وهو يسمع: «أخبرنا»، هذا الذي اختاره الحاكم، وحكاه عن أكثر مشايخه وأئمة عصره. فقوله: «وأَجْمَع ضميره» (خ) يعني يقول: «حدثنا»، «أخبرنا». وروي عن ابن وهب فيما رواه (ت) في «العِلَل» عنه قال: ما قلت: «حدثنا» فهو ما سمعت مع الناس، وما قلت: «حدثني» فهو ما سمعت وحدي، وما ¬

(¬1) (1/ 402).

قلت: «أخبرنا» فهو ما قُرِئَ على العالم وأنا شاهدٌ، وما قلت: «أخبرني» فهو ما قرأتُ على العالم. فهذا معنى قوله: «والعرض» (خ). وقوله: «وليس بالواجب» (خ) يعني أن هذا التفصيل في الأداء لا يجب إلا أنه مستحبٌ كما قررنا أولاً. وقوله: 409 - وَالشَّكُ فِي الأَخْذِ أكَانَ وَحْدَهْ ... أو مَعْ سِوَاهُ؟ فَاعِتَبارُ الْوَحْدَهْ 410 - مُحْتَمَلٌ لَكِنْ رأى الْقَطَّانُ ... اَلْجَمْعَ فِيْمَا أوْ هَمَ الإِْنْسَانُ 411 - فِي شَيْخِهِ مَا قَالَ وَالْوَحْدَةَ قَدْ ... اخْتَارَ فِي ذَا الْبَيْهَقِيُّ وَاعْتَمَدْ الشرح: يعني أنه إن شَكَّ الراوي هل كان وحده حالة التحمل، فالمختار أن يقول: «حَدَّثَني»، و «أخبرني»، أو كان معه غيره فيقول: «حدثنا». [و] (¬1) محتمل أن يؤدي بلفظ الوحدة؛ لأن الأصل عدم غيره [84 - ب]. وقوله: «لكن» (خ) يعني أن يحيى بن سعيد القَطَّان رأى الإتيان بضمير الجمع. وقوله: «فيما أَوْهَمَ» أي: شك. ومنه حديث الخدري: «إذا أوهم أحدكم في صلاته فلم يَرَ زاد أو نقص» (ح) (¬2). وقوله: «والوِحْدة» (خ) يعني أن البيهقي اختار أنه يُوَحِّد فيقول: «حدثني». ¬

(¬1) زيادة من عندي. (¬2) أي الحديث.

وقوله: 412 - وَقَالَ (أَحْمَدُ): اتَّبِعْ لَفْظَاً وَرَدْ ... لِلشَّيْخِ فِي أَدَائِهِ وَلاَ تَعَدْ 413 - وَمَنَعَ الإبْدَالَ فِيْمَا صُنِّفَا ... - الشَّيْخُ - لَكِنْ حَيْثُ رَاوٍ عُرِفَا 414 - بِأَنَّهُ سَوَّى فَفِيْهِ مَا جَرَى ... فِي النَّقْلِ باِلْمَعْنَى، وَمَعْ ذَا فَيَرَى 415 - بِأَنَّ ذَا فِيْمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ ... بِالْلَفْظِ لاَ مَا وَضَعُوا فِي الْكُتُب الشرح: نَصَّ الإمامُ أحمد رضي الله تعالى عنه على اتباع لفظ الشيخ في قوله: «حدثنا»، و «حدثني»، و «سمعت»، و «أخبرنا» ولا تَعَدَّهُ. فقوله: «ولا تَعَد» أي: لا تتعده، فَحَذَفَ إحدى التاءين حَذْفَهَا في «لا تحاسدوا». وقوله: «ومنع» (خ) يعني أن ابن الصلاح مَنَعَ إبدال «أخبرنا» بـ «حدثنا» ونحوه في الكتب المصنَّفة. وقوله: «لكن» (خ) يعني فإن عرفت أن قائل ذلك سَوَّى بينهما ففيه الخلاف في جواز الرواية بالمعنى. وقوله: «ومع ذا» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: الذي نراه الامتناع من إجراء مثله فيما وُضِعَ في الكتب المصنَّفَة، وما ذكره يعني الخطيب من إجراء الخلاف محمولٌ عندنا على ما يسمعه الطالبُ [85 - أ] من لفظ الشيخ، غير موضوع في كتابٍ مؤلَّفٍ. وفيه بحث للقشيري.

وقوله: 416 - وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ ... مِنْ نَاسِخٍ، فَقَالَ بَامْتِنَاع 417 - (الإِسْفَرَاييِنِيْ) مَعَ (الْحَرْبِيْ) ... وِ (ابْنِ عَدِيٍّ) وَعَنِ (الصِّبْغِيْ) 418 - لاَ تَرْوِ تَحْدِيْثَاً وَإِخْبَارَاً، قُلِ ... حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ 419 - وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) كِلاَهُمَا كَتَبْ ... وَجَوَّزَ (الْحَمَّالُ) وَالشَّيْخُ ذَهَبْ 420 - بِأَنَّ خَيْرَاً مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلاَ ... فَحَيْثُ فَهْمٌ صَحَّ، أولاَ بَطَلاَ 421 - كَماَ جَرَى لِلدَّارَقُطْنِي حَيْثُ عَدْ ... إِمْلاَءَ (إِسْمَاعِيْلَ) عَدَّاً وَسَرَدْ الشرح: هذا الفرع الرابع من التفريعات، وهو: إذا كان السامع أو المسمع ينسخ حال القراءة، ففي صحة سماعه خلافٌ، فذهب من ذَكَرَهُ (ن) وغير واحدٍ من الأئمة إلى مَنْعِ الصِّحَّة مطلقاً. وقوله: «وعن الصِّبْغي» (خ) يعني: أن الصبغي ذهب إلى أنه لا يقول في الأداء: «حدثنا»، ولا «أخبرنا»، بل يقول: «حضرت». وقوله: «والرازي» (خ) يعني أن الحَمَّال ذهب إلى الصِّحَّة مطلقاً، وقد كتب الرَّازي حالة السماع عند عارم، وعند عمرو بن مرزوق، وكتب أيضاً عبد الله بن المبارك وهو يَقْرَأ عليه شيئاً آخر غير ما يُقْرَأ عليه. وقوله: «والشيخ» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: وخيرٌ من هذا الإطلاق التفصيل، فإن مَنَعَ النسخُ فَهْمَهُ للمقروء لم يصح، وإن فهمه صح. وقوله: «كما جرى» (خ) [85 - ب] يعني كقصة الدارقطني لما حَضَرَ في

حداثته مجلسَ إسماعيل الصَّفَّار فجلس ينسخ جزءاً كان معه وإسماعيل يُملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعُك وأنت تنسخ. فقال: فهمي للإملاء خلاف فهمك. ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ مِن حديث إلى الآن؟ فقال: لا. فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثاً، فعددتُ الأحاديث فوجدته كما قال بعددها، ومتونها، وأسانيدها، فتعجَّبَ منه. وقوله: «الإسفرايني». قلت: هو بكسر الألف، وسكون السين المهملة، وفتح الفاء، والراء، وكسر الياء المثناة تحت، نسبةً إلى إسفرائين، بُلَيْدَة بنواحي نيسابور على منتصف الطريق إلى جُرْجَان، خرج منها جماعةٌ من العلماء في كل فن، ومنهم الأستاذ أبو إسحاق هذا إبراهيم الإمام المشهور. وقوله: «مع الحربي». قلت: هو بفتح الحاء، وإسكان الراء المهملتين، وبعده باء موحدة، نسبةً إلى محلَّة ببغداد غربيِّها، بها جامع وسوق، وهو الإمام إبراهيم بن إسحاق، إمام فاضل، له تصانيف، يروي عن الإمام أحمد. وقوله: «وابن عدي» هو بجر «ابن» عطفاً على «الحربي». وقوله: «وعن الصِّبْغي» قلت: هو بكسر الصاد المهملة، وإسكان الباء الموحدة، وبعده غين معجمة، نسبةً إلى الصِّبغ والصباغ هو ما يُصْبَغ به من الألوان، ويُنْسَبُ إليه جماعةٌ، ومنهم الإمام أبو بكر [86 - أ] أحمد بن إسحاق، أحد العلماء المشهورين، له رحلةٌ إلى العراق والحجاز وغيرهما. وقوله: «وهو الحنظلي»، قلت: هو بفتح الحاء المهملة، وإسكان النون، وبعده ظاء مشالة، فلام، نسبةً إلى درب بالري يقال له: درب حنظلة، وهو الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، روى عنه صاحِبَا الشافعي يونس،

والربيع المصريان. وقوله: «للدارقطني». قلت: هو بفتح الدال، وبعده ألف، فراء مفتوحة، فقاف مضمومة، فطاء ساكنة مهملة، فنون نسبة، إلى دار القُطْن، محلَّة كبيرة ببغداد، نُسِبَ إليها الحافظ هذا وهو أبو الحسن علي بن عمر، ونسب إلى التشيع لحفظه في الدواوين ديوان السيد الحميري. انتهى. وقوله: 422 - وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلاَمِ أو إذا ... هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ، كَذَا 423 - إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ، ثُمَّ يُحْتَمَلْ ... فِي الظَّاهِرِ الْكَلِمَتَانِ أو أَقَلْ الشرح: يعني أن هذا التفصيل جاز فيما إذا كان القارئ يُفْرِطُ في الإسراع، أو يُهَيْنِم، أو كان بعيداً من القارئ بحيث لا يفهم كلامه، وما أشبه ذلك. وقوله: «هَيْنَمَ» بفتح الهاء، وإسكان الياء المثناة تحت، وبعده نون فميم، من الهينمة، وهو الصوت الخفي. وقوله: «ثم يُحْتَمَل» (خ) يعني أنه يُعْفَي في الظاهر في كل ذلك عن القدر اليسير، نحو الكلمة والكلمتين. وقوله: 424 - وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيْزَ مَعْ ... إِسْمَاعِهِ جَبْرَاً لِنَقْصٍ إنْ يَقَعْ [86 - ب] 425 - قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَلاَ غِنَى عَنْ ... إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ الشرح: يعني إذا عزب عن السامع الكلمة والكلمتان لعجلة القارئ أو

هينمته ونحو ذلك، فيُسْتَحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية الكتاب أو الجزء الذي سمعوه وإن شمله السماع؛ لاحتمال وقوع شيء مما تقدم، فينجبر بذلك. وكذلك ينبغي لكاتب السماع أن يكتب إجازة الشيخ عقيب كتابة السماع. وأول من كتب الإجازة في طباق السماع الأنماطي أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن فجزاه الله خيراً فيما استسنَّه، فلقد حصل به نفعٌ كثير، ولقد انقطع بسبب ترك ذلك وإهماله اتصالُ بعض الكتب في بعض البلاد، بسبب كون بعضهم كان له فوتٌ ولم يُذْكَر في طبقة السماع إجازة الشيخ لهم، فاتفق أن كان بعض المفوتين آخر من بقي ممن سمع بعض ذلك الكتاب، فتعذَّر قراءة جميع الكتاب عليه، كأبي الحسن بن الصواف الشاطبي، رَوَى (¬1) غالب النسائي عن ابن باقا. وقوله: «قال ابن عَتَّاب» (خ) يعني أن ابن عتاب قال: لا غِنَى في السماع عن الإجازة؛ لأنه قد يغلط القارئ، ويغفل الشيخ أو يغلط إن كان القارئ ويغفل القسامع فينجبر له ما فاته بالإجازة. قلت: «وابن عَتَّاب» بفتح العين المهملة [87 - أ]، وتشديد التاء المثناة فوق، وبعده ألف، فباء موحدة، هو الإمام أبو عبد الله محمد بن عتاب الجذامي القرطبي، أثنى عليه أبو علي الغَسَّاني في كتاب رجاله الذين لقيهم، فقال: كان من جلة الفقهاء، وأحد العلماء الأثبات، وممن عَنِىَ بالفقه وسماع الحديث ¬

(¬1) في المصدر (1/ 410): راوي.

دهره، وقيده فأتقنه، وكتب بخطه علماً كثيراً، وكان حسن الخط، جيد التقييد، وتقدم في المعرفة بالأحكام، وكان على سنن أهل الفضل، جزل الرأي، حصيف العقل (¬1)، على منهاج السلف المتقدم. انتهى. وكان عالماً بالوثائق ومدتها، مدققاً لمعانيها، لا يُجَارى فيها، وكتب الوثائق مدة حياته فلم يأخذ عليها من أحد أجراً، وحُكي عنه أنه لم يكتبها حتى قرأ فيها أزيد من أربعين مؤلفاً، وكان يَهابُ الفتوى، ويَخَاف عاقبتها في الآخرة، ويقول: من يحسدني فيها جعله الله تعالى مفتياً. وله في المذهب أقاويل انفرد بها، منها: أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة إذا لم يسمع الإمام بالفاتحة، ومنها أنه كان إذا لم يسمع الخطبة في الجمعة والعيدين لبُعْدِه عن الإمام يُقْبِل على الذكر والدعاء والقراءة والاستغفار، ومنها: أنه كان يبدأ بالتكبير في العيدين من مساء ليلتهما إلى خروج الإمام وانقضاء الصلاة رحمه الله تعالى. وقوله: [87 - ب] 426 - وَسُئِلَ (ابْنُ حنبلٍ) إِن حَرْفَا ... أدْغَمَهُ فَقَالَ: أَرْجُو يُعْفَى 427 - لَكِنْ (أبو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ) مَنَعْ ... فِي الْحَرْفِ تَسْتَفْهِمُهُ فَلاَ يَسَعْ 428 - إِلاَّ بَأَنْ يَرْوِيْ تِلْكَ الشَّارِدَهْ ... عَنْ مُفْهِمٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ (زَائِدَهْ) الشرح: يعني أن الإمام سأله ابنه فقال: قلت لأبي: الحرف يدغمه الشيخ فلا يُفْهَم، وهو معروف، هل يروي ذلك عنه؟ فقال: أرجو أن لا يضيق هذا. ¬

(¬1) حصيف العقل: سديده.

وقوله: «لكن» (خ) يعني: وأما أبو نُعيم الفضل بن دُكين -بضم الدال المهملة، وفتح الكاف وإسكان المثناة تحته، وبعده نون- فكان يرى فيما سَقَطَ عنه من الحرف الواحد والاسم مما سمعه من سفيان والأعمش واستفهم من أصحابه، أن يرويه عن أصحابه، لا يرى غير ذلك واسعاً. فقوله: «تلك الشاردة» أي: تلك الكلمة أو الحرف الذي شرد عنه فلم يفهمه عن شيخه، وإنما فَهِمَهُ عن الشيخ غيره، والشَّاردة بالشين المعجمة، والراء والدال المهملتين، من شَرَد البعير: إذا نَفَر. وقوله: «ونحوه» (خ) يعني: أن زائدة بن قُدَامة جاء عنه هكذا، قال خلف بن تميم: سمعت من الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها، فكنت أستفهم جليسي، فقلتُ لزائدة؟ فقال لي: لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك، وسمع أُذُنك. قال: فألقيتها. وقوله: 429 - وَ (خَلَفُ بْنُ سَاِلمٍ) قَدْ قال: نَا ... إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا [88 - أ] 430 - مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ، وَسُفْيَانُ اكْتَفَى ... بِلَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي اقْتَفَى 431 - كَذَاكَ (حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أَفْتَى: ... إِسْتَفْهمِ الَّذِي يَلِيْكَ، حَتَّى 432 - رَوُوْا عَنِ (الأَعْمَشِ): كُنَّا نَقْعُدُ ... (لِلنَّخَعِيْ) فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ 433 - البَعْضُ - لاَ يَسْمَعْهُ - فَيسأَلُ ... البَعْضَ عَنْهُ، ثَمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ 434 - وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ، وَقَوَْلُهُمْ: ... يَكْفِيِ مِنَ الْحَدِيْثِ شَمُّهُ، فَهُمْ

435 - عَنَوا إذا أَوَّلَ شَيءٍ سُئِلاَ ... عَرَفَهُ، وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلاَ الشرح: وهذا فرع آخر من التفريعات وهو أن الخطيب قال: بلغني عن خلف بن سالم المُخَرِّمي قال: سمعت ابن عيينة يقول: نا عمرو بن دينار، يريد: حدثنا، فإذا قيل له: قُل حدثنا عمرو، قال: لا أقول؛ لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف لكثرة الزحام، وهي (ح د ث). وقوله: «وسفيان» (خ) يعني أن سفيان بن عيينة قال له أبو مسلمٍ المُسْتَمْلي: إن الناس كثير لا يسمعون. قال: تسمع أنت؟ قال: نعم. قال: فأسْمِعْهم. وهذا هو الذي عليه العمل: أن من سمع المستملي دون سماعه لفظ المملي، يجوز له أن يرويه عن المملي كالعَرْض سواءً، إلا أن الأحوط أن يُبين ذلك حال الأداء: أن سماعه كذلك كما فعل ابن خزيمة وغيره من الأئمة. وقال محمد بن عمار الموصلي: ما كتبتُ قط مِن فيِّ المستملي، ولا التفتُّ إليه، ولا أدري [أي] (¬1) شيء [88 - ب] يقول، إنما كنت أكتب عن فيِّ المحدِّث. وقوله: «كذاك» (خ) يعني أن قول حماد بن زيد لمن استفهمه: كيف قلت؟ فقال: استفهم الذي يليك. وقول الأعمش: كنا نجلس إلى إبراهيم النخعي فتتسع الحلقة، فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه مَنْ تَنَحَّى عنه، فَيَسْأَل بعضُهم بعضاً عَمَّا قال، ثم يروونه عنه وما سمعوه منه، فهذا ونحوه تساهلٌ من فاعله. ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

وقوله: «وقولهم» (خ) يعني أن عبد الرحمن بن مهدي قال: يكفيك من الحديث شمه. فقال حمزة الكناني: يعني به: إذا سُئِل عن أول شيء عرفه، وليس يعني التساهل في السماع. وقوله: 436 - وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ ... - عَرَفْتَهُ بِصَوْتِهِ أو ذِي خُبْر 437 - صَحَّ، وَعَنْ شُعْبَةَ لاَ تَرْوِ لَنَا ... إنَّ بِلاَلاً، وَحَدِيْثُ أُمِّنَا الشرح: هذا فرع آخر من التفريعات، وهو: أنه يصح السماع مِنْ وراء حجاب إذا عرف صوت المحدث إن حدث بلفظه، أو اعتمد في معرفة صوته وحضوره على خبر ثقة من أهل الخبرة. هذا قول الجمهور. وقوله: «وعن شعبة» (خ) يعني أن شعبة شَرَط رؤيته. وقال: إذا حدث المحدث فلم يُرَ وجهُه فلا ترووا عنه، فلعلَّه شيطان قد تصور في صورته، يقول: حدثنا وأخبرنا. وقوله: «لنا» (خ) يعني أن الحجة لنا في صِحَّة السماع من وراء حجاب، [89 - أ] حديث عبد الله بن عمر المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالاً يؤذن بليل» (ح) فأمر بالاعتماد على صوته مع غَيْبة شخصه عمن سمعه. وكذلك حديث أم المؤمنين عائشة، وغيرها من أمهات المؤمنين، كُنَّ يحدثن مِنْ وراء حِجاب، ويَنْقُل عنهن مَنْ سمع ذلك، واحتجَّ به في الصحيح.

وقوله: 438 - وَلاَ يَضُرُّ سَامِعَاً أنْ يَمْنَعَهْ ... الشَّيْخُ أَنْ يَرْوِي مَا قَدْ سَمِعَهْ 439 - كَذَلِكَ التَّخْصِيْصُ أو رَجَعْتُ ... مَاَ لمْ يَقُلْ: أَخْطَأْتُ أو شَكَكْتُ الشرح: وهذا فرع آخر من التفريعات، وهو: إذا قال الشيخ بعد السماع: لا ترو عني، أو رجعتُ عن إخبارك به، أو نحو ذلك، ولم يسنده إلى خطأ أو شك أو نحوه، بل منعه جازماً بأنه روايته، لم يمنع ذلك روايتَهُ. وقوله: «كذلك» (خ) يعني: ولو خَصَّ بالسماع قوماً فَسَمِعَ غيرُهم بغير علمه جاز له أن يرويه عنه. قاله الأستاذ الإسفرايني أبو إسحاق.

الثالث: الإجازة

الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ قوله: 440 - ثُمَّ الإِجَازَةُ تَلىِ السَّمَاعَا ... وَنُوِّعَتْ لِتِسْعَةٍ أَنْوَاعَا 441 - ارْفَعُهَا بِحَيْثُ لاَ مُنَاولَهْ ... تَعْيِيْنُهُ الْمُجَازَ وَالْمُجْازَ لَهْ 442 - وَبَعْضُهُمْ حَكَى اتِّفَاقَهُمْ عَلَى ... جَوَازِ ذَا، وَذَهَبَ (الْبَاجِيْ) إِلَى 443 - نَفْي الْخِلاَفِ مُطْلَقَاً، وَهْوَ غَلَطْ ... قال: وَالاخْتِلاَفُ فِي الْعَمَلِ قَطْ [89 - ب] 444 - وَرَدَّهُ الشَّيْخُ بأَِنْ للشَّافِعِي ... قَوْلاَنِ فِيْهَا ثُمَّ بَعْضُ تَابِعي 445 - مَذْهَبِهِ (الْقَاضِي حُسَيْنٌ) مَنَعَا ... وَصَاحِبُ (الْحَاوي) بِهِ قَدْ قَطَعَا 446 - قَالاَ كَشُعْبَةٍ وَلَو جَازَتْ إِذَنْ ... لَبَطْلَتْ رِحْلَةُ طُلاَّبِ السُّنَنْ 447 - وَعَنْ (أبي الشَّيْخِ) مَعَ (الْحَرْبِيِّ) ... إِبْطَالُهَا كَذَاكَ (لِلسِّجْزِيِّ) 448 - لَكِنْ عَلى جَوَازِهَا اسْتَقَرَّا ... عَمَلُهُمْ، وَالأَكْثَرُوْنَ طُرَّا 449 - قَالُوا بِهِ، كَذَا وُجُوْبُ الْعَمَلِ ... بِهَا، وَقِيْلَ: لاَ كَحُكْمِ الْمُرْسَل الشرح: هذا الطريق الثالث من أقسام التحمُّل والأخذ: الإجازة المجرَّدة، وهي دون السماع. وقوله: «ونُوِّعَت» (خ) يعني أنها على تسعة أنواعٍ، أرفعها وأعلاها إجازة

معين لمعين، كأجزتُكَ البخاري مثلاً، أو أجزتُ فلاناً جميع ما اشتملت عليه فهرستي، ونحو ذلك، فهذا أعلى أنواع الإجازة المجرَّدة عن المناولة. فقوله: «تعيينُه» مرفوعٌ على الخبر لقوله: «أرفعُهَا». وقوله: «المُجَاز» هو بضم الميم منصوبٌ بـ «تعيينه»، وكذا «المجاز له». وقوله: «وبعضُهُم» (خ) يعني أن عياضاً حكى عن بعضهم الاتفاق على جواز الرواية بالإجازة. وقوله: «وذَهَبَ» (خ) يعني أن الباجي نقل الاتفاق مطلقاً عن السلف والخلف، وادعى فيها الإجماع، ولم يُفَصِّل. وقوله: «والاختلاف» (خ) يعني أن الباجي قَصَرَ الخلاف على العمل بها فقط، لا على جواز الرواية [90 - أ] بها. قلت: «والبَاجِي» بالباء الموحدة، وبعده ألف، فجيمٌ، نسبةً إلى باجَة مدينة بالأندلس، وهو أبو الوليد سليمان بن خَلف المالكي الحافظ الأديب الفقيه الشاعر المتكلم، رحل إلى المشرق، وسمع بمكة من أبي ذر الهروي، وبالعراق من جماعة أبي الطيب الطبري رئيس الشافعية، وأبي إسحاق الشيرازي، ودرس الكلام بالموصل على أبي جعفر السمناني عاماً كاملاً، فأقام بالمشرق نحو ثلاثة عشر عاماً ثم رجع إلى الأندلس، فدرس وألَّف ونزل بسرقسطة على فقرٍ متقعٍ (¬1)، وخمول، وكان يكتب الشروط، ثم توسل إلى السلطان وعرفه وأقبل الناس عليه فكان يقول متعجباً من حاله: عجباً للناس ¬

(¬1) كذا، ولعل صوابها: مدقع.

كأنهم لم يعلموا أني من أهل العلم، فلما عرفني السلطان ونهض بي أقبلوا عليَّ، يَحِقُّ لكل عالمٍ أن يتعرف بالسلطان. ولي القضاء في بعض الثغور بالأندلس ثم تضرَكَهُ، ومِنْ شعره: إذا كنت أعلمُ علماً يقيناً ... بأن جميع حياتي كساعه فلِمَ لا أكون ضنيناً بها ... واجعلها في صلاح وطاعه وقوله: «وهو غلط» يعني أن الباجي غُلِّطَ في ذلك، كما نص ابن الصلاح، وخالفه جماعاتٌ من المحدثين والفقهاء والأصوليين، فمنعوا الرواية بها، وهو إحدى الروايتين عن الشافعي، وقطع به من أصحابه [90 - ب] القاضيان حسين والماوردي، وعزاه في «الحاوي» إلى مذهب الشافعي، وقالا جميعاً كما قال شعبة: لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة. وأَبْطَلَهَا من المحدثين: إبراهيم الحربي، وأبو الشيخ، والسِّجْزي، والدَّبَّاس أبو طاهر من الحنفية، والخُجَنْدي أبو بكر محمد من الشافعية، وحكاه الآمدي عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وقوله: «لكن» (خ) يعني أن الذي استقرَّ عليه العمل، وقال به الجماهير من المحدثين وغيرهم: القول بجواز الإجازة، والرواية بها، ووجوب العمل بالمروي بها، خلافاً لبعض الظاهرية ومَنْ تابعهم فمنع العمل بها كالحديث المرسل، وأبطله ابن الصلاح. فقوله: «ولو جازت إذن»، قلت: «إذن» بالنون مرسومة، هو مذهب المبرِّد والأكثرين، وفيها خلافٌ أشرنا إليه في كتابنا «الكافي المُغْنِى في شرح المغني» نفع الله تعالى به.

قال أبو حيان: ووجد بخط الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى ما نصه: وجدتُ بخط عالي بن عثمان بن جني: حكى أبو جعفر النَّحَّاس قال: سمعت علي بن سليمان يقول: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول: أشتهي أن أكوي يَدَ مَنْ كَتَبَ «إذَن» بالألف؛ لأنها مثل «أن» و «لن»، ولا يدخل التنوين في الحروف. انتهى. وقوله: «لبطلت رحلة». قلت: الرحلة بكسر الراء: الارتحال [91 - أ]. وقوله: «وعن أبي الشيخ» قلت هو بفتح الشين المعجمة، وإسكان المثناة تحته، وبعده خاء معجمة، وهو الإمام عبد الله بن محمد الأصبهاني. وقوله: «مع الحربي» هو إبراهيم. وقوله: «كذاك للسِّجْزي». قلت: هو بكسر السين المهملة، وإسكان الجيم، وبعده زاي، نسبةً إلى سجستان على غير قياسٍ، وهو أبو نصر الوائلي. وقوله: «طُرًّا» قلت: هو بضم الطَّاء، وتشديد الراء المهملتين، أي: جميعاً. وقوله: 450 - وَالثَّانِ: أَنْ يُعَيِّنَ الْمُجَازَ لَهْ ... دُوْنَ الْمُجَازِ، وَهْوَ أَيْضَاً قَبِلَهْ 451 - جُمْهُوْرُهُمْ رِوَايَةً وَعَمَلاَ ... وَالْخُلْفُ أَقْوَى فِيْهِ مِمَّا قَدْ خَلاَ الشرح: هذا النوع الثاني من أنواع الإجازة، وهو أن يُعَين الشخص المجاز له دون الكتاب المجاز، فيقول: أجزت لك جميع مسموعاتي، أو مروياتي، ونحوه.

والجمهور على جواز الرواية بها، ووجوب العمل، ولكن الخُلْف في هذا النوع أقوى منه في النوع الأول. وقوله: 452 - وَالثَّالِثُ: التَّعْمِيْمُ فِي الْمُجَازِ ... لَهُ، وَقَدْ مَالَ إِلى الْجَوَاز 453 - مُطْلَقَاً (الْخَطِيْبُ) (وَابْنُ مَنْدَهْ) ... ثُمَّ (أبو الْعَلاَءِ) أَيْضَاً بَعْدَهْ 454 - وَجَازَ لِلْمَوْجُوْدِ عِنْدَ (الطَّبَرِيْ) ... وَالشَّيْخُ لِلإِْبْطَالِ مَالَ فَاحْذَر الشرح: النوع الثالث من أنواع الإجازة إجازة العموم: كقولك: أجزتُ المسلمين، أو لمن أَدْرَكَ زماني، ونحوه. واختلفوا في هذه [91 - ب]: فَجَوَّزَهَا الخطيبُ مطلقاً، وفَعَلَه ابنُ منده أبو عبد الله فقال: أجزتُ لمن قال: لا إله إلا الله. وحكى الحازمي عَمَّن أدركه من الحُفَّاظ كأبي العلاء الحسن بن أحمد العَطَّار الهَمْدَاني وغيره أنهم كانوا يميلون إلى الجواز. وقوله: «وجاز» (خ) يعني: أن الطَّبَري أبا الطَّيِّب جَوَّزَهَا لجميع المسلمين مَنْ كان منهم موجوداً عند الإجازة. وقوله: «والشيخ» (خ) يعني ابن الصلاح قال: لم نَرَ ولم نسمع عن أحدٍ ممن يُقْتَدَى به استعمل هذه الإجازة فروى بها، ولا عن الشِّرْذِمَة المتأخرة الذين سَوَّغُوها، والإجازة في أصلها ضعفٌ، وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفاً كثيراً لا ينبغي احتماله.

قال ابن جماعة: وفيما قاله نظر. وجَّهَهُ شيخُنا (ن) فقال (¬1): أجازها جماعة منهم أبو الفضل بن خيرون البغدادي، والقاضي ابن رُشد من كبار علماء المذهب عند المالكية، والسِّلَفي، ورجحه ابنُ الحاجب، وصححه النووي من زياداته في «الروضة» قال: وأفردها بالتصنيف (¬2) على حروف المعجم لكثرتهم الحافظُ أبو جعفر محمد بن أبي البدر الكاتب البغدادي، وحَدَّثَ بها ابنُ خيرٍ الحافظ الأشبيلي، وبأخَرَةٍ الدمياطي بإجازته العامة من المؤيد الطوسي. وسمع بها من الحفاظ: المزي، والذهبي، والبرزالي أبو محمد على الركن الطَّاووسي بإجازته العامة من الصيدلاني أبي جعفر وغيره. قال (¬3): وقرأتُ بها عدة أجزاء [92 - أ] على الوجيه عبد الرحمن العوفي بإجازته العامة من عبد اللطيف بن القُبَّيْطي وآخرين من البغداديين والمصريين، وفي النفس من ذلك شيءٌ، وأنا أتوقفُ عن الرواية بها، وأهل الحديث يقولون: إذا كتبتَ فَقَمِّش، وإذا حدثتَ ففتش. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقوله: 455 - وَمَا يَعُمُّ مَعَ وَصْفِ حَصْرِ ... كَالْعُلَمَا يَوْمَئِذٍ بِالثَّغْر 456 - فَإِنَّهُ إِلى الْجَوَازِ أَقْرَبُ ... قُلْتُ (عِيَاضٌ) قالَ: لَسْتُ أَحْسِبُ ¬

(¬1) (1/ 419). (¬2) أي: جمع من أجاز هذه الإجازة العامة في تصنيف مستقل. (¬3) أي الناظم في شرحه (1/ 420).

457 - فِي ذَا اخْتِلاَفَاً بَيْنَهُمْ مِمَّنْ يَرَى ... إِجَازَةً لِكَوْنِهِ مُنْحَصِرَا الشرح: يعني أن الإجازة العامة إذا قُيِّدَت بوصفٍ حاصرٍ فهذا إلى الجواز أقرب. كقوله: «أجزتُ لمن هو الآن من طَلَبَةِ العِلْم ببلدِ كَذَا، ولمَنْ قرأ علي قبل هذا». قال عياض: فما أحسبهم اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإجازة، ولا رأيت منعه لأحدٍ؛ لأنه محصورٌ موصوفٌ، كقوله: لأولاد فلان، أو أخوة فلان. وقوله: 458 - وَالرَّابعُ: الْجَهْلُ بِمَنْ أُجِيْزَ لَهْ ... أو مَا أُجِيْزَ كَأَجَزْتُ أَزْفَلَهْ 459 - بَعْضَ سَمَاَعاِتي، كَذَا إِنْ سَمَّى ... كِتَاباً أو شَخْصَاً وَقَدْ تَسَمَّى 460 - بِهِ سِوَاهُ ثُمَّ لَمَّا يَتَّضِحْ ... مُرَادُهُ مِنْ ذَاكَ فَهْوَ لاَ يَصِحْ 461 - أَمَّا الْمُسَمَّوْنَ مَعَ الْبَيَانِ ... فَلاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ بِالأَعْيَان 462 - وَتَنْبَغِي الصِّحَّةُ إِنْ جَمَلَهُمْ ... مِنْ غَيْرِ عَدٍّ وَتَصَفُّحٍ لَهُمْ [92 - ب] الشرح: النَّوْع الرابع من أنْوَاع الإجازة: الإجازة للمجهول أو بالمجهول، فالأول أن يقول أجزتُ لجماعةٍ من الناس مسموعاتي، والثاني: أجزتُ لك بعض مسموعاتي. وقوله: «كأجزتُ» (خ) جَمَعَ في مثال واحد الجهل فيهما. و «الأزفلة» بفتح الهمزة، وإسكان الزاي، وفتح الفاء، وبعده لامٌ مفتوحة، فهاء تأنيث: الجماعة من الناس، ومنه إن عائشة أَرْسَلَت إلى أزفلة من الناس،

في قصة خطبة عائشة في فضل أبيها. وقوله: «كذا» (خ) من أمثلة هذا النوع أن يُسَمِّى شخصاً تسمى به غير واحد ذلك الوقت: كأجزت لمحمد بن خالدٍ الدمشقي، أو يُسمي كتاباً: كأجزتُ فلاناً كتاب «السُّنن» وهو يروي عِدَّة كتب تُعْرَف بالسُّنن ولم يَتَّضِح مراده في المسألتين، فهذه إجازة باطلة لا فائدة فيها. وقوله: «أما المُسَمُّون» (خ) يعني إذا اتضح مرادَه بقرينة بأن قيل له: أجزتَ لمحمد بن خالد بن علي بن محمود الدمشقي؟ -مثلاً بحيث لا يلتبس-، فقال: أجزتُ لمحمد بن خالد الدمشقي. أو قيل له: أجزتَ لي رواية «السُّنَن» لأبي داود؟ فقال: أجزتُ لك روايةً السُّنَن. فالظاهر صحتها. وكذا إذا سَمَّى الشيخ المسئول منه المجاز له مع البيان المزيل للاشتباه، إلا أن الشيخ لا يعرف المسئول له بل يجهل عينه، فلا يَضُرُّ ذلك والإجازة صحيحة. وقوله: «وتنبغي» (خ) يعني أنه إذا سئل الشيخ الإجازة لجماعةٍ مسمَّين [93 - أ] مع البيان في الاستدعاء جرياً للعادة، فأجاز لهم من غير معرفة بهم، ولم يعرف عددهم، ولا تصفح أسماءهم واحداً واحداً، فينبغي الصحة، كما يَصِحُّ سماعُ مَنْ سمع منه على هذا الوصف. وقوله: 463 - وَالْخَامِسُ: التَّعْلِيْقُ فِي الإِجَازَهْ ... بِمَنْ يَشَاؤُهَا الذَّيِ أَجَازَهْ 464 - أو غَيْرُهُ مُعَيَّنَاً، وَالأُولَى ... أَكْثَرُ جَهْلاً، وَأَجَازَ الْكُلاَّ

465 - مَعاً (أبو يَعْلَى) الإِمَامُ الْحَنْبَلِيْ ... مَعَ (ابْنِ عَمْرُوْسٍ) وَقَالاَ: يَنْجَلِي 466 - الْجَهْلُ إِذْ يَشَاؤُهَا، وَالظَّاهِرُ ... بُطْلاَنُهَا أَفْتَى بِذَاك (طَاهِرُ) 467 - قُلْتُ: وَجَدْتُ (ابنَ أبي خَيْثَمَةِ) ... أَجَازَ كَالَّثانِيَةِ الْمْبُهَمَة 468 - وَإِنْ يَقُلْ: مَنْ شَاءَ يَرْوِي قَرُبَا ... وَنَحْوَهُ (الأَزْدِي) مُجِيْزَاً كَتَبَا 469 - أَمَّا: أَجَزْتُ لِفُلاَنٍ إِنْ يُرِدْ ... فَالأَظْهَرُ الأَقْوَى الْجَوَازُ فَاعْتَمِدْ الشرح: هذا النوع الخامس من أنواع الإجازة: الإجازة المعلقة بالمشيئة والتعليق قد يكون مع إبهام المجاز أو تعيينه، وقد يُعَلَّق بمشيئة المجاز أو بمشيئة غيره معيناً، وقد يكون لنفس الإجازة، وقد يكون للرواية بالإجازة. فأما تعلقها بمشيئة المجاز مبهماً كأن يقول: من شاء أن أجيز له فقد أجزت له. وأما تعليقها بمشيئة غير المجاز فإن كان المعلق بمشيئته مبهماً فهذه باطلة قطعاً، نحو: أجزتُ لمن شاء بعض الناس أن يروي عني. وإن [93 - ب] كان معيناً كقوله: من شاء فلانٌ أن أجيز له فقد أجزته. وقوله: «والأولى» (خ) يعني: أن التعليق بمشيئة المجاز مبهماً أكثر في الجهل من التعليق بمشيئة غير المجاز معيناً. وقوله: «وأجاز» (خ) يعني: من ذَكَرَ أجاز هذا النوع بأسره؛ لأن الجهالة ترتفع بالمشيئة. وأبو يعلى هذا هو الإمام محمد بن الحسين بن الفراء.

وابن عَمْرُوس بفتح العين المهملة، وإسكان الميم، وبعده راء مهملة مضمومة، فواوٌ ساكنةٌ، فسين مهملة، وهو أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن عَمْرُوس المالكي، حدث عن المخلص وغيره، وكان إماماً في المذهب، ومتقدِّماً في علم الكلام على مذهب الأشعري، وقُبِلَت شهادته، انتهى. وقوله: «والظاهر» (خ) قال ابن الصلاح: والظاهر أنه لا يَصِحُّ، وبذاك أفتى القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري لما سأله الخطيب عن ذلك، وعلل بأنه إجازةٌ لمجهول، كقوله: أجزت لبعض الناس. وقوله: «قلت» (خ) هذا من الزيادة على ابن الصلاح، وهو أن جماعة من أئمة الحديث المتقدمين والمتأخرين استعملوا هذا، ومن المتقدمين: أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة زُهير بن حرب صاحب ابن معين، وصاحب «التاريخ» فقال ابن الوَزَّان الإمام أبو الحسين محمد: ألفيتُ بِخَطِّ ابن أبي خيثمة: قد أجزتُ لأبي زكريا يحيى بن مسلمة أن يروي [94 - أ] عني ما أَحَبَّ من كتاب «التاريخ» الذي سمعه مِنِّي أبو محمد القاسم بن الأصبغ، ومحمد بن عبد الأعلى، كما سمعاه مِنِّي، فأذنت له في ذلك، ولمن أحب من أصحابه، فإن أحب أن تكون الإجازة لأحدٍ بعد هذا فأنا أجزتُ له ذلك بكتابي هذا، وكتب أحمد بن أبي خيثمة بيده في شوال من سنة ست وسبعين ومائتين. وقوله: «وإن يقل» (خ) يعني: إذا كان المعلَّق هو الرواية، كقوله: أجزت لمن شاء الرواية عني أن يروي عني. وقوله: «قَرُبَا» بضم الراء، معناه: قَرُب من التصريح بما يقتضيه الإطلاق والحكاية للحال، لا أنه تعليقٌ حقيقةً، وبَنى على هذا ابن الصلاح إجازة:

بعتك هذا بكذا إن شئت. فيقول: قبلت. وفَرَّقَ بينهما (ن) بتعيين المبتاع هنا، بخلافه في الإجازة، فإنه مبهمٌ ووِزَان الفرع في الإجازة أن يقول: أجزتُ لك أن تروي عني إن شئت الرواية عني، بخلاف المثال الذي ذكره، فالتعليق وإن لم يضره فالجهالة تبطله. وقوله: «الأزدي» (خ) يعني أنه وُجِدَ بخط أبي الفتح الأزدي: أجزتُ رواية ذلك لجميع من أَحَبَّ أن يروي عني ذلك. وقوله: «أما أجزت» (خ) يعني أن تعليق الرواية مع التصريح بالمجاز له وتعيينه كقوله: أجزتُ لك كذا وكذا إن شئت روايته عني، أو أجزت لك إن شئت أن تروي [94 - ب] عني، ونحو ذلك، فالأظهر الأقوى جوازه. فقوله: «إن يُرِد» أي: الرواية، لقوله قبل «من شاء يروي». قال (ن) (¬1): ويجوز أن يُراد الأمران، أي: إن أراد الرواية أو الإجازة. وقوله: 470 - وَالسَّادِسُ: الإِذْنُ لِمَعْدُوْمٍ تَبَعْ ... كَقَوْلِهِ: أَجَزْتُ لِفُلاَنِ مَعْ 471 - أَوْلاَدِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهْ ... حَيْثُ أَتَوْا أَوْ خَصَّصَ الْمَعْدُوْمَ بِهْ 472 - وَهْوَ أَوْهَى، وَأَجَازَ الأَوَّلاَ ... (ابْنُ أبي دَاوُدَ) وَهْوَ مُثِّلاَ 473 - بِالْوَقْفِ، لَكِنْ (أَبَا الطَّيِّبِ) رَدْ ... كِلَيْهِمَا وَهْوَ الصَّحِيْحُ الْمُعْتَمَدْ ¬

(¬1) (1/ 425).

474 - كَذَا أبو نَصْرٍ. وَجَازَ مُطْلَقَا ... عِنْدَ الْخَطِيْبِ وَبِهِ قَدْ سُبِقَا 475 - مِنِ ابْنِ عُمْرُوْسٍ مَعَ الْفَرَّاءِ ... وَقَدْ رَأَى الْحُكْمَ عَلى اسْتِوَاء 476 - فِي الْوَقْفِ في صِحَّتِهِ مَنْ تَبِعَا ... أَبَا حَنِيْفَةَ وَمَالِكَاً مَعَا الشرح: النوع السادس من أنواع الإجازة: الإجازة للمعدوم، وهي على قسمين: الأول: كقوله: أجزتُ لمن يولد لفلانٍ، أو لفلان، ولولده، وعقبِهِ ما تناسلوا، ونحوه. وفَعَلَهُ أبو بكر عبد الله بن أبي داود و [قد] (¬1) سُئل الإجازة فقال: أجزت لك، ولأولادك، ولحبل الحبلة. يعني الذين لم يولدوا بعد. وقوله: «أو خَصَّص» (خ) هذا القسم الثاني من قسمي هذا النوع، وهو: أن يخصَّص المعدوم بالإجازة من غير عطفٍ عل موجودٍ، كقوله: أجزت لمن يولد لفلان. وهو [95 - أ] أضعف من الأول، والأول أقرب إلى الجواز، وشُبِّه بالوقف على المعدوم، وأجازه الشافعية في الأول دون الثاني. وقوله: «لكن» (خ) يعني أن الطبري فيما حكاه الخطيب عنه مَنَعَ صحة الإجازة للمعدوم مطلقاً. وقوله: «كذا أبو نصرٍ» يعني أن ابن الصَّبَّاغ بَيَّنَ بطلانها. وقوله: «وجاز مُطلقاً» (خ) يعني أن الخطيب أجازها مطلقاً، وحكاه عن أبي يعلى، وابن عمروس. ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

قال القاضي عياض: وعليه مُعْظَم الشيوخ المتأخرين، وبه استمر عَمَلُهم بعدُ شرقاً وغرباً. وقوله: «وقد» (خ) يعني أن الخطيب حكى عن مالك وأبي حنيفة جواز الوقف على المعدوم وإن لم يكن أصله موجوداً حال الإيقاف، كأن يقول: وقفت هذا على من يولد لفلان، وإن لم يكن وَقَفَهُ على فلان. وقوله: 477 - وَالسَّاِبعُ: الإِذْنُ لِغَيْرِ أَهْلِ ... لِلأَخْذِ عَنْهُ كَافِرٍ أو طِفْل 478 - غَيْرِ مُمَيِزٍ وَذَا الأَخِيْرُ ... رَأَى (أبو الطَّيِّبِ) وَالْجُمْهُوْرُ 479 - وَلَمْ أَجِدْ فِي كَافِرٍ نَقْلاً، بَلَى ... بِحَضْرَةِ (الْمِزِّيِّ) تَتْرَا فُعِلا 480 - وَلَمْ أَجِدْ فِي الْحَمْلِ أَيْضَاً نَقْلاَ ... وَهْوَ مِنَ الْمَعْدُوْمِ أولَى فِعْلاَ 481 - وَ (لِلْخَطِيْبِ) لَمْ أَجِدْ مَنْ فَعَلَهْ ... قُلْتُ: رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ قَدْ سَأَلَهْ 482 - مَعْ أبويْهِ فَأَجَازَ، وَلَعَلْ ... مَا اصَّفَّحَ الأَسماءَ فِيْهَا إِذْ فَعَلْ 483 - وَيَنْبَغِي الْبِنَا عَلى مَا ذَكَرُوْا ... هَلْ يُعْلَمُ الْحَمْلُ؟ وَهَذَا أَظْهَرُ [95 - ب] الشرح: هذا النوع السابع من أنواع الإجازة: الإجازة لمن ليس بأهل حين الإجازة للأداء والأخذ عنه. وقوله: «كافرٍ» (خ) لم يذكر ابن الصلاح إلا الصبي، وزاد (ن) هنا الكافر. فأما الصبي فلا يخلو إما أن يكون مميزاً أولاً، فإن كان فالإجازة صحيحة كسماعه، وإن كان الثاني فاختُلِف فيه، فذهب الجمهور والطبري أبو الطيب

إلى الجواز، وحكى الخطيب عن بعض الشافعية المنع. وقوله: «ولم أجد في كافر» (خ) يعني: أن الإجازة للكافر لم نَجِد فيها نقلاً وإن صَحَّ سماعه، إلا أن شخصاً (¬1) من الأطباء بدمشق ممن رأيته بدمشق ولم أسمع عليه يقال له: محمد بن عبد السيد بن الدَّيَّان، سمع الحديث في حال يهوديته على أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري، وكتب اسمه في طَبَقَة السماع مع السامعين، وأجاز ابن عبد المؤمن لمن سمع وهو من جملتهم، وكان السماع والإجازة بحضور الحافظ المزي أبي الحجاج يوسف، وبعض السماع بقراءته وذلك في غير ما جزء، فلولا أن المزي يرى جواز ذلك ما أَقَرَّ عليه، ثُمَّ هدى الله اليهودي للإسلام، وحدث، وسمع منه أصحابنا. وقوله: «لغير أهل» يدخل تحته الإجازة للمجنون وهي صحيحة، وللفاسق وللمبتدع والظاهر جوازها. وقوله: «ولم أجد في الحمل» (خ) يعني: أن (ن) رحمه الله تعالى قال (¬2): لم أجد أيضاً [96 - أ] نقلاً في الإجازة للحَمْل غير أن الخطيب قال: لم نَرَهُم أجازوا لمن لم يكن مولوداً في الحال. ولم يتعرض لكونه إذا وقع يصح أو لا. وقوله: «وهو» (خ) يعني: أنه أولى بالصحة من المعدوم، والخطيب يرى صحتها للمعدوم. ¬

(¬1) هذا من كلام الناظم في شرحه (1/ 429). (¬2) (1/ 429).

وقوله: «قلت» يعني أن (ن) قال (¬1): رأيت بعض شيوخنا المتأخرين سُئل الإجازة لحملٍ بعد ذكر أبويه قبله وجماعة معهم، فأجاز فيها، وهو الحافظ أبو سعيد العلائي. وقوله: «ولعل» (خ) يعني أَنَّ من عَمَّمَ الإجازة للحمل وغيره أعلم وأحفظ وأتقن، إلا أنه يُقال: لعله ما اصَّفَّح أسماء الإجازة حتى يعلم هل فيها حمل أم لا، فقد جوزوا الإجازة ولو لم يتصفح الشيخ المجيز أسماء الجماعة المسئول لهم الإجازة. وقوله: «وينبغي» يعني أنه ينبغي بناء الحكم في الإجازة للحمل على الخلاف في أن الحمل هل يُعْلَم أم لا، فإن قلنا: لا يُعْلَم، فكالإجازة للمعدوم، وفيه الخلاف، وإن قلنا: يُعْلَم، وهو الأصح -قال (¬2): كما صَحَّحَهُ الرَّافعي- صَحَّت الإجازة. قال: ومعنى «يُعْلَم» أن يُعامل معاملة المعلوم، قال (¬3): وإلا فقد قال إمام الحرمين: لا خلاف أنه لا يُعْلَم، وجزم به الرافعي. وقوله: «وهذا أظهر»، يعني: أن الحمل يُعْلَم. وقوله: 484 - وَالثَّامِنُ: الإِذْنُ بِمَا سَيَحْمِلُهْ ... الشَّيْخُ، وَالصَّحِيْحُ أَنَّا نُبْطِلُهْ ¬

(¬1) (1/ 429). (¬2) (1/ 430). (¬3) (1/ 430).

