منهاج السنة النبوية

ابن تيمية

مقدمة المؤلف

[مقدمة المؤلف] [خطبة الكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [وَبِهِ نَسْتَعِينُ] (¬1) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ، الْحَبْرُ الْكَامِلُ، الْأَوْحَدُ الْعَلَّامَةُ الْحَافِظُ، الْخَاشِعُ الْقَانِتُ، إِمَامُ الْأَئِمَّةِ، وَرَبَّانِيُّ الْأُمَّةِ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ، بَقِيَّةُ الْأَعْلَامِ، تَقِيُّ الدِّينِ، خَاتِمَةُ الْمُجْتَهِدِينَ، (¬2) أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ (¬3) . الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَعَثَ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ، وَمُنْذِرِينَ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ، فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ (¬4) ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَأَشْهَدُ ¬

(¬1) وَبِهِ نَسْتَعِينُ: زِيَادَةٌ فِي (م) ، (أ) ، وَفِي (ن) : وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. (¬2) أ، ل: بَقِيَّةُ الْمُجْتَهِدِينَ. (¬3) م، ن: قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الرَّبَّانِيُّ، وَحِيدُ عَصْرِهِ، وَفَرِيدُ دَهْرِهِ، أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتَغَمَّدَهُ بِرَحْمَتِهِ، وَأَسْكَنَهُ بَحْبُوحَةَ جَنَّتِهِ، آمِينَ. وَلَمْ تَظْهَرْ بَعْضُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي مُصَوَّرَةِ (ن) . (¬4) بِإِذْنِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) فَقَطْ.

سبب تأليف ابن تيمية للكتاب

أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا شَهِدَ هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (¬1) : {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 18] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الَّذِي [خَتَمَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ، وَهَدَى بِهِ أَوْلِيَاءَهُ] (¬2) ، وَنَعَتَهُ (¬3) بِقَوْلِهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 128 - 129] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَعَلَى آلِهِ (¬4) أَفْضَلَ صَلَاةٍ، وَأَفْضَلَ (¬5) . تَسْلِيمٍ] (¬6) . [سبب تأليف ابن تيمية للكتاب] أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ (¬7) أَحْضَرَ إِلَيَّ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كِتَابًا صَنَّفَهُ بَعْضُ [شُيُوخِ الرَّافِضَةِ فِي عَصْرِنَا مُنَفِّقًا] (¬8) لِهَذِهِ الْبِضَاعَةِ، يَدْعُو بِهِ (¬9) إِلَى مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ الْإِمَامِيَّةِ، مَنْ أَمْكَنَهُ دَعْوَتُهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ، [وَغَيْرِهِمْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، مِمَّنْ قَلَّتَ مَعْرِفَتُهُمْ] (¬10) بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَلَمْ ¬

(¬1) وَتَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (م) ، (ل) . وَفِي (ن) : لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ. . إِلَخْ) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مَكَانُهُ بَيَاضٌ فِي (ن) . (¬3) أ، ب، ل: وَبَعَثَهُ. (¬4) وَعَلَى آلِهِ: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ. (¬5) ب: وَأَكْمَلَ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مَكَانُهُ بَيَاضٌ فِي (ن) . (¬7) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (م) ، (ن) . (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مَكَانُهُ بَيَاضٌ فِي (ن) . (¬9) ن (فَقَطْ) : بِدَعْوَتِهِ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مَكَانُهُ بَيَاضٌ فِي (ن) .

يَعْرِفُوا أَصْلَ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعَانَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ عَادَتُهُمْ إِعَانَةُ [الرَّافِضَةِ مِنَ الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْإِسْلَامِ، مِنْ] (¬1) أَصْنَافِ الْبَاطِنِيَّةِ الْمُلْحِدِينَ (¬2) الَّذِينَ هُمْ فِي الْبَاطِنِ مِنَ الصَّابِئَةِ (¬3) الْفَلَاسِفَةِ الْخَارِجِينَ عَنْ حَقِيقَةِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مَكَانُهُ بَيَاضٌ فِي (ن) . (¬2) الْبَاطِنِيَّةُ هُمُ الَّذِينَ جَعَلُوا لِكُلِّ ظَاهِرٍ مِنَ الْكِتَابِ بَاطِنًا، وَلِكُلِّ تَنْزِيلٍ تَأْوِيلًا، وَيَذْكُرُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/172) أَنَّ " الْبَاطِنِيَّةَ الْقَدِيمَةَ " كَانَتْ تَخْلِطُ كَلَامَهَا بِبَعْضِ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ. أَمَّا الْبَاطِنِيَّةُ عَلَى زَمَانِهِ فَقَدْ جَعَلَهُمْ هُمْ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةَ الْغُلَاةَ فَرْقَةً وَاحِدَةً، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ فِي الْعِرَاقِ بِالْبَاطِنِيَّةِ وَالْقَرَامِطَةِ وَالْمَزْدَكِيَّةِ، وَفِي خُرَاسَانَ بِالتَّعْلِيمِيَّةِ وَالْمُلْحِدَةِ، وَأَضَافَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الدَّيْلَمِيُّ فِي كِتَابِهِ " قَوَاعِدِ عَقَائِدِ آلِ مُحَمَّدٍ " (الْقَاهِرَةِ سَنَةَ 1950) ص 34، الْأَلْقَابَ التَّالِيَةَ: السَّبْعِيَّةَ، وَالْخُرَّمِيَّةَ، وَالْبَابَكِيَّةَ، وَالْمُحَمِّرَةَ، وَالْمُبَارَكِيَّةَ، وَالْإِبَاحِيَّةَ، وَالزَّنَادِقَةَ، وَالْخَرْمَدِينِيَّةَ، وَنَقَلَ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ (الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 196) عَنْ أَصْحَابِ الْمَقَالَاتِ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ الَّذِينَ أَسَّسُوا دَعْوَةَ الْبَاطِنِيَّةِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَيْمُونُ بْنُ دَيْصَانَ الْمَعْرُوفُ بِالْقَدَّاحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُلَقَّبُ بِدَنْدَانَ. وَانْظُرْ أَيْضًا: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/170 - 178؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 169 - 188؛ مَقَالَةَ كَارَادِي فُوفِي دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ: الْبَاطِنِيَّةِ؛ كِتَابَ " الصِّرَاعِ بَيْنَ الْمَوَالِي وَالْعَرَبِ " تَأْلِيفُ الدُّكْتُورِ مُحَمَّد بَدِيع شَرِيف، ص 57 - 65، الْقَاهِرَةَ، 1954. (¬3) قَالَ الرَّازِيُّ عَنِ " الصَّابِئَةِ " (اعْتِقَادَاتِ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ص [0 - 9] 0) : " قَوْمٌ يَقُولُونَ: إِنَّ مُدَبِّرَ هَذَا الْعَالَمِ وَخَالِقَهُ هَذِهِ الْكَوَاكِبُ السَّبْعَةُ وَالنُّجُومُ، فَهُمْ عَبَدَةُ الْكَوَاكِبِ ". وَأَمَّا الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلُ وَالنِّحَلُ 1/210 - 211) فَيَذْكُرُ أَنَّ الْفِرَقَ كَانَتْ فِي زَمَانِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرْجِعُ إِلَى صِنْفَيْنِ اثْنَيْنِ: الصَّابِئَةِ، وَالْحُنَفَاءِ، وَقَالَ الصَّابِئَةُ بِالْحَاجَةِ إِلَى وُجُودِ " مُتَوَسِّطٍ " رُوحَانِيٍّ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا " الْمُتَوَسِّطَ " مِنَ الْكَوَاكِبِ وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ مِنَ الْأَصْنَامِ. وَابْنُ تَيْمِيَّةَ كَثِيرًا مَا يَصِفُ الْفَلَاسِفَةَ بِأَنَّهُمْ مِنَ الصَّابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ يَذْكُرُ بِأَنَّ الْفَارَابِيَّ قَدِمَ حَرَّانَ - الَّتِي كَانَتْ مَرْكَزًا لِلصَّابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ - فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ وَتَعَلَّمَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ عَنْهُمُ الْفَلْسَفَةَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ ثَابِتُ بْنُ قُرَّةَ الْحَرَّانِيُّ وَغَيْرُهُ قَبْلَ الْفَارَابِيِّ. وَيُفَرِّقُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الصَّابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَذْكُرُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ [سُورَةَ الْحَجِّ: 17] وَبَيْنَ الصَّابِئَةِ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ يُثْنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 62] . انْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ، ص [0 - 9] 87 - 290، 454 - 458؛ مِنْهَاجَ السُّنَّةِ (بُولَاقَ 1/197) ؛ مَجْمُوعَةَ الرَّسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ 4/37، 38.؛ مَجْمُوعَةَ رَسَائِلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ 58، 74، 93، 94، 97 - 99. وَيُسَمِّي ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْمُعْتَزِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ النُّفَاةِ بِالصَّابِئَةِ الْمُعَطِّلَةِ، انْظُرْ مَثَلًا مَجْمُوعَةَ الرَّسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ 1/183.

[مُتَابَعَةِ (¬1) الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ لَا يُوجِبُونَ اتِّبَاعَ] (¬2) دِينِ الْإِسْلَامِ (¬3) ، وَلَا يُحَرِّمُونَ [اتِّبَاعَ] مَا سِوَاهُ (¬4) مِنَ الْأَدْيَانِ، بَلْ يَجْعَلُونَ الْمِلَلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَذَاهِبِ، وَالسِّيَاسَاتِ [الَّتِي يَسُوغُ اتِّبَاعُهَا، وَأَنَّ النُّبُوَّةَ] نَوْعٌ مِنَ السِّيَاسَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي وُضِعَتْ لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فِي الدُّنْيَا. فَإِنَّ هَذَا الصِّنْفَ يَكْثُرُونَ وَيَظْهَرُونَ [إِذَا كَثُرَتِ الْجَاهِلِيَّةُ، وَأَهْلُهَا] ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنُّبُوَّةِ، وَالْمُتَابَعَةِ لَهَا مَنْ يُظْهِرُ أَنْوَارَهَا الْمَاحِيَةَ لِظُلْمَةِ (¬5) الضَّلَالِ، [وَيَكْشِفُ مَا فِي خِلَافِهَا مِنَ الْإِفْكِ] ، وَالشِّرْكِ، وَالْمِحَالِ. وَهَؤُلَاءِ لَا يُكَذِّبُونَ بِالنُّبُوَّةِ تَكْذِيبًا مُطْلَقًا، بَلْ هُمْ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ أَحْوَالِهَا، وَيَكْفُرُونَ [بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ (¬6) ، وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِيمَا] يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَكْفُرُونَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْخِلَالِ، فَلِهَذَا يَلْتَبِسُ أَمْرُهُمْ بِسَبَبِ تَعْظِيمِهِمْ لِلنُّبُوَّاتِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ (¬7) [الْجَهَالَاتِ. ¬

(¬1) م: اتِّبَاعِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مَكَانُهُ بَيَاضٌ فِي (ن) . وَسَأَكْتَفِي فِيمَا يَلِي بِوَضْعِ الْمَعْقُوفَتَيْنِ بِدُونِ الْإِشَارَةِ إِلَى وُجُودِ الْبَيَاضِ فِي (ن) إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬3) ن، م: دِينِ الْمُسْلِمِينَ. (¬4) ن، م: وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا سِوَاهُ. (¬5) ن، م: لِظُلْمِ. (¬6) الْأَحْوَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ل) .

وَالرَّافِضَةُ، وَالْجَهْمِيَّةُ] (¬1) هُمُ الْبَابُ لِهَؤُلَاءِ الْمُلْحِدِينَ، مِنْهُمْ يَدْخُلُونَ إِلَى سَائِرِ أَصْنَافِ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَآيَاتِ [كِتَابِهِ الْمُبِينِ، كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ] رُءُوسُ [الْمُلْحِدَةِ مِنَ] الْقَرَامِطَةِ (¬2) الْبَاطِنِيَّةِ (¬3) ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَذَكَرَ مَنْ أَحْضَرَ هَذَا الْكِتَابَ أَنَّهُ مِنْ [أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي تَقْرِيرِ مَذَاهِبِهِمْ] عِنْدَ مَنْ مَالَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ صَنَّفَهُ (¬4) لِلْمَلِكِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي سَمَّاهُ فِيهِ (¬5) [خَدَابَنْدَهْ (¬6) ، وَطَلَبُوا مِنِّي بَيَانَ مَا فِي هَذَا] ¬

(¬1) الْجَهْمِيَّةُ هُمُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ أَبِي مُحْرِزٍ مَوْلَى بَنِي رَاسِبٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَقَدْ تَتَلْمَذَ عَلَى الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، كَمَا اتَّصَلَ بِمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ مِنَ الْمُرْجِئَةِ. وَكَانَ الْجَهْمُ كَاتِبًا لِلْحَارِثِ بْنِ سُرَيْجٍ مِنْ زُعَمَاءِ خُرَاسَانَ، وَخَرَجَ مَعَهُ عَلَى الْأُمَوِيِّينَ، فَقُتِلَا بِمَرْوَ سَنَةَ 128 هـ. وَالْجَهْمِيَّةُ تُطْلَقُ أَحْيَانًا بِمَعْنًى عَامٍّ وَيُقْصَدُ بِهَا نُفَاةُ الصِّفَاتِ عَامَّةً، وَتُطْلَقُ أَحْيَانًا بِمَعْنًى خَاصٍّ وَيُقْصَدُ بِهَا مُتَابِعُو الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ فِي آرَائِهِ وَأَهَمُّهَا نَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْقَوْلُ بِالْجَبْرِ وَالْقَوْلُ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. انْظُرْ مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/197 - 198، 224، 312؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/79 - 81؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 128 - 129؛ التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ 63 - 64. وَانْظُرْ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنِ الْجَهْمِيَّةِ فِي " التِّسْعِينِيَّةِ " ضِمْنَ الْفَتَاوَى 5/31 - 35، الْقَاهِرَةَ 1329. (¬2) الْقَرَامِطَةُ مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى حَمْدَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ الَّذِي كَانَ يُلَقَّبُ بِقَرْمَطَ وَقَدْ تَتَلْمَذَ عَلَى حُسَيْنٍ الْأَهْوَازِيِّ رَسُولِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ، ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ مَقَرًّا قُرْبَ الْكُوفَةِ سَمَّاهُ " دَارَ الْهِجْرَةِ " وَأَخَذَ هُوَ وَأَتْبَاعُهُ يَشُنُّونَ مِنْهُ الْغَارَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدِ انْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ فِي أَنْحَاءَ كَثِيرَةٍ فِي الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ وَكَانَتْ سَبَبًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْقَلَاقِلِ وَالْحُرُوبِ. وَذَكَرَ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ (الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 177) أَنَّ حَمْدَانَ قَرْمَطَ كَانَ مِنَ الصَّابِئَةِ الْحَرَّانِيَّةِ. انْظُرْ أَيْضًا: هِيوَارَ فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ: حَمْدَانَ قَرْمَطَ؛ آدَم مِتْز: الْحَضَارَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ 2/45 - 49، الْقَاهِرَةَ، 1948؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 169 - 172؛ مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/98. (¬3) م: الْبَاطِنَةِ. (¬4) أ: صَنَعَهُ. (¬5) فِيهِ: زِيَادَةٌ فِي (م) ، (ن) . (¬6) خَدَابَنْدَهْ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: خَذَابَنْدَهْ.

الْكِتَابِ مِنَ الضَّلَالِ، وَبَاطِلِ الْخِطَابِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَصْرِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَيَانِ [بُطْلَانِ أَقْوَالِ الْمُفْتَرِينَ الْمُلْحِدِينَ] . فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْلَى (¬1) مَا يَقُولُونَهُ فِي بَابِ الْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ، فَالْقَوْمُ [مِنْ أَضَلِّ النَّاسِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، فَإِنَّ] الْأَدِلَّةَ إِمَّا نَقْلِيَّةٌ، وَإِمَّا عَقْلِيَّةٌ، وَالْقَوْمُ مِنْ أَضَلِّ النَّاسِ فِي الْمَنْقُولِ، وَالْمَعْقُولِ فِي الْمَذَاهِبِ [وَالتَّقْرِيرِ، وَهُمْ مِنْ أَشْبَهِ (¬2) النَّاسِ بِمَنْ] قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سُورَةُ الْمُلْكِ: 10] ، [وَالْقَوْمُ (¬3) مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ فِي النَّقْلِيَّاتِ، وَمِنْ أَجْهَلِ (¬4) ] النَّاسِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، يُصَدِّقُونَ مِنَ الْمَنْقُولِ بِمَا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ بِالِاضْطِرَارِ (¬5) أَنَّهُ مِنَ [الْأَبَاطِيلِ، وَيُكَذِّبُونَ بِالْمَعْلُومِ مِنَ الِاضْطِرَارِ (¬6) ] الْمُتَوَاتِرِ أَعْظَمَ تَوَاتُرٍ فِي الْأُمَّةِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَلَا يُمَيِّزُونَ فِي نَقَلَةِ الْعِلْمِ، وَرُوَاةِ [الْأَحَادِيثِ (¬7) ] ، وَالْأَخْبَارِ (¬8) [بَيْنَ الْمَعْرُوفِ بِالْكَذِبِ، أَوِ] الْغَلَطِ، أَوِ الْجَهْلِ (¬9) بِمَا يُنْقَلُ، وَبَيْنَ الْعَدْلِ الْحَافِظِ الضَّابِطِ الْمَعْرُوفِ بِالْعِلْمِ بِالْآثَارِ (¬10) . ¬

(¬1) مِنْ أَعْلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ل) . (¬2) م: وَمِنْ أَشْبَهِ. (¬3) أ، ب، ل: وَهُمْ. (¬4) م: وَأَجْهَلِ. (¬5) م: مِنَ الِاضْطِرَارِ. (¬6) م: بِالِاضْطِرَارِ. (¬7) الْأَحَادِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬8) وَالَاخْبَارِ: كَذَا فِي (م) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْأَخْبَارِ. (¬9) م، ن: وَالْجَهْلِ. (¬10) بِالْآثَارِ: كَذَا فِي (م) . وَفِي يَسَارِ النُّسَخِ: وَالْآثَارِ.

[وَعُمْدَتُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى التَّقْلِيدِ] ، وَإِنْ ظَنُّوا إِقَامَتَهُ بِالْبُرْهَانِيَّاتِ، فَتَارَةً يَتَّبِعُونَ الْمُعْتَزِلَةَ، وَالْقَدَرِيَّةَ (¬1) ، وَتَارَةً يَتَّبِعُونَ الْمُجَسِّمَةَ (¬2) ، [وَالْجَبْرِيَّةُ (¬3) ، وَهُمْ مِنْ أَجْهَلِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ] بِالنَّظَرِيَّاتِ، وَلِهَذَا كَانُوا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْ أَجْهَلِ الطَّوَائِفِ الدَّاخِلِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ. ¬

(¬1) الْقَدَرِيَّةُ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَخُوضُونَ فِي الْقَدَرِ وَيَذْهَبُونَ إِلَى إِنْكَارِهِ. وَأَوَّلُ الْقَدَرِيَّةِ هُوَ - عَلَى الْأَرْجَحِ - مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ الْمَقْتُولُ سَنَةَ 80 هـ. (انْظُرْ شَرْحَ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ 1/150 - 151) وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْلَانُ بْنُ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيُّ الْمَقْتُولُ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. انْظُرِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 70؛ " الْمُعْتَزِلَةَ " تَأْلِيفُ زُهْدِي جَار اللَّهِ (الْقَاهِرَةَ، 1947) ص [0 - 9]- 7. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ فِي مَقَالَاتِهِ اخْتِلَافَ الرَّافِضَةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَبَيَّنَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يُتَابِعُونَ الْمُعْتَزِلَةَ وَالْقَدَرِيَّةَ. انْظُرِ الْمَقَالَاتِ 1/105، 110، 114، 115، (وَنَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَعْضَ كَلَامِهِ فِيمَا يَلِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: بُولَاقَ 1/214) . وَانْظُرْ أَيْضًا ضُحَى الْإِسْلَامِ لِأَحْمَدَ أَمِين 3/267 - 268، الْقَاهِرَةَ، 1949. (¬2) الْمُجَسِّمَةُ هُمُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ مِنَ الْأَجْسَامِ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 1/102 - 105) آرَاءَ خَمْسِ فِرَقٍ مِنَ الشِّيعَةِ الْأَوَائِلِ وَكُلُّهَا تَذْهَبُ إِلَى التَّجْسِيمِ مِثْلَ قَوْلِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جِسْمٌ " طُولُهُ مِثْلُ عَرْضِهِ، وَعَرْضُهُ مِثْلُ عُمْقِهِ " ثُمَّ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (1/105) " وَقَالُوا فِي التَّوْحِيدِ بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، فَأَمَّا أَوَائِلُهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ التَّشْبِيهِ ". وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِنَا هَذَا (بُولَاقَ 1/203) كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ فِي هَذَا الصَّدَدِ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا عَنِ الْمُجَسِّمَةِ (1/238 - 240) . وَانْظُرْ أَيْضًا دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ " جَسَمَ "، 6/460 - 461، وَمَادَّةَ " التَّشْبِيهِ ": 5/257 - 258. (¬3) م: الْجَبْرِيَّةُ وَالْمُجَسِّمَةُ. وَالْجَبْرِيَّةُ هُمُ الَّذِينَ لَا يُثْبِتُونَ لِلْعَبْدِ فِعْلًا، وَلَا قُدْرَةً عَلَى الْفِعْلِ أَصْلًا، بَلْ يُضِيفُونَ الْفِعْلَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَلَا تُوجَدُ - فِيمَا نَعْلَمُ - فِرَقٌ تَنْفَرِدُ بِالْقَوْلِ بِالْجَبْرِ، بَلْ أَكْثَرُ الْجَبْرِيَّةِ يَقُولُونَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ بِأُمُورٍ أُخْرَى مِثْلَ الْجَهْمِيَّةِ وَالنَّجَّارِيَّةِ وَالضِّرَارِيَّةِ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْجَبْرِ وَنَفْيِ الصِّفَاتِ. انْظُرِ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/79 - 83؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 126 - 130؛ اعْتِقَادَاتِ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ 68 - 69. وَلَمْ أَجِدْ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ الْمَرَاجِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُتَابَعَةِ الشِّيعَةِ لِلْجَبْرِيَّةِ، وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ الْمَقَالَاتِ 1/110 - 112؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/146 - 147، 154.

[وَمِنْهُمْ مَنْ أَدْخَلَ عَلَى الدِّينِ] مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا رَبُّ الْعِبَادِ، فَمَلَاحِدَةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ (¬1) ، وَالنُّصَيْرِيَّةُ (¬2) ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ [الْبَاطِنِيَّةِ ¬

(¬1) انْقَسَمَتِ الشِّيعَةُ الْإِمَامِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ حَوَالَيْ سَنَةِ 147 هـ إِلَى عِدَّةِ فِرَقِ أَهَمُّهَا الْمُوسَوِيَّةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، قَالَتِ الْأُولَى مِنْهُمَا بِإِمَامَةِ مُوسَى الْكَاظِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَهُمُ الْمُوسَوِيَّةُ، وَقَالَتِ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بِإِمَامَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ. وَانْقَسَمَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ بِدَوْرِهَا إِلَى فِرْقَتَيْنِ، قَالَتِ الْأُولَى مِنْهُمَا: إِنَّ إِسْمَاعِيلَ لَمْ يَمُتْ بَلْ أَظْهَرَ الْمَوْتَ تَقِيَّةً (وَالْقَرَامِطَةُ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ هَؤُلَاءِ) ، وَقَالَتِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ: بَلْ مَاتَ وَالْإِمَامُ بَعْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُبَارَكِيَّةُ. ثُمَّ انْقَسَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَنْ وَقَفَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَقَالَ بِرَجْعَتِهِ بَعْدَ غَيْبَتِهِ، وَإِلَى مَنْ سَاقَ الْإِمَامَةَ فِي " الْمَسْتُورِينَ " مِنْهُمْ ثُمَّ فِي " الظَّاهِرِينَ الْقَائِمِينَ " وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ الْبَاطِنِيَّةُ. انْظُرِ الْمَقَالَاتِ 1/98 - 99، 100 - 101؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/149، 170 - 178. وَانْظُرْ أَيْضًا كِتَابَ الدُّكْتُور مُحَمَّد كَامِل حُسَيْن: طَائِفَةَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، الْقَاهِرَةَ، 1959؛ هِيوَار: مَقَالَةٌ عَنِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ جُولْد تِسِيهَر: الْعَقِيدَةُ وَالشَّرِيعَةُ، ص 212 - 220 (الطَّبْعَةَ الْأُولَى) ؛ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الدَّيْلَمِيُّ: كِتَابَ قَوَاعِدِ عَقَائِدِ آلِ مُحَمَّدٍ الْبَاطِنِيَّةِ، شتروتمان: مَقَالَةَ السَّبْعِيَّةِ، دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ. Donaldson shi، ite religion pp. 153، 357 - 358، luzac. London 1993. (¬2) النُّصَيْرِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ قَالُوا بِظُهُورِ " الْحَقِّ " بِصُورَةِ عَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ وَلِذَلِكَ أَطْلَقُوا عَلَيْهِمُ اسْمَ الْإِلَهِيَّةِ. يَقُولُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/168 - 169) عَلَى لِسَانِهِمْ " وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا هَذَا الِاخْتِصَاصَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِتَأْيِيدٍ إِلَهِيٍّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَاطِنِ الْأَسْرَارِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ ". وَيَذْكُرُ جُولْدُ تِسِيهَر (الْعَقِيدَةَ وَالشَّرِيعَةَ، ص [0 - 9] 84 - 185) أَنَّ النُّصَيْرِيَّةَ جَعَلُوا مُحَمَّدًا فِي مَنْزِلَةٍ أَقَلَّ شَأْنًا مِنْ عَلِيٍّ وَزَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ حِجَابًا لَهُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ (ص 220 - 221) يَقُولُ جُولْدُتِسِيهَر إِنَّ النُّصَيْرِيَّةَ يَسْكُنُونَ الْإِقْلِيمَ الْوَاقِعَ بَيْنَ طَرَابُلُسَ وَأَنْطَاكِيَةَ وَأَنَّ مَذْهَبَهُمُ الْأَصْلِيَّ هُوَ اثْنَا عَشْرِيٍّ وَلَكِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْأَفْكَارُ وَالْعَقَائِدُ الْوَثَنِيَّةُ الْقَائِلَةُ بِتَأْلِيهِ عَلِيٍّ وَالْأَئِمَّةِ. أَمَّا Donaldson فَيَذْهَبُ فِي كِتَابِهِ سَالِفِ الذِّكْرِ (ص 153) إِلَى أَنَّ النُّصَيْرِيَّةَ يُمْكِنُ - إِلَى حَدِّ مَا - إِرْجَاعُ أَصْلِهِمْ إِلَى السَّبْعِيَّةِ. وَلِابْنِ تَيْمِيَّةَ رِسَالَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى النُّصَيْرِيَّةِ ضِمْنَ مَجْمُوعِ رَسَائِلِ (الْمَطْبَعَةِ الْحُسَيْنِيَّةِ، الْقَاهِرَةَ، 1323) ، ص 94 - 102، وَانْظُرْ مَا سَيَرِدُ عَنْهُمْ فِي كِتَابِنَا هَذَا، 1/240 بُولَاقَ.

الْمُنَافِقِينَ مِنْ بَابِهِمْ (¬1) دَخَلُوا] ، وَأَعْدَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ بِطَرِيقِهِمْ وَصَلُوا، وَاسْتَوْلَوْا بِهِمْ عَلَى بِلَادِ [الْإِسْلَامِ، وَسَبَوُا الْحَرِيمَ، وَأَخَذُوا] الْأَمْوَالَ، وَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَجَرَى عَلَى الْأُمَّةِ بِمُعَاوَنَتِهِمْ مِنْ فَسَادِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا (¬2) [مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ] . إِذْ كَانَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ إِحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ عَاقَبَهُمْ فِي حَيَاتِهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬3) ، فَحَرَّقَ مِنْهُمْ طَائِفَةً (¬4) بِالنَّارِ، وَطَلَبَ قَتْلَ بَعْضِهِمْ، [فَفَرُّوا] مِنْ سَيْفِهِ الْبَتَّارِ، وَتَوَعَّدَ بِالْجَلْدِ (¬5) طَائِفَةً مُفْتَرِيَةً (¬6) فِيمَا عُرِفَ (¬7) عَنْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ، (8) [إِذْ قَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ] (8) (¬8) أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، وَقَدْ أَسْمَعَ مَنْ حَضَرَ: خَيْرُ [هَذِهِ] (¬9) ¬

(¬1) أ، ل: الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ. .، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ، ل، ب: الدُّنْيَا وَالدِّينِ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬4) م: طَائِفَةً مِنْهُمْ. (¬5) أ، ل: بِالْخُلْدِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬6) مُفْتَرِيَةً: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (ل) ، وَفِي (أ) ، (ب) : مُغِيرِيَّةً. وَالْمُغِيرِيَّةُ هُمْ أَصْحَابُ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَجَلِيِّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَنْهُ فِيمَا بَعْدُ. وَقَدْ رُجِّحَتْ قِرَاءَةُ مُفْتَرِيَةً لِاتِّفَاقِهَا مَعَ سِيَاقِ الْكَلَامِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ "، (ص 101، الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ بِالْمَطْبَعَةِ الْمُنِيرِيَّةِ، الْقَاهِرَةَ، 1368) مِنْ كَلِمَةٍ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَهُ: أَلَا فَمَنْ أُوتِيتُ بِهِ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ (كَذَا وَلَعَلَّ صَوَابَهَا: هَذَا بَعْدَ الْيَوْمِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْقَوْلُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الطَّعْنَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي. وَسَيَذْكُرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا يَلِي (1/84 بُولَاقَ) هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَلَكِنَّهُ يُطْلِقُ عَلَيْهِمُ اسْمَ " الْمُفَضِّلَةِ " أَيِ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - (¬7) ن، م: تَوَاتَرَ. (¬8) (8 - 8) سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ. (¬9) هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَبِذَلِكَ أَجَابَ ابْنَهُ (¬1) [مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ] (¬2) فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (¬3) ، وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ. ¬

(¬1) ن، م، أ، ل: لِابْنِهِ. (¬2) هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ عَلَى الْأَرْجَحِ سَنَةَ 81 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي ابْنِ خَلِّكَانَ 3/310 - 313؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/88 - 90. وَالْفِرْقَةُ الْمُخْتَارِيَّةُ (أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ) وَهِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ فُرُوعِ الْفِرْقَةِ الْكَيْسَانِيَّةِ كَانَتْ تَعْتَقِدُ بِإِمَامَتِهِ. وَيَذْكُرُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/132 - 133) أَنَّ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ تَبَرَّأَ مِنَ الْمُخْتَارِ لَمَّا وَقَفَ عَلَى مَزَاعِمِهِ. وَانْظُرْ أَيْضًا مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/90 - 91. (¬3) الْأَثَرُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/7 (كِتَابَ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) وَنَصُّهُ. . عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ. قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ. قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا الْأَثَرُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/288 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّفْضِيلِ) . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/39 (الْمُقَدِّمَةَ، فَضْلُ عُمَرَ) . . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ وَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ. وَوَرَدَ الْأَثَرُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي (ط. الْمَعَارِفِ) بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ 24 مَرَّةً كَالْآتِي: عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ (الْأَحَادِيثَ رَقْمَ 833، 835 - 837، 871، 878 - 880، 1054) وَعَنْ عَبْدِ خَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ (الْأَرْقَامَ 908، 909، 922، 932 - 934، 1030، 1031، 1040، 1052، 1060) . وَعَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ (926، 932) وَعَنْ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ (834) . وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ (1051) وَقَدْ صَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَدَ جَمِيعِ هَذِهِ الْآثَارِ مَا عَدَا سَنَدَ الْآثَارِ 922، 1030 فَقَدْ حَسَّنَهُمَا، 1052 فَقَدْ ضَعَّفَهُ. وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ 1/518 حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ هُوَ: " خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " ثُمَّ قَالَ: " كر = ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَ: الْمَحْفُوظُ مَوْقُوفٌ " وَالثَّانِي هُوَ: " خَيْرُ أُمَّتِي بَعْدِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " ثُمَّ قَالَ: " كر = ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ مَعًا، ك = الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَجَاءَ الْحَدِيثُ الثَّانِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2/10 (ط. مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ، 1358 1939) وَلَمْ. يَذْكُرْ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنِ الْحَاكِمِ، وَحَسَّنَ السُّيُوطِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّ الْأَلْبَانِيَّ ضَعَّفَهُ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 3/137 ".

وَلِهَذَا كَانَتِ الشِّيعَةُ الْمُتَقَدِّمُونَ الَّذِينَ صَحِبُوا عَلِيًّا، [أَوْ كَانُوا (¬1) فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ] لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ نِزَاعُهُمْ فِي [تَفْضِيلِ] (¬2) عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَهَذَا مِمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ (¬3) [عُلَمَاءُ الشِّيعَةِ الْأَكَابِرُ مِنَ] الْأَوَائِلِ، وَالْأَوَاخِرِ حَتَّى ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ (¬4) أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيُّ (¬5) . قَالَ: سَأَلَ سَائِلٌ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [أَبِي] نَمِرٍ (¬6) ، [فَقَالَ لَهُ: (¬7) أَيُّهُمَا أَفْضَلُ أَبُو بَكْرٍ، أَوْ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ لَهُ] : أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: أَتَقُولُ هَذَا، وَأَنْتَ مِنَ الشِّيعَةِ؟ (¬8) فَقَالَ: نَعَمْ إِنَّمَا الشِّيعِيُّ [مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا (¬9) ، وَاللَّهِ لَقَدْ] رَقَى عَلِيٌّ (¬10) هَذَا الْأَعْوَادَ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ خَيْرَ (¬11) هَذِهِ الْأُمَّةِ ¬

(¬1) م: وَكَانُوا. (¬2) تَفْضِيلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن: مِمَّا يَعْرِفُهُ، م: مِمَّا تَعْرِفُهُ. (¬4) أ، ل: ذَكَرَ ذَلِكَ مِثْلُ. (¬5) هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُودٍ الْكَعْبِيُّ الْبَلْخِيُّ صَاحِبُ " الْمَقَالَاتِ ". وَرَأَسُ فِرْقَةِ الْكَعْبِيَّةِ مِنْ فِرَقِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 319، وَقِيلَ سَنَةَ 317. انْظُرِ ابْنَ خَلِّكَانَ 2/248 - 249؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 108 - 110؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/73 (¬6) ن، م: شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَمِرٍ؛ أ: لِشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ. وَيَذْكُرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِيمَا بَعْدُ (1/168 بُولَاقَ) . وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 140 هـ. تَرْجَمْتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/337 - 338؛ خُلَاصَةِ تَهْذِيبِ الْكَمَالِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 140. (¬7) م: نَمِرٌ أَنَّهُ قَالَ لَهُ قَائِلٌ. (¬8) أ، ل، ب: تَقُولُ هَذَا وَأَنْتَ شِيعِيٌّ. (¬9) أ، ل، ب: فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، مَنْ لَمْ يَقُلْ هَذَا فَلَيْسَ بِشِيعِيٍّ (فِي " ب " فَلَيْسَ شِيعِيًّا) . (¬10) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ " أ "، " ل "، " ب ". (¬11) م: فَقَالَ أَلَا خَيْرُ؛ ل: فَقَالَ: إِنَّ خَيْرَ.

بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، أَفَكُنَّا (¬1) نَرُدُّ [قَوْلَهُ؟ أَكُنَّا (¬2) نُكَذِّبُهُ؟ وَاللَّهِ مَا كَانَ] كَذَّابًا! ذَكَرَ هَذَا [أَبُو الْقَاسِمِ] الْبَلْخِيُّ. (¬3) فِي النَّقْضِ عَلَى ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ (¬4) اعْتِرَاضَهُ (¬5) عَلَى الْجَاحِظِ (¬6) . نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِيَ [عَبْدُ الْجَبَّارِ الْهَمْدَانِيُّ ¬

(¬1) أَفَكُنَّا: كَذَا فِي (ن) ، (ل) . وَفِي (م) ، (أ) : فَكُنَّا. وَفِي (ب) : فَكَيْفَ. (¬2) أ: لَكُنَّا؛ ب: وَكَيْفَ. (¬3) ن، م: ذَكَرَ هَذَا الْبَلْخِيُّ؛ أ، ل، ب: نَقَلَ هَذَا عَبْدُ الْجَبَّارِ الْهَمْدَانِيُّ فِي كِتَابِ " تَثْبِيتِ النُّبُوَّةِ " قَالَ ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيُّ. (¬4) هُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ الرَّاوَنْدِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 298 وَقِيلَ: 245. كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ وَهَاجَمَ مَذْهَبَهُمْ وَصَارَ مُلْحِدًا زِنْدِيقًا، وَقَدْ عَدَّهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/170) وَالْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 1/127) مِنْ مُؤَلِّفِي كُتُبِ الشِّيعَةِ. وَذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 1/205) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِ أَصْحَابِ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ فِي الْإِرْجَاءِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ عَنْهُ الْخَوَانْسَارِيُّ فِي " رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ " (ص 54) بِالتَّفْصِيلِ وَذَكَرَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ ابْنَ الرَّاوَنْدِيِّ كَانَ يَهُودِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ مُنْتَصِبًا قَائِلًا بِإِمَامَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمِنْ أَنَّهُ كَانَ يُرْمَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِالزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا بَعْدُ (1/136) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ (الْفِصَلَ 4/154) عَنِ الرَّاوَنْدِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (نَسَبَهُمُ الرَّازِيُّ فِي " اعْتِقَادَاتِ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ "، ص [0 - 9] 3، إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الرَّاوَنْدِيِّ، وَانْظُرْ مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/94) وَيَقُولُ الْخَوَانْسَارِيُّ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ الْمُلْحِدِ غَيْرَ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ الشِّيعِيِّ، وَالْأَمْرُ كَمَا نَرَى فِي حَاجَةٍ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ التَّحْقِيقِ. وَقَدْ أَلَّفَ " ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ " كُتُبًا عِدَّةً مِنْهَا كِتَابُ " الْإِمَامَةِ " وَكِتَابُ " فَضِيحَةِ الْمُعْتَزِلَةِ " الَّذِي كَتَبَهُ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى كِتَابِ الْجَاحِظِ " فَضِيلَةِ الْمُعْتَزِلَةِ " فَرَدَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الْخَيَّاطُ فِي كِتَابِهِ " الِانْتِصَارِ " وَالْبَلْخِيُّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ. وَانْظُرْ أَيْضًا عَنِ " ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ ": ابْنَ خَلِّكَانَ 1/78 - 79؛ تَكْمِلَةَ الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ 4 - 5؛ مُقَدِّمَةَ الدُّكْتُور نيبرجَ لِكِتَابِ " الِانْتِصَارِ " لِلْخَيَّاطِ، الْقَاهِرَةَ 1925؛ الْأَعْلَامَ 1/252 - 253. (¬5) أ، ل، ب: عَلَى اعْتِرَاضِهِ. (¬6) الْجَاحِظُ (أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْكِنَانِيُّ اللَّيْثِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 250 وَقِيلَ: 255) مِنْ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُوَ رَأْسُ فِرْقَةِ الْجَاحِظِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ، وَمِنْ أَشْهَرِ كُتُبِهِ كِتَابُ " فَضِيلَةِ الْمُعْتَزِلَةِ " الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ. انْظُرْ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/140 - 144؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/121 - 122؛ يَاقُوتٌ: مُعْجَمَ الْأُدَبَاءِ (ط. رِفَاعِيٍّ) 16 - 114؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/71 - 72؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ ص 105 - 107

تحريم كتمان العلم

فِي كِتَابِ] (تَثْبِيتِ النُّبُوَّةِ) (¬1) . [تحريم كتمان العلم] [ (فَصْلٌ (¬2) .) ] . فَلَمَّا أَلَحُّوا فِي طَلَبِ الرَّدِّ لِهَذَا الضَّلَالِ الْمُبِينِ، ذَاكِرِينَ أَنَّ فِي الْإِعْرَاضِ [عَنْ ذَلِكَ خِذْلَانًا لِلْمُؤْمِنِينَ] ، وَظَنَّ (¬3) أَهْلُ الطُّغْيَانِ نَوْعًا مِنَ الْعَجْزِ [عَنْ] (¬4) رَدِّ هَذَا الْبُهْتَانِ، فَكَتَبْتُ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْبَيَانِ، [وَفَاءً بِمَا أَخَذَهُ اللَّهُ مِنَ] الْمِيثَاقِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْإِيمَانِ، وَقِيَامًا بِالْقِسْطِ، وَشَهَادَةً ¬

(¬1) فِي (أ) ، (ب) ، (ل) : نَقَلَ هَذَا. إِلَخْ، كُتِبَتِ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةً وَمُضْطَرِبَةً. وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ هُوَ الْقَاضِي عِمَادُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِيُّ الْأَسَدَابَادِيُّ، شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي عَصْرِهِ، وَهُمْ يُلَقِّبُونَهُ " قَاضِيَ الْقُضَاةِ "، تُوُفِّيَ سَنَةَ 415، وَلَهُ مُؤَلِّفَاتٌ كَثِيرَةٌ أَهَمُّهَا " الْمُغْنِي فِي الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ " وَ " شَرْحُ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ " وَ " تَثْبِيتُ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَ " تَنْزِيهُ الْقُرْآنِ عَنِ الْمَطَاعِنِ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمَذْهَبَهُ فِي: شَرْحِ الْعُيُونِ لِلْجُشَمِيِّ (ضِمْنَ كِتَابِ " فَضْلِ الِاعْتِزَالَ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ "، تَحْقِيقَ الْأُسْتَاذِ فُؤَاد سَيِّد، الدَّارَ التُّونِسِيَّةَ لِلنَّشْرِ، 1393 - 1974) ص 365 - 371؛ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 5/97 - 98؛ لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/386 - 387؛ تَارِيخَ بَغْدَادَ 11/113 - 115؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/202 - 203؛ الْأَعْلَامَ 4/47. وَتَرْجَمَ لَهُ سَزْكِينُ مُجَلَّدَ 1 ج [0 - 9] ص [0 - 9] 1 - 84 وَذَكَرَ أَنَّهُ تُوجَدُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ مِنْ كِتَابِ تَثْبِيتِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي مَكْتَبَةِ شَهِيد عَلِي (إِسْتَانْبُولَ) . وَتُوجَدُ مُصَوَّرَةٌ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ فِي مَعْهَدِ الْمَخْطُوطَاتِ الْعَرَبِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ بِرَقْمِ 60 تَوْحِيدٌ) . وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي كِتَابِهِ " تَثْبِيتِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " 1/549 تَحْقِيقُ د. عَبْدِ الْكَرِيمِ عُثْمَان (رَحِمَهُ اللَّهُ) ، ط. دَارِ الْعَرَبِيَّةِ، بَيْرُوتَ، 1386/1966. (¬2) فَصْلٌ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬3) ن، م: فَظَنَّ. (¬4) عَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

لِلَّهِ (¬1) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 135] ، وَاللَّيُّ (¬2) هُوَ تَغْيِيرُ الشَّهَادَةِ، [وَالْإِعْرَاضُ كِتْمَانُهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى] قَدْ أَمَرَ بِالصِّدْقِ، وَالْبَيَانِ، وَنَهَى عَنِ الْكَذِبِ، وَالْكِتْمَانِ فِيمَا يُحْتَاجُ [إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِظْهَارِهِ، كَمَا قَالَ: النَّبِيُّ] (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: ( «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا، وَبَيَّنَا بُورِكَ [لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا، وَكَذَّبَا» (¬4) ] «مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» (¬5) .) . وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 8] . ¬

(¬1) ن، م: شَهَادَةِ اللَّهِ. (¬2) أ: وَاللَّائِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬3) النَّبِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬4) م: وَإِنْ كَذَّبَا وَكَتَمَا. (¬5) الْحَدِيثَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. انْظُرْ مَثَلًا الْبُخَارِيَّ 3/58 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا.) ، 3/64 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) ؛ مُسْلِمٌ 3/1164 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ الصِّدْقِ فِي الْبَيْعِ وَالْبَيَانِ) . وَالْحَدِيثُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بِمَعْنَاهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ.

وَمِنْ أَعْظَمِ الشَّهَادَاتِ مَا جَعَلَ اللَّهُ [أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (¬1) ] شُهَدَاءَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 143] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 78] ، وَالْمَعْنَى [عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُمُ] الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَفِي الْقُرْآنِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 140] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 187] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 159 - 160] ، لَا سِيَّمَا الْكِتْمَانَ إِذَا لَعَنَ [آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، كَمَا فِي الْأَثَرِ: «إِذَا لَعَنَ] آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيُظْهِرْهُ، فَإِنَّ كَاتِمَ الْعِلْمِ يَوْمَئِذٍ كَكَاتِمِ [مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ» (¬2) . ¬

(¬1) م: مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬2) م: مَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/96 - 97. (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِذَا لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَمَنْ كَتَمَ حَدِيثًا فَقَدْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ " وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ: " فِي الزَّوَائِدِ فِي إِسْنَادِهِ حُسَيْنُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ كَذَّابٌ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السِّرِيِّ، ضَعِيفٌ. وَفِي الْأَطْرَافِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّرِيِّ لَمْ يُدْرِكْ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ. وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَسَائِطَ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ أَيْضًا ".

وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ] هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمُ (¬1) الَّذِينَ قَامُوا بِالدِّينِ تَصْدِيقًا، وَعِلْمًا، وَعَمَلًا، وَتَبْلِيغًا، فَالطَّعْنُ فِيهِمْ [طَعْنٌ فِي الدِّينِ مُوجِبٌ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا] بَعَثَ اللَّهُ بِهِ (¬2) النَّبِيِّينَ. وَهَذَا كَانَ مَقْصُودَ أَوَّلِ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةَ التَّشَيُّعِ (¬3) ، فَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ (¬4) [الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِبْطَالَ مَا جَاءَتْ] بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ، وَلِهَذَا كَانُوا يُظْهِرُونَ ذَلِكَ بِحَسَبِ ضَعْفِ الْمِلَّةِ، فَظَهَرَ [فِي الْمَلَاحِدَةِ حَقِيقَةُ هَذِهِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ] لَكِنْ رَاجَ كَثِيرٌ مِنْهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُلْحِدِينَ، لِنَوْعٍ مِنَ الشُّبْهَةِ، وَالْجَهَالَةِ [الْمَخْلُوطَةِ (¬5) بِهَوًى، فَقُبِلَ (¬6) مَعَهُ الضَّلَالَةُ] ، وَهَذَا أَصْلُ كُلِّ بَاطِلٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (¬7) {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 4] إِلَى قَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى - وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى - أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى - تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى - إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 19 - 23] ، فَنَزَّهَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَنِ الضَّلَالِ، وَالْغَيِّ، وَالضَّلَالُ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَالْغَيُّ اتِّبَاعُ الْهَوَى. ¬

(¬1) هُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) ن: الشِّيَعِ. (¬4) ن، م: مَقْصُودُهُ. (¬5) م: الْمُخْتَلِطَةِ. (¬6) م: تُقْبَلُ. (¬7) أ، ل، ب: قَالَ تَعَالَى.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 72] ، فَالظَّلُومُ غَاوٍ، وَالْجَهُولُ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 73] (¬1) . وَلِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَقُولَ فِي صَلَاتِنَا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، [فَالضَّالُّ الَّذِي لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ] كَالنَّصَارَى، وَالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ (¬2) الْغَاوِي الَّذِي يَعْرِفُ الْحَقَّ، وَيَعْمَلُ بِخِلَافِهِ كَالْيَهُودِ. وَالصِّرَاطُ [الْمُسْتَقِيمُ يَتَضَمَّنُ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ] وَالْعَمَلَ بِهِ، كَمَا فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحَقَّ حَقًّا، وَوَفِّقْنِي لِاتِّبَاعِهِ، وَأَرِنِي الْبَاطِلَ [بَاطِلًا، وَوَفِّقْنِي لِاجْتِنَابِهِ، وَلَا تَجْعَلْهُ] مُشْتَبِهًا عَلَيَّ، فَأَتَّبِعَ الْهَوَى» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (¬3) ] «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» ) (¬5) ، فَمَنْ خَرَجَ ¬

(¬1) ن، م: وَالْمُؤْمِنَاتِ. . الْآيَةَ. (¬2) ن، م: عَلَيْهِمْ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) م: عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (¬5) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 1/534 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ الدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقِيَامِهِ) وَأَوَّلُهُ:. . حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: " اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ. . الْحَدِيثَ ".

عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ كَانَ مُتَّبِعًا لِظَنِّهِ، وَمَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، فَفِيهِمْ جَهْلٌ، وَظُلْمٌ، لَا سِيَّمَا الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ أَعْظَمُ ذَوِي الْأَهْوَاءِ جَهْلًا وَظُلْمًا يُعَادُونَ خِيَارَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬1) مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّينَ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ (¬2) ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُ، وَيُوَالُونَ الْكُفَّارَ، وَالْمُنَافِقِينَ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمُشْرِكِينَ، وَأَصْنَافِ الْمُلْحِدِينَ كَالنُّصَيْرِيَّةِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الضَّالِّينَ (¬3) ، فَتَجِدُهُمْ، أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ إِذَا اخْتَصَمَ خَصْمَانِ فِي رَبِّهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْكُفَّارِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ - سَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِقَوْلٍ، أَوْ عَمَلٍ كَالْحُرُوبِ الَّتِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمُشْرِكِينَ - تَجِدُهُمْ يُعَاوِنُونَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ الْقُرْآنِ. كَمَا قَدْ جَرَّبَهُ النَّاسُ مِنْهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي مِثْلِ إِعَانَتِهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ (¬4) مِنَ التُّرْكِ، وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِخُرَاسَانَ، وَالْعِرَاقِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَالشَّامِ، وَغَيْرِ ¬

(¬1) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ن: مِنَ السَّابِقِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. (¬3) ن، م: الْغَالِينَ. (¬4) ن، م: الْمُشْرِكِينَ.

كلام عام عن الرافضة

ذَلِكَ، وَإِعَانَتِهِمْ لِلنَّصَارَى (¬1) عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي وَقَائِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ أَعْظَمِهَا (¬2) الْحَوَادِثُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، فَإِنَّهُ (¬3) لَمَّا قَدِمَ كُفَّارُ التُّرْكِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا (¬4) لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا رَبُّ الْأَنَامِ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَمُعَاوَنَةً لِلْكَافِرِينَ (¬5) ، وَهَكَذَا مُعَاوَنَتُهُمْ لِلْيَهُودِ أَمْرٌ شَهِيرٌ (¬6) حَتَّى جَعَلَهُمُ النَّاسُ لَهُمْ كَالْحَمِيرِ. [كلام عام عن الرافضة] [مشابهة الرافضة لليهود والنصارى] (فَصْلٌ) . وَهَذَا الْمُصَنِّفُ سَمَّى كِتَابَهُ (مِنْهَاجَ الْكَرَامَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْإِمَامَةِ) (¬7) ، وَهُوَ خَلِيقٌ بِأَنْ يُسَمَّى (مِنْهَاجَ النَّدَامَةِ) ، كَمَا أَنَّ مَنِ ادَّعَى الطَّهَارَةَ، وَهُوَ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ، بَلْ مِنْ أَهْلِ الْجِبْتِ، [وَالطَّاغُوتِ] ، وَالنِّفَاقِ (¬8) كَانَ وَصْفُهُ بِالنَّجَاسَةِ، وَالتَّكْدِيرِ أَوْلَى مِنْ وَصْفِهِ [بِالتَّطْهِيرِ] (¬9) . ¬

(¬1) م: النَّصَارَى. (¬2) أ، ل، ب: أَعْظَمِ. (¬3) ن: فَإِنَّهُمْ. (¬4) م: مَنْ. (¬5) ن، م: لِلْكُفَّارِ. (¬6) ن، م: اشْتُهِرَ؛ أ: شُهِرَ. (¬7) فِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ: " مَطْلَبٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ، سَمَّى كِتَابَهُ مِنْهَاجَ الْكَرَامَةِ ". (¬8) ن، م: مِنْ أَهْلِ الْخُبْثِ وَالنِّفَاقِ. (¬9) ذَكَرَ الصَّفَدِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ (الْوَافِي بِالْوَفَيَاتِ - نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي مَكْتَبَةِ الْبُودْلِيَانِ بِأُكْسُفُورْدَ، ج [0 - 9] 6 ص (21) ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: ابْنُ الْمُنَجَّسِ، وَيُرِيدُ بِهِ ابْنَ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيَّ.

وَمِنْ أَعْظَمِ خَبَثِ الْقُلُوبِ أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ غِلٌّ لِخِيَارِ (¬1) الْمُؤْمِنِينَ، [وَسَادَاتِ أَوْلِيَاءِ] اللَّهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ، وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ [تَعَالَى] (¬2) فِي الْفَيْءِ نَصِيبًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 10] . وَلِهَذَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مِنَ [الْمُشَابَهَةِ فِي الْخَبَثِ] (¬3) ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ الْيَهُودِ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّصَارَى مِنَ الْمُشَابَهَةِ فِي الْغُلُوِّ، وَالْجَهْلِ (¬4) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّصَارَى مَا أَشْبَهُوا بِهِ هَؤُلَاءِ مِنْ وَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ وَجْهٍ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَصِفُونَهُمْ بِذَلِكَ. وَمِنْ أَخْبَرِ [النَّاسِ بِهِمُ] الشَّعْبِيُّ (¬5) وَأَمْثَالُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: (مَا رَأَيْتُ أَحْمَقَ مِنَ الْخَشَبِيَّةِ (¬6) لَوْ كَانُوا مِنَ الطَّيْرِ لَكَانُوا رَخَمًا (¬7) ، وَلَوْ كَانُوا مِنَ الْبَهَائِمِ لَكَانُوا حُمُرًا، وَاللَّهِ لَوْ طَلَبْتُ مِنْهُمْ أَنْ ¬

(¬1) م: عَلَى خِيَارِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (ل) . (¬3) فِي الْخَبَثِ: زِيَادَةٌ فِي (م) ، (ل) وَظَهَرَ جُزْءٌ مِنَ الْكَلِمَةِ فِي (ن) . (¬4) أ، ب، ل: وَالْجَهْلِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى. (¬5) هُوَ أَبُو عَمْرٍو عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ بْنِ عَبْدٍ الشَّعْبِيُّ، كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ جَلِيلُ الْقَدْرِ وَافِرُ الْعِلْمِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 104. تَرْجَمَتُهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/227 - 229؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/126 - 128. (¬6) أ، ل: الْحَبَشِيَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْخَشَبِيَّةُ نِسْبَةٌ إِلَى الْخَشَبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفُضُونَ الْقِتَالَ بِالسَّيْفِ وَيُقَاتِلُونَ بِالْخَشَبِ كَمَا سَيَرِدُ بَعْدَ قَلِيلٍ (ص 22) . وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ (الْفِصَلَ 5/45) أَنَّ بَعْضَ الشِّيعَةِ كَانُوا " لَا يَسْتَحِلُّونَ حَمْلَ السِّلَاحِ حَتَّى يَخْرُجَ الَّذِي يَنْتَظِرُونَهُ فَهُمْ يَقْتُلُونَ النَّاسَ بِالْخَنْقِ وَبِالْحِجَارَةِ، وَالْخَشَبِيَّةُ بِالْخَشَبِ فَقَطْ ". (¬7) الرَّخَمُ نَوْعٌ مِنَ الطَّيْرِ، وَاحِدَتُهُ رَخْمَةٌ، يُوصَفُ بِالْغَدْرِ وَالْقَذَرِ وَهُوَ مِنْ لِئَامِ الطَّيْرِ. لِسَانَ الْعَرَبِ 12/235 (ط. بَيْرُوتَ) .

يَمْلَئُوا لِي (¬1) هَذَا الْبَيْتَ ذَهَبًا عَلَى أَنْ أَكْذِبَ عَلَى عَلِيٍّ [لَأَعْطَوْنِي، وَوَاللَّهِ مَا] أَكْذِبُ عَلَيْهِ أَبَدًا) ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْكَلَامُ مَبْسُوطًا عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، لَكِنَّ (¬2) الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَبْسُوطَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ. كَمَا [رَوَى أَبُو حَفْصِ بْنُ] شَاهِينَ فِي كِتَابِ اللَّطِيفِ فِي السُّنَّةِ (¬3) : حَدَّثَنَا (¬4) مُحَمَّدُ بْنُ [أَبِي] الْقَاسِمِ (¬5) بْنِ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ [بْنُ نُصَيْرٍ الطُّوسِيُّ الْوَاسِطِيُّ] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي (¬6) الشَّعْبِيُّ: (أُحَذِّرُكُمْ هَذِهِ الْأَهْوَاءَ (¬7) [الْمُضِلَّةَ، وَشَرُّهَا الرَّافِضَةُ] لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ رَغْبَةً، وَلَا رَهْبَةً، وَلَكِنْ مَقْتًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَبَغْيًا عَلَيْهِمْ قَدْ حَرَّقَهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالنَّارِ (¬8) ، وَنَفَاهُمْ إِلَى الْبُلْدَانِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ: يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ صَنْعَاءَ نَفَاهُ إِلَى سَابَاطَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ نَفَاهُ إِلَى خَازِرَ (¬9) . ¬

(¬1) لِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) أ، ل، ب: الْكَلَامُ عَنْهُ مَبْسُوطًا لَكِنَّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ل، ب: اللُّطْفِ فِي السُّنَّةِ؛ م: اللَّطِيفُ فِي السُّنِّيَّةِ. وَابْنُ شَاهِينَ هُوَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 385. تَرْجَمَتُهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ لِلذَّهَبِيِّ 3/183 - 184؛ سَزْكِينَ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص 425 - 427. (¬4) ن، م: وَقَدْ رَوَى. (¬5) ن، م: مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ. (¬6) لِي: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬7) ب (فَقَطْ) : أُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ. (¬8) بِالنَّارِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ل خَارِزَ، ن: حَادِرَ؛ م. . حَادِنَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى النُّوبَخْتِيُّ (وَهُوَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ) فِي كِتَابِهِ " فِرَقِ الشِّيعَةِ " (ط. إِسْتَانْبُولَ 1931) ، ص 19 - 20 مَا يَلِي: فَلَمَّا قُتِلَ. عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - افْتَرَقَتِ الَّتِي ثَبَتَتْ عَلَى إِمَامَتِهِ وَأَنَّهَا فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصَارُوا فِرَقًا ثَلَاثًا: فِرْقَةٌ مِنْهُمْ قَالَتْ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يَمُتْ وَلَا يُقْتَلُ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَسُوقَ الْعَرَبَ بِعَصَاهُ وَيَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا، وَهِيَ أَوَّلُ فِرْقَةٍ قَالَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِالْوَقْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ - مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ مِنْهَا بِالْغُلُوِّ وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ تُسَمَّى " السَّبَئِيَّةَ " أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ، وَكَانَ مِمَّنْ أَظْهَرَ الطَّعْنَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالصَّحَابَةِ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَقَالَ إِنَّ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَأَخَذَهُ عَلِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا فَأَقَرَّ بِهِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبَأٍ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ وَوَالَى عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَانَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ فِي يُوشَعِ بْنِ نُونٍ بَعْدَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ فَقَالَ فِي إِسْلَامِهِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - فِي عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ شَهَرَ الْقَوْلَ بِفَرْضِ إِمَامَةِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَظْهَرَ الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِهِ وَكَاشَفَ مُخَالِفِيهِ فَمِنْ هُنَاكَ قَالَ مَنْ خَالَفَ الشِّيعَةَ: إِنَّ أَصْلَ الرَّفْضِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ ". وَانْظُرْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَالسَّبَئِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِي مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/85 - 86؛ الْإِسْفَرَايِينِيَّ: التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 71 - 72؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 143 - 145، الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/155 - 156؛ كِتَابَ " الشِّيعَةِ وَالتَّشَيُّعِ " لِلْأُسْتَاذِ إِحْسَان إِلَهِي ظَهِير، ص 67 - 77، ط. هُورَ، بَاكِسْتَانَ، 1404 1984. وَيَذْكُرُ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ (الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ ص 18) أَنَّ السَّبَئِيَّةَ أَظْهَرُوا بِدْعَتَهُمْ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ الْإِلَهُ، فَأَحْرَقَ عَلِيٌّ قَوْمًا مِنْهُمْ وَنَفَى ابْنَ سَبَأٍ إِلَى سَابَاطِ الْمَدَائِنِ (وَيُسَمِّيهَا يَاقُوتُ فِي " مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ " بِسَابَاطِ كِسْرَى بِالْمَدَائِنِ) . وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي لَيْلَى. ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ (مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 2/527) وَابْنُ حَجَرٍ (لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/379) وَلَمْ يَذْكُرَا سَنَةَ وَفَاتِهِ وَقَالَا إِنَّ حَدِيثَهُ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَصِحُّ. وَخَازِرُ (بِكَسْرِ الزَّايِ) نَهْرٌ بَيْنَ إِرْبِلَ وَالْمَوْصِلِ (يَاقُوتٌ) .

وَآيَةُ (¬1) ذَلِكَ أَنَّ مِحْنَةَ الرَّافِضَةِ مِحْنَةُ الْيَهُودِ، قَالَتِ [الْيَهُودُ] (¬2) : لَا يَصْلُحُ الْمُلْكُ إِلَّا فِي آلِ دَاوُدَ، وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ: لَا تَصْلُحُ الْإِمَامَةُ إِلَّا فِي ¬

(¬1) أ، ب: وَأَيَّدَ. (¬2) أ، ل: قَالُوا الْيَهُودُ؛ ن، م: قَالُوا: (بِدُونِ كَلِمَةِ الْيَهُودِ) .

وَلَدِ (¬1) عَلِيٍّ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ (¬2) : لَا جِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَخْرُجَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ، وَيَنْزِلَ سَيْفٌ (¬3) مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ: لَا جِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَخْرُجَ الْمَهْدِيُّ، وَيُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْيَهُودُ يُؤَخِّرُونَ [الصَّلَاةَ إِلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ] ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ يُؤَخِّرُونَ الْمَغْرِبَ إِلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ، وَالْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى [اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (¬4) : ( «لَا تَزَالُ] أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ.» ) (¬5) ، وَالْيَهُودُ تَزُولُ عَنِ الْقِبْلَةِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ [الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ] تَنُودُ (¬6) فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ تُسْدِلُ أَثْوَابَهَا فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، [وَالْيَهُودُ لَا يَرَوْنَ عَلَى النِّسَاءِ] عِدَّةً، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ حَرَّفُوا التَّوْرَاةَ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ حَرَّفُوا الْقُرْآنَ، وَالْيَهُودُ قَالُوا: [افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا خَمْسِينَ] صَلَاةً، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ (* وَالْيَهُودُ لَا يُخْلِصُونَ السَّلَامَ عَلَى ¬

(¬1) م: أَوْلَادِ. (¬2) وَقَالَتِ الْيَهُودُ: كَذَا فِي (ن) . وَفِي (أ) ، (ل) ، (ب) : النَّصَارَى، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أ، ب: سَيِّدٌ. (¬4) أَنَّهُ قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/169 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ. وَنَصُّهُ: " لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ، أَوْ قَالَ: عَلَى الْفِطْرَةِ، مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ. وَالْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/225 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/147، 5/417، 422. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 6/145. (¬6) نَادَ الرَّجُلُ يَنُودُ إِذَا حَرَّكَ رَأْسَهُ وَأَكْتَافَهُ.

الْمُؤْمِنِينَ (¬1) إِنَّمَا يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَالسَّامُ الْمَوْتُ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ *) (¬2) وَالْيَهُودُ لَا يَأْكُلُونَ الْجِرِّيَّ، وَالْمَرْمَاهَى، [وَالذِّنَابَ] (¬3) ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ لَا يَرَوْنَ (¬4) الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. وَالْيَهُودُ يَسْتَحِلُّونَ أَمْوَالَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا (¬5) اللَّهُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ (¬6) فِي الْقُرْآنِ [أَنَّهُمْ] (¬7) : {قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 75] ، [وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ] (¬8) ، وَالْيَهُودُ تَسْجُدُ عَلَى ¬

(¬1) ن، م: الْمُسْلِمِينَ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ تَرْتِيبُهُ فِي (ن) ، (م) بَعْدَ الْعِبَارَاتِ التَّالِيَةِ. (¬3) الْجِرِّيُّ ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ زَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ أُمَّةً ثُمَّ مُسِخَ (الْحَيَوَانَ 1/397) ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ "، ص 100، نَقْلًا عَنْ كِتَابِ الْمُرْتَضَى فِيمَا انْفَرَدَتْ بِهِ الْإِمَامِيَّةُ أَنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ السَّمَكَ الْجِرِّيَّ، وَالْمَرْمَاهَى هُوَ سَمَكٌ شَبِيهٌ بِالْحَيَّاتِ وَلَيْسَ مِنَ الْحَيَّاتِ (الْحَيَوَانَ 4/129) . وَالذِّنَابُ. كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي (أ) ، (ل) : الزِّنَابُ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ن) ، (م) . وَلَعَلَّ صَوَابَهُ " الْأَرْنَبُ " وَسَيَرِدُ بَعْدَ قَلِيلٍ (ص 20) قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: وَالْيَهُودُ حَرَّمُوا الْأَرْنَبَ وَالطِّحَالَ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَامِلِيُّ فِي " أَعْيَانِ الشِّيعَةِ " (1/502) ، أَنَّ الشِّيعَةَ يُحَرِّمُونَ أَكْلَ الثَّعْلَبِ وَالْأَرْنَبِ وَالضَّبِّ وَالْجِرِّيِّ وَكُلَّ مَا لَا فَلْسَ لَهُ مِنَ السَّمَكِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا زَيْنُ الدِّينِ الْجَبَعِيُّ الْعَامِلِيُّ فِي " الرَّوْضَةِ الْبَهِيَّةِ شَرْحِ اللَّمْعَةِ الدِّمَشْقِيَّةِ " 2/277، 278، بَيْرُوتَ، 1379 1960 وَقَرَأَ مُحَمَّدٌ الْمَهْدِيُّ الْكَاظِمِيُّ الْقَزْوِينِيُّ فِي كِتَابِهِ " مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ " 1/35، 37، كَلِمَةَ " الذِّنَابِ " عَلَى أَنَّهَا " الذِّئَابُ " وَهِيَ قِرَاءَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُحَرِّمُونَ الذِّئَابَ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. وَيَقُولُ الشِّيعَةُ بِتَحْرِيمِ الذُّبَابِ (الرَّوْضَةَ الْبَهِيَّةَ 2/281) ، وَعَلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ هِيَ " الذُّبَابُ " وَقَدْ تَكُونُ " الضِّبَابَ " جَمْعُ " ضَبٍّ " أَوْ تَكُونُ " الزِّمَارُ ". (¬4) ن، م: لَا تَرَى. (¬5) م: أَخْبَرَ. (¬6) ن، م: بِهَذَا. (¬7) أَنَّهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ل) . (¬8) وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ل) ، (ب) .

قُرُونِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، [وَالْيَهُودُ لَا تَسْجُدُ حَتَّى] تَخْفُقُ بِرُءُوسِهَا مِرَارًا شِبْهَ (¬1) الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ تُبْغِضُ (¬2) جِبْرِيلَ، وَيَقُولُونَ هُوَ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ يَقُولُونَ: غَلِطَ [جِبْرِيلُ] (¬3) بِالْوَحْيِ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) ، [وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ] (¬5) وَافَقُوا النَّصَارَى فِي خَصْلَةِ النَّصَارَى: لَيْسَ لِنِسَائِهِمْ صَدَاقٌ إِنَّمَا يَتَمَتَّعُونَ بِهِنَّ تَمَتُّعًا (¬6) ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ يَتَزَوَّجُونَ بِالْمُتْعَةِ (¬7) ، وَيَسْتَحِلُّونَ الْمُتْعَةَ. وَفُضِّلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى الرَّافِضَةِ بِخَصْلَتَيْنِ: سُئِلَتِ الْيَهُودُ مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ.؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُوسَى، وَسُئِلَتِ النَّصَارَى مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: حَوَارِيُّ عِيسَى (¬8) ، وَسُئِلَتِ الرَّافِضَةُ: مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬9) أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَسَبَوْهُمْ، فَالسَّيْفُ (¬10) عَلَيْهِمْ مَسْلُولٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا تَقُومُ لَهُمْ رَايَةٌ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ قَدَمٌ، وَلَا تَجْتَمِعُ لَهُمْ كَلِمَةٌ (¬11) ، وَلَا تُجَابُ لَهُمْ دَعْوَةٌ، ¬

(¬1) م: تُشْبِهُ؛ أ، ل: تَشْبِيهٌ؛ ب: تَشْبِيهًا. (¬2) أ، ب: يَنْقُصُونَ؛ ل: يُبْغِضُونَ. (¬3) جِبْرِيلُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬5) وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) تَمَتُّعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ل) فَقَطْ. (¬7) ن، م: الْمُتْعَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) م: عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. (¬9) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬10) أ، ب: وَالسَّيْفُ. (¬11) أ، ل، ب: وَلَا مُجْتَمَعَ لَهُمْ.

دَعْوَتُهُمْ مَدْحُوضَةٌ، وَكَلِمَتُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، وَجَمْعُهُمْ مُتَفَرِّقٌ (¬1) كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ. قُلْتُ: هَذَا الْكَلَامُ بَعْضُهُ [ثَابِتٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَقَوْلِهِ] : لَوْ كَانَتِ الشِّيعَةُ مِنَ الْبَهَائِمِ لَكَانُوا (¬2) حُمُرًا، وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الطَّيْرِ لَكَانُوا (¬3) رَخَمًا، فَإِنَّ هَذَا ثَابِتٌ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ شَاهِينَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ (¬4) النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ (¬5) ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، فَذَكَرَهُ، وَأَمَّا السِّيَاقُ الْمَذْكُورُ، فَهُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَرَوَى أَبُو عَاصِمٍ خُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ. (¬6) فِي كِتَابِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ أَبُو عَمْرٍو الطَّلَمَنْكِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ قَالَ (* أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا السَّنَدِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ ¬

(¬1) ن، م: مُفْتَرِقٌ. (¬2) ن، م، ل: لَكَانَتْ. (¬3) ن، م، ل: لَكَانَتْ. (¬4) ن، م: مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْيَزِيدِيُّ النَّحْوِيُّ. قَالَ عَنْهُ ابْنُ خَلِّكَانَ (3/461) إِنَّهُ كَانَ إِمَامًا فِي النَّحْوِ وَالْأَدَبِ وَنَقْلِ النَّوَادِرِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 310. (¬5) ن، م: الزُّهْرِيُّ، وَالصَّوَابُ مَا فِي (أ) ، (ل) ، (ب) . وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ الْبَصْرِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 234. انْظُرْ تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 4/191. (¬6) ن: خُشَيْشُ بْنُ أَضْرَمَ؛ أ: حُسَيْسُ بْنُ صَرْمٍ؛ ل: حُسَيْسُ بْنُ صِرَامٍ وَالصَّوَابُ مَا فِي (م) ، (ب) . وَهُوَ خُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ بْنِ الْأَسْوَدِ أَبُو عَاصِمٍ النَّسَائِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 253. انْظُرْ تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 3/142.

الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ *) (¬1) بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ (¬2) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ (¬3) : (قُلْتُ لِعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: مَا رَدُّكَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، [وَقَدْ كُنْتَ] فِيهِمْ رَأْسًا؟ قَالَ: رَأَيْتُهُمْ يَأْخُذُونَ بِأَعْجَازٍ لَا صُدُورَ لَهَا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا مَالِكُ لَوْ أَرَدْتُ أَنْ يُعْطُونِي رِقَابَهُمْ عَبِيدًا، أَوْ يَمْلَئُوا لِي بَيْتِي ذَهَبًا، أَوْ يَحُجُّوا إِلَى بَيْتِي هَذَا عَلَى أَنْ أَكْذِبَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَفَعَلُوا، وَلَا وَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ عَلَيْهِ أَبَدًا. يَا مَالِكُ إِنِّي قَدْ دَرَسْتُ الْأَهْوَاءَ (¬4) ، فَلَمْ أَرَ فِيهَا (¬5) أَحْمَقَ مِنَ الْخَشَبِيَّةِ (¬6) ، فَلَوْ كَانُوا مِنَ الطَّيْرِ لَكَانُوا رَخَمًا، وَلَوْ كَانُوا مِنَ الدَّوَابِّ لَكَانُوا حُمُرًا. يَا مَالِكُ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ رَغْبَةً فِيهِ [لِلَّهِ] (¬7) ، وَلَا رَهْبَةً مِنَ اللَّهِ، وَلَكِنْ مَقْتًا مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ (¬8) ، وَبَغْيًا (¬9) مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْمِصُوا (¬10) دِينَ الْإِسْلَامِ، كَمَا غَمِصَ (¬11) بُولِصُ بْنُ يُوشَعَ مَلِكُ الْيَهُودِ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَلَا تُجَاوِزُ (¬12) ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) ب: حَدَّثَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ. (¬3) الرِّوَايَةُ التَّالِيَةُ مَذْكُورَةٌ مَعَ بَعْضِ الِاخْتِلَافِ فِي " الْعِقْدِ الْفَرِيدِ " 2/409 - 411 (ط. لَجْنَةُ التَّأْلِيفِ، الْقَاهِرَةَ، 1940) ، وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَسَأَذْكُرُ فِيمَا يَلِي الِاخْتِلَافَاتِ الْهَامَّةَ فَقَطْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬4) ب: أَهْلَ الْأَهْوَاءِ. (¬5) أ، ل، ب: فِيهِمْ. (¬6) الْعِقْدَ الْفَرِيدَ (2/409) : الرَّافِضَةِ. (¬7) لِلَّهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬8) عَلَيْهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . وَفِي " الْعِقْدِ الْفَرِيدِ ": وَلَكِنْ مَقْتًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبَغْيًا عَلَيْهِمْ. (¬9) ن، م، ل: وَمَقْتًا. (¬10) ن: يُغْمِضُوا. (¬11) ن: غَمِضَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَفِي " اللِّسَانِ ": غَمَصَهُ وَغَمِصَهُ (بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا) : حَقَّرَهُ وَعَابَهُ وَطَعَنَ عَلَيْهِ. (¬12) ب: تَتَجَاوَزُ؛ أ، ل: يَتَجَاوَزُ؛ م: يُجَاوِزُ.

صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ، قَدْ حَرَّقَهُمْ عَلِيُّ [بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالنَّارِ] (¬1) ، وَنَفَاهُمْ مِنَ الْبِلَادِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ صَنْعَاءَ نَفَاهُ إِلَى سَابَاطِ (¬2) ، وَأَبُو بَكْرٍ الْكَرَوَّسُ نَفَاهُ إِلَى الْجَابِيَةِ (¬3) ، وَحَرَّقَ مِنْهُمْ قَوْمًا أَتَوْهُ، فَقَالُوا: أَنْتَ هُوَ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ فَقَالُوا: أَنْتَ رَبُّنَا، فَأَمَرَ بِنَارٍ، فَأُجِّجَتْ، فَأُلْقَوْا فِيهَا، وَفِيهِمْ قَالَ (¬4) . عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬5) : لَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا ... أَجَّجْتُ نَارِي، وَدَعَوْتُ قَنْبَرَا (¬6) يَا مَالِكُ، إِنَّ مِحْنَتَهُمْ مِحْنَةُ الْيَهُودِ قَالَتِ الْيَهُودُ: لَا يَصْلُحُ الْمُلْكُ إِلَّا فِي آلِ دَاوُدَ، وَكَذَلِكَ قَالَتِ الرَّافِضَةُ (¬7) : لَا تَصْلُحُ الْإِمَامَةُ إِلَّا فِي. وَلَدِ عَلِيٍّ (¬8) ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: لَا جِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَيَنْزِلَ سَيْفٌ (¬9) مِنَ السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ قَالُوا: لَا جِهَادَ فِي. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَفِي (ل) : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالنَّارِ. (¬2) الْعِقْدَ الْفَرِيدَ (2/409) " مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ نَفَاهُ إِلَى سَابَاطَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَابٍ نَفَاهُ إِلَى الْجَازِرِ ". وَالْجَازِرُ: قَرْيَةٌ مِنْ نَوَاحِي النَّهْرَوَانِ، مِنْ أَعْمَالِ بَغْدَادَ قُرْبَ الْمَدَائِنِ. (¬3) وَأَبُو بَكْرٍ الْكَرَوَّسُ: كَذَا فِي (أ) ، (ل) ، (ب) ، وَفِي الْعِقْدِ الْفَرِيدِ (2/409) (وَفِيهِ الِاسْمُ مُشْكَلًا) وَفِي (ن) ، (م) : وَأَبُو الْكَرَوَّشِ. وَلَمْ أَجِدْ لِلرَّجُلِ ذِكْرًا فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ الْمَرَاجِعِ، وَالْجَابِيَةُ قَرْيَةٌ مِنْ أَعْمَالِ دِمَشْقَ. (¬4) وَفِيهِمْ قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬6) الرَّجَزُ فِي الْفِصَلِ لِابْنِ حَزْمٍ 5/47، وَفِي شَرْحِ ابْنِ أَبِي الْحَدِيدِ عَلَى نَهْجِ الْبَلَاغَةِ 8/169 (ط. عِيسَى الْحَلَبِيِّ) ، مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ. (¬7) ن، م: وَقَالَتِ الرَّافِضَةُ. (¬8) ن، م، ل: لَا تَصْلُحُ الْأَئِمَّةُ إِلَّا مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ؛ الْعِقْدَ الْفَرِيدَ (2/409) : لَا يَكُونُ الْمُلْكُ إِلَّا فِي آلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (¬9) أ، ب: سَيِّدٌ.

سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَخْرُجَ الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: اتَّبَعُوهُ. وَقَالَتِ الْيَهُودُ: فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمِ وَلَيْلَةٍ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ لَا يُصَلُّونَ الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ. (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا (¬2) الْمَغْرِبَ إِلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ مُضَاهَاةً لِلْيَهُودِ.» ) ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ إِذَا صَلَّوْا زَالُوا عَنِ الْقِبْلَةِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. وَالْيَهُودُ تَنُودُ. (¬3) فِي صَلَاتِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ يُسْدِلُونَ أَثْوَابَهُمْ. (¬4) فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ. (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِرَجُلٍ سَادِلٍ ثَوْبَهُ، فَعَطَفَهُ عَلَيْهِ» (¬6) .، وَالْيَهُودُ يَسْجُدُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ¬

(¬1) ن، م: عَنْ نَبِيِّنَا. (¬2) أ، ل، ب: تُؤَخَّرِ. (¬3) م: تَمِيدُ. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي (ن) . (¬4) ن، م، ل: أَثْوَابَهَا. (¬5) أ، ل، ب: أَنَّ النَّبِيَّ. (¬6) م: فَقَطَعَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ عَنِ السَّدْلِ (النِّهَايَةُ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ) : " وَهُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبِهِ وَيُدْخِلَ يَدَيْهِ مِنْ دَاخِلٍ فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَفْعَلُهُ فَنُهُوا عَنْهُ، وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ مِنَ الثِّيَابِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَضَعَ وَسَطَ الْإِزَارِ عَلَى رَأْسِهِ وَيُرْسِلَ طَرَفَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهِ ". وَلَمْ أَجِدِ الْأَثَرَ الَّذِي يَذْكُرُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ 1/245 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ. ثُمَّ قَالَ. عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا يُضَعِّفُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ. وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُنَنِهِ 1/234 - 235 ثُمَّ قَالَ: ". وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، فَكَرِهَ بَعْضُهُمُ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالُوا: هَكَذَا تَصْنَعُ الْيَهُودُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا كُرِهَ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَأَمَّا إِذَا سُدِلَ عَلَى الْقَمِيصِ فَلَا بَأْسَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَكَرِهَ ابْنُ الْمُبَارَكِ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ ". وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 15 - 76 (وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الشَّيْخِ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ، 16/207، 228، 239

الْكُنْدُرَةَ (¬1) ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. وَالْيَهُودُ لَا يُخْلِصُونَ بِالسَّلَامِ إِنَّمَا يَقُولُونَ: سَامٌ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ الْمَوْتُ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، (2 وَالْيَهُودُ حَرَّفُوا التَّوْرَاةَ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ حَرَّفُوا الْقُرْآنَ 2) (¬2) ، وَالْيَهُودُ عَادَوْا جِبْرِيلَ، فَقَالُوا: هُوَ عَدُوُّنَا، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ قَالُوا: أَخْطَأَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَالْيَهُودُ يَسْتَحِلُّونَ أَمْوَالَ النَّاسِ، وَقَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 75] ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ [يَسْتَحِلُّونَ مَالَ كُلِّ مُسْلِمٍ] (¬3) (4 [وَالْيَهُودُ يَسْتَحِلُّونَ دَمَ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ يَرَوْنَ غِشَّ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ] 4) (¬4) . ¬

(¬1) يَسْجُدُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ الْكُنْدُرَةَ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَالْعِبَارَةُ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْعِقْدِ الْفَرِيدِ. وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَالْكُنْدُرَةُ مِنَ الْأَرْضِ: مَا غَلُظَ وَارْتَفَعَ. وَكُنْدُرَةُ الْبَازِي: مَجْثِمُهُ الَّذِي يُهَيَّأُ لَهُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ مَدَرٍ، وَهُوَ دَخِيلٌ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ ". وَالْأَرْجَحُ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَارَةِ أَنَّ: الْيَهُودُ يَسْجُدُونَ عَلَى جَبِينِهِمْ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ وُجُوهِهِمْ. يَقُولُ لَبِيَدٌ (ص 183، شَرْحُ دِيوَانِ لَبِيدٍ، تَحْقِيقُ د. إِحْسَان عَبَّاس، الْكُوَيْتَ، 1962) : يَلْمَسُ الْأَحْلَاسَ فِي مَنْزِلِهِ بِيَدَيْهِ كَالْيَهُودِيِّ الْمُصَلْ وَفِي الشَّرْحِ: " وَقَوْلُهُ: كَالْيَهُودِيِّ الْمُصَلْ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ: كَأَنَّهُ يَهُودِيٌّ يُصَلِّي فِي جَانِبٍ يَسْجُدُ عَلَى جَبِينِهِ. قَالَ الْبَغْدَادِيُّ: يَسْجُدُ عَلَى شِقِّ وَجْهِهِ ". (¬2) (2 - 2) : جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي (أ) ، (ل) ، (ب) قَبْلَ مَكَانِهَا هُنَا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ل) : يَسْتَحِلُّونَ دَمَ كُلِّ مُسْلِمٍ. (¬4) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

وَالْيَهُودُ لَا يَعُدُّونَ الطَّلَاقَ شَيْئًا إِلَّا عِنْدَ كُلِّ حَيْضَةٍ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ لَيْسَ لِنِسَائِهِمْ صَدَاقٌ إِنَّمَا يُمَتِّعُوهُنَّ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ يَسْتَحِلُّونَ الْمُتْعَةَ (¬1) ، وَالْيَهُودُ لَا يَرَوْنَ الْعَزْلَ عَنِ السَّرَارِي، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. وَالْيَهُودُ يُحَرِّمُونَ الْجِرِّيَّ، وَالْمَرْمَاهَى، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ حَرَّمُوا الْأَرْنَبَ، وَالطِّحَالَ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَالْيَهُودُ لَا يَرَوْنَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. وَالْيَهُودُ لَا يُلْحِدُونَ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ، وَقَدْ أُلْحِدَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْيَهُودُ يُدْخِلُونَ مَعَ مَوْتَاهُمْ فِي الْكَفَنِ (¬2) سَعَفَةً رَطْبَةً (¬3) ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. ثُمَّ قَالَ. لِي (¬4) : يَا مَالِكُ: وَفَضُلَتْهُمُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى بِخَصْلَةٍ. قِيلَ لِلْيَهُودِ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُوسَى، وَقِيلَ لِلنَّصَارَى: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ (¬5) مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: حَوَارِيُّ عِيسَى، وَقِيلَ لِلرَّافِضَةِ: مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: حَوَارِيُّ مُحَمَّدٍ يَعْنُونَ [بِذَلِكَ] (¬6) طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ. ¬

(¬1) (1 - 1) جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي (أ) ، (ل) ، (ب) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ. (¬2) فِي الْكَفَنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: سَعَفَةً أَبْطِنَةً؛ ل: سَعَفَةً بَطِنَةً. (¬4) لِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬5) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬6) بِذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ل) ، (ب) .

أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ (¬1) فَسَبُّوهُمْ، فَالسَّيْفُ عَلَيْهِمْ مَسْلُولٌ (¬2) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (¬3) ، وَدَعْوَتُهُمْ مَدْحُوضَةٌ، وَرَايَتُهُمْ مَهْزُومَةٌ، وَأَمْرُهُمْ مُتَشَتِّتٌ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ فِي (شَرْحِ أُصُولِ السُّنَّةَ.) نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَجَرٍ الْبَاهِلِيِّ (¬4) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، فَهَذَا الْأَثَرُ (¬5) قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ مِنْ. وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَبَعْضُهَا يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ، لَكِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ [بْنِ مِغْوَلٍ] (¬6) ضَعِيفٌ (¬7) ، وَذَمُّ الشَّعْبِيِّ لَهُمْ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى. لَكِنَّ لَفْظَ الرَّافِضَةِ إِنَّمَا ظَهَرَ لَمَّا رَفَضُوا زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ، وَقِصَّةُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ كَانَتْ بَعْدَ الْعِشْرِينَ ¬

(¬1) أ، ل: أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ؛ ب: أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ. (¬2) أ: فَالسَّيْفُ مَسْلُولٌ عَلَيْهِمْ؛ ب: وَالسَّيْفُ مَسْلُولٌ عَلَيْهِمْ؛ ل: فَالسَّيْفُ مَسْلُولٌ (وَسَقَطَتْ عَلَيْهِمْ) . (¬3) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) أ، ب: مُحَمَّدِ بْنِ حَجَمٍ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا. (¬5) أ، ل، ب: وَهَذَا الْأَثَرُ؛ م: فَهَذَا الْأَمْرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) بْنِ مِغْوَلٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬7) انْظُرْ تَرْجَمَةَ ابْنِ مِغْوَلٍ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/584 - 585؛ لِسَانِ الْمِيزَانِ 3/427 - 428 (وَلَمْ تُذْكَرْ فِيهِمَا سَنَةُ وَفَاتِهِ) . وَلَكِنَّ ذِكْرَ الْخَزْرَجِيِّ فِي " الْخُلَاصَةِ ص [0 - 9] 68) عَنْ أَبِيهِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ 158 وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ لَهُ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ ": رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ الْأَعْمَشِ. قَالَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَّابٌ. وَقَالَ مَرَّةً: يَضَعُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ ".

وَمِائَةٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، أَوِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فِي أَوَاخِرِ (¬1) خِلَافَةِ هِشَامٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبَسْتِيُّ (¬2) : قُتِلَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. (¬3) ، وَصُلِبَ عَلَى خَشَبَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَعُلَمَائِهِمْ، وَكَانَتِ الشِّيعَةُ تَنْتَحِلُهُ. [. قُلْتُ: وَمِنْ زَمَنِ خُرُوجِ زَيْدٍ افْتَرَقَتِ الشِّيعَةُ إِلَى رَافِضَةٍ، وَزَيْدِيَّةٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمَا رَفَضَهُ (¬4) قَوْمٌ، فَقَالَ. لَهُمْ: رَفَضْتُمُونِي، فَسُمُّوا رَافِضَةً (¬5) لِرَفْضِهِمْ إِيَّاهُ، وَسُمِّيَ مَنْ لَمْ يَرْفُضْهُ (¬6) مِنَ الشِّيعَةِ زَيْدِيًّا؛ لِانْتِسَابِهِمْ إِلَيْهِ] (¬7) ، وَلَمَّا صُلِبَ كَانَتِ الْعِبَادُ تَأْتِي إِلَى خَشَبَتِهِ (¬8) بِاللَّيْلِ، فَيَتَعَبَّدُونَ عِنْدَهَا (¬9) ، وَالشَّعْبِيُّ تُوُفِّيَ فِي أَوَائِلِ (¬10) خِلَافَةِ هِشَامٍ، أَوْ آخِرَ خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخِيهِ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، أَوْ قَرِيبًا ¬

(¬1) أ، ل، ب: فِي آخِرِ. (¬2) أ، ل، ب: السَّبْتِيُّ؛ م: السُّنِّيُّ. (¬3) أ، ل، ب: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ؛ م: سَنَةَ ثَامِنٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) أ، ل: فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَفَضَهُ. (¬5) ل: أَرَفَضْتُمُونِي فَسُمُّوا الرَّافِضَةَ. (¬6) أ، ل: وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرْفُضْهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: إِلَيَّ الْخَشَبَةَ. (¬9) قِصَّةُ خُرُوجِ زَيْدٍ وَاخْتِلَافِهِ مَعَ الرَّافِضَةِ (وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ) ثُمَّ مَقْتَلُهُ وَصَلْبُهُ يَرْوِيهَا الْأَشْعَرِيُّ، الْمَقَالَاتُ 1/129 - 130؛ وَيَرْوِي الْفَخْرُ الرَّازِيُّ بَعْضَ ذَلِكَ، اعْتِقَادَاتُ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، ص 52. وَلَكِنْ يَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ سَبَبًا آخَرَ لِاسْمِ الرَّافِضَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا سُمُّوا رَافِضَةً لِرَفْضِهِمْ إِمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (الْمَقَالَاتُ 1/87) . (¬10) ن، ل: تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ؛ م: تُوُفِّيَ أَوَّلَ.

مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ لَفْظُ الرَّافِضَةِ مَعْرُوفًا إِذْ ذَاكَ، وَبِهَذَا وَغَيْرِهِ (¬1) يُعْرَفُ كَذِبُ [لَفْظِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الَّتِي فِيهَا لَفْظُ] (¬2) الرَّافِضَةُ. وَلَكِنْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الِاسْمِ، كَمَا كَانُوا (¬3) يُسَمَّوْنَ الْخَشَبِيَّةَ لِقَوْلِهِمْ: إِنَّا لَا نُقَاتِلُ بِالسَّيْفِ إِلَّا مَعَ إِمَامٍ مَعْصُومٍ، فَقَاتَلُوا بِالْخَشَبِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ (¬4) : مَا رَأَيْتُ أَحْمَقَ مِنَ الْخَشَبِيَّةِ (¬5) . فَيَكُونُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُمْ بِلَفْظِ الرَّافِضَةِ ذِكْرَهُ بِالْمَعْنَى مَعَ ضَعْفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إِنَّمَا هُوَ نَظْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، وَتَأْلِيفُهُ، وَقَدْ سَمِعَ طَرَفًا مِنْهُ (¬6) عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ أَلَّفَهُ، أَوْ نَظَمَهُ لِمَا رَآهُ مِنْ أُمُورِ الشِّيعَةِ فِي زَمَانِهِ، وَلِمَا سَمِعَهُ (¬7) عَنْهُمْ، أَوْ لِمَا سَمِعَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِمْ، أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، أَوْ بَعْضِهِ لِهَذَا، أَوْ بَعْضِهِ لِهَذَا، فَهَذَا (¬8) الْكَلَامُ مَعْرُوفٌ بِالدَّلِيلِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ (¬9) ، وَإِسْنَادٍ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ الرَّافِضَةَ تَفْعَلُ كَذَا، وَكَذَا (¬10) الْمُرَادُ بِهِ بَعْضُ الرَّافِضَةِ ¬

(¬1) وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (م) : وَبِهَذَا - أَيْ بِمَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ يُعْرَفُ كَذِبُ الرَّافِضَةِ. (¬3) كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ل) ، (ب) . (¬4) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ل) ، (ب) . (¬5) عِنْدَ كَلِمَةِ " الْخَشَبِيَّةِ " تَنْتَهِي نُسْخَةُ (ل) . (¬6) أ، ب: مِنْهُ طَرَفًا. (¬7) أ، ب: سَمِعَ. (¬8) ن، م: وَهَذَا. (¬9) أ: بِالدَّلِيلِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي نَقْلِ؛ ب: بِالدَّلِيلِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى نَقْلٍ. (¬10) وَكَذَا الثَّانِيَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 30] . {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 64] لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كُلُّ يَهُودِيٍّ، بَلْ قَالَهُ بَعْضُهُمْ (¬1) (2 وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 173] الْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ النَّاسِ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَائِلَ لَهُمْ غَيْرُ الْجَامِعِ، وَغَيْرُ الْمُخَاطَبِينَ الْمَجْمُوعِ لَهُمْ 2) (¬2) . [. وَمَا ذَكَرَهُ مَوْجُودٌ فِي الرَّافِضَةِ] (¬3) ، وَفِيهِمْ أَضْعَافُ مَا ذُكِرَ (¬4) : مِثْلُ تَحْرِيمِ بَعْضِهِمْ لِلَحْمِ الْإِوَزِّ، وَالْجَمَلِ (¬5) مُشَابَهَةً لِلْيَهُودِ، وَمِثْلُ جَمْعِهِمْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ دَائِمًا، فَلَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ مُشَابَهَةٍ لِلْيَهُودِ، وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِلَّا بِإِشْهَادٍ (¬6) عَلَى الزَّوْجِ مُشَابَهَةً لِلْيَهُودِ، وَمِثْلُ تَنْجِيسِهِمْ لِأَبْدَانِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَحْرِيمِهِمْ لِذَبَائِحِهِمْ، وَتَنْجِيسِ (¬7) مَا يُصِيبُ ذَلِكَ مِنَ الْمِيَاهِ، وَالْمَائِعَاتِ، وَغَسْلِ الْآنِيَةِ الَّتِي يَأْكُلُ مِنْهَا غَيْرُهُمْ مُشَابَهَةً لِلسَّامِرَةِ (¬8) الَّذِينَ هُمْ شَرُّ الْيَهُودِ، وَلِهَذَا يَجْعَلُهُمُ النَّاسُ فِي. ¬

(¬1) أ، ب: بَلْ فِيهِمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تُوجَدُ فِقْرَةٌ طَوِيلَةٌ فِي (ن) ، (م) جَاءَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَتَكَرَّرَتْ فِي النُّسْخَتَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ أُثْبِتْهَا هُنَا (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) أ، ب: ذَكَرَهُ. (¬5) ن: لِلَحْمِ الْإِوَزِّ أَوْ لِلْجَمَلِ؛ م: لِلَحْمِ الْأَرَانِبِ وَالْجَمَلِ. (¬6) أ، ب: بِالْإِشْهَادِ. (¬7) وَتَنْجِيسِهِمْ. (¬8) ن، م، أ: لِلسَّمَرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَذَكَرَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/199 - 200) أَنَّ السَّامِرَةَ قَوْمٌ يَسْكُنُونَ جِبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقُرًى مِنْ أَعْمَالِ مِصْرَ، وَيَتَقَشَّفُونَ فِي الطَّهَارَةِ أَكْثَرَ مِنْ تَقَشُّفِ سَائِرِ الْيَهُودِ، وَقَدْ أَثْبَتُوا نُبُوَّةَ مُوسَى وَهَارُونَ وَيُوشَعَ بْنِ نُونٍ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -، وَأَنْكَرُوا نُبُوَّةَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا نَبِيًّا وَاحِدًا، وَظَهَرَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْأَلْفَانُ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدِ افْتَرَقُوا إِلَى دُوسْتَانِيَّةٍ وَكُوسْتَانِيَّةٍ، وَالدُّوسْتَانِيَّةُ مِنْهُمْ تَزْعُمُ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ فِي الدُّنْيَا.

بعض حماقات الشيعة

الْمُسْلِمِينَ كَالسَّامِرَةِ فِي الْيَهُودِ، وَمِثْلُ اسْتِعْمَالِهِمُ التَّقِيَّةَ (¬1) ، وَإِظْهَارِ خِلَافِ مَا يُبْطِنُونَ (¬2) [مِنَ الْعَدَاوَةِ] (¬3) مُشَابَهَةً لِلْيَهُودِ، [وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ] (¬4) . [بعض حماقات الشيعة] وَأَمَّا سَائِرُ حَمَاقَاتِهِمْ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا: مِثْلَ كَوْنِ بَعْضِهِمْ لَا يَشْرَبُ مِنْ نَهْرٍ (5 حَفَرَهُ يَزِيدُ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالَّذِينَ مَعَهُ (¬5) كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ آبَارٍ، وَأَنْهَارٍ 5) (¬6) حَفَرَهَا الْكُفَّارُ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَأْكُلُ مِنَ التُّوتِ الشَّامِيِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ مَعَهُ كَانُوا يَأْكُلُونَ (¬7) مِمَّا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ مِنَ الْجُبْنِ، وَيَلْبَسُونَ مَا تَنْسِجُهُ الْكُفَّارُ، بَلْ غَالِبُ ثِيَابِهِمْ كَانَتْ مِنْ نَسْجِ الْكُفَّارِ. وَمِثْلُ كَوْنِهِمْ يَكْرَهُونَ التَّكَلُّمَ بِلَفْظِ الْعَشَرَةِ، أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ يَكُونُ عَشَرَةً حَتَّى فِي (¬8) الْبِنَاءِ لَا يَبْنُونَ عَلَى عَشَرَةِ أَعْمِدَةٍ (¬9) ، وَلَا بِعَشَرَةِ جُذُوعٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ¬

(¬1) سَيَتَكَلَّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا يَلِي بِالتَّفْصِيلِ عَنِ التَّقِيَّةِ (1/159 - 160) بُولَاقَ) . وَانْظُرْ عَنْهَا أَيْضًا: أَحْمَد أَمِين، ضُحَى الْإِسْلَامِ، 3/246 - 249؛ جُولْدِتْسِيهَر، الْعَقِيدَةَ وَالشَّرِيعَةَ، ص 180 - 181؛ دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، 5/419 - 424. (¬2) ن، م، أ: مَا يُبْطِنُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬3) مِنَ الْعَدَاوَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ب: وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ. (¬6) (5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬7) ن، م: مَا. (¬8) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن: لَا يُثْبِتُونَ عَلَى عَشَرَةِ عَوَامِيدَ؛ م: لَا يَبْنُونَ عَلَى عَشَرَةِ عَوَامِيدَ.

لِكَوْنِهِمْ يُبْغِضُونَ خِيَارَ الصَّحَابَةِ، وَهُمُ الْعَشْرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ - أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ [بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ] (¬1) ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (¬2) - يُبْغِضُونَ هَؤُلَاءِ إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬3) ، وَيُبْغِضُونَ سَائِرَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ (¬4) الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الشَّجَرَةِ - وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ - وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا (¬5) «أَنَّ غُلَامَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَيَدْخُلَّنَ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ. النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَذَبْتَ إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» .) (¬6) . وَهُمْ يَتَبَرَّأُونَ مِنْ جُمْهُورِ هَؤُلَاءِ، بَلْ [يَتَبَرَّأُونَ] مِنْ سَائِرِ (¬7) أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا نَحْوَ بِضْعَةَ عَشَرَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ فِي الْعَالَمِ عَشَرَةٌ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ لَمْ يَجِبْ هَجْرُ هَذَا ¬

(¬1) بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . وَفِي (أ) : بْنِ زَيْدِ بْنِ نُفَيْلٍ. (¬2) أ، ب: عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ب (فَقَطْ) : وَيُبْغِضُونَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. (¬5) ن، م: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ. (¬6) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/1942 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَهْلِ بَدْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/362. (¬7) ن، م: مِنْ جُمْهُورِهِمْ بَلْ مِنْ سَائِرِ.

الِاسْمِ [لِذَلِكَ] (¬1) ، كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ [وَتَعَالَى] (¬2) لَمَّا قَالَ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 48] لَمْ يَجِبْ هَجْرُ اسْمِ التِّسْعَةِ مُطْلَقًا، بَلِ اسْمُ الْعَشَرَةِ قَدْ مَدَحَ اللَّهُ مُسَمَّاهُ فِي مَوَاضِعَ (¬3) كَقَوْلِهِ [تَعَالَى فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ] (¬4) : {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 196] (¬5) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 142] (¬6) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [سُورَةُ الْفَجْرِ 1 - 2] ، (* وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى» (¬7) ، وَقَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: ( «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» . *) (¬8) ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ (¬9) ( «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ. ¬

(¬1) لِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَتَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: قَدْ مَدَحَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي مَوَاضِعَ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) فِي (ن) ، (م) : كَقَوْلِهِ: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) . (¬6) فِي (ن) ، (م) ذَكَرَ النَّاسِخَانِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ) . (¬7) فِي: الْبُخَارِيِّ 3/47 - 48 (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ، بَابُ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) ؛ مُسْلِمٍ 2/830 - 831 (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ، بَابُ اعْتِكَافِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ (زَادَتْ عَائِشَةُ: حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ) . (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬9) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ.

إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ» .) (¬1) ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مُتَعَدِّدَةٌ. [. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يُوَالُونَ لَفْظَ التِّسْعَةِ، وَهُمْ يُبْغِضُونَ التِّسْعَةَ مِنَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّهُمْ يُبْغِضُونَهُمْ إِلَّا عَلِيًّا] (¬2) . وَكَذَلِكَ هَجْرُهُمْ لِاسْمِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَلِمَنْ يَتَسَمَّى بِذَلِكَ حَتَّى [إِنَّهُمْ] يَكْرَهُونَ (¬3) مُعَامَلَتَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ كَانُوا مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ لَمْ يُشْرَعْ أَنْ لَا يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِمِثْلِ أَسْمَائِهِمْ، فَقَدْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنِ اسْمُهُ الْوَلِيدُ، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ لَهُ. (¬4) فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ» (¬5) ، وَأَبُوهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ كَانَ (¬6) مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا، وَهُوَ الْوَحِيدُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} ، [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 11] (¬7) وَفِي الصَّحَابَةِ مَنِ اسْمُهُ عَمْرٌو، وَفِي الْمُشْرِكِينَ مَنِ ¬

(¬1) جَاءَ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/129 (كِتَابِ الصَّوْمِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/20 (كِتَابُ الْعِيدَيْنِ، بَابُ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. .) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن: حَتَّى يَكْرَهُوا؛ أ، ب: حَتَّى يَكْرَهُونَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) فِي: الْبُخَارِيِّ 6/48 - 49 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النِّسَاءِ، بَابُ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ. .) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/466 - 467 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ) . (¬6) أ، ب: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُوهُ كَانَ. . (¬7) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ.

اسْمُهُ عَمْرٌو [مِثْلُ عَمْرِو] (¬1) بْنِ عَبْدِ وَدٍّ، وَأَبُو جَهْلٍ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ، (2 وَفِي الصَّحَابَةِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَفِي الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ سُفْيَانَ الْهُذَلِيُّ 2) (¬2) ، وَفِي الصَّحَابَةِ مَنِ اسْمُهُ هِشَامٌ مِثْلُ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ، وَأَبُو جَهْلٍ كَانَ اسْمُ أَبِيهِ هِشَامًا، وَفِي الصَّحَابَةِ مَنِ اسْمُهُ عُقْبَةُ مِثْلُ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَدْرِيِّ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ (¬3) . وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَفِي الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ (¬4) ، وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنِ اسْمُهُ عَلِيٌّ مِثْلُ عَلِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا، وَمِثْلُ عُثْمَانَ بْنِ [أَبِي] طَلْحَةَ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ (¬5) ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. فَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمُؤْمِنُونَ يَكْرَهُونَ اسْمًا مِنَ الْأَسْمَاءِ لِكَوْنِهِ قَدْ تَسَمَّى بِهِ كَافِرٌ مِنَ الْكُفَّارِ، فَلَوْ (¬6) قُدِّرَ أَنَّ الْمُسَمِّينَ بِهَذِهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: وَفِي الصَّحَابَةِ مَنِ اسْمُهُ عُقْبَةُ مِثْلُ ابْنِ عَامِرٍ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ (بِدُونِ ذِكْرِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ) وَالصَّوَابُ هُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ مِنْ (أ) ، (ب) : وَالْأَوَّلُ هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ، رَجَّحَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، انْظُرِ الْإِصَابَةَ فِي تَمْيِيزِ الصَّحَابَةِ، 2/483 - 484 الْقَاهِرَةَ، 1358/1939. وَالثَّانِي هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عِيسَى بْنِ جُهَيْنَةَ الْجُهَنِيُّ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ 58 هـ. الْإِصَابَةُ 2/482، الْخُلَاصَةُ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 226. (¬4) م: عَلِيٌّ وَعُمَرُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) م: مِثْلُ عُمَرَ بْنِ طَلْحَةَ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. وَفِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ الْأُخْرَى عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ كَذَلِكَ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ. وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ أَسْلَمَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهَاجَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ (سِيرَةُ ابْنِ هِشَامٍ 2/113) وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَقَدْ قُتِلَ كَافِرًا قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ أُحُدٍ (ابْنَ هِشَامٍ 3/134) . (¬6) م: وَلَوْ

[الْأَسْمَاءِ] (¬1) كُفَّارٌ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ كَرَاهَةَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَعَ الْعِلْمِ لِكُلِّ أَحَدٍ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُوهُمْ بِهَا، وَيُقِرُّ النَّاسَ عَلَى دُعَائِهِمْ بِهَا، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُنَافِقِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، وَهُوَ مَعَ هَذَا (¬2) يَدْعُوهُمْ بِهَا، وَعَلِيُّ [بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬3) قَدْ سَمَّى أَوْلَادَهُ بِهَا (¬4) فَعُلِمَ أَنَّ جَوَازَ الدُّعَاءِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ (¬5) - سَوَاءٌ كَانَ [ذَلِكَ] (¬6) الْمُسَمَّى بِهَا مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا - أَمْرٌ مَعْلُومٌ (¬7) مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ كَرِهَ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدًا بِهَا كَانَ مِنْ أَظْهَرِ النَّاسِ مُخَالَفَةً لِدِينِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَعَ هَذَا إِذَا تَسَمَّى الرَّجُلُ عِنْدَهُمْ [بِاسْمِ] (¬8) عَلِيٍّ، أَوْ جَعْفَرٍ، أَوْ حَسَنٍ، أَوْ حُسَيْنٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (¬9) عَامَلُوهُ، وَأَكْرَمُوهُ، وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ. [فِي ذَلِكَ] (¬10) عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، (11 بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ يَتَسَمَّوْنَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، فَلَيْسَ فِي التَّسْمِيَةِ بِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْهُمْ 11) (¬11) ، وَالتَّسْمِيَةُ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ قَدْ تَكُونُ فِيهِمْ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّى [بِهَا] مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنَّ الْقَوْمَ ¬

(¬1) الْأَسْمَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) م: مَعَ ذَلِكَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: بِهَا أَوْلَادَهُ. (¬5) ن، م: الدُّعَاءِ بِهَا. (¬6) ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: مِنَ الْمَعْلُومِ. (¬8) بَاسِمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬10) فِي ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬11) (11 - 11) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

فِي غَايَةِ الْجَهْلِ، وَالْهَوَى. وَيَنْبَغِي [أَيْضًا] (¬1) أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا أَنْكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ يَكُونُ بَاطِلًا، بَلْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ أَقْوَالٌ خَالَفَهُمْ فِيهَا بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَوَافَقَهُمْ بَعْضٌ، وَالصَّوَابُ مَعَ مَنْ وَافَقَهُمْ لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ مَسْأَلَةٌ انْفَرَدُوا بِهَا أَصَابُوا فِيهَا، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعُدُّ مِنْ بِدَعِهِمُ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ، وَتَرْكَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا فِي الْحَضَرِ، وَالْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ، وَمُتْعَةَ الْحَجِّ، وَمَنْعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ (¬2) ، وَتَسْطِيحَ الْقُبُورِ، وَإِسْبَالَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا عُلَمَاءُ السُّنَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ فِيهَا الْقَوْلَ (¬3) الَّذِي يُوَافِقُهُمْ، كَمَا يَكُونُ الصَّوَابُ هُوَ الْقَوْلَ الَّذِي يُخَالِفُهُمْ لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ، فَلَا تُنْكَرُ إِلَّا إِذَا صَارَتْ شِعَارًا لِأَمْرٍ لَا يُسَوَّغُ، فَتَكُونُ دَلِيلًا عَلَى مَا يَجِبُ إِنْكَارُهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْسُهَا يُسَوَّغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ، وَمِنْ هَذَا. وَضْعُ الْجَرِيدِ عَلَى الْقَبْرِ، فَإِنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ. وَمِنْ حَمَاقَتِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِلْمُنْتَظِرِ عِدَّةَ مَشَاهِدَ يَنْتَظِرُونَهُ فِيهَا كَالسَّرَادِبِ (¬4) الَّذِي بِسَامَرَّا الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ غَابَ فِيهِ (¬5) ، وَمَشَاهِدُ أُخَرُ، وَقَدْ ¬

(¬1) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: طَلَاقِ الْبِدْعَةِ. (¬3) ب: لِلْقَوْلِ. (¬4) ن، م: السِّرْدَابِ. (¬5) أ، ب: غَائِبٌ فِيهِ. وَفِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: " سَامَرَّاءُ، لُغَةٌ فِي سُرَّ مَنْ رَأَى، مَدِينَةٌ كَانَتْ بَيْنَ بَغْدَادَ وَتَكْرِيتَ عَلَى شَرْقِيِّ دِجْلَةَ وَقَدْ خَرِبَتْ. وَبِسَامَرَّاءَ قَبْرُ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيَّيْنِ، وَبِهَا غَابَ الْمُنْتَظَرُ فِي زَعْمِ الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ ". وَيُنْكِرُ الْعَامِلِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ " أَعْيَانِ الشِّيعَةِ " 1 وَيَقُولُ: " فَالْإِمَامِيَّةُ تَعْتَقِدُ فِي. الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ حَيٌّ غَائِبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ مَوْجُودٌ فِي الْأَمْصَارِ لَا أَنَّهُ فِي السِّرْدَابِ وَلَا أَنَّهُ مَاتَ ثُمَّ يُرْجَعُ إِلَى الدُّنْيَا. وَالْمَهْدِيُّ الْمُنْتَظَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ وُلِدَ أَوْ سَيُولَدُ ". عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ تُكَذِّبُهُ كُتُبُ الشِّيعَةِ وَغَيْرِ الشِّيعَةِ فَالشَّهْرَسْتَانِيُّ يَذْكُرُ فِي " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ "، (1/150) أَنَّ الْإِمَامَ الثَّانِيَ عَشَرَ هُوَ " مُحَمَّدٌ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ الَّذِي بِسُرَّ مَنْ رَأَى ". وَيَنْقُلُ (donaldson) فِي كِتَابِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ آنِفًا (p. 233) عَنِ الْمَجْلِسِيِّ فِي كِتَابِهِ " جَنَّاتِ الْخُلُودِ " أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ اخْتَفَى فِي سِرْدَابٍ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ بِسَامَرَّاءَ. كَمَا يَنْقُلُ (- 245) عَنْ كِتَابِ " نُزْهَةِ الْقُلُوبِ " لِلْمُسْتَوْفَى أَنَّ الْمَهْدِيَّ اخْتَفَى فِي سَامُرَّاءَ سَنَةَ 246 هـ - 878 م. وَانْظُرْ أَيْضًا، دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ " سَامَرَّاءَ "

يُقِيمُونَ هُنَاكَ دَابَّةً - إِمَّا بَغْلَةً، وَإِمَّا فَرَسًا، [وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ] (¬1) - لِيَرْكَبَهَا إِذَا خَرَجَ، وَيُقِيمُونَ هُنَاكَ إِمَّا فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَإِمَّا فِي أَوْقَاتٍ أُخَرَ مَنْ يُنَادِي عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ يَا مَوْلَانَا اخْرُجْ [يَا مَوْلَانَا اخْرُجْ] (¬2) ، وَيُشْهِرُونَ السِّلَاحَ، وَلَا أَحَدَ هُنَاكَ يُقَاتِلُهُمْ (¬3) ، وَفِيهِمْ مَنْ يَقُولُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ (¬4) دَائِمًا لَا يُصَلِّي خَشْيَةَ أَنْ يَخْرُجَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَشْتَغِلَ بِهَا عَنْ [خُرُوجِهِ] ، وَخِدْمَتِهِ (¬5) ، وَهُمْ فِي ¬

(¬1) وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) عِبَارَةُ " يَا مَوْلَانَا اخْرُجِ " الثَّانِيَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ذَكَرَ ابْنُ بَطُّوطَةَ فِي رِحْلَتِهِ " تُحْفَةِ النُّظَّارِ فِي غَرَائِبِ الْأَمْصَارِ وَعَجَائِبِ الْأَسْفَارِ " 1/164، الطَّبْعَةُ الْخَيْرِيَّةُ، الْقَاهِرَةَ 1322، عِنْدَ كَلَامِهِ عَنْ مَدِينَةِ " الْحِلَّةِ " مَا يَلِي: " وَبِمَقْرُبَةٍ مِنَ السُّوقِ الْأَعْظَمِ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ مَسْجِدٌ عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ حَرِيرٌ مَسْدُولٌ وَهُمْ يُسَمُّونَهُ مَشْهَدَ صَاحِبِ الزَّمَانِ وَمِنْ عَادَتِهِمْ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِائَةُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ وَبِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ مَشْهُورَةٌ فَيَأْتُونَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ فَرَسًا مُلْجَمًا أَوْ بَغْلًا. وَيَأْتُونَ مَشْهَدَ صَاحِبِ الزَّمَانِ فَيَقِفُونَ بِالْبَابِ وَيَقُولُونَ: " بِاسْمِ اللَّهِ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ، بِاسْمِ اللَّهِ اخْرُجْ، قَدْ ظَهَرَ الْفَسَادُ، وَكَثُرَ الظُّلْمُ وَهَذَا أَوَانُ خُرُوجِكَ. إِلَخْ وَانْظُرِ donaldson الْمَرْجِعَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ آنِفًا، pp - 245 - 46. (¬4) الصَّلَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: عَنْ خِدْمَتِهِ.

أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ عَنْ مَشْهَدِهِ كَمَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِمَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ [شَهْرِ] (¬1) رَمَضَانَ، وَإِمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ (¬2) يَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْمَشْرِقِ، وَيُنَادُونَهُ بِأَصْوَاتٍ عَالِيَةٍ يَطْلُبُونَ خُرُوجَهُ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْخُرُوجِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجْ سَوَاءٌ نَادَوْهُ، أَوْ لَمْ يُنَادُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَهُوَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ فَإِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُهُ، وَيَأْتِيهِ بِمَا يَرْكَبُهُ، وَبِمَنْ يُعِينُهُ، وَيَنْصُرُهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُوقِفَ [لَهُ] (¬3) دَائِمًا مِنَ الْآدَمِيِّينَ مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ عَابَ فِي كِتَابِهِ مَنْ يَدْعُو مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ دُعَاءَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ - إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 13 - 14] هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَصْنَامَ مَوْجُودَةٌ، وَكَانَ يَكُونُ فِيهَا (¬4) أَحْيَانًا شَيَاطِينُ تَتَرَاءَى لَهُمْ، وَتُخَاطِبُهُمْ، وَمَنْ خَاطَبَ مَعْدُومًا كَانَتْ حَالَتُهُ أَسْوَأَ مِنْ حَالِ مَنْ خَاطَبَ مَوْجُودًا، وَإِنْ كَانَ جَمَادًا، فَمِنْ دُعَاءِ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ (¬5) كَانَ ¬

(¬1) شَهْرِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ. (¬3) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: بِهَا. (¬5) أَوْرَدَ النُّوبَخْتِيُّ اخْتِلَافَ فِرَقِ الشِّيعَةِ فِي أَمْرِ الْمَهْدِيِّ، فَذَكَرَ أَنَّ فِرْقَةً تَقُولُ: إِنَّ الْمَهْدِيَّ (مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَائِمُ الْحُجَّةُ) وُلِدَ قَبْلَ وَالِدِهِ (الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ) بِسِنِينَ وَهُوَ مَسْتُورٌ لَا يُرَى خَائِفٌ مِنْ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَإِنَّهَا إِحْدَى غَيْبَاتِهِ (انْظُرْ فِرَقَ الشِّيعَةِ، ص 84 - 85) . وَفِرْقَةً تَقُولُ: بَلْ وُلِدَ لِلْحُسْنِ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِثَمَانِيَةِ شُهُورٍ وَهُوَ مَسْتُورٌ لَا يُرَى. (ص 85) . وَفِرْقَةً ثَالِثَةً تَقُولُ: إِنَّهُ لَا وَلَدَ لِلْحَسَنِ أَصْلًا؛ لِأَنَّا قَدِ امْتَحَنَّا ذَلِكَ وَطَلَبْنَاهُ بِكُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ نَجِدْهُ، وَلَوْ جَازَ أَنْ نَقُولَ فِي مِثْلِ الْحَسَنِ وَقَدْ تُوُفِّيَ وَلَا وَلَدَ لَهُ إِنَّ لَهُ وَلَدًا خَفِيًّا، لَجَازَ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ غَيْرِ خُلْفٍ، وَلَجَازَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - أَنْ يُقَالَ: خَلَّفَ ابْنًا نَبِيًّا رَسُولًا (ص 85 - 87) . وَفِرْقَةً رَابِعَةً قَالَتْ: إِنَّهُ لَا يُوجَدُ إِمَامٌ بَعْدَ الْحَسَنِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ الْقَائِمَ إِذَا شَاءَ (ص 87 - 88) . وَأَمَّا الْإِمَامِيَّةُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْحَسَنَ الْعَسْكَرِيَّ قَدْ تُوُفِّيَ، وَإِنَّ ابْنَهُ هُوَ الْإِمَامُ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ خَائِفٌ مَسْتُورٌ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ عَلَيْنَا الْبَحْثُ فِي أَمْرِهِ، بَلِ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ وَطَلَبُهُ مُحَرَّمٌ لَا يَحِلُّ (ص 90 - 93) . عَلَى أَنَّهُ لَا تُوجَدُ فِرْقَةٌ أُخْرَى تَجْعَلُ الْمَهْدِيَّ شَخْصًا آخَرَ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَهُمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ.

ضَلَالُهُ أَعْظَمَ مِنْ ضَلَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِذَا قَالَ: أَنَا أَعْتَقِدُ وُجُودَهُ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ أُولَئِكَ: نَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ لَهَا شَفَاعَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، فَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ، وَلَا يَضُرُّهُمْ (¬1) ، وَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كِلَيْهِمَا (¬2) يَدْعُو مَنْ لَا يَنْفَعُ دُعَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ اتَّخَذُوهُمْ [شُفَعَاءَ] (¬3) آلِهَةً، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: هُوَ إِمَامٌ مَعْصُومٌ، فَهُمْ يُوَالُونَ عَلَيْهِ، وَيُعَادُونَ عَلَيْهِ كَمُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى آلِهَتِهِمْ، وَيَجْعَلُونَهُ رُكْنًا فِي الْإِيمَانِ لَا يَتِمُّ الدِّينُ (¬4) إِلَّا بِهِ، كَمَا يَجْعَلُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ آلِهَتَهُمْ كَذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ (¬5) تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ - وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، ¬

(¬1) ن، م: مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ. (¬2) أ، ن، م: أَنَّ كِلَاهُمَا. (¬3) شُفَعَاءَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الدِّينُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) أ، ب: وَقَالَ.

[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 79 - 80] (¬1) فَإِذَا كَانَ مَنْ يَتَّخِذُ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا بِهَذِهِ الْحَالِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَّخِذُ إِمَامًا مَعْدُومًا لَا وُجُودَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 31] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ [حَدِيثِ] «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ [أَنَّهُ] قَالَ (¬2) : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَبَدُوهُمْ، فَقَالَ: (إِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ، فَأَطَاعُوهُمْ، فَكَانَتْ تِلْكَ عِبَادَتَهُمْ إِيَّاهُمْ» .) (¬3) فَهَؤُلَاءِ اتَّخَذُوا أُنَاسًا (¬4) مَوْجُودِينَ أَرْبَابًا، وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ مُعَلَّقًا بِالْإِمَامِ الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ، ثُمَّ يَعْمَلُونَ بِكُلِّ مَا يَقُولُ (¬5) الْمُنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ (¬6) إِنَّهُ يُحَلِّلُهُ، وَيُحَرِّمُهُ، وَإِنْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَإِجْمَاعَ سَلَفِ الْأُمَّةِ حَتَّى أَنَّ طَائِفَتَهُمْ ¬

(¬1) آيَةُ 80 مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ. (¬3) فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/341 - 342 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ التَّوْبَةِ) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ: " أَمَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ ". " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، وَغُطَيْفِ بْنِ أَعْيَنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الْحَدِيثِ ". (¬4) م: نَاسًا. (¬5) ن: بِمَا يَقُولُ. (¬6) ب: الْمُثْبِتُونَ.

إِذَا اخْتَلَفَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالُوا: الْقَوْلُ (¬1) الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ هَذَا الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ، فَيَجْعَلُونَ الْحَلَالَ مَا حَلَّلَهُ، وَالْحَرَامَ مَا حَرَّمَهُ هَذَا الَّذِي لَا يُوجَدُ، وَعِنْدَ (¬2) مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ مَوْجُودٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً. وَمِنْ حَمَاقَاتِهِمْ تَمْثِيلُهُمْ لِمَنْ يُبْغِضُونَهُ (* بِالْجَمَادِ (¬3) ، أَوْ حَيَوَانٍ، ثُمَّ يَفْعَلُونَ بِذَلِكَ الْجَمَادِ، وَالْحَيَوَانِ مَا يَرَوْنَهُ عُقُوبَةً لِمَنْ يُبْغِضُونَهُ *) (¬4) مِثْلَ اتِّخَاذِهِمْ نَعْجَةً - وَقَدْ تَكُونُ نَعْجَةً حَمْرَاءَ لِكَوْنِ عَائِشَةَ تُسَمَّى الْحُمَيْرَاءَ (¬5) - يَجْعَلُونَهَا عَائِشَةَ، وَيُعَذِّبُونَهَا بِنَتْفِ شَعْرِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لِعَائِشَةَ. وَمِثْلُ اتِّخَاذِهِمْ حِلْسًا مَمْلُوءًا سَمْنًا، ثُمَّ يَبْعَجُونَ (¬6) بَطْنَهُ، فَيَخْرُجُ السَّمْنُ، فَيَشْرَبُونَهُ، وَيَقُولُونَ: هَذَا مِثْلُ ضَرْبِ عُمَرَ، وَشُرْبِ دَمِهِ (¬7) ، وَمِثْلُ تَسْمِيَةِ بَعْضِهِمْ لِحِمَارَيْنِ مِنْ حُمُرِ الرَّحَا أَحَدُهُمَا بِأَبِي بَكْرٍ، وَالْآخَرُ بِعُمَرَ، ثُمَّ يُعَاقِبُونَ (¬8) الْحِمَارَيْنِ جَعَلَا مِنْهُمْ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ [عُقُوبَةً] (¬9) لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ. . ¬

(¬1) ب: عَلَى قَوْلَيْنِ فَالْقَوْلُ. . (¬2) ب: عَنْهُ؛ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) م: لِجَمَادٍ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ: يَبِيعُونَ؛ ب: يَشُقُّونَ. (¬7) يَنْقُلُ Donaldson فِي كِتَابِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ آنِفًا (- 4) عَنْ قَامُوسِ الْإِسْلَامِ Dictionary of islam وَصْفًا لِمَا يَفْعَلُهُ الشِّيعَةُ فِي عِيدِ الْغَدِيرِ فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ثَلَاثَةَ تَمَاثِيلَ مِنَ الْعَجِينِ تُمَثِّلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَيَمْلَئُونَهَا بِالْعَسَلِ ثُمَّ يَطْعَنُونَهَا بِالْمُدَى فَيَسِيلُ مِنْهَا الْعَسَلُ لِيُرْمَزَ بِذَلِكَ إِلَى دَمِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ الْغَاصِبِينَ. (¬8) أ، ب: عُقُوبَةُ. (¬9) عُقُوبَةٌ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَتَارَةً يَكْتُبُونَ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى أَسْفَلِ أَرْجُلِهِمْ [حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الْوُلَاةِ جَعَلَ يَضْرِبُ رِجْلَيْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا ضَرَبْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَلَا أَزَالُ أَضْرِبُهُمَا حَتَّى أُعْدِمَهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي كِلَابَهُ بَاسْمِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَيَلْعَنُهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ إِذَا سَمَّى كَلْبَهُ، فَقِيلَ لَهُ (بُكَيْرٌ.) يُضَارِبُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: تُسَمِّي كَلْبِي بَاسِمِ أَصْحَابِ النَّارِ، وَمِنْهُمْ (¬1) يُعَظِّمُ أَبَا لُؤْلُؤَةَ الْمَجُوسِيَّ الْكَافِرَ الَّذِي كَانَ غُلَامًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لَمَّا قَتَلَ عُمَرَ، وَيَقُولُونَ: وَاثَارَاتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ، فَيُعَظِّمُونَ (¬2) كَافِرًا مَجُوسِيًّا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لِكَوْنِهِ قَتَلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ حَمَاقَتِهِمْ إِظْهَارُهُمْ لِمَا يَجْعَلُونَهُ مَشْهَدًا، فَكَمْ كَذَّبُوا النَّاسَ، وَادَّعَوْا أَنَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ مَيِّتًا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ مَقْتُولًا، فَيَبْنُونَ ذَلِكَ مَشْهَدًا، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْرَ كَافِرٍ، أَوْ قَبْرَ بَعْضِ النَّاسِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِعَلَامَاتٍ كَثِيرَةٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُقُوبَةَ الدَّوَابِّ الْمُسَمَّاةِ بِذَلِكَ (¬3) ] ، وَنَحْوُ هَذَا الْفِعْلِ لَا يَكُونُ إِلَّا (¬4) مِنْ فِعْلِ أَحْمَقِ النَّاسِ، وَأَجْهَلِهِمْ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّا (¬5) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نُعَاقِبَ فِرْعَوْنَ، وَأَبَا لَهَبٍ، وَأَبَا جَهْلٍ، وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ مِثْلَ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ لَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ؛ لِأَنَّ (¬6) ¬

(¬1) أ: وَفِيهِمْ. (¬2) فَيَتَوَلَّوْنَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) أ: وَنَحْوُ هَذَا مِثْلُ هَذَا الْفِعْلِ إِلَّا؛ ن، م: فَهَلْ مِثْلُ هَذَا الْفِعْلِ إِلَّا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬5) أَنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬6) ن، م: فَإِنَّ.

ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ إِذَا قُتِلَ كَافِرٌ يَجُوزُ قَتْلُهُ، أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لَمْ يَجُزْ بَعْدَ قَتْلِهِ، أَوْ مَوْتِهِ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ، فَلَا يُشَقُّ بَطْنُهُ، وَلَا (¬1) يُجْدَعُ أَنْفُهُ، وَأُذُنُهُ، [وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ] (¬2) إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ. [فَقَدْ ثَبَتَ.] فِي صَحِيحِ (¬3) مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ بُرَيْدَةَ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ (¬4) أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ [تَعَالَى] (¬5) ، وَأَوْصَاهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَقَالَ: (اغْزُوَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْلُوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا.» ) (¬6) . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ «كَانَ فِي خُطْبَتِهِ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ» (¬7) . مَعَ أَنَّ ¬

(¬1) أ، ب: أَوْ. (¬2) وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: فَفِي صَحِيحِ. (¬4) ن، م: عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ. (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) الْحَدِيثَ فِي: مُسْلِمٍ 3/1356 - 1358 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسَّيْرِ، بَابُ تَأْمِيرِ الْإِمَامِ الْأُمَرَاءَ.) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَوَّلُهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ. ثُمَّ قَالَ: اغْزُوَا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الْحَدِيثَ، وَهُوَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/51 - 52 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ فِي دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ) ؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/85 - 86 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِتَالِ) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/953 - 954 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/358. (¬7) فِي: سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/390 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَمَرَنَا فِيهَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ. وَفِي: الْبُخَارِيِّ 5/129 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ) . قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ. وَانْظُرْ: سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 3 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ)

التَّمْثِيلَ بِالْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْهُ نِكَايَةٌ بِالْعَدُوِّ لَكِنْ نُهِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ إِيذَاءٍ (¬1) بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ كَفُّ شَرِّهِ بِقَتْلِهِ، [وَقَدْ حَصَلَ] (¬2) . فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُمْ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا، وَقَدْ مَاتُوا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ أَنْ يُمَثِّلُوا بِأَبْدَانِهِمْ لَا يَضْرِبُونَهُمْ، وَلَا يَشُقُّونَ بُطُونَهُمْ، وَلَا يَنْتِفُونَ شُعُورَهُمْ مَعَ أَنَّ فِي ذَلِكَ نِكَايَةً فِيهِمْ، فَأَمَّا إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِهِمْ ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إِلَيْهِمْ كَانَ غَايَةَ الْجَهْلِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بِمُحَرَّمٍ (¬3) كَالشَّاةِ الَّتِي يَحْرُمُ إِيذَاؤُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَفْعَلُونَ مَا لَا يَحْصُلُ لَهُمْ [بِهِ] (¬4) مَنْفَعَةٌ أَصْلًا، بَلْ ضَرَرٌ فِي الدِّينِ. وَالدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ مَعَ تَضَمُّنِهِ غَايَةَ الْحُمْقِ، وَالْجَهْلِ. وَمِنْ حَمَاقَتِهِمْ إِقَامَةُ الْمَأْتَمِ (¬5) ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى مَنْ قَدْ (¬6) قُتِلَ مِنْ سِنِينَ عَدِيدَةٍ (¬7) ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَقْتُولَ، وَغَيْرَهُ مِنَ الْمَوْتَى إِذَا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِهِمْ عَقِبَ مَوْتِهِمْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَرَسُولُهُ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬8) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ( «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ ¬

(¬1) أ: لِأَنَّهُ زَائِدَةُ إِيذَاءٍ؛ ب: لِأَنَّهُ زِيَادَةُ إِيذَاءٍ. (¬2) وَقَدْ حَصَلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن، (م) . (¬3) ن، م: بِمُحْتَرَمٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ: الْمَآتِمِ. (¬6) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: عَظِيمَةٍ. (¬8) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ.

الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» .) (¬1) . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ (¬2) «أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْحَالِقَةِ، وَالصَّالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» (¬3) (4 [فَالْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ] 4) (¬4) ، وَالصَّالِقَةُ هِيَ (¬5) الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا [عِنْدَ الْمُصِيبَةِ] (¬6) بِالْمُصِيبَةِ، وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ ثِيَابَهَا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنَّ النَّائِحَةَ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، فَإِنَّهَا تَلْبَسُ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/81 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ) ، 2/82 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ) ، 4/183 - 184 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا يَنْهَى عَنْ دَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ) ؛ مُسْلِمٌ 1/99 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْخُدُودِ) ؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 2/234 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْخُدُودِ) ؛ سُنَنَ النَّسَائِيِّ 4/17 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْخُدُودِ) ، 4/18 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ شَقِّ الْجُيُوبِ) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/504 - 505 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/240، 6/79، 116، 167. . (¬2) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/81 - 82 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُنْهَى مِنَ الْحَلْقِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ) وَلَفْظُهُ: ". إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيءٌ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ ". . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 1/100 (كِتَابُ الْإِيمَانِ؛ بَابُ تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَالدُّعَاءِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) . وَقَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحَ مُسْلِمٍ 2/110) : " فَالصَّالِقَةُ: وَقَعَتْ فِي الْأُصُولِ بِالصَّادِ، وَسَلَقَ بِالسِّينِ، وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَهُمَا لُغَتَانِ: السَّلْقُ وَالصَّلْقُ وَسَلَقَ وَصَلَقَ وَهِيَ صَالِقَةٌ وَسَالِقَةٌ؛ وَهِيَ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. وَالْجَالِقَةُ: هِيَ الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ ثَوْبَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ الْمَعْرُوفُ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الصَّلْقُ ضَرْبُ الْوَجْهِ. وَأَمَّا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ النِّيَاحَةُ، وَنَدْبُ الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَشَبَهُهُ. وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا كَانَ فِي الْفَتْرَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. (¬4) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) هِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) عِنْدَ الْمُصِيبَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

يَوْمَ الْقِيَامَةِ دِرْعًا مِنْ جَرَبٍ، وَسِرْبَالًا مِنْ قَطِرَانٍ.» ) (¬1) ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( «مَنْ يُنَحْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا يُنَحْ عَلَيْهِ» .) (¬2) ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ. وَهَؤُلَاءِ يَأْتُونَ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَغَيْرِ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ حَدِيثٍ آخَرَ قَبْلَهُ فِي: مُسْلِمٍ 2/644 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ التَّشْدِيدِ فِي النِّيَاحَةِ) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: " أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. " وَالْحَدِيثُ الثَّانِي نَصُّهُ: " النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/503 - 504 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ فِي النَّهْيِ عَنِ النِّيَاحَةِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/342 - 343. وَذَكَرَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ 1/405 حَدِيثًا بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَجَاءَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ مَا يُبَيِّنُ ضَعْفَهُ. (¬2) هَذَا الْحَدِيثُ جَاءَ فِي (أ) ، (ب) قَبْلَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَفِيهِمَا: مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ. . بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ. وَالْحَدِيثُ جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/186 - 187 وَفِيهِ ". . بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر الْحَدِيثَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: " مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبْ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ " عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَجَاءَ مُطَوَّلًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ) فِي: الْبُخَارِيِّ 2/80 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ) وَأَوَّلُهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ " مُسْلِمٌ 2/644 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْمَيِّتِ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) ؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 2/234 - 235 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ النَّوْحِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/245 - 252. وَأَطَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 6/228 - 229 الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَتَأَوَّلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاحَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَنُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ، فَهَذَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَنَوْحِهِمْ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبٌ إِلَيْهِ: قَالُوا: فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَنَاحُوا مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ فَلَا يُعَذَّبُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 164] . قَالُوا: وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ: إِذَا مُتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ قَالُوا: فَخَرَجَ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ.

ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَيِّتِ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ مَا لَوْ فَعَلُوهُ عَقِبَ مَوْتِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَكَيْفَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ (¬1) ظُلْمًا وَعُدْوَانًا مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْحُسَيْنِ قُتِلَ أَبُوهُ ظُلْمًا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَكَانَ قَتْلُهُ أَوَّلَ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، وَالْفَسَادِ أَضْعَافُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ. وَقُتِلَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَمَاتَ، وَمَا فَعَلَ أَحَدٌ - لَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا غَيْرِهِمْ - مَأْتَمًا وَلَا نِيَاحَةً عَلَى مَيِّتٍ، وَلَا قَتِيلٍ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ قَتْلِهِ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْحَمْقَى الَّذِينَ لَوْ كَانُوا مِنَ الطَّيْرِ لَكَانُوا رَخَمًا، وَلَوْ كَانُوا مِنَ الْبَهَائِمِ لَكَانُوا حُمُرًا. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يُوقِدُ خَشَبَ الطَّرْفَاءِ (¬2) ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ دَمَ الْحُسَيْنِ، وَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ مِنَ الطَّرْفَاءِ، وَمَعْلُومٌ. أَنَّ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِعَيْنِهَا لَا يُكْرَهُ وَقُودُهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا مِنْ (¬3) أَيِّ دَمٍ كَانَ، فَكَيْفَ بِسَائِرِ الشَّجَرِ الَّذِي لَمْ يُصِبْهُ الدَّمُ؟ ! . وَحَمَاقَاتُهُمْ يَطُولُ وَصْفُهَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ تُنْقَلَ (¬4) بِإِسْنَادٍ، [وَلَكِنْ يَنْبَغِي ¬

(¬1) ن، م: مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ. (¬2) فِي اللِّسَانِ: الطَّرَفَةُ شَجَرَةٌ وَهِيَ الطَّرَفُ، وَالطَّرْفَاءُ جَمَاعَةُ الطَّرَفَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الطَّرْفَاءُ مِنَ الْعِضَاهِ، وَهُدْبُهُ مِثْلُ هُدْبِ الْأَثْلِ، وَلَيْسَ لَهُ خَشَبٌ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عِصِيًّا سَمْحَةً فِي السَّمَاءِ، وَقَدْ تَتَمَحَّضُ بِهَا الْإِبِلُ إِذَا لَمْ تَجِدْ حِمْضًا غَيْرَهُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الطَّرْفَاءُ مِنَ الْحَمْضِ. (¬3) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ: وَمِنْ حَمَاقَاتِهِمْ كَمَا يَطُولُ وَصْفُهَا لَا يُحْتَاجُ أَنْ تُنْقَلَ؛ ب: وَمِنْ حَمَاقَاتِهِمْ مَا يَطُولُ وَصْفُهَا وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ تُنْقَلَ.

أَنْ يُعْلَمَ مَعَ هَذَا] (¬1) أَنَّ الْمَقْصُودَ (¬2) أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ الْقَدِيمِ يَصِفُهُمُ النَّاسُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ عَهْدِ التَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ، (3 [كَمَا ثَبَتَ بَعْضُ ذَلِكَ إِمَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ فِي زَمَنِ تَابِعِي التَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ] 3) (¬3) ، وَكَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ الْمُفْرَدَةِ إِمَّا لِسُوءِ حِفْظِهِ، وَإِمَّا لِتُهْمَةٍ. (¬4) فِي تَحْسِينِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ، وَمَعْرِفَةٌ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ - وَلَكِنْ يَصْلُحُونَ (¬5) لِلِاعْتِضَادِ، وَالْمُتَابَعَةِ كَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، وَأَمْثَالِهِمَا، فَإِنَّ كَثْرَةَ الشَّهَادَاتِ، وَالْأَخْبَارِ قَدْ تُوجِبُ الْعِلْمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنَ الْمُخْبِرِينَ ثِقَةً حَافِظًا (¬6) حَتَّى يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِمُخْبِرِ الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُونَ مِنْ أَهْلِ الْفُسُوقِ إِذَا لَمْ يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ تَشَاعُرٌ (¬7) ، وَتَوَاطُؤٌ، وَالْقَوْلُ الْحَقُّ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ يُقْبَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ قَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ بِمُجَرَّدِ إِخْبَارِ الْمُخْبِرِ بِهِ. فَلِهَذَا ذَكَرْنَا مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَالَهُ ذَاكِرًا لَا آثِرًا (¬8) ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ الْأَعْمَشِ، وَعَنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَالْمَقْصُودُ. (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب: لِتُهْمَتِهِ؛ أ: التُّهْمَةُ. (¬5) ب: يَصْلُحُ. (¬6) ن، م: حَافِظًا ثِقَةً. (¬7) ب: تَشَاغُرٌ؛ م: تَشَاوُرٌ. (¬8) ب: إِنَّهُ قَالَ ذَاكِرًا لِأَثَرٍ.

الرافضة هم أضل الناس في المعقول والمنقول

عُبَيْدِ (¬1) اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَلَا يُحْتَجُّ بِمُجَرَّدِ (¬2) مُفْرَدَاتِهِ، فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ مَا يُوجَدُ فِي جِنْسِ الشِّيعَةِ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَالْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ، وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَ مَا ذُكِرَ لَكِنْ قَدْ لَا يَكُونُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْإِمَامِيَّةِ [الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةٍ] (¬3) ، وَلَا فِي الزَّيْدِيَّةِ، وَلَكِنْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهُ فِي الْغَالِيَةِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ عَوَامِّهِمْ مِثْلُ مَا يُذْكَرُ عَنْهُمْ مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْجَمَلِ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضَا الْمَرْأَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ عَوَامِّهِمْ (¬4) ، وَإِنْ كَانَ عُلَمَاؤُهُمْ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَصْلُ مَذْهَبِهِمْ (¬5) مُسْتَنِدًا إِلَى جَهْلٍ كَانُوا أَكْثَرَ الطَّوَائِفِ كَذِبًا. وَجَهْلًا (¬6) . [الرافضة هم أضل الناس في المعقول والمنقول] (فَصْلٌ) وَنَحْنُ نُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى طَرِيقَ الِاسْتِقَامَةِ فِي مَعْرِفَةِ هَذَا الْكِتَابِ (¬7) (مِنْهَاجِ النَّدَامَةِ.) بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ سَلَكَ مَسْلَكَ ¬

(¬1) ن: عَبْدِ. (¬2) بِمُجَرَّدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ عَوَامِّهِمْ. وَسَقَطَتْ (بَعْضُ) مِنْ (م) . (¬5) ن، م: لَكِنْ لَمَا ضَارَّ أَهْلَ مَذْهَبِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) الْفِقْرَةُ الطَّوِيلَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا: وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ مَعَ هَذَا أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ الْقَدِيمِ (ص 35 س [0 - 9] ) . . كَانُوا أَكْثَرَ الطَّوَائِفِ كَذِبًا وَجَهْلًا، هِيَ الْفِقْرَةُ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا فِي (ص 23 ت [0 - 9] ) . وَقَدْ كَانَ إِثْبَاتُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) خَطَأً مِنَ النَّاسِخِ. (¬7) م: مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.

سَلَفِهِ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ كَابْنِ النُّعْمَانِ الْمُفِيدِ (¬1) ، وَمُتَّبِعِيهِ: كَالْكَرَاجِكِيِّ (¬2) ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الْمُوسَوِيِّ (¬3) ، وَالطُّوسِيِّ (¬4) ، وَأَمْثَالِهِمْ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ فِي الْأَصْلِ لَيْسُوا أَهْلَ عِلْمٍ، وَخِبْرَةٍ بِطَرِيقِ النَّظَرِ، وَالْمُنَاظَرَةِ، وَمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ، وَمَا يَدْخُلُ فِيهَا مِنَ الْمَنْعِ، وَالْمُعَارَضَةِ، كَمَا أَنَّهُمْ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَعْرِفَةِ الْمَنْقُولَاتِ، وَالْأَحَادِيثِ، وَالْآثَارِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَضَعِيفِهَا، وَإِنَّمَا عُمْدَتُهُمْ فِي الْمَنْقُولَاتِ عَلَى تَوَارِيخَ مُنْقَطِعَةِ الْإِسْنَادِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا مِنْ وَضْعِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكَذِبِ، بَلْ (¬5) وَبِالْإِلْحَادِ، وَعُلَمَاؤُهُمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى نَقْلِ مِثْلِ أَبِي مِخْنَفٍ ¬

(¬1) مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْبَغْدَادِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالشَّيْخِ الْمُفِيدِ. قَالَ الْخَوَانْسَارِيُّ (رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، ص [0 - 9] 36) : كَانَ مِنْ أَجَلِّ مَشَايِخِ الشِّيعَةِ وَرَئِيسَهُمْ وَأُسْتَاذَهُمْ، وَكُلُّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ اسْتَفَادَ مِنْهُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 413. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، ص [0 - 9] 36 - 543؛ تَنْقِيحَ الْمَقَالِ 3/180 - 181؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/199 - 200. (¬2) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَاجِكِيُّ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 449، وَهُوَ مِنْ تَلَامِذَةِ الْمُفِيدِ. تَرْجَمَتُهُ فِي تَنْقِيحِ الْمَقَالِ 3/159؛ رَوْضَاتُ الْجَنَّاتِ، ص [0 - 9] 52 - 553؛ لِسَانُ الْمِيزَانِ 5/300. (¬3) عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو الْقَاسِمِ وَيُعْرَفُ بِالسَّيِّدِ الْمُرْتَضَى عَلَمِ الْهُدَى. ذَكَرَ الْخَوَانْسَارِيُّ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ الْمُفِيدِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 436. تَرْجَمَتُهُ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، ص [0 - 9] 74 - 379؛ الرِّجَالُ لِلنَّجَاشِيِّ، ص [0 - 9] 06 - 207؛ لِسَانُ الْمِيزَانِ 4/223 - 225؛ مُقَدِّمَةُ " أَمَالِي الْمُرْتَضَى " تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْفَضْلِ إِبْرَاهِيم، الْقَاهِرَةَ، 1954. (¬4) مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ شَيْخُ الْإِمَامِيَّةِ وَرَئِيسُ الطَّائِفَةِ، كَانَ تِلْمِيذًا لِلشَّيْخِ الْمُفِيدِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 460. تَرْجَمَتُهُ فِي تَنْقِيحِ الْمَقَالِ 3/104 - 105؛ رَوْضَاتُ الْجَنَّاتِ، ص [0 - 9] 53؛ الرِّجَالُ لِلنَّجَاشِيِّ، ص [0 - 9] 16؛ لِسَانُ الْمِيزَانِ 5/135. (¬5) بَلْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ.

الرافضة هم أكذب الطوائف

لُوطِ بْنِ يَحْيَى (¬1) ، وَهُشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ (¬2) ، وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكَذِبِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعَ أَنَّ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ هُمْ مِنْ (¬3) أَجَلِّ مَنْ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ إِذْ كَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ، وَالِافْتِرَاءِ مِمَّنْ لَا يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالرِّجَالِ. [الرافضة هم أكذب الطوائف] وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ، وَالرِّوَايَةِ، وَالْإِسْنَادِ عَلَى أَنَّ الرَّافِضَةَ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، وَالْكَذِبُ فِيهِمْ قَدِيمٌ، وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ يَعْلَمُونَ امْتِيَازَهُمْ بِكَثْرَةِ الْكَذِبِ قَالَ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (¬4) . سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى (¬5) يَقُولُ: (¬6) قَالَ أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (¬7) سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ ¬

(¬1) أ، ب: أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/260. " لُوطُ بْنُ يَحْيَى أَبُو مِخْنَفٍ، إِخْبَارِيٌّ تَالِفٌ لَا يُوثَقُ بِهِ تَرَكَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ شِيعِيٌّ مُحْتَرِقٌ صَاحِبُ أَخْبَارِهِمْ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ السَّبْعِينَ وَمِائَةٍ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، ص 732؛ الرِّجَالِ لِلنَّجَاشِيِّ، ص 245. (¬2) هُوَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّائِبُ الْكَلْبِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/256. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَافِضِيٌّ لَيْسَ بِثِقَةٍ. مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي: الرِّجَالِ لِلنَّجَاشِيِّ، ص [0 - 9] 39 - 340. (¬3) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ مِنْ أَقْرَانِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ وُلِدَ بِالرَّيِّ سَنَةَ 195 وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 227. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/31 - 34؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/557 - 559؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ 2 - 77؛ طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/283 - 386؛ سَزْكِينَ 1/273 - 274؛ الْأَعْلَامِ 6 (¬5) يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ مَيْسَرَةَ أَبُو مُوسَى الْمِصْرِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 264. ذَكَرَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ: مَا رَأَيْتُ بِمِصْرَ أَعْقَلَ مِنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى. تَرْجَمَتُهُ فِي ابْنِ خَلِّكَانَ 6/247 - 250؛ الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص [0 - 9] 79. (¬6) ن، م: قَالَ. (¬7) أَبُو عَمْرٍو أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ دَاوُدَ الْقَيْسِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 204. تَرْجَمَتُهُ فِي ابْنِ خَلِّكَانَ 1/215 - 217؛ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 1/359 - 360.

الرَّافِضَةِ، فَقَالَ: لَا تُكَلِّمْهُمْ، وَلَا تَرْوِ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ، وَقَالَ. أَبُو حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ (¬1) [قَالَ] (¬2) : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَقَالَ. مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابٍ (¬3) : سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ (¬4) يَقُولُ: يَكْتُبُ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إِلَّا الرَّافِضَةَ، فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ، وَقَالَ. مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ (¬5) : سَمِعْتُ شَرِيكًا يَقُولُ: أَحْمِلُ الْعِلْمَ عَنْ كُلِّ مَنْ لَقِيتُ إِلَّا الرَّافِضَةَ، فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَ الْحَدِيثَ، وَيَتَّخِذُونَهُ دِينًا، [وَشَرِيكٌ هَذَا هُوَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، قَاضِي الْكُوفَةِ، مِنْ أَقْرَانِ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مِنَ الشِّيعَةِ الَّذِي يَقُولُ بِلِسَانِهِ: أَنَا مِنَ الشِّيعَةِ، وَهَذِهِ شَهَادَتُهُ فِيهِمْ] (¬6) ، وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ (¬7) : سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ يَقُولُ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ، وَمَا يُسَمُّونَهُمْ إِلَّا الْكَذَّابِينَ، يَعْنِي ¬

(¬1) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّجِيبِيُّ الزَّمِيلِيُّ الْمِصْرِيُّ صَاحِبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 243. تَرْجَمَتُهُ فِي ابْنِ خَلِّكَانَ 1/353 - 354؛ الْخُلَاصَةَ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 63. (¬2) قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّبْعِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 254. قَالَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، تَرْجَمَتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 237. (¬4) يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ السُّلَمِيُّ أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ الْحُفَّاظِ الْمَشَاهِيرِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 206. تَرْجَمَتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 374. (¬5) مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، رَوَى عَنْ شَرِيكٍ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ عَنْهُ: ثِقَةٌ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 220. الْخُلَاصَةُ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 288. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ التَّمِيمِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ تِلْمِيذُ الْأَعْمَشِ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ شَيْبَةَ: رُبَّمَا دَلَّسَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 195. الْخُلَاصَةُ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 284 - 285.

أَصْحَابَ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ (¬1) قَالَ. الْأَعْمَشُ: وَلَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَذْكُرُوا (¬2) هَذَا، فَإِنِّي لَا آمَنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّا أَصَبْنَا الْأَعْمَشَ (¬3) مَعَ امْرَأَةٍ. وَهَذِهِ آثَارٌ ثَابِتَةٌ رَوَاهَا (¬4) [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ] (¬5) بْنُ بَطَّةَ فِي (الْإِبَانَةِ الْكُبْرَى.) (¬6) هُوَ وَغَيْرُهُ، وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ (* كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ (¬7) قَالَ: سَمِعْتُ *) (¬8) . الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَوْمًا ¬

(¬1) هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَجَلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ. كَانَ مَوْلًى لِخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ، وَلَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ قَتَلَهُ خَالِدٌ وَصَلَبَهُ وَأَحْرَقَهُ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَقَدْ وَصَفَ الذَّهَبِيُّ (مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 3/191) الْمُغِيرَةَ بِأَنَّهُ الرَّافِضِيُّ الْكَذَّابُ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/191 - 192؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/157 - 158؛ الْإِسْفَرَايِينِيَّ، ص [0 - 9] 3؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، 146 - 148؛ الْمَقَالَاتِ 1/68 - 73، 75 - 76. (¬2) أ، ب: أَنْ تَذْكُرُوا. (¬3) الْأَعْمَشُ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْكَاهِلِيُّ الْكُوفِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/423: أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ، عِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِينَ، مَا نَقَمُوا عَلَيْهِ إِلَّا التَّدْلِيسَ. يُحْسِنُ الظَّنَّ بِمَنْ يُحَدِّثُهُ وَيَرْوِي عَنْهُ، وَلَا يُمْكِنُنَا بِأَنْ نَقْطَعَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَلِمَ ضَعْفَ ذَلِكَ الَّذِي يُدَلِّسُهُ فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ. وَنَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ (تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 4/223) ؛ عَنِ الْعِجْلِيِّ أَنَّ الْأَعْمَشَ كَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 148. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/220 - 223؛ تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 4/222 - 226؛ رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ 319 - 320. (¬4) ب: قَدْ رَوَاهَا؛ أ: قَدْ رَوَاهُ. (¬5) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُكْبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بَطَّةَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 387. ذَكَرَ ابْنُ أَبِي يَعْلَى مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ " الْإِبَانَةَ الْكُبْرَى " وَ " الْإِبَانَةَ الصُّغْرَى ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/144 - 153؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/122 - 124. (¬7) هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ الْمِصْرِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَرَاوِي " الْأُمِّ ". رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ يُونُسَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 270. الْخُلَاصَةَ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص [0 - 9] 8؛ ابْنَ خَلِّكَانَ 2 (52 - 53) . (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَمَكَانُهُ فِي (أ) : وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ كَلَامَ؛ (ب) : وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ كَانَ

أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَرْمَلَةَ، وَزَادَ فِي ذَلِكَ: مَا رَأَيْتُ أَشْهَدَ عَلَى اللَّهِ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ هُوَ الثَّابِتُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ (¬1) شَهَادَةَ مَنْ عُرِفَ بِالْكَذِبِ كَالْخَطَّابِيَّةِ (¬2) وَرَدُّ شَهَادَةِ مَنْ عُرِفَ بِالْكَذِبِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَتَنَازَعُوا فِي شَهَادَةِ سَائِرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ هَلْ تُقْبَلُ مُطْلَقًا؟ أَوْ تُرَدُّ مُطْلَقًا؟ أَوْ تُرَدُّ شَهَادَةُ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْبِدَعِ؟ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا يَرَوْنَ الرِّوَايَةَ عَنِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْبِدَعِ، وَلَا شَهَادَتَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي كُتُبِهِمُ الْأُمَّهَاتِ كَالصِّحَاحِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَسَانِيدِ (¬3) الرِّوَايَةُ عَنِ الْمَشْهُورِينَ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْبِدَعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا الرِّوَايَةُ عَمَّنْ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ ¬

(¬1) أ، ب: رَدَّ. (¬2) الْخَطَابِيَّةُ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ أَتْبَاعُ أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ مِقْلَاصٍ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ الْأَجْدَعِ الْمَقْتُولِ سَنَةَ 143. قَالَ النُّوبَخْتِيُّ (فِرَقَ الشِّيعَةِ، ص [0 - 9] 7 - 38) : " كَانَ أَبُو الْخَطَّابِ يَدَّعِي أَنَّ. أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (الصَّادِقَ) - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - جَعَلَهُ قَيِّمَهُ وَوَصِيَّهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَلَّمَهُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ، ثُمَّ تَرَاقَى إِلَى أَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، ثُمَّ ادَّعَى الرِّسَالَةَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ". وَذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ الْخَطَّابِيَّةَ خَمْسُ فِرَقٍ. انْظُرْ: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1 - 81؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/380 - 385، الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ ص [0 - 9] 50 - 155؛ التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ ص [0 - 9] 3 - 74؛ أُصُولَ الدِّينِ، ص [0 - 9] 98، 331؛ الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 4/187، الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/352؛ التَّنْبِيهَ لِلْمَلْطِيِّ، ص [0 - 9] 54، فِرَقَ الشِّيعَةِ، ص [0 - 9] 3 - 64؛ الْبَدْءَ وَالتَّارِيخَ 5/131؛ الرِّجَالَ لِلْكَشِّيِّ (ط. الْأَعْلَمِيِّ، النَّجَفَ) ، ص [0 - 9] 46 - 260. . (¬3) أ، ب: وَالْمَسَانِدِ.

بِدْعَةٍ كَالْخَوَارِجِ (¬1) ، وَالشِّيعَةِ، وَالْمُرْجِئَةِ (¬2) ، وَالْقَدَرِيَّةُ، وَذَلِكَ. لِأَنَّهُمْ (¬3) لَمْ يَدَعُوَا الرِّوَايَةَ عَنْ هَؤُلَاءِ لِلْفِسْقِ كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُهُمْ، وَلَكِنَّ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَتَهُ. وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ أَخْفَاهَا، وَكَتَمَهَا، وَإِذَا وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَهْجُرَ حَتَّى يَنْتَهِيَ عَنْ إِظْهَارِ بِدْعَتِهِ، وَمِنْ هَجْرِهِ أَنْ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ الْعِلْمُ، وَلَا يُسْتَشْهَدَ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَالْفُجُورِ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ (4 الْإِذْنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ 4) (¬4) الْمَنْعَ، وَالتَّحْقِيقَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُمْ لَا يُنْهَى عَنْهَا لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ فِي نَفْسِهَا لَكِنْ لِأَنَّهُمْ إِذَا أَظْهَرُوا الْمُنْكَرَ اسْتَحَقُّوا أَنْ يُهْجَرُوا، وَأَنْ لَا يُقَدَّمُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَرْكُ عِيَادَتِهِمْ، وَتَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ كُلُّ هَذَا مِنْ بَابِ الْهَجْرِ الْمَشْرُوعِ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ (¬5) . وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ هَذَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عُلِمَ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ ¬

(¬1) ن، م: الْخَوَارِجِ. (¬2) الْمُرْجِئَةُ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الْعَمَلَ عَنِ الْإِيمَانِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ مَدَارَ الْإِيمَانِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَلَا يَجْعَلُونَ هَذَا الْإِيمَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْعَمَلِ. وَأَكْثَرُ الْمُرْجِئَةِ يَرَوْنَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ إِنَّ أَهْلَ الْقِبْلَةِ لَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ مَهْمَا ارْتَكَبُوا مِنَ الْمَعَاصِي. انْظُرِ الْمَقَالَاتِ 1/197 - 215؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/125 - 130؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 22 - 125؛ الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5 - 75؛ التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 9 - 61؛ الْحُورَ الْعِينَ، ص [0 - 9] 03 - 204؛ الْبَدْءَ وَالتَّارِيخَ 5/144 - 146؛ الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/349 - 350؛ كَشَّافَ اصْطِلَاحَاتِ الْفُنُونِ (ط. بَيْرُوتَ) 2/252 - 256. (¬3) ن، م: أَنَّهُمْ. (¬4) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ مِنْ قِلَّةِ الْبِدْعَةِ، وَكَثْرَتِهَا، وَظُهُورِ السُّنَّةِ، وَخَفَائِهَا، وَأَنَّ الْمَشْرُوعَ (¬1) قَدْ يَكُونُ (¬2) هُوَ التَّأْلِيفُ تَارَةً، وَالْهِجْرَانُ أُخْرَى، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَأَلَّفُ أَقْوَامًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ هُوَ (¬3) حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ (¬4) ، [وَمَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ] (¬5) ، فَيُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مَا لَا يُعْطِي غَيْرَهُمْ. قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( «إِنِّي أُعْطِي رِجَالًا، وَأَدَعُ رِجَالًا (¬6) ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي (¬7) أُعْطِي. أُعْطِي رِجَالًا لِمَا جَعَلَ اللَّهُ. (¬8) فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْهَلَعِ، وَالْجَزَعِ، وَأَدَعُ رِجَالًا لِمَا [جَعَلَ اللَّهُ.] (¬9) فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى، وَالْخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ.» ) (¬10) وَقَالَ: ( «إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ عَلَى ¬

(¬1) أ: الشُّرُوعُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) قَدْ يَكُونُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) ب (فَقَطْ) : وَمَنْ هُوَ. (¬4) ن، م: بِإِسْلَامٍ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) وَأَدَعُ رِجَالًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: مِنَ الَّذِينَ. (¬8) جَعَلَ اللَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) جَعَلَ اللَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ن، م: عَمْرُو بْنُ تَعْلَبٍ؛ أ، ب: عَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ. انْظُرِ: الْإِصَابَةَ 2/519. وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/10 - 11 (كِتَابُ الْجُمُعَةِ، بَابُ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ: أَمَّا بَعْدُ) ، 9/156 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا.) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/69.

وَجْهِهِ فِي النَّارِ.» ) (¬1) ، [أَوْ كَمَا قَالَ] (¬2) . وَكَانَ يَهْجُرُ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ، (¬3) كَمَا هَجَرَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا فِي (¬4) غَزْوَةِ تَبُوكَ (¬5) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَعْوَةُ الْخَلْقِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِأَقْوَمِ طَرِيقٍ، فَيَسْتَعْمِلُ الرَّغْبَةَ حَيْثُ تَكُونُ أَصْلَحَ، وَالرَّهْبَةَ حَيْثُ تَكُونُ أَصْلَحَ. وَمَنْ عَرَفَ هَذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَنْ رَدَّ الشَّهَادَةَ وَالرِّوَايَةَ مُطْلَقًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُتَأَوِّلِينَ، فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ السَّلَفَ قَدْ دَخَلُوا بِالتَّأْوِيلِ فِي أَنْوَاعٍ عَظِيمَةٍ. وَمَنْ جَعَلَ الْمُظْهِرَيْنِ لِلْبِدْعَةِ أَئِمَّةً فِي الْعِلْمِ، وَالشَّهَادَةِ لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ بِهَجْرٍ، وَلَا رَدْعٍ، فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُظْهِرِ لِلْبِدَعِ، وَالْفُجُورِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ عَلَيْهِ، وَلَا اسْتِبْدَالٍ بِهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ إِقْرَارَ الْمُنْكَرِ الَّذِي يُبْغِضُهُ اللَّهُ، وَرَسُولُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِنْكَارِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْإِعَادَةَ عَلَى [كُلِّ] (¬6) ¬

(¬1) أ: أَنْ يَكُبَّهُ فِي النَّارِ؛ ب: أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/10 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ.) وَأَوَّلُهُ: عَنْ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ. الْحَدِيثَ وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ: " يَا سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ". وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/132 - 133 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَأَلُّفِ قَلْبِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إِيمَانِهِ لِضَعْفِهِ.) . (¬2) أَوْ كَمَا قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَهَجَرَ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ. (¬4) ب (فَقَطْ) : تَخَلَّفُوا عَنْ. (¬5) قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِي خُلِّفُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهَجْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْ كِتَابٍ مِنَ الصِّحَاحِ وَهِيَ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/70 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ بَرَاءَةٌ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) . (¬6) كُلِّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

مَنْ صَلَّى خَلْفَ كُلِّ (¬1) ذِي، فُجُورٍ، وَبِدْعَةٍ، فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ السَّلَفَ، وَالْأَئِمَّةَ (¬2) مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ صَلَّوْا خَلْفَ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ لَمَّا كَانُوا وُلَاةً عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُقِيمُهَا وُلَاةُ الْأُمُورِ تُصَلَّى خَلْفَهُمْ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا، كَمَا يُحَجُّ مَعَهُمْ، وَيُغْزَى مَعَهُمْ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ (¬3) مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ فِي الرَّافِضَةِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي سَائِرِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كُتُبَ الْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ الْمُصَنَّفَةَ فِي أَسْمَاءِ الرُّوَاةِ، وَالنَّقَلَةِ، وَأَحْوَالِهِمْ - مِثْلَ كُتُبِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ، وَأَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ. وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيِّ السَّعْدِيِّ، وَيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ الْفَسَوِيِّ (¬4) ، وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الْعِجْلِيِّ، وَالْعُقَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيِّ، وَالْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيِّ، وَالْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْمِصْرِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ جَهَابِذَةٌ، وَنُقَّادٌ، وَأَهْلُ مَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ الْإِسْنَادِ - رَأَى الْمَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ بِالْكَذِبِ فِي الشِّيعَةِ (¬5) أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَتَّى أَنَّ أَصْحَابَ الصَّحِيحِ كَالْبُخَارِيِّ ¬

(¬1) كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: فَإِنَّ السَّلَفَ مِنَ الْأَئِمَّةِ. (¬3) أ، ب: الْأُمُورُ. (¬4) الْفَسَوِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) أ، ب: الْكَذِبُ فِي الشِّيعَةِ.

لَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ قُدَمَاءِ الشِّيعَةِ مِثْلِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ (¬1) ، وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ (¬2) ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ (¬3) ، وَأَمْثَالِهِمْ مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ [مِنْ] (¬4) خِيَارِ الشِّيعَةِ، (5 وَإِنَّمَا يَرْوِي أَصْحَابُ الصَّحِيحِ حَدِيثَ عَلِيٍّ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ 5) (¬5) كَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ (¬6) ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَاتِبِهِ [عُبَيْدِ اللَّهِ] (¬7) بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَوْ عَنْ (¬8) أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ (¬9) بْنِ مَسْعُودٍ: كَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَالْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، أَوْ عَمَّنْ يُشْبِهُ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ النَّقْلِ، وَنُقَّادُهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْهَوَى، وَأَخْبَرِهِمْ بِالنَّاسِ، وَأَقْوَلِهِمْ بِالْحَقِّ (¬10) لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. وَالْبِدَعُ مُتَنَوِّعَةٌ (¬11) ، فَالْخَوَارِجُ مَعَ أَنَّهُمْ مَارِقُونَ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا. ¬

(¬1) ن: عَاصِمُ بْنُ صَحْرَهْ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ السَّلُولِيُّ الْكُوفِيُّ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَابْنُ مَعِينٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَدِيِّ وَابْنُ حِبَّانَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 174. انْظُرِ الْخُلَاصَةَ لِلْخَزْرَجِيِّ ص 154؛ مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 1/3. (¬2) وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ الْأَعْوَرُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ (مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 2/202) : مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ عَلَى ضَعْفٍ فِيهِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ لَهُ حَدِيثًا فِي كِتَابِ " الضُّعَفَاءِ ". وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ (الْخُلَاصَةَ، ص [0 - 9] 8) : أَحَدُ كِبَارِ الشِّيعَةِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَذَّابٌ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. تُوُفِّيَ سَنَةَ 165. (¬3) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِمَةَ (بِكَسْرِ اللَّامِ) الْهَمْدَانِيُّ الْمُرَادِيُّ الْكُوفِيُّ صَاحِبُ عَلِيٍّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ، وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ. انْظُرْ مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 2/42؛ الْخُلَاصَةَ لِلْخَزْرَجِيِّ ص [0 - 9] 69. (¬4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) (5 - 5) : بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ جَاءَ فِي (أ) ، (ب) : وَإِنَّمَا يَرْوُونَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. (¬6) ن، م: بَيْتِهِ كَالْحُسَيْنِ. (¬7) عُبَيْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) ن، م: وَعَنْ. (¬9) عَبْدِ اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) ن: وَأَقْوَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ. (¬11) ن، م: مُبْتَدَعَةٌ.

يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ، وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ، وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَصَحَّ فِيهِمُ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ رَوَاهَا مُسْلِمٌ. [فِي صَحِيحِهِ] (¬1) رَوَى الْبُخَارِيُّ ثَلَاثَةً مِنْهَا (¬2) لَيْسُوا مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، بَلْ هُمْ مَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ حَدِيثَهُمْ مِنْ أَصَحِّ الْحَدِيثِ لَكِنَّهُمْ جَهِلُوا، وَضَلُّوا فِي بِدْعَتِهِمْ، وَلَمْ تَكُنْ بِدْعَتُهُمْ عَنْ زَنْدَقَةٍ، وَإِلْحَادٍ، بَلْ عَنْ جَهْلٍ، وَضَلَالٍ فِي مَعْرِفَةِ مَعَانِي الْكِتَابِ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ، فَأَصْلُ بِدْعَتِهِمْ عَنْ زَنْدَقَةٍ، وَإِلْحَادٍ، وَتَعَمُّدُ الْكَذِبِ كَثِيرٌ فِيهِمْ (¬3) ، وَهُمْ يُقِرُّونَ بِذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُونَ: دِينُنَا التَّقِيَّةُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ بِلِسَانِهِ خِلَافَ مَا فِي قَلْبِهِ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ وَالنِّفَاقُ، وَيَدَّعُونَ مَعَ هَذَا أَنَّهُمْ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَيَصِفُونَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ بِالرِّدَّةِ، وَالنِّفَاقِ، فَهُمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا قِيلَ: رَمَتْنِي بِدَائِهَا، وَانْسَلَّتْ ¬

(¬1) فِي صَحِيحِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: مِنْهَا ثَلَاثَةً. وَقَدْ خَصَّصَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَابَ 47 وَهُوَ بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَوْرَدَ فِيهِ الْأَحَادِيثَ مِنْ أَرْقَامِ: 142 - 153 فِي ج [0 - 9] ص [0 - 9] 40 - 746 ثُمَّ جَعَلَ بَابًا آخَرَ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ بِعُنْوَانِ: بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الْخَوَارِجِ (ص [0 - 9] 46 - 749) فِيهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ رَقْمِ 154 إِلَى رَقْمِ 157، ثُمَّ أَفْرَدَ بَابًا ثَالِثًا بَعْدَهُ بِعُنْوَانِ: بَابٌ الْخَوَارِجُ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ فِيهِ الْأَحَادِيثُ 158، 159، 160. وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَذَكَرَ حَدِيثًا عَنِ الْخَوَارِجِ 4/137 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ 4/200 - 201 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ) . (¬3) أ، ب: فِيهِمْ كَثِيرٌ.

إِذْ لَيْسَ فِي الْمُظْهِرِينَ (¬1) لِلْإِسْلَامِ أَقْرَبُ إِلَى النِّفَاقِ وَالرِّدَّةِ مِنْهُمْ، وَلَا يُوجَدُ الْمُرْتَدُّونَ، وَالْمُنَافِقُونَ فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَدُ فِيهِمْ، وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالْغَالِيَةِ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَبِالْمَلَاحِدَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَأَمْثَالِهِمْ. وَعُمْدَتُهُمْ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مَا نُقِلَ لَهُمْ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَذَلِكَ النَّقْلُ مِنْهُ مَا هُوَ صِدْقٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ كَذِبٌ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، وَلَيْسُوا أَهْلَ مَعْرِفَةٍ بِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَضَعِيفِهِ كَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، ثُمَّ إِذَا صَحَّ [النَّقْلُ] (¬2) عَنْ بَعْضِ (¬3) هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ بَنَوْا وُجُوبَ قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أُصُولٍ: عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ مَعْصُومٌ مِثْلَ عِصْمَةِ الرَّسُولِ، وَعَلَى أَنَّ مَا يَقُولُهُ أَحَدُهُمْ، فَإِنَّمَا يَقُولُ نَقْلًا عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُمْ قَدْ عُلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَهْمَا قُلْنَا، فَإِنَّمَا نَقُولُهُ نَقْلًا عَنِ الرَّسُولِ، وَيَدَّعُونَ الْعِصْمَةَ فِي أَهْلِ (¬4) النَّقْلِ، وَالثَّالِثُ (¬5) : أَنَّ إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ حُجَّةٌ، ثُمَّ يَدَّعُونَ أَنَّ الْعِتْرَةَ هُمُ الِاثْنَا عَشَرَ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ أَحَدِهِمْ، فَقَدْ أَجْمَعُوا [كُلُّهُمْ] (¬6) عَلَيْهِ. فَهَذِهِ أُصُولُ الشَّرْعِيَّاتِ عِنْدَهُمْ، وَهِيَ أُصُولٌ فَاسِدَةٌ، كَمَا سَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْقُرْآنِ، وَلَا عَلَى الْحَدِيثِ، وَلَا عَلَى إِجْمَاعٍ إِلَّا لِكَوْنِ الْمَعْصُومِ مِنْهُمْ، وَلَا عَلَى الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ، وَاضِحًا جَلِيًّا (¬7) . ¬

(¬1) أ، ب: الْمُظَاهِرِينَ. (¬2) النَّقْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: هَذَا. (¬5) ن، م: الثَّالِثُ. (¬6) كُلُّهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: جَلِيًّا وَاضِحًا.

اعتماد متأخري الإمامية على المعتزلة في المعقولات

[اعتماد متأخري الإمامية على المعتزلة في المعقولات] وَأَمَّا عُمْدَتُهُمْ فِي النَّظَرِ، وَالْعَقْلِيَّاتِ، فَقَدِ اعْتَمَدَ مُتَأَخَّرُوهُمْ عَلَى كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَوَافَقُوهُمْ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ، وَالْقَدَرِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي الْجُمْلَةِ (¬1) أَعْقَلُ، وَأَصْدَقُ، وَلَيْسَ فِي الْمُعْتَزِلَةِ مَنْ يَطْعَنُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ [رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ] (¬2) ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَثْبِيتِ خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ. وَأَمَّا التَّفْضِيلُ، فَأَئِمَّتُهُمْ، وَجُمْهُورُهُمْ كَانُوا يُفَضِّلُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬3) ، وَفِي مُتَأَخِّرِيهِمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي التَّفْصِيلِ، وَبَعْضُهُمْ فَضَّلَ عَلِيًّا، فَصَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الزَّيْدِيَّةِ نَسَبٌ وَاشِجٌ (¬4) مِنْ جِهَةِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّوْحِيدِ، وَالْعَدْلِ، وَالْإِمَامَةِ، وَالتَّفْضِيلِ، وَكَانَ قُدَمَاءُ الْمُعْتَزِلَةِ، [وَأَئِمَّتُهُمْ] (¬5) كَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ (¬6) ، وَوَاصِلِ بْنِ عَطَاءٍ، (¬7) وَغَيْرِهِمْ مُتَوَقِّفِينَ. (¬8) فِي عَدَالَةِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) وَسَقَطَ مِنْ (ب) إِلَّا كَلِمَةَ وَالْمُعْتَزِلَةُ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: رَاجِحٌ. (¬5) وَأَئِمَّتُهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ بَابٍ أَبُو عُثْمَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 144، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْمُنْيَةِ وَالْأَمَلِ لِابْنِ الْمُرْتَضَى، ص [0 - 9] 2 - 24؛ ابْنِ خَلِّكَانَ 3/130 - 133؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/210 - 211؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ 12/166 - 188؛ مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/273 - 280؛ مُرُوجِ الذَّهَبِ لِلْمَسْعُودِيِّ 3/313 - 314؛ سَزْكِينَ 2/361 - 362؛ الْأَعْلَامِ 5/252. وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ فِرْقَةُ الْعَمْرَوِيَّةِ مِنْ فِرَقِ الْمُعْتَزِلَةِ، انْظُرْ عَنْهَا: الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 2 - 73؛ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، ص [0 - 9] 2. (¬7) وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ الْغَزَّالُ، كَانَ مِنْ تَلَامِيذِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثُمَّ اعْتَزَلَهُ فَقِيلَ إِنَّ أَتْبَاعَهُ سُمُّوا الْمُعْتَزِلَةَ لِذَلِكَ، فَهُوَ رَأْسُ الْمُعْتَزِلَةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 131. تَرْجَمَتُهُ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/182 - 183. وَتُسَمَّى فِرْقَتُهُ بِالْوَاصِلِيَّةِ، انْظُرْ عَنْهَا: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1 - 53؛ الْإِسْفَرَايِينِيَّ، ص [0 - 9] 0 - 42؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 0 - 72. (¬8) ن: مُتَوَقِّفُونَ؛ م: مُتَّفِقُونَ.

عَلِيٍّ، فَيَقُولُونَ - أَوْ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ -: قَدْ فَسَقَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ - إِمَّا عَلِيٌّ، وَإِمَّا طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ - لَا يُعَيِّنُهَا (¬1) ، فَإِنْ شَهِدَ هَذَا، وَهَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِ أَحَدِهِمَا لَا يُعَيِّنُهُ (¬2) ، وَإِنْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ شَخْصٍ آخَرَ عَدْلٍ، فَفِي قَبُولِ شَهَادَةِ عَلِيٍّ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ. وَكَانَ مُتَكَلِّمُو الشِّيعَةِ كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ (¬3) ، وَهِشَامِ بْنِ الْجَوَالِيقِيِّ (¬4) ، وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُمِّيِّ (¬5) ، وَأَمْثَالِهِمْ يَزِيدُونَ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَلَا يَقْنَعُونَ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةُ مِنْ ¬

(¬1) ن: بِعَيْنِهِمَا؛ أ، ب: لَا بِعَيْنِهَا. (¬2) ن، أ، ب: لَا بِعَيْنِهِ. (¬3) ب: هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ الْبَغْدَادِيُّ الْكِنْدِيُّ مَوْلَى ابْنِ شَيْبَانَ مِنَ الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ الَّذِينَ غَالَوْا فِي التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ نَكْبَةِ الْبَرَامِكَةِ (187 هـ) بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَقِيلَ: بَلْ فِي خِلَافَةِ الْمَأْمُونِ (198 - 218) . انْظُرِ الْكَلَامَ عَنْهُ وَعَنِ الْهِشَامِيَّةِ (مِنْ فِرَقِ الْإِمَامِيَّةِ وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ وَإِلَى هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ أَحْيَانًا وَيُمَيِّزُ بَيْنَ فِرْقَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْيَانًا أُخْرَى) فِي: الْمَقَالَاتِ 1/102 - 104؛ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/164 - 166؛ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، ص [0 - 9] 3 - 24؛ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 9، 34، 41، 42، 67، 139؛ ابْنِ النَّدِيمِ: تَكْمِلَةِ الْفِهْرِسْتِ، ص [0 - 9] ، الْفِهْرِسْتِ، ص [0 - 9] 75 - 176؛ فِهْرِسْتِ الطُّوسِيِّ، ص [0 - 9] 74 - 176، أَخْبَارِ الرِّجَالِ لِلْكَشِّيِّ، ص [0 - 9] 65 - 181. (¬4) هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيُّ الْجُعْفِيُّ الْعَلَّافُ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ الْمُشَبِّهَةِ. تَرْجَمَتُهُ فِي فِهْرِسْتِ الطُّوسِيِّ، ص [0 - 9] 74؛ فِهْرِسْتِ ابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 77؛ أَخْبَارِ الرِّجَالِ لِلْكَشِّيِّ، ص [0 - 9] 81 - 184. وَتُسَمَّى فِرْقَتُهُ بِالْهِشَامِيَّةِ أَوِ الْجَوَالِيقِيَّةِ. انْظُرِ: الْمَقَالَاتِ 1/105؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ ص [0 - 9] 2 - 43؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/164 - 166. (¬5) يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُمِّيُّ، مِنَ الْإِمَامِيَّةِ الْمُشَبِّهَةِ أَيْضًا، تُوُفِّيَ سَنَةَ 208. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: فِهْرِسْتِ الطُّوسِيِّ، ص [0 - 9] 81 - 182. وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ فِرْقَةُ الْيُونُسِيَّةِ. انْظُرِ الْمَقَالَاتِ 1/106؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 43؛ التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 4؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/168.

أَنَّ (¬1) الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ أَهْلِ السُّنَّةِ، [وَالْحَدِيثِ] (¬2) حَتَّى يَبْتَدِعُونَ فِي الْغُلُوِّ فِي الْإِثْبَاتِ، وَالتَّجْسِيمِ، وَالتَّبْعِيضِ (¬3) ، وَالتَّمْثِيلِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ مَقَالَاتِهِمْ [الَّتِي ذَكَرَهَا النَّاسُ] (¬4) . وَلَكِنْ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ دَخَلَ مَنْ دَخَلَ مِنَ الشِّيعَةِ فِي أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ كَابْنِ النُّوبَخْتِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ (الْآرَاءِ وَالدِّيَانَاتِ.) (¬5) ، وَأَمْثَالِهِ، وَجَاءَ بَعْدَ (¬6) هَؤُلَاءِ الْمُفِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَأَتْبَاعُهُ. وَلِهَذَا تَجِدُ (¬7) . الْمُصَنِّفِينَ فِي الْمَقَالَاتِ - كَالْأَشْعَرِيِّ - لَا يَذْكُرُونَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الشِّيعَةِ أَنَّهُ. وَافَقَ الْمُعْتَزِلَةَ فِي تَوْحِيدِهِمْ، وَعَدْلِهِمْ إِلَّا عَنْ بَعْضِ مُتَأَخَّرِيهِمْ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ عَنْ بَعْضِ (¬8) قُدَمَائِهِمُ التَّجْسِيمَ، وَإِثْبَاتَ الْقَدَرِ، وَغَيْرَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ قَالَ (¬9) : إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، ¬

(¬1) أ: أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَلَا يَمْنَعُونَ مِنَ الْقُرْآنِ؛ ب: أَهْلُ السُّنَّةِ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ فَلَا يَمْنَعُونَ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ. (¬2) وَالْحَدِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: وَالتَّنْقِيصِ؛ م: وَالتَّقَيُّصِ. (¬4) الَّتِي ذَكَرَهَا النَّاسُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ابْنُ النُّوبَخْتِيِّ هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى النُّوبَخْتِيُّ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 300. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ " فِرَقِ الشِّيعَةِ " تَحْقِيقُ رَيْتَرَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ النَّدِيمِ (الْفِهْرِسْتَ، ص [0 - 9] 77) أَنَّ ابْنَ النُّوبَخْتِيِّ أَلَّفَ كِتَابَ " الْآرَاءِ وَالدِّيَانَاتِ " وَلَمْ يُتِمَّهُ. وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ " فِرَقِ الشِّيعَةِ " (ص يز) ؛ سزكين م [0 - 9] ، 3/289 - 290. (¬6) ن، م: وَأَمْثَالِهِ وَبَعْدَ. . (¬7) ب: نَجِدُ. (¬8) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِسْلَامِ.

فصل مقدمة كتاب ابن المطهر

[هُوَ] (¬1) هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ (* بَلْ قَالَ: الْجَاحِظُ فِي كِتَابِهِ " الْحُجَجِ فِي النُّبُوَّةِ " (¬2) لَيْسَ عَلَى ظَهْرِهَا رَافِضِيٌّ إِلَّا وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ رَبَّهُ مِثْلُهُ، وَأَنَّ الْبَدَوَاتِ تُعْرَضُ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ كَوْنِهِ إِلَّا بِعِلْمٍ يَخْلُقُهُ لِنَفْسِهِ *) (¬3) ، وَقَدْ كَانَ (¬4) ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ، وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمَعْرُوفَيْنِ بِالزَّنْدَقَةِ، [وَالْإِلْحَادِ] (¬5) صَنَّفُوا (¬6) لَهُمْ كُتُبًا أَيْضًا عَلَى أُصُولِهِمْ. [فصل مقدمة كتاب ابن المطهر] [الإمامة هي أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين] (فَصْلٌ) قَالَ. الْمُصَنِّفُ [الرَّافِضِيُّ] (¬7) : أَمَّا بَعْدُ (¬8) ، فَهَذِهِ رِسَالَةٌ شَرِيفَةٌ، وَمَقَالَةٌ لَطِيفَةٌ، اشْتَمَلَتْ عَلَى. ¬

(¬1) هُوَ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن: بِصَحِيحِ النُّبُوَّةِ؛ م: تَصْحِيحِ النُّبُوَّةِ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ يَاقُوتٌ فِي مُعْجَمِ الْأُدَبَاءِ 6/77، كَمَا ذَكَرَ لَهُ (6) كِتَابَ " النَّبِيِّ وَالْمُتَنَبِّئِ ". وَقَدْ نُشِرَتْ قِطْعَةٌ مِنْ كِتَابِ " حُجَجِ النُّبُوَّةِ " فِي: رَسَائِلِ الْجَاحِظِ، جَمَعَهَا وَنَشَرَهَا حَسَنٌ السَّنْدُوبِيُّ (ص [0 - 9] 17 - 154) الْقَاهِرَةَ، 1352 1933، وَذَكَرَ بُرُوكْلِمَانُ الْكِتَابَ وَأَسْمَاهُ حُجَّةَ (أَوْ حُجَجَ) النُّبُوَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُ نُسْخَةً مَخْطُوطَةً فِي الْمُتْحَفِ الْبِرِيطَانِيِّ بِلَنْدَنَ، وَأَنَّهُ نُشِرَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ. انْظُرْ: تَارِيخَ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكْلِمَانَ، تَرْجَمَةَ الدُّكْتُور عَبْدِ الْحَلِيمِ النَّجَّار 3/112، ط. الْمَعَارِفِ، الْقَاهِرَةَ، 1962. . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَكَانَ. (¬5) وَالْإِلْحَادِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: صَنَّفَ. (¬7) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أَمَّا بَعْدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

أَهَمِّ الْمَطَالِبِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ، وَأَشْرَفِ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِمَامَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِسَبَبِ إِدْرَاكِهَا نَيْلُ دَرَجَةِ الْكَرَامَةِ، وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبِهِ الْخُلُودُ فِي الْجِنَانِ، وَالتَّخَلُّصُ مِنْ غَضَبِ الرَّحْمَنِ، [فَقَدْ قَالَ] رَسُولُ اللَّهِ. (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» . خَدَمْتُ بِهَا خِزَانَةَ السُّلْطَانِ الْأَعْظَمِ مَالِكِ رِقَابِ الْأُمَمِ مَلِكِ مُلُوكِ طَوَائِفِ الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ مَوْلَى النِّعَمِ، وَمُسْدِي (¬2) الْخَيْرِ، وَالْكَرْمِ شَاهِنْشَاهِ الْمُكَرَّمُ (¬3) ، غَيَّاثُ الْمِلَّةِ وَالْحَقِّ. وَالدِّينُ الْجَايْتُو خَدَابَنْدَهْ (¬4) قَدْ لَخَّصْتُ فِيهِ خُلَاصَةَ الدَّلَائِلِ، وَأَشَرْتُ إِلَى رُءُوسِ الْمَسَائِلِ (¬5) ، وَسَمَّيْتُهَا (مِنْهَاجَ الْكَرَامَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْإِمَامَةِ.) (¬6) . وَرَتَّبْتُهَا عَلَى فُصُولٍ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.) . ثُمَّ ذَكَرَ الْفَصْلَ الثَّانِيَ: (فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ. وَاجِبُ. ¬

(¬1) ك (مِنْهَاجَ الْكَرَامَةِ) : وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ؛ ن، م: قَالَ رَسُولُ. (¬2) ك: مُسْنِدِ. (¬3) ك: الْمُعَظَّمُ. (¬4) الْجَايْتُوخَدَابَنْدَهْ: كَذَا فِي (ك) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي (ب) : أُولْجَايُوخَدَابَنْدَهْ، وَفِي (ن) : أُولْحَانُوحَدَابَنْدَا؛ (م) : وَلَحَاهْبُوحَذَابَنْدَا. وَفِي (ك؛ تُوجَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ. الْجَايْتُوخَدَابَنْدَةَ مُحَمَّدُ خَلَّدَ اللَّهُ سُلْطَانَهُ وَثَبَّتَ قَوَاعِدَ مُلْكِهِ وَشَيَّدَ أَرْكَانَهُ، وَأَمَدَّ بِعِنَايَتِهِ وَأَلْطَافِهِ، وَأَيَّدَهُ بِجَمِيلِ إِسْعَافِهِ، وَقَرَنَ دَوْلَتَهُ بِالدَّوَامِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (¬5) تُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي (ك) : مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ مُمِلٍّ، وَلَا إِيجَازٍ مُخِلٍّ. (¬6) تُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي (ك) : وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

إبطال كلام ابن المطهر من وجوه

الِاتِّبَاعِ.) ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَصْلَ الثَّالِثَ: (فِي الْأَدِلَّةِ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ. [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬2) .) ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَصْلَ الرَّابِعَ: (فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ.) ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَصْلَ الْخَامِسَ: (فِي إِبْطَالِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.) . [إبطال كلام ابن المطهر من وجوه] [الوجه الأول الْإِيمَان بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَهَمُّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ] فَيُقَالُ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ. أَوَّلًا: إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: (إِنَّ مَسْأَلَةَ الْإِمَامَةِ أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ، وَأَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ.) كَذِبٌ (¬3) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ سُنِّيِّهِمْ، وَشِيعِيِّهِمْ، بَلْ هَذَا (¬4) كُفْرٌ. فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَرَسُولِهِ أَهَمُّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَالْكَافِرُ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا (¬5) حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (¬6) ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُفَّارَ أَوَّلًا (¬7) ، كَمَا اسْتَفَاضَ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ، وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قَالَ: ( «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.) ، وَفِي رِوَايَةٍ (¬8) : وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: بَعْدَ الرَّسُولِ. (¬3) ب: كَاذِبٌ. (¬4) أ، ب: هُوَ. (¬5) ن، م: مُسْلِمًا. (¬6) وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) أَوَّلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) عِبَارَةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا» .) (¬1) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5] ، (2 فَأَمَرَ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ إِذَا تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ 2) (¬2) (3 [وَكَذَلِكَ قَالَ. لِعَلِيٍّ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى خَيْبَرَ] 3) (¬3) . وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ فِي الْكُفَّارِ، فَيَحْقِنُ دِمَاءَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْكُفْرِ لَا يَذْكُرُ لَهُمُ الْإِمَامَةَ بِحَالٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 11] ، فَجَعَلَهُمْ إِخْوَانًا فِي الدِّينِ بِالتَّوْبَةِ (4 وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِمَامَةَ بِحَالٍ. وَمِنَ الْمُتَوَاتِرِ 4) (¬4) أَنْ (¬5) الْكُفَّارَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا إِذَا أَسْلَمُوا أَجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمُ الْإِمَامَةَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/10 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ. إِلَخْ) ، 9/15 (كِتَابُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُعَانِدِينَ، بَابُ قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ) ؛ مُسْلِمٍ 1/52 - 53 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الْأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ. إِلَخْ) وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ": مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مُتَوَاتِرٌ ". (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: فَإِنَّ.

قول الرافضة إن الإمامة هي الأهم والرد على ذلك

بِحَالٍ (¬1) ، وَلَا نَقَلَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَقْلًا خَاصًّا (¬3) ، وَلَا عَامًّا، بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ (¬4) يَذْكُرُ لِلنَّاسِ إِذَا أَرَادُوا الدُّخُولَ فِي دِينِهِ الْإِمَامَةَ لَا مُطْلَقًا، وَلَا مُعَيَّنًا، فَكَيْفَ تَكُونُ أَهَمَّ الْمَطَالِبِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ؟ . وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَةَ - بِتَقْدِيرِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا - لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا مَنْ مَاتَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ. (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْتِزَامِ حُكْمِهَا مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ إِلَى (¬6) بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَيْفَ يَكُونُ أَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي الدِّينِ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَوَلَيْسَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ. [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬7) فِي حَيَاتِهِ، وَاتَّبَعُوهُ بَاطِنًا، وَظَاهِرًا، وَلَمْ يَرْتَدُّوا، وَلَمْ يُبَدِّلُوا هُمْ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ: أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالشِّيعَةِ؟ فَكَيْفَ يَكُونُ أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَهَمِّ الْمَطَالِبِ فِي الدِّينِ، وَأَشْرَفِ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ؟ . [قول الرافضة إن الإمامة هي الأهم والرد على ذلك] فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي حَيَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِمَامِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَهَمَّ مَسَائِلِ الدِّينِ ¬

(¬1) بِحَالٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) أ، ب: عَنِ الرَّسُولِ. (¬3) ن، م: لَا خَاصًّا. (¬4) أ، ب: بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ. (¬5) أ، ب: رَسُولِ اللَّهِ. (¬6) أ، ب: إِلَّا. (¬7) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

فِي حَيَاتِهِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ (¬1) أَهَمَّ مَسَائِلِ الدِّينِ بَعْدَ مَوْتِهِ. قِيلَ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ. وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا أَهَمُّ مَسَائِلِ الدِّينِ مُطْلَقًا، بَلْ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَهِيَ فِي خَيْرِ الْأَوْقَاتِ لَيْسَتْ أَهَمَّ الْمَطَالِبِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ، وَلَا أَشْرَفَ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَرَسُولِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَمَكَانٍ أَعْظَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ، فَلَمْ تَكُنْ فِي. وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لَا الْأَهَمَّ، وَلَا الْأَشْرَفَ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ كَانَ يَجِبُ بَيَانُهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّتِهِ الْبَاقِينَ [مِنْ] (¬2) بَعْدَهُ، كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أُمُورَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، [وَعَيَّنَ] أَمْرَ (¬3) الْإِيمَانِ بِاللَّهِ (¬4) ، وَتَوْحِيدِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيَانُ مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَبَيَانِ (¬5) هَذِهِ الْأُصُولِ. فَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْإِمَامَةُ فِي كُلِّ زَمَانٍ هِيَ الْأَهَمُّ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ نَبِيًّا إِمَامًا، وَهَذَا كَانَ مَعْلُومًا لِمَنْ آمَنَ بِهِ أَنَّهُ [كَانَ] (¬6) إِمَامَ ذَلِكِ الزَّمَانِ. قِيلَ: الِاعْتِذَارُ بِهَذَا بَاطِلٌ مِنْ. وُجُوهٍ: ¬

(¬1) ن، م: كَانَتْ. (¬2) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَأَمَرَ. (¬4) ن، م: بِأَسْمَاءِ اللَّهِ. (¬5) أ، ب: بِبَيَانِ. (¬6) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الْإِمَامَةُ أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ: إِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إِمَامَةَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، أَوْ إِمَامَ كُلِّ زَمَانٍ بِعَيْنِهِ فِي زَمَانِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْأَهَمُّ فِي زَمَانِنَا الْإِيمَانَ بِإِمَامَةِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَظَرِ، وَالْأَهَمُّ فِي زَمَانِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْإِيمَانَ بِإِمَامَةِ عَلِيٍّ عِنْدَهُمْ، وَالْأَهَمُّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِيمَانَ بِإِمَامَتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ (¬1) بِهِ الْإِيمَانَ بِأَحْكَامِ الْإِمَامَةِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ (¬2) بِهِ مَعْنًى رَابِعًا. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا شَائِعًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، بَلِ الشِّيعَةُ تَقُولُ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِنَّمَا يُعَيَّنُ بِنَصِّ مَنْ قَبْلَهُ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَهَمَّ أُمُورِ الدِّينِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي كُلِّ زَمَانٍ الْإِيمَانَ بِإِمَامِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَكُونُ الْإِيمَانُ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ (¬3) إِلَى هَذَا التَّارِيخِ إِنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ بِإِمَامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَيَكُونُ هَذَا أَعْظَمَ مِنَ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمِنَ الْإِيمَانِ بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ (¬4) ، وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ ¬

(¬1) أ: تُرِيدَ؛ ب: يُرِيدُ. (¬2) أ: تُرِيدَ؛ ب: يُرِيدُ. (¬3) ن، م: خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَنَةُ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ هِيَ سَنَةُ وَفَاةِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْإِمَامِ الْحَادِي عَشَرَ، وَهِيَ بِالتَّالِي السَّنَةُ الَّتِي بَدَأَتْ فِيهَا إِمَامَةُ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ (شَذَرَاتُ الذَّهَبِ 2/141) . (¬4) ن، م: وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ.

الْمُسْلِمِينَ (¬1) ، فَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبَ (¬2) الْإِمَامِيَّةِ، فَإِنَّ اهْتِمَامَهُمْ بِعَلِيٍّ، وَإِمَامَتِهِ أَعْظَمُ مِنِ اهْتِمَامِهِمْ بِإِمَامَةِ الْمُنْتَظَرِ، كَمَا ذَكَرَهُ (¬3) هَذَا الْمُصَنِّفُ، وَأَمْثَالُهُ مِنْ شُيُوخِ الشِّيعَةِ. وَأَيْضًا: فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ أَهَمَّ الْمَطَالِبِ فِي الدِّينِ، فَالْإِمَامِيَّةُ أَخْسَرُ النَّاسِ صَفْقَةً فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ هُوَ الْإِمَامَ الْمَعْدُومَ الَّذِي لَمْ يَنْفَعْهُمْ فِي دِينٍ، وَلَا دُنْيَا، فَلَمْ يَسْتَفِيدُوا مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِ الدِّينِ، وَلَا الدُّنْيَا. فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ [أَنَّ] (¬4) الْإِيمَانَ بِحُكْمِ الْإِمَامَةِ مُطْلَقًا هُوَ أَهَمُّ أُمُورِ الدِّينِ كَانَ هَذَا أَيْضًا بَاطِلًا لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أَهَمُّ مِنْهَا. وَإِنْ أُرِيدَ مَعْنًى رَابِعٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِنَتَكَلَّمَ (¬5) عَلَيْهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُ عَلَى النَّاسِ لِكَوْنِهِ إِمَامًا، بَلْ لِكَوْنِهِ رَسُولَ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ، وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ لَهُ حَيًّا، وَمَيِّتًا، فَوُجُوبُ طَاعَتِهِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ (¬6) كَوُجُوبِ طَاعَتِهِ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَهْلُ زَمَانِهِ فِيهِمُ الشَّاهِدُ الَّذِي يَسْمَعُ أَمْرَهُ، وَنَهْيَهُ، وَفِيهِمُ الْغَائِبُ الَّذِي بَلَّغَهُ الشَّاهِدُ أَمْرَهُ، وَنَهْيَهُ، فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ طَاعَةُ ¬

(¬1) أ، ب: الْإِسْلَامِ. (¬2) أ، ب: قَوْلَ. (¬3) ن، م: كَمَا ذَكَرَهُ. (¬4) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: لِيَتَكَلَّمَ. (¬6) أ، ب: عَلَى مَنْ بَعْدَ مَوْتِهِ.

أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرُهُ شَامِلٌ عَامٌّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَهِدَهُ، أَوْ غَابَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا (¬1) لِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَلَا يُسْتَفَادُ هَذَا بِالْإِمَامَةِ حَتَّى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَمَرَ نَاسًا مُعَيَّنِينَ بِأُمُورٍ، وَحَكَمَ فِي أَعْيَانٍ مُعَيَّنَةٍ بِأَحْكَامٍ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ، وَأَمْرُهُ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ، بَلْ كَانَ ثَابِتًا فِي نَظَائِرِهَا وَأَمْثَالِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَوْلُهُ -[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬2) لِمَنْ شَهِدَهُ: ( «لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ» (¬3) .) هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ مَأْمُومٍ بِإِمَامٍ أَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَقَوْلُهُ لِمَنْ قَالَ: «لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: (ارْمِ وَلَا حَرَجَ.) » ، وَلِمَنْ قَالَ: «نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ. قَالَ: (احْلِقْ وَلَا حَرَجَ.) » أَمْرٌ لِمَنْ كَانَ مِثْلَهُ (¬4) ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] (¬5) لَمَّا حَاضَتْ، وَهِيَ مُعْتَمِرَةٌ: ( «اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا ¬

(¬1) أ، ب: وَهَذَا لَيْسَ. (¬2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) جَاءَ النَّهْيُ عَنِ السَّبْقِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي: مُسْلِمٍ 1/320 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ تَحْرِيمِ سَبْقِ الْإِمَامِ بِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَنَحْوِهِمَا) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/308 - 309 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُسْبَقَ الْإِمَامُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ؛ سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 1/301 - 302 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ مُبَادَرَةِ الْأَئِمَّةِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) . (¬4) جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي جَوَازِ عَدَمِ التَّرْتِيبِ فِي الْمَنَاسِكِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. انْظُرِ: الْبُخَارِيِّ 2/173 - 175 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الذَّبْحِ قَبْلَ الْحَلْقِ، بَابُ إِذَا رَمَى بَعْدَمَا أَمْسَى.) ؛ مُسْلِمٍ 2/948 - 950 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ النَّحْرِ.) . (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» (¬1) ] ، وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ بِخِلَافِ الْإِمَامِ إِذَا أُطِيعَ (¬2) . وَخُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ فِي تَنْفِيذِ أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ كَخُلَفَائِهِ فِي حَيَاتِهِ، فَكُلُّ آمِرٍ بِأَمْرٍ يَجِبُ طَاعَتُهُ [فِيهِ] (¬3) إِنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ إِمَامًا لَهُ شَوْكَةٌ، وَأَعْوَانٌ، أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ غَيْرَهُ عَهِدَ إِلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ، [أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] (¬4) ، فَطَاعَتُهُ لَا تَقِفُ عَلَى مَا تَقِفُ عَلَيْهِ طَاعَةُ الْأَئِمَّةِ مِنْ عَهْدِ مَنْ قَبْلَهُ، أَوْ مُوَافَقَةِ ذَوِي الشَّوْكَةِ (¬5) ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ تَجِبُ طَاعَتُهُ. [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬6) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ، وَإِنْ كَذَّبَهُ جَمِيعُ النَّاسِ. وَكَانَتْ طَاعَتُهُ وَاجِبَةً بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ لَهُ أَنْصَارٌ، وَأَعْوَانٌ (¬7) يُقَاتِلُونَ مَعَهُ، فَهُوَ (¬8) كَمَا قَالَ. سُبْحَانَهُ [فِيهِ] (¬9) : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] (¬10) بَيَّنَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/159 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ.) . (¬2) إِذَا أُطِيعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬3) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ب: أَوْ مُوَافَقَتِهِ أَوِ الشَّوْكَةُ؛ أَوْ مُوَافَقَةِ ذُوي الشَّوْكَةِ. 1 (¬6) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: أَعْوَانٌ وَأَنْصَارٌ. (¬8) ن، م: وَهُوَ. (¬9) فِيهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬10) ن، م: أَعْقَابِكُمْ، الْآيَةَ.

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْتِهِ، وَلَا قَتْلِهِ يَنْتَقِضُ حُكْمُ رِسَالَتِهِ، كَمَا يَنْتَقِضُ حُكْمُ الْإِمَامَةِ بِمَوْتِ الْأَئِمَّةِ وَقَتْلِهِمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ خَالِدًا لَا يَمُوتُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُوَ رَبًّا، وَإِنَّمَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وَقَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ، فَطَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ بَعْدَ مَمَاتِهِ. وَجُوبُهَا فِي حَيَاتِهِ وَأَوْكَدُ؛ لِأَنَّ الدِّينَ كَمُلَ، وَاسْتَقَرَّ بِمَوْتِهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ نَسْخٌ، وَلِهَذَا جُمِعَ الْقُرْآنُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِكَمَالِهِ، وَاسْتِقْرَارِهِ بِمَوْتِهِ. فَإِذَا قَالَ. الْقَائِلُ: إِنَّهُ كَانَ إِمَامًا فِي حَيَّاتِهِ، وَبَعْدَهُ صَارَ الْإِمَامُ غَيْرَهُ إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ صَارَ بَعْدَهُ مَنْ هُوَ نَظِيرُهُ يُطَاعُ، كَمَا يُطَاعُ الرَّسُولُ، فَهَذَا بَاطِلٌ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ قَامَ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي تَنْفِيذِ أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، فَهَذَا كَانَ حَاصِلًا فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا غَابَ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَخْلُفُهُ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُبَاشِرُ مُعَيَّنًا بِالْأَمْرِ بِخِلَافِ حَيَاتِهِ. قِيلَ: مُبَاشَرَتُهُ بِالْأَمْرِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي. وُجُوبِ طَاعَتِهِ، بَلْ تَجِبُ طَاعَتُهُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ أَمْرُهُ، [وَنَهْيُهُ] (¬1) ، كَمَا تَجِبُ طَاعَتُهُ عَلَى مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ: ( «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» .) (¬2) . وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ فِي حَيَاتِهِ كَانَ يَقْضِي فِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ مِثْلِ إِعْطَاءِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى شَخْصٍ بِعَيْنِهِ (¬3) ، وَتَنْفِيذِ جَيْشٍ بِعَيْنِهِ. ¬

(¬1) وَنَهْيُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/176 - 177 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى) وَهُوَ بِمَعْنَاهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/20 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ) . (¬3) ن، م: مُعَيَّنٍ.

قِيلَ: نَعَمْ وَطَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ الْأَئِمَّةِ لَكِنْ قَدْ يَخْفَى الِاسْتِدْلَالُ [عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ] (¬1) ، كَمَا يَخْفَى الْعِلْمُ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ، فَالشَّاهِدُ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ. وَأَفْهَمُ لَهُ مِنَ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ، فِيمَنْ غَابَ، وَبَلَّغَ أَمْرَهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ السَّامِعِينَ لَكِنَّ هَذَا لِتَفَاضُلِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ لَا [لِتَفَاضُلِهِمْ.] (¬2) فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ عَلَيْهِمْ، فَمَا تَجِبُ طَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ (¬3) بَعْدَهُ إِلَّا كَمَا تَجِبُ طَاعَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِي حَيَاتِهِ، فَطَاعَتُهُ. وَاجِبَةٌ (¬4) شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادِ شُمُولًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ طُرُقُهُمْ فِي الْبَلَاغِ، وَالسَّمَاعِ، وَالْفَهْمِ، فَهَؤُلَاءِ يُبَلِّغُهُمْ مِنْ أَمْرُهُ لَمْ يَبْلُغْ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ يَسْمَعُونَ مِنْ أَمْرِهِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ يَفْهَمُونَ مِنْ أَمْرِهِ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ هَؤُلَاءِ. وَكُلُّ مَنْ أَمَرَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ طَاعَةَ اللَّهِ، وَرَسُولِهِ لَا لَهُ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّاسِ وَلِيُّ أَمْرٍ قَادِرٌ ذُو شَوْكَةٍ (¬5) ، فَيَأْمُرُ بِمَا يَأْمُرُ (¬6) ، وَيَحْكُمُ بِمَا يَحْكُمُ انْتَظَمَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَلَّى غَيْرُهُ، وَلَا يُمْكِنُ بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مِثْلَهُ إِنَّمَا يُوجَدُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَأَحَقُّ النَّاسِ بِخِلَافَةِ نُبُوَّتِهِ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْأَمْرِ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَالنَّهْيِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ، وَلَا يُطَاعُ أَمْرُهُ طَاعَةً ظَاهِرَةً غَالِبَةً إِلَّا بِقُدْرَةٍ، وَسُلْطَانٍ يُوجِبُ الطَّاعَةَ، كَمَا لَمْ يُطَعْ أَمْرُهُ ¬

(¬1) عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) لِتَفَاضُلِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: أَمْرٍ. (¬4) وَاجِبَةٌ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬5) ن، م: قَادِرٌ وَشَوْكَةٌ. (¬6) ن: يَأْمُرُ بِهَا وَيَأْمُرُ؛ م: يَأْمُرُ بِهَا بِأَمْرٍ.

فِي حَيَاتِهِ طَاعَةً [ظَاهِرَةً] (¬1) غَالِبَةً حَتَّى صَارَ مَعَهُ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى طَاعَةِ أَمْرِهِ. فَالدِّينُ كُلُّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَطَاعَةُ اللَّهِ، وَرَسُولِهِ هِيَ الدِّينُ كُلُّهُ، فَمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَدِينُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَطَاعَتُهُمْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ فِيمَا أُمِرُوا بِطَاعَتِهِ فِيهِ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَمْرُ وَلِيِّ الْأَمْرِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَقَسْمُهُ وَحُكْمُهُ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ، وَرَسُولِهِ، فَأَعْمَالُ الْأَئِمَّةِ، وَالْأُمَّةِ فِي حَيَاتِهِ، وَمَمَاتِهِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَيَرْضَاهَا كُلُّهَا طَاعَةٌ لِلَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَلِهَذَا كَانَ أَصْلُ الدِّينِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ (¬2) مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَإِذَا قِيلَ: هُوَ كَانَ إِمَامًا، وَأُرِيدَ بِذَلِكَ إِمَامَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الرِّسَالَةِ، أَوْ إِمَامَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الرِّسَالَةِ، أَوْ إِمَامَةٌ (¬3) تُعْتَبَرُ فِيهَا طَاعَتُهُ بِدُونِ طَاعَةٍ (¬4) (* الرَّسُولِ، فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَإِنَّ (¬5) كُلَّ مَا يُطَاعُ بِهِ دَاخِلٌ فِي رِسَالَتِهِ، وَهُوَ فِي كُلِّ مَا يُطَاعُ فِيهِ يُطَاعُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا مُجَرَّدًا لَمْ يُطَعْ حَتَّى تَكُونَ طَاعَتُهُ *) (¬6) دَاخِلَةً فِي طَاعَةِ رَسُولٍ آخَرَ، فَالطَّاعَةُ إِنَّمَا تَجِبُ لِلَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَلِمَنْ أُمِرَتِ الرُّسُلُ بِطَاعَتِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: أُطِيعُ بِإِمَامَتِهِ طَاعَةً دَاخِلَةً فِي رِسَالَتِهِ كَانَ هَذَا عَدِيمَ التَّأْثِيرِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ رِسَالَتِهِ كَافِيَةٌ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَصِيرُ ¬

(¬1) ظَاهِرَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: وَشَهَادَةَ أَنَّ. (¬3) ن، م: وَإِمَامَةٌ. 11 (¬4) ن، م: تُعْتَبَرُ طَاعَتُهَا بِدُونِ طَاعَةِ. (¬5) أ، ن: فَإِنَّهُ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

إِمَامًا بِأَعْوَانٍ يُنَفِّذُونَ أَمْرَهُ، وَإِلَّا كَانَ كَآحَادِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ (¬1) . فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَارَ لَهُ شَوْكَةٌ بِالْمَدِينَةِ صَارَ لَهُ مَعَ الرِّسَالَةِ إِمَامَةُ الْقُدْرَةِ (¬2) . قِيلَ: بَلْ صَارَ رَسُولًا لَهُ أَعْيَانٌ، وَأَنْصَارٌ يُنَفِّذُونَ أَمْرَهُ، وَيُجَاهِدُونَ مَنْ خَالَفَهُ، وَهُوَ مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ (¬3) لَهُ أَعْوَانٌ، وَأَنْصَارٌ (¬4) يُنَفِّذُونَ أَمْرَهُ، وَيُجَاهِدُونَ مَنْ خَالَفَهُ، فَلَمْ يَسْتَفِدْ بِالْأَعْوَانِ مَا يَحْتَاجُ أَنْ يَضُمَّهُ إِلَى الرِّسَالَةِ مِثْلَ كَوْنِهِ إِمَامًا، أَوْ حَاكِمًا، أَوْ. وَلِيَّ أَمْرٍ إِذْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ دَاخِلًا فِي رِسَالَتِهِ، وَلَكِنْ بِالْأَعْوَانِ حَصَلَ لَهُ كَمَالُ قَدْرِهِ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ، وَالْجِهَادِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِدُونِ الْقُدْرَةِ، وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْقُدْرَةِ، وَالْعَجْزِ، وَالْعِلْمِ، وَعَدَمِهِ، كَمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْغِنَى، وَالْفَقْرِ (¬5) ، وَالصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ، وَالْمُؤْمِنُ مُطِيعٌ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ مُطِيعٌ لِرَسُولِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ [مُطِيعٌ لِلَّهِ.] (¬6) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَإِنْ قَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ: الْإِمَامَةُ وَاجِبَةٌ بِالْعَقْلِ بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ، فَهِيَ أَهَمُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. ¬

(¬1) إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: إِمَامَةٌ بِالْعَدْلِ. (¬3) وَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: أَنْصَارٌ وَأَعْوَانٌ. (¬5) ن، م: الْفَقْرِ وَالْغِنَى. (¬6) مُطِيعٌ لِلَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الكلام على الإمام المنتظر عند الرافضة

قِيلَ: الْوُجُوبُ الْعَقْلِيُّ فِيهِ نِزَاعٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ، فَمَا يَجِبُ مِنَ الْإِمَامَةِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَغَيْرُ الْإِمَامَةِ أَوْجَبُ مِنْ ذَلِكَ كَالتَّوْحِيدِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَدْلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ. وَأَيْضًا: فَلَا رَيْبَ أَنَّ الرِّسَالَةَ يَحْصُلُ بِهَا هَذَا الْوَاجِبُ، فَمَقْصُودُهَا جُزْءٌ مِنْ مَقْصُودِ (¬1) الرِّسَالَةِ، فَالْإِيمَانُ بِالرَّسُولِ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِهِ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ. وَأَيْضًا: فَمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ. وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَاجْتَهَدَ فِي طَاعَتِهِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فَقَدِ اسْتَغْنَى عَنْ مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ. وَإِنْ قِيلَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَانَ هَذَا خِلَافَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ [تَعَالَى] (¬2) : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 69] ، وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 13] . [الكلام على الإمام المنتظر عند الرافضة] وَأَيْضًا: فَصَاحِبُ الزَّمَانِ الَّذِي (¬3) يَدْعُونَ إِلَيْهِ لَا سَبِيلَ لِلنَّاسِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلَا مَعْرِفَةِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَمَا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَمَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ، فَإِنْ. ¬

(¬1) أ، ب: أَجْزَاءِ. (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ب (فَقَطْ) : الَّذِينَ.

كَانَ أَحَدٌ لَا يَصِيرُ سَعِيدًا إِلَّا بِطَاعَةِ هَذَا الَّذِي لَا يَعْرِفُ أَمْرَهُ، وَلَا نَهْيَهُ لَزِمَ أَنَّهُ (¬1) . لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ طَرِيقِ النَّجَاةِ، وَالسَّعَادَةِ، وَطَاعَةِ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَهُمْ (¬2) مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إِحَالَةً لَهُ. وَإِنْ (¬3) قِيلَ: بَلْ هُوَ يَأْمُرُ بِمَا عَلَيْهِ الْإِمَامِيَّةُ. قِيلَ: فَلَا حَاجَةَ إِلَى وُجُودِهِ، وَلَا شُهُودِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَعْرُوفٌ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ كَانَ شَاهِدًا، أَوْ غَائِبًا، وَإِذَا كَانَ مَعْرِفَةُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْخَلْقَ مُمْكِنًا بِدُونِ هَذَا الْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (¬4) ، وَلَا نَجَاةُ أَحَدٍ، وَلَا سَعَادَتُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ إِمَامَةِ مِثْلِ هَذَا، فَضْلًا عَنِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إِمَامَةِ مِثْلِ هَذَا، وَهَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ لَكِنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ. وَذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَرْكَ الْمُسْتَقْبَحَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالشَّرْعِيَّةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى مَعْرِفَةِ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْهُ هَذَا الْمُنْتَظَرُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مَوْقُوفًا، فَإِذَا كَانَ مَوْقُوفًا لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، وَأَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ مَوْقُوفًا عَلَى شَرْطٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ، بَلْ وَلَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَدَّعِي دَعْوَى صَادِقَةً أَنَّهُ رَأَى هَذَا الْمُنْتَظَرَ، أَوْ سَمِعَ كَلَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ أَمْكَنَ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَتَرْكُ الْقَبَائِحِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ هَذَا الْمُنْتَظَرِ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ وُجُودُهُ، وَلَا شُهُودُهُ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : أَنْ. (¬2) أ، ب: وَهُوَ. (¬3) ن، م: فَإِنْ. (¬4) وَرَسُولِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ عَلَّقُوا نَجَاةَ الْخَلْقِ، وَسَعَادَتَهُمْ، وَطَاعَتَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِشَرْطٍ مُمْتَنِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ النَّاسُ، بَلْ (¬1) وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَقَالُوا لِلنَّاسِ: لَا يَكُونُ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ سَعِيدًا إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ مُؤْمِنًا إِلَّا بِذَلِكَ. فَلَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ آيَسَ عِبَادَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَأَوْجَبَ عَذَابَهُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَهُمْ أَوَّلُ الْأَشْقِيَاءِ الْمُعَذَّبِينَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ أَمْرِ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ غَائِبٌ، وَلَا نَهْيِهِ، وَلَا خَبَرِهِ، بَلْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ مَا يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ [الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى هَذَا الْمُنْتَظَرِ] (¬2) ، وَهُمْ لَا يَنْقُلُونَ شَيْئًا عَنِ الْمُنْتَظَرِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَ عَنْهُ شَيْئًا عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَحِينَئِذٍ فَتِلْكَ الْأَقْوَالُ إِنْ كَانَتْ كَافِيَةً، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْمُنْتَظَرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً، فَقَدْ أَقَرُّوا بِشَقَائِهِمْ، وَعَذَابِهِمْ حَيْثُ كَانَتْ سَعَادَتُهُمْ مَوْقُوفَةً عَلَى آمِرٍ لَا يَعْلَمُونَ بِمَاذَا أَمَرَ. وَقَدْ رَأَيْتُ طَائِفَةً مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ كَابْنِ الْعُودِ الْحِلِّيِّ (¬3) يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفَتِ الْإِمَامِيَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ، وَالْآخَرُ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ، كَانَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ هُوَ الْقَوْلَ الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَظَرَ الْمَعْصُومَ فِي تِلْكَ الطَّائِفَةِ. ¬

(¬1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ مَرَاجِعَ.

وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ، وَالضَّلَالِ، فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُنْتَظَرِ الْمَعْصُومِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ إِذْ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْهُ أَحَدٌ (¬1) ، وَلَا عَمَّنْ نَقَلَهُ عَنْهُ، فَمِنْ أَيْنَ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ قَوْلُهُ؟ وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ قَوْلَهُ، وَهُوَ لِغَيْبَتِهِ، وَخَوْفِهِ مِنَ الظَّالِمِينَ لَا يُمْكِنُهُ إِظْهَارُ قَوْلِهِ، كَمَا يَدَّعُونَ ذَلِكَ فِيهِ؟ . فَكَانَ أَصْلُ دِينِ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ مَبْنِيًّا عَلَى مَجْهُولٍ، وَمَعْدُومٍ لَا عَلَى مَوْجُودٍ، وَلَا مَعْلُومٍ يَظُنُّونَ أَنَّ إِمَامَهُمْ مَوْجُودٌ مَعْصُومٌ، وَهُوَ مَفْقُودٌ مَعْدُومٌ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا مَعْصُومًا، فَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَعْرِفُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، كَمَا [كَانُوا] (¬2) يَعْرِفُونَ أَمْرَ آبَائِهِ، وَنَهْيَهُمْ. وَالْمَقْصُودُ بِالْإِمَامِ إِنَّمَا هُوَ طَاعَةُ أَمْرِهِ، فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِأَمْرِهِ مُمْتَنِعًا كَانَتْ طَاعَتُهُ مُمْتَنِعَةً، فَكَانَ الْمَقْصُودُ [بِهِ] (¬3) مُمْتَنِعًا، فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ مُمْتَنِعًا، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ [بِهِ] (¬4) مُمْتَنِعًا لَمْ يَكُنْ. [فِي] (¬5) إِثْبَاتِ الْوَسِيلَةِ فَائِدَةٌ أَصْلًا، بَلْ كَانَ إِثْبَاتُ الْوَسِيلَةِ الَّتِي لَا يَحْصُلُ بِهَا مَقْصُودُهَا مِنْ بَابِ السَّفَهِ، وَالْعَبَثِ، وَالْعَذَابِ الْقَبِيحِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الشَّرْعِ، [وَبِاتِّفَاقِ] (¬6) الْعُقَلَاءِ الْقَائِلِينَ بِتَحْسِينِ الْعُقُولِ، وَتَقْبِيحِهَا (¬7) ، بَلْ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَسَّرُوا الْقُبْحَ (¬8) بِمَا يَضُرُّ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الضَّارِّ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ، وَالْإِيمَانُ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي ¬

(¬1) ن، م: وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ عَنْهُ. (¬2) كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) بِاتِّفَاقِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: الْقَائِلِينَ بِتَقْبِيحِ الْعُقُولِ. (¬8) أ، ب: الْقَبِيحَ.