485 - وبعضُ عَصْرِيِّ عِيَاضٍ بَذَلَهْ ... وَ (ابْنُ مُغِيْثٍ) لَمْ يُجِبْ مَنْ سَأَلَهْ [96 - ب] 486 - وَإِنْ يَقُلْ: أَجَزْتُهُ مَا صَحَّ لَهْ ... أو سَيَصِحُّ، فَصَحِيْحٌ عَمِلَهْ 487 - (الدَّارَقُطْنِيُّ) وَسِواهُ أوحَذَفْ ... يَصِحُّ جَازَ الكُلُّ حَيْثُمَا عَرَفْ الشرح: النوع الثامن من أنواع الإجازة: إجازة ما سيحمله (¬1) المجيز مما لم يسمعه قبل ذلك ولم يتحمله، فيرويه المجاز له بعد أن يتحمله المجيز. وقوله: «وبعض» (خ) يعني أن عياضاً قال في «الإلماع»: لم نر مَنْ تَكَلَّم عليه من المشايخ، ورأيت بعضَ المتأخرين والعَصْرِيين يصنعونه، إلا أني قرأت في «فهرست أبي مروان عبد الملك بن زيادة الله الطُّبْنِي» قال: كنت عند القاضي بقرطبة أبي الوليد يونس بن مغيث، فجاءه إنسانٌ فسألَهُ الإجازة له بجميع ما رواه إلى تاريخها، وما يرويه بعد، فلم يُجبه إلى ذلك، فَغَضِبَ السائلُ، فنظر إليَّ يونس، فقلت له: يا هذا يعطيك ما لم يأخذ؟ هذا محال. فقال يونس: هذا جوابي. قال عياض: وهذا هو الصحيح. فقوله: «وابن مُغيث» قلت: هو بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، وبعده ياء مثناة تحت ساكنة، فثاء مثلثة، هو مَنْ ذُكِر: قاضي الجماعة بقرطبة، وصاحب الصلاة والخطبة بجامعها، ويُعرف بابن الصفار، كَتَبَ إليه من المشرق الدارقطني وجماعة، وهو من أهل العلم بالحديث والفقه، كثير الرواية، وافر الخط من عِلْم اللغة والعربية، صَحِبَ الصَّالحين، من تَوَاليفه كتاب «التسلِّي عن [97 - أ] الدنيا بتأمل خبر الآخرة»، رحمه الله، ونفع بعلومه. ¬

(¬1) في الأصل: يستحمله. وما أثبتناه من المصدر.

والخلاف في ذلك مبني على أن الإجازة هل الإخبار بالمجاز جملةً أو إذنٌ؟ فعلى الأول لا يَصِحُّ إذ لا يُخْبِر بما ليس عنده، وعلى الثاني فمبني على الإذن في الوكالة بما لم يملكه الآذنُ بعد. قال (ن) (¬1): وأجازه بعض الشافعية، والصحيح البطلان، قال: وصوبه النووي. وقوله: «وإن يَقُل» (خ) يعني إذا قال: أجزتُ له ما صَحَّ ويَصِحُّ عنده من مسموعاتي فصحيحة، وفعله الدارقطني وغيره. وقوله: «أو حَذَف يصح» (خ) يعني أنه لو قال له: أجزتُ ما صح عنده من مسموعاتي، ولم يَقُل: «ويَصِحُّ» فله الرواية. وقوله: «جاز الكل» أي: ما عُرِفَ حالة الأداء أنه سماعه. وقوله: «بَذْلَهُ» هو بذال معجمة، أي: أعطاه لمن سأله. وقوله: 488 - وَالتَّاسِعُ: الإِذْنُ بِمَا أُجِيْزَا ... لِشَيْخِهِ، فَقِيْلَ: لَنْ يَجُوْزَا 489 - وَرُدَّ، وَالصَّحِيْحُ: الاعْتِمَادُ ... عَلَيْهِ قَدْ جَوَّزَهُ النُّقَّاْدُ 490 - أبو نُعَيْمٍ، وَكَذَا ابْنُ عُقْدَهْ ... وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَنَصْرٌ بَعْدَهْ 491 - وَالَى ثَلاَثَاً بإِجَازَةٍ وَقَدْ ... رَأَيْتُ مَنْ وَالَى بِخَمْسٍ يُعْتَمَدْ ¬

(¬1) (1/ 432).

492 - وَيَنْبَغِي تَأَمُّلُ الإِجازَهْ ... فحيثُ شَيْخُ شَيْخِهِ أَجَاْزَهْ 493 - بَلِفْظِ مَا صَحَّ لَدَيْهِ لَمْ يُخَطْ ... مَا صَحَّ عِنْدَ شَيْخِهِ مِنْهُ فَقَطْ الشرح: النوع التاسع من أنواع الإجازة: إجازة المُجَاز مثل: أجزتُ [97 - ب] لك مجازاتي ونحوه، فَمَنَعَ جوازه الحافظُ أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي من شيوخ ابن الجوزي، وصَنَّفَ جزءاً في منع ذلك، وحكاه الحافظ أبو علي البَرَدَاني بفتح الموحدة، والدال المهملة، وبعده ألف، فنون، عن بعض منتحلي الحديث وما سَمَّاه. وقوله: «ورُد» (خ) يعني القول بالمنع، والصحيح المعتمد عليه جوازه، وقطع به الدارقطني، وأبو نعيم، وابن عُقدة، وفعله الحاكم في «تاريخه». وقوله: «ونَصْرٌ» (خ) هو بالرفع مبتدأ خبره «والى» أي بين ثلاث أجايز. ويجوز عطف «ونصرٌ» على «الدارقطني». وقوله: «وقد رأيت» (خ) يعني أن (ن) قال (¬1): رأيتُ في كلام غير واحد من الأئمة وأهل الحديث الزيادة على ثلاث أجايز، فرووا بأربع أجايز متواليةٍ، وبخمس. وروى الحلبي عبد الكريم في «تاريخ مصر» عن عبد الغني بن سعيد الأزدي: خَمْسِ أجايز متوالية في عِدَّة مواضع. وقوله: «وينبغي» (خ) يعني أنه ينبغي لمن يَرْوي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمَّل كيفيةَ إجازة شيخ شيخه لشيخه ومقتضاها، حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها، فربما قَيَّدَهَا بعضهم بما صَحَّ عند المجاز، أو بما سمعه المجيز ¬

(¬1) (1/ 434).

فقط، أو بما حَدَّث من مسموعاته، أو غير ذلك. وكان ابنُ دقيق العيد لا يجيز رواية سماعه، بل يُقيده بما حدث به من مسموعاته. قال (ن) (¬1): هكذا [98 - أ] رأيته بخطه في عِدَّة إجازات، ولم أر له إجازةً تشمل مسموعه، و [ذلك] (¬2) أنه كان يَشُكُّ في بعض سماعاته فلم يُحَدِّث به، ولم يجزه، وهو سماعه على ابن المُقَيَّر فَمن حَدَّثَ عنه بإجازته منه بشيء مما حَدَّثَ به من مسمُوعاته فهو غير صحيح. وقوله: «وابن عُقدة». قلت: هو بضم العين المهملة، وإسكان القاف، وبعده دال مهملة، فهاء تأنيث، هو أبو العباس، يشتبه بعكب بن عُبْدَة بالباء الموحدة بدل القاف أحد شهود علي يوم الحكمين، انتهى. وقوله: «ونصر». قلت: بفتح النون، وإسكان الصاد المهملة، هو الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، قال محمد بن طاهر: سمعته ببيت المقدس يروي بالإجازة عن الإجازة، وربما تابع بين ثلاث منها. ¬

(¬1) 1/ 436). (¬2) زيادة من المصدر.

لفظ الإجازة وشرطها

لَفْظُ الإِجَازَةِ وَشَرْطُهَا قوله: 494 - أَجَزْتُهُ (ابْنُ فَارِسٍ) قَدْ نَقَلَهْ ... وَإِنَّمَا الْمَعْرُوْفُ قَدْ أَجَزْتُ لَهْ الشرح: قال ابن فارس: الإجازة في كلام العرب مأخوذة من جواز الماء الذي يُسْقَاه المال من الماشية والحرث، يقال: استجزتُ فلاناً فأجازني، إذا أسقاك ماءً لماشيتك أو أرضك، فكذا طالب العلم يستجيز العالم علمه فيجيز له، وعليه فيجوز أن تُعَدِّي الفعل بغير حرف الجر ولا ذكر «رواية» (¬1) فتقول: أجزتُ فلاناً مسموعاتي. قلت: «وابن فارس» هو أبو الحسين أحمد بن فارس اللُّغَوي، وألف «المجمل [98 - ب] في اللغة» مختصراً جمع كثيراً من اللغة، له رسائل أنيقة، ومسائل في اللغة يعاني (¬2) منها الفقهاء، ومنه اقتبس الحريري في «المقامات» ذلك الأسلوب، ووضع المسائل الفقهية في المقامة الطيبية وهي مائة مسألة، ومن شعره: اسمع مقالة ناصح ... جمع النصيحة والمقه إياك واحذر أن تبيت ... من الثقات على ثقه انتهى. ¬

(¬1) أي دون ذكر لفظ: «رواية». (¬2) في الأصل: يعايي.

وقوله: «وإنما المعروف» (خ) يعني أن الإجازة إن كانت بمعنى الإذن والإباحة وهو المعروف، فيقول: أجزت له رواية مسموعاتي. وإذا قال: أجزت له مسموعاتي فعلى حذف مضاف. وقوله: 495 - وَإِنَّمَا تُسْتَحْسَنُ الإِجَازَهْ ... مِنْ عَالِمٍ بِهِ، وَمَنْ أَجَازَهْ 496 - طَالِبَ عِلْمٍ (وَالْوَلِيْدُ) ذَا ذَكَرْ ... عَنْ (مَالِكٍ) شَرْطاً وَعَنْ (أبي عُمَرْ) 497 - أَنَّ الصَّحِيْحَ أَنَّهَا لاَ تُقْبَلُ ... إِلاَّ لِمَاهِرٍ وَمَا لاَ يُشْكِلُ 498 - وَالْلَفْظُ إِنْ تُجِزْ بِكَتْبٍ أَحْسَنُ ... أو دُوْنَ لَفْظٍ فَانْوِ وَهْوَ أَدْوَنُ الشرح: يعني أن الإجازة تُستحسن إذا كان المجيز عالماً بما يجيزه، والمجاز من أهل العلم؛ لأنها توسع يحتاج إليه أهل العلم. وقوله: «والوليد» (خ) يعني: أن بعضهم بالغ في ذاك فجعله شرطاً فيها، وحكاه الوليد بن بكر المالكي عن مالك رحمه الله تعالى. وقوله: «وعن أبي عمر» (خ) يعني أن ابنَ عبد البر أبا عمر قال: الصحيح أنها لا تجوز [99 - أ] إلا لماهرٍ بالصناعة، وفي شيء معين لا يُشكل إسناده. وقوله: «واللفظ» (خ) يعني أن الإجازة قد تكون باللفظ من الشيخ، أو بالخط، سواءً أجاز ابتداءً، أو كتب به على سؤال الإجازة كما جرت العادة، فإن كانت بالخط فالأحسن والأولى التَلَفُّظ بالإجازة، فإن اقتصر على الكتابة قاصداً الإجازة صَحَّت؛ لأن الكتابةَ كنايةٌ، وهي دون الإجازة باللفظ في الرتبة، فإن لم ينو فالظاهر عدم الصحة.

الرابع: المناولة

الرَّاْبِعُ: الْمُنَاوَلَةُ قوله: 499 - ثُمَّ الْمُنَاولاَتُ إِمَّا تَقْتَرِنْ ... بِالإِذْنِ أَوْ لاَ، فَالَّتِي فِيْهَا إِذِنْ 500 - أَعْلَى الإْجَازَاتِ، وَأَعْلاَهَا إذا ... أَعْطَاهُ مِلْكَاً فَإِعَارَةً كَذَا 501 - أَنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ بِالْكِتَابِ لَهْ ... عَرْضاً وَهَذَا الْعَرْضُ لِلْمُنَاولَهْ 502 - وَالشَّيْخُ ذُوْ مَعْرِفَةٍ فَيِنَظُرَهْ ... ثُمَّ يُنَاولَ الْكِتَابَ مُحْضِرَهْ 503 - يقول: هَذَا مِنْ حَدِيْثِي فارْوِهِ ... وَقَدْ حَكَوْا عَنْ (مَالِكٍ) وَنَحْوِه 504 - بِأَنَّهَا تُعَادِلُ السَّمَاعَا ... وَقَدْ أَبَى الْمُفْتُوْنَ ذَا امْتِنَاعَا 505 - إِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيْ مَعَ النُّعْمَانِ ... وَالشَّافِعيْ وَأحْمَدُ الشَّيْبَانِيْ 506 - وَ (ابْنِ الْمُبَارَكِ) وَغَيْرِهِمْ رَأوْا ... بِأَنَّهَا أَنْقَصُ، قُلْتُ: قَدْ حَكَوْا 507 - إِجْمَاعَهُمْ بِأَنَّهَا صَحِيْحَهْ ... مُعْتَمَداً، وَإِنْ تَكُنْ مَرْجُوْحَهْ الشرح: الطريق الرابع من طرق الأخذ والتحمل: المناولة، وهي [99 - ب] نوعان: أحدهما: المقرونة بالإجازة، وهي أنواعٌ، أعلاها الإجازة (¬1) كما تقدم، ثم ¬

(¬1) كذا، وهو خطأ، وعبارة الناظم (1/ 439): وهي-أي الإجازة المقرونة بالمناولة- أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق.

لها صور: أعلاها أن يناوله شيئاً من سماعه أصلاً أو فرعاً مقابَلاً به فيقول هذا سماعي، أو روايتي عن فلان فاروه عني، أو أجزت لك روايته، ثم يبقيه في يده تمليكاً، أو إلى أن ينسخه. وقوله: «كذا» (خ) هذه الصورة الثانية: أن يُحْضِرَ الطالبُ الكتابَ -أصل الشيخ أو فرعه المقابل به- فيعرضه عليه، ويقول: هو حديثي، أو سماعي، أو روايتي، فاروه عني. وسماه غير واحدٍ من الأئمة عرضاً فيكون هذا عرض المناولة وذلك عرض القراءة. وقوله: «والشيخ» (خ) يعني: إذا عرض الطالبُ الكتابَ على الشيخ، تَأَمَّله الشيخ، وهو عارف متيقظ، ثم يناوله الطالبَ ويقول له: هو روايتي أو من حديثي فاروه عني. وقوله: «وقد حكوا» (خ) يعني: أن هذه المناولة المقرونة بالإجازة حَالَّة محل السماع عند بعضهم، كما حكاه الحاكم عن الزهري، وربيعة الرأي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك، في جماعةٍ من أهل المدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة، والشام، ومصر، وخراسان، وحكاه ابن جماعة عن مجاهد، والشعبي، وعلقمة، وإبراهيم، وابن وهب، وابن القاسم. وقوله: «وقد أبى» (خ) يعني أن الذين أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه سماعاً، وبه قال الشافعي [100 - أ]، والأوزاعي، والبويطي، والمزني، وأبو حنيفة، والثوري، وأحمد، وابن المبارك.

قال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا وإليه نذهب. قلت: «والشيباني» بالشين المعجمة؛ لأن في نسبه ذهل بن شيبان بن ثعلبة إلى عدنان، انتهى. وقوله: «قلت» (خ) هذا من الزيادة على ابن الصلاح، وهو اتفاق أهل النقل هنا، لما حكى ابن الصلاح الخلاف المتقدم في الإجازة، ولم يحك هنا إلا كونها موازية للسماع أَولا، فزاد نقل الاتفاق على صحتها تبعاً لنقل عياض في «الإلماع». وقوله: «مُحضْرَهُ». قلت: بضم الميم وكسر الضاد ونَصَبَهُ «يناول». وقوله: «معتمداً» ضبطه (ن) بفتح الميم، منصوب على التمييز، أي: اعتماداً. فقوله: «المفتون».قلت: واحده مفتي، اسم فاعل مِنْ أفتى رباعياً، فلما جُمِع جَمْعَ تصحيح بالواو والنون التقى ساكنان الياء التي آخر الكلمة وواو الجمع، فحذفت الياء لالتقائهما، ومثله المُهْدُون ونحوه. وقوله: «وغيرِهم» قلت: هو بالجر عطفاً على المجرور بـ «مع»، والله تعالى أعلم. وقوله: 508 - أَمَّا إذا نَاولَ وَاسْتَرَدَّا ... فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَالْمُجَازُ أَدَّى 509 - مِنْ نُسْخَةٍ قَدْ وَافَقَتْ مَرْوِيَّهْ ... وَهَذِهِ لَيْسَتْ لَهَا مَزِيَّهْ

510 - عَلَى الذَّيِ عُيَّنَ فِي الاجَازَهْ ... عِنْدَ الْمُحَقِّقِيْنَ لَكِنْ مَازَهْ 511 - أَهْلُ الْحَدِيْثِ آخِراً وَقِدْمَا ... أَمَّا إذا مَا الشَّيْخُ لَمْ يَنْظُرْ مَا [100 - ب] 512 - أَحْضَرَهُ الطَّالِبُ لَكِنْ اعْتَمَدْ ... مَنْ أَحْضَرَ الْكِتَابَ وَهْوَ مُعْتَمَدْ 513 - صَحَّ وَإِلاَّ بَطَلَ اسْتِيْقَانَا ... وَإِنْ يَقُلْ: أَجَزْتُهُ إِنْ كَانَا 514 - ذَا مِنْ حَدِيْثِي، فَهْوَ فِعْلٌ حَسَنُ ... يُفِيْدُ حَيْثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ الشرح: من صور المناولة المقرونة بالإجازة أن يناوله الشيخُ الكتابَ، ويجيز له روايته، ثم يرتجعه منه في الحال، فهي صحيحة، ولكنها دون الصورة المتقدمة لعدم احتواء الطالب عليه وغيبته عنه. وقوله: «المجاز» (خ) يعني والمجاز له، وهو مبتدأ خبره «أَدَّى» أي: ومن تناول على هذه الصورة فله أن يؤدي من الأصل الذي نَاوَلَهُ الشيخُ واسترده إذا ظفر به، مع غلبة ظنه بسلامته من التغيير، أو من فَرْعٍ مُقَابَلٍ به كذاك، وهذا معنى قوله: «قد وافَقَت مَرْوِيَّه» أي: الكتاب الذي تناوله، إما بكونه من الكتاب المناول نفسه مع غلبة السلامة، أو من نسخة موافقة بمقابلته، أو إخبار ثقة بموافقتها، ونحو ذلك. وقوله: «وهذه» أي: هذه الصورة من صور المناولة لا مَزِيَّةَ لها على الإجازة بكتابٍ مُعَيَّنٍ عند المحققين على ما نقله عياض، وبه رَدَّ على ابن الصلاح في حكايته ذلك عن غير أهل التحقيق من الفُقَهَاء والأصوليين. وقوله: «لكن» (خ) يعني لكن قديماً وحديثاً شيوخنا [101 - أ] من أهل الحديث يرون لها مزية على الإجازة.

وقوله: «أما» (خ) من صور المناولة: أن يُحْضِرَ الطالبُ الكتابَ للشيخ فيقول: هذا روايتك فناولنيه وأَجِزْ لي روايته، فلا ينظر فيه الشيخ، ولا يتحقق أنه روايته، ولكن اعتمد خَبَرَ الطالب، والطالب ثقة يعتمد على مثله، فأجابه إلى ذلك، صَحَّت المناولة والإجازة. وقوله: «وإلا» (خ) يعني وإن لم يكن الطالبُ موثوقاً به بخبره ومعرفته، فإنه لا تجوز هذه المناولة ولا تَصِحُّ، ولا الإجازة. وقوله: «وإن يَقُل» (خ) يعني: فإن ناولَهُ وأَجَازَه ثم تَبَيَّنَ بعد ذلك بخبر ثقة يعتمد عليه أن ذلك كان من سماع الشيخ أو من مروياته، فهل يحكم بصحة المناولة والإجازة السابقتين؟ خلافٌ، واستظهر (ن) الصحة؛ لأنه تبين بعدُ صحةُ سماع الشيخ لما ناوله وأجازه، وزال ما كان يُخْشَى من عدم ثقة المخبر. وقوله: 515 - وإنْ خَلَتْ مِنْ إذْنِ المُنَاْولَهْ ... قِيْلَ: تَصِحُّ والأَصَحُّ بَاْطِلَهْ الشرح: هذا النوع الثاني من نوعي المناولة، وهو المُجَرَّد عن الإجازة، كأن يناوله كتاباً، ويقول: «هذا سماعي» مقتصراً عليه، ولا يقول له: اروه عني، ولا أجزت لك روايته، ونحوه. وفيها خلافٌ، فحكى الخطيبُ عن طائفةٍ صحتَهَا، والرواية بها، وقال [101 - ب] ابن الصلاح: عَابَهَا غيرُ واحدٍ من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها. وقوله: «والأصح» (خ) يعني: فلا يجوز الرواية بها.

كيف يقول من روى بالمناولة والإجازة؟

كَيْفَ يَقُوْلُ مَنْ رَوَى بِالمُنَاولَةِ وَالإِجَاْزَةِ؟ قوله: 516 - وَاخْتَلَفُوا فِيْمَنْ رَوَى مَا نُوْوِلاَ ... (فَمَالِكٌ) وَ (ابْنُ شِهَابٍ) جَعَلاَ 517 - إِطْلاَقَهُ (حَدَّثَنَا) وَ (أَخْبَرَا) ... يَسُوْغُ وَهْوَ لاَئِقٌ بِمَنْ يَرَى 518 - الْعَرْضَ كَالسَّمَاعِ بَلْ أَجَازَه ... بَعْضُهُمُ في مُطْلَقِ الإِجَازَهْ 519 - وَ (الْمَرْزُبَانِيْ) وَ (أبو نُعَيْمِ) ... أَخْبَرَ، وَالصَّحِيْحُ عِنْدَ القَوْم 520 - تَقْيِيْدُهُ بِمَا يُبيِنُ الْوَاقِعَا ... إِجَازَةً تَنَاولاً هُمَا مَعَا 521 - أَذِنَ لِي، أَطْلَقَ لِي، أَجَازَنِي ... سَوَّغَ لِي، أَبَاحَ لِي، نَاولَنِي 522 - وَإِنْ أَبَاحَ الشَّيْخُ لِلْمُجَازِ ... إِطَلاَقَهُ لَمْ يَكْفِ فِي الْجَوَاز الشرح: هذا كالتفريع على المناولة، وهو أنهم اختلفوا في عبارة الراوي لما تحمَّلَهُ بطريق المناولة. فعن جماعة منهم الزهري، ومالك، إطلاق: «حدثنا» و «أخبرنا»، وهو مقتضى قول بقية مَنْ جَعَلَهُ سماعاً (¬1). ¬

(¬1) وعبارة الناظم في «شرحه» (1/ 445): وهو لائقٌ بمذهب من يرى عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعاً.

وقوله: «بل» (خ) يعني أنه حُكِىَ عن قومٍ جواز إطلاق «حدثنا» و «أخبرنا» في الرواية بالإجازة مطلقاً، وحكاه عياضٌ عن ابن جُرَيج وجماعةٍ من المتقدمين، وحكى الوليد بن بكر أنه مذهب مالكٍ وأهل المدينة، وذَهَبَ إليه إمامُ الحرمين، وخالفه غيرُهُ [102 - أ] من الأصوليين. وقوله: «والمرزباني» (خ) يعني أَنَّ من ذُكِرَ أطلق في الإجازة «أخبرنا» من غير بيان، وحكى الخطيبُ أن المرزباني عُيِّرَ بذلك. فقوله: «أخبرا» أي: أطلقا لفظ أخبر في الإجازة. وقوله: «والصحيح» (خ) يعني: أن الصحيح المختار الذي عليه الجمهور، واختاره أهل التحري والورع: المنع من إطلاق «حدثنا» و «أخبرنا» ونحوهما، في المناولة والإجازة، وتقييد ذلك بعبارة تبين الواقع في كيفية التحمل، وتُشْعِر به، كحدثنا إجازةً، أو مناولةً، أو إذناً، أو أجازني، أو ناولني، ونحو ذلك. وقوله: «وإن أباح» (خ) يعني إن أباح المجيز للمجاز إطلاق «أنا» أو «ثنا» في الإجازة أو المناولة، لم يَجُزْ له ذلك، كما يفعلُهُ بعض المشايخ على إجازتهم، فيقولون عَمَّن أجازوا له: إن شاء قال: «حدثنا»، وإن شاء قال: «أخبرنا». قلت: «والمرزباني» بفتح الميم، وسكون الراء، وضم الزاي، وبعده باء موحدة، منسوب إلى المَرْزُبان، اسم جَدِّه، وهو محمد بن أحمد بن محبوب

بن فضيل المروزي، أحد رواة كتاب (ت) عن (ت) (¬1)، انتهى. وقوله: 523 - وَبَعْضُهُمْ أَتَى بِلَفَظٍ مُوْهِمْ ... (شَافَهَنِي) (كَتَبَ لِي) فَمَا سَلِمْ 524 - وَقَدْ أَتَى بِـ (خَبَّرَ) الأوزَاعِيْ ... فِيْهَا وَلَمْ يَخْلُ مِنَ النِّزَاع 525 - وَلَفْظُ ((أَنْ)) اخْتَارَهُ (الْخَطَّابي) ... وَهْوَ مَعَ الإِسْنَادِ ذُوْ اقْتِرَابِ [102 - ب] 526 - وَبَعْضُهُمْ يَخْتَارُ فِي الإِجَازَهْ ... (أَنْبَأَنَا) كَصَاحِبِ الْوِجَازَهْ 527 - وَاخْتَارَهُ (الْحَاكِمُ) فِيْمَا شَافَهَهْ ... بِالإِذْنِ بَعْدَ عَرْضِهِ مُشَافَهَهْ 528 - وَاسْتَحْسَنُوْا لِلْبَيَهْقَيْ مُصْطَلَحا ... (أَنْبَأَنَا) إِجَازَةً فَصَرَّحَا 529 - وَبَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ اسْتَعْمَلَ عَنْ ... إِجَازَةً، وَهْيَ قَرِيْبَةٌ لِمَنْ 530 - سَمَاعُهُ مِنْ شَيْخِهِ فِيْهِ يَشُكّْ ... وَحَرْفُ (عَنْ) بَيْنَهُمَا فَمُشْتَرَكْ 531 - وَفِي الْبُخَارِيْ قَالَ لِي: فَجَعَلَهْ ... حِيْرِيُّهُمْ لِلْعَرْضِ وَالمُنَاولَهْ الشرح: هذه ألفاظ استُعْمِلَت في الرواية بالإجازة، منها: «شافهني فلانٌ» أو «مشافهة»، إذا شافهه بالإجازة لفظاً، ومنها: «كتب لي» في الإجازة بالكتابة، أو إلى فلان، أو كتابه، أو في كتابه وهذه وإن استُعْمِلَت فلا يَسْلَمُ مَن استعملها من الإبهام، وطَرْفٍ من التدليس، وهو واضح. وقوله: «وقد أتى» (خ) ومنها لفظ خَبَّرَنَا (¬2) ورد عن الأوزاعي تخصيص ¬

(¬1) أي أنه أحد رواة كتاب الترمذي عن مُصَنِّفه. (¬2) في الأصل: أخبرنا. خطأ.

الإجازة بها، والقراءة بأخبرنا. وقوله: «ولم يخل» (خ) يعني أن معنى خَبَّرَ وأَخْبَرَ واحدٌ لغةً واصطلاحاً متعارفاً بينهم. وقوله: «ولفظ أن» (خ) ومنها لفظ «أنَّ»، يعني: بفتح الهمزة، وتشديد النون، فيقول في الرواية بالسماع عن الإجازة: «أخبرنا فلانٌ أن فلاناً حدثه»، أو أخبره، واختاره الخطَّابي أو حكاه. وقوله: «وهو» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: إن هذا الذي [103 - أ] اختاره الخَطَّابي فيما إذا سَمِعَ منه الإسناد فحسب، وأجاز له ما رواه قريبٌ، لما كان فيها من الإشعار بوجود أصل الإخبار، وإن أجمل المخبر به. وقوله: «وبعضهم» (خ) ومنها: «أنبأنا» في الإجازة، فهي عند المتقدِّمين بمنزلة «أخبرنا» وحكى عياضٌ عن شعبة أنه قال في الإجازة به (¬1) مرةً «أنبأنا» وأخرى «أخبرنا»، ومصطلحُ قومٍ من المتأخرين إطلاقها في الإجازة، واختاره صاحب «الوجازة». وقوله: «واختاره» (خ) يعني أن الحاكم قال: الذي اختاره، وعهدتُ عليه أكبر مشايخي، وأئمة عصري، أن يقول فيما عُرِضَ على المحدِّث فأجازه شفاهاً: «أنبأني»، وكان البيهقي يقول في الإجازة: «أنبأنا إجازةً»، وفيه التصريح بالإجازة. ¬

(¬1) كذا، وكأن [به] حشو.

وقوله: «وبعض» (خ) ومنها لفظ «عن»، وكثيراً يأتي بها بعض المتأخرين في مَوْضِع الإجازة. وقوله: «وهي قريبةٌ» (خ) قال ابن الصلاح: وذلك قريبٌ فيما إذا كان سَمِعَ منه بإجازته من شيخه إن لم يكن سماعاً فإنه شاك. و «حرف عن» مشترك بين السماع والإجازة صادق عليهما. وقوله: «فمشترك». قلت: خبرٌ عن المبتدأ الذي هو «وحرف عن»، ودخلت الفاء على حد قوله: ويحدِّثُ ناسٌ والصغير فيكبر، وهو مذهب الأخفش خاصةً. وقول (ن) في (ش) (¬1) على رأي الكسائي [103 - ب] لا أعرفه، ولعله من طُغْيَان القلم منه، أو من الناسخ، أو سهو، فاعرفه، والله تعالى أعلم. وقوله: «وفي البخاري» (خ) ومنها «قال لي»، وكثيراً يعبر بها (خ)، كما قال الحيري: كلما قال البخاري: «قال لي فلان» فهو عرضٌ ومناولة، وهي كأخبرنا، وكثيراً تستعمل في المذاكرة، وجعلها بعضهم من التعليق، وابن منده جعلها إجازة. وقوله: «حِيْرِتُهم». قلت: يعني به الحيري بكسر الحاء المهملة، وإسكان الياء المثناة تحت، وبعده راء مهملة، فياء مُشَدَّدة، نسبةً إلى الحِيَرة التي عند الكوفة، ومنها أبو عمروٍ محمد بن أحمد بن حمدان النيسابوري، روى عنه أبو عبد الله الحاكم. ¬

(¬1) (1/ 448).

الخامس: المكاتبة

الْخَامِسُ: الْمُكَاتَبَةُ قوله: 532 - ثُمَّ الْكِتَابَةُ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَوْ ... بِإِذْنِهِ عَنْهُ لِغَائِبٍ وَلَوْ 533 - لِحَاضِرٍ فَإِنْ أَجَازَ مَعَهَا ... أَشْبَهَ مَا نَاوَلَ أَوْ جَرَّدَهَا 534 - صَحَّ عَلى الصَّحِيْحِ وَالْمَشْهُوْرِ ... قَالَ بِهِ (أَيُّوْبُ) مَعْ (مَنْصُورِ) 535 - وَالْلَيْثُ وَالسَّمْعَانِ قَدْ أَجَازَهْ ... وَعَدَّهُ أَقْوَى مِنَ الإِجَازَهْ 536 - وَبَعْضُهُمْ صِحَّةَ ذَاكَ مَنَعَا ... وَصَاحِبُ الْحَاوِيْ بِهِ قَدْ قَطَعَا الشرح: هذه الطريق الخامس من طُرُق التحمل للحديث، وهو: المكاتبة، وهو: أن يكتبَ الشيخُ مسموعَه لغائبٍ، أو حاضرٍ [104 - أ] بخطِّه، أو بإذنه. وهي أيضاً قسمان: الأول: الكتابة المقرونة بالإجازة، بأن يكتب إليه ويقول: «أجزت لك ما كتبته لك»، ونحوه، وهي في الصِّحَّة والقوة كالمناولة المقرونة بالإجازة. وقوله: «أو جَرَّدَها» (خ) هذا القسم الثاني من قِسْمَي الكتابة، وهي الكتابة المُجَرَّدة عن الإجازة، فهي صحيحة يجوز الرواية بها على الصحيح المشهور بين أهل الحديث، وقال به الكثير من المتقدمين والمتأخرين: السختياني، ومنصور، والليث، وغيرهم. ومنهم: السمعاني أبو المظفر، وجَعَلَهَا أقوى من

الإجازة. وفي الصحيح أحاديث من هذا النوع: منها: حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص في مسلمٍ قال: كتبت إلى جابر بن سَمُرَة مع غلامي نافع: أن أَخْبِرْني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكتبَ إليَّ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعةٍ، عَشِيَّة رُجِمَ الأَسْلَمي (ح). وفي (خ) من كتاب الأيمان والنذور: كَتَبَ إليَّ محمد بن بشار. وقوله: «وبعضهم» (خ) يعني أن قوماً آخرين منعوا صحة ذلك، وبه قطع الماوردي في «الحاوي». وقوله: 537 - وَيَكْتَفِي أَنْ يَعْرِفَ الْمَكْتُوْبُ لَهْ ... خَطَّ الَّذِي كَاتَبَهُ وَأَبْطَلَهْ 538 - قَوْمٌ لِلاشْتِبَاهِ لَكِنْ رُدَّا ... لِنُدْرَةِ اللَّبْسِ وَحَيْثُ أَدَّى 539 - فَاللَّيْثُ مَعْ مَنْصُوْرٍ اسْتَجَازَا ... (أَخْبَرَنَا)، (حَدَّثَنَا) جَوَازَا [104 - ب] 540 - وَصَحَّحُوْا التَّقْيِيْدَ بِالْكِتَابَهْ ... وَهْوَ الِذَّي يَلِيْقُ بِالنَّزَاهَهْ الشرح: يعني أنه يكتفي في الرواية بالكتابة أن يعرف المكتوبُ له خَطَّ الكاتب، وإن لم تَقُم البينة عليه. وقوله: «وأَبْطَلَه» (خ) يعني: أن منهم من قال: الخط يُشبه الخط فلا يجوز الاعتماد على ذلك.

وقوله: «لكن» (خ) يعني أن هذا القول غير مَرْضِي لنُّدرة الاشتباه، والظاهر أن خَطَّ الإنسان لا يشتبه بغيره، ولا يقع فيه إلباس. وقوله: «وحيث» (خ) يعني أنهم اختلفوا في اللفظ [الذي] (¬1) يؤدي به مَنْ تَحَمَّل الكتابة، فذهب غيرُ واحدٍ ومنهم الليث ومنصور إلى جواز إطلاق «حدثنا» و «أخبرنا». وقوله: «وصححوا» (خ) يعني أن المختار الصحيح اللائق بمذاهب أهل التحري والنزاهة، أن يُقَيّد ذلك بالكتابة، فيقول حدثنا أو أخبرنا كتابةً، أو مكاتبةً ونحو ذلك. قلت: «والنزاهة» بفتح النون، وبعده زاي، فألف، فهاء تأنيث (¬2). قال في «الصحاح»: البُعد من السوء، انتهى. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) كذا، ولعله أراد: فهاء، فهاء تأنيث.

السادس: إعلام الشيخ

السَّادِسُ: إِعْلاَمُ الشَّيْخِ قوله: 541 - وَهَلْ لِمَنْ أَعْلَمَهُ الشَّيْخُ بِمَا ... يَرْوِيْهِ أَنْ يَرْوِيَهُ؟ فَجَزَمَا 542 - بِمَنْعِهِ (الطُّوْسِيْ) وَذَا الْمُخْتَارُ ... وَعِدَّةٌ (كَابْنِ جُرَيْجٍ) صَارُوْا 543 - إلى الْجَوَازِ وَ (ابْنُ بَكْرٍ) نَصَرَهْ ... وَصَاحِبُ الشَّامِلِ جَزْماً ذَكَرَهْ 544 - بَلْ زَادَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ لَوْ مَنَعَهْ ... لَمْ يَمْتَنِعْ، كَمَا إذا قَدْ سَمِعَهْ [105 - أ] 545 - وَرُدَّ كَاسْتِرْعَاءِ مَنْ يُحَمَّلُ ... لَكِنْ إذا صَحَّ، عَلَيْهِ الْعَمَلُ الشرح: الطريق السادس من طرق [أخذ] (¬1) الحديث وتحمله: إعلام الشيخ للطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه من فلان، أو روايته، من غير أن يأذن له في روايته عنه. وقد اختُلِف في جواز روايته له بمجرَّد ذلك؛ فذهب غير واحدٍ من المحدثين وغيرهم إلى المنع من ذلك، و [به] (¬2) قطع أبو حامد الطوسي من الشافعية. وقوله: «وعدَّة» (خ) يعني أنه ذهب الكثير ومنهم ابن جُرَيج إلى الجواز. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) زيادة من المصدر.

وقوله: «وابن بكر» (خ) يعني أن الجواز نصره ابن بكر الوليد الغَمْري -بفتح الغين المعجمة- في كتاب «الوجازة» له، وبه قطع ابن الصَّبَّاغ صاحب «الشامل»، وهو مذهب ابن حبيب من المالكية. وقوله: «بل زاد» (خ) يعني أن بعضهم -وعنى به القاضي أبا محمد بن خلَّاد الرامهرمزي- زاد على هذا فقال: حتى لو قال له هذه روايتي لكن لا تروها عني، ولا أجيزه لك، لم يضره ذلك. قال عياض: وما قاله صحيح لا نظر سواه (¬1) كما تقدم في السماع. وقوله: «ورُدَّ» (خ) يعني أن ابن الصلاح رَدَّ هذا قياساً على الشاهد يَذْكُرُ في مجلس الحكم شهادته بشيء، فليس لمن سمعه أن يشهد على شهادته؛ لعدم الإذن له، ولم يُشْهِدْه على شهادته، وذلك عنده مما تساوت فيه الرواية والشهادة. ورَدَّ ذلك عياضٌ وفَرَّقَ بينهما [105 - ب] بكون الشهادة لا تَصِح إلا مع الإشهاد والإذن في كل حالٍ، بخلاف الحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذنٍ باتفاق. وقوله: «كاسترعاء» (خ) يعني أن مسألة استرعاء الشاهد لمن يُحَمِّلُهُ شهادتَه لا يكفي فيها إعلامَه، بل لابُد من الإذن أن يشهد على شهادته، إلا إذا سمعه يؤدي عند الحاكم، فهو نظيرُ ما إذا سمعه يُحَدِّث بالحديث، فحينئذٍ لا يحتاج إلى إذنه في أن يرويه عنه، ولا يَضُرُّه مَنْعُه إذا منعه. ¬

(¬1) عبارة عياض التي نقلها الشارح (1/ 454): لا يقتضي النظر سواه.

وقوله: «لكن» (خ) يعني هذا كله في الرواية بإعلام الشيخ أما العمل بما أخبره الشيخ أنه سماعه فإنه يجب عليه إذا صح إسناده والله أعلم. وقوله: «الطُّوسي»، قلت: هو بضم الطاء، وإسكان الواو، بعده سين مهملة، نسبة إلى طُوس قرية من قرى بُخارى والمراد به أبو حامد الغزالي، كذا قَرَّر (ن) (¬1) لوجود ذلك في نص «المستصفى». قلت: ولد -رحمه الله- بطُوس، وكان والده رحمه الله يَغْزِلُ الصُّوفَ، ويبيعه في دكانه بطوس. قال ابن الصلاح: ومن غرائب الغزالي ما ذَكَرَهُ أخوه على رأس المنبر، قال: سمعت أخي حجة الإسلام يقول: إن الميت من حين يوضع في النعش يوقَف في أربعين موقف يُسَائِلُهُ رَبُّهُ عز وجل. انتهى. ¬

(¬1) (1/ 453).

السابع: الوصية بالكتاب

السَّابِعُ: الوَصِيَّةُ بالكِتَابِ قوله: [106 - أ] 546 - وَبَعْضُهُمْ أَجَازَ لِلْمُوْصَى لَهُ ... بالْجُزْءِ مِنْ رَاوٍ قَضَى أَجَلَهُ 547 - يَرْوِيْهِ أَوْ لِسَفَرٍ أَرَادَهْ ... وَرُدَّ مَا لَمْ يُرِدِ الْوِجَادَهْ الشرح: هذا الطريق السابع من طُرُق الأخذ والتحمل: الوصية. وهو: أن الراوي عند موته أو سفره يوصي لشخصٍ بكتاب يرويه، فهل له أن يروي عنه بتلك الوصية؟ فجوَّزَ بعضُ السلف الموصَى له رواية ذلك عن الموصي كالإعلام. وروى الرامهرمزي من رواية حماد بن زيد عن أيوب قال: قلت لمحمد بن سيرين إن فلاناً أوصى لي بكتبه أفأحدث بها عنه؟ قال: نعم. ثم قال لي بَعْدَ ذلك: لا آمرك ولا أنهاك. وقوله: «ورد» (خ) يعني: أن ابن الصلاح رد هذا بأنه إما زلة عالمٍ أو مؤول على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة.

الثامن: الوجادة

الثَّامِنُ: الوِجَادَةُ قوله: 548 - ثُّمَ الوِجَادَةُ وَتِلْكَ مَصْدَرْ ... وَجَدْتُهُ مُوَلَّداً لِيَظْهَرْ 549 - تَغَايُرُ الْمَعْنَى، وَذَاكَ أَنْ تَجِدْ ... بِخَطِّ مَنْ عَاصَرْتَ أَوْ قَبْلُ عُهِدْ 550 - مَا لَمْ يُحَدِّثْكَ بِهِ وَلَمْ يُجِزْ ... فَقُلْ: بِخَطِّهِ وَجَدْتُ، وَاحْتَرِزْ 551 - إِنْ لَمْ تَثِقْ بِالْخَطِّ قُلْ: وَجَدْتُ ... عَنْهُ، أَوْ اذْكُرْ (قِيْلَ) أَوْ (ظَنَنْتُ) الشرح: الطريق الثامنة من طُرق أخذ الحديث ونقله: الوجادة بكسر الواو، وبعده جيم، فألف، فدال مهملة، فهاء تأنيث، مصدر [106 - ب] مُوَلّد لـ «وَجَدَ، يَجد»، وعن المعافى بن زكريا النَّهْرَواني: أن المولَّدين فَرَّعوا قولهم: «وجادة» فيما أُخذ من العلم من صحيفة، من غير سماع، ولا إجازة، ولا مناولة، من تفريق العرب بين مصادر «وَجَدَ» للتمييز بين المعاني المختلفة. قال ابن الصلاح: يعني قولهم: وَجَدَ ضالتَهُ وِجْدَاناً، ومطلوبَهُ وجوداً، وفي الغضب مَوْجِدَةً، وفي الغِنَى: وجداً، وفي الحب: وَجْداً. وفيه بحث (ن) استوفاه في (ش) (¬1). وقوله: «وذاك» (خ) يعني أن الوجادة: أن تجد بخط من عَاصَرْتَهُ لقيته أو لم ¬

(¬1) (1/ 457).

تلقه، أو لم تعاصِرْه بل كان قبلك، أحاديث يرويها أو غير ذلك مما لم تسمعه منه، ولم يُجِزْهُ لك، فلك أن تقول: وجدتُ بخط فلان أخبرنا فلان، وتسوق الإسناد والمتن، أو ما وجدته بخطه ونحو ذلك، هذا إذا وثق بخطه، فإن لم يثق فليحترز عن جزم العبارة فيقول: بَلَغني عن فلان، أو وجدتُ عنه، أو وجدت بخط قيل إنه خط فلان، ونحوه من العبارات المفصحة بالمستَنَد في كونه خَطِّه. وقوله: 552 - وَكُلُّهُ مُنْقَطِعٌ، وَالأَوَّلُ ... قَدْ شِيْبَ وَصْلاً مَا، وَقَدْ تَسَهَّلُوْا 553 - فيْهِ (بِعَنْ)، قالَ: وَهَذَا دُلْسَهْ ... تَقْبُحُ إِنْ أَوْهَمَ أَنَّ نَفْسَهْ 554 - حَدَّثَهُ بِهِ، وَبَعْضٌ أَدَّى ... (حَدَّثَنَا)، (أَخْبَرَنَا) وَرُدَّا [107 - أ] 555 - وَقِيْلَ: فِي الْعَمَلِ إِنَّ الْمُعْظَمَا ... لَمْ يَرَهُ، وَبالْوُجُوْبِ جَزَمَا 556 - بَعْضُ الْمَحُقِّقِيْنَ وَهْوَ الأَصْوَبُ ... وَ (لاِبْنِ إِدْرِيْسَ) الْجَوَازَ نَسَبُوْا الشرح: يعني أن كل ما ذُكر مِن الرواية بالوجادة منقطع، سواءً وثق بأنه خط من وجده عنه أم لا. وقوله: «والأول» (خ) يعني: أن الأول وهو ما إذا وثق بأنه خَطُّهُ أخذ شوباً من الاتصال، بقوله: وجدت بخط فلان. وقوله: «وقد تسهلوا» (خ) يعني أنه تسهل من أتى بلفظ «عن فلانٍ» في موضع الوجادة.

قال ابن الصلاح: وذلك تدليسٌ قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه. فقوله: «أنَّ نفسه» (خ) يعني نفس من وجد ذلك بخطه حدثه به. وقوله: «وبعض» (خ) يعني: أن بعضهم جازف فأطلق في الوجادة حدثنا وأخبرنا، فانتُقِد عليه ذلك. وقوله: «وقيل: في العمل» (خ) يعني: أن العمل بالوجادة لم يره المعظم من المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم هكذا حكاه عياض في «الإلماع». وقوله: «وبالوجوب» (خ) يعني: أن بعض المحققين من أصحاب الشافعي في أصول الفقه جزموا بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به، هكذا نقل ابنُ الصلاح عنهم. وقوله: «ولابن إدريس» (خ) يعني أن محمد بن إدريس الشافعي -رضي الله عنه- حُكِيَ عنه جواز العمل بها، وهو الذي نصره الجويني، واختاره غيره من المحققين كما قررنا. وقوله: [107 - ب] 557 - وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِ خَطّهِ فَقُلْ: ... (قالَ) وَنَحْوَهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ 558 - بِالنُّسْخَةِ الْوُثُوْقُ قُلْ: (بَلَغَنِيْ) ... وَالْجَزْمُ يُرْجَى حِلُّهُ لِلْفَطِن الشرح: يعني أنك إذا نقلت شيئاً من كتاب مصنِّف، فإن كانت بخط المصنف ووثقت بأنه خطه، فقل: وجدت بخط فلان واحك كلامه كما تقدم، وإن كانت بغير خطه فإن وثقت بصحة النسخة، بأن قابلها المصنف، أو وثقه غيره بالأصل، أو بفرع مقابَل، فقل: قال فلان، أو ذَكَر، ونحوه من ألفاظ

الجزم، وإن لم تَثِق فَقُل: بلغني عن فلانٍ ونحوه مما لا جَزْم فيه. وقوله: «والجزم» (خ) قال ابن الصلاح: إن كان المطالع عالماً فَطِناً لا يخفَى عليه مواضع الإسقاط غالباً والسقط، رجونا أن يُطْلِقَ اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك، واستروح إليه الكثير من المصنفين فيما نقلوه من كُتُبِ الناس والعلم عند الله تعالى.

كتابة الحديث وضبطه

كِتَابَةُ الْحَدِيْثِ وضَبْطُهُ قوله: 559 - وَاخْتَلَفَ الِصّحَابُ وَألأَتْبَاعُ ... فِي كِتْبَةِ الْحَدِيْثِ، وَالإِجْمَاعُ 560 - عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَهُمْ بالْجَزْمِ ... لِقَوْلِهِ: (اكْتُبُوْا) وَكَتْبِ (السَّهْمِيْ) الشرح: النوع الثالث في كتابة الحديث وضبطه وفيه فصول: الفصل الأول: اختلف السَّلَفُ في كتابة [108 - أ] الحديث؛ فكرهها طائفة منهم كعُمَر، وبن مسعود، وزيد بن ثابتٍ، وأبي موسى، والخدري، وجماعة من الصحابة والتابعين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن، ومَنْ كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه» أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد. وجَوَّزَه أو فعله جماعة من الصحابة منهم عمرو بن العاص، وأنس، وجابر، وابن عباس، وابن عمر أيضاً، وعمر بن عبد العزيز، وجماعة من التابعين فيما حكاه عياض. وقوله: «والإجماع» (خ) كذا قال عياض: ثم أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف. ومما يدل على الجواز قوله صلى الله عليه وسلم في «الصحيح»: «اكتبوا لأبي شاة».

وروى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كُلَّ شيءٍ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، وفيه أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب. قلت: وعن الصاحب أبي القاسم بن عباد إسماعيل قال: من لم يكتب الحديث لم يجد حلاوة الإسلام. وفي (خ) عن أبي هريرة قال: ليس أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أَكْثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب. فهذان (¬1) هما المراد [108 - ب] بقول (ن) «وكتب السهمي» يريد عبد الله بن عمرو بن العاص. قلت: «والسَّهْمي» بفتح السين المهملة، وإسكان الهاء، وبعده ميم، نسبةً إلى سَهْم جُمح، ونسب إليه جماعة من العلماء، منهم أبو حذافة السهمي، حدث عن مالك، وحاتم بن إسماعيل، حدث عنه جماعة منهم أبو عبد الله بن ماجه القزويني، لا سَهْم باهلة، ولا إلى عمل السَّهم كما نبه على ذلك ابن نقطة في «الذيل» على كتاب أبي موسى وابن طاهر المقدسي. انتهى. وقوله: «الصِّحاب»، قلت: هو بكسر الصاد، واحِدُهُ صاحب، كجائع وجياع، وأنشد على ذلك الجوهري في «الصِّحاح» قول الشاعر: وقالتِ صِحَابي قد شأوتُك فاطلب انتهى. ¬

(¬1) أي: هذان الحديثان.

وقوله: 561 - وَيَنْبَغِي إِعْجَامُ مَا يُسْتَعْجَمُ ... وَشَكْلُ مَا يُشْكِلُ لاَ مَا يُفْهَمُ 562 - وَقِيْلَ: كُلِّهِ لِذِي ابْتِدَاءِ ... وَأَكَّدُوْا مُلْتَبِسَ الأَسْمَاء 563 - وَلْيَكُ فِي الأَصْلِ وَفِي الْهَامِشِ مَعْ ... تَقْطِعْيِهِ الْحُرُوْفَ فَهْوَ أَنْفَعْ الشرح: هذا الفصل الثاني من فصول النوع الثالث، وهو أنه ينبغي للطالب أن يضبط كتابه بالنقط والشكل ليؤديه كما سمعه. قال (ن) (¬1): وروينا عن الأوزاعي قال: العَجْمُ نور الكتاب. وقوله: «إعجام»، الإعجام: النقط، وهو أن يبين التاء من الباء، والحاء من الخاء، والشكل تقييد الإعراب. وقوله: «لا ما [109 - أ] يُفهم» يعني أنهم اختلفوا هل يُقتصر على ضَبْطٍ المشكِل، أو هو وغيره؟ فقال البغدادي علي بن إبراهيم في كتاب «سمات الخط ورقومه»: أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس. وصَوَّبَهُ عياض، ولا سيما للمبتدئ وغير المتبحر في العلم، فإنه لا يُمَيِّز ما يشكل، مما لا يشكل ولا صواب وجه الإعراب للكلمة من خطئه. وقوله: «وكله» هو بالجر عطفاً على «ما يُشكل» المخفوض بإضافة وشكل، أي: وينبغي شكل كله. وقوله: «لِذِى ابتداء» تعليل لمن يقول بشكل الكُلِّ لأجل المبتدئ, فهو ¬

(¬1) (1/ 465).

مشكل عليه، وربما ظن أن الشيء غير مشكل لوضوحه، وهو في الحقيقة محل نظر يحتاج إلى الضبط، ووقع من العلماء اضطراب في مسائل مرتبة على إعراب الحديث كحديث ذكاة الجنين ونحوه، والأحاديث التي يترتب الاحتجاج بها على الإعراب. وقوله: «وكذا» (خ) يعني أنه ينبغي الاعتناء بضبط ما يَلْتَبِس من الأسماء قال أبو إسحاق النَّجِيرَمي بفتح النون، وكسر الجيم، وإسكان المثناة تحت، وفتح الراء المهملة، وكسر الميم: أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس؛ لأنه لا يدخله القياس، ولا قبله ولا بعده شيء يدل عليه. وذكر النسائي أن عبد الله بن إدريس قال: لما حدثني [109 - ب] شعبة بحديث أبي الحوراء السَّعدي عن الحسن، كتبنا تحته: «حور عين» لئلا أغلط، فيقرأه بالجيم والزاي. وقوله: «وَلْيَكُ». قلت: هو بإسكان اللام، بعد الواو، على حد «ولينفق» (¬1) في قراءة، ومعنى هذا أن صورة ضبط المشكل فيما نصه عياض في «الإلماع» بأنه جرى رسم المشايخ، وأهل الضبط، أن تَرْسُمَ ذلك الحرف المشكل مفرداً في حاشية الكتاب، قبالة الحرف بإهماله أو نقطه، وعُلِّلَ بأن الانفراد يرفع إشكال اللبس بضبط ما فوقه وما تحته من السطور، لا سيما مع دقة الكتاب وضيق الأسطر. وقوله: «مع تقطيعه الحروف». قلت: هو بنصب الحروف بـ «تقطيعه»، ¬

(¬1) كذا والآية: «لينفق ذو سعة ... ».

ومعناه أن حروف الكلمة المشكلة التي تُكتب في هامش الكتاب تُكتب مُقَطَّعَة. قال (ن) (¬1): ورأيت غير واحدٍ من أهل الضبط يفعله، وهو حسن، وفائدته أنه يُظْهر شكل الحرف بكتابته مفرداً في بعض الحروف، كالنون، والياء المثناة تحت، بخلاف ما إذا كتبت الكلمة كلها، والحرف المذكور في أولها أو وسطها. قال ابن دقيق العيد في «الاقتراح»: ومِنْ عادة المتقدمين أن يبالغوا في إيضاح المشكل، فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية، ويضبطوها حرفاً حرفاً. وقوله: 564 - وَيُكْرَهُ الْخَطُّ الرَّقِيْقُ إِلاَّ ... لِضِيْقِ رَقٍّ أَوْ لِرَحَّالٍ فَلاَ [110 - أ] 565 - وَشَرُّهُ التَّعْلِيْقُ وَالْمَشْقُ، كَمَا ... شَرُّ الْقِرَاءَةِ إذا مَا هَذْرَمَا الشرح: يعني أنه يكره الخط الدقيق؛ لعدم النفع به من نظره ضعيف، وربما ضُعف النظر لكاتبه بعد، كما قال الإمام أحمد لابن أخيه حنبل بن إسحاق ورآه يكتب خطاً دقيقاً: لا تفعل، أحوجَ ما تكون إليه يخونك. وقوله: «إلا لضيقٍ» (خ) يعني فإن كان ثَمَّ عذر كضيق الورق، أو الرَّق الذي يُكتب فيه، أو كان رحَّالاً في طلب العلم يَحْمِلُ كتبه معه فيخف الحمل، فلا يُكره ذلك. ¬

(¬1) (1/ 467).

وقوله: «وشَرُّه» (خ) يعني: أنه يُسْتَحَبُّ تحقيق الخط وتجويده بلا مشقٍ وتعليقٍ. ونقل ابن قتيبة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: شر الكتابة المشق، وشر القراءة الهَذْرَمَة، وأجود الخط أبينه. والمَشْق: بفتح الميم، وإسكان الشين المعجمة، وبعده قاف: سُرْعَة الكتابة. وهذرم: بالهاء، والذال المعجمة، والميم: السرعة في القراءة. وقوله: 566 - وَيُنْقَطُ الْمُهْمَلُ لاَ الْحَا أَسْفَلاَ ... أَوْ كَتْبُ ذَاكَ الْحَرْفِ تَحْتُ مَثَلاَ 567 - أَوْ فَوْقَهُ قُلاَمَةً، أَقْوَالُ ... وَالْبَعْضُ نَقْطَ الِسّيْنِ صَفّاً قالَوْا 568 - وَبَعْضُهُمْ يَخُطُّ فَوْقَ الْمُهْمَلِ ... وَبَعْضُهُمْ كَالْهَمْزِ تَحْتَ يَجْعَل الشرح: بَيَّنَ كيفية ضَبْطِ الحرف المهمل. فقال القاضي عياض: وسبيل الناس في ضبطها يختلف، فمنهم من يَقْلِبُ النقط الذي [110 - ب] فوق المعجم تحت ما شاكلها من المبهمات، فينقط تحت الراء، والصاد، والطاء، والعين، ونحوها من المهملات. واختُلِفَ في كيفية نقط السين المهملة من تحت، فقيل: كصورة النقط من فوق. وقيل: شكلهما يختلف فيجعل النقط فوق المعجمة كالأثافي، وتحت المهملة مبسوطة صفاً. وقوله: «لا الحاء» (خ) استثناء لبعض الحروف المهملة مما ينقط تحته، وهو الحاء وإلا فلو فعل ذلك لاشتبهت بالجيم، فلا يدخل هذا الحرف في عموم هذه العلامة للمُهْمَل.

والعلامة الأخرى للحرف المهمل: أن يكتب ذلك الحرف المهمل بعينه مفرداً تحت الحرف المشار إلى إهماله، فيجعل تحت الحاء حاء مفردة صغيرة، وكذا الدال، والصاد، والطاء، والعين. قال القاضي: وهو عَمَلُ بَعْضِ أهل المشرق والأندلس. وقوله: «أو فوقه» (خ) العلامة الثالثة: أن يجعل فوق الحرف المهمل صورة هلال كعلامة ظفر مُضْجَعَة على قفاها. وقوله: «وبعضهم» (خ) العلامة الرابعة أن يجعل فوق المهمل خط صغير. قال ابن الصلاح: ووُجِدَ ذلك في كتب من الكتب القديمة، ولا يفطن له كثيرون. قال شيخنا: وسمعت بعضُ أهل الحديث يفتح الراء من «رضوان»، فقلت له في ذلك، فقال: ليس لهم رضوان بالكسر [111 - أ]، فقلت: إنما سُمِّي بالمصدر وهو بالكسر، فقال: وجدته بخط فلان بالفتح وسمى من لا يحضرني ذكره الآن ثم إني وجدت بعد ذلك في بعض الكتب القديمة هذا الاسم وفوقه فتحة فتأملت هذا الكتاب فإذا هو يَخُطُّ فوق الحرف المهمل خطاً صغيراً، فعرفت أنه علامة الإهمال لا الفتح، وأن الذي قال الفتح من هاهنا أُتِي. وقوله: «وبعضهم» (خ) هذه العلامة الخامسة، وهو أن يجعل تحت الحرف المهمل مثل الهمزة، حكاه ابن الصلاح، وذكر عياض أن منهم من يقتصر على مثال النبرة تحت الحرف المهمل. فقوله: «أو كَتْبُ» هو بالرفع خبراً لمبتدأ محذوف، أي: علامتُهُ كَتْبُ ذاك.

وقوله: 569 - وَإِنْ أَتَى بِرَمْزِ رَاوٍ مَيَّزَا ... مُرَادَهُ وَاخْتِيْرَ أَنْ لاَ يَرْمِزَا الشرح: جَرَت العادة عند المحدثين إذا سمعوا الكتاب من طُرُق أن يبينوا اختلاف الروايات إن اختلفت على ما سنبين، وبينوا عند ذكر لفظ كل رواية منها اسم راويها إما كاملاً -وهو الأولى وأدفع للبس-، وإما برمز يدل عليه كحرف أو حروف من اسمه، كما فعل اليونيني في نسخته من صحيح (خ) (¬1)، فإن بين مراده بتلك العلامات أول كتابه وآخره كما فعل اليونيني فلا بأس، وإلا فيُكره لما يوقع غيره من الحيرة في فهم مراده. وقوله: [111 - ب] 570 - وَتَنْبَغِي الدَّارَةُ فَصْلاً وَارْتَضَى ... إِغْفَالَهَا (الْخَطِيْبُ) حَتَّى يُعْرَضَا الشرح: يعني أنه ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دارة صورة O ويميز بينهما، ورَوَى ابن خلَّاد من رواية ابن أبي الزناد أن كتاب أبيه كان كذلك، وحكاه عن أحمد، والحربي، وابن جَرير. وقوله: «وارتضى» يعني أن الخطيب استحبَّ أن تكون الدارات غُفلاً، فإذا عارض فكلُّ حديث يُفْرَغ من عَرْضِه ينقط في الدَّارة التي تليه نقطة، أو يخط في وسطها خطاً، قال: وكان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك أو في معناه. قلت: والإغفال بالغين المعجمة، والفاء، واللام، من أغفل، والإغفال: ¬

(¬1) أي: البخاري.

الموات، يقال أرض غُفْل بضم الغين وإسكان الفاء: لا علم بها، ولا أثر عمارة. وعن الكسائي: أرض غُفْل: لم تمطر، ودابةٌ غُفل: لا سِمَة عليها، وقد أغفلتها: إذا لم تسمها، ومنه رجل غُفل: لم يجرب الأمور. انتهى. وقوله: 571 - وَكَرِهُوْا فَصْلَ مُضَافِ اسْمِ اللهْ ... مِنْهُ بِسَطْرٍ إِنْ يُنَافِ مَا تَلاَهْ الشرح: يعني أنه يُكْرَه أن يُفْصَل في الخط بين ما أضيف إلى اسم الله تعالى، وبين اسم الله تعالى، في مثل عبد الله بن فلان، وغيره من الأسماء، فَيَكْتُب عبد في آخر سطرٍ، ويكتب في السطر الآخر اسم الله، ونص الخطيب على المنع من ذلك، وقَبَّحَه، وغَلَّط فاعلَه نصاً عن أبي [112 - أ] عبد الله بن بَطَّه. وعليه فقول (ن) «وكرهوا» تبعاً لابن الصلاح محمول على التحريم. قال الخطيب: ومما أكرهه أن يُكتب: «قال رسول» في آخر السطر ويكتب في أول السطر، الذي يليه «الله صلى الله عليه وسلم». قال (ن) (¬1): ولا يختص ذلك باسم الله تعالى، بل الحُكْمِ كذلك في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، كما لو قيل: سابُّ النبي صلى الله عليه وسلم كافر، أو قاتل بن صفية في النار، يريد الزبير بن العوام ونحوه، فلا يجوز أن يكتب «ساب» و «قاتل» في سطر، وما بعد ذلك في آخَر، فيجتنب ذلك، ولو وقع في غير المتضايفين كقوله في حديث شارب الخمر الذي أتى به النبي ¬

(¬1) (1/ 473).

صلى الله عليه وسلم وهو ثمل: فقال عمر: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به فلا يجوز أن يكتب «فقال» في آخر سطر، و «عمر» وما بعده في أول السطر الذي يليه. وقوله: «إن يناف» (خ) يعني فإذا لم يكن في شيء من ذلك مما بعد الاسم ما ينافيه، بأن يكون الاسم آخر الكتاب، أو آخر الحديث، ونحوه، أو يكون بعده شيء ملائم له، غير منافٍ له، فلا بأس بالفصل، نحو قوله آخر البخاري: «سبحان الله العظيم»؛ فإنه إذا فصل بين المضاف والمضاف إليه كان أول السطر: «الله العظيم»، ولا منافاة في ذلك، وجمعها في سطر مع ذلك أولى. وقوله: 572 - وَاكْتُبْ ثَنَاءَ (اللهِ) وَالتَّسْلِيْمَا ... مَعَ الصَّلاَةِ للِنَّبِي تَعْظِيْمَا [112 - ب] 573 - وَإِنْ يَكُنْ أُسْقِطَ فِي الأَصْلِ وَقَدْ ... خُوْلِفَ فِي سَقْطِ الصَّلاَةِ (أَحْمَدْ) 574 - وَعَلَّهُ قَيَّدَ بِالرَّوَايَهْ ... مَعْ نُطْقِهِ، كَمَا رَوَوْا حِكَايَهْ 575 - وَالْعَنْبَرِيْ وَابْنُ الْمُدِيْنِيْ بَيَّضَا ... لَهَا لإِعْجَالٍ وَعَادَا عَوَّضَا 576 - وَاجْتَنِبِ الرَّمْزَ لَهَا وَالْحَذْفَا ... مِنْهَا صَلاَةً أَوْ سَلاَماً تُكْفَى الشرح: يعني أنه ينبغي أن يحافظ على كتب الثناء على الله تعالى عند ذكر اسمه عز وجل، وكذلك كتابة الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ولا يَسْأم من تكراره، فالأجر عظيم، وقيل في قوله صلى الله عليه وسلم: «أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة» أنهم أهل الحديث. قلت: ونقل ابن الأَبَّار في «التكملة» عن ابن القاسم بن بشكوال، قال: قال

لي أبو الوليد محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن رضا سمعت أبي رحمه الله يقول عن أبي عبد الله بن فرج الفقيه رحمه الله تعالى أنه كان ينشد بيت حسان (¬1) رضي الله عنه: هجوت محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء فكان يقال له: ليس يتزن هكذا. فكان يقول: أنا لا أترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن بشكوال: لقد كان يعجبني ما كان يفعله، نفعه الله تعالى بنبيه في ذلك. انتهى. وقوله: «وإن يكن» (خ) يعني أن أصل سماعه إن كان فيه الثناء والصلاة والتسليم فواضح، وإن لم يكن فلا يتقيد به، بل [113 - أ] يتلفظ به ويكتبه. وقوله: «وقد خُولف» (خ) يعني: أن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وُجِد في خطه إغفال الصلاة والتسليم، وخالفه غيره من الأئمة المتقدمين، فيما نصه الخطيب. وقوله: «وعَلَّه» يعني: ولعل الإمام أحمد كان يَرَى التقييدَ في ذلك بالرواية، وعَزَّ عليه اتصالها في جميع من فوقه من الرواة. قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقاً لا خطاً، ومال إليه القشيري فيما نصه في «الاقتراح» وقال: فينبغي مع ذلك أن يُصْحِبَها قرينة تدل على ذلك فيرفع رأسه عن النظر في الكتاب، وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكياً ¬

(¬1) كذا.

[عن] (¬1) غيره. وقال عبد الله بن سنان: سمعت عباساً العنبري، وعلي بن المديني يقولان: ما تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كُلِّ حديث سمعناه، وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه. قال النووي: وكذا الترضي والترحم على الصحابة، والعلماء، وسائر الأخيار. قلت: «وابن المديني» بفتح الميم، وكسر الدال، وبعده ياء مثناة تحت ساكنة، فنون، نسبةً إمَّا إلى مدينة الرسول، أو إلى مدينة نيسابور، أو إلى مدينة أصبهان. قال ابن الأثير في «جامع الأصول»: وهذا أَحَد ما استُعمل فيه النَّسب خارجاً عن القياس؛ فإن قياسه المدني. وقال الجوهري في النسب إلى مدينة الرسول مدني، وإلى مدينة منصور مديني للفرق. انتهى كلامه [113 - ب]، وهو واضح، وعليه ذَيَّل ابنُ نقطة في كتابه «الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط والضبط» وهو كتاب بديع في فنه، ذَيَّل به على كتاب أبي موسى، وابن طاهر. وابن المديني هذا هو أبو الحسن علي بن عبد الله البصري، مدني الأصل، كان آية من آيات الله تعالى في معرفة الحديث وعلله. قال أبو حاتم: كان علماً في الناس في معرفة الحديث وعلله، وكان ابن عيينة يسميه حية الوادي، وعنه روى الإمام أحمد، وابنه صالح، والبخاري، ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

وجماعة انتهى. وقوله: «واجتنب» (خ) يعني: أنه كَرِه الرَّمز للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخَطّ، فيقتصر على لفظين ونحوه فيكتب: (صلعم)، إشارةً إلى الصلاة والتسليم. وكذا يكره الاقتصار على الصلاة أو (¬1) التسليم كما فعل الخطيب في كتاب «الموضح» ولم يُرْتَضَى. قال حمزة الكناني: كنتُ أكتبُ عند ذكر النبي: «صلى الله عليه»، ولا أكتب «وسَلَّم»، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: مالك لا تُتِمُّ الصلاة عليَّ؟ قال: فما كتبتُ بعد ذلك: «صلى الله عليه»، إلا كتبتُ: «وسلم». ¬

(¬1) في الأصل «و». خطأ.

المقابلة

الْمُقَابَلَةُ قوله: 577 - ثُمَّ عَلَيْهِ الْعَرْضُ بِالأَصْلِ وَلَوْ ... إِجَازَةً أَوْ أَصْلِ أَصْلِ الشَّيْخِ أَوْ 578 - فَرْعٍ مُقَابَلٍ، وَخَيْرُ الْعَرْضِ مَعْ ... أُسْتَاذِهِ بِنَفْسِهِ إِذْ يَسْمَعْ 579 - وَقِيْلَ: بَلْ مَعْ نَفْسِهِ وَاشْتَرَطَا ... بَعْضُهُمُ هَذَا، وَفِيْهِ غُلِّطَا [114 - أ] 580 - وَلْيَنْظُرِ السَّامِعُ حِيْنَ يَطْلُبُ ... فِي نُسْخَةٍ وَقالَ (يَحْيَى): يَجِبُ الشرح: هذا الفصل الرابع من فصول النوع الثالث، وهو أنه على الطَّالب مقابلة كتابه بأصل شيخه، وإن كان إجازةً. وقوله: «أو أصل» (خ) يعني: أو بأَصْلِ أَصْل شيخِهِ المقابَل به أصلُ شيخِه. وقوله: «فرعٍ مقابل» (خ) يعني أو بفرعٍ مُقَابَلٍ بأصل السماع المقابلة المشروطة. قال الأوزاعي ويحيى بن أبي كثير: مَثَلُ الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يدخل الخلاء ولا يستنجي. وقوله: «وخير العرض» (خ) يعني: أن أفضل المعارضة أن يُعَارِض كتابَه بنفسه مع شيخه بكتابه حال التحديث به. وقوله: «وقيل» (خ) يعني يُعَارِض مع نفسه. كذا قال أبو الفضل الجارودي:

أصدق المعارضة مع نفسك. والأَوَّل (¬1) أولى. وقوله: «واشترطا» (خ) يعني: أن بعضهم قال: لا يَصِحُّ مقابلته مع أحد غير نفسه، ولا يُقَلِّد غيره، حكاه عياض عن بعض المحققين. وقوله: «وفيه» (خ) قال ابن الصلاح: هذا مذهبٌ متروك. وقوله: «ولينظر» (خ) يعني أنه يُسْتَحَبُّ للطالب أن يَنْظُر في نسخته حالة السماع، ومَنْ لا نُسْخَةَ معه ينظر في نسخة من معه نسخة. وقوله: «وقال يحيى» (خ) يعني: أن يحيى بن معين أَوْجَبَ ذلك، وسُئل عَمَّن لم يَنْظُر في الكتاب والمحدِّث يقرأ، هل يجوز أن يحدث بذلك عنه؟ فقال: أما عندي فلا يجوز، ولكن عامة الشيوخ [114 - ب] هكذا سماعهم. والصحيح أن ذلك لا يُشْتَرَط. وقوله: 581 - وَجَوَّزَ الأُسْتَاذُ أَنْ يَرْوِيَ مِنْ ... غَيْرِ مُقَابَلٍ وَ (لِلْخَطِيْبِ) إِنْ 582 - بَيَّنَ وَالنَّسْخُ مِنَ اصْلٍ وَلْيُزَدْ ... صِحَّةُ نَقْلِ نَاسِخٍ فَالشَّيْخُ قَدْ 583 - شَرَطَهُ ثُمَّ اعْتَبِرْ مَا ذُكِرَا ... فِي أَصْلِ الاصْلِ لاَتَكُنْ مُهَوِّرَا الشرح: اختُلِفَ في جواز رواية الراوي من كتابه الذي لم يُعَارَض، فقال عياض: لا يَحِلُّ للمسلم التقي الرواية بما لم يُقابل بأصل شيخه، أو نسخة تَحَقَّق وَوَثِقَ بمقابلتها بالأصل، وتكون مقابلته لذلك مع ثقة مأمون على ذلك، ¬

(¬1) أي: القول الأول.

وذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني إلى الجواز. وقوله: «وللخطيب» (خ) يعني أن الخَطِيب أجازه بشرط أن تكون نسخته نُقِلَت من أصل، وأنه يبين عند الرواية أنه لم يُعارِض. وقوله: «وليُزَد» (خ) يعني: أن ابن الصلاح زاد شَرْطاً ثالثاً، وهو أن يكون ناسِخ النسخة من الأصل غير سَقيم النقل، بل صحيح النقل، قليل السقط. وقوله: «ثم اعتبر» (خ) يعني: أنه ينبغي أن يُرَاعى في كتاب شيخه بالنسبة إلى من فوقه مثل ما ذُكر أنه يراعيه من كتابه، ولا يكون كمن إذا رأى سماعَ شيخٍ لكتابٍ قرأَهُ عليه من أي نسخةٍ اتفقت. وقوله: «وجوز الأستاذ». قلت: الأستاذ بالذال المعجمة لفظ مُعَرَّب. انتهى. وقوله: «لا تكن مُهَوِّراً».قلت: هو بضم الميم، اسم فاعلٍ من [115 - أ] هور يَهُور تَهَوُّراً، وهو الوُقوع في الشيء بِقِلَّةِ مبالاة.

تخريج الساقط

تَخْرِيْجُ السَّاقِطِ قوله: 584 - وَيُكْتَبُ السَّاقِطُ: وَهْوَ اللَّحَقُ ... حَاشِيَةً إلى الْيِمَيْنِ يُلْحَقُ 585 - مَا لَمْ يَكُنْ آخِرَ سَطْرٍ وَلْيَكُنْ ... لِفَوْقُ وَالسُّطُوْرُ أَعْلى فَحَسُنْ 586 - وَخَرِّجَنْ لِلسَّقْطِ مِنْ حَيْثُ سَقَطْ ... مُنْعَطِفاً لَهُ، وَقِيْلَ: صِلْ بِخَطْ 587 - وَبَعْدَهُ اكْتُبْ صَحَّ أَوْ زِدْ رَجَعَا ... أَوْ كَرِّرِ الكَلِمَةَ لَمْ تَسْقُطْ مَعَا 588 - وَفِيْهِ لَبْسٌ وَلِغَيْرِ الأَصْلِ ... خَرِّجْ بِوَسْطِ كِلْمَةِ الْمَحَلّ 589 - وَ (لِعِيَاضٍ): لاَ تُخَرِّجْ ضَبِّبِ ... أَوْ صَحِّحَنْ لِخَوْفِ لَبْسٍ وَأُبِي الشرح: الفصل الخامس من فصول النوع الثالث، وهو اللَّحَق بفتح اللام، والحاء المهملة، وبعده قاف: الإلحاق. وضابطه عندهم: ما سَقَطَ من أصل الكتاب فأُلْحِقَ بالحاشية، أو بين السطور، ووَقَع في شعرٍ منسوب للإمام أحمد: اللَّحْق بإسكان الحاء، فيما أنشده الشريف أبو علي محمد بن أحمد الهاشمي لأحمد، وهو: مَنْ طَلَبَ العِلْمَ والحديثَ فلا ... يَضْجَرُ من خمسةٍ يُقَاسِيها دَرَاهم للعلوم يجمَعُها ... وعند نشر الحديث يُفْنيها يُضْجِرُهُ الضَّربُ في دفاتره ... وكثرة اللَّحْقِ في حواشيها

يغسل أثوابه وبِزَّتَّهُ ... مِنْ أثر الحبر ليس يُنْقيها [115 - ب] فسَكَّنَ الحاء ضرورةً، والله تعالى أعلم. وقوله: «ويكتب» (خ) يعني: أن كيفية كتابة ما سَقَطَ من الكتاب: أَنْ تكتب في الحاشية لا بين السطور؛ لأنه يضيقها ويُدَلِّس ما يقرأ، لا سيما إن ضاقت السطور متلاصقة. وقوله: «إلى اليمين» (خ) يعني: أن الساقط لا يخلو إما أن يكون سَقَطَ من وسط السطر، أو آخره، فإن كان الأول فيخرج له إلى جهة اليمين. وقوله: «ما لم يكن» (خ) يعني: وإن كان الذي سَقَط محله بعد تمام السطر، فقال القاضي عياض: لا وَجْهَ له إلا أن يخرجَه إلى جهة الشمال بقرب التخريج من اللحق وسرعة لحاق الناظر به، وتبعه ابنُ الصلاح على ذلك، اللهم إلا أن يضيق ما بعد آخر السطر لقرب الكتابة من طرف الوَرَق لضيقه، أو لضيقه بالتجليد، بأن يكون السَّقط في الصَّحيفة اليُمنى فلا بأس بالتخريج إلى اليمين. قال (ن) (¬1): وقد رأيت ذلك في خط غير واحدٍ من أهل العلم. وقوله: «وليكن» (خ) يعني: ثم الأَوْلى بكتب السَّاقط صاعداً لفوق إلى أعلى الورقة من أي جهة كان التخريج الساقط اليمين أو الشمال؛ لاحتمال حدوث سقط آخر فَيُكْتب إلى أسفل. وقوله: «لفوق». قلت: هو بضم القاف، ضمة بناء كما بيناه فيه. ¬

(¬1) (1/ 483).

وقوله: «والسُّطور» (خ) يعني: الأَوْلَى أن يَبتدئ السطور من أعلى إلى أسفل، فإن كان التخريج في اليمين انقضت الكتابة إلى [116 - أ] جهة باطن الورقة، وإن كان في جهة الشمال انتهت إلى طرف الورقة، وهذا فيما كَتَبَ الساقط لفوق، فإن كانت الكتابة إلى أسفل بأن يكون ذلك في السقط الثاني، أو خالف أولاً وخرج إلى أسفل، فينعكس الحال، فيكون انتهاء الكتابة في الجانب اليمين إلى طرف الورقة، وفي الجانب اليسار إلى باطنها. فقوله: «والسطور» مرفوعاً اسماً لـ «يكن» أي: وليكن. وقوله: «فحسن» أي: فحسن هذا الفعل ممن يفعله. وقوله: «وخَرِّجْن» (خ) هذا صفة التخريج للساقط. قال القاضي عياض فيه وجوه أحسنها ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعداً إلى تحت السطر الذي فوقه، ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية انعطافاً يشير إليه، واختاره ابنُ الصلاح. وقوله: «وقيل» (خ) يعني: أن يخرج من موضعه، حتى يلحق به طرف الحرف المبتدأ به في الكلمة الساقطة في الحاشية، وإليه ذهب ابن خلاد. قال عياض: وهذا فيه بيان، إلا أنه تسخيم بالكتاب، وتسويد له، لا سيما إن كثرت الإلحاقات والنقص. وقوله: «وبعده» (خ) هذا من الزيادة على ابن الصلاح بغير «قلت»، وهو أن اللَّحَق إذا لم يكن قبالة موضع السقوط، بأن لا يكون ما يقابله خالياً، وكتب اللحق في موضع آخر فيتعين حينئذٍ جر الخط إلى أول اللحق، أو يكتب قباله موضع السقوط يتلوه كذا وكذا في الموضع الفلاني [116 - ب]،لزوال اللبس. ثم إذا انتهت كتابة الساقط كتب بعده «صَحَّ» قال القاضي عياض: وبعضهم

يكتب آخره بعد التصحيح «رَجَع». وقوله: «أو كرر الكلمة» (خ) يعني يُكْتَبُ في الطرف الثاني حرفٌ واحدٌ مما يتصل به الدفتر، ليدل أن الكلام قد انتظم، وإليه مال ابن خلاد. وقوله: «لم تسقط» أي: التي لم تسقط في الأصل، بل سقط ما قبلها. وقوله: «وفيه لبس» يعني: أن هذا غير مختار عند عياض لما يوجبه من اللبس، وبيانه أن رُبَّ كلمةٍ تجيء في الكلام مكررة مرتين أو ثلاثاً لمعنى صحيح، فإذا كَرَّرَ الحرفَ لم يؤمن أن يوافق ما يتكرر حقيقةً، أو يشكل أمره، فيوجب الريب والإشكال. وقوله: «ولغيرِ الأصلِ» (خ) يعني: أن هذا في التخريج الساقط (¬1)، أما ما يُكْتَب في حاشية الكتاب من غير الأصل مِنْ شرحٍ، أو تنبيهٍ على غلط، واختلافِ رواية، أو نسخة، ونحو ذلك، فالأولى أن يُخَرِّجَ له على نفس الكلمة التي من أجلها كتبت الحاشية، لا بين الكلمتين. وقوله: «ولعياض» (خ) يعني: أن عياضاً لا يُحبُّ أن يُخَرِّج إليه خشية اللبس وأن يحسب أصلاً، ولا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل، إلا أنه ربما جعل على الحرف كالضبة أو التصحيح ليدل عليه. وقوله: «وأُبِي» قلت: هو بضم أوله مبنياً للمفعول. يعني: أن ابن الصلاح أَبَى هذا الذي قاله عياض، وقال التخريج أولى وأدَلّ. وقوله: «بوَسْطِ»، [117 - أ] قلت: هو بإسكان السين؛ لأنها هنا بمعنى «بين»، وكل موضع يصح فيه «بين» فوسْط فيه بالإسكان. انتهى. ¬

(¬1) كذا، وصوابه: تخريج الساقط، أو: التخريج الساقط.

التصحيح والتمريض، وهو التضبيب

التَّصْحِيْحُ والتَّمْرِيْضُ، وَهو التَّضْبِيْبُ قوله: 590 - وَكَتَبُوْا (صَحَّ) عَلى الْمُعَرَّضِ ... لِلشَّكِّ إِنْ نَقْلاً وَمَعْنًى ارْتُضِي 591 - وَمَرَّضُوْا فَضَبَّبُوْا (صَاداً) تُمَدّْ ... فَوْقَ الذَّيِ صَحَّ وُرُوْداً وَفَسَدْ 592 - وَضَبَّبُوْا فِي الْقَطْعِ وَالإِرْسَالِ ... وَبَعْضُهُمْ فِي الأَعْصُرِ الْخَوَالي 593 - يَكْتُبُ صَاداً عِنْدَ عَطْفِ الأَسْمَا ... تُوْهِمُ تَضْبِيْباً، كَذَاكَ إِذ مَا 594 - يَخْتَصِرُ التَّصْحِيْحَ بَعْضٌ يُوْهِمُ ... وَإِنَّمَا يَمِيْزُهُ مَنْ يَفْهَمُ الشرح: هذا الفصل السادس من فصول النوع الثالث، وهو التصحيح، وما عُطف عليه، وذلك من شأن المتقنين. فالتصحيح: كتابته «صَحَّ» على كلام صَحَّ روايةً ومعنى، لكنه عُرْضَةٌ للشك أو الخلاف. والتضبيب -ويسمى التمريض-: أن يَمُدَّ خطاً أوَله كرأس للصاد، ولا يلصق بالممدود عليه، على ثابتٍ نقلاً فاسدٍ لفظاً أو معنى، أو ضعيف، أو ناقص، وصورته (ص)، ويسمى ذلك الحرف ضبة؛ لأن الحرف مقفل بها لا يتجه لقراءةٍ، كما أن الضبة مقفل بها، وقيل غير ذلك. واختار (ن) رحمه الله تعالى أنها علامة لكون الرواية هكذا، ولم يتجه

وجهها، فهي علامة لصِحَّةِ ورودها؛ لئلا يظن الراوي أنها من غلطٍ فيصلحها [117 - ب]، وقد يأتي بَعْدُ مَنْ يَظْهَر له وجهُ ذلك. وقوله: «وضببوا» (خ) يعني: أن من مواضع التضبيب أن يَقَع في الإسناد إرسال وانقطاع، فيضببوا موضع الإرسال والانقطاع. وقوله: «وبعضهم» (خ) يعني: أنه يوجد في بعض الأصول القديمة في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماءهم بعضها على بعض علامة تشبه الضَّبَّة فيما بين أسمائهم، فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة، وليست بضبة، وكأنها علامة وصلٍ فيما بينهما، أثبتت تأكيداً للعطف، خوفاً من أن تُجعل «عن» مكان الواو، والعلم عند الله تعالى. وقوله: «كذاك» (خ) يعني أن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب، والفِطْنة من خير ما أوتيه الإنسان، والله تعالى أعلم.

الكشط والمحو والضرب

الكَشْطُ والْمَحْوُ والضَّرْبُ قوله: 595 - وَمَاَ يزِيْدُ فِي الْكِتَابِ يُبْعَدُ ... كَشْطاً َوَمَحْواً وَبِضَرْبٍ أَجْوَدُ 596 - وَصِلْهُ بِالْحُرُوْفِ خَطّاً أَوْ لاَ ... مَعْ عَطْفِهِ أَوْ كَتْبَ (لاَ) ثُمَّ إلى 597 - أَوْ نِصْفَ دَارَةٍ وَإِلاَّ صِفْرَا ... فِي كُلِّ جَانِبٍ وَعَلِّمْ سَطْرَا 598 - سَطْراً إذا مَا كَثُرَتْ سُطُوْرُهْ ... أَوْلا وَإِنْ حَرْفٌ أتَى تَكْرِيْرَهْ 599 - فَأَبْقِ مَا أَوَّلُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا ... اخِرُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَا 600 - أَوِ اسْتَجِدْ قَوْلاَنِ مَا لَمْ يُضِفِ ... أَوْ يُوْصَفُ اوْ نَحْوُهُمَا فَأَلِفِ [118 - أ] الشرح: الفصل السابع من فصول النوع الثالث في إبطال الزائد المناسب لإلحاق الساقط (¬1)، فإذا وقع في الكتاب شيءٌ زائدٌ ليس منه فينتفي عنه بالكشط، وهو الحك، أو بالمحو، بأن تكون الكتابة في لوح، أو ورق، أو ورَقٍّ صقيل جداً، حال طراوة المكتوب. وعن سحنون: أنه كان ربما كتب الشيء ثم لَعقه. وإما بالضرب عليه. قال ابن الصلاح: وهو أجود من الحَكِّ والمحو. قال ابن خلاد: والحكُّ تهمة. وقوله: «وصِلْه» (خ) يعني: أن أجود الضرب فيما قاله ابن خلاد أن لا ¬

(¬1) عبارة الناظم في شرحه (1/ 489): لما تقدم إلحاق الساقط، ناسب تعقيبه بإبطال الزائد.

يطمس الحرف المضروب عليه، بل يخط من فوقه خطاً بيناً يَدُلُّ على إبطاله، ويقرأ من تحته ما خط عليه. وقوله: «أوْلا» (خ) يعني أن من كيفية الضرب أن لا يخلط الضرب بأوائل الكلمات، بل يكون فوقها منفصلاً عنها، لكنه يعطف طَرَفي الخَطّ على أول المبطل وآخره، وحكاه عياضٌ عن بعضهم. ومعنى الكلام: أوْلا تصله بالحروف، بل اعطفه عليها من الطرفين، ومثالُ الضرب في هذا القول هكذا ... . وقوله: «أو كَتْبَ» (خ) يعني: أن من كيفية الضرب في قول آخر: أن يكتب في أول الزائد «لا»، وفي آخره «إلى». فقوله: «كَتْبَ» مصدر كَتَبَ كَتْباً. وقوله: «أو نصف دارة» (خ) يعني أن من كيفية الضرب في قول آخر أن يحوق في أول الكلام الزائد بنصف دائرة، وعلى آخره بنصف دائرة. فقوله: [118 - ب] «أو نصف دارة (¬1)»، أي: أوله وآخره. و «نصفَ» منصوب عطفاً على محل المضاف إليه (مثال ذلك على هذا القول) (¬2). وقوله: «وإلا صِفْرَا» (خ) هذا قول آخر في كيفية الضبط: أن يكتب في أول ¬

(¬1) في الأصل: دائرة. (¬2) الأقواس هي المثال.

الزيادة دائرة صغيرة، وكذلك في آخرها دائرة صغيرة، حكاه عياض عن بعض الأشياخ المُحَسِّنين لكتبهم، قال: ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب، ومعناها خلو موضعها من عدد، كذلك هنا تشعر بخلو ما بينهما O مثال ذلك O (¬1) . وقوله: «وَعَلِّم» (خ) هذا مبنيٌّ على الأقوال الأخيرة، أنه يُعَلِّم أول الزائد وآخره، من غير ضرب. والمعنى: فإذا كثرت سطور الزائد، فاجعل علامة الإبطال أول كل سطر وآخره للبيان إن شئت، أو لا تكرر العلامة، بل اكتف بها في أول الزائد وفي آخره وإن كثرت السطور. وقوله: «أَوْلا» (خ) يعني: أن بعضهم ربما اكتفى بالتحويق على أول الكلام وآخره وربما كتب عليه «لا» في أوله و «إلى» (¬2) في آخره. وقوله: «إن حرف» (خ) يعني: أن هذا فيما إذا كان الزائد غير مكرر، فإن كان حرفاً تكرر كتابته، فرأي عياض أنه إن كان تكراره في أول سطر أن يُضْرَب على الثاني لئلا يطمس أول السطر، وإن كان إحدى الكلمتين في آخر سطر والأخرى في أول الذي يليه فيضرب على الأولى، وإن كانت الكلمتان معاً في آخر السطر يضرب على الأولى صوناً لأوائل السطور وأواخرها، ورعاية أول السطر أولى، وإن كان [119 - أ] التكرار لهما في وسط السطر، فقولان ¬

(¬1) الصفر الأول لم يثبت في الأصل فزدته. (¬2) في الأصل: لا. وما أثبتناه من المصدر.

حكاهما ابن خلاد وغيره في أصل المسألة من غير رعاية لأوائل السطور وأواخرها، أحدهما: أن أولاهما بالإبطال الثاني؛ لأن الأول كُتِبَ على صواب فالخطأ أولى بالإبطال. والقول الثاني: أولاهما بالإبقاء أجودهما صورةً، وأدلهما على قراءته، وهذا معنى قوله «أو استَجِد» أي: استجد للإبقاء أجودهما. وقوله: «ما لم يُضِف» (خ) يعني: أن هذا الخلاف المذكور أطلَقَهُ ابنُ خلاد من غير مراعاةٍ لأوائل السطور وأواخرها، وللفصل بين المضاف والمضاف إليه ونحوه. قال عياض: وهذا عندي إذا تساوت الكلمتان في المنازل، فأما إن كان كالمضاف والمضاف إليه فتكرر أحدهما ينبغي أن لا يُفصل في الخط ويضرب بعد على المتكرر من ذلك، أوَّلاً كان أو آخراً، وكذا الصفة مع الموصوف ونحوه، فمراعاة هذا مضطر إليه للفهم، فمراعاة المعاني أولى من مراعاة تحسين الصورة في الخط.

العمل في اختلاف الروايات

العَمَلُ في اخْتِلاَفِ الرُّوَايَاتِ قوله: 601 - وَلْيَبْنِ أَوَّلاً عَلَى رِوَايَهْ ... كِتَابَهُ، وَيُحْسِنِ الْعِنَايَهْ 602 - بِغَيْرِهَا بِكَتْبِ رَاوٍ سُمِّيَا ... أَوْ رَمْزَاً اوْ يَكْتُبُهَا مُعْتَنِيَا 603 - بِحُمْرَةٍ، وَحَيْثُ زَادَ الأَصْلُ ... حَوَّقَهُ بِحُمْرَةٍ وَيَجْلُو الشرح: إذا كان الكتابُ يُرْوَى بروايتين أو أكثر، ويَقَعُ الاختلافُ في بعضها، فلمن أراد الجمع بين الروايتين فأكثر في نسخةٍ واحدةٍ أن يبنى الكتاب أولاً على رواية واحدة، ثم الرواية الأخرى يُلْحِقُهَا في الحاشية أو غيرها، مع كتابة اسم راويها معها، أو الإشارة إليها برمزٍ إن كانت زيادةً، وإن كان الاختلاف بالنقص أعلم على الزائد أنه ليس في رواية فلانٍ باسمه أو الرمز إليه، وله أن يكتب زيادة الرواية الأخرى بحمرةٍ، والناقص منها يحوق عليه بحمرةٍ، هكذا حكاه عياض عن كثيرٍ من الشيوخ وأهل الضبط، كأبي ذر الهروي، والقابسي أبي الحسن، وغيرهما. وقوله: «ويَجْلُو» مراده (¬1)، أي: ويوضح مراده بالرمز، أو بالحُمْرَة أول الكتاب أو آخره، غير معتمد على حفظه لذلك فربما نسي. ¬

(¬1) كذا، ويظهر أنها حشو.

الإشارة بالرمز

الإِشَارَةُ بالرَّمْزِ قوله: 604 - وَاخْتَصَرُوْا فِي كَتْبِهِمْ (حَدَّثَنَا) ... عَلَى (ثَنَا) أَوْ (نَا) وَقِيْلَ: (دَثَنَا) 605 - وَاخْتَصَرُوْا (أَخْبَرَنَا) عَلَى (أَنَا) ... أَوْ (أَرَنَا) وَ (الْبَيْهَقِيُّ) (أَبَنَا) الشرح: هذا الفصل الثامن من فصول النوع الثالث، وهو: أنه غلب على من يكتب الحديث أن يقتصر على الرمز في «حدثنا» و «أخبرنا»، وشاع بحيث لا يخفى، فيكتبون من «حدثنا»: «ثنا» أو «نا» أو «دثنا» (¬1) ومن أخبرنا: «أنا» «أبنا» أو «أرنا» (¬2) أو «دثنا» (¬3)، رواه ابن الصلاح في خط الحاكم وأبي عبد الرحمن السُّلَمي، والبيهقي (¬4). ¬

(¬1) في الأصل: أو «ح نا» وما أثبتناه من شرح الناظم (1/ 495). (¬2) في الأصل: «رنا» وما أثبتناه من شرح الناظم (1/ 495). (¬3) كذا وهو حشو، فـ «دثنا» من اختصارات «حدثنا» لا «أخبرنا». (¬4) وقع خرم كبير في هذا الموضع من الأصل حيث انتقل الكلام من شرح البيت رقم (605) إلى بيت رقم (786).

الرواة

مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ وقوله [120 - ـ]: 786 - رَائي النَّبِيِّ مُسْلِماً ذُو صُحْبَةِ ... وقِيْلَ: إنْ طَالَتْ وَلَمْ يُثَبَِّت 787 - وقِيلَ: مَنْ أقَامَ عاماً أو غَزَا ... مَعْهُ وذَا لابْنِ المُسَيِّبِ عَزَا [قوله: «مسلماً»] (¬1) أخرج من رآه وهو كافر ثم أسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فليس بصحابي على المشهور، كرسول قيصر، وأخرجه أحمد في «مسنده»، وكعبد الله بن صَيَّاد إن لم يكن هو الدَّجَّال، وعَدَّهُ في الصحابة كذلك أبو بكر بن فتحون في الذيل على «الاستيعاب». ومرادهم: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم حال نبوته، أو أعم من ذلك، فيدخل من رآه قبل النبوة ومات قبلها على دين الحنفية كزيد بن عمرو بن نفيل وقد قال صلى الله عليه وسلم «يبعث أمة وحده» وذكره ابن منده في الصحابة وكذا لو رآه قبل النبوة ثم غاب عنه، وعاش إلى بعد زمن البعثة، وأسلم، ثم مات ولم يره؟ لم يتعرض له، ويدلُّ أنَّ المراد: مَنْ رآه بعد النبوة أنهم ترجموا في الصحابة لمن وُلِدَ للنبي صلى الله عليه وسلم بعد النبوة كإبراهيم وعبد الله، وما ترجموا لمن ولد قبلها ومات قبلها كالقاسم. وقوله: «من رآه» هل المراد به من رآه بعقل وتمييز فيخرج الأطفال الذين ¬

(¬1) زيادة من عندي.

حَنَّكَهم ولم يروه بعد التمييز، وكذا من رآه وهو لا يعقل، أو المراد أعم من ذلك. ويدل على اعتبار التمييز عند الرؤية نص العلائي أبي سعيد في كتاب «المراسيل» في ترجمة عبد الله بن الحارث بن نوفل: حَنَّكَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ودَعَا له، ولا يعرف له رؤية، بل هو تابعي جليل، وحديثه مرسل [120 - ب]. وقوله: «وقيل» (خ) هذا القول الثاني في حَدِّ الصحابة: أنه من طالت صحبتُهُ له، وكَثُرَت مجالستُه على طريق التبع له والأخذ عنه، وهو مذهب الأصوليين فيما حكاه عنهم السمعاني أبو المظفر، وحكاه الآمدي، وابن الحاجب، وجزم ابن الصَبَّاغ في «العدة» به. والصُّحبة أخصُّ من الرؤية فيما نَصَّهُ أبو زرعة وأبو داود بأنهما قالا: طارق بن شهاب له رؤية، ولا صحبة له وكذا عبد الله بن سرجس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحبة له فيما نصه عاصم الأحول وفيه بحث. وقوله: «ولم يُثَبَّت».قلت: هو بضم الياء المثناة من تحت، وتشديد الباء الموحدة مفتوحة، وبعده تاء مُثَنَّاة فوق، أي: وليس هو الثَّبْتُ الذي عليه العمل عند المحدثين والأصوليين. وقوله: «وقيل مَن [أقام عاماً أو] (¬1) غزا» (خ)، هذا القول الثالث، وهو ما رُويَ عن ابن المسيب أنه كان لا يعدُّ الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى ¬

(¬1) زيادة من «الألفية».