إيمان الرافضة بالمنتظر ليس مثل إيمان الصوفية برجال الغيب

لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، بَلْ مَضَرَّةٌ فِي الْعَقْلِ، وَالنَّفْسِ، وَالْبَدَنِ، وَالْمَالِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ قَبِيحٌ شَرْعًا، وَعَقْلًا (¬1) . وَلِهَذَا كَانَ الْمُتَّبِعُونَ لَهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَصْلَحَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، لَا تَنْتَظِمُ لَهُمْ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ، وَلَا دُنْيَاهُمْ إِنْ (¬2) لَمْ يَدْخُلُوا فِي طَاعَةِ غَيْرِهِمْ، كَالْيَهُودِ الَّذِينَ لَا تَنْتَظِمُ لَهُمْ مَصْلَحَةٌ إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي طَاعَةِ مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ دِينِهِمْ، فَهُمْ يُوجِبُونَ وُجُودَ الْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ الْمَعْصُومِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِهِ عِنْدَهُمْ، وَهُمْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ بَعْدَ الْمُنْتَظَرِ مَصْلَحَةٌ فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِهِ لَمْ تَفُتْهُمْ مَصْلَحَةٌ فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا، بَلْ كَانُوا أَقْوَمَ بِمَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ أَتْبَاعِهِ. فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْإِمَامَةِ لَا يُنَالُ بِهِ إِلَّا مَا يُورِثُ الْخِزْيَ، وَالنَّدَامَةَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ أَعْظَمَ مَطَالِبِ الدِّينِ، فَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنِ الْحَقِّ، وَالْهُدَى فِي أَعْظَمِ مَطَالِبِ الدِّينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ مَطَالِبِ الدِّينِ ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ ذَلِكَ، فَثَبَتَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. [إيمان الرافضة بالمنتظر ليس مثل إيمان الصوفية برجال الغيب] فَإِنْ قَالَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ: إِيمَانُنَا بِهَذَا الْمُنْتَظَرِ الْمَعْصُومِ مِثْلُ إِيمَانِ كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِ الزُّهْدِ وَالدِّينِ بِإِلْيَاسَ، وَالْخَضِرِ، وَالْغَوْثِ، وَالْقُطْبِ (¬3) ، [وَرِجَالِ ¬

(¬1) ن، م: عَقْلًا وَشَرْعًا. (¬2) ن، م: وَإِنْ. (¬3) فِي كِتَابِ " التَّعْرِيفَاتِ " لِلْجُرْجَانِيِّ: " الْغَوْثُ هُوَ الْقُطْبُ حِينَمَا يُلْتَجَأُ إِلَيْهِ وَلَا يُسَمَّى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ غَوْثًا ". وَفِي كِتَابِ " اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ " لِابْنِ عَرَبِيٍّ، ص [0 - 9] 35 (طُبِعَ مَعَ التَّعْرِيفَاتِ لِلْجُرْجَانِيِّ الْقَاهِرَةَ، 1938) : " الْقُطْبُ وَهُوَ الْغَوْثُ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ نَظَرِ اللَّهِ مِنَ الْعَالَمِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَهُوَ عَلَى قَلْبِ إِسْرَافِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ". وَالْمَقْصُودُ. بِالْغَوْثِ الَّذِي يَزْعُمُهُ الصُّوفِيَّةُ هُوَ - كَمَا يَقُولُ الْأُسْتَاذُ الدُّكْتُور مُحَمَّد مُصْطَفَى حِلْمِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مَادَّةِ " بَدَلَ " فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ -: " إِنَّ الْقُطْبَ بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ يَدُلُّ دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى مَذْهَبٍ فَلْسَفِيٍّ فِي الْحَقِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الَّتِي هِيَ عِنْدَ مُتَفَلْسِفَةِ الصُّوفِيَّةِ، أَوْ صُوفِيَّةِ الْفَلَاسِفَةِ: الْمَخْلُوقُ الْأَوَّلُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ وَكَانَ وَاسِطَةً فِي خَلْقِ كُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ مِنَ الْكَائِنَاتِ الرُّوحِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ ". وَانْظُرْ تَعْلِيقِي عَلَى " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " 5/315 - 316. وَانْظُرْ كِتَابَ " اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ " لِلْقَاشَانِيِّ.

الْغَيْبِ] (¬1) ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ (¬2) وُجُودُهُمْ، وَلَا بِمَاذَا يَأْمُرُونَ، وَلَا عَمَّاذَا يَنْهَوْنَ (¬3) فَكَيْفَ يُسَوَّغُ لِمَنْ يُوَافِقُ هَؤُلَاءِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْنَا مَا نَدَّعِيهِ؟ . قِيلَ: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْإِيمَانَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ لَيْسَ وَاجِبًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَطَوَائِفِهِمُ الْمَعْرُوفِينَ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْغُلَاةِ يُوجِبُ عَلَى أَصْحَابِهِ الْإِيمَانَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا وَلِيًّا لِلَّهِ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ كَانَ قَوْلُهُ مَرْدُودًا كَقَوْلِ الرَّافِضَةِ (* فَإِنَّ مَنْ قَالَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْغُلَاةِ: إِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إِنْ لَمْ يَعْتَقِدِ (¬4) الْخَضِرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ مَرْدُودًا كَقَوْلِ الرَّافِضَةِ *) (¬5) . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِهَؤُلَاءِ يَزْدَادُ بِهِ ¬

(¬1) وَرِجَالِ الْغَيْبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: يَعْرِفُونَ. 1 (¬3) ن، م، أ: وَلَا بِمَاذَا يَأْمُرُونَ بِهِ، وَلَا بِمَاذَا يَنْهَوْنَ عَنْهُ. (¬4) ن: يَعْقِدْ لَهُ؛ م: يُقْعِدْهُ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

الرَّجُلُ (¬1) إِيمَانًا وَخَيْرًا، وَمُوَالَاةً لِلَّهِ، وَأَنَّ الْمُصَدِّقَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ أَكْمَلُ [وَأَشْرَفُ] (¬2) ، وَأَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ مِثْلَ قَوْلِ الرَّافِضَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ هُوَ مُشَابِهٌ لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا كَمَالَ الدَّيْنِ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَئِمَّتِهِمْ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْوَاجِبَاتِ، وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَفِعْلَ الْوَاجِبَاتِ، وَالْمُسْتَحَبَّاتِ كُلِّهَا لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى التَّصْدِيقِ بِوُجُودِ أَحَدٍ مِنْ (¬3) هَؤُلَاءِ، وَمَنْ ظَنَّ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ، وَالزُّهْدِ، وَالْعَامَّةِ أَنَّ شَيْئًا مِنَ الدِّينِ - وَاجِبِهِ، أَوْ مُسْتَحَبِّهِ - مَوْقُوفًا (¬4) عَلَى التَّصْدِيقِ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ، فَهُوَ (¬5) جَاهِلٌ ضَالٌّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْإِيمَانِ الْعَالِمِينَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِذْ قَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُشَرِّعْ لِأُمَّتِهِ التَّصْدِيقَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ، وَلَا أَصْحَابُهُ كَانُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنَ الدِّينِ، [وَلَا أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ. وَأَيْضًا، فَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَفْظُ الْغَوْثِ، وَالْقُطْبِ، وَالْأَوْتَادِ، وَالنُّجَبَاءِ (¬6) ، وَغَيْرِهَا لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادِ مَعْرُوفٍ أَنَّهُ ¬

(¬1) أ، ب: يَزْدَادُ الرَّجُلُ بِهِ. (¬2) وَأَشْرَفُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) عِبَارَةُ " أَحَدٍ مِنْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) م: وَاجِبِهِ وَمُسْتَحَبِّهِ مَوْقُوفًا؛ ب: وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا مَوْقُوفٌ. (¬5) أ، ب: فَهَذَا. (¬6) يَقُولُ ابْنُ عَرَبِيٍّ (رِسَالَةً فِي اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ، ص [0 - 9] 35) : " الْأَوْتَادُ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ مَنَازِلُهُمْ عَلَى مَنَازِلِ أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ مِنَ الْعَالَمِ: شَرْقٌ وَغَرْبٌ وَشَمَالٌ وَجَنُوبٌ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقَامُ تِلْكَ الْجِهَةِ. النُّجَبَاءُ: هُمْ أَرْبَعُونَ، وَهُمُ الْمَشْغُولُونَ بِحَمْلِ أَثْقَالِ الْخَلْقِ فَلَا يَتَصَرَّفُونَ إِلَّا فِي حَقِّ الْغَيْرِ " وَانْظُرِ التَّعْرِيفَاتِ ص [0 - 9] 3، 214.

تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا أَصْحَابُهُ، وَلَكِنَّ لَفْظَ الْأَبْدَالِ (¬1) تَكَلَّمَ بِهِ بَعْضُ السَّلَفِ، وَيُرْوَى فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ ¬

(¬1) يَقُولُ ابْنُ عَرَبِيٍّ (نَفْسُ الْمَرْجِعِ وَنَفْسُ الصَّفْحَةِ) : " الْبُدَلَاءُ هُمْ سَبْعَةٌ، وَمَنْ سَافَرَ مِنَ الْقَوْمِ عَنْ مَوْضِعِهِ وَتَرَكَ جَسَدًا عَلَى صُورَتِهِ حَتَّى لَا يَعْرِفَ أَحَدٌ أَنَّهُ فُقِدَ فَذَلِكَ هُوَ الْبَدَلُ لَا غَيْرَ، وَهُمْ عَلَى قَلْبِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ". وَيَخْتَلِفُ الصُّوفِيَّةُ فِي تَحْدِيدِ عَدَدِ الْأَبْدَالِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ رِجَالِ الْغَيْبِ (وَهُمْ عَلَى زَعْمِهِمُ الْأَوْلِيَاءُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُهُمُ النَّاسُ، وَالَّذِينَ يَشْتَرِكُونَ بِمَا لَهُمْ مِنْ قُوَّةٍ فِي حِفْظِ نِظَامِ الْكَوْنِ) . وَيَذْكُرُ جُولْدِتْسِيهَرْ (دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ: أَبْدَالٍ) أَنَّهُ وَفْقًا لِأَكْثَرِ الْآرَاءِ الصُّوفِيَّةِ شُيُوعًا يُؤَلِّفُ الْأَبْدَالُ، وَعَدَدُهُمْ أَرْبَعُونَ، الطَّبَقَةَ الْخَامِسَةَ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَوْلِيَاءِ. أَمَّا الْأَوْتَادُ فَعَدَدُهُمْ خَمْسَةٌ وَهُمْ يُؤَلِّفُونَ الطَّبَقَةَ الثَّالِثَةَ، وَالنُّجَبَاءُ عَدَدُهُمْ سَبْعُونَ وَهُمْ يُمَثِّلُونَ الطَّبَقَةَ السَّادِسَةَ. وَيُعَرِّفُ نِيكِلْسُونْ فِي " دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ " الْبَدَلَ بِقَوْلِهِ: " الْأَبْدَالُ جَمْعُ الْبَدَلِ، وَالْبُدَلَاءُ جَمْعُ الْبَدِيلِ يَتَّصِلَانِ بِطَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ الَّذِي يَرْجِعُ تَارِيخُهُ إِلَى الْقَرْنِ الثَّالِثِ الْهِجْرِيِّ، وَهُوَ أَنَّ نِظَامَ الْعَالَمِ مُكَلَّفٌ بِحِفْظِهِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، إِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَلَّ مَحَلَّهُ بَدَلٌ أَوْ بَدِيلٌ وَالْجَمْعُ أَبْدَالٌ، يُسْتَعْمَلُ عَادَةً فِي الْفَارِسِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ مُفْرَدًا. وَيُفَسِّرُ بَعْضُ الْكُتَّابِ الْبَدَلَ بِأَنَّهُ الشَّخْصُ الَّذِي لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَخْلُفَ شَخْصًا رُوحَانِيًّا عِنْدَمَا يَتْرُكُ مَكَانَهُ، أَوِ الشَّخْصُ الَّذِي لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى التَّحَوُّلِ الرُّوحَانِيِّ. وَالِاخْتِلَافُ بَيِّنٌ فِيمَا أَوْرَدُوهُ عَنْ عَدَدِ الْأَبْدَالِ وَمَكَانِهِمْ مِنْ سِلْسِلَةِ الْمَرَاتِبِ الصُّوفِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ الْقُطْبُ عَلَى رَأْسِهَا. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ أَرْبَعِينَ مِنَ الْأَبْدَالِ خَلَقَهُمُ اللَّهُ فِي الشَّامِ (ج [0 - 9] ص [0 - 9] 12) وَيَذْكُرُ أَيْضًا أَنَّ هُنَاكَ ثَلَاثِينَ مِنْهُمْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (ج [0 - 9] 322) وَيُشِيرُ الْمَكِّيُّ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْأَبْدَالِ يَضُمُّونَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ (قُوتَ الْقُلُوبِ، ج [0 - 9] ص [0 - 9] 8. انْظُرْ سُورَةَ النِّسَاءِ الْآيَةَ 71) . وَيَقُولُ الْهَجْوِيرِيُّ إِنَّهُمْ أَرْبَعُونَ وَإِنَّهُمْ فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ، يَلُونَ الْأَبْرَارَ السَّبْعَةَ، وَفَوْقَهُمُ الْأَوْتَادُ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ النُّقَبَاءُ الثَّلَاثَةُ (كَشْفُ الْمَحْجُوبِ، ط. شُوكُوفِسْكِي، ص [0 - 9] 69، تَرْجَمَةُ نِيكِلْسُونْ، ص [0 - 9] 84) . وَيُحَدِّدُ ابْنُ عَرَبِيٍّ عَدَدَ الْأَبْدَالِ بِسَبْعَةٍ وَيَضَعُهُمْ فِي الْمَرْتَبَةِ تَحْتَ الْأَوْتَادِ (الْفُتُوحَاتُ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] ) . وَقَدْ أَخَذَ بِهَذَا الرَّأْيِ ابْنُ الْفَارِضِ فِي التَّائِيَّةِ الْكُبْرَى ". وَانْظُرْ تَعْرِيفَ " الْبُدَلَاءِ " فِي التَّعْرِيفَاتِ لِلْجُرْجَانِيِّ؛ " اصْطِلَاحَاتُ الصُّوفِيَّةِ " لِلْقَاشَانِيِّ. وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الدُّكْتُور مُحَمَّد مُصْطَفَى حِلْمِي عَلَى " بَدَلٌ " فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ ".

بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] (¬1) . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْقَائِلُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مِنْهُمْ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ مَا لَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى [أَحَدٍ مِنَ] الْبَشَرِ (¬2) مِثْلُ دَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ الْغَوْثَ، أَوِ الْقُطْبَ هُوَ الَّذِي يَمُدُّ أَهْلَ الْأَرْضِ فِي هُدَاهُمْ، وَنَصْرِهِمْ، وَرِزْقِهِمْ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِلُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ (¬3) إِلَّا بِوَاسِطَةِ نُزُولِهِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْبَابِ. وَكَذَلِكَ مَا يَدَّعِيهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ (¬4) يَعْلَمُ كُلَّ وَلِيٍّ لِلَّهِ كَانَ، وَيَكُونُ، وَاسْمَهُ (¬5) ، وَاسْمَ أَبِيهِ، وَمَنْزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ الَّذِي. يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/171 مِنْ مُسْنَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَّقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ. وَسَيَأْتِي فِي شَأْنِهِمْ حَدِيثٌ آخَرُ فِي مُسْنَدِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ 5/322 قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ هُنَاكَ: " وَهُوَ مُنْكَرٌ ". وَأَوْرَدَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَيْنِ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2/275 وَقَالَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا: " ضَعِيفٌ " وَالْأَوَّلُ هُوَ: " الْأَبْدَالُ بِالشَّامِ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ رَجُلًا، يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثُ، وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَيُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ بِهِمُ الْعَذَابُ ". وَالثَّانِي: " الْأَبْدَالُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ، بِهِمْ تَقُومُ الْأَرْضُ، وَبِهِمْ تُمْطَرُونَ، وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ ". وَانْظُرْ سِلْسِلَةَ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ لِلْأَلْبَانِيِّ (ط. دِمَشْقَ 1399) ، 2/339 - 341 الْحَدِيثَانِ رَقْمُ 935، 936. وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْفِقْرَةِ، وَمِنْهَا لَفْظُ " الْأَبْدَالِ " فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ رَسَائِلِهِ. انْظُرْ مَثَلًا: مَجْمُوعَةَ الرَّسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ 1/46 - 51. (¬2) ن، م: إِلَى بَشَرٍ. (¬3) عِبَارَةُ " مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ: كَانَ يَكُونُ اسْمَهُ؛ ب: كَانَ أَوْ يَكُونُ اسْمَهُ.

الْمَقَالَاتِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْبَشَرِ يُشَارِكُ اللَّهَ فِي بَعْضِ خَصَائِصِهِ مِثْلِ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، أَوْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي شُيُوخِهِ: إِنَّ عِلْمَ أَحَدِهِمْ يَنْطَبِقُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ، وَقُدْرَتَهُ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، فَيَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَيَقْدِرُ عَلَى مَا يَقْدِرُ اللَّهُ عَلَيْهِ (¬1) . فَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ، وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى، وَالْغَالِيَةِ فِي عَلِيٍّ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ (¬2) الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُ إِلَى الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ مَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكَرَامَاتِ كَدَعْوَةٍ مُجَابَةٍ، وَمُكَاشَفَةٍ (¬3) مِنْ مُكَاشَفَاتِ الصَّالِحِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَذَا الْقَدْرُ يَقَعُ كَثِيرًا مِنَ الْأَشْخَاصِ الْمَوْجُودِينَ [الْمُعَايَنِينَ] (¬4) ، وَمَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ وُجُودُهُ، فَهَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَى شَخْصٍ مَعْدُومٍ، فَخَطَؤُهُمْ كَخَطَأِ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ رِجَالًا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، أَوِ اعْتَقَدَ فِي نَاسٍ مُعَيَّنِينَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ. وَجَهْلٌ، وَضَلَالٌ يَقَعُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَكِنَّ خَطَأَ الْإِمَامِيَّةِ، وَضَلَالَهُمْ (¬5) أَقْبَحُ، وَأَعْظَمُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْعُلَمَاءِ أَنَّ إِلْيَاسَ، ¬

(¬1) ن، م: عَلَيْهِ اللَّهُ. (¬2) عُلَمَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: وَمُكَاشَفَاتٍ. (¬4) الْمُعَايَنِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: وَضَلَالَتَهُمْ.

وَالْخَضِرَ مَاتَا (¬1) ، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي رِزْقِهِ، وَخَلْقِهِ (¬2) ، وَهُدَاهُ، وَنَصْرِهِ، وَإِنَّمَا الرُّسُلُ وَسَائِطُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى السَّعَادَةِ إِلَّا بِطَاعَةِ الرُّسُلِ (¬3) ، وَأَمَّا خَلْقُهُ، وَرِزْقُهُ، وَهُدَاهُ، وَنَصْرُهُ (¬4) ، [فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى] (¬5) ، فَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ [عَلَى حَيَاةِ الرُّسُلِ، وَبَقَائِهِمْ،. بَلْ. وَلَا يَتَوَقَّفُ نَصْرُ الْخَلْقِ، وَرِزْقُهُمْ عَلَى وُجُودِ الرُّسُلِ أَصْلًا] (¬6) ، بَلْ قَدْ يَخْلُقُ اللَّهُ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَسْبَابِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ، [أَوْ غَيْرِهِمْ] (¬7) ، وَقَدْ يَكُونُ لِبَعْضِ الْبَشَرِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْبَشَرِ. وَأَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الْبَشَرِ (¬8) ، أَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْبَشَرِ يَتَوَلَّى ذَلِكَ كُلَّهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: لِلرَّافِضَةِ إِذَا احْتَجُّوا بِضَلَالِ الضُّلَّالِ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 39] . ¬

(¬1) انْظُرْ فِي تَحْقِيقِ أَمْرِ إِلْيَاسَ وَالْخَضِرِ رِسَالَةَ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ " الزَّهْرُ النَّضِرُ فِي نَبَأِ الْخَضِرِ " ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ الرَّسَائِلِ الْمُنِيرِيَّةِ، ج [0 - 9] ص [0 - 9] 95 - 234، الْقَاهِرَةَ 1343. وَفِي خَاتِمَتِهَا (ص 234) يَقُولُ ابْنُ حَجَرٍ: " وَالَّذِي تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ مِنْ حَيْثُ الْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ خِلَافُ مَا يَعْتَقِدُهُ الْعَوَامُّ مِنِ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهِ ". (¬2) أ، ب: بَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ سُلْطَانُهُ - وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي خَلْقِهِ وَرِزْقِهِ. (¬3) ن، م: الرَّسُولِ. (¬4) أ، ب: وَأَمَّا خَلْقُهُ وَهُدَاهُ، وَنَصْرُهُ وَرِزْقُهُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) بَدَلًا مِنَ الْعِبَارَاتِ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ جَاءَ فِي (ن) ، (م) : عَلَى وُجُودِ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ. (¬7) أَوْ غَيْرِهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: بِوَاسِطَةٍ مِنَ الْبَشَرِ.

وَأَيْضًا: فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَشْرَفَ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهَمَّ الْمُطَالِبِ فِي الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهَا، وَبَيَانُ الرَّسُولِ لَهَا أَوْلَى مِنْ بَيَانِ غَيْرِهَا، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَذِكْرِ أَسْمَائِهِ. وَصِفَاتِهِ، وَآيَاتِهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَصَصِ، وَالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالْحُدُودِ، وَالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْقُرْآنُ مَمْلُوءًا بِغَيْرِ الْأَهَمِّ الْأَشْرَفِ؟ . وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلَّقَ السَّعَادَةَ بِمَا لَا ذِكْرَ فِيهِ لِلْإِمَامَةِ، فَقَالَ: [ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 69] ، وَقَالَ] (¬1) : {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 13 - 14] ، فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَانَ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَتَعَدَّى حُدُودَهُ كَانَ مُعَذَّبًا، فَهَذَا (¬2) هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ السُّعَدَاءِ، وَالْأَشْقِيَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِمَامَةَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْإِمَامَةَ دَاخِلَةٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: غَايَتُهَا (¬3) أَنْ تَكُونَ كَبَعْضِ الْوَاجِبَاتِ كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: وَهَذَا. (¬3) أ، ب: نِهَايَتُهَا.

الوجه الثاني الإمامية أنفسهم يجعلون الإمامة آخر المراتب في أصول الدين

وَالْحَجِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَكَيْفَ تَكُونُ هِيَ وَحْدَهَا أَشْرَفَ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهَمَّ مَطَالِبِ الدِّينِ؟ . فَإِنْ قِيلَ: لَا يُمْكِنُنَا طَاعَةُ (¬1) الرَّسُولِ إِلَّا بِطَاعَةِ إِمَامٍ (¬2) ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ الشَّرْعَ. قِيلَ: هَذَا [هُوَ] (¬3) دَعْوَى الْمَذْهَبِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى هَذَا، كَمَا دَلَّ عَلَى سَائِرِ أُصُولِ الدِّينِ، [وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ الَّذِي يَدَّعُونَهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَا يُحْتَاجُ فِي مَعْرِفَتِهِ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ] (¬4) . [الْوَجْهُ الثَّانِي الإمامية أنفسهم يجعلون الإمامة آخر المراتب في أصول الدين] الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: أُصُولُ الدِّينِ عَنِ الْإِمَامِيَّةِ أَرْبَعَةٌ: التَّوْحِيدُ، وَالْعَدْلُ، وَالنُّبُوَّةُ، وَالْإِمَامَةُ، فَالْإِمَامَةُ (¬5) هِيَ آخِرُ الْمَرَاتِبِ، وَالتَّوْحِيدُ، وَالْعَدْلُ، وَالنُّبُوَّةُ (¬6) قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُمْ يُدْخِلُونَ فِي التَّوْحِيدِ نَفْيَ الصِّفَاتِ، وَالْقَوْلَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَيُدْخِلُونَ فِي الْعَدْلِ التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ (¬7) ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ مَنْ يَشَاءُ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُضِلَّ مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّهُ قَدْ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ ¬

(¬1) أ، ب: إِطَاعَةُ. (¬2) أ، ب: الْإِمَامِ. (¬3) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) فَالْإِمَامَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬6) ن، م: النُّبُوَّةُ وَالْعَدْلُ. . (¬7) أ، ب: بِالْقُدْرَةِ.

الوجه الثالث الإمامة عند الرافضة لا تحقق اللطف والمصلحة

خَالِقُ (¬1) كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَا إِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ لَكِنَّ التَّوْحِيدَ، وَالْعَدْلَ، وَالنُّبُوَّةَ مُقَدَّمٌ (¬2) عَلَى الْإِمَامَةِ، فَكَيْفَ تَكُونُ [الْإِمَامَةُ] (¬3) أَشْرَفَ، وَأَهَمَّ؟ . وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْإِمَامَةَ (¬4) إِنَّمَا أَوْجَبُوهَا لِكَوْنِهَا لُطْفًا فِي الْوَاجِبَاتِ، فَهِيَ. وَاجِبَةُ الْوَسَائِلِ، فَكَيْفَ تَكُونُ الْوَسِيلَةُ أَهَمَّ، وَأَشْرَفَ (¬5) مِنَ الْمَقْصُودِ؟ . [الْوَجْهُ الثَّالِثُ الإمامة عند الرافضة لا تحقق اللطف والمصلحة] الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ أَهَمَّ مَطَالِبِ الدِّينِ، وَأَشْرَفَ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ هَذَا الْأَهَمِّ الْأَشْرَفِ هُمُ الرَّافِضَةُ، فَإِنَّهُمْ [قَدْ] (¬6) قَالُوا فِي الْإِمَامَةِ أَسْخَفَ قَوْلٍ، وَأَفْسَدَهُ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [إِذَا تَكَلَّمْنَا عَنْ حُجَجِهِمْ] (¬7) ، وَيَكْفِيكَ أَنَّ مَطْلُوبَهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ رَئِيسٌ مَعْصُومٌ يَكُونُ لُطْفًا فِي مَصَالِحِ دِينِهِمْ، وَدُنْيَاهُمْ، وَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ أَبْعَدُ عَنْ (¬8) مَصْلَحَةِ اللُّطْفِ، وَالْإِمَامَةِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَالُونَ عَلَى مَجْهُولٍ، وَمَعْدُومٍ لَا يُرَى لَهُ عَيْنٌ، وَلَا أَثَرٌ، وَلَا يُسْمَعُ لَهُ حِسٌّ، وَلَا خَبَرٌ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ الْمَقْصُودِ بِإِمَامَتِهِ شَيْءٌ. وَأَيُّ مَنْ فَرَضَ إِمَامًا نَافِعًا فِي بَعْضِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَانَ خَيْرًا مِمَّنْ ¬

(¬1) ن، م: وَلَا يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ. (¬2) ب (فَقَطْ) : مُقَدَّمُهُ. (¬3) الْإِمَامَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: فَالْإِمَامَةُ. (¬5) ب (فَقَطْ) : أَشْرَفَ وَأَهَمَّ. (¬6) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: مِنْ.

لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَصَالِحِ الْإِمَامَةِ، وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ لَمَّا فَاتَهُمْ مَصْلَحَةُ الْإِمَامَةِ يَدْخُلُونَ فِي طَاعَةِ كَافِرٍ، أَوْ ظَالِمٍ لِيَنَالُوا بِهِ بَعْضَ مَقَاصِدِهِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى طَاعَةِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ أَصْبَحُوا يَرْجِعُونَ إِلَى طَاعَةٍ ظَلُومٍ كَفُورٍ، فَهَلْ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ مَقْصُودِ الْإِمَامَةِ، وَعَنِ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ مِمَّنْ سَلَكَ مِنْهَاجَ النَّدَامَةِ؟ . وَفِي الْجُمْلَةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ عَلَّقَ بِوُلَاةِ الْأُمُورِ مَصَالِحَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، سَوَاءٌ كَانَتِ الْإِمَامَةُ أَهَمَّ الْأُمُورِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَالرَّافِضَةُ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ حُصُولِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ، فَقَدْ فَاتَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمُ الْخَيْرُ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَهَمِّ مَطَالِبِ الدِّينِ، وَأَشْرَفِ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَقَدْ طَلَبَ [مِنِّي] (¬1) أَكَابِرُ شُيُوخِهِمُ الْفُضَلَاءُ أَنْ يَخْلُوَ بِي، وَأَتَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، فَخَلَوْتُ بِهِ، وَقَرَّرْتُ لَهُ مَا يَقُولُونَهُ فِي هَذَا الْبَابِ كَقَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْعِبَادَ، وَنَهَاهُمْ (2 لِيَنَالُوا بِهِ بَعْضَ مَقَاصِدِهِمْ 2) (¬2) ، فَيَجِبُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمُ اللُّطْفَ الَّذِي يَكُونُونَ عِنْدَهُ أَقْرَبَ إِلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ، وَتَرْكِ الْقَبِيحِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَعَا شَخْصًا لِيَأْكُلَ طَعَامَهُ، فَإِذَا كَانَ مُرَادُهُ الْأَكْلَ فَعَلَ مَا يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ كَتَلَقِّيهِ بِالْبِشْرِ، وَإِجْلَاسِهِ فِي مَجْلِسٍ يُنَاسِبُهُ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ (¬3) أَنْ يَأْكُلَ عَبَسَ فِي. وَجْهِهِ، وَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَهَذَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لَيْسَ هُوَ مِنْ أُصُولِ شُيُوخِهِمُ الْقُدَمَاءِ. ثُمَّ قَالُوا: وَالْإِمَامُ لُطْفٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا كَانَ لَهُمْ إِمَامٌ يَأْمُرُهُمْ بِالْوَاجِبِ، ¬

(¬1) مِنِّي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُرَادَهُ.

وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْقَبِيحِ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ، وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ إِمَامٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَلَمْ تُدَّعَ الْعِصْمَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا لِعَلِيٍّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ إِيَّاهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى انْتِفَاءِ مَا سِوَاهُ، وَبُسِطَتْ لَهُ الْعِبَارَةُ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي. ثُمَّ قَالُوا: وَعَلِيٌّ نَصَّ عَلَى الْحَسَنِ، وَالْحَسَنُ عَلَى الْحُسَيْنِ (¬1) إِلَى أَنِ انْتَهَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْمُنْتَظَرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ السِّرْدَابِ الْغَائِبِ. فَاعْتَرَفَ بِأَنَّ هَذَا تَقْرِيرُ مَذْهَبِهِمْ عَلَى غَايَةِ الْكَمَالِ. قُلْتُ لَهُ: فَأَنَا وَأَنْتَ طَالِبَانِ لِلْعِلْمِ، وَالْحَقِّ، وَالْهُدَى، وَهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْمُنْتَظَرِ فَهُوَ كَافِرٌ، فَهَذَا الْمُنْتَظَرُ هَلْ رَأَيْتَهُ؟ . أَوْ رَأَيْتَ مَنْ رَآهُ؟ أَوْ سَمِعْتَ لَهُ بِخَبَرٍ؟ (¬2) أَوْ تَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي قَالَهُ هُوَ؟ أَوْ مَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ مَا نَهَى عَنْهُ مَأْخُوذًا عَنْهُ، كَمَا يُؤْخَذُ عَنِ (¬3) الْأَئِمَّةِ؟ . قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي إِيمَانِنَا هَذَا؟ وَأَيُّ لُطْفٍ يَحْصُلُ لَنَا بِهَذَا، ثُمَّ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَنَا اللَّهُ بِطَاعَةِ شَخْصٍ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَلَا مَا يَنْهَانَا عَنْهُ، وَلَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؟ وَهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ ¬

(¬1) ن، م: حُسَيْنٍ. (¬2) أ، ب: أَوْ سَمِعْتَ بِخَبَرِهِ. (¬3) أ، ب: مِنَ.

إِنْكَارًا لِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَهَلْ يَكُونُ فِي تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا؟ ! . فَقَالَ: إِثْبَاتُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ. قُلْتُ: لَكِنَّ الْمَقْصُودَ لَنَا مِنْ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَا نَحْنُ، وَإِلَّا فَمَا عَلَيْنَا مَا مَضَى إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِنَا مِنْهُ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ، وَإِذَا كَانَ كَلَامُنَا فِي تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يُحَصِّلُ لَنَا فَائِدَةً وَلَا لُطْفًا، وَلَا يُفِيدُنَا إِلَّا تَكْلِيفَ (¬1) مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِهَذَا الْمُنْتَظَرِ مِنْ بَابِ الْجَهْلِ، وَالضَّلَالِ لَا مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ وَاللُّطْفِ (¬2) . وَالَّذِي عَنْهُ الْإِمَامِيَّةُ مِنَ النَّقْلِ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَوْتَى: إِنْ كَانَ حَقًّا يَحْصُلُ بِهِ سَعَادَتُهُمْ، فَلَا حَاجَةَ (¬3) بِهِمْ إِلَى الْمُنْتَظَرِ، وَإِنْ كَانَ (¬4) بَاطِلًا، فَهُمْ أَيْضًا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْمُنْتَظَرِ فِي رَدِّ هَذَا الْبَاطِلِ، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْمُنْتَظَرِ [لَا.] (¬5) فِي إِثْبَاتِ حَقٍّ، وَلَا فِي نَفْيِ بَاطِلٍ، وَلَا أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَلَا نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَاللُّطْفِ الْمَطْلُوبِ (¬6) مِنَ الْإِمَامَةِ. وَالْجُهَّالُ الَّذِينَ يُعَلِّقُونَ أُمُورَهُمْ بِالْمَجْهُولَاتِ كَرِجَالِ الْغَيْبِ، وَالْقُطْبِ، ¬

(¬1) ن، م: بِتَكْلِيفِ. (¬2) أ، ب: اللُّطْفِ وَالْمَصْلَحَةِ. (¬3) ن، م: وَلَا حَاجَةَ. (¬4) ن، م: فَإِنْ كَانَ. (¬5) لَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ب (فَقَطْ) : وَاللُّطْفِ وَالْمَنْفَعَةِ الْمَطْلُوبَةِ. 1

[وَالْغَوْثِ] (¬1) ، وَالْخَضِرِ، وَنَحْوِ [ذَلِكَ مَعَ جَهْلِهِمْ، وَضَلَالِهِمْ] ، وَكَوْنِهِمْ (¬2) يُثْبِتُونَ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ بِهِ مَصْلَحَةٌ، وَلَا لُطْفٌ، وَلَا مَنْفَعَةٌ لَا فِي الدِّينِ، وَلَا فِي الدُّنْيَا أَقَلُّ ضَلَالًا مِنَ الرَّافِضَةِ. فَإِنَّ الْخَضِرَ كَانَ مَوْجُودًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي قِصَّتِهِ عِبْرَةٌ، وَفَوَائِدُ، وَقَدْ يَرَى أَحَدُهُمْ شَخْصًا صَالِحًا يَظُنُّهُ الْخَضِرَ، فَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَبِرُؤْيَتِهِ، وَمَوْعِظَتِهِ (¬3) ، وَإِنْ كَانَ غَالِطًا فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ الْخَضِرُ، [فَقَدْ يَرَى أَحَدُهُمْ بَعْضَ الْجِنِّ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ الْخَضِرُ، وَلَا يُخَاطِبُهُ الْجِنِّيُّ إِلَّا بِمَا يَرَى أَنَّهُ يَقْبَلُهُ مِنْهُ لِيَرْبِطَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ الرَّجُلُ أَتَى مِنْ نَفْسِهِ لَا مِنْ ذَلِكَ الْمُخَاطِبِ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لِكُلِّ زَمَانٍ خَضِرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لِكُلِّ وَلِيٍّ خَضِرٌ، وَلِلْكُفَّارِ كَالْيَهُودِ مَوَاضِعُ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَ الْخَضِرَ فِيهَا، وَقَدْ يُرَى الْخَضِرُ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَعَلَى صُورَةٍ هَائِلَةٍ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ. لِأَنَّ هَذَا الَّذِي يَقُولُ إِنَّهُ الْخَضِرُ هُوَ جِنِّيٌّ، بَلْ هُوَ شَيْطَانٌ يَظْهَرُ لِمَنْ يَرَى أَنَّهُ يُضِلُّهُ، وَفِي ذَلِكَ حِكَايَاتٌ كَثِيرَةٌ يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ ذِكْرِهَا] (¬4) . وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَأَصْنَافُ الشِّيعَةِ أَكْثَرُ ضَلَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ مُنْتَظِرَهُمْ (¬5) لَيْسَ عِنْدَهُ نَقْلٌ ثَابِتٌ عَنْهُ، وَلَا يَعْتَقِدُونَ فِيمَنْ يَرَوْنَهُ أَنَّهُ الْمُنْتَظِرُ، وَلَمَّا دَخَلَ السِّرْدَابَ كَانَ عِنْدَهُمْ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ التَّمْيِيزِ، ¬

(¬1) وَالْغَوْثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَالْخَضِرِ وَنَحْوِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ. (¬3) أ: فَإِنَّ الْخَضِرَ كَانَ مَوْجُودًا. فَيَنْتَفِعُ بِرِوَايَتِهِ أَوْ بِمَوْعِظَتِهِ؛ ب: فَإِنَّ الْخَضِرَ يَنْتَفِعُ بِرُؤْيَتِهِ وَبِمَوْعِظَتِهِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ: فَإِنَّ مُنْتَظِرَ؛ ب: فَإِنَّ الْمُنْتَظِرَ.

الوجه الرابع الكرامة لا تنال بمجرد معرفة الإمام

وَهُمْ يَقْبَلُونَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ (¬1) أَضْعَافَ مَا يَقْبَلُهُ هَؤُلَاءِ، (2 وَيُعْرِضُونَ عَنِ الِاقْتِدَاءِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَكْثَرَ مِنْ إِعْرَاضِ هَؤُلَاءِ 2) (¬2) ، وَيَقْدَحُونَ فِي خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ قَدْحًا يُعَادِيهِمْ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ، فَهُمْ أَضَلُّ عَنْ مَصَالِحِ الْإِمَامَةِ مِنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ، فَقَدْ فَاتَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ أَهَمُّ الدِّينِ وَأَشْرَفُهُ. [الْوَجْهُ الرَّابِعُ الكرامة لا تنال بمجرد معرفة الإمام] الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: (الَّتِي يَحْصُلُ بِسَبَبِ إِدْرَاكِهَا نَيْلُ دَرَجَةِ الْكَرَامَةِ.) كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ مَعْرِفَةِ الْإِنْسَانِ (¬3) إِمَامَ وَقْتِهِ، وَإِدْرَاكِهِ (¬4) بِعَيْنِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْكَرَامَةَ إِنْ لَمْ يُوَافِقْ أَمْرَهُ، وَنَهْيَهُ (¬5) ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ مَعْرِفَةُ إِمَامِ الْوَقْتِ بِأَعْظَمَ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَلَمْ يُطِعْ أَمْرَهُ لَمْ (¬6) يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَلَوْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ، وَعَصَاهُ، فَضَيَّعَ الْفَرَائِضَ، وَتَعَدَّى الْحُدُودَ (¬7) كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْوَعِيدِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ، وَسَائِرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ بِمَنْ عَرَفَ الْإِمَامَ، وَهُوَ مُضَيِّعٌ لِلْفَرَائِضِ مُتَعَدٍّ لِلْحُدُودِ. ¬

(¬1) ن، م: مِنَ الْأَحَادِيثِ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) الْإِنْسَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: فَإِدْرَاكُهُ. (¬5) وَنَهْيَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن: وَلَمْ. (¬7) ب: وَضَيَّعَ الْفَرَائِضَ وَتَعَدَّى الْحُدُودَ؛ أ: وَضَيَّعَ الْفَرَائِضَ وَاعْتَدَى الْحُدُودَ.

الوجه الخامس الإمامة ليست من أركان الإيمان

وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُولُ: حُبُّ عَلِيٍّ حَسَنَةٌ لَا يَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ (¬1) ، وَإِنْ (¬2) كَانَتِ السَّيِّئَاتُ لَا تَضُرُّ مَعَ حُبِّ عَلِيٍّ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ الَّذِي هُوَ لُطْفٌ فِي التَّكْلِيفِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِنَّمَا تُوجَدُ سَيِّئَاتٌ وَمَعَاصٍ، فَإِنْ كَانَ حُبُّ عَلِيٍّ كَافِيًا، فَسَوَاءٌ. وُجِدَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ. [الْوَجْهُ الْخَامِسُ الإمامة ليست من أركان الإيمان] الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: (وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبِهِ الْخُلُودُ فِي الْجِنَانِ) . فَيُقَالُ. لَهُ: مَنْ جَعَلَ هَذَا مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا أَهْلُ الْجَهْلِ، وَالْبُهْتَانِ؟ . وَسَنَتَكَلَّمُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَاللَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحْوَالَهُمْ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَسَّرَ الْإِيمَانَ، وَذَكَرَ شُعَبَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ الْإِمَامَةَ فِي أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، فَفِي [الْحَدِيثِ] (¬3) الصَّحِيحِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ لَمَّا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِيمَانِ، وَالْإِحْسَانِ قَالَ. [لَهُ] (¬4) : ( «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ.) قَالَ: وَالْإِيمَانُ أَنْ ¬

(¬1) يَرُدُّ مُحَمَّد مَهْدِي الْكَاظِمِيُّ الْقَزْوِينِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (مِنْهَاجَ الشَّرِيعَةِ 1/98) " مَا نَسَبَهُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الشِّيعَةِ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ حُبَّ عَلِيٍّ حَسَنَةٌ لَيْسَ يَضُرُّ مَعَهُ سَيِّئَةٌ فَإِنَّهُ بُهْتَانٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَتَخْصِيصُهُ الْكَثِيرَ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْعَقِيدَةِ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ سِوَى الْكَذِبِ "! ! . (¬2) أ، ب: وَإِنْ. (¬3) الْحَدِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، [وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] (¬1) ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدْرِ خَيْرِهِ، وَشَرِّهِ» .) ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِمَامَةَ قَالَ: ( «وَالْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ.» ) ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (¬2) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي [أَفْرَادِ] (¬3) مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ (¬4) . وَهَؤُلَاءِ (¬5) وَإِنْ كَانُوا لَا يُقِرُّونَ بِصِحَّةِ (¬6) هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَالْمُصَنِّفُ [قَدِ] (¬7) احْتَجَّ بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ كَذِبٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِمَّا أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ نَحْنُ وَهُمْ، أَوْ لَا نَحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا (¬8) نَحْنُ وَلَا هُمْ، فَإِنْ تَرَكُوا الرِّوَايَةَ رَأْسًا أَمْكَنَ أَنْ نَتْرُكَ الرِّوَايَةَ، وَأَمَّا إِذَا رَوَوْا هُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُعَارَضَةِ الرِّوَايَةِ [بِالرِّوَايَةِ] (¬9) ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا تَقُومُ بِهِ ¬

(¬1) وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: فَهُوَ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (¬3) أَفْرَادِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1/36 - 38، (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. إِلَخْ) . وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 1/39 - 40. وَانْظُرِ الْحَدِيثَ بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي: ابْنِ الْأَثِيرِ: " جَامِعِ الْأُصُولِ مِنْ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ " 1/128 - 136، طَبْعَةُ حَامِد الْفِقِي، الْقَاهِرَةَ، 1368/1949. (¬5) أ، ب: وَهُمْ. (¬6) ن، م: لَا يَرَوْنَ صِحَّةَ. (¬7) قَدِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) بِالرِّوَايَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

الْحُجَّةُ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى كَذِبِ مَا يُعَارِضُونَ بِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَالدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقَلَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَصَحَّحُوهُ. وَهَبْ أَنَّا لَا نَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 2 - 4] (¬1) ، فَشَهِدَ لِهَؤُلَاءِ بِالْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلْإِمَامَةِ (¬2) . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 15] ، فَجَعَلَهُمْ صَادِقِينَ فِي الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلْإِمَامَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 177] ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِمَامَةَ. وَقَالَ تَعَالَى: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 1 - 5] ، ¬

(¬1) ن، م: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا. . . الْآيَةَ. (¬2) ن، م: الْإِمَامَةِ.

فَجَعَلَهُمْ مُهْتَدِينَ مُفْلِحِينَ (¬1) ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِمَامَةَ. وَأَيْضًا: فَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.] (¬2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا إِذَا أَسْلَمُوا لَمْ يَجْعَلْ إِيمَانَهُمْ مَوْقُوفًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِمَامَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ أَحَدَ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهُ الرَّسُولُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ لِيَحْصُلَ لَهُمْ [بِهِ] (¬3) الْإِيمَانُ، فَإِذَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ يَشْتَرِطُهُ فِي الْإِيمَانِ عُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَهُ فِي الْإِيمَانِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبُهْتَانِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ دَخَلَتْ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ (¬4) ، أَوْ هِيَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، أَوْ دَلَّ (¬5) عَلَيْهَا نَصٌّ آخَرُ. قِيلَ: هَذَا كُلُّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ غَايَتُهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَعْضِ فُرُوعِ الدِّينِ لَا (¬6) تَكُونُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ رُكْنَ الْإِيمَانِ مَا لَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ رُكْنًا فِي الْإِيمَانِ لَا يَتِمُّ إِيمَانُ أَحَدٍ إِلَّا بِهِ لَوَجَبَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ الرَّسُولُ بَيَانًا عَامًّا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ، كَمَا بَيَّنَ ¬

(¬1) ن، م: مُفْلِحِينَ مُهْتَدِينَ. (¬2) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: النَّصِّ. (¬5) ن: وَدَلَّ. 1 (¬6) ن، م: فَلَا.

الوجه السادس الحديث الذي يستشهد به ابن المطهر لا أصل له

الشَّهَادَتَيْنِ، وَالْإِيمَانَ بِالْمَلَائِكَةِ، وَالْكُتُبِ، وَالرُّسُلِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَكَيْفَ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِهِ أَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ (¬1) دَخَلُوا فِي دِينِهِ أَفْوَاجًا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْإِيمَانِ الْإِيمَانُ بِالْإِمَامَةِ لَا مُطْلَقًا، وَلَا مُعَيَّنًا؟ . [الْوَجْهُ السَّادِسُ الحديث الذي يستشهد به ابن المطهر لا أصل له] الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ. (¬2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» . يُقَالُ لَهُ (¬3) أَوَّلًا: مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ؟ . وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِنَقْلٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الطَّرِيقِ الَّذِي بِهِ يَثْبُتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ؟ وَهَذَا لَوْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، فَكَيْفَ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ؟ . إِنَّمَا الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ مِثْلَ مَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (¬4) عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «جَاءَ [عَبْدُ اللَّهِ] (¬5) بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وِسَادَةً. ¬

(¬1) النَّاسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) ن، م: فَقَالَ النَّبِيُّ؛ ب: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. (¬3) أ، ب: فَيُقَالُ لَهُ. (¬4) أ، ب: هَذَا. (¬5) صَحِيحَ مُسْلِمٍ 3/1478 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ مُلَازَمَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ) .

الوجه السابع لا حجة للإمامة في الحديث

فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.) » . وَهَذَا حَدَّثَ بِهِ (¬1) [عَبْدُ اللَّهِ] (¬2) بْنُ عُمَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ [بْنِ الْأَسْوَدِ] (¬3) لَمَّا خَلَعُوا طَاعَةَ أَمِيرِ وَقْتِهِمْ يَزِيدَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ مَا كَانَ، ثُمَّ إِنَّهُ اقْتَتَلَ هُوَ وَهُمْ، وَفَعَلَ بِأَهْلِ الْحَرَّةِ أُمُورًا مُنْكَرَةً. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَلَى وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ بِالسَّيْفِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ (¬4) مُطِيعًا لِوُلَاةِ الْأُمُورِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَهَذَا ضِدُّ قَوْلِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ مُخَالَفَةً لِوُلَاةِ الْأُمُورِ، وَأَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ طَاعَتِهِمْ إِلَّا كُرْهًا. وَنَحْنُ نُطَالِبُهُمْ أَوَّلًا بِصِحَّةِ النَّقْلِ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُهُ وَاحِدًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ أَصْلُ الْإِيمَانِ بِخَبَرٍ مِثْلِ هَذَا [الَّذِي] (¬5) لَا يُعْرَفُ لَهُ نَاقِلٌ، وَإِنْ عُرِفَ لَهُ نَاقِلٌ أَمْكَنَ خَطَؤُهُ، وَكَذِبُهُ، وَهَلْ يَثْبُتُ أَصْلُ الْإِيمَانِ إِلَّا بِطَرِيقٍ عِلْمِيٍّ. [الوجه السابع لا حجة للإمامة في الحديث] الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَهَذَا حَدِيثٌ حَدَّثَ بِهِ. (¬2) عَبْدُ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) بْنِ الْأَسْوَدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ. . . إِلَخْ. (¬5) ن: هَذَا وَلَا؛ م: هَذَا لَا.

فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِهَذَا الْقَائِلِ (¬1) ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَدْ] (¬2) قَالَ: ( «مَنْ (¬3) مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» .) (* فِي أُمُورٍ لَيْسَتْ (¬4) مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ الَّتِي مَنْ تَرَكَهَا كَانَ كَافِرًا. كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» *) (¬5) . (¬6) ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَاتَلَ فِي الْعَصَبِيَّةِ، وَالرَّافِضَةُ رُءُوسُ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ الْمُسْلِمُ بِالِاقْتِتَالِ فِي الْعَصَبِيَّةِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَكَيْفَ يَكْفُرُ بِمَا هُوَ دُونَ (¬7) ذَلِكَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬8) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، ثُمَّ مَاتَ،. ¬

(¬1) ن، م: النَّاقِلِ. (¬2) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَلَيْسَتْ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬6) الْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1478 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ مُلَازَمَةِ جَمَاعَةِ. . .) وَفِيهِ: فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. وَرَايَةٌ عِمِّيَّةٌ: قَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحَ صَحِيحِ مُسْلِمٍ 12/238) : هِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ. وَالْمِيمُ مَكْسُورَةٌ وَمُشَدَّدَةٌ وَالْيَاءُ مُشَدَّدَةٌ أَيْضًا. قَالُوا: هِيَ الْأَمْرُ الْأَعْمَى لَا يَسْتَبِينُ وَجْهُهُ، كَذَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْجُمْهُورُ. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: هَذَا كَتَقَاتُلِ الْقَوْمِ لِلْعَصَبِيَّةِ. (¬7) م: بِمَنْ هُوَ دُونَ؛ أ: بِمَنْ؛ ب: بِمَا دُونَ. (¬8) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

الوجه الثامن الحديث حجة عليهم

مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» .) (¬1) ، وَهَذَا حَالُ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ يَخْرُجُونَ عَنِ الطَّاعَةِ، وَيُفَارِقُونَ الْجَمَاعَةَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬2) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، (4 فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» .) ، وَفِي لَفْظِ: ( «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ 4) (¬4) فَإِنَّ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» .) (¬5) . وَهَذِهِ النُّصُوصُ مَعَ كَوْنِهَا صَرِيحَةً فِي حَالِ الرَّافِضَةِ، فَهِيَ وَأَمْثَالُهَا الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا بِذَلِكَ (¬6) اللَّفْظِ الَّذِي نَقَلَهُ. [الْوَجْهُ الثَّامِنُ الحديث حجة عليهم] الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ حُجَّةٌ عَلَى الرَّافِضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إِمَامَ زَمَانِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُ الْغَائِبُ الْمُنْتَظَرُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الَّذِي دَخَلَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: صَحِيحِ مُسْلِمٍ 3/1476 - 1477 (الْكِتَابُ وَالْبَابُ السَّابِقَانِ) . 1 (¬2) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ: (أ) ، (ب) . وَفِي: م: مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ. (¬5) الْحَدِيثُ بِرِوَايَتَيْهِ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/47 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا) ؛ مُسْلِمٌ 3/1477 - 1478 (الْكِتَابُ وَالْبَابُ السَّابِقَانِ) سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/241 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/164، 245 - 246، 297. (¬6) ن، م: ذَلِكَ.

سِرْدَابَ سَامَرَّا سَنَةَ سِتِّينَ، وَمِائَتَيْنِ، أَوْ نَحْوِهَا، وَلَمْ يُمَيِّزْ بَعْدُ (¬1) ، بَلْ كَانَ عُمْرُهُ إِمَّا سَنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا (¬2) ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَهُ الْآنَ - عَلَى قَوْلِهِمْ - أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ (¬3) سَنَةً، وَلَمْ يُرَ لَهُ عَيْنٌ، وَلَا أَثَرٌ، وَلَا سُمِعَ لَهُ حِسٌّ، وَلَا خَبَرٌ. فَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ لَا بِعَيْنِهِ، وَلَا صِفَتِهِ لَكِنْ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الشَّخْصَ الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ خَبَرٌ هُوَ إِمَامُ زَمَانِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ مَعْرِفَةً بِالْإِمَامِ. وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِهِ، فَهَذَا لَا يَعْرِفُ ابْنَ عَمِّهِ، وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمُلْتَقَطُ إِذَا عُرِفَ أَنَّ لَهُ مَالِكًا، وَلَمْ يُعْرَفْ عَيْنُهُ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا لِصَاحِبِ اللُّقَطَةِ (¬4) ، بَلْ هَذَا أَعْرَفُ؛ لِأَنَّ هَذَا (¬5) يُمْكِنُ تَرْتِيبُ بَعْضِ أَحْكَامِ الْمُلْكِ، وَالنَّسَبُ [عَلَيْهِ] (¬6) ، وَأَمَّا الْمُنْتَظَرُ، فَلَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْإِمَامَةِ. فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ الَّذِي يُخْرِجُ (¬7) الْإِنْسَانَ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ هِيَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا طَاعَةٌ وَجَمَاعَةٌ، خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ يَجْمَعُهُمْ، وَلَا جَمَاعَةٌ تَعْصِمُهُمْ، وَاللَّهُ (¬8) تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَدَاهُمْ بِهِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَالْجَمَاعَةِ، وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ لَا. ¬

(¬1) أ، ب: وَلَمْ يُعَدَّ. (¬2) أ، ب: وَإِمَّا ثَلَاثًا وَإِمَّا خَمْسًا. (¬3) وَخَمْسِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) الضَّمِيرُ فِي " عُرِفَ " لِمُلْتَقِطِ الْمَالِ. (¬5) ن، م: لِأَنَّهُ هُنَا. (¬6) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬7) ب (فَقَطْ) : الَّتِي تُخْرِجُ. (¬8) ن، م: فَاللَّهُ.

الوجه التاسع الأمر بطاعة الأئمة في غير المعصية

يَحْصُلُ بِمَعْرِفَتِهِ طَاعَةٌ، وَلَا جَمَاعَةٌ، فَلَمْ يُعْرَفْ مَعْرِفَةً تُخْرِجُ الْإِنْسَانَ مَنْ [حَالِ] (¬1) الْجَاهِلِيَّةِ، بَلِ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ جَاهِلِيَّةً، وَأَشْبَهُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي طَاعَةِ غَيْرِهِمْ - إِمَّا طَاعَةِ كَافِرٍ، وَإِمَّا (¬2) طَاعَةِ مُسْلِمٍ هُوَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، أَوِ النَّوَاصِبِ (¬3) - لَمْ يَنْتَظِمْ لَهُمْ مَصْلَحَةٌ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ، وَافْتِرَاقِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ عَنِ الطَّاعَةِ، وَالْجَمَاعَةِ (¬4) . وَهَذَا يَتَبَيَّنُ (¬5) . بِالْوَجْهِ (¬6) [الوجه التاسع الأمر بطاعة الأئمة في غير المعصية] التَّاسِعِ: وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِطَاعَةِ الْأَئِمَّةِ الْمَوْجُودِينَ (¬7) [الْمَعْلُومِينَ] (¬8) الَّذِينَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَقْدِرُونَ بِهِ عَلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ لَا بِطَاعَةِ مَعْدُومٍ وَلَا مَجْهُولٍ، وَلَا مَنْ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ، وَلَا قُدْرَةٌ (¬9) عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاجْتِمَاعِ، وَالِائْتِلَافِ، وَنَهَى عَنِ الْفُرْقَةِ، وَالِاخْتِلَافِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِطَاعَةِ الْأَئِمَّةِ مُطْلَقًا، بَلْ أَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ فِي طَاعَةِ ¬

(¬1) حَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: أَوْ. . (¬3) فِي اللِّسَانِ: " النَّوَاصِبُ: قَوْمٌ يَتَدَيَّنُونَ بِبِغْضَةِ عَلِيٍّ ". وَفِي كُلِّيَّاتِ أَبِي الْبَقَاءِ الْكَفُورِيِّ (ط. بُولَاقَ) ص [0 - 9] 61: " وَالنَّصْبُ يُقَالُ أَيْضًا لِمَذْهَبٍ هُوَ بُغْضُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ طَرَفُ النَّقِيضِ مِنَ الرَّفْضِ ". (¬4) وَالْجَمَاعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ب: " فَقَطْ ": يُبَيِّنُهُ. (¬6) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: الْوَجْهُ. وَمَا أَثْبَتَّهُ يَسْتَقِيمُ بِهِ الْكَلَامُ. (¬7) أ، ب: الْمُوَحِّدِينَ. (¬8) الْمَعْلُومِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، م: وَقُدْرَةٌ.

اللَّهِ دُونَ مَعْصِيَتِهِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ أَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ. فَفِي (¬1) صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ( «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ، وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشَرَارُ أَئِمَّتكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ، وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ، وَيَلْعَنُوكُمْ.) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: (لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» .) (¬2) . وَفِي [صَحِيحِ] (¬3) مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ. (¬4) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ، وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنَّ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ.) قَالُوا: [يَا رَسُولَ اللَّهِ] (¬5) أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: (لَا مَا صَلَّوْا» .) (¬6) . ¬

(¬1) أ، ب: وَفِي. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1481، 1482 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ خِيَارِ الْأَئِمَّةِ وَشِرَارِهِمْ) ؛ سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/324 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابٌ فِي الطَّاعَةِ وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/24. وَجَاءَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/360 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيُّ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ وَمُحَمَّدٌ يُضَعَّفُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. (¬3) صَحِيحِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ. (¬5) يَا رَسُولَ اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: مُسْلِمٍ 3/1480 - 1481 (كِتَابُ وُجُوبِ الْإِنْكَارِ. عَلَى الْأُمَرَاءِ فِيمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ.) ؛ سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/333 - 334 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي قَتْلِ الْخَوَارِجِ) ؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/361 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ مِنْهُ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/295، 302، 305، 321.

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ هُمُ الْأُمَرَاءُ وُلَاةُ الْأُمُورِ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ، وَيُنْكَرُ مَا يَأْتُونَهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا تُنْزَعُ (¬1) الْيَدُ مِنْ طَاعَتِهِمْ، بَلْ يُطَاعُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ مِنْهُمْ خِيَارًا، وَشِرَارًا مَنْ يُحَبُّ، وَيُدْعَى لَهُ، وَيُحِبُّ النَّاسَ، وَيَدْعُو لَهُمْ، وَمَنْ يُبْغَضُ، وَيَدْعُو عَلَى النَّاسِ، وَيُبْغِضُونَهُ، وَيَدْعُونَ عَلَيْهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬2) [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ، فَتَكْثُرُ (¬4) قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: (فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» .) (¬5) ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ بَعْدَهُ خُلَفَاءَ كَثِيرِينَ (¬6) ، وَأَمَرَ أَنْ يُوفَى بِبَيْعَةِ ¬

(¬1) أ، ب: وَلَا تُنْزَعَنَّ. (¬2) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) فِي (ن) ،: وَتُنْكِرُ، (م) : تُنْكِرُ؛ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (3/1471) : وَتَكْثُرُ. وَيَقُولُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ (12 - 231) : فَتَكْثُرُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنَ الْكَثْرَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ. قَالَ الْقَاضِي: وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ فَتَكْبُرُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَأَنَّهُ مِنْ إِكْبَارِ قَبِيحِ فِعَالِهِمْ، وَهَذَا تَصْحِيفٌ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (4/169) : فَيَكْثُرُونَ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/169 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1471 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ.) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/958 - 959 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ الْوَفَاءِ بِالْبَيْعَةِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 15/109 - 110. (¬6) ن: تُنْكِرُ؛ م: يُنْكِرُونَ؛ أ: كَثِيرُونَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَنْ يُعْطُوهُمْ (¬1) حَقَّهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ [عَبْدِ اللَّهِ] (¬2) بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ. لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا.) قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ» .) ، وَفِي لَفْظِ: ( «سَتَكُونُ أَثَرَةٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا.) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: (تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ» .) (¬3) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ، وَالْعُسْرِ (¬4) ، وَالْمَنْشَطِ، وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» (¬5) . ¬

(¬1) ن: تُعْطُوهُمْ. (¬2) عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/47 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا) ؛ مُسْلِمٍ 3/1472 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) ؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ (ط. الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ) 3/327 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَثَرَةِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/231 - 232، 242، 6/64. (¬4) ن، م: فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/47 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا) ؛ مُسْلِمٍ 3/1470 - 1471 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ.) ؛ سُنَنَ النَّسَائِيِّ 7/124 - 126 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ الْبَيْعَةِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَبَابُ الْبَيْعَةِ عَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَبَابُ الْبَيْعَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَقِّ، وَبَابُ الْبَيْعَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَدْلِ، وَبَابُ الْبَيْعَةِ عَلَى الْأَثَرَةِ) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/957 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ الْبَيْعَةِ) ؛ الْمُوَطَّأِ. 2/445 - 446 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/441، 5/314، 316. وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْمُسْنَدِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ( «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ، وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ، وَلَا طَاعَةَ» .) (¬1) . فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَرَدْتُ بِقَوْلِي إِنَّهَا (أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي الدِّينِ، وَأَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ.) الْمَطَالِبُ الَّتِي تَنَازَعَتِ الْأُمَّةُ فِيهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْإِمَامَةِ. قِيلَ لَهُ: فَلَا لَفْظٌ فَصِيحٌ، وَلَا مَعْنًى صَحِيحٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْتَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، بَلْ مَفْهُومُ اللَّفْظِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا أَهَمُّ الْمَطَالِبِ فِي الدِّينِ مُطْلَقًا، وَأَشْرَفُ مَسَائِلِ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَكَ، فَهُوَ مَعْنًى بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ تَنَازَعُوا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسَائِلَ أَشْرَفَ مِنْ هَذِهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْأَشْرَفَ، فَالَّذِي ذَكَرْتَهُ فِيهَا أَبْطَلَ الْمَذَاهِبَ، وَأَفْسَدَ الْمَطَالِبَ. وَذَلِكَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي الْإِمَامَةِ لَمْ يَظْهَرْ إِلَّا فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬2) ، [وَأَمَّا] (¬3) عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ نِزَاعٌ إِلَّا مَا جَرَى يَوْمَ السَّقِيفَةِ، ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/63 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً) . وَهُوَ بِمَعْنَاهُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/49 - 50 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1469 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ.) ؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/125 - 126 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ) . (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) وَأَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَمَا انْفَصَلُوا حَتَّى اتَّفَقُوا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ نِزَاعًا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النِّزَاعَ فِيهَا كَانَ عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَيْسَ كُلُّ مَا (¬1) تُنُوزِعَ فِيهِ عَقِبَ مَوْتِهِ. [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬2) يَكُونُ أَشْرَفَ مِمَّا تُنُوزِعَ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَسَائِلَ (3 الْقَدَرِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالتَّجْوِيرِ، وَالتَّحْسِينِ، وَالتَّقْبِيحِ 3) (¬3) ، وَالتَّوْحِيدِ، وَالصِّفَاتِ، وَالْإِثْبَاتِ، وَالتَّنْزِيهِ أَهَمُّ وَأَشْرَفُ مِنْ مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ، وَمَسَائِلُ الْأَسْمَاءِ، وَالْأَحْكَامِ، وَالْوَعْدِ، وَالْوَعِيدِ، وَالْعَفْوِ، وَالشَّفَاعَةِ، وَالتَّخْلِيدِ أَهَمُّ مِنْ مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ. وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ صَنَّفَ فِي أُصُولِ الدِّينِ يَذْكُرُ مَسَائِلَ الْإِمَامَةِ فِي الْآخَرِ حَتَّى الْإِمَامِيَّةُ يَذْكُرُونَ مَسَائِلَ التَّوْحِيدِ، وَالْعَدْلِ، وَالنُّبُوَّةِ قَبْلَ مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ يَذْكُرُونَ (¬4) أُصُولَهُمُ الْخَمْسَ: التَّوْحِيدَ، وَالْعَدْلَ، وَالْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَإِنْفَاذَ الْوَعِيدِ، وَالْخَامِسَ: هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَبِهِ تَتَعَلَّقُ مَسَائِلُ الْإِمَامَةِ. وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ الْأُمَّةِ نَالُوا الْخَيْرَ بِدُونِ مَقْصُودِ الْإِمَامَةِ الَّتِي تَقُولُهَا الرَّافِضَةُ، فَإِنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الزَّمَانِ مَفْقُودٌ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ، وَأَنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْآنَ غَائِبٌ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَهُمْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ يَنْتَفِعُوا ¬

(¬1) ن: فَلَيْسَ كَمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) (3 - 3) : جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي (أ) ، (ب) وَبَعْدَ كَلِمَةِ التَّنْزِيهِ، وَفِي (ب) : التَّجْوِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) يَذْكُرُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

بِإِمَامَتِهِ لَا فِي دِينٍ، وَلَا فِي دُنْيَا، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ عِنْدَهُمْ عِلْمًا مَنْقُولًا عَنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَتْ أَهَمَّ مَسَائِلِ الدِّينِ، وَهُمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا، فَقَدْ فَاتَهُمْ مِنَ الدِّينِ أَهَمُّهُ، وَأَشْرَفُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَالْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاقِصًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقْصُودِ الْإِمَامَةِ، فَيَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ، كَيْفَ وَهَمَ يُسَلِّمُونَ أَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامَةِ إِنَّمَا هُوَ. (¬1) فِي الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا الْأُصُولُ الْعَقْلِيَّةُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْإِمَامِ، وَتِلْكَ هِيَ أَهَمُّ وَأَشْرَفُ. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَوْلُكُمْ فِي الْإِمَامَةِ مِنْ أَبْعَدِ الْأَقْوَالِ عَنِ الصَّوَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا أَنَّكُمْ أَوْجَبْتُمُ الْإِمَامَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْخَلْقِ فِي دِينِهِمْ، وَدُنْيَاهُمْ، وَإِمَامُكُمْ صَاحِبُ الْوَقْتِ لَمْ يَحْصُلْ لَكُمْ مِنْ جِهَتِهِ مَصْلَحَةٌ لَا فِي الدِّينِ، وَلَا فِي الدُّنْيَا، فَأَيُّ سَعْيٍ أَضَلُّ مِنْ سَعْيِ مَنْ يَتْعَبُ التَّعَبَ الطَّوِيلَ، وَيُكْثِرُ الْقَالَ وَالْقِيلَ. وَيُفَارِقُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَلْعَنُ السَّابِقِينَ، وَالتَّابِعِينَ، وَيُعَاوِنُ الْكُفَّارَ، وَالْمُنَافِقِينَ، وَيَحْتَالُ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ، وَيَسْلُكُ مَا أَمْكَنَهُ مِنَ السُّبُلِ. وَيَعْتَضِدُ بِشُهُودِ الزُّورِ، وَيُدَلِّي أَتْبَاعَهُ بِحَبْلِ الْغُرُورِ، وَيَفْعَلُ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَمَقْصُودُهُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِمَامٌ يَدُلُّهُ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَنَهْيِهِ، وَيُعَرِّفُهُ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ [تَعَالَى] (¬2) ؟ . ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ اسْمَ ذَلِكَ الْإِمَامِ، وَنَسَبَهُ لَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ مِنْ مَطْلُوبِهِ، وَلَا وَصَلَ إِلَيْهِ [شَيْءٌ] (¬3) مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَإِرْشَادِهِ، وَلَا أَمْرِهِ، وَلَا نَهْيِهِ، وَلَا حَصَلَ لَهُ ¬

(¬1) إِنَّمَا هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) فَقَطْ. (¬3) شَيْءٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مِنْ جِهَتِهِ مَنْفَعَةٌ، وَلَا مَصْلَحَةٌ أَصْلًا إِلَّا إِذْهَابَ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ، وَقَطْعَ الْأَسْفَارِ، وَطُولَ الِانْتِظَارِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمُعَادَاةَ الْجُمْهُورِ لِدَاخِلٍ فِي سِرْدَابٍ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ، وَلَا خِطَابٌ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ لَمَا حَصَلَ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِهَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ، فَكَيْفَ عُقَلَاءُ النَّاسِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا الْإِفْلَاسُ، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيَّ لَمْ يَنْسَلَّ، وَلَمْ يُعَقِّبْ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (¬1) ، وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ (¬2) ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ؟ . وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَعُمْرُهُ إِمَّا سَنَتَانِ، وَإِمَّا ثَلَاثٌ، وَإِمَّا خَمْسٌ، وَإِمَّا نَحْوُ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ يَتِيمٌ يَجِبُ أَنْ يُحْفَظَ لَهُ مَالُهُ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ، وَيَحْضُنَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ حَضَانَتَهُ مِنْ أَقْرِبَائِهِ (¬3) ، فَإِذَا صَارَ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ أُمِرَ بِالطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ، فَمَنْ لَا تَوَضَّأَ، وَلَا صَلَّى، وَهُوَ تَحْتَ حِجْرِ وَلِيِّهِ فِي نَفْسِهِ، وَمَالِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا يَشْهَدُهُ الْعِيَانُ لَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ إِمَامَ أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا، أَوْ مَفْقُودًا مَعَ طُولِ هَذِهِ الْغَيْبَةِ؟ . ¬

(¬1) هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ الطَّبَرِيُّ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ وَالتَّارِيخِ الشَّهِيرِ، كَانَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 310 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي ابْنِ خَلِّكَانَ 3/332. وَقَدْ أَشَارَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى " الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ " (تَعْلِيقَ (2) ص [0 - 9] ) إِلَى وَاقِعَةِ حَدِيثِ سَنَةَ 302، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ، تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَسَنَ الْعَسْكَرِيَّ لَمْ يُعَقِّبْ. وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِعَةَ عَرِيبُ بْنُ سَعْدٍ الْقُرْطُبِيُّ فِي: " صِلَةِ تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ "، 8 - 35، الْقَاهِرَةَ، 1358 - 1939. (¬2) عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعِ بْنِ مَرْزُوقِ بْنِ وَاثِقٍ، وُلِدَ سَنَةَ 256 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 351. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 3/283؛ الْأَعْلَامِ 4/46. (¬3) أ، ب: قَرَابَتِهِ.

الفصل الأول من منهاج الكرامة عرض عام لرأي الإمامية وأهل السنة في الإمامة

وَالْمَرْأَةُ إِذَا غَابَ عَنْهَا (¬1) وَلِيُّهَا زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ، أَوِ الْوَلِيُّ الْحَاضِرُ لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ الْمَرْأَةِ بِغَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْمَعْلُومِ الْمَوْجُودِ، فَكَيْفَ تَضِيعُ مَصْلَحَةُ الْأُمَّةِ (¬2) مَعَ طُولِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَعَ هَذَا الْإِمَامِ الْمَفْقُودِ؟ . [الفصل الأول من منهاج الكرامة عرض عام لرأي الإمامية وأهل السنة في الإمامة] (فَصْلٌ) قَالَ. الْمُصَنِّفُ (¬3) الرَّافِضِيُّ: (. الْفَصْلُ الْأَوَّلُ. (فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.) : ذَهَبَتِ الْإِمَامِيَّةُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ (¬4) عَدْلٌ حَكِيمٌ لَا يَفْعَلُ قَبِيحًا، وَلَا يُخِلُّ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّ أَفْعَالَهُ إِنَّمَا تَقَعُ لِغَرَضٍ [صَحِيحٍ] (¬5) ، وَحِكْمَةٍ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الظُّلْمَ، وَلَا الْعَبَثَ، وَأَنَّهُ رَءُوفٌ (¬6) بِالْعِبَادِ يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ، وَالْأَنْفَعُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى كَلَّفَهُمْ تَخْيِيرًا [لَا إِجْبَارًا] (¬7) ، وَوَعَدَهُمُ الثَّوَابَ، وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعِقَابِ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِ، وَرُسُلِهِ الْمَعْصُومِينَ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ (¬8) الْخَطَأُ، [وَلَا] النِّسْيَانُ (¬9) ، وَلَا الْمَعَاصِي، ¬

(¬1) عَنْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: الْإِمَامَةِ. (¬3) أ، ب: الْإِمَامُ. (¬4) ك (مِنْهَاجَ الْكَرَامَةِ) : اللَّهُ تَعَالَى. 1 (¬5) صَحِيحٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: رَءُوفٌ رَحِيمٌ. (¬7) لَا إِجْبَارًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن (فَقَطْ) : لَهُمُ. (¬9) ن، م: وَالنِّسْيَانُ.

وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ وُثُوقٌ بِأَقْوَالِهِمْ، [وَأَفْعَالِهِمْ] (¬1) ، فَتَنْتَفِي فَائِدَةُ الْبَعْثَةِ. ثُمَّ أَرْدَفَ الرِّسَالَةَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ بِالْإِمَامَةِ، فَنَصَّبَ أَوْلِيَاءَ مَعْصُومِينَ (¬2) لِيَأْمَنَ النَّاسُ مِنْ غَلَطِهِمْ، وَسَهْوِهِمْ، وَخَطَئِهِمْ، فَيَنْقَادُونَ إِلَى أَوَامِرِهِمْ لِئَلَّا يُخَلِّيَ اللَّهُ الْعَالَمَ مِنْ لُطْفِهِ، وَرَحْمَتِهِ. وَأَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا. (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) قَامَ بِنَقْلِ (¬5) الرِّسَالَةِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬6) ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى وَلَدِهِ (¬7) الْحَسَنِ الزَّكِيِّ، (8 ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ 8) (¬8) ، ثُمَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، ثُمَّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ، ثُمَّ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، ثُمَّ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ الْكَاظِمِ، ثُمَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، ثُمَّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوَادِ، ثُمَّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَادِي، ثُمَّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ، ثُمَّ عَلَى الْخَلَفِ الْحُجَّةِ ¬

(¬1) وَأَفْعَالِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب (فَقَطْ) : مَعْصُومِينَ مَنْصُوصِينَ. (¬3) ك: بَعَثَ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا. (¬4) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬5) كَذَا فِي (ك) ، (أ) وَفِي (ن) : فَأَمَرَ بِنَقْلِ، وَفِي (ب) : قَامَ بِثِقَلِ. (¬6) عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) وَفِي (ك) : عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬7) ن، م: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ عَلِيٍّ وَلَدُهُ. (¬8) (8 - 8) : بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (ك) : ثُمَّ عَلَى الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ أَخِيهِ.

مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (¬1) [عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ] (¬2) ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) لَمْ يَمُتْ إِلَّا عَنْ، وَصِيَّةٍ بِالْإِمَامَةِ.) . قَالَ: (وَأَهْلُ السُّنَّةِ ذَهَبُوا (¬4) إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَمْ يُثْبِتُوا الْعَدْلَ، وَالْحِكْمَةَ فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى (¬5) ، وَجَوَّزُوا عَلَيْهِ. (¬6) [فِعْلَ] (¬7) الْقَبِيحِ، وَالْإِخْلَالَ بِالْوَاجِبِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى (¬8) لَا يَفْعَلُ لِغَرَضٍ، (9 بَلْ كُلُّ أَفْعَالِهِ لَا لِغَرَضٍ 9) (¬9) مِنَ الْأَغْرَاضِ، وَلَا لِحِكْمَةٍ أَلْبَتَّةَ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ الظُّلْمَ، وَالْعَبَثَ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِعِبَادِهِ (¬10) ، بَلْ مَا هُوَ الْفَسَادُ (¬11) فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ (¬12) الْمَعَاصِي، وَأَنْوَاعَ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ، وَجَمِيعَ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ الْوَاقِعَةِ فِي الْعَالَمِ مُسْنَدَةٌ (¬13) إِلَيْهِ - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ (¬14) - وَأَنَّ الْمُطِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابًا، وَالْعَاصِيَ لَا يَسْتَحِقُّ عِقَابًا، ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَهْدِيِّ. (¬2) عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) وَفِي (ك) : عَلَيْهِمَا أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ. (¬3) ك: عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬4) ك: وَذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ. (¬5) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬6) ن، م: عَلَيْهِ تَعَالَى. (¬7) فِعْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬9) (9 - 9) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) ك: لِلْعِبَادِ. (¬11) ن، م: بَلْ. هُوَ مِنَ الْفَسَادِ؛ أ: بَلْ هُوَ الْفَسَادُ. (¬12) ن، م، أ: فِي الْحَقِيقَةِ كَفِعْلِ. (¬13) مُسْنَدَةٌ: كَذَا فِي (ك) ، وَفِي (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) : مُسْتَنِدَةٌ. (¬14) ك: إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.

بَلْ قَدْ يُعَذِّبُ الْمُطِيعَ طُولَ عُمْرِهِ الْمُبَالِغَ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُثِيبُ الْعَاصِيَ طُولَ عُمْرِهِ بِأَنْوَاعِ الْمَعَاصِي، وَأَبْلَغِهَا كَإِبْلِيسَ، وَفِرْعَوْنَ. وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ، بَلْ قَدْ يَقَعُ مِنْهُمُ الْخَطَأُ، وَالزَّلَلُ، وَالْفُسُوقُ، وَالْكَذِبُ، وَالسَّهْوُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) لَمْ يَنُصَّ عَلَى إِمَامٍ (¬2) ، وَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ غَيْرِ (¬3) . وَصِيَّةٍ، وَأَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ بِمُبَايَعَةِ (¬4) عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَهُ (¬5) بِرِضَاءِ (¬6) أَرْبَعَةٍ: أَبِي عُبَيْدَةَ [بْنِ الْجَرَّاحِ] (¬7) ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي (¬8) حُذَيْفَةَ، وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ (¬9) ، وَبَشِيرِ بْنِ سَعْدِ [بْنِ عُبَادَةَ] (¬10) . ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ] (¬11) بِنَصِّ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ ¬

(¬1) ك: عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬2) ن، م، أ: عَلَى إِمَامَةٍ؛ ك: عَلَى إِمَامٍ بَيْنَهُمْ. (¬3) ن، م: مِنْ غَيْرِ؛ ك: بِغَيْرِ. (¬4) ك: لِمُبَايَعَةِ. (¬5) ن، م: عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَهُ. (¬6) ن، م: بِرِضَا. (¬7) بْنِ الْجَرَّاحِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (ك) . (¬8) أَبِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬9) أ: أُسَيْدِ بْنِ حُصَيْنٍ؛ ك: أَسَدِ بْنِ حُضَيْرٍ. (¬10) بْنِ عُبَادَةَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (ك) . (¬11) بْنُ الْخَطَّابِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .

رد ابن تيمية الكذب والتحريف في نقل مذهب أهل السنة ومذهب الرافضة

عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِنَصِّ عُمَرَ عَلَى سِتَّةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ، فَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (¬1) لِمُبَايَعَةِ (¬2) الْخَلْقِ لَهُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ. بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْإِمَامَ بَعْدَهُ الْحَسَنُ (¬3) ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إِنَّهُ مُعَاوِيَةُ [بْنُ أَبِي سُفْيَانَ] (¬4) . ثُمَّ سَاقُوا الْإِمَامَةَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ إِلَى أَنْ ظَهَرَ (¬5) السَّفَّاحُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَسَاقُوا الْإِمَامَةَ إِلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلَتِ الْإِمَامَةُ (¬6) مِنْهُ إِلَى أَخِيهِ الْمَنْصُورِ. ثُمَّ سَاقُوا الْإِمَامَةَ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَى الْمُسْتَعْصِمِ.) (¬7) . [رد ابن تيمية الكذب والتحريف في نقل مذهب أهل السنة ومذهب الرافضة] [الوجه الأول إثبات القدر ونفيه معروف عند طوائف من الفريقين] قُلْتُ: فَهَذَا النَّقْلُ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالرَّافِضَةِ فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَالتَّحْرِيفِ مَا سَنَذْكُرُ (¬8) بَعْضَهُ. وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ إِدْخَالَ مَسَائِلِ الْقَدَرِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالتَّجْوِيرِ. (¬9) فِي هَذَا الْبَابِ كَلَامٌ بَاطِلٌ ¬

(¬1) ك: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬2) ن، م، أ: بِمُبَايَعَةِ. (¬3) ك: إِنَّ الْإِمَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬4) بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬5) ك: حَتَّى ظَهَرَ. (¬6) الْإِمَامَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬7) ن، م، أ: الْمُعْتَصِمِ. (¬8) ن، م: مَا نَذْكُرُ. (¬9) فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ: التَّجْوِيزِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ.

مِنَ الْجَانِبَيْنِ، إِذْ كُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ قَدْ قَالَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ [أَهْلِ] (¬1) السُّنَّةِ، وَالشِّيعَةِ، فَالشِّيعَةُ فِيهِمْ طَوَائِفُ تُثْبِتُ الْقَدَرَ، وَتُنْكِرُ مَسَائِلَ التَّعْدِيلِ، وَالتَّجْوِيرِ (¬2) ، وَالَّذِينَ يُقِرُّونَ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ فِيهِمْ طَوَائِفُ تَقُولُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّعْدِيلِ، وَالتَّجْوِيرِ (¬3) كَالْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ هُمْ أَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَأَنَّ شُيُوخَ الرَّافِضَةِ كَالْمُفِيدِ، وَالْمُوسَوِيِّ، وَالطُّوسِيِّ، وَالْكَرَاجِكِيِّ، وَغَيْرِهِمْ إِنَّمَا أَخَذُوا ذَلِكَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِلَّا فَالشِّيعَةُ الْقُدَمَاءُ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا. وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِمَذْهَبِ الْإِمَامَةِ، بَلْ قَدْ يُوَافِقُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْإِمَامِيَّةِ مَنْ لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْقَدَرِ (¬4) ، وَقَدْ تَقُولُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَدَرِ طَوَائِفُ لَا تُوَافِقُهُمْ عَلَى الْإِمَامَةِ (¬5) - كَانَ ذِكْرُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ مَسَائِلِ النِّزَاعِ الَّتِي وَافَقُوا فِيهَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ كَمَسَائِلِ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَمُنْكَرٍ (¬6) ، وَنَكِيرٍ، وَالْحَوْضِ، وَالْمِيزَانِ، وَالشَّفَاعَةِ، وَخُرُوجِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ النَّارِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامَةِ، بَلْ هِيَ مَسَائِلُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، وَبِمَنْزِلَةِ الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ كَمَسَائِلِ الْخِلَافِ الَّتِي صَنَّفَهَا الْمُوسَوِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِ الْإِمَامِيَّةِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ إِدْخَالَ مَسَائِلِ الْقَدَرِ فِي مَسْأَلَةِ (¬7) الْإِمَامِيَّةِ إِمَّا جَهْلٌ، وَإِمَّا تَجَاهُلٌ. ¬

(¬1) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) م: وَالتَّجْوِيزِ. (¬3) م: وَالتَّجْوِيزِ. (¬4) ن (فَقَطْ) : الْقُدْرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ الْإِمَامِيَّةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: الْقَبْرِ مُنْكَرٍ. (¬7) أ، ب: مَسَائِلِ.

الوجه الثاني تمام قول الإمامية في القدر

[الْوَجْهُ الثَّانِي تمام قول الإمامية في القدر] الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: مَا نَقَلَهُ عَنِ الْإِمَامِيَّةِ لَمْ يَنْقُلْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنَّهُ (¬1) مِنْ تَمَامِ قَوْلِ [الْإِمَامِيَّةِ] الَّذِي (¬2) حَكَاهُ - وَهُوَ قَوْلُ مَنْ وَافَقَ الْمُعْتَزِلَةَ. (¬3) فِي تَوْحِيدِهِمْ، وَعَدْلِهِمْ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشِّيعَةِ - أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَيَوَانِ: لَا الْمَلَائِكَةِ، وَلَا الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا غَيْرِهِمْ، بَلْ هَذِهِ الْحَوَادِثُ الَّتِي تَحْدُثُ (¬4) تَحْدُثُ بِغَيْرِ قُدْرَتِهِ، وَلَا خَلْقِهِ. وَمِنْ قَوْلِهِمْ أَيْضًا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ ضَالًّا، وَلَا [يَقْدِرُ] أَنْ (¬5) يُضِلَّ مُهْتَدِيًا، وَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ، بَلِ اللَّهُ قَدْ هَدَاهُمْ هُدَى الْبَيَانِ، وَأَمَّا الِاهْتِدَاءُ، فَهَذَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ لَا بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَهُ، وَهَذَا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ (¬6) لَا بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَهُ. وَمِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ هُدَى اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ (¬7) ، وَالْكُفَّارِ سَوَاءٌ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَةٌ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى الْكَافِرِينَ، بَلْ قَدْ هَدَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا هَدَى أَبَا جَهْلٍ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ الَّذِي يُعْطِي أَحَدَ بَنِيهِ دَرَاهِمَ، وَيُعْطِي الْآخَرَ مِثْلَهَا لَكِنَّ هَذَا أَنْفَقَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهَذَا فِي مَعْصِيَتِهِ (¬8) ، ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : فَإِنَّ. (¬2) ن، م: مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِمُ الَّذِي. (¬3) ن، م: قَوْلٌ مِنْ أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ أ: قَوْلٌ وَافَقَ الْمُعْتَزِلَةَ. (¬4) الَّتِي تَحْدُثُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ن، م: وَلَا أَنْ. (¬6) بِنَفْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: الْمُؤْمِنِينَ. (¬8) ن، م: فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.

فَلَيْسَ لِلْأَبِ مِنَ الْإِنْعَامِ عَلَى هَذَا فِي دِينِهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُ مِنَ الْإِنْعَامِ عَلَى الْآخَرِ. وَمِنْ أَقْوَالِهِمْ: إِنَّهُ يَشَاءُ اللَّهُ مَا لَا يَكُونُ (¬1) ، وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَخُصُّ بَعْضَهُمْ مِمَّنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا خَصَّهُ بِمَزِيدِ لُطْفٍ (¬2) مِنْ عِنْدِهِ اهْتَدَى بِذَلِكَ (¬3) ، وَإِلَّا فَلَا. قِيلَ: فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: كُلُّ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهِدَايَتِهِ (¬4) إِيَّاهُ صَارَ مُهْتَدِيًا، وَمَنْ لَمْ يَخُصَّهُ بِذَلِكَ لَمْ يَصِرْ مُهْتَدِيًا، فَالتَّخْصِيصُ، وَالِاهْتِدَاءُ مُتَلَازِمَانِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ قَدْ يَخُصُّهُ بِمَا لَا يُوجِبُ الِاهْتِدَاءَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 23] . قِيلَ: هَذَا التَّخْصِيصُ حَقٌّ، لَكِنَّ دَعْوَى: لَا تَخْصِيصَ إِلَّا هَذَا، غَلَطٌ - كَمَا سَيَأْتِي - بَلْ كُلُّ مَا يَسْتَلْزِمُ الِاهْتِدَاءَ هُوَ مِنَ التَّخْصِيصِ] (¬5) . وَفِي الْجُمْلَةِ، فَالْقَوْمُ (¬6) لَا يُثْبِتُونَ لِلَّهِ مَشِيئَةً عَامَّةً، وَلَا قُدْرَةً تَامَّةً (¬7) ، وَلَا خُلُقًا مُتَنَاوِلًا لِكُلِّ حَادِثٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَخَذُوهُ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ هُمْ (¬8) أَئِمَّتُهُمْ فِيهِ، ¬

(¬1) م: إِنَّهُ يَشَاءُ اللَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ؛ أ: إِنَّهُ يَشَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ؛ ب: إِنَّهُ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ. (¬2) أ: لُطْفِهِ. (¬3) أ: خَصَّهُ بِذَلِكَ. (¬4) أ: لِهِدَايَتِهِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: الْقَوْمُ. (¬7) وَلَا قُدْرَةً تَامَّةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . 1 (¬8) ب (فَقَطْ) : وَهُمْ.

الوجه الثالث الإمامة عندهم لا يحصل بها اللطف

وَلِهَذَا كَانَتِ الشِّيعَةُ فِيهِ (¬1) عَلَى قَوْلَيْنِ. [الْوَجْهُ الثَّالِثُ الإمامة عندهم لا يحصل بها اللطف] الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّهُ نَصَبَ أَوْلِيَاءَ مَعْصُومِينَ لِئَلَّا يُخْلِيَ اللَّهُ الْعَالَمَ مِنْ لُطْفِهِ، وَرَحْمَتِهِ. إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ نَصَبَ أَوْلِيَاءَ أَنَّهُ مَكَّنَهُمْ، وَأَعْطَاهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ حَتَّى يَنْتَفِعَ النَّاسُ بِسِيَاسَتِهِمْ (¬2) ، فَهَذَا كَذِبٌ وَاضِحٌ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ. ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَئِمَّةَ مَقْهُورُونَ مَظْلُومُونَ عَاجِزُونَ لَيْسَ لَهُمْ سُلْطَانٌ، وَلَا قُدْرَةٌ، وَلَا مُكْنَةٌ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُمَكِّنْهُمْ، وَلَمْ يُمَلِّكْهُمْ، فَلَمْ يُؤْتِهِمْ (¬3) وِلَايَةً، وَلَا مُلْكًا كَمَا آتَى الْمُؤْمِنِينَ وَالصَّالِحِينَ (¬4) ، وَلَا كَمَا آتَى الْكُفَّارَ وَالْفُجَّارَ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ آتَى الْمُلْكَ لِمَنْ آتَاهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا قَالَ فِي دَاوُدَ: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 251] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 54] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [سُورَةُ يُوسُفَ 54] . وَقَالَ: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 79] ، ¬

(¬1) . أ، ب: فِي هَذَا. . (¬2) م: حَتَّى يَنْتَفِعَ بِسِيَاسَتِهِمْ؛ أ: حَتَّى يَنْتَفِعُوا النَّاسُ بِسِيَاسَتِهِمْ. (¬3) ن، م: وَلَمْ يُوَلِّهِمْ. (¬4) أ، ب: الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ.

وَقَالَ [تَعَالَى] (¬1) : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 258] . فَقَدْ آتَى الْمُلْكَ لِبَعْضِ الْكُفَّارِ، كَمَا آتَاهُ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْ بَعْدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْحَسَنِ لَمْ يُؤْتِ الْمُلْكَ لِأَحَدٍ (¬2) مِنْ هَؤُلَاءِ، كَمَا أُوتِيَهُ الْأَنْبِيَاءُ، وَالصَّالِحُونَ، وَلَا كَمَا أُوتِيَهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُلُوكِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ نَصَبَ هَؤُلَاءِ الْمَعْصُومِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِنَصْبِهِمْ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْخَلْقِ طَاعَتَهُمْ، فَإِذَا أَطَاعُوهُمْ هَدَوْهُمْ لَكِنَّ الْخَلْقَ عَصَوْهُمْ. فَيُقَالُ: فَلَمْ يَحْصُلْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فِي الْعَالَمِ لَا لُطْفٌ، وَلَا رَحْمَةٌ، بَلْ (¬3) إِنَّمَا حَصَلَ تَكْذِيبُ النَّاسِ لَهُمْ، وَمَعْصِيَتُهُمْ إِيَّاهُمْ، وَأَيْضًا، فَالْمُؤْمِنُونَ بِالْمُنْتَظَرِ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، وَلَا حَصَلَ [لَهُمْ] (¬4) بِهِ لُطْفٌ، وَلَا مَصْلَحَةٌ مَعَ كَوْنِهِمْ يُحِبُّونَهُ، وَيُوَالُونَهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لُطْفٌ (¬5) ، وَلَا مَصْلَحَةٌ لَا لِمَنْ أَقَرَّ بِإِمَامَتِهِ، وَلَا لِمَنْ جَحَدَهَا. فَبَطَلَ مَا يَذْكُرُونَ أَنَّ الْعَالَمَ حَصَلَ فِيهِ اللُّطْفُ، وَالرَّحْمَةُ بِهَذَا الْمَعْصُومِ، وَعُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ هَذَا (¬6) الْعَالَمَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ بِهَذَا الْمُنْتَظَرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا لِمَنْ آمَنَ بِهِ، وَلَا لِمَنْ كَفَرَ بِهِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ، وَالنَّبِيِّ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ، ¬

(¬1) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) . (¬2) أ: أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فَقَدَ آتَى اللَّهُ الْمُلْكَ لِأَحَدٍ؛ ب: أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فَلَمْ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُلْكَ لِأَحَدٍ. 1 (¬3) بَلْ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) أ، ب: بِهِ لَا لُطْفٌ. (¬6) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الوجه الرابع مقالة أهل السنة في عدل الله وحكمته

وَكَذَّبَهُ قَوْمٌ، فَإِنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَأَطَاعَهُ، فَكَانَ رَحْمَةً فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ بِهِ الْمُطِيعِ لَهُ (¬1) ، وَأَمَّا الْعَاصِي فَهُوَ الْمُفَرِّطُ. وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ لَا مُؤْمِنٌ بِهِ (¬2) ، وَلَا كَافِرٌ بِهِ (¬3) ، وَأَمَّا سَائِرُ الِاثْنَيْ عَشَرَ سِوَى عَلِيٍّ (¬4) ، فَكَانَتِ الْمَنْفَعَةُ بِأَحَدِهِمْ كَالْمَنْفَعَةِ بِأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْ جِنْسِ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ، وَالتَّحْدِيثِ، وَالْإِفْتَاءِ (¬5) ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْأَئِمَّةِ ذَوِي السُّلْطَانِ وَالسَّيْفِ، فَلَمْ تَحْصُلْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنَ اللُّطْفِ، وَالْمَصْلَحَةِ بِالْأَئِمَّةِ تَلْبِيسٌ مَحْضٌ، وَكَذِبٌ. [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مقالة أهل السنة في عدل الله وحكمته] الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا الْعَدْلَ، وَالْحِكْمَةَ، وَجَوَّزُوا عَلَيْهِ فِعْلَ الْقَبِيحِ، وَالْإِخْلَالَ بِالْوَاجِبِ نَقْلٌ بَاطِلٌ عَنْهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ فِي الْخِلَافَةِ بِالنَّصِّ (¬6) عَلَى عَلِيٍّ، وَلَا بِإِمَامَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ يُثْبِتُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْعَدْلِ، وَالْحِكْمَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ هُوَ - وَشُيُوخُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَخَذُوا ذَلِكَ - كَالْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ وَافَقَهُمْ مُتَأَخِّرُو (¬7) الرَّافِضَةِ عَلَى الْقَدَرِ، فَنَقَلَهُ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ ¬

(¬1) ن، م: فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُطِيعِ لَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) عِبَارَةُ " سِوَى عَلِيٍّ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬5) ن، م: وَالْحَدِيثُ فِي الْإِفْتَاءِ. (¬6) ن، م، أ: أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْخِلَافَةِ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ بِالنَّصِّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬7) أ، ب: مِنْ مُتَأَخِّرِي.

- الَّذِينَ هُمْ فِي اصْطِلَاحِهِ، وَاصْطِلَاحِ الْعَامَّةِ [مَنْ] (¬1) سِوَى الشِّيعَةِ - هَذَا الْقَوْلُ كَذِبٌ بَيِّنٌ (¬2) مِنْهُ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ سَائِرَ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬3) لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَلَا مَنْ يَقُولُ: [إِنَّهُ] (¬4) لَيْسَ بِحَكِيمٍ، وَلَا فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ. وَاجِبًا، وَلَا أَنْ يَفْعَلَ قَبِيحًا. فَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي أَطْلَقَهُ، وَمَنْ أَطْلَقَهُ كَانَ (¬5) كَافِرًا مُبَاحَ الدَّمِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْقَدَرِ، وَالنِّزَاعُ فِيهَا مَعْرُوفٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: فَأَمَّا نُفَاةُ الْقَدَرِ - كَالْمُعْتَزِلَةِ، وَنَحْوِهِمْ - فَقَوْلُهُمْ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْإِمَامِيَّةِ. و [أَمَّا] الْمُثْبِتُونَ (¬6) لِلْقَدَرِ، وَهُوَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ، وَأَئِمَّتُهَا كَالصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَهْلُ الْبَيْتِ، وَغَيْرُهُمْ، فَهَؤُلَاءِ تَنَازَعُوا فِي تَفْسِيرِ عَدْلِ اللَّهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَالظُّلْمِ الَّذِي يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ، وَفِي تَعْلِيلِ أَفْعَالِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ الظُّلْمَ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَهُوَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ (¬7) ، وَإِنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ مَقْدُورٌ، فَلَيْسَ هُوَ ظُلْمًا، وَهَؤُلَاءِ. ¬

(¬1) مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) بَيِّنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬4) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب: الْكَلَامُ الَّذِي أَطْلَقَهُ كَانَ. 1 (¬6) ن: وَالْمُثْبِتُونَ. (¬7) ن، م: الضِّدَّيْنِ.

هُمُ الَّذِينَ قَصَدُوا الرَّدَّ عَلَيْهِمْ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَوْ عَذَّبَ الْمُطِيعِينَ، وَنَعَّمَ الْعُصَاةَ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا (¬1) ، وَقَالُوا: الظُّلْمُ التَّصَرُّفُ فِيمَا لَيْسَ لَهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، أَوْ هُوَ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ، وَاللَّهُ لَا آمِرَ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الظُّلْمُ مَقْدُورٌ مُمْكِنٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ (¬2) لَا يَفْعَلُهُ لِعَدْلِهِ، وَلِهَذَا مَدَحَ اللَّهُ نَفْسَهُ (¬3) حَيْثُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا، وَالْمَدْحُ إِنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِ الْمَقْدُورِ [عَلَيْهِ] (¬4) لَا بِتَرْكِ الْمُمْتَنِعِ. قَالُوا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [سُورَةُ طه: 112] قَالُوا: الظُّلْمُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ وَالْهَضْمُ أَنْ يُهْضَمَ حَسَنَاتُهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ - وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 100 - 101] ، فَأَخْبَرَ (¬5) أَنَّهُ لَمْ يَظْلِمْهُمْ لَمَّا أَهْلَكَهُمْ، بَلْ أَهْلَكَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 69] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ الْقِسْطِ ظُلْمٌ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 47] . ¬

(¬1) أ، ب: ظُلْمًا. (¬2) مُنَزَّهٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: مَدَحَ نَفْسَهُ. (¬4) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: وَأَخْبَرَ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) .

أَيْ لَا تَنْقُصُ مِنْ حَسَنَاتِهَا، وَلَا (¬1) تُعَاقَبُ بِغَيْرِ سَيِّئَاتِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ يُنَزَّهُ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ - مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [سُورَةُ ق: 28 - 29] ، وَإِنَّمَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ أَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا عَنِ الْمُمْتَنِعِ (¬2) لِنَفْسِهِ. وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ يَنْتَصِفُ مِنَ الْعِبَادِ، وَيَقْضِي بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَأَنَّ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ الْعَدْلِ ظُلْمٌ يُنَزَّهُ (¬3) اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يَحْمِلُ عَلَى أَحَدٍ ذَنْبَ غَيْرِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: (¬4) {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 164] ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَزَّهُ اللَّهَ عَنْهُ، بَلْ لِكُلِّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، [وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ] (¬5) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬6) يَقُولُ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» .) (¬7) ، فَقَدْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ، كَمَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فِي قَوْلِهِ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 54] . ¬

(¬1) أ، ب: فَلَا. (¬2) ن، م: مُمْتَنِعٍ. (¬3) أ، ب: يَتَنَزَّهُ. (¬4) وَقَالَ تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ قَلِيلٍ، فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَفِي [الْحَدِيثِ] الصَّحِيحِ: (¬1) ( «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ (¬2) فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» .) (¬3) ، وَالْأَمْرُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ (¬4) عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَقْدُورًا لَهُ (¬5) [سُبْحَانَهُ] (¬6) ، فَالْمُمْتَنِعُ لِنَفْسِهِ لَا يَكْتُبُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يُحَرِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْمُثْبِتِينَ (¬7) لِلْقَدَرِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالْفِقْهِ، وَالْكَلَامِ، وَالتَّصَوُّفِ [مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِهِمْ] (¬8) . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ (¬9) الْقَائِلُونَ بِعَدْلِ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬10) ، وَإِحْسَانِهِ دُونَ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ: إِنَّ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً حَبِطَ إِيمَانُهُ، فَإِنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنَ الظُّلْمِ الَّذِي نَزَّهَ اللَّهَ [سُبْحَانَهُ] (¬11) نَفْسَهُ عَنْهُ، وَهُوَ الْقَائِلُ: ¬

(¬1) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬2) أ، ب: كَتَبَ كِتَابًا. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/106 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، 9/159 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) ؛ مُسْلِمٍ 4/2107 - 2108 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1435 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ مَا يُرْجَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 5/209 - 210 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ 109) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/23، 243، 265 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/313، 358، 381. (¬4) لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي (ن) فَقَطْ. (¬5) أ: مُقَدِّرًا لَهُ. (¬6) سُبْحَانَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬11) سُبْحَانَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: 7 - 8.] . وَأَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنْ مِنَّتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْهِدَايَةِ دُونَ الْكَافِرِينَ ظُلْمٌ مِنْهُ، فَهَذَا جَهْلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا تَفَضُّلٌ [مِنْهُ] (¬1) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 17] . وَكَمَا قَالَتِ الْأَنْبِيَاءُ: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 11] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 53] . فَتَخْصِيصُ هَذَا بِالْإِيمَانِ كَتَخْصِيصِ هَذَا بِمَزِيدِ عِلْمٍ، وَقُوَّةٍ، وَصِحَّةٍ، وَجَمَالٍ (¬2) ، وَمَالٍ. قَالَ تَعَالَى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 32] . وَإِذَا خَصَّ أَحَدَ الشَّخْصَيْنِ بِقُوَّةٍ، وَطَبِيعَةٍ تَقْضِي غِذَاءً صَالِحًا خَصَّهُ بِمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ مِنَ الصِّحَّةِ، [وَالْعَافِيَةِ] (¬3) ، وَإِذَا (¬4) لَمْ يُعْطِ الْآخَرَ ذَلِكَ (¬5) نَقَصَ عَنْهُ، وَحَصَلَ لَهُ ضَعْفٌ، وَمَرَضٌ. ¬

(¬1) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: وَحَالٍ. (¬3) وَالْعَافِيَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب (فَقَطْ) : وَإِنْ. (¬5) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

وَالظُّلْمُ. (¬1) وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَهُوَ لَا يَضَعُ الْعُقُوبَةَ إِلَّا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهَا لَا يَضَعُهَا (¬2) عَلَى مُحْسِنٍ أَبَدًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ( «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَالْقِسْطُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى يَقْبِضُ، وَيَبْسُطُ» .) (¬4) فَبَيَّنَ (¬5) أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحْسِنُ، وَيَعْدِلُ، وَلَا يَخْرُجُ فِعْلُهُ عَنِ الْعَدْلِ، وَالْإِحْسَانِ، وَلِهَذَا قِيلَ: كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ. وَلِهَذَا يُخْبِرُ أَنَّهُ تَعَالَى يُعَاقِبُ النَّاسَ بِذُنُوبِهِمْ، وَأَنَّ إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ إِحْسَانٌ مِنْهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا عِبَادِي [إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا] (¬6) إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ ¬

(¬1) لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا سَبَقَ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَلَعَلَّ مَا يَلِي فِيهِ بَيَانٌ لِلْوَجْهِ الثَّانِي. (¬2) أ، ب: لَا يَضَعُ الْعُقُوبَةَ. (¬3) ن: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬4) فِي اللِّسَانِ: سَحَّ الدَّمْعُ وَالْمَطَرُ وَالْمَاءُ يَسِحُّ سَحًّا وَسُحُوحًا أَيْ: سَالَ مِنْ فَوْقُ وَاشْتَدَّ انْصِبَابُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: يَمِينُ اللَّهِ سَحَّاءُ. أَيْ دَائِمَةُ الصَّبِّ وَالْهَطْلِ بِالْعَطَاءِ. وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْبُخَارِيُّ 9/122 - 123، 124 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، وَبَابُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) ؛ مُسْلِمٌ 3/690 - 691 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْحَثِّ عَلَى النَّفَقَةِ.) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/71 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 16/43 - 44 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/500 - 501. وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ " التَّوْحِيدِ " ص 47، الْقَاهِرَةَ 1353. (¬5) أ، ب: فَتَعَيَّنَ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.» ) (¬1) . وَقَدْ قَالَ (¬2) تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 79] أَيْ مَا أَصَابَكَ مِنْ نِعَمٍ تُحِبُّهَا كَالنَّصْرِ، وَالرِّزْقِ، فَاللَّهُ أَنْعَمَ بِذَلِكَ عَلَيْكَ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ نِقَمٍ (¬3) تَكْرَهُهَا، فَبِذُنُوبِكَ، وَخَطَايَاكَ، فَالْحَسَنَاتُ، وَالسَّيِّئَاتُ هُنَا (¬4) أَرَادَ بِهَا النِّعَمَ، وَالْمَصَائِبَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 68] ، وَكَمَا قَالَ [تَعَالَى] (¬5) : {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 50] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 120] . وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ [تَعَالَى] (¬6) : {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [سُورَةُ الرُّومِ: 36] . فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا يُصِيبُ بِهِ النَّاسَ مِنَ الْخَيْرِ فَهُوَ رَحْمَةٌ مِنْهُ أَحْسَنَ بِهَا إِلَى ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/1994 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ) ؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 4/67 - 68 (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ 15 حَدِيثٌ رَقْمُ 2613: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1422 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ ذِكْرِ التَّوْبَةِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/154، 160، 177. (¬2) ن، م: وَقَالَ. (¬3) ن، م: نِقْمَةٍ. (¬4) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

عِبَادَهُ، وَمَا أَصَابَهُمْ [بِهِ] (¬1) مِنَ الْعُقُوبَاتِ، فَبِذُنُوبِهِمْ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ (¬2) . وَكَذَلِكَ الْحِكْمَةُ أَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالْحِكْمَةِ لَكِنْ تَنَازَعُوا فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْحِكْمَةُ تَرْجِعُ إِلَى عِلْمِهِ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَإِيقَاعِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ، وَلَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا الْعِلْمَ وَالْإِرَادَةَ وَالْقُدْرَةَ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَغَيْرُهُمْ: بَلْ هُوَ حَكِيمٌ فِي خَلْقِهِ، وَأَمْرِهِ، وَالْحِكْمَةُ لَيْسَتْ مُطْلَقَ الْمَشِيئَةِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ مُرِيدٍ حَكِيمًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِرَادَةَ تَنْقَسِمُ إِلَى مَحْمُودَةٍ وَمَذْمُومَةٍ، بَلِ الْحِكْمَةُ [تَتَضَمَّنُ] (¬3) مَا فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ مِنَ الْعَوَاقِبِ الْمَحْمُودَةِ وَالْغَايَاتِ الْمَحْبُوبَةِ، وَالْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ. فَأَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصَالِحِ فِي أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُنَازِعُ. (¬4) فِي ذَلِكَ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) م، أ، ب: مَوْضِعٌ آخَرُ. وَانْظُرْ مَثَلًا رِسَالَتَهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: " مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ " نَشَرَهَا الشَّيْخُ حَامِدٌ الْفِقِيُّ تَحْتَ عُنْوَانِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ وَمَوْقِفِ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا، ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ شَذَرَاتِ الْبِلَاتِينِ، ص 165/292، الْقَاهِرَةِ، 1375/1956. (¬3) تَتَضَمَّنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: يَتَنَازَعُ.