الله عليه وسلم سنَةً أو سنتين، وغزا معه غزوةً أو غزوتين. قال شيخنا (ن) (¬1): ولا يصح هذا عن ابن المسيب؛ ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي، وهو ضعيف في الحديث، وفي المسألة أقوال أخر بسطها في الشرح. وقوله: 788 - وَتُعْرَفُ الصُّحْبَةُ باشْتِهَارٍ او ... تَوَاتُرٍ أو قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَوْ [121 - أ] 789 - قَدِ ادَّعَاهَا وَهْوَ عَدْلٌ قُبِلاَ ... وَهُمْ عُدُولٌ قِيلَ: لا مَنْ دَخَلاَ 790 - في فِتْنَةٍ، والمُكْثِرُونَ سِتَّةُ ... أَنَسٌ، وابنُ عُمَرَ، والصِّدِّيقَةُ 791 - البَحْرُ، جَابِرٌ أَبُو هُرَيْرَةِ ... أَكْثَرُهُمْ وَالبَحْرُ في الحَقِيقَة 792 - أَكْثَرُ فَتْوَى وَهْوَ وابنُ عُمَرا ... وَابْنُ الزُّبَيرِ وَابْنُ عَمْرٍو قَدْ جَرَى 793 - عَلَيْهِمُ بِالشُّهْرَةِ العَبَادِلهْ ... لَيْسَ ابْنُ مَسْعُودٍ ولا مَنْ شَاكَلَهْ 794 - وَهْوَ وزَيْدٌ وابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ ... في الفِقْهِ أَتْبَاعٌ يَرَوْنَ قَوْلَهُمْ الشرح: أشار بهذه إلى (¬2) ستة مسائل: المسألة الأولى: فيما تُعْرَف به الصُّحْبَة وذلك إما بالتواتر كأبي بكر، وعمر، وبقية العشرة. وإما بالشهرة كعكاشة بن محصن، وضمام، وغيرهما. وإما ¬

(¬1) (2/ 125). (¬2) كذا، ولعل صواب العبارة: أشار بهذه [الأبيات] إلى ...

بإخبار بعض الصحابة عنه أنه صحابي كحُمَمَة بن أبي حُمَمَة الدَّوسي، مات بأصبهان مبطوناً، فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم حكم له بالشهادة، نَصَّ عليه أبو نعيم في «تاريخ أصبهان». قال شيخنا (¬1): وروينا قصته في «مسند الطيالسي» و «معجم الطبراني» [على] (¬2) أنه يجوز أن يكون أبو موسى إنما أراد شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لمن قتله بطنه عموماً، وفيهم حُمَمَة؛ لا أنه (¬3) سماه باسمه. وقوله: «ولو» (خ) يعني بإخباره عن نفسه أنه صحابي بعد ثبوت عدالته قُبِلَ إخباره بذلك. وقيده (ن) (¬4) بأن يكون ادعاؤه [121 - ب] يقتضيه الظاهر، فلو ادعاه بعد مُضي مائة سنة من حين وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يُقْبَل منه، وإن ثبتت عدالته قُبِلَ ذلك. وقوله: «وهم عدول» هذه المسألة الثانية، وهو أن الصحابة كلهم عدول، لقوله [تعالى] (¬5): {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} الآية، وغير ذلك من الآي. فقيل: إنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) (2/ 128). (¬2) زيادة من المصدر. (¬3) في الأصل: لأنه. خطأ، والتصحيح من المصدر. (¬4) (2/ 129). (¬5) زيادة من عندي.

ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من حديث ابن مسعود: «خير القرون قرني»، وفي تفسير القَرْن ستة أقوال حكاها ابن منده فقيل: عشر سنين، وقيل: عشرون، وقيل: ثلاثون، وقيل: أربعون، وقيل: ستون، وقيل: سبعون. وروى ابنُ منده في «الصحابة» من حديث عبد الله بن بُسر مرفوعاً: «القرن مائة سنة». وقوله: «قيل: لا من دخلا» يعني أن جميع الأمة أَجْمعت على تعديل من لم يُلابس الفتن منهم، وأما من لابسها من حين مَقْتَلِ عثمان، فأَجْمَعَ من يُعْتَدُّ به على تعديلهم إحساناً للظن بهم، وحَمْلاً على الاجتهاد، وفيه نظر؛ لحكاية ابن الحاجب تبعاً للآمدي قولاً: أن من لم يلابس الفتن كغيرهم في البحث عن عدالتهم مطلقاً. وقولاً: أنهم عدول إلى وقوع الفتن، فأما بعد ذلك فلابُد من البحث عَمَّن ليس ظاهر العدالة. والحق الذي حكاه أبو عمر في «الاستيعاب» [122 - أ]: إجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أن الصحابة كُلُّهم عدول. وقوله: «والمكثرون» (خ) هذه المسألة الثالثة: المكثرون من الصَّحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة: أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعائشة الصديقة بنت أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عباس، وهو البحر، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة. وقوله: «أكثرهم» (خ) يعني أن أكثر الستة حديثاً أبو هريرة، فيما نصه الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه، وابن مخلد؛ لأنه روى خمسة آلاف وثلاثمائة

وأربعة وسبعين حديثاً، وابن عمر روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين، وأنس روى ألفين ومائتين وستة وثمانين حديثاً، وعائشة روت ألفين ومائتين وعشرة، وابن عباس روى ألفاً وستمائة وستين حديثاً، وجابر روى ألفاً وخمسمائة وأربعين حديثاً، وليس في الصَّحَابي من يزيد حديثه على ألف إلا هؤلاء، والخدري فإنه روى ألفاً ومائة وسبعين حديثاً. وقوله: «والبحر» (خ) هذه هي المسألة الرابعة أكثر الصحابة فتوى: البحرُ عبد الله بن عباس فيما نَصَّ عليه الإمام أحمد. وقوله: «وهو» (خ) هذه هي المسألة الخامسة: العَبَادلة من الصَّحَابة في سؤال الإمام أحمد مَنْ [122 - ب] العبادلة؟ فقال: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وقيل: وابن مسعود؟ قال: لا، ليس من العبادلة. قال البيهقي: لأنه تقدم موتُهُ، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم، وفي ذلك بحث طويل لا يحتمله هذه التعليقة المباركة النافعة إن شاء الله تعالى. وقوله: «ولا مَنْ شَاكَله»، يعني: أن ابن الصلاح قال: يلتحقُ بابن مسعود في ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة، وهم نحو مائتين وعشرين نفساً فلا يُسَمّون العبادلة اصطلاحاً، فالمعنى: ولا مَنْ أشبه ابن مسعود في التسمية بعبد الله. وقوله: «وهو وزيد» (خ) هذه المسألة السادسة: مَنْ كان له من الصحابة أتباعٌ يقولون برأيه، وهم ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، كان لكلِّ رجلٍ منهم أصحاب يقومون بقوله، ويُفتون الناس، كذا نص

ابن المديني، فقوله: «وهو» أي: ابن مسعود. وقوله: 795 - وَقَالَ مَسْرُوقٌ: انْتَهَى العِلْمُ إلى ... سِتَّةِ أَصْحَابٍ كِبَارٍ نُبَلا 796 - زَيْدٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَعْ أُبَيِّ ... عُمَرَ، عَبْدِ اللهِ مَعْ عَليّ 797 - ثُمَّ انْتَهَى لِذَيْنِ والبَعْضُ جَعَلْ ... الأَشْعَرِيَّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَا بَدَلْ الشرح: بَيَّنَ مَنْ انتهى إليه العلم من الصحابة الأكابر، وقد نَصَّ على ذلك مسروق والشعبي، فقال مسروق: وجدتُ علمَ أصحاب [123 - أ] رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وأُبَي، وزيد، وأبي الدرداء، وعبد الله بن مسعود. وقوله: «ثم انتهى لِذَين» (خ) يعني: أنه انتهى علم هؤلاء الستة إلى اثنين: علي وعبد الله. وقوله: «والبعض» (خ) يعني: أن بعضَهُم، وهو: مطرف، روى عن الشعبي، عن مسروق، أنه ذكر أن أبا موسى الأشعري بَدَل أبي الدرداء. وفيه بحثٌ أشار إليه في الشرح (¬1). وقوله: 798 - وَالعَدُّ لاَ يَحْصُرُهُمْ فَقَدْ ظَهَرْ ... سَبْعُونَ أَلْفاً بِتَبُوكٍ وَحَضَرْ 799 - الحَجَّ أَرْبَعُونَ أَلْفاً وَقُبِضْ ... عَنْ ذَيْنِ مَعْ أَرْبَعِ آلاَفٍ تَنِضّْ ¬

(¬1) (2/ 134).

الشرح: حَصْرُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالعَدِّ مُتَعَذِّر لتفرقهم في البلدان والبوادي. وروى البخاري في «صحيحه» أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن غزوة تبوك: «وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ»، يعني الديوان، ولكن جاء ضَبْطُهُم في بعض المشاهد، كتبوك، وحجة الوداع، ومن قُبِضَ عنه من الصحابة، وعن أبي زرعة الرازي أنه سُئل عن عدة مَنْ رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ومن يَضْبِطُ هذا؟! شهد معه حجة الوداع أربعون ألفاً، وشهد معه تبوك سبعون ألفاً. وقوله: «وقُبِضَ» (خ) يعني أنه صلى الله عليه وسلم قُبِضَ عن مائة [123 - ب] ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة، ممن روى عنه وسمع منه. وفي رواية ممن رآه وسمع منه، كذا رُوِيَ عن الرازي أبي زرعة، وقيل له أليس يقال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف حديث؟ قال: من قال ذا؟ قلقل الله أنيابه، هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. فقوله: «عن ذَيْن» أي: عن مقدار هذين العددين وهما سبعون ألفاً وأربعون ألفاً مع زيادة أربعة آلاف، فذلك مائة ألف وأربعة عشر ألفاً. وقوله: «تَنِض» بفتح التاء المثناة فوق، وكسر النون، وتشديد الضاد المعجمة، أي: تيسر، يقال خُذ ما نَضَّ لك من دَيْن، أي: تيسر. وفيه الاستعارة، فإن الناض والنَّض منوط حقيقة بالعرضين الدرهم والدينار، فاستعير للصحابة لرواجهم في النقد، وسلامتهم من الزَّيْف بالعدالة. كذا قرره شخينا (ن) في

(ش) (¬1). قلت: والمحققون على تسمية مثل هذا النحو تشبيهاً بديعاً (¬2) لا إستعارة (¬3)؛ لأن المستعار له مذكور وهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، والاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له، ويجعل الكلام خِلْواً عنه، صالحاً لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لولا دلالة الحال، أو فحوى الكلام. كقوله [124 - أ]: لدى أسَد شَاكي السلاح مقَذَّف ... له لِبَد أظفارُهُ لم تقلم وقوله: 800 - وَهُمْ طِبَاقٌ إِنْ يُرَدْ تَعْدِيدُ ... قِيلَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ أَوْ تَزِيدُ الشرح: يعني أن الصحابة طبقات باعتبار سبقهم إلى الإسلام، أو الهجرة، أو شهود المشاهد الفاضلة. واختَلَف كلامُ من اعتنى بذكر طبقاتهم في العدد، فقال الحاكم في «العلوم» له: اثنتا عشر طبقة. ومنهم من زاد عليها. وقال ابن سعد: خمس طبقات. وعَدُّ الحاكم أبا هريرة في العاشرة: مَنْ هاجَرَ بين الحديبية والفتح لا يَصِحّ؛ فإنه هاجر قبل الحديبية عُقيب خيبر في أواخرها. ¬

(¬1) (2/ 136). (¬2) الكلمة تحتمل غير هذا في الأصل. (¬3) في الأصل: الاستعارة. خطأ.

وقوله: 801 - وَالأَفْضَلُ الصِّدِّيقُ ثُمَّ عُمَرُ ... وَبَعْدَهُ عُثْمَانُ وَهْوَ الأَكْثَرُ 802 - أَوْ فَعَلِيٌّ قَبْلَهُ خُلْفٌ حُكِيْ ... قُلْتُ: وَقَوْلُ الوَقْفِ جَا عَنْ مَالِك 803 - فَالسِّتَّةُ البَاقُونَ، فالبَدْرِيَّهْ ... فَأُحُدٌ، فَالبَيْعَةُ المَرْضِيَّهْ الشرح: أفضل الصحابة مطلقاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عُمَر بالإجماع، فيما حكاه أبو العباس القرطبي، وحُكِيَ عن الشافعي وغيره إجماع الصحابة والتابعين عليه فيما رواه عنه البيهقي في كتاب «الاعتقاد». قلت: أخبرنا إجازةً المكثر أبو العباس السويدائي، قال: أخبرنا بدر الدين الفارقي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن النعمان التلمساني، قال: أنبأنا أبو المعالي بن علي [124 - ب]، عن المبارك بن علي، قال: أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن محمد، قال: أخبرنا جدي أبو بكر أحمد الحافظ: حدثنا أبو عبيد الله الحافظ إملاءً: حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق، قال: أخبرنا موسى بن الحسين: حدثنا عَفَّان بن مسلم: حدثنا السَّرِي بن يحيى: حدثنا محمد بن سيرين قال: ذَكَرَ رجالٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَرَ، فكلهم فضلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر فجعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي؟» فقال: يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك. فقال: «يا أبا بكر لو كان

شيء أحببت أن يكون بك دوني» قال: نعم، والذي بعثك بالحق ما يكون من مسألةٍ إلا أحببت أن تكون بي دونك. فلما انتهينا من الغار قال أبو بكر مكانك يا رسول الله، حتى أستبرئ لك الغار، فدخل فاستبرأه، حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستتم الحجرة، فقال: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ الحجرة، قال: أنزل يا رسول الله، فنزل. قال: عمر والذي نفسه بيده لتلك الليلة خير من آل عمر. ومذهب الخَطَّابية تفضيل عُمَر، والشيعة تفضيل علي [125 - أ]، والرَّاوندية تفضيل العباس، وبعضهم أَمْسَك التفضيل. وقوله: «وبعده» (خ) يعني أن أهل السنة اختلفوا في الأفضل بعد عمر، فالأكثرون كما حكَّاه الخَطَّابي وغيره: عثمان ثم علي، وهم في الترتيب كالخلافة، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد، فيما رواه عنه (¬1) البيهقي في «الاعتقاد» عنهما، وهو المشهور عند مالك، والثوري، وكافة الأئمة من المحدثين، والفقهاء، والكثير من المتكلمين، وهو مذهب الأشعري، والباقلاني، وإن اختلفا في التفضيل بين الصحابة هل هو قطعي أو ظني؟ فمال الأشعري إلى أنه قطعي، ويدلُّ عليه قول مالك في «المدونة»، وقال الباقلَّاني، واختاره إمام الحرمين: أنه ظني. وجزم به القرطبي في «المفهم». وقوله: «أو فَعَلي» (خ) يعني أنه يفضل علي على عثمان كما هو مذهب الكوفيين، وبه قال الخطَّابي، ورواه بإسناده إلى الثوري أنه حكاه عن أهل ¬

(¬1) كذا، وهو حشو.

السنة من الكوفيين، وحكي عن أهل السنة من البصريين أفضلية عثمان، فقيل له فما تقول؟ فقال: أنا رجل كوفي ثم قال: وثبت عن سفيان في آخر قوله تقديم عثمان. وقوله: «قلت» (خ) يعني أنه جاء عن مالك رضي الله تعالى عنه التوقف بين عثمان وعلي على ما حكاه المازني عن نَصِّ «المدونة»، سُئل مالك عن خير الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبو بكر، ثم عمر. قال: أو في ذلك شك؟ قيل له: فعلي وعثمان أيضاً أيهما أفضل؟ فقال: ما [125 - ب] أدركت أحداً ممن أقتدي به يُفَضِّل أحدهما على صاحبه ويرى الكفَّ عنهما. قلت: كذا نص «المدونة» في آخر الديات، في باب ترجمته «باب أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم»، والذي أجمع المسلمون عليه في العصور السابقة على تقديم عثمان على علي كرم الله تعالى وجهه في رتبة الفضل، فلا خلاف بين أهل الأمصار على رؤوس المنابر في ترتيب الأربعة على هذا الوجه: أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. قال زيد بن الحسن الموسوي العلوي من أهل طُوس، صحيح الاعتقاد، ومجتنب البدع، حسن الوعظ: أنشدني أبو عبد الله الحسن بن محمد بن علي في معرض الامتحان: أبو بكر على السنة ... وفاروق فتى الجنة وعثمان به المنة ... علي حبه جنتي انتهى، ثم نص «المدونة» يشهد بأن الترتيب بين أبي بكر وعمر قطعي لا شك فيه، وأما عثمان وعلي فقد عَلِمْت من إطلاقات المسلمين في سائر الأمصار أن عثمان مقدَّم، دَلَّ على إجماع حَدَثَ بعد العصر الأول، فبهذا

تأتلف القواعد وتسلم من التناقض والتعارض، فاعرف ذلك تَحُزْ بركته، والله تعالى أعلم. وممن مالَ إلى الوقف إمامُ الحرمين. واستقرَّ مذهبُ أهل السنة على تقديم عثمان لما في البخاري و (د) و (ت) من حديث ابن عمر قال [126 - أ]: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نَعْدِلُ بأبي بكر أحداً، ثم عُمَر، ثم عثمان. ورواه الطبراني بلفظ أصرح في التفضيل، وزاد فيه إطلاعه صلى الله عليه وسلم، وتقريره لذلك. ولفظه: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فيسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره. قلت: ويؤيد حديث الطبراني الحديث الذي أخرجه السمعاني في «الذيل» من حديث علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ الله أبا بكر، زوجني بنته، ونقلني إلى دار الهجرة، وأَعْتَقَ بلالاً من مَالِه، رحم الله تعالى عمر يقول الحق وإن كان مُرًّا، تركه الحق وما له من صديق، رحم الله تعالى عثمان تستحييه الملائكة، رحم الله تعالى علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار» (¬1). وفي الحديث، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بحوضي أربعة أركان: ركنٌ عليه أبو بكر، وركنٌ ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في «السنن» رقم (3714) وقال الألباني: ضعيف جداً.

عليه عُمَر، وركنٌ عليه عثمان، وركنٌ عليه علي رضوان الله عليهم أجمعين، فمن جاء محباً لهم سقوه، ومن جاء مبغضاً لهم لم يسقوه (¬1). ثم إن السمعاني في «الذيل» ذكر الحكاية التي جرت بين بعض قُضاة الري، وبين اللص في هذه المسألة، أحببتُ ذكرها في هذا المؤلَّف؛ إذ الحكايات من مُلَح [126ب] المؤلفات. والحكاية (¬2) بجملتها أن محمد بن الحسين القاضي كان يكثر الإدلاج إلى بساتينه فَيُصَلي الصبح، ثم يعود إلى منزله إذا ارتفعت الشمس وعَلا النهار، قال محمد بن مقاتل الماسغوري (¬3) قاضي الري فسألته عن ذلك فقال: بلغني في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: حُبِّبَت إليَّ الصلاةُ في الحيطان، وأهل اليَمَن يُسمُّون البستان: الحائط. قال محمد بن الحسين: فخرجت إلى حائط لأُصَلِّي فيه صلاة الفجر رغبة في الثواب والأجر، فعارضني لص جرئ القلب، خفيف الوثب، في يده خنجر كلسان الكلب، فضرب بيده إلى صدري، ومكن الخنجر في منحري، وقال: انزع ثيابك، واحفظ إهابك، ولا تكثر كلامك، فتلقى حمامك، فقلت: يا سبحان الله أنا شيخ من شيوخ البلد، وقاضي من قضاة المسلمين، يُسمع كلامي، ولا تُرَدّ أحكامي، ومع ذلك فإني من نقلة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة، ومن علماء الإسلام بكل فريضة وسُنة، أما ¬

(¬1) أسنده ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (39/ 132). (¬2) أورد بعضها السبكي في «طبقات الشافعية»: (9/ 327 - 331). (¬3) في «طبقات الشافعية»: الماسقوري.

تستحي من الله أن يراك حيث نهاك، فقال: يا سبحان الله أنت أيضاً أما ترى شاباً أروق للناظر، وأملأ للخاطر، أوى الكهوف والغيران، وأشرب ماء القيعان والغدران، وأسلك مخوف المسالك، وألقي بيدي إلى المهالك، ومع ذلك أنا وَجِل من السلطان [127 - أ]، مُشَرَّدٌ عن الأهل والأوطان، حتى إذا عثرت في البدرة برجل مثلك (¬1)، فأتركه يمضي إلى عيش رطب، وماء عذب، وأبقى أنا هاهنا أكابد التعب، وأناصب النصب، وأجاهد العيش الشغب، إن هذا لعجز من الرأي، وضرب من المحال، وأنشد: تُرى عينيك .... (¬2) قال له القاضي: أراك شاباً فاضلاً، ولصاً عاقلاً، فهل لك إلى خصلة تعقبك أجراً، وتكسيك شكراً، وتحقبك ذخراً، ولا تهتك مني ستراً، ومع ذلك فإني مسلم الثياب إليك، وخالعها عليك: تمضي معي إلى البستان، فأتوارى بالجدران، وأسلم إليك الثياب، وتمضي على المسار والمحاب. قال اللص: يا سبحان الله تشهد لي بالعقل، وتخاطبني بالجهل، ويحك من يؤمنني أن يكون لك في البستان غلامان علجان، ذوو سواعد شديدة، وقلوب غير رعيدة، فيشتداني ويسلماني إلى السلطان فيُحَكِّم فيَّ آراءه، ويقضي على ما شاءه، فإما يوردني في الحتف، وإما يسومني الخسف. ¬

(¬1) في «طبقات الشافعية»: حتى إذا عثرت بواحد مثلك. (¬2) بياض في الأصل، وفي «طبقات الشافعية»: تري عينيك ما لم ترياه ... كلنا علم بالترهات.

قال القاضي: لعمري إنه من لم يفكر في العواقب، فليس له الدهر بصاحب، وسبيل العاقل أن لا يغتر بعدوه وإن كان لا حَذَر من قَدَر (¬1)، ولكنني أحلف لك ألية مسلم، وجهد مقسم، أني لا أوقع بك مكراً ولا غدراً. قال اللص: لعمري [127 - ب] لقد حسنت عبارتك، وحسنت إشارتك، ونثرت حَبَّ خيرك، على فَخ غيرك، وقد قيل في المثل السائر: الحُرُّ حُرٌّ ما وعد، ووفى بما عهد، أدرك الأسد من قبل أن تلتقي على الفريسة سحياه، ولا تعجبنك من عدو حسن محياه، وأنشد: لا تخدشن وجه الحديث فإنا ... قد كشفناه قبل كشفك عنه وأطلعنا عليه والمستولى ... قطع أذن العيار أعير منه ثم قال اللص: ألم يزعم القاضي أنه كتب الحديث ولقي الشيوخ؟ قال: أجل، قال: فأي شيء كتبت في هذا المثل الذي ضربت لك؟ قال القاضي: ما يحضرني في هذا المقام الحرج حديث أُسْنِدُهُ، ولا خبر أُورِدُهُ، فقد قَطَعَتْ هيبتُك كلامي، وصَدَّعَت قبضتُك عظامي. قال اللص: فليسكن لُبُّك، وليطمئن قَلْبُك، فليست حاجة إلا ثيابك، اسمع هذا الحديث ويكون شأنك حتى لا يذهب منك شيء إلا بفائدة. قال القاضي: هات ما هذه الفائدة. قال اللص: حدثني أبي عن جدي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي ¬

(¬1) العبارة في «طبقات الشافعية»: أن لا يغتر بعدوه [بل يكون منه على حذر] ولكن لا حذر من قدر.

الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمين المكرَه لا يلزمه فإن حَلَفَ وحَنث فلا شيء عليه» انزع الثياب. قال القاضي: يا هذا قد أعييتني بأخذك علي الحجج من كل جانب، وجئت بألفاظ كأنها [128 - أ] لسع العقارب، أقم هاهنا حتى أمضي إلى البستان، وأنزع هذه الخلقان، وأدفعها إلى صبي غير بالغ فأمن مكره، ولا أنهتك أنا على هذه الحالة، فيكن فيَّ وفيك المقالة. قال اللص: أيها الشيخ قد أكثرت المحاورة، ونحن على طريق، وأمرنا على خطر، وهذه المراوغة لا تنتج لك نفعاً، ولا أستطيع لما أرومه منك دفعاً، ومع هذا فتزعُمُ أنك من أهل العلم والرواية، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الشريعة شريعتي، والسنة سنتي، فمن ابتدع في شريعتي وسنتي فعليه لعنة الله» قال القاضي: ما هاهنا من البدع أشر مما ابتدعت. قال اللص: نعم اللصوصية بنسيئة بدعة أنزع الثياب. فنزع القاضي ثيابه ودفعها إليه وبقي السراويل، فقال: انزع السراويل حتى تتم الخلعة. قال القاضي: ما أشرهك، وأشد كلبك، دع الاغتنام، وامضي بسلام، ففيما أخذت كفاية، ودع هذا السراويل فإنه لي ستر ووقاية، لا سيما وهذه صلاة الفجر قد أزف حضورها، وأخاف أن تفوتني فأصليها في غير وقتها، وقد تعمدت تركها رجاء أن أفوز في مكان يحبط فيه وزري ويضاعف أجري، ومتى منعتني من ذلك كنت كما قيل: إن الغراب وكان يمشي مشيه ... فيما مضى من سالف الأحوال [128 - ب]

حسد القطاة فرام يمشي مشيها ... فأصابه ضربةٌ من العُقَّال فأضل مشيته وأخطأ مشيها ... فلذاك كنوه أبا المرقال قال اللص: القاضي أيده الله تعالى يرجع إلى خلعة غيرها أحسن منها، وأنا لا أملك سواها، ومتى لم تكن السراويل في جملتها، ذهب حسنها وقل ثمنها، لا سيما والتكة مليحة وسيمة، ولها مقدار وقيمة، فدع عنك ضرب المثال، واقلع عن ترداد (¬1) المقال، فلست ممن يلين بالمحال، ما دامت الحاجة ماسة إلى السروال، وأنشأ يقول: دع عنك ضربك سائر الأمثال ... واسمع إذا ما شئت فصل مقال لا تطلبن مني الخلاص فإنني ... أفتي إذا ما جئتني بسؤال ولأنت إن أبصرتني أبصرت ذا ... قول وعلم كامل وفعال جارت عليه يد الليالي فانثنى ... ينفي الأنام بصارم قصال فالموت في ضنك المواقف دون أن ... ألقى الرجال بذلة التسآل والعلم ليس بنافع أربابه ... إذ لا تقوِّمهُ على النُّقَّال ثم قال: ألم يذكر القاضي أنه يتفقه في الدين ويتصرف في فتاوى المسلمين. قال القاضي: أجل. قال اللص: فمن صاحبك من أئمة الفقهاء أو صدور العلماء؟ قال القاضي: صاحبي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه. ¬

(¬1) في الأصل: تراد. خطأ، والتصحيح من «طبقات الشافعية».

قال اللص: يا لها من نادرة ما أغربها [129 - أ] وحكاية ما أعجبها، أيخفى عليك هذا المقدار، وأنت تعتزي إلى الفقهاء والنظار، إنها لهجنة على الإسلام، ومعرة على الحكام، على أي شيء قال صاحبك في صلاة الفجر وغيرها وأنت عريان؟. قال القاضي: لا أدري. قال اللص: اسمع هذا ويكون بالسراويل حتى لا تذهب ثيابك إلا بالفوائد. قال القاضي: قُل. قال اللص: حدثني أبي عن جدي عن محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه يرفعه في إسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة العريان جائزة، والإعادة عليه»، وتأول في ذلك غرقى البحر إذا عطبوا وسَلِموا إلى الساحل. فنزع القاضي السراويل وقال: خذه فأنت أشبه بالقضاء مني، وأنا أشبه باللصوصية منك، يا من دَرَس على أخذ ثيابي موطأ مالك وكتاب المزني، ومَدَّ يده ليدفعه إليه، فرأى الخاتم في أصبعه اليمنى، فقال: انزع الخاتم. فقال القاضي: إن هذا اليوم عصيب، ما رأيت أثقل منه ولا أنحس صباحاً، ولا أقل نجاحاً، إذ رماني هذا اليوم المنكر، وقصد لي بأم حَبَوُكر (¬1)، ويحك ما أشرهك، دع ما أنت فيه فالخاتم لا سبيل لك إليه. قال: ولم؟ قال: لأنه عارية معي فلا تلزمني بأخذك إياه غرامته فأتحمل أكثر من قيمته. قال اللص: أو لم يزعم القاضي أنه شافعي المذهب؟ قال: نعم، هات [129 - ب] ما بقي من ¬

(¬1) الحبوكر: الداهية، وأم حبوكر: أم الدواهي. «تاج العروس»: (10/ 522).

درسك. قال: فلم تختمت في اليمنى وهو شعار المضادين؟ قال القاضي: فليس ذلك بجائز؟ قال: بلى، إلا أنه قد صار التختم في اليمين من شعار المضادين فحصل فرق بين المخالف والمؤالف. قال القاضي: إن أردت الخلاف في المذهب فليس عند صاحب المذهب به من بأس. قال: لا، أردتُ الخلاف بين السنية والرافضة. قال القاضي: فأنا أعتقد ولاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وتفضيله على سائر المسلمين، من غير طعن على السلف الماضين الراشدين، ولا عدول عن السنة والدين، وهذا صُلْبُ اعتقادي، وعلى مذهب الشافعي في الحكومة اعتمادي، وعليه سائر أهل بلادي. قال اللص: نِعْمَ ما ذهبتَ إليه، فلو نازعك منازع بما استحق عليٌّ عليه السلام أن يكون أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القاضي: الجواب في ذلك أن علياً إنما استحق الفضل على من سواه من الصحابة والقرابة؛ لأنه أقربهم منه لحمة، وأدناهم حرمة، وأزكاهم مركباً، وأطيبهم منصباً، وكان صهره الناسك، وسيفه الباتك (¬1)، وهو ورسول الله صلى الله عليه وسلم فرعان من شجرة. قال اللص: ذلك الذي أوجب له الفضل على من سواه من المهاجرين السابقين والأولين الصادقين. قال [130 - أ] القاضي: نعم، قال: فالعباس إذاً أفضل منه؛ لأنه أقرب إلى ¬

(¬1) أي: القاطع. «تاج العروس»: (27/ 57).

رسول الله صلى الله عليه وسلم منه؛ لأن الله عز وجل يقول في كتابه {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} وقد أجمع المسلمون أنه لو أن رجلاً هلك وترك عماً وابن عم لكان المال للعم دون ابن العم بلا خلاف. قال القاضي: فإن العباس لا هجرة له، وعلي له هجرة. قال اللص: فبطلت علة القرابة، وصار الفضل للهجرة. قال القاضي: نعم. قال اللص: فجعفر بن أبي طالب له هجرة، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو نازعك منازع في أنه أفضل من علي فما يكون جوابك؟ قال القاضي: فعلي لم يشرك بالله طرفةَ عين، ولا علم منه خلف ولا مين، وهو أقدم إيماناً منه ومن العباس بن عبد المطلب. قال اللص: وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أقدم إيماناً من الكل. قال القاضي: أبو بكر انتقل عن الشرك. قال اللص: أليس من لم يُشْرِك أفضل عندكم ممن أشرك. قال القاضي: نعم. قال اللص: فأيما أفضل عندكم عائشة أو خديجة رضي الله تعالى عنهما، أو غيرهما من نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللواتي لم يشركن بالله؟. قال القاضي: خديجة أفضل. قال اللص: فَبَطُلَت إذاً علة قِدَم الإيمان.

قال القاضي: إلا أن [130 - ب] علياً مع قدم إيمانه، وحسن إتقانه، وإيضاح برهانه، له اتصال بنسب، ومواسجة هصب (¬1)، وقوة سبب. قال اللص: وكل من قرب هو أفضل؟ قال القاضي: أجل. قال اللص: ففاطمة أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم علي؟. قال القاضي: فاطمة. قال اللص: فبطلت علة القرابة. قال القاضي: فإن علياً تقدم إيمانه إيمان فاطمة وله جهاد. قال اللص: فكذلك إيمان أبي بكر تقدم إيمان علي وله جهاد؛ لأنه أول من آمن بالله عز وجل، وجاهد، وسبق إلى التصديق، ونَصَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لا معين له من أهل بيته وأقاربه وأدنى عشيرته وأصحابه، وهو أول من سارع إلى إجابته، ودَعَى الناس إلى بيعته، وبذل بين يديه الأموال. قال القاضي: كيف تقدم أبا بكر على علي وهو يعترف أن له شيطاناً يعتريه يقول ألا وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتم ذلك فلا تقربوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم. قال اللص: لقد قال هذا في ملأ من المهاجرين والأنصار، إلا أنه ليس على وجه الأرض ذو عقل فاضل ولا لُب حاصل فرآى أن أبا بكر رضي الله عنه ¬

(¬1) كذا جاء رسمها وتحتاج إلى تحرير.

كان مجنوناً، ولو كان على مثل هذه الحال لما خفى أَمْرُه عن الصحابة والقرابة، ولا تركوا دفعه عن الخلافة بالاحتجاج بأنه مجنون يحتاج [131 - أ] إلى علاج دون إمامة الأمة، وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا جهل ممن تكلم به، وإنما قال ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد إلا وله شيطان يعتريه. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن الله عز وجل أعانني عليه فأسلم» ألا ترى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أخبر في هذا القول عن جنون وحاشاه من ذلك، وإنما قال ذلك لِيَتَّقُوا على غلطته. قال القاضي: أليس صاحبك القائل: «وليتكم ولست بخيركم؟». قال اللص: في هذا وجوه منها: أنه قال ذلك محتجاً على الأنصار لأنه قال: وليتكم بالصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حاضراً، ولعمري إنه لا يجوز أن يكون خير قوم أحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: كيف لا أليكم مع عدمه، وقد وليتكم في وجوده، ولست بخيركم قبيلة إلا (¬1) بني هاشم أعلى منه في ذروة النسب، وأبعد في الصيت والرهب، فدلهم بهذا أن الأمر لا يستحق بعلو النسب، ولا مقصور على بني هاشم دون غيرهم من قريش لقوله صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش». قال القاضي: كيف تحقق له هذا الأمر وهو يقول: أقيلوني أقيلوني. قال: قد قال ذلك لما في إقامة الأمر من تَحَمُّل ثقل الإمامة، وذلك لفضله، ¬

(¬1) لعل صوابها: لأن.

وعقله، وورعه، وخشيته، إلا لما يبعده [131 - ب] عن ذلك، ولا ينبغي لفاضل إن عرضت عليه أن يظهر المسارعة إليها فإن ذلك يلقيه في الظنة، ويورطه في التهمة. قال القاضي: كيف تنسبون له هذا الأمر وعمر رضي الله تعالى عنه يقول على المنبر سمعه الأسود والأحمر: ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. قال اللص: مهما شككنا في شيء، فأنا لا أشك وإياكم في أن عمر رضي الله عنه كان عاقلاً، ولم يكن مجنوناً مختلطاً، وهذا الكلام إن حمل على ما قلتم صار في حكم الجنون من قائله، لأن عمر يحتج في إثبات إمامته بعقد إمامته، والدعاء إلى صداقته، بعقد عهدي أبي بكر، ودعا الناس إلى اتباعه من بعده، فإذا كانت بيعة أبي بكر باطلاً، وجب أن تكون بيعة عمر باطلاً، ووجب أن عهده يكون باطلاً، ووجب أن يقول له الناس والصحابة والقرابة والأنصار: فأنت أيضاً ممن يجب قتلك، ولا يجب العمل على عهدك في الشورى. والمعنى في هذا القول: أن عمر كان يعتقد أن أبا بكر كان أفضل الناس والأمة، وأنه كان يستحق أخذ الخلافة بالحجة والمناظرة، وأن من بعده يتفاوتون في الرتبة، ولا يستحقونها على ذلك الوجه. وقوله: كانت فلتة، أي على غير إعمال فكر وروية، واستوسعت فجأة، وقى الله شرها أي: شر الخلاف [132 - أ] عليها، وشق العصا عند تمامها، وقوله من عاد إلى مثلها فاقتلوه، إنما أراد إلى مثل قول الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير» أراده رد الأمر إلى قريش، وهذان الأمران حرام، فِعْلُهما في الدين فتنة بين

المسلمين. قال القاضي: فإذا كنت قد فَضَّلت أبا بكر على علي فقد غضضت من علي. قال اللص: من قصد إلى ذلك فهو ضال، وإنما هذا اتباع للسنة، ولو كان على ما تذهب إليه وتضمره في نفسك، لكان لِكُلِّ من فَضَّل علياً على فاطمة والحسن والحسين، فقد غض منهم، وهذا لا يقوله مسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقد حمل الحسن والحسين على عاتقه: «نعم المطي مطيكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبوكما خير منكما»، ولم يُرِد بذلك غضاضة، ولا عدولاً بالفضل عنهما، ولكنه تَحَرَّى في ذلك الصدق. قال له القاضي: فإن النبي صلى الله عليه وسلم حمل علياً يوم قلع الأصنام. قال اللص: هذه فضيلة لعلي غير مجحودة ولا مردودة، ولكنه قد حمل عائشة وهي صغيرة، وحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع على كتفه. قال القاضي: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «أنا من علي وعلي مني». قال اللص: هذا ما لا ندفعه ولكنه قال أيضاً للعباس: «أنا من العباس والعباس مني» فأي فضل لعلي [132 - ب] على العباس، في هذا الاختصاص؟ قال القاضي: فقد قال لعلي أنت أخي. قال اللص: قال ذلك مراراً، لكن قال ذلك على مذهب الفضل والرفعة لمكانه، أم على طريق الحقيقة؟

قال القاضي: على مذهب المجاز. قال اللص: فنحن وأنتم نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «واشوقاه إلى أخواني الذين يؤمنون بنبوتي ولم يلحقوني ويتمسكون بشريعتي ويصدقوني»، وقال أيضاً لأبي بكر: «أنت أخي ورفيقي وصديقي»، وقال له: «إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر والداً، وعلياً أخاً ومعاضداً، والوالد أفضل من الأخ. ثم قال: وُزِنْتُ بالأمة فرجحت بها، ووُزن أبو بكر بالأمة فرجح بها، وما أراكم توردون فضيلة إلا ولنا أمثالها، ولا تظهرون منقبة إلا وعندنا أشكالها، فإن حلتم الفضل على مثل هذه الأخبار، قلنا: فقد قال في عمر: «لو كان نبي لكان عمر» وإن قلتم: إنما فضل بالشجاعة فقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بها وقال في حمزة: «أسد من أسد الله» وفي خالد «سيف الله»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أنا في ميزان عمي العباس». فلما سمع القاضي جودة منطقه وقدرته على الكلام، وثباته في الخصام، وقوته في النظر، علم أنه لا يجارى، ولا يبارى، وأنه متكلم لا يصطلي بناره، وأنه إنما حمله [133 - أ] على ذلك ضرورة العلة والإعدام، والأنفة من الخاصة إلى السفلة اللئام، فنزع الخاتم من أصبعه وقال: هاك يا متكلم، يا فقيه، يا شاعر، يا محدث، يا لص، فأخذه منه وحَلَّ عقاله، وأوسع مجاله، ونفس خناقه، وأطلق وثاقه، ومضى القاضي إلى منزله ولبس ثيابه، انتهت. وقوله: «فالستة»، يعني أن الستة الباقين بعد الخلفاء الأربعة في الأفضلية. قال الإمام عبد القاهر التميمي البغدادي: أصحابنا مجمعون على ذلك. وقوله: «فالبدرية» (خ) يعني ثم البدرية بعد الستة الباقين، ثم أصحاب أُحُد،

ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية، والتقدير فأهل أُحُد، فأهل البيعة. وقوله: 804 - قَالَ: وَفَضْلُ السَّابِقِينَ قَدْ وَرَدْ ... فَقِيلَ: هُمْ، وَقِيلَ: بَدْرِيٌّ وَقَدْ 805 - قِيلَ: بَلْ اهْلُ القِبْلَتَيْنِ، واخْتَلَفْ ... -أَيَّهُمُ أَسْلَمَ قَبْلُ؟ - مَنْ سَلَفْ 806 - قِيلَ: أبو بَكْرٍ، وقِيلَ: بلْ عَلِيْ ... وَمُدَّعِي إجمَاعَهُ لَمْ يُقْبَل 807 - وَقِيلَ: زَيْدٌ وادَّعى وِفَاقا ... بَعْضٌ عَلَى خَدِيجَةَ اتِّفَاقا الشرح: يعني أنه يفضَّل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار. وقوله: «وقد ورد»، يعني بنص القرآن. وقوله: «فقيل هم» يعني أنه اختُلِف من هم؟ فقيل: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان. وبه قال الشعبي. وقوله: «وقيل بدري»، يعني وقيل: أنهم أهل بدر. وبه [133 - ب] قال محمد بن كعب القرظي وعطاء بن يسار. وقوله: «وقد قيل» (خ) يعني: وقيل أنهم الذين صلوا القبلتين. وبه قال ابن المسيب وطائفة، فهذه ثلاثة أقوال حكاها (ن). في المسألة رابع رواه سُبيد أيضاً بإسناد صحيح إلى الحسن قال: فرق ما بينهم فتح مكة. وقوله: «واختلف» (خ) يعني: أن السلف اختلفوا في أوَّل الصحابة إسلاماً على أقوال؛ أحدها: أبو بكر، وبه قال ابن عباس، وحَسَّان بن ثابت، والشَّعبي،

والنخعي، وجماعة، ويَدُلُّ له رواية مسلم في «صحيحه» من حديث عمرو بن عبسة [في] (¬1) قصة إسلامه، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: من معك على هذا؟ قال: حرُّ وعبد. قال: إن معه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به. وفي «مستدرك الحاكم» من رواية مُجَالد: سُئِلَ الشعبي: من أول من أسلم؟ فقال: أما سمعت قول حسان: إذا تذكَّرْتَ شجواً من أخي ثِقَةٍ ... فاذكُر أَخَاك أبا بكر بِمَا فَعَلا خيرُ البرية أتقاها وأعدَلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا والثاني التالي المحمودَ مشهَدُهُ ... وأول الناس منهم صَدَّقَ الرُّسُلا قلت: وفي هذا القصيد يقول: وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ صاعد الجبلا فكان حب رسول الله قد علموا ... من الخلائق لم يعدل به بدلا [134 - ب] وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت: قلت في أبي بكر شيئاً، قُل حتى أسمع. قال: قلت: وثاني اثنين -البيتين-، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن إسحاق أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال في دخوله الغار، وسيرهم، وفي طلب سُرَاقة إياهم، هذه الأبيات: قال النبي ولم أجزع يوقرني ... نحن في سدفة من ظلمة الغار ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

لا تخش شيئاً فإن الله ثالثنا ... وقد توكل لي منه بإظهار وإنما كيد من تخشى بوادره ... كيد الشياطين كادته لكفار والله مهلكهم طراً بما كسبوا ... وجاعل المنتهى منهم إلى النار وأنت مرتحل عنهم وتاركهم ... إما غدوا وإما مدلجاً ساري وهاجر أرضهم حتى يكون لنا ... قومٌ عليهم ذوو عزٍ وأنصار حتى إذا الليل وارانا جوانبه ... وسد من دون من يخشى بأستار سار الأريقط [بهدينا وأينقه] (¬1) ... ينعين بالقوم [نعياً] (¬2) تحت أكوار حتى إذا قلت قد انحد (¬3) عارضنا ... من مدلجٍ فارس في منصب واري فقال كرو فقلنا إن كرتنا ... من دون ذلك نصر الخالق الباري إن يخسف الله بالأحوى وفارسه ... فانظر إلى أربع في الأرض غوار فهيل لما رأى أرساغ مهرته ... يرسخن (¬4) في الأرض لم تحفر [134 - ب] [بمحفار] (¬5) فقال هل لكموا أن تطلقوا فرسي ... وتأخذوا موثقاً من نصح أسراري فادعوا الذي كف عنكم أمر عدوتنا ... يطلق جوادي فأنتم خير أبرار فقال قولاً رسول الله مبتهلاً ... يا رب إن كان غير إخمار ¬

(¬1) بياض في الأصل، تممناه من المصادر التي أوردت الأبيات. (¬2) بياض في الأصل، تممناه من المصادر التي أوردت الأبيات. (¬3) كذا وفي المصادر: أنجدن. (¬4) كذا وفي المصادر: قد سخن. (¬5) بياض في الأصل، تممناه من المصادر.

فنجه سالماً من شر دعوتنا ... ومهره مطلقاً من كلم آثار فأظهر الله إذ يدعو حوافره ... وفاز فارسه من هول أخطار وقوله: وقيل بل على القول الثاني: علي أولهم إسلاماً، ورُوي عن زيد بن أرقم، وأبي ذر، والمقداد بن الأسود، وأبي أيوب، وجماعة من الصحابة والتابعين. وأنشد المرزباني لخزيمة بن ثابت في ذلك: أليس أَوَّل من صَلَّى لقبلتهم ... وأعلم الناس بالقرآن والسنن قال الحاكم: ولا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أن علياً أولهم إسلاماً، وإنما اختلفوا في بلوغه. وقوله: «ومدَّعِي إجماعه» يعني أن هذا الذي ادَّعَاه الحاكم قال ابن الصلاح: لم يُقبل، واستنكر هذا من الحاكم. وقوله: «زيد» هذا القول الثاني: أن أولهم إسلاماً زيد بن حارثة، فيما نص عليه معمر عن الزهري. وقوله: «وادَّعى» (خ) هذا القول الرابع: أولهم إسلاماً خديجة، فيما روي عن ابن عباس، والزهري أيضاً، وبه قال قتادة، ومحمد بن إسحاق، في آخرين، وصَوَّبه النووي، عند جماعة من المحققين، وادَّعى الثعلبي المفسر [135 - أ] إجماع العلماء على ذلك، وأن اختلافهم إنما هو في أوَّل من أسْلَم بعدها. وقوله: «مَنْ سَلَف» فاعل اختلف. و «قبلُ» بُنِي على الضم، كذا ذكره

(ن) (¬1). وقوله: 808 - وَمَاتَ آخِراً بِغَيْرِ مِرْيةِ ... أبُو الطُّفَيْلِ مَاتَ عَامَ مِائَة 809 - وقَبْلَهُ السَّائِبُ بالمَدِينَةِ ... أَوْ سَهْلٌ اوْ جَابِرٌ اوْ بِمَكَّة 810 - وقِيلَ: الاخِرُ بِهَا: ابنُ عُمَرَا ... إنْ لا أبُو الطُّفَيْلِ فِيهَا قُبِرَا 811 - وأَنَسُ بنُ مالِكٍ بالبَصْرَةِ ... وابنُ أبي أوْفَى قَضَى بالكُوْفَة 812 - والشَّامِ فَابْنُ بُسْرٍ اوْ ذُو باهِلَهْ ... خُلْفٌ، وقِيلَ: بِدِمَشْقٍ وَاثِلَهْ 813 - وَأنَّ في حِمْصٍ ابنُ بُسْرٍ قُبِضَا ... وأنَّ بالجزيرةِ العُرْسُ قَضَى 814 - وبِفَلَسْطِينَ أبُو أُبَيِّ ... ومِصْرَ فابنُ الحارِثِ بنِ جُزَيّ 815 - وقُبِضَ الهِرْمَاسُ باليَمَامَةِ ... وقَبْلَهُ رُوَيْفِعٌ ببَرْقة 816 - وقِيلَ: إفْرِيقِيَّةٍ وسَلَمَهْ ... بادِياً اوْ بِطِيبَةَ المُكَرَّمَهْ الشرح: أشار بهذه الأبيات إلى آخر من مات من الصحابة مُطْلَقاً [و] (¬2) مقيداً بالبلدان والنواحي. فأما آخرهم موتاً مطلقاً: أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، مات سنة مائة من الهجرة، نص عليه الحاكم في «المستدرك» عن خليفة بن خياطٍ شباب ¬

(¬1) (2/ 145). (¬2) زيادة من المصدر.

العُصْفُري، وكذا رواه مسلم في «صحيحه» من رواية ابن سفيان، قال: قال مسلم: مات أبو الطفيل سَنَة مائة، وكان آخر مَنْ مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [135 - ب]. وقوله: «عام مائة» هذا هو الصحيح، وقيل: تَأخَّر بعد المائة، وقيل: مات سنة اثنتين ومائة، وبه جزم ابن حبان، وابن قانع، وابن مَنْدَه، وصَحَّح الذهبيُّ في «الوفيات» أنه مات سنة عشر ومائة، لما روي وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، قال: كنت بمكة سنة عشر ومائة، فرأيت جنازة فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطُّفيل. وحَكَى بعضُ المتأخرين عن ابن دُرَيد أن عكراش بن ذؤيب تأخر بعد ذلك، وأنه عاش بعد الجَمَل مائة سنة. قال شيخنا (ن) (¬1): باطلاً (¬2) لا أصل له، أوقع ابنَ دريد فيه ابن قتيبة في «المعارف» وهو باطل أو مؤول بأنه كَمَّل بعد الجَمَل مائة سنة، لا أنه بقي بعدها مائة سنة. وقوله: «وقبله» (خ) يعني: أن آخر من مات مقيداً بالنواحي كالمدينة المشرفة: السائب بن يزيد سنة اثنتين، أو ست، أو ثمان وثمانين، أو إحدى وتسعين خلاف، ومولده [في] (¬3) الثانية أو الثالثة من الهجرة. ¬

(¬1) (2/ 147). (¬2) كذا. (¬3) زيادة من المصدر.