طَائِفَةٌ مِنْ نُفَاةِ الْقِيَاسِ (¬1) . وَغَيْرُ نُفَاتِهِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي خَلْقِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ لِعِبَادِهِ مَعْلُومٌ. وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَجَهْمِ [بْنِ صَفْوَانَ وَمُوَافِقِيهِ] : كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ (¬2) مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لَامُ التَّعْلِيلِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ، بَلْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا لَامُ الْعَاقِبَةِ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: بَلْ (¬3) لَامُ التَّعْلِيلِ دَاخِلَةٌ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى، [وَأَحْكَامِهِ] (¬4) . وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (¬5) ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الزَّاغُونِيِّ (¬6) ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَإِنْ كَانُوا [قَدْ] (¬7) يَقُولُونَ بِالْأَوَّلِ، فَهُمْ يَقُولُونَ بِالثَّانِي أَيْضًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ أَمْثَالُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ [أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا] (¬8) . ¬

(¬1) أ، ب: الْقَدَرِ. (¬2) ن، م: الْأَوَّلُ كَالْأَشْعَرِيِّ وَجَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ (¬3) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) وَأَحْكَامِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ الْفَرَّاءِ مِنْ كِبَارِ الْحَنَابِلَةِ وَعَالِمٌ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. وُلِدَ سَنَةَ 380 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 458. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ (لِابْنِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ) 2/193، 230 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 2/256 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/306 - 307 ; الْوَافِي بِالْوَفِيَّاتِ 3/7 ; الْأَعْلَامِ 6/331 ; بُرُوكِلْمَانَ gal الْمُلْحَقِ 3/503. (¬6) ب: أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الزَّاغُونِيِّ هُوَ عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ السِّرِّيُّ (وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ) وُلِدَ سَنَةَ 455 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 527. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/180 - 184 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/80 - 81 ; الْأَعْلَامِ 5/124 - 125. (¬7) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَأَمَّا ابْنُ عَقِيلٍ (¬1) . وَالْقَاضِي. (¬2) فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَأَبُو خَازِمِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى (¬3) ، وَأَبُو الْخَطَّابِ (¬4) ، فَيُصَرِّحُونَ بِالتَّعْلِيلِ وَالْحِكْمَةِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى مُوَافَقَةً لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ. وَالْحَنَفِيَّةُ هُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْقَائِلِينَ بِالْقَدَرِ، وَجُمْهُورُهُمْ يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ (* وَالْمَصَالِحِ، وَالْكَرَّامِيَّةُ (¬5) ، وَأَمْثَالُهُمْ هُمْ (¬6) أَيْضًا مِنَ الْقَائِلِينَ ¬

(¬1) أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ بْنُ عَقِيلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ الْبَغْدَادِيُّ، مِنَ الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ خَالَفُوا الْمَذْهَبَ وَلَجَأُوا إِلَى التَّأْوِيلِ مِثْلُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، كَانَ يُعَظِّمُ الْحَلَّاجَ فَأَرَادَ الْحَنَابِلَةُ قَتْلَهُ. وُلِدَ سَنَةَ 431 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 513. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/142 - 163 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/35 - 40 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 4/243 - 244 ; الْأَعْلَامِ 5/129 ; بُرُوكِلْمَانَ GAL الْمُلْحَقِ 3/503. (¬2) وَالْقَاضِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: وَأَبُو حَازِمِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ; ن، م: وَأَبُو حَازِمٍ. وَالصَّوَابُ أَبُو خَازِمٍ. وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَّاءِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 527. انْظُرِ الذَّيْلَ لِابْنِ رَجَبٍ 1/184 - 185. (¬4) ن، م: وَأَبُو الْخَطَّابِ الصَّغِيرُ. وَهُوَ خَطَأٌ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ " وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ " وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَّاءِ أَبُو الْحُسَيْنِ صَاحِبُ كِتَابِ " طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ ". انْظُرِ الذَّيْلَ 1/176 - 178. (¬5) الْكَرَّامِيَّةُ هُمْ أَتْبَاعُ مُحَمَّدِ بْنِ كَرَّامٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ السِّجِسْتَانِيِّ الْمُتَوَفَّى فِي الْقُدْسِ سَنَةَ 255 (انْظُرْ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/131) . وَالْكَرَّامِيَّةُ يُوَافِقُونَ السَّلَفَ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَلَكِنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِّ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، وَهُمْ يُوَافِقُونَ السَّلَفَ أَيْضًا فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالْقَوْلِ بِالْحِكْمَةِ، وَلَكِنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الْمُعْتَزِلَةَ فِي وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَقْلِ وَفِي أَنَّ الْعَقْلَ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ قَبْلَ الشَّرْعِ. كَمَا يَعُدُّهُمُ الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ مِنَ الْمُرْجِئَةِ لِقَوْلِهِمْ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ بِاللِّسَانِ دُونَ الْقَلْبِ. انْظُرِ الْمَقَالَاتِ 1/205 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 4/5، 111، 5 - 75، الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/99 - 104 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 130 - 137 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ 65 - 70 ; اعْتِقَادَاتِ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ 67. (¬6) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

بِالْقَدَرِ الْمُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الْمُفَضِّلِينَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَهُمْ أَيْضًا يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ *) (¬1) ، وَالْحِكْمَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ [مَالِكٍ] (¬2) ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ، وَالْحِكْمَةِ، وَبِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ [الْعَقْلِيَّيْنِ] (¬3) كَأَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ (¬4) ، وَأَبِي عَلِيٍّ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬5) ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ (¬6) ، وَأَبِي الْخَطَّابِ (¬7) مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَفِي الْجُمْلَةِ النِّزَاعُ فِي تَعْلِيلِ أَفْعَالِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ مَسْأَلَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامَةِ أَصْلًا. وَأَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ الْحِكْمَةِ وَالتَّعْلِيلِ. وَلَكِنِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬8) احْتَجُّوا بِحُجَّتَيْنِ: ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬2) مَالِكٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) الْعَقْلِيَّيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 365 هـ. انْظُرِ ابْنَ خِلِّكَانَ 3/338 - 339 ; تَبْيِينَ كَذِبِ الْمُفْتَرِي لِابْنِ عَسَاكِرَ 182، 183. (¬5) هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 345. انْظُرِ ابْنَ خِلِّكَانَ 1/358 ; الْأَعْلَامَ 2/202. (¬6) ن، م: وَالتَّمِيمِيِّ. وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ التَّمِيمِيُّ، مِنْ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ. وُلِدَ سَنَةَ 317 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 371. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/139 ; الْمُنْتَظِمِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 7/110 ; الْأَعْلَامِ 4/139. (¬7) ن، م: وَابْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ أَبُو الْخَطَّابِ مَحْفُوظُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْكَلْوَذَانِيُّ، إِمَامُ الْحَنَابِلَةِ فِي عَصْرِهِ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 432 وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ 510. مِنْ كُتُبِهِ التَّمْهِيدُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/258 ; الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/116 - 127 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/27 - 28 ; الْأَعْلَامِ 6/178. وَانْظُرْ: دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 9 - 62. (¬8) عِبَارَةُ " مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

إِحْدَاهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّسَلْسُلَ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ (¬1) لِعِلَّةٍ، فَتِلْكَ الْعِلَّةُ أَيْضًا حَادِثَةٌ، فَتَفْتَقِرُ إِلَى عِلَّةٍ إِنْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ حَادِثٍ عِلَّةٌ. وَإِنْ عُقِلَ الْإِحْدَاثُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِثْبَاتِ عِلَّةٍ، فَهُمْ يَقُولُونَ: إِنْ أَمْكَنَ الْإِحْدَاثُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى عِلَّةٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَبَثًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الْإِحْدَاثِ إِلَّا لِعِلَّةٍ، فَالْقَوْلُ فِي حُدُوثِ الْعِلَّةِ كَالْقَوْلِ فِي حُدُوثِ الْمَعْلُولِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّسَلْسُلَ. الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ فَعَلَ لِعِلَّةٍ كَانَ مُسْتَكْمَلًا بِهَا ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُصُولُ الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنْ عَدَمِهَا لَمْ تَكُنْ عِلَّةً، وَالْمُسْتَكْمَلُ بِغَيْرِهِ نَاقِصٌ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَلَى اللَّهِ. وَأَوْرَدُوا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ حُجَّةً تَقْطَعُهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ، فَقَالُوا: الْعِلَّةُ الَّتِي فَعَلَ لِأَجْلِهَا إِنْ كَانَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِالنِّسْبَةِ (¬2) إِلَيْهِ سَوَاءً امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً، وَإِنْ كَانَ وُجُودُهَا أَوْلَى، فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ لَزِمَ أَنْ يُسْتَكْمَلَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ. وَأَمَّا الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّعْلِيلِ، فَهُمْ مُتَنَازِعُونَ، فَالْمُعْتَزِلَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ تُثْبِتُ مِنَ التَّعْلِيلِ مَا لَا يُعْقَلُ، وَهُوَ أَنَّهُ فَعَلَ لِعِلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنِ الْفَاعِلِ مَعَ كَوْنِ وُجُودِهَا وَعَدَمِهَا [بِالنِّسْبَةِ] (¬3) إِلَيْهِ سَوَاءً. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ الْقَائِلُونَ بِالتَّعْلِيلِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ¬

(¬1) أ، ب: فَعَلَهُ. (¬2) بِالنِّسْبَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) بِالنِّسْبَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَبِهَا يَتِمُّ الْمَعْنَى.

، وَيَرْضَى كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا أَخَصُّ مِنَ الْإِرَادَةِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ (¬1) الْمَحَبَّةَ، وَالرِّضَا وَالْإِرَادَةَ سَوَاءٌ، فَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَلَا يَرْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي مُرَادِهِ، كَمَا دَخَلَتْ سَائِرُ الْمَخْلُوقَاتِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصٍ يَكُونُ عَدِيمَ الْحِكْمَةِ، بَلْ لِلَّهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ حِكَمٌ قَدْ يَعْلَمُهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَقَدْ لَا يَعْلَمُهَا. وَهَؤُلَاءِ يُجِيبُونَ عَنِ التَّسَلْسُلِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: هَذَا التَّسَلْسُلُ فِي الْحَوَادِثِ الْمُسْتَقْبَلَةِ (¬2) لَا فِي الْحَوَادِثِ الْمَاضِيَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا لِحِكْمَةٍ كَانَتِ الْحِكْمَةُ حَاصِلَةً بَعْدَ الْفِعْلِ، فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْحِكْمَةُ يُطْلَبُ مِنْهَا حِكْمَةٌ أُخْرَى بَعْدَهَا كَانَ تَسَلْسُلًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَتِلْكَ الْحِكْمَةُ الْحَاصِلَةُ مَحْبُوبَةٌ لَهُ وَسَبَبٌ لِحِكْمَةٍ ثَانِيَةٍ، فَهُوَ لَا يَزَالُ سُبْحَانَهُ يُحْدِثُ مِنَ الْحِكَمِ مَا يُحِبُّهُ وَيَجْعَلُهُ سَبَبًا لِمَا يُحِبُّهُ. قَالُوا: وَالتَّسَلْسُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَائِزٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِ أَهْلِ الْمِلَلِ (¬3) ، فَإِنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ [وَعَذَابَ] (¬4) النَّارِ دَائِمَانِ (¬5) مَعَ تَجَدُّدِ الْحَوَادِثِ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، ¬

(¬1) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: فِي الْحَوَادِثِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. (¬3) ن، م: مِنْ أَهْلِ الْمَلِكِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) وَعَذَابَ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَبِهَا يَتِمُّ الْمَعْنَى. (¬5) أ: دَائِمًا ; ب: دَائِمٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.

فَزَعَمَ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ يَفْنَيَانِ، وَأَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ (¬1) زَعَمَ أَنَّ حَرَكَاتِ [أَهْلِ] (¬2) الْجَنَّةِ، وَالنَّارِ تَنْقَطِعُ (¬3) ، وَيَبْقَوْنَ فِي سُكُونٍ دَائِمٍ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا اعْتَقَدُوا أَنَّ التَّسَلْسُلَ فِي الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ فِي الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي ضَلَّلَهُمْ بِهِ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي، فَفِيهِ أَيْضًا قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ: لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ. فَمَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى (¬4) لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَلَمْ يَزَلْ، فَعَّالًا إِذَا شَاءَ أَفْعَالًا (¬5) تَقُومُ بِنَفْسِهِ - بِقُدْرَتِهِ (¬6) ، وَمَشِيئَتِهِ - شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ - يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ، وَيَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ [مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ] (¬7) ، وَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ¬

(¬1) أَبُو الْهُذَيْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهُذَيْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَكْحُولٍ الْعَبْدِيُّ الْعَلَّافُ، شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ الْبَصْرِيِّينَ، وَرَأْسُ الطَّائِفَةِ الْهُذَيْلِيَّةِ، وُلِدَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ 135 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 226 أَوْ 227 أَوْ 235 عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. قَالَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلُ وَالنِّحَلُ 1/54) : إِنَّ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ أَبُو الْهُذَيْلِ عَنْ سَائِرِ الْمُعْتَزِلَةِ قَوْلَهُ: إِنَّ حَرَكَاتِ أَهْلِ الْخُلْدَيْنِ تَنْقَطِعُ وَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَى سُكُونٍ دَائِمٍ خُمُودًا، وَتَجْتَمِعُ اللَّذَّاتُ فِي ذَلِكَ السُّكُونِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَتَجْتَمِعُ الْآلَامُ فِي ذَلِكَ السُّكُونِ لِأَهْلِ النَّارِ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ جَهْمٍ إِذْ حَكَمَ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. انْظُرْ تَرْجَمَةَ أَبِي الْهُذَيْلِ وَالْكَلَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/413 - 414 ; ابْنِ خِلِّكَانَ 3/396 - 397 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 3/366 - 370 ; الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/53 - 56 ; الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ 73 - 79 ; الْمَقَالَاتِ 1/217، 224، 225 ; عَلِيُّ مُصْطَفَى الْغُرَابِي: أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ، الْقَاهِرَةِ، 1949. (¬2) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا. (¬3) ن، م، أ: يَنْقَطِعَانِ. (¬4) أ، ب: إِنَّ اللَّهَ. (¬5) أ، ب: وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ أَفْعَالًا. (¬6) أ، ب: وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الاستطراد في الرد على قول الفلاسفة بقدم العالم

الْعَالَمِ شَيْءٌ قَدِيمٌ مُسَاوِقٌ لِلَّهِ، كَمَا تَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ، وَأَنَّهَا مُسَاوِقَةٌ لِلَّهِ فِي وُجُودِهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُسْلِمِينَ. [الاستطراد في الرد على قول الفلاسفة بقدم العالم] [مجمل الرد على قول الفلاسفة بقدم العالم] وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ فِي [غَيْرِ] (¬1) هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ الْمُبْدِعَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ هُوَ نَفْسُهُ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ قَوْلِهِمْ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهَا. فَالْحَوَادِثُ مَشْهُودَةٌ فِي الْعَالَمِ، فَلَوْ كَانَ الصَّانِعُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ عِلَّةً تَامَّةً مُسْتَلْزِمَةً لِمَعْلُولِهَا لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي الْوُجُودِ إِذِ الْحَادِثُ يَمْتَنِعُ (¬2) أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ، فَلَوْ كَانَ الْعَالَمُ قَدِيمًا لَكَانَ مُبْدِعُهُ عِلَّةً تَامَّةً، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهَا، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَحْدُثَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ، فَحُدُوثُ الْحَوَادِثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ تَامَّةٍ فِي الْأَزَلِ، وَإِذَا (¬3) انْتَفَتِ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ فِي الْأَزَلِ بَطَلَ الْقَوْلُ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَنْفِي أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَلَمْ يَزَلْ حَيًّا فَعَّالًا لِمَا يَشَاءُ. [مناقشة الفلاسفة تفصيلا على قولهم بقدم العالم] وَعُمْدَةُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ هُوَ قَوْلُهُمْ يَمْتَنِعُ (¬4) حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيرُ ذَاتٍ مُعَطَّلَةٍ (¬5) عَنِ الْفِعْلِ لَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ فَعَلَتْ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ سَبَبٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْعَالَمِ لَا الْأَفْلَاكِ، وَلَا ¬

(¬1) غَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) أ: فِي الْوُجُودِ الْحَادِثِ مُمْتَنِعٌ، ب: مِنَ الْحَوَادِثِ فَالْمَوْجُودُ الْحَادِثُ يَمْتَنِعُ. (¬3) ن، م: فَإِذَا. (¬4) ن، م: امْتِنَاعُ. (¬5) ن، م: تَقْدِيرَاتٍ مُعَطَّلَةٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

غَيْرِهَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَعَّالًا، وَإِذَا (¬1) قُدِّرَ أَنَّهُ فَعَّالٌ لِأَفْعَالٍ تَقُومُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَفْعُولَاتٍ حَادِثَةٍ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ وَفَاءً بِمُوجِبِ هَذِهِ الْحُجَّةِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ [مَخْلُوقٌ] (¬2) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، [كَمَا أَخْبَرَتِ الرُّسُلُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ] (¬3) ، وَإِنْ كَانَ النَّوْعُ لَمْ يَزَلْ مُتَجَدِّدًا، كَمَا فِي الْحَوَادِثِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كُلٌّ مِنْهَا حَادِثٌ [مَخْلُوقٌ] (¬4) ، وَهِيَ لَا تَزَالُ تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. قَالَ هَؤُلَاءِ: وَاللَّهُ قَدْ (¬5) أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَكُونُ الْمَخْلُوقُ إِلَّا مَسْبُوقًا [بِالْعَدَمِ] (¬6) ، فَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ (¬7) مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ مَفْعُولٌ مُحْدَثٌ. فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ مُقَارِنًا لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا يَقُولُهُ [دَهْرِيَّةُ] (¬8) الْفَلَاسِفَةِ: إِنَّ الْعَالَمَ مَعْلُولٌ لَهُ، وَهُوَ مُوجِبٌ لَهُ مُفِيضٌ لَهُ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ (¬9) عَلَيْهِ بِالشَّرَفِ، وَالْعَلِيَّةِ (¬10) ، وَالطَّبْعِ، وَلَيْسَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ¬

(¬1) أ، ب: وَإِذَا. (¬2) مَخْلُوقٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مَخْلُوقٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) بِالْعَدَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) كُلَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) دَهْرِيَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، م: مُقَدَّمٌ. (¬10) ن: وَالْغَلَبَةُ.

بطلان القول بأن البارئ موجب بذاته للفلك

عِلَّةً تَامَّةً مُوجِبَةً يَقْتَرِنُ بِهَا مَعْلُولُهَا - كَمَا زَعَمُوا - لَمْ يَكُنْ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مُحْدَثٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُحْدَثَ لَا يَحْدُثُ عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ يُقَارِنُهَا مَعْلُولُهَا، فَإِنَّ الْمُحْدَثَ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ أَزَلِيًّا. وَسَوَاءٌ قِيلَ. إِنَّهُ حَدَثَ بِوَسَطٍ أَوْ بِغَيْرِ وَسَطٍ (¬1) - كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَلَكَ تَوَلَّدَ عَنْهُ بِوَسَطِ عَقْلٍ، أَوْ عَقْلَيْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُقَالُ - فَإِنَّ كُلَّ قَوْلٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ (¬2) مِنَ الْعَالَمِ قَدِيمًا لَازِمًا لِذَاتِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْبَارِئِ مُوجِبًا بِالذَّاتِ بِحَيْثُ يُقَارِنُهُ (¬3) مُوجَبِهِ إِذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَارَنَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مُوجَبِهِ وَمُقْتَضَاهُ، فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مُحْدَثٌ. [بطلان القول بأن البارئ موجب بذاته للفلك] وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ لِلْفَلَكِ، وَأَمَّا حَرَكَاتُ الْفَلَكِ، فَيُوجِبُهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ هَذَا بَاطِلًا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَتْ حَرَكَةُ الْفَلَكِ لَازِمَةً لَهُ - كَمَا هُوَ قَوْلُهُمْ - امْتَنَعَ إِبْدَاعُ الْمَلْزُومِ دُونَ لَازِمِهِ، وَكَوْنُهُ مُوجِبًا بِالذَّاتِ عِلَّةً تَامَّةً لِلْحَرَكَةِ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ الْحَرَكَةَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْعِلَّةُ (* التَّامَّةُ الْمُوجِبَةُ لِمَعْلُولِهَا [فِي الْأَزَلِ] (¬4) لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهَا، فَلَا تَكُونُ الْحَرَكَةُ مَعْلُولَةً ¬

(¬1) أ، ب: بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. (¬2) ن، م: أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ. . . (¬3) ن، م: يُفَارِقُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) فِي الْأَزَلِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

لِلْمُوجَبِ بِذَاتِهِ فِي الْأَزَلِ *) (¬1) الَّذِي يَلْزَمُهُ (¬2) مَعْلُولُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً [لَهُ] (¬3) فَهِيَ حَادِثَةٌ، فَتَقْتَضِي سَبَبًا وَاجِبًا (¬4) حَادِثًا، وَذَلِكَ بِالْحَادِثِ لَا يَحْدُثُ عَنِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ الْأَزَلِيَّةِ إِذِ الْمُوجَبُ بِذَاتِهِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ مُوجَبُهُ. وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْحَوَادِثَ صَادِرَةً عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ لَا يَحْدُثُ فِيهَا، وَلَا مِنْهَا شَيْءٌ أَشَدَّ فَسَادًا مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ حَدَثَتْ عَنِ الْقَادِرِ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا فَاعِلًا. وَلَمْ يُثْبِتُوا سَبَبًا حَادِثًا، وَأُولَئِكَ (¬5) يَلْزَمُهُمْ نَفْيُ الْفَاعِلِ لِلْحَوَادِثِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ الْمُوجِبَةَ بِذَاتِهَا فِي الْأَزَلِ لَا تَكُونُ مُحْدِثَةً لِشَيْءٍ أَصْلًا. وَلِهَذَا كَانَتِ الْحَوَادِثُ عِنْدَهُمْ إِنَّمَا تَحْدُثُ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ فَوْقَ الْفَلَكِ شَيْئًا أَحْدَثَ حَرَكَتَهُ، بَلْ قَوْلُهُمْ فِي حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَسَائِرِ الْحَوَادِثِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ فِي أَفْعَالِ الْحَيَوَانِ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَحْدُثُ بِلَا مُحْدِثٍ، لَكِنَّ الْقَدَرِيَّةَ خَصُّوا ذَلِكَ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانِ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا ذَلِكَ فِي كُلِّ حَادِثٍ عُلْوِيٍّ وَسُفْلِيٍّ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْفَاعِلَ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا، أَوْ مُوجِبًا بِذَاتِهِ، أَوْ قِيلَ: هُوَ قَادِرٌ يُوجِبُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ إِذِ الْمَعْدُومُ لَا يَفْعَلُ مَوْجُودًا، وَنَفْسُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: يَلْزَمُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) وَاجِبًا: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬5) ن، م: فَأُولَئِكَ.

إِيجَابِهِ وَفِعْلِهِ، وَاقْتِضَائِهِ، وَإِحْدَاثِهِ لَا [بُدَّ أَنْ] يَكُونَ (¬1) ثَابِتًا بِالْفِعْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ الْمُوجَبِ الْمُحْدَثِ (¬2) فَلَا يَكُونُ فَاعِلًا حَقِيقَةً إِلَّا مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ. فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَاقْتَضَاهُ (¬3) ، فَوُجِدَ (¬4) بَعْدَ عَدَمٍ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ (¬5) ، وَإِيجَابُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَفْعُولِ الْمُوجَبِ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ، فَلَا إِيجَابَ، وَلَا فِعْلَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالْمُوجِبُ لِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ يَفْعَلُ الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْدُثَ لَهُ حَالٌ يَكُونُ بِهَا فَاعِلًا [لِلثَّانِي] (¬6) . كَانَ الْمُؤَثِّرُ التَّامُّ مَعْدُومًا عِنْدَ وُجُودِ الْأَثَرِ، وَهَذَا مُحَالٌ، فَإِنَّ حَالَهُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَثَرِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ، وَقَبْلَهُ كَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لَهُ، فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، أَوْ يُقَالُ: قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ. إِذْ لَوْ جُوِّزَ أَنْ يَحْدُثَ الْحَادِثُ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ حَالٍ لِلْفَاعِلِ بِهَا (¬7) صَارَ فَاعِلًا لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا بِلَا سَبَبٍ، وَتَرْجِيحُ الْفَاعِلِ لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ - بَلْ لِوُجُودِ الْمُمْكِنِ - بِلَا مُرَجِّحٍ ; لِأَنَّ حَالَهُ قَبْلَ وَمَعَ وَبَعْدَ (¬8) سَوَاءٌ، فَتَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِذَلِكَ الْحَادِثِ تَخْصِيصٌ بِلَا مُخَصِّصٍ، فَإِنْ كَانَ هَذَا جَائِزًا جَازَ حُدُوثُ كُلِّ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ ¬

(¬1) ن، م: لَا يَكُونُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) الْمُحْدَثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ب: أَنَّ فِعْلَهُ اقْتَضَاهُ ; أ: أَنَّهُ فَعَلَهُ وَاقْتَضَتْهُ. (¬4) أَيِ الْفَلَكِ. (¬5) أَيْ فِعْلُ الْفَاعِلِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. (¬6) لِلثَّانِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: لَهَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) أ، ب: قَبْلَ وَبَعْدَ وَمَعَ.

حَادِثٍ، وَبَطَلَ (¬1) قَوْلُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا بَطَلَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ، فَثَبَتَ بُطْلَانُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقِيضَيْنِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَالْوَاحِدُ مِنَ النَّاسِ إِذَا قَطَعَ مَسَافَةً، وَكَانَ قَطْعُهُ لِلْجُزْءِ الثَّانِي. مَشْرُوطًا بِالْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَطَعَ الْأَوَّلَ حَصَلَ لَهُ أُمُورٌ تَقُومُ بِهِ مِنْ قُدْرَةٍ أَوْ إِرَادَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا (¬2) [تَقُومُ بِذَاتِهِ] (¬3) بِهَا صَارَ (¬4) حَاصِلًا فِي الْجُزْءِ الثَّانِي. لَا أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ (¬5) عَدَمِ الْأَوَّلِ صَارَ قَاطِعًا لِلثَّانِي. فَإِذَا شَبَّهُوا فِعْلَهُ لِلْحَوَادِثِ بِهَذَا لَزِمَهُمْ أَنْ يَتَجَدَّدَ لِلَّهِ أَحْوَالٌ تَقُومُ بِهِ عِنْدَ إِحْدَاثِ الْحَوَادِثِ، وَإِلَّا فَإِذَا (¬6) كَانَ هُوَ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ حَالٌ، وَإِنَّمَا. وُجِدَ [الْحَادِثُ الثَّانِي. بِمُجَرَّدِ] عَدَمِ الْأَوَّلِ (¬7) ، فَحَالُهُ قَبْلَ وَبَعْدَ سَوَاءٌ، فَاخْتِصَاصُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ بِالْإِحْدَاثِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ، وَنَفْسُ صُدُورِ الْحَوَادِثِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ، فَيَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا التَّقْدِيرِ اخْتِصَاصُ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِشَيْءٍ، أَوْ ¬

(¬1) أ، ب: فَبَطَلَ. (¬2) أ، ب: مِنْ قُدْرَةٍ وَإِرَادَةٍ وَغَيْرِهِمَا (¬3) تَقُومُ بِذَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: يَصِيرُ. (¬5) ن، م: مُجَرَّدِ. (¬6) ن، م: إِذَا. (¬7) فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ: وَإِنَّمَا وَجَدَ عَدَمَ الْأَوَّلِ، وَالْكَلَامُ هَكَذَا لَا يَسْتَقِيمُ، وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتْنَاهُ يَتِمُّ بِهِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ.

أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِلْحَوَادِثِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ وَلَا (¬1) يَفْعَلُ هَذَا الْحَادِثَ، وَهُوَ الْآنَ كَمَا كَانَ، فَهُوَ الْآنَ لَا يَفْعَلُ هَذَا الْحَادِثَ. وَابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ بِهَذَا احْتَجُّوا عَلَى [أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ] (¬2) الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ، [وَمَنْ وَافَقَهُمْ] (¬3) ، فَقَالُوا: إِذَا كَانَ فِي الْأَزَلِ، وَلَا يَفْعَلُ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى حَالِهِ، فَهُوَ الْآنَ لَا يَفْعَلُ، وَقَدْ فَرَضَ فَاعِلًا هَذَا خُلْفٌ، وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ ذَاتٍ مُعَطَّلَةٍ عَنِ الْفِعْلِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا بِعَيْنِهِ (¬4) حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ فِي إِثْبَاتِ ذَاتٍ بَسِيطَةٍ لَا يَقُومُ بِهَا فِعْلٌ وَلَا وَصْفٌ مَعَ صُدُورِ الْحَوَادِثِ عَنْهَا، فَإِنْ (¬5) كَانَ بِوَسَائِطَ لَازِمَةٍ لَهَا، فَالْوَسَطُ اللَّازِمُ لَهَا قَدِيمٌ بِقِدَمِهَا، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ صُدُورُ الْحَوَادِثِ عَنْ قَدِيمٍ هُوَ عَلَى حَالٍ وَاحِدٍ، كَمَا كَانَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ (¬6) فَيَّاضٌ دَائِمُ الْفَيْضِ، وَإِنَّمَا يَتَخَصَّصُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِالْحُدُوثِ لِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ حُدُوثِ الِاسْتِعْدَادِ وَالْقَبُولِ، وَحُدُوثُ الِاسْتِعْدَادِ وَالْقَبُولِ هُوَ سَبَبُ حُدُوثِ الْحَرَكَاتِ. وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ (¬7) الدَّائِمُ الْفَيْضِ لَيْسَ هُوَ الْمُحْدِثَ لِاسْتِعْدَادِ الْقَبُولِ، كَمَا يَدَّعُونَهُ فِي الْعَقْلِ ¬

(¬1) ن، م: كَانَ لَا. 1 (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، (فَقَطْ) : هَذَا بِفِعْلِهِ بِعَيْنِهِ. (¬5) أ، ب: وَإِنْ (¬6) ن، م: الْمُوجَبُ. (¬7) أ، ب: الْفَعَّالُ.

النتائج التي أدى إليها امتناع المتكلمين عن القول بحوادث لا أول لها

الْفَعَّالِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ دَائِمُ الْفَيْضِ، وَلَكِنْ يُحْدِثُ اسْتِعْدَادَ الْقَوَابِلِ بِسَبَبِ حُدُوثِ الْحَرَكَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَالِاتِّصَالَاتِ الْكَوْكَبِيَّةِ، وَتِلْكَ لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ، وَإِنَّمَا. (¬1) فِي الْمُبْدِعِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ الْمُبْدِعُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، فَعَنْهُ يَصْدُرُ الِاسْتِعْدَادُ وَالْقَبُولُ وَالْقَابِلُ وَالْمَقْبُولُ. وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: إِذَا كَانَ عِلَّةً تَامَّةً مُوجِبًا بِذَاتِهِ، وَهُوَ دَائِمُ الْفَيْضِ لَا يَتَوَقَّفُ فَيْضُهُ عَلَى [شَيْءٍ] (¬2) غَيْرِهِ أَصْلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ (¬3) لَازِمًا لَهُ قَدِيمًا بِقِدَمِهِ، فَلَا يَحْدُثُ عَنْهُ شَيْءٌ لَا بِوَسَطٍ وَلَا بِغَيْرِ وَسَطٍ ; لِأَنَّ فِعْلَهُ وَإِبْدَاعَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ أَوْ قَبُولٍ (¬4) يَحْدُثُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ هُوَ الْمُبْدِعُ لِلشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ وَالْقَابِلِ وَالْمَقْبُولُ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَمَا يَفِيضُ عَلَى الْمُسْتَعِدِّ، وَإِذَا كَانَ وَحْدَهُ هُوَ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ كُلِّهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً مُسْتَلْزِمَةً لِمَعْلُولِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولُهُ كُلُّهُ أَزَلِيًّا قَدِيمًا بِقِدَمِهِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَعْلُولٌ لَهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَهَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ. وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا وَفَهِمَهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ فَسَادَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ. [النتائج التي أدى إليها امتناع المتكلمين عن القول بحوادث لا أول لها] وَإِنَّمَا عَظُمَتْ حُجَّتُهُمْ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ [الْمُبْتَدَعِ] (¬5) الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمَنْ ¬

(¬1) أ، ب: وَأَمَّا. (¬2) شَيْءٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، م: بِوَسَطٍ أَوْ بِغَيْرِ وَسَطٍ. (¬4) ن، م: وَقَبُولٍ. (¬5) أ، ب: الْمُبْدَعِ. وَالْكَلِمَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.

وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمَّا اعْتَقَدُوا (¬1) أَنَّ الرَّبَّ فِي الْأَزَلِ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْهُ الْفِعْلُ وَالْكَلَامُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ - وَكَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ عَلَى الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا لِنَفْسِهِ، وَالْمُمْتَنِعُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَقْدُورِ - صَارُوا (¬2) حِزْبَيْنِ: حِزْبًا قَالُوا: إِنَّهُ صَارَ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ [لِكَوْنِهِ صَارَ الْفِعْلُ وَالْكَلَامُ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ (¬3) مُمْتَنِعًا، وَإِنَّهُ انْقَلَبَ مِنْ الِامْتِنَاعِ الذَّاتِيِّ إِلَى الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ] (¬4) ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ، وَمَنْ. وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرَّامِيَّةِ، وَأَئِمَّةِ الشِّيعَةِ كَالْهَاشِمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. [وَحِزْبًا] قَالُوا (¬5) : صَارَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَلَامُ، فَلَا يَدْخُلُ (¬6) تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَالْقُدْرَةِ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَازِمٌ لِذَاتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ (¬7) ، وَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا. ¬

(¬1) أ: لِمَا قَالُوا اعْتَقَدُوا ; ب: لَمَّا قَالُوا وَاعْتَقَدُوا. (¬2) ن، م: وَصَارُوا. (¬3) ن، م: وَغَيْرُهُمْ وَقَالُوا. (¬4) ن (فَقَطْ) : بَعْدَ مَا كَانَ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن (فَقَطْ) : فَلَا بُدَّ يَدْخُلُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ابْنُ كُلَّابٍ (بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كُلَّابِ الْقَطَّانُ الْمُتَوَفَّى بَعْدَ سَنَةِ 240 بِقَلِيلٍ. عَدَّهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/85) وَالْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 1/325) وَابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ (أُصُولَ الدِّينِ، ص 254) مِنْ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ (الْفِصَلَ 5/77) إِنَّهُ شَيْخٌ قَدِيمٌ لِلْأَشْعَرِيَّةِ. وَمَقَالَةُ ابْنِ كُلَّابٍ فِي كَلَامِ اللَّهِ ذَكَرَهَا الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 2/202، 233، 245. وَانْظُرْ أَيْضًا عَنِ ابْنِ كُلَّابٍ وَمَذْهَبِهِ: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 2/299 - 300 ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ ص 180 ; لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/290 - 291 ; الْخُطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/358، 259 ; مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/298 - 299، 2/52، 54، 112، 202 - 203، 231 ; نِهَايَةَ الْإِقْدَامِ، ص 181، 203 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/148 ; أُصُولَ الدِّينِ، ص 89، 90، 97، 104، 109، 113، 123، 132، 222، 254 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 2/289، 5/77.

أَوْ قَالُوا: إِنَّهُ (¬1) حُرُوفٌ، أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةُ الْأَعْيَانِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ (¬2) ، وَيُعْزَى ذَلِكَ إِلَى السَّالِمِيَّةِ (¬3) ، وَحَكَاهُ (¬4) الشَّهْرَسْتَانِيُّ عَنِ السَّلَفِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَلَيْسَ هُوَ (¬5) قَوْلَ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ، وَلَكِنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَأَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ كَانَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ [أَصْحَابِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ] (¬6) ، وَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ وَنَحْوِهِمَا (¬7) قَالُوا: لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ دَوَامَ ¬

(¬1) أ، ن، م: أَوْ قَالَ إِنَّهُ ; ب: أَوْ أَنَّهُ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) ن، م: وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ. (¬3) أَتْبَاعُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 297) وَابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنِ سَالِمٍ (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 350) . وَقَدْ تَتَلْمَذَ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَلَى سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ. وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ بُرْجَانِ مِنْ أَشْهَرِ رِجَالِ السَّالِمِيَّةِ. وَيَجْمَعُ السَّالِمِيَّةُ فِي مَذْهَبِهِمْ بَيْنَ كَلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ مَيْلٍ إِلَى التَّشْبِيهِ وَنَزْعَةٍ صُوفِيَّةٍ اتِّحَادِيَّةٍ. انْظُرْ: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/36 ; مَاسِينْيُونَ: دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ: السَّالِمِيَّةِ ; أَبُو نَصْرٍ السَّرَّاجُ: اللُّمَعَ، ص 472 - 476، الْقَاهِرَةِ، 1960 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 157، 202 ; طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ، ص 414 - 416 ; الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى لِلشَّعْرَانِيِّ، ص 99 - 100. (¬4) أ، ب: وَنَقَلَهُ. (¬5) هُوَ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ب (فَقَطْ) : وَغَيْرِهِمَا.

رد أئمة الفلاسفة وأئمة أهل الملل على المتكلمين

الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ مَبْدَأٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا تُقَارِنُهُ الْحَوَادِثُ مُحْدَثًا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ (¬1) . بَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعَةٌ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى دَوَامِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. [رد أئمة الفلاسفة وأئمة أهل الملل على المتكلمين] قَالُوا: وَبِهَذَا يُعْلَمُ حُدُوثُ الْجِسْمِ ; لِأَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ، وَمَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. وَلَمْ يُفَرِّقْ هَؤُلَاءِ بَيْنَ مَا لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ الْحَوَادِثِ، وَبَيْنَ مَا لَا يَخْلُو عَنْ عَيْنِ الْحَوَادِثِ (¬2) ، وَلَا فَرَّقُوا فِيمَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعْلُولًا. أَوْ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا. وَاجِبًا بِنَفْسِهِ (¬3) . فَقَالَ. (¬4) لِهَؤُلَاءِ أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ، وَأَئِمَّةِ [أَهْلِ] (¬5) الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ: فَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي أَثْبَتُّمْ بِهِ حُدُوثَ الْعَالَمِ (6 هُوَ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ حُدُوثِ الْعَالِمِ 6) (¬6) ، وَكَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَا قَصَدْتُمُوهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَادِثَ إِذَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ (¬7) مُحْدَثًا، فَلَا بُدَّ أَنْ ¬

(¬1) وَقُدْرَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: الْحَادِثِ. (¬3) أ، ب: وَأَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ. (¬4) أ، ب: فَيُقَالُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) (6 - 6) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) يَكُنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) فَقَطْ.

يَكُونَ مُمْكِنًا، وَالْإِمْكَانُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ، فَمَا مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ، فَلَيْسَ لِإِمْكَانِ الْفِعْلِ وَجَوَازِ ذَلِكَ وَصِحَّتِهِ مَبْدَأٌ يُنْتَهَى إِلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْفِعْلُ مُمْكِنًا جَائِزًا صَحِيحًا، (1 فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الرَّبُّ قَادِرًا عَلَيْهِ 1) (¬1) ، فَيَلْزَمُ جَوَازُ حَوَادِثَ لَا نِهَايَةَ لِأَوَّلِهَا (¬2) . قَالَ الْمُنَاظِرُ عَنْ أُولَئِكَ (¬3) الْمُتَكَلِّمِينَ مَنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ: نَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِمْكَانَ الْحَوَادِثِ لَا بِدَايَةَ لَهُ لَكِنْ نَقُولُ إِمْكَانُ الْحَوَادِثِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَسْبُوقَةً بِالْعَدَمِ لَا بِدَايَةَ لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ عِنْدَنَا يُمْتَنَعُ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةَ النَّوْعِ، بَلْ يَجِبُ حُدُوثُ نَوْعِهَا، وَيُمْتَنَعُ قِدَمُ نَوْعِهَا لَكِنْ لَا يَجِبُ الْحُدُوثُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، فَإِمْكَانُ الْحَوَادِثِ بِشَرْطِ (¬4) كَوْنِهَا مَسْبُوقَةَ الْعَدَمِ لَا أَوَّلَ لَهُ بِخِلَافِ جِنْسِ الْحَوَادِثِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَبْ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ ذَلِكَ لَكِنْ يُقَالُ: إِمْكَانُ جِنْسِ الْحَوَادِثِ عِنْدَكُمْ لَهُ بِدَايَةٌ، فَإِنَّهُ صَارَ جِنْسُ الْحُدُوثِ (¬5) عِنْدَكُمْ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا، وَلَيْسَ لِهَذَا الْإِمْكَانِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، بَلْ مَا مِنْ وَقْتٍ يُفْرَضُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ، فَيَلْزَمُ دَوَامُ الْإِمْكَانِ، وَإِلَّا لَزِمَ انْقِلَابُ الْجِنْسِ مِنَ الْإِمْكَانِ إِلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ شَيْءٍ وَلَا تَجَدُّدِ شَيْءٍ. ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) ن، م: لَا نِهَايَةَ لَهَا. (¬3) ب: قَالَ الْمُنَاظِرُ لِأُولَئِكَ ; أ: قَالَ الْمُنَاظِرُ أُولَئِكَ. (¬4) ن: يُشْتَرَطُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: الْحَوَادِثِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْقِلَابَ حَقِيقَةِ جِنْسِ الْحُدُوثِ أَوْ جِنْسِ (¬1) الْحَوَادِثِ، أَوْ جِنْسِ الْفِعْلِ، أَوْ جِنْسِ الْإِحْدَاثِ، أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنَ الْعِبَارَاتِ مِنْ الِامْتِنَاعِ إِلَى الْإِمْكَانِ هُوَ مَصِيرُ ذَلِكَ مُمْكِنًا جَائِزًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ تَجَدَّدَ (¬2) ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَيْضًا انْقِلَابُ الْجِنْسِ مِنْ الِامْتِنَاعِ الذَّاتِيِّ إِلَى الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ، فَإِنَّ ذَاتَ جِنْسِ الْحَوَادِثِ عِنْدَهُمْ تَصِيرُ مُمْكِنَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً. وَهَذَا الِانْقِلَابُ لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ وَقْتِ يُقَدَّرُ إِلَّا وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ، (3 فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ هَذَا الِانْقِلَابُ 3) (¬3) ، فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْمُمْتَنِعُ مُمْكِنًا، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَوْلِنَا لَمْ يَزَلِ الْحَادِثُ مُمْكِنًا، فَقَدْ لَزِمَهُمْ فِيمَا فَرُّوا [إِلَيْهِ أَبْلَغُ مِمَّا لَزِمَهُمْ فِيمَا فَرُّوا] (¬4) مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُعْقَلُ كَوْنُ الْحَادِثِ مُمْكِنًا (¬5) ، وَيُعْقَلُ أَنَّ هَذَا الْإِمْكَانَ لَمْ يَزَلْ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُمْتَنِعِ مُمْكِنًا، فَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي نَفْسِهِ، فَكَيْفَ إِذَا قِيلَ: لَمْ يَزَلْ إِمْكَانُ هَذَا الْمُمْتَنِعِ! . وَأَيْضًا فَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الشَّرْطِ: وَهُوَ أَنَّ جِنْسَ الْفِعْلِ، أَوْ جِنْسَ الْحَوَادِثِ - بِشَرْطِ (¬6) كَوْنُهَا مَسْبُوقَةً بِالْعَدَمِ - لَمْ يَزَلْ مُمْكِنًا، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ أَيْضًا، فَإِنَّ كَوْنَ هَذَا (¬7) لَمْ يَزَلْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بِدَايَةَ لِإِمْكَانِهِ،. ¬

(¬1) ن، م: الْحُدُوثِ إِلَى جِنْسِ. (¬2) ن (فَقَطْ) : مَحْدُودٍ. (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) أ، ب: مُمْتَنِعًا. (¬6) ن، م: يُشْتَرَطُ. (¬7) ن، م: وَأَيْضًا فَإِنَّ كَوْنَ هَذَا. . إِلَخْ.

وَأَنَّ إِمْكَانَهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَكَوْنُهُ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ بِدَايَةً، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَدِيمٍ أَزَلِيٍّ (¬1) ، فَصَارَ قَوْلُهُمْ مُسْتَلْزِمًا أَنَّ الْحَوَادِثَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِدَايَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِدَايَةٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا تَقْدِيرًا مُمْتَنِعًا، وَالتَّقْدِيرُ الْمُمْتَنِعُ قَدْ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ مُمْتَنِعٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 22] . فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: إِمْكَانُ جِنْسِ الْحَوَادِثِ - بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَسْبُوقَةً بِالْعَدَمِ - لَا بِدَايَةَ لَهُ مَضْمُونَةً أَنَّ مَا لَهُ بِدَايَةٌ لَيْسَ لَهُ بِدَايَةٌ، فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ بِسَبْقِ الْعَدَمِ لَهُ بِدَايَةٌ (¬2) ، وَإِنَّ (¬3) قُدِّرَ أَنَّهُ لَا بِدَايَةَ لَهُ كَانَ جَمْعًا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ: هَذَا تَقْدِيرٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ: جِنْسُ الْحَوَادِثِ بِشَرْطِ (¬4) كَوْنِهَا مَلْحُوقَةً بِالْعَدَمِ هَلْ لِإِمْكَانِهَا نِهَايَةٌ؟ أَمْ لَيْسَ لِإِمْكَانِهَا نِهَايَةٌ؟ فَكَمَا أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي النِّهَايَةِ، فَكَذَلِكَ الْأَمَلُ يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي الْبِدَايَةِ (¬5) . وَأَيْضًا فَالْمُمْكِنُ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ يَجِبُ بِهِ الْمُمْكِنُ، وَقَدْ يَقُولُونَ: لَا يَتَرَجَّحُ وُجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ ذَلِكَ الْمُمْكِنِ. [وَهَذَا الثَّانِي أَصْوَبُ، كَمَا عَلَيْهِ نُظَّارُ الْمُسْلِمِينَ الْمُثْبِتِينَ، فَإِنَّ بَقَاءَهُ ¬

(¬1) ن: وَأَنَّهُ غَيْرُ قَدِيمٍ لَيْسَ أَوْلَى ; م: وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَدِيمٍ أَوْلَى. (¬2) ب (فَقَطْ) : فَإِنَّ لِلْمَشْرُوطِ بِسَبْقِ الْعَدَمِ بِدَايَةً. (¬3) أ، ب: وَإِذَا. (¬4) ن (فَقَطْ) : يُشْتَرَطُ. (¬5) ن، م: النِّهَايَةِ.

القدرية التامة والإرادة الجازمة تقتضي وجود الفعل

مَعْدُومًا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مُرَجِّحٍ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى مُرَجِّحٍ قَالَ: عَدَمُ مُرَجِّحِهِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ، وَلَكِنْ يُقَالُ: هَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِهِ لَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْمُوجِبُ لِعَدَمِهِ، وَلَا يَجِبُ عَدَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ عَدَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا عِلَّةَ لَهُ، فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْلُولِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْعِلَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ عِلَّةً لَهُ، وَالْمَلْزُومُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عِلَّةً] (¬1) ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُرَجِّحَ التَّامَّ لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ وُجُودَ الْمُمْكِنِ لَكَانَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ مَعَ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ جَائِزًا لَا وَاجِبًا وَلَا مُمْتَنِعًا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُمْكِنًا، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُرَجِّحٍ ; لِأَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُرَجِّحٌ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ امْتَنَعَ وُجُودُهُ، وَمَا دَامَ وُجُودُهُ مُمْكِنًا جَائِزًا غَيْرَ لَازِمٍ لَا يُوجَدُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مَعَ مُوَافَقَةِ أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ لَهُمْ (¬2) ، وَهَذَا مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. [القدرية التامة والإرادة الجازمة تقتضي وجود الفعل] وَالْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ تُخَالِفُ فِي هَذَا، وَتَزْعُمُ أَنَّ الْقَادِرَ يُمْكِنُهُ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ بِدُونِ مَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، وَادَّعَوْا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَادِرُ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ لَا قَادِرًا قَالُوا: وَالْقَادِرُ الْمُخْتَارُ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَمَتَى قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَعَ لُزُومِ أَنْ يَفْعَلَ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا بَلْ مَجْبُورًا. فَقَالَ لَهُمُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَغَيْرِهِمْ (¬3) : بَلْ هَذَا خَطَأٌ، فَإِنَّ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: وَغَيْرِ الْمِلَّةِ.

الْقَادِرَ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لَيْسَ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ الْفِعْلَ مَشِيئَةً جَازِمَةً، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ قُدْرَةً تَامَّةً يَبْقَى (¬1) الْفِعْلُ مُمْكِنًا جَائِزًا لَا لَازِمًا وَاجِبًا وَلَا مُمْتَنِعًا مُحَالًا. بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ إِذَا أَرَادَ الْفِعْلَ إِرَادَةً جَازِمَةً، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ قُدْرَةً تَامَّةً لَزِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَصَارَ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ لَا بِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا شَاءَ (¬2) سُبْحَانَهُ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا شَاءَ شَيْئًا حَصَلَ مُرَادًا لَهُ، وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ (¬3) وُجُودُهُ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُرِدْهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَمْ يَحْصُلِ الْمُقْتَضَى التَّامُّ لِوُجُودِهِ، فَلَا يَجُوزُ وُجُودُهُ. قَالُوا: وَمَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ يَمْتَنِعُ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عَدَمُ الْفِعْلِ إِلَّا لِعَدَمِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ أَوْ لِعَدَمِ كَمَالِ الْإِرَادَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ، فَإِنَّ فِعْلَ الْمُخْتَارِ لَا يَتَوَقَّفُ إِلَّا عَلَى قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَادِرًا، وَلَا يُرِيدُ الْفِعْلَ، فَلَا يَفْعَلُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مُرِيدًا لِلْفِعْلِ لَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ، فَلَا يَفْعَلُهُ، أَمَّا (¬4) مَعَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْفِعْلُ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَالْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ هِيَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ لِلْفِعْلِ الْمُمْكِنِ، فَمَعَ وُجُودِهِمَا يَجِبُ وُجُودُ ذَلِكَ الْفِعْلِ. وَالرَّبُّ تَعَالَى قَادِرٌ مُخْتَارٌ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ لَا مُكْرِهَ لَهُ، وَلَيْسَ هُوَ مُوجِبًا ¬

(¬1) ب: فَبَقِيَ ; أ: تُنْفَى. (¬2) أ، ب: وَمَا شَاءَهُ. (¬3) أ، ب: فَلَزِمَ. (¬4) ن (فَقَطْ) إِلَّا.

بِذَاتِهِ بِمَعْنَى (¬1) أَنَّهُ عِلَّةٌ أَزَلِيَّةٌ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْفِعْلِ، وَلَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوجِبُ بِذَاتٍ (¬2) لَا مَشِيئَةَ لَهَا، وَلَا قُدْرَةَ (¬3) ، بَلْ هُوَ يُوجِبُ بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ مَا شَاءَ وُجُودَهُ، وَهَذَا هُوَ الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ، فَهُوَ قَادِرٌ مُخْتَارٌ يُوجِبُ بِمَشِيئَتِهِ مَا شَاءَ وُجُودَهُ. وَبِهَذَا التَّحْرِيرِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ. (¬4) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ بِذَاتِهِ إِذَا كَانَ أَزَلِيًّا يُقَارِنُهُ مُوجِبُهُ، فَلَوْ كَانَ الرَّبُّ تَعَالَى مُوجِبًا بِذَاتِهِ [لِلْعَالَمِ.] (¬5) فِي الْأَزَلِ [لَكَانَ كُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ مُقَارِنًا لَهُ فِي الْأَزَلِ] (¬6) ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. فَكُلُّ مَا شَاءَ اللَّهُ وُجُودَهُ مِنَ الْعَالَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ وُجُودُهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَا لَمْ يَشَأْ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ إِذْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ وُجُودِ مَا شَاءَ تَعَالَى وُجُودَهُ. وَلَفْظُ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ فِيهِ إِجْمَالٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يُوجِبُ مَا يُحْدِثُهُ بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ فَاعِلًا بِالْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُوجِبًا بِالذَّاتِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ أَنَّهُ يُوجِبُ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ، فَهَذَا بَاطِلٌ مُمْتَنِعٌ، (* وَإِنْ ¬

(¬1) ن، م: يَعْنِي. (¬2) ن: وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ، م: وَلَا يَعْنِي بِأَنَّهُ يُوجِبُ بِذَاتٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب (فَقَطْ) : لَا مَشِيئَةَ لَهَا لَا قُدْرَةَ. (¬4) ن، م: الْإِشْكَالَاتُ. (¬5) لِلْعَالَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

أُرِيدَ أَنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ تَسْتَلْزِمُ (¬1) مَعْلُولَهَا الْأَزَلِيَّ بِحَيْثُ يَكُونُ مِنَ الْعَالَمِ مَا هُوَ قَدِيمٌ بِقِدَمِهِ لَازِمٌ لِذَاتِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا - الْفَلَكِ، أَوْ غَيْرِهِ - فَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ *) (¬2) . فَالْمُوجِبُ بِالذَّاتِ إِذَا فُسِّرَ بِمَا يَقْتَضِي قِدَمَ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ مَعَ اللَّهِ، أَوْ فُسِّرَ بِمَا يَقْتَضِي سَلْبَ (¬3) صِفَاتِ الْكَمَالِ عَنِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ فُسِّرَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ حَقٌّ، فَإِنَّ مَا شَاءَ وُجُودَهُ فَقَدَ وَجَبَ وُجُودُهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، لَكِنْ لَا يَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ شَاءَ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ بِعَيْنِهِ فِي الْأَزَلِ، بَلْ مَشِيئَتُهُ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَزَلِ مُمْتَنِعٌ لِوُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَزَلِيَّ لَا يَكُونُ مُرَادًا مَقْدُورًا، وَلَا أَعْلَمُ نِزَاعًا بَيْنَ النُّظَّارِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ أَزَلِيًّا لَازِمًا لِذَاتِهِ لَا يَتَأَخَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مَقْدُورًا، وَأَنَّ مَا كَانَ مُرَادًا مَقْدُورًا لَا يَكُونُ إِلَّا حَادِثًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ نَوْعُهُ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، أَوْ كَانَ نَوْعُهُ كُلُّهُ حَادِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ لَازِمٌ لِذَاتِ اللَّهِ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ (¬4) ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ (¬5) خَلْقُ إِدْرَاكٍ فِي الْعَبْدِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ، وَالَّذِينَ قَالُوا: كَلَامُهُ قَدِيمٌ، وَأَرَادُوا أَنَّهُ ¬

(¬1) ن، م: يَسْتَلْزِمُ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (ب) . (¬3) ب: تَأَخَّرَ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (أ) . (¬4) ن (فَقَطْ) : بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ. (¬5) أ، ب: بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ.

قَدِيمُ الْعَيْنِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، سَوَاءٌ قَالُوا: هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ، أَوْ قَالُوا: هُوَ حُرُوفٌ، أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةُ الْأَعْيَانِ. بِخِلَافِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَكَيْفَ شَاءَ، (1 فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْكَلَامُ قَدِيمُ النَّوْعِ، وَإِنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، بَلْ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ كَيْفَ شَاءَ إِذَا شَاءَ 1) (¬1) ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ، وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَكَلَامُهُ حَادِثٌ بِالْغَيْرِ (¬2) قَائِمٌ (¬3) بِذَاتِهِ، أَوْ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا. فَقَدِ اتَّفَقَتِ الطَّوَائِفُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ الْمُعَيَّنَ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ لَا يَكُونُ مَقْدُورًا مُرَادًا بِخِلَافِ مَا كَانَ نَوْعُهُ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَهَذَا مِمَّا يَقُولُ أَئِمَّةُ السَّلَفِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ: إِنَّهُ يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الْفَلَاسِفَةِ الْأَسَاطِينُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِحُدُوثِ الْأَفْلَاكِ وَغَيْرِهَا وَأَرِسْطُو، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِدَمِهَا. فَأَئِمَّةُ أَهْلِ الْمِلَلِ وَأَئِمَّةُ الْفَلَاسِفَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَفْلَاكَ مُحْدَثَةٌ كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلِ النَّوْعُ الْمَقْدُورُ الْمُرَادُ مَوْجُودًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَقُولُونَ: مَا كَانَ مَقْدُورًا مُرَادًا يَمْتَنِعُ أَنْ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن: بِالْعَيْنِ ; م: الْعَيْنُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: قَدِيمٌ.

يَكُونَ لَمْ يَزَلْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِمَنْعِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ نَاظَرَهُمُ الْفَلَاسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَلَمَّا نَاظَرُوهُمْ وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ قَدْ خَصَمُوهُمْ وَغَلَبُوهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ قَدْ خَصَمُوا أَهْلَ الْمِلَلِ مُطْلَقًا لِاعْتِقَادِهِمُ الْفَاسِدِ النَّاشِئِ عَنْ جَهْلِهِمْ بِأَقْوَالِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمِلَلِ بَلْ وَبِأَقْوَالِ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الْقُدَمَاءِ وَظَنِّهِمْ أَنَّهُ (¬1) لَيْسَ لِأَئِمَّةِ الْمِلَلِ وَأَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ قَوْلٌ إِلَّا قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَقَوْلَهُمْ أَوْ قَوْلَ الْمَجُوسِ وَالْحَرَّانِيَّةِ (¬2) ، أَوْ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِ مَادَّةٍ بِعَيْنِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَدْ يَظْهَرُ فَسَادُهَا لِلنُّظَّارِ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ عَامَّةَ الْعُقَلَاءِ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ مُرَادًا مَقْدُورًا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ حَادِثًا كَائِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ هَذَا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ (¬3) ، وَلِهَذَا كَانَ مُجَرَّدُ تَصَوُّرِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الشَّيْءَ مَقْدُورٌ لِلْفَاعِلِ مُرَادٌ لَهُ فَعَلَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ (¬4) بِأَنَّهُ حَادِثٌ، بَلْ مُجَرَّدُ تَصَوُّرِهِمْ كَوْنَ الشَّيْءِ مَفْعُولًا. أَوْ مَخْلُوقًا أَوْ مَصْنُوعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا قَدْ يُنْظَرُ فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِذَا ¬

(¬1) أ، ب: أَنْ. (¬2) يَقْصِدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِالْمَجُوسِ هُنَا الْمُعْتَزِلَةَ (لِقَوْلِهِمْ بِأَنَّ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ وَالشَّرَّ مِنَ الْإِنْسَانِ) . وَيَقْصِدُ بِالْحَرَّانِيَّةِ الْفَلَاسِفَةَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَخَاصَّةً الْفَارَابِيُّ الَّذِي تَعَلَّمَ الْفَلْسَفَةَ مِنَ الصَّابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي حَرَّانَ (انْظُرِ الرَّدَّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ، ص [0 - 9] 87 - 288) . (¬3) ن، م: مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ. (¬4) أ، ب: يُوجِبُ الْعِلْمَ.

عُلِمَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَكُونُ فَاعِلًا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَمَا كَانَ مَقْدُورًا مُرَادًا، فَهُوَ مُحْدَثٌ كَانَ هَذَا أَيْضًا دَلِيلًا ثَانِيًا (¬1) عَلَى أَنَّهُ مُحْدَثٌ. وَلِهَذَا [كَانَ] (¬2) كُلُّ مَنْ تَصَوَّرَ مِنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَوْ خَلَقَ (¬3) شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ كَانَ هَذَا مُسْتَلْزِمًا لِكَوْنِ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ مُحْدَثًا كَائِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَإِذَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: هُوَ قَدِيمٌ مَخْلُوقٌ، أَوْ قَدِيمٌ [مُحْدَثٌ] (¬4) ، وَعَنَى بِالْمَخْلُوقِ وَالْمُحْدَثِ مَا يَعْنِيهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ بِلَفْظِ الْمُحْدَثِ أَنَّهُ مَعْلُولٌ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُولًا مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، فَإِذَا تَصَوَّرَ الْعَقْلُ [الصَّرِيحُ] (¬5) هَذَا الْمَذْهَبَ جَزَمَ بِتَنَاقُضِهِ، وَأَنَّ أَصْحَابَهُ جَمَعُوا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ حَيْثُ قَدَّرُوا مَخْلُوقًا مُحْدَثًا مَعْلُولًا مَفْعُولًا مُمْكِنًا أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ يُعْدَمَ، وَقَدَّرُوهُ مَعَ ذَلِكَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ. وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي مَوَاضِعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُحَصِّلِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ (¬6) عَنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ وُجُودَ مَفْعُولٍ ¬

(¬1) ن، م: أ: ثَابِتًا. (¬2) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: وَخَلَقَ. (¬4) مُحْدَثٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬5) الصَّرِيحُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الرَّازِيُّ، فَخْرُ الدِّينِ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخَطِيبِ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 606، مِنْ أَئِمَّةِ الْأَشَاعِرَةِ الَّذِينَ مَزَجُوا الْمَذْهَبَ الْأَشْعَرِيَّ بِالْفَلْسَفَةِ وَالِاعْتِزَالِ. وَمِنْ أَهَمِّ مُؤَلَّفَاتِهِ " مُحَصِّلُ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ ". طُبِعَ بِالْقَاهِرَةِ سَنَةَ 1323. وَلِابْنِ تَيْمِيَّةَ كِتَابٌ بِعُنْوَانِ " شَرْحُ أَوَّلِ الْمُحَصِّلِ " ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي: " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ، ص [0 - 9] 7، طَبْعَ الْقَاهِرَةِ، 1356/1938 ; وَابْنُ الْقَيِّمِ فِي: " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، ص 19، طَبْعَ دِمَشْقَ، 1953 (بِتَحْقِيقِ الدُّكْتُورِ صَلَاحِ الْمُنْجِدِ) . وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ الرَّازِيِّ فِي ابْنِ خِلِّكَانَ 3/381 - 385 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 5/21 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 8/81 - 96 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 4/246 - 249 ; الْأَعْلَامِ 7/203.

مَعْلُولٍ أَزَلِيٍّ لِلْمُوجِبِ بِذَاتِهِ لَمْ يَقُلْهُ (¬1) أَحَدٌ مِنْهُمْ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَفْعُولٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا. وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَأَمْثَالُهُ مُوَافَقَةً لِابْنِ سِينَا مِنْ أَنَّ الْمُمْكِنَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ قَدْ يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا قَوْلٌ بَاطِلٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. حَتَّى عِنْدَ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ الْقُدَمَاءِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، فَإِنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لِسَائِرِ الْعُقَلَاءِ فِي أَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا كَائِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَرِسْطُو إِذَا قَالَ: إِنَّ الْفَلَكَ قَدِيمٌ لَمْ يَجْعَلْهُ مَعَ ذَلِكَ مُمْكِنًا يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مَقْدُورًا مُرَادًا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ مُحْدَثًا، بَلِ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مَفْعُولًا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ مُحْدَثًا، فَإِنَّ الْفِعْلَ وَالْخَلْقَ وَالْإِبْدَاعَ وَالصُّنْعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يُعْقَلُ إِلَّا مَعَ تَصَوُّرِ حُدُوثِ الْمَفْعُولِ. وَأَيْضًا، فَالْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِ الشَّيْءِ مَفْعُولًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ. (¬2) فِي الزَّمَانِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ، وَلَا يُعْقَلُ قَطُّ فِي الْوُجُودِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ. (¬2) أ، ب: لِلْفَاعِلِ.

المعنى الصحيح للتقدم والتأخر

فَاعِلٌ قَارَنَهُ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ (¬1) سَوَاءٌ سُمِّيَ [عِلَّةً] فَاعِلَةً، أَوْ لَمْ يُسَمَّ (¬2) ، وَلَكِنْ يُعْقَلُ كَوْنُ الشَّرْطِ مُقَارِنًا لِلْمَشْرُوطِ. [المعنى الصحيح للتقدم والتأخر] وَالْمَثَلُ (¬3) الَّذِي يَذْكُرُونَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ حَرَّكْتُ يَدِيَ، فَتَحَرَّكَ خَاتَمِي، أَوْ كُمِّي (¬4) ، أَوِ الْمِفْتَاحُ (¬5) ، وَنَحْوُ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، فَإِنَّ حَرَكَةَ الْيَدِ لَيْسَتْ هِيَ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ، وَلَا الْفَاعِلُ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ، [بَلِ الْخَاتَمُ] (¬6) مَعَ الْإِصْبَعِ كَالْإِصْبَعِ مَعَ الْكَفِّ، فَالْخَاتَمُ مُتَّصِلٌ (¬7) بِالْإِصْبَعِ، وَالْإِصْبَعُ مُتَّصِلَةٌ بِالْكَفِّ لَكِنَّ الْخَاتَمَ يُمْكِنُ نَزْعُهَا بِلَا أَلَمٍ بِخِلَافِ الْإِصْبَعِ، وَقَدْ يَعْرِضُ بَيْنَ الْإِصْبَعِ وَالْخَاتَمِ خُلُوٌّ يَسِيرٌ (¬8) بِخِلَافِ أَبْعَاضِ الْكَفِّ. وَلَكِنَّ حَرَكَةَ الْإِصْبَعِ شَرْطٌ فِي حَرَكَةِ الْخَاتَمِ، كَمَا أَنَّ حَرَكَةَ الْكَفِّ شَرْطٌ فِي حَرَكَةِ الْإِصْبَعِ أَعْنِي فِي الْحَرَكَةِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي مَبْدَؤُهَا مِنَ الْيَدِ بِخِلَافِ الْحَرَكَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلْخَاتَمِ، أَوْ لِلْإِصْبَعِ ابْتِدَاءً، فَإِنَّ هَذِهِ [مُتَّصِلَةٌ] (¬9) مِنْهَا إِلَى الْكَفِّ كَمَنْ يَجُرُّ إِصْبَعَ غَيْرِهِ، فَيَجُرُّ مَعَهُ كَفَّهُ. وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ أَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ يَكُونُ بِالذَّاتِ وَالْعِلَّةِ كَحَرَكَةِ ¬

(¬1) أ، ب: وَلَا يُعْقَلُ قَطُّ فِي الْوُجُودِ مُقَارَنَةُ مَفْعُولِهِ الْمُعَيَّنِ. (¬2) ن، م: سَوَاءٌ سُمِّيَ فَاعِلُهُ أَوْ لَمْ يُسَمَّ. (¬3) ن، م: وَالْمِثَالُ. (¬4) أ، ب: فَمِي، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) انْظُرِ ابْنَ سِينَا: (الشِّفَاءَ: الْإِلَهِيَّاتِ، 1/165، الْقَاهِرَةِ، 1380/1960 ; الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ، 3/105، الْقَاهِرَةِ، 1948) حَيْثُ يَتَكَلَّمُ عَنِ ارْتِبَاطِ حَرَكَةِ الْمِفْتَاحِ بِحَرَكَةِ الْيَدِ. (¬6) بَلِ الْخَاتَمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: مُتَّصِلَةٌ. (¬8) أ، ب: وَلَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِصْبَعِ وَالْخَاتَمِ بِيَسِيرٍ. (¬9) أ، ب: مُنْفَصِلَةٌ ; ن، م: مُتَّصِلٌ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: فَإِنَّ هَذِهِ الْحَرَكَةَ مُتَّصِلَةٌ مِنْ إِلَى الْإِصْبَعِ الْكَفِّ.

الْإِصْبَعِ، وَيَكُونُ بِالطَّبْعِ كَتَقَدُّمِ الْوَاحِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَ [يَكُونُ] بِالْمَكَانَةِ (¬1) كَتَقَدُّمِ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ، وَ [يَكُونُ] بِالْمَكَانِ (¬2) كَتَقَدُّمِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي: وَتَقَدُّمِ مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ عَلَى مُؤَخَّرِهِ، وَيَكُونُ بِالزَّمَانِ كَلَامٌ مُسْتَدْرَكٌ. فَإِنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ الْمَعْرُوفَ هُوَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ بِالزَّمَانِ، [فَإِنَّ قَبْلَ] (¬3) وَبَعْدَ وَمَعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، مَعَانِيهَا لَازِمَةٌ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ الزَّمَانِيِّ، وَأَمَّا التَّقَدُّمُ بِالْعِلِّيَّةِ (¬4) ، أَوِ الذَّاتِ مَعَ الْمُقَارَنَةِ فِي الزَّمَانِ، فَهَذَا لَا يُعْقَلُ أَلْبَتَّةَ، وَلَا لَهُ مِثَالٌ مُطَابِقٌ فِي الْوُجُودِ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ تَخَيُّلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَأَمَّا تَقَدُّمُ الْوَاحِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْوَاحِدَ الْمُطْلَقَ، (5 فَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَلَكِنْ فِي الذِّهْنِ، وَالذِّهْنُ يَتَصَوَّرُ الْوَاحِدَ الْمُطْلَقَ 5) (¬5) قَبْلَ الِاثْنَيْنِ الْمُطْلَقِ، فَيَكُونُ مُتَقَدِّمًا فِي التَّصَوُّرِ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَعْنِ بِهِ هَذَا فَلَا تَقَدُّمَ، بَلِ الْوَاحِدُ شَرْطٌ فِي الِاثْنَيْنِ مَعَ كَوْنِ الشَّرْطِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنِ الْمَشْرُوطِ، بَلْ (¬6) قَدْ يُقَارِنُهُ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ، فَلَيْسَ هُنَا تَقَدُّمٌ وَاجِبٌ (¬7) غَيْرُ التَّقَدُّمِ الزَّمَانِيِّ. وَأَمَّا التَّقَدُّمُ بِالْمَكَانِ، فَذَاكَ نَوْعٌ آخَرُ، وَأَصْلُهُ مِنَ التَّقَدُّمِ بِالزَّمَانِ، فَإِنَّ ¬

(¬1) ن، م: وَبِالْمَكَانَةِ. (¬2) ن، م: وَبِالْمَكَانِ. (¬3) عِبَارَةُ " فَإِنَّ قَبْلَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن: بِالْغَلَبَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) (5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: تَقَدُّمًا وَاجِبًا، وَهُوَ خَطَأٌ.

الزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة

مُقَدَّمَ الْمَسْجِدِ تَكُونُ فِيهِ الْأَفْعَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ بِالزَّمَانِ عَلَى مُؤَخَّرِهِ، فَالْإِمَامُ يَتَقَدَّمُ فِعْلُهُ بِالزَّمَانِ لِفِعْلِ الْمَأْمُومِ، فَسُمِّيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ مُتَقَدِّمًا، وَأَصْلُهُ هَذَا. وَكَذَلِكَ التَّقَدُّمُ بِالرُّتْبَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْفَضَائِلِ مُقَدَّمُونَ فِي الْأَفْعَالِ الشَّرِيفَةِ وَالْأَمَاكِنِ (¬1) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ هُوَ (¬2) دُونَهُمْ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ تَقَدُّمًا، وَأَصْلُهُ هَذَا. وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ الْأَوَّلَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ (¬3) كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا فَكُلُّ فِعْلٍ مُعَيَّنٍ وَمَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ هُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ. [الزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة] وَإِذَا قِيلَ: الزَّمَانُ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ، فَلَيْسَ هُوَ مِقْدَارَ حَرَكَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَحَرَكَةِ الشَّمْسِ، أَوِ الْفَلَكِ (¬4) ، بَلِ الزَّمَانُ الْمُطْلَقُ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ (¬5) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حَرَكَاتٌ وَأَزْمِنَةٌ، وَبَعْدَ أَنْ يُقِيمَ اللَّهُ الْقِيَامَةَ، فَتَذْهَبُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ حَرَكَاتٌ وَأَزْمِنَةٌ (¬6) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 62] . وَجَاءَ فِي الْآثَارِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ بِأَنْوَارٍ تَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ ¬

(¬1) أ، ب: وَالْأَمْكِنَةِ. (¬2) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: فَإِذَا كَانَ الرَّبُّ هُوَ الْأَوَّلَ كَالْمُتَقَدِّمِ عَلَى مَا سِوَاهُ. إِلَخْ. (¬4) ب:. حَرَكَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِلشَّمْسِ أَوِ الْفَلَكِ ; أ: حَرَكَةٍ مُعَيَّنَةِ الشَّمْسِ أَوِ الْفَلَكِ. (¬5) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) وَأَزْمِنَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الْعَرْشِ، وَكَذَلِكَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ يَوْمُ الْمَزِيدِ يَوْمُ الْجُمْعَةِ يُعْرَفُ بِمَا يَظْهَرُ فِيهِ مِنَ الْأَنْوَارِ الْجَدِيدَةِ الْقَوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْجَنَّةُ كُلُّهَا نُورًا يَزْهَرُ، وَنَهَرًا يَطَّرِدُ (¬1) لَكِنْ يَظْهَرُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ نُورٌ آخَرُ يَتَمَيَّزُ بِهِ النَّهَارُ عَنِ اللَّيْلِ (¬2) . فَالرَّبُّ تَعَالَى إِذَا [كَانَ] (¬3) لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ، فَعَّالًا بِمَشِيئَتِهِ كَانَ مِقْدَارُ كَلَامِهِ وَفِعَالِهِ (¬4) الَّذِي لَمْ يَزَلْ هُوَ الْوَقْتَ الَّذِي يَحْدُثُ فِيهِ مَا يُحْدُثُ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ التَّقَدُّمَ الْحَقِيقِيَّ الْمَعْقُولَ (¬5) . وَلَا نَحْتَاجُ أَنْ نُجِيبَ عَنْ هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَالرَّازِيُّ وَغَيْرُهُمَا: مِنْ أَنَّ فِي أَنْوَاعِ التَّقَدُّمَاتِ تَقَدُّمَ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ، وَأَنَّ تَقَدُّمَ الرَّبِّ عَلَى الْعَالَمِ هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. فَإِنَّ هَذَا قَدْ يُرَدُّ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَقَدُّمَ بَعْضِ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ عَلَى بَعْضٍ هُوَ بِالزَّمَانِ، فَإِنَّهُ ¬

(¬1) أ، ب: يَطَّرِبُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " وَنَهَرًا يَطَّرِدُ " مِنْ (م) . وَنَقَلَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِي كِتَابِهِ " حَادِي الْأَرْوَاحِ إِلَى بِلَادِ الْأَفْرَاحِ "، ص [0 - 9] 02، الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ، الْقَاهِرَةِ، 1938، عَنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أَلَا هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا حَظَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ. " الْحَدِيثَ (وَقَدْ رَوَاهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ 5/475 - 476، الْقَاهِرَةِ، 1352/1933) . وَفِي اللِّسَانِ: وَجَدْوَلٌ مُطَّرِدٌ: سَرِيعُ الْجِرْيَةِ، وَالْأَنْهَارُ تَطَّرِدُ أَيْ تَجْرِي، وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: وَإِذَا نَهْرَانِ يَطَّرِدَانِ أَيْ يَجْرِيَانِ وَهُمَا يَفْتَعِلَانِ. (¬2) ب: يَتَمَيَّزُ بِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ; أ: يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. (¬3) كَانَ: سَاقِطَةٌ فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ، وَأَضَفْتُهَا لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ. (¬4) ب: وَفِعْلِهِ. (¬5) ن، م: هُوَ الْوَقْتَ الَّذِي يُحْدِثُ فِيهِ مَا يُحْدِثُ وَهُوَ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ، مُتَقَدِّمٌ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ التَّقَدُّمَ الْحَقِيقِيَّ الْمَفْعُولَ. وَسَقَطَتْ " وَهُوَ " مِنْ (م) .

لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّقَدُّمِ بِالزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ (¬1) زَمَانٌ خَارِجٌ عَنِ التَّقَدُّمِ وَالْمُتَقَدِّمِ وَصِفَاتِهِمَا، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ يَكُونُ قَبْلَ الْمُتَأَخِّرِ (¬2) الْقَبْلِيَّةَ الْمَعْقُولَةَ كَتَقَدُّمِ الْيَوْمِ عَلَى غَدٍ، وَأَمْسٍ عَلَى الْيَوْمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَقَدُّمَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمَا يُقَارِنُهُ مِنَ الْحَوَادِثِ عَلَى الزَّوَالِ نَوْعٌ وَاحِدٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ نَفْسِ الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ، وَبَيْنَ تَقَدُّمِ مَا يَكُونُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: أَجْزَاءُ (¬3) الزَّمَانِ مُتَّصِلَةٌ مُتَلَاحِقَةٌ لَيْسَ فِيهَا فَصْلٌ (¬4) عَنْ (¬5) الزَّمَانِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْبَارِيَ لَمْ يَزَلْ غَيْرَ فَاعِلٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ، ثُمَّ صَارَ. [فَاعِلًا. وَ] مُتَكَلِّمًا (¬6) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ يَجْعَلُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا مِنَ الْفَصْلِ (¬7) مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَقَدُّمِ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ (¬8) ؟ . وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعِلْمُ بِأَنَّ الْفَاعِلَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، بَلِ الْفَاعِلُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ إِنَّمَا يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ - وَإِنْ كَانَ هَذَا لَازِمًا لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ - فَالْعِلْمُ (¬9) بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ فَاعِلًا لِلشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ ¬

(¬1) هُنَاكَ ; سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: التَّقَدُّمَ يَكُونُ قَبْلَ التَّأَخُّرِ. (¬3) ن (فَقَطْ) : آخَرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن: فَضْلٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) أ، ب: غَيْرُ. (¬6) ن: ثُمَّ صَارَ مُتَكَلِّمًا ; م: ثُمَّ صَارَ فَاعِلًا مُتَكَلِّمًا. (¬7) ن: الْفَضْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن: إِلَى بَعْضٍ. (¬9) فَالْعِلْمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

أَبْدَعَهُ، وَأَحْدَثَهُ، وَصَنَعَهُ، (1 وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْعِبَارَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي أَنَّ الْمَفْعُولَ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ 1) (¬1) (2 وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قُدِّرَ دَوَامُ كَوْنِهِ فَاعِلًا بِقُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ 2) (¬2) . فَعُلِمَ أَنَّ إِرَادَتَهُ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَزَلِ [مُمْتَنِعٌ] (¬3) ; لِأَنَّ إِرَادَةَ وُجُودِهِ تَقْتَضِي إِرَادَةَ وُجُودِ لَوَازِمِهِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ [وُجُودِ] (¬4) اللَّازِمِ مُحَالٌ، فَتِلْكَ الْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ لَوِ اقْتَضَتْ وُجُودَ مُرَادٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَزَلِ لَاقْتَضَتْ وُجُودَ لَوَازِمِهِ، وَمَا مِنْ وُجُودٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمُرَادَاتِ إِلَّا. وَهُوَ مُقَارِنٌ لِشَيْءٍ آخَرَ (¬5) مِنَ الْحَوَادِثِ كَالْفَلَكِ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْحَوَادِثِ، وَكَذَلِكَ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ الَّتِي يُثْبِتُهَا هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ هِيَ لَا تَزَالُ مُقَارِنَةً لِلْحَوَادِثِ، وَإِنْ قَالُوا: إِنَّ الْحَوَادِثَ مَعْلُولَةٌ لَهَا، فَإِنَّهَا مُلَازِمَةٌ مُقَارِنَةٌ لَهَا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوَادِثَ مَشْهُودَةٌ فِي الْعَالَمِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لَمْ تَزَلْ مُقَارِنَةً لِلْعَالَمِ، أَوْ تَكُونُ حَادِثَةً فِيهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، فَإِنْ لَمْ تَزَلْ مُقَارِنَةً لَهُ ثَبَتَ أَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَزَلْ مُقَارِنًا لِلْحَوَادِثِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا حَادِثَةٌ فِيهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ كَانَ الْعَالَمُ خَالِيًا عَنِ الْحَوَادِثِ، ثُمَّ حَدَثَتْ فِيهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا سَلَّمُوهُ هُمْ. ¬

(¬1) (1 - 1) : الْكَلَامُ الَّذِي يُقَابِلُ هَذَا السَّطْرَ فِي نُسْخَةِ: ن (فَقَطْ) (ص 16) نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. (¬2) (2 - 2) بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ جَاءَ فِي أ، ب: وَأَنَّ (ب: وَأَنَّهُ) فَعَلَهُ بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ. (¬3) مُمْتَنِعٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) وُجُودِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) آخَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) .

الأقوال الثلاثة في دوام أنواع الحوادث أزلا وأبدا

فَإِنْ (¬1) قِيلَ: إِنَّ هَذَا جَائِزٌ أَمْكَنَ (¬2) وُجُودُ الْعَالَمِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحَوَادِثِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَوَادِثَ حَدَثَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً أَعْنِي نَوْعَ الْحَوَادِثِ، وَإِلَّا فَكُلُّ حَادِثٍ مُعَيَّنٍ فَهُوَ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. [الأقوال الثلاثة في دوام أنواع الحوادث أزلا وأبدا] وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي نَوْعِ الْحَوَادِثِ هَلْ يُمْكِنُ دَوَامُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي، أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ، أَوْ لَا يُمْكِنُ دَوَامُهَا لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ (¬3) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ أَهْلِ (¬4) النَّظَرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَضْعَفُهَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: لَا يُمْكِنُ دَوَامُهَا لَا فِي الْمَاضِي، وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ (¬5) ، وَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ، وَثَانِيهَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: يُمْكِنُ دَوَامُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي كَقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مَنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: [يُمْكِنُ] (¬6) دَوَامُهَا فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. كَمَا يَقُولُهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَئِمَّةُ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ. لَكِنِ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ كَأَرِسْطُو، وَشِيعَتِهِ يَقُولُونَ. بِدَوَامِ حَوَادِثِ الْفَلَكِ، وَأَنَّهُ مَا مِنْ دَوْرَةٍ إِلَّا وَهِيَ (¬7) مَسْبُوقَةٌ بِأُخْرَى لَا إِلَى أَوَّلٍ وَأَنَّ اللَّهَ ¬

(¬1) ن، م: وَإِنْ. (¬2) ن، م: لَكِنْ. (¬3) أ، ب: أَوْ فِي الْمَاضِي فَقَطْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن، م: لِأَهْلِ. (¬5) ن، م: كَقَوْلِ الْجَهْمِ. (¬6) يُمْكِنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) وَهِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) .

لَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، [بَلْ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا، كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ] (¬1) ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ: الْمُسْلِمِينَ، وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِهَا يَقُولُونَ. بِأَزَلِيَّةِ الْحَوَادِثِ فِي الْمُمْكِنَاتِ، وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، [وَرَبُّهُ، وَمَلِيكُهُ] (¬2) ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْخَالِقِ الْوَاجِبِ، وَالْمَخْلُوقِ الْمُمْكِنِ فِي دَوَامِ الْحَوَادِثِ وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَأَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ [الْقُدَمَاءِ] (¬3) ، فَهُمْ وَإِنْ قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَلَمْ (¬4) يَزَلْ حَيًّا فَعَّالًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ إِنْ جَوَّزُوا حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ بَطَلَتْ عُمْدَتُهُمْ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ، وَإِنْ مَنَعُوا ذَلِكَ امْتَنَعَ خُلُوُّ الْعَالَمِ عَنِ الْحَوَادِثِ، وَهُمْ [لَا] يُسَلِّمُونَ (¬5) أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنَ الْحَوَادِثِ. وَإِذَا كَانَ [كُلُّ] (¬6) مَوْجُودٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مُرَادَاتِ اللَّهِ الَّتِي يَخْلُقُهَا، فَإِنَّهُ مُقَارِنٌ (¬7) ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ الْقُدَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْمِلَلِ. (¬4) أ، ب: أَوْ لَمَ. (¬5) ن، م، أ: وَهُمْ يُسَلِّمُونَ. (¬6) كُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) ن (فَقَطْ) : مُفَارِقٌ.

اعتراض يشبه قول ابن ملكا والرد عليه

لِلْحَوَادِثِ مُسْتَلْزِمٌ لَهَا امْتَنَعَ إِرَادَتُهُ دُونَ إِرَادَةِ لَوَازِمِهِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا، وَاللَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقُهُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ ذَلِكَ بِإِرَادَتِهِ، وَبَعْضُهُ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِ، بَلِ الْجَمِيعُ بِإِرَادَتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَالْإِرَادَةُ الْأَزَلِيَّةُ الْقَدِيمَةُ (¬1) إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَلْزِمَةً لِمُقَارَنَةِ مُرَادِهَا لَهَا، وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَلَوَازِمُهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَالْحَوَادِثُ لَازِمَةٌ لِكُلِّ مُرَادٍ مَصْنُوعٍ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً لَهُ، وَأَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً (¬2) ، إِذِ التَّقْدِيرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُقَارِنٌ لِلْإِرَادَةِ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْحَوَادِثِ الْمُتَعَاقِبَةِ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ. [اعتراض يشبه قول ابن ملكا والرد عليه] وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ الْقَدِيمَ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ، وَأَرَادَ الْحَوَادِثَ الْمُتَعَاقِبَةَ عَلَيْهِ (¬3) بِإِرَادَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، كَمَا قَدْ يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ صَاحِبِ الْمُعْتَبَرِ (¬4) . ¬

(¬1) أ، ب: الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ. (¬2) أ، ب: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا (أ: قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً) ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي (ن) ، (م) . وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْحَوَادِثُ مُرَادَةً وَأَنْ تَكُونَ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً. (¬3) ن، م: عَلَيْهَا. (¬4) وَهُوَ أَبُو الْبَرَكَاتِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مَلْكَا صَاحِبُ كِتَابِ " الْمُعْتَبَرِ فِي الْحِكْمَةِ " اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَسَمَّاهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ: هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُ مَلْكَا، وَقَالَ آخَرُونَ: ابْنُ مَلْكَانِ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ 547، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهَا 560 أَوْ 570، وَهُوَ طَبِيبٌ وَفَيْلَسُوفٌ كَانَ يَهُودِيًّا وَأَسْلَمَ، يُعْرَفُ بِأَوْحَدِ الزَّمَانِ وَبِفَيْلَسُوفِ الْعِرَاقَيْنِ. طُبِعَ كِتَابُهُ " الْمُعْتَبَرُ " فِي حَيْدَرَ آبَادَ سَنَةَ 1357. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَالْكَلَامَ عَنْ كِتَابِهِ فِي: آخِرِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِهِ " الْمُعْتَبَرِ " ص [0 - 9] 30 - 252 ; طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ (ط. بَيْرُوتَ) 2/296 - 300 ; أَخْبَارَ الْحُكَمَاءِ لِابْنِ الْقِفْطِيِّ، ص [0 - 9] 43 - 346 ; تَارِيخَ حُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ لِظَهِيرِ الدِّينِ الْبَيْهَقِيِّ، ص 152 - 154 ; نُكَتَ الْهِمْيَانِ لِلصَّفَدِيِّ، ص 304 ; وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 5/124، 125 ; الْأَعْلَامَ 9/63.

قول الكلابية

قِيلَ: أَوَّلًا: كَوْنُ الشَّيْءِ مُرَادًا يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ، بَلْ وَتَصَوُّرُ كَوْنِهِ مَفْعُولًا يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ، فَإِنَّ مُقَارَنَةَ الْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ لِفَاعِلِهِ مُمْتَنِعٌ فِي بِدَايَةٍ (¬1) الْعُقُولِ. وَقِيلَ: ثَانِيًا: إِنْ (¬2) جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِرَادَاتٌ مُتَعَاقِبَةٌ دَائِمَةُ النَّوْعِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ حَادِثًا بِتِلْكَ الْإِرَادَاتِ، فَالْقَوْلُ حِينَئِذٍ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ قَوْلٌ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا. وَقِيلَ: ثَالِثًا: إِنَّ (¬3) الْفَاعِلَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِإِرَادَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ يَمْتَنِعُ قِدَمُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إِرَادَاتِهِ (¬4) ، وَأَفْعَالِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ قِدَمُ شَيْءٍ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ، فَيَمْتَنِعُ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ. وَقِيلَ: رَابِعًا: إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ فِي الْأَزَلِ كَانَ مُرِيدًا لِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ - كَالْفَلَكِ - إِرَادَةً مُقَارِنَةً لِلْمُرَادِ [لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلَوَازِمِهِ إِرَادَةً مُقَارِنَةً لِلْمُرَادِ] (¬5) ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ مُحَالٌ، وَاللَّازِمُ لَهُ نَوْعُ الْحَوَادِثِ، وَإِرَادَةُ النَّوْعِ إِرَادَةٌ مُقَارِنَةٌ (6 لَهُ فِي الْأَزَلِ مُحَالٌ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ النَّوْعِ كُلِّهِ فِي الْأَزَلِ. [قول الكلابية] وَإِذَا قِيلَ: اللَّازِمُ لَهُ دَوَامُ 6) (¬6) الْحَوَادِثِ (¬7) ، فَيَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِدَوَامِ الْإِرَادَةِ لِتِلْكَ الْحَوَادِثِ. ¬

(¬1) أ، ب: بَدَاهَةِ. (¬2) ن، م: إِذَا. . (¬3) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬4) ن، م: إِرَادَتِهِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬6) (6 - 6) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن: الْحَادِثُ ; ب: لِلْحَوَادِثِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ.

قول الأشعرية والكرامية وموافقيهم

قِيلَ: مَعْلُومٌ أَنَّ إِرَادَةَ هَذَا الْحَادِثِ لَيْسَتْ إِرَادَةَ هَذَا الْحَادِثِ، وَإِنْ جَوَّزُوا هَذَا لَزِمَهُمْ أَنْ يُجَوِّزُوا وُجُودَ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ قَدِيمَةٍ [أَزَلِيَّةٍ] (¬1) ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ كَابْنِ كُلَّابٍ وَأَتْبَاعِهِ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالْمَعْلُولُ الْمُعَيَّنُ الْقَدِيمُ إِذَا قُدِّرَ كَانَ [مُرَادًا] (¬2) بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ أَزَلِيَّةٍ بَاقِيَةٍ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا إِرَادَةُ (¬3) شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ ; لِأَنَّ (¬4) الْحَادِثَ لَا يَكُونُ قَدِيمًا، وَنَوْعُ الْإِرَادَاتِ وَالْحَوَادِثِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ قَدِيمٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: يَقْتَرِنُ بِهَا النَّوْعُ الدَّائِمُ (¬5) لَكِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ مِنْ وُجُوهٍ قَدْ ذُكِرَ بَعْضُهَا. [قول الأشعرية والكرامية وموافقيهم] وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْإِرَادَةَ الْقَدِيمَةَ الْأَزَلِيَّةَ [لَيْسَتْ] (¬6) مُسْتَلْزِمَةً لِمُقَارَنَةِ مُرَادِهَا لَهَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا ; لِأَنَّ حُدُوثَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يَفْتَقِرُ إِلَى سَبَبٍ حَادِثٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ (¬7) جَازَ أَنْ يُقَالَ: [إِنَّ] (¬8) الْحَوَادِثَ تَحْدُثُ بِالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ - كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ ¬

(¬1) أَزَلِيَّةٍ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) مُرَادًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) إِرَادَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: أَنَّ. (¬5) أ: الْقَائِمُ، ب: الْقَدِيمُ. (¬6) لَيْسَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن: فَإِنْ. (¬8) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَالْكَرَّامِيَّةِ، [وَغَيْرِهِمْ] (¬1) ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ - كَانَ هَذَا مُبْطِلًا لِحُجَّةِ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ. فَإِنَّ أَصْلَ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْحَوَادِثَ لَا تَحْدُثُ إِلَّا بِسَبَبٍ حَادِثٍ، فَإِذَا جَوَّزُوا حُدُوثَهَا (¬2) عَنِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، أَوْ جَوَّزُوا حُدُوثَهَا بِالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ بَطَلَتْ عُمْدَتُهُمْ، وَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ (¬3) ذَلِكَ. وَأَصْلُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ قَدِيمًا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ صَدَرَ عَنْ مُؤَثِّرٍ تَامٍّ سَوَاءٌ سُمِّيَ عِلَّةً تَامَّةً، أَوْ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، أَوْ قِيلَ: إِنَّهُ قَادِرٌ مُخْتَارٌ، وَاخْتِيَارُهُ أَزَلِيٌّ مُقَارِنٌ لِمُرَادِهِ فِي الْأَزَلِ (¬4) ، وَيَمْتَنِعُ (¬5) أَنْ يَكُونَ فِي الْأَزَلِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَزَلِ قَادِرٌ مُخْتَارٌ يُقَارِنُهُ مُرَادُهُ سَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ عِلَّةً تَامَّةً، أَوْ لَمْ يُسَمَّ، وَسَوَاءٌ سُمِّيَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، [أَوْ لَمْ يُسَمَّ] (¬6) ، بَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الْمَفْعُولَاتِ [الْمُعَيَّنَةِ] (¬7) الْعَقْلِيَّةِ مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ الْأَزَلِيِّ فِي الزَّمَانِ، وَامْتِنَاعُ هَذَا مَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَزَلِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ، أَوْ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ سَوَاءٌ (¬8) سُمِّيَ قَادِرًا مُخْتَارًا، أَوْ لَمْ يُسَمَّ. ¬

(¬1) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: إِحْدَاثَهَا. (¬3) أ، ب: وَلَا يُجَوِّزُونَ. (¬4) فِي الْأَزَلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬5) ن، م: فَيَمْتَنِعُ. (¬6) أَوْ لَمْ يُسَمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) الْمُعَيَّنَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) سَوَاءٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

قول ابن سينا

وَسِرُّ ذَلِكَ: أَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يُقَارِنَهُ أَثَرُهُ الْمُسَمَّى مَعْلُولًا. أَوْ مُرَادًا، أَوْ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، أَوْ مُبْدِعًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ لَكِنَّ مُقَارَنَةَ ذَلِكَ لَهُ فِي الْأَزَلِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْدُثَ عَنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَادِثًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْحَوَادِثِ فَاعِلٌ، بَلْ كَانَتْ حَادِثَةً بِنَفْسِهَا، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ بِنَفْسِهِ، فَإِثْبَاتُ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ أَوْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يُقَارِنُهُ مُرَادُهُ فِي الْأَزَلِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ. (¬1) فَاعِلٌ، وَهَذَا مُحَالٌ. [قول ابن سينا] لَا سِيَّمَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْعَالَمَ صَدَرَ عَنْ ذَاتٍ بَسِيطَةٍ لَا يَقُومُ بِهَا صِفَةٌ وَلَا فِعْلٌ، كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا، وَأَمْثَالُهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِصُدُورِ الْأُمُورِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ ذَاتٍ بَسِيطَةٍ، وَإِنَّ الْعِلَّةَ الْبَسِيطَةَ التَّامَّةَ الْأَزَلِيَّةَ تُوجِبُ مَعْلُولَاتٍ مُخْتَلِفَةً، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَقْوَالِ امْتِنَاعًا فِي صَرِيحِ الْمَعْقُولِ. وَمَهْمَا أَثْبَتُوهُ مِنَ الْوَسَائِطِ كَالْعُقُولِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُخَلِّصُهُمْ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الْبَاطِلِ. فَإِنَّ تِلْكَ الْوَسَائِطَ -[كَالْعُقُولِ]- (¬2) صَدَرَتْ عَنْ غَيْرِهَا، وَصَدَرَ عَنْهَا غَيْرُهَا. فَإِنْ كَانَتْ بَسِيطَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَقَدْ صَدَرَ الْمُخْتَلِفُ الْحَادِثُ (¬3) عَنِ الْبَسِيطِ الْأَزَلِيِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا (¬4) اخْتِلَافٌ، أَوْ قَامَ بِهَا حَادِثٌ، فَقَدْ صَدَرَتْ أَيْضًا (¬5) الْمُخْتَلِفَاتُ وَالْحَوَادِثُ عَنِ الْبَسِيطِ التَّامِّ [الْأَزَلِيِّ] (¬6) ، ¬

(¬1) ن: فِي الْحَوَادِثِ. (¬2) كَالْعُقُولِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: فَقَدْ صَدَرَ الْبَسِيطُ الْمُخْتَلِفُ الْحَادِثُ. (¬4) ن: بِهَا ; م: فِيهِمَا. (¬5) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬6) الْأَزَلِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، فَقَطْ.

وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ، فَهُمْ مَعَ الْقَوْلِ (¬1) بِأَنَّ مُبْدِعَ الْعَالَمِ عِلَّةٌ لَهُ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ مُرَاعَاةِ مُوجَبِ التَّعْلِيلِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ. [أَيْضًا] (¬2) : إِنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِبَعْضِ الْعَالَمِ كَالْأَفْلَاكِ مَثَلًا. وَلَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً فِي الْأَزَلِ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ، بَلْ لَا يَصِيرُ عِلَّةً تَامَّةً لِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَّا عِنْدَ حُدُوثِهِ، فَيَصِيرُ عِلَّةً بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً (¬3) مَعَ أَنَّ حَالَهُ قَبْلَ [وَمَعَ] (¬4) ، وَبَعْدَ حَالٌ. (¬5) وَاحِدَةٌ، فَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَقْتٍ بِحَوَادِثِهِ، وَبِكَوْنِهِ صَارَ عِلَّةً تَامَّةً فِيهِ لِتِلْكَ الْحَوَادِثِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ، وَلَا مُخَصِّصَ إِلَّا الذَّاتُ الْبَسِيطَةُ، وَحَالُهَا فِي نَفْسِهَا. [وَاحِدٌ أَزَلًا وَأَبَدًا، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِحَوَادِثٍ مَخْصُوصَةٍ دُونَ بَعْضٍ مَعَ تَمَاثُلِ أَحْوَالِهَا فِي نَفْسِهَا؟] (¬6) . وَهَذَا بِعَيْنِهِ تَخْصِيصٌ (¬7) لِكُلِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ الْحَادِثَةِ (¬8) الْمُتَمَاثِلَةِ (¬9) عَنْ سَائِرِ أَمْثَالِهِ بِذَلِكَ الْإِحْدَاثِ، وَبِتِلْكَ الْمُحْدَثَاتِ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الْمَثَلُ، فَقَدَ وَقَعَ هَؤُلَاءِ فِي أَضْعَافِ مَا فَرُّوا مِنْهُ وَأَضْعَافِ أَضْعَافِهِ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى. ¬

(¬1) ن، م: فَهُمْ مَعَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. إِلَخْ. (¬2) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) : أَيْضًا يَقُولُونَ. (¬3) عِلَّةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) وَمَعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: حَالَةٌ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) م: مُخَصَّصٌ. (¬8) الْحَادِثَةِ: فِي (ن) فَقَطْ. (¬9) ن، م: الْمُمَاثِلَةِ.

وَإِذَا قِيلَ: حُدُوثُ الْحَادِثِ الْأَوَّلِ أَعَدَّ الذَّاتَ لِحُدُوثِ الثَّانِي. . قِيلَ لَهُمْ: فَالذَّاتُ نَفْسُهَا هِيَ عِلَّةُ الْجَمِيعِ، وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْجَمِيعِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَمَا الْمُوجِبُ لِكَوْنِهَا جَعَلَتْ ذَلِكَ يَعُدُّهَا لِهَذَا دُونَ الْعَكْسِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهَا شَيْءٌ يُوجِبُ التَّخْصِيصَ.؟ . وَأَيْضًا: فَكَيْفَ تَصِيرُ هِيَ فَاعِلَةٌ (¬1) لِهَذَا الْحَادِثِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ فَاعِلَةً لَهُ (¬2) مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ يَقُومُ بِهَا؟ . وَأَيْضًا: فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْلُولُهَا يَجْعَلُهَا فَاعِلَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ فَاعِلَةً بِدُونِ فِعْلٍ يَقُومُ بِهَا؟ . وَإِذَا قَالُوا: أَفْعَالُهَا تَخْتَلِفُ، وَتَحْدُثُ لِاخْتِلَافِ الْقَوَابِلِ وَالشَّرَائِطِ وَحُدُوثِ ذَلِكَ الِاسْتِعْدَادِ، [وَ] سَبَبُ (¬3) ذَلِكَ الْحُدُوثِ هُوَ الْحَرَكَاتُ الْفَلَكِيَّةُ وَالِاتِّصَالَاتُ الْكَوْكَبِيَّةُ. قِيلَ لَهُمْ: هَذَا إِنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَإِنَّمَا يُمْكِنُ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ فَاعِلُ الْإِعْدَادِ غَيْرَ فَاعِلِ الْإِمْدَادِ كَالشَّمْسِ الَّتِي يَفِيضُ نُورُهَا وَحَرَارَتُهَا عَلَى الْعَالَمِ، وَيَخْتَلِفُ فِعْلُهَا، وَيَتَأَخَّرُ كَمَالُ تَأْثِيرِهَا عَنْ شُرُوقِهَا لِاخْتِلَافِ الْقَوَابِلِ وَحُدُوثِهَا، وَالْقَوَابِلُ لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِ الشَّمْسِ. وَكَذَلِكَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ الَّذِي يَخْتَلِفُ فَيْضُهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ بِاخْتِلَافِ قَوَابِلِهِ، فَإِنَّ الْقَوَابِلَ اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ، وَلَيْسَتْ حَرَكَاتُ كُلِّ الْأَفْلَاكِ عَنِ الْعَقْلِ الْفَيَّاضِ. ¬

(¬1) ن: تَصِيرُ عِلَّةً ; م: تَصِيرُ هِيَ عِلَّةٌ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: ذَلِكَ الِاسْتِعْدَادِ سَبَبُ. إِلَخْ.

فَأَمَّا الذَّاتُ: الَّتِي مِنْهَا الْإِعْدَادُ، وَمِنْهَا الْإِمْدَادُ، وَمِنْهَا الْفَيْضُ، وَمِنْهَا الْقَبُولُ، وَهِيَ الْفَاعِلَةُ لِلْقَابِلِ وَالْمَقْبُولِ وَالشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا اخْتُلِفَ فِعْلُهَا أَوْ فَيْضُهَا أَوْ إِيجَابُهَا، [وَتَأَخَّرَ] (¬1) لِاخْتِلَافِ الْقَوَابِلِ وَالشُّرُوطِ، أَوْ لِتَأَخُّرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: الْقَوْلُ (¬2) فِي اخْتِلَافِ الْقَوَابِلِ وَالشُّرُوطِ وَتَأَخُّرِهَا كَالْقَوْلِ فِي اخْتِلَافِ [الْمَقْبُولِ] (¬3) ، وَالْمَشْرُوطِ وَتَأَخُّرِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ وُجُودِيٌّ يَقْتَضِي ذَلِكَ إِلَّا مُجَرَّدُ الذَّاتِ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُمْ بَسِيطَةٌ، وَهِيَ [عِنْدَهُمْ] (¬4) عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ، فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ إِلَّا مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ فِي صَرِيحِ الْمَعْقُولِ؟ . وَإِنْ قَالُوا: السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا هَذَا، وَأَنَّ الْمُمْكِنَاتِ لَا تَقْبَلُ إِلَّا هَذَا. قِيلَ: الْمُمْكِنَاتُ قَبْلَ وُجُودِهَا لَيْسَ لَهَا حَقِيقَةٌ مَوْجُودَةٌ تُجْعَلُ هِيَ السَّبَبَ فِي تَخْصِيصِ أَحَدِ الْمَوْجُودِينَ بِالْوُجُودِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَكِنْ بَعْدَ وُجُودِهَا يُعْقَلُ كَوْنُ الْمُمْكِنِ شَرْطًا لِغَيْرِهِ وَمَانِعًا لِغَيْرِهِ كَوُجُودِ (¬5) أَحَدِ الضِّدَّيْنِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنَ الْآخَرِ [دُونَ غَيْرِهِ] (¬6) ، وَوُجُودُ اللَّازِمِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي وُجُودِ الْمَلْزُومِ أَيْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ مَعَ وُجُودِهِ سَوَاءٌ وُجِدَا مَعًا، أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. ¬

(¬1) وَتَأَخَّرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) ن، م، أ: فَإِنَّهُ يُقَالُ وَالْقَوْلُ. (¬3) الْمَقْبُولِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) فَقَطْ. (¬4) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: لِوُجُودِ. (¬6) دُونَ غَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ وُجُودُ شَيْءٍ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّ أَحَدَ الْمُمْكِنَيْنِ الْجَائِزَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ فِي الذَّاتِ الْبَسِيطَةِ أَنْ يُوجِدَ هَذَا دُونَ هَذَا وَيَجْعَلَ هَذَا قَدِيمًا دُونَ هَذَا مَعَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَسِيطَةٌ نِسْبَتُهَا إِلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِذَا قِيلَ: مَاهِيَّةُ الْمُمْكِنِ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ دُونَ وُجُودِهِ. قِيلَ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ عَنِ الْوُجُودِ إِنَّمَا تُعْقَلُ فِي الْعِلْمِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ دُونَ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَالْعِلْمُ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الذَّاتِ الْفَاعِلَةِ سَبَبٌ (* يَقْتَضِي تَخْصِيصَ مَاهِيَّةٍ دُونَ مَاهِيَّةٍ بِالْوُجُودِ، بَلْ كَانَتْ بَسِيطَةً لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ لَمْ يُعْقَلْ *) (¬1) اخْتِصَاصُ إِحْدَى الْمَاهِيَّتَيْنِ بِالْوُجُودِ دُونَ الْأُخْرَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاعِلَ إِذَا تَصَوَّرَ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُرَادُ. (¬2) فِعْلُهُ سَبَبٌ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ بِالْإِرَادَةِ، وَالْعَبْدُ لِإِرَادَتِهِ أَسْبَابٌ خَارِجَةٌ عَنْهُ (¬3) تُوجِبُ التَّخْصِيصَ، وَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالَى، فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَّا مَا هُوَ مِنْهُ، وَهُوَ مَفْعُولُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَاتِهِ مَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ امْتَنَعَ التَّخْصِيصُ مِنْهُ، فَامْتَنَعَ الْفِعْلُ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْمُمْكِنِ ثَابِتَةٌ فِي الْخَارِجِ لَكِنَّ الْقَوْلَ فِي (¬4) تَخْصِيصِ تِلْكَ الْمَاهِيَّاتِ الْمُقَارِنَةِ لِوُجُودِهَا بِالْوُجُودِ دُونَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: يُرِيدُ. (¬3) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) الْقَوْلَ فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

البرهنة على صحة هذا الدليل من وجوه شتى

بَعْضٍ، كَالْقَوْلِ فِي تَخْصِيصِ وُجُودِهَا إِذْ (¬1) كَانَ كُلُّ مَا يُقَدَّرُ وُجُودُهُ فَمَاهِيَّتُهُ مُقَارِنَةٌ لَهُ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمَاهِيَّاتِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فِي الْخَارِجِ غَنِيٌّ عَنِ الْفَاعِلِ، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِنَفْسِهَا مُشَارِكَةٌ لِلرَّبِّ فِي إِبْدَاعِ (¬2) الْوُجُودِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَهَذَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، [وَ] عَلَى قَوْلِ (¬3) مَنْ قَالَ: إِنَّهُ شَيْءٌ فِي الْخَارِجِ أَيْضًا. [البرهنة على صحة هذا الدليل من وجوه شتى] (فَصْلٌ) (¬4) ثُمَّ إِنَّهُ يُمْكِنُ تَحْرِيرُ (¬5) هَذَا الدَّلِيلِ بِطَرِيقِ التَّقْسِيمِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ تَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ. مِثْلُ أَنْ يُقَالَ (¬6) : [إِنَّ] (¬7) الْحَوَادِثَ إِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ دَوَامُهَا، وَيَجِبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا ابْتِدَاءٌ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَمْتَنِعَ دَوَامُهَا، بَلْ يَجُوزُ حَوَادِثٌ لَا أَوَّلَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ: لَزِمَ وُجُودُ الْحَوَادِثِ عَنِ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : إِنْ. (¬2) أ، ب: الْإِبْدَاعِ. (¬3) ن (فَقَطْ) : وَهُوَ الصَّوَابُ عَلَى قَوْلِ. (¬4) فَصْلٌ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: تَجْوِيزُ. (¬6) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: يَقُولُ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬7) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

سَوَاءٌ قَالُوا (¬1) : إِنَّهَا تَصْدُرُ عَنِ الْقَادِرِ (¬2) الْمُخْتَارِ، وَلَمْ يُثْبِتُوا لَهُ إِرَادَةً قَدِيمَةً، كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ، أَوْ قَالُوا: إِنَّهَا تَصْدُرُ عَنِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ الْمُرِيدِ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ أَزَلِيَّةٍ، كَمَا تَقُولُهُ الْكُلَّابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَمْتَنِعُ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، (3 فَإِنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ 3) (¬3) إِلَّا. وَهُوَ مَقْرُونٌ بِالْحَوَادِثِ لَمْ يَسْبِقْهَا سَوَاءٌ جُعِلَ كُلُّ (¬4) ذَلِكَ جِسْمًا، أَوْ قِيلَ: إِنَّ هُنَاكَ عُقُولًا وَنُفُوسًا لَيْسَتْ أَجْسَامًا، فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِلْحَوَادِثِ، فَإِنَّهَا (* فَاعِلَةٌ (¬5) مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا، فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُودُ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ *) (¬6) عِلَّةٌ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُمْكِنَةً أَوْ وَاجِبَةً، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُرَادِ مَعَهَا لَكِنْ يَجِبُ وُجُودُ الْمُرَادِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَأَخِّرِ عَنِ الْإِرَادَةِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يُمْكِنُ دَوَامُ الْحَوَادِثِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا ابْتِدَاءٌ. فَيُقَالُ: عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَا الْأَفْلَاكُ وَلَا الْعُقُولُ وَلَا النُّفُوسُ وَلَا الْمَوَادُّ (¬7) الْعُنْصُرِيَّةُ وَلَا الْجَوَاهِرُ الْمُفْرَدَةُ (¬8) ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ قَدِيمًا مِنَ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا، فَلَا بُدَّ أَنْ ¬

(¬1) ن، م: قَالَ. (¬2) فِي (أ) الْفَاعِلِ. وَكُتِبَ فِي الْهَامِشِ: " وَالْأَصْلُ: الْقَادِرُ ". (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) كُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) م: عِلَّةٌ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن: الْمُرَادُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) أ: الْمُنْفَرِدَةُ، ب: الْفَرْدَةُ.