وقوله: «أو سهل» (خ) يعني: وقيل أن آخرهم موتاً بالمدينة سهل بن سعد الأنصاري في نصِّ ابن المديني، والواقدي، وابن سعد، وابن حبان، وابن قانع، وابن منده، ومحمد بن سعد، وادَّعَى نفي الخلاف فيه، فقال: ليس بيننا في ذلك اختلاف. واختُلف في وفاة سهل بالمدينة، والجمهور على أنه مات بها، وقال قتادة: بمصر، وقيل: بالإسكندرية. وقيل: إن آخرهم موتاً بالمدينة جابر بن عبد الله، فيما [136 - ب] رواه الإمام أحمد عن قتادة، وصَدَّر به ابن الصلاح. وقوله: «أو بمكة» يعني: أنه اختُلف في الموضع الذي مات فيه جابر، والجمهور أنه بالمدينة، أو بقباء، أو بمكة أقوال. وقوله: «وقيل الآخر بها» يعني أن آخرهم موتاً بمكة جابر بن عبد الله المذكور، والمشهور بالمدينة، كما ذكرنا، وقيل: آخرهم موتاً بها عبد الله بن عمر فيما نصَّ عليه أبو الشيخ ابن حَيَّان في «تاريخه». وقوله: «إن لا» (خ) يعني أن جابراً أو ابن عمر إنما يكون آخر من مات بمكة إن لم يكن ابن الطفيل مات بها كما قيل، والصحيح أن أبا الطفيل مات بمكة. وقوله: «وأنس بن مالك» (خ) يعني: أن آخرهم موتاً بالبصرة أنس بن مالك فيما نص عليه جماعة ومنهم قتادة. وقوله: «وابن أبي أوفى» (خ) يعني أن آخرهم موتاً بالكوفة عبد الله بن أبي

أوفى في قول جماعة، ومنهم قتادة، وابن أبي أوفى آخر من بقي ممن شهد بيعة الرضوان. وقوله: «والشام فابنُ بُسر» (خ) يعني أن آخرهم موتاً بالشام: عبد الله بن بُسْر المازني، في قول جماعة منهم الأحوص بن حكيم، والذهبي بِأَخرة. قلت: وبُسر: بضم الباء الموحدة، وإسكان السين، وبالراء المهملتين. انتهى. وقوله: «أو ذو باهلة خُلْف» (خ) يعني: وقيل: إن آخرهم موتاً بالشام أبو أمامة صُدَي بن عَجْلان البَاهلي، وهو قول جماعة، ومنهم الحسن البصري، وابن عُيينة، وبه جزم ابنُ منده. قلت: وقوله: خُلْف: بضم الخاء، وإسكان [136 - ب] اللام، مرفوع على الابتداء المحذوف الخبر، أي: في ذلك اختلاف. والفاء في قوله: «فابن بسر» وما عطف عليه دخلت عن الخبر عن قوله بالشام أو ذو باهلة في ذلك اختلاف (¬1). وقوله: «بدمشق» (خ) هذه طريقةٌ سَلَكها ابن منده في آخر من بقي في نواحي الشام المنسوبة إلى دمشق وحمص وفلسطين، فقال في الجزء الذي جمعه في آخر الصحابة موتاً: آخرهم موتاً بدمشق منهم: واثلة بن الأسقع الليثي، وقيل ببيت المقدس، وقال ابن قانع بحمص. ¬

(¬1) كذا وقعت العبارة في الأصل، ولعل صوابها: دخلت [على] الخبر [فمعنى] قوله: بالشام [ابن بسر] أو ذو باهلة في ذلك اختلاف.

وقوله: «وإن في حمص» (خ) يعني: وقال في هذا الجزء: آخر من مات بحمص، ومنهم: عبد الله بن بسر. قلت: فقوله: «وإن» (خ) هو بكسر «إن» على الحكاية لقوله: «وقيل» أي: إن. وقوله: «وأنَّ بالجزيرة» (خ) يعني: وآخر مَنْ مَات منهم بالجزيرة العُرْس، قلت: والعُرْس بضم العين، وإسكان الراء، وبالسين المهملات، وهو ابن عُميرة الكِنْدي. وقوله: «وبفلسطين» (خ) يعني وآخر من مات بفلسطين أبو أُبي عبد الله بن أم حرام، وهو ابنُ امرأة عبادة بن الصامت، واسمه عبد الله بن عمرو بن قيس، وقيل: عبد الله بن أُبَي، وقيل: بن كعب. قلت: «وبفلسطين» بكسر الفاء، وفتح اللام، وإسكان السين المهملة، وبعده طاء مهملة، فمثناة تحت ساكنة، فنون، أحد أقسام الشَّام الخمسة، وأول حدودها من طريق مصر: «أمج» بفتح الهمزة، والميم، وبعده [137 - أ] جيم، وهي العريش، ثم غَزَّة، ثم الرملة، ومن مدن فلسطين إيلياء، وهي بيت المقدس، بينها وبين الرملة نحو ثمانية عشر ميلاً انتهى. و «أبو أُبي» بضم الهمزة، وفتح الموحدة، وتشديد الياء بعده، وهو مَنْ ذكرناه. وقوله: «ومصر» (خ) يعني: آخر من مات بمصر عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزُّبيدي، فيما نصه ابنُ عيينة، وابنُ منده، وغيرهما. قلت: وذكر الطحاوي أنه مات بسَفط القدور، وهي التي تُعْرَف اليوم بسفط

أبي تراب. وقيل: مات باليمامة، وهو آخر من شَهِد بدراً موتاً عند ابن منده، قال شيخنا (ن) (¬1) ولا يَصِحُّ شهودُه بدراً. و «جزء»، قلت: بفتح الجيم، وإسكان الزاي، وإبدال الهمزة، ياء موافقةً للقافية. وقوله: «وقُبِض الهِرْمَاس» (خ) يعني: وآخرهم موتاً باليمامة الهرماس بن زيادٍ الباهلي، وعن عكرمة بن عمار قال: لقيت الهرماس سنة اثنتين ومائة. قلت: «والهِرْماس» بكسر الهاء، وإسكان الراء المهملة، وبعده ميم، فألف، فسين مهملة. وقوله: «وقَبْلَه» (خ) يعني: وآخرهم موتاً ببرقة: رويفع [بن ثابت الأنصاري، وهو أمير عليها لمسلمة بن] (¬2) مخلد، وقبره معروف إلى اليوم، وذكر الليث ابن سعد أنه مات بِأَنْطَابُلُس، وقيل: بالشام. قلت: و «رُوَيْفع» بضم الراء المهملة، وفتح الواو، وبعده مثناة تحت ساكنة، ففاء مكسورة، فعين مهملة. قلت: و «إفريقية» بكسر الهمزة، وإسكان الفاء، وكسر الراء المهملة، وبعده مُثناة تحت ساكنة، فقاف مكسورة، فمثناة تحت مفتوحة، فهاء تأنيث [137 - ب]. سُمِّيَت بإفريقيس بن أَبْرَهة ملك اليمن؛ لأنه أول من افتتحها. وروي أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما فتح طرابلس كَتَبَ إلى عمر بن ¬

(¬1) (2/ 157). (¬2) زيادة من المصدر.

الخطاب رضي الله تعالى عنه بما فتح الله عليه، وأنه ليس أمامه إلا إفريقية، فكتب إليه عُمَر إذا ورد عليك كتابي هذا فاطو دواوينك، ورُد عَليَّ جندي، ولا تدخل إفريقية في شيء من عهدي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إفريقية لأهلها غير مجمعة، ماؤها قاسٍ لا يشربه أحد من المسلمين إلا اختلفت قلوبهم»، فأمر عمر بن العاصي العسكر بالرحيل قافلاً. انتهى. وقوله: «وسَلَمة» (خ) يعني: وآخرهم موتاً بالبادية سلمة بن الأكوع، فيما نص عليه ابن منده، والصحيح أنه مات بطيبة، ورجَّحَه ابن الصلاح. تنبيه: وذكر ابن منده في هذا الجزء أن آخر من مات بخراسان: بُرَيدة بن الحُصَيب، وآخر من مات بالرُّخِّج العدَّاء بن خالد بن هَوذَة، والرُّخِّج بكسر الخاء المعجمة مشددة، من أعمال سجستان، وذكر بعضهم أن آخر من مات بأصبهان: النابغة الجعدي، نَصَّ عليه أبو الشَّيخ في «طبقات الأصبهانيين»، وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان»، وآخر من مات بالطائف: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

معرفة التابعين

مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ قوله: 817 - والتَّابعِيُّ اللاَّقِي لِمَنْ قَدْ صَحِبَا ... وَلِلْخَطِيبِ حَدُّهُ: أنْ يَصْحَبَا [138 - أ] الشرح: هذا النوع الثاني من أنواع الطرف الرابع في أسماء الرجال، وفيه فصول: الأول: في حَدِّ التابعي: فقال الحاكم وغيره: التابعي [من] (¬1) لقي واحداً من الصحابة فأكثر، وعليه الأكثر، يؤيده عَدُّ (¬2) سليمان بن مهران الأعمش في التابعين (¬3) لما رأى أنس بن مالك رؤية بمكة يُصَلِّي، وليس له رواية في شيء من الكتب الستة عن أحد من الصحابة إلا عن عبد الله بن أبي أوفى في «سنن ابن ماجه» فقط. وعد يحيى بن كثير لكونه لقي أنساً. وموسى بن أبي عايشة لكونه لقي عمرو بن حُريث. وجَرير بن حازم، لكونه رأى أنساً. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) في الأصل: عن. خطأ. (¬3) في الأصل: [عد] في التابعين. وهو حشو.

واشترط ابن حبان أن يكون رآه في سن من يحفظ عنه، وإلا فلا عبرة برؤيته، كخَلَف بن خليفة، فإنه عَدَّه في أتباع التابعين وإن كان رأى عمرو بن حريث؛ لكونه كان صغيراً. وقوله: «وللخطيب» (خ) يعني أن الخطيب حَدَّهُ بأنه من صَحِب الصحابي، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة والتابعين بقوله: «طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن رأى من رآني» (ح) فاكتفى فيهما بِمُجَرَّد الرؤية. وقوله: 818 - وَهُمْ طِبَاقٌ قِيلَ: خَمْسَ عَشَرَهْ ... أَوَّلُهُمْ: رُوَاةُ كلِّ العَشَرَهْ 819 - وَقَيْسٌ الفَرْدُ بِهَذا الوَصْفِ ... وَقِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَوْف 820 - وَقَوْلُ مَنْ عدَّ سَعِيداً فَغَلَطْ ... بَلْ قِيلَ: لَمْ يَسْمَعْ سِوَى سَعْدٍ فَقَطْ 821 - لَكِنَّهُ الأَفْضَلُ عِنْدَ أَحْمَدَا ... وعَنْهُ قَيْسٌ وَسِوَاهُ وَرَدَا [138 - ب] 822 - وَفَضَّلَ الحَسَنَ أَهْلُ البَصْرَةِ ... والقَرَنِيْ أُوَيْساً اهْلُ الكُوفَة الشرح: يعني أن التابعين طباق، فجعلهم مسلم في «الطبقات» ثلاث طبقات، وكذا ابن سعد في «الطبقات»، وقال الحاكم في «العلوم»: خمس عشرة طبقة. وقوله: «أَوَّلُهم» (خ) يعني: أن الطبقة الأولى منهم: من روى عن العشرة بالسماع منهم، وليس في التابعين أحدٌ سمع منهم إلا قيس بن أبي حازم. وقوله: «وقيل لم يسمع» (خ) يعني: أن قيساً هذا لم يروِ عن ابن عوف. نَصَّ

عليه الآجُري أبو عبيد عن أبي داود. وقوله: «مَن عَدَّ» (خ) يعني أن الحاكم عد ممن أدرك من العشرة سعيد بن المسيب، وهو غَلَطٌ صريح. وقوله: «بل قيل» (خ) يعني: أن ابن المسيب لم تَصِحّ له رواية عن أحد مِن العشرة إلا سعد بن أبي وقاص فقط (¬1). وقوله: «لكنه» (خ) هذا الفصل الثاني من فصول النوع الثاني، وهو أنهم اختلفوا في أفضل التابعين. فقال عثمان الحارثي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أفضل التابعين سعيد بن المسيب. فقوله: «لكنه» أي: لكن سعيداً. وقوله: «وعنه» (خ) القول الثاني وروي عن أحمد أيضاً أنه قال: أفضل التابعين قيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، ومسروق. وقوله: «وفَضَّل» (خ) يعني: أن الحسن البصري أفضل التابعين عند أهل البصرة، وأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة يقولون [139 - أ]: أويس القرني، حكي عن الإمام أبي عبد الله محمد بن خَفيف الشيرازي. ¬

(¬1) في الأصل: سعد بن أبي وقاص [فقال]. خطأ، ويظهر أن الصواب ما أثبتناه.

قال شيخنا (ن) (¬1): والصواب ما ذهب إليه أهل الكوفة لما روى مسلم في «صحيحه» من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خير التابعين رجل يقال له أويس»، قال: ولعل أحمد لم يبلغه الحديث، أو لم يصح عنده، أو أراد بالأفضلية في العلم لا الخيرية، وفَرَّق بين الأفضليةوالخيرية، فيما نقله الخطَّابي عن بعض شيوخه. وقوله: 823 - وفي نِسَاءِ التَّابِعِينَ الأَبْدَا ... حَفْصَةُ مَعْ عَمْرَةَ أُمِّ الدَّرْدَا الشرح: يعني أن سيدة (¬2) التابعيات وأبداهُن (¬3) في الفضل: حفصة بنت سيرين، لما رواه أبو بكر بن أبي داود بسنده إلى إياس بن معاوية. وكذا عَمْرة بنت عبد الرحمن، وأُم الدرداء الصغرى واسمها هُجَيمة أو جُهَيمة، وأمَّا أم الدراء الكبرى خيرة فصحابية. وقوله: 824 - وَفِي الكِبَارِ الفُقَهَاءِ السَّبْعَهْ ... خَارِجَةُ القَاسِمُ ثُمَّ عُرْوَهْ 825 - ثُمَّ سُلَيْمَانُ عُبَيْدُ اللهِ ... سَعِيدُ والسَّابِعُ ذُو اشْتِبَاه 826 - إمَّا أَبُو سَلَمَةٍ أَوْ سَالِمُ ... أَوْ فَأَبو بَكْرٍ خِلاَفٌ قَائِمُ ¬

(¬1) (2/ 163). (¬2) في الأصل: سيد. (¬3) أي: أولهن.

الشرح: يعني وممن عد من أكابر (¬1) التابعين: الفقهاء السبعة من أهل المدينة. وعدهم (ن) (¬2) بقوله: خارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم [139 - ب] بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وابن المسيب. وقوله: «والسابع» (خ) يعني أن السابع اختُلف فيه، فذكر النووي في «تهذيب الأسماء» أن فيه ثلاثة أقوال؛ فقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: هو سالم بن عبد الله بن عُمر، وحكاه الحاكم عن ابن المبارك. وقوله: 827 - والمُدْرِكُونَ جَاهِلِيَّةً فَسَمْ ... مُخَضْرَمِينَ كَسُوَيْدٍ في أُمَمْ الشرح: الفصلُ الثاني من التابعين: المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَرُوه. وقال ابن سيده في «المحكم»: «إذا كان نصف عُمره في الجاهلية، ونصفه في الإسلام، فهو مخضرَم». وعليه فحكيم بن حزام ونحوه مخضرم، وليس كذلك اصطلاحاً. وفي كلام ابن حبان في «صحيحه» ما يوافق صاحب «المحكم» فإنه قال: ¬

(¬1) في الأصل: الكبار. خطأ. (¬2) (2/ 164).

إذا كان في الكفر له ستون سنة، وفي الإسلام ستون سنة يُدْعى مخضرماً. وقوله: «ومخضرمون» (¬1). قلت: واحدُهُ مُخَضْرَم بضم الميم، وإسكان الخاء، وبالضاد المعجمتين، وبعده راء مفتوحة، فميم، وهو من ذُكر. وحَكَى الحاكم عن بعض مشايخه أنه مشتق من أن أهل الجاهلية كانوا يخضرمون آذان [140 - أ] الإبل، أي: يقطعونها لتكون علامة لإسلامهم إن أُغير عليها أو حوربوا، وعليه فيجوز أن يكون مخضرم بكسر الراء كما حكاه بعض أهل اللغة؛ لأنهم خضرموا آذان الإبل، وأن يكون بالفتح؛ لأنه اقتُطع عن الصحابة وإن عاصر لعدم الرؤية. وأغرب صاحب «الوفيات» ابنُ خلكان فحكى فيه بالحاء المهملة مع كسر الراء. وقوله: «كسويد» (خ) يعني به ابن غَفَلة بفتح الغين المعجمة، والفاء، واللام، وبعده هاء تأنيث. وقوله: «في أُمم» أي: في جماعات عَدَّهُم مسلم فبلغ بهم عشرين، وأغفل أبا مسلم الخولاني، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن عُكَيم، وعمرو بن عبد الله بن الأصم، وأبو أمية الشَّعْبَاني. وقوله: 828 - وَقَدْ يُعَدُّ في الطِّبَاقِ التَّابِعُ ... في تابِعِيهِمْ إذْ يَكُونُ الشَّائِعُ 829 - الحَمْلَ عَنْهُمْ كأَبِي الزِّنَادِ ... والعَكْسُ جَاءَ وَهْوَ ذُوْ فَسَاد ¬

(¬1) كذا، ويظهر أن صوابه: مخضرمين.

الشرح: يعني أن بعضَ من صَنَّفَ في الطبقات عَدَّ بعضَ التابعين في أتباعهم، لما غلب عليه روايته عن التابعين وحمله عنهم، كأبي الزناد عبد الله بن ذكوان فَعُدَّ في أتباع التابعين، وهو قد لقي عبد الله بن عمر، وأنساً، وأبا أمامة. وقوله: «والعكس» (خ) يعني: أن بعضهم عَدَّ في التابعين من هو في أتباعهم، وهو صنيع فاسد وخطأ ممن فعله، كالنخعي إبراهيم بن سويد عُدَّ في التابعين وما أدرك [140 - ب] أحداً من الصحابة، وهو بخلاف إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه، وجماعة ذكرهم (ن) في (ش) (¬1). وقوله: 830 - وَقَدْ يُعَدُّ تَابِعِيّاً صَاحِبُ ... كَابْنَي مُقَرِّنٍ ومَنْ يُقَارِبُ الشرح: يعني أنه قد عُدَّ في طبقة التابعين بعضُ الصحابة، إما غلطاً من بعض المصنفين، كما عَدّ الحاكم في الأخوة من التابعين: النعمان وسويد ابني مُقَرِّن المزني، وهما صحابيان من جملة المهاجرين، وإمَّا لكونه من صغار الصحابة مقارب التابعين في كونه يروي غالباً عن الصحابة، كما عَدَّ مسلمٌ في «الطبقات» يوسفَ بن عبد الله بن سلام، ومحمودَ بن لبيد في التابعين. ¬

(¬1) (2/ 167).

رواية الأكابر عن الأصاغر

رِوَايةُ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصاغِرِ قوله: 831 - وَقَدْ رَوَى الكَبِيرُ عَنْ ذِي الصُّغْرِ ... طَبَقَةً وَسِنّاً اوْ في القَدْر 832 - أَوْ فيهِمَا وَمِنْهُ أَخْذُ الصَّحْبِ ... عنْ تابعٍ كَعِدَّةِ عَنْ كَعْب الشرح: قلت فائدة حكى هذا النوع أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر سناً وأفضل، لكونه هو الأغلب، فيجهل منزلتهما (¬1). وأصل هذا النوع حديث الجسَّاسة في «صحيح مسلم»، وفيه رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري. وقوله: «وقد روي» (خ) يعني أن هذا النوع أقسام: أحدها: أن يكون الراوي أكبر سناً وأقدم طبقة من المروي عنه، كرواية الزهري ويحيى بن سعيد عن [141 - أ] مالك. [والثانية: أن يكون الراوي أكبر قدراً من المروي عنه] (¬2) لعلمه وحفظه كرواية مالك، وابن أبي ذئب، عن عبد الله بن دينار. ورواية أحمد، وإسحاق عن العبسي عبيد الله بن موسى. ¬

(¬1) في الأصل: منزلتهما [بما]. (¬2) زيادة من المصدر سقطت من الأصل.

والثالث: أن يكون الراوي أكبر من الجهتين، كرواية العبادلة الأربعة، وأبي هريرة، ومعاوية، وأنس بن مالك، عن كعب الأحبار، وكرواية كثير من العلماء عن تلامذتهم منهم عبد الغني بن سعيد يروي عن محمد بن علي الصوري، وأبو بكر البرقاني يروي عن الخطيب، والخطيب عن ابن ماكولا، ونحوه.

رواية الأقران

رِوَايَةُ الأَقْرَانِ قوله: 833 - والقُرَنَا مَنِ اسْتَوَوْا في السَّنَدِ ... والسِّنِّ غَالِباً وقِسْمَينِ اعْدُد 834 - مُدَبَّجاً وَهْوَ إِذَا كُلٌّ أخَذْ ... عَنْ آخَرٍ وغيرَهُ انْفِرادُ فَذْ الشرح: هذا النوع يعرف برواية الأقران، وهم: المتقاربون في السِّنِّ والإسناد غالباً، ورُبَّما اكتفى الحاكمُ فيه بالإسناد دون السن. فقوله: «غالباً» يتعلق بالسن فقط. وقوله: «وقسمين» (خ) يعني أن هذا النوع قسمان: أحدهما: المُدَبَّج: بضم الميم، وفتح الدال، وتشديد الموحدة، وبعده جيم. وضابطه: أن يروي كلٌّ من الفريقين عن الآخر، كرواية عائشة عن أبي هريرة، وهو عنها. وكرواية الزهري عن أبي الزبير، وهو عنه. ورواية مالك عن الأوزاعي، وهو عنه. ورواية أحمد عن ابن المديني، وهو عنه. وقوله: «مدبَّجاً» بذلك سماه الدارقطني [141 - ب]، وجمع فيه كتاباً في مجلد. والثاني: ما ليس بمدبج، وهو أن يروي أحدهما عن صاحبه، ولا يروي الآخر عنه فيما يُعلم، كرواية سليمان التيمي عن مسعر. قال الحاكم: ولا

أحفظ رواية مسعر عن سليمان. وقد يجتمع جماعة من الأقران في حديث واحد، كالحديث في «مسند أحمد» عن ابن ابي خيثمة زُهير بن حرب، عن يحيى بن معين، عن علي بن المديني، عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعورهن حتى يكون كالوَفْرَة، فأَحمد والأربعة فوقه خمستهم أقران. فقوله: «مدبجاً» بالنصب بدلاً من قِسْمَين. وقوله: «وغيَره» بالنصب عطفاً على «مدبجاً»، أي: واعدُد ذلك قسمين: مدبجاً وغيره. وقوله: «انفراد» خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو انفراد «فَذ». قلت: و «فذ» بالفاء، والذال المعجمة، أي: انفراد أحد القَرِينين عن الآخر.

الأخوة والأخوات

الأُخْوَةُ والأَخَوَاتُ قوله: 835 - وَأَفْرَدُوا الأخْوَةَ بالتَّصْنِيفِ ... فَذُوْ ثَلاَثَةٍ بَنُو حُنَيْف 836 - أَرْبَعَةٍ أَبُوهُمْ السَّمَّانُ ... وخَمْسَةٍ أَجَلُّهُمْ سُفْيَانُ 837 - وسِتَّةٌ نَحْوُ بَنِي سِيْرِيْنَا ... واجْتَمَعُوا ثَلاَثَةً يَرْوُونا 838 - وَسَبْعَةٌ بَنُو مُقَرِّنٍ، وَهُمْ ... مُهَاجِرُونَ لَيْسَ فِيهِمْ عَدُّهُمْ 839 - وَالأَخَوَانِ جُمْلَةٌ كَعُتْبَةِ ... أَخِي ابْنِ مَسْعُودٍ هُما ذُوْ صُحْبَةِ [142 - أ] الشرح: هذا النوع أفرده بالتصنيف علي بن المديني، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وهو معرفة الأخوة من العلماء والرواة. وقوله: «فذو ثلاثة» (خ) يعني: أن الأُخوة الثلاثة مثالُهُم: سهل، وعباد، وعثمان، بنو حنيف. وقوله: «أربعةٍ» (خ) قلت: هو بجر «أربعة» عطفاً على ثلاثة، أي: وذو أربعة أولاد أبي صالح السمان: سهيل، ومحمد، وصالح، وعبد الله، الذي يُقال له عباد. قال شيخنا (ن) (¬1): ومما يستغرب في الأخوة الأربعة بنو راشد أبي إسماعيل ¬

(¬1) (2/ 176).

السُّلَمي ولدوا في بطن واحد، وكانوا علماء، وهم محمد، وعمر، وإسماعيل، ولم يسم البخاري والدارقطني الرابع. انتهى. قلت: وسماه ابن الحاجب في آخر مختصره الفرعي: بعَلي، وأفاد أن محمد (¬1) وعمر بلغوا ثمانين عاماً، فقال ما نصه: وعليه يُوقف ميراث أربعة ذكور لأنه غاية ما وقع، ولدت أم ولد أبي إسماعيل: محمداً، وعمر، وعلياً، وإسماعيل، بلغوا الأولون الثمانين انتهى. وأخذ ذلك من «الزاهي» لابن شعبان فاعرفه والله تعالى أعلم. وقوله: «وخمسةٍ» (خ) قلت: أيضاً هو بجر خمسة على ما ذكر، ومثاله: سفيان بن عيينة، وأخوته آدم، وعمران، ومحمد، وإبراهيم، وكلهم حَدَّثوا. وقوله: «أجلهم» (خ) يعني أن سفيان أجلهم في العلم، والمراد بالخمسة [من أبناء] (¬2) عيينة مَنْ رَوَى [142 - ب]، وإلا فأولاد عُيينة عشرة. وقوله: «وستة»، قلت: هو بالجر أيضاً، ومثاله: بنو سيرين كلهم تابعيون، وهم: محمد، وأنس، ويحيى، وسعيد، وحفصة، وكريمة. وقوله: «واجتمعوا» (خ) يعني أنه اجتمع منهم ثلاثة في إسناد حديث واحد، يروي بعضهم عن بعض، ولهذا قيل مطارحةً: أيُّ ثلاثة أخوة روى بعضهم عن بعض في حديث واحد؟ هو رواية الدارقطني في «العلل» بإسناده من رواية هشام بن حسان، عن ¬

(¬1) كذا، وهو خلاف مقتضى اللغة. (¬2) في الأصل: بالخمسة (ابن) عيينة. خطأ.

محمد بن سيرين، عن أخيه [يحيى] (¬1) ابن سيرين، عن أخيه [أنس] (¬2) ابن سيرين، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لبيك حجاً حقاً تَعَبُّداً وَرِقاً». وقوله: «وسبعة» (خ)، قلت: هو أيضاً بالجر، ومثاله بنو مقرن: النعمان، ومعقل، وعقيل، وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، وعبد الله، فيما نص عليه ابن فتحون في «ذيل الاستيعاب»، ذكر أنه (¬3) كان على ميسرة أبي بكر في قتال الرِّدَّة. وقوله: «وليس فيهم» (خ) يعني أن ابن الصلاح قال: وسابعٌ لم يُسَمَّ لنا، وقد عَلِمْتَ تسميته. وقوله: «والأَخَوان» (خ) يعني: أن مثال الأخوين كثير في الصحابة ومَنْ بعدهم، كعبد الله بن مسعود، وعتبة بن مسعود، صحابيان. ¬

(¬1) في الأصل: عن خطأ. والتصحيح من المصدر. (¬2) في الأصل: عن أخيه ابن سيرين، والزيادة من المصدر. (¬3) أي: عبد الله.

رواية الآباء عن الأبناء وعكسه

رِوَايَةُ الآبَاءِ عَنِ الأبْنَاءِ وَعَكْسُهُ قوله: 840 - وَصَنَّفُوا فِيمَا عَنِ ابْنٍ أَخَذَا ... أبٌ كَعَبَّاسٍ عَنِ الفَضْلِ كَذَا 841 - وائِلُ عَنْ بَكْرِ ابْنِهِ والتَّيْميْ ... عَنِ ابْنِهِ مُعْتَمِرٍ في قَوْمِ [143 - أ] الشرح: هذا النوع صَنَّفَ فيه الخطيبُ مصنَّفاً، وروى فيه من حديث العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بالمزدلفة». وقوله: «كذا» (خ) يعني ومن رواية الآباء عن الأبناء رواية وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل ثمانية. ومنها: حديثه في السنن الأربعة، عن أبيه، عن الزُّهري، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوْلَمَ على صفية بسويق وتمر. وقوله: «والتيمي» (خ) يعني: ومنه رواية معمر بن سليمان التيمي، قال حدثني أبي، قال: حدثتني أنت عني، عن أيوب، عن الحسن، قال: وَيْح كلمة رحمة. قال ابن الصلاح: وهذا طريق يجمع أنواعاً. وقوله: «في قوم»، أي: في جماعة رووا عن أبنائهم فروى أنس بن مالك عن

ابنه غير مسمى حديثاً، وروى أبو بكر بن عياش عن ابنه إبراهيم حديثاً، وروى أبو داود عن ابنه أبي بكر حديثين، وروى السمعاني أبو سعد عن ابنه عبد الرحيم في «ذيل تاريخ بغداد»، وروى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة عن ابنه قاضي القضاة عز الدين حكاية عجيبة. وقوله: 842 - أَمَّا أَبُو بَكْرٍ عَنِ الحَمْرَاءِ ... عَائِشَةٍ في الحَبَّةِ السَّوْدَاء 843 - فإنَّهُ لابْنِ أبي عَتِيقِ ... وغُلِّطَ الوَاصِفُ بالصِّدِّيق الشرح: يعني أن الحديث الذي رُوِيَ عن أبي بكر الصديق، عن عائشة [143 - ب]، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في الحبة السوداء شفاء من كل داء» فغلط ممن رواه، وإنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق، عن عائشة، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. قال شيخنا (ن) (¬1): وكذا رواه البخاري في «صحيحه» وصَرَّح بأنه ابن أبي عتيق، إلا أن ابن الجوزي في «التلقيح» قال: إن أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة حديثين، وروت أم رومان عن ابنتها عائشة حديثين. وقوله: 844 - وَعَكْسُهُ صَنَّفَ فِيهِ الوَائِلي ... وهوَ مَعَالٍ لِلْحَفِيدِ النَّاقِل ¬

(¬1) (2/ 184).

الشرح: يعني أن أبا نصر الوائلي صنف في رواية الأبناء عن الآباء ورواية الرجل عن أبيه عن جده من المعالي. قال شيخنا (ن) (¬1): كما أخبرني الحافظ أبو سعيد خليل بن العلائي بقراءتي عليه ببيت المقدس: أنا محمد بن يوسف: أنا الإمام أبو عمرو بن الصلاح: حدثني أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعيد السمعاني، عن عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي، قال: سمعت أبا القاسم منصور بن محمد العلوي، يقول: الإسناد بعضه عوال، وبعضه معالي، وقول الرجل: حدثني أبي عن جدي من المعالي. وقوله: 845 - وَمِنْ أَهَمِّهِ إذا مَا أُبْهِمَا ... الأبُ أَوْ جَدٌّ وَذَاكَ قُسِمَا 846 - قِسْمَينِ عَنْ أَبٍ فَقَطْ نَحْوَ أَبِي ... العُشَرَا عَنْ أَبِهِ عَنِ النَّبِيّ 847 - واسْمُهُما على الشَّهيرِ فاعْلَمِ ... أُسَامَةُ بنُ مَالِكِ بنِ قِهْطَمِ [144 - أ] الشرح: يعني: أن [من] (¬2) هذا النوع وهو رواية الأبناء عن الآباء ما إذا أبهم اسم الأب أو الجد فلم يُسَم، بل اقتصر على كونه أباً للراوي، أو جداً له، فيحتاج إلى معرفة اسمه، وهو منقسم قسمان: أحدهما: أن تكون الرواية عن أبيه فقط دون جده، كرواية أبي العُشَرَاء الدارمي، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في السنن الأربعة، ولم يسم ¬

(¬1) (2/ 185). (¬2) زيادة من المصدر.

أباه في طرق الحديث، واختُلف في اسم أبي العشراء، واسم أبيه، على أقوال: أحدها: وهو الأشهر أنه أسامة بن مالك بن قِهطم. قلت: وقِهْطَم بكسر القاف، وإسكان الهاء، وبعده طاء مهملة مفتوحة، فميم ونقل ابن الصلاح من خَطِّ البيهقي وغيره إبدال الهاء حاء مهملة. وقوله: 848 - وَالثَّانِ أنْ يَزِيدَ فيهِ بَعْدَهُ ... كَبَهْزٍ اوْ عَمْرٍو أباً أَوْ جَدَّهُ 849 - والأَكْثَرُ احْتَجُّوا بعمرٍو حَمْلاَ ... لَهُ على الجَدِّ الكَبِيرِ الأَعْلَى الشرح: هذا القسم الثاني من رواية الأبناء عن الآباء، وهو أن يزيد فيه بعد ذكر الأب أباً آخر فيكون جداً للأول، أو يزيد جد الأب. فمثال الأول: رواية بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فحكيم هو ابن معاوية بن حيدة القشيري، فالصحابي [144 - ب] هو معاوية، وهو جد بهز. ومثال الثاني: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فالصحابي عبد الله بن عمرو، وهو جد شعيب. فقوله: «والثاني» فيه لف ونشر، وتقديم وتأخير، والتقدير: والثاني أن يزيد بعد الأب أباً كبهز بن حكيم، أو جداً كعمرو بن شعيب. وقوله: «والأكثر» (خ) يعني أن نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

نسخة كبيرة. قلت: وأكثرها فقهيات، احتج بها أكثر المحدثين، حملاً بجده على عبد الله الصحابي، دون محمد التابعي والد شعيب، لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك، وفيها أقوال أُخر نص عليها في الشرح. وقوله: 850 - وَسَلْسَلَ الآبَا التَّمِيمِي فَعَدّْ ... عَنْ تِسْعَةٍ قُلْتُ: وَفَوْقَ ذَا وَرَدْ الشرح: يعني أن التميمي عبد الوهاب روى عن آبائه فَعَدَّ تسعةَ آباء، فروى الخطيب في «تاريخه» قال: ثنا عبد الوهاب عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أُكينة بن عبد الله التميمي من لفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب، وقد سُئل عن الحنان المنان فقال: الحنان هو الذي يُقْبل على من أعرض عنه، والمنان هو الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال. وقوله: «وفوق» (خ) يعني وقد ورد التسلسل بأكثر من هذا الوجه ومن غيره، فأما الأول أعني من جهة الآباء، فَوَرَد باثني عشر أباً في حديث مرفوع من طريق رزق الله بن [145 - أ] عبد الوهاب التميمي المذكور، قال شيخنا (ن) (¬1): أخبرنا به جماعة منهم: شيخنا العلامة برهان الدين إبراهيم بن لاجين الرشيدي، قال: أنا أحمد بن محمد بن إسحاق الأبرهوقي، قال: أنا أبو بكر ¬

(¬1) (2/ 191).

عبد الله بن محمد القلانسي قراءةً عليه وأنا حاضر بشيراز: أنا عبد العزيز بن منصور بن محمد الآدمي، قال: ثنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، قال: سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب يقول: سمعت أبي أبا الحسن يقول: سمعت أبي أبا بكر الحارث يقول: سمعت أبي أسداً يقول: سمعت أبي الليث يقول: سمعت أبي سليمان يقول: سمعت أبي الأسود يقول: سمعت أبي سفيان يقول: سمعت أبي يزيد يقول: سمعت أبي أكينة يقول: سمعت أبي الهيثم يقول: سمعت أبي عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما اجتمع قوم على ذكر إلا حَفَّتْهُم الملائكة وغشيتهم الرحمة». قال العلائي في كتاب «الوشي المعلم»: هذا إسناد غريب جداً. قال (ن) (¬1): قال وقد وجدتُ التسلسل في عده أحاديث بأربعة عشر أباً من طريق أهل البيت، منها: ما رواه السمعاني في «الذيل» قال: أنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البِسْطامي الإمام بقراءتي، وأبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني لفظه قالا: أنا السيد أبو محمد الحسين بن علي بن أبي طالب من لفظه ببلخ، قال: حدثني سيدي والدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست وستين وأربعمائة، قال: حدثني أبي أبو طالب الحسن بن عبد الله (¬2) بن علي بن عبد الله [145 - ب] سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثني والدي أبو علي عبيد الله بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن عبيد الله: حدثني أبي عبيد الله ¬

(¬1) (2/ 192). (¬2) في المصدر: عبيد الله.

بن علي: [حدثني أبي ابن محمد] (¬1) قال: حدثني أبي علي بن الحسن: حدثني أبي الحسن بن الحسين: حدثني أبي الحسين بن جعفر: حدثني أبي جعفر، وهو أول من دخل بلخ من هذه الطائفة الملقب بالحجة (¬2)، قال: حدثني أبي عبد الله (¬3): حدثني أبي الحسين الأصغر: حدثني أبي علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده علي رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الخبر كالمعاينة»، والله تعالى أعلم. ¬

(¬1) كذا، وهو حشو. (¬2) كذا وقعت العبارة في الأصل، وصوابها: حدثني أبي الحسين بن جعفر وهو أول من دخل بلخ من هذه الطائفة، قال: حدثني أبي جعفر الملقب بالحجَّة ... شرح الناظم (2/ 192). (¬3) في المصدر: عبيد الله.

السابق واللاحق

السَّابِقُ واللاَّحِقُ قوله: 851 - وَصَنَّفُوا في سَابِقٍ ولاَحِقِ ... وَهْوَ اشْتِرَاكُ رَاوِيَيْنِ سَابِق 852 - مَوْتاً كَزُهْرِيٍّ وَذِي تَدَارُكِ ... كَابْنِ دُوَيْدٍ رَوَيَا عَنْ مَالِك 853 - سَبْعَ ثَلاَثُونَ وَقَرْنٍ وافِي ... أُخِّرَ كَالجُعْفِي والخَفَّاف الشرح: يعني أن الخطيب صنف كتاباً سماه «السابق واللاحق»، وموضوعه أن يشترك راويان في الرواية عن شخص واحد، وأحد الراويين متقدم، والآخر متأخر، بحيث أن يكون بين وفاتهما أمدٌ بعيد، وفائدته تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب. ومثال ذلك: أن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه روى عنه أبو بكر الزهري أحد شيوخه، وروى عنه أيضاً زكريا بن دُوَيد الكندي، وتأخرت وفاة زكريا بعد موت الزهري مائة وسبعاً وثلاثين سنة وأكثر، فإن وفاة [146 - أ] الزهري سنة أربع وعشرين ومائة، وتأخر زكريا إلى سنة نيف وستين ومائتين. قال شيخنا (ن) (¬1): وزكريا وإن روى عن مالك، فأحد الكذابين، قال ابن حبان: «كان يضع الحديث، بل زاد وادعي أنه سمع من حميد الطويل، وروى عنه نسخة موضوعة» فكان تركه في المثال أولى. ¬

(¬1) (2/ 193).

والصواب أن يُمَثَّل لذلك بالسَّهمي أحمد بن إسماعيل فإنه آخر أصحاب مالك، كما نَصَّ عليه المزي، وكانت وفاة السهمي سنة تسع وخمسين ومائتين، فبينه وبين وفاة الزهري مائة وخمسٌ وثلاثون سنة، والسَّهمي وإن كان ضعيفاً أيضاً فإن أبا مصعب شهد له أنه كان يحضر معهم العرض على مالك. وقوله: «أُخِّر». قلت: بضم أوله مبنياً للمفعول، ويعني ابن دويد. قلت: وابن دويد (¬1) بضم الدال المهملة، وفتح الواو، وبعده مثناة تحت ساكنة، فدال مهملة. وقوله: «الجعفي» (خ) يعني: كما تقدمت وفاة محمد بن إسماعيل البخاري على وفاة أبي الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري بهذا المقدار، وهو مائة وسبع وثلاثون سنة، واشتركا في الرواية عن أبي العباس محمد بن إسحاق السَّرَّاج، فروى عنه البخاري في «تاريخه»، وآخر من روى عن السَّرَّاج: الخفاف، وتوفي البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، وتوفي الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. قال شيخنا (ن) (¬2): ومثاله في زمننا أن الفخر بن البخاري سمع منه المنذري، وروى عنه جماعة [146 - ب] موجودون بدمشق في هذه السنة، سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، منهم المزي عمر بن الحسن بن مَزيد، ونجم الدين بن النجم، وصلاح الدين إمام مدرسة الشيخ أبي عمرو (¬3)، وتوفي المنذري سنة ست وخمسين وستمائة. ¬

(¬1) في الأصل: وليس دويد. خطأ. (¬2) (2/ 194). (¬3) في المصدر: أبي عُمر.

من لم يرو عنه إلا راو واحد

مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلاَّ رَاوٍ وَاحِدٌ قوله: 854 - وَمُسْلِمٌ صَنَّفَ فِي الوُحْدَانِ ... مَنْ عَنْهُ رَاوٍ وَاحِدٌ لاَ ثان 855 - كَعَامِرِ بْنِ شَهْرٍ اوْ كَوَهْبِ ... هُوَ ابْنُ خَنْبَشٍ وَعَنْهُ الشَّعْبِي 856 - وَغُلِّطَ الحَاكِمُ حَيْثُ زَعَمَا ... بأنَّ هَذَا النَّوْعَ لَيْسَ فِيْهِمَا 857 - فَفِي الصَّحِيحِ أخْرَجَا للمُسَيِّبَا ... وأخْرَجَ الجُعْفِيُّ لابْنِ تَغْلِبَا الشرح: من أنواع الحديث معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من الصحابة والتابعين ومَنْ بَعْدهم، وصَنَّفَ فيه مسلم كتابه المترجم بالمفردات والوحدان. وقوله: «كعامر» (خ) يعني: مثال ذلك في الصحابة عامر بن شهر الهمداني، ووهب بن خنبش، تفرد الشعبي بالرواية عن كلِّ واحدٍ منهما فيما نصَّه مسلم وغيره، وحديث عامر في «السنن» لأبي داود، وحديث وهب في (ن) و (ق)، ووقع في (ق) في رواية له هرم بن خنبش، وكذا ذكره الحاكم في «العلوم»، وتبعه عليه أبو نعيم في «العلوم الحديثية» له، وحكاه ابن الصلاح. وقوله: «وغُلِّط» (خ) يعني أن الحاكم زعم في كتاب «المدخل» بأن أحداً من هذا القبيل لم يخرِّج عنه الشيخان في «صحيحهما»، وغَلَّطَهُ في ذلك جماعة منهم محمد بن طاهر [147 - أ]، والحازمي، ونُقِضَ ذلك عليه بأنهما أخرجا حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب، مع أنه لا راوي له غير ابنه

سعيد بن المسيب، وكذا أخرج الجعفي البخاري حديث عمرو بن تغلب مرفوعاً: «إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إليَّ» ولم يرو عن عمرو سوى الحسن البصري، فيما نص عليه مسلم في «الوحدان» وغيره.

من ذكر بنعوت متعددة

مَنْ ذُكِرَ بِنُعُوتٍ مُتَعَدِّدةٍ قوله: 858 - وَاعْنِ بِأَنْ تَعْرِفَ مَا يَلْتَبِسُ ... مِنْ خَلَّةٍ يُعْنَى بِهَا المُدَلِّسُ 859 - مِنْ نَعْتِ رَاوٍ بِنُعُوتٍ نَحْوَ مَا ... فُعِلَ في الكَلْبِيِّ حَتَّى أُبْهِمَا 860 - مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ العَلاَّمَهْ ... سَمَّاهُ حَمَّاداً أبُو أُسَامَهْ 861 - وبِأبِي النَّضْرِ بنِ إسْحَقَ ذَكَرْ ... وبِأبي سَعِيدٍ العَوْفِيْ شَهَرْ الشرح: ذَكَرَ في هذا النوع مَنْ عُرف من الرواة بأنواع من التعريفات من الأسماء، والكنى، أو الألقاب، أو الأنساب، إما من جماعة من الرواة عنه يُعَرِّفُه كلُّ واحد بغير ما يُعَرِّفه الآخر، أو من راو واحد عنه فتعرفه مرةً بهذا، ومرة بذاك، فيلتبس ذلك على من لا معرفة عنده، بل على كثيرٍ من أهل المعرفة والحفظ، وإنما يفعل ذلك كثيراً المدَلِّسون، وصَنَّفَ الحافظ عبد الغني الأزدي كتاباً نافعاً سماه «مفتاح الإشكال» وصنف فيه الخطيب كتاباً كبيراً سماه «الموضح لأوهام الجمع والتفريق»، بدأ فيه بأوهام البخاري في ذلك. وقوله: «نحو ما فعل» (خ) يعني مثال ذلك [147 - ب]: ما فعله الرواة عن محمد بن السائب الكلبي العلامة في الأنساب، أحد الضعفاء، وروى عنه أبو أسامة حماد بن أسامة فسماه حماد بن السائب، وروى عنه محمد بن إسحاق بن يسار فسماه مُرَّة وكناه مرةً بأبي النضر، ولم يُسَمه، وروى عنه عطية العوفي وكناه بأبي سعيد ولم يسمه. وقوله: «من خَلَّة». قلت هو بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام: الخصلة.

أفراد العلم

أَفْرَادُ العَلَمِ قوله: 862 - وَاعْنِ بالأَفْرَادِ سُماً أو لَقَبَا ... أوْ كُنْيَةً نَحْوَ لُبَيِّ بْنِ لَبَا 863 - أوْ مِنْدَلٍ عَمْرٌو وَكَسْراً نَصُّوا ... في المِيمِ أوْ أَبِي مُعَيْدٍ حَفْصُ الشرح: العَلَم هو: ما يُعْرَف به من جُعِل علامة عليه من الأسماء والكنى والألقاب، فالاسم: ما وُضِع علامةً على المسمى، والكنية ما صُدِّرت بأب أو أم، واللقب ما دل على رفعه أو ضعَةٍ. ومعرفة أفراد الأعلام نوع من أنواع الحديث، صَنَّفَ فيه جماعة [منهم الحافظ] (¬1) البرديجي صنف فيه كتابه المترجم بـ «الأسماء المفردة» وهو أول كتاب وُضع في جمعها مفردة، وإلا فهي مُفَرَّقة في «تاريخ البخاري الكبير»، و «الجرح» لأبي حاتم (¬2). وقوله: «نحو» (خ) هذا من أمثلة الأفراد الأسماء (¬3): لُبَي بن لَبَا صحابي من بني أسد، وكلاهما باللام، والباء الموحدة، وهو وأبوه فَرْدان، فالأول مُصَغَّر ¬

(¬1) العبارة في الأصل: صنف فيه جماعة الحفاظ البرديجي. وما أثبتناه من المصدر. (¬2) كذا، وصوابه: لابن أبي حاتم. (¬3) كذا، وصوابه: أفراد الأسماء.

بوزن أُبَي، والثاني مكبر بوزن فَتَى. وقوله: «أو مِبدَل» [148 - أ] (خ) هذا مثال لأفراد الألقاب، وهو مبدل بن علي العَنَزي، واسمه عمرو، ومبدل لقب له، وهو بكسر الميم، وإسكان الباء الموحدة (¬1)، وبعده دال مهملة مفتوحة، فلام. قال ابن الصلاح: ويقولون كثيراً مَبْدَل بفتح الميم. قال شيخنا (ن) (¬2): ورأيت بخط الحافظ أبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي نقلاً عن خط الحافظ محمد بن ناصر أن الصواب فيه فتح الميم. وقوله: «أو أبي مُعَيد» (خ)، هذا مثال الأفراد في الكنى، وهو: أبو مُعيد بضم الميم، وفتح العين المهملة، وتشديد المثناة تحت (¬3)، وبعده دال مهملة، واسمه حفص بن غَيْلان. وقوله: «سُمًا» هو: بضم السين، وزن هُدَى، لغة في الاسم، نُصِب على التمييز. وقوله: «أو مبدلٍ» (¬4) هو مجرور عطفاً على «لُبَي»، وكذا «أبي معيد». و «عمرو» و «حفص» مرفوعان على الخبر لمبتدأ محذوف، أي: هو عمرو، وهو حفص. و «كسراً» منصوب بنزع الخافض أي: على كسر الميم. ¬

(¬1) كذا، وهو وهم عجيب فقد أثبته المصنف «مبدل»، ثم ضبطه على ذلك، وإنما صوابه «مندل» بالنون. (¬2) (2/ 302). (¬3) كذا، والذي قاله الناظم (2/ 204) بسكون الياء المثناة. (¬4) كذا، وقد تقدم ما فيه.