القول بأن بعض العالم أزلي وبعضه ليس بأزلي يقتضي بطلان قولهم من وجوه

يَكُونَ فَاعِلُهُ مُوجِبًا لَهُ بِالذَّاتِ سَوَاءٌ سُمِّيَ عِلَّةً تَامَّةً، أَوْ مُرَجِّحًا تَامًّا، أَوْ سُمِّيَ قَادِرًا مُخْتَارًا. لَكِنَّ وُجُودَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ. [فِي الْأَزَلِ] (¬1) مُحَالٌ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَزَلِيًّا، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِوُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنَّ الْمَفْعُولَ الْمُعَيَّنَ [لِلْفَاعِلِ] (¬2) يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لَهُ فِي الزَّمَانِ أَزَلِيًّا مَعَهُ، لَا سِيَّمَا إِذَا اعْتُبِرَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَإِنَّ مُقَارَنَةَ مَقْدُورِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ أَزَلِيًّا مَعَهُ مُحَالٌ، بَلْ هَذَا [مُحَالٌ] (¬3) مُمْتَنِعٌ فِيمَا يُقَدَّرُ قَائِمًا بِهِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُهُ (¬4) مُرَادًا أَزَلِيًّا، فَلَأَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا فِيمَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ عِلَّةً تَامَّةً مُوجِبًا بِذَاتِهِ لَزِمَ أَنْ يُقَارِنَهُ مَعْلُولُهُ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا، وَهَذَا مُحَالٌ خِلَافُ الْمُشَاهَدَةِ وَإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ. [القول بأن بعض العالم أزلي وبعضه ليس بأزلي يقتضي بطلان قولهم من وجوه] وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ بَعْضَ الْعَالَمِ أَزَلِيٌّ كَالْأَفْلَاكِ وَنَوْعِ الْحَرَكَاتِ، وَبَعْضَهُ لَيْسَ بِأَزَلِيٍّ كَآحَادِ الْأَشْخَاصِ، وَالْحَرَكَاتِ. قِيلَ: هَذَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذَا جَازَ كَوْنُهُ فَاعِلًا لِلْحَوَادِثِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ حَادِثًا، فَالْقَوْلُ بِقِدَمِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْعَالَمِ قَوْلٌ بِلَا حُجَّةٍ. ¬

(¬1) فِي الْأَزَلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) لِلْفَاعِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مُحَالٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن، م: قَائِمًا بِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ.

الثَّانِي: أَنَّ كَوْنَهُ مُحْدِثًا لِلْحَوَادِثِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِدُونِ قِيَامِ سَبَبٍ بِهِ يُوجِبُ الْإِحْدَاثَ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ الذَّاتَ إِذَا كَانَ حَالُهَا قَبْلَ هَذَا، وَبَعْدَ هَذَا، وَمَعَ هَذَا. (¬1) وَاحِدَةً امْتَنَعَ أَنْ تَخُصَّ هَذَا بِالْإِحْدَاثِ دُونَ هَذَا، بَلِ امْتَنَعَ أَنْ تُحْدِثَ شَيْئًا. الثَّالِثُ: [أَنَّهُ] (¬2) إِنْ (¬3) جُوِّزَ أَنْ تُحْدِثَ شَيْئًا بِدُونِ سَبَبٍ يَقُومُ بِهَا جَازَ أَنْ يَكُونَ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ ابْتِدَاءٌ، فَلَا يَكُونُ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ قَدِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يُجَوَّزْ ذَلِكَ (¬4) بَطَلَ قَوْلُهُمْ بِأَنَّهَا تُحْدِثُ الْحَوَادِثَ بِدُونِ سَبَبٍ يَقُومُ بِهَا. الرَّابِعُ: أَنَّ إِحْدَاثَ الْحَوَادِثِ إِنْ لَمْ يَجُزْ بِدُونِ سَبَبٍ يَقُومُ بِهَا بَطَلَ قَوْلُهُمْ، وَإِنِ (¬5) افْتَقَرَ إِلَى سَبَبٍ يَقُومُ بِهَا لَزِمَ أَنْ يَقُومَ بِهَا تِلْكَ الْأُمُورُ دَائِمًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَلَا تَكُونُ فَاعِلَةً قَطُّ إِلَّا مَعَ قِيَامِ ذَلِكَ بِهَا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَفْعُولٌ مُعَيَّنٌ أَزَلًا وَأَبَدًا ; لِأَنَّ صُدُورَ ذَلِكَ عَنْ ذَاتٍ تَفْعَلُ مَا يَقُومُ بِهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ مَا تَفْعَلُ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ لَا يَكُونُ فِعْلُهَا إِلَّا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِعْلٌ مُعَيَّنٌ لَازِمٌ لَهَا، وَإِذَا امْتَنَعَ ذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَفْعُولٌ مُعَيَّنٌ لَازِمٌ لَهَا. الْخَامِسُ: أَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ مَعْلُولَاتِهَا لَازِمٌ لَهَا أَزَلًا وَأَبَدًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا لِكَوْنِ الذَّاتِ عِلَّةً تَامَّةً مُوجِبَةً لَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُعَيَّنَ ¬

(¬1) أ، ب، م: أَوْ بَعْدَ هَذَا أَوْ مَعَ هَذَا. (¬2) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) أ، ب: إِذَا. (¬4) أ، ب: إِنْ لَمْ يُجَوِّزُوا ذَلِكَ. (¬5) ن، م: فَإِنِ.

مَخْصُوصٌ بِقَدْرٍ وَصِفَةٍ وَحَالٍ (¬1) ، وَهَذَا التَّخْصِيصُ الَّذِي فِيهِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِصَاصُ فِي عِلَّتِهِ، وَإِلَّا فَالْعِلَّةُ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا لَا تُوجِبُ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِقَدْرٍ وَحَالٍ وَصِفَةٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الْأَحْوَالِ الْمُتَعَاقِبَةِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَقُومُ بِهَا الْأَحْوَالُ، أَوْ قِيلَ: إِنَّهَا تَقُومُ بِهَا لَكِنْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (¬2) لَا تَكُونُ مُوجِبَةً لِشَيْءٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ إِلَّا لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الْأَحْوَالِ الْمُتَعَاقِبَةِ ; لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْمُتَعَاقِبَةَ آحَادُهُا مَوْجُودَةٌ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً (¬3) لِشَيْءٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ الْقَدِيمَ الْمُعَيَّنَ الْأَزَلِيَّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا مُعَيَّنًا، وَالْأَحْوَالُ الْمُتَعَاقِبَةُ لَيْسَ مِنْهَا (¬4) شَيْءٌ قَدِيمٌ مُعَيَّنٌ (¬5) أَزَلِيٌّ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُوجَبُ الْمَشْرُوطُ بِهَا قَدِيمًا أَزَلِيًّا. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ وَالذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ لَيْسَ فِيهَا اخْتِصَاصٌ يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْفَلَكِ دُونَ غَيْرِهِ بِكَوْنِهِ مَعْلُولًا بِخِلَافِ مَا إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَسْبَابٍ أَوْجَبَتِ الْحُدُوثَ، وَالتَّخْصِيصَ، فَإِنَّ هَذَا السُّؤَالَ يَنْدَفِعُ، وَهَذَا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ بَعْدُ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. ¬

(¬1) أ، ب: وَحَالَةٍ. (¬2) أ، ن، م: عَلَى التَّقْدِيرِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬3) ن (فَقَطْ) : فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً مُوجِبَةً. (¬4) أ، ب: فِيهَا. (¬5) ن، م: مُعَيَّنٌ قَدِيمٌ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْأَحْوَالُ لَازِمَةً لَهَا كَانَ بِتَقْدِيرِ فِعْلِهَا بِدُونِ الْأَحْوَالِ تَقْدِيرًا مُمْتَنِعًا، وَحِينَئِذٍ فَالذَّاتُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلْأَحْوَالِ الْمُتَعَاقِبَةِ لَا تَفْعَلُ بِدُونِهَا، وَإِذَا كَانَ الْفَاعِلُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا بِأَحْوَالٍ مُتَعَاقِبَةٍ امْتَنَعَ قِدَمُ شَيْءٍ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ ; لِأَنَّ الْقَدِيمَ يَقْتَضِي عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً، وَمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَحْوَالَ الْمُتَعَاقِبَةَ لَا يَكُونُ اقْتِضَاؤُهُ فِي الْأَزَلِ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ تَامًّا أَزَلِيًّا، بَلْ إِنَّمَا يَتِمُّ اقْتِضَاؤُهُ لِكُلِّ مَفْعُولٍ عِنْدَ وُجُودِ الْأَحْوَالِ الَّتِي بِهَا يَصِيرُ فَاعِلًا. السَّابِعُ: أَنَّهُ إِنْ جَازَ أَنْ يَقُومَ بِالْفَاعِلِ الْأَحْوَالُ الْمُتَعَاقِبَةُ جَازَ، بَلْ وَجَبَ حُدُوثُ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: يَمْتَنِعُ حُدُوثُ شَيْءٍ، وَمَعْلُومٌ وُجُودُ الْحَوَادِثِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: بَلْ تَحْدُثُ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ فِي الْفَاعِلِ، وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ جَوَازُ حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يُحْدِثَ الْحَوَادِثَ دَائِمًا بِلَا سَبَبٍ يَقْتَضِي حُدُوثَهَا، فَلَأَنْ تَحْدُثَ جَمِيعُهَا بِلَا سَبَبٍ يَقْتَضِي حُدُوثَهَا أَوْلَى، فَإِنَّ هَذَا أَقَلُّ مَحْذُورًا، فَإِذَا جَازَ الْحُدُوثُ مَعَ الْمَحْذُورِ الْأَعْظَمِ، فَمَعَ الْأَخَفِّ أَوْلَى. وَأَيْضًا، فَالْأَوَّلُ إِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِتِلْكَ الْحَوَادِثِ كَانَ الْجَمِيعُ قَدِيمًا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَمَا تَقَدَّمَ (¬1) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لِتِلْكَ الْحَوَادِثِ كَانَتْ حَادِثَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، فَيَلْزَمُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ، [وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِنَوْعِهَا دُونَ الْآحَادِ، فَقَدْ عُرِفَ بُطْلَانُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ] (¬2) ، وَلَوْ (¬3) جَازَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ لِجَازَ حُدُوثُ الْعَالَمِ، ¬

(¬1) أ: تَقَدَّرَ ; ب: تَقَرَّرَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: إِذَا.

وَإِذَا جَازَ حُدُوثُ الْعَالَمِ امْتَنَعَ قِدَمُهُ ; لِأَنَّهُ [لَا] (¬1) يَكُونُ قَدِيمًا إِلَّا لِقِدَمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لَهُ. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ ثَمَّ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ [لَهُ] (¬2) ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِدَمُ، وَيَمْتَنِعُ الْحُدُوثُ، وَإِذَا جَازَ حُدُوثُهُ امْتَنَعَ قِدَمُهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا جَازَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ حُدُوثُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قِدَمُهُ إِلَّا لِقِدَمِ مُوجِبِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ حُدُوثُهُ، فَكَمَا أَنَّ الْمُمْكِنَ الذِّهْنِيَّ الَّذِي يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ إِذَا حَصَلَ الْمُقْتَضَى التَّامُّ. وَجَبَ وُجُودُهُ، وَإِلَّا وَجَبَ عَدَمُهُ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مَا وَجَبَ وُجُودُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، أَوْ مَا امْتَنَعَ وُجُودُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ (¬3) الْقَوْلُ فِي قِدَمِ الْمُمْكِنِ وَحُدُوثِهِ: لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مَا يَجِبُ قِدَمُهُ، أَوْ يَمْتَنِعُ قِدَمُهُ، فَإِذَا حَصَلَ مُوجِبُ قِدَمِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ قِدَمُهُ، وَلَزِمَ إِمَّا دَوَامُ عَدَمِهِ، وَإِمَّا حُدُوثُهُ، فَمَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ حُدُوثِهِ يَمْتَنِعُ قِدَمُ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لَهُ، فَيَمْتَنِعُ قِدَمُهُ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يَجُوزُ حُدُوثُهُ مَعَ إِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا، بَلْ (¬4) إِذَا ثَبَتَ جَوَازُ حُدُوثِهِ ثَبَتَ امْتِنَاعُ قِدَمِهِ. وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ مَنْ جَوَّزَ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ (¬5) بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ يَقُولُ بِحُدُوثِهِ، وَمَنْ قَالَ بِقِدَمِهِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِجَوَازِ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ - وَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِمَّا يَخْطُرُ بِالْبَالِ تَقْدِيرُهُ بِأَنْ ¬

(¬1) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) ن، م: وَكَذَلِكَ. (¬4) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: الْحَادِثِ.

موضع الارتباط بين الاستطراد في مسألة قدم العالم وبين الكلام في مشكلة القدر

يُقَالَ: يُمْكِنُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ ; لِأَنَّ [الْفَاعِلَ] الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ (¬1) يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَيُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ قِدَمُ الْعَالَمِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ رُجِّحَ قِدَمُهُ بِلَا مُرَجِّحٍ - فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِظُهُورِ بُطْلَانِهِ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِيمَا نَعْلَمُ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فِي نَظَرِ (¬2) الْعُقُولِ - وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعُقَلَاءِ مَنِ الْتَزَمَ بَعْضَهُمَا (¬3) ، فَلَا يُعْرَفُ مَنِ الْتَزَمَهُمَا مَعًا (¬4) . إِحْدَاهُمَا: كَوْنُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ يُرَجِّحُ بِلَا سَبَبٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، أَوْ [هُوَ] (¬5) قَطْعِيٌّ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ. وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ يَكُونُ فِعْلُهُ مُقَارِنًا لَهُ لَا يُحْدِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَإِنَّ هَذَا أَيْضًا مِمَّا يَقُولُ الْعُقَلَاءُ، - أَوْ جُمْهُورُهُمْ -: إِنَّ فَسَادَهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، أَوْ قَطْعًا، بَلْ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ مَفْعُولَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ مُقَارِنًا لَهُ أَبَدًا. [موضع الارتباط بين الاستطراد في مسألة قدم العالم وبين الكلام في مشكلة القدر] ثُمَّ مِنَ النُّظَّارِ مَنْ قَالَ بِإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، فَالْقَدَرِيَّةُ وَبَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ يَقُولُونَ بِالْأُولَى، وَبَعْضُ الْجَبْرِيَّةِ يَقُولُونَ بِالْأُولَى فِي حَقِّ الرَّبِّ دُونَ الْعَبْدِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَقُلْ بِهَا إِلَّا مَنْ جَعَلَ الْفَاعِلَ مُرِيدًا، أَوْ جَعَلَ (¬6) بَعْضُ الْعَالَمِ قَدِيمًا كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَنَحْوِهِ. ¬

(¬1) ن، م: لِأَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ ; أ، ب: لِأَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ. (¬2) أ: ظَنِّ ; ب: ظَاهِرِ. (¬3) ن، م، أ: بَعْضَهَا. وَالصَّوَابُ مَا فِي (ب) . (¬4) أ: فَلَمْ يُعْرَفْ مَنِ الْتَزَمَهَا جَمِيعًا ; ب: فَلَمْ يُعْرَفْ مَنِ الْتَزَمَهُمَا جَمِيعًا ; م: فَلَمْ يُعْرَفْ مَنِ الْتَزَمَهُمَا مَعَ. (¬5) هُوَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: وَجَعَلَ.

[. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، فَلَا يَقُولُونَ: بِأَنَّ الْفَاعِلَ مُرِيدٌ] (¬1) ، وَهَؤُلَاءِ (¬2) قَوْلُهُمْ أَفْسَدُ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ كَوْنَ (¬3) الْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَزَلْ مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ هُوَ مِمَّا يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ إِنَّهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، فَإِذَا قِيلَ: مَعَ ذَلِكَ إِنَّ الْفَاعِلَ غَيْرُ مُرِيدٍ كَانَ زِيَادَةَ ضَلَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يُقَوِّي قَوْلَهُمْ، بَلْ نَفْسُ كَوْنِ الْفَاعِلِ فَاعِلًا لِمَفْعُولِهِ الْمُعَيَّنِ يَمْنَعُ مُقَارَنَتَهُ لَهُ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ حَرَكَةِ الْخَاتَمِ مَعَ الْيَدِ، وَحَرَكَةِ الشُّعَاعِ مَعَ الشَّمْسِ (¬4) ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمَفْعُولَ قَارَنَ فَاعِلَهُ، وَإِنَّمَا قَارَنَ شَرْطَهُ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ فَاعِلٌ لَمْ يَزَلْ مَفْعُولُهُ مُقَارِنًا لَهُ. وَأَمَّا سَائِرُ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، فَلَا يَقُولُونَ. بِأَنَّ الْفَاعِلَ مُرِيدٌ. ثُمَّ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إِنْكَارًا لِمُقَدِّمَةِ الْقَدَرِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ حَادِثٍ، وَمَتَى جَوَّزُوا ذَلِكَ بَطَلَ قَوْلُهُمْ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، فَإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْفَاعِلَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَصِيرَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لِامْتِنَاعِ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُعَطَّلًا. ثُمَّ يَصِيرُ فَاعِلًا. بَلْ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ مُعَطَّلًا لَزِمَ دَوَامُ تَعْطِيلِهِ، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: فَهَؤُلَاءِ. (¬3) ن، م: فَكَوْنُ. (¬4) ن، م: مِنْ حَرَكَةِ الْيَدِ وَحَرَكَةِ الْخَاتَمِ وَالشُّعَاعِ مَعَ الشَّمْسِ.

(1 فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ لَزِمَ دَوَامُ فِعْلِهِ، وَعِنْدَهُمْ يَمْتَنِعُ مَا قَالَهُ أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ جَوَازِ تَعْطِيلِهِ 1) (¬1) ، ثُمَّ فِعْلِهِ، (2 فَمَتَى جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ مُعَطَّلًا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ نَفْيُ 2) (¬2) مَا قَالَهُ أُولَئِكَ، وَلَا الْقَوْلُ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ. لَكِنَّ غَايَةَ مَنْ جَوَّزَ هَذَا أَنْ يَصِيرَ شَاكًّا يَقُولُ: هَذَا مُمْكِنٌ، وَهَذَا مُمْكِنٌ، وَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا الْوَاقِعُ، وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدَهُمَا بِالسَّمْعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَخْبَرَتْ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَمَنْ قُدِّرَ أَنَّ عَقْلَهُ جَوَّزَ الْأَمْرَيْنِ، فَبَقِيَ (¬3) شَاكًّا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْلَمَ، وُقُوعَ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ بِالسَّمْعِ. وَالْعِلْمُ بِصِدْقِ الرَّسُولِ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ صَحِيحَةٌ لِمَنْ سَلَكَهَا، فَإِنَّ الْمُقَدِّمَاتِ الدَّقِيقَةَ [الصَّحِيحَةَ] (¬4) الْعَقْلِيَّةَ قَدْ لَا تَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ وَسَّعَ طَرِيقَ (¬5) الْهُدَى لِعِبَادِهِ، فَيَعْلَمُ أَحَدُ الْمُسْتَدِلِّينَ الْمَطْلُوبَ بِدَلِيلٍ، وَيَعْلَمُهُ الْآخَرُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَمَنْ عَلِمَ صِحَّةَ الدَّلِيلَيْنِ [مَعًا] (¬6) كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَكَانَ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) (2 - 2) : هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي (ن) ، (م) مُحَرَّفَةٌ. (¬3) ن، م: فِيهِنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) الصَّحِيحَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب، م: طُرُقَ. (¬6) مَعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

دليل آخر على بطلان القول بقدم العالم

اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ يُوجِبُ قُوَّةَ الْعِلْمِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَخْلُفُ الْآخَرَ إِذَا عَزَبَ (¬1) الْآخَرُ عَنِ الذِّهْنِ. [دليل آخر على بطلان القول بقدم العالم] وَلَكِنَّ مَعَ كَوْنِ أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا، وَمَعَ كَوْنِ نَقِيضِهِ [مِمَّا] (¬2) يُعْلَمُ بِالسَّمْعِ، فَنَحْنُ نَذْكُرُ دَلَالَةَ الْعَقْلِ عَلَى فَسَادِهِ أَيْضًا، فَنَقُولُ: كَمَا أَنَّهُ مَا يَثْبُتُ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ، فَمَا جَازَ عَدَمُهُ امْتَنَعَ قِدَمُهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدِيمًا لَامْتَنَعَ عَدَمُهُ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ جَائِزُ الْعَدَمِ، فَيَمْتَنِعُ قِدَمُهُ، وَمَا جَازَ حُدُوثُهُ لَمْ يَمْتَنِعْ عَدَمُهُ، بَلْ جَازَ عَدَمُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا جَازَ عَدَمُهُ امْتَنَعَ قِدَمُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدِيمًا لَمْ يَجُزْ عَدَمُهُ، بَلِ امْتَنَعَ عَدَمُهُ. وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ النُّظَّارِ مُتَكَلِّمِهِمْ، وَمُتَفَلْسِفِهِمْ وَغَيْرِهِمْ، وَبَيَانُ صِحَّتِهَا: أَنَّ مَا يَثْبُتُ قِدَمُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، فَالْقَدِيمُ بِنَفْسِهِ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَالْقَدِيمُ بِغَيْرِهِ وَاجِبٌ بِغَيْرِهِ، وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْعَالَمَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ قَدِيمٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ هُوَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ هُوَ بِوَاجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلَا بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ بِنَفْسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ لَكَانَ مُمْكِنًا مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا بِنَفْسِهِ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ قَدِيمٌ بِنَفْسِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ مَا هُوَ قَدِيمٌ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا الْقَدِيمُ بِغَيْرِهِ، فَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ قَدِيمًا بِفَاعِلٍ، وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: قَدِيمٌ بِقِدَمِ مُوجِبِهِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، ¬

(¬1) أ، ب: يَخْلُفُهُ الْآخَرُ إِذَا غَابَ الْآخَرُ عَنِ الذِّهْنِ. (¬2) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فَفَاعِلُهُ لَا بُدَّ أَنْ يُوجِبَهُ فَيَكُونَ عِلَّةً مُوجِبَةً أَزَلِيَّةً إِذْ لَوْ لَمْ يُوجِبْهُ، بَلْ جَازَ وُجُودُهُ، وَجَازَ عَدَمُهُ - وَهُوَ مِنْ (¬1) نَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْعَدَمُ - لَوَجَبَ عَدَمُهُ، وَمَعَ وُجُوبِ الْعَدَمِ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ فَضْلًا عَنْ قِدَمِهِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، وَلَا قَدِيمًا بِنَفْسِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْأَزَلِ مَا يُوجِبُ وُجُودَهُ لَزِمَ عَدَمُهُ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ إِذَا حَصَلَ لَزِمَ وُجُودُ الْأَثَرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَزِمَ عَدَمُهُ. وَإِذَا قِيلَ: التَّأْثِيرُ أَوْلَى بِهِ مَعَ إِمْكَانِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ قِيلَ: هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ بَاطِلَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنْتُمْ تُسَلِّمُونَ صِحَّتَهَا، وَالَّذِينَ ادَّعَوْا صِحَّتَهَا لَمْ يَقُولُوا بِبَاطِلِ قَوْلِكُمْ، فَلَمْ يَجْمَعْ أَحَدٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْبَاطِلَيْنِ. وَنَحْنُ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنْ قُلْتُمْ: نَحْنُ نَقُولُ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِمَنْ قَالَ هَذَا مِنَ الْجَبْرِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ تَرْجِيحَ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ بِدُونِ مُرَجِّحٍ تَامٍّ يُوجِبُ الْفِعْلَ، فَنَقُولُ لَهُمْ هَلَّا قُلْتُمْ بِأَنَّ الرَّبَّ فَاعِلٌ مُخْتَارٌ، وَهُوَ مَعَ هَذَا. (¬2) فِعْلُهُ لَازِمٌ لَهُ. قِيلَ لَكُمْ (¬3) : هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفِعْلَ الْقَدِيمَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْفَاعِلَ غَيْرُ مُخْتَارٍ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ مُخْتَارًا. فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ فِعْلَ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لَهُ. وَيَقُولُونَ: لَا يُعْقَلُ التَّرْجِيحُ إِلَّا مَعَ الْحُدُوثِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمُمْكِنَ لَا يُعْقَلُ تَرْجِيحُ وَجُودِهِ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا مَعَ كَوْنِهِ حَادِثًا، فَأَمَّا الْمُمْكِنُ الْمُجَرَّدُ بِدُونِ الْحُدُوثِ (¬4) فَلَا يُعْقَلُ كَوْنُهُ مَفْعُولًا. بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا مَعْلُومٌ ¬

(¬1) ب: فِي. (¬2) ن، م: وَمَعَ هَذَا. (¬3) ن، م، أ: قِيلَ لَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن: الْحَدَثُ.

بِالضَّرُورَةِ، وَهُوَ كَوْنُ (¬1) الْمُمْكِنِ مِمَّا يُمْكِنُ وُجُودُهُ بَدَلًا مِنْ عَدَمِهِ، وَعَدَمُهُ بَدَلًا مِنْ وُجُودِهِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ [مَوْجُودًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ] (¬2) مَعْدُومًا، وَمَا وَجَبَ قِدَمُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا. قَالُوا: وَهَذَا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ حَتَّى أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ الْقُدَمَاءُ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا، وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ، وَغَيْرُهُ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ. وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّ الْمُمْكِنَ يَكُونُ قَدِيمًا طَائِفَةٌ [مِنْهُمْ] (¬3) كَابْنِ سِينَا، وَأَمْثَالِهِ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَلِهَذَا وَرُدَّ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنَ الْإِشْكَالَاتِ مَا لَيْسَ [لَهُمْ] (¬4) عَنْهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ، كَمَا أَوْرَدَ بَعْضَ ذَلِكَ الرَّازِيُّ فِي (مُحَصِّلِهِ) ، وَمُحَقِّقُوهُمْ لَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمُحْوِجَ إِلَى الْفَاعِلِ هُوَ مُجَرَّدُ الْحُدُوثِ حَتَّى يَقُولُوا إِنَّ الْمُحْدِثَ فِي حَالِ بَقَائِهِ غَنِيٌّ عَنِ الْفَاعِلِ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الْفَاعِلِ فِي حَالِ حُدُوثِهِ وَحَالِ بَقَائِهِ، وَإِنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَحْدُثُ وَلَا يَبْقَى إِلَّا بِالْمُؤَثِّرِ. فَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ (¬5) الْعُقَلَاءِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّ شَيْئًا مِنَ الْعَالَمِ غَنِيٌّ عَنِ اللَّهِ فِي حَالِ بَقَائِهِ، بَلْ يَقُولُونَ: مَتَى قُدِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُحْتَاجًا إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَالْقِدَمُ ¬

(¬1) ن، م:. بِالضَّرُورَةِ وَيَقُولُونَ الْمُمْكِنُ يُمْكِنُ. . إِلَخْ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: بَلْ وَجَمَاهِيرُ.

عِنْدَهُمْ يُنَافِي الْحَاجَةَ إِلَى الْفَاعِلِ (¬1) ، وَيُنَافِي كَوْنَهُ مَفْعُولًا فَالْحُدُوثُ (¬2) عِنْدَهُمْ مِنْ لَوَازِمِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَفْعُولًا فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولٌ قَدِيمًا، وَهَذَا لَيْسَ قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ فَقَطْ، بَلْ هَذَا (¬3) قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِ [أَهْلِ الْمِلَلِ] (¬4) ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ. وَأَمَّا (¬5) كَوْنُ الْفَلَكِ مَفْعُولًا قَدِيمًا، فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ أَنَّهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ تَصَوَّرَ مِنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ تَصَوَّرَ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَكُلُّ مَنْ تَصَوَّرَ أَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ مَصْنُوعٌ مَفْعُولٌ لِلَّهِ تَصَوَّرَ أَنَّهُ حَادِثٌ، فَأَمَّا تَصَوُّرُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ، وَأَنَّهُ قَدِيمٌ، فَهَذَا إِنَّمَا تَتَصَوَّرُهُ الْعُقُولُ تَقْدِيرًا لَهُ، كَمَا تَتَصَوَّرُ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ تَقْدِيرًا لَهُ، وَالَّذِي يَقُولُ ذَلِكَ يَتْعَبُ تَعَبًا كَثِيرًا فِي تَقْدِيرِ إِمْكَانِ ذَلِكَ، وَتَصْوِيرِهِ، كَمَا يَتْعَبُ سَائِرُ الْقَائِلِينَ بِأَقْوَالٍ مُمْتَنِعَةٍ، ثُمَّ مَعَ هَذَا فَالْفِطَرُ تَرُدُّ ذَلِكَ وَتَدْفَعُهُ، وَلَا تَقْبَلُهُ (¬6) . وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ هَؤُلَاءِ (¬7) الْعَالَمَ مُحْدَثًا، وَيَعْنُونَ بِكَوْنِهِ مُحْدَثًا ¬

(¬1) ن، م: الْحَاجَةَ فِي الْفَاعِلِ. (¬2) ن، م: فَالْحَدَثُ. (¬3) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ. (¬5) ن، م: فَأَمَّا. (¬6) ن: فَالْفَطِنُ يَرُدُّ ذَلِكَ وَيَدْفَعُهُ وَلَا يَقْبَلُهُ ; م: فَالْفِطَرُ يَرُدُّ ذَلِكَ وَيَدْفَعُهُ وَلَا يَقْبَلُهُ. (¬7) أ، ب: هَذَا.

بطلان الاحتجاج بالأفول على الإمكان والحركة

أَنَّهُ مَعْلُولُ الْعِلَّةِ الْقَدِيمَةِ، وَإِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ: هَلِ الْعَالَمُ مُحْدَثٌ أَوْ قَدِيمٌ؟ يَقُولُ: هُوَ مُحْدَثٌ وَقَدِيمٌ، وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الْفَلَكَ قَدِيمٌ بِنَفْسِهِ (¬1) لَمْ يَزَلْ، وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ يَعْنُونَ بِكَوْنِهِ مُحْدَثًا لَهُ أَنَّهُ مَعْلُولٌ (¬2) عِلَّةً قَدِيمَةً. [بطلان الاحتجاج بالأفول على الإمكان والحركة] وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يَقُولُهَا ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ عِبَارَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَيُطْلِقُونَهَا عَلَى (¬3) مَعَانِيهِمْ، كَمَا قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي لَفْظِ (الْأُفُولِ.) ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ لَمَّا احْتَجُّوا بِحُدُوثِ الْأَفْعَالِ عَلَى حُدُوثِ الْفَاعِلِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْأَفْعَالُ، وَزَعَمُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ احْتَجَّ بِهَذَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُفُولِ (¬4) الْحَرَكَةُ وَالِانْتِقَالُ، وَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى حُدُوثِ الْمُتَحَرِّكِ وَالْمُنْتَقِلِ. نَقَلَ ابْنُ سِينَا هَذِهِ الْمَادَّةَ إِلَى أَصْلِهِ، وَذَكَرَ هَذَا فِي (إِشَارَاتِهِ) فَجَعَلَ هَذَا (¬5) الْأُفُولَ عِبَارَةً عَنِ الْإِمْكَانِ، وَقَالَ: إِنَّ مَا هَوَى فِي حَظِيرَةِ الْإِمْكَانِ هَوَى فِي حَظِيرَةِ الْأُفُولِ (¬6) ، وَلَفْظُهُ: (¬7) (فَإِنَّ الْهَوَى فِي حَظِيرَةِ الْإِمْكَانِ أُفُولٌ مَا.) . وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ سَلَفِهِ الْفَلَاسِفَةِ مَعَ قَوْلِهِ بِمَا يُشْبِهُ طَرِيقَةَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ اسْتَدَلُّوا عَلَى حُدُوثِ الْجِسْمِ بِطَرِيقَةِ التَّرْكِيبِ، ¬

(¬1) ن، م: فِي نَفْسِهِ. (¬2) أ، ب: وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ، م: وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ يَعْنِي مَعْلُولٌ. . (¬3) ن، م: فِي. (¬4) ن، م: بِالْأَقْوَالِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م، أ: هُوَ. (¬6) ن، م: إِنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ هَاوٍ فِي حَضِيرَةِ الْأُفُولِ وَالْإِمْكَانِ هَوَى فِي حَضِيرَةِ الْأُفُولِ ; أ: كُلٌّ مِمَّنْ هَاوَى فِي حَظِيرَةِ الْأُفُولِ هَوَى فِي حَظِيرَةِ الْأُفُولِ. (¬7) فِي: الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ 3، 4/532 تَحْقِيقَ د. سُلَيْمَانَ الدُّنْيَا، ط. الْمَعَارِفَ، الْقَاهِرَةِ 1958.

فَجَعَلَ هُوَ التَّرْكِيبَ دَلِيلًا عَلَى الْإِمْكَانِ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ جَعَلُوا دَلِيلَهُمْ هُوَ دَلِيلَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ بِقَوْلِهِ: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 76] وَفَسَّرُوهُ بِأَنَّ الْأُفُولَ هُوَ الْحَرَكَةُ، فَقَالَ ابْنُ سِينَا: (¬1) (قَالَ قَوْمٌ إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ الْمَحْسُوسَ مَوْجُودٌ لِذَاتِهِ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ لَكِنَّكَ إِذَا تَذَكَّرْتَ مَا قِيلَ (¬2) فِي شَرْطِ وَاجِبِ الْوُجُودِ لَمْ تَجِدْ هَذَا الْمَحْسُوسَ. وَاجِبًا، وَتَلَوْتَ (¬3) قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} ، فَإِنَّ الْهُوِىَّ فِي حَظِيرَةِ الْإِمْكَانِ أُفُولٌ مَا.) . وَيُرِيدُ بِالشَّرْطِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ، وَأَنَّ الْمُرَكَّبَ مُمْكِنٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَالْمُمْكِنُ آفِلٌ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ أُفُولٌ مَا (¬4) ، وَالْآفِلُ (¬5) عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَوْجُودًا بِغَيْرِهِ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نَسْتَدِلُّ بِإِمْكَانِ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَنَقُولُ: الْعَالَمُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَنَجْعَلُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} أَيْ (¬6) لَا أُحِبُّ الْمُمْكِنِينَ، وَإِنْ كَانَ الْمُمْكِنُ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا (¬7) لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَإِنَّمَا الْأُفُولُ هُوَ الْمَغِيبُ (¬8) ، وَالِاحْتِجَابُ لَيْسَ هُوَ الْإِمْكَانَ، وَلَا الْحَرَكَةَ ¬

(¬1) الْمَرْجِعُ السَّابِقُ 3، 4/531 - 532. (¬2) الْإِشَارَاتِ 3، 4/532: مَا قِيلَ لَكَ. (¬3) ن: وَيَكُونُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: وَالْأُفُولُ. (¬6) أَيْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬7) أَزَلِيًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَمَكَانُهَا كَلِمَةُ " لِدَلِيلِ ". (¬8) ب (فَقَطْ) : الْغَيْبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَإِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ (¬1) لَمْ يَحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى حُدُوثِ الْكَوَاكِبِ، وَلَا عَلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِالْأُفُولِ عَلَى بُطْلَانِ عِبَادَتِهَا، فَإِنَّ قَوْمَهُ كَانُوا مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، وَيَدْعُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ: إِنَّهَا هِيَ الَّتِي خَلَقَتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَلِهَذَا قَالَ: {يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 78] وَقَالَ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ - أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ - فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 75 - 77] وَقَدْ بُسِطَ [الْكَلَامُ عَلَى] (¬2) هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬3) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ [الْقَوْمَ] (¬4) يَأْخُذُونَ عِبَارَاتِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي عَبَّرُوا بِهَا عَنْ مَعْنًى، فَيُعَبِّرُونَ بِهَا عَنْ مَعْنًى آخَرَ يُنَاقِضُ دِينَ الْمُسْلِمِينَ لِيَظْهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَقْوَالِهِمْ، [وَأَنَّهُمْ] (¬5) يَقُولُونَ: الْعَالَمُ مُحْدَثٌ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ عِنْدَنَا آفِلٌ مُحْدَثٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا مَعَهُ وَاجِبًا بِهِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ. وَإِذَا كَانَ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَفْعُولَ لَا يَكُونُ إِلَّا حَادِثًا، لَا سِيَّمَا الْمَفْعُولُ لِفَاعِلٍ بِاخْتِيَارِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَفْعَلُ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَإِنَّهُ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ لَمْ ¬

(¬1) الْخَلِيلُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) عِبَارَةُ " الْكَلَامِ عَلَى " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) انْظُرْ مَثَلًا: شَرْحَ حَدِيثِ النُّزُولِ، ص 194 - 197، مَطْبَعَةَ الْإِمَامِ، الْقَاهِرَةِ، 1366/1947 ; السَّبْعِينِيَّةَ، ص 69 - 77. (¬4) الْقَوْمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) وَأَنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

يَلْزَمْهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ هَذَا (¬1) : إِنَّ مَفْعُولَهُ قَدِيمٌ رَجَّحَهُ بِلَا مُرَجِّحٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ (¬2) هَذَا الْقَوْلَ بَاطِلٌ، وَقَوْلِي الْآخَرَ إِنْ كَانَ بَاطِلًا فَلَا أَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلَيْنِ بَاطِلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا، فَقَوْلُ الْحَقِّ لَا يُوجِبُ عَلَيَّ (¬3) أَنْ أَقُولَ الْبَاطِلَ، فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبَاطِلَ، بَلِ الْبَاطِلُ قَدْ يَسْتَلْزِمُ الْحَقَّ، وَهَذَا لَا يَضُرُّ [الْحَقَّ] (¬4) ، فَإِنَّهُ إِذَا وُجِدَ الْمَلْزُومُ وُجِدَ اللَّازِمُ، فَالْحَقُّ لَازِمٌ سَوَاءٌ قُدِّرَ وُجُودُ الْبَاطِلِ أَوْ عَدَمُهُ أَمَّا الْبَاطِلُ فَلَا يَكُونُ لَازِمًا لِلْحَقِّ ; لِأَنَّ لَازِمَ الْحَقِّ حَقٌّ، وَالْبَاطِلُ لَا يَكُونُ حَقًّا، فَلَا يَلْزَمُ مَنْ قَالَ الْحَقَّ أَنْ يَقُولَ الْبَاطِلَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ مَتَى قِيلَ بِجَوَازِ (¬5) حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِدُونِ (¬6) سَبَبٍ حَادِثٍ أَمْكَنَ أَنْ يَفْعَلَ الْفَاعِلُ الْحَوَادِثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ طَوَائِفِ النُّظَّارِ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَجِبْ دَوَامُ الْفَاعِلِ فَاعِلًا. وَأَمْكَنَ حُدُوثُ الزَّمَانِ وَالْمَادَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ النُّظَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَالْفَلْسَفَةِ، وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا بَطَلَ كُلُّ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَعُلِمَ أَيْضًا امْتِنَاعُ قِدَمِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ¬

(¬1) أ، ب: مَعَ هَذَا أَنْ يَقُولَ. (¬2) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: فَقَوْلِي لَا يُوجِبُ عَلَيَّ. . . إِلَخْ. (¬4) الْحَقَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب: يَجُوزُ. (¬6) أ، ب: بِلَا.

قَدِيمًا إِلَّا إِذَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، أَوْ كَانَ (¬1) الْفَاعِلُ مُسْتَلْزِمًا بِنَفْسِهِ (¬2) لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فَاعِلٌ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا، وَكَانَ كُلٌّ مِنْ حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِالْحُدُوثِ وَالْقَائِلِينَ بِالْقِدَمِ مُبْطَلَةً لِهَذَا الْقَوْلِ. أَمَّا (¬3) الْقَائِلُونَ بِالْقِدَمِ، فَعُمْدَتُهُمْ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ (¬4) أَثَرَهُ، فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمُ الْقَوْلُ بِمَفْعُولٍ قَدِيمٍ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ تَامَّةٍ مُوجِبَةٍ ; لِأَنَّهُ أَثَرٌ عَنْ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ تَامٍّ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْحُدُوثِ، فَعُمْدَتُهُمْ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ (¬5) ، بَلِ الْفَاعِلَ مُطْلَقًا لَا يَكُونُ مَفْعُولُهُ إِلَّا حَادِثًا، وَأَنَّ مَفْعُولًا قَدِيمًا مُمْتَنِعٌ (¬6) . فَصَارَ عُمْدَةُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مُبْطَلَةً لِهَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَلَكِنْ يُقَالُ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِكُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ إِذَا الْتَزَمَتْ فَاسِدَ (¬7) قَوْلِهَا دُونَ صَحِيحِهِ (¬8) ، فَإِذَا الْتَزَمَتْ (الْقِدَمِيَّةُ) جَوَازَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، وَأَنَّ الْأَثَرَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُؤَثِّرٍ تَامٍّ، بَلِ الْقَادِرُ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَالْتَزَمَتْ (الْحُدُوثِيَّةُ) أَنَّ الْمَفْعُولَ مُطْلَقًا أَوِ الْمَفْعُولَ بِالْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ لَمْ يَزَلْ قَدِيمًا أَزَلِيًّا مَعَ فَاعِلِهِ مُقَارِنًا لَهُ لَزِمَ مِنْ هَذَيْنِ اللَّازِمَيْنِ إِمْكَانُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ قَادِرًا مُخْتَارًا يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَمَفْعُولُهُ مَعَ هَذَا قَدِيمًا ¬

(¬1) ن، م: وَكَانَ. (¬2) بِنَفْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬3) ن: وَأَمَّا ; م: فَأَمَّا. (¬4) ن، م: مُسْتَلْزِمٌ. (¬5) أ، ب: بِالِاخْتِيَارِ. (¬6) أ: وَإِنْ كَانَ مَفْعُولًا قَدِيمًا مُمْتَنِعٌ ; ب: وَأَنَّ كَوْنَ مَفْعُولٍ قَدِيمٍ مُمْتَنِعٌ. (¬7) فَاسِدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ب (فَقَطْ) : صِحَّتِهِ.

[بِقِدَمِهِ] (¬1) . لَكِنْ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ لَمْ يَلْتَزِمْ هَذَيْنِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ، فَقَدِ الْتَزَمَ مَلْزُومَيْنِ بَاطِلَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا بَاطِلٌ بِالْبُرْهَانِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ، وَكَانَ كُلٌّ مِنَ الْعُقَلَاءِ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِبُرْهَانٍ قَاطِعٍ، وَلَكِنْ هُوَ يُعَارِضُ كَلَامَ كُلِّ طَائِفَةٍ بِكَلَامِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، وَغَايَتُهُ فَسَادُ بَعْضِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَفَسَادُ بَعْضِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ فَسَادِ كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْفَسَادِ وَهَذَا الْفَسَادِ، بَلْ هَذَا يَكُونُ أَبْلَغَ فِي رَدِّ قَوْلِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَرَّتْ مِنْ أَحَدِ الْفَسَادَيْنِ، وَظَنَّتِ الْآخَرَ لَيْسَ بِفَاسِدٍ، وَلَمْ تَهْتَدِ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحِ كُلِّهِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الْفَاسِدِ كُلِّهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهَا مَا عَلِمَتْ فَسَادَهُ مَعَ مَا لَمْ تَعْلَمْ فَسَادَهُ، فَيُلْزِمُهَا الْفَاسِدَ كُلَّهُ وَيُخْرِجُهَا مِنَ الصَّحِيحِ كُلِّهِ، فَإِنَّ غَايَةَ (¬2) قَوْلِهَا أَبْلَقُ أَنْ يَكُونَ (¬3) فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، [وَالْأَبْلَقُ خَيْرٌ مِنَ الْأَسْوَدِ] (¬4) . فَإِنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي قَالَتْ: إِنَّ الْقَادِرَ يُمْكِنُهُ تَرْجِيحَ أَحَدِ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ إِنَّمَا قَالَتْهُ لَمَّا عَلِمَتْ (¬5) أَنَّ الْقَادِرَ الْفَاعِلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ حَادِثًا، وَأَنَّ (¬6) كَوْنَهُ فَاعِلًا مَعَ كَوْنِ الْفِعْلِ قَدِيمًا جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ، وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ نَوْعِ الْفِعْلِ، وَبَيْنَ عَيْنِهِ، بَلِ ¬

(¬1) ن، م: وَمَفْعُولُهُ مَعَ هَذَا قَدِيمٌ. (¬2) ن (فَقَطْ) : عَامَّةَ. (¬3) أَنْ يَكُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَالْبَلَقُ: سَوَادٌ وَبَيَاضٌ ". (¬5) أ، ب: عَلِمَتْهُ. (¬6) ن، م: فَإِنَّ.

اعْتَقَدَتْ أَيْضًا أَنَّ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا مُمْتَنِعٌ، فَقَالَتْ حِينَئِذٍ: فَيَمْتَنِعُ دَوَامُ الْفِعْلِ، فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَيَلْزَمُ تَرْجِيحُ الْقَادِرِ لِأَحَدِ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ ; لِأَنَّ الْقَادِرِيَّةَ لَا تَخْتَصُّ وَلَمْ تَزَلْ (¬1) ، وَإِنْ قِيلَ بِاخْتِصَاصِهَا، أَوْ حُدُوثِهَا لَزِمَ حُدُوثُ الْقَادِرِيَّةِ (¬2) بِلَا مُحْدِثٍ، وَتَخْصِيصُهَا بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ، وَأَنَّهُ صَارَ قَادِرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَانْتَقَلَ الْفِعْلُ مِنْ الِامْتِنَاعِ إِلَى الْإِمْكَانِ بِدُونِ سَبَبٍ يُوجِبُ هَذَا الِانْتِقَالَ. وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ، فَجَوَازُ كَوْنِهِ مُرَجِّحًا لِأَحَدِ مَقْدُورَيْهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. وَهَذِهِ اللَّوَازِمُ - وَإِنْ قَالَ الْجُمْهُورُ بِبُطْلَانِهَا - فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَلْجَأْنَا إِلَيْهَا تِلْكَ الْمَلْزُومَاتِ (¬3) لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ظَنِّهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: فَقُولُوا مَعَ هَذِهِ اللَّوَازِمِ بِانْتِفَاءِ تِلْكَ الْمَلْزُومَاتِ، فَقَالُوا (¬4) : إِنَّ الْقَادِرَ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمَقْدُورَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (¬5) بِلَا مُرَجِّحٍ، وَيُحْدِثُ الْحَوَادِثَ بِلَا سَبَبٍ مَعَ أَنَّ الْفَاعِلَ الْقَادِرَ يُقَارِنُهُ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ، وَأَنَّهُ لَا أَوَّلَ لِعَيْنِ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ، فَقَدْ لَزِمَهُمْ (¬6) أَنْ يَقُولُوا بِاللَّوَازِمِ الَّتِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهَا مَعَ نَفْيِ الْمَلْزُومَاتِ الَّتِي أَوْجَبَتْ تِلْكَ فِي نَظَرِهِمُ الَّتِي فِيهَا مَا يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ، وَفِيهَا مَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ، فَقَدْ لَزِمَهُمْ (¬7) أَنْ يَقُولُوا بِاللَّازِمِ الْبَاطِلِ ¬

(¬1) أ، ب: لِأَنَّ الْقَادِرَ لَا يَخْتَصُّ وَلَمْ يَزَلْ. (¬2) أ، ب: الْقَدَرِيَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أ، ب: الْمُقَدِّمَاتِ. (¬4) ن، م: فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا مَعَ اللَّوَازِمِ. فَقُولُوا. (¬5) عَلَى الْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: فَقَدْ أَلْزَمَهُمْ. (¬7) ن، م: فَقَدْ أَلْزَمَهُمْ.

الَّذِي لَا حَاجَةَ بِهِمْ (¬1) إِلَيْهِ، مَعَ نَفْيِ مَا أَحْوَجَهُمْ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ حَقًّا، أَوْ فِيهِ حَقًّا وَبَاطِلًا. وَكَذَلِكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَالَتْ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، فَإِنَّهَا لَمَّا اعْتَقَدَتْ أَنَّ الْفَاعِلَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَصِيرَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنْ يُحْدِثَ حَادِثًا (¬2) لَا فِي وَقْتٍ، وَيَمْتَنِعَ الْوَقْتُ فِي الْعَدَمِ الْمَحْضِ، وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ دَوَامِ النَّوْعِ وَدَوَامِ الْعَيْنِ (¬3) ظَنَّتْ أَنَّهُ يَلْزَمُ قِدَمُ عَيْنِ الْمَفْعُولِ، فَالْتَزَمَتْ مَفْعُولًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا لِفَاعِلٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: لَا يُعْقَلُ (¬4) كَوْنُ الْفَاعِلِ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ مَعَ كَوْنِ مَفْعُولِهِ قَدِيمًا مُقَارِنًا لَهُ، فَقَالُوا: هُوَ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ لَا فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ، وَالْتَزَمُوا (¬5) مَا هُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ مِنْ مَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ مُقَارَنٍ لِفَاعِلِهِ (¬6) أَزَلًا وَأَبَدًا حَذَرًا مِنْ إِثْبَاتِ كَوْنِهِ (¬7) يَصِيرُ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: فَقُولُوا بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ مَعَ قَوْلِكُمْ: إِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَيُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ بِلَا مُرَجِّحٍ، فَقَدْ لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا الْبَاطِلَ كُلَّهُ، وَأَنْ يَقُولُوا بِاللَّازِمِ الَّذِي يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ بِدُونِ الْمَلْزُومِ الَّذِي فِيهِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ - الَّذِي أَلْجَأَهُمْ إِلَى هَذَا اللَّازِمِ. ¬

(¬1) أ، ب، م: لَهُمْ. (¬2) ن، م: يَحْدُثَ حَادِثٌ. (¬3) أ، ب: دَوَامِ الْعَيْنِ وَدَوَامِ النَّوْعِ. (¬4) أ، ب: لَا نَعْقِلُ. (¬5) ن: فَالْزَمُوا ; م: فَالْتَزَمُوا. (¬6) ن، م لِفِعْلِهِ. (¬7) ب (فَقَطْ) : أَنَّهُ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَقْدِيرُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَزَلِيُّ مُسْتَلْزِمًا لِتِلْكَ الْحَوَادِثِ، بَلْ كَانَتْ حَادِثَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، فَيَلْزَمُ (¬1) أَنَّ الْعَالَمَ كَانَ خَالِيًا عَنْ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ، ثُمَّ حَدَثَتْ (¬2) فِيهِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِ الْحَرَّانِيِّينَ الْقَائِلِينَ (¬3) بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، وَالْمَادَّةِ، وَالْمُدَّةِ، وَالنَّفْسِ، وَالْهَيُولِي، كَمَا يَقُولُهُ دِيمُقْرَاطِيسُ (¬4) ، وَابْنُ زَكَرِيَّا الطَّبِيبُ (¬5) وَمَنْ. وَافَقَهُمَا، أَوْ بِقَوْلٍ يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْقُدَمَاءِ، وَهُوَ أَنَّ جَوَاهِرَ الْعَالَمِ (¬6) أَزَلِيَّةٌ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِقِدَمِ الْمَادَّةِ - ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : يَلْزَمُ. (¬2) أ، ب: حَدَثَ. (¬3) أ، ب: وَهُمْ مَنْ يَقُولُ. (¬4) وَهُوَ دِيمُوقْرَيْطِسُ DEMOKRITOS الْفَيْلَسُوفُ الْيُونَانِيُّ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ وُلِدَ فِي أَبَدِيرَا مِنْ أَعْمَالِ تَرَاقِيَا، وَلَكِنَّنَا لَا نَعْلَمُ تَارِيخَ وِلَادَتِهِ وَوَفَاتِهِ بِالضَّبْطِ، وَإِنَّمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَهَرَ حَوَالَيْ سَنَةَ 420 ق. م. (انْظُرْ مَثَلًا بُرُوتَرَانْدِرَسِلَ: تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْغَرْبِيَّةِ 1/114، تَرْجَمَةَ الدُّكْتُورِ زَكِيِّ نَجِيبِ مَحْمُود، الْقَاهِرَةِ، 1954) . وَهُوَ أَهَمُّ شَخْصِيَّاتِ الْمَدْرَسَةِ الذَّرِّيَّةِ وَمَذْهَبُهَا - كَمَا ذَكَرَ الْعَرَبُ فِيمَا بَعْدُ - هُوَ مَذْهَبُ الْقَائِلِينَ بِالْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ أَوْ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمَذْهَبَهُ فِي الْكُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ مِثْلِ طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ وَالْحُكَمَاءِ لِابْنِ جَلْجَلَ، ص [0 - 9] 3 ; إِخْبَارَ الْعُلَمَاءِ بِأَخْبَارِ الْحُكَمَاءِ لِابْنِ الْقِفْطِيِّ، ص [0 - 9] 82 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/107 - 108، 120 - 122. (¬5) وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيُّ الطَّبِيبُ وَالْفَيْلَسُوفُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 313، وَهُوَ أَحَدُ الْقَائِلِينَ بِمَذْهَبِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ جَلْجَلَ، ص 77، 78 ; ابْنُ الْقِفْطِيِّ، 271 - 277 ; ابْنُ ظَهِيرٍ الْبَيْهَقِيُّ، تَارِيخَ حُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ (دِمَشْقَ 1946) ، ص [0 - 9] 1، 22. وَقَدْ تَكَلَّمَ الدُّكْتُورُ س. بِينِيسُ فِي كِتَابِهِ " مَذْهَبِ الذَّرَّةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ " (تَرْجَمَةَ الدُّكْتُورِ مُحَمَّدِ عَبْدِ الْهَادِي أَبِي رَيْدَهْ، الْقَاهِرَةِ، 1946) عَلَى مَذْهَبِ الرَّازِيِّ بِالتَّفْصِيلِ، وَذَكَرَ (ص [0 - 9] 0) قَوْلَ الرَّازِيِّ: إِنَّ الْقُدَمَاءَ أَوِ الْجَوَاهِرَ خَمْسَةٌ: الْبَارِيُّ وَالنَّفْسُ وَالْهَيُولَى وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ. وَانْظُرْ نَفْسَ الْكِتَابِ ص [0 - 9] 1 - 56 ; انْظُرْ أَيْضًا: الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5 - 197. (¬6) ن، م: الْعَوَالِمِ.

الرد على ديموقريطس وأبو بكر الرازي

وَكَانَتْ مُتَحَرِّكَةً عَلَى غَيْرِ انْتِظَامٍ فَاتَّفَقَ اجْتِمَاعُهَا، وَانْتِظَامُهَا، فَحَدَثَ هَذَا الْعَالَمُ. [الرد على ديموقريطس وأبو بكر الرازي] وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَيَقُولُونَ: إِنَّ النَّفْسَ عَشِقَتِ الْهَيُولِي، فَعَجَزَ الرَّبُّ عَنْ تَخْلِيصِهَا مِنَ الْهَيُولِي حَتَّى تَذَوقَ وَبَالَ اجْتِمَاعِهَا بِالْهَيُولِي، وَهُمْ قَالُوا هَذَا فِرَارًا مِنْ حُدُوثِ حَادِثٍ بِلَا سَبَبٍ، وَقَدْ وَقَعُوا فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ، وَهُوَ حُدُوثُ مَحَبَّةِ النَّفْسِ لِلْهَيُولِي، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْمُوجِبُ لِذَلِكَ؟ فَقَدْ لَزِمَهُمْ حُدُوثُ حَادِثٍ بِلَا سَبَبٍ، وَلَزِمَهُمْ مَا هُوَ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِدُونِ صُدُورِهَا عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْقَوْلُ بِقُدَمَاءَ مَعَهُ. فَإِنْ قَالُوا بِوُجُوبِ (¬1) وُجُودِهَا لَزِمَ كَوْنُ وَاجِبِ الْوُجُودِ مُسْتَحِيلًا مَوْصُوفًا بِمَا يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ وَنَقْصَهُ وَإِمْكَانَهُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِأَنْفُسِهَا، بَلْ بِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لَهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَالْعِلَّةُ الْقَدِيمَةُ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَغَيُّرُ (¬2) مَعْلُولِهَا، وَاسْتِحَالَتُهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ بِدُونِ فِعْلٍ مِنْهَا، وَاسْتِحَالَةُ (¬3) الْمَعْلُولِ اللَّازِمِ بِدُونِ تَغَيُّرٍ فِي الْعِلَّةِ مُحَالٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَعْلُولًا لَهَا، وَإِنْ جَوَّزُوا ذَلِكَ، فَلْيُجَوِّزُوا كَوْنَ الْعَالَمِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ، وَهُوَ مَعَ هَذَا (¬4) يَنْتَقِضُ، وَتَنْشَقُّ السَّمَاءُ، وَتَنْفَطِرُ، وَتَقُومُ الْقِيَامَةُ بِدُونِ فِعْلٍ مِنَ الرَّبِّ وَلَا حُدُوثِ شَيْءٍ مِنْهُ أَصْلًا. بَلْ بِمُجَرَّدِ حُدُوثِ حَادِثٍ فِي الْعَالَمِ بِلَا مُحْدَثٍ. ¬

(¬1) أ، ب: وَإِنْ قَالُوا: لَوْ وَجَبَ. (¬2) ن (فَقَطْ) : نَفْسٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن (فَقَطْ) : وَاسْتَحَالَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب (فَقَطْ) : وَمَعَ هَذَا.

وَإِنْ قَالُوا: هُوَ بُغْضُ النَّفْسِ لِلْهَيُولِي كَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ: إِنَّ سَبَبَ حُدُوثِهِ مَحَبَّةُ النَّفْسِ لِلْهَيُولِي، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَحْدُثَ بِمَحَبَّةِ النَّفْسِ بِدُونِ اخْتِيَارِ الرَّبِّ تَعَالَى جَازَ أَنْ يَنْتَقِضَ بِبُغْضِ النَّفْسِ بِدُونِ اخْتِيَارِ الرَّبِّ. وَأَمَّا الْآخَرُونَ (¬1) فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا حُدُوثَ الْعَالَمِ، فَإِنْ كَانُوا يَنْفُونَ الصَّانِعَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ (¬2) بِلَا مُحْدَثٍ، وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِالصَّانِعِ، فَقَدْ أَثْبَتُوا إِحْدَاثَهُ لِهَذَا النِّظَامِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ إِنْ قَالُوا (¬3) : إِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَكُنْ يُحَرِّكُهَا قَبْلَ انْتِظَامِهَا، وَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ كَانَ يُحَرِّكُهَا قَبْلَ انْتِظَامِهَا، ثُمَّ إِنَّهُ أَلَّفَهَا، فَهَؤُلَاءِ قَائِلُونَ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَحُدُوثِ هَذَا الْعَالَمِ، وَقَوْلِهِمْ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ هَذَا الْعَالَمِ. ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُمْ يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِثْبَاتُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ قَدِيمٍ بِعَيْنِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ بَعْضَ قَوْلِ الْقَائِلِينَ [بِقِدَمِ هَذَا الْعَالَمِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ مِنْ حَيْثُ أَثْبَتُوا قَدِيمًا مُعَيَّنًا غَيْرَ الْأَفْلَاكِ] (¬4) ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ أَهْلِ الْأَفْلَاكِ (¬5) حَيْثُ أَثْبَتُوا حَوَادِثَ لَمْ تَزَلْ، وَلَا تَزَالُ إِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِأَنَّ تِلْكَ الْمَوَادَّ لَمْ تَزَلْ مُتَحَرِّكَةً، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ كَانَتْ سَاكِنَةً، ثُمَّ تَحَرَّكَتْ، فَقَوْلُهُمْ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ أَهْلِ الْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ، فَمَا دَلَّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ، ¬

(¬1) م، ن: وَالْآخَرُونَ. (¬2) م، ن: بِحُدُوثِ الْحُدُوثِ. (¬3) ن، م: بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ. وَإِنْ قَالُوا: وَالصَّوَابُ مَا فِي (ب) ، (أ) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ن (فَقَطْ) : وَمِنْ جِنْسِ (الْعُقَلَاءِ) قَوْلِ أَهْلِ الْأَفْلَاكِ.

بطلان قول المعتزلة والأشاعرة بالجوهر الفرد

وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّقْسِيمِ يَأْتِي عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ قَوْلٍ بَاطِلٍ لَهُ دَلَائِلُ خَاصَّةٌ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ. [بطلان قول المعتزلة والأشاعرة بالْجَوْهَر الْفَرْد] وَأَيْضًا فَالْمُتَكَلِّمُونَ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ (¬1) ، أَوْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ أَمْرَانِ وُجُودِيَّانِ كَجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَخْلُ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَمِنَ (¬2) الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، وَهِيَ حَادِثَةٌ، فَالْعَالَمُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ. وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَفِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ النُّظَّارِ، وَمُقَدِّمَاتُهُ فِيهَا طُولٌ وَنِزَاعٌ، وَقَدْ لَا يَتَقَرَّرُ بَعْضُهَا، فَلَا نَبْسُطُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِذْ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَيْهِ، وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النُّظَّارِ يَقُولُونَ: إِنَّ السُّكُونَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ، وَنَقُولُ (¬3) : إِثْبَاتُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ بَاطِلٌ، وَالْأَجْسَامُ لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬4) ، وَلَا مِنَ الْهَيُولِي وَالصُّورَةِ، بَلِ الْجِسْمُ وَاحِدٌ فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْأَجْسَامِ كُلِّهَا تَقْبَلُ التَّفْرِيقَ، أَوْ لَا يَقْبَلُهُ إِلَّا بَعْضُهَا، فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَقْبَلَ مَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ (¬5) ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَهُ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ، بَلْ يَقْبَلُهُ إِلَى غَايَةٍ (¬6) ، وَبَعْدَهَا يَكُونُ الْجِسْمُ صَغِيرًا لَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ الْفِعْلِيَّ، بَلْ يَسْتَحِيلُ إِلَى جِسْمٍ آخَرَ، كَمَا يُوجَدُ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ إِذَا تَصَغَّرَتْ (¬7) ، فَإِنَّهَا تَسْتَحِيلُ هَوَاءً مَعَ أَنَّ أَحَدَ جَانِبَيْهَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : الْجَوْهَرَ وَالْفَرْدَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن (فَقَطْ) : أَوْ مِنَ. (¬3) ب: وَيَقُولُونَ ; أ: وَيَقُولُ. (¬4) م، ن: الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ. (¬5) وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَقْبَلَ مَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَقْبَلَ جِسْمٌ مَا التَّفْرِيقَ. (¬6) يَقْبَلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ. (أ) ، (ب) . (¬7) ب: تَصَعَّدَتْ ; أ: تَصَفَّتْ.

الْآخَرِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ جُزْءٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ تَجْزِئَةٍ وَتَفْرِيقٍ (¬1) لَا يَتَنَاهَى، بَلْ تَتَصَغَّرُ (¬2) الْأَجْسَامُ، ثُمَّ تَسْتَحِيلُ إِذَا تَصَغَّرَتْ (¬3) ، فَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إِلَى الْعُقُولِ مِنْ غَيْرِهِ. فَلَمَّا كَانَ دَلِيلُ أُولَئِكَ مَبْنِيًّا عَلَى إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ إِثْبَاتِ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬4) ، وَأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنْهَا، أَوْ إِثْبَاتِ أَنَّ السُّكُونَ (¬5) أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَالْبُرْهَانُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ لَمْ يُبْسَطِ الْكَلَامُ فِي تَقْرِيرِهِ (¬6) . وَلَا يُحْتَاجُ. (¬7) فِي إِثْبَاتِ شَيْءٍ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ إِلَى طُرُقٍ بَاطِلَةٍ مِثْلِ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ دَخَلُوا فِيهَا أَعْلَمَ وَأَعْقَلَ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ (¬8) الْمُخَالِفِينَ، وَأَقْرَبَ إِلَى صَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ لَكِنْ بِسَبَبِ مَا غَلِطُوا فِيهِ مِنَ السَّمْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ شَارَكَهُمْ فِي بَعْضِ الْغَلَطِ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْبَاطِلِ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَضَمُّوا إِلَيْهِ أُمُورًا أُخْرَى أَبْعَدَ عَنِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ مِنْهُ، وَصَارُوا يَحْتَجُّونَ عَلَى أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مِنْهُمْ بِبُطْلَانِ مَا خَالَفُوهُمْ فِيهِ (¬9) ، وَخَالَفُوا فِيهِ ¬

(¬1) ن: وَلَا تَفْرِيقَ. (¬2) ب: تَتَصَعَّدُ. (¬3) ب: تَصَعَّدَتْ. (¬4) م، ن: الْمُفْرَدَةِ ; أ: الْمُنْفَرِدَةِ. (¬5) ن، م: وَأَنَّ إِثْبَاتَ السُّكُونِ. (¬6) ن، م: لَمْ نَبْسُطِ الْكَلَامَ عَلَى تَقْرِيرِهِ. (¬7) ن، م: فَلَا يُحْتَاجُ ; أ: وَلَا نَحْتَاجُ. (¬8) الْمُتَفَلْسِفَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ن (فَقَطْ) : بِهِ.

الْحَقَّ، وَصَارُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى مُخَالَفَةِ الْحَقِّ مُقَدِّرِينَ أَنَّهُ (¬1) لَا حَقَّ عِنْدَ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ إِلَّا مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ، وَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَاوَرَ بَعْضَ جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ وَفُسَّاقِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، فَصَارَ يُورِدُ (¬2) بَعْضَ مَا أُولَئِكَ فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى بُطْلَانِ دِينِ الْمُسْلِمِينَ مُقَدِّرًا أَنَّ دِينَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ مَا أُولَئِكَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ هُوَ أَجْهَلُ، وَأَظْلَمُ مِنْهُمْ، كَمَا يَحْتَجُّ طَائِفَةٌ (¬3) مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى الْقَدْحِ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا يَجِدُونَ فِي بَعْضِهِمْ مِنَ الْفَوَاحِشِ إِمَّا بِنِكَاحِ التَّحْلِيلِ، وَإِمَّا (¬4) غَيْرِهِ، وَمَا يَجِدُونَهُ مِنَ الظُّلْمِ، أَوِ الْكَذِبِ، أَوِ الشِّرْكِ، فَإِذَا قُوبِلُوا عَلَى وَجْهِ الْإِنْصَافِ وَجَدُوا الْفَوَاحِشَ وَالظُّلْمَ وَالْكَذِبَ وَالشِّرْكَ (¬5) فِيهِمْ أَضْعَافَ مَا يَجِدُونَهُ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى [دِينِ] (¬6) الْإِسْلَامِ، وَإِذَا بُيِّنَ لَهُمْ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْفَوَاحِشِ، وَالظُّلْمِ، وَالْكَذِبِ، وَالشِّرْكِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ مِلَّةٍ إِلَّا وَقَدْ دَخَلَ فِي بَعْضِ أَهْلِهَا نَوْعٌ مِنَ الشَّرِّ لَكِنَّ [الشَّرَّ] (¬7) الَّذِي دَخَلَ فِي غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِمَّا دَخَلَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْخَيْرَ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِمَّا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي الْإِسْلَامِ ¬

(¬1) ن، م: أَنْ. (¬2) ن، م، أ: وَرَدَ. وَالْمُثَبَّتُ مِنْ (ب) . (¬3) ن، م، أ: كَمَا يَحْتَجُّ بِهِ طَائِفَةٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬4) أ، ب: أَوْ. (¬5) ن (فَقَطْ) : وَالشِّرْكَ وَالْكَذِبَ. (¬6) دِينِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) الشَّرَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْخَيْرُ فِيهِمْ (¬1) أَكْثَرُ مِنْهُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ، وَالشَّرُّ [الَّذِي] (¬2) فِي أَهْلِ الْبِدَعِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ خَالِيًا عَنِ الْحَوَادِثِ ثُمَّ تَحْدُثَ فِيهِ، لَكِنْ نَحْنُ نَقُولُ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَوَادِثِ، وَالْقَدِيمُ هُوَ أَصْلُ (¬3) الْعَالَمِ كَالْأَفْلَاكِ، وَنَوْعُ الْحَوَادِثِ مِثْلُ جِنْسِ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ، فَأَمَّا أَشْخَاصُ الْحَوَادِثِ، فَإِنَّهَا حَادِثَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَزَلِيُّ مُسْتَلْزِمٌ لِنَوْعِ (¬4) الْحَوَادِثِ لَا لِحَادِثٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا (¬5) يَلْزَمُ قِدَمُ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ، وَلَا حُدُوثُ جَمِيعِهَا، بَلْ يَلْزَمُ قِدَمُ نَوْعِهَا وَحُدُوثُ أَعْيَانِهَا، كَمَا يَقُولُ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْكُمْ: إِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَكَيْفَ شَاءَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْفِعْلَ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ وَالرَّبَّ لَمْ يَزَلْ حَيًّا، فَلَمْ يَزَلْ فَعَّالًا. وَهَذَا (¬6) مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِ أَئِمَّتِكُمْ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيِّ [صَاحِبِ الصَّحِيحِ] (¬7) ، وَنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيِّ، وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَهُمْ يَنْقُلُونَ ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : وَكَذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِيهِمْ فِي الْإِسْلَامِ الْخَيْرُ فِيهِمْ. (¬2) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م، أ: أُصُولُ. (¬4) ن، م: أَنْوَاعِ. (¬5) أ، ب: وَلَا. (¬6) أ، ب: فَهَذَا. (¬7) صَاحِبِ الصَّحِيحِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

الْقَوْلَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، وَهَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ عِنْدَكُمْ هُمْ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬1) ، وَالْحَدِيثِ، وَهُمْ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِمَقَالَةِ الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ] (¬2) ، وَمِنْ أَتْبَعِ النَّاسِ لَهَا. وَهَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُمْ كَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ احْتَجُّوا عَلَى أَنَّ كَلَامَ الرَّبِّ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا إِلَّا بِـ (كُنْ.) ، فَلَوْ كَانَتْ كُنْ مَخْلُوقَةً لَزِمَ التَّسَلْسُلُ الْمَانِعُ مِنَ الْخَلْقِ، وَهَذَا التَّسَلْسُلُ (¬3) ، فَلَوْ كَانَتْ (كُنْ) مَخْلُوقَةً لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي أَصْلِ كَوْنِهِ خَالِقًا وَفَاعِلًا فَهُوَ (¬4) تَسَلْسُلٌ فِي أَصْلِ التَّأْثِيرِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. بِخِلَافِ التَّسَلْسُلِ فِي الْآثَارِ الْمُعَيَّنَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ خَالِقًا إِلَّا بِقَوْلِهِ (كُنْ) امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ (¬5) مَخْلُوقًا، كَمَا إِذَا قِيلَ: لَا يَكُونُ خَالِقًا إِلَّا بِعِلْمٍ وَقُدْرَةٍ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ مَخْلُوقَيْنِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ (¬6) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خَالِقًا إِلَّا بِهِ، فَيَجِبُ كَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا (¬7) عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ، فَلَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَلَزِمَ تَقَدُّمُهُ (¬8) عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذِهِ (¬9) حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ عَقْلِيَّةٌ [شَرْعِيَّةٌ] (¬10) . ¬

(¬1) أ، ب: عِنْدَكُمْ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ. (¬2) لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَهُوَ تَسَلْسُلُ. (¬4) ن، م: وَهُوَ. (¬5) ن، م: الْقُرْآنُ. (¬6) ن: مَخْلُوقَيْنِ لَا يَلْزَمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) أ، ب: مُقَدَّمًا. (¬8) ن، م: تَقْدِيمُهُ. (¬9) ن، م: وَهَذَا. (¬10) شَرْعِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

بِخِلَافِ مَا إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ يَخْلُقُ هَذَا بِكُنْ، وَهَذَا بِكُنْ أُخْرَى (¬1) ، فَإِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ أَثَرٍ بَعْدَ أَثَرٍ، وَهَذَا فِي جَوَازِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ مِنْكُمْ، ثُمَّ إِنَّ أَسَاطِينَ الْفَلَاسِفَةِ وَكَثِيرًا (¬2) مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يُجِيزُ ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّكُمْ إِذَا جَوَّزْتُمْ وُجُودَ حَادِثٍ بَعْدَ حَادِثٍ عَنِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ الَّذِي هُوَ الرَّبُّ عِنْدَكُمْ، فَكَذَلِكَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي حَوَادِثِ الْعَالَمِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي الْفَلَكِ، وَغَيْرِهِ. قِيلَ: هَذَا قِيَاسٌ بَاطِلٌ، وَتَشْبِيهٌ فَاسِدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ (¬3) إِذَا قَالُوا. هَذَا قَالُوا: الرَّبُّ نَفْسُهُ يَفْعَلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَوْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ، بَلْ هُوَ جَائِزٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يُقَالُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ [الْأَوَّلِ] (¬4) وَانْقِضَاؤُهُ شَرْطًا فِي الثَّانِي، كَمَا يَكُونُ وُجُودُ الْوَالِدِ شَرْطًا فِي وُجُودِ الْوَلَدِ، وَأَنْ يَكُونَ تَمَامُ فَاعِلِيَّةِ الثَّانِي إِنَّمَا حَصَلَتْ عِنْدَ عَدَمِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونَ عَدَمُ الْأَوَّلِ إِذَا اشْتُرِطَ فِي الثَّانِي فَهُوَ مِنْ جِنْسِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ فِي وُجُودِ الضِّدِّ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الْفَاعِلَ لِلضِّدِّ الْحَادِثِ لَيْسَ هُوَ عَدَمَ الْأَوَّلِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُعْدِمَ لِلْأَوَّلِ. وَإِذَا قِيلَ: فِعْلُهُ لِلثَّانِي (¬5) مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْأَوَّلِ كَانَ مِنْ بَابِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الضِّدِّ لِوُجُودِ ضِدِّهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الشَّرْطُ إِعْدَامَ الْأَوَّلِ كَانَ فِعْلُهُ مَشْرُوطًا بِفِعْلِهِ، وَالْإِعْدَامُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، وَأَيْضًا، فَالْفَاعِلُ عِنْدَ عَدَمِ الضِّدِّ ¬

(¬1) أ، ب: هَذَا بِكُنْ أُخْرَى وَهَذَا بِكُنْ أُخْرَى. (¬2) ن، م: مِنْكُمْ مَعَ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ وَكَثِيرٌ. (¬3) وَهُمْ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ. (¬4) يَكُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) ن، م: الثَّانِي.

الْمَانِعِ يَتِمُّ كَوْنُهُ مُرِيدًا قَادِرًا، وَتِلْكَ أُمُورٌ (¬1) وُجُودِيَّةٌ، وَهُوَ الْمُقْتَضِي لَهَا إِمَّا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَا مِنْهُ، فَلَمْ يَحْصُلْ مَوْجُودٌ إِلَّا مِنْهُ وَعَنْهُ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ (¬2) ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْفَاعِلَ الْأَوَّلَ [لَا] (¬3) تَقُومُ بِهِ صِفَةٌ وَلَا فِعْلٌ، بَلْ هُوَ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ بَسِيطَةٌ، وَإِنَّ الْحَوَادِثَ الْمُخْتَلِفَةَ تَحْدُثُ عَنْهَا دَائِمًا بِلَا أَمْرٍ يَحْدُثُ مِنْهُ، وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ سَوَاءٌ سَمُّوهُ (¬4) مُوجِبًا (¬5) بِالذَّاتِ أَوْ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ، فَإِنَّ تَغَيُّرَ الْمَعْلُولَاتِ وَاخْتِلَافِهَا (¬6) بِدُونِ تَغَيُّرِ الْعِلَّةِ، وَاخْتِلَافِهَا أَمْرٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَفِعْلُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ لِأُمُورٍ حَادِثَةٍ مُخْتَلِفَةٍ بِدُونِ مَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَةِ، بَلْ مِنَ الْإِرَادَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ (¬7) مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: مَبْدَأُ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا حَرَكَةُ الْفَلَكِ، وَلَيْسَ فَوْقَهُ أُمُورٌ حَادِثَةٌ تُوجِبُ حَرَكَتَهُ مَعَ أَنَّ حَرَكَاتِ الْفَلَكِ تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِلَا أَسْبَابٍ حَادِثَةٍ تُحْدِثُهَا، وَحَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ (¬8) هِيَ الْأَسْبَابُ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ عِنْدَهُمْ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُحْدِثٌ كَانَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ مُحْدِثٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْفَلَكِ عِنْدَهُمْ نَفْسٌ نَاطِقَةٌ (¬9) ، ¬

(¬1) أ، ب: الْأُمُورُ. (¬2) وَهُمْ أَصْحَابُ الِاعْتِرَاضِ. (¬3) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) أ، ب: سُمِّيَ. (¬5) ن (فَقَطْ) : وَاجِبًا. (¬6) ن، م: الْمَعْلُولَاتِ فِي اخْتِلَافِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن، م: الْمَتْبُوعَةِ. (¬8) ن، م: الْفَلَكُ. (¬9) ب: وَإِنْ كَانَ الْفَلَكُ عِنْدَهُمْ نَفْسًا نَاطِقَةً.

مقالة ابن ملكا والرد عليها

فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ فِي جَمِيعِ الْحَوَادِثِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ فِي فِعْلِ الْحَيَوَانِ. وَلِهَذَا اضْطُرَّ (¬1) ابْنُ سِينَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى جَعْلِ الْحَرَكَةِ لَيْسَتْ شَيْئًا يَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، كَمَا قَدْ (¬2) ذَكَرْنَا أَلْفَاظَهُ، وَبَيَّنَّا فَسَادَهَا، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ أَنَّهُ (¬3) يَحْدُثُ عَنِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ حَادِثٌ بَعْدَ حَادِثٍ، فَخَالَفَ صَرِيحَ الْعَقْلِ، وَالْحِسِّ فِي حُدُوثِ الْحَرَكَةِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِيَسْلَمَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ عِنْدَهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ، وَقَدِ اعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِفَسَادِ قَوْلِهِمْ. [مقالة ابن ملكا والرد عليها] وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِقِيَامِ الْإِرَادَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ بِهِ - كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَمْثَالِهِ - فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ لِلْأَفْلَاكِ، وَمُوجِبٌ لِلْحَوَادِثِ الْمُتَعَاقِبَةِ فِيهِ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ. فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ أَوَّلًا مِنْ جِنْسِ مَا قِيلَ لِإِخْوَانِهِمْ، وَالْحُجَّةُ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ، فَإِنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ، فَيُقَالُ لَهُمْ: إِذَا جَازَ أَنْ يُحْدِثَ الْحَوَادِثَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ [شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ] (¬4) ، فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَفْلَاكُ حَادِثَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ؟ . ¬

(¬1) ن، م: اضْطِرَابُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ، ب: مَوْجُودًا وَقَدْ. (¬3) أ، ب: أَنْ. (¬4) عِبَارَةُ " شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَدْ تَفْطِنُ لِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ حُذَّاقِ هَؤُلَاءِ (¬1) النُّظَّارِ - كَالْأَثِيرِ الْأَبْهَرِيِّ (¬2) - فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ جَمِيعَ ذَلِكَ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ إِرَادَةٍ (¬3) ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِإِرَادَةٍ أُخْرَى لَا إِلَى غَايَةٍ. وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِأَنْفُسِهَا مَسْبُوقَةً (¬4) بِمَادَّةٍ (¬5) بَعْدَ مَادَّةٍ لَا إِلَى غَايَةٍ، وَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ حَادِثٍ قَبْلَهُ حَادِثٌ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ فِي الْأُمُورِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ مِنْ إِرَادَاتٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّ تَسَلْسُلَ الْحَوَادِثِ وَدَوَامَهَا إِنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَهَذَا مُمْكِنٌ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَزِمَ امْتِنَاعُ قِدَمِ الْفَلَكِ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَلْزَمُ قِدَمُ الْفَلَكِ، وَلَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَى قِدَمِهِ مَعَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ أُخْبِرَتْ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ [مُخَالَفَةَ] (¬6) مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَأَهْلُ الْمِلَلِ وَأَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ الْقُدَمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ أَصْلًا.؟ . إِذْ غَايَةُ مَا يَقُولُونَهُ إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ قِدَمِ نَوْعِ الْفِعْلِ لَا عَيْنِهِ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ لَا يَدُلُّ (¬7) عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ ¬

(¬1) هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) هُوَ أَثِيرُ الدِّينِ الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ الْمُفَضَّلُ الْأَبْهَرِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ " هِدَايَةِ الْحِكْمَةِ " (وَهُوَ مَطْبُوعٌ) وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 663 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَارِيخِ مُخْتَصِرِ الدُّوَلِ لِابْنِ الْعِبْرِيِّ، ص [0 - 9] 45 (ط. بَيْرُوتَ، سَنَةَ 1890) ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ بُرُوكِلْمَانَ: مَادَّةَ (الْأَبْهَرِيِّ) ; الْأَعْلَامَ 8/203. (¬3) ن (فَقَطْ) : إِرَادَتُهُ. (¬4) ن: مَسْبُوقَةً بِأَنْفُسِهَا. (¬5) ن، م: مَادَّةٍ. (¬6) مُخَالَفَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) أ، ب: لَمْ يَدُلَّ.

الْعَالَمِ (¬1) ، بَلْ إِذَا قَالُوا: اعْتِبَارُ أَسْبَابِ الْفِعْلِ - وَهُوَ الْفَاعِلُ وَالْغَايَةُ وَالْمَادَّةُ، وَالصُّورَةُ - يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ الْفِعْلِ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ ذَلِكَ - إِنْ دَلَّ - عَلَى قِدَمِ نَوْعِهِ لَا عَيْنِهِ، وَقِدَمِ نَوْعِهِ مُمْكِنٌ مَعَ الْقَوْلِ بِمُوجِبِ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا حَادِثًا - وَإِنْ كَانَ حَادِثًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ - وَأَنَّ الْفَاعِلَ مُطْلَقًا، أَوِ الْفَاعِلَ بِالِاخْتِيَارِ لَا يَكُونُ فِعْلُهُ إِلَّا حَادِثًا، وَلَوْ كَانَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَأَنَّ دَوَامَ الْحَوَادِثِ لِمَخْلُوقٍ مُعَيَّنٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ مُمْتَنِعٌ، وَكَذَلِكَ الْمَفْعُولُ الْمُعَيَّنُ الْمُقَارِنُ لِفَاعِلِهِ (¬2) لَمْ يَزَلْ مَعَهُ مُمْتَنِعٌ. مَعَ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ أَخْبَرَتْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ (¬3) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. (¬4) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَكَيْفَ عَدَلْتُمْ عَنْ صَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ إِلَى مَا يُنَاقِضُهُ، بَلْ أَثْبَتُّمْ قِدَمَ مَا لَا يَدُلُّ دَلِيلٌ إِلَّا عَلَى حُدُوثِهِ لَا عَلَى قِدَمِهِ. ثُمَّ يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ أَيْضًا: إِذَا كَانَ الرَّبُّ فَاعِلًا بِإِرَادَاتِهِ، كَمَا سَلَّمْتُمُوهُ، وَكَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ، بَلْ إِذَا كَانَ فَاعِلًا كَمَا سَلَّمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَإِخْوَانُكُمُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ عَنْ مُوجِبٍ قَدِيمٍ وَمُوجِبُهُ فَاعِلُهُ، فَلَا يُعْقَلُ فَاعِلُ مَفْعُولِهِ مُقَارِنٌ لَهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ بِزَمَانِ ابْتِدَاءٍ (¬5) ، بَلْ تَقْدِيرُ هَذَا فِي الْعَقْلِ تَقْدِيرٌ لَا يُعْقَلُ. ¬

(¬1) ن، م: مِنَ الْعَالَمِ بِعَيْنِهِ. (¬2) أ: وَكَذَلِكَ الْمَفْعُولُ الْمُعَيَّنُ مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ ; ب: وَكَذَلِكَ كَوْنُ الْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ. (¬3) ن، م: وَأَنَّهُ خَلَقَ. (¬4) ب (فَقَطْ) : وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا. (¬5) ب: أَبَدًا.

عود لمناقشة رأي الفلاسفة في التقدم والتأخر

وَأَنْتُمْ شَنَّعْتُمْ (¬1) عَلَى مُخَالِفِيكُمْ لَمَّا أَثْبَتُوا حُدُوثًا فِي غَيْرِ زَمَانٍ، وَقُلْتُمْ هَذَا لَا يُعْقَلُ، فَيُقَالُ لَكُمْ: وَلَا يُعْقَلُ أَيْضًا فِعْلٌ فِي غَيْرِ زَمَانٍ (¬2) أَصْلًا. وَلَا يُعْقَلُ مَفْعُولٌ (¬3) مُقَارِنٌ لِفَاعِلِهِ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ بِزَمَانٍ أَصْلًا. [عود لمناقشة رأي الفلاسفة في التقدم والتأخر] وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ أَنَّ التَّقَدُّمَ بِالذَّاتِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ - وَهُوَ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ - أَمْرٌ قَدَّرْتُمُوهُ فِي الْأَذْهَانِ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْأَعْيَانِ، فَلَا يُعْقَلُ فِي الْخَارِجِ فَاعِلٌ يُقَارِنُهُ (¬4) مَفْعُولُهُ سَوَاءٌ سَمَّيْتُمُوهُ عِلَّةً تَامَّةً، أَوْ لَمْ تُسَمُّوهُ، وَمَا تَذْكُرُونَهُ مِنْ كَوْنِ الشَّمْسِ فَاعِلَةً لِلشُّعَاعِ، وَهُوَ مُقَارِنٌ لَهَا فِي الزَّمَانِ (¬5) مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الشَّمْسِ هِيَ الْفَاعِلَةُ، وَأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَهَا بِالزَّمَانِ، وَكِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَةٌ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّعَاعَ لَا يَكْفِي فِي حُدُوثِهِ مُجَرَّدُ الشَّمْسِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُدُوثِ جِسْمٍ قَابِلٍ لَهُ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ زَوَالِ الْمَوَانِعِ. وَأَيْضًا: فَلَا نُسَلِّمُ لَكُمْ أَنَّ الشُّعَاعَ مُقَارِنٌ لِلشَّمْسِ فِي الزَّمَانِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا، وَلَوْ (¬6) بِجُزْءٍ يَسِيرٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَهَكَذَا مَا تَمَثَّلُونَ بِهِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ حَرَّكْتُ يَدِيَ فَتَحَرَّكَ الْمِفْتَاحُ أَوْ كُمِّي مَبْنِيٌّ عَلَى هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْبَاطِلَتَيْنِ، فَمَنِ الَّذِي يُسَلِّمُ أَنَّ حَرَكَةَ الْيَدِ هِيَ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ لِحَرَكَةِ الْكُمِّ، وَالْمِفْتَاحِ؟ بَلِ الْفَاعِلُ لِلْحَرَكَتَيْنِ وَاحِدٌ لَكِنَّ تَحْرِيكَهُ لِلثَّانِي ¬

(¬1) ن، م: شَفَعْتُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ، ب: وَلَا نَعْقِلُ أَيْضًا فِعْلًا مِنْ غَيْرِ زَمَانٍ. (¬3) مَفْعُولٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) ن (فَقَطْ) يُقَارِبُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: لَهَا بِالزَّمَانِ. (¬6) وَلَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَفِي (أ) : بَلْ.

مَشْرُوطٌ بِتَحْرِيكِهِ لِلْأَوَّلِ، فَالْحَرَكَةُ الْأُولَى شَرْطٌ فِي الثَّانِيَةِ لَا فَاعِلَةٌ لَهَا، وَالشَّرْطُ يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَ الْمَشْرُوطَ، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا فَاعِلٌ لِلْآخَرِ لَمْ يُسَلَّمْ أَنَّهُ مُقَارِنٌ لَهُ فِي الزَّمَانِ، بَلْ يُعْقَلُ تَحْرِيكُ الْإِنْسَانِ لِمَا قَرُبَ مِنْهُ قَبْلَ تَحْرِيكِهِ لِمَا بَعُدَ مِنْهُ، فَتَحْرِيكُهُ لِشَعَرِ جِلْدِهِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى تَحْرِيكِهِ لِبَاطِنِ ثِيَابِهِ، وَتَحْرِيكُهُ لِبَاطِنِ ثِيَابِهِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى تَحْرِيكِهِ لِظَاهِرِهَا، وَتَحْرِيكُهُ لِقَدَمِهِ مُتَقَدِّمٌ (¬1) عَلَى تَحْرِيكِهِ لِنَعْلِهِ، وَتَحْرِيكُهُ لِيَدِهِ مُتَقَدِّمٌ (¬2) عَلَى تَحْرِيكِهِ لِكُمِّهِ. وَالْمُقَارَنَةُ يُرَادُ بِهَا شَيْئَانِ (¬3) ، أَحَدُهُمَا: الِاتِّصَالُ كَاتِّصَالِ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَأَجْزَاءِ الْحَرَكَةِ الْحَادِثَةِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَكُلُّ (¬4) وَاحِدٍ (¬5) يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالْآخَرِ يُقَالُ: إِنَّهُ مُقَارِنٌ لَهُ لِاتِّصَالِهِ بِهِ - وَإِنْ كَانَ عَقِبَهُ - وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَا هُوَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمٍ فِي الزَّمَانِ (¬6) أَصْلًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَجْسَامَ الْمُتَّصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إِذَا كَانَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا، فَإِنَّ الْحَرَكَةَ تَحْصُلُ فِيهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَهِيَ مُتَّصِلَةٌ مُقْتَرِنَةٌ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهَا مُقْتَرِنَةٌ فِي الزَّمَانِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي. . وَمَبْدَأُ مَا يُحَرِّكُهُ الْإِنْسَانُ مِنْهُ، فَإِذَا حَرَّكَ يَدَهُ تَحَرَّكَ الْكُمُّ الْمُتَّصِلُ بِهَا، وَتَحَرَّكَ مَا اتَّصَلَ بِالْكُمِّ لَكِنَّ حَرَكَةَ الْيَدِ قَبْلَ حَرَكَةِ الْكُمِّ مَعَ اتِّصَالِهَا، وَهَكَذَا سَائِرُ النَّظَائِرِ. ¬

(¬1) ن، م: مُقَدَّمٌ. (¬2) ن، م: مُقَدَّمٌ. (¬3) ن: سَبَبَانِ. (¬4) ن، م: وَكُلُّ. (¬5) أ، ب: أَحَدٍ. (¬6) م، ن: تَقَدُّمٍ بِالزَّمَانِ.

وَالْإِنْسَانُ إِذَا حَرَّكَ حَبْلًا بِسُرْعَةٍ، فَإِنَّهُ تَتَّصِلُ الْحَرَكَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الطَّرَفَ الَّذِي يَلِي يَدَهُ تَحَرَّكَ قَبْلَ الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَلَا يُعْقَلُ (¬1) قَطُّ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ إِلَّا حَادِثًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَا يُعْقَلُ فِعْلٌ مُقَارِنٌ لِفَاعِلِهِ فِي الزَّمَانِ أَصْلًا. [وَإِذَا قِيلَ] : (¬2) إِنَّ الْفَاعِلَ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا كَانَ الْمَعْقُولُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ مُقَارِنًا لَهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ بِزَمَانٍ أَصْلًا. وَأَيْضًا: فَالرَّبُّ تَعَالَى إِذَا لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ (¬3) ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةِ يس: 82] فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ الْفِعْلَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قَبْلَ الْمَفْعُولِ، وَإِنْ كَانَتِ الْإِرَادَةُ وَالْفِعْلُ مَوْجُودَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ، كَمَا يَقُولُ (¬4) أَهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ. لَكِنْ إِذَا قِيلَ: لَمْ يَزَلِ الْمَفْعُولُ لَازِمًا لِلْفَاعِلِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ وَبَيْنَ الْمَفْعُولِ الْمَخْلُوقِ [لَهُ] (¬5) ، فَلَا يَكُونُ فَرْقٌ بَيْنَ حَيَاتِهِ وَبَيْنَ مَخْلُوقَاتِهِ، بَلْ وَلَا بَيْنَ الْخَالِقِ، وَالْمَخْلُوقِ. وَالْعُقَلَاءُ يَعْلَمُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ - لَا سِيَّمَا مَا يَفْعَلُهُ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : وَلَا يَفْعَلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) عِبَارَةُ " وَإِذَا قِيلَ " مَكَانُهَا بَيَاضٌ فِي (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. (¬4) ن، م، أ: كَمَا يَقُولُهُ. (¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

بِاخْتِيَارِهِ - وَبَيْنَ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ لَوْنَ (¬1) الْإِنْسَانِ وَطُولَهُ وَعَرْضَهُ لَيْسَ مُرَادًا لَهُ وَلَا مَقْدُورًا لَهُ وَلَا مَفْعُولًا لَهُ ; لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬2) ، وَأَمَّا أَفْعَالُهُ الدَّاخِلَةُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬3) فَهِيَ أَفْعَالٌ لَهُ مَقْدُورَةٌ مُرَادَةٌ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذِهِ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ كَاللَّوْنِ (¬4) ، وَالْقَدْرِ كَانَ هَذَا غَيْرَ مَعْقُولٍ، بَلْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ [بِهِ] (¬5) أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا لَهُ، وَلَا مَفْعُولَاتٍ، بَلْ صِفَاتٍ [لَهُ] (¬6) . وَأَيْضًا، فَإِذَا كَانَ الْعَالَمُ لَمْ يَخْلُ مِنْ نَوْعِ الْحَوَادِثِ - كَمَا سَلَّمْتُمُوهُ، وَكَمَا يَقُومُ عَلَيْهِ الْبُرْهَانُ، بَلْ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ - لَمْ يُمْكِنْ (¬7) فِعْلُ الْعَالَمِ بِدُونِ الْحَوَادِثِ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ، وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ مَلْزُومُ الْحَوَادِثِ الْمَصْنُوعُ (¬8) الْمَفْعُولُ قَدِيمًا، وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْلُوَ مِنَ الْحَوَادِثِ. وَمَا يَدَّعِيهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ مِنْ أَنَّ الْعُقُولَ خَالِيَةٌ عَنِ الْحَوَادِثِ مِنْ أَبْطَلِ الْكَلَامِ لَوْ كَانَ لِلْعُقُولِ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ [فَكَيْفَ وَلَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ] (¬9) وَذَلِكَ أَنَّ مَعْلُولَ (¬10) الْعُقُولِ عِنْدَهُمْ - وَهِيَ النُّفُوسُ ¬

(¬1) أ، ب: كَوْنَ. (¬2) أ، ب: مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. (¬3) أ، ب: مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. (¬4) ب، م: كَالْكَوْنِ. (¬5) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: يَكُنْ. (¬8) أ، ب: لِلْمَصْنُوعِ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬10) أ: مَعْقُولَ ; ب: مَفْعُولَ.

الْفَلَكِيَّةُ أَوِ الْأَفْلَاكُ أَوْ مَا (¬1) شِئْتَ مِنَ الْعَالَمِ - مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ وَالْأَفْلَاكَ لَا يُمْكِنُ خُلُوُّهَا مِنَ الْحَوَادِثِ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ خَلَتْ لَمْ تَكُنْ نُفُوسًا، بَلْ تَكُونُ عُقُولًا (¬2) . وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُولُ لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَوَادِثِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ لَمْ تَخْلُ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَإِلَّا لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْمَعْلُولِ بِلَا عِلَّةٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحَوَادِثِ مِنْ سَبَبٍ تَحْدُثُ عِنْدَهُ (¬3) ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِلَّةِ النُّفُوسِ وَالْأَفْلَاكِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَطَلَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً لَهَا لِامْتِنَاعِ صُدُورِ الْحَوَادِثِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ عِلَّةٍ بَسِيطَةٍ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ (¬4) . وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّتُهُمْ (¬5) ، وَغَيْرُ أَئِمَّتِهِمُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ (¬6) الرَّبَّ تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ قَالُوا: لِأَنَّ الْمَفْعُولَاتِ فِيهَا مِنَ التَّنَوُّعِ وَالْحُدُوثِ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ عَنِ الْفَاعِلِ، وَإِلَّا لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا مُحْدِثٍ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ [أَجْزَاءِ] (¬7) الْعَالَمِ مَلْزُومًا لِلْحَوَادِثِ، وَهُوَ مَصْنُوعٌ، فَإِبْدَاعُهُ بِدُونِ الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ، وَإِحْدَاثُ [الْحَوَادِثِ] (¬8) شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مَعَ قِدَمِ ذَاتِ مَحَلِّهَا الْمَعْلُولِ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ الْقَدِيمَ الْمُوجِبَ ¬

(¬1) ن: وَمَا. (¬2) ن، م: بَلْ كَانَتْ تَكُونُ عَقْلًا. (¬3) ن، م، أ: مِنْ سَبَبٍ يُحْدَثُ عِنْدَهَا، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬4) أ، ب: عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ; ن: عَلَى حَالٍ وَحْدَهُ. (¬5) ن، م: أَئِمَّتُهُمْ وَغَيْرُهُمْ. (¬6) ن: إِنَّ. (¬7) أَجْزَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) الْحَوَادِثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

لِذَاتِهِ لَا يُوجِبُهَا إِلَّا مَعَ الْحَوَادِثِ، فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لَهَا قَطُّ إِلَّا مَعَ فِعْلٍ (¬1) حَادِثٍ يَقُومُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ لَا يَفْعَلُ إِلَّا بِفِعْلٍ حَادِثٍ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ (2 قَدِيمًا ; لِأَنَّ قِدَمَ الْمَفْعُولِ 2) (¬2) يَقْتَضِي قِدَمَ الْفِعْلِ بِالضَّرُورَةِ. وَإِذَا قِيلَ: فِعْلُ الْمَلْزُومِ قَدِيمٌ، وَفِعْلُ الْحَوَادِثِ حَادِثٌ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَزِمَ أَنْ يَقُومَ بِذَاتِ الْفَاعِلِ فِعْلَانِ: أَحَدُهُمَا: فِعْلٌ لِلذَّاتِ الْقَدِيمَةِ، وَهُوَ قَدِيمٌ بِقِدَمِهَا دَائِمٌ بِدَوَامِهَا، وَالْآخَرُ: أَفْعَالٌ لِحَوَادِثِهَا، وَهِيَ حَادِثَةٌ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَتَكُونُ ذَاتُ الْفَاعِلِ فَاعِلَةً لِلْمَلْزُومِ بِفِعْلٍ، وَفَاعِلَةً لِلَّازِمِ بِفِعْلٍ آخَرَ أَوْ أَفْعَالٍ، وَفِعْلُهَا لِلْمَلْزُومِ يُوجِبُ فِعْلَهَا لِلَّازِمِ لِامْتِنَاعِ انْفِكَاكِ الْمَلْزُومِ عَنِ اللَّازِمِ، وَإِرَادَتُهَا لِلْمَلْزُومِ تُوجِبُ إِرَادَتَهَا لِلَّازِمِ ; لِأَنَّ الْمُرِيدَ لِلْمَلْزُومِ الْعَالِمِ بِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ إِنْ لَمْ يُرِدِ اللَّازِمَ لَكَانَ إِمَّا غَيْرَ مُرِيدٍ لِوُجُودِ الْمَلْزُومِ، وَإِمَّا غَيْرَ عَالِمٍ بِالْمَلْزُومِ. وَالرَّبُّ تَعَالَى مُرِيدٌ لِلْمَلْزُومِ (¬3) ، وَعَالِمٌ بِالْمَلْزُومِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ الْمَلْزُومَ دُونَ اللَّازِمِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيمَا يُرِيدُ إِحْدَاثَهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ حَوَادِثَ مُتَعَاقِبَةً، كَمَا يُحْدِثُ الْإِنْسَانَ وَيُحْدِثُ لَهُ أَحْوَالًا مُتَجَدِّدَةً شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَيُحْدِثُ الْأَفْلَاكَ، وَيُحْدِثُ حَوَادِثَهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَكِنَّهُ إِذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَلْزُومَ غَيْرُ مُحْدِثٍ لَهُ لَمْ يُعْقَلْ كَوْنُهُ مَفْعُولًا لَهُ، وَلَا يُعْقَلُ [أَيْضًا] (¬4) كَوْنُهُ مَعْلُولًا لَهُ قَدِيمًا بِقِدَمِهِ، فَإِنَّ الْمَعْلُولَ لَهُ صِفَاتٌ وَمَقَادِيرٌ ¬

(¬1) فِعْلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) ن، م: بِالْمَلْزُومِ. (¬4) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَالْعِلَّةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الْأَحْوَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ إِنَّمَا تَسْتَلْزِمُ مَا يَكُونُ مِنْ لَوَازِمِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ لَوَازِمِهَا مَا يُنَاسِبُهَا مُنَاسَبَةَ الْمَعْلُولِ لِعِلَّتِهِ، وَالْمَعْلُولُ فِيهِ مِنَ الْأَقْدَارِ وَالْأَعْدَادِ وَالصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا يَمْتَنِعُ (¬1) وُجُودُ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي عِلَّتِهِ، فَتَمْتَنِعُ الْمُنَاسَبَةُ، وَإِذَا امْتَنَعَتِ الْمُنَاسَبَةُ امْتَنَعَ كَوْنُهُ عِلَّةً لَهُ. وَأَيْضًا، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهَا مُوجِبٌ أَزَلِيٌّ لِلْمَعْلُولِ الْأَزَلِيِّ كَانَ إِيجَابُهَا لَهُ إِمَّا بِالذَّاتِ مُجَرَّدَةً عَنْ أَحْوَالِهَا الْمُتَعَاقِبَةِ، وَإِمَّا مَعَ أَحْوَالِهَا، وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ خُلُوَّ الذَّاتِ (¬2) عَنْ لَوَازِمِهَا مُمْتَنِعٌ، وَالثَّانِي مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ الذَّاتَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِصِفَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا لَا تَفْعَلُ إِلَّا بِصِفَاتِهَا، وَأَحْوَالِهَا، وَالْأَحْوَالُ الْمُتَعَاقِبَةُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَعْلُولٌ مُعَيَّنٌ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا فِي الْمَعْلُولِ الْأَزَلِيِّ ; لِأَنَّ الْمَعْلُولَ الْأَزَلِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعَ عِلَّةٍ (¬3) أَزَلِيَّةٍ، وَالْأَحْوَالُ الْمُتَعَاقِبَةُ لَا يَكُونُ مَجْمُوعُهَا وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا أَزَلِيًّا (¬4) ،. وَإِنَّمَا الْأَزَلِيُّ هُوَ النَّوْعُ الْقَدِيمُ الَّذِي يُوجِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهَذَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الْأَزَلِ. وَهَذَا كَمَا لَوْ قِيلَ: إِنَّ الْفَلَكَ الْمُتَحَرِّكَ دَائِمًا (¬5) يُوجِبُ ذَاتًا أَزَلِيَّةً مُتَحَرِّكَةً، [أَوْ غَيْرَ مُتَحَرِّكَةٍ، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ مَا كَانَ فِعْلُهُ مَشْرُوطًا بِالْحَرَكَةِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ قَدِيمًا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ ¬

(¬1) أ، ب: مَا يَمْنَعُ. (¬2) ن: فَإِنَّ خُلُوَّ الذَّاتِ الْحَوَادِثِ ; م: فَإِنَّ خُلُوَّ الْحَوَادِثِ الذَّاتِ. (¬3) ن، أ: عِلَّتِهِ. (¬4) أ، ب: لَا يَكُونُ مَجْمُوعُهَا وَلَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ. (¬5) م: الْمُتَحَرِّكَ إِنَّمَا.

الْمُتَحَرِّكَ الْأَزَلِيَّ يُوجِبُ مُتَحَرِّكًا أَزَلِيًّا لَمْ يُوجِبْ] (¬1) إِلَّا مَا يُنَاسِبُهُ، وَأَمَّا الْمُتَحَرِّكَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي قَدْرِهَا وَصِفَاتِهَا وَحَرَكَاتِهَا فَيَمْتَنِعُ صُدُورُهَا عَنْ مُتَحَرِّكٍ حَرَكَةً مُتَشَابِهَةً. وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمَفْعُولَ الْمَخْلُوقَ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْفَاعِلِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا مِنَ الْفَاعِلِ، وَالْفَاعِلُ الْخَالِقُ غَنِيٌّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَاقْتِرَانُهُمَا (¬2) أَزَلًا وَأَبَدًا يَمْنَعُ كَوْنَ أَحَدِهِمَا فَاعِلًا غَنِيًّا وَالْآخَرِ مَفْعُولًا فَقِيرًا، بَلْ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُتَوَلِّدًا عَنْهُ، وَيُوجِبُ كَوْنَهُ صِفَةً لَهُ، فَإِنَّ الْوَلَدَ وَإِنْ تَوَلَّدَ عَنْ وَالِدِهِ بِغَيْرِ قُدْرَتِهِ [وَإِرَادَتِهِ] (¬3) ، وَاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬4) ، فَهُوَ حَادِثٌ عَنْهُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُتَوَلَّدِ عَنِ الشَّيْءِ مُلَازِمًا لِلْمُتَوَلِّدِ عَنْهُ مُقَارِنًا لَهُ فِي وُجُودِهِ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يُعْقَلُ. وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ أَوْلَادُ اللَّهِ وَإِنَّهُمْ بَنَاتُهُ، مَعَ مَا فِي قَوْلِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ (¬5) ، فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَكْفَرُ مِنْهُ مِنْ وُجُوهٍ، فَإِنَّ أُولَئِكَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ حَادِثَةٌ كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ (¬6) اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعُقُولَ وَالنُّفُوسَ - الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمَلَائِكَةَ، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: وَاقْتِرَانُهَا. (¬3) وَإِرَادَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) وَمَشِيئَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: مِنَ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ. (¬6) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

[وَالسَّمَاوَاتِ] (¬1) - قَدِيمَةٌ بِقِدَمِ اللَّهِ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ وَالِدًا لَهَا، فَهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ وَلَدَهَا يَقُولُونَ: لَمْ تَزَلْ مَعَهُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُعْقَلُ لَا فِي الْوَلَدِ وَلَا فِي الْفِعْلِ، فَكَانَ قَوْلُهُمْ مُخَالِفًا لِمَا تَعْرِفُهُ الْعُقُولُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَسِرُّ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، فَأَثْبَتُوا فِعْلًا وَصُنْعًا وَإِبْدَاعًا (¬2) مِنْ غَيْرِ إِبْدَاعٍ وَلَا صُنْعٍ وَلَا فِعْلٍ. وَقَوْلُهُمْ فِي فِعْلِ الرَّبِّ كَقَوْلِهِمْ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَأَثْبَتُوا وَاجِبَ الْوُجُودِ (¬3) ، وَوَصَفُوهُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ، وَأَثْبَتُوا صِفَاتِهِ، وَقَالُوا فِيهَا مَا يُوجِبُ نَفْيَ صِفَاتِهِ، فَهُمْ دَائِمًا يَجْمَعُونَ فِي أَقْوَالِهِمْ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي الْأَصْلِ مُعَطِّلَةٌ مَحْضَةٌ، وَلَكِنْ أَثْبَتُوا ضَرْبًا مِنَ الْإِثْبَاتِ، وَأَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالتَّعْطِيلِ، فَلَزِمَهُمُ التَّنَاقُضُ. وَلِهَذَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ أَنْ يُوصَفَ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ (¬4) ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يُقَالُ: هُوَ مَوْجُودٌ (5 وَلَا مَعْدُومٌ وَلَا حَيٌّ وَلَا مَيِّتٌ، وَقَدْ يَقُولُونَ: لَا يُقَالُ: هُوَ مَوْجُودٌ وَلَا يُقَالُ 5) : (¬5) لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلَا يُقَالُ: هُوَ حَيٌّ، وَلَا يُقَالُ: لَيْسَ بِحَيٍّ (¬6) ، فَيَرْفَعُونَ النَّقِيضَيْنِ جَمِيعًا، أَوْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ إِثْبَاتِ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ وَرَفْعِ النَّقِيضَيْنِ مُمْتَنِعٌ، كَمَا أَنَّ جَمْعَ النَّقِيضَيْنِ مُمْتَنِعٌ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْ إِثْبَاتِ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، ¬

(¬1) وَالسَّمَاوَاتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب: وَإِبْدَاعًا وَصُنْعًا. (¬3) ب (فَقَطْ) : الْوُجُودَ لِلْوَاجِبِ. (¬4) ن، م: وَإِثْبَاتٍ. (¬5) (5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: هُوَ حَيٌّ وَلَا لَيْسَ بِحَيٍّ.