الأسماء والكنى

الأَسْمَاءُ والكُنَى قوله: 864 - وَاعْنِ بالاسْما والكُنَى وَقَدْ قَسَمْ ... الشَّيْخُ ذَا لِتِسْعٍ اوْ عَشْرٍ قَسَمْ 865 - مَنِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ انْفِرَادَا ... نَحْوُ أُبِي بِلاَلٍ اوْ قَدْ زَادَا 866 - نَحْوَ أبِي بَكْرٍ بنِ حَزْمٍ قَدْ كُنِي ... أبَا مُحَمَّدٍ بِخُلْفٍ فَافْطُن 867 - وَالثَّانِ مَنْ يُكْنَى ولااسْماً نَدْرِي ... نَحْوُ أبي شَيْبَةَ وَهْوَ الخُدْرِي 868 - ثُمَّ كُنَى الأَلْقَابِ وَالتَّعَدُّدِ ... نَحْوَ أبي الشَّيْخِ أبي مُحَمَّد 869 - وابْنُ جُريْجٍ بأبي الوَلِيدِ ... وَخَالِدٌ كُنِّيَ للتَّعْدِيدِ [148 - ب] 870 - ثُمَّ ذَوو الخُلْفِ كُنًى وعُلِمَا ... أسْمَاؤُهُمْ وَعَكْسُهُ وَفِيْهِمَا 871 - وَعَكْسُهُ وَذُو اشْتِهَارٍ بِسُمِ ... وعَكْسُهُ أبو الضُّحَى لِمُسْلِم الشرح: من أنواع الحديث: معرفة أسماء ذوي الكنى، ومعرفة كنى ذوي الأسماء، والعناية بذلك مطلوبة؛ لأنه ربما يُذْكَر الرَّاوي مَرَّةً بكنيته، ومَرَّةً باسمه، فيظن من لا معرفة له أنهما رجلين، وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته معاً، فَيُتَوهَّم رجلين كالحديث الذي رواه الحاكم، من رواية أبي يوسف، عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد، عن جابر مرفوعاً: «من صَلَّى خلفَ إمام، فإن قراءته له قراءة» فقال الحاكم:

«عبد الله بن شداد هو بنفسه أبو الوليد»، على ما بينه المديني، قال الحاكم: ومن تهاون بمعرفة هذا النوع أورثه مثل هذا الوهم. قال شيخنا (ن) (¬1): ولقد بَلَغَني عن بعض من دَرَّس في الحديث ممن رأيته أنه أراد الكشف عن ترجمة أبي الزناد، فلم يَهْتَدِ إلى معرفة ترجمته من كتب الأسماء، لعدم معرفته باسمه، مع كون اسمه معروفاً عند المبتدئين من طلبة الحديث، وهو عبد الله بن ذكوان، وأبو الزناد لقب له، وكنيته أبو عبد الرحمن، وصَنَّفَ في ذلك جماعة منهم علي بن المديني، ومسلم، والنيسابوري [149 - أ]، والدولابي أبو بشر، والحاكم أبو أحمد، وأبو عُمر، والذين صَنَّفُوا في ذلك بَوَّبُوا الأبواب على الكُنى، وبينوا أصحابها، إلا أن النَّسَائي رَتَّبَ حروفَه عل ترتيب غريب، ليس على ترتيب حروف المعجم على طريق المشارقة والمغاربة، و [لا] (¬2) على ترتيب [حروف أبجد] (¬3) ولا على ترتيب «العين» و «المحكم» بل ترتيبها (ل ب ت ث ي ن س ش ر ز د ذ ك ط ظ ص ض ف ق وهـ م ع غ ج ح خ). وقد نظمها شيخنا (ن) في بيتين، في أول كل كلمة منها حرف وهي: إذا لم بي قرحٌ ثوى يوم نأيهم ... سَرَت شمألٌ رقَّب زَوَتْ داء ذي كَمَد طوت ظِئرٍ صَدْرٍ ضاقَ في قيدِ وَجْدِه ... هَدَت من عَمَى غَيٍّ جَوَى حَرَّها خَمَد ¬

(¬1) (2/ 206). (¬2) زيادة من المصدر. (¬3) بياض في الأصل تممناه من المصدر.

وقوله: «وقد قَسَم» (خ) يعني: أن ابن الصلاح قَسَّم معرفة الأسماء والكنى إلى عشرة أقسام من وجه، وإلى تسعة من وجه آخر. فقوله: «قَسَم الشيخُ» بفتح السين مخففة. وقوله: «من اسمُه» (خ) هذا القسم الأول، وينقسم إلى قسمين: من لا كنية له غير الكنية التي هي اسمه. وهذا معنى قوله: «انفرادا» أي: لا كنية له إلا ذاك، كأبي بلال الأشعري، وأبي حصين بن يحيى الرازي؛ فإنَّ كلاً منهما اسمه كنيته. وكذا قال أبو بكر بن عياش المقري: ليس لي اسم غير أبي بكر. وقوله: «أو قد زادا» هذا القسم الثاني من القسم الأول، وهو: مَنْ له كنية أخرى زيادةً على اسمه الذي هو كنيته كأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، فاسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد. وقوله: «بِخُلف» يعني: أنه اختُلف في تكنيته بأبي محمد، فقيل: لا [149 - ب] كنيته لابن حزم غير الكنية التي هي اسمه. وقوله: «والثاني» (خ) هذا هو القسم الثاني من أصل التقسيم، وهو مَنْ عُرِف بكنيته، ولم يُوقف له على اسم، فلم يُدْرَ هل اسمُه كنيته كالأول، أو له اسم ولم نقف عليه؟ كأبي شيبة الخدري من الصحابة، مات في حصار القُسْطَنيطنية، ودُفِن هناك. وقوله: «ثم كُنَى الألقاب» هذا القسم الثالث: مَنْ لُقِّبَ بكنيته (¬1)، كأبي الشيخ ¬

(¬1) في الأصل: من له لقب بكنيته، والتصحيح من المصدر.

ابن حيان عبد الله بن محمد، كنيته أبو محمد، وأبو الشيخ لقب له. ومنه أبو تراب: علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. وقوله: «وابنُ جُرَيج» (خ) القسم الرابع: من له كُنيتان فأكثر، وهذا المراد (¬1) بقوله: «والتعدد»، فيه لف بياني، والتقدير: ثم كُنى الألقاب كأبي الشيخ، وكُنَى التعدد كابن جُريج كُنِّىَ بأبي الوليد، وأبي خالد، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج. وقوله: «ثم ذَوو الخُلْف» (خ) هذا القسم الخامس: من اختُلِفَ في كنيته على قولين أو أقوال، وعُلِمَ اسمه فلم يُختلف فيه، وللهروي عبد الله بن عطاء الإبراهيمي من المتأخرين فيه مُصَنَّفٌ مختصر، وذلك كأسامة بن زيد الحب أبي زيد، أو أبي محمد، أو أبي عبد الله، أو أبي خارجة، أقوال. وقوله: «كنى» منصوب على التمييز. وقوله: «وفيها» هذا القسم السادس: من اختُلِفَ في كنيته واسمه معاً، مثل: سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لَقَبٌ له، واسمه [150 - أ] عُمَير، أو صالح، أو مهرانٌ أقوال. وكنيته أبو عبد الرحمن، أو أبو البَخْتَري. والقسم السابع: من اختُلِفَ في اسمه، وعُرف كنيته بلا خلاف، كأبي هريرة، فاختُلف في اسمه على أقوال، ذَكَرَ النووي أنها ثلاثون، وصَحَّح أنه عبد الرحمن بن صَخْر، وصَحَّح الدمياطي أنه عمر بن عامر. وقوله: «وعَكْسُهُ» هذا القسم الثامن: من لم يُختلف في كنيته ولا اسمه، بل ¬

(¬1) في الأصل: أراد. والتصحيح من المصدر.

عُلِما معاً، كأئمة المذاهب أبي حنيفة النعمان، وأبي عبد الله سفيان الثوري، ومالك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ونفعني وولدي بعلومهم وبركاتهم. وقوله: «وذو اشتِهَار» (خ) هذا القسم التاسع: من اشتُهِر باسمه دون كنيته، كطلحة بن عبد الله، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن بن علي، كنية كل منهم أبو محمد. وقوله: «بِسُم» بضم السين، لغة في الاسم غير لغة القصر، فَيُعْرَف بالحركات. وقوله: «وعكسه» (خ) هذا القسم العاشر من اشتُهر بكنيته دون اسمه، كأبي الضُّحي مسلم بن صُبَيْح.

الألقاب

الأَلْقَابُ قوله: 872 - وَاعْنِ بِالالْقَابِ فَرُبَّمَا جُعِلْ ... الوَاحِدُ اثْنَيْنِ الذِيْ مِنْهَا عُطِلْ 873 - نَحْوُ الضَّعِيفِ أيْ بِجِسْمِهِ وَمَنْ ... ضَلَّ الطَّرِيْقَ بِاسْمِ فَاعِلٍ وَلَنْ 874 - يَجُوزَ مَا يَكْرَهُهُ المُلَقَّبُ ... وَرُبَّمَا كَانَ لِبَعْضٍ سَبَبُ 875 - كَغُنْدَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ ... وصَالِحٍ جَزَرَةَ المُشْتَهرِ [150 - ب] الشرح: من أنواع الحديث الألقاب، والعناية به أيضاً مطلوبة، فإنه ربما وهم العَاطِل من معرفة ذلك، فَيَجْعَل الرجل الواحد اثنين؛ إذ يكون ذُكِرَ مَرَّةً باسمه، ومرة بلقبه، كما وقع لجماعة من الأكابر [منهم] (¬1) علي ابن المديني، فَرَّقَ بين عبد الله بن أبي صالح أخي سهيل، وبين عباد بن أبي صالح جعلهما اثنين. قال الخطيب: وعبد الله كان يُلَقَّب عباداً، وليس عباد بأخ له. وقوله: «نحو الضعيف» (خ) يعني: أن مثال ذلك: رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان، معاوية بن عبد الكريم الضال، ضَلَّ في طريق مكة. وعبد الله بن محمد الضعيف، لضعف في جسمه لا في حديثه. وقوله: «ولن يجوز» (خ) يعني: أن الألقاب تنقسم إلى ما لا يكرهه ¬

(¬1) زيادة من المصدر.

الملقَّب: كأبي تراب، لقب علي رضي الله عنه. قال سهل بن سعد في الحديث المتفق عليه: «ما كان له اسم، أحبّ إليه منه». وكبندار، لقب محمد بن بشار. وبهذا لا إشكال في جواز التعريف به. وإلى (¬1) ما يكرهه الملقَّب به فلا يجوز تعريفه به. وقوله: «وربَّما» (خ) يعني: أن الألقاب قد لا يُعْرَف سببُ التلقيب بها، وذلك موجود في كثير منها (¬2)، وقد تُعرف، ولعبد الغني فيه مؤلف مفيد، نحو غندر وحَزَرَة، فأما غُنْدَر فلقبُ محمد بن جعفر البصري، كان سببه أن ابن جريج قدم البصرة فحدَّث بحديث عن الحسن البصري، فأنكروه عليه، وشَغَّبُوا [151 - أ]، فلقب ابنُ جريج غُندراً من ذلك اليوم لما كان يكثر الشغب عليه، فقال: «اسكت يا غندر»، وأهل الحجاز يسمون المشغِّب غندراً. وقوله: «وصالح» (خ) فجزرة، قلت: بفتح الجيم، والزاي، والراء المهملة، وبعده هاء تأنيث، هو لقب أبو (¬3) [علي] (¬4) صالح بن محمد البغدادي الحافظ، روى الحاكم أن صالحاً سُئل لِمَ لُقِّبَ بجزرة؟ فقال: قدم عَمرو بن زُرارة بغداد، فاجتمع عليه خلق عظيم، فلما كان عند الفراغ من المجلس، سُئلت من أين سمعت؟ فقلت: من حديث الجزرة، فَبَقِيَت عليَّ، وذلك الحديث حديث عبد الله بن بُسر: «أنه كان يرقى بِخَرَزة» بالخاء المعجمة، وتقديم الراء، فصحفها صالح بجزرة، بالجيم، وتقديم الزاي. انتهى. ¬

(¬1) هذا القسم الثاني من الألقاب. (¬2) العبارة في الأصل رسمت هكذا: وذلك من حديث البحر! وما أثبتناه من المصدر. (¬3) كذا في الأصل: «أبو» وهو خلاف مقتضى اللغة. (¬4) زيادة من المصدر.

المؤتلف والمختلف

الْمُؤْتَلِفُ والمُخْتَلِفُ قوله: 876 - وَاعْنِ بِمَا صُورَتُهُ مُؤْتَلِفُ ... خَطّاً وَلَكِنْ لَفْظُهُ مُخْتَلِفُ 877 - نَحْوُ سَلاَمٍ كلُّهُ فَثَقِّلِ ... لاَ ابْنُ سَلاَمِ الحِبْرُ والمُعْتَزِلي 878 - أَبَا عَلِيٍّ فَهْوَ خِفُّ الجَدِّ ... وَهْوَ الأَصَحُّ في أبِي البِيكَنْدِي 879 - وابْنُ أَبِي الْحُقَيقِ وابْنُ مِشْكَمِ ... والأَشْهَرُ التَّشْدِيدُ فِيهِ فَاعْلَم 880 - وابْنُ مُحَمَّدِ بنِ نَاهِضٍ فَخِفْ ... أَوْ زِدْهُ هَاءً فَكَذا فِيهِ اخْتُلِفْ 881 - قُلْتُ: ولِلْحِبْرِ ابْنِ أُخْتٍ خَفِّفِ ... كَذَاكَ جَدُّ السَّيِّدي والنَّسَفِي الشرح: من أنواع الحديث فن «المؤتلف والمختلف». قلت: وهو فن جليل يقبُحُ جهله بأهل العلم، لا سيما أهل الحديث، فينبغي الاعتناء [151 - ب] به، وإلا افتضح بين أهله. وأَفْرَدَهُ جماعةٌ بالتَّصْنيف، وأول من صَنَّفَ فيه عبد الغني بن سعيد، ثم شيخه الدارقطني، وأَكْمَلَ مُصَنَّفٍ فيه «الإكمال» لابن ماكولا، وذَيَّل عليه بن نُقطة ذيلاً مفيداً، ثم ذيل على ابن نقطة الحافظ جمال الدين بن الصابوني، والحافظ منصور بن سَليم بفتح السين، عُرِف بابن العمادية، وذيل عليهما الحافظ علاء الدين مغلطاي ذيلاً كبيراً، وجمع فيه الحافظ الذهبي مجلداً

أسماه «مشتبه النسبة» فأجحف في الاختصار، واعتمد على ضبط القلم. و «المؤتلف والمختلف» قسمان: أحدهما: ما ليس له ضابط يُرْجَع إليه، وإنما يعرف بالنقل والحفظ، وهو الأكثر. والثاني: ما يدخل تحت الضبط، وذكر منه (ن) (¬1) هنا جملة، وهذا القسم الثاني قسمان: أحدهما: على العموم من غير تقييد بتصنيف، وضابطه أن يُقال ليس لهم فلان إلا كذا. والثاني: مخصوص بما في «الصحيحين» و «الموطأ». فَمِن الأول: سلاَّم كله بالتشديد إلا خمسة، وهم سلام والد عبد الله بن سلَام الصحابي الحبر. [و] (¬2) سلَام بن سلَام جد أبي علي الجُبَّائي المعتزلي، [وسلام والد محمد بن سلام بن الفرج البيكندي البخاري شيخ البخاري على خلافٍ فيه] (¬3)، فجزم غنجار في «تاريخ بخارى» والخطيب، وابن ماكولا بالتخفيف، وهو الصحيح، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح، والجيَّاني أبو علي في «التقييد» وصاحب «المشارق» وصاحب «المطالع» بالتشديد. ¬

(¬1) (2/ 217). (¬2) زيادة من المصدر، وفيه: سلام جد أبي علي. (¬3) زيادة من المصدر.

قال شيخنا (ن) (¬1): ولعله [152 - أ] اشتبه عليهما بآخر، يُسمى: محمد بن سلام بن السكن، حدث عن الحسن بن سوَّار الخراساني، فأما شيخ البخاري فروينا بالإسناد إليه أنه قال: أنا محمد بن سلام بالتخفيف، وهذا قاطع للنزاع، انتهى كلام شيخنا. وسلام بن أبي الحُقَيق اليهودي، وسلَام بن مشكم خماراً كان في الجاهلية والمعروف فيه التشديد. قلت: ومِشْكم: بكسر الميم، وإسكان الشين المعجمة، وفتح الكاف، وبعده ميم. انتهى. وقوله: «وابن محمد» (خ) يعني أن بعضهم زاد سلَام بن محمد بن ناهض المقدسي، روي عنه الطبراني فسماه سلامة بزيادة هاء آخره، والخلف فيه إنما هو في زيادة الهاء وحذفها، وأما التخفيف فلا خلاف فيه. وقوله: «قلت» (خ) زاد (ن) (¬2) ثلاثة أسماء مُخَفَّفَة وهم: سلَام بن أخت عبد الله بن سلام، عده في الصحابة ابن فتحون في «ذيله»، ولعبد الله بن سلام أخٌ يقال له سلمة بن سلام، وجد السَّيِّدي [وهو سعد بن جعفر] (¬3) بن سلام السَّيِّدي، روي عنه (¬4) عن ابن البَطِّي، ومات سنة أربعة عشر وستمائة، وكذلك جد النِّسَفي الأعلى: أبو نصر محمد بن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن موسى بن سلَام النِّسفَي، ذكره الذهبي في «المشتبه». ¬

(¬1) (2/ 218). (¬2) (2/ 218 - 219). (¬3) زيادة من المصدر. (¬4) قوله: عنه. ليس في المصدر.

فقوله: «الحبر»، قلت: الحبر بفتح الحاء المهملة، وكسرها، وبعده باء موحدة: العالم. و «البِيْكَندي» وضبطه (ن) بكسر الباء الموحدة، وسكون الياء المثناة تحت، وفتح الكاف، وسكون النون، وبعده دال مهملة. و «الحُقَيق» بضم الحاء المهملة، وفتح القاف [152 - ب]، وبعده مثناة تحت ساكنة، فقاف. و «ناهض» بالنون، والهاء، والضاد المعجمة. و «السُّبدي» بضم السين المهملة، وفتح الموحدة، وبعده دال مهملة، نسبة إلى سُبَد بطن من قيس (¬1). و «النَّسَفي» ضبطه (ن) بفتح النون، والسين، نسبةً إلى نِسَف بكسر النون فُتِحَت للنَّسَب كالنِّمر، انتهى. وقوله: 882 - عَيْنَ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ اكْسِر ... وَفي خُزَاعَةَ كَرِيْزٌ كَبِّر الشرح: ومن ذلك «عُمارة» كله بضم العين، إلا عِمارة أبا أُبَي ابن عِمارة، من الصحابة، فبالكسر. قلت: وأما «عَمَّارة» بفتح العين، وتشديد الميم، فجماعة ذكرهم ابن ¬

(¬1) كذا قال وهو وهم عجيب، فالمذكور في النظم إنما هو السَّيِّدي.

ماكولا، وأشار إليهم (ن) في الشرح (¬1). وقوله: «وفي خزاعة» يعني بذلك «كَرِيز» بفتح الكاف، وكسر الراء، مُكبراً، و [كُرَيْز] (¬2) مصغراً، وكله مصغراً إلا في خزاعة فقط. وقوله: 883 - وَفِي قُرَيْشٍ أَبَداً حِزَامُ ... وَافْتَحْ فِي الانْصَارِ بِرَا حَرَامُ الشرح: من ذلك «حِزَام» بكسر الحاء المهملة، وبالزاي. و «حَرَام» بفتح الحاء، وبالراء، ففي قريش الأول، وفي الأنصار الثاني. قال (ن) (¬3) شيخنا: والمراد ضبط ما في قريش والأنصار ووقع «حزام» بالزاي في خزاعة، وبني عامر بن صَعْصَعَة، وغيرهما، ووقع «حَرَام» بالراء في خثعم، وجذام، وتميم بن مر، وغير ذلك. وقوله: 884 - فِي الشَّامِ عَنْسِيٌّ بِنُونٍ، وبِبَا ... فِي كُوْفَةٍ والشِّيْنِ واليا غَلَبَا [153 - أ] 885 - فِي بَصْرَةٍ وَمَا لَهُمْ مَنِ اكْتَنَى ... أَبَا عَبِيْدَةٍ بِفَتْحٍ والكُنَى 886 - فِي السَّفْرِ بالفَتْحِ وَمَا لَهُمْ عَسَلْ ... إلاَّ ابْنُ ذَكْوَانٍ وَعِسْلٌ فَجُمَلْ الشرح: يعني أن من ذلك «عَنْسي» بفتح العين المهملة، وإسكان النون، ¬

(¬1) (2/ 220). (¬2) زيادة من المصدر. (¬3) (2/ 221).

وبالسين المهملة، و «عَبْسى» بالباء الموحدة، و «عَيْشِى» بالمثناة تحت والشين المعجمة. فالأول في الشاميين، ومنهم عُمير بن هانئ التابعي. والثاني: في الكوفيين، ومنهم عُبيد الله بن موسى. والثالث: في البصريين، ومنهم عبد الرحمن بن المبارك، وهذا في الغالب، وإليه الإشارة بقوله «غلبا»، والنادر المخالف للغالب: عمار بن ياسر فإنه عَنْسي بالنون، وهو في أعدد الكوفيين. وقوله: «ومالهم» (خ) يعني: أن مِنْ ذلك من اكتنى بأبي عُبيدة، فَكُلُّهم بضم العين مُصَغَّراً. قال الدارقطني: ولا نَعْلَمُ أحداً يُكنى أبا عَبيدة بفتح العين. وقوله: «والكنى» (خ) يعني أن من ذلك: «السَّفْر» بفتح السين المهملة، وإسكان الفاء، بعده مهملة، و «السَّفَر» بفتح الفاء، فالكنى من ذلك بالفتح، والباقي بالإسكان، ومن المغاربة من يقول في الكنى بالإسكان وهو سعيد يُحْمِد بن محمد بضم الياء المثناة تحت، وإسكان الحاء المهملة، وكسر الميم، وبعده دال مهملة، لا ينصرف للعلَمية، ووزن الفعل، ويقال فيه: يَحْمَد بفتح الياء والميم، والمحدثون يقولونه بالفتح، كما نصه عنهم الدارقطني. وقوله: «ومالهم عَسَل» (خ) يعني من ذلك: «عِسْل» بكسر [153 - ب] العين، وإسكان السين المهملتين، وبعده لام، و «عَسَل» بفتحها فكله بالأول، إلا عَسَل بن ذكوان الأخباري البصري، فإنه بالثاني، نَصَّ عليه الدارقطني

وغيره، ووجد بخط الزُّهْري أبي منصور وفي كتابه «تهذيب اللَّغَة» عِسْل بالكسر والإسكان. وقوله: «فجُمَل» بضم الجيم، وفتح الميم، جمع جُملة أي: فكثير، والله تعالى أعلم. وقوله: 887 - وَالعَامِرِيُّ بْنُ عَلِيْ عَثَّامُ ... وَغَيْرُهُ فَالنُّونُ والإعْجَامُ الشرح: ومن ذلك «غَنَّام» بفتح الغين المعجمة، وبعده نون مشددة، فألف، فميم. و «عَثَّام» بفتح العين المهملة، وتشديد المثلثة، فكلُّه بالأول، إلا عثَّام بن علي العامري الكوفي والد علي بن عثام الزاهد. وقوله: 888 - وَزَوْجُ مَسْرُوقٍ قَمِيْرٌ صَغَّرُوا ... سِوَاهُ ضَمَّاً وَلَهُمْ مُسَوَّرُ 889 - ابنُ يَزِيدَ وابْنُ عَبْدِ المَلِكِ ... وَمَا سِوَى ذَيْنِ فَمِسْوَرٌ حُكِي الشرح: ومن ذلك «قمير» بضم القاف، وفتحها، مصغراً ومكبراً، والجميع مصغراً، إلا امرأة مسروق بن الأجدع فمُكَبَّر وهي بنت عَمْرو، ومن ذلك «مسور» بضم الميم وفتحها (¬1)، وفتح السين، وتشديد الواو مفتوحة، و «مِسْوَر» بكسر الميم، وإسكان السين، وفتح الواو. ¬

(¬1) كذا، ولعله حشو.

فالأول ابن يزيد المالكي الكاهلي له صحبة، وابن عبد الملك اليربوعي، وما عداهما فبالثاني. وقوله: 890 - وَوَصَفُوا الحمَّالَ في الرُّوَاةِ ... هَارُونَ والغَيْرُ بِجِيمٍ يَاتي [154 - أ] الشرح: من ذلك الحَمَّال بالحاء المهملة، والجيم، وكله بالجيم من الصفات إلا هارون بن عبد الله فبالحاء، وكان بزازاً، فلما تزهد حَمَل وقيل كان حمالاً ثم تَحوَّل إلى البَز، وزعم الخليلي وابن الفلكيِّ أنه لُقِّب بذلك لكثرة ما حمل من العلم، وردَّهُ ابن الصلاح. وقوله: «ووصفوا» يعني: أن هذا في الصفات كما قررنا بخلاف الأسماء فإنه بالحاء كأبيض ابن الحَمَّال المازني صحابي، وحمال بن مالك. وقوله: «في الرواة» يحترز به عن غيرهم من الفقهاء والزهاد، كرافع بن نصر الحمال الفقيه، صاحب أبي إسحاق، وأيوب الحمال الزاهد ببغداد، وبنان الحمال أحد أولياء مصر وإن روى عن الحسن بن عرفة وغيره، إلا أنه لم يشتهر برواية الحديث. وقوله: 891 - وَوَصَفُوا حَنَّاطاً اوْ خَبَّاطا ... عِيسَى ومُسلِماً كَذَا خَيَّاطَا الشرح: من ذلك «الحنَّاط» بالحاء المهملة، والنون، وبالخاء المعجمة،

والباء الموحدة (¬1)، وبخاء، وبالمثناة تحت (¬2)، فهذه العلامة اجتمعت في اسم واحد، وهما اثنان: عيسى بن [أبي] (¬3) عيسى الحافظ ومسلم بن أبي مسلم الحافظ، في نصِّ الدارقطني، والأمير، إلا أن عيسى اشتهر بالحناط بالحاء المهملة والنون، ومسلم بالمعجمة والموحدة، ورجَّح الذهبي [في كل واحد] (¬4) ما اشتهر به. وقوله: 892 - والسَّلَمِيَّ افْتَحْ في الانْصَارِوَمَنْ ... يَكْسِرُ لامَهُ كأَصْلِهِ لَحَنْ [154 - ب] الشرح: يعني أن الأنصاري يقال له السَّلَمي بفتح السين، واللام، كجابر بن عبد الله، وغيره، نسبةً إلى بني سَلِمة بفتح السين، كسر اللام، وفُتحت في النسب، كنَمَري وأكثر المحدثين يقولونه على الأصل بكسر اللام، وهو لحن. واقتصر ابنُ باطيش في «مشتبه النسبة» على كسر اللام، وجعل مفتوح اللام نسبةً إلى «سلميَّة» من عمل حماة. وقوله: 893 - وَمِنْ هُنَا لِمَالِكٍ وَلَهُمَا ... بَشَّاراً افْرِدْ أَبَ بُنْدَارِ هُمَا 894 - وَلَهُمَا سَيَّارُ أيْ أَبُو الحَكَمْ ... وَابْنُ سَلاَمَةٍ وبِالْيَا قَبْلُ جَمْ ¬

(¬1) أي: الخباط. (¬2) أي: الخياط. (¬3) زيادة من المصدر. (¬4) زيادة من المصدر.

الشرح: شرع في القسم الثاني في «المؤتلف والمختلف»، وهو ضبط ما في «الموطأ» لمالك، والصحيحين للبخاري ومسلم. فقوله: «بشَّاراً» (خ) يعني: أن من ذلك «بشَّاراً» بالباء الموحدة، والشين المعجمة. و «سَيَّاراً» بالسين المهملة، والمثناة تحت المشددة. و «يَسَاراً» بالمثناة تحت، والسين المهملة المخففة. والأول ليس لهم في الصحيحين منه إلا واحد وهو والد بُنْدَار، واسمه محمد بن بشار، أحد شيوخهما، وأما في الصحابة فمعدوم، وفي التابعين نادر، كذا نص الذهبي. وقوله: «ولهما» (خ) يعني: أن الثاني فهو سَيَّار بن أبي سَيَّار، ورُدَّ أن كنيته أبو الحكم (¬1) وسيار بن سلامة، وهما في الصحيحين. فقوله: «أبو الحكَم»، قلت: هو بفتح الحاء والكاف. وقوله: «وبالياء» (خ) يعني: أن الثالث كثير فيهما، وفي «الموطأ» سليمان بن يَسَار، وأخيه [155 - أ] عطاء، وسعيد بن يسار، وغيرهم. وقولهم: «جَمْ». قلت: بفتح الجيم، وبعده ميم، أي: كثير. وقوله: 895 - وَابْنُ سَعِيدٍ بُسْرُ مِثْلُ المَازِنيْ ... وابْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَابْنُ مِحْجَن 896 - وَفِيهِ خُلْفٌ. وَبُشَيْراً اعْجِمِ ... في ابْنِ يسارٍ وابْنِ كَعْبٍ واضْمُم ¬

(¬1) أي أن كنية والد سيار أبو الحكم، وليست أبا سيار.

897 - يُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو اوْ أُسَيْرُ ... والنُّونُ في أبي قَطَنْ نُسَيْرُ الشرح: ومن ذلك: «بشر» بكسر الباء الموحدة، وبالشين المعجمة، وبضم الموحدة، وبالسين الموحدة المهملة (¬1). فالأولى في الصحيحين و «الموطأ» إلا أربعة فمن الثاني، وهم ابن سعيد، والمازني والد عبد الله، وابن عبيد الله الحضرمي، وابن محجن الدِّيلي. فقوله: «وابن محجن»، قلت: هو بكسر الميم، وإسكان الحاء المهملة، وفتح الجيم، وبعده نون. وقوله: «وفيه خلْفٌ»، يعني: أنه اختُلِفَ في هذا الرَّابع فذهب مالك والجمهور إلى أنه بالمهملة. وقال الثوري: بالمعجمة، قال الدارقطني: ورَجَعَ عنه الثوري فيما يُقال. وابن محجن في «الموطأ» فقط. وقوله: «وبُشَيراً» (خ) من ذلك «بُشَير» بضم الموحدة، وفتح الشين المعجمة، ويُسَيْر بضم المثناة تحت، وبالسين المهملة، و «نُسير» بضم النون، وفتح السين المهملة، و «بَشير» بفتح الموحدة، وكسر الشين المعجمة. فالأول: ابن يسار الحارثي المدني، حديثه في الصحيحين والموطأ، وابن كعب العدوي عند البخاري. والثاني: ابن عمرو، يقال فيه أيضاً أُسير بضم الهمزة. ¬

(¬1) أي: بُسْر.

والثالث: والد قطن. فقوله: «قَطَن»، قلت: بفتح القاف، والطاء [155 - ب] المهملة، وبعده نون. والرابع: جميع ما في الصحيحين و «الموطأ»، ومنهم بَشير بن نَهيك، وغيره. وقوله: 898 - جَدُّ عَلِيْ بنِ هَاشِمٍ بَرِيْدُ ... وَابْنُ حَفِيْدِ الأَشْعَريْ بُرَيْدُ 899 - وَلَهُمَا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَهْ ... بْنِ البِرِنْدِ فَالأَمِيْرُ كَسَرَهْ الشرح: من ذلك «بريد» بفتح الموحدة، وبضمها. و «بِرِنْد» بكسرها، والراء، وبعد الراء نون ساكنة. و «تزيد» بفتح المثناة تحت، وكسر الزاي. فالأول: جد علي بن هاشم روى له مسلم. والثاني: ابن عبد الله بن أبي بردة بن موسى الأشعري، روى له الشيخان، ومنه حديث مالك بن الحويرث في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري، وفيه «كصلاة شيخنا أبي بُرَيد عمرو». وذكر الهروي أبو ذر عن أبي محمد الحموي، [عن الفربري] (¬1) عن (خ) (¬2) كذا، وكذا ذكره مسلم في الكنى. ووقع عند عامة رواة (خ): يَزيد، بفتح المثناة تحت، وبالزاي. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) أي: البخاري.

قال عبد الغني: ولم أسمعه من أحد بالزاي، ومسلم أعلم. والثالث: جد محمد بن عَرْعَرَة السامي في الصحيحين. وقوله: «فالأمير» (خ) يعني: أن ابن ماكولا ذكره هكذا بكسر الباء والراء، وفي كتاب «عمدة المحدثين» بَرَند بفتح الباء والراء. قلت: والأمير هذا هو الحافظ علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن دُلف بن أبي دُلف القاسم بن عيسى العجلي أبو نصر المعروف بابن ماكولا، أصله من جرباذقان بلدة من همذان [156 - أ] وأصبهان، ولُقِّبَ بالأمير، من بيت الوزارة، والقضاء، والرئاسة، نحويٌ شاعر. وحدث: سنده إلى أبي هاشم [المذكر] (¬1) قال: أردتُ البصرةَ فجئت إلى سفينة أكتريها، وفيها رجل، ومعه جارية، فقال الرجل: ليس هاهنا موضع. فسألته الجارية أن يحملني فحملني، فلما سِرْنا دعا الرجل بالغداء فوُضِع، فقالوا: انزلوا المسكين ليتغدى، فأُنْزِلت على أنني مسكين، فلما تغدينا قال: يا جارية هاتي شراباً، فشرب، وأمرها أن تسقيني، قلت: رحمك الله إن للضيف حقاً وقد يؤذيني، قال: فتركني، فلما دَبَّ فيه النبيذ قال: يا جارية هاتي العود وهاتي ما عندك فأخذت العود وغَنَّت: وكنا كغصني بانة ليس واحدٌ ... يزول عن الحالان عن رأي واحِد تبدل لي خلاً فخاللتُ غيره ... وخليتُهُ لما أراد تباعدي فلو أن كفى لم تردني ابنتُها ... ولم يصطحبها بعد ذلك ساعدي ¬

(¬1) في الأصل: أبي هاشم المد .. ثم بياض، فتممناه من طبقات الشافعية الكبرى (5/ 24).

ألا قبح الرحمن كلَّ مُماذق ... يكون أخاً في الحَفْظ لا في الشدائد ثم التفت إلي فقال: أتُحسن مثل هذا؟ فقلت: أُحسن خيراً منه، وقرأت: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:1 - 3]، فجعل يبكي، ولما انتهيت إلى قوله: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} قال: يا جارية اذهبي فأنت حُرة لوجه الله، وألقى ما معه من الشراب في الماء، وكسر العود، ثم اعتنقني، وقال: يا أخي أترى الله يقبل توبتي [156 - ب]؟ فقلت: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، فواخيته أربعين سنة حتى مات، فرأيته في المنام، فقلت: إلى ما صرت بعدي؟ فقال: إلى الجنة، فقلت: بما صرت إليها؟ قال: بقراءتك عليَّ {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}. ولما خرج أبو نصر الأمير إلى خراسان في طلب الحديث كتب إلى بغداد بشعره: قوض خيامك عن دارٍ أُهنت بها ... وجانب الذلَّ إن الذلَّ يُجتنب وارحل إذا كانت الأوطان واسعة ... فالمندل الرطب في أوطانه حطب وله رحمه الله: علمتني بهجرها الصبر عنها ... فهي مشكورةٌ على التقبيح ذ والرابع: كل ما في الصحيحين والموطأ إلا ما ذكر. وقوله: 900 - ذُوْ كُنْيَةٍ بِمَعْشَرٍ وَالعَالِيَهْ ... بَرَّاءَ أُشْدُدْ وَبِجِيمٍ جَارِيَهْ 901 - ابْنُ قُدَامَةٍ كَذَاكَ وَالِدُ ... يَزِيْدُ قُلْتُ وكَذَاكَ الأَسْوَدُ

902 - ابنُ العَلاَ وابْنُ أبِي سُفْيَانِ ... عَمْرٌو، فَجَدُّ ذَا وذَا سِيَّان الشرح: من ذلك «البراء» بفتح الموحدة، وتشديد الراء ممدودة، وبتخفيفها. فالأول: أبو معشر يوسف بن يزيد، وحديثه في الصحيحين، وأبو العالية زياد بن فيروز، وحديثه في الصحيحين. والثاني: جماعة منهم ابن عازب، وجميع ما في الصحيحين و «الموطأ». وقوله: «وبجيمٍ» (خ) من ذلك «جارية» بالجيم، والتاء المثناة، وبالحاء المهملة [157 - أ] والمثلثة (¬1). فالأول ابن قدامة، ووالد يزيد، وهو مذكور في «الموطأ»، وخارجة بن قدامة وقع ذكره في «الفتن» من البخاري. وقوله: «قلت» (خ) يُشير إلى اسمين آخرين زادهما علي بن الصلاح، وهما: الأسود بن العلاء بن جارية الثقفي، روى له مسلم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، حديث البئر جُبَار [الحديث] (¬2) في الحدود. وعمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، روى له البخاري عن أبي هريرة قصة قتل خُبيب، وروى له مسلم عن أبي هريرة حديث: «لكل نبي دعوة يدعوا بها» الحديث. ¬

(¬1) أي: حارثة. (¬2) في الأصل: البئر جبار [و] في الحدود. وما أثبتناه من المصدر.

وقوله: «فَجَدُّ» (خ) يعني: أن جد عمرو الأعلى يساوي جد الأسود وهو والد العلاء والد الأسود، على أنه وقع في البخاري في موضع منه عمرو بن أُسيد بن جارية بدون أبي سفيان فاستويا حقيقة. فقوله: «بِمَعْشَر»، قلت: هو بفتح الميم، وإسكان العين، وبعده شين معجمة. وقوله: «سِيَّان» هو بكسر السين المهملة، وتشديد المثناة تحت وآخره نون تثنية سي. وقوله: 903 - مُحَمَّدَ بْنَ خَازِمٍ لا تُهْمِلِ ... والِدَ رِبْعِيٍّ حِرَاِشٍ اهْمِل 904 - كَذَا حَرِيْزُ الرَّحَبِي وكُنْيَهْ ... قَدْ عُلِّقَتْ وَابْنُ حُدَيْرٍ عِدَّهْ الشرح: من ذاك «خَازِم» بالخاء المعجمة، والزاي، وبالحاء المهملة (¬1). فالأول: محمد بن خازم أبو معاوية الضرير. والثاني: الأعرج أبو حازم. وقوله: «والد رِبْعِي» (خ) من ذلك «حِراش» بكسر الحاء المهملة، وآخره شين [157 - ب] معجمة. وبكسر الخاء المعجمة (¬2). فالأول: والد رِبْعي، وليس في الكتب الثلاثة غيره. والثاني: جماعة، منهم شهاب بن خراش. ¬

(¬1) أي: وحازم. (¬2) أي: وخراش.

وقوله: «كذا» (خ) من ذلك «حَريز» بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، وبعده مثناة تحت ساكنة، فزاي. وبفتح الجيم، وبرائين مهملتين (¬1). فالأول: ابن عثمان الرحبي الحمصي، روى له البخاري، وأبو حريز عبد الله الأزدي قاضي سجستان، عَلَّق له البخاري، وهذا أراد بقوله «وكنيته قد عُلِّقَت». والثاني: ما عداه، ومنهم جرير بن عبد الله البَجَلي، وجرير بن حازم. وقوله: «وابن حُدَير» (خ) يعي: أنه ربما اشتبه بهذه الترجمة «حُدير» بضم الحاء المهملة، وفتح الدال، وآخره راء مهملة، وهم جماعة منهم عمران بن حُدير، روى له مسلم، وزيد وزياد ابنا حُدير، وقع ذكرهما في «المغازي» من البخاري، من غير رواية. وقوله: 905 - حُضَيْنٌ اعْجِمْهُ أَبُو سَاسَانَا ... وَافْتَحْ أَبَا حَصِيْنٍ اي عُثْمَانَا 906 - كَذَاكَ حَبَّانُ بنُ مُنْقِذٍ وَمَنْ ... وَلَدَهُ، وابْنُ هِلاَلٍ وَاكْسِرَنْ 907 - ابنَ عَطِيَّةَ مَعَ ابْنِ مُوسَى ... وَمَنْ رَمَى سَعْداً فَنَالَ بُؤْسَا الشرح: من ذلك: «حضين» بضم (¬2) الحاء المهملة، وفتح الضاد المعجمة، ¬

(¬1) أي: وجرير. (¬2) في الأصل: بفتح. خطأ.

وبعده مثناة تحت ساكنة، فنون. وبفتحها، وكسر الصاد المهملة (¬1)، وبضمها (¬2). فالأول: ابن المنذر أو سَاسَان، روى له مسلم. قال المزي: لا نعلم في رواة العلم من اسمه كذلك سواه. والثاني: أبو حَصين عثمان الأسدي [158 - أ]، حديثه فيهما. قال الجبائي: ولا أعلم في الكتابين غير هذا. والثالث: وهو الواقع في الكتب الثلاثة، ومنهم عمران بن حُصَين. وقوله: كذاك «حبان» (خ)، من ذلك «حبان» بفتح الحاء المهملة، وتشديد الموحدة (¬3). وبكسر الحاء المهملة (¬4). وبفتح الحاء المهملة، وتشديد المثناة تحت (¬5). فالأول: ابن منقذ، له ذكر في «الموطأ» أنه كان عنده امرأتان، وابنه واسع بن حَبَّان، روى له مسلم. وابن هلال الباهلي حديثه فيهما. والثاني: ابن عطية السلمي، له ذكر في البخاري في قصة حاطب، وابن موسى السلمي المروزي روى عنه الشيخان في «صحيحيهما». ¬

(¬1) أي: حصين. (¬2) أي بضم الحاء: حُصَين. (¬3) أي: حَبَّان. (¬4) أي: حِبَّان. (¬5) أي: حَيَّان.

وقوله: «ومن رمى سعداً» (خ) يعني: أن بالكسر أيضاً ابن العَرِقَة، له ذكر في الصحيحين، في حديث عائشة أن سعد بن معاذ رماه رجل من قريش يُقال حِبَّان بن العرقة هذا هو المشهور، وحكى الأمير أن ابن عقبة ذكر في مغازيه أنه جبار بالجيم، قال: والأول أصح. والعَرِقَة هذه أمه، واختُلف في ضبطه، فالمشهور أنه بعين مهملة مفتوحة، فراء مكسورة، فقاف، فهاء تأنيث، وحكى الأمير عن الواقدي أنه بفتح الراء، والأول أشهر، وقيل لها ذلك لطيب رائحتها، واسمها قلابة بنت سُعَيد -بضم السين- وتكنى أم فاطمة، واسم أبيه حِبَّان بن قيس، أو بن أبي قيس، قولان. وقوله: 908 - خُبَيْباً اعْجِمْ في ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنْ ... وابْنِ عَدِيٍّ وَهْوَ كُنْيَةً كَانْ 909 - لابْنِ الزُّبَيْرِ وَرِيَاحَ اكْسِرْ بِيا ... أَبَا زِيَادٍ بِخِلاَفٍ حُكِيَا [158 - ب] الشرح: ومن ذلك «خُبيب» بضم الخاء المعجمة، وفتح الموحدة، وإسكان المثناة تحت، وبعده باء موحدة. وبفتح الحاء المهملة (¬1). فالأول: ابن عبد الرحمن بن خُبيب بن يِسَاف -بكسر الياء المثناة تحت، وبعده سين مهملة، وآخره فاء- الأنصاري حديثه فيهما، وفي «الموطأ». وابن عدي، ذكره البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في سرية عاصم بن ثابت الأنصاري، وقَتْل خبيب القائل: ¬

(¬1) أي: حَبيب.

ولست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنبٍ كان في الله مصرعي وقوله: «وهو كنية». (خ) يعني: أنه كذلك في الكنية، كنية عبد الله بن الزبير، كنى بابنه خُبَيب بن عبد الله، وليس لابنه خُبيب ذكر في الكتب الثلاثة، وإنما روى له النسائي حديثاً واحداً ولم يسمه، وإنما قال عن ابن عبد الله، وسماه غيره خُبيباً. وقوله: «ورياح» (خ) من ذلك «رياح» بكسر الراء، وبعده مثناة تحت، وفتح الراء، وبعده موحدة (¬1). فالأول: والد زياد القيسي البصري، ويكنى أبا رياح لاسم أبيه، أو أبو قيس، وهو تابعي، له في «صحيح مسلم» عن أبي هريرة حديثان: أحدهما: حديث من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، والثاني: حديث: بادروا بالأعمال ستاً. وقوله: «بخلافٍ» (خ) يعني أن كون هذا «رِياح» كما ذكره فيه خلاف، فقول الأكثرين وبه جزم عبد الغني والأمير ما ذكر، وحكى صاحب «المشارق» عن ابن [159 - أ] [الجارود] (¬2) أنه بالموحدة وفتح الراء، وإن البخاري [ذكره] (¬3) بالوجهين. ¬

(¬1) أي: رَباح. (¬2) بياض في الأصل، تممناه من المصدر. (¬3) زيادة من المصدر.

وقوله: 910 - وَاضْمُمْ حُكَيْماً في ابْنِ عَبْدِ اللهِ قَدْ ... كَذَا رُزَيْقُ بْنُ حُكَيمٍ وَانْفَرَدْ 911 - زُيَيْدٌ بْنُ الصَّلْتِ وَاضْمُمْ وَاكْسِرِ ... وَفي ابْنِ حَيَّانَ سَلِيمٌ كَبِّر الشرح: من ذلك «حُكَيم» بضم الحاء مصغراً، ومكبراً (¬1)، فالأول ابن عبد الله بن قيس بن مَخْرَمة القرشي المصري، روى له مسلم في «صحيحه» ثلاثة أحاديث، وسمي أيضاً الحُكَيْم. قال: وهو كذلك في بعض طرق حديثه. ووالد رُزَيْق بضم الراء -مصغراً- الأيلي، والي أَيْلة لعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه. وذكر ابن الحذَّاء أنه كان حاكماً بالمدينة. ورُزَيق له ذكر في «الموطأ» في الحدود، روى مالك عن رُزَيق بن حُكيم أن رجلاً يقال له مصباحٌ القصة، وذكره البخاري في باب الجمعة في القرى والمدن. قال يونس كتب رُزيق بن حُكيم إلى ابن شهاب، وأنا يومئذٍ معه بوادي القُرى: هل ترى أن أُجَمِّع؟ ورُزيق يومئذٍ على أيْلة القصة. وقوله: «زبيد». (خ): من ذلك «زُييد» بضم الزاي وكسرها، وبعده مثناة تحت مصغراً، وبالموحدة مصغراً أيضاً (¬2). فالأول: ابن الصلت بن معدي كرب الكندي، ذكره في «الموطأ» من رواية هشام بن عروة عنه أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ¬

(¬1) أي: وحَكيم. (¬2) أي: زُبيد.

الجُرُف فنظر فإذ هو قد أحتلم وحكى القصة. وروى مالك أيضاً في «الموطأ» عن الصلت بن زُييد عن غير واحد من أهله أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة [159 - ب] إلى جنبه كثير بن الصَّلت، قال عمر: ممن ريح هذا الطِّيب؟ القصة. والصلب بن زُييد هذا تولى قضاء المدينة. وقول ابن الحذاء أن أباه كان قاضي المدينة في زمان هشام. قال: شيخنا (ن) (¬1): وهم منه، والله تعالى أعلم. وقوله: «وفي ابن حيان» (خ) من ذلك «سَليم» بفتح السين، وكسر اللام مكبراً، وبضمها مصغراً (¬2). فالأول: ابن حَيَّان، بفتح الحاء، وتشديد المثناة تحت، حديثه في الصحيحين، وليس فيهما غيره. وقوله: 912 - وَابْنُ أَبي سُرَيْجٍ احْمَدُ إئْتَسَا ... بَوَلَدِ النُّعْمَانِ وَابْنِ يُونُسَا الشرح: من ذلك «سُرَيج» بضم السين المهملة، وآخره جيم. وبضم الشين المعجمة، وآخره حاء مهملة (¬3). ¬

(¬1) (2/ 242). (¬2) أي: سُلَيم. (¬3) أي: شريح.

فالأول: أحمد بن أبي سُرَيج، روى عنه البخاري في «صحيحه»، واسم أبي سُرَيج: الصَّبَّاح. وابن النعمان، روى عنه البخاري أيضاً. وابن يونس حديثه في الصحيحين، وهو آخر من سمع منه مسلم. روى عنه البخاري بواسطة. قوله: «ائتسا» أي له أسوة بمن ذُكر في كونه بالسين المهملة، والجيم. وقوله: 913 - عَمْرٌو مَعَ القَبِيلَةِ ابْنُ سَلِمَهْ ... وَاخْتَرْ بِعَبْدِ الخَالِقِ بْنِ سَلَمَهْ الشرح: من ذلك «سلمة» بكسر اللام وفتحها (¬1). فالأول: عمرو بن سَلِمة الجَرْمي إمام قومه، وفي صحبته خلاف. وكذلك القبيلة بنو سَلِمة الأنصاري. واختلف في عبد الخالق بن سلمة أحد من روى له مسلم [160 - أ]، وليس عنده إلا حديث واحد في قدوم وفد عبد القيس وسؤالهم عن الأشربة، فقال فيه يزيد بن هارون: بفتح اللام، وقال ابن عُلَيَّة بكسرها، وعلى الوجهين الأمير. وقوله: «واختر» أي: إن شئت كما قررنا (¬2). ¬

(¬1) أي: سَلِمة، وَسَلَمة. (¬2) أي: إن شئت فتحته وإن شئت كسرته.