وَالْحَقِّ، وَالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ جَهْلٌ وَامْتِنَاعٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ. وَمَدَارُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُعْرَفُ وَلَا يُذْكَرُ وَلَا يُمَجَّدُ وَلَا يُعْبَدُ، وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ السَّفْسَطَةِ، فَإِنَّ السَّفْسَطَةَ مِنْهَا مَا هُوَ نَفْيٌ لِلْحَقِّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَفْيٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ تَجَاهُلٌ، وَامْتِنَاعٌ عَنْ إِثْبَاتِهِ، وَنَفْيِهِ، وَيُسَمَّى [أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ] الْلَا أَدْرِيَّةَ (¬1) لِقَوْلِهِمْ: لَا نَدْرِي (¬2) . كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 23] مُتَجَاهِلًا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ، وَأَنَّهُ مَنْكُورٌ لَا يُعْرَفُ، فَخَاطَبَهُ مُوسَى بِمَا بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُنْكَرَ، وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُجْحَدَ (¬3) ، فَقَالَ: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ - قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ - قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 24 - 26] . وَكَذَلِكَ قَالَتِ الرُّسُلُ لِمَنْ قَالَ مِنْ قَوْمِهِمْ: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ - قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: 9 - 10] إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَقَامُ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَكِنْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَا لِاتِّصَالِ الْكَلَامِ بِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ إِذَا جَوَّزْنَا حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ امْتَنَعَ الْقَوْلُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، كَمَا سَنُبَيِّنُ امْتِنَاعَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ حُدُوثِ ¬

(¬1) ن، م: وَيُسَمَّى هَؤُلَاءِ الْأَدْرِيَّةَ. (¬2) أ، ب: لِقَوْلِهِمْ فِيمَا لَا نَعْلَمُ: لَا نَدْرِي. (¬3) ن (فَقَطْ) : مِمَّنْ أَنْ يَجِدَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

القول بإمكان حوادث لا أول لها مبطل للقول بقدم العالم

الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِامْتِنَاعِ قِدَمِهِ (¬1) عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَيَلْزَمُ امْتِنَاعُ الْقَوْلِ بِقِدَمِهِ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقِيضَيْنِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. [القول بإمكان حوادث لا أول لها مبطل للقول بقدم العالم] وَهَذَا التَّقْدِيرُ الَّذِي نُرِيدُ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَقْدِيرُ إِمْكَانِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ وَتَسَلْسُلِهَا وَإِمْكَانِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَمْتَنِعُ حُدُوثُ حَادِثٍ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ بِالضَّرُورَةِ، وَاتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ فِيمَا نَعْلَمُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ بِلَا مُرَجِّحٍ تَامٍّ مَعَ إِمْكَانِ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ، وَحُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ مَعَ إِمْكَانِ حُدُوثِ السَّبَبِ الْحَادِثِ دَائِمًا. وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ [فِيمَا نَعْلَمُ] (¬2) ، وَهُوَ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ (¬3) يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ نِسْبَةُ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ إِلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ نِسْبَةً وَاحِدَةً، وَنِسْبَتُهَا إِلَى قُدْرَةِ الْفَاعِلِ الْقَدِيمِ وَإِرَادَتِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ نِسْبَةً وَاحِدَةً، وَالْفَاعِلُ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ تَخْصِيصَ وَقْتٍ بِدُونِ وَقْتٍ بِالْإِحْدَاثِ تَرْجِيحٌ (¬4) لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ. وَأَيْضًا فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ هَذَا جَائِزٌ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ جَازَ أَنْ يُرِيدَ حَادِثًا بَعْدَ حَادِثٍ لَا إِلَى أَوَّلٍ لَا يَقْتَضِي (¬5) أَنْ يُرِيدَ حَادِثًا بِعَيْنِهِ فِي الْأَزَلِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ فِي الْأَزَلِ مُحَالٌ ¬

(¬1) أ، ب: امْتِنَاعُ الْقَوْلِ بِقِدَمِهِ. (¬2) فِيمَا نَعْلَمُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: لِأَنَّهُ. (¬4) ن، م: تَرْجِيحًا. (¬5) فِي (أ) ، (ب) : لَا يَنْقَضِي، وَفِي (ن) ، (م) : لَا إِلَى أَوَّلٍ يَقْتَضِي. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.

بِالضَّرُورَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، فَإِنَّ الْمُحْدَثَ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ قَدِيمًا إِذْ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي دَوَامِ نَوْعِ الْحَوَادِثِ لَا فِي قِدَمِ حَادِثٍ مُعَيَّنٍ. وَفِي الْجُمْلَةِ (¬1) ، فَإِذَا قِيلَ: بِجَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ، وَأَنَّ نَوْعَهَا قَدِيمٌ (¬2) لَمْ يَقُلْ إِنَّ نَوْعَهَا حَادِثٌ (¬3) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ مَا جَازَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ (¬4) . وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَوَازُ الْخَارِجِيُّ لَا مُجَرَّدُ الْجَوَازِ الذِّهْنِيِّ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِإِمْكَانِ قِدَمِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ قِدَمُهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِوُجُوبِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ لِصُدُورِهِ عَنْ وَاجِبِ الْوُجُودِ (¬5) ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَمَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، أَوْ لَازِمَا لِلْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ لَزِمَ كَوْنُهُ قَدِيمًا، وَامْتَنَعَ كَوْنُهُ مَعْدُومًا ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنَفْسِهِ يَجِبُ قِدَمُهُ، وَيَمْتَنِعُ عَدَمُهُ، وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ، فَيَجِبُ قِدَمُ لَوَازِمِهِ، وَيَمْتَنِعُ عَدَمُهَا. وَإِذَا قِيلَ (¬6) : بِجَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ جَازَ قِدَمُ نَوْعِهَا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ قِدَمُهَا، [وَيَمْتَنِعُ عَدَمُ نَوْعِهَا] (¬7) إِذَا كَانَ لَهُ مُوجَبٌ أَزَلِيٌّ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ قِدَمُ نَوْعِهَا، (8 وَيَمْتَنِعُ عَدَمُ نَوْعِهَا 8) (¬8) ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا، ثُمَّ إِنَّهُ ¬

(¬1) ن، م: وَبِالْجُمْلَةِ. (¬2) ن، م: وَأَنْ يَكُونَ نَوْعُهَا قَدِيمًا. (¬3) ن، م: حَادِثًا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) أ، ب: فَإِنَّ مَا جَازَ قِدَمُهُ وَجَبَ قِدَمُهُ وَامْتَنَعَ عَدَمُهُ. (¬5) أ، ب: عَنْ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ. (¬6) ن، م: فَإِذَا. (¬7) عِبَارَةُ " وَيَمْتَنِعُ عَدَمُ نَوْعِهَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) (8 - 8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

يَحْدُثُ فِيهِ الْحَوَادِثُ مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ دَوَامِهَا، بَلْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مُقَدِّمَاتٌ بَيِّنَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا وَفَهِمَهَا. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا قَدِيمًا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، وَلَوْ كَانَ فَاعِلُ الْعَالَمِ مُوجِبًا بِالذَّاتِ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَالْحَوَادِثُ فِيهِ مَشْهُودَةٌ (¬1) ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ (2 الْعَالَمِ مُوجِبًا بِذَاتِهِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ 2) (¬2) الْعَالَمُ قَدِيمًا، كَمَا قَالَهُ أُولَئِكَ (¬3) الدَّهْرِيَّةُ، بَلْ وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ الْفَاعِلِ أَزَلِيًّا، لَا سِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ بِاخْتِيَارِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنَّ يَكُونَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ أَزَلِيٌّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي هُوَ تَقْدِيرُ إِمْكَانِ الْحَوَادِثِ وَدَوَامِهَا وَامْتِنَاعِ صُدُورِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ. وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ فَاعِلَ الْعَالَمِ (¬4) قَادِرٌ مُخْتَارٌ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَأَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو (¬5) - فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ الْمُبْدِعُ مُرِيدًا لِمَفْعُولَاتِهِ حِينَ فِعْلِهِ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةِ النَّحْلِ: 40] . وَلَا يَكْفِي وُجُودُ إِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُتَجَدِّدَاتِ بِدُونِ تَجَدُّدِ إِرَادَةِ ذَلِكَ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَلْزَمُ جَوَازُ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ. ¬

(¬1) ن، م: مَشْهُورَةٌ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: هَؤُلَاءِ. (¬4) ن (فَقَطْ) : إِنَّ الْفَاعِلَ الْعَالِمَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: أَرِسْطُو.

ابن سينا مخالف لأرسطو ولجمهرة الفلاسفة

وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْآخَرِ، وَهُوَ امْتِنَاعُ حُدُوثِهَا بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَإِذَا كَانَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْإِرَادَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَادِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِرَادَةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْمُرَادِ مُسْتَلْزِمَةٍ لَهُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَزَلِ إِرَادَةٌ يُقَارِنُهَا مُرَادُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَامَّةً لِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ (¬1) ، أَوْ كَانَتْ (¬2) خَاصَّةً بِبَعْضِ الْمَفْعُولَاتِ، فَإِنَّ مُرَادَهَا هُوَ مَفْعُولُ الرَّبِّ، وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ هِيَ إِرَادَةُ أَنْ يَفْعَلَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُرِيدُ الْفَاعِلُ أَنْ يَفْعَلَهُ لَا يَكُونُ شَيْئًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَمْ يَزَلْ، وَلَا يَزَالُ، بَلْ لَا يَكُونُ إِلَّا حَادِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. [ابن سينا مخالف لأرسطو ولجمهرة الفلاسفة] وَهَذَا مَعْلُومٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ نُظَّارِ الْأُمَمِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَمَاهِيرِ الْفَلَاسِفَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ حَتَّى أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَلَمْ يُنَازِعْ فِي ذَلِكَ إِلَّا شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ جَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُمْكِنًا، وَهُوَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا. وَأَمَّا جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ فَسَادَ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَعْلُومٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ حَتَّى الْمُنْتَصِرُونَ (¬3) لِأَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ - كَابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ، وَغَيْرِهِ - أَنْكَرُوا كَوْنَ الْمُمْكِنِ يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا عَلَى إِخْوَانِهِمْ كَابْنِ سِينَا، وَبَيَّنُوا أَنَّهُمْ خَالَفُوا فِي هَذَا الْقَوْلِ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعَهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. هَؤُلَاءِ. ¬

(¬1) ن، م: لِكُلٍّ مَنْ يَصْدُرُ عَنْهُ. (¬2) ن (فَقَطْ) : أَوْ تَكُونُ. (¬3) ن، م: حَتَّى الْمُنْتَصِرِينَ.

وَكَلَامُ أَرِسْطُو بَيِّنٌ فِي ذَلِكَ فِي (مَقَالَةِ اللَّامِ) الَّتِي هِيَ آخِرُ كَلَامِهِ فِي عِلْمِ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ (¬1) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَأَرِسْطُو وَقُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ - مَعَ سَائِرِ الْعُقَلَاءِ - يَقُولُونَ: إِنَّ الْمُمْكِنَ الَّذِي يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا كَائِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَالْمَفْعُولَ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا، وَهُمْ إِذَا قَالُوا بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ لَمْ يَقُولُوا إِنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَا مَفْعُولَةٌ وَلَا مَخْلُوقَةٌ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا تَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى، فَهِيَ [مُحْتَاجَةٌ إِلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى] (¬2) الَّتِي يُسَمِّيهَا ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي حَرَكَتِهَا مِنَ التَّشَبُّهِ بِهِ، فَهُوَ لَهَا (¬3) مِنْ جِنْسِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ لَا أَنَّهُ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ لَهَا عِنْدَ أَرِسْطُو. وَذَوِيهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ - وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَقْوَالِ كُفْرًا وَضَلَالًا وَمُخَالَفَةً لِمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ [مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ] (¬4) ، وَلِهَذَا عَدَلَ مُتَأَخِّرُو الْفَلَاسِفَةِ [عَنْهُ] (¬5) ، وَادَّعَوْا مُوجِبًا وَمُوجَبًا، كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ سِينَا، وَأَمْثَالُهُ، ¬

(¬1) مُقَالَةُ " اللَّامِ " هِيَ الْمُقَالَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَقَالَةً كَتَبَهَا أَرِسْطُو فِي الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ أَوِ الْفَلْسَفَةِ الْأُولَى، وَقَدْ ضُمَّتْ هَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَرُتِّبَتْ حَسَبَ أَحْرُفِ الْهِجَاءِ الْيُونَانِيَّةِ وَسُمِّيَتْ بِكِتَابِ " الْحُرُوفِ " أَوْ كِتَابِ " الْإِلَهِيَّاتِ " أَوْ كِتَابِ " مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ "، وَقَدْ تَرْجَمَ الْفَلَاسِفَةُ الْعَرَبُ وَالْمُسْلِمُونَ هَذَا الْكِتَابَ وَشَرَحُوهُ - كَمَا فَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ - وَلَكِنَّهُمُ اهْتَمُّوا بِمَقَالَةِ اللَّامِ بِوَجْهٍ خَاصٍّ، فَتَرْجَمُوهَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَشَرَحُوهَا وَعَلَّقُوا عَلَيْهَا. وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ كِتَابَ " أَرِسْطُو عِنْدَ الْعَرَبِ " نَشْرَ الدُّكْتُورِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَوِيٍّ، الْقَاهِرَةِ، 1947 ; وَانْظُرِ الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص 251. وَقَدْ تَرْجَمَ الدُّكْتُورُ أَبُو الْعُلَا عَفِيفِيُّ مَقَالَةَ اللَّامِ (انْظُرْ: مَجَلَّةَ كُلِّيَّةِ الْآدَابِ بِجَامِعَةِ الْقَاهِرَةِ (فُؤَادِ الْأَوَّلِ) ، الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنَ الْمُجَلَّدِ الْخَامِسِ، الْقَاهِرَةِ 1939) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ (¬3) ن، م: فَهُوَ لَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

وَأَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ قَبْلَ أَرِسْطُو لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، بَلْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ الْأَفْلَاكَ مُحْدَثَةٌ كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ نِزَاعٍ مُنْتَشِرٍ لَهُمْ فِي الْمَادَّةِ - فَالْمَقْصُودُ (¬1) هُنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ مَا فِيهِمْ مِنَ الضَّلَالِ لَمْ يَرْضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْمُمْكِنَ الَّذِي يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، بَلْ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا، وَلَا رَضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ الْمَفْعُولَ الْمَصْنُوعَ الْمُبْدَعَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَلَا أَنَّ الْمُرَادَ الَّذِي أَرَادَ الْبَارِيُّ فِعْلَهُ هُوَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، فَإِنَّ فَسَادَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ظَاهِرٌ فِي بَدَايِهِ (¬2) الْعُقُولِ، وَإِنَّمَا أَلْجَأَ إِلَيْهَا مَنْ قَالَهَا مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ مَا الْتَزَمُوهُ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُتَنَاقِضَةِ الَّتِي أَلْجَأَتْهُمْ إِلَيْهَا. كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَلْجَأَتْهُمْ أُصُولٌ لَهُمْ فِيهَا إِلَى أَقْوَالٍ يُعْلَمُ فَسَادُهَا بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ مِثْلُ إِرَادَةٍ أَوْ كَلَامٍ لَا فِي مَحَلٍّ، وَمِثْلُ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِالْعَيْنِ يَكُونُ حَقَائِقَ مُتَنَوِّعَةً (¬3) ، وَمِثْلُ أَمْرٍ سَبَقَ (¬4) بَعْضُهُ بَعْضًا يَكُونُ قَدِيمَ الْأَعْيَانِ لَمْ يَزَلْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَمَا يَذْكُرُهُ الرَّازِيُّ، [وَأَمْثَالُهُ.] (¬5) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ إِجْمَاعِ الْحُكَمَاءِ كَدَعْوَاهُ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى عِلَّةِ الِافْتِقَارِ هِيَ الْإِمْكَانُ، وَأَنَّ الْمُمْكِنَ الْمَعْلُولَ يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، فَهُوَ إِنَّمَا يَذْكُرُ مَا وَجَدَهُ فِي كُتُبِ ابْنِ سِينَا، وَيُظَنُّ أَنَّ هَذَا إِجْمَاعُ الْفَلَاسِفَةِ. ¬

(¬1) ن، م: وَالْمَقْصُودُ. (¬2) ن، م، أ: بِدَايَةِ ; ب: بَدَاهَةِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) ن، حَقَائِقَا مُتَنَوِّعَةً ; أ: حَقَائِقَ مَتْبُوعَةً. (¬4) أ، ب: يَسْبِقُ. (¬5) وَأَمْثَالُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

أكثر الفلاسفة يقولون إن الفعل لا يكون إلا بعد عدم

[أكثر الفلاسفة يقولون إن الفعل لا يكون إلا بعد عدم] وَلَمَّا كَانَ كَوْنُ الْمَفْعُولِ لَا يُعْقَلُ إِلَّا بَعْدَ الْعَدَمِ ظَاهِرًا كَانَ الْفَلَاسِفَةُ يَجْعَلُونَ مِنْ جُمْلَةِ عِلَلِ الْفِعْلِ (¬1) الْعَدَمَ، وَيَجْعَلُونَ الْعَدَمَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبَادِئِ، وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْنَاسِ الْعَالِيَةِ لِلْأَعْرَاضِ أَنْ يَفْعَلَ وَأَنْ يَنْفَعِلَ، وَيُعَبِّرُونَ عَنْهُمَا (¬2) بِالْفِعْلِ وَالِانْفِعَالِ. فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ الْبَارِئَ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْعَالَمِ لَزِمَ أَنْ يَقُومَ بِهِ أَنْ يَفْعَلَ، وَهُوَ الْفِعْلُ، فَيَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ الَّتِي سَمَّوْهَا الْأَعْرَاضَ، وَلَزِمَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ عَدَمٍ لَا يَكُونُ مَعَ كَوْنِ الْمَفْعُولِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَقَالُوا: لِمَا كَانَ مَا يُسَمُّونَهُ الْحَرَكَةَ أَوِ التَّغَيُّرَ (¬3) ، أَوِ الْفِعْلَ مُحْتَاجًا إِلَى الْعَدَمِ، وَالْعَدَمُ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إِلَيْهِ كَانَ الْعَدَمُ مَبْدَءًا لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَرَكَةٌ وَلَا فِعْلٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يُسَمُّونَهُ تَغَيُّرًا وَاسْتِكْمَالًا إِلَّا بِوُجُودٍ بَعْدَ عَدَمٍ إِمَّا عَدَمُ مَا كَانَ مَوْجُودًا وَإِمَّا عَدَمٌ مُسْتَمِرٌّ كَعَدَمِ الْمُسْتَكْمِلِ مَا كَانَ مَعْدُومًا لَهُ، ثُمَّ حَصَلَ، فَإِذَنْ هَذَا الْمُتَغَيِّرُ وَالْمُسْتَكْمِلُ (¬4) ، وَالْمُتَحَرِّكُ وَالْمَفْعُولُ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعَدَمِ، وَالْعَدَمُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، فَصَارَ الْعَدَمُ مَبْدَءًا لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَلِهَذَا كَانَ الْفِعْلُ، وَالِانْفِعَالُ الْمَعْرُوفُ فِي الْعَالَمِ إِنَّمَا هُوَ مَا (¬5) يَحْدُثُ مِنْ تَأْثِيرِ الْفَاعِلِ وَتَأْثِيرِ الْفِعْلِ، لَا يُعْقَلُ فِعْلٌ (¬6) . وَلَا انْفِعَالٌ بِدُونِ حُدُوثِ شَيْءٍ بَعْدَ عَدَمٍ. ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : الْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: عَنْهَا. (¬3) ن: وَالتَّغْيِيرَ ; م: وَالتَّغَيُّرَ. (¬4) أ، ب: الْمُسْتَكْمِلُ وَالْمُتَغَيِّرُ. (¬5) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن (فَقَطْ) : وَفِعْلٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

حجج ابن سينا وغيره على أن الفعل لا يشترط فيه تقدم العدم

[حجج ابن سينا وغيره على أن الفعل لا يشترط فيه تقدم العدم] [البرهان الأول والرد عليه] . ثُمَّ هَؤُلَاءِ الشُّذُوذُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ الْعَدَمِ قَدْ ذَكَرُوا لَهُمْ (¬1) حُجَجًا ذَكَرَهَا ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ، وَاسْتَقْصَاهَا الرَّازِيُّ فِي (مَبَاحِثِهِ الْمَشْرِقِيَّةِ) ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا سَمَّاهُ عَشَرَةَ (¬2) بَرَاهِينَ، وَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ (¬3) . قَالَ (¬4) : الْأَوَّلُ (¬5) : الْمُحْتَاجُ (¬6) إِلَى الْعَدَمِ السَّابِقِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ وُجُودَ الْفِعْلِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ [هُوَ] (¬7) تَأْثِيرَ الْفَاعِلِ فِيهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَقِرُ إِلَى الْعَدَمِ السَّابِقِ هُوَ وُجُودَ الْفِعْلِ (¬8) ; لِأَنَّ الْفِعْلَ لَوِ افْتَقَرَ فِي وُجُودِهِ إِلَى الْعَدَمِ لَكَانَ ذَلِكَ الْعَدَمُ مُقَارِنًا لَهُ، وَالْعَدَمُ الْمُقَارِنُ مُنَافٍ لِذَلِكَ الْوُجُودِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَقَرُ إِلَيْهِ تَأْثِيرَ الْفَاعِلِ (¬9) ; لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْفَاعِلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلْأَثَرِ، وَوُجُودُ الْأَثَرِ يُنَافِي عَدَمَهُ، وَالْمُنَافِي لِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا، وَالْمُنَافِي لَا يَكُونُ شَرْطًا، فَإِذَنْ لَا الْفِعْلُ ¬

(¬1) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: عَشْرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) سَيُورِدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نُصُوصًا مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمَبَاحِثِ الْمَشْرِقِيَّةِ " وَسَأُقَابِلُ هَذِهِ النُّصُوصَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَصْلِ الْمَطْبُوعِ بِحَيْدَرَأَبَادَ سَنَةَ 1343 هـ، وَهُوَ الَّذِي سَأَرْمُزُ لَهُ بِحَرْفِ " ش ". (¬4) مَا يَلِي مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ فِي " ش "، ج [0 - 9] ، ص 485. (¬5) ب: الْبُرْهَانُ الْأَوَّلُ. (¬6) ش: (إِنَّ) الْمُحْتَاجَ. (¬7) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: الْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ش:. (هُوَ) تَأْثِيرَ.

فِي كَوْنِهِ مَوْجُودًا. وَلَا (¬1) حَاصِلًا. وَلَا الْفَاعِلُ فِي كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا يَفْتَقِرُ (¬2) إِلَى الْعَدَمِ الْمُنَافِي (¬3)) . فَيُقَالُ [فِي] (¬4) الْجَوَابِ: إِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَفْعُولِ أَوْ فِعْلِ الْفَاعِلِ مُفْتَقِرًا إِلَى الْعَدَمِ أَنَّ الْعَدَمَ مُؤَثِّرٌ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لَهُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْعَدَمِ، كَمَا قَالُوا هُمْ: إِنَّ الْعَدَمَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبَادِئِ سَوَاءٌ جَعَلُوهُ مَبْدَءًا لِمُطْلَقِ الْفِعْلِ [أَوِ الْحَرَكَةِ] (¬5) ، أَوِ الْحَرَكَةِ وَالتَّغَيُّرِ وَالِاسْتِكْمَالِ، فَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ مُفْتَقِرًا إِلَى الْعَدَمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ عَدَمِ شَيْءٍ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْعَدَمَ مُقَارِنٌ لَهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْحَرَكَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ - أَوِ الصَّوْتَ - كَانَ الْحَادِثُ مِنْ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى وُجُودِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَارِنًا لَهُ. وَأَيْضًا، فَالشَّيْءُ الْمَعْدُومُ إِذَا عُدِمَ بَعْدَ وُجُودِهِ كَانَ هَذَا الْعَدَمُ الْحَادِثُ مُفْتَقِرًا إِلَى ذَلِكَ الْوُجُودِ السَّابِقِ، وَلَمْ يَكُنْ مُقَارِنًا لَهُ. [وَأَيْضًا] (¬6) ، فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَا يَحْدُثُ [فَإِنَّ كُلَّ مَا يَحْدُثُ فَإِنَّمَا يَحْدُثُ] (¬7) بَعْدَ عَدَمِهِ، فَحُدُوثُهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى عَدَمِهِ السَّابِقِ لِوُجُودِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَمَ لَيْسَ مُقَارِنًا (¬8) لَهُ، فَإِنْ طَرَدُوا حُجَّتَهُمْ لَزِمَهُمْ ¬

(¬1) وَلَا: لَيْسَتْ فِي (ش) . (¬2) يَفْتَقِرُ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَفِي (ش) : مُفْتَقِرًا. (¬3) الْمُنَافِي: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَفِي (ش) : السَّابِقُ. (¬4) فِي: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أَوِ الْحَرَكَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ: الْعَدَمَ مُقَارِنًا ; ب: الْعَدَمَ مُقَارِنٌ.

أَنْ لَا يَحْدُثَ حَادِثٌ، وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ، وَهَذَا شَأْنُهُمْ فِي عَامَّةِ (¬1) حُجَجِهِمُ الَّتِي يَذْكُرُونَهَا فِي قِدَمِ الْعَالَمِ، (2 فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ وَحُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْعَالَمِ 2) (¬2) مَشْهُودٌ (¬3) ، فَكَانَتْ حُجَجُهُمْ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ شُبَهِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ. وَهَذَا كَحُجَّتِهِمْ (¬4) الْعُظْمَى الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ تَامٌّ فِي الْأَزَلِ، وَأَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ أَثَرَهُ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا (¬5) أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ، وَهُمْ ضَلُّوا حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مُطْلَقِ الْمُؤَثِّرِ، وَبَيْنَ الْمُؤَثِّرِ فِي كُلِّ مُمْكِنٍ. فَإِذَا قَالُوا (¬6) : كَوْنُهُ مُؤَثِّرًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ، أَوْ لِأَمْرٍ لَازِمٍ لَهَا، أَوْ لِأَمْرٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا، وَالثَّالِثُ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُنْفَصِلَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ آثَارِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِيهِ لِامْتِنَاعِ الدَّوْرِ فِي الْعِلَلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يَلْزَمُ [دَوَامُ] (¬7) كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا. قِيلَ لَهُمْ: كَوْنُهُ مُؤَثِّرًا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِ كُلِّ مَا صَدَرَ عَنْهُ، وَيُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَيُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ: مِثْلُ (¬8) أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي شَيْءٍ (¬9) بَعْدَ شَيْءٍ. ¬

(¬1) عَامَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) (2 - 2) : سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬3) ن، م: مَشْهُودَةٌ. (¬4) م، ن: فَهَذَا حُجَّتُهُمْ. (¬5) أ، ب: فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ. (¬6) ن، م: فَإِذَا قِيلَ. (¬7) دَوَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن (فَقَطْ) : قَبْلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) أ، ب: مُؤَثِّرًا شَيْئًا.

وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُمْتَنِعَانِ فِي الْأَزَلِ لَا سِيَّمَا الْأَوَّلِ (¬1) ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَالْحُجَّةُ لَا تَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الْأَزَلِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَزَلِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ لَا يُوَافِقُهُ، بَلْ يَقْتَضِي حُدُوثَ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَإِذَا (¬2) كَانَ تَأْثِيرُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَالْحَوَادِثُ مَشْهُودَةٌ، بَلِ التَّأْثِيرُ لَا يُعْقَلُ إِلَّا مَعَ الْإِحْدَاثِ كَانَ الْإِحْدَاثُ الثَّانِي مَشْرُوطًا بِسَبْقِ الْأَوَّلِ وَبِانْقِضَائِهِ أَيْضًا، وَذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. فَلَا يَكُونُ فِي الْحُجَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَلَا عَلَى مَا يُنَاقِضُ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ. وَكَذَلِكَ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ الْإِحْدَاثِ وَالتَّأْثِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الشُّبَهِ الْمُقْتَضِيَةِ (¬3) نَفْيَ التَّأْثِيرِ وَنَفْيَ تَرْجِيحِ وُجُودِ الْمُمْكِنِ عَلَى عَدَمِهِ، وَنَفْيَ كَوْنِهِ فَاعِلًا لِحِكْمَةٍ، أَوْ لَا لِحِكْمَةٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ جَمِيعَهَا تَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ حَادِثٌ، وَهَذَا خِلَافُ الْمُشَاهَدَةِ، وَكُلُّ حُجَّةٍ تَقْتَضِي خِلَافَ الْمَشْهُودِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ [حُجَجِ] (¬4) السَّفْسَطَةِ. وَهُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعَدَمَ مِنْ جُمْلَةِ الْعِلَلِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " لَا سِيَّمَا الْأَوَّلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: وَإِذَا. (¬3) ب: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِثْلُ الشُّبْهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ. (¬4) حُجَجِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

أَرِسْطُو قَالَ أَرِسْطُو فِي (مَقَالَةِ اللَّامِ) الَّتِي هِيَ مُنْتَهَى فَلْسَفَتِهِ، وَهِيَ عِلْمُ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ: (. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ، فَأَخْلَقُ بِنَا - إِنْ نَحْنُ اتَّبَعْنَا مَا وَصَفْنَا - أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ مَبَادِئَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ ثَلَاثَةٌ: الْعُنْصُرُ، وَالصُّورَةُ، وَالْعَدَمُ. مِثَالُ ذَلِكَ فِي الْجَوْهَرِ الْمَحْسُوسِ أَنَّ الْحَرَّ نَظِيرُ الصُّورَةِ وَالْبَرْدَ نَظِيرُ الْعَدَمِ وَالْعُنْصُرَ هُوَ الَّذِي لَهُ هَذَانِ بِالْقُوَّةِ، وَفِي بَابِ الْكَيْفِ يَكُونُ الْبَيَاضُ نَظِيرَ الصُّورَةِ وَالسَّوَادُ نَظِيرَ الْعَدَمِ، وَالشَّيْءُ الْمَوْضُوعُ لَهُمَا هُوَ السَّطْحَ فِي قِيَاسِ الْعُنْصُرِ، وَيَكُونُ الضَّوْءُ نَظِيرَ الصُّورَةِ، وَالظُّلْمَةُ نَظِيرَ الْعَدَمِ، وَالْجِسْمُ الْقَابِلُ لِلضَّوْءِ هُوَ الْمَوْضُوعَ لَهُمَا، فَلَيْسَ يُمْكِنُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنْ تَجِدَ عَنَاصِرَ هِيَ بِأَعْيَانِهَا عَنَاصِرَ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالْمُقَايَسَةِ فَأَخْلَقُ بِهَا أَنْ تُوجَدَ) . قَالَ: (وَلَيْسَ طَلَبُنَا الْآنَ طَلَبَ عُنْصُرِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ لَكِنَّ قَصْدَنَا إِنَّمَا هُوَ طَلَبُ مَبْدَئِهَا، وَكِلَاهُمَا سَبَبٌ لَهَا إِلَّا أَنَّ (¬1) الْمَبْدَأَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ خَارِجًا عَنِ الشَّيْءِ مِثْلَ السَّبَبِ الْمُحَرِّكِ، وَأَمَّا الْعَنَاصِرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْهَا، وَمَا كَانَ عُنْصُرًا، فَلَيْسَ [مَانِعٌ] (¬2) يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ مَبْدَأٌ، وَمَا كَانَ مَبْدَءًا، فَلَيْسَ لَهُ عُنْصُرٌ لَا مَحَالَةَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَبْدَأَ الْمُحَرِّكَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنِ الْمُحَرِّكِ، وَلَكِنَّ (¬3) الْمُحَرِّكَ الْقَرِيبَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الطَّبِيعِيَّةِ هُوَ مِثْلُ الصُّورَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : لِأَنَّ. (¬2) مَانِعٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: لِأَنَّ.

الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَلِدُهُ إِنْسَانٌ، وَأَمَّا فِي الْأَشْيَاءِ الْوَهْمِيَّةِ، فَالصُّورَةُ أَوِ الْعَدَمُ، مِثَالُ ذَلِكَ الطِّبُّ وَالْجَهْلُ بِهِ، [وَالْبِنَاءُ وَالْجَهْلُ بِهِ] (¬1) ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ يَكُونُ السَّبَبُ الْمُحَرِّكُ هُوَ الصُّورَةَ، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطِّبَّ مِنْ وَجْهٍ مَا هُوَ الصِّحَّةُ ; لِأَنَّهَا الْمُحَرِّكَةُ، وَصُورَةَ الْبَيْتِ مِنْ وَجْهٍ مَا هِيَ الْبِنَاءُ، وَالْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَلِدُهُ إِنْسَانٌ (¬2) . وَلَيْسَ قَصْدُنَا لِطَلَبِ الْمُحَرِّكِ الْقَرِيبِ لَكِنَّ قَصْدَنَا لِلْمُحَرِّكِ الْأَوَّلِ الَّذِي مِنْهُ يَتَحَرَّكُ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ، فَالْأَمْرُ فِيهِ بَيِّنٌ أَنَّهُ جَوْهَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَبْدَأُ الْجَوَاهِرِ (¬3) ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْدَأُ الْجَوَاهِرِ (¬4) إِلَّا جَوْهَرًا، وَهُوَ مَبْدَأُ الْجَوَاهِرِ (¬5) ، وَمَبْدَأُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ، وَلَمْ يَكُنِ التَّهَيُّبُ مِنَ التَّصْرِيحِ بِهَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ صَوَابًا، فَإِنَّ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا هِيَ أَحْدَاثٌ وَحَالَاتٌ لِلْجَوْهَرِ، وَحَرَكَاتٌ لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَبْحَثَ عَنْ هَذَا الْجَوْهَرِ الَّذِي يُحَرِّكُ الْجِسْمَ كُلَّهُ مَا هُوَ هَلْ يَجِبُ أَنْ نَضَعَ أَنَّهُ نَفْسٌ، أَوْ أَنَّهُ عَقْلٌ، أَوْ أَنَّهُ غَيْرُهُمَا بَعْدَ أَنْ نُحَذِّرَ وَنَتَوَقَّى أَنْ نَحْكُمَ عَلَى الْمَبْدَأِ الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ الَّتِي تَلْزَمُ الْأَوَاخِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي أَوَاخِرِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ مَا هُوَ بِالْقُوَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى حَالَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ دَائِمًا عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي تَقْبَلُ الْكَوْنَ وَالْفَسَادَ هِيَ الَّتِي تُوجَدُ بِهَذِهِ الْحَالِ، فَإِنَّكَ تَجِدُ الشَّيْءَ فِيهَا بِعَيْنِهِ مَرَّةً بِالْقُوَّةِ، وَمَرَّةً بِالْفِعْلِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: الْإِنْسَانُ. (¬3) ن، م: الْجَوْهَرِ. (¬4) ن، م: الْجَوْهَرِ. (¬5) ن، م: الْجَوْهَرِ.

مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ تُوجَدُ بِالْفِعْلِ (¬1) بَعْدَ أَنْ تُغْلَى وَتُسْكِرُ، وَقَدْ تَكُونُ مَوْجُودَةً بِالْقُوَّةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ إِذْ (¬2) كَانَتِ الرُّطُوبَةُ الَّتِي فِيهَا تَتَوَلَّدُ إِنَّمَا هِيَ فِي نَفْسِ الْكَرْمِ وَاللَّحْمِ. وَرُبَّمَا كَانَ بِالْفِعْلِ، وَرُبَّمَا كَانَ بِالْقُوَّةِ فِي الْعَنَاصِرِ الَّتِي عَنْهَا تَتَوَلَّدُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْقُوَّةِ، أَوْ بِالْفِعْلِ، فَلَيْسَ نَعْنِي شَيْئًا غَيْرَ الصُّورَةِ وَالْعُنْصُرِ، وَنَعْنِي بِالصُّورَةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَنْفَرِدَ (¬3) مِنَ الْمُرَكَّبِ مِنَ الصُّورَةِ وَالْعُنْصُرِ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَمِثْلُ الضَّوْءِ وَالظُّلْمَةِ إِذْ كَانَ يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ تَنْفَرِدَ عَنِ الْهَوَاءِ، وَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا فَمِثْلُ الْبَدَنِ الصَّحِيحِ، [وَالْبَدَنِ] السَّقِيمِ (¬4) ، وَأَعْنِي بِالْعُنْصُرِ الشَّيْءَ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يَحْتَمِلَ الْحَالَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا مِثْلَ الْبَدَنِ، فَرُبَّمَا كَانَ صَحِيحًا، وَرُبَّمَا كَانَ سَقِيمًا. فَهَذَا الشَّيْءُ الَّذِي بِالْفِعْلِ، وَالَّذِي بِالْقُوَّةِ قَدْ يَخْتَلِفُ لَا فِي الْعَنَاصِرِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْهُمَا أَعْنِي مِنَ الصُّورَةِ وَالْعُنْصُرِ (¬5) لَكِنْ فِي الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْمُرَكَّبَةِ أَيْضًا الَّتِي لَمْ يَكُنْ عُنْصُرُهَا عُنْصُرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ عَنْهَا وَلَا صُورَتُهَا صُورَتَهَا لَكِنْ غَيْرَهَا. فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَمْرُ قَائِمًا فِي وَهْمِكَ إِذَا قَصَدْتَ الْبَحْثَ عَنِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ أَنَّ بَعْضَ الْعِلَلِ الْمُحَرِّكَةِ مُوَافِقَةٌ فِي الصُّورَةِ لِلشَّيْءِ الْمُتَحَرِّكِ (¬6) قَرِيبَةٌ مِنْهُ، وَبَعْضَهَا أَبْعَدُ مِنْهُ أَمَّا الْعِلَّةُ الْقَرِيبَةُ (¬7) ، فَمِثْلُ الْأَبِ، ¬

(¬1) ن، م: بِالْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: إِذَا. (¬3) ب: تَقَرَّرَ. (¬4) ن، م: الْبَدَنِ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ. (¬5) ن، م، أ: مِنْهَا أَعْنِي فِي الصُّورَةِ وَالْعُنْصُرِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬6) م، أ، ب: الْمُحَرِّكِ. (¬7) الْقَرِيبَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

البرهان الثاني والرد عليه

وَأَمَّا الشَّمْسُ، فَهِيَ (¬1) عِلَّةٌ أَبْعَدُ، وَأَبْعَدُ مِنَ الشَّمْسِ الْفَلَكُ الْمَائِلُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ عِلَلًا عَلَى طَرِيقِ عُنْصُرِ الشَّيْءِ الْحَادِثِ، أَوْ (¬2) عَلَى طَرِيقِ صُورَةٍ، وَلَا عَلَى طَرِيقِ عَدَمٍ لَكِنَّهَا إِنَّمَا هِيَ مُحَرَّكَةٌ، وَهِيَ مُحَرَّكَةٌ لَا عَلَى أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ. (¬3) فِي الصُّورَةِ قَرِيبَةٌ مِثْلَ الْأَبِ لَكِنَّهَا أَبْعَدُ، وَأَقْوَى فِعْلًا إِذْ كَانَتْ هِيَ ابْتِدَاءَ الْعِلَلِ الْقَرِيبَةِ أَيْضًا (¬4)) . وَذَكَرَ كَلَامًا آخَرَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. [الْبُرْهَانُ الثَّانِي والرد عليه] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّازِيَّ: (الْبُرْهَانُ الثَّانِي (¬5) : وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ مُمْكِنُ الْوُجُودِ فِي الْأَزَلِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ [لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ] لَكَانَ مُمْتَنِعًا، ثُمَّ صَارَ مُمْكِنًا، وَلَكَانَ الْمُمْتَنِعُ (¬6) لِذَاتِهِ قَدِ انْقَلَبَ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ (¬7) ، وَهَذَا يَرْفَعُ الْأَمَانَ (¬8) عَنِ الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ (¬9) . ¬

(¬1) ن، م: فَهُوَ. (¬2) ب (فَقَطْ) : وَلَا. (¬3) أ، ب: لِمُوَافَقَةِ. (¬4) لَا نَعْلَمُ بِالضَّبْطِ أَيَّ تَرْجَمَةٍ مِنْ تَرْجَمَاتِ " مَقَالَةِ اللَّامِ " رَجَعَ إِلَيْهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى أَنَّ النُّصُوصَ الَّتِي أَوْرَدَهَا هُنَا تُقَابِلُ تَقْرِيبًا مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ " تَفْسِيرِ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ " (انْظُرِ الْمُجَلَّدَ الثَّالِثَ، الْجُزْءَ السَّابِعَ، ص (1517، 1523، 1522، 1528، 1531، 1537، 1535) (¬5) لَا يَتَقَيَّدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي سَرْدِهِ لِلْبُرْهَانِ الثَّانِي بِأَلْفَاظِ الرَّازِيِّ، وَإِنَّمَا يُلَخِّصُ الْمَعْنَى وَيَذْكُرُهُ بِعِبَارَاتِهِ الْخَاصَّةِ أَحْيَانًا. (¬6) ن، م: لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا ثُمَّ صَارَ مُمْكِنًا لَكَانَ الْمُمْتَنِعُ. (¬7) لِذَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: الْإِمْكَانُ ; ن، م، ش (ص 486) : الْأَمَانَ، وَهُوَ الصَّوَابُ. (¬9) الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (ش) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي (أ) ، (ب) : الْقَضَاءِ بِالْعَقْلِيَّةِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ مُمْكِنٌ فِيمَا لَا يَزَالُ، فَإِنْ كَانَ إِمْكَانُهُ لِذَاتِهِ، أَوْ لِعِلَّةٍ دَائِمَةٍ لَزِمَ دَوَامُ الْإِمْكَانِ، وَإِنْ كَانَ لِعِلَّةٍ حَادِثَةٍ كَانَ بَاطِلًا ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إِمْكَانِ حُدُوثِ تِلْكَ الْعِلَّةِ كَالْكَلَامِ فِي إِمْكَانِ حُدُوثِ غَيْرِهَا، فَيَلْزَمُ دَوَامُ إِمْكَانِ (¬1) الْفِعْلِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ امْتِنَاعَ الْفِعْلِ إِنْ كَانَ لِذَاتِهِ، أَوْ لِسَبَبٍ وَاجِبٍ لِذَاتِهِ (¬2) لَزِمَ دَوَامُ الِامْتِنَاعِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْحِسِّ وَالضَّرُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ لِوُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ، وَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ غَيْرِ وَاجِبٍ امْتَنَعَ كَوْنُهُ قَدِيمًا، فَإِنَّ مَا وَجَبَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ، ثُمَّ الْكَلَامُ (¬3) فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ، [فَكَوْنُهُ مُمْتَنِعًا فِي الْأَزَلِ لِعِلَّةٍ حَادِثَةٍ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ لَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ حَادِثَةٍ] (¬4)) . قَالَ (¬5) : (فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى امْتِنَاعِ حُصُولِ الْمُمْكِنَاتِ فِي الْأَزَلِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُؤَثِّرُ (¬6) مَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ، ثُمَّ صَارَ يُمْكِنُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي امْتِنَاعِ التَّأْثِيرِ وَإِمْكَانِهِ كَالْقَوْلِ فِي امْتِنَاعِ وُجُودِ الْأَثَرِ وَإِمْكَانِهِ) . قَالَ (¬7) : فَثَبَتَ أَنَّ اسْتِنَادَ الْمُمْكِنَاتِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ لَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْعَدَمَ عَلَيْهَا. ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : إِمْكَانُ دَوَامِ. (¬2) ن، م: أَوْ بِسَبَبٍ وَاجِبٍ دَائِمٍ. (¬3) ن، م: عَدَمُهُ وَالْكَلَامُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أَيِ الرَّازِيُّ فِي " الْمَبَاحِثِ الْمَشْرِقِيَّةِ " 1/486. (¬6) ش: يُقَالُ بِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ. إِلَخْ. (¬7) فِي " ش " 1/487.

قَالَ (¬1) : (وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إِشْكَالٌ ; لِأَنَّا نَقُولُ: (الْحَادِثُ) إِذَا اعْتَبَرْنَاهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ، فَهُوَ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بِأَنَّ إِمْكَانَهُ يَتَخَصَّصُ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ لِمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ، فَإِذَنْ (¬2) إِمْكَانُهُ ثَابِتٌ دَائِمًا، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ دَوَامِ إِمْكَانِهِ خُرُوجُهُ عَنِ الْحُدُوثِ ; لِأَنَّا لَمَّا أَخَذْنَاهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ كَانَتْ مَسْبُوقِيَّتِهِ بِالْعَدَمِ جُزْءًا ذَاتِيًّا لَهُ، وَالْجُزْءُ الذَّاتِيُّ لَا يُرْفَعُ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ إِمْكَانِ حُدُوثِ الْحَادِثِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ حَادِثٌ خُرُوجُهُ عَنْ كَوْنِهِ حَادِثًا، فَقَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ) . قَالَ (¬3) : (فَهَذَا شَكٌّ لَا بُدَّ مِنْ حَلِّهِ) . قُلْتُ: فَيُقَالُ: (¬4) هَذَا الشَّكُّ هُوَ الْمُعَارَضَةُ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فِي كُتُبِهِ الْكَلَامِيَّةِ (كَالْأَرْبَعِينَ) (¬5) ، وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهَا اعْتَمَدَ الْآمِدِيُّ فِي (دَقَائِقِ الْحَقَائِقِ) ، وَغَيْرِهِ (¬6) ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا جَوَابٌ عَنْ حُجَّتِهِمْ، بَلْ هِيَ مُعَارَضَةٌ مَحْضَةٌ، الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ (الْحَادِثُ) ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬2) ن: فَإِنَّ ذَا ; م: فَإِنَّ إِذَا. (¬3) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬4) فَيُقَالُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) وَهُوَ كِتَابُ " الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ " وَقَدْ طُبِعَ بِحَيْدَرَآبَادَ سَنَةَ 1353. (¬6) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ الثَّعْلَبِيِّ، سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ الْحَنْبَلِيُّ ثُمَّ الشَّافِعِيُّ، مِنْ أَئِمَّةِ الْأَشَاعِرَةِ، وَقَدْ صَنَّفَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَالْفِقْهِ وَالْمَنْطِقِ وَالْحِكْمَةِ وَالْخِلَافِ. وَمِنْ أَشْهَرِ كُتُبِهِ " أَبْكَارُ الْأَفْكَارِ " وَ " دَقَائِقُ الْحَقَائِقِ " وَقَدْ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ 631. تَرْجَمْتَهُ فِي ابْنِ خِلِّكَانَ 2/455 - 456 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 8/306 - 307 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 5/144 - 145 ; الْأَعْلَامِ 5/153.

إِذَا (1 اعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَادِثٌ أَتَعْنِي بِهِ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا لَهَا أَوَّلٌ، فَإِذَا 1) (¬1) اعْتُبِرَ مَعَ ذَلِكَ إِمْكَانُهَا، فَلَا أَوَّلَ لَهُ، أَمْ تَعْنِي بِهِ أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ تَعْتَبِرُهُ إِذَا اعْتُبِرَ إِمْكَانُهُ؟ . فَإِنْ عَنَيْتَ الْأَوَّلَ قِيلَ لَكَ (¬2) : لَا نُسَلِّمُ إِمْكَانَ هَذَا التَّقْدِيرِ، فَإِنَّكَ قَدَّمْتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ حَادِثٍ مِنْ أَوَّلٍ وَجُمْلَةَ الْحَوَادِثِ مَسْبُوقَةٌ بِالْعَدَمِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْفَاعِلُ أَحْدَثَ شَيْئًا ثُمَّ أُحْدِثَ، وَقَدَّرْتَ [مَعَ] (¬3) ذَلِكَ أَنَّ إِحْدَاثَهُ لَمْ يَزَلْ مُمْكِنًا، وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ إِمْكَانَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ، فَأَنْتَ (¬4) إِنَّمَا مَنَعْتَ دَوَامَ كَوْنِهِ مُحْدَثًا فِي الْأَزَلِ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، وَمَعَ امْتِنَاعِ ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْدَاثُ لَمْ يَزَلْ مُمْكِنًا، فَقَدْ قَدَّرْتَ إِمْكَانَ دَوَامِ الْحُدُوثِ (¬5) مَعَ امْتِنَاعِ دَوَامِهِ، وَهَذَا تَقْدِيرٌ لِاجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ. وَأَمَّا إِنْ عَنَيْتَ بِمَا تُقَدِّرُهُ حُدُوثَ حَادِثٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إِمْكَانَهُ أَزَلِيٌّ، بَلْ حُدُوثُ كُلِّ حَادِثٍ مُعَيَّنٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا بِشُرُوطٍ تُنَافِي أَزَلِيَّتَهُ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ، كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَوَادِثِ، فَإِنَّ حُدُوثَ مَا هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَادَّةٍ يَمْتَنِعُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَادَّةِ، [وَلَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي إِمْكَانَ قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِمْكَانُ قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ] (¬6) . ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) ن، م: لَكُمْ. (¬3) مَعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن، م: وَأَنْتَ. (¬5) ن، م: دَوَامَ إِمْكَانِ الْحَدَثِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

البرهان الثالث والرد عليه

[الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ والرد عليه] . قَالَ. الرَّازِيُّ: (¬1) . (. الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ: الْحَوَادِثُ إِذَا وُجِدَتْ وَاسْتَمَرَّتْ، فَهِيَ فِي حَالِ اسْتِمْرَارِهَا مُحْتَاجَةٌ إِلَى الْمُؤَثِّرِ ; لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ فِي حَالِ بَقَائِهَا، كَمَا كَانَتْ مُمْكِنَةً فِي حَالِ حُدُوثِهَا، وَالْمُمْكِنُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ) (¬2) . فَيُقَالُ: هَذِهِ الْحُجَّةُ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَاتِ الْمُحْدَثَةِ تَحْتَاجُ حَالَ بَقَائِهَا إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ هَذَا. (¬3) كَمَا سَلَّمَهُ جُمْهُورُ النُّظَّارِ [مِنَ] (¬4) الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمِيِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ لَكِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ يَعْدَمَ يُمْكِنُ مُقَارَنَتُهُ لِلْفَاعِلِ أَزَلًا وَأَبَدًا إِلَّا إِذَا بُيِّنَ إِمْكَانُ كَوْنِهِ أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا مَعَ إِمْكَانِ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ كَيْفَ وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: لَا يُعْقَلُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ إِلَّا مَا يَكُونُ حَادِثًا، وَأَمَّا الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعْقَلُ فِيهِ أَنْ (¬5) يُمْكِنَ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ، فَإِنَّ عَدَمَهُ مُمْتَنِعٌ. وَإِذَا قِيلَ: هُوَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ. قِيلَ: عَنْ هَذَا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً فِي الْخَارِجِ غَيْرَ وُجُودِهِ الثَّابِتِ فِي الْخَارِجِ، وَهَذَا بَاطِلٌ. ¬

(¬1) فِي (ش) 1/487 بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬2) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْبُرْهَانَ الثَّالِثَ اخْتِصَارًا شَدِيدًا، انْظُرْ (ش) : ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 87، 488. (¬3) ن، م: ذَلِكَ. (¬4) مِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: أَنَّهُ.

البرهان الرابع والرد عليه

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَمَعَ وُجُوبِ مُوجِبِهِ الْأَزَلِيِّ يَكُونُ وَاجِبًا أَزَلًا وَأَبَدًا، فَيَمْتَنِعُ الْعَدَمُ، كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي صِفَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ فِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، وَلَا أَنْ لَهُ فَاعِلًا يَفْعَلُهُ (¬1) ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْقَدِيمِ تَعَالَى. [الْبُرْهَانُ الرَّابِعُ والرد عليه] قَالَ الرَّازِيُّ: (الْبُرْهَانُ الرَّابِعُ: أَنَّ افْتِقَارَ الْأَثَرِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ إِمَّا لِأَنَّهُ (¬2) مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْدُومًا، أَوْ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ عَدَمٌ (¬3) ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْعَدَمُ السَّابِقُ هُوَ الْمُقْتَضِي، فَإِنَّ الْعَدَمَ نَفْيٌ مَحْضٌ، فَلَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ أَصْلًا. وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ كَوْنَهُ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ ; لِأَنَّ [كَوْنَ] (¬4) الْوُجُودِ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ كَيْفِيَّةٌ تَعْرِضُ لِلْوُجُودِ بَعْدَ حُصُولِهِ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ ; لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى (¬5) نَعْتِ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْعَدَمِ (¬6) كَيْفِيَّةٌ لَازِمَةٌ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقَعَ إِلَّا (¬7) كَذَلِكَ، وَالْوَاجِبُ غَنِيٌّ عَنِ الْمُؤَثِّرِ، فَإِذَنِ الْمُفْتَقَرُ هُوَ الْوُجُودُ، وَالْوُجُودُ عَارِضٌ لِلْمَاهِيَّةِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي افْتِقَارِهِ إِلَى الْفَاعِلِ تَقَدُّمُ الْعَدَمِ) (¬8) . ¬

(¬1) يَفْعَلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ش (ص 489) : إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُ. إِلَخْ. (¬3) أ، ب: سَبَقَهُ الْحَدَثُ ; ن، ش (ص 489) : سَبَقَهُ عَدَمٌ، وَهُوَ الصَّوَابُ. (¬4) كَوْنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ش: عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ (فَإِنَّ حُصُولَ الْوُجُودِ وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْجَوَازِ) إِلَّا أَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى نَعْتِ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْعَدَمِ. إِلَخْ. (¬7) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْبُرْهَانَ الرَّابِعَ كَمَا فَعَلَ فِي الْبُرْهَانِ الثَّالِثِ.

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: افْتِقَارُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِكَذَا أَوْ لِكَذَا. إِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إِثْبَاتَ السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ صَارَ مُفْتَقِرًا إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إِثْبَاتَ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُفْتَقِرًا إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّ مَا يُقْرَنُ بِحَرْفِ اللَّامِ عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيلِ قَدْ يَكُونُ عِلَّةً لِلْوُجُودِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَقَدْ يَكُونُ عِلَّةً لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ وَثُبُوتِهِ فِي الذِّهْنِ، وَهَذَا يُسَمَّى دَلِيلًا وَبُرْهَانًا وَقِيَاسَ الدَّلَالَةِ وَبُرْهَانَ الدَّلَالَةِ، وَالْأَوَّلُ إِذَا اسْتُدِلَّ بِهِ سُمِّيَ قِيَاسَ الْعِلَّةِ، وَبُرْهَانَ الْعِلَّةِ، وَبُرْهَانَ (لِمَ) لِأَنَّهُ يُفِيدُ عِلَّةَ الْأَثَرِ فِي الْخَارِجِ، وَفِي الذِّهْنِ (¬1) . فَقَوْلُ الْقَائِلِ: الِافْتِقَارُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْحُدُوثِ أَوِ الْإِمْكَانِ، أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا، وَمَا يَذْكُرُهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي ذَلِكَ، فَحَقِيقَتُهُ أَنْ يُقَالَ: أَتُرِيدُونَ الْبَحْثَ عَنْ [نَفْسِ] (¬2) الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِهَذَا الِافْتِقَارِ أَمِ الْبَحْثِ عَنِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى هَذَا الِافْتِقَارِ؟ . فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ قِيلَ لَكُمْ: هَذَا فَرْعُ ثُبُوتِ كَوْنِ افْتِقَارِ الْمَفْعُولِ إِلَى الْفَاعِلِ إِنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَلَمْ تُثْبِتُوا ذَلِكَ، بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ لِذَاتِهِ، وَحَقِيقَتُهُ لَا لِعِلَّةٍ أَوْجَبَتْ كَوْنَ ذَاتِهِ وَحَقِيقَتِهِ مُفْتَقِرَةً إِلَى اللَّهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي كُلِّ حُكْمٍ وَصِفَةٍ تُوصَفُ بِهَا الذَّوَاتُ (¬3) أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً لِعِلَّةٍ (¬4) ، فَإِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّسَلْسُلَ الْمُمْتَنِعَ، ¬

(¬1) ن، م: فِي الْخَارِجِ فِي الذِّهْنِ. (¬2) نَفْسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: الذَّاتُ. (¬4) أ (فَقَطْ) : لِفِعْلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فَإِنَّ (¬1) افْتِقَارَ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ إِلَى اللَّهِ هُوَ حُكْمٌ وَصِفَةٌ ثَبَتَ لِمَا سِوَاهُ، فَكُلُّ مَا سِوَاهُ سَوَاءٌ سُمِّيَ مُحْدَثًا أَوْ مُمْكِنًا أَوْ مَخْلُوقًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ هُوَ مُفْتَقِرٌ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لَا يُمْكِنُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، بَلْ كَمَا أَنَّ غِنَى الرَّبِّ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، فَفَقْرُ الْمُمْكِنَاتِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهَا، وَهِيَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا إِلَّا إِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَكُلُّ [مَا هُوَ] (¬2) مَوْجُودٌ سِوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ دَائِمًا حَالَ حُدُوثِهِ وَحَالَ بَقَائِهِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِعِلَّةِ الِافْتِقَارِ إِلَى الْفَاعِلِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَيُقَالُ: كَوْنُ الشَّيْءِ حَادِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى مُحْدِثٍ يُحْدِثُهُ (¬3) ، وَكَوْنُهُ مُمْكِنًا لَا يَتَرَجَّحُ (¬4) وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى وَاجِبٍ يُبْدِعُهُ، وَكَوْنُهُ مُمْكِنًا مُحْدَثًا دَلِيلَانِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (¬5) دَلِيلٌ عَلَى افْتِقَارِهِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ: مِثْلُ كَوْنِهِ مُحْدَثًا (¬6) ، وَكَوْنِهِ، فَقِيرًا، [وَكَوْنِهِ مَخْلُوقًا] (¬7) ، وَنَحْوِ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى احْتِيَاجِهِ إِلَى خَالِقِهِ، فَأَدِلَّةُ احْتِيَاجِهِ إِلَى خَالِقِهِ (¬8) كَثِيرَةٌ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِذَاتِهِ لَا لِسَبَبٍ آخَرَ. ¬

(¬1) ن، م: فَإِذَنْ. (¬2) مَا هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن: إِلَى حَادِثٍ يُحْدِثُهُ. (¬4) ن، م: لَا يُرَجَّحُ. (¬5) ن، م: دَلِيلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا. (¬6) عِبَارَةُ " كَوْنِهِ مُحْدَثًا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) عِبَارَةُ " وَكَوْنِهِ مَخْلُوقًا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: إِلَى الْخَالِقِ.

وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وُجُودُهُ دَلِيلٌ عَلَى افْتِقَارِهِ إِلَى خَالِقِهِ (¬1) ، وَعَدَمُهُ السَّابِقُ دَلِيلٌ عَلَى افْتِقَارِهِ إِلَى الْخَالِقِ (¬2) ، وَكَوْنُهُ مَوْجُودًا بِعَدَمِ الْعَدَمِ دَلِيلٌ عَلَى افْتِقَارِهِ إِلَى الْخَالِقِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَقْسَامِ، وَعَلَى هَذَا، فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ: (الْعَدَمُ نَفْيٌ مَحْضٌ، فَلَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ أَصْلًا) وَذَلِكَ أَنَا (¬3) [إِذَا] (¬4) جَعَلْنَا عَدَمَهُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ (¬5) لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْعَدَمِ إِلَّا بِفَاعِلٍ لَمْ يَجْعَلْ عَدَمَهُ هُوَ الْمُحْتَاجَ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، بَلْ نُظَّارُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ إِلَّا فِي وُجُودِهِ، وَأَمَّا عَدَمُهُ الْمُسْتَمِرُّ فَلَا يَفْتَقِرُ فِيهِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ (¬6) كَابْنِ سِينَا، [وَمَنْ تَبِعَهُ] كَالرَّازِيِّ (¬7) ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ، فَيَقُولُونَ: لَا يَتَرَجَّحُ عَدَمُهُ عَلَى وُجُودِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ، كَمَا يَقُولُونَ: لَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ، ثُمَّ قَالُوا: مُرَجِّحُ الْعَدَمِ عَدَمُ الْمُرَجِّحِ، فَعِلَّةُ كَوْنِهِ مَعْدُومًا عَدَمُ عِلَّةِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا. وَأَمَّا نُظَّارُ الْمُسْلِمِينَ، فَيُنْكِرُونَ هَذَا غَايَةَ الْإِنْكَارِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ¬

(¬1) ن، م: إِلَى الْخَالِقِ. (¬2) م: دَلِيلٌ عَلَى إِمْكَانِهِ ; أ، ب: دَلِيلٌ عَلَى افْتِقَارِهِ. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " إِلَى الْخَالِقِ ". (¬3) ب: وَكَذَلِكَ. (¬4) إِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب: أَنْ. (¬6) ن، م: الْمُتَفَلْسِفَةُ. (¬7) ن، م: كَابْنِ سِينَا وَالرَّازِيِّ.

الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬1) ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا مِنْ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَقَوْلُ أُولَئِكَ: عِلَّةُ عَدَمِهِ عَدَمُ عِلَّتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَتُرِيدُونَ أَنَّ عَدَمَ عِلَّتِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِهِ، وَدَلِيلٌ عَلَى عَدَمِهِ أَمْ تُرِيدُونَ أَنَّ عَدَمَ عِلَّتِهِ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ مَعْدُومًا فِي الْخَارِجِ؟ . أَمَّا الْأَوَّلُ فَصَحِيحٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ قَوْلَكُمْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَبَاطِلٌ، فَإِنَّ عَدَمَهُ الْمُسْتَمِرَّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلَّةٍ إِلَّا كَمَا يَحْتَاجُ عَدَمُ الْعِلَّةِ إِلَى عِلَّةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: عَدِمَ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ قِيلَ: وَذَلِكَ الْعَدَمُ أَيْضًا لِعَدَمِ عِلَّتِهِ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّسَلْسُلَ فِي الْعِلَلِ، وَالْمَعْلُولَاتِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، فَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ بَعْضِ تَنَاقُضِ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمُخَالِفِينَ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كَوْنَهُ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ كَيْفِيَّةٌ تَعْرِضُ لِلْوُجُودِ بَعْدَ حُصُولِهِ) . وَهِيَ لَازِمَةٌ [لَهُ] لَا عِلَّةَ لَهُ (¬2) . فَيُقَالُ: هَذَا لَيْسَ بِصِفَةٍ ثُبُوتِيَّةٍ لَهُ، بَلْ هِيَ صِفَةٌ إِضَافِيَّةٌ مَعْنَاهَا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَهُ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى افْتِقَارِهِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَأَيْضًا فَأَنْتَ قَدَّرْتَ هَذَا عِلَّةَ افْتِقَارِهِ لَمْ تُقَدِّرْهُ مَعْلُولَ افْتِقَارِهِ، فَكَوْنُهُ غَنِيًّا (¬3) لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ عِلَّةً، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَعْلُولًا. ¬

(¬1) وَهُوَ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ. (¬2) ن، م: وَهِيَ لَازِمَةٌ لَا عِلَّةَ لَهَا ; أ: وَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ لَا عِلَّةَ لَهَا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬3) ن، م: فَكَوْنُهُ عَيْنًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَإِنْ (¬1) قَالَ: هَذِهِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ افْتِقَارِهِ، وَالْمُتَأَخِّرُ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْمُتَقَدِّمِ. قِيلَ: هَذَا ذَكَرْتُهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ لَا هَاهُنَا، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الِافْتِقَارِ لَا مُوجِبٌ لَهُ. وَالدَّلِيلُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنْ كَانَ الْحُدُوثُ دَلِيلًا عَلَى الِافْتِقَارِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ لَمْ يَلْزَمْ (¬2) أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُفْتَقِرٍ إِلَى الْمُؤَثِّرِ حَادِثًا ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَجِبُ طَرْدُهُ، وَلَا يَجِبُ عَكْسُهُ. قِيلَ: نَعَمْ، انْتِفَاءُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَنْفِي الدَّلَالَةَ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: شَرْطُ افْتِقَارِهِ إِلَى الْفَاعِلِ كَوْنُهُ مُحْدَثًا، وَالشَّرْطُ يُقَارِنُ الْمَشْرُوطَ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُبَيَّنُ بِهِ (¬3) الِاقْتِرَانُ فَيُقَالُ: عِلَّةُ الِافْتِقَارِ [بِمَعْنَى شَرْطِ افْتِقَارِهِ] (¬4) كَوْنُهُ مُحْدَثًا أَوْ مُمْكِنًا أَوْ مَجْمُوعَهُمَا، وَالْجَمِيعُ حَقٌّ، وَمِثْلُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا أُرِيدَ بِالْعِلَّةِ الْمُقْتَضِي لِافْتِقَارِهِ إِلَى الْفَاعِلِ هُوَ حُدُوثُهُ أَيْ كَوْنُهُ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ (¬5) هُوَ ثَابِتٌ حَالَ افْتِقَارِهِ إِلَى الْفَاعِلِ، فَإِنَّ افْتِقَارَهُ إِلَى الْفَاعِلِ هُوَ حَالُ حُدُوثِهِ، وَتِلْكَ الْحَالُ هُوَ فِيهَا مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ كَانَ كَائِنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ افْتِقَارَهُ إِلَى الْفَاعِلِ. ¬

(¬1) أ، ب: وَإِذَا. (¬2) ن، م: لَمْ يَلْزَمْهُ. (¬3) م، أ، ب: مِمَّا تَبَيَّنَ بِهِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: وَكَوْنُهُ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ.

البرهان الخامس والرد عليه

[الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ والرد عليه] . قَالَ [الرَّازِيُّ] (¬1) : (. الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ جِهَةُ افْتِقَارِ الْمُمْكِنَاتِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، أَوْ جِهَةُ تَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرَاتِ (¬2) فِيهَا عَلَى الْحُدُوثِ، أَوْ لَا تَتَوَقَّفَ، وَالْأَوَّلُ قَدْ أَبْطَلْنَاهُ فِي بَابِ (¬3) (الْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ) فَثَبَتَ أَنَّ الْحُدُوثَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي جِهَةِ الِافْتِقَارِ) . فَيُقَالُ: مَا ذَكَرْتَهُ فِي ذَلِكَ قَدْ بُيِّنَ إِبْطَالُهُ أَيْضًا، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ إِلَّا حَادِثًا، وَأَمَّا الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا. وَالَّذِي ذَكَرْتَهُ فِي كِتَابِ (الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ) فِي (الْمَبَاحِثِ الْمَشْرِقِيَّةِ) هُوَ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُكَ بِذِكْرِهِ فِي (الْمُحَصِّلِ) وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُدُوثَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْوُجُودِ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ، وَبِالْغَيْرِ، فَهُوَ صِفَةٌ لِلْوُجُودِ، فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ تَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرِ فِيهِ، الْمُتَأَخِّرُ عَنِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ عِلَّةِ الْحَاجَةِ، فَلَوْ كَانَ الْحُدُوثُ عِلَّةَ الْحَاجَةِ إِلَى الْحُدُوثِ، أَوْ شَرْطَهَا لَزِمَ تَأَخُّرُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَرْبَعِ مَرَاتِبَ. جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ صِفَةً وُجُودِيَّةً قَائِمَةً بِهِ حَتَّى يَتَأَخَّرَ عَنْ وُجُودِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ، وَالتَّأَخُّرَاتُ الْمَذْكُورَاتُ هُنَا اعْتِبَارَاتٌ عَقْلِيَّةٌ لَيْسَتْ تَأَخُّرَاتٍ زَمَانِيَّةً، وَالْعِلَّةُ هُنَا الْمُرَادُ بِهَا الْمَعْنَى الْمَلْزُومُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّهَا فَاعِلٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى مَفْعُولِهِ بِالزَّمَانِ. ¬

(¬1) الرَّازِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ش (ص 490) : أُوْ جِهَةُ (صِحَّةِ) تَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرَاتِ. (¬3) أ (فَقَطْ) : كِتَابِ.

البرهان السادس والرد عليه

وَاللَّازِمُ وَالْمَلْزُومُ (¬1) قَدْ يَكُونُ زَمَانُهُمَا جَمِيعًا، كَمَا يَقُولُونَ: (¬2) الصِّفَةُ تَفْتَقِرُ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَالْعَرَضُ إِلَى الْجَوْهَرِ، وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ مَعًا، وَيَقُولُونَ: (¬3) إِنَّمَا افْتَقَرَ الْعَرَضُ إِلَى الْمَوْصُوفِ لِكَوْنِهِ مَعْنًى قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُقَارِنٌ لِافْتِقَارِهِ إِلَى الْمَوْصُوفِ. [الْبُرْهَانُ السَّادِسُ والرد عليه] قَالَ [الرَّازِيُّ] : (¬4) (الْبُرْهَانُ السَّادِسُ: أَنَّ الْمُمْكِنَ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فَعَدَمُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ أَوْ لَا لِأَمْرٍ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ لَا لِأَمْرٍ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْدُومًا لِمَا هُوَ هُوَ، وَكُلُّ مَا (هُوُيَّتُهُ) كَافِيَةٌ فِي عَدَمِهِ، فَهُوَ مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ، فَإِذَنِ الْمُمْكِنُ الْعَدَمِ (¬5) مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ، هَذَا خُلْفٌ، فَتَبَيَّنَ (¬6) أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُؤَثِّرُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ فِي تَأْثِيرِهِ فِيهِ تَجَدُّدُهُ أَوْ لَا يُشْتَرَطَ، وَمُحَالٌ أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ، [فَإِنَّ الْكَلَامَ] (¬7) مَفْرُوضٌ فِي الْعَدَمِ السَّابِقِ عَلَى وُجُودِهِ، وَالْعَدَمُ الْمُتَجَدِّدُ هُوَ الْعَدَمُ بَعْدَ الْوُجُودِ، فَإِذَنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِنَادِ عَدَمِ الْمُمْكِنَاتِ إِلَى مَا يَقْتَضِي عَدَمُهَا تَجَدُّدُهُ (¬8) ، وَإِذَا كَانَ الْعَدَمُ الْمُمْكِنُ مُسْتَنِدًا إِلَى ¬

(¬1) ن، م: وَالْمَلْزُومُ وَاللَّازِمُ. (¬2) ن، م: يَقُولُ إِنَّ. (¬3) ن، م: وَيَقُولُ. (¬4) الرَّازِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: الْمُمْكِنُ الْمَعْدُومُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) أ، ب، ن، م: فَتَبَيَّنَ ; ش (490) فَبَقِيَ، وَكِلَاهُمَا صَوَابٌ. (¬7) عِبَارَةُ " فَإِنَّ الْكَلَامَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) ش: تَجَدُّدُهَا.

الْمُؤَثِّرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّجَدُّدِ عَلِمْنَا أَنَّ الْحَاجَةَ وَالِافْتِقَارَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّجَدُّدِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) (¬1) . فَيُقَالُ: مِنَ الْعَجَائِبِ، بَلْ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ أَنْ يُجْعَلَ مِثْلُ هَذَا الْهَذَيَانِ بُرْهَانًا فِي هَذَا (¬2) الْمَذْهَبِ الَّذِي حَقِيقَتُهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا، بَلِ الْحَوَادِثُ تَحْدُثُ بِلَا خَالِقٍ، وَفِي إِبْطَالِ أَدْيَانِ [أَهْلِ] (¬3) الْمِلَلِ، وَسَائِرِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَكِنَّ هَذِهِ (¬4) الْحُجَجَ الْبَاطِلَةَ وَأَمْثَالَهَا لَمَّا صَارَتْ تَصُدُّ كَثِيرًا مِنْ أَفَاضِلِ النَّاسِ وَعُقَلَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ عَنِ الْحَقِّ الْمَحْضِ الْمُوَافِقِ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ، بَلْ تُخْرِجُ أَصْحَابَهَا عَنِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ كَخُرُوجِ الشَّعَرَةِ مِنَ الْعَجِينِ إِمَّا بِالْجَحْدِ وَالتَّكْذِيبِ وَإِمَّا بِالشَّكِّ وَالرَّيْبِ احْتَجْنَا إِلَى بَيَانِ بُطْلَانِهَا لِلْحَاجَةِ إِلَى مُجَاهَدَةِ أَهْلِهَا، وَبَيَانِ فَسَادِهَا مِنْ أَصْلِهَا (¬5) إِذْ كَانَ فِيهَا مِنَ الضَّرَرِ بِالْعُقُولِ وَالْأَدْيَانِ مَا لَا يُحِيطُ بِهِ إِلَّا الرَّحْمَنُ. وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُكُمْ قَبْلَ هَذَا بِأَسْطُرٍ إِنَّ الْعَدَمَ نَفْيٌ مَحْضٌ، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ أَصْلًا. وَجَعَلْتُمْ هَذَا مُقَدِّمَةً فِي الْحُجَّةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فَكَيْفَ تَقُولُونَ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ الْمَعْدُومُ الْمُمْكِنُ لَا يَكُونُ عَدَمُهُ إِلَّا لِمُوجِبٍ؟ . ¬

(¬1) نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْبُرْهَانَ السَّادِسَ بِنَصِّهِ فِيمَا عَدَا الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. (¬2) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: لَكِنَّ مِثْلَ هَذِهِ. (¬5) ن: فَاسِدِهَا مِنْ أَضَلِّهَا ; م: فَاسِدِهَا مِنْ أَصْلِهَا.

وَقَدَّمْنَا أَنَّ جَمَاهِيرَ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَدَمَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى عِلَّةٍ، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ النُّظَّارِ جَعَلَ عَدَمَ الْمُمْكِنِ مُفْتَقِرًا إِلَى عِلَّةٍ إِلَّا هَذِهِ الطَّائِفَةَ الْقَلِيلَةَ مِنْ مُتَأَخِّرِيِ (¬1) الْمُتَفَلْسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ قُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ لَا أَرِسْطُو وَلَا أَصْحَابِهِ كَبَرْقِلِسَ (¬2) ، وَالْإِسْكَنْدَرِ الْأَفْرُودِيسِيِّ (¬3) شَارِحِ كُتُبِهِ، وَثَامَسْيُطُوسَ (¬4) ، وَلَا غَيْرِهِمْ [مِنَ ¬

(¬1) ن، م: مُتَأَخِّرَةِ. (¬2) بَرْقِلِسُ proclus آخِرُ وَأَشْهَرُ مُمَثِّلِي الْأَفْلَاطُونِيَّةِ الْجَدِيدَةِ neoplatonism وُلِدَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ سَنَةَ 412 (مِيلَادِيَّةً) وَتَلَقَّى الْفَلْسَفَةَ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثُمَّ فِي أَثِينَا حَتَى صَارَ زَعِيمَ مَدْرَسَتِهَا الْفَلْسَفِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ بَرْقِلِسُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ 485. وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ ابْنُ النَّدِيمِ فِي الْفِهْرِسْتِ (ص [0 - 9] 52 - 253) وَذَكَرَ مُصَنَّفَاتِهِ وَأَوْرَدَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 2/157 - 162 أَدِلَّتَهُ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ. وَقَدْ نَشَرَ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَدَوِي رِسَالَةً لَهُ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ (مَعَ رَسَائِلَ أُخْرَى) فِي كِتَابِهِ " الْأَفْلَاطُونِيَّةِ الْمُحْدَثَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ "، الْقَاهِرَةِ 1955. (¬3) ن، م: الْأَفْرُدِيوُسِيَّ، أ، ب: الْأَفْرُدِيُوسِيَّ ; وَالْمَشْهُورُ مَا أَثْبَتْنَاهُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ التَّرَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ. وَالْإِسْكَنْدَرُ الْأَفْرُودِيسِيُّ ale \ ander of aphrodisias مِنْ أَعْظَمِ شُرَّاحِ أَرِسْطُو وَقَدْ وُلِدَ فِي أَفْرُودِيسِيَا مِنْ أَعْمَالِ آسْيَا الصُّغْرَى، وَتَوَلَّى تَدْرِيسَ الْفَلْسَفَةِ الْأَرِسْطِيَّةِ فِي أَثِينَا مَا بَيْنَ سُنَّتِي 198، 211. انْظُرْ تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ لِيُوسُفَ كَرَمٍ، ص [0 - 9] 2، الْقَاهِرَةِ 1958 ; وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمُصَنَّفَاتِهِ فِي ابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ 1/105 - 107 ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 52 - 253 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/163 - 164. وَقَدْ نَشَرَ لَهُ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَدَوِيُّ بَعْضَ مَقَالَاتِهِ فِي كِتَابِهِ " أَرِسْطُو عِنْدَ الْعَرَبِ ". (¬4) أ، ب: وَالْإِسْكَنْدَرُ الْأَفْرَدْيُوسِيُّ شَارِحُ كُتُبِ تَامَسْيُطُوسَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَتَامَسْيُطُوسَ themistius. (فِي (م) : تَامَسْيُطُوسَ ; (أ) ، (ب) : تَامَسْيُطُوسُ مِنْ شُرَّاحِ أَرِسْطُو مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَفْلَاطُونِيًّا جَدِيدًا، وَقَدْ وُلِدَ سَنَةَ 317 م، وَعَاشَ فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَأَيَّدَ الْإِمْبِرَاطُورُ جُولْيَانُ فِي الْعَمَلِ عَلَى بَعْثِ الْوَثَنِيَّةِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 388 م. انْظُرْ: يُوسُفَ كَرَمٍ، الْمَرْجِعَ السَّابِقَ، ص [0 - 9] 03 ; وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَالْكَلَامَ عَنْ آرَائِهِ وَمُصَنَّفَاتِهِ فِي ابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 53 ; ابْنِ الْقِفْطِيِّ، ص 107 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/162 - 163 وَقَدْ نَشَرَ لَهُ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَدَوِيُّ فِي كِتَابِهِ " أَرِسْطُو عِنْدَ الْعَرَبِ " السَّالِفِ الذِكْرِ مَقَالَةً وَشَطْرًا مِنْ شَرْحِهِ لِمَقَالَةِ " اللَّامِ ".

الْفَلَاسِفَةِ] (¬1) ، وَلَا هُوَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنَ النُّظَّارِ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ النُّظَّارِ لَا الْمُتَكَلِّمَةِ، وَلَا الْمُتَفَلْسِفَةِ، وَلَا غَيْرِهِمْ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: (مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ (مَعْدُومًا) لَا لِأَمْرٍ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْدُومًا لِمَا هُوَ هُوَ، وَكُلُّ مَا هُوُيَّتُهُ كَافِيَةٌ فِي عَدَمِهِ، فَهُوَ مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ) . فَيُقَالُ: هَذَا تَلَازُمٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا لَا لِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا لَا لِذَاتِهِ، وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَوْلُكَ: (فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْدُومًا لِمَا هُوَ هُوَ) بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعْدُومٌ لِأَجْلِ ذَاتِهِ، وَأَنَّ ذَاتَهُ هِيَ الْعِلَّةُ فِي كَوْنِهِ مَعْدُومًا كَالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَنَا مَعْدُومٌ لَا لِأَمْرٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ نَفْيُ (¬2) الشَّيْءِ لَازِمًا لِثُبُوتِهِ؟ . فَإِنْ قِيلَ: مُرَادُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ، أَوْ لَا لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ قِيلَ: فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ غَيْرَ حَاصِرَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا لَا لِعِلَّةٍ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْفَرْقُ مَعْلُومٌ بَيْنَ قَوْلِنَا: ذَاتُهُ لَا تَقْتَضِي وُجُودَهُ وَلَا عَدَمَهُ، أَوْ لَا تَسْتَلْزِمُ (¬3) وُجُودَهُ، وَلَا عَدَمَهُ، أَوْ لَا تُوجِبُ وُجُودَهُ وَلَا عَدَمَهُ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا تَقْتَضِي وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ، أَوْ تَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَوْ تُوجِبُهُ، فَإِنَّ مَا اسْتَلْزَمَتْ ذَاتُهُ وُجُودَهُ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، وَمَا اسْتَلْزَمَتْ عَدَمَهُ كَانَ مُمْتَنِعًا، وَمَا لَمْ تَسْتَلْزِمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَلَا مُمْتَنِعًا، بَلْ كَانَ هُوَ الْمُمْكِنُ. ¬

(¬1) مِنَ الْفَلَاسِفَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: نَفْسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن (فَقَطْ) : يَسْتَلْزِمُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ مَعْدُومٌ لَا لِأَمْرٍ لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَمْرٌ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ (¬1) ، بَلْ يَقْتَضِي أَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ أَمْرٌ (¬2) يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ. وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَمَشِيئَتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِوُجُودِ مُرَادِهِ، وَمَا لَا يَشَاؤُهُ لَا يَكُونُ، فَعَدَمُ مَشِيئَتِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِهِ لَا أَنَّ الْعَدَمَ (¬3) فَعَلَ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مَلْزُومٌ لَهُ، وَإِذَا فَسَّرْتَ الْعِلَّةَ هُنَا بِالْمَلْزُومِ، وَكَانَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ. وَقَوْلُنَا: ذَاتُهُ اسْتَلْزَمَتْ وُجُودَهُ، أَوِ اسْتَلْزَمَتْ عَدَمَهُ (¬4) لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّ فِي الْخَارِجِ شَيْئًا كَانَ مَلْزُومًا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا فِي الْخَارِجِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَلَكِنْ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ نَفْسَهُ هِيَ اللَّازِمُ، وَالْمَلْزُومُ إِمَّا الْوُجُودُ وَإِمَّا الْعَدَمُ (¬5) ، فَعَدَمُ الْمُمْتَنِعِ مَلْزُومٌ عَدَمُهُ، وَوُجُودُ الْوَاجِبِ مَلْزُومٌ وُجُودُهُ، وَأَمَّا الْمُمْكِنُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ مَلْزُومٌ [لِوُجُودٍ] (¬6) وَلَا عَدَمٍ، بَلْ إِنْ حَصَلَ مَا يُوجِدُهُ، وَإِلَّا بَقِيَ مَعْدُومًا. [الْوَجْهُ] (¬7) الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِذَا كَانَ كُلُّ مُمْكِنٍ لَا يَعْدَمُ إِلَّا بِعِلَّةٍ ¬

(¬1) فِي (ن) فَقَطْ: عَنْهُ، وَالتَّصْوِيبُ مِنْ (م) . (¬2) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن: لِأَنَّ الْعَدَمَ ; م: لِأَنَّ الْمَعْدُومَ. (¬4) ن، م: وَاسْتَلْزَمَتْ. (¬5) ن، م، أ: وَالْمَلْزُومُ إِمَّا لِلْوُجُودِ وَإِمَّا لِلْعَدَمِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬6) لِوُجُودِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مَعْدُومَةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِي عَدَمِهِ، فَتِلْكَ الْعِلَّةُ الْمَعْدُومَةُ إِنْ كَانَ عَدَمُهَا وَاجِبًا كَانَ وُجُودُهَا مُمْتَنِعًا، فَإِنَّ الْمَعْلُولَ يَجِبُ بِوُجُوبِ عِلَّتِهِ، وَيَمْتَنِعُ بِامْتِنَاعِهَا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ عَدَمُ الْمُمْكِنِ عِلَّتُهُ وَاجِبَةٌ، وَوُجُودُهُ مُمْتَنِعًا، فَإِنَّ الْمَعْلُولَ يَجِبُ بِوُجُوبِ عِلَّتِهِ، وَيَمْتَنِعُ بِامْتِنَاعِهَا، وَحِينَئِذٍ (¬1) كُلُّ مُمْكِنٍ يُقَدَّرُ إِمْكَانُهُ، فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ مَا هُوَ فِي غَايَةِ الِاسْتِحَالَةِ: كَيْفِيَّةٍ وَكَمِّيَّةٍ. وَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ عِلَّتِهِ يَفْتَقِرُ إِلَى عَدَمٍ يُؤَثِّرُ فِي وُجُودِهَا وَعَدَمِ ذَاكَ الْمُؤَثِّرِ لِعَدَمِ مُؤَثِّرٍ فِيهِ، وَهَلُمَّ جَرَّا، فَلِذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّسَلْسُلُ الْبَاطِلُ الَّذِي هُوَ أَبْطَلُ مِنْ تَسَلْسُلِ الْمُؤَثِّرَاتِ الْوُجُودِيَّةِ. [الْوَجْهُ] (¬2) الْخَامِسُ: [أَنْ يُقَالَ] (¬3) : إِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْعَدَمَ الْمُسْتَمِرَّ لَهُ عِلَّةٌ قَدِيمَةٌ، وَأَنَّ الْمَعْلُولَ إِذَا كَانَ عَدَمًا مُسْتَمِرًّا كَانَتْ عِلَّتُهُ الَّتِي هِيَ عَدَمٌ مُسْتَمِرٌّ عِلَّةً أَزَلِيَّةً لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ يَعْدَمَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَيَكُونَ الْفَاعِلُ لَهُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا لَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ فَاعِلُ الْمَوْجُودَاتِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا قَطُّ، فَإِنَّ قِيَاسَ الْمَوْجُودِ الْوَاجِبِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ الْخَالِقِ فَاعِلِ الْمَوْجُودَاتِ الْمَخْلُوقَةِ عَلَى الْعَدَمِ الْمُسْتَمِرِّ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمٍ مُسْتَمِرٍّ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ قِيَاسٌ مَحْضٌ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ، فَكَيْفَ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذَا التَّشْبِيهِ الْفَاسِدِ فِي مِثْلِ هَذَا ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أَنْ يُقَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

البرهان السابع والرد عليه

الْأَصْلِ الْعَظِيمِ، وَيُجْعَلُ (¬1) خَلْقُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِمَخْلُوقَاتِهِ مِثْلَ كَوْنِ الْعَدَمِ عِلَّةً لِلْعَدَمِ (¬2) . وَهَلْ هَذَا إِلَّا أَفْسَدُ مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِذْ قَالَ: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ - وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ - قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ - تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 94 - 98] فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ مَنْ سَوَّى (¬3) بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ، فَكَيْفَ بِمَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدَمِ الْمَحْضِ. [الْبُرْهَانُ السَّابِعُ والرد عليه] قَالَ [الرَّازِيُّ] (¬4) : (الْبُرْهَانُ السَّابِعُ: وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِذَنْ (¬5) صِفَاتُ وَاجِبِ الْوُجُودِ - وَهِيَ تِلْكَ الْأُمُورُ الْإِضَافِيَّةُ وَالسَّلْبِيَّةُ عَلَى رَأْيِ الْحُكَمَاءِ وَالصِّفَاتُ وَالْأَحْوَالُ وَالْأَحْكَامُ عَلَى اخْتِلَافِ آرَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ - لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا وَاجِبَ الثُّبُوتِ بِأَعْيَانِهَا (¬6) ، بَلْ هِيَ بِمَا (¬7) هِيَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهَا. (¬8) وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ نَظَرًا إِلَى ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، فَثَبَتَ أَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ الْعَدَمِ وَتَقَدُّمِهِ. ¬

(¬1) ن، م: وَيَجْعَلُونَ. (¬2) ن (فَقَطْ) : لِلْمَعْدُومِ. (¬3) ن: سَوَّوْا ; م: يُسَوِّي. (¬4) الرَّازِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ش 1/490، ن، م: فَإِذَنْ ; أ، ب: فَإِنَّ. (¬6) بِأَعْيَانِهَا: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ; وَفِي (ش) : لِأَعْيَانِهَا. (¬7) بِمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ ; وَفِي (ن) ، (م) ، (أ) ، (ش) : لِمَا. وَسَتَرِدُ الْعِبَارَةُ مَرَّةً أُخْرَى فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ: بِمَا انْظُرْ ص 271 ت [0 - 9] . (¬8) ش: لِمَا هِيَ (هِيَ) مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي (أَنْفُسِهَا) .

فَلَئِنْ قَالُوا: تِلْكَ الصِّفَاتُ وَالْأَحْكَامُ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نُوجِبُ (¬1) سَبْقَ الْعَدَمِ فِي الْأَفْعَالِ، فَنَقُولُ: إِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعَظِيمَةِ لَا يُمْكِنُ التَّعْوِيلُ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْأَلْفَاظِ، فَهَبْ أَنَّ مَا لَا يَتَقَدَّمُهُ الْعَدَمُ لَا يُسَمَّى فِعْلًا لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ مَا هُوَ مُمْكِنُ الثُّبُوتِ لِمَا هُوَ هُوَ يَجُوزُ اسْتِنَادُهُ إِلَى مُؤَثِّرٍ يَكُونُ دَائِمَ الثُّبُوتِ مَعَ الْأَثَرِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْقُولًا لَا يُمْكِنُ دَعْوَى الِامْتِنَاعِ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ صَاحِبُهُ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَعُودُ إِلَى فَائِدَةٍ عَظِيمَةٍ) (¬2) . فَيُقَالُ: الْجَوَابُ (¬3) عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: (وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ) [إِنْ] (¬4) أُرِيدَ بِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ إِلَهٍ وَاحِدٍ أَوْ رَبٍّ وَاحِدٍ أَوْ خَالِقٍ وَاحِدٍ أَوْ مَعْبُودٍ وَاحِدٍ، أَوْ حَيٍّ وَاحِدٍ أَوْ قَيُّومٍ وَاحِدٍ أَوْ صَمَدٍ وَاحِدٍ أَوْ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَاحِدٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا صَحِيحٌ. لَكِنْ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ صِفَاتٌ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُ ذَاتِهِ بِدُونِهَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ. (¬5) وَاجِبُ الْوُجُودِ هُوَ تِلْكَ الذَّاتَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لَيْسَ لَهُ فَاعِلٌ، وَلَا مَا يُسَمَّى عِلَّةً فَاعِلَةً أَلْبَتَّةَ، وَعَلَى هَذَا فَصِفَاتُهُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ لَيْسَتْ مُمْكِنَةَ الثُّبُوتِ، فَإِنَّهَا ¬

(¬1) ش (ص [0 - 9] 91) : نَقُولُ بِوُجُوبِ. (¬2) نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْبُرْهَانَ السَّابِعَ بِنَصِّهِ (1/490 - 491) فِيمَا عَدَا الِاخْتِلَافَاتِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا. (¬3) ن، م: عَظِيمَةٍ وَالْجَوَابُ. (¬4) أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ن، م، أ: وَأَنْ يَكُونَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

لَيْسَتْ مُمْكِنَةً يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ وَيُمْكِنُ أَنْ تَعْدَمَ (¬1) وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى فَاعِلٍ يَفْعَلُهَا وَلَا عِلَّةٍ فَاعِلَةٍ، بَلْ هِيَ مِنْ لَوَازِمِ الذَّاتِ الَّتِي هِيَ بِصِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ لَهَا وَاجِبَةُ الْوُجُودِ، فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ كَدَعْوَاهُ أَنَّ الذَّاتَ الْمَلْزُومَةَ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَاجِبُ الْوُجُودِ وَاحِدٌ، أَنَّ (¬2) وَاجِبَ الْوُجُودِ هُوَ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ صِفَاتٍ كَانَ هَذَا مَمْنُوعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ دَلِيلًا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ هُوَ الذَّاتُ دُونَ صِفَاتِهَا، وَأَنَّ صِفَاتِهَا هِيَ مُمْكِنَةُ الْوُجُودِ إِنْ أَرَادَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ (¬3) مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ فَعَلَهُ، فَكِلَاهُمَا يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ فَعَلَهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مَحَلٍّ كَانَ حَقِيقَةَ هَذَا أَنَّ الصِّفَاتِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ تَقُومُ بِهِ بِخِلَافِ الذَّاتِ لَكِنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى فَاعِلٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ مَا لَا يُمْكِنُ عَدَمُهُ، وَبِمُمْكِنِ الْوُجُودِ مَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّفَاتِ لَا يُمْكِنُ عَدَمُهَا، كَمَا لَا يُمْكِنُ عَدَمُ الذَّاتِ، فَوُجُوبُ الْوُجُودِ يَتَنَاوَلُهُمَا، وَإِنْ أَرَادَ بِوَاجِبِ الْوُجُودِ مَا لَا مُلَازِمَ لَهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ، لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِمَفْعُولَاتِهِ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبَ الْوُجُودِ. وَمِنْ تَنَاقُضِ هَؤُلَاءِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ - كَصَاحِبِ الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا: ¬

(¬1) ن، م: أَنْ تُوجَدَ وَأَنْ تَعْدَمَ. (¬2) ن: وَإِنَّ. (¬3) ب: أَنَّ ذَاتَهُ ; أ: ذَاتُهُ.

صَاحِبِ (الْمَضْنُونِ الْكَبِيرِ) (¬1) أَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِأَنَّهُ مَا لَا يُلَازِمُ غَيْرَهُ لِيَنْفُوا بِذَلِكَ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةَ لَهُ وَيَقُولُونَ: لَوْ قُلْنَا إِنَّ لَهُ صِفَاتٍ لَازِمَةً لَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الْوُجُودِ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ الْأَفْلَاكَ وَغَيْرَهَا لَازِمَةً لَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ، فَأَيُّ تَنَاقُضٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا؟ . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْوَاحِدُ الْمُجَرَّدُ عَنْ جَمِيعِ الصِّفَاتِ مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ، كَمَا بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬2) ، وَبُيِّنَ (¬3) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَعَانٍ ثُبُوتِيَّةٍ مِثْلِ كَوْنِهِ حَيًّا وَعَالِمًا وَقَادِرًا (¬4) ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَعْنًى هُوَ الْآخَرَ، أَوْ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَعَانِي هِيَ الذَّاتَ، وَمَا كَانَ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ، فَإِذَا مَا زُعِمَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ، فَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ فَاعِلٌ لِصِفَاتِهِ، كَمَا هُوَ فَاعِلٌ لِمَخْلُوقَاتِهِ، أَوْ إِنَّهُ مُؤَثِّرٌ، ¬

(¬1) صَاحِبُ الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُوَ الْغَزَالِيُّ، فَمِنَ الْكُتُبِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ كِتَابُ " الْمَضْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ " أَوْ " كِتَابُ الْمَضْنُونِ الْكَبِيرِ "، وَكِتَابُ " الْمَضْنُونِ الصَّغِيرِ، الْمَوْسُومُ بِالْأَجْوِبَةِ الْغَزَالِيَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُخْرَوِيَّةِ " وَقَدْ طُبِعَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ: مِنْهَا طَبْعَةٌ عَلَى هَامِشِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ " الْإِنْسَانِ الْكَامِلِ " لِلْجِيلِيِّ، الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ، الْمَطْبَعَةِ الْأَزْهَرِيَّةِ، الْقَاهِرَةِ سَنَةَ 1328 هـ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْبَاحِثُونَ فِي حَقِيقَةِ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا، وَفِي مَدَى صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إِلَى الْغَزَالِيِّ، وَنُشِيرُ هُنَا إِلَى بَحْثَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ الْأَوَّلِ مَا كَتَبَهُ الْأُسْتَاذُ سُلَيْمَانُ دُنْيَا فِي كِتَابِهِ " الْحَقِيقَةُ فِي نَظَرِ الْغَزَالِيِّ "، ص [0 - 9] 7 وَمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرْ خَاصَّةً ص 128 - 134، الْقَاهِرَةِ 1947 ; وَالثَّانِي: هُوَ مَقَالَةُ الْأُسْتَاذِ وَاتَ (.) watt فِي مَجَلَّةِ joumal of the royal asiatic society، london، 1952، pp. 24 - 25 بِعُنْوَانِ the authenicity of the works attributed to al - ghazali. (¬2) ن، م: كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. (¬3) أ، ب: وَيُمْكِنُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن، م: حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا.

وَمُقْتَضٍ وَمُسْتَلْزِمٌ لِمَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا هُوَ مُؤَثِّرٌ وَمُقْتَضٍ وَمُسْتَلْزِمٌ لِصِفَاتِهِ. [الْوَجْهُ] (¬1) الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: (وَهِيَ تِلْكَ الْأُمُورُ الْإِضَافِيَّةُ وَالسَّلْبِيَّةُ عَلَى رَأْيِ الْحُكَمَاءِ) إِنَّمَا هُوَ عَلَى رَأْيِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ مِنْهُمْ كَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَأَمَّا أَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ فَهُمْ مُثْبِتُونَ لِلصِّفَاتِ، كَمَا قَدْ نَقَلْنَا أَقْوَالَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَمْثَالِهِ. وَأَيْضًا فَنُفَاةُ الصِّفَاتِ مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ مُتَنَاقِضُونَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ نَفْيِهَا وَإِثْبَاتِهَا، كَمَا قَدْ بُسِطَ [الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ.] (¬2) فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ كَانُوا مُثْبِتِيهَا فَهُمْ كَسَائِرِ الْمُثْبِتِينَ، وَإِنْ كَانُوا نُفَاةً قِيلَ لَهُمْ: أَمَّا السَّلْبُ فَعَدَمٌ مَحْضٌ، وَأَمَّا الْإِضَافَةُ مِثْلُ كَوْنِهِ فَاعِلًا أَوْ مَبْدَءًا (¬3) ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا، فَإِنْ كَانَتْ وُجُودًا لِأَنَّهَا مِنْ مَقُولَةِ: (أَنْ يَفْعَلَ وَأَنْ يَنْفَعِلَ) - وَهَذِهِ الْمَقُولَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْنَاسِ الْعَالِيَةِ الْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ أَقْسَامُ الْمَوْجُودَاتِ - كَانَتِ الْإِضَافَةُ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا وُجُودًا، فَكَانَتْ صِفَاتُهُ الْإِضَافِيَّةُ وُجُودِيَّةً قَائِمَةً بِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْإِضَافَةُ (¬4) عَدَمًا مَحْضًا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي السَّلْبِ، فَجَعْلُ الْإِضَافَةِ قِسْمًا ثَالِثًا لَيْسَ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا خَطَأٌ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا (¬5) لَمْ يُثْبِتُوا صِفَةً ثُبُوتِيَّةً لَمْ تَكُنْ ذَاتُهُ مُسْتَلْزِمَةً لِشَيْءٍ (¬6) مِنْ ¬

(¬1) الْوَجْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) عِبَارَةُ " الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: وَمَبْدَءًا. (¬4) ن، م: الْإِضَافَاتُ. (¬5) ن، م: إِذَا. (¬6) ن، م: بِشَيْءٍ.

الصِّفَاتِ إِلَّا أَمْرًا عَدَمِيًّا، وَأَمَّا الْمَخْلُوقَاتُ فَإِنَّهَا مَوْجُودَاتٌ: جَوَاهِرٌ، وَأَعْرَاضٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اقْتِضَاءَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِ الْوَاجِبِ لِلْعَدَمِ الْمَحْضِ لَيْسَ كَاقْتِضَائِهِ لِلْوُجُودِ، وَسَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ اسْتِلْزَامًا أَوْ إِيجَابًا، أَوْ فِعْلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ضِدِّهِ، وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إِنَّهُ فَاعِلٌ لِعَدَمِ ضِدِّهِ، وَوُجُودُ الشَّيْءِ يُنَاقِضُ عَدَمَ نَفْسِهِ، وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إِنَّ وُجُودَهُ هُوَ الْفَاعِلُ لِعَدَمِ عَدَمِهِ (¬1) ، فَإِنَّ عَدَمَ عَدَمِهِ هُوَ وُجُودُهُ، وَوُجُودُهُ وَاجِبٌ لَا يَكُونُ مَفْعُولًا وَلَا مَعْلُولًا. وَأَيْضًا فَالْعَدَمُ الْمَحْضُ إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ، [كَمَا هُوَ] (¬2) عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: عِلَّتُهُ عَدَمُ عِلَّةِ وُجُودِهِ (¬3) ، فَيَجْعَلُ عِلَّةَ الْعَدَمِ عَدَمًا، وَلَا يَجْعَلُ لِلْعَدَمِ الْمُمْكِنِ عِلَّةً وُجُودِيَّةً، فَالْعَدَمُ الْوَاجِبُ أَوْلَى أَلَّا يَفْتَقِرَ إِلَى عِلَّةٍ وُجُودِيَّةٍ، [فَإِنَّ الْعَدَمَ الْوَاجِبَ اللَّازِمَ لِذَاتِهِ عَدَمٌ وَاجِبٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلَّةٍ وُجُودِيَّةٍ] (¬4) ، فَإِنَّ الْعَدَمَ الْوَاجِبَ يَتَّصِفُ بِهِ الْمُمْتَنِعُ، وَالْمُمْتَنِعُ الَّذِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى عِلَّةٍ وُجُودِيَّةٍ، وَعَدَمُ وُجُودِ الرَّبِّ (¬5) مُمْتَنِعٌ لِنَفْسِهِ، كَمَا أَنَّ وُجُودَ الرَّبِّ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: (وَالصِّفَاتُ وَالْأَحْوَالُ، وَالْأَحْكَامُ (¬6) عَلَى اخْتِلَافِ آرَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ) . ¬

(¬1) أ، ب: هُوَ الْفَاعِلُ لِعَدَمِهِ. (¬2) كَمَا هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬3) ن، م: عِلَّتُهُ عِلَّةُ عَدَمِ وُجُودِهِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: وَعَدَمُ (مَا يُنَاقِضُ) وُجُودَ الرَّبِّ. (¬6) أ، ب: وَالْأَحْكَامُ وَالْأَحْوَالُ.

فَيُقَالُ. لَهُ: إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ لِلَّهِ هُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْأُمَّةِ سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ] (¬1) ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَّبَعِينَ (¬2) ، وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَسَائِرِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِثْلِ الْهِشَامِيَّةِ (¬3) ، وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا نَازَعَ. (¬4) فِي ذَلِكَ الْجَهْمِيَّةُ، وَهُمْ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، [وَجَمَاعَتِهَا] (¬5) مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَوَافَقَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ هُمْ عِنْدَ الْأُمَّةِ مَشْهُورُونَ بِالِابْتِدَاعِ. وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَهِيَ الْحُكْمُ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا تُثْبِتُهُ الْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهُمْ (¬6) مَعَ سَائِرِ الْمُثْبِتَةِ لَكِنْ غُلَاةُ الْجَهْمِيَّةِ يَنْفُونَ أَسْمَاءَهُ، وَيَجْعَلُونَهَا مَجَازًا، فَيَجْعَلُونَ الْخَبَرَ عَنْهُ كَذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ مِنَ النُّفَاةِ، وَعَلَى قَوْلِهِمْ فَالذَّاتُ لَمْ تَقْتَضِ شَيْئًا ; لِأَنَّ كَلَامَ الْمُخْبِرِينَ وَحُكْمُهُمْ أَمْرٌ قَائِمٌ بِهِمْ لَيْسَ قَائِمًا بِذَاتِ الرَّبِّ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتِ الْأَحْكَامَ (¬7) كَأَبِي هَاشِمٍ (¬8) . . وَأَتْبَاعِهِ، فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: هِيَ لَا مَوْجُودَةٌ، ¬

(¬1) لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن: الْمُثْبَتِينَ: وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) . (¬3) وَالْمَقْصُودُ بِهِمْ أَتْبَاعُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَهِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ. انْظُرْ ص 71 ت 3، 4. (¬4) ن، م: يُنَازِعُ. (¬5) وَجَمَاعَتِهَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: كُلُّهَا. (¬7) ن، م: الْأَحْوَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ: وَأَمَّا مَنْ يُثْبِتُ الْأَحْوَالَ. (¬8) هُوَ أَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدٍ الْجُبَّائِيِّ، كَانَ هُوَ وَأَبُوهُ مِنْ كِبَارِ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ، وَالْفِرْقَةُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ هِيَ فِرْقَةُ " الْبَهْشَمِيَّةِ " وَالَّتِي تُنْسَبُ إِلَى أَبِيهِ هِيَ " الْجُبَّائِيَّةُ " وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 321 هـ. انْظُرْ عَنْهُ: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 2/355 ; تَارِيخَ بَغْدَادَ 11 - 56 ; مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 3/618 ; الْخُطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/348 ; الْأَعْلَامَ 4/130 - 131. وَانْظُرْ عَنِ الْبَهْشَمِيَّةِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/118 - 129 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 111 - 119 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ 53 - 54

وَلَا مَعْدُومَةٌ (¬1) ، فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَوْجُودَاتِ. بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: صِفَاتُهُ مَوْجُودَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ (¬2) ، وَمَخْلُوقَاتُهُ مَوْجُودَةٌ بَائِنَةٌ (¬3) عَنْهُ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ صِفَاتُهُ وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْعَدَمُ لَا يُقَالُ إِنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَعْدُومَةً، كَمَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي أَبْدَعَهَا، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ الصِّفَاتِ لَهَا ذَوَاتٌ ثَابِتَةٌ غَيْرُ وُجُودِهَا، وَتِلْكَ الذَّوَاتُ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ فِي الْمُمْكِنَاتِ الْمَفْعُولَةِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ تَمْثِيلَ صِفَاتِهِ بِمَخْلُوقَاتِهِ. (¬4) فِي غَايَةِ الْفَسَادِ عَلَى قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: (لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا وَاجِبَ الثُّبُوتِ بِأَعْيَانِهَا، بَلْ هِيَ بِمَا هِيَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهَا. (¬5) وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ نَظَرًا إِلَى ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ) كَلَامٌ مَمْنُوعٌ بَلْ بَاطِلٌ، بَلِ الصِّفَاتُ مُلَازِمَةٌ لِلذَّاتِ (¬6) لَا يُمْكِنُ وُجُودُ الذَّاتِ بِدُونِ صِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ وَلَا وُجُودُ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ بِدُونِ الذَّاتِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَازِمٌ لِلْآخَرِ مَلْزُومٌ لَهُ، وَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : لَا مَعْدُومَةٌ وَلَا مَوْجُودَةٌ. (¬2) ن: صِفَاتُهُ مَوْجُودَةٌ قَائِمَةٌ ; أ، ب: صِفَاتُهُ قَائِمَةٌ مَوْجُودَةٌ بِهِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬3) ن، م: ثَابِتَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن: لِمَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن ; م، أ، ب: بَلْ هِيَ بِمَا هِيَ مُمْكِنَةُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهَا، وَانْظُرْ إِلَى مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَاهُ عِنْدَ نَقْلِ كَلَامِ الرَّازِيِّ فِي الْبُرْهَانِ السَّابِعِ (264 ت 7) . (¬6) ن (فَقَطْ) : لِذَاتٍ.

الذَّاتَ هِيَ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ دُونَ الصِّفَاتِ مَمْنُوعٌ وَبَاطِلٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: (الصِّفَاتُ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ دُونَ الذَّاتِ لَكِنَّ الذَّاتَ وَاجِبَةٌ نَظَرًا إِلَى وُجُوبِ الصِّفَاتِ) سَوَاءٌ فَسَّرُوا. (¬1) وَاجِبَ الْوُجُودِ بِالْمَوْجُودِ نَفْسِهِ (¬2) ، أَوْ بِمَا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ، أَوْ بِمَا لَا فَاعِلَ لَهُ وَلَا عِلَّةً فَاعِلَةً أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ إِذَا فُسِّرَ الْوَاجِبُ بِالْقَائِمِ بِنَفْسِهِ، وَالْمُمْكِنُ بِالْقَائِمِ بِغَيْرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ وَوَضْعٌ مَحْضٌ، وَغَايَتُهُ مُنَازَعَةٌ لَفْظِيَّةٌ لَا فَائِدَةَ فِيهَا. الْوَجْهُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ: (فَثَبَتَ أَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ الْعَدَمِ) ، فَيُقَالُ. لَهُ (¬3) : هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَتِ الذَّاتُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِصِفَاتِهَا هِيَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الصِّفَاتِ. وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ التَّأْثِيرِ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِلْزَامُ فَكِلَاهُمَا مُؤَثِّرٌ فِي الْآخَرِ إِذْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ لَا مُمْكِنًا (¬4) ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِلَفْظِ التَّأْثِيرِ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْدَعَ الْآخَرَ، أَوْ فَعَلَهُ أَوْ جَعَلَهُ مَوْجُودًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْقَلُ. (¬5) فِي إِبْدَاعِ الْمَصْنُوعَاتِ، فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يَقُولُ: إِنَّ الْمَوْصُوفَ أَبْدَعَ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةَ (¬6) ، وَلَا خَلَقَهَا، وَلَا صَنَعَهَا، وَلَا فَعَلَهَا، وَلَا جَعَلَهَا مَوْجُودَةً، وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. ¬

(¬1) ن، م: فَسَّرَ. (¬2) ن، م: بِنَفْسِهِ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ: مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ (لَا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ مُمْكِنًا) لَا مُمْكِنًا. إِلَخْ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ. (¬5) ن (فَقَطْ) : مِمَّا يَفْعَلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن (فَقَطْ) : الْمُلَازِمَةُ.

بَلْ مَا يَحْدُثُ فِي الْحَيِّ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَالصِّفَاتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مِثْلَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْكِبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ أَبْدَعَهُ أَوْ صَنَعَهُ، فَكَيْفَ بِمَا يَكُونُ مِنَ الصِّفَاتِ لَازِمًا [لَهُ] (¬1) كَحَيَاتِهِ وَلَوَازِمِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ هَذَا فِي غَيْرِ الْحَيِّ مِثْلَ الْجَمَادِ (¬2) ، وَالنَّبَاتِ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَجْسَامِ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ إِنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَ قَدْرَهُ اللَّازِمَ، وَفَعَلَ تَخَيُّرَهُ (¬3) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ (¬4) ، بَلِ الْعُقَلَاءُ كُلُّهُمُ الْمُثْبِتُونَ لِلْأَفْعَالِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْإِرَادِيَّةِ، وَالَّذِينَ لَا يُثْبِتُونَ إِلَّا الْإِرَادِيَّةَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَجْعَلُ مَا يَلْزَمُ الذَّاتَ مِنْ صِفَاتِهَا مَفْعُولًا لَهَا لَا بِالْإِرَادَةِ وَلَا بِالطَّبْعِ، بَلْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ آثَارِهَا الصَّادِرَةِ عَنْهَا الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ لَهَا وَمَفْعُولَاتٌ، وَبَيْنَ صِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ لَهَا، بَلْ. (¬5) وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ. وَقَدْ يَكُونُ لِلذَّاتِ تَأْثِيرٌ فِي حُصُولِ بَعْضِ صِفَاتِهَا الْعَارِضَةِ، فَيُضَافُ ذَلِكَ إِلَى فِعْلِهَا لِحُصُولِ ذَلِكَ بِهِ كَحُصُولِ الْعِلْمِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَحُصُولِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، بِخِلَافِ اللَّازِمَةِ، وَمَا يَحْصُلُ بِدُونِ قُدْرَتِهَا وَفِعْلِهَا وَاخْتِيَارِهَا (¬6) ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِيهِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَثَرِهَا، بَلْ يَقُولُ إِنَّهُ لَازِمٌ لَهَا وَصِفَةٌ لَهَا، وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهُ وَمَوْصُوفَةٌ بِهِ، وَقَدْ يَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ مُقَوِّمٌ لَهَا وَمُتَمِّمٌ لَهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهُمْ يُسَلِّمُونَ ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: الْجَمَادَاتِ. (¬3) ن، م: خَيْرَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ (لَا يَقُولُ عَاقِلٌ. . اللَّازِمَةِ) تَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي عِبَارَتِهَا نَقْصٌ أَوْ تَحْرِيفٌ. (¬5) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: بِاخْتِيَارِهَا.

أَنَّ فَاعِلَ الشَّيْءِ هُوَ فَاعِلُ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لِامْتِنَاعِ فِعْلِ الشَّيْءِ بِدُونِ صِفَاتِهِ (¬1) اللَّازِمَةِ. وَأَيْضًا، فَالذَّاتُ مَعَ تَجَرُّدِهَا عَنِ الصِّفَاتِ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً فِي شَيْءٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً فِي صِفَاتِ نَفْسِهَا، فَإِنَّ شَرْطَ كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً أَنْ تَكُونَ حَيَّةً عَالِمَةً قَادِرَةً (¬2) ، فَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي كَوْنِهَا حَيَّةً عَالِمَةً قَادِرَةً لَكَانَتْ مُؤَثِّرَةً بِدُونِ اتِّصَافِهَا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ امْتِنَاعُهُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، بَلْ صِفَاتُهَا اللَّازِمَةُ لَهَا أَكْمَلُ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ، فَإِذَا امْتَنَعَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الذَّاتِ (¬3) . فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا تَأْثِيرٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فِي صِفَاتِهَا إِلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْمُسَمَّى الِاسْتِلْزَامَ تَأْثِيرًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ لَهُ: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعَظِيمَةِ لَا يُمْكِنُ التَّعْوِيلُ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْأَلْفَاظِ، فَإِنَّ تَسْمِيَتَكَ لِاسْتِلْزَامِ (¬4) الذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ بِصِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ لَهَا تَأْثِيرًا لَا يُوجِبُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا كَإِبْدَاعِهَا لِمَخْلُوقَاتِهَا، فَهَبْ أَنَّكَ سَمَّيْتَ كُلَّ اسْتِلْزَامٍ تَأْثِيرًا، لَكِنَّ دَعْوَاكَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ الْمَفْعُولَ مَلَازِمٌ لِخَالِقِهِ وَفَاعِلِهِ، مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، لَا يُعْرَفُ قَطُّ شَيْءٌ أَبْدَعَ شَيْئًا، وَهُوَ مُقَارِنٌ لَهُ بِحَيْثُ يَكُونَانِ مُتَقَارِنَيْنِ فِي الزَّمَانِ ¬

(¬1) ن، م: صِفَاتِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) قَادِرَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: فَكَيْفَ تُؤَثِّرُ (م: يُؤَثِّرُ) فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ مُجَرَّدَةُ هَذِهِ الذَّاتِ. (¬4) ن، م: لَا تَسْتَلْزِمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، بَلْ مِنَ الْمَعْلُومِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ التَّأْثِيرَ الَّذِي هُوَ إِبْدَاعُ الشَّيْءِ وَخَلْقُهُ، وَجَعْلُهُ مَوْجُودًا لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ عَدَمِهِ، وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ الْأَزَلِيُّ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا لَا يَفْتَقِرُ قَطُّ إِلَى مُبْدِعٍ خَالِقٍ يَجْعَلُهُ مَوْجُودًا، وَلَا يَكُونُ مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، بَلْ مَا وَجَبَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْبَلَ الْعَدَمَ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ تَسْمِيَةَ تَأْثِيرِ الرَّبِّ فِي مَخْلُوقَاتِهِ فِعْلًا وَصُنْعًا وَإِبْدَاعًا وَإِبْدَاءً وَخَلْقًا وَبَرْءًا (¬1) ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ هُوَ مِمَّا تَوَاتَرَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ. (¬2) وَمِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ، وَذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي تَتَدَاوَلُهَا الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ تَدَاوُلًا كَثِيرًا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا الْمُرَادُ بِهَا أَوِ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ مَا (¬3) لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا الْخَاصَّةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَكُونَ جَمَاهِيرُ النَّاسِ يَفْهَمُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مَا يَعْنُونَهُ بِكَلَامِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ. وَأَيْضًا، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرَ الْمَفْهُومِ مِنْهَا لَكَانَ الْخِطَابُ بِهَا تَلْبِيسًا (¬4) ، وَتَدْلِيسًا وَإِضْلَالًا. وَأَيْضًا، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا خِلَافَ الْمَفْهُومِ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُهُ خَوَاصُّهُمْ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ خَوَاصَّ الصَّحَابَةِ وَعَوَامَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ أَنَّ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَبَدْءًا. (¬2) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: كَمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَقَطَتْ " لَهُ " فِي (أ) . (¬4) ن، م: تَلْبِيسَاتٍ.

اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، [وَمَلِيكُهُ] (¬1) ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا بَيْنَهُمَا، فَحَدَثَتْ [هَذِهِ] (¬2) الْمَخْلُوقَاتُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَصَلَ لَنَا عِلْمٌ بِمُرَادِ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ، وَاسْتَفَدْنَا بِذَلِكَ (¬3) أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِهَا غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الْمُرَادِ بِهَا، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّ مُرَادَهُمْ هُوَ مُرَادُهُ فِي كَوْنِهَا مُلَازِمَةً لِلرَّبِّ أَزَلًا وَأَبَدًا، عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَجَمَاهِيرِ (¬4) الْعُقَلَاءِ كَذِبًا صَرِيحًا. كَمَا يَصْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي لَفْظِ (الْإِحْدَاثِ) ، فَإِنَّ الْإِحْدَاثَ مَعْنَاهُ مَعْقُولٌ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَهُوَ مِمَّا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَاتِ كُلِّهَا، وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا لَهُمْ وَضْعًا (¬5) مُبْتَدَعًا، فَقَالُوا: الْحُدُوثُ يُقَالُ: عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: زَمَانِيٌّ، وَمَعْنَاهُ حُصُولُ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ فِي زَمَانٍ سَابِقٍ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ مُسْتَنِدًا إِلَى ذَاتِهِ (¬6) ، بَلْ إِلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِنَادُ مَخْصُوصًا بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ كَانَ مُسْتَمِرًّا فِي [كُلِّ] (¬7) الزَّمَانِ قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْحُدُوثُ (¬8) الذَّاتِيُّ. ¬

(¬1) وَمَلِيكُهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) هَذِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: وَمُسْتَنَدُنَا لِذَلِكَ. (¬4) ن، م: وَجُمْهُورِ (¬5) ن: لَفْظًا ; م: وَصْفًا. (¬6) ب: أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّيْءِ مُسْتَنَدٌ إِلَى ذَاتِهِ ; أ: أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّيْءِ مُسْتَنَدًا إِلَى ذَاتِهِ. (¬7) كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: الْحَادِثُ.

وَكَذَلِكَ (الْقِدَمُ) فَسَّرُوهُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَجَعَلُوا الْقِدَمَ (¬1) بِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْوُجُوبِ قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ الْحُدُوثِ الذَّاتِيِّ أَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ لِذَاتِهِ، فَإِنَّهُ لِذَاتِهِ (¬2) يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ، وَمِنْ غَيْرِهِ يَسْتَحِقُّ الْوُجُودَ، وَمَا (¬3) بِالذَّاتِ أَقْدَمُ مِمَّا بِالْغَيْرِ، فَالْعَدَمُ فِي حَقِّهِ (¬4) أَقْدَمُ مِنَ الْوُجُودِ تَقَدُّمًا بِالذَّاتِ، فَيَكُونُ مُحْدَثًا [حُدُوثًا] (¬5) ذَاتِيًّا. وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِمُ الرَّازِيُّ سُؤَالًا: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمُمْكِنُ يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ مِنْ ذَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ الْعَدَمَ مِنْ ذَاتِهِ لَكَانَ مُمْتَنِعًا لَا مُمْكِنًا، بَلِ الْمُمْكِنُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ مَعْرُوفٌ، بَلْ كَمَا أَنَّ الْمُمْكِنَ يَسْتَحِقُّ الْوُجُودَ مِنْ وُجُودِ عِلَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ مِنْ عَدَمِ عِلَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ مِنَ الْغَيْرِ (¬6) ، وَلَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْمَاهِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا تَقَدُّمٌ عَلَى الْآخَرِ، فَإِذَنْ لَا يَكُونُ لِعَدَمِهِ تَقَدُّمٌ ذَاتِيٌّ عَلَى وُجُودِهِ. قَالَ: (¬7) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ [هُوَ] (¬8) إِنَّ الْمُمْكِنَ يَسْتَحِقُّ مِنْ ¬

(¬1) أ، ب: الْقَدِيمَ. (¬2) لِذَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن (فَقَطْ) : وَأَمَّا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن: فَالْقِدَمُ فِي حَقِّهِ ; م: فَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّهِ. (¬5) حُدُوثًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: مِنَ الْعَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) لَمْ يُبَيِّنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مَنِ الْقَائِلِ، وَالْكَلَامُ التَّالِي لَيْسَ كَلَامَ الرَّازِيِّ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْبُرْهَانِ السَّابِعِ، وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِثْلِ الْآمِدِيِّ أَوْ غَيْرِهِ. (¬8) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

ذَاتِهِ لَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَهَذِهِ اللَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ. (¬1) وَصْفٌ عَدَمِيٌّ سَابِقٌ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، فَتَقَرَّرَ (¬2) الْحُدُوثُ الذَّاتِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) . فَيُقَالُ: هَذَا السُّؤَالُ سُؤَالٌ صَحِيحٌ يُبَيِّنُ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ مَعَ مَا سَلَّمَهُ لَهُمْ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ غَيْرَ الْوُجُودِ الثَّابِتِ فِي الْخَارِجِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَمَبْنِيٌّ [أَيْضًا] (¬3) عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُمْكِنِ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ عِلَّتِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ (¬4) لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ ذَاتِهِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا. فَيُقَالُ: إِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلْعَدَمِ بِحَالٍ، فَإِنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَقْتَضِ وُجُودَهُ وَلَا عَدَمَهُ، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ اقْتَضَى وُجُودَهُ، وَلَمْ يَقْتَضِ عَدَمَهُ، فَيَبْقَى الْعَدَمُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا مِنْ مَوْجُودٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْوُجُودِ، فَلَا يَكُونُ عَدَمُهُ سَابِقًا لِوُجُودِهِ بِحَالٍ. وَقَوْلُهُ: (اللَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ. (¬5) وَصْفٌ عَدَمِيٌّ) ، جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْعَدَمِيَّ هُوَ عَدَمُ النَّقِيضَيْنِ جَمِيعًا: الْوُجُودُ، وَالْعَدَمُ لَيْسَ هُوَ عَدَمُ الْوُجُودِ فَقَطْ، وَالنَّقِيضَيْنِ [لَا يَرْتَفِعَانِ كَمَا] (¬6) لَا يَجْتَمِعَانِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: [إِنَّ] (¬7) ارْتِفَاعَ النَّقِيضَيْنِ جَمِيعًا سَابِقٌ (¬8) لِوُجُودِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ ¬

(¬1) ن، م، أ: وَهَذِهِ الِاسْتِحْقَاقِيَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَتَرِدُ الْعِبَارَةُ بَعْدَ سُطُورٍ كَمَا أَثْبَتُّهَا هُنَا. (¬2) ن: فَتَقَدَّرَ ; م: فَيُقَدِّرَ. (¬3) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ن: الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ ; م: الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ، وَعَلَى " مِنْهُ " شَطْبٌ. (¬5) ن، أ: لَا اسْتِحْقَاقِيَّةَ ; م: لِاسْتِحْقَاقِيَّةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) ن، م: سَابِقَانِ.

النَّقِيضَيْنِ مِنْهُ، فَهَذَا حَقٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ سَبْقُ أَحَدِهِمَا: لِلْآخَرِ. وَهُمْ يَقُولُونَ: عَدَمُهُ سَابِقٌ لِوُجُودِهِ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ دَائِمًا فَعَلِمْتَ أَنَّهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمُمْكِنَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَدَمٌ يَسْبِقُ وُجُودَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُمْ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا التَّنَاقُضِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَلَكِنَّ الْإِمْكَانَ الَّذِي أَثْبَتَهُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ، وَأَثْبَتَهُ قُدَمَاؤُهُمْ - أَرِسْطُو، وَأَتْبَاعُهُ - هُوَ إِمْكَانُ أَنْ يُوجَدَ الشَّيْءُ وَأَنْ يَعْدَمَ، وَهَذَا الْإِمْكَانُ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ سَبْقًا حَقِيقِيًّا، فَإِنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ مُحْدَثٍ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَبَسْطُ هَذِهِ [الْأُمُورِ] لَهُ (¬1) مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُمْ أَفْسَدُوا الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ بِمَا أَدْخَلُوهُ فِيهَا مِنَ الْقَرْمَطَةِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، كَمَا أَفْسَدُوا الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ (¬2) بِمَا أَدْخَلُوهُ فِيهَا مِنَ السَّفْسَطَةِ وَقَلْبِ الْحَقَائِقِ الْمَعْقُولَةِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ وَتَغْيِيرِ فِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا يَسْتَعْمِلُونَ الْأَلْفَاظَ الْمُجْمَلَةَ وَالْمُتَشَابِهَةَ ; لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي التَّلْبِيسِ وَالتَّمْوِيهِ مِثْلُ لَفْظِ (التَّأْثِيرِ) ، (وَالِاسْتِنَادِ) لِيَقُولُوا: ثَبَتَ أَنَّ (¬3) مَا هُوَ مُمْكِنُ الثُّبُوتِ لِمَا هُوَ هُوَ يَجُوزُ (¬4) اسْتِنَادُهُ إِلَى مُؤَثِّرٍ يَكُونُ دَائِمَ الثُّبُوتِ مَعَ الْأَثَرِ، وَالْمُرَادُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ عَدَمٌ لَازِمٌ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ أَنَّهُ مُبْدَعٌ لِمُبْدِعٍ وَمَخْلُوقٌ لِخَالِقٍ، فَأَيْنَ هَذَا الِاسْتِنَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِنَادِ. وَأَيْنَ هَذَا التَّأْثِيرُ مِنْ هَذَا التَّأْثِيرِ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ (¬5) : أَنْ يُقَالَ: حَقِيقَةُ هَذِهِ الْحُجَّةِ هِيَ قِيَاسٌ مُجَرَّدٌ بِتَمْثِيلٍ ¬

(¬1) ن، م: وَبَسْطُ هَذَا لَهُ. (¬2) ن (فَقَطْ) : الْقَطْعِيَّةَ. (¬3) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: بِجَوَازِ ; ن، ش: يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَاهُ. (¬5) ن، م: السَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

البرهان الثامن والرد عليه

مُجَرَّدٍ خَالٍ عَنِ الْجَامِعِ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي فِعْلِ الرَّبِّ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ عَدَمٍ، كَمَا أَنَّ صِفَاتِهِ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ بِلَا سَبْقِ عَدَمٍ، وَصَاغَ ذَلِكَ بِقِيَاسِ شُمُولٍ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ التَّأْثِيرَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ الْعَدَمِ) . فَيُقَالُ لَهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرِكًا. كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْتَهُ مِنَ اللَّفْظِ، بَلْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرِكًا يَخُصُّهُمَا، بَلِ الْقَدَرُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي بَيْنَهُمَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ لَازِمٍ لِكُلِّ مَلْزُومٍ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ لَازِمٍ مَفْعُولًا لِمَلْزُومِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرِكًا، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَنَاطُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ حَتَّى يُلْحَقَ بِهِ الْفَرْعُ. وَإِنِ ادَّعَى ذَلِكَ دَعْوًى كُلِّيَّةً، وَصَاغَهُ بِقِيَاسِ (¬1) شُمُولٍ قِيلَ لَهُ: الدَّعْوَى الْكُلِّيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِالْمِثَالِ الْجُزْئِيِّ، فَهَبْ أَنَّ مَا ذَكَرْتَهُ فِي الْأَصْلِ أَحَدُ أَفْرَادِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ سَائِرَ أَفْرَادِهَا كَذَلِكَ؟ غَايَتُكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قِيَاسِ التَّمْثِيلِ، وَلَا حُجَّةَ مَعَكَ عَلَى صِحَّتِهِ هُنَا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا نَذْكُرُ نَحْنُ الْفُرُوقَ الْكَثِيرَةَ الْمُؤَثِّرَةَ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ. [الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ والرد عليه] قَالَ الرَّازِيُّ: (الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ: لَوَازِمُ الْمَاهِيَّةِ مَعْلُولَةٌ لَهَا، وَهِيَ غَيْرُ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا زَمَانًا، فَإِنَّ كَوْنَ الْمُثَلَّثِ مُسَاوِيِ الزَّوَايَا لِقَائِمَتَيْنِ لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ مُثَلَّثٌ، وَهَذَا الِاقْتِضَاءُ (¬2) مِنْ لَوَازِمِ الْمُثَلَّثِ (¬3) ، بَلْ نَزِيدُ فَنَقُولُ: إِنَّ الْأَسْبَابَ مُقَارِنَةٌ ¬

(¬1) ن، م: قِيَاسَ. (¬2) ن: وَهُوَ الِاقْضَاءُ ; م: وَهُوَ الِاقْتِضَاءُ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬3) تَمَامُ الْكَلَامِ فِي ش (ص [0 - 9] 91) : لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ مُثَلَّثٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَمْرٍ مُنْفَصِلٍ لَصَحَّ أَنْ يُوجَدَ الْمُثَلَّثُ لَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. ثُمَّ إِنَّ اقْتِضَاءَ الْمَاهِيَّاتِ لِهَذِهِ اللَّوَازِمِ لَيْسَ بَعْدَ تَقَدُّمِ زَمَانٍ وُجِدَتْ فِيهِ عَارِيَةً عَنْ هَذَا الِاقْتِضَاءِ، فَإِنَّا لَا نَفْرِضُ زَمَانًا إِلَّا وَالْمُثَلَّثُ يَقْتَضِي هَذَا الِاقْتِضَاءَ، بَلْ نَزِيدُ فَنَقُولُ. إِلَخْ.

لِمُسَبَّبَاتِهَا مِثْلَ الْإِحْرَاقِ يَكُونُ مُقَارِنًا لِلِاحْتِرَاقِ، وَالْأَلَمِ عَقِيبِ (¬1) سُوءِ الْمَزَاجِ، أَوْ تَفَرُّقِ الِاتِّصَالِ، بَلْ نَذْكُرُ شَيْئًا لَا يُنَازِعُونَ فِيهِ (¬2) لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الْغَرَضِ، وَهُوَ كَوْنُ الْعِلْمِ عِلَّةً لِلْعَالِمِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ لِلْقَادِرِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ (¬3) يُوجَدُ مُقَارِنَةً لِآثَارِهَا غَيْرَ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَيْهَا. (¬4) فَعَلِمْنَا أَنَّ مُقَارَنَةَ الْأَثَرِ وَالْمُؤَثِّرِ فِي الزَّمَانِ لَا تُبْطِلُ جِهَةَ الِاسْتِنَادِ وَالْحَاجَةِ) . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ أُرِيدَ بِالْمَاهِيَّةِ (¬5) مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ مِثْلَ الْمُثَلَّثَاتِ الْمَوْجُودَةِ فَصِفَاتُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ (¬6) اللَّازِمَةِ لَهَا لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْهَا، بَلِ الْفَاعِلُ لِلْمَلْزُومِ هُوَ الْفَاعِلُ لِلصِّفَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِعْلُهُ لِأَحَدِهِمَا: بِدُونِ الْآخَرِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَوْصُوفَ عِلَّةٌ لِلَازِمِهِ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْعِلَّةِ أَنَّهُ مَلْزُومٌ، فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ فَاعِلٌ أَوْ مُبْدِعٌ أَوْ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ فَقَوْلُهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةَ بِالْمَوْصُوفِ اللَّازِمَةَ لَهُ إِنَّمَا يَفْعَلُهَا مَنْ فَعَلَ الْمَوْصُوفَ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ فِعْلُهُ لِلْمَوْصُوفِ بِدُونِ فِعْلِهِ لِصِفَتِهِ اللَّازِمَةِ [لَهُ] (¬7) ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَاهِيَّةِ مَا يُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ، فَتِلْكَ صُورَةٌ (¬8) عِلْمِيَّةٌ، وَالْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْخَارِجِيَّةِ، ¬

(¬1) أ، ب: عَقِبِ. (¬2) ش (ص [0 - 9] 91) : بَلْ نَذْكُرُ شَيْئًا (مِمَّا) لَا يُنَازِعُونَ فِيهِ. (¬3) ن، م: وَكَذَلِكَ ; ش: فَكُلُّ ذَلِكَ. (¬4) أ: يُوجَدُ مُقَارِنًا لِآثَارِهَا غَيْرَ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَيْهَا ; ب: يُوجَدُ مُقَارِنًا لِآثَارِهَا غَيْرَ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهَا. (¬5) أ، ب: بِالْمَاهِيَّاتِ. (¬6) الْمَاهِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) أ، ب: صُوَرٌ.

فَالْفَاعِلُ لِلْمَلْزُومِ هُوَ الْفَاعِلُ لِلَازِمِهِ لَمْ يَكُنِ الْمَلْزُومُ عِلَّةً فَاعِلَةً لِلَّازِمِ. وَقَوْلُهُمْ: (هَذَا الِاقْتِضَاءُ مِنْ لَوَازِمِ الْمُثَلَّثِ) إِنْ أَرَادُوا بِالِاقْتِضَاءِ وَالتَّعْلِيلِ الِاسْتِلْزَامَ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ (¬1) ، فَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ، وَأَمَّا الْأَسْبَابُ وَالْمُسَبَّبَاتُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ. كَمَا فِي سُوءِ الْمَزَاجِ وَالْأَلَمِ، فَمَنِ الَّذِي سَلَّمَ أَنَّ زَمَانَهُمَا وَاحِدٌ؟ . وَالْمُسْتَدِلُّونَ أَنْفُسُهُمْ قَدْ قَالُوا فِي حُجَّتِهِمْ: إِنَّ وُجُودَ الْأَلَمِ عَقِبَ سُوءِ الْمَزَاجِ، وَمَا يُوجَدُ عَقِبَ الشَّيْءِ يَكُونُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ، لَكِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ بِلَا فَصْلٍ، لَكِنْ لَا يَكُونُ مَعَهُ فِي الزَّمَانِ، فَإِنَّ مَا مَعَ الشَّيْءِ فِي الزَّمَانِ لَا يُقَالُ: إِنَّهُ [إِنَّمَا] (¬2) يُوجَدُ عَقِبَهُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ الْأَسْبَابِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ زَمَانَ وُجُودِهَا كُلِّهَا هُوَ زَمَانُ وُجُودِ الْمُسَبَّبَاتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ تَقَدُّمٍ زَمَانِيٍّ (¬3) ، وَكَذَلِكَ الْكَسْرُ وَالِانْكِسَارُ وَالْإِحْرَاقُ وَالِاحْتِرَاقُ، فَإِنَّ الْكَسْرَ هُوَ فِعْلُ الْكَاسِرِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ مِثْلُ الْحَرَكَةِ الْقَائِمَةِ بِالْإِنْسَانِ وَالِانْكِسَارَ هُوَ التَّفَرُّقُ الْحَاصِلُ بِالْمَكْسُورِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِحَرَكَةٍ فِي زَمَانٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ زَمَانَ تِلْكَ الْحَرَكَةِ قَبْلَ زَمَانِ هَذِهِ لَكِنْ قَدْ يَتَّصِلُ الزَّمَانُ بِالزَّمَانِ، وَالْمُتَّصِلُ يُقَالُ: إِنَّهُ مَعَهُ لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ [مَا يَكُونُ زَمَانُهُمَا وَاحِدًا] (¬4) ، وَمَا يَكُونُ زَمَانُهُمَا مُتَعَاقِبًا. وَمِنَ الْأَسْبَابِ مَا يَقْتَضِي مُسَبَّبَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِذَا كَمُلَ السَّبَبُ كَمُلَ مُسَبَّبُهُ مِثْلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَعَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَالسُّكْرِ، فَكُلَّمَا حَصَلَ بَعْضُ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : لَازِمَةٌ. (¬2) إِنَّمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن (فَقَطْ) : زَمَانَ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

الْأَكْلِ حَصَلَ جُزْءٌ مِنَ الشِّبَعِ [لَا يَحْصُلُ الْمُسَبَّبُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ السَّبَبِ لَا مَعَهُ] (¬1) . وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالْفَلْسَفَةِ وَغَيْرِهِمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّ الْمُسَبَّبَ يَحْصُلُ عَقِبَ السَّبَبِ، وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ [وَجَمَاهِيرُهُمْ] (¬2) عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ: إِذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ، أَوْ طَالِقٌ، [أَوْ غَيْرُهُمَا] (¬3) أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ الْمُسَبَّبُ عَقِبَ الْمَوْتِ لَا مَعَ الْمَوْتِ، وَشَذَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَظَنَّ حُصُولَ الْجَزَاءِ مَعَ السَّبَبِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ، وَأَنَّ الْمَعْلُولَ يَحْصُلُ زَمَنَ الْعِلَّةِ. وَلَفْظُ (الْعِلَّةِ) مُجْمَلٌ يُرَادُ بِهِ الْمُؤَثِّرُ فِي الْوُجُودِ، وَيُرَادُ بِهِ الْمَلْزُومُ، فَإِذَا سَلِمَ الِاقْتِرَانُ. (¬4) فِي الثَّانِي لَمْ يَسْلَمِ الِاقْتِرَانُ. (¬5) فِي الْأَوَّلِ، فَلَا يُعْرَفُ فِي الْوُجُودِ مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِ غَيْرِهِ مُقَارِنٌ لَهُ فِي الزَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، [بَلْ] (¬6) لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ زَمَانًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ وُجُودُهُ بَعْدَ عَدَمٍ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْفَلَاسِفَةُ الْعَدَمَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبَادِئِ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَهُمْ. وَمِمَّا يُمَثِّلُونَ بِهِ حُصُولَ الصَّوْتِ مَعَ الْحَرَكَةِ كَالطَّنِينِ مَعَ [النَّقْرَةِ] (¬7) ، وَأَنَّ الْمُسَبَّبَ هُنَا مَعَ السَّبَبِ، وَهَذَا أَيْضًا مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ وُجُودَ الْحَرَكَةِ الَّتِي هِيَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) : لَا يَحْصُلُ السَّبَبُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْمُسَبَّبِ لَا مَعَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬2) وَجَمَاهِيرُهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) . (¬3) أَوْ غَيْرُهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) . (¬4) ن (فَقَطْ) : الِافْتِرَاقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن (فَقَطْ) : الِافْتِرَاقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) ن (فَقَطْ) : الْبَقَرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

سَبَبُ الصَّوْتِ يَتَقَدَّمُ وُجُودَ الصَّوْتِ، [وَإِنْ كَانَ وُجُودُ الصَّوْتِ] (¬1) مُتَّصِلًا بِوُجُودِ الْحَرَكَةِ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ أَوَّلُ زَمَنِ الْحَرَكَةِ يَكُونُ أَوَّلَ زَمَنِ الصَّوْتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَرَكَةِ وَالصَّوْتِ يَعْقِبُهَا، وَلِهَذَا يُعْطَفُ الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ بِحَرْفِ الْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ، فَيُقَالُ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ، وَقَطَعْتُهُ فَانْقَطَعَ، وَيُقَالُ: ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فَمَاتَ، أَوْ فَقَتَلْتُهُ، وَأَكَلَ فَشَبَعَ، وَشَرِبَ فَرَوِيَ، وَأَكَلَ حَتَّى شَبَعَ، وَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْكَسْرُ وَالْقَطْعُ فِعْلٌ يَقُومُ بِالْفَاعِلِ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِآلَةٍ مَعَهُ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْأَثَرُ انْكَسَرَ وَانْقَطَعَ، فَأَحَدُهُمَا يَعْقِبُ الْآخَرَ لَا يَكُونُ أَوَّلُ زَمَانِ هَذَا أَوَّلَ زَمَانِ هَذَا وَلَا آخِرُ زَمَانِ هَذَا آخِرَ زَمَانِ هَذَا، بَلْ يَتَقَدَّمُ زَمَانُ السَّبَبِ، وَيَتَأَخَّرُ زَمَانُ الْمُسَبَّبِ. وَلِهَذَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْمُسَبَّبِ الْمُتَوَلِّدِ عَنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ فِعْلُهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ فِعْلُ الرَّبِّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْإِنْسَانُ مُشَارِكٌ فِي فِعْلِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِفِعْلِهِ وَبِسَبَبٍ آخَرَ، مِثْلُ خُرُوجِ السَّهْمِ مِنَ الْقَوْسِ، وَمِثْلُ حُصُولِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. وَلَوْلَا تَقَدُّمُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لَمْ يَحْصُلْ هَذَا النِّزَاعُ، فَإِنَّ السَّبَبَ حَاصِلٌ فِي الْعَبْدِ فِي مَحَلِّ قُدْرَتِهِ وَحَرَكَتِهِ، وَالْمُسَبَّبُ حَاصِلٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ قُدْرَتِهِ وَحَرَكَتِهِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَرَكَةُ الْكُمِّ مَعَ حَرَكَةِ الْيَدِ وَحَرَكَةُ آخِرِ الْحَبْلِ مَعَ حَرَكَةِ أَوَّلِهِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي الْوُجُودِ مَفْعُولًا يَكُونُ زَمَانُهُ زَمَانَ فَاعِلِهِ بِلَا (¬2) ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: لَا.

البرهان التاسع والرد عليه

تَأَخُّرٍ أَصْلًا لَا مَعَ الِاتِّصَالِ، وَلَا مَعَ الِانْفِصَالِ، كَمَا يَدَّعُونَهُ فِي فِعْلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكِهِ مِنْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ مُقَارِنَةً لَهُ فِي الزَّمَانِ، زَمَانُ وُجُودِهَا هُوَ زَمَانُ وُجُودِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الزَّمَانِ أَلْبَتَّةَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْعِلْمِ عِلَّةً لِلْعَالِمِيَّةِ، فَهَذَا أَوَّلًا قَوْلُ مُثْبِتِيِ الْأَحْوَالِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى (¬1) ، وَقَبْلَهُمَا أَبُو هَاشِمٍ، وَجُمْهُورُ النُّظَّارِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْعَالِمِيَّةُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَعَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ فَلَا يَقُولُونَ إِنَّ الْعِلْمَ هُنَا عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ لَا بِإِرَادَةٍ، وَلَا بِذَاتٍ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، بَلِ الْمَعْلُولُ عِنْدَهُمْ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُودِ فَقَطْ، وَمَعْنَى الْعِلَّةِ عِنْدَهُمُ الِاسْتِلْزَامُ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. [الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ والرد عليه] قَالَ الرَّازِيُّ: (الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ: هُوَ أَنَّ الشَّيْءَ حَالَ اعْتِبَارِ وَجُودِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِامْتِنَاعِ عَدَمِهِ مَعَ وُجُودِهِ (¬2) ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي حَالِ عَدَمِهِ وَاجِبُ الْعَدَمِ لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا (¬3) ، وَالْحُدُوثُ عِبَارَةٌ عَنْ تُرَتُّبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَاهِيَّةُ. (¬4) [فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ] (¬5) ¬

(¬1) أ، ب: كَالْقَاضِيَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي يَعْلَى. (¬2) لِامْتِنَاعِ عَدَمِهِ مَعَ وُجُودِهِ: عِبَارَةُ الرَّازِيِّ فِي ش (ص [0 - 9] 91) : " فَإِنَّ الشَّيْءَ حَالَ وُجُودِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا ". (¬3) ش: " وَكَذَلِكَ حَالَ عَدَمِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَعْدُومٌ يَكُونُ وَاجِبَ الْعَدَمِ، لِأَنَّهُ حَالَ الْعَدَمِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا ". (¬4) ش:. . عَنْ تَرَتُّبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ لَوْ نَظَرْنَا إِلَيْهِمَا وَأَخَذْنَا الْمَاهِيَّةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا فِي حَالَةٍ كَذَلِكَ وَفِي حَالَةٍ أُخْرَى كَذَلِكَ، كَانَتِ الْمَاهِيَّةُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ عَلَى كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ وَاجِبَةً وَالْمَاهِيَّةُ. إِلَخْ. (¬5) الْحَالَتَيْنِ: كَذَا فِي ش (ص 492) ; (أ) ، (ب) : الصِّفَتَيْنِ (وَهُوَ خَطَأٌ) ; ن، م: سَاقِطَةٌ.

عَلَى كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ وَاجِبَةً، فَالْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى مُؤَثِّرٍ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ (¬1) مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبٌ يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ (¬2) إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَإِذَنْ (¬3) الْحُدُوثُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ (¬4) تُعْتَبَرِ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَمْ يَرْتَفِعِ الْوُجُوبُ، أَيْ وُجُوبُ الْوُجُودِ فِي زَمَنِهِ، وَوُجُوبُ الْعَدَمِ فِي زَمَنِهِ، وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ [لَا] (¬5) يَحْتَاجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحُدُوثَ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا الْمُحْوَجُ هُوَ الْإِمْكَانُ) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ مُغَالَطَاتٍ مُتَعَدِّدَةً، وَجَوَابُهَا مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَاجِبُ الْوُجُودِ لَكِنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ [لَا] (¬6) يُنَاقِضُ كَوْنَهُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْفَاعِلِ مَفْعُولًا لَهُ مُحْدِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِذَا (¬7) لَمْ يَكُنْ هَذَا الْوُجُوبُ مَانِعًا مِمَّا (¬8) يَسْتَلْزِمُ افْتِقَارَهُ إِلَى الْفَاعِلِ لَمْ يَمْتَنِعْ كَوْنُهُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْفَاعِلِ مَعَ هَذَا الْوُجُوبِ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: (الْحُدُوثُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرَتُّبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ) يُقَالُ لَهُ: الْحُدُوثُ يَتَضَمَّنُ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ وُجِدَ بِفَاعِلٍ أَوْجَدَهُ هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ إِيجَادِهِ لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ¬

(¬1) أ، ب، ن، م: الْوَاجِبَ ; ش: الشَّيْءَ. (¬2) ش، أ، ب، م: اسْتِنَادُهُ ; ن: إِسْنَادُهُ. (¬3) ش، ن، م: فَإِذَنْ، أ، ب: فَإِنَّ. (¬4) أ، ب، ن، م: فَإِنْ لَمْ ; ش: فَإِذَنْ مَا لَمْ. (¬5) لَا: سَاقِطَةٌ مِنَ النُّسَخِ الْأَرْبَعِ وَأَثْبَتُّهَا مِنْ (ش) 1/492. (¬6) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) م: فَإِنْ ; أ، ب: وَإِذَا. (¬8) ب (فَقَطْ) : مَا.

مَوْجُودًا، فَالْحُدُوثُ يَتَضَمَّنُ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ، وَإِذَا كَانَ الْحُدُوثُ مُتَضَمِّنًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، [أَوْ] (¬1) مُسْتَلْزِمًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَمْنَعُ لَازِمَهُ (¬2) ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ ضِدَّهُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: (الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ (¬3) وَاجِبٌ يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ) مَمْنُوعٌ، بَلِ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ هُوَ الَّذِي يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ (¬4) إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، بَلْ نَفْسُ كَوْنِهِ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ يَتَضَمَّنُ اسْتِنَادَهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الْوُجُوبَ بِالْغَيْرِ يَمْنَعُ الِاسْتِنَادَ إِلَى الْغَيْرِ. وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُرِيدُ الْوَاجِبَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إِلَّا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا أَخَذَ مُطْلَقًا عَنِ الْقَيْدَيْنِ (¬5) ، فَهُوَ أَمْرٌ يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ لَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ. ثُمَّ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَاجِبَ إِذَا أُخِذَ مُطْلَقًا يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، بَلِ الْوَاجِبُ إِذَا أُخِذَ مُطْلَقًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُؤَثِّرَ، [وَلَا يَنْفِي (* الْمُؤَثِّرَ] (¬6) ، فَإِنَّ مِنَ الْوَاجِبِ مَا يَسْتَلْزِمُ الْمُؤَثِّرَ، وَهُوَ الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ، وَمِنْهُ مَا يَنْفِيهِ، وَهُوَ *) (¬7) الْوَاجِبُ ¬

(¬1) أَوْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن (فَقَطْ) : فَإِنَّ الشَّيْءَ يَمْنَعُ لَازِمَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن (فَقَطْ) : مِنْ حَيْثُ مَا هُوَ. (¬4) ن (فَقَطْ) : يَمْنَعُ إِسْنَادَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) ن، م: عَنِ الْقَيْدِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.

بِنَفْسِهِ، وَصَارَ هَذَا كَاللَّوْنِ إِذَا أُخِذَ مُجَرَّدًا لَا يَسْتَلْزِمُ السَّوَادَ، وَلَا يَنْفِيهِ، وَالْحَيَوَانُ إِذَا أُخِذَ مُجَرَّدًا لَا يَسْتَلْزِمُ النُّطْقَ. وَلَا يَنْفِيهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَعَانِي الْعَامَّةِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الْأَجْنَاسِ إِذَا أُخِذَتْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ لَمْ تَكُنْ (¬1) مُسْتَلْزِمَةً لِذَلِكَ، وَلَا مَانِعَةً مِنْهُ. الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: (الْحُدُوثُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُدُوثٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ) (¬2) مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَالْعِلْمُ بِفَسَادِ ذَلِكَ أَظْهَرُ مِنَ الْعِلْمِ بِفَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْإِمْكَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِمْكَانٌ مَانِعٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّ عِلْمَ النَّاسِ بِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ أَظْهَرُ، وَأَبْيَنُ مِنْ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا قَبْلَ (¬3) الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ، فَإِذَا كَانَتِ الْحُجَّةُ النَّافِيَةُ لِهَذَا سُوفُسْطَائِيَّةً، فَتِلْكَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ سُوفُسْطَائِيَّةً. الْخَامِسُ: أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ فِي الْخَارِجِ مَاهِيَّةً غَيْرَ الْوُجُودِ الْحَاصِلِ فِي الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ (¬4) يَعْتَقِبُ عَلَيْهَا الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ وَبَاطِلٌ. السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ، فَالْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا تَسْتَحِقُّ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا، وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى فَاعِلٍ، فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ يَقُولُ الْمَاهِيَّاتُ غَيْرُ مَجْعُولَةٍ وَأَنَّ (¬5) الْمَجْعُولَ اتِّصَافُهَا (¬6) بِالْوُجُودِ، وَإِنَّمَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْفَاعِلِ إِذَا كَانَتْ ¬

(¬1) أ، ب: تُجْعَلْ. (¬2) كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَ (إِلَى الْمُؤَثِّرِ) لَيْسَتْ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا، كَمَا تَقَدَّمَ. (¬3) أ، ب: يَقْبَلُ. (¬4) أ، ب: وَأَنَّ. (¬5) أ، ب: وَإِنَّمَا. (¬6) ن، م: أَيْضًا فِيهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

مَوْجُودَةً، وَإِذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَوُجُودُهَا وَاجِبٌ فَعُلِمَ أَنَّ افْتِقَارَهَا إِلَى الْفَاعِلِ فِي حَالِ وُجُوبِ وَجُودِهَا بِالْغَيْرِ (¬1) ، لَا فِي الْحَالِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّ فِيهَا وُجُودًا وَلَا عَدَمًا. السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ ثَابِتَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ (¬2) هِيَ هِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كَوْنِهَا أَزَلِيَّةً، بَلْ وَلَا عَلَى إِمْكَانِ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِافْتِقَارُ لَا يَثْبُتُ لَهَا إِلَّا مَعَ الْحُدُوثِ، وَلِكَوْنِ الْحُدُوثِ شَرْطًا فِي هَذَا الِافْتِقَارِ (¬3) . الثَّامِنُ: أَنَّا إِذَا سَلَّمْنَا أَنَّ عِلَّةَ الِافْتِقَارِ إِلَى الْفَاعِلِ هُوَ الْإِمْكَانُ، فَالْإِمْكَانُ الَّذِي يَعْقِلُهُ الْجُمْهُورُ إِمْكَانُ أَنْ يُوجَدَ الشَّيْءُ، وَإِمْكَانُ أَنْ يَعْدَمَ الشَّيْءُ (¬4) ، وَهَذَا الْإِمْكَانُ مُلَازِمٌ لِلْحُدُوثِ، فَلَا يُعْقَلُ إِمْكَانُ كَوْنِ الشَّيْءِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إِلَى الْفَاعِلِ، وَهَذَا هُوَ (¬5) الَّذِي يَدَّعُونَهُ. التَّاسِعُ: أَنَّهُمْ إِذَا جَعَلُوا الْوُجُوبَ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ وُجُوبًا حَادِثًا، فَالْوُجُوبُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ (¬6) أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الِاسْتِنَادِ إِلَى الْغَيْرِ، وَالْأَفْلَاكُ عِنْدَهُمْ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَوُجُوبُ ذَلِكَ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : بِالْعَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م، أ، ب: وَأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ. (¬3) أ، ب: وَلَكِنْ لِلْحُدُوثِ شُرُوطًا فِي هَذَا الِافْتِقَارِ. (¬4) الشَّيْءُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬5) ن (فَقَطْ) : وَهُوَ هُوَ. (¬6) ن: الْأَزَلِيُّ الْقَدِيمُ ; م: الْقَدِيمُ الْأَوَّلِيُّ.

بِغَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْوُجُوبُ لَازِمًا (¬1) لِلْمَاهِيَّةِ، وَالْوُجُوبُ مَانِعٌ مِنْ الِافْتِقَارِ إِلَى الْغَيْرِ كَانَ لَازِمُ الْمَاهِيَّةِ مَانِعًا لَهَا مِنْ الِافْتِقَارِ، فَلَا تَزَالُ الْمَاهِيَّةُ الْقَدِيمَةُ مَمْنُوعَةً مِنْ الِافْتِقَارِ إِلَى الْغَيْرِ (¬2) ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَفْتَقِرَ إِلَى الْغَيْرِ أَبَدًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ، وَأَنَّ مَا كَانَ قَدِيمًا (¬3) يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا. الْعَاشِرُ: أَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْإِمْكَانَ هُوَ الْمُحْوِجُ إِلَى الْغَيْرِ (¬4) الْمُؤَثِّرِ، فَالتَّأْثِيرُ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَوْجُودًا وَإِبْدَاعُ وُجُودِهِ جَعْلُ (¬5) مَا يُمْكِنُ عَدَمَهُ مَوْجُودًا لَا يُعْقَلُ إِلَّا بِإِحْدَاثِ وُجُودٍ لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِلَّا فَمَا كَانَ وُجُودُهُ وَاجِبًا أَزَلِيًّا يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ لَا يُعْقَلُ حَاجَتُهُ إِلَى مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْجُودًا، وَإِذَا قَالُوا: هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا (¬6) يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ، وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ غَيْرَهُ هُوَ الَّذِي أَبْدَعَهُ، وَجَعَلَهُ مَوْجُودًا، وَإِنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، فَقَدْ جَمَعُوا فِي كَلَامِهِمْ مِنَ التَّنَاقُضِ أَعْظَمَ مِمَّا يَذْكُرُونَهُ عَنْ (¬7) غَيْرِهِمْ. الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَاجَةِ إِلَى الْفَاعِلِ لَكَانَ كُلُّ مُمْكِنٍ مَوْجُودًا، كَمَا أَنَّا إِذَا قُلْنَا: الْحُدُوثُ هُوَ الْمُحْوِجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ كَانَ كُلُّ مُحْدَثٍ مَوْجُودًا ; لِأَنَّ (¬8) الْمُحْتَاجَ إِلَى الْفَاعِلِ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذَا فَعَلَهُ الْفَاعِلُ، وَإِلَّا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ، وَإِذَا فَعَلَهُ الْفَاعِلُ لَزِمَ ¬

(¬1) ن، م: مُلَازِمًا. (¬2) يُوجَدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَكْرَارٌ وَنَقْصٌ فِي نُسْخَةِ (ن) . (¬3) أ: وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا ; ب: وَأَنَّ كُلَّ قَدِيمٍ. (¬4) الْغَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: فَالتَّأْثِيرُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّيْءَ مَوْجُودًا وَأَبْدَعَ وُجُودَهُ وَجَعَلَ. (¬6) ن: أَبَدًا وَأَزَلًا. (¬7) ن: مِنْ. (¬8) ن: لَا أَنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

البرهان العاشر والرد عليه

وُجُودُهُ، فَيَلْزَمُ وُجُودُ كُلِّ مُمْكِنٍ، وَهُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ [الْعَقْلِ] (¬1) . فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ (¬2) الْمُمْكِنَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِفَاعِلٍ قِيلَ: فَيَكُونُ الْإِمْكَانُ مَعَ الْوُجُودِ يَسْتَلْزِمُ الْحَاجَةَ إِلَى الْفَاعِلِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُونَ إِلَى بَيَانِ أَنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُ (¬3) وُجُودِ الْمُمْكِنِ أَزَلِيًّا، وَأَنَّ الْفَاعِلَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ أَزَلِيًّا، وَهَذَا إِذَا أَثْبَتُّمُوهُ لَمْ تَحْتَاجُوا إِلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ لَا تَثْبُتُ حَاجَةُ الْمُمْكِنِ إِلَى الْفَاعِلِ إِلَّا فِي حَالِ وُجُودِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ بَاطِلٌ. [الْبُرْهَانُ الْعَاشِرُ والرد عليه] قَالَ الرَّازِيُّ: (الْبُرْهَانُ الْعَاشِرُ: جِهَةُ الِاحْتِيَاجِ لَا بُدَّ وَأَنْ لَا تَبْقَى مَعَ الْمُؤَثِّرِ، كَمَا كَانَتْ لَا مَعَ الْمُؤَثِّرِ، وَإِلَّا لَبَقِيَتِ الْحَاجَةُ مَعَ الْمُؤَثِّرِ إِلَى مُؤَثِّرٍ آخَرَ، فَلَوْ جَعَلْنَا الْحُدُوثَ جِهَةَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ، وَالْحُدُوثَ مَعَ الْمُؤَثِّرِ كَهُوَ [لَا] (¬4) مَعَ الْمُؤَثِّرِ ; لِأَنَّ (¬5) الْحُدُوثَ هُوَ الْوُجُودُ بَعْدَ الْعَدَمِ، وَسَوَاءٌ (¬6) كَانَ ذَلِكَ الْوُجُودُ بِالْفَاعِلِ أَوْ لَا بِالْفَاعِلِ، فَهُوَ وُجُودٌ بَعْدَ الْعَدَمِ، وَسَوَاءٌ (¬7) أُخِذَ (¬8) حَالَ الْحُدُوثِ، أَوْ حَالَ الْبَقَاءِ، فَهُوَ فِي كِلَيْهِمَا وُجُودٌ بَعْدَ الْعَدَمِ، فَإِذَنْ هُوَ [مَعَ] (¬9) الْمُؤَثِّرِ كَهُوَ لَا مَعَ ¬

(¬1) ن، م: الْفَسَادُ بِالضَّرُورَةِ. (¬2) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) كَوْنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) أ، ب، ن، م: لِأَنَّ ; ش: (ص [0 - 9] 92) : أَيْ أَنَّ. (¬6) ب (فَقَطْ) : سَوَاءٌ. (¬7) ن، م، أ، ب: سَوَاءٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ش) . (¬8) م: وُجِدَ. (¬9) مَعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْمُؤَثِّرِ، فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ (¬1) الْمَذْكُورُ أَمَّا إِذَا جَعَلْنَا الْإِمْكَانَ جِهَةَ الِاحْتِيَاجِ، فَهُوَ عِنْدَ الْمُؤَثِّرِ لَا يَبْقَى، كَمَا كَانَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّ الْمَاهِيَّةَ مَعَ الْمُؤَثِّرِ لَا تَبْقَى مُمْكِنَةً أَلْبَتَّةَ فَعُلِمَ أَنَّ الْحُدُوثَ لَا يَصْلُحُ جِهَةَ الِاحْتِيَاجِ (¬2)) . فَيُقَالُ: هَذَا مِنْ جِنْسِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: كَوْنُ الْمَاهِيَّةِ [مَعَ الْمُؤَثِّرِ] (¬3) لَا تَبْقَى مُمْكِنَةً أَلْبَتَّةَ هُوَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهَا مَعَ الْحُدُوثِ أَيْضًا، بَلْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا مَعَ الْحُدُوثِ، فَإِنَّ الْمُمْكِنَ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا بِالْفَاعِلِ هُوَ الْمُحْدَثُ أَمَّا الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ فَهُوَ مَوْرِدُ النِّزَاعِ. وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: نَعْلَمُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ فَاعِلٌ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ نَظَرِيَّةً فَالْمُنَازِعُ لَمْ يُقِمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا أَلْبَتَّةَ إِذْ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ (¬4) عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنْ تَدُلَّ عَلَى دَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُمْكِنَ الْمُحْدَثَ وَاجِبٌ بِفَاعِلِهِ. وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: الْحُدُوثُ بَعْدَ الْعَدَمِ إِذَا كَانَ بِالْفَاعِلِ اقْتَضَى وُجُوبَ الْمُحْدَثِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ (¬5) يَكُنْ بِالْفَاعِلِ امْتَنَعَ الْحُدُوثُ، فَلَمْ يَكُنِ الْحُدُوثُ بَعْدَ الْعَدَمِ مَعَ الْمُؤَثِّرِ كَهُوَ لَا مَعَ الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاجِبٌ، وَفِي هَذِهِ مُمْتَنِعٌ، كَمَا أَنَّ الْمُمْكِنَ مَعَ الْمُؤَثِّرِ وَاجِبٌ، وَبِدُونِ الْمُؤَثِّرِ مُمْتَنِعٌ، ¬

(¬1) أ، ب: الْحَالُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ش " فَقَطْ: لِلِاحْتِيَاجِ. (¬3) مَعَ الْمُؤَثِّرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: إِذْ لَا دَلِيلَ لَهُ. (¬5) ن، م: وَإِذَا لَمْ.

وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا مَعَ الْمُؤَثِّرِ مَعَ كَوْنِهِ حَادِثًا لَمْ يَحْتَجْ مَعَ ذَلِكَ إِلَى مُؤَثِّرٍ آخَرَ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: (الْمَاهِيَّةُ مَعَ الْمُؤَثِّرِ لَا تَبْقَى مُمْكِنَةً أَلْبَتَّةَ) إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا تَبْقَى مُحْتَاجَةً إِلَى الْمُؤَثِّرِ، أَوْ لَا يَبْقَى عِلَّةُ (¬1) احْتِيَاجِهَا هُوَ الْإِمْكَانُ، فَهَذَا بَاطِلٌ، وَهُوَ (¬2) خِلَافُ مَا يَقُولُونَهُ دَائِمًا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا تَبْقَى مُمْكِنَةَ الْعَدَمِ لِوُجُوبِهَا بِالْغَيْرِ، فَهَذَا يُنَاقِضُ مَا يَقُولُونَهُ مِنْ أَنَّهَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا يُمْكِنُ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا مَعَ كَوْنِهَا وَاجِبَةً بِالْغَيْرِ، وَحِينَئِذٍ فَبَطَلَ (¬3) قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ يَكُونُ مُمْكِنًا، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْقَدِيمِ الْأَوَّلِيِّ بِمُمْكِنٍ (¬4) ، وَهَذَا يَنْعَكِسُ بِانْعِكَاسِ النَّقِيضِ، فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ الْمُمْكِنِ بِقَدِيمٍ أَزَلِيٍّ، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ لَا يُوجَدُ إِلَّا بَعْدَ عَدَمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِذَا بَطَلَ الْمَذْهَبُ بَطَلَتْ جَمِيعُ أَدِلَّتِهِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ لَازِمٌ عَنِ الْأَدِلَّةِ، فَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَتِ الْمَلْزُومَاتُ كُلُّهَا. وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ (جِهَةُ الِاحْتِيَاجِ لَا بُدَّ وَأَنْ لَا تَبْقَى مَعَ الْمُؤَثِّرِ. كَمَا كَانَتْ لَا مَعَ الْمُؤَثِّرِ) ، أَتُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُحْتَاجَ إِلَى الْمُؤَثِّرِ لَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْمُؤَثِّرِ، [كَمَا يَكُونُ مَعَ الْمُؤَثِّرِ] (¬5) ؟ أَمْ تُرِيدُ أَنَّ عِلَّةَ احْتِيَاجِهِ أَوْ شَرْطَ احْتِيَاجِهِ أَوْ دَلِيلَ احْتِيَاجِهِ يَخْتَلِفُ فِي الْحَالَيْنِ، فَإِنْ أَرَدْتَ الْأَوَّلَ فَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ الْمُحْدَثَ بَعْدَ الْعَدَمِ لَا يَكُونُ مَعَ الْمُؤَثِّرِ، كَمَا كَانَ مَعَ عَدَمِ الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّهُ ¬

(¬1) ن، م: عَلَيْهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ، ب: فَهُوَ. (¬3) ب (فَقَطْ) : يَبْطُلُ. (¬4) أ، ب: مُمْكِنًا. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مَعَ عَدَمِهِ مَعْدُومٌ، بَلْ وَاجِبُ الْعَدَمِ، وَمَعَ وُجُودِهِ مَوْجُودٌ، بَلْ وَاجِبُ الْوُجُودِ. (* وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحُدُوثَ هُوَ الْوُجُودُ بَعْدَ الْعَدَمِ سَوَاءٌ كَانَ الْوُجُودُ بِالْفَاعِلِ أَوْ بِغَيْرِ الْفَاعِلِ *) (¬1) [تَقْدِيرٌ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ كَوْنَهُ بِغَيْرِ الْفَاعِلِ مُمْتَنِعٌ، فَلَا يَكُونُ حُدُوثٌ بَعْدَ الْعَدَمِ بِغَيْرِ الْفَاعِلِ حَتَّى يُسَوَّى بَيْنَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَفِي حَالِ عَدَمِهَا، بَلْ هَذَا مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: رُجْحَانُ وَجُودِهِ عَلَى عَدَمِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْفَاعِلِ أَوْ بِغَيْرِ الْفَاعِلِ] (¬2) . وَإِنْ أَرَدْتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَا كَانَ عِلَّةً أَوْ دَلِيلًا أَوْ شَرْطًا فِي أَحَدِ الْحَالَيْنِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى، فَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّ عِلَّةَ (¬3) احْتِيَاجِ الْأَثَرِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ إِذَا قِيلَ: هُوَ الْإِمْكَانُ (¬4) ، أَوِ الْحُدُوثُ، أَوْ مَجْمُوعُهُمَا، فَهُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يَحْدُثُ إِلَّا بِفَاعِلٍ سَوَاءٌ حَدَثَ أَوْ لَمْ يَحْدُثْ وَالْمُمْكِنَ لَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ سَوَاءٌ تَرَجَّحَ أَوْ لَمْ يَتَرَجَّحْ لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِيَاجَ إِنَّمَا يُحَقَّقُ فِي حَالِ وُجُودِهِ إِذْ مَا دَامَ (¬5) مَعْدُومًا، فَلَا فَاعِلَ لَهُ. وَقَوْلُكَ: (وَإِلَّا لَبَقِيَتِ الْحَاجَةُ مَعَ الْمُؤَثِّرِ إِلَى مُوَثَّرٍ آخَرَ) إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُسَلَّمِ دُونَ الْمَمْنُوعِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِالْمُؤَثِّرِ يَحْصُلُ وُجُودُهُ لَا يَفْتَقِرُ مَعَ الْمُؤَثِّرِ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعَ الْمُؤَثِّرِ (¬6) لَا يَكُونُ ¬

(¬1) الْكَلَامُ الَّذِي يُقَابِلُ هَذِهِ الْفِقْرَةَ فِي نُسْخَةِ (ن) نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) عِلَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ب (فَقَطْ) : لِلْإِمْكَانِ. (¬5) ن: أَوْ مَا دَامَ ; م: وَمَا دَامَ. (¬6) عِبَارَةُ " مَعَ الْمُؤَثِّرِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

عِلَّةُ حَاجَتِهَا (¬1) أَوْ دَلِيلُهَا أَوْ شَرْطُهَا الْحُدُوثَ أَوِ الْإِمْكَانَ أَوْ مَجْمُوعَهُمَا، بَلْ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ ثَابِتٌ لَهُ حَالَ وُجُودِهِ أَظْهَرُ مِنْ ثُبُوتِهِ لَهُ حَالَ عَدَمِهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ حَالَ وُجُودِهِ لَا حَالَ عَدَمِهِ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قُلْنَا: احْتَاجَ إِلَى الْمُؤْثِرِ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ، وَهَذَا الْوَصْفُ ثَابِتٌ لَهُ حَالَ وُجُودِهِ، كُنَّا قَدْ أَثْبَتْنَا عِلَّةَ حَاجَتِهِ وَقْتَ وُجُودِهِ، وَالْعِلَّةُ حَاصِلَةٌ. وَإِذَا قُلْنَا: الْعِلَّةُ هِيَ الْإِمْكَانُ، وَادَّعَيْنَا انْتِفَاءَهَا عِنْدَ وُجُودِهِ كُنَّا قَدْ عَلَّلْنَا حَاجَتَهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ بَعْدَ (¬2) وَقْتَ وُجُودِهِ بِعِلَّةٍ مُنْتَفِيَةٍ وَقْتَ وُجُودِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ. وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا غَيَّرُوا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ عَلَيْهَا عِبَادَهُ (¬3) ، فَخَرَجُوا عَنْ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ، وَدَخَلُوا فِي هَذَا الْإِلْحَادِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ جَوَامِعِ الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ صَارَ فِي أَقْوَالِهِمْ مِنَ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا رَبُّ الْعِبَادِ مَعَ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْحِكَمِيَّةِ، وَأَنَّ الْعُلُومَ الْحَقِيقِيَّةَ فِيمَا يَقُولُونَهُ لَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَقِيقَةِ. وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ يُخَالِفُونَ الْمَعْقُولَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ بِمِثْلِ هَذِهِ الضَّلَالَاتِ، إِذْ مِنَ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمُحْتَاجَ إِلَى الْخَالِقِ الَّذِي خَلَقَهُ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَكَوْنِهِ مَخْلُوقًا، أَمَّا إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْعَدَمِ، فَفِي تِلْكَ الْحَالِ لَا يَحْتَاجُ عَدَمُهُ إِلَى خَالِقٍ لِوُجُودِهِ بَلْ وَلَا فَاعِلٍ لِعَدَمِهِ، وَهُمْ ¬

(¬1) ن، م: حَاجَتِهِ (¬2) بَعْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ن: فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا عِبَادَهُ.

وَإِنْ قَالُوا: عَدَمُهُ يَفْتَقِرُ إِلَى مُرَجِّحٍ، فَالْمُرَجِّحُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْعِلَّةِ (¬1) ، فَالْجَمِيعُ عَدَمٌ، لَمْ يَقُولُوا: إِنَّ الْعَدَمَ يَفْتَقِرُ إِلَى مَوْجُودٍ. وَإِذَا كَانَ هَذَا بَيِّنًا، فَقَوْلُهُ: (جِهَةَ الِاحْتِجَاجِ لَا بُدَّ وَأَنْ لَا تَبْقَى مَعَ الْمُؤَثِّرِ كَمَا كَانَتْ لَا مَعَ الْمُؤَثِّرِ) هُوَ كَلَامٌ مُلْبِسٌ، فَإِنَّ الِاحْتِيَاجَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ كَوْنِ الْمُؤَثِّرِ مُؤَثِّرًا، فَكَيْفَ تَزُولُ حَاجَتُهُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ فِي الْحَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا مُحْتَاجٌ إِلَى الْمُؤَثِّرِ. وَكَيْفَ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الْمُؤَثِّرِ حِينَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُؤَثِّرٍ أَصْلًا. وَفِي حَالِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ؟ . وَإِنْ قَالُوا: هُوَ. (¬2) فِي حَالِ عَدَمِهِ لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ إِلَّا بِمُؤَثِّرٍ، قُلْنَا: فَهَذَا بَعْضُ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّ كَوْنَهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِمُؤَثِّرٍ أَمْرٌ لَازِمٌ لَهُ، لَا يُقَالُ: إِنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ فِي حَالِ عَدَمِهِ دُونَ حَالِ وُجُودِهِ. وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْفِعْلَ مُسْتَلْزِمٌ لِحُدُوثِ الْمَفْعُولِ، وَأَنَّ إِرَادَةَ الْفَاعِلِ أَنْ يَفْعَلَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِحُدُوثِ الْمُرَادِ، فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ كُلَّ مَفْعُولٍ وَكُلَّ مَا أُرِيدَ فِعْلُهُ فَهُوَ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عُمُومًا، وَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ [أَنْ يَكُونَ ثَمَّ] (¬3) إِرَادَةٌ أَزَلِيَّةٌ لِشَيْءٍ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ يُقَارِنُهَا مُرَادُهَا أَزَلًا وَأَبَدًا سَوَاءٌ كَانَتْ عَامَّةً لِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ (* أَوْ كَانَتْ خَاصَّةً بِبَعْضِ الْمَفْعُولَاتِ، ثُمَّ يُقَالُ: أَمَّا كَوْنُهَا عَامَّةً (¬4) لِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ *) (¬5) فَامْتِنَاعُهُ ظَاهِرٌ مُتَّفَقٌ ¬

(¬1) ن: عِنْدَهُمْ عِلَّةُ الْعِلَّةِ ; م: عِنْدَهُمُ الْعِلَّةُ. (¬2) ن: قُلْنَا هُوَ ; م: فَإِنْ قِيلَ هُوَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: عِلَّةً. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.

عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا صَدَرَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَحْدُثَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَشْهَدُهُ الْخَلْقُ مِنْ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ حُدُوثِ الْحَرَكَاتِ وَالْأَعْيَانِ وَالْأَعْرَاضِ كَحَرَكَةِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالْكَوَاكِبِ، وَحَرَكَةِ الرِّيَاحِ، وَكَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَمَا يَحْدُثُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ (¬1) ، وَالْمَعْدِنِ. وَأَمَّا إِرَادَةُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا تِلْكَ الْإِرَادَةُ الْأَزَلِيَّةُ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: لَهُ إِرَادَاتٌ (¬2) تَحْصُلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ (¬3) عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمُرِيدُ الْأَزَلِيُّ فِي الْأَزَلِ مُقَارِنًا لِمُرَادِهِ الْأَزَلِيِّ، فَلَا يُرِيدُ شَيْئًا مِنَ الْحَوَادِثِ لَا بِالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ وَلَا بِإِرَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ ; لِأَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْمُرِيدَ الْأَزَلِيَّ يَجِبُ أَنْ يُقَارِنَهُ مُرَادُهُ كَانَ الْحَادِثُ حَادِثًا إِمَّا بِإِرَادَةٍ أَزَلِيَّةٍ فَلَا يُقَارِنُ الْمُرِيدُ مُرَادَهُ، وَإِمَّا حَادِثًا بِإِرَادَةٍ حَادِثَةٍ مُقَارِنَةٍ لَهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِرَادَةٌ وَاحِدَةٌ أَزَلِيَّةٌ. الثَّانِي: أَنَّ حُدُوثَ تِلْكَ الْإِرَادَةِ يَفْتَقِرُ إِلَى سَبَبٍ حَادِثٍ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ [السَّبَبِ] (¬4) الْحَادِثِ كَالْقَوْلِ فِي غَيْرِهِ: يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْدُثَ بِالْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِمُقَارَنَةِ مُرَادِهَا لَهَا، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَحْدُثَ بِلَا إِرَادَةٍ لِامْتِنَاعِ حُدُوثِ الْحَادِثِ بِلَا إِرَادَةٍ، فَيَجِبُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ إِرَادَةُ ¬

(¬1) أ، ب: النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ. (¬2) ن، م: إِرَادَةٌ. (¬3) أ، ب: فَهُوَ. (¬4) السَّبَبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

استطراد: الكلام في الحدوث والقدم في أفعال الله وكلامه تصادمت فيه أئمة الطوائف

الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ مَشْرُوطَةً بِإِرَادَةٍ لَهُ، وَبِإِرَادَةٍ لِلْحَادِثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْفَاعِلَ الْمُبْدِعَ لَمْ يَزَلْ مُرِيدًا لِكُلِّ مَا يَحْدُثُ مِنَ الْمُرَادَاتِ. وَهَذَا هُوَ التَّقْدِيرُ الثَّانِي. وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْصُلَ (¬1) شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَكُلُّ مُرَادٍ لَهُ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، (2 وَهُوَ وَحْدَهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْقِدَمِ وَالْأَزَلِيَّةِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ 2) (¬2) ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا دَوَامُ الْحَوَادِثِ وَتَسَلْسُلُهَا، وَهَذَا هُوَ [التَّقْدِيرُ] (¬3) الَّذِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ بِذَاتِ الْفَاعِلِ مَا يُرِيدُهُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ، بَلْ قَوْلُ أَسَاطِينِهِمْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوْلُ بِحُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ سَوَاءٌ سُمِّيَ جِسْمًا أَوْ عَقْلًا أَوْ نَفْسًا، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَدِيمًا سَوَاءٌ قِيلَ بِجَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ وَتَسَلْسُلِهَا، وَأَنَّهُ لَا أَوَّلَ لَهَا، أَوْ قِيلَ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ قِيلَ بِأَنَّ الْحَادِثَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ حَادِثٍ، أَوْ قِيلَ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ كَالْأَفْلَاكِ وَالْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ قَوْلُهُمْ بَاطِلٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ الَّذِي لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ. [استطراد: الْكَلَامُ فِي الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ تَصَادَمَتْ فِيهِ أَئِمَّةُ الطَّوَائِفِ] وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ هُوَ [الْأَصْلُ] (¬4) الَّذِي تَصَادَمَتْ فِيهِ أَئِمَّةُ الطَّوَائِفِ مِنْ أَهْلِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : لَهُ إِرَادَاتٌ تَحْصُلُ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬3) التَّقْدِيرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْأَصْلُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

الْفَلْسَفَةِ، وَالْكَلَامِ، وَالْحَدِيثِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْحُدُوثِ (¬1) وَالْقِدَمِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْكَلَامُ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْكَلَامُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ مِنْ مَحَارَاتِ (¬2) الْعُقُولِ، فَالْفَلَاسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ كَانُوا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ الْمُوَافِقِ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ، وَلَكِنَّهُمْ أَلْزَمُوا أَهْلَ الْكَلَامِ الَّذِينَ وَافَقُوهُمْ عَلَى نَفْيِ قِيَامِ الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ (¬3) بِذَاتِهِ، أَوْ عَلَى نَفْيِ قِيَامِ الْأَفْعَالِ بِذَاتِهِ بِلَوَازِمِ قَوْلِهِمْ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ مِنْ تَنَاقُضِ أَهْلِ الْكَلَامِ مَا اسْتَطَالَ بِهِ عَلَيْهِمْ هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدُونَ، وَذَمَّهُمْ بِهِ عُلَمَاءُ الْمُؤْمِنِينَ (¬4) مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَكَانَ كَلَامُهُمْ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي ذَمَّهُمْ بِهِ السَّلَفُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ الَّذِي خَالَفُوا بِهِ الْحَقَّ فِي (¬5) مَسَائِلِهِمْ وَدَلَائِلِهِمْ، فَبَقُوا فِيهِ مُذَبْذَبِينَ مُتَنَاقِضِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا قَهَرُوا أَعْدَاءَ الْمِلَّةِ بِالْحَقِّ الصَّرِيحِ الْمَعْقُولِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُحَقِّقُوا مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَمْ يَعْلَمُوهُ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَلَا حَقَّقُوا مُوجِبَاتِ الْعُقُولِ، فَنَقَصُوا فِي عِلْمِهِمْ بِالسَّمْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، [وَإِنْ] (¬6) كَانَ لَهُمْ مِنْهُمَا نَصِيبٌ كَبِيرٌ، فَوَافَقُوا فِي بَعْضِ مَا ¬

(¬1) ن، م: وَهُوَ الْكَلَامُ وَالْحُدُوثُ. (¬2) ن: مَجَازَاتِ ; م، أ: مُجَارَاتِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. (¬3) ن، م: الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ. (¬4) أ، ب: الْعُلَمَاءُ الْمُؤْمِنُونَ. (¬5) ن، م: مِنْ. (¬6) وَإِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

قَالُوهُ الْكُفَّارَ الَّذِينَ قَالُوا: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سُورَةِ الْمُلْكِ: 10] وَفَرَّعُوا مِنَ الْكَلَامِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ مَا هُوَ بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلشَّرْعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْعَقْلِ، كَمَا هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلشَّرْعِ. وَالَّذِي نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَا يُعْلَمُ بِهِ دَلَالَةُ الْعَقْلِ الصَّرِيحِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ يُخْطِئُ فِي كَثِيرٍ مِنْ دَلَائِلِهِ، وَمَسَائِلِهِ (¬1) ، فَلَا يَسُوغُ، وَلَا يُمْكِنُ نَصْرُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا، بَلِ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقَالَ إِلَّا الْحَقَّ قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: 169] . وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ نَصْرَ حَقٍّ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمِلَّةِ أَوْ رَدَّ بَاطِلٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ نُصِرَ بِالطَّرِيقِ الَّذِي يُفِيدُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ دَلِيلُهُ عَلَى طَرِيقَةِ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ (¬2) بُيِّنَ كَيْفَ يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِطَرِيقَةٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنْ قَوْلِهَا وَقَوْلِ طَائِفَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّ تِلْكَ الطَّائِفَةَ أَنْ تُوَافِقَ طَائِفَةً مِنْ طَوَائِفِ (¬3) الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ لَهَا مِنْ أَنْ تَخْرُجَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ أَنْ تُوَافِقَ الْمَعْقُولَ الصَّرِيحَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ عَنِ الْمَعْقُولِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْقَوْلُ كُلَّمَا كَانَ أَفْسَدَ فِي الشَّرْعِ كَانَ أَفْسَدَ فِي الْعَقْلِ، فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يَتَنَاقَضُ، وَالرُّسُلُ إِنَّمَا أَخْبَرَتْ بِالْحَقِّ، وَاللَّهُ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَالرُّسُلُ بُعِثَتْ بِتَكْمِيلِ الْفِطْرَةِ، لَا بِتَغْيِيرِ الْفِطْرَةِ. قَالَ تَعَالَى: (¬4) ¬

(¬1) وَمَسَائِلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) ن، م: السُّنَّةِ. (¬3) طَوَائِفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: كَقَوْلِهِ تَعَالَى.

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 53] . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَيُرِيهِمُ الْآيَاتِ الْأُفُقِيَّةَ (¬1) وَالنَّفْسِيَّةَ الْمُبَيِّنَةَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عِبَادَهُ حَقٌّ، فَتَتَطَابَقُ الدَّلَالَةُ الْبُرْهَانِيَّةُ الْقُرْآنِيَّةُ، وَالْبُرْهَانِيَّةُ الْعِيَانِيَّةُ، وَيَتَصَادَقُ مُوجَبُ الشَّرْعِ الْمَنْقُولِ وَالنَّظَرِ الْمَعْقُولِ. لَكِنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ، مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْتَدَعُوا فِي أُصُولِ دِينِهِمْ حُكْمًا وَدَلِيلًا، فَأَخْبَرُوا عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمِلَلِ بِمَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، فَكَانَ الْقَوْلُ الَّذِي أَصَّلُوهُ وَنَقَلُوهُ عَنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا بِدْعَةً فِي الشَّرْعِ لَا أَصْلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، مَعَ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا هُوَ دِينُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانُوا فِي مُخَالَفَةِ الْمَعْقُولِ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي مُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ، وَقَابَلَتْهُمُ الْمَلَاحِدَةُ الْمُتَفَلْسِفَةُ الَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ مُخَالَفَةً لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ (¬2) . وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا هُوَ (¬3) مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ حُدُوثُ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ، وَامْتِنَاعُ قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْعَالَمِ بِقِدَمِ اللَّهِ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ، وَيُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَارَاتِ، وَتَأْلِيفُهُ عَلَى وُجُوهٍ (¬4) مِنَ التَّأْلِيفَاتِ، فَإِنَّ الْمَادَّةَ إِذَا كَانَتْ مَادَّةً صَحِيحَةً أَمْكَنَ تَصْوِيرُهَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ الصُّوَرِ، وَهِيَ فِي ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ ¬

(¬1) ن، م: آيَاتُهُ فِي الْأُفُقِيَّةِ. (¬2) ا: لِصَحِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَنْقُولِ؛ ب: لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَنْقُولِ. (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ (¬4) أ: وَجْهٍ؛ ب: أَوْجُهٍ.

الْمُغَالِطِيَّةِ (¬1) الَّتِي قَدْ رُكِّبَتْ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ بِأَلْفَاظٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنَّهَا (¬2) مَتَى غُيِّرَ تَرْتِيبُهَا وَأَلْفَاظُهَا، وَنُقِلَتْ مِنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ ظَهَرَ خَطَؤُهَا، فَالْأُولَى كَالذَّهَبِ الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ إِذَا نُقِلَ (¬3) مِنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَوْهَرُهُ، بَلْ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ ذَهَبٌ، وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ فَإِنَّهُ إِذَا غُيِّرَ مِنْ صُورَةٍ إِلَى صُورَةٍ ظَهَرَ أَنَّهُ مَغْشُوشٌ. وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ دَالَّةٌ عَلَى حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ حَادِثٌ (¬4) كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، سَوَاءٌ قِيلَ بِدَوَامِ نَوْعِ الْفِعْلِ كَمَا يَقُولُهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَئِمَّةُ الْفَلَاسِفَةِ أَوْ لَمْ يَقُلْ. وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ يَظْهَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَائِفِ (¬5) أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِهَا مِنَ النِّزَاعِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْمُكَابَرَاتِ مَا أَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ مَنْ لَمْ يُشْرِكْهُ فِي ذَلِكَ، أَوْ تَتَكَافَأْ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ وَيَبْقَى فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ [وَالِاضْطِرَابِ] (¬6) قَدْ عَافَى اللَّهُ مِنْهَا مَنْ هَدَاهُ وَبَيَّنَ لَهُ الْحَقَّ. قَالَ تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 213] . ¬

(¬1) ن: الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُغَلَّظَةِ؛ م، ا: الْأَدِلَّةِ الْمُغْلِطِيَّةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬2) ا، ب: فَإِنَّهُ. (¬3) ا، ب: خَطَؤُهَا كَمَا أَنَّ الذَّهَبَ الصَّحِيحَ إِذَا نُقِلَ. (¬4) حَادِثٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) ا، ب: وَبَيْنَ أَئِمَّةِ طَوَائِفِ. (¬6) وَالِاضْطِرَابِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

فَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لَهُ فِي الْقِدَمِ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ كَائِنًا مَا كَانَ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهُ يَخْلُقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ، أَوْ قِيلَ (¬1) : إِنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ أَوْ عِلَّةٌ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْمَعْلُولِ، أَوْ سُمِّيَ مُؤَثِّرًا؛ لِكَوْنِ لَفْظِ التَّأْثِيرِ يَعُمُّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْفَاعِلُ بِاخْتِيَارِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ بِذَاتِهِ (¬2) وَغَيْرُ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقِدَمِ الَّذِي اسْتَحَقَّ مَا سِوَاهُ كَوْنَهُ (¬3) مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ. وَلَكِنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّرِيقَةِ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعْتَزِلِيَّةِ (¬4) ، طَرِيقَةُ الْأَعْرَاضِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ مُحْدَثَةٌ؛ لِكَوْنِهَا لَا تَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ، وَامْتِنَاعُ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا طَرِيقَةٌ (¬5) مُبْتَدَعَةٌ فِي الشَّرْعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ، وَطَرِيقَةٌ (¬6) مُخْطِرَةٌ مَخُوفَةٌ فِي الْعَقْلِ، بَلْ مَذْمُومَةٌ عِنْدَ طَوَائِفَ كَثِيرَةٍ وَإِنْ (¬7) لَمْ يُعْلَمْ (¬8) بُطْلَانُهَا؛ لِكَثْرَةِ مُقَدِّمَاتِهَا وَخَفَائِهَا وَالنِّزَاعِ فِيهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ " كَالْأَشْعَرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ الثَّغْرِ (¬9) " وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ فِي ذَلِكَ كَالْخَطَّابِيِّ (¬10) وَأَبِي عُمَرَ ¬

(¬1) ن، م: أَوْ يَقُولُ. (¬2) ب (فَقَطْ) : الْوَاجِبُ بِذَاتِهِ. (¬3) ن، م: بِكَوْنِهِ. (¬4) ن، م: الْمُعْتَزِلَةِ. (¬5) ن، م: طَرِيقٌ. (¬6) ن، م: طَرِيقٌ. (¬7) ا، ب: وَإِنَّهُ. (¬8) ن: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا. (¬9) ا، ب: رِسَالَةُ الثَّغْرِ. وَقَدْ طُبِعَتْ فِي مَجَلَّةِ كُلِّيَّةِ الْإِلَهِيَّاتِ بِجَامِعَةِ أَنْقَرَةَ، 1928، وَمِنْهَا نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ بِالْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَانْظُرْ دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 7/186 - 219. (¬10) أَبُو سُلَيْمَانَ حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَطَّابِ، الْخَطَّابِيُّ، الْبُسْتِيُّ، فَقِيهٌ أَدِيبٌ مُحَدِّثٌ وُلِدَ سَنَةَ 319 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 388. لَهُ " مَعَالِمُ السُّنَنِ فِي شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " وَلَهُ رِسَالَةُ " الْغُنْيَةُ عَنِ الْكَلَامِ وَأَهْلِهِ " (مَطْبُوعَةٌ بِاخْتِصَارٍ ضِمْنَ صَوْنِ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ عَنْ فَنَّيِ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ لِلسُّيُوطِيِّ 1/137 - 147 وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَنْهَا فِي " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " فِي ج [0 - 9] ، 8. انْظُرْ تَرْجَمَةَ الْخَطَّابِيِّ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/453 - 455؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/1018 - 1020؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/127 - 128؛ الْأَعْلَامِ 2/304.

الطَّلَمَنْكِيِّ (¬1) . وَغَيْرِهِمْ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ بَاطِلَةٌ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ (¬2) عِنْدَ مُحَقِّقِي الْأَئِمَّةِ الْعَالِمِينَ بِحَقَائِقِ الْمَعْقُولِ وَالْمَسْمُوعِ. وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ أَوْجَبَ (¬3) نَفْيَ صِفَاتِ اللَّهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَنَفْيَ أَفْعَالِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَأَوْجَبَتْ مِنْ بِدَعِ الْجَهْمِيَّةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَسُلِّطَتْ بِذَلِكَ الدَّهْرِيَّةُ عَلَى الْقَدْحِ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ، فَلَا قَامَتْ بِتَقْرِيرِ الدِّينِ، وَلَا قَمَعَتْ أَعْدَاءَهُ الْمُلْحِدِينَ، وَهِيَ الَّتِي أَوْجَبَتْ عَلَى مَنْ سَلَكَهَا قَوْلَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ، بَلْ كَلَامُهُ مَخْلُوقٌ، فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهَا تَسْتَلْزِمُ هَذَا الْقَوْلَ. وَأَمَّا مَا أَحْدَثَهُ ابْنُ كُلَّابٍ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْقَوْلِ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنْهُ (¬4) مُعَيَّنٍ: إِمَّا مَعْنًى وَاحِدٌ، وَإِمَّا حُرُوفٌ، أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ مُعَيَّنَةٌ يَقْتَرِنُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ أَزَلًا وَأَبَدًا، فَهِيَ أَقْوَالٌ مُحْدَثَةٌ بَعْدَ حُدُوثِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَفِيهَا مِنَ الْفَسَادِ شَرْعًا وَعَقْلًا مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، لَكِنِ الْقَائِلُونَ بِهَا ¬

(¬1) ن، م: وَأَبِي عَمْرٍو. وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ الْمُعَافِرِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ. كَانَ مِنَ الْمُجَوِّدِينَ فِي الْقِرَاءَاتِ وَلَهُ تَصَانِيفُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَرَوَى الْحَدِيثَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 429. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْقُرَّاءِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1/120 (طَبْعَةُ الْخَانَجِيِّ، الْقَاهِرَةَ 1351 - 1932) ؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/243 - 244؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/1098 - 1100؛ الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ لِابْنِ فَرْحُونَ (ط. ابْنِ شَقْرُونَ، الْقَاهِرَةَ \ 1351) ص 39 - 40؛ الْأَعْلَامِ 1 (¬2) ن، م: بَاطِلَةٌ فِي الْعَقْلِ. (¬3) م: بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَوْجَبَ؛ ا: بِهَذَا طَرِيقٌ أَوْجَبَ؛ ب: بِهَذَا طَرِيقٌ أَوْجَبَتْ. (¬4) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

بَيَّنُوا فَسَادَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: هُوَ مَخْلُوقٌ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، فَكَانَ فِي كَلَامِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْفَائِدَةِ (¬1) بَيَانُ فَسَادِ قَوْلِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى لَا صِحَّةُ قَوْلِهَا؛ إِذِ الْأَقْوَالُ الْمُخَالِفَةُ لِلْحَقِّ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ. وَكَانَ النَّاسُ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَلَالٍ عَظِيمٍ كَمَا فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ (¬2) مِنْ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ (¬4) قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: قُمْ فِي قُرَيْشٍ فَأَنْذِرْهُمْ، فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ إِذَنْ يَثْلَغُوا رَأْسِي حَتَّى يَدَعُوهُ خُبْزَةً (¬5) ، فَقَالَ: إِنِّي مُبْتَلِيكَ وَمُبْتَلٍ بِكَ وَمُنْزِلٌ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، فَابْعَثْ جُنْدًا، ابْعَثْ مِثْلَيْهِمْ (¬6) ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، وَأَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرْتُهُمْ أَلَّا يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا» . . . " الْحَدِيثَ بِطُولِهِ (¬7) . ¬

(¬1) ا، ب: مِنْ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْفَائِدَةِ. (¬2) ا، ب: كَمَا فِي الصَّحِيحِ. (¬3) ا، ب: حَمَّادٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ: ج [0 - 9] 7، ص [0 - 9] 98: يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً: هِيَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَشْدَخُوهُ وَيَشُجُّوهُ كَمَا يُشَجُّ الْخُبْزُ أَيْ يُكْسَرُ. (¬6) ب (فَقَطْ) : فَابْعَثْ جُنْدًا نَبْعَثُ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَهَذِهِ هِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ. (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي مُسْلِمٍ: 4/2197 - 2199 (كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/162. وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ: " أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ. . الْحَدِيثَ، وَفِي رِوَايَةٍ - وَهِيَ الَّتِي فِي الْمُسْنَدِ -: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي، أَوْ: إِنَّ رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَنِي. . . وَمِنَ الْحَدِيثِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . . وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ. . وَلَمْ أَجِدْ رِوَايَةَ: " ابْعَثْ مِثْلَيْهِمْ ".

عرض تاريخي لنشأة البدع والمذاهب الكلامية

[عرض تاريخي لنشأة البدع والمذاهب الكلامية] وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الْمُوَافِقِ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ [بْنُ عَفَّانَ] (¬1) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَاقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ بِصِفِّينَ، مَرَقَتِ الْمَارِقَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» (¬2) ". وَكَانَ مُرُوقُهَا لَمَّا حَكَمَ الْحَكَمَانِ وَافْتَرَقَ النَّاسُ عَلَى غَيْرِ اتِّفَاقٍ. وَحَدَثَتْ أَيْضًا بِدْعَةُ (¬3) التَّشَيُّعِ كَالْغُلَاةِ الْمُدَّعِينَ لِإِلَهِيَّةِ عَلِيٍّ (¬4) ، وَالْمُدَّعِينَ النَّصَّ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬5) السَّابِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (¬6) ، فَعَاقَبَ [أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ] عَلِيٌّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] الطَّائِفَتَيْنِ (¬7) : قَاتَلَ الْمَارِقِينَ، وَأَمَرَ بِإِحْرَاقِ أُولَئِكَ الَّذِينَ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، فَإِنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَسَجَدُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: (¬8) أَنْتَ هُوَ. قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! ¬

(¬1) بْنُ عَفَّانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 2/745 - 746 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ) ؛ الْمُسْنَدُ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/32، 48. (¬3) ا، ب: بِدَعُ. (¬4) ا، ب: الْإِلَاهِيَّةَ فِي عَلِيٍّ. (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: فَعَاقَبَ عَلِيٌّ الطَّائِفَتَيْنِ. (¬8) ن، م: قَالُوا.

هَذَا كُفْرٌ، ارْجِعُوا عَنْهُ وَإِلَّا ضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمْ، فَصَنَعُوا بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَذَلِكَ فَأَخَّرَهُمْ (¬1) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا لَمْ يَرْجِعُوا أَمَرَ بِأَخَادِيدَ مِنْ نَارٍ فَخُدَّتْ (¬2) عِنْدَ بَابِ كِنْدَةَ، وَقَذَفَهُمْ فِي تِلْكَ النَّارِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرَا أَجَّجْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قَنْبَرَا (¬3) وَقَتْلُ هَؤُلَاءِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ (¬4) فِي جَوَازِ تَحْرِيقِهِمْ نِزَاعٌ: فِعْلِيٌّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬5) رَأَى تَحْرِيقَهُمْ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ [مِنَ الْفُقَهَاءِ] (¬6) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ لَمْ أُحْرِقْهُمْ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَضَرَبْتُ أَعْنَاقَهُمْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» "، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. (¬7) وَأَمَّا السَّبَّابَةُ (¬8) الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَإِنَّ عَلِيًّا لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ ¬

(¬1) م، ا، ب: وَأَخَّرَهُمْ. (¬2) ب، م: فَحُدَّتْ. (¬3) انْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ هَذَا الرَّجَزِ (ص 30 ت 6) ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيْضًا الْمَقْرِيزِيُّ فِي الْخُطَطِ 2/356، الْقَاهِرَةَ 1270، وَذَكَرَ الْخَبَرَ مُخْتَصَرًا. (¬4) ا، ب: وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ. (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬6) مِنَ الْفُقَهَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ عِكْرِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/15 (كِتَابُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ) . (¬8) هُمُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ الصَّحَابَةَ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى رَجُلٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِبَابٍ - وَسَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ (ص 18 ت [0 - 9] ) - وَانْظُرْ: الدُّكْتُورْ مُحَمَّدْ جَابِرْ عَبْدِ الْعَالْ: حَرَكَاتُ الشِّيعَةِ الْمُتَطَرِّفِينَ، ص [0 - 9] 9 - 61، مَطْبَعَةُ السُّنَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، الْقَاهِرَةَ، 1373/1954.

طَلَبَ ابْنَ السَّوْدَاءِ (¬1) الَّذِي بَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى أَرْضِ (¬2) قَرْقِيسِيَا. وَأَمَّا الْمُفَضِّلَةُ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُوتَى بِأَحَدٍ يُفَضِّلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا ضَرَبْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي، وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ (¬3) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ (¬4) ، رُوِيَ هَذَا عَنْهُ (¬5) مِنْ أَكْثَرِ مِنْ ثَمَانِينَ وَجْهًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (¬6) ، وَلِهَذَا كَانَتِ الشِّيعَةُ الْمُتَقَدِّمُونَ كُلُّهُمْ مُتَّفِقِينَ (¬7) عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ. فَهَاتَانِ الْبِدْعَتَانِ: بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ حَدَثَتَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِيَّةِ ¬

(¬1) هُنَاكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إِذَا كَانَ ابْنُ السَّوْدَاءِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ أَمْ أَنَّهُ شَخْصٌ آخَرُ. فَابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ (الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 44) يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ ابْنَ السَّوْدَاءِ كَانَ يَهُودِيًّا وَافَقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبَأٍ عَلَى رَأْيِهِ بُغْيَةَ إِثَارَةِ الْفِتْنَةِ. وَتَابَعَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ (التَّبْصِيرُ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 2) ابْنَ طَاهِرٍ عَلَى ذَلِكَ. وَسَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَالسَّبَئِيَّةِ مَا نَقَلَهُ النُّوبَخْتِيُّ مِنْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبَأٍ كَانَ يَهُودِيًّا وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ أَيْضًا الشَّهْرِسْتَانِيُّ (الْمِلَلُ وَالنِّحَلُ 1/155) مِمَّا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ وَابْنَ السَّوْدَاءِ شَخْصٌ وَاحِدٌ. وَانْظُرْ أَيْضًا تَعْلِيقَ الشَّيْخِ الْكَوْثَرِيِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ ص 144؛ أَحْمَدْ أَمِينْ: فَجْرُ الْإِسْلَامِ، ص 110. (¬2) أَرْضِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَتَوَاتَرَ. (¬4) ن، م: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. (¬5) ن، م: وَرُوِيَ عَنْهُ. (¬6) سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ (ص 12) إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، حَيْثُ أَطْلَقَ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَلَى الْمُفَضِّلَةِ لَفْظَ " الْمُفْتَرِيَةِ ". وَنَقَلْنَا هُنَاكَ (ت 3) نَصَّ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. (¬7) ن، م، ا: مُتَّفِقُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وَالْمُرْجِئَةِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ (¬1) كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ (¬2) . ثُمَّ إِنَّهُ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ مِنْ أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ (¬3) حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْجَهْمِيَّةِ مُنْكِرَةِ الصِّفَاتِ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ (¬4) الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، فَطَلَبَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ فَضَحَّى بِهِ بِوَاسِطٍ، فَخَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ (¬5) . ثُمَّ ظَهَرَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، وَدَخَلَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، وَهَؤُلَاءِ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ عَنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا حُدُوثَ ¬

(¬1) ا، ب:. . . عَصْرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. . إِلَخْ. (¬2) ن، م: وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَهُوَ خَطَأٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 43: تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ. (¬3) ن، م: الثَّالِثَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن: ظَهَرَ ذَلِكَ عَنْهُ؛ ا: ظَهَرَ ذَلِكَ. (¬5) كَانَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ مِنَ الْمَوَالِي وَكَانَ مُؤَدِّبًا لِمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ - آخِرِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ - وَلَكِنَّهُ أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهُ - كَمَا يُحَدِّثُنَا ابْنُ نُبَاتَةَ - عَنْ إِبَّانَ بْنِ سَمْعَانَ وَأَخَذَهُ هَذَا عَنْ طَالُوتَ بْنِ أَعْصَمَ الْيَهُودِيِّ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ أَمَرَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ وَالِيَهُ عَلَى الْكُوفَةِ بِقَتْلِ الْجَعْدِ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِهِ بِالْقَدَرِ. انْظُرْ جَمَالَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ نُبَاتَةَ: سَرْحُ الْعُيُونِ شَرْحُ رِسَالَةِ ابْنِ زَيْدُونَ (تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ مُحَمَّدْ أَبِي الْفَضْلِ إِبْرَاهِيمْ) ، ص [0 - 9] 93 - 294، الْقَاهِرَةَ، 1383/1964؛ جَمَالَ الدِّينِ الْقَاسِمِيِّ: تَارِيخُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، ص 27 - 28، الْقَاهِرَةَ 1331؛ لِسَانُ الْمِيزَانِ 2/105؛ مِيزَانُ الِاعْتِدَالِ 1/185؛ الْكَامِلُ لِابْنِ الْأَثِيرِ 5/160؛ الْأَعْلَامُ 2/114.

الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، [وَأَثْبَتُوا حُدُوثَ الْأَجْسَامِ] (¬1) بِحُدُوثِ مَا يَسْتَلْزِمُهَا مِنَ الْأَعْرَاضِ، وَقَالُوا: الْأَجْسَامُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ أَعْرَاضٍ مُحْدَثَةٍ، وَمَا لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْحَوَادِثِ أَوْ مَا لَا يَسْبِقُ الْحَوَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ؛ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. ثُمَّ إِنَّهُمْ تَفَرَّقُوا عَنْ هَذَا الْأَصْلِ، فَلَمَّا قَالُوا بِامْتِنَاعِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي عُورِضُوا بِالْمُسْتَقْبَلِ، فَطَرَدَ [إِمَامَا هَذِهِ الطَّرِيقَةِ] هَذَا الْأَصْلَ، وَهُمَا: إِمَامُ الْجَهْمِيَّةِ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ (¬2) ، وَأَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ إِمَامُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَالَا بِامْتِنَاعِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي. ثُمَّ إِنَّ جَهْمًا قَالَ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَزِمَ فَنَاءُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَنَّهُ يَعْدَمُ كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ، كَمَا كَانَ مَا سِوَاهُ مَعْدُومًا. وَكَانَ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، وَعَدُّوهُ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [سُورَةُ ص: 54] وَقَالَ تَعَالَى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 35] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى بَقَاءِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ (¬3) . وَأَمَّا أَبُو الْهُذَيْلِ فَقَالَ: إِنَّ الدَّلِيلَ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى انْقِطَاعِ الْحَوَادِثِ فَقَطْ، فَيُمْكِنُ بَقَاءُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لَكِنْ تَنْقَطِعُ الْحَرَكَاتُ، فَيَبْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ سَاكِنِينَ لَيْسَ فِيهِمَا حَرَكَةٌ أَصْلًا، وَلَا شَيْءَ يَحْدُثُ. وَلَزِمَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَ أَجْسَامًا بَاقِيَةً دَائِمَةً خَالِيَةً عَنِ الْحَوَادِثِ، فَيَلْزَمُ وُجُودُ أَجْسَامٍ بِلَا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) ن، م: فَطَرَدَ هَذَا الْأَصْلَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ إِمَامُ الْجَهْمِيَّةِ. (¬3) ا، ب: النَّعِيمِ.

حَوَادِثَ، فَيَنْتَقِضُ الْأَصْلُ الَّذِي أَصَّلُوهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَجْسَامَ لَا تَخْلُو (¬1) عَنِ الْحَوَادِثِ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي أَصَّلَهُ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ (¬2) الْجَوَالِيقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُجَسِّمَةِ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِ الرَّافِضَةِ (¬3) كَالْكَرَّامِيَّةِ، فَقَالُوا: بَلْ يَجُوزُ ثُبُوتُ جِسْمٍ قَدِيمٍ [أَزَلِيٍّ] (¬4) لَا أَوَّلَ لِوُجُودِهِ، وَهُوَ خَالٍ عَنْ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ. وَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمُ الْجِسْمُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ، وَأَمَّا الْأَجْسَامُ الْمَخْلُوقَةُ فَلَا تَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ، وَيَقُولُونَ: مَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، لَكِنْ لَا (¬5) يَقُولُونَ: إِنَّ كُلَّ جِسْمٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ. ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةَ أَصْحَابُ هَذَا الْأَصْلِ الْمُبْتَدَعِ احْتَاجُوا أَنْ يَلْتَزِمُوا طَرْدَ هَذَا الْأَصْلِ فَقَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ لَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ وَلَا الْأَفْعَالُ (¬6) فَإِنَّهَا أَعْرَاضٌ وَحَوَادِثُ، وَهَذِهِ لَا تَقُومُ إِلَّا بِجِسْمٍ، وَالْأَجْسَامُ مُحْدَثَةٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَقُومَ بِالرَّبِّ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا كَلَامٌ وَلَا مَشِيئَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ وَلَا رِضًا وَلَا غَضَبٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ، بَلْ جَمِيعُ (¬7) مَا يُوصَفُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ. ¬

(¬1) ن، م: الْجِسْمُ لَا يَخْلُو. (¬2) ن (فَقَطْ) : بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، م: الرَّافِضَةُ وَغَيْرُهُمْ. (¬4) أَزَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) ب (فَقَطْ) : الصِّفَاتُ وَالْأَفْعَالُ. (¬7) جَمِيعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

وَالْجَهْمِيَّةُ كَانُوا يَقُولُونَ: قَوْلُنَا: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ هُوَ (¬1) مَجَازٌ. وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا: إِنَّهُ (¬2) مُتَكَلِّمٌ حَقِيقَةً، لَكِنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ. فَكَانَ أَصْلُ هَؤُلَاءِ هُوَ (¬3) الْمَادَّةُ الَّتِي تَشَعَّبَتْ عَنْهَا هَذِهِ الْبِدَعُ، فَجَاءَ ابْنُ كُلَّابٍ بَعْدَ هَؤُلَاءِ لَمَّا ظَهَرَتِ الْمِحْنَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَامْتُحِنَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [بْنُ حَنْبَلٍ] (¬4) وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، وَثَبَّتَ اللَّهُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَجَرَتْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ [مَعْرُوفَةٌ] (¬5) ، وَانْتَشَرَ بَيْنَ الْأُمَّةِ النِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، قَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ الْبَصْرِيُّ، وَصَنَّفَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مُصَنَّفَاتٍ، وَبَيَّنَ تَنَاقُضَهُمْ [فِيهَا] (¬6) ، وَكَشَفَ كَثِيرًا مِنْ عَوْرَاتِهِمْ، لَكِنْ سَلَّمَ لَهُمْ ذَلِكَ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ يَنْبُوعُ الْبِدَعِ، فَاحْتَاجَ لِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الرَّبَّ لَا تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَا نَادَى مُوسَى حِينَ جَاءَ الطُّورَ، بَلْ وَلَا يَقُومُ بِهِ نِدَاءٌ حَقِيقِيٌّ، وَلَا يَكُونُ [إِيمَانُ] (¬7) الْعِبَادِ وَعَمَلُهُمُ الصَّالِحُ هُوَ السَّبَبُ فِي رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ، وَلَا كُفْرِهِمْ هُوَ السَّبَبُ فِي سُخْطِهِ وَغَضَبِهِ، فَلَا يَكُونُ بَعْدَ أَعْمَالِهِمْ لَا حُبَّ وَلَا رِضَا وَلَا سُخْطَ وَلَا فَرَحَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 31] ¬

(¬1) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ن، م: قَالُوا هُوَ. (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ابْنُ حَنْبَلٍ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) مَعْرُوفَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) فِيهَا: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬7) إِيمَانُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

، وَقَالَ [تَعَالَى] (¬1) : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ) [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 28] ، وَقَالَ [تَعَالَى] (¬2) : {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 55] وَقَالَ [تَعَالَى] (¬3) : {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 7] ، وَقَالَ [تَعَالَى] (¬4) : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 59] ، وَقَالَ [تَعَالَى] (¬5) : {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 11] . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي لَا تُحْصَى (¬6) إِلَّا بِكُلْفَةٍ، وَهِيَ تَبْلُغُ مِئِينَ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، كَمَا ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬7) ، وَذَكَرْنَا كَلَامَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَذَكَرْنَا (¬8) مَذَاهِبَ الْقُدَمَاءِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ [أَيْضًا] (¬9) وَمُوَافَقَةَ أَسَاطِينِهِمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. ثُمَّ إِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ (¬10) تَفَرَّقَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ، فَاحْتَاجَ ابْنُ كُلَّابٍ وَمُتَّبِعُوهُ إِلَى أَنْ يَقُولُوا: هُوَ قَدِيمٌ، وَإِنَّهُ لَازِمٌ لِذَاتِ اللَّهِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَجَعَلُوا جَمِيعَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ قَدِيمَ الْعَيْنِ، لَمْ يَقُولُوا: إِنَّهُ ¬

(¬1) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬4) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬6) ا، ب: مَا لَا يُحْصَى. (¬7) ا، ب: فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. (¬8) ا، ب: بَلْ وَقَدْ ذَكَرْنَا. (¬9) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬10) ن، م: ثُمَّ إِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَإِنَّ كَلَامَهُ قَدِيمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدِيمُ النَّوْعِ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ كَمَا قَالَهُ (¬1) السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ. ثُمَّ قَالُوا: إِنَّهُ قَدِيمُ الْعَيْنِ، وَافْتَرَقُوا (¬2) عَلَى حِزْبَيْنِ: حِزْبٌ قَالُوا: يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ هُوَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ؛ لِامْتِنَاعِ الْبَقَاءِ عَلَيْهَا وَكَوْنِهَا تُوجَدُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ بِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ قَدِيمًا، فَالْقَدِيمُ هُوَ الْمَعْنَى، وَيُمْتَنَعُ وُجُودُ مَعَانٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَالتَّخْصِيصُ بِعَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ لَا مُوجَبَ لَهُ، فَالْقَدِيمُ مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ الْأَمْرُ بِكُلِّ مَأْمُورٍ، وَالْخَبَرُ عَنْ كُلِّ مُخْبِرٍ، وَهُوَ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَهُوَ مَعْنَى (¬3) آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَآيَةِ الدَّيْنِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ كَلَامَ اللَّهِ. وَالْحِزْبُ الثَّانِي قَالُوا: بَلِ الْحُرُوفُ أَوِ الْحُرُوفُ (¬4) وَالْأَصْوَاتُ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةُ الْأَعْيَانِ، وَقَالُوا: التَّرْتِيبُ فِي ذَاتِهَا لَا فِي وُجُودِهَا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَبَيْنَ وُجُودِ الْحَقِيقَةِ كَمَا يُفَرِّقُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ بَيْنَ وُجُودِ الرَّبِّ وَبَيْنَ حَقِيقَتِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ وَمِنَ الْفَلَاسِفَةِ يُفَرِّقُ بَيْنَ وُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ وَبَيْنَ حَقِيقَتِهَا، وَقَالُوا: التَّرْتِيبُ هُوَ [فِي] (¬5) حَقِيقَتِهَا لَا فِي وُجُودِهَا، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَمْ يَسْبِقْ مِنْهَا شَيْءٌ شَيْئًا (¬6) ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهَا (¬7) ¬

(¬1) ن، م: كَمَا قَالَ. (¬2) ا: ثُمَّ قَالُوا: إِنَّهُ قَدِيمُ الْعَيْنِ افْتَرَقُوا؛ ب: ثُمَّ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ قَدِيمُ الْعَيْنِ افْتَرَقُوا. (¬3) مَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) أَوِ الْحُرُوفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي (ا) : وَالْحُرُوفُ. (¬5) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ا، ب: لَمْ يَسْبِقْ شَيْءٌ مِنْهَا شَيْئًا. (¬7) ا، ب: صِفَتُهَا.

مُرَتَّبَةً تَرْتِيبًا عَقْلِيًّا كَتَرْتِيبِ الذَّاتِ عَلَى الصِّفَاتِ، وَكَتَرْتِيبِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُتَفَلْسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَالَمِ بِذَاتِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا، وَقَالُوا فِي تَقَدُّمِ بَعْضِ كَلَامِهِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى مَعْلُولِهِ، وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ وَالتَّرْتِيبَ نَوْعَيْنِ: عَقْلِيًّا وَوُجُودِيًّا، وَيَدَّعُونَ أَنَّ مَا أَثْبَتُوهُ مِنَ التَّرْتِيبِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ هُوَ عَقْلِيٌّ لَا وُجُودِيٌّ. وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ فَيُنْكِرُونَ هَذَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنَّ التَّرْتِيبَ وَالتَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَعْقِلُ إِلَّا وُجُودَ الشَّيْءِ بَعْدَ غَيْرِهِ، لَا يُمْكِنُ مَعَ كَوْنِهِ مَعَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ (¬1) كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَعْلُولَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْعِلَّةِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَعَهَا، وَهَذِهِ الْأُمُورُ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ [بَسْطًا كَبِيرًا وَلَكِنْ ذُكِرَ هُنَا مَا تَيَسَّرَ] (¬2) . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ (¬3) الْكَلَامِيَّةَ الَّتِي ابْتَدَعَتْهَا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَأَنْكَرَهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا صَارَتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ الْمُتَأَخِّرِينَ (¬4) هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ، بَلْ (¬5) يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ خَالَفَهَا فَقَدْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ، وَالدَّلِيلُ لَا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ ¬

(¬1) ن، م: مَعَهُ أَلَّا يَكُونَ إِلَّا بَعْدَهُ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن (فَقَطْ) : الطَّرِيقَةَ. (¬4) ن، م: النُّظَّارِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. (¬5) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

ظهور الفلاسفة

بِإِحْسَانٍ] (¬1) فَكَيْفَ يَكُونُ دِينَ الْإِسْلَامِ، [بَلْ أَصْلَ أُصُولِ دِينِ الْإِسْلَامِ] (¬2) مِمَّا لَمْ (¬3) يَدُلَّ عَلَيْهِ لَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ؟ ! . [ظهور الفلاسفة] ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ الْمَلَاحِدَةُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، حَدَثُوا وَانْتَشَرُوا بَعْدَ انْقِرَاضِ الْعُصُورِ (¬4) الْمُفَضَّلَةِ (¬5) ، وَصَارَ كُلُّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ يَضْعُفُ فِيهِ نُورُ الْإِسْلَامِ يَظْهَرُونَ فِيهِ، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ ظُهُورِهِمْ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ إِلَّا مَا يَقُولُهُ أُولَئِكَ الْمُبْتَدِعُونَ، وَرَأَوْا ذَلِكَ (6 فَسَادًا فِي الْعَقْلِ، فَرَأَوْا دِينَ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفَ 6) (¬6) فَاسِدًا فِي الْعَقْلِ فَكَانَ غُلَاتُهُمْ طَاعِنِينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ - بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ - كَالْخُرَّمِيَّةِ أَتْبَاعِ بَابَكَ الْخُرَّمِيِّ (¬7) وَقَرَامِطَةُ الْبَحْرَيْنِ أَتْبَاعُ أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيِّ وَغَيْرُهُمْ (¬8) . ¬

(¬1) لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ا، ب: مَا لَمْ. (¬4) ن، م: الْأَعْصَارِ. (¬5) ا، ب: الْمُنْفَصِلَةِ. (¬6) (6 - 6) : سَاقِطٌ مِنْ (م) ، (ا) ، (ب) . (¬7) بَابَكُ الْخُرَّمِيُّ مِنْ زُعَمَاءِ الْبَاطِنِيَّةِ مِنْ أَتْبَاعِ الْخُرَّمِيَّةِ (أَوِ الْخُرْمَدِينِيَّةِ) وَمِنْ أَتْبَاعِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَقَدْ ظَهَرَ فِي جَبَلِ الْبَدِينِ بِنَاحِيَةِ أَذْرَبِيجَانَ وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ وَاسْتَحَلُّوا الْمُحَرَّمَاتِ وَأَبَاحُوا وَقَتَلُوا الْكَثِيرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَارَبَتْهُ جُيُوشُ الْمُعْتَصِمِ مُدَّةً طَوِيلَةً إِلَى أَنْ أَسَرَتْهُ فَصَلَبَتْهُ وَقَتَلَتْهُ سَنَةَ 223 بِسُرَّ مَنْ رَأَى. انْظُرْ: الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 161، 171؛ ابْنَ النَّدِيمِ: الْفِهْرِسْتَ، ص 342 - 344؛ قَوَاعِدَ عَقَائِدِ آلِ مُحَمَّدٍ، ص 37؛ تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ، 9/11 - 55؛ دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَقَالَتَانِ عَنْ " بَابَكَ "؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/216؛ بَيَانَ مَذْهَبِ الْبَاطِنِيَّةِ، ص 24 - 25؛ فَضَائِحَ الْبَاطِنِيَّةِ، ص 14 - 16. (¬8) أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ بَهْرَامَ الْجَنَّابِيُّ رَأْسُ الْقَرَامِطَةِ وَدَاعِيَتُهُمْ، كَانَ دَقَّاقًا مِنْ أَهْلِ جَنَّابَةَ بِفَارِسَ وَنُفِيَ مِنْهَا، فَأَقَامَ فِي الْبَحْرَيْنِ تَاجِرًا، وَأَقَامَهُ حَمْدَانُ قُرْمُطَ دَاعِيَةً فِي فَارِسَ الْجَنُوبِيَّةِ. وَقَدْ حَارَبَ الْجَنَّابِيُّ الدَّوْلَةَ الْعَبَّاسِيَّةَ وَاسْتَوْلَى عَلَى هَجَرَ وَالْأَحْسَاءِ وَالْقَطِيفِ وَسَائِرِ بِلَادِ الْبَحْرَيْنِ، وَأَحْرَقَ الْمَصَاحِفَ وَالْمَسَاجِدَ. وَفِي عَامِ 301 اغْتَالَهُ أَحَدُ الْخَدَمِ. انْظُرْ عَنْهُ: الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 11/121؛ الْمُنْتَظِمَ 6/121 - 122؛ بَيَانَ مَذْهَبِ الْبَاطِنِيَّةِ ص 5، 20 - 21، 81، 87 - 88؛ الْأَعْلَامَ 2/99؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 169، 174؛ قَوَاعِدَ عَقَائِدِ آلِ مُحَمَّدٍ، ص [0 - 9] 3؛ تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ 10/71، 75، 78، 85، 104؛ نَشْأَةَ الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيِّ فِي الْإِسْلَامِ 2/437 - 439، 465.