وقوله: 914 - وَالِدُ عَامِرٍ كَذَا السَّلْمَانِي ... وَابْنُ حُمَيْدٍ وَوَلَدْ سُفْيَان 915 - كُلُّهُمُ عَبِيْدَةٌ مُكَبَّرُ ... لَكِنْ عُبَيْدٌ عِنْدَهُمْ مُصَغَّرُ الشرح: من ذلك عبيدة بفتح العين، وضمها، وفي آخره هاء التأنيث (¬1). والأول أربعة في الكتب الثلاثة: عامر بن عَبيدة الباهلي، وضبطه المهلب بضم العين، ووهمه صاحب «المشارق»، ووقع ذكره في البخاري في كتاب «الأحكام». والثاني: ابن عمرو السلماني، في حديثه فيهما. الثالث: ابن حُميد، روى له البخاري. والرابع: ابن سفيان الحضرمي حديثه في «الموطأ» و «صحيح مسلم»، وليس له عندهما إلا حديث واحد، وهو حديث أبي هريرة في تحريم كل ذي ناب من السباع، وفي «صحيح البخاري» أن الزبير قال: لقيت يوم بدر عَبيدة بن سعيد بن العاصي ... الحديث، والمعروف فيه الضم، وذكر في «المشارق» أن البخاري ذكره بالضم، وأنه حكى عنه الحميدي الفتح والضم. وقوله: «لكن» (خ) من ذلك عبيد بضم العين وفتحها، بلا هاء آخره (¬2). فالأول: جميع ما في الكتب الثلاثة حيث وقع، والثاني اسم جماعة من ¬

(¬1) أي: عَبيدة وعُبَيدة. (¬2) أي: عُبيد وعَبيد.

الشعراء: ابن الأبرص وابن قُماص بضم القاف [160 - ب]، وآخره صاد مهملة، وفي الصحابة جماعة نسبوا إلى عوف بن عَبيد بن عويج، وليس في الثلاثة شيء منه. وقوله: 916 - وَافْتَحْ عَبَادَةَ أبَا مُحَمَّدِ ... وَاضْمُمْ أَبَا قَيْسٍ عُبَاداً أَفْرِد الشرح: من ذلك «عَبَادة» بفتح العين، والموحدة، وآخره هاء. وبضم العين (¬1). فالأول: محمد بن عَبَادة الواسطي، شيخ البخاري، وليس فيهما غيره. والثاني بقية الموجود في الكتب الثلاثة. وقوله: «واضمم» (خ) من ذلك «عُباد» بضم العين، وتخفيف الموحدة. وبفتح العين، وتشديد الموحدة (¬2). فالأول: قيس بن عُبَاد القيسي الضُّبَعي البصري، حديثه فيهما، وليس فيهما غيره، وقوله: 917 - وعَامِرٌ بَجَالةُ بنُ عَبْدَهْ ... كُلٌّ وَبَعْضٌ بِالسُّكُونِ قَيَّدَهْ الشرح: من ذلك «عَبَدة» بفتح العين، والموحدة، وآخره هاء. وبإسكان ¬

(¬1) أي: عُبَادة. (¬2) أي: عَبَّاد.

الباء (¬1). فالأول: اسمان عامر بن عَبَدة البجلي الكوفي، روى له مسلم في مقدمة الصحيح، عن ابن مسعود قوله: «إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم فيحدثهم ... » الحديث، كذا ذكره ابن المديني، وابن معين، والجيَّاني، والصيرفي (¬2)، وابن الحذَّاء، وبه صدَّر الدارقطني، والأمير كلاميهما، وحكيا أنه قُيِّدَ بالسكون. قال صاحب «المشارق»: وحُكي لنا عن بعض شيوخنا «عَبْد» بغير هاء، قال: وهو وهم. والثاني: بجالة بن عَبَدَة التميمي، ثم العنبري البصري، روى له البخاري في كتاب «الجزية»، قال: كنت كاتباً لجزء بن معاوية [161 - أ] فجاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة ... الحديث. وقيده بالفتح الدارقطني، والجيَّاني، والأمير، وحَكَى صاحب «المشارق» أنه ذكره كذلك البخاري في «تاريخه»، وأصحاب الضبط، وقال فيه الباجي: عَبْدَة. والثاني: «عَبْدَة» بالإسكان، بقية ما في الكتب الثلاثة. وقوله: «وبعضٌ» (خ)، قال (ن) (¬3): أي في كل واحدٍ من الاسمين جميعاً. ¬

(¬1) أي: عَبْدَة. (¬2) في المصدر: الصدفي. (¬3) (2/ 248).

وقوله: 918 - عُقَيْلٌ القَبِيْلُ وَابْنُ خَالِدِ ... كَذَا أبُو يَحْيَى وَقَافِ وَاقِد 919 - لَهُمْ كَذَا الأَيْليُّ لاَ الأُبُلِّي ... قَالَ: سوَى شَيْبَانَ وَالرَّا فَاجْعَل 920 - بَزَّاراً انْسُبْ ابْنَ صَبَّاحٍ حَسَنْ ... وَابْنَ هِشَامٍ خَلَفاً، ثُمَّ انْسُبَنْ 921 - بالنُّونِ سَالِماً وَعَبْدَ الوَاحِدْ ... ومَالِكَ بنَ الأَوْسِ نَصْرِيّاً يَرِدْ الشرح: من ذلك «عُقَيل» بضم العين، وفتح القاف. وبفتح العين، وكسر القاف (¬1). فالأول: بنو عُقَيل القبيلة المعروفة، لهم ذِكر في حديث عِمران بن حُصين عند مسلم: كانت ثقيف حُلفاء لبني عُقيل فذكر حديث العَضْبَاء وأنها كانت لرجل من بني عُقيل. وقوله: «وابن خالد» أي: وكذلك عُقَيل بن خالد الأَيْلي، حديثه فيهما. وكذا أبو يحيى بن عقيل الخزاعي البصري، روى له مسلم. وقوله: «وقاف» (خ) من ذلك «وَاقد» بالقاف، وبالفاء (¬2). الأول جميع ما في الكتب الثلاثة، والثاني ليس هو في الكتب الثلاثة. ومنهم وافد بن موسى الذَّارع. وقوله: «كذا» (خ) من ذلك الأَيْلي بفتح الهمزة، وإسكان المثناة تحت. ¬

(¬1) أي: عَقيل. (¬2) أي: واقد.

وضم الهمزة، والموحدة بعدها (¬1). فالأول: هارون بن سعيد، ويونس بن يزيد، وجماعة وليس فيها [161 - ب] الثاني. كذا قال عياض، وتعقبه ابن الصلاح بأن مسلماً روى كثيراً عن شيبان بن فروخ، وهو أُبُلِّي بالباء الموحدة. وقوله: «والراء فاجعل» من ذلك البزار براء مهملة آخره، وزاي (¬2). فالأول: الحسن بن الصباح، من شيوخ البخاري. وخلف بن هشام، من شيوخ مسلم. قال ابن الصلاح: لا نعلم فيهما إلا هما. والثاني جماعة، ومنهم محمد بن عبد الرحيم المعروف بصاعقة. وقوله: «ثم انسُبَنْ» (خ) من ذلك «النَّصْري» بالنون. والباء الموحدة، والصاد المهملة (¬3). فالأول: ثلاثة: سالم مولى النصرييين مولى مالك بن أوس النصري، روى له مسلم. وعبد الواحد بن عبد الله النصري، له في صحيح البخاري حديث واحد، ¬

(¬1) أي: الأُبُلِّي. (¬2) أي: والبزاز. (¬3) أي: والبَصْرِي.

عن واثلة ابن الأسقع في أعظم الفِرى. ومالك بن أَوْس بن الحَدَثان النَّصْري، مخضرم، وفي صحبته خلاف، حديثه فيهما. والثاني بقية ما فيهما. وقوله: 922 - وَالتَّوَّزِيْ مُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ ... وَفِي الجُرَيْرِيْ ضَمُّ جِيْمٍ يَأْتِي 923 - فِي اثْنَيْنِ: عَبَّاسٍ سَعِيْدٍ وَبِحَا ... يَحْيَى بْنِ بِشْرِ بنِ الحَرِيْريْ فُتِحَا الشرح: من ذلك «التَّوَّزي» بفتح التاء المثناة فوق، وتشديد الواو المفتوحة، وبعده زاي. وبفتح المثلثة، وإسكان الواو وبالراء (¬1). فالأول: أبو يعلى محمد بن الصَّلت من تَوَّز [من] (¬2) بلاد فارس، روى عنه البخاري في كتاب الرِّدَّة حديث العُرنيين، وليس فيها غيره. والثاني من عداهُ، ومنهم أبو يعلى الثوري منذر بن يعلى، حديثه فيهما. وقوله: «وفي الجُرَيْري» [162 - أ] (خ)، من ذلك «الجُرَيْري» بضم الجيم. وبفتح الحاء المهملة (¬3). فالأول: نسبة إلى جُرير مصغراً، وهو جُرير بن عُباد، بضم العين، ¬

(¬1) أي: الثوري. (¬2) زيادة من المصدر. (¬3) أي: والحريري.

وتخفيف الموحدة، وهو عَبَّاس من فَرُّوخ الجُرَيري، حديثه في الصحيحين. وكذا إذا أورد فيهما الجُريري غير مسمى عن أبي نضرة فالمراد به: سعيد. والثاني: يحيى بن بشر الحريري، روى عنه مسلم في «صحيحه»، وهو شيخ البخاري ومسلم في ما نصه في «المشارق»، والجياني في «التقييد»، تبعاً للحاكم بن عبد الله، وكذا الكلاباذي. قال شيخنا (ن) (¬1): ولم يُخَرِّج له البخاري شيئاً، إنما خرج ليحيى بن بشر البلخي، فجعلهما الجياني والكلاباذي واحداً وهو وهم منهما وممن تبعهما، وهما رجلان اختلفا بلداً ووفاةً على ما أشار إلى ذلك أبو حاتم، والخطيب في «المتفق»، وبه جزم المزي في «التهذيب». وقوله: 924 - وَانْسُبْ حِزَامِيّاً سِوَى مَنْ أُبْهِمَا ... فَاخْتَلَفُوا وَالْحَارِثِيُّ لَهُمَا 925 - وَسَعْدٌ الْجَارِي فَقَطْ وفِي النَّسَبْ ... هَمْدَانُ وَهْوَ مُطْلَقاً قِدْماً غَلَبْ الشرح: من ذلك «الحزامي» بكسر الحاء المهملة وبعده زاي. وبفتح الحاء والراء (¬2). فالأول جماعة منهم: إبراهيم بن منذر الحزامي، والضحاك بن عثمان. وقوله: «سوى» (خ) من الزيادات علي بن الصلاح، يعني سوى من وقع ¬

(¬1) (2/ 253). (¬2) أي: والحَرامي.

في الصحيح وأبْهم اسمُه فلم يُسَم، بل فيه فلان الحزامي، فإن فيه خلافاً، ففي مسلم آخر الكتاب في حديث أبي اليسر قال [كان] (¬1) لي علي فلان بن فلان الحزامي مالٌ، فأتيت أهلَه ... الحديث، فرواه أكثر الرواة -كما نصه عياض- بحاء مهملة [162 - ب] مفتوحة، وراء، وعند الطبري بكسر الحاء والزاي. وقوله: «والحارثي» (خ) من ذلك الحارثي بالحاء المهملة، والمثلثة. وبالجيم، والراء، وبعده مثناة تحت (¬2). فالأول: جميع ما وقع فيهما، ومنهم: أبو أمامة الحارثي، له صحبة ورواية عند مسلم في كتاب «الإيمان» -بكسر الهمزة- في حديث: «من اقتطع حق امرئ مسلم ... » الحديث. والثاني: «سعد» روى له مالك في «الموطأ» عن زيد بن أسلم، عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: سألت ابن عمر عن الحيتان يقتل بعضهم بعضاً (ح). واختلف في نسبته، وقيل (¬3) إلى جده فيما نصه صاحب «المشارق»، وقال ابن الصلاح إلى الجار مُرْفَأ السفن بساحل المدينة. والمرفأ بضم الميم، وإسكان الراء المهملة، وفتح الفاء، مهموز مقصور. قال في «الصحاح»: أرفأتُ السفينة إذا قَرَّبَتُها من الشط، قال: وذلك ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) أي: والجاري. (¬3) كذا، والأنسب: فقيل.

الموضع مُرْفَأ، وقال الذهبي في «المشتبه» الجار موضع بالمدينة. وقوله: «في النَّسَب» (خ) من ذلك «الهمْدَاني» بإسكان الميم، وبالدال المهملة. وبفتحها وبالذال المعجمة (¬1). فالأول المنسوبون إلى قبيلة هَمْدَان، وهو جميع ما في الكتب الثلاثة. قال ابن الصلاح: «وليس فيهما الهَمَذَاني» يعني: بفتح الميم، وبالذال المعجمة. قال صاحب «المشارق»: لكن فيها من هو من مدينة هَمَذَان ببلاد الجيل غير منسوب، نعم في البخاري ومسلم: ابن سالم الهَمْداني، وضبطه الأصيلي بسكون الميم بخط يده، وهو الصحيح. قال: ووجدته في بعض النسخ للنسفي بفتح الميم، وبذال معجمة، وهو وهم، وإنما [163 - أ] نَسَبُهُ نَهْدي، ويعرف بالجُهَني، لأنه كان نازلاً فيهم. والثاني: أبو أحمد المَرَّار بن حَمُّويه، يقال إن البخاري حدث عنه أبي غسان في كتاب «الشروط» قاله الجيَّاني. قال شيخنا (¬2): ليس في جميع نسخ البخاري ذِكْرُ نسبه، والذي في أكثر الروايات: أبو أحمد، لم يَزِد على كنيته، وفي رواية أبي ثنا [ذر] (¬3): أبو أحمد ¬

(¬1) أي: الهَمَذاني. (¬2) (2/ 257). (¬3) زيادة من المصدر.

مَرَّار بن حَمُّويه عن أبي غسان محمد بن يحيى كرواية البخاري (¬1). وقيل إن أبا أحمد غير المَرَّار، والله تعالى أعلم. وقوله: «قِدْماً» (خ) يعني أن الهَمْدَاني في المتقدمين بسكون الميم أكثر، وبفتحها في المتأخرين أكثر. وقوله: «مُطْلَقاً» أي: لا يتقيد بالكتب الثلاثة. وخرج عن الغالب: أبو العباس أحمد بن سعيد بن عُقدة الهَمْدَاني فإنه متأخِّر، وأبو الفضل محمد بن محمد بن عطاف الهمداني بعد الخمسمائة، وجعفر بن علي الهَمْدَاني، وعلي بن عبد الصمد السخاوي الهمداني، وأبو إسحاق بن أبي الدم الهمداني قاضي حَماة، وجماعة ذكرهم في الشرح (¬2)، والله تعالى أعلم. ¬

(¬1) عبارة الناظم (2/ 257): وفي رواية أبي ذر: حدثنا أبو أحمد مَرَّار بن حَمُّويه، ويؤكد أنه المرار بن حمويه: أن موسى بن هارون الحمال روى هذا الحديث عن مرار بن حمويه، عن أبي غسان محمد بن يحيى كرواية البخاري. (¬2) (2/ 257).

المتفق والمفترق

المتفق والمفترق قوله: 926 - وَلَهُمُ الْمُتَّفِقُ الْمُفْتَرِقُ ... مَا لَفْظُهُ وَخَطُّهُ مُتَّفِقُ 927 - لَكِنْ مُسَمَّيَاتُهُ لِعِدَّةِ ... نَحْوَ ابْنِ أحْمَدَ الْخَلِيْلِ سِتَّة الشرح: من أنواع الحديث «المتفق والمفترق»، وهو: ما اتفق خطَّه ولفظُه، وافترق مسمياته. وأفرده الخطيب بمؤلَّف نفيس فاتَه فيه بعض تراجم. وهو أقسام ثمانية: الأول: من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم [163 - ب] كالخليل بن أحمد ستة، ذكر الخطيب منهم اسمين فقط أولهم شيخ سيبويه، وهو أبو عبد الرحمن الأزدي البصري النحوي، صاحب العَرُوض، وأول من استخرجه، وصاحب كتاب «العين» في اللُّغة. روى عن عاصم الأحول وجماعة. وثقه ابن حبان في «الثقات». وهو أول من سُمي في الإسلام أحمد بن الخليل بن أحمد (¬1). قال المبرِّد: فتش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا صلى الله عليه وسلم من اسمه أحمد قبل أبي الخليل أحمد. قال شيخنا: واعترض عليه بأبي السفر سعيد بن أحمد فإنه أقدم، وأجيب ¬

(¬1) كذا وقعت العبارة وفيها خطأ ظاهر.

بأن أكثر أهل العلم يقولون فيه «محمد»، وقاله بن معين: «أحمد». والثاني: الخليل بن أحمد المزني، أبو بشر بصري، يروي عن المستنير بن أخضر، روى عنه محمد بن أبي سمينة، والمسندي عبد الله بن محمد، وغيرهما، ذكره أيضاً ابنُ حبان في «الثقات». والثالث: الخليل بن أحمد، بصري أيضاً، يروي عن عكرمة، ذكره الهروي أبو الفضل في «مشتبه أسماء المحدثين» فيما حكاه صاحب «التلقيح» ابن الجوزي عن خط شيخه عبد الوهاب الأنماطي عنه. قال شيخنا (ن) (¬1): وأخشى أن يكون هذا النَّحْوي؛ فإنه روي عن غير واحدٍ من التابعين. والرابع: أبو سعيد السِّجْزي الفقيه الحنفي، قاضي سَمَرْقند، حدث عن البغوي، وسمع منه الحاكم. والخامس: أبو سعيد البُستي القاضي المهلَّبي، حدث عنه البيهقي. والسادس: الفقيه أبو سعيد الشافعي، ذكره الحُميدي في «الجذوة»، وابن بشكوال في «الصلة»، وقال: قَدِمَ [164 - أ] الأندلس من العراق في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وروى عن أبي محمد بن النحاس بمصر، وأبي حامد الإسفرائيني، وابن القصار، والجوهري أبي القاسم [ذكره الخولاني] (¬2)، وقال: كان أديباً نبيلاً ثبتاً صدوقاً، وذكر عنه بسنده إلى أبي بكر الهذلي، قال: سمعت ¬

(¬1) (2/ 260). (¬2) زيادة من «الصلة».

الزهري يتمثل بهذين البيتين: النفس هاربة والموت يطلبها ... وكل عثرة رجل عندها زللُ والمرء يسعى بما يسعى لوارثه ... والقبر وارث ما يسعى له الرجل انتهى. قال شيخنا: ووهم ابن الصلاح فأدخل الخليل بن محمد الأصبهاني، وزعم أنه ابن أحمد تبعاً لابن الجوزي، وأبي الفضل الهروي، فلذلك أسقطه (ن)، وجعل مكانه في (ش) (¬1) البصري الراوي عن عكرمة، وزاد (ن)، علي بن الصلاح في (ش) وهم (¬2): البغدادي، والشاعر المصري (¬3)، والجوسقي الصرصري. وقوله: 928 - وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَجَدُّهُ ... حَمْدَانُ هُمْ أَرْبَعَةٌ تَعُدُّهُ الشرح: من القسم الثاني، وهو: من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم، مثل أحمد بن جعفر بن حمدان، وهم أربعة متعاصرون، كلٌّ منهم يروي عن من اسمه عبد الله. الأول: القطيعي أبو بكر، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل «المسند». والثاني: أبو بكر السَّقَطي، عن عبد الله بن أحمد الدَّوْرَقي، وجاوز المائة. ¬

(¬1) (2/ 261). (¬2) أي: والذين زادهم هم ... (¬3) في الأصل: البصري. خطأ، والتصحيح من المصدر.

والثالث: الدِّيْنَوَري، عن عبد الله بن محمد بن سنان. والرابع: الطَّرَسوسي، عن عبد الله بن جبير (¬1) الطَّرَسوسي. وقوله: [164 - ب] 929 - وَلَهُمُ الجَوْنيْ أَبُوْ عِمْرانَا ... اثْنَانِ والآخِرُ مِنْ بَغْدَانَا الشرح: القسم الثالث من اتفق (¬2) كنيتهم ونسبتهم دون الاسم، مثل: أبي عمران الجوني اثنان: عبد الملك التابعي البصري المشهور. وأبو عمران موسى بن سهل البصري، متأخر الطبقة سكن بغداد، و «بغدان» بالنون لغة فيه. وقوله: 930 - كَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ... هُمَا مِنَ الأَنْصَارِ ذُوْ اشْتِبَاه الشرح: القسم الرابع من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم، ونسبتهم. مثل: محمد بن عبد الله الأنصاري، رجلان متقاربان في الطبقة، وهما: القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك من شيوخ البخاري، وصاحب الجزء المشهور. وأبو سلمة محمد، ضعفه العقيلي، والحاكم، وابن حبان، وغيرهم، وجاوز المائة. ¬

(¬1) في المصدر: جابر. (¬2) كذا.

وقوله: 931 - ثُمَّ أَبُوْ بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ لَهُمْ ... ثَلاَثَةٌ قَدْ بَيَّنُوا مَحَلَّهُمْ الشرح: القسم الخامس: من اتفقت كناهم، وأسماء آبائهم، وهم: أبو بكر بن عياش ثلاثة: الأول: ابن سالم الأسدي المقري، راوي قراءة عاصم. والثاني: الحمصي، ولم يوثق. والثالث: السُّلَمي، واسمه حسين، يروي عن جعفر بن بُرْقَان، وكان فاضلاً أديباً، وصنف في غريب الحديث. وقوله: 932 - وَصَالِحٌ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ ... ابْنُ أبي صَالِحٍ أتْبَاعُهُمْ الشرح: القسم السادس عكس الذي قبله: أن تتفق أسماؤهم وكنى [165 - أ] آبائهم، مثل صالح بن أبي صالح، وهم أربعة: الأول: مولى التوأمة، روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وغيرهم من الصحابة، واختلف في الاحتجاج به. والثاني: ابن السمان، يروي عن أنس، روى له (م) و (ت) (¬1) حديثاً واحداً. والثالث: السدوسي، يروي عن عائشة. ¬

(¬1) أي: مسلم والترمذي.

والرابع: مولى عمرو بن حُريث، يروي عن أبي هريرة، وذكر له (ت) حديثاً، ضعفه ابن معين، وجهله (ن) (¬1). وقوله: 933 - وَمِنْهُ مَا فِي اسْمٍ فَقَطْ وَيُشْكِلُ ... كَنَحْوِ حَمَّادٍ إذَا مَا يُهْمَلُ 934 - فَإِنْ يَكُ ابْنُ حَرْبٍ اوْ عَارِمُ قَدْ ... أَأطْلَقَهُ فَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ أَوْ وَرَدْ 935 - عَنِ التَّبُوْذَكِيِّ أَوْ عَفَّانِ ... أَوْ ابْنِ مِنْهَالٍ فَذَاكَ الثَّانِي الشرح: القسم السابع: من اتفق في الاسم والكنية، وافترق عند الإطلاق، فمثاله في الاسم أن يطلق في الإسناد «حماد» من غير أن يُنسب، هل هو ابن زيد أو ابن سلمة؟ ويتميز ذلك بحسب من أَطْلَقَ الرواية عنه، فإن كان الذي أطلق الرواية عنه سُليمان بن حرب أو عارم فهو: ابن زيد، وإن كان أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي فهو ابن سلمة، وكذا إن أطلقه عفان لرواية الذهلي محمد بن يحيى عن عفان أنه قال: إذا قلت لكم حدثنا حماد ولم أنسبه فهو ابن سلمة. وكذا إذا أطلق ذلك حجَّاج بن منهال، فالمراد: ابن سلمة. وقوله: «فذاك الثاني» يعني به حماد بن سلمة، وقيل له الثاني، يعني: في الذِّكر، لتقدم ابن زيد عليه قبله، وإلا فابن سلمة أقدم وفاةً من ابن زيد والتبوذكي [165 - ب]. ¬

(¬1) أي: النسائي.

وقوله: 936 - وَمِنْهُ مَا فِي نَسَبٍ كالْحَنَفِي ... قَبِيْلاً اوْ مَذْهَباً او باليا صِف الشرح: القسم الثامن منه (¬1): أن يتفقا في النسبة خاصة، وهو كثير، ولمحمد بن طاهر المقدسي في هذا القسم تصنيفٌ حسن، مثل: الحنفي والحنفي، فاللفظ واحد، وأحدهما منسوب إلى القبيلة، وهم بنو حنيفة، منهم: أبو بكر عبد الكبير بن عبد المجيد، وأخوه أبو علي عبيد الله، أخرج لهما الشيخان. والثاني: منسوب إلى مذهب أبي حنيفة. وقوله: «أو بالياء صف» يعني: إذا نَسَبْتَ إلى المذهب فزد ياءً، فقل «حنيفي»، تفرقةً بين المذهب والقبيلة، وعلى هذا جماعة من المحدثين، ومنهم محمد بن طاهر المقدسي. قال ابن الصلاح: ولم أجد ذلك عن أحدٍ من النحويين إلا عن أبي بكر بن الأنباري نص عليه في «الكافي». ¬

(¬1) في الأصل: من.

تلخيص المتشابه

تلخيص المتشابه قوله: 937 - وَلَهُمُ قِسْمٌ مِنَ النَّوْعَيْنِ ... مُرَكَّبٌ مُتَّفِقُ الَّلَفظَيْن 938 - فِي الاسْمِ لَكِنَّ أَبَاهُ اخْتَلَفَا ... أَوْ عَكْسُهُ أوْ نَحْوُهُ وَصَنَّفَا 939 - فِيْهِ الْخَطِيبُ نَحْوُ مُوسَى بنِ عليْ ... وَابْنِ عُلَيٍّ وَحَنَانَ الأَسَدِيْ الشرح: هذا النوع مُرَكَّب من النوعين الذي قبله، وهو أن يتفق الاسمان في اللفظ والخط، ويفترقا في الشخص، ويأتلف أسماء أبويهما في الخط، ويختلفان في اللفظ، أو على العكس بأن يأتلف الاسمان خطاً، ويختلفا لفظاً، وتتفق أسماء أبويهما أو نحو ذلك، بأن يتفق الاسمان أو [166 - أ] الكنيتان لفظاً، وما أشبه ذلك (¬1)، وقد أفرد [في] (¬2) ذلك الخطيب كتابه المسمى بـ «تلخيص المتشابه»، وهو من أحْسَن كتبه. وقوله: «نحو موسى» (خ) هذا مثال الأول: وهو موسى بن عَلي، وموسى بن عُلَي، فالأول: بفتح العين مكبراً وهم جماعة متأخرون، ليس في الكتب ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) كذا في الأصل، وإذا كان هذا كلام المصنف ولم يحدث فيه سقط، فهو اختصار مُخِلّ، حيث اقتصر على إيراد أربع صور فقط من الصور الست لهذا النوع التي ذكرها الناظم في الشرح، وبعض ما سيأتي من أمثلة متعلقٌ بالجزء المحذوف، فكان يلزمه ذكر باقي الصور هنا.

منهم أحدٌ. والثاني: بضم العين مُصَغَّراً ابن رَبَاح اللَّخمي المصري، أمير مصر اشتهر بضم العين، وصحَّحَ البخاري وصاحب «المشارق» الفتح، ورويَ عنه أنه قال من قال لي موسى بن عُلَي لم أجعله في حل. واختلف في سبب تصغيره، فقيل كان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه «عَلي» قتلوه، فبلغ ذلك رباحاً فقال هو عُلَي. وقال ابن حبان في «الثقات»: كان أهل الشام يجعلون كلَّ علي عندهم عُلياً لبغضهم علياً رضي الله تعالى عنه. وقوله: «أو عكسه»، يعني عكس الأول. ومثاله: سُرَيج بن النعمان، وشريح بن النعمان، فالأول: اللؤلؤي البغدادي، روى عنه البخاري، وروى له أصحاب السنن الأربعة. والثاني: الكوفي التابعي له في السنن الأربعة حديث واحد عن علي بن أبي طالب. ومثال الثالث: محمد بن عبد الله المُخَرِّمي ومحمد بن عبد الله المَخْرَمي، فالأول بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، وكسر الراء المشددة، وهو محمد بن عبد الله، قاضي حُلْوان، روى عنه البخاري و (د) و (ن) (¬1). والثاني: بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الراء، محمد بن ¬

(¬1) أي: وأبو داود والنسائي.

عبد الله، وروى عن الشافعي. ومثال الرابع: أبو عمرو الشيباني [166 - ب] بالشين المعجمة، وبالسين المهملة (¬1). فالأول جماعة منهم سعيد بن إياس الكوفي التابعي حديثه في الكتب الستة. والثاني: زُرعة التابعي الشامي، عم الأوزاعي، له عند البخاري في كتاب «الأدب» حديث واحد موقوف على عقبة بن عامر. وقوله: «وحَنَان» (خ)، هذا مثال الخامس، وهو حَنَان الأسدي، وحيان الأسدي، فالأول بفتح الحاء المهملة، وتخفيف النون، وآخره نون، البصري، يروي عن أبي عثمان النهدي حديثاً مرسلاً. والثاني: بتشديد الياء المثناة تحت، وهو أبو الهيَّاج التابعي الكوفي، له في «صحيح مسلم» حديث عن علي في الجنائز. ومثال السادس: أبو الرِّجال الأنصاري وأبو الرَّحَّال الأنصاري، فالأول بكسر الراء، [وتخفيف الجيم، اسمه محمد بن عبد الرحمن مدني، روى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن وغيرها، حديثه في الصحيحين. والثاني: بفتح الراء] (¬2)، وتشديد الحاء المهملة بصري، واسمه محمد بن خالد، روى له (ت) حديثاً واحداً عن أنس، وهو ضعيف. ¬

(¬1) أي: وأبو عمرو السيباني. (¬2) زيادة من المصدر.

المشتبه المقلوب

المشتبه المقلوب قوله: 940 - وَلَهُمُ المُشْتَبَهُ المَقْلُوْبُ ... صَنَّفَ فِيْهِ الحَافِظُ الخَطِيْبُ 941 - كابْنِ يَزِيْدَ الاسْوَدِ الرَّبَّانِيْ ... وَكَابْنِ الاسْوَدِ يَزِيْدَ اثْنَان الشرح: هذا النوع في المتشابهين في الاسم واسم الأب المتمايزين في التقديم والتأخير فيقع الاشتباه فيه ذهناً لا خَطًّا، وذلك أن يكون اسم أحد الراويين كاسم أبي الآخر خطاً ولفظاً، واسم الآخر كاسم أبي الأول، فينقلب على بعض أهل الحديث، كما انقلب على البُخاري ترجمة مسلم بن الوليد المدني، فجعله الوليد بن مسلم [167 - أ] كالوليد بن مسلم الدمشقي المشهور، وخطأه ابن أبي حاتم في كتابه الذي صنفه في خطأ البخاري في «تاريخه» حكاه عن أبيه، وصنف فيه الخطيب «رافع الارتياب عن المقلوب من الأسماء والأنساب». مثاله: الأسود بن يزيد، ويزيد بن الأسود، فالأول النخعي المشهور، وخال إبراهيم النخعي، من كبار التابعين وعلمائهم، حديثه في الستة. والثاني: يزيد بن الأسود الخزاعي، له صحبة، وله في السنن حديث واحد. ويزيد بن الأسود الجُرَشي، تابعي مخضرم، يكنى أبا الأسود، سكن

الشام، واستسقوا به فَسُقوا في الوقت، حتى كادوا لا يبلغون منازلهم. فقوله: «الرباني» هو العالم العامل المعلم. وقال في «الصِّحَاح»: المتأله والعارف بالله. وكان الأسود يصلي كل يوم سبعمائة ركعة، وسافر ثمانين حجة وعمرة من الكوفة لم يجمع بينهما. وقوله: «اثنان» يُريد أن يزيد اثنان، كما قررنا.

من نسب إلى غير أبيه

من نُسِبَ إلى غير أبيه قوله: 942 - وَنَسَبُوا إِلَى سِوَى الآبَاءِ ... إمَّا لأُمٍّ كَبَنِيْ عَفْرَاء 943 - وَجَدَّةٍ نَحْوُ ابنِ مُنْيَةٍ، وَجَدْ ... كَابْنِ جُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٍ وَقَدْ 944 - يُنْسَبُ كَالمِقْدَادِ بالتَّبَنِّيْ ... فَلَيْسَ للأَسْوَدِ أَصْلاً بِابْن الشرح: هذا النوع فيمن نُسِبَ إلى غير أبيه، وهو أنواع: الأول: من نُسِبَ لأمه كبني عَفْرَاء: معاذ، ومُعَوِّذ، وعَوْذ بالذال المعجة، أو بالفاء (¬1)، وعفراء أمهم بنت عبيد بن ثعلبة من بني النجار، وأبوهم الحارث بن رفاعة [167 - ب] من بني النجار، وشهد بنو عفراء بدراً، قتل منهم بها اثنان: عوف، ومعوذ، وبقي معاذ إلى زمن عثمان، وقيل إلى زمن علي، فقتل بصفين. وفي ذلك من الصحابة: بلال بن حَمَامة. وفي التابعين: محمد بن الحنفية. وصنف فيه الحافظ علاء الدين مغلطاي تصنيفاً حسناً. ¬

(¬1) أي: عوف.

قال شيخنا (ن) (¬1): هو عندي بخطه في ثلاث وستين ورقة. (و) قوله: «وجَدَّه» القسم الثاني: من نُسب إلى جَدَّتِه، دنيا كانت أو عُليا كيعلى بن مُنْيَة الصحابي المشهور، اسم أبيه أمية، و «مُنْيَة» بضم الميم، وإسكان النون، وفتح المثناة تحت، وبعده هاء، أم أبيه، وقيل أمه، ورجَّحه المزي، وذكر ابن وضَّاح أن منية أبوه وهو وهم فيما حكاه صاحب «المشارق». ومثال الجدة العليا: بشير بن الخَصَاصية الصَّحابي، واسم أبيه معبدٌ، والخصاصية أُمُّ الثالث من أجداده، وقيل: هي أمه فيما نصه ابن الجوزي في «التلقيح». ومن ذلك ابن تيمية مجد الدين صاحب «المنتقى»، فيقال أن جدته من وادي التَّيْم. (و) قوله: «وجَد» القسم الثالث: مَن نُسِب إلى جده، كأبي عبيدة بن الجَرَّاح عامر بن عبد الله بن الجراح، وحَمَل بنُ النابغة [هو] (¬2) ابن مالك من النابغة. وفيالأئمة: ابن جُرَيج عبد الملك بن العزيز بن جُرَيج. ومثله: ابن الماجشون، وجماعات: كابن أبي ليلى، وأحمد بن حنبل، وأبي بكر بن أبي شيبة، وابن يونس صاحب «تاريخ مصر»، وابن مسكين بمصر اشتهروا ببني مسكين من زمن [168 - أ] النسائي إلى زمننا هذا، وجَدُّهم ¬

(¬1) (2/ 283). (¬2) زيادة من المصدر.

الحارث بن مسكين أحد شيوخ النسائي. وأصل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا (¬1) ابن عبد المطلب». وقول الأعرابي في «الصحيح»: أيكم ابن عبد المطلب (¬2). وقوله: «وقد يُنسب» (خ) القسم الرابع: من نُسِبَ إلى غير أبيه نَسَب تبني ونحوه، كالمقداد بن الأسود، ليس هو بابن الأسود، إنما كان في حجره وتَبَنَّاه فنُسِبَ إليه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة الكندي. ¬

(¬1) في الأصل: «في ابن عبد المطلب». (¬2) وقعت بعد هذا الموضع من الأصل عبارة مقحمة لا تعلق لها بهذا الباب بل بباب معرفة الثقات والضعفاء بيت رقم (984).

المنسوبون إلى خلاف الظاهر

المنسوبون إلى خلاف الظاهر قوله: 945 - وَنَسَبُوا لِعَارِضٍ كَالْبَدْرِيْ ... نَزَلَ بَدْراً عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو 946 - كَذَلِكَ التَّيْمِيْ سُلَيْمَانُ نَزَلْ ... تَيْماً، وَخَالِدٌ بِحَذَّاءٍ جُعِلْ 947 - جُلُوْسُهُ، وَمِقْسَمٌ لَمَّا لَزِمْ ... مَجْلِسَ عَبْدِ اللهِ مَوْلاَهُ وُسِمْ الشرح: هذا النوع وهو أن يُنْسَب الراوي إلى مكان، أو وقعة به، أو قبيلة، أو صنعة، وليس الظاهر تلك النسبة مراداً (¬1) بل لعارض عَرَض [من] (¬2) نزوله ذلك المكان، أو تلك القبيلة، أو نحو ذلك. مثاله: أبو مسعود البدري ليس ببدري (¬3) فنُسب إليها ولم يشهد وقعتها عند الأكثرين، وعدَّهُ البخاري [168 - أ] ممن شهدها، وروى في «صحيحه» حديث عروة بن الزبير: «أخَّرَ المغيرة بن شعبة ... » الحديث. وقوله: «كذلك» من ذلك أيضاًَ سليمان التيمي، نزل فيهم وليس منهم. ¬

(¬1) كذا، ولعل صوابها: وليس ظاهر تلك النسبة مراداً. وعبارة الناظم (2/ 285): وليس الظاهر الذي يسبق إلى الفهم من تلك النسبة مراداً. (¬2) زيادة من المصدر. (¬3) في الأصل: ليس ببدر.

وقوله: «وخالد» (خ) يعني: أنه يقرب من ذلك خالد الحذَّاء، وهو خالد بن مهران، واختُلف في سبب انتسابه لذلك، فقيل -كما نَصَّهُ البخاري في «التاريخ» -: ما حذا نَعْلاً قط، إنما كان يجلس إلى حذَّاء فنسب إليه. قلت: والحذاء: بفتح الحاء المهملة، وتشديد الذال المعجمة، أظنه ممدود، انتهى. وقوله: «ومِقْسَم» (خ) يعني ومن ذلك: مقسم مولى ابن عباس، هو مولى عبيد الله بن الحارث ونسب إلى ابن عباس لملازمته إياه.

المبهمات

المبهمات قوله: 948 - وَمُبْهَمُ الْرُّوَاةِ مَا لَمْ يُسْمَى ... كَامْرَأَةٍ فِي الْحَيْضِ وَهْيَ أَسْمَا 949 - وَمَنْ رَقَى سَيِّدَ ذَاكَ الحَيِّ ... رَاقٍ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيّ 950 - وَمِنْهُ نَحْوُ ابْنِ فُلاَنٍ، عَمِّهِ ... عَمَّتِهِ، زَوْجَتِهِ، ابْنِ أُمِّه الشرح: من أنواع الحديث: مَعْرِفَة الأسماء المبهمة في الحديث، أو الإسناد، من الرجال والنساء، وصنف فيه جماعة من الحفاظ، ومنهم عبد الغني، والخطيب، [وأبو القاسم] (¬1) ابن بشكوال، وهو أكبر كتاب فيه، جَمَعَ فيه ثلاثمائة حديث [و] (¬2) واحداً وعشرين حديثاً، ولم يرتب، ورتب الخطيب كتابه على الحروف في الشخص المبهم، وجملةُ ما فيه مائة وأحد وسبعون حديثاً اختصره [169 - أ] النووي ورتبه على الحروف في راوي الحديث، وهو أسهل للكشف، وزاد فيه بعض أسماء، وهذا النوع يعرف بوروده مسمىً في بعض الروايات، أو بتنصيص أهل السير على كثير منهم، وهو أقسام: الأول: أبهمها رجل أو امرأة، ومنه: حديث عائشة: «أن امرأة سألت النبي ¬

(¬1) العبارة في الأصل: وهو ابن بشكوال. خطأ، والتصحيح من المصدر. (¬2) العبارة في الأصل: ثلاثمائة حديث من واحداً وعشرين حديثاً. خطأ، والتصحيح من المصدر.

صلى الله عليه وسلم عن غسلها من الحيض فقال: حدي» الحديث. فهذه المرأة اسمها أسماء، والحجة في ذلك سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الحيض الحديث. واختلف من صنف المبهمات في أسماء هذه فقال الخطيب: هي بنت يزيد بن السكن الأنصارية. وقال ابن بشكوال: بنت شكل، وصوبه شيخنا (ن) لما ثبت ذلك في بعض طرق الحديث. وفي مسلم قال النووي في «مختصر المبهمات»: ويجوز أن تكون القصة جرت للمرأتين في مجلس أو مجلسين. وقوله: «ومن رقي» (خ) يعني: أن من ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب ... الحديث، وفيه: «فقال رجلٌ منهم: نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ الرجل». فقال الخطيب: الراقي أبو سعيد الخدري راوي الحديث، وتبعه ابن الصلاح. قال شيخنا (ن): وفيه نظر إذ في بعض طرقه عند مسلم من حديث أبي سعيد فقام معها رجل منا يحسنُ رقيةً فقلنا: أكنت تحسن رقيه فقال: ما رقيته إلا بفاتحة [169 - ب] الكتاب، وهذا ظاهر في أنه غيره، إلا أن يقال وقع ذلك مرتين مرة له ومرة لغيره.

وقوله: «ومنه» (خ) من ذلك أيضاً: ابن فلان مبهم، كرواية أصحاب السنن الأربعة من حديث يزيد بن شيبان، قال: أتانا ابن مِرْبَع الأنصاري، ونحن بعرفة، فقال: إني رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، فقوله: ابن مربع: بكسر الميم، وإسكان الراء، وبعده موحدة مفتوحة، فعين مهملة، هو يزيد أو زيد أو عبد الله خلاف. وقوله: «عمِّه» (خ) من ذلك: عم فلان، كرواية (ن) (¬1) من رواية علي بن يحيى بن خَلَّاد عن أبيه، عن عَمٍّ له بدري، في حديث المسيء صلاته، العم هو رفاعة بن رافع الزرقي، كما وقع ذلك مُصَرَّحاً في سنن (د) وغيرها. وفي الصحيح حديث رافع بن خَديج عن بعض عمومته في النهي عن المخابرة، واسمه ظُهَيْر. وقوله: «عَمَّتِهِ» مثاله ما رواه (ن) من رواية حصين بن مِحْصَن عن عَمَّةٍ له أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة ... الحديث، اسم عمته هذه أسماء فيما نَصَّهُ ابن السكن، والأمير، وابن بشكوال. وقوله: «زوجته» مثاله: حديث عقبة بن الحارث، قال: تزوجت امرأةً فجاءتنا امرأةٌ سوداء ... الحديث. فقال ابن بشكوال: هي غُنية بنت أبي إهاب. وقوله: «ابن أمه» مثاله: حديث أم هاني أنها قالت: زعم ابن أمي ... الحديث، ابن أمها: علي بن أبي طالب، كما صُرِّح بذلك في رواية مالك في «الموطأ». ¬

(¬1) أي: النسائي.

تأريخ الرواة والوفيات

تأريخ الرواة والوفيات قوله: [170 - أ] 951 - وَوَضَعُوا التَّارِيْخَ لَمَّا كَذَبَا ... ذَوُوْهُ حَتَّى بَانَ لَمَّا حُسِبَا 952 - فَاسْتَكْمَلَ النَّبِيُّ والصِّدِّيْقُ ... كَذَا عَلِيٌّ وَكَذَا الفَارُوْقُ 953 - ثَلاَثَةَ الأَعْوَامِ والسِّتِّينَا ... وَفِي رَبِيْعٍ قَدْ قَضَى يَقِيْنَا 954 - سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةٍ، وَقُبِضَا ... عَامَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ التَّالِي الرِّضَى 955 - وَلِثَلاَثٍ بَعْدَ عِشْرِيْنَ عُمَرْ ... وَخَمْسَةٍ بَعْدَ ثَلاَثِيْنَ غَدَرْ 956 - عَادٍ بِعُثْمَانَ، كَذَاكَ بِعَلِيْ ... فِي الأرْبَعِيْنَ ذُوْ الشَّقَاءِ الأزَلِيْ الشرح: هذا النوع فنٌّ مهمٌّ في علوم الحديث، به يُعْرَف اتصال الحديث وانقطاعه، وادَّعَى قومٌ روايةً عن أُناس، فَنُظِرَ في التاريخ، فَظَهَرَ أنهم زعموا الرواية عنهم بعد سنين (¬1)، كإبراهيم بن يزيد في روايته عن الأوزاعي (¬2). قال الثوري (¬3): «فلما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ». وعن حفص بن غياث القاضي: «إذا اتهمتم الشيخُ فحاسبوه بالسِّنَّيْن -بفتح ¬

(¬1) كذا، ويظهر أن صواب العبارة: بعد سنين من وفاتهم. (¬2) كذا، ولم يُمَثِّل الناظم بهذا. (¬3) في الأصل: النووي. خطأ.

النون المشددة، تثنية، سنٍ وهو العمر- يريد: احسبوا سِنَّهُ وسِنَّ من كَتَبَ عنه. وعن الحميدي أبي عبد الله قال: ثلاثة أشياء من علم الحديث يجب تقديم العناية بها: العلل، وأحسن مصنَّف فيها الدارقطني، والمؤتلف، وأحسن كتاب فيه كتاب الأمير، ووفيات الشيوخ وليس فيه كتاب يستوعبه، وصنف فيه ابن زَبْر وابن قانع، وذَيَّلَ قومٌ على ابن زَبْر إلى زمننا، فذيل عليه الحافظ الكتاني عبد العزيز، وعلى الكتاني الأكفانيُّ أبو محمد هبة الله ذيلاً [170 - ب] صغيراً، وعلى الأكفاني الحافظ ابن المفضل، وعليه المنذري ذيلاً كبيراً مفيداً، وعليه الشريف عز الدين بن الحسيني، وعليه بن أَيْبَك الدمياطي إلى الطاعون، سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وعليه شيخنا (ن). وأول من وَضَعَ التاريخ الإسلامي الهجري عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سنة ست عشرة أو سنة عشرين. وقوله: «ذَوُوهُ» يعني: الكذب. وقوله: «فاستكمل النبيُّ» (خ) يعني أن سِنَّ سيدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسن أبي بكر، وعُمَر، وعَلي، ثلاث وستون سنة، وهذا هو الصحيح من خلافٍ أُشير إليه في (ش) (¬1) وفي غيره. وقوله: «وفي ربيع» (خ) يعني أن تاريح وفياتهم: أنه صلى الله عليه وسلم توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، ولا خلاف بين أهل السير في الشهر، ولا خلاف أنه كان يوم الاثنين، ضُحى. ¬

(¬1) (2/ 296).

وقوله: «وقُبِضاً» (خ) يعني: أنه تُوِفِّى الصديق أبو بكر سنة ثلاث عشرة في جمادى الأولى في قول الواقدي وغيره، وقيل غير ذلك، وتوفي عُمَر في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. وقوله: «وخمسةٍ» (خ) يعني: وتوفي عثمان رضي الله تعالى عنه مقتولاً شهيداً سنة خمس وثلاثين، في ذي الحجة، يوم الجمعة، الثامن عشر منه، وادعى ابن ناصر الإجماع عليه. قال شيخنا (ن) (¬1): وليس بجيد، فقد قيل إنه يوم التروية لثمان خلت منه. وقوله: «غَدَر» (خ) يعني: أن قاتله عادٍ، واختلف فيه فقيل: جبلة، وقيل: سودان، وقيل: رومان [171 - أ]، وقيل: غير ذاك. وقوله: «كذاك بعلى» (خ) يعني: وتُوفي علي رضي الله تعالى عنه مقتولاً شهيداً، من شهر رمضان، سنة أربعين، وقتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي، أشقى الآخرين، كما في حديث صهيب. وذكر (ن) (¬2) من حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعل أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا -ووضعَ يده على رأسه- حتى تخضب هذه -يعني لحيته-». ¬

(¬1) (2/ 303). (¬2) (2/ 305).

وقوله: 957 - وَطَلْحَةٌ مَعَ الزُّبَيْرِ جُمِعَا ... سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ مَعَا الشرح: يعني أنه توفي طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، في سنة واحدة، سنة ست وثلاثين، في شهر واحد، في يوم واحد، كلاهما في وقعة الجمل لعشر خلون من جمادى الآخرة. وقوله: 958 - وَعَامَ خَمْسَةٍ وَخَمْسِيْنَ قَضَى ... سَعْدٌ، وقَبْلَهُ سَعِيْدٌ فَمَضَى 959 - سَنَةَ إحْدَى بَعْدَ خَمْسِيْنَ وَفِي ... عَامِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ تَفِي 960 - قَضى ابْنُ عَوْفٍ، والأَمِيْنُ سَبَقَهْ ... عَامَ ثَمَانِي عَشْرَةٍ مُحَقَّقَهْ الشرح: توفي سعد بن أبي وقاص سنة خمس وخمسين، وشهره المزِّي (¬1). وتوفي سعيد بن زيد سنة إحدى، شهد سعد جنازته، ونزل في حُفْرَته. وقوله: «وفي عام» (خ) وتوفي عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين. وقوله: «الأمين» (خ) توفي أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، واسمه عامر، سنة ثماني عشرة [171 - ب] في طاعون عمواس. وقوله: 961 - وَعَاشَ حَسَّانُ كَذَا حَكِيْمُ ... عِشْرِيْنَ بَعْدَ مِائَةٍ تَقُوْمُ ¬

(¬1) أي ذكر أن هذا هو المشهور.

962 - سِتُّوْنَ فِي الإِسْلاَمِ ثُمَّ حَضَرَتْ ... سَنَةَ أرْبَعٍ وَخَمْسِيْنَ خَلَتْ 963 - وَفَوْقَ حَسَّانَ ثَلاَثَةٌ، كَذَا ... عَاشُوْا، وَمَا لِغَيْرِهِمْ يُعْرَفُ ذَا 964 - قُلْتُ: حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ العُزَّى ... مَعَ ابْنِ يَرْبُوْعٍ سَعِيْدٍ يُعْزَى 965 - هَذَانِ مَعْ حَمْنَنَ وابْنُ نَوْفَلِ ... كُلٌّ إلى وَصْفٍ حَكِيْمٍ فَاحْمِل 966 - وفِي الصِّحَابِ سِتَّةٌ قَدْ عَمَّرُوا ... كَذَاكَ في المُعَمِّرِيْنِ ذُكِرُوا الشرح: ذكر في هذه الأبيات مَنْ عاش من الصحابة مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، وهما شَخْصان: حكيم بن حِزام، وحَسَّان بن ثابت بن المنذر. وقوله: «سنة أربعٍ» (خ) يعني أنهما ماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين. وقوله: «ثلاثة» (خ) يعني أن ثلاثة فوق حسان عاشوا مائة وعشرين سنة: أبوه ثابت، والمنذر أبوه، وحَرَام أبوه. قال أبو نعيم: ولا يعرف في العرب مثل ذلك لغيرهم. وقوله: «قلت» يعني أن شيخنا (ن) (¬1) زاد علي بن الصلاح أربعة اشتركوا معهما في ذلك، فصاروا سِتَّة يشتركون في هذا الوصف. فالأول: حسان بن ثابت الأنصاري، فعاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، وقيل: إن أباه وجده وقع لهم أن عاشوا مائة وعشرين سنة. ¬

(¬1) (2/ 311 - 313).

والثاني: [172 - أ] حكيم بن حزام بن خويلد، بن أخي خديجة بنت خويلد، أسلم في الفتح، وعاش ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، فيما نَصَّهُ البخاري. والثالث: حُوَيطب بن عبد العُزَّى القرشي العامري من مُسْلِمَة الفتح، فروى الواقديُّ عن إبراهيم بن جعفر بن محمود، عن أبيه، قال: كان حُويطب قد بلغ عشرين ومائة سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام. والرابع: سعيد بن يربوع القرشي، من مسلمة الفتح. والخامس: حَمْنَن بن عوف القرشي الزهري، أخو عبد الرحمن بن عوف، وحمنن: بفتح الحاء المهملة، وإسكان الميم، وبعده نون مفتوحة، فنون. قال الدارقطني في كتاب «الأخوة والأخوات»: أسلم، ولم يهاجر إلى المدينة، وعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة. والسادس: مخرمة بن نَوْفَل القرشي الزهري، والد المِسْوَر بن مخرمة، من مُسْلِمَة الفتح، عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، جزم بذلك ابن منده في جزء جمع فيه من عاش مائة وعشرين من الصحابة. وقوله: «وفي الصحاب» (خ) يعني ابن مندة، فذكر في هذا الجزء جماعة أُخر من الصحابة عاشوا مائة وعشرين، لكن لم يُعْلم كون نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام، لتقدم وفاتهم على المذكورين، أو تأخرها، أو عدم معرفة التاريخ لموتهم، وهم ستة كما قال.

الأول: عاصم بن عدي العجلاني، صاحب عويمر العجلاني في قصة اللِّعان [172 - ب]. والثاني: المنتجع جَدُّ ناجية. والثالث: اللَّجْلَاج العامري. والرابع: سعد بن جُنادة العوفي الأنصاري. والخامس: عدي بن حاتم الطائي. والسادس: نافع أبو سليمان العبدي. وقوله: 967 - وَقُبِضَ الثَّوْرِيُّ عَامَ إحْدَى ... مِنْ بَعْدِ سِتِّيْنَ وَقَرْنٍ عُدَّا 968 - وَبَعْدُ في تِسْعٍ تَلِي سَبْعِيْنَا ... وَفَاةُ مَالِكٍ، وَفي الخَمْسِيْنَا 969 - وَمِائَةٍ أَبُو حَنِيْفَةٍ قَضَى ... والشَّافِعِيُّ بَعْدَ قَرْنَيْنِ مَضَى 970 - لأَرْبَعٍ ثُمَّ قَضَى مَأمُوْنَا ... أحْمَدُ في إحْدَى وأَرْبَعِيْنَا الشرح: ذكر أصحاب المذاهب الخمسة، فقد كان سفيان الثوري معدوداً فيهم، قَلَّدَهُ جماعة إلى بعد القرن الخامس، وممن ذَكَرَهُ معهم الغزالي في «الإحياء»، فتوفى أبو عبد الله سفيان الثوري سنة إحدى وستين ومائة بالبصرة، فيما نصه الطيالسي أبو داود، وابن معين، وابن سعد، مدعياً الاتفاق عليه، وقيل غير ذلك. وقوله: «وبَعْدُ» (خ) يعني أنه توفي مالك بن أنس بالمدينة سنة تسع

وسبعين ومائة، فيما نصه الواقدي وغيره، ومولده سنة تسعين وقيل غير ذلك. وقوله: «وفي الخمسينا» (خ) يعني أنه توفي أبو حنيفة سنة خمسين ومائة -وهو المحفوظ- ببغداد، ومولده سنة ثمانين. وقوله: «والشافعي» (خ) يعني أنه توفي الشافعي سنة أربع ومائتين، آخر يوم من رجب، وقيل غير ذلك، ومولده [173 - أ] سنة خمسين ومائة، فعاش أربعاً وخمسين سنة. وقوله: «ثم قضى» (خ) يعني أنه توفي الإمام أحمد ببغداد أيضاً، سنة إحدى وأربعين ومائتين على الصحيح المشهور، وفي الشهر الذي مات فيه خلاف، ومولده في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة. وقوله: 971 - ثُمَّ البُخَارِيْ لَيْلَةَ الفِطْرِ لَدَى ... سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ بِخَرْتَنْكَ رَدَى 972 - وَمُسْلِمٌ سَنَةَ إحْدَى في رَجَبْ ... مِنْ بَعْدِ قَرْنَيْنِ وَسِتِّيْنَ ذَهَبْ 973 - ثُمَّ لِخَمْسٍ بَعْدَ سَبْعِيْنَ أبُو ... دَاوُدَ، ثُمَّ التِّرْمِذِيُّ يَعْقُبُ 974 - سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَهَا وَذُو نَسَا ... رَابِعَ قَرْنٍ لِثَلاَثٍ رُفِسَا الشرح: ذكر أصحاب الكتب الخمسة، فذكر أن البخاري توفي ليلة السبت، عند صلاة العشاء، ليلة الفطر، سنة ست وخمسين، ومولده يوم الجمعة، بعد الصلاة، لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال، سنة أربع وتسعين ومائة، وكانت وفاته بخَرْتَنْك.

وقوله: «ومسلم» (خ) يعني: أن مسلماً توفي عَشِيَّة يوم الأحد من رجب، سنة إحدى وستين ومائتين، وفي سِنِّهِ خلاف، فقيل: خمس وخمسون، وبه جزم ابن الصلاح، وقيل: ستون وبه جزم الذهبي في «العبر». وقوله: «ثم لخمس» (خ) يعني: أن أبا داود توفي بالبصرة يوم الجمعة، سادس عشر شوال، سنة خمس وسبعين ومائتين. وقوله: «ثم الترمذي» يعني: أن الترمذي توفي ليلة الاثنين، لثلاث عشرة [173 - ب] ليلة مَضَت من رجب، سنة تسع وسبعين ومائتين. وقوله: «وذو نَسَا» (خ) يعني: أن النسائي توفي بفلسطين في صفر سنة ثلاث وثلاثمائة، ودُفِنَ ببيت المقدس، وذكر أبو عبد الله بن مندة عن مشائخه أنه مات بمكة. فقوله: «بِخَرْتَنْك»: هو بفتح الخاء المعجمة، وإسكان الراء المهملة، وفتح المثناة فوق، وبعده نون ساكنة، فكاف، وذكر ابن دقيق العيد في «شرح الإلمام» أنها بكسر الخاء والمعروف فتحها، وكذا ذكر السمعاني. وما ذُكِرَ أنه مات بها هو المعروف الذي جزم به السمعاني وغيره، وذكر ابن يونس في «تاريخ الغُرباء» أنه مات بمصر بعد الخمسين ومائتين. قال شيخنا (ن) (¬1): ولم أره لغيره والظاهر أنه وهم، انتهى. وخرتنك: قرية بقرب سمرقند. ¬

(¬1) (2/ 319).

وقوله: «رَدَى». قلت: هو بفتح الراء، والدال المهملتين، أي: ذَهَب، ويقال فيه بمعنى الهلاك بكسر الدال. وقوله: «نَسَا».قلت: هو بفتح النون من كور نيسابور، وقيل من أرض فارس، والقياس النَّسَوي. وقوله: «رُفِسَا». قلت: هو بضم الراء المهملة، وكسر الفاء، وبعده سين مهملة، معناه: أن سبب موته فيما حكاه ابن منده عن مشائخه أنه سُئِل بدمشق عن معاوية، وما روي عن فضائله؟ فقال: ألا يرضى معاوية رأساً برأسٍ حتى يُفَضَّل، فما زالوا يرفسونه في خصييه حتى أُخرج من المسجد ثم حمل إلى مكة ومات بها، وذكر [174 - أ] الدارقطني أن ذلك بالرملة، وعاش ثمانياً وثمانين سنة. وأما ابن ماجه فأغفله (ن) تبعاً لابن الصلاح، وهو في سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وقيل غير ذلك، على ما أشرنا إليه في كتابنا «التيسير والتقريب مختصر الترغيب والترهيب» للمنذري، نفع الله تعالى به. وقوله: 975 - ثُمَّ لِخَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ تَفِي ... الدَّارَقُطْنِيْ، ثُمَّتَ الحَاكِمُ فِيْ 976 - خَامِسِ قَرْنٍ عَامَ خَمْسَةٍ فَنِي ... وَبَعْدَهُ بِأرْبَعٍ عَبْدُ الغَنِيْ 977 - فَفِي الثَّلاَثِيْنَ: أبُوْ نُعَيْمِ ... وَلِثَمَانٍ بَيْهَقِيُّ القَوْم 978 - مِنْ بَعْدِ خَمْسِيْنَ وَبَعْدَ خَمْسَةِ ... خَطِيْبُهُمْ والنَّمَرِيْ في سَنَة الشرح: ذكر أصحاب التصانيف بعد الكتب الخمسة، قال ابن الصلاح:

وهم سبعة أحسنوا التصنيف بعدهم فانتُفِع بها، وهم: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، توفي بها يوم الأربعاء، لثمان خلون من ذي القعدة، سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، فعاش ثمانين سنة. ثم الحاكم أبو عبد الله صاحب «المستدرك»، توفي سنة خمس وأربعمائة. ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد المصري، توفي لسبع خلون من صفر، سنة تسع وأربعمائة. ثم أبو نعيم أحمد الأصبهاني صاحب «الحلية»، توفي بكرة يوم الاثنين، العشرون من المحرم، سنة ثلاث وأربعمائة. ثم أبو بكر أحمد البيهقي، توفي بنيسابور، عاشر جمادى الأولى، سنة [174 - ب] ثمان وخمسين وأربعمائة، ونُقِلَ تابوته إلى بيهق سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. ثم الخطيب أبو بكر أحمد البغدادي، توفي بها في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وقيل غير ذلك. وقوله: «والنمري» (خ) يعني: أن الحافظ ابن عبد البر توفي في السنة التي توفي بها الخطيب بشاطبة من الأندليس، عن خمس وتسعين سنة. فقوله: «بيهقي القوم». قلت: البيهقي: نسبةً إلى بَيْهَق بفتح الباء الموحدة، وسكون الياء المثناة تحت، وبعده هاء مفتوحة، فقاف، وهي قُرَى مجتمعة بنواحي نيسابور، على عشرين فرسخاً منها، وكانت قصبتها خسروجرد، فصارت سبزور، انتهى.

وقوله: «والنَّمَري». قلت: بفتح النون، والميم، نسبةً إلى النَّمِر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دُعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، وإلى النمر بن عثمان بن نضر (¬1) بن زهران بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن مالك بن نضر (¬2) بن الأزد، وإلى النمر بن ثعلب بن حلوان بن عمران ... (¬3) بن قضاعة، وهذه النسبة من شواذ النسب التي تحفظ ولا يُقاس عليها، ومن ذلك النسبة إلى أُمَية بضم الهمزة: أموي بفتحها. انتهى. ¬

(¬1) كذا، وفي «أنساب» السمعاني (5/ 525) وغيره من كتب الأنساب: نصر. (¬2) كذا، وفي كتب الأنساب: نصر. (¬3) بياض في الأصل.

معرفة الثقات والضعفاء

معرفة الثقات والضعفاء قوله: 979 - وَاعْنِ بِعِلْمِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ ... فَإِنَّهُ المَرْقَاةُ لِلتَّفْضِيْل 980 - بَيْنَ الصَّحِيْحِ وَالسَّقِيْمِ وَاحْذَرِ ... مِنْ غَرَضٍ، فَالجَرْحُ أَيُّ خَطَرِ [175 - أ] 981 - وَمَعَ ذَا فَالنُّصْحُ حَقٌّ وَلَقَدْ ... أَحْسَنَ يَحْيَى فِي جَوَابِهِ وَسَدْ 982 - لأَنْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ لِي أَحَبْ ... مِنْ كَوْنِ خَصْمِي المُصْطَفَى إذْ لَمْ أَذُبْ 983 - وَرُبَّمَا رُدَّ كَلاَمُ الجَارِحِ ... كَالنَّسَئِي فِي أَحْمَدَ بنِ صَالِح 984 - فَرُبَّمَا كَانَ لِجَرْحٍ مَخْرَجُ ... غَطَّى عَلَيْهِ السُّخْطُ حِيْنَ يُحْرَجُ الشرح: هذا النوع من أَجَلِّ أنواع علوم الحديث، وأهمها، وبه يُعْرَف الصحيح والضعيف، وفيه لِأَئِمَّةِ الحديث تصانيف كثيرة، منها ما أُفرد في الضعفاء، وأفرده البخاري، والنسائي، والعُقَيلي، والساجي، وابن حبان، والدارقطني، والأزدي، وابن عدي، إلا أنه ذكر في كتابه «الكامل» من تُكلم فيه وإن كان ثقة، وتبعه على ذلك الذهبي في «الميزان»، إلا أنه لم يذكر أحداً من الصحابة والأئمة المتبوعين، وفاته جماعة ذَيَّل عليه بذلك ذيلاً في مجلد شيخُنا (ن). ومنها ما أُفْرِد في الثقات، ولابن حبان، وابن شاهين، وابن أيبك السَّرُوجي

من المتأخرين فيه مصنف. ومنها ما جُمع فيه بين الثقات والضعفاء، كـ «تاريخ البخاري» و «تاريخ ابن أبي خيثمة» وهو كثير الفوائد، و «الطبقات» لابن سعد، و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم. وقوله: «فإنه المرقاة».قلت: المرقاة بفتح الميم، وإسكان الراء المهملة، وبعده قاف، فألف، فهاء تأنيث. قال الجوهري في «الصِّحاح»: والمرقاة بالفتح الدَّرَجة [175 - ب]، ومن كَسَرَهَا شَبَّهها بالآلة التي يعمل بها، ومن فتح قال: هذا موضع يُفْعَل فيه فجعله بفتح الميم، مخالفاً، عن يعقوب، انتهى. وقوله: «واحذَرِ» (خ) يعني: المتصدي إلى ذلك يحذر الغرض في جانب التوثيق والجرح فالمقام خطر، وأحسن القشيري رحمه الله تعالى في قوله: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحُكَّام. وقوله: «ومع ذا» (خ) يعني: ومع كون الجرح خطر فَتُطلب النصيحة في الدين، وقيل: إن النخشبي قال لأحمد: لا تغتاب العلماء. فقال له أحمد: ويحك هذا نصيحة، وليس غيبة. وقد أوجب اللهُ تعالى الكشفَ والتبيينَ عند خبر الفاسق بقوله: {إن جاءكم فاسق ... الآية} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس أخو العشيرة» وقال: «إن عبد الله رجلٌ صالح».

وقوله: «ولقد» (خ) يعني: أن يحيى بن سعيد القطان أحسن إذ قال له أبو بكر بن خَلَّاد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركتَ حديثَهم خصماءَك عند الله تعالى يوم القيامة؟ فقال: لأن يكونوا خصمائي، أحب إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لي: لِمَ لَمْ تَذُب الكذبَ عن حديثي؟ وقوله: «إذ لم أَذُب». قلت: هو بفتح الهمزة، وضم الذال المعجمة، وبعده باء موحدة، مِنْ ذَبَبْتُ عنه إذا منعته ودفعته، ومنه المَذَبّ لما يُذَبُّ به الذباب، انتهى. وقوله: «وربما رُدَّ» (خ) يعني [176 - أ]: أن الجارح وإن كان إماماً معتمداً في ذلك فربما أخطأ فيه، كما جَرح النسائي أحمدَ بن صالح المصري بقوله: «غير ثقة ولا مأمون»، وهو ثقةٌ إمامٌ حافظٌ، احتجَّ به البخاريُّ في «صحيحه»، وقال: ثقة، ما رأيت أحداً تكلم فيه بحُجة، وكذا وثقه الرازي، والعجلي، وآخرون. قال الخليلي: اتفق الحفاظ على أن كلام النسائي فيه تحامُل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه. وبيَّن ابنُ عدي سبب كلام النسائي فيه فقال: سمعت محمد بن هارون البرقي يقول: حضرتُ مجلس أحمد، فطرده من مجلسه، فحمله ذلك على أن يتكلم فيه. قال في «الميزان»: آذى النسائيُّ نفسه بكلامه فيه.

قال ابن يونس: لم يكن لأحمد عندنا كما قال النسائي، لم يكن له آفة غير الكبر، وتكلم فيه ابن معين فأشار إلى الكبر، فقال: كذاب يتفلسف، رأيته يخطر في جامع مصر في مشيته. فنَسَبَه إلى الفلسفة وأنه يخطر، ولعلَّ ابن معين لا يدري الفلسفة، فإنه ليس من أهلها. وقوله: «فربما» (خ) هذا جواب عن سؤالُ مُقَدَّر، وهو: أنه إذا نسب مثل النسائي وهو إمام حجة في الجرح والتعديل إلى مثل هذا فكيف يوثق بقوله في ذلك؟ فأجاب ابنُ الصلاح: بأن عين السُّخْط تبدي مساوئ لها في الباطن مخارج صحيحة يعتمي عنها بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمداً لقدحٍ يُعْلَم بُطلانه.

معرفة من اختلط من الثقات

معرفة من اختلط من الثقات قوله: 985 - وَفِي الثِّقَاتِ مَنْ أخِيْراً اخْتَلَطْ ... فَمَا رَوَى فِيْهِ أَوِ ابْهَمَ سَقَطْ [176 - ب] 986 - نَحْوُ عَطَاءٍ وَهُوَ ابْنُ السَّائبِ ... وَكَالْجُرَيْرِي سَعِيْدٍ، وَأَبِي 987 - إِسْحَاقَ، ثُمَّ ابْنِ أبِي عَرُوبَةِ ... ثُمَّ الرَّقَاشِيِّ أَبِي قِلاَبة الشرح: هذا فنٌّ مهم لا يُعْرَف فيه تصنيفٌ مفرد به، وهو جدير بذلك، كذا قال ابن الصلاح، ولأجله أفرده بالتصنيف الشيخ صلاح الدين العلائي في جزء. قال شيخنا (ن) (¬1): حدثنا به، ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه، ورتبهم على حروف المعجم. وقوله: «وفي الثقات» (خ) يعني أن الحكم فيمن اخْتَلَط أنه لا يُقبل من حديثه ما حَدَّث به حال الاختلاط، وكذا ما أُبهم أمره وأُشكل فلم يُدرَ حَدَّثه قبل الاختلاط أو بعده، وما حَدَّث به قبله يُقبل. ويَتميز ذلك باعتبار الراوة عنهم، فمنهم من سمع منهم قبل الاختلاط فقط، ومنهم من سمع بعده فقط، ومنهم من سمع في الحالين ولم يتميز. ¬

(¬1) (2/ 329).

فممن اختلط آخر عمره: عطاء بن السائب ولم يفحش خطأه، وسمع منه قبل الاختلاط: شعبة وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان. وممن اختلط أخيراً: أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري، سمع منه قبل [التغير] (¬1): شعبة، والثوري، وجماعة. وسمع منه بعده: محمد بن أبي عدي، وإسحاق (¬2) بن الأزرق، والقطان. وقوله: «وأبي إسحاق»: ممن اختلط أخيراً (¬3): أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله بعد، احتج به الشيخان، لكن لم [178 - أ] يخرج له من رواية بن عيينة عنه شيئاً إنما أخرج له من طريقة الترمذي والنسائي في «عمل اليوم والليلة». وأنكر في «الميزان» اختلاطه فقال: شَاخ ونَسي ولم يختلط. وقوله: «ثم ابن أبي عروبة»، ومنهم: سعيد بن أبي عروبة، واسم أبي عَرُوبة -بفتح العين- مِهْرَان -بكسر الميم-، وسعيد ثقة، احتج به الشيخان إلا أنه اختلط وطالت مدة اختلاطه فوق العشر سنين، فسمع منه قبل اختلاطه ابن المبارك وجماعة وسمع منه فيه (¬4) جماعة منهم: أبو نعيم الفضل بن دكين. وقوله: «ثم الرقاشي» (خ) يعني أن منهم أبو قِلَابة الرقاشي، واسمه عبد الملك، أحد شيوخ ابنِ خُزَيمة. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) في الأصل: [بن] إسحاق. خطأ. (¬3) في الأصل: آخر. (¬4) أي: في اختلاطه.

وقوله: 988 - كَذَا حُصَيْنُ السُّلَمِيُّ الكُوْفِيْ ... وعَارِمٌ مُحَمَّدٌ والثَّقَفِي 989 - كَذَا ابْنُ هَمَّامٍ بِصَنْعَا إذْ عَمِي ... وَالرَّأيُ فِيْمَا زَعَمُوا والتَّوْأمِي 990 - وَابْنُ عُيَيْنَةَ مَعَ المَسْعُودِي ... وَآخِراً حَكَوْهُ فِي الحَفِيْد 991 - ابنُ خُزَيْمَةَ مَعَ الغِطْرِيْفِي ... مَعَ القَطِيْعِي أَحْمَدَ المَعْرُوْف الشرح: هذا ما زاده (ن) على ابن الصلاح فيمن اختلط فذكر جماعة منهم: حُصَيْن بن عبد الرحمن السُّلَمي الكوفي، أحد الثقات الأثبات، احتجَّ به الشيخان، وَثَّقَهُ أحمد وغيره. قلت: وحُصَيْن هذا بضم الحاء، وفتح الصاد المهملتين، وبعده مُثناة تحت ساكنة، فنون. ومنهم: عارم محمد بن الفضل، أبو النعمان السَّدوسي، أحد الثقات الأثبات، روى عنه [178 - ب] البخاري في «صحيحه» ومسلم بواسطةٍ. قال البخاري: تغير آخر عمره فسمع منه قبل اختلاطه: الإمام أحمد وغيره، وبعده: أبو زرعة الرازي، وعمرة. قلت: «وعارم» بالعين والراء المهملتين مكسورة، وبعده ألف، فميم، لقب عليه انتهى. ومنهم: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، أحد الثقات الذين احتج بهم الشيخان، اختلط آخر عمره.

ومنهم: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، احتج به الشيخان. قال أحمد: أتيناه قبل المائتين وهو صحيح البصر، من سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف السماع، وكان يلقن بعد ما عمي، وسمع منه قبل اختلاطه: أحمد وغيره، وبعده جماعة منهم: يحيى بن أحمد الظهراني. ومنهم -فيما زعموا- ربيعة الرأي شيخ مالك، وهو ربيعة بن عبد الرحمن أحد الأئمة الثقات، احتج به الشيخان. قال شيخنا (ن): ولم أر من ذكره بالاختلاط إلا ابن الصلاح، ولذا قال فيما زعموا. ومنهم: صالح مولى التؤمة، اختلف في الاحتجاج به. قال الإمام أحمد: أدركه الإمام مالك وقد اختلط وهو كبير، وما أعلم به بأساً من سمع منه قديماً فقد روى عنه أكابر أهل المدينة. وممن سمع منه بعد الاختلاط: مالك، والسفيانان. ومنهم: سفيان بن عيينة، أحد الأئمة الثقات، قال القطان: أشهد أنه اختلط سنة سبع وتسعين فمن سمع منه هذه السنة وبعد [179 - أ] هذا فسماعه لا شيء، كذا حكاه عن القطان عنه الموصلي، يحيى بن عبد الله بن عمار. قال في «الميزان»: وأنا أستبعده وأعده غلطاً من ابن عمار، فإن القطان مات في صفر سنة ثمان وتسعين وقت قدوم الحاج، ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاز، فمتى يمكن القطان من ابن الصلاح، سمع اختلاط سفيان لم يشهد يشهد بذلك والموت قد نزل به، ثم قال: فلعله بلغه ذلك أثناء سنة سبع.

ومنهم: المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عيينة بن عبد الله بن مسعود، وثقه ابن سعد إلا أنه اختلط آخر عمره، وسمع منه زمان المهدي فليس سماعه بشيء، ومن سمع منه زمان أبي جعفر المنصور فهو صحيح السماع. قال شيخنا (ن): توفي المنصور بمكة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين فكانت مدة اختلاطه كما نص أبو حاتم قبل موته بسنة أو سنتين، فإن المسعودي مات سنة ستين ومائة ببغداد، ونص ابن حبان على أنه اختلط حديثه فلم يتميز، فاستحق الترك. قال (ن): فميز الأئمة عن جماعة ممن سمع منه في الصحة أو الاختلاط فممن سمع منه قديماً قبله وكيعٌ وأبو نعيم الفضل بن دكين، فيما نصه الإمام أحمد، وممن سمع منه أخيراً بعد الاختلاط: أبو النضر هاشم، وعاصم بن علي فيما نصه الإمام أحمد أيضاً، وقيل: إن الطيالسي سمع منه بعد [179 - ب] ما تغير. وقوله: «وآخِراً» (خ) يعني: أن من اختلط من المتأخرين جماعة، منهم أبو الطاهر محمد بن الفضل بن خُزَيمة حفيد الحافظ أبي بكر بن خزيمة، وكذلك أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الغِطْرِيفي. وكذلك الجرجاني أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي (¬1) الذي روى «مسند الإمام أحمد» و «الزُّهْد» له. قلت: والغِطْريفي بكسر الغين المعجمة، وإسكان الطاء المهملة، وكسر ¬

(¬1) في الأصل: الغطريفي. خطأ.

الراء، وبعده مثناة تحت ساكنة، ففاء، نسبةً إلى الغِطْرِيف، وهو جَدُّ المنتسِب إليه، واشتهر بهذه النسبة جماعة، منهم أبو أحمد هذا وكان إماماً فاضلاً يكتب (¬1) المسند الصحيح على كتاب البخاري، وروى عنه جماعة منهم القاضي أبو الطيب الطبري، وهو آخر من حَدَّثَ عنه، وروى عنه أبو بكر الإسماعيلي فقال مرة: حدثنا محمد بن أبي حامد النيسابوري، ومرة محمد بن أحمد العَبْقَسي، ومرة محمد بن أحمد الوردي، وانفرد الغطريفي هذا عن ابن سريج الشافعي بأحاديث لم يروها عنه غيره، وتوفي بجرجان في رجب سنة سبع وسبعين وثلاثمائة. والقَطيعي: بفتح القاف، وكسر الطاء المهملة، وبعده ياء مثناة تحت ساكنة، فعين مهملة، نسبةً إلى القَطيعة، وهو اسم لعدة محالٍ ببغداد، منها قطيعة الربيع مولى المنصور نسب إليه لأن المنصور أقطعه هذا الموضع، ومن هذه جماعة منهم أبو بكر هذا يروي عن إسحاق [180 - أ] وإبراهيم الحربيين، وعبد الله بن الإمام أحمد، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الحافظ، وكان مُكثراً، مات في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. قال شيخنا (ن) (¬2): واعلم أن ما كان من هذا القبيل صحيحاً بروايته في الصحيحين أو أحدهما، فإنا نعرف جملةً أنَّ ذلك مما تَمَيَّز، وكان مأخوذاً عنه قبل الاختلاط. انتهى. ¬

(¬1) كذا. (¬2) (2/ 342)، وهذه العبارة إنما نقلها عن ابن الصلاح.

طبقات الرواة

طبقات الرواة قوله: 992 - وَلِلرُّوَاةِ طَبَقَاتٌ تُعْرَفُ ... بِالسِّنِّ وَالأَخْذِ، وَكَمْ مُصَنِّفُ 993 - يَغْلَطُ فِيْهَا، وَابْنُ سَعْدٍ صَنَّفَا ... فِيْهَا وَلَكِنْ كَمْ رَوَى عَنْ ضُعَفَا الشرح: من المهمات معرفة طبقات الرواة، فإنه ربما يَتَّفِق اسمان لفظاً فَيُظَن أن أحدهما الآخَر فيتميز ذلك بمعرفة طبقتهما إن كانا من طَبَقَتَين، فإن كانا من طبقة واحدة فربما يُشكل الأمر، وربما يعرف بمن فوقه أو دونه من الرواة، فربما كان أحد المتفقين في الاسم لا يروي عن من روى عنه الآخر، فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روى عنهما فيشتد الإشكال، فيميزه من لديه حفظ ومعرفة. ويعرف كون الراويين أو الرواة من طبقة واحدة بتقاربهم في السن، وفي الشيوخ الآخذين عنهم، إما بكون شيوخ هذا [هم شيوم هذا] (¬1)، أو (¬2) تقارب شيوخ هذا من شيوخ هذا في الأخذ، كما نَصَّ عليه في رواية الأقران [180 - ب]، فإنَّ مدلول الطبقة لغةً: القوم المتشابهون، واصطلاحاً: التشابه في الأنساب والإسناد، وربما اكتفوا بالمتشابه في الإسناد. ¬

(¬1) زيادة من المصدر. (¬2) في الأصل: و. وما أثبتناه من المصدر.

وقوله: «وكم مُصَنِّف» (خ) يعني أنه غلط غير واحد من المصنفين بمعرفة الطبقات، فربما زاد راوياً آخر غيره. وقوله: «وابن سعد» (خ) يعني أنه أفرد الطبقات بالتصنيف جماعة منهم: محمد بن سعد في «الطبقات الكبرى»، وله في ذلك ثلاث تصانيف، وكتابه الكبير جليل كثير الفائدة، وابن سعد وثقه (¬1) جماعة، إلا أنه يكثر الرواية في الكتاب عن الضعفاء كمحمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي، ويقتصر كثيراً على اسمه واسم أبيه من غير نسب، وكهاشم بن محمد بن السائب الكلبي، وغيرهما. ¬

(¬1) في الأصل: من ثقة. خطأ.

الموالي من العلماء والرواة

الموالي من العلماء والرواة قوله: 994 - وَرُبَّمَا إلَى القَبِيْلِ يُنْسَبُ ... مَوْلَى عَتَاقَةٍ وَهَذَا الأغْلَبُ 995 - أَوْ لِوَلاَءِ الحِلْفِ كَالتَّيْمِيِّ ... مَالِكٍ اوْ لِلدِّيْنِ كَالْجُعْفِيّ 996 - وَرُبَّمَا يُنْسَبُ مَوْلَى المَوْلَى ... نَحْوُ سَعِيْدِ بنِ يَسَارٍ أَصْلاَ الشرح: من المهمات عرفان الموالي من العلماء والرواة، وأهمّ ذلك أن يُنْسَب إلى القبيلة مولى لهم مع إطلاق النسب، فربما ظن أنه منهم صَليبَةً بحُكم ظاهر الإطلاق، وربما وقع من ذلك خلل في الأحكام الشرعية في الأمور المشترط فيها النَّسَب كالإمامة العظمى [181 - أ]، والكفاءة في النكاح، ونحو ذلك. وقد أفرد الموالي بالتصنيف الكندي أبو عُمر، ولكن بالنسبة إلى المصريين لا مطلقاً. فالموالي المنسوبون إلى القبائل منهم من يكون المراد به إلى العتاقة، وهذا هو الأغلب كأبي البَخْتري الطائي، والليث بن سعد الفهمي، وعبد الله بن المبارك الحنظلي، وعبد الله بن صالح الجهني كاتب الليث. ومنهم من يكون المراد به ولاء الحِلف، كالإمام مالك فهو أصبحيٌّ صلبية، وقيل له التيمي لأن نفره أصبح موالي لتيم قريش بالحلف، أو لأن جده مالك

بن أبي عامر كان أجيراً لطلحة بن عبيد الله التيمي، وطلحة مختلف بالتجارة. ومنهم من أريد به ولاء الإسلام، كالبخاري، فقيل له الجُعفي لأن جده كان مجوسياً فأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي. وقوله: «وربما» (خ) يعني أنه ربما نُسِبَ إلى القبيلة مولى مولاها كأبي الحباب سعيد بن يسار، قيل له الهاشمي لأنه مولى شُقْرَان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إنه مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك عبد الله بن وهب القرشي الفهري المصري، فإنه مولى يزيد بن رمانة، وابن رمانة مولى يزيد بن أنس الفهري.

أوطان الرواة وبلدانهم

أوطان الرواة وبلدانهم قوله: 997 - وَضَاعَتِ الأَنْسَابُ في البُلْدَانِ ... فَنُسِبَ الأَكْثَرُ لِلأَوْطَانِ [181 - ب] 998 - وَإنْ يَكُنْ في بَلْدَتَيْنِ سَكَنَا ... فَابْدَأْ بِالاوْلَى وَبِثُمَّ حَسُنَا 999 - وَإنْ يَكُنْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ بَلْدَةِ ... يُنْسَبْ لِكُلٍّ وَإلَى النَّاحِيَة الشرح: من المحتاج إليه في هذا الفن العرفان بأوطان الرواة وبلدانهم، فإنه ربما مَيَّزَ بين الاسمين المتفقين لفظاً، فَيُنْظَر في شيخه وتلميذه الذي روى عنه، فربما كانا أو أحدهما من بلد أحد المتفقين في الاسم، فيغلب على الظن أن بلديهما هو المذكور في السند، لا سيما إذا لم يُعرف له سماع بغير بلده. وربما يُستدل بذكر وطن الشيخ، أو ذكر مكان السماع، على الإرسال بين الروايتين إذا لم يُعرف لهما اجتماع، عند من لا يَكْتفي بالمعاصرة. قال شيخنا (ن) (¬1): وسمعت شيخنا الحافظ أبا محمد عبد الله بن محمد بن أبي القرشي يقول غير مَرَّة: كنت أسمعُ بقراءة الحافظ أبي الحجَّاج المزي من كتاب عمل اليوم والليلة للحسن بن علي بن شبيب المعمري، فَمَرَّ حديث من ¬

(¬1) (2/ 347).

رواية يونس بن محمد المؤدب (¬1)، عن الليث بن سعد، فقلت للمزي: في (¬2) أين سمع يونس من الليث؟ (¬3) فقال: لعله سمع منه في الحج، ثم استمر في القراءة، ثم قال: لا الليث ذهب في الرُّسَيْلة إلى بغداد فسمع هناك، انتهى. وإنما حدث للعرب الانتساب إلى البلاد والأوطان لما غلب عليها سُكنى القري والمدن، وضاع كثير من أنسابها، فلم يبق لها غير الانتساب إلى البلدان [182 - أ]، وكانت العرب تُنْسَب قبل ذلك إلى القبائل. فَمَن سَكَن في بلدتين وأراد الانتساب إليهما، فليبدأ بالتي سكنها أولاً، ثم الثانية التي انتقل إليها، ويحسن أن يأتي بلفظ «ثُم» في النسب إلى البلدة الثانية، فيقول: مثلاً المصري [ثم] (¬4) الدمشقي. وقوله: «ومن يكن» (¬5) (خ) يعني من كان من أهل قرية من قرى بلدةٍ، فجائز أن يُنسب إلى القرية، وإلى البلدة أيضاً، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة، فمن هو من أهل دارياً مثلاً، نقول له في نَسَبه: الدَّاري، والدمشقي، والشامي، فإن أراد الجمع بينهما فليبدأ بالأعم فيقول الشامي، الدِّمَشقي، الداري. ¬

(¬1) قوله: بن محمد المؤدب. تأخر في الأصل عن موضعه. (¬2) كذا. (¬3) في الأصل: الليث من يونس. وهو قلب. (¬4) زيادة من المصدر. (¬5) كذا، والذي في الألفية: «وإن يكن».

وقوله: 1000 - وَكَمَلَتْ بِطِيْبَةَ المَيْمُوْنَهْ ... فَبَرَزَتْ مِنْ خِدْرِهَا مَصُوْنَهْ 1001 - فَرَبُّنَا المَحْمُودُ وَالمَشْكُوْرُ ... إِلَيْهِ مِنَّا تَرْجِعُ الأُمُوْرُ 1002 - وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ ... عَلَى النَّبِيِّ سَيِّدِ الأَنَام الشرح: أشار إلى أن هذه الأرجوزة تمت بطَيْبَة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها برزت إلى الخارج. وقوله: «كَمَلت»، يقال: بفتح الميم في الأفصح، وبكسرها وضمها، وهذا مما جاء فيه، «فَعَل» بفتح العين، وكسرها، وضمها باتفاق المعنى. وقوله: «بطَيْبة» هو بفتح الطاء، وإسكان الياء المثناة تحت، وبعده باء موحدة، فهاء تأنيث، اسم من أسماء المدينة، وتُسَمَّى طَابَة بطاء، فألف، فباء موحدة، فهاء تأنيث، [182 - ب] لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى سمَّى المدينة طَابَة» (¬1)، وسمَّاها النبي صلى الله عليه وسلم طَيْبَة من الطِّيب الذي هو الرائحة الحسنة، والطَّاب والطيب لغتان. قال النووي في «شرح مسلم» (¬2): وقيل من الطَّيِّب بفتح الطاء وتشديد الياء وهو الطاهر لخلوصها من الشرك، وطهارتها، وقيل: من طيب [العيش] (¬3) بها، انتهى. ¬

(¬1) أخرجه مسلم (رقم 3423). (¬2) (9/ 154 ط. دار إحياء التراث). (¬3) زيادة من المصدر.

وللمدينة أسماء كثيرة استوفاها ابن المنجم في «أخبار النواحي» له، اقتصر البكري منها في كتابه «معجم البلاد» على أربعة عشر اسماً ذكرتها مستوفاة في كتابي «غاية الإلهام شرحي لعمدة الأحكام» نفع الله تعالى به، وأعلاها: طابة وطيبة كما تلفظ المؤلف لحسن لفظهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن، ويكره الاسم القبيح، وفي بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب لعماله: «إذا أبردتم لي بريداً فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم» (¬1)، ويستحب لمن لجأ إلى الله تعالى متوسلاً إليه بالصادق الحبيب الأمين في قصة نثرية أو نظمية (¬2) يرسلها إلى الموضع الشريف الذي ضَمَّ أعضاءه الشريفة (¬3) صلى الله عليه وسلم أن يلقبه بطيبة، تفاؤلاً بخلوصه مما وقع فيه وبحصول مطلبه ومراده، كما أنشدني بلفظه بالثغر المحروس الإسكندرية عام واحد وتسعين وسبعمائة شيخنا الرحلة والمعمر بهاء الدين [183 - أ] عبد الله المخزومي الدماميني من قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشكو له من ظَلَمَه مطلعها: فؤاد لأطلال المحصَّب شائقٌ ... ونفس لها منه شهيد وسائق إلى أن قال: أقمت به جذلان ستون حجةً ... وعشرون عاماً بالشكاية ناطقُ ... ¬

(¬1) أخرجه البزار في مسنده (ص242 - زوائده) وصححه الألباني. السلسلة الصحيحة (3/ 260). (¬2) كذا. (¬3) لا شك أن هذا من المخالفات العقدية الظاهرة، كما هو مشهور مُبَيَّن في كتب العقيدة.

ذ ... ذ فلم أر إلاَّ محسناً متصدقاً ... يصدقني في مقولي ويصادقُ صحتُ بشيخ دونهم فاستشرته ... وقلت بأن الشيخ بالرأي صادقُ وصرَّحت بالشكوى وقلت له أشِرْه ... عليَّ فقد ضاقت على الطرائق فأخبرني أن الشفاء بطيبةٍ ... وسيف رسول الله للبغي ماحقُ فقمتُ مُجداً وامتطيتُ بشمله ... تخدُ وخلفي فتية وأيانقُ إلى أن بدا من جانب القبر شارق ... تبلج منه أفقه والشوارق مرغت به شيبي وعفرتُ وجنتي ... فقيراً لأبواب النبوة طارقُ قرعت بذلي بابه قرع حاجةٍ ... أطوف وأشكو ظالمي وأحاققُ وأبديت بالأبواب ما أنا كاتمٌ ... ولا ....... (¬1) فيها ولا الباب غالقُ وقمت بجاه القبر يسمعني الذي ... له نسب في ذروة المجد شاهق وقلت أغثني يا أماني فإنني ... بنصرك قلبي في البرية واثقُ وقد ذهب الأعداء إلَّا بما له ... وباطلها في جنب حقك زاهقُ [183 - ب] جعلتك قصدي والمهيمن حاكمٌ ... وأنت شفيع الخلق والله رازقُ وقلت لخصمي إذ تجردت شاكياً ... تأنَّى فقد حقت لدينا الحقائقُ تأنَّى فهذا منزلٌ منزلٌ فيه حاكمٌ ... عن الله عن جبريل بالحق ناطقُ شكوت ولا شك بانك ناصرٌ ... ولا شك بين الناس أني صادقُ ومن يك بالباب المعظم لائذٌ ... يدور عليه من حلاه المناطق إلى أن قال: ¬

(¬1) بياض في الأصل.

أتيت رسول الله خاتم رسله ... لواؤك في الدارين فوقك خافقُ لك البدر في أفق السماء مشققٌ ... يشاهده جمهوره والخلائقُ لك الشمس من غيبوبة رجعت كما ... لفقدك حن الجدع والجذع شائقُ لك انقادت الأشجار لما دعوتها ... تُخَدُّ عُذُوقاً لم تعقها العوائق بكفك روَّيت الجيوش من الظمأ ... وصمُّ الحصا في الذكر بالكف ناطقُ وألفاً بصاعٍ من شعيرة اكتفوا ... وأنت به في حالة الري باصق وفي بيتك الأملاك تنزل خدمةً ... ودون مقامات الحبيب السرادقُ لك ألقاب نزل والتقرب منزلٌ ... لدى نظرٍ دون البرية صادق ... ذذ بعينيك قد شاهدت ربك جهرةً ... حكاه ابن عباس حديثٌ مطابق تباشرت الآفاق إذ قمت منذرٌ (¬1) الأعظم في الشكوى وحصول المراد تبركاً بذكره [184 - أ] الشريف، واستغاثةً به صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يبلغني مقصودي ومرادي ويغفر لي ويميتني بطيبة المشرفة. وحامل الهوى تعب ... يستفزه الطرب. وقوله: «الميمونة» يعني: المباركة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم، وبارك لهم في مُدِّهم» (¬2) فقيل: المراد بالبركة الدينية فيما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكوات ¬

(¬1) كذا لم يكمل البيت. (¬2) الحديث أخرجه البخاري (2023)، ومسلم (3391).

والكفارات، وقيل الدنيوية من تكثير الكيل والقدر بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكي من غيره في غير المدينة، والذي يظهر لي والله تعالى أعلم، والشاهد به قائمٌ معايَن: عموم البركة دنيا وأخرى، وفي القدر في الأكيال، وفي التصرف بها في التجارات وأرباحها، وفي كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها، وفيما يُكَال بها لإشباع عيشهم وكثرته بعد ضيقه، لما فتح الله عليهم ووسع عليهم من فضله لهم، ومَلَّكَهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها، حتى كَثُرَ الحملُ إليها، واتَّسَعَ عيشهم، حتى صارت هذه البركة في الكَيْل نفسه، فزاد مُدُّهم. ومن تأمل ما يحمله الحجيج خصوصاً زمن الموسم من اليمن إلى جميع أقطار البلاد شرقيها وغربيها بحيث يفوق [184 - ب] غلات الأمصار، وما يفضل لهم عن ذلك مما يقوم بهم إلى زمن التَمْرِ يجد مصداق ذلك، وكل ذلك من ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها. وقوله: «فبرزت» أي: خَرَجت. وقوله: «من خِدْرِها» هو بكسر الخاء المعجمة، وإسكان الدال المهملة، وبعدها واو مهملة. قال في «الصحاح»: الخِدْرِ: السِّتْر، وجارية مخدرة: إذا لزمت الخدر، انتهى. وقوله: «مَصُونة» هو بفتح الميم، وضم الصاد المهملة، وإسكان الواو، وبعده نون، فهاء تأنيث، ولعله -والميمونة- من أسماء المدينة، وكانت مصونة

لأن الله تعالى صانها ممن يريد بها سوءاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يريد أحد أهل المدينة بسوءٍ إلا أذابه الله تعالى في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء» (¬1). وقد شوهد من أرادها بسوءٍ أَنَّ الله لا يُمْهِلُه، ولا يمكِّن له سلطاناً، بل قد يذهبه عن قريب، كما انقضى من حاربها أيام بني أمية كمَسْلَمة بن عقبة، فإنه هلك في منصرفه عنها، ثم هلاك يزيد بن معاوية الذي أرسله بأثر ذلك، وغيرهما ممن صنع صنيعهما. وكفى بذلك ما نصه محمد بن إسحاق عن تُبَّع الآخر وهو أسعد بن كرب حين أقبل من المشرق مَرَّ على المدينة ولم يهج أهلها وخلف عندهم ابناً له فَقُتِلَ غيلةً، فجاء مجمعاً بخرابها واستئصال [185 - أ] أهلها، فأجمع هذا الحي من الأنصار على قتاله، ورئيسهم عمرو بن الطلة أخو بني النجار، وكان رجل من بني النجار قد قَتَلَ قبل ذلك رجلاً من صحابة تبع، وجده يخدُّ عرقاً له، فزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك ويقول: إن قومنا هؤلاء لكرام، إذ جاءه حبران من أحبار يهود بني قريظة مِن أعلم أهل زمانهما فقالا: أيها الملك لا تقاتلهم، فإنا لا نأمن عليك العقوبة، فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش في آخر الزمان هي داره وقراره، فكف عنهم ثم دعواه إلى دينهما فاتبعهما، وقال: ¬

(¬1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه رقم (3385).

ولقد هبطنا يثرباً وصدورنا ... تغلي بلابلها بقتل محصد فعفوت عنهم عفو غير مترب ... وتركتهم لعقاب يوم سرمد نفراً يكون النصر في أعقابهم ... أرجو بذاك ثواب رب محمد (¬1) ورجع إلى اليمن، انتهى. لا جرم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَغَّبَ في سكناها وقال: «لا يدعها أحدٌ رغبة عنها إلا أبدله الله فيها من هو خير منه» (¬2) وهذا عامٌّ في حياته وبعده صلى الله عليه وسلم على الأصح فيما صرح به النووي في «شرح مسلم» تبعاً لعياض. ولما قدم المهدي بعث إلى مالك بألفي دينار [185 - ب] أو بثلاثة آلاف دينار، ثم أتاه الربيع بعد ذلك فقال له: إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة السلام، فقال له مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» (¬3) والمال عندي على حاله. وقوله: «فربنا» (خ). قلت: فَصَدقَ لا يحمد إلا الله، ولا يُشكر إلا الله، وهذا بعين الحقيقة، وأما بعين المجاز فشكر المنعم واجب لحديث: «لا يشكر الله ¬

(¬1) البيت قبله: ولقد تركت بها له من قومنا ... نفراً أولي حسب وبأس يحمد (¬2) أخرجه مسلم (رقم3384). (¬3) هو جزء من الحديث السابق.

من لا يشكر الناس» (¬1) وفي الحديث: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة قال لعبد: هل شكرت فلاناً؟ فيقول يا رب علمت أنك المنعم فشكرتك، فيقول الله تعالى: لم تشكرني إذ لم تشكر من أجريت ذلك على يديه، من لم يحمد من استحق الحمد فقد عَيَّ وحسد، ومن حمد من لم يستحق الحمد فقد ملق» وفي الحديث: «الثناء من غير استحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عيٌّ وحسد». وقوله: «إليه منا ترجع الأمور». قلت: أشار بذلك أن مرجعنا وأعمالنا إلى الله حسب ما نطق بذلك السماع القرآني، والسماع السني، والشاهد المعاين من خلق السماوات وما فيهن، والأرضين وما فيهن، يؤيد ذلك، لا يعاند ذلك إلا شقي مسلوب من العقل والعاقلة، والله يعيذنا وذريتنا من ذلك إنه على كل شيء قدير [186 - أ]، وبالإجابة جدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، كل ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون. [وهذا آخر ما لخصناه بحمد الله تعالى وفضله وحوله وقوته من شرح شيخنا الناظم لهذه الأرجوزة المباركة النافعة وأسأل الله العظيم أن ينفع بذلك، وما ألفته، وما ألفه ولدي، والمسلمين، أنصفوا أو لم ينصفوا. وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. نجزت بحمد الله تعالى وعونه وعز توفيقه على يد فقير رحمة الله ¬

(¬1) أخرجه أبو داود رقم (4813) وصححه الألباني.

محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن محمد الدالاصي الأنصاري المالكي غفر الله تعالى له ولوالديه ولمن دعا له بالرحمة والمغفرة ولجميع المسلمين والحمد لله وحده. وذلك في تاسع شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة أربع وثلاثين [ ..... ] من الهجرة النبوية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم] [186 - ب]

§1/1