وَأَمَّا مُقْتَصِدُوهُمْ (¬1) وَعُقَلَاؤُهُمْ فَرَأَوْا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مَا لَا (¬2) يُمْكِنُ الْقَدْحُ فِيهِ، بَلِ اعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِمَا قَالَهُ (¬3) ابْنُ سِينَا وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَعِ الْعَالَمَ نَامُوسٌ أَفْضَلُ مِنْ نَامُوسِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ هَذَا مُوجِبُ عَقْلِهِمْ وَفَلْسَفَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ نَظَرُوا فِي أَرْبَابِ النَّوَامِيسِ مِنَ الْيُونَانِ، فَرَأَوْا أَنَّ النَّامُوسَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى وَعِيسَى أَعْظَمُ مِنْ نَوَامِيسِ أُولَئِكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَلِهَذَا لَمَّا وَرَدَ نَامُوسُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬4) عَلَى الرُّومِ انْتَقَلُوا عَنِ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ إِلَى دِينِ الْمَسِيحِ. وَكَانَ أَرِسْطُو قَبْلَ الْمَسِيحِ بْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، كَانَ وَزِيرًا لِلْإِسْكَنْدَرِ بْنِ فِيلِبْسَ الْمَقْدُونِيِّ (¬5) الَّذِي غَلَبَ عَلَى الْفُرْسِ، وَهُوَ الَّذِي يُؤَرَّخُ لَهُ الْيَوْمَ بِالتَّارِيخِ الرُّومِيِّ، تُؤَرِّخُ لَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسَ هَذَا الْإِسْكَنْدَرُ هُوَ ذَا الْقَرْنَيْنِ (¬6) الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُظَنُّ ذَلِكَ ¬

(¬1) ا، ب: مُقْتَصِدَتُهُمْ. (¬2) ن، م: مَا لَمْ. (¬3) ن، م: كَمَا قَالَهُ. (¬4) عَلَيْهِ السَّلَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ن: الْمَقْدُومِيِّ؛ م: الَمُقَدَّمِيِّ. (¬6) ن، م: وَلَيْسَ هَذَا الْإِسْكَنْدَرُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مُتَقَدِّمًا (¬1) عَلَى هَذَا، وَذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ (¬2) الَّذِي بَنَى سَدَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهَذَا الْمَقْدُونِيُّ لَمْ يَصِلْ إِلَى السَّدِّ، وَذَاكَ كَانَ [مُسْلِمًا] (¬3) مُوَحِّدًا، وَهَذَا الْمَقْدُونِيُّ كَانَ مُشْرِكًا (¬4) هُوَ وَأَهْلُ بَلَدِهِ الْيُونَانِيُّونَ، [كَانُوا مُشْرِكِينَ] (¬5) يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَالْأَوْثَانَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ آخِرَ مُلُوكِهِمْ [كَانَ] (¬6) هُوَ بَطْلَيْمُوسُ صَاحِبُ الْمِجِسْطَى (¬7) ، وَأَنَّهُمْ بَعْدَهُ انْتَقَلُوا إِلَى دِينِ الْمَسِيحِ، فَإِنَّ النَّامُوسَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الْمَسِيحُ كَانَ أَعْظَمَ وَأَجَلَّ، بَلِ النَّصَارَى بَعْدَ أَنْ غَيَّرُوا دِينَ الْمَسِيحِ وَبَدَّلُوا هُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ مِنْ أُولَئِكَ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا مُشْرِكِينَ، وَشِرْكُ أُولَئِكَ الْغَلِيظُ (¬8) هُوَ مِمَّا أَوْجَبَ إِفْسَادَ دِينِ الْمَسِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: كَانَ (¬9) أُولَئِكَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَيَعْبُدُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ وَيَسْجُدُونَ لَهَا ¬

(¬1) ن، م: فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَقَدِّمٌ. (¬2) ا، ب: وَذَاكَ هُوَ. (¬3) مُسْلِمًا: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬4) ا، ب: وَهَذَا الْمَقْدُونِيُّ مُشْرِكٌ. (¬5) كَانُوا مُشْرِكِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) يُتَابِعُ ابْنَ تَيْمِيَةَ بَعْضُ مُؤَرِّخِي الْعَرَبِ الَّذِينَ ظَنُّوا بَطْلَيْمُوسَ الْقَلْوَذِيَّ الْعَالِمَ صَاحِبَ كِتَابِ الْمِجِسْطَى (وَهُوَ كِتَابٌ فِي الْفَلَكِ) وَاحِدًا مِنْ مُلُوكِ الْبَطَالِسَةِ، وَقَدْ لَاحَظَ ابْنُ الْقِفْطِيِّ (تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ، ص (95 - 96) هَذَا الْخَطَأَ، وَذَكَرَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لَدَيْنَا الْيَوْمَ مِنْ أَنَّ آخِرَ مُلُوكِ الْبَطَالِسَةِ هِيَ قِلُوبَطْرَةُ (كِلْيُوبَاتْرَا) . وَانْظُرْ أَيْضًا: ابْنَ جُلْجُلٍ، ص 35 - 38 (انْظُرْ تَعْلِيقَاتِ الْمُحَقِّقِ الْأُسْتَاذِ فُؤَادْ سَيِّدْ) ؛ طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ص 35 - 38؛ الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 67 - 268؛ الْخُطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 1/154؛ دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 1/158. (¬8) ن، م: الْغَلِيظَةُ. (¬9) ن، م: لَوْ كَانَ.

وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا بَعَثَ الْمَسِيحَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ (¬1) كَمَا بَعَثَ سَائِرَ الرُّسُلِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 45] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 25] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 36] . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ (¬2) وَغَيْرِهِمْ مِنَ الرُّسُلِ وَالْمُؤْمِنِينَ [إِلَى زَمَنِ] الْحَوَارِيِّينَ (¬3) أَنَّ دِينَهُمْ كَانَ الْإِسْلَامَ، قَالَ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬4) {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ - فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 71، 72] (¬5) ، وَقَالَ [تَعَالَى] عَنْ [إِبْرَاهِيمَ] الْخَلِيلِ [عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ] (¬6) : ¬

(¬1) ن: الْأَنْصَارِيُّ؛ م: النَّصَارَى. (¬2) وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . وَفِي (م) : وَعِيسَى. (¬3) ن، م: وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ. (¬4) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) ن، م: عَلَيْكُمْ غُمَّةً. . إِلَى قَوْلِهِ: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (¬6) ن، م: وَقَالَ عَنِ الْخَلِيلِ.

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ - إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ - أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 130، 133] (¬1) . وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى [عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ] (¬2) : {يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 84] ، وَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 44] ، وَقَالَ عَنْ بِلْقِيسَ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 44] ، وَقَالَ عَنِ الْحَوَارِيِّينَ: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 111] . وَلَمَّا كَانَ الْمَسِيحُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَدْ بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ قَبْلَهُ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَحَلَّ لَهُمْ بَعْضَ مَا كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَبَقِيَ أَتْبَاعُهُ عَلَى مِلَّتِهِ (¬3) مُدَّةً - قِيلَ أَقَلُّ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ -، ثُمَّ ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْبِدَعُ بِسَبَبِ مُعَادَاتِهِمْ لِلْيَهُودِ صَارُوا يَقْصِدُونَ خِلَافَهُمْ، فَغَلَوْا فِي الْمَسِيحِ، وَأَحَلُّوا أَشْيَاءَ حَرَّمَهَا، وَأَبَاحُوا الْخِنْزِيرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، ¬

(¬1) اخْتَصَرَتْ (ن) ، (م) . جُزْءًا مِنْ آيَاتِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلَمْ تَرِدِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ (133) فِي (ا) ، (ب) . (¬2) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) ن، م: عَلَى مِثْلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

أقوال الفلاسفة

وَابْتَدَعُوا شُرَكَاءَ بِسَبَبِ شِرْكِ الْأُمَمِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْيُونَانِ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْأَوْثَانِ، فَنَقَلَتْهُمُ (¬1) النَّصَارَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الْمُجَسَّدَةِ الَّتِي لَهَا ظِلٌّ إِلَى عِبَادَةِ التَّمَاثِيلِ الْمُصَوَّرَةِ فِي الْكَنَائِسِ، وَابْتَدَعُوا الصَّلَاةَ إِلَى الْمَشْرِقِ، فَصَلُّوا إِلَى حَيْثُ تَظْهَرُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ، وَاعْتَاضُوا بِالصَّلَاةِ إِلَيْهَا وَالسُّجُودِ إِلَيْهَا عَنِ الصَّلَاةِ لَهَا وَالسُّجُودِ لَهَا. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّصَارَى بَعْدَ تَبْدِيلِ دِينِهِمْ كَانَ نَامُوسُهُمْ وَدِينُهُمْ خَيْرًا مِنْ دِينِ أُولَئِكَ الْيُونَانِ أَتْبَاعِ الْفَلَاسِفَةِ (¬2) ، فَلِهَذَا كَانَ الْفَلَاسِفَةُ الَّذِينَ رَأَوْا دِينَ الْإِسْلَامِ يَقُولُونَ: إِنَّ نَامُوسَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ النَّوَامِيسِ، وَرَأَوْا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ نَوَامِيسِ (¬3) النَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمْ يَطْعَنُوا فِي دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا طَعَنَ أُولَئِكَ الْمُظْهِرُونَ لِلزَّنْدَقَةِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَرَأَوْا أَنَّ مَا يَقُولُهُ أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ (¬4) ، فَطَعَنُوا بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَصَارُوا يَقُولُونَ: مَنْ أَنْصَفَ وَلَمْ يَتَعَصَّبْ وَلَمْ يَتَّبِعِ الْهَوَى لَا يَقُولُ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ فِي الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ. [أقوال الفلاسفة] وَكَانَ لَهُمْ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ فِي الْعَقْلِ أَيْضًا تَلَقَّوْهَا مِنْ سَلَفِهِمُ الْفَلَاسِفَةِ، (* وَرَأَوْا أَنَّ (¬5) مَا تَقُولُهُ فِيهِ مَا يُخَالِفُ الْعُقُولَ، وَطَعَنُوا بِذَلِكَ ¬

(¬1) ن: فَعَلَهُمْ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) ؛ م: فَنَقَلَهُمْ. (¬2) م: الْفَلْسَفَةِ. (¬3) ا، ب: مِنْ نَامُوسِ. (¬4) ن (فَقَطْ) : الْعَقْلُ. (¬5) ن: الْآنَ؛ م: لِأَنَّ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ.

الْفَلَاسِفَةَ *) (¬1) ، وَرَأَوْا أَنَّ مَا تَوَاتَرَ عَنِ الرُّسُلِ يُخَالِفُهَا فَسَلَكُوا طَرِيقَتَهُمُ الْبَاطِنِيَّةَ (¬2) فَقَالُوا: إِنَّ الرُّسُلَ لَمْ تُبَيِّنِ الْعِلْمَ وَالْحَقَائِقَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الْبُرْهَانُ فِي الْأُمُورِ الْعِلْمِيَّةِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الرُّسُلَ عَلِمَتْ ذَلِكَ وَمَا بَيَّنَتْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا لَمْ تَعْلَمْهُ وَإِنَّمَا كَانُوا بَارِعِينَ فِي الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ دُونَ الْحِكْمَةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَلَكِنْ خَاطَبُوا الْجُمْهُورَ بِخِطَابٍ تَخْيِيلِيٍّ، خَيَّلَتْ لَهُمْ فِي أَمْرِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مَا يَنْفَعُهُمُ اعْتِقَادُهُ فِي سِيَاسَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ اعْتِقَادًا بَاطِلًا لَا يُطَابِقُ الْحَقَائِقَ. وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ (¬3) لَا يُجَوِّزُونَ تَأْوِيلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ عِنْدَهُمُ التَّخْيِيلُ، وَالتَّأْوِيلُ يُنَاقِضُ مَقْصُودَهُ، وَهُمْ يُقِرُّونَ بِالْعِبَادَاتِ، لَكِنْ يَقُولُونَ مَقْصُودُهَا إِصْلَاحُ أَخْلَاقِ النَّفْسِ، وَقَدْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا تَسْقُطُ عَنِ الْخَاصَّةِ الْعَارِفِينَ بِالْحَقَائِقِ، فَكَانَتْ بِدْعَةَ أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِمَّا أَعَانَتْ إِلْحَادَ هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدِينَ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ (¬4) فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَبَيَانِ مُخَالَفَتِهِمْ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذُكِرَ أَنَّ الْمَعْقُولَاتِ (¬5) الصَّرِيحَةَ مُوَافِقَةٌ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ لَا تُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَنَبَّهْنَا فِي مَوَاضِعَ عَلَى مَا يَسْتَوْجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الطُّرُقِ الْبَاطِلَةِ [الْمُبْتَدَعَةِ] (¬6) وَمَا بِهِ يُعْلَمُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ن: طَرِيقَتَهُمُ الْفَاسِدَةَ الْبَاطِلَةَ؛ م: طَرِيقَتَهُمُ الْبَاطِلَةَ. (¬3) ن، م: الْفَلَاسِفَةُ. (¬4) ن: وَقَدْ بُسِطَ فِي الْكَلَامِ. (¬5) ن: الْمَفْعُولَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) الْمُبْتَدَعَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

عود لمسألة قدم العالم

مَا يُوَافِقُ خَبَرَ الرَّسُولِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الطُّرُقَ (¬1) الصَّحِيحَةَ فِي الْمَعْقُولِ هِيَ مُطَابِقَةٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ، مِثْلُ هَذِهِ الطُّرُقِ وَغَيْرِهَا (¬2) . [عود لمسألة قدم العالم] فَإِنَّهُ يُعْلَمُ بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ أَنَّ فَاعِلَ الْعَالَمِ إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُ فِي الْقِدَمِ شَيْءٌ مِنَ الْمَعْلُولِ، فَلَا يَحْدُثُ عَنْهُ شَيْءٌ لَا بِوَاسِطَةٍ وَلَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ (¬3) ، وَيُمْتَنَعُ أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً لِمَفْعُولٍ بَعْدَ مَفْعُولٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِهِ مَا يَصِيرُ عِلَّةً لِلثَّانِي، فَيُمْتَنَعُ مَعَ تَمَاثُلِ أَحْوَالِهِ أَنْ تَخْتَلِفَ مَفْعُولَاتُهُ وَيَحْدُثَ مِنْهَا شَيْءٌ. وَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ عَاقِلٌ تَصَوَّرَهُ (¬4) تَصَوُّرًا جَيِّدًا، وَحُذَّاقُهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِهَذَا، كَمَا يَذْكُرُهُ ابْنُ رُشْدِ الْحَفِيدُ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ (¬5) وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّ صُدُورَ الْمُتَغَيِّرَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنِ الْوَاحِدِ الْبَسِيطِ مِمَّا تُنْكِرُهُ الْعُقُولُ، [وَكَذَلِكَ إِذْ سُمِّيَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ] (¬6) ، وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: مُؤَثِّرٌ تَامُّ التَّأْثِيرِ فِي الْأَزَلِ، أَوْ مُرَجِّحٌ تَامُّ التَّرْجِيحِ فِي الْأَزَلِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: هُوَ قَادِرٌ مُخْتَارٌ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مُرَادِهِ فِي الْأَزَلِ، فَإِنَّهُ إِذَا اسْتَلْزَمَ وُجُودَ مُرَادِهِ فِي الْأَزَلِ لَزِمَ أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ مِنْ مُرَادِهِ، فَلَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ؛ إِذْ لَا يَحْدُثُ شَيْءٌ إِلَّا بِإِرَادَتِهِ، فَلَوْ كَانَتْ إِرَادَتُهُ أَزَلِيَّةً مُسْتَلْزِمَةً لِوُجُودِ مُرَادِهَا مَعَهَا فِي الْأَزَلِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنَ الْمُرَادَاتِ حَادِثًا، ¬

(¬1) ن، م: وَأَمَّا الطُّرُقُ. (¬2) انْظُرْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَةَ مَثَلًا فِي " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " وَ " الرَّدِّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ " وَ " الصَّفَدِيَّةِ ". (¬3) ن، م: وَلَا بِغَيْرِهَا. (¬4) ن: تَصَوَّرَ. (¬5) ن، م: وَالرَّازِيُّ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

بطلان القول بأن فاعل العالم علة تامة لأصول العالم دون حوادثه

فَلَا يَكُونُ فِي الْعَالَمِ حَادِثٌ وَهُوَ خِلَافُ الْمُشَاهَدَةِ. وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَلَا (¬1) يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِجَمِيعِ مَعْلُولَاتِهَا، وَلَا مُوجِبٌ أَزَلِيٌّ لِجَمِيعِ الْعَالَمِ حَتَّى أَشْخَاصِهِ. وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّ جَمِيعَ مُرَادِهِ مُقَارِنٌ لَهُ فِي الْأَزَلِ، بَلْ يَقُولُونَ إِنَّ أُصُولَ الْعَالَمِ كَالْأَفْلَاكِ وَالْعَنَاصِرِ هِيَ الْأَزَلِيَّةُ الْقَدِيمَةُ (¬2) بِأَعْيَانِهَا، وَإِنَّ الْحَرَكَاتِ وَالْمُوَلِّدَاتِ قَدِيمَةُ النَّوْعِ، أَوْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَوَادَّ هَذَا الْعَالَمِ كَالْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ (¬3) أَوِ الْهَيُولَى أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ هِيَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ بِأَعْيَانِهَا. وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ إِذْ كَانَ قِدَمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُسْتَلْزِمًا لَهُ فِي الْأَزَلِ، سَوَاءٌ سُمِّيَ مُوجِبًا لَهُ بِذَاتِهِ فِي الْأَزَلِ، أَوْ عِلَّةً تَامَّةً قَدِيمَةً مُسْتَلْزِمَةً لِمَعْلُولِهَا أَوْ قِيلَ: إِنَّهُ فَاعِلٌ بِإِرَادَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ [الْمُسْتَلْزِمَةِ] (¬4) لِلْمَفْعُولِ الْمُرَادِ فِي الْأَزَلِ. [بطلان القول بأن فاعل العالم علة تامة لأصول العالم دون حوادثه] وَإِذَا قِيلَ: هُوَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِأُصُولِ الْعَالَمِ دُونَ حَوَادِثِهِ، أَوْ هُوَ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ أَزَلِيَّةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِاقْتِرَانِ مُرَادِهَا بِهَا فِي الْأَزَلِ، لَكِنَّ تِلْكَ [الْإِرَادَةَ الْأَزَلِيَّةَ الْمُقَارِنَةَ] (¬5) لِمُرَادِهَا إِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِأُصُولِ الْعَالَمِ دُونَ حَوَادِثِهِ. قِيلَ لَهُمْ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ مُقَارَنَةَ الْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ لِفَاعِلِهِ - لَا سِيَّمَا مُقَارَنَتُهُ لَهُ أَزَلًا ¬

(¬1) ا، ب: فَهُمْ لَا يَقُولُونَ وَلَا. . (¬2) ن، م: هِيَ الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ. (¬3) ا، ب: الْفَرْدَةِ. (¬4) الْمُسْتَلْزِمَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " الْأَزَلِيَّةَ " مِنْ (م) .

وَأَبَدًا مُمْتَنَعٌ فِي صَرَائِحِ (¬1) الْعُقُولِ، بَلْ وَفِي بِدَايَةِ (¬2) الْعُقُولِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ. وَإِذَا قَالُوا: الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ لَا يَجْتَمِعُ عَلَى جَحْدِهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ 0 قِيلَ لَهُمْ: لَا جَرَمَ هَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُئٍ، بَلْ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يُنْكِرُونَهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ، وَإِنَّمَا تَقُولُهُ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ (¬3) ، عَلَى سَبِيلِ مُوَاطَأَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، (* وَتَلَقِّي بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَمَعَ الْمُوَاطَأَةِ تَجُوزُ الْمُوَاطَأَةُ *) (¬4) عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَعَلَى الْأُمُورِ الْمُشْتَبِهَةِ كَالْمَذَاهِبِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي يُعْلَمُ فَسَادُهَا بِالضَّرُورَةِ، وَقَدْ تَوَارَثَهَا طَائِفَةٌ تَلَقَّاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ الَّتِي يُقِرُّ بِهَا النَّاسُ عَنْ (¬5) غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ، فَتِلْكَ لَا يَكُونُ مِنْهَا مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ. وَلِهَذَا كَانَ فِي عَامَّةِ أَقْوَالِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، وَلَكِنْ قَالَهُ طَائِفَةٌ تَلَقَّاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا حَقًّا لَامْتَنَعَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْعَالَمِ جُمْلَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِلْحَوَادِثِ مُحْدِثٌ أَصْلًا، وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ إِذَا كَانَتْ تَامَّةً أَزَلِيَّةً قَارَنَهَا مَعْلُولُهَا، وَكَانَ مَا ¬

(¬1) ا، ب: صَرِيحِ. (¬2) ن، ا: بِدَايَةِ؛ ب: بَدَاهَةِ. (¬3) ا، ب: وَإِنَّمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ أَخْذَهُ بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) ا، ب: مِنْ.

يَحْدُثُ غَيْرَ [مَعْلُولِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْلُولًا لَهَا] لَكَانَ قَدْ تَأَخَّرَ الْمَعْلُولُ (¬1) أَوْ بَعْضُ الْمَعْلُولِ عَنْ عِلَّتِهِ التَّامَّةِ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا لَا مَعْلُولُهَا وَلَا بَعْضُ مَعْلُولِهَا، فَكُلُّ مَا حَدَثَ لَا يَحْدُثُ عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ، وَوَاجِبُ الْوُجُودِ عِنْدَهُمْ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَحْدُثَ عَنْهُ حَادِثٌ لَا بِوَاسِطَةٍ وَلَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ (¬2) . وَمَا يَعْتَذِرُونَ بِهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّمَا تَأَخَّرَتِ الْحَوَادِثُ لِتَأَخُّرِ الِاسْتِعْدَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا يَكُونُ عِلَّةُ وُجُودِهِ غَيْرَ عِلَّةِ اسْتِعْدَادِهِ وَقَبُولِهِ (¬3) ، كَمَا يَحْدُثُ عَنِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهَا تَارَةً تُلَيِّنُ وَتُرَطِّبُ كَمَا تُلَيِّنُ الثِّمَارَ بَعْدَ يُبْسِهَا (¬4) بِسَبَبِ مَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنَ الرُّطُوبَةِ، فَتَجْتَمِعُ الرُّطُوبَةُ الْمَائِيَّةُ وَالسُّخُونَةُ الشَّمْسِيَّةُ فَتَنْضَجُ الثِّمَارُ وَتَلِينُ، وَتَارَةً تُجَفِّفُ وَتُيَبِّسُ كَمَا يَحْصُلُ لِلثِّمَارِ بَعْدَ تَنَاهِي نُضْجِهَا، فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهَا الِاسْتِمْدَادُ مِنَ الرُّطُوبَةِ، فَتَبْقَى حَرَارَةٌ تَفْعَلُ فِي رُطُوبَةٍ مِنْ غَيْرِ إِمْدَادٍ، فَتُجَفِّفُهَا كَمَا تُجَفِّفُ الشَّمْسُ وَالنَّارُ وَغَيْرُهُمَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْسَامِ الرَّطْبَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ قَدْ يَتَأَخَّرُ فِعْلُ الْفَاعِلِ لِعَدَمِ اسْتِعْدَادِ الْقَابِلِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ لَهُ حَقِيقَةٌ لَكَانَ تَأَخُّرُ فَيْضِهِ حَتَّى تَسْتَعِدَّ الْقَوَابِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا وَاجِبُ الْوُجُودِ الْفَاعِلُ لِكُلِّ ¬

(¬1) ا، ب: وَكَانَ مَا يَحْدُثُ غَيْرَ مَعْلُولٍ لَهَا لَكَانَ قَدْ تَأَخَّرَ الْمَعْلُولُ. . إِلَخْ. (¬2) ن، م: لَا بِوَسَطٍ وَلَا بِغَيْرِ وَسَطٍ. (¬3) ن، م: وَقَبُولِهَا. (¬4) ن، م: بَعْدَ قُوَّتِهَا.

مَا سِوَاهُ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهِ - لَا إِعْدَادَ (¬1) وَلَا إِمْدَادَ وَلَا قَبُولَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، بَلْ نَفْسُهُ هِيَ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِفِعْلِهِ - فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لَوَجَبَ أَنْ يُقَارِنَهُ مَعْلُولُهُ كُلُّهُ، وَلَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ (¬2) ، وَإِذَا تَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ وَلَوْ كَانَ مَفْعُولًا بِوَاسِطَةٍ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لَهُ فِي الْأَزَلِ، وَأَنَّهُ صَارَ عِلَّةً بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَإِذَا قِيلَ الْحَرَكَةُ الْفَلَكِيَّةُ هِيَ سَبَبُ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ 0 قِيلَ: وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ، فَإِنَّ الْحَرَكَةَ الْحَادِثَةَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ لَهَا (¬3) عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً، فَإِنَّ هَذِهِ يُقَارِنُهَا مَعْلُولُهَا أَزَلًا وَأَبَدًا، وَالْحَرَكَةُ الْحَادِثَةُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ يُمْتَنَعُ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِعِلَّتِهَا فِي الْأَزَلِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِحُدُوثِهَا لَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ مُتَّصِفًا بِأَفْعَالٍ تَقُومُ بِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، بِسَبَبِ (¬4) مَا يَقُومُ بِهِ، يَحْدُثُ عَنْهُ مَا يَحْدُثُ، مِثْلَ مَشِيئَتِهِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ وَأَفَعَالِهِ الِاخْتَيَارِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْحَوَادِثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ، وَيُمْتَنَعُ أَنْ يُحْدِثَهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْحَدَثِ كَالْقَوْلِ فِيهِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً تَامَّةً فِي الْأَزَلِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ، وَيَعُودُ التَّقْسِيمُ. وَإِذَا قَالُوا: إِنَّمَا تَأَخَّرَ الثَّانِي لِتَأَخُّرِ حُدُوثِ الْقَوَابِلِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي بِهَا قَبْلَ الْفَيْضِ 0 ¬

(¬1) ن، م: لَا عِدَادَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: مِنْ مَعْلُولَاتِهِ. (¬3) ن، م: لَهُ. (¬4) بِسَبَبِ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: وَيُسَبِّبُ.

قِيلَ لَهُمْ: هَذَا يُعْقَلُ فِيمَا إِذَا (¬1) كَانَ حُدُوثُ الْقَوَابِلِ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا فِي حُدُوثِ الشُّعَاعِ عَنِ الشَّمْسِ، وَكَمَا يَقُولُونَهُ فِي الْعَقْلِ الْفَعَّالِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلُ لِلْقَابِلِ وَالْمَقْبُولِ، وَالشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ، وَهُوَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ (¬2) وَجَبَ مُقَارَنَةُ مَعْلُولِهِ كُلِّهِ لَهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ أَنْ يَصِيرَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِهِ لِشَيْءٍ، وَإِحْدَاثُهُ لِشَيْءٍ (¬3) مَعَ كَوْنِهِ (¬4) عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً مُمْتَنَعٌ، وَكَوْنَهُ عِلَّةً لِنَوْعِ الْحَوَادِثِ مَعَ عَدَمِ حُدُوثِ فِعْلٍ يَقُومُ بِهِ مُمْتَنَعٌ. وَلِأَنَّ صُدُورَ الْعَالَمِ عَنْ فَاعِلَيْنِ مُمْتَنَعٌ، سَوَاءٌ كَانَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي جَمِيعِهِ، أَوْ كَانَ هَذَا فَاعِلًا لِبَعْضِهِ وَهَذَا فَاعِلًا لِبَعْضِهِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬5) وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْعَالَمَ صَدَرَ عَنِ اثْنَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ: إِنَّ أُصُولَ الْعَالَمِ الْقَدِيمَةِ صَدَرَتْ عَنْ وَاحِدٍ، وَحَوَادِثَهُ صَدَرَتْ عَنْ آخَرَ، فَإِنَّ الْعَالَمَ لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ (¬6) ، وَفِعْلُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَازِمِهِ مُمْتَنَعٌ، وَلَوْ كَانَ الْفَاعِلُ لِلَوَازِمِهِ غَيْرَهُ لَزِمَ أَنْ لَا يَتِمَّ فِعْلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِالْآخَرِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ فِي الْفَاعِلَيْنِ، وَكَوْنُ كُلِّ [وَاحِدٍ] (¬7) مِنَ الرَّبَّيْنِ لَا يَصِيرُ رَبًّا إِلَّا بِالْآخَرِ، وَلَا يَصِيرُ قَادِرًا إِلَّا بِالْآخَرِ، وَلَا يَصِيرُ فَاعِلًا إِلَّا بِالْآخَرِ، فَلَا ¬

(¬1) إِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ن، م: عَنْهَا. (¬3) عِبَارَةُ " وَإِحْدَاثُهُ لِشَيْءٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ب (فَقَطْ) : مَعَ أَنَّ كَوْنَهُ. (¬5) ن، م: كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. (¬6) ن، م: لَا يَخْلُو عَنِ الْحُدُوثِ. (¬7) وَاحِدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

يَصِيرُ هَذَا قَادِرًا حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ قَادِرًا، (1 وَلَا يَصِيرُ هَذَا قَادِرًا حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ قَادِرًا 1) (¬1) ، فَيُمْتَنَعُ وَالْحَالُ هَذِهِ أَنْ يَصِيرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَادِرًا وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا فَاعِلَ لِلْحَوَادِثِ إِلَّا هُوَ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ حَدَثَتْ عَنْهُ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ لَزِمَ حُدُوثُ الْحَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَهَذَا إِذَا جَازَ جَازَ حُدُوثُ الْعَالَمِ كُلِّهِ بِلَا سَبَبٍ (¬2) حَادِثٍ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا خَالِيًا عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ حَدَثَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْبُرْهَانِ لِوُجُوهٍ (¬3) كَثِيرَةٍ مِثْلَ اقْتِضَائِهِ عَدَمَ الْقَدِيمِ (¬4) الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا قُدِّرَ مَعْلُولٌ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، ثُمَّ حَدَثَتْ (¬5) فِيهِ الْحَوَادِثُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَغَيَّرَ مِنْ صِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ (¬6) : يَزُولُ مَا كَانَ مَوْجُودًا، وَيَحْدُثُ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَزَوَالُ مَا كَانَ مَوْجُودًا مُمْتَنَعٌ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ إِنَّمَا يَكُونُ قَدِيمًا إِذَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، (* فَإِنَّ (¬7) مَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ يُمْتَنَعُ عَدَمُهُ، (8 وَمَا كَانَ قَدِيمًا يُمْتَنَعُ عَدَمُهُ 8) (¬8) أَيْضًا، بَلِ الْقَدِيمُ لَا يَكُونُ قَدِيمًا إِلَّا إِذَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) سَبَبٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) ا، ب: بِوُجُوهٍ. (¬4) ن، م: عَدَمَ الْقِدَمِ؛ ا: عَدِيمَ الْقَدِيمِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬5) ا، ب: ثُمَّ حَدَثَ. (¬6) ن، م: فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَيَّنَ مِنْ وَصْفِهِ إِلَى وَصْفِهِ. (¬7) ب: وَإِنَّ. (¬8) (8 - 8) : سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ب) .

أَوْ بِغَيْرِهِ، فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدِيمًا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ *) (¬1) يَكُونُ الْعِلْمُ بِامْتِنَاعِ عَدَمِهِ أَوْكَدَ وَأَوْكَدَ. وَالْعَالَمُ إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَا حَادِثَ فِيهِ، ثُمَّ حَدَثَ فِيهِ حَادِثٌ فَقَدْ غَيَّرَهُ مِنَ الْحَالِ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْوَاجِبَةِ بِنَفْسِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا إِلَى حَالٍ أُخْرَى تُخَالِفُهَا، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ مُمْتَنَعٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ كَانَ مُمْتَنَعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَيْضًا: فَالْعَالَمُ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُهُ عَنْ مُقَارَنَةِ الْحَوَادِثِ، فَإِنَّ الْأَجْسَامَ لَا تَخْلُو عَنْ مُقَارَنَةِ الْحَوَادِثِ: الْحَرَكَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْعَالَمُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، وَتِلْكَ الْأَعْيَانُ لَا تَخْلُو عَنْ مُقَارَنَةِ الْحَوَادِثِ، فَإِنَّهَا لَوْ خَلَتْ عَنْهَا ثُمَّ قَارَنَتْهَا لَلَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا بَاطِلًا جَازَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْعَالَمِ إِلَّا جِسْمٌ أَوْ عَرَضٌ. وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ يُفَسِّرُ الْجِسْمَ بِمَا يُشَارُ إِلَيْهِ، وَيُمْنَعُ (¬2) كَوْنُ كُلِّ جِسْمٍ مَرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ (¬3) أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، فَلَا يَلْزَمُهُمْ مِنَ الْإِشْكَالِ مَا يَتَوَجَّهُ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ فِيهِ مَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا يَذْكُرُهُ مَنْ يُثْبِتُ الْعُقُولَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) ا، ب: وَيُمْتَنَعُ. (¬3) ا: الْمُنْفَرِدَةِ؛ ب: الْفَرْدَةِ.

وَالنُّفُوسَ، وَيَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ أَجْسَامًا، فَالنُّفُوسُ لَا تُفَارِقُ الْأَجْسَامَ، بَلْ هِيَ مُقَارِنَةٌ لَهَا مُدَبِّرَةٌ لَهَا (¬1) فَلَا تُفَارِقُ الْحَوَادِثَ. وَأَيْضًا: فَالنُّفُوسُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ تَصَوُّرَاتٍ وَإِرَادَاتٍ حَادِثَةٍ، فَهِيَ دَائِمًا مُقَارِنَةٌ لِلْحَوَادِثِ، وَالْعُقُولُ عِلَّةٌ لِذَلِكَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمَعْلُولِهَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا (¬2) بِالزَّمَانِ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَالَمِ مَا يَسْبِقُ الْحَوَادِثَ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا سَابِقًا لِلْحَوَادِثِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُبْدِعُ لِشَيْءٍ مِنْهُ يُمْتَنَعُ أَنْ يُبْدِعَهُ بِدُونِ إِبْدَاعِ لَوَازِمِهِ، وَلَوَازِمُهُ يُمْتَنَعُ وَجُودُهَا فِي الْأَزَلِ، فَيُمْتَنَعُ وُجُودُ شَيْءٍ مِنْهُ فِي الْأَزَلِ. فَإِذَا قِيلَ: فَهُوَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِلْفَلَكِ مَعَ حَرَكَتِهِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً أَزَلِيَّةً تَامَّةً لِلْفَلَكِ مَعَ حَرَكَتِهِ، فَتَكُونُ حَرَكَتُهُ أَزَلِيَّةً، وَالْحَرَكَةُ لَا تُوجَدُ إِلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ حَرَكَتِهِ أَزَلِيَّةً (¬3) . وَإِذَا (¬4) قِيلَ: هُوَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِلْفَلَكِ دُونَ حَرَكَتِهِ، احْتَاجَتْ حَرَكَتُهُ إِلَى مُبْدِعٍ آخَرَ، وَلَا مُبْدِعَ (¬5) غَيْرُهُ. وَإِنْ قِيلَ: هُوَ عِلَّةٌ لِلْحَرَكَةِ (¬6) شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، لَمْ يَكُنْ عِلَّةً تَامَّةً لِلْحَرَكَةِ فِي الْأَزَلِ، لَكِنْ يَصِيرُ عِلَّةً تَامَّةً لِشَيْءٍ مِنْهَا بِحَسَبِ وَجُودِهِ، فَتَكُونُ عِلِّيَّتُهُ وَفَاعِلِيَّتُهُ وَإِرَادَتُهُ حَادِثَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً تَامَّةً فِي ¬

(¬1) عِبَارَةُ " مُدَبِّرَةٌ لَهَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬2) ن، م: عَلَيْهِ. (¬3) ن: أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهَا أَزَلِيَّةً؛ م: أَنْ يَكُونَ جَمِيعًا أَزَلِيًّا؛ ا: أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ حَرَكَتِهَا أَزَلِيَّةً. (¬4) ا، ب: فَإِنْ. (¬5) عِبَارَةُ " وَلَا مُبْدِعَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬6) ا، ب: الْحَرَكَةِ.

الْأَزَلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ [ظَاهِرٌ] (¬1) ، لَا يُنَازِعُ فِيهِ مَنْ فَهِمَهُ، وَهُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ امْتِنَاعَ كَوْنِهِ عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً لِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَامْتِنَاعُ كَوْنِهِ عِلَّةً تَامَّةً لِلْفَلَكِ مَعَ حَرَكَتِهِ الدَّائِمَةِ. وَهُمْ لَا يَقُولُونَ: (¬2) إِنَّهُ فِي الْأَزَلِ عِلَّةٌ لِكُلِّ مَوْجُودٍ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فِي الْأَزَلِ عِلَّةٌ لِمَا كَانَ قَدِيمًا بِعَيْنِهِ كَالْأَفْلَاكِ، وَهُوَ دَائِمًا عِلَّةٌ لِنَوْعِ الْحَوَادِثِ، وَيَصِيرُ عِلَّةً تَامَّةً لِلْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً تَامَّةً لَهُ، فَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَوْنُهُ يَصِيرُ عِلَّةً تَامَّةً لِشَيْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ يَحْدُثُ مِنْهُ مُمْتَنَعٌ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُحْدِثَ لِلْحَوَادِثِ سِوَاهُ، فَيُمْتَنَعُ أَنَّ غَيْرَهُ يُحْدِثُ فَاعِلِيَّتَهُ، وَكَوْنُهُ عِلَّةً فَلَا يُحْدِثُ كَوْنَهُ فَاعِلًا لِلْمُعَيَّنِ إِلَّا هُوَ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُحْدِثُ؛ لِكَوْنِهِ عِلَّةً لِلْمُعَيَّنِ وَفَاعِلًا لَهُ، وَهَذِهِ الْفَاعِلِيَّةُ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ تَكُونَ صَدَرَتْ عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْأَزَلِيَّةَ يُقَارِنُهَا مَعْلُولُهَا. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يُمْتَنَعُ أَنْ يَصِيرَ فَاعِلًا لِشَيْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا يُوجِبُ كَوْنَهُ فَاعِلًا لِمَا يَحْدُثُ عَنْهُ مِنَ الْحَوَادِثِ، سَوَاءٌ أَحَدَثَتْ (¬3) بِوَاسِطَةٍ أَمْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. وَأَيْضًا: فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ - كَمَا يَقُولُونَ - حَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْمُعَيَّنَ وَمَعَ ¬

(¬1) ظَاهِرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: وَهُمْ يَقُولُونَ. (¬3) ن، م: سَوَاءٌ حَدَثَ.

إِحْدَاثِ الْمُعَيَّنِ وَبَعْدَ إِحْدَاثِ الْمُعَيَّنِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ إِحْدَاثُ الْمُعَيَّنِ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُحْدِثَ شَيْئًا (¬1) . وَأَيْضًا: فَلَمْ يَكُنْ إِحْدَاثُهُ لِلْأَوَّلِ بِأَوْلَى مِنْ إِحْدَاثِهِ لِلثَّانِي، وَلَا تَخْصِيصِ (* الْأَوَّلِ بِقَدْرِهِ وَوَصْفِهِ بِأَوْلَى مِنَ الثَّانِي إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قَطُّ سَبَبٌ يُوجِبُ التَّخْصِيصَ *) (¬2) ، لَا بِقَدْرٍ وَلَا بِوَصْفٍ (¬3) وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. وَهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ قَالَ مِنَ النُّظَّارِ: إِنَّهُ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا (¬4) ، [وَقَالُوا: الْعَقْلُ الصَّرِيحُ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا] (¬5) فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ: إِمَّا قُدْرَةٌ، وَإِمَّا إِرَادَةٌ، وَإِمَّا عِلْمٌ، وَإِمَّا زَوَالُ مَانِعٍ، وَإِمَّا سَبَبٌ مَا. فَيُقَالُ لَهُمْ: وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا الْحَادِثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ سَبَبٌ اقْتَضَى فِعْلَهُ، فَأَنْتُمْ أَنْكَرْتُمْ عَلَى غَيْرِكُمُ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ بِلَا سَبَبٍ، وَالْتَزَمْتُمْ دَوَامَ الْمَفْعُولَاتِ الْحَادِثَةِ بِلَا سَبَبٍ، فَكَانَ مَا الْتَزَمْتُمُوهُ مِنْ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ أَعْظَمَ مِمَّا نَفَيْتُمُوهُ، بَلْ قَوْلُكُمْ مُسْتَلْزِمٌ أَنَّهُ لَا (¬6) فَاعِلَ لِلْحَوَادِثِ ابْتِدَاءً، بَلْ تَحْدُثُ بِلَا فَاعِلٍ، فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَوَادِثِ عِنْدَكُمْ هُوَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ (¬7) ، وَحَرَكَةُ الْفَلَكِ حَرَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَتَحَرَّكُ بِمَا يَحْدُثُ لَهَا مِنَ التَّصَوُّرَاتِ وَالْإِرَادَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ، وَإِنْ ¬

(¬1) ا: فَيُمْتَنَعُ إِحْدَاثُ شَيْئًا؛ ب: فَيُمْتَنَعُ إِحْدَاثُ شَيْءٍ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) ا، ب: لَا بِقَدْرِهِ وَلَا وَصْفِهِ. (¬4) فَاعِلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬7) ن (فَقَطْ) : هُوَ الْحَرَكَةُ الْفَلَكِيَّةُ.

كَانَتْ تَابِعَةً لِتَصَوُّرٍ كُلِّيٍّ وَإِرَادَةٍ كُلِّيَّةٍ، ثُمَّ تِلْكَ التَّصَوُّرَاتُ وَالْإِرَادَاتُ وَالْحَرَكَاتُ تَحْدُثُ بِلَا مُحْدِثٍ [لَهَا] (¬1) أَصْلًا عَلَى قَوْلِكُمْ؛ لِأَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ عِنْدَكُمْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ فِعْلًا حَادِثًا أَصْلًا، بَلْ حَالُهُ قَبْلَ الْحَادِثِ وَبَعْدَهُ وَمَعَهُ سَوَاءٌ، وَكَوْنُ الْفَاعِلِ يَفْعَلُ الْأُمُورَ الْحَادِثَةَ الْمُخْتَلِفَةَ مَعَ أَنَّ حَالَهُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَمَعَ سَوَاءٌ (2 أَبْعَدُ مِنْ كَوْنِهِ يُحْدِثُ حَادِثًا مَعَ أَنَّ حَالَهُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَمَعَ سَوَاءٌ 2) (¬2) . وَإِذَا قِيلَ: تَغَيُّرُ فِعْلِهِ لِتَغَيُّرِ الْمَفْعُولَاتِ 0 قِيلَ: فِعْلُهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمَفْعُولَاتُ عِنْدَكُمْ - كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَنَحْوُهُ مِنْ جَهْمِيَّةِ الْفَلَاسِفَةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ - فَالْمُتَغَيِّرُ هُوَ الْمُنْفَصِلَاتُ عَنْهُ، وَهِيَ الْمَفْعُولَاتُ، وَلَيْسَ هُنَا فِعْلٌ هُوَ غَيْرُهَا يُوصَفُ بِالتَّغَيُّرِ، فَمَا الْمُوجِبُ لِتَغَيُّرِهَا وَاخْتِلَافِهَا وَحُدُوثِ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا مَعَ [أَنَّ] (¬3) الْفَاعِلَ هُوَ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ؟ ! وَفَسَادُ (¬4) هَذَا فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ أَظْهَرُ مِنْ فَسَادِ مَا أَنْكَرْتُمُوهُ عَلَى غَيْرِكُمْ. وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ كَمَا يَقُولُهُ مُثْبِتَةُ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمِلَلِ [وَمِنَ الْفَلَاسِفَةِ] (¬5) الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْمَفْعُولَاتِ إِنَّمَا سَبَبُهُ (¬6) هَذِهِ الْأَفْعَالُ ¬

(¬1) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: فَفَسَادُ. (¬5) عِبَارَةُ " وَمِنَ الْفَلَاسِفَةِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ا، ب: إِنَّمَا هُوَ سَبَبُهُ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْمُحْدِثُ لِجَمِيعِ الْمَفْعُولَاتِ الْمُتَغَيِّرَةِ وَتَغَيُّرَاتِهَا، فَيُمْتَنَعُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي تَغَيُّرِ فِعْلِهِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْلُولِ الْمَخْلُوقِ الْمَصْنُوعِ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْخَالِقِ الصَّانِعِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ عِلَّةً [تَامَّةً] (¬1) ، وَهَذَا يُوجِبُ الدَّوْرَ الْمُمْتَنَعَ، فَإِنَّ كَوْنَ كُلٍّ مِنَ الشَّيْئَيْنِ مُؤَثِّرًا فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَمْرٌ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا يُؤَثِّرُ (¬2) فِيهِمَا هُوَ مِنَ الدَّوْرِ الْقَبْلِيِّ الْمُمْتَنَعِ، فَإِنَّ أَحَدَ الْفَاعِلَيْنِ لَا يَفْعَلُ فِي الْآخَرِ حَتَّى يَفْعَلَ الْآخَرُ فِيهِ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنَّ التَّغَيُّرَ الْحَادِثَ لَا يَحْدُثُ حَتَّى يُحْدِثَهُ هُوَ؛ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْفِعْلِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَا يَقُومُ (¬3) حَتَّى يُحْدِثَهُ ذَلِكَ التَّغَيُّرُ لَزِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ حَتَّى يُوجَدَ ذَاكَ، وَلَا يُوجَدُ ذَاكَ حَتَّى يُوجَدَ هَذَا، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُوجَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يُوجَدَ هُوَ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ بِمَرْتَبَتَيْنِ، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ مَرَّتَيْنِ. وَإِنْ قِيلَ: الْمَفْعُولُ الْمُتَغَيِّرُ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ فِي الْفَاعِلِ تَغَيُّرًا، وَذَلِكَ التَّغَيُّرُ أَوْجَبَ تَغَيُّرًا ثَانِيًا 0 قِيلَ: فَذَلِكَ الْأَوَّلُ إِنَّمَا صَدَرَ عَنْ فِعْلٍ قَائِمٍ (¬4) بِالْفَاعِلِ، فَالْفَاعِلُ مَا قَامَ بِهِ مِنَ الْفِعْلِ هُوَ الْفَاعِلُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْحَوَادِثِ الْمُتَغَيِّرَةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ غَيْرُهُ أَلْبَتَّةَ. وَإِنْ قِيلَ: وُجُودُ مَفْعُولِهِ الثَّانِي مَشْرُوطٌ بِمَفْعُولِهِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ الْفَاعِلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي، فَلَمْ يَحْتَجْ فِي شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا أَثَّرَ فِيهِ ¬

(¬1) تَامَّةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ا: مُؤَثِّرًا؛ ب: مُؤَثِّرٌ. (¬3) ب: لَا يَقُومُ بِهِ. وَيُوجَدُ شَطْبٌ عَلَى " بِهِ " فِي (ن) . (¬4) قَائِمٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

[شَيْءٌ] (¬1) . سِوَاهُ وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الْعِبَادَ أَنْ يَدْعُوهُ [فَيَدْعُونَهُ] (¬2) فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ، وَيُلْهِمُهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَيُطِيعُونَهُ فَيُثِيبَهُمْ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْفَاعِلُ لِلْإِجَابَةِ وَالْإِثَابَةِ كَمَا أَنَّهُ أَوَّلًا جَعَلَ الْعِبَادَ دَاعِينَ مُطِيعِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ. وَكُلُّ مَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْأُمُورَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَعْيَانِ وَصِفَاتِهَا وَأَفْعَالِهَا بِأَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصُ الْأَنْبِيَاءِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ الْقُدَمَاءِ، وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ حُدُوثَ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً أَزَلِيَّةً لِمَعْلُولٍ قَدِيمٍ مَعَ أَنَّهُ دَائِمُ الْفَاعِلِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَوَامِ كَوْنِهِ فَاعِلًا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَفْعُولٌ مُعَيَّنٌ قَدِيمٌ، بَلْ هَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ عَنْ مُوجَبٍ بِذَاتِهِ هُوَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ [لَهُ] (¬3) يُسَلِّمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً فِي الْأَزَلِ لِكُلِّ حَادِثٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مَنْ يَتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ هِيَ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا وَتَسْتَعْقِبُهُ، فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُولُ حَادِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَكُنِ الْمُسْتَلْزِمُ لَهُ أَزَلِيًّا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَأَخُّرِ الْمَعْلُولِ (¬4) وَتَرَاخِيهِ زَمَانًا لَا نِهَايَةَ لَهُ عَنِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ الْأَزَلِيَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ حَادِثٍ يُوجَدُ فِي الْعَالَمِ مُتَأَخِّرٌ (¬5) عَنِ الْأَزَلِ تَأَخُّرًا لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَلَوْ كَانَتْ عِلَّتُهُ التَّامَّةُ ثَابِتَةً فِي الْأَزَلِ لَكَانَ الْمَعْلُولُ ¬

(¬1) شَيْءٌ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) فَيَدْعُونَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن: الْمَعْقُولِ؛ م: الْمَفْعُولِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: مُتَأَخِّرًا.

مُتَأَخِّرًا عَنِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ تَأَخُّرًا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَعْلُولِهَا فَصْلٌ أَصْلًا، بَلِ النِّزَاعُ: هَلْ يَكُونُ مَعَهَا فِي الزَّمَانِ أَوْ يَكُونُ عَقِبَهَا فِي الزَّمَانِ (¬1) ، وَيَكُونُ مَعَهَا (¬2) كَالْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ الزَّمَانِ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ؟ . هَذَا مِمَّا يَتَكَلَّمُ فِيهِ النَّاسُ إِذْ كَانُوا (¬3) مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا (¬4) تَأَخُّرًا عَقْلِيًّا وَأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا. وَهَلْ يَتَّصِلُ بِهَا اتِّصَالًا زَمَانِيًّا أَوْ يَقْتَرِنُ بِهَا اقْتِرَانًا زَمَانِيًّا؟ هَذَا مَحَلُّ نَظَرِ النَّاسِ (¬5) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَا يُحْدِثُ الْعَالَمَ فَلَا تَكُونُ عِلَّتُهُ التَّامَّةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ تَامَّةً (¬6) قَبْلَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ، فَكَيْفَ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ (¬7) تَقَدُّمًا لَا نِهَايَةَ لَهُ؟ لَكِنَّ غَايَةَ مَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِمَا كَانَ قَدِيمًا مِنَ الْعَالَمِ كَالْأَفْلَاكِ، وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ فِيهِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ عِلَّةً تَامَّةً لَهُ عِنْدَ حُدُوثِهِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّ حُدُوثَ الْأَوَّلِ شَرْطٌ فِي حُدُوثِ الثَّانِي كَالْمَاشِي الَّذِي يَقْطَعُ أَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ، وَكَحَرَكَةِ الشَّمْسِ [الَّتِي] تَقْطَعُ (¬8) بِهَا مَسَافَةً بَعْدَ مَسَافَةٍ، كَالْمُتَحَرِّكِ (¬9) لَا يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَقْطَعَ الْأُولَى، فَقَطْعُ ¬

(¬1) ن، م، ا،: هَلْ يَكُونُ مَعَهُ فِي الزَّمَانِ أَوْ يَكُونُ عَقِبَهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْمَقْصُودُ هَلْ يَكُونُ الْمَعْلُولُ مَعَ الْعِلَّةِ فِي الزَّمَانِ أَوْ يَكُونُ عَقِبَ الْعِلَّةِ. (¬2) ن، م: وَيَكُونُ مَعَهُ؛ ا: وَتَكُونُ مَعَهُ؛ ب: يَكُونُ مَعَهَا. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) ا: إِنْ كَانُوا؛ ب: وَإِنْ كَانُوا. (¬4) ن، م، ا: عَلَى أَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ. (¬5) ن، م: الْقِيَاسِ. (¬6) ن، م: ثَابِتَةٌ. (¬7) ن، م، ا: يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا. (¬8) ن، م: وَكَحَرَكَةِ الشَّمْسِ تَقْطَعُ؛ ا: وَكَحَرَكَةِ الشَّمْسِ الَّذِي تَقْطَعُ (¬9) ا: كَالتَّحَرُّكِ؛ ب: فَالْمُتَحَرِّكُ.

الْأُولَى بِحَرَكَتِهِ شَرْطٌ فِي قَطْعِ الثَّانِيَةِ بِحَرَكَتِهِ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ لِقَطْعِ الثَّانِيَةِ إِنَّمَا وُجِدَتْ بَعْدَ الْأُولَى. وَهَذَا غَايَةُ مَا يَقُولُونَهُ وَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ، فَتَارَةً (¬1) يَقُولُونَ: فَيْضُ الْعِلَّةِ الْأُولَى وَالْمَبْدَأِ الْأَوَّلِ أَوْ وَاجِبِ الْوُجُودِ - وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى - دَائِمٌ، لَكِنْ يَتَأَخَّرُ لِيَحْصُلَ الِاسْتِعْدَادُ وَالْقَوَابِلُ، وَسَبَبُ الِاسْتِعْدَادِ وَالْقَوَابِلِ [عِنْدَ] (¬2) كَثِيرٍ مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرِهِمْ - هُوَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ، فَلَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ سَبَبٌ لِتَغَيُّرَاتِ الْعَالَمِ إِلَّا حَرَكَةَ الْفَلَكِ - كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ - وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِ أَرِسْطُو. وَأَمَّا آخَرُونَ أَعْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ - كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِ - فَيَقُولُونَ: بَلْ سَبَبُ التَّغَيُّرَاتِ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ مِنْ إِرَادَاتٍ مُتَجَدِّدَةٍ، بَلْ وَمِنْ إِدْرَاكَاتٍ، كَمَا قَدْ بَسَطَهُ فِي كِتَابِهِ الْمُعْتَبَرِ. فَأُولَئِكَ - كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ - يَقُولُونَ: هُوَ بِنَفْسِهِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِلْعَالَمِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحَوَادِثِ الْمُتَجَدِّدَةِ، وَإِنَّ الْحَادِثَ الْأَوَّلَ كَانَ شَرْطًا أَعَدَّ الْقَابِلَ (¬3) لِلْحَادِثِ الثَّانِي. وَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْمُنَاقَضَةِ لِأُصُولِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ عِلَّةَ الْحَادِثِ الثَّانِي لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِتَمَامِهَا مَوْجُودَةً عِنْدَ وُجُودِهِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْحَادِثِ الثَّانِي (¬4) لَمْ يَتَجَدَّدْ لِلْفَاعِلِ الْأَوَّلِ أَمْرٌ بِهِ يَفْعَلُ إِلَّا عَدَمُ الْأَوَّلِ، وَمُجَرَّدُ عَدَمِ الْأَوَّلِ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ لِلْفَاعِلِ لَا قُدْرَةً وَلَا إِرَادَةً وَلَا ¬

(¬1) ا: بِعِبَارَةٍ فَتَارَةً؛ ن: بِعِبَارَاتٍ تَارَةً. (¬2) عِنْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن: الْقَايِلَ؛ م: لِلْمُقَابِلِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬4) ا، ب: عِنْدَ وُجُودِهِ عِنْدَ الْحَادِثِ الثَّانِي؛ م: عِنْدَ وُجُودِهِ وَهَذَا الْحَادِثِ الثَّانِي.

غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ عِنْدَهُمْ لَا يَقُومُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَلَا لَهُ أَحْوَالٌ مُتَنَوِّعَةٌ أَصْلًا، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ (¬1) أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ كَانَ صُدُورُهُ مُمْتَنَعًا مِنْهُ وَحَالُهُ حَالُهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ إِلَّا أَمْرٌ عَدَمِيٌّ لَمْ يُوجِبْ لَهُ زِيَادَةَ قُدْرَةٍ وَلَا إِرَادَةٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ؟ . وَهَذَا بِخِلَافِ (¬2) مَا يُمَثِّلُونَ بِهِ مِنْ حَرَكَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَحَرِّكَةِ (¬3) بِالْإِرَادَةِ أَوْ (¬4) بِالطَّبْعِ، فَإِنَّ الْمُتَحَرِّكَ إِذَا قَطَعَ الْمَسَافَةَ [الْأُولَى] (¬5) صَارَ لَهُ مِنَ الْقُدْرَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ (¬6) قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَصَلَ عِنْدَهُ مِنَ الْإِرَادَةِ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ إِذَا مَشَى، فَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ عَجْزًا عَنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا، وَهُوَ قَبْلَ وُصُولِهِ عَازِمٌ عَلَى قَطْعِهَا، إِذَا وَصَلَ لَيْسَ هُوَ مُرِيدًا فِي هَذَا (¬7) الْحَالِ لِقَطْعِهَا فِي هَذَا (¬8) الْحَالِ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهَا صَارَ مُرِيدًا لِقَطْعِهَا قَادِرًا عَلَى قَطْعِهَا، وَعِنْدَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ يَجِبُ وُجُودُ الْمُرَادِ، فَحِينَئِذٍ تُقْطَعُ لَا لِمُجَرَّدِ عَدَمِ الْحَرَكَةِ الَّتِي بِهَا قَطْعُ الْأُولَى بَلْ لِمَا تَجَدَّدَ لَهُ مِنَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، فَهَذَا (¬9) الْمُتَجَدِّدُ الْمُقْتَضِي لَهُ هُوَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْإِرَادَةِ الْكُلِّيَّةِ ¬

(¬1) ن، م: يُتَضَمَّنُ. (¬2) ن: خِلَافِ؛ م: يُخَالِفُ. (¬3) ا، ب: الْحَرَكَاتِ؛ م: الْمُتَحَرِّكَاتِ. (¬4) أَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) الْأُولَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬7) ا، ب: هَذِهِ. (¬8) ا، ب: هَذِهِ. (¬9) ا، ب: وَهَذَا.

وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْقُدْرَةِ، وَكَانَ قَطْعُ الْأُولَى مَانِعًا مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا زَالَ الْمَانِعُ (¬1) عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ، فَتَمَّتْ إِرَادَتُهُ وَقُدْرَتُهُ فَقَطَعَ الْمَسَافَةَ. وَهَكَذَا حَرَكَةُ الْحَجَرِ مِنْ فَوْقٍ إِلَى أَسْفَلَ، كُلَّمَا نَزَلَ تَجَدَّدَ فِيهِ قُوَّةٌ، وَقَبْلَ [ذَلِكَ] (¬2) لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ حَرَكَةُ الشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ، لَا سِيَّمَا وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ حَرَكَتَهَا اخْتِيَارِيَّةٌ؛ لِمَا يَتَجَدَّدُ [لَهَا] (¬3) مِنَ التَّصَوُّرَاتِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْإِرَادَاتِ الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ لَهَا (¬4) شَيْئًا فَشَيْئًا، هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُهُمْ: أَرِسْطُو وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ حَرَكَتَهَا عِنْدَهُمْ نَفْسَانِيَّةٌ، فَالْمُقْتَضَى التَّامُّ لِلْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ الْحَرَكَةِ إِنَّمَا وُجِدَ عَنْهَا (¬5) ، لَمْ يَكُنِ الْمُقْتَضَى التَّامُّ مَوْجُودًا قَبْلُ، وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِ الْمُتَحَرِّكِ أَوِ الْمُحَرِّكِ وَهُوَ النَّفْسُ الَّتِي يَتَجَدَّدُ لَهَا تَصَوُّرَاتٌ وَإِرَادَاتٌ جُزْئِيَّةٌ وَقُوَّةٌ جُزْئِيَّةٌ يَتَحَرَّكُ بِهَا (¬6) شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَحَرَكَةِ الْمَاشِي، فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا مُحَرِّكًا وَلَا مُتَحَرِّكًا حَالَهُ قَبْلَ الْحَرَكَةِ (¬7) وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ وَالْحَرَكَةُ تَصْدُرُ عَنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِنَّ هَذَا لَا وُجُودَ لَهُ، وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ يُحِيلُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَادِثَ لَا يَحْدُثُ إِلَّا عِنْدَ حُدُوثِ مُوجِبِهِ التَّامِّ، وَهُوَ عِلَّتُهُ التَّامَّةُ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: لَا يَتَرَجَّحُ إِلَّا إِذَا وُجِدَ مُرَجِّحُهُ التَّامُّ الْمُسْتَلْزِمُ لَهُ 0 ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : فَلَمَّا زَالَ قَطْعُ الْمَانِعِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) ا، ب: عِنْدَهَا. (¬6) ا، ب: لَهَا. (¬7) ن (فَقَطْ) : حَالَةٌ قَبْلَ حَالَةِ الْحَرَكَةِ.

وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَالْحَرَكَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ كَانَ مُرَجِّحُهَا التَّامُّ حَاصِلًا عِنْدَ الْأُولَى لَوَجَبَ (¬1) حُصُولُهَا عِنْدَ الْأُولَى، بَلْ إِنَّمَا يَتِمُّ حُصُولُهَا عِنْدَ حُصُولِ الْمُرَجَّحِ التَّامِّ، إِمَّا مُقْتَرِنَةً بِهِ فِي الزَّمَانِ أَوْ مُتَّصِلَةً بِهِ فِي الزَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ لِلْحَرَكَةِ سَبَبٌ حَادِثٌ يُوجِبُ أَنْ يُصَيِّرَهَا حَادِثَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً، وَكَذَلِكَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ الْقَرِيبُ مِنَ الْحَرَكَةِ. وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ لَهُ إِرَادَةٌ [تَامَّةٌ] (¬2) عَامَّةٌ كُلِّيَّةٌ لِمَا يُحْدِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَتِلْكَ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِرَادَةٍ أُخْرَى جُزْئِيَّةٍ لِحَادِثِ حَادِثٍ (¬3) يُقَارِنُهُ، كَمَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ إِذَا مَشَى فِي سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (¬4) إِلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُقْتَضَى الْعَامَّ إِمَّا بِإِرَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَدْ يَكُونُ مُقْتَضَاهُ عَامًّا مُطْلَقًا، لَكِنْ يَتَأَخَّرُ لِتَأَخُّرِ الِاسْتِعْدَادَاتِ وَالْقَوَابِلِ إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ مِنْ جِهَتِهَا فَيْضٌ عَامٌّ، لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ [مِنَ] (¬5) الْقَوَابِلِ وَارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ، وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ تَأْثِيرُهَا وَيَتَأَخَّرُ بِحَسَبِ الْقَوَابِلِ وَالشُّرُوطِ، وَتِلْكَ لَيْسَتْ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ هُمْ يَقُولُونَ: (¬6) إِنَّ الْعَقْلَ الْفَعَّالَ دَائِمُ الْفَيْضِ، عَنْهُ يَفِيضُ كُلُّ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : لِوُجُوبِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) تَامَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) حَادِثٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) ن (فَقَطْ) : أَوْ فِي غَيْرِهِ. (¬5) مِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ن، م، ا: وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: هُمْ.

مَا فِي الْعَالَمِ مِنَ الصُّوَرِ (¬1) النَّفْسَانِيَّةِ وَالْجُسْمَانِيَّةِ، فَعَنْهُ (¬2) تَفِيضُ الْعُلُومُ وَالْإِرَادَاتُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَهُمْ عِنْدَهُمْ رَبُّ كُلِّ مَا تَحْتَ فَلَكِ الْقَمَرِ، لَكِنْ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا عِنْدَهُمْ، بَلْ فَيْضُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ الِاسْتِعْدَادَاتِ وَالْقَوَابِلِ الَّتِي تَحْصُلُ بِحَرَكَاتِ (¬3) الْأَفْلَاكِ، وَتِلْكَ الْحَرَكَاتُ الَّتِي فَوْقَ فَلَكِ الْقَمَرِ لَيْسَتْ مِنْهُ بَلْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْعَقْلُ هُوَ رَبُّ الْبَشَرِ عِنْدَهُمْ (¬4) ، وَمِنْهُ يَفِيضُ الْوَحْيُ وَالْإِلْهَامُ، وَقَدْ يُسَمُّونَهُ جِبْرِيلَ، وَقَدْ يَجْعَلُونَ جِبْرِيلَ مَا قَامَ بِنَفْسِ النَّبِيِّ مِنَ الصُّورَةِ الْخَيَالِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ (¬5) مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّهُمْ يُمَثِّلُونَ فَيْضَ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِفَيْضِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ وَفَيْضِ الشَّمْسِ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُفِيضَ هُنَا لَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِالْفَيْضِ (¬6) ، بَلْ فَيْضُهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَا يُحْدِثُهُ غَيْرُهُ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ وَالْقَبُولِ (¬7) ، وَإِحْدَاثُ غَيْرِهِ لَهُ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ. فَأَمَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ فَهُمْ يُسَلِّمُونَ أَنَّهُ (¬8) لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْفَيْضِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ فَيْضِهِ عَلَى فِعْلٍ مِنْ غَيْرِهِ، بَلْ هُوَ رَبُّ الْقَابِلِ وَالْمَقْبُولِ وَرَبُّ الْمُسْتَعِدِّ وَالْمُسْتَعَدِّ لَهُ، وَمِنْهُ الْإِعْدَادُ وَمِنْهُ الْإِمْدَادُ. ¬

(¬1) ا، ب: الصُّورَةُ. (¬2) ا: فَفِيهِ؛ ب: فَمِنْهُ. (¬3) ا، ب: بِحَرَكَةِ. (¬4) ا، ب: عِنْدَهُمْ هُوَ رَبُّ الْبَشَرِ. (¬5) كَلَامٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) ن، م: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا لَيْسَ مُسْتَقْبَلًا بِالْفَيْضِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن، م: مِنَ اسْتِعْدَادِ الْقَوَابِلِ. (¬8) ا، ب: أَنْ.

فَإِذَا قَالُوا بَعْدَ هَذَا: إِنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ، وَإِنَّ فَيْضَهُ عَامٌّ لَكِنَّهُ (¬1) يَتَوَقَّفُ عَلَى حُدُوثِ الْقَوَابِلِ وَالِاسْتِعْدَادَاتِ، إِمَّا بِحُدُوثِ الْأَشْكَالِ الْفَلَكِيَّةِ وَالِاتِّصَالَاتِ الْكَوْكَبِيَّةِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ (¬2) قِيلَ لَهُمْ: إِنْ قُلْتُمْ: هُوَ عِلَّةٌ أَزَلِيَّةٌ لِهَذَا الْحَادِثِ لَزِمَ وُجُودُهُ فِي الْأَزَلِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يَصِيرُ عِلَّةً تَامَّةً إِلَّا بِحُدُوثِ الْقَوَابِلِ قِيلَ لَكُمْ: فَإِذَا كَانَ حُدُوثُ الْقَوَابِلِ مِنْهُ فَهُوَ الْمُحْدِثُ لَهُمَا جَمِيعًا، فَقَبْلَ إِحْدَاثِهِمَا لَمْ يَكُنْ عِلَّةً تَامَّةً لَا لِهَذَا وَلَا لِهَذَا، ثُمَّ أَحْدَثَهُمَا (¬3) جَمِيعًا: الْقَابِلَ وَالْمَقْبُولَ، فَإِذَا كَانَ أَحْدَثَهُمَا (¬4) بِدُونِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَزَلْ عِلَّةً تَامَّةً لَهُمَا أَوْ لَمْ يَصِرْ عِلَّةً تَامَّةً لَهُمَا، فَيَلْزَمُ إِمَّا قِدَمُ هَذَيْنِ الْحَادِثَيْنِ وَإِمَّا عَدَمُهُمَا. فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَزَلْ (¬5) عِلَّتَهُمَا لَزِمَ قِدَمُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ لَزِمَ عَدَمُهُمَا، وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ عِلَّةَ هَذَيْنِ الْحَادِثَيْنِ حَدَثَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، أَيْ حَدَثَتْ بِتَمَامِهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ (¬6) ، وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ أَوْجَبَ حُدُوثَ التَّمَامِ (¬7) ، فَإِنَّ الْفَاعِلَ لِلتَّمَامِ (¬8) حَالَةٌ بَعْدَ التَّمَامِ وَحَالَةٌ قَبْلَ التَّمَامِ (¬9) سَوَاءٌ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ ¬

(¬1) ن، م: لِكَوْنِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: هَذَا. (¬3) ن: إِلَّا بِحَدَثِ. (¬4) ب (فَقَطْ) : إِحْدَاثُهُمَا. (¬5) ب: فَإِنْ لَمْ تَزَلْ. .؛ ا: فَإِنَّهُ لَمْ تَزَلْ. (¬6) ن، م: حَدَثَ تَمَامُهُمَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ ا: حَدَثَ بِتَمَامِهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ. (¬7) ن، م: التَّامِّ. (¬8) ن، م: التَّامِّ. (¬9) ن، م: بَعْدَ التَّمَامِ وَقَبْلَ التَّمَامِ.

يَكُونُ عِلَّةً تَامَّةً لَهُ فِي إِحْدَى الْحَالَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، وَكُلُّ مَا يُقَدِّرُونَهُ مِمَّا حَصَلَ تَمَامُ الْعِلَّةِ (¬1) هُوَ أَيْضًا حَادِثٌ عَنِ الْأَوَّلِ، فَحَقِيقَةُ قَوْلِكُمْ أَنَّ حَوَادِثَ الْعَالَمِ تَحْدُثُ (¬2) ، عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عِلَّةً تَامَّةً لَهَا (¬3) ، أَوْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ عِلَّةً تَامَّةً، مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ إِنَّمَا تَكُونُ تَامَّةً عِنْدَ مَعْلُولِهَا لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، وَهَذَا يَتَقَضَّى عَدَمَ الْحَوَادِثِ أَوْ قِدَمَ الْحَوَادِثِ، وَكِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِلْمُشَاهَدَةِ (¬4) . وَلِهَذَا كَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْحَوَادِثَ تَحْدُثُ بِلَا مُحْدِثٍ لَهَا (¬5) ، وَقَوْلُهُمْ فِي حَرَكَةِ الْفَلَكِ يُشْبِهُ قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ فِي حَرَكَةِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ (¬6) تَقُولُ: إِنَّ (¬7) الْحَيَوَانَ قَادِرٌ مُرِيدٌ، وَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ (¬8) بِدُونِ سَبَبٍ أَوْجَبَ الْفِعْلَ، بَلْ مَعَ كَوْنِ نِسْبَةِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُدُوثِ إِلَى هَذَا الْحَادِثِ وَهَذَا الْحَادِثِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَا يُؤْمِنُ بِهِ الْمُؤْمِنُ وَيُطِيعُ بِهِ الْمُطِيعُ قَدْ حَصَلَ لِكُلِّ مَنْ أُمِرَ (¬9) بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، لَكِنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُطِيعَ رَجَّحَ الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ بِدُونِ سَبَبٍ اخْتَصَّ بِهِ حَصَلَ بِهِ (¬10) الرُّجْحَانُ، وَالْكَافِرَ بِالْعَكْسِ ¬

(¬1) ن، م: التَّمَامُ الْعِلَّةُ. (¬2) ا: حُدُوثُ الْعَالَمِ تَحْدُثُ؛ ب: حُدُوثُ الْعَالَمِ يَحْدُثُ. (¬3) ا، ب: لَهُ. (¬4) ن، م: بِخِلَافِ الْمُشَاهَدَةِ. (¬5) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) ن (فَقَطْ) : فَالْقَدَرِيَّةُ. (¬7) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬8) عِبَارَةُ " مَا يَفْعَلُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬9) ن، م: لِكُلِّ مَنْ آمَنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

وَهَذَا يَقُولُهُ (¬1) هَؤُلَاءِ فِي حَرَكَةِ الْفَلَكِ: إِنَّهُ يَتَحَرَّكُ دَائِمًا بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوْجَبَ كَوْنَهُ مُرِيدًا قَادِرًا، مَعَ أَنَّ إِرَادَتَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحَرَكَاتِهِ حَادِثَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ (¬2) حَادِثَةً مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ جَعْلَهُ مُرِيدًا مُتَحَرِّكًا، فَقَدْ حَصَلَ الْمُمْكِنُ بِدُونِ الْمُرَجَّحِ التَّامِّ الَّذِي أَوْجَبَ رُجْحَانَهُ، وَحَصَلَ الْحَادِثُ بِدُونِ السَّبَبِ التَّامِّ الَّذِي أَوْجَبَ حُدُوثَهُ. ثُمَّ إِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ قَوْلَهُمْ: إِنَّ الْقَادِرَ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ بِلَا مُرَجِّحٍ بَلْ بِإِرَادَةٍ (* يُحْدِثُهَا [هُوَ] (¬3) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ غَيْرُهُ تِلْكَ الْإِرَادَةَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ أَوْجَبَ الْإِرَادَةَ بِلَا إِرَادَةٍ *) (¬4) . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَهُوَ يُنَاقِضُ أُصُولَهُمُ الصَّحِيحَةَ، فَإِذَا كَانُوا يُسَلِّمُونَ أَنَّ الْإِرَادَاتِ الْحَادِثَةَ وَالْحَرَكَاتِ (¬5) الْحَادِثَةَ لَا تَحْدُثُ إِلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ حُدُوثَهَا، وَأَنَّهُ (¬6) عِنْدَ كَمَالِ السَّبَبِ يَجِبُ حُدُوثُهَا، وَعِنْدَ نَقْصِهِ يُمْتَنَعُ حُدُوثُهَا، عَلِمُوا أَنَّ مَا قَالُوهُ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَسَبَبِ الْحَوَادِثِ بَاطِلٌ. فَإِنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْفَلَكِ عِنْدَهُمْ سَبَبٌ يُوجِبُ حُدُوثَ مَا يَحْدُثُ لَهُ مِنَ التَّصَوُّرَاتِ وَالْإِرَادَاتِ إِلَّا مِنْ جِنْسِ مَا لِلْمَخْلُوقِ الْفَقِيرِ إِلَى وَاجِبِ ¬

(¬1) ا: وَهَكَذَا يَقُولُهُ؛ ب: وَهَكَذَا يَقُولُ. (¬2) ن (فَقَطْ) : حَادِثَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (ا) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬5) ن (فَقَطْ) : الْإِرَادَةُ الْحَادِثَةُ وَالْحَرَكَةُ. (¬6) ا، ب: فَإِنَّهُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الْوُجُودِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا كَانَ بِالْقُوَّةِ لَا يَخْرُجُ إِلَى الْفِعْلِ إِلَّا بِمُخْرِجٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْفَلَكِ مَا يُوجِبُ حُدُوثَ حَرَكَتِهِ. وَمَا يَذْكُرُهُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ يُحَرِّكُ الْفَلَكَ حَرَكَةَ الْمَعْشُوقِ لِعَاشِقِهِ، وَأَنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، وَأَنَّهُ بِذَلِكَ عِلَّةُ الْعِلَلِ وَبِهِ قِوَامُ الْفَلَكِ، إِذْ (¬1) كَانَ قِوَامُ الْفَلَكِ بِحَرَكَتِهِ، وَقِوَامُ حَرَكَتِهِ بِإِرَادَتِهِ وَشَوْقِهِ، وَقِيَامُ إِرَادَتِهِ وَشَوْقِهِ بِوُجُودِ [الْمَحْبُوبِ] (¬2) السَّابِقِ الْمُرَادَ الَّذِي تَحَرَّكَ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، فَهَذَا الْكَلَامُ - مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ الَّذِي بُيِّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ - غَايَتُهُ إِثْبَاتُ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ لِحَرَكَةِ الْفَلَكِ، لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ لِحَرَكَتِهِ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا: هُوَ الْمُحْدِثُ لِتَصَوُّرَاتِهِ وَحَرَكَاتِهِ مِنْ [غَيْرِ] (¬3) احْتِيَاجٍ إِلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ وَإِلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى فِي كَوْنِهِ فَاعِلًا لِذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الْمُحِبَّ الْعَاشِقَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْمَحْبُوبِ الْمَعْشُوقِ (¬4) مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فَاعِلًا لِلْحَرَكَةِ إِلَيْهِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ هُوَ الْمُرَادُ الْمَطْلُوبُ بِالْحَرَكَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ بِاسْتِغْنَاءِ الْحَرَكَاتِ الْمُحْدَثَةِ وَالْمُتَحَرِّكَاتِ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحَوَادِثِ وَلَا هُوَ رَبُّهَا. فَإِنْ قَالُوا مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِعِ الْفَلَكَ بَلْ هُوَ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ رَبَّ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ وَإِنْ قَالُوا: هُوَ الَّذِي أَبْدَعَهُ، كَانَ تَنَاقُضًا مِنْهُمْ كَتَنَاقُضِ الْقَدَرِيَّةِ، فَإِنَّ إِبْدَاعَهُ لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ يُوجِبُ أَنْ لَا ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : إِذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) الْمَحْبُوبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) غَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن، م: الْمَعْشُوقِ الْمَحْبُوبِ.

يَحْدُثَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بِفِعْلِ الرَّبِّ لِذَلِكَ وَإِحْدَاثِهِ [لَهُ] (¬1) ، كَمَا لَا يَحْدُثُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ حَادِثٌ إِلَّا بِخَلْقِ الرَّبِّ لِذَلِكَ وَإِحْدَاثِهِ لَهُ. فَقَوْلُهُمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ الْعَامِّ وَبَيْنَ التَّعْطِيلِ (¬2) الْخَاصِّ الَّذِي يَكُونُونَ فِيهِ شَرًّا مِنَ الْقَدَرِيَّةِ (¬3) ، وَرَدُّهُمْ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، وَهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. وَقَدْ ذُكِرَ (¬4) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ كَلَامِ أَرِسْطُو فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَبَيَّنَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةِ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى خَيْرٌ مِنْهُمْ بِكَثِيرٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا أَرِسْطُو وَالْقُدَمَاءُ فِي إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى هِيَ طَرِيقُ الْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَأَثْبَتُوا عِلَّةً غَائِيَّةً كَمَا ذُكِرَ. فَلَمَّا رَأَى ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا فِيهَا مِنَ الضَّلَالِ عَدَلُوا إِلَى طَرِيقَةِ الْوُجُودِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ، وَسَرَقُوهَا مِنْ طَرِيقِ (¬5) الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَجُّوا بِالْمُحْدَثِ عَلَى الْمُحْدِثِ، فَاحْتَجَّ أُولَئِكَ بِالْمُمْكِنِ عَلَى الْوَاجِبِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ وَاجِبٍ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ تَعْيِينِهِ فَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَهُمْ سَلَكُوا (¬6) ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) ن، م: الْعَامِّ وَالتَّعْطِيلِ. (¬3) ن، م: الْخَاصِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَسْوَأَ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ. (¬4) ا، ب: وَقَدْ ذَكَرْنَا. (¬5) ن، م: طُرُقِ. (¬6) ن، م: يَسْلُكُونَ.

رد ابن ملكا ومتابعيه على سلفهم من الفلاسفة

طَرِيقَةَ التَّرْكِيبِ، وَهِيَ أَيْضًا مَسْرُوقَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِلَّا فَكَلَامُ أَرِسْطُو فِي الْإِلَهِيَّاتِ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ مَعَ كَثْرَةِ الْخَطَأِ فِيهِ، وَلَكِنَّ ابْنَ سِينَا وَأَمْثَالَهُ وَسَّعُوهُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَأَسْرَارِ الْآيَاتِ وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ، بَلْ وَفِي مَعَادِ الْأَرْوَاحِ بِكَلَامٍ لَا يُوجَدُ لِأُولَئِكَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الصَّوَابِ فَجَرَوْا فِيهِ عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا فِيهِ مِنْ خَطَأٍ بَنَوْهُ عَلَى أُصُولِ سَلَفِهِمُ الْفَاسِدَةِ. وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِينَا فِي الْوَحْيِ وَالْمَنَامَاتِ وَأَسْبَابِ الْعِلْمِ بِالْمُسْتَقْبَلَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ أَمْرُ ذَكَرَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقُلْهُ قَبْلَهُ الْمَشَّاءُونَ سَلَفُهُ. [رد ابن ملكا ومتابعيه على سلفهم من الفلاسفة] وَأَمَّا أَبُو الْبَرَكَاتِ صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " وَنَحْوُهُ، فَكَانُوا بِسَبَبِ عَدَمِ تَقْلِيدِهِمْ لِأُولَئِكَ، وَسُلُوكِهِمْ طَرِيقَةَ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ بِلَا تَقْلِيدٍ، وَاسْتِنَارَتِهِمْ بِأَنْوَارِ النُّبُوَّاتِ أَصْلَحَ قَوْلًا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَأَثْبَتَ (¬1) عِلْمَ الرَّبِّ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَرَدَّ عَلَى سَلَفِهِ رَدًّا جَيِّدًا، وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَفْعَالَهُ وَبَيَّنَ مَا بَيَّنَهُ مِنْ خُطَّاءِ سَلَفِهِ (¬2) ، وَرَأَى فَسَادَ قَوْلِهِمْ فِي أَسْبَابِ الْحَوَادِثِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَثْبَتَ لِلرَّبِّ مَا يَقُومُ بِهِ الْإِرَادَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَوَادِثِ، وَقَوْلُهُمْ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَدَثَتِ (¬3) الْحَوَادِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِمَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ، فَلَا يُثْبِتُونَ أُمُورًا مُتَجَدِّدَاتٍ مُخْتَلِفَةً ¬

(¬1) ن، م، ا: فَأَثْبَتُوا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ب: وَبَيَّنَ مَا بَيَّنَ خَطَأُ سَلَفِهِ. (¬3) ا، ب، م: حَدَثَ.

عَنْ وَاحِدٍ بَسِيطٍ لَا صِفَةَ لَهُ وَلَا فِعْلَ كَمَا قَالَ أُولَئِكَ، بَلْ وَافَقُوا قَوْلَ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو الَّذِينَ يُثْبِتُونَ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْحَادِثَ الْمُعَيَّنَ إِنَّمَا حَدَثَ لَمَّا حَصَلَتْ عِلَّتُهُ التَّامَّةُ الَّتِي لَمْ تَتِمَّ إِلَّا عِنْدَ حُدُوثِهِ، وَتَمَامُ الْعِلَّةِ كَانَ بِمَا يُحْدِثُهُ الرَّبُّ تَعَالَى وَمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ إِرَادَتِهِ وَأَفْعَالِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (¬1) مِمَّا يَقُولُونَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَلِهَذَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ مُدَبِّرًا لِهَذَا الْعَالَمِ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِيهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ وَالْعُلُومِ وَغَيْرِهَا، وَيَقُولُونَ إِنَّ مَنْ نَفَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَنْفِهِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لِمُجَرَّدِ تَنْزِيهٍ وَإِجْلَالٍ مُجْمَلٍ، وَإِنَّهُ يَجِبُ التَّنْزِيهُ وَالْإِجْلَالُ مِنْ هَذَا التَّنْزِيهِ وَالْإِجْلَالِ. فَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ: فَعِنْدَ حُدُوثِ الْحَادِثِ (¬2) الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ، وَلَا يَكْفِي عَدَمُ الْأَوَّلِ. قَالُوا (¬3) : بَلْ حَصَلَ مِنْ كَمَالِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ مَا أَوْجَبَ حُدُوثَ الْمَقْدُورِ، وَلَا نَقُولُ إِنَّ حَالَ الْفَاعِلِ (¬4) قَبْلُ وَبَعْدُ وَاحِدٌ لَمْ يَتَجَدَّدْ أَمْرٌ يَفْعَلُ بِهِ الثَّانِي، [بَلْ تَتَنَوَّعُ] (¬5) أَحْوَالُ الْفَاعِلِ، وَنَفْسُهُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِتِلْكَ الْأَحْوَالِ الْقَائِمَةِ بِهِ، لَكِنَّ وُجُودَ الْحَالِ الثَّانِي مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ مَا ¬

(¬1) ا، ب: وَأَفْعَالِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. . إِلَخْ. (¬2) ن، م: الْحَوَادِثُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) قَالُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ا: وَلَا يَقُولُونَ إِنَّ الْفَاعِلَ؛ ب: وَلَا يَقُولُ إِنَّ الْفَاعِلَ. (¬5) ا، ب: يَفْعَلُ بِهِ الثَّانِي بِتَنَوُّعِ. . إِلَخْ.

يُضَادُّهُ، وَنَفْسُ الْفَاعِلِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَالِ الثَّانِي. فَوَاجِبُ الْوُجُودِ لَا يَحْتَاجُ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ أَنْ يُضَافَ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْمُمْكِنَاتِ، بَلْ نَفْسُهُ الْوَاجِبَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِكُلِّ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْفَاعِلُ لِلْمَلْزُومِ وَلَوَازِمِهِ، وَالْفَاعِلُ لِأَحَدِ الْمُتَنَافِيَيْنِ (¬1) عِنْدَ عَدَمِ الْآخَرِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لَكِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى تَحْرِيكِ الْجِسْمِ بَدَلًا عَنْ تَسْكِينِهِ، وَعَلَى تَسْكِينِهِ بَدَلًا عَنْ تَحْرِيكِهِ، وَعَلَى تَسْوِيدِهِ (¬2) بَدَلًا عَنْ تَبْيِيضِهِ، وَعَلَى تَبْيِيضِهِ (¬3) بَدَلًا عَنْ تَسْوِيدِهِ، وَهُوَ يَفْعَلُ أَحَدَ الضِّدَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ إِذَا حَصَلَتْ إِرَادَتُهُ التَّامَّةُ مَعَ قُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ، وَنَفْسُهُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُهَا لِلْأَوَّلِ شَرْطًا فِي حُصُولِ الثَّانِي، فَلَيْسَتْ فِي تِلْكَ مُفْتَقِرَةً إِلَى غَيْرِهَا، بَلْ كُلُّ مَا سِوَاهَا فَقِيرٌ إِلَيْهَا، وَهِيَ غَنِيَّةٌ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا. وَهَؤُلَاءِ تَخَلَّصُوا مِمَّا وَرَدَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ وَمِنْ فَسَادِ تَمْثِيلِهِمْ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ إِذَا مَثَّلُوا قَوْلَهُمْ بِمَا يُعْقَلُ (¬4) مِنْ حَرَكَةِ الْحَيَوَانِ وَالشَّمْسِ، لَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَرْقِ وَالنَّقْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [مَا يَرِدُ عَلَى] (¬5) مَنْ قَبْلَهُمْ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ (¬6) يُقَالُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ فِي ¬

(¬1) ن، م: الْمُتَنَاقِضَيْنِ. (¬2) ن، م: وَتَسْوِيدِهِ. (¬3) ن، م: وَتَبْيِيضِهِ. (¬4) ن، م: بِمَا يَفْعَلُ. (¬5) عِبَارَةُ " مَا يَرِدُ عَلَى ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مِثْلَ ابْنِ سِينَا وَمُتَابِعِيهِ.

الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى [شَيْءٍ مِنْ] (¬1) ذَلِكَ؟ وَأَنْتُمْ فَجَمِيعُ مَا تَذْكُرُونَهُ أَنْتُمْ وَأَمْثَالُكُمْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ الْفِعْلِ، لَا عَلَى دَوَامِ فِعْلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا مَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ دَوَامُ الْفَلَكِ أَوْ مَادَّةُ الْفَلَكِ (¬2) أَوِ الْعُقُولُ أَوِ النُّفُوسُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، مِمَّا يَقُولُ الْقَائِلُونَ بِالْقِدَمِ: إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُقَارِنًا لِلرَّبِّ تَعَالَى قَدِيمًا بِقِدَمِهِ أَبَدِيًّا بِأَبَدِيَّتِهِ؟ . فَيُخَاطِبُونَ أَوَّلًا مُخَاطَبَةَ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّلِيلِ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ أَصْلًا (¬3) ، بَلْ إِنَّمَا طَمِعُوا فِي مُنَاظَرَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ (¬4) الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ جِنْسَ الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ صَارَ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنَعًا مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، وَصَارَ الْفَاعِلُ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ لَا فِي زَمَانٍ، وَإِنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْقَدِيمُ مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ، لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَفْعَلُ مِنَ الْأَزَلِ، إِلَى أَنْ تَكَلَّمَ وَفَعَلَ (¬5) ، ثُمَّ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ يَتَعَطَّلُ عَنِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ فَتَفْنَى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، أَوْ تَفْنَى حَرَكَتُهُمَا، كَمَا قَالَهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فِي فَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكَمَا قَالَهُ أَبُو الْهُذَيْلِ [الْعَلَّافُ] (¬6) فِي فَنَاءِ الْحَرَكَاتِ. وَجَعَلُوا مُدَّةَ فِعْلِ الرَّبِّ وَكَلَامَهُ مُدَّةً فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ. ¬

(¬1) شَيْءٍ مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) ن، م: أَوْ مَادَّتُهُ. (¬3) ا، ب: أَبَدًا. (¬4) أَيْ أَنَّ ابْنَ سِينَا وَأَمْثَالَهُ رَغْمَ ضَعْفِ أَدِلَّتِهِمْ إِنَّمَا اسْتَعْلَوْا وَنَفَقَتْ بِضَاعَتُهُمْ بِسَبَبِ بَعْضِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ (الَّذِينَ قَالُوا كَيْتَ وَكَيْتَ) . (¬5) ن، م: إِلَى أَنْ فَعَلَ وَتَكَلَّمَ. (¬6) الْعَلَّافُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

فَطَمِعَ هَؤُلَاءِ (¬1) فِي هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ (¬2) فِي أُصُولِهِمْ، وَأَقَامُوا (¬3) الشَّنَاعَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُبْتَدِعِينَ (¬4) ، وَظَنُّوا أَنْ لَا قَوْلَ إِلَّا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ، أَوْ قَوْلُ أُولَئِكَ الْفَلَاسِفَةِ الْمُلْحِدِينَ (¬5) ، وَرَأَوْا أَنَّ الْعَقْلَ يُفْسِدُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ، وَرَأَوُا السَّمْعَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِينَ أَقْرَبَ وَعَنِ الْمُلْحِدِينَ أَبْعَدَ، فَقَالُوا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ ضَرَبُوا الْأَمْثَالَ وَخَيَّلُوا، وَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْإِخْبَارُ بِالْحَقَائِقِ. وَدَخَلُوا مِنْ بَابِ الْإِلْحَادِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِحَسَبِ مَا أَنْكَرُوهُ مِنَ السَّمْعِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ الْفَلَاسِفَةُ الَّذِينَ نَفَوْا صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَفْعَالِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ - الَّذِينَ قَبْلَ هَؤُلَاءِ - أَعْظَمَ إِلْحَادًا وَتَحْرِيفًا لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ وَالْأُمُورَ الِاخْتِيَارِيَّةَ الْقَائِمَةَ بِهِ، وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ (¬6) بِقِدَمِ الْعَالَمِ. وَكِلْتَا (¬7) الطَّائِفَتَيْنِ خَرَجَتْ عَنْ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ، كَمَا خَرَجَتْ عَنْ صَحِيحِ الْمَنْقُولِ، بِحَسَبِ مَا أَخْطَأَتْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ إِلَى قَبُولِ غَيْرِهِ، وَكَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ قَبُولِهِ مَا لَمْ يَلْزَمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ الْحَقَّ، وَكَانَ الْقَوْلُ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ ¬

(¬1) الَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. . (¬2) ن، م: وَمَنْ تَبِعَهُمْ. (¬3) ن، م: وَإِقَامَةُ. (¬4) م، ا، ب: الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُبْتَدِعِينَ. (¬5) الَّذِينَ يُنْكِرُونَ النُّبُوَّاتِ مِنْ أَمْثَالِ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ وَأَبِي زَكَرِيَّا الرَّازِيِّ. (¬6) ن، م: مَعَ هَذَا. (¬7) ن، م، ا: وَكُلًّا، وَهُوَ خَطَأٌ.

الْقَائِمَةِ بِالرَّبِّ بِاخْتِيَارِهِ (¬1) يُنَافِي كَوْنَهُ فَاعِلًا وَمُحْدَثًا. وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ سِينَا فِي " إِشَارَاتِهِ " أَقْوَالَ الْقَائِلِينَ بِالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ، لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا قَوْلَ مَنْ أَثْبَتَ قُدَمَاءَ مَعَ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬2) غَيْرَ مَعْلُولَةٍ، كَالْقَوْلِ الَّذِي يُحْكَى عَنْ ذِيمُقَرَاطِيسَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ - وَاخْتَارَهُ ابْنُ زَكَرِيَّا الْمُتَطَبِّبُ (¬3) وَقَوْلُ الْمَجُوسِ الْقَائِلِينَ بِأَصْلَيْنِ قَدِيمَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، وَقَوْلُ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَئِمَّةِ الْمِلَلِ وَلَا أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا مَا يَقُومُ بِالرَّبِّ مِنَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا [بِمَشِيئَتِهِ] (¬4) إِذَا شَاءَ فِعَالًا بِمَشِيئَتِهِ، وَذَكَرَ حُجَجَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاظِرَ (¬5) أَنْ يَخْتَارَ أَيَّ الْقَوْلَيْنِ تُرَجِّحُ، مَعَ تَمَسُّكِهِ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ هَذَا جَعَلَهُ أَصْلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصُومِهِ (¬6) . وَاعْتَرَضَ (¬7) عَلَيْهِ الرَّازِيُّ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الصِّفَاتِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ الرَّازِيُّ، بَلْ نَفْيُ الصِّفَاتِ مِمَّا يُقَوِّي شُبْهَةَ ¬

(¬1) ، ب: وَاخْتِيَارُهُ. (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) الْمُتَطَبِّبُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬4) بِمَشِيئَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ا (فَقَطْ) : الْمَنَاظِرَ. (¬6) انْظُرِ ابْنَ سِينَا: الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ 3/122 - 132 حَيْثُ يَعْرِضُ لِلْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَسْأَلَةِ قِدَمِ الْعَالَمِ، ثُمَّ يَقُولُ (ص [0 - 9] 32) : " فَهَذِهِ هِيَ الْمَذَاهِبُ وَإِلَيْكَ الِاعْتِبَارُ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ بَعْدَ أَنْ تَجْعَلَ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَاحِدًا ". انْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ وَشَرْحَ الطُّوسِيِّ (ص [0 - 9] 32 - 143) . (¬7) ن، م: وَأَعْرَضَ.

الْقَائِلِينَ بِالْقِدَمِ، وَمَعَ (¬1) إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ بِهِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ أَدِلَّتِهِمْ إِلَى الْغَايَةِ، بَلْ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، مَعَ [أَنَّ] (¬2) نَفْيَ الصِّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ، أَكْثَرَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مُنَازِعِيهِ. وَلَكِنَّ ابْنَ سِينَا نَشَأَ بَيْنَ (* الْمُتَكَلِّمِينَ النُّفَاةِ لِلصِّفَاتِ، وَابْنُ رُشْدٍ نَشَأَ بَيْنَ الْكُلَّابِيَّةِ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ نَشَأَ بِبَغْدَادَ بَيْنَ *) (¬3) عُلَمَاءِ السُّنَّةِ [وَالْحَدِيثِ] (¬4) ، فَكَانَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ بُعْدُهُ عَنِ الْحَقِّ بِحَسَبِ بُعْدِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ آثَارِ الرُّسُلِ، وَقُرْبِهِ مِنَ الْحَقِّ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ رَأَوْا مَا قَالَهُ أُولَئِكَ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ بَاطِلًا، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِذَا أَبْطَلُوا قَوْلَ هَؤُلَاءِ بَقِيَ قَوْلُهُمْ، وَجَعَلُوا الْقَوْلَ بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ مُجْمَلًا، كَمَا جَعَلَ أُولَئِكَ قَوْلَهُمْ: " إِنَّ مَا لَا يَسْبِقُ الْحَوَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ " مُجْمَلًا، فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَوْجَبَ [أَنْ] (¬5) ظَنَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ سَمِعَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ امْتِنَاعَ كَوْنِ الرَّبِّ [تَعَالَى] (¬6) لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، إِذْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنِ، وَقَوْلُ أُولَئِكَ أَوْجَبَ أَنْ ظَنَّ كَثِيرٌ [مِمَّنْ] (¬7) سَمِعَ قَوْلَهُمْ دَوَامَ الْفَلَكِ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، إِذْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنِ أَيْضًا. ¬

(¬1) ن، م: بِالْقِدَمِ مَعَ. . (¬2) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬4) وَالْحَدِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) أَنْ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬6) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬7) مِمَّنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَدَوَامُ الْفَاعِلِيَّةِ (* مُجْمَلٌ يُرَادُ بِهِ دَوَامُ الْفَاعِلِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَدَوَامُ الْفَاعِلِيَّةِ *) (¬1) الْمُطْلَقَةِ، وَدَوَامُ الْفَاعِلِيَّةِ (¬2) الْعَامَّةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَوَامَ الْفَاعِلِيَّةِ الْعَامَّةِ وَهُوَ دَوَامُ (¬3) الْمَفْعُولَاتِ كُلِّهَا مِمَّا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَدَوَامُ الْفَاعِلِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لِمَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَصْلًا، بَلِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ تَنْفِيهِ كَمَا نَفَتْهُ (¬4) الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ. وَأَمَّا دَوَامُ الْفَاعِلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فَهَذِهِ لَا تُثْبِتُ قَوْلَهُمْ، بَلْ إِنَّمَا تُثْبِتُ خَطَأَ أُولَئِكَ النُّفَاةِ الَّذِينَ خَاصَمُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ هَذَا الْقَوْلِ صِحَّةُ [الْقَوْلِ] (¬5) الْآخَرِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا هَذَانِ الْقَوْلَانِ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ هُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَلْزَمْ صِحَّةُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الثَّالِثُ هُوَ مُوجِبُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ؟ ! وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ كِلْتَا (¬6) الطَّائِفَتَيْنِ الَّتِي قَالَتْ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ مُلْحِدَةٌ، سَوَاءٌ قَالَتْ بِقِيَامِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ بِالرَّبِّ أَوْ لَمْ تَقُلْ ذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ مَعَ كَوْنِهِمْ مُتَفَاضِلِينَ فِي الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ فِي الْعُلُومِ الْإِلَاهِيَّةِ، إِنَّمَا رَدُّهُمُ الْمُتَوَجِّهُ (¬7) لَهُمْ عَلَى (¬8) الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا مَنْ أَحْدَثَهَا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، (* وَنَسَبُوهَا إِلَى الْمِلَّةِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬2) عِبَارَةُ " وَدَوَامُ الْفَاعِلِيَّةِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) ن، م: الْعَامَّةُ وَدَوَامُ. (¬4) ن، م: تَنْفِيهِ. (¬5) الْقَوْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: كِلَا؛ أ: كَلَامَ. (¬7) ن، م: الْمُتَرْجَمَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

وَأُولَئِكَ الْمُتَفَلْسِفَةُ أَبْعَدُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمِلَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ *) (¬1) ، فَمِنْهُمْ مَنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمِلَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ أَخْبَرَ بِالسَّمْعِيَّاتِ مِنْ غَيْرِهِ، فَجَعَلُوا يَرُدُّونَ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِيهِ سَمْعٌ، وَمَا كَانَ مَعَهُمْ فِيهِ سَمْعٌ كَانُوا فِيهِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُقِرُّوهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا إِنْ وَافَقَ مَعْقُولَهُمْ، وَإِلَّا أَلْحَقُوهُ بِأَمْثَالِهِ وَقَالُوا: إِنَّ الرُّسُلَ تَكَلَّمَتْ بِهِ (¬2) عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَالتَّخْيِيلِ لِلْحَاجَةِ. وَابْنُ رُشْدٍ وَنَحْوُهُ يَسْلُكُونَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، وَلِهَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ، وَكَانُوا فِي الْعَمَلِيَّاتِ أَكْثَرَ مُحَافَظَةً لِحُدُودِ الشَّرْعِ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَحِلُّونَ مُحَرَّمَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْإِلْحَادِ وَالتَّحْرِيفِ بِحَسَبِ مَا خَالَفَ بِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَلَهُمْ مِنَ الصَّوَابِ وَالْحِكْمَةِ بِحَسَبِ مَا وَافَقُوا فِيهِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَمَعَادِ الْأَبْدَانِ مُظْهِرًا لِلْوَقْفِ وَمُسَوِّغًا لِلْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَاطِنُهُ إِلَى قَوْلِ سَلَفِهِ أَمْيَلُ. وَقَدْ رَدَّ عَلَى أَبِي حَامِدٍ فِي " تَهَافُتِ التَّهَافُتِ " رَدًّا أَخْطَأَ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ، وَالصَّوَابُ مَعَ أَبِي حَامِدٍ، وَبَعْضُهُ جَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سِينَا لَا مِنْ كَلَامِ سَلَفِهِ، وَجَعَلَ الْخَطَأَ فِيهِ مِنَ ابْنِ سِينَا، وَبَعْضُهُ اسْتَطَالَ فِيهِ عَلَى أَبِي حَامِدٍ وَنَسَبَهُ فِيهِ إِلَى قِلَّةِ الْإِنْصَافِ؛ لِكَوْنِهِ بَنَاهُ عَلَى أُصُولٍ كَلَامِيَّةٍ فَاسِدَةٍ، مِثْلِ كَوْنِ الرَّبِّ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا بِسَبَبٍ وَلَا لِحِكْمَةٍ، وَكَوْنِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَبَعْضُهُ حَارَ فِيهِ جَمِيعًا لِاشْتِبَاهِ الْمَقَامِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

وَقَدْ تَكَلَّمْتُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَّنْتُ تَحْقِيقَ مَا قَالَهُ أَبُوحَامِدٍ [فِي ذَلِكَ] (¬1) مِنَ الصَّوَابِ الْمُوَافِقِ لِأُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَخَطَأِ مَا خَالَفَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَأَنَّ مَا قَالُوهُ مِنَ الْحَقِّ الْمُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يُرَدُّ بَلْ يُقْبَلُ، وَمَا قَصَّرَ فِيهِ أَبُو حَامِدٍ مِنْ إِفْسَادِ أَقْوَالِهِمُ الْفَاسِدَةِ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ بِطَرِيقٍ أُخْرَى يُعَانُ بِهَا أَبُو حَامِدٍ عَلَى قَصْدِهِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا وَأَمْثَالُهُ إِنَّمَا اسْتَطَالُوا عَلَيْهِ بِمَا وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أُصُولٍ فَاسِدَةٍ، وَبِمَا (¬2) يُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَافِقِ لِأُصُولِهِمْ، وَجَعَلَ هَذَا وَأَمْثَالَهُ يُنْشِدُونَ فِيهِ (¬3) يَوْمًا يَمَانٍ إِذَا مَا جِئْتَ ذَا يَمَنٍ ... وَإِنْ لَقِيتَ مَعَدِّيًّا فَعَدْنَانِي (¬4) وَلِهَذَا جَعَلُوا (¬5) كَثِيرًا مِنْ كَلَامِهِ بَرْزَخًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ الْمَشَّائِينَ، فَالْمُسْلِمُ يَتَفَلْسَفُ بِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَشَّائِينَ تَفَلْسُفَ مُسْلِمٍ، وَالْفَيْلَسُوفُ يُسْلِمُ بِهِ إِسْلَامَ فَيْلَسُوفٍ، فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا مَحْضًا وَلَا فَيْلَسُوفًا مَحْضًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمَشَّائِينَ. وَأَمَّا نَفْيُ الْفَلْسَفَةِ مُطْلَقًا أَوْ إِثْبَاتُهَا فَلَا يُمْكِنُ، إِذْ لَيْسَ لِلْفَلَاسِفَةِ مَذْهَبٌ مُعَيَّنٌ يَنْصُرُونَهُ، وَلَا قَوْلٌ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالْمَعَادِ وَالنُّبُوَّاتِ وَالشَّرَائِعِ، بَلْ وَفِي الطَّبِيعِيَّاتِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ، بَلْ وَلَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَنْطِقِ، وَلَا يَتَّفِقُونَ إِلَّا عَلَى مَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي آدَمَ مِنَ الْحِسِّيَّاتِ الْمُشَاهَدَةِ ¬

(¬1) فِي ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) ا، ب: وَرُبَّمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) م (فَقَطْ) : مِمَّا يُنْشِدُونَ فِيهِ. (¬4) ا، ب: وَإِنْ أَتَيْتَ. وَالْبَيْتُ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي فَصْلِ الْمَقَالِ، ص [0 - 9] 1، طَبْعَةُ جُوتْيِيهْ، الْجَزَائِرِ، 1938 (الطَّبْعَةُ الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ: إِذَا لَاقَيْتَ. مِنْ شِعْرِ عِمْرَانَ بْنِ حِطِّينَ وَهُوَ فِي الْكَامِلِ لِلْمُبَرِّدِ وَالشَّرِيشِيِّ فِي شَرْحِ الْمَقَامَاتِ. (¬5) ن، م: جَعَلَ.

وَالْعَقْلِيَّاتِ الَّتِي لَا يُنَازِعُ فِيهَا أَحَدٌ. وَمَنْ حَكَى عَنْ [جَمِيعِ] (¬1) الْفَلَاسِفَةِ قَوْلًا وَاحِدًا فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَصْنَافِهِمْ وَاخْتِلَافِ مَقَالَاتِهِمْ، بَلْ حَسْبُهُ النَّظَرُ فِي طَرِيقَةِ الْمَشَّائِينَ أَصْحَابِ أَرِسْطُو كَثَامِسْطِيُوسَ وَالْإِسْكَنْدَرِ الْأَفْرُودِيسِيِّ (¬2) وَبَرْقَلْسَ (¬3) مِنَ الْقُدَمَاءِ، وَكَالْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا وَالسُّهْرَوَرْدِيِّ الْمَقْتُولِ وَابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَالْمَعَادِ قَوْلٌ لَا يَنْقِلُ عَنْ سَلَفِهِ الْمُتَقَدِّمِينَ، إِذْ لَيْسَ لَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ عِلْمٌ تَسْتَفِيدُهُ الْأَتْبَاعُ، وَإِنَّمَا عَامَّةُ عِلْمِ الْقَوْمِ فِي الطَّبِيعِيَّاتِ، فَهُنَاكَ يُسَرِّحُونَ وَيَتَبَجَّحُونَ، وَبِهِ بِنَحْوِهِ (¬4) عَظَّمَ مَنْ عَظَّمَ أَرِسْطُو، وَاتَّبَعُوهُ؛ لِكَثْرَةِ كَلَامِهِ فِي الطَّبِيعِيَّاتِ وَصَوَابِهِ فِي أَكْثَرِ ذَلِكَ، فَأَمَّا (¬5) الْإِلَهِيَّاتُ فَهُوَ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا. وَجَمِيعُ مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ الصَّحِيحَةِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَصْلًا دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ فَضْلًا عَنْ قَطْعِيٍّ عَلَى قِدَمِ الْأَفْلَاكِ، بَلْ وَلَا عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا عَامَّةُ أَدِلَّتِهِمْ أُمُورٌ مُجْمَلَةٌ تَدَلُّ عَلَى الْأَنْوَاعِ الْعَامَّةِ، لَا تَدَلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْعَالَمِ. فَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ: كَإِخْبَارِهَا أَنَّ اللَّهَ ¬

(¬1) جَمِيعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: الْأَفْرِيدُوسِيِّ؛ ا، ب: الْأَفْرُدِيُوسِيِّ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَانْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَاهُ (ص [0 - 9] 70 ت [0 - 9] ) . (¬3) ن: تَرْفَلْسَ؛ ا، ب: بَرْقَسْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ا، ب:. . يُسَرِّحُونَ وَيَتَبَجَّحُونَ بِهِ. وَبِنَحْوِهِ. .؛ م:. . يُسَرِّحُونَ وَيَتَبَجَّحُونَ فِيهِ وَبِنَحْوِهِ. (¬5) ن، م: وَأَمَّا.

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا عَقْلِيًّا صَحِيحًا عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْكَلَامُ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي الرَّدِّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَمِنْهُ صَوَابٌ وَمِنْهُ خَطَأٌ، وَمِنْهُ مَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ وَمِنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُمْ أَحْذَقُ فِي النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ الصَّادِقَةِ وَأَعْلَمُ بِالْمَعْقُولَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِلَهِيَّاتِ (¬1) ، وَأَكْثَرُ صَوَابًا وَأَسَدُّ قَوْلًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ، وَالْمُتَفَلْسِفَةُ فِي الطَّبِيعِيَّاتِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ (¬2) أَحَذَقُ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْهَا كَمَعْرِفَتِهِمْ، مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْخَطَأِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ يُقَالَ لِأَئِمَّتِهِمْ وَحُذَّاقِهِمُ الَّذِينَ ارْتَفَعَتْ عُقُولُهُمْ وَمَعَارِفُهُمْ فِي الْإِلَهِيَّاتِ عَنْ كَلَامِ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَكَلَامِ ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ: مَا الْمُوجِبُ أَوَّلًا لِقَوْلِكُمْ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَأَنْتُمْ لَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ . وَأَصْلُ الْفَلْسَفَةِ عِنْدَكُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِنْصَافِ وَاتِّبَاعِ الْعِلْمِ (¬3) ، وَالْفَيْلَسُوفُ هُوَ مُحِبُّ الْحِكْمَةِ، وَالْفَلْسَفَةُ مَحَبَّةُ الْحِكْمَةِ، وَأَنْتُمْ إِذَا نَظَرْتُمْ فِي كَلَامِ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تَجِدُوا فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، مَعَ عِلْمِكُمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْعَالَمِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ يَقُولُونَ بِأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ: وَهَذَا قَوْلُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ. ¬

(¬1) ن، م، ا: بِالْإِلَهِيَّةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬2) ن، م: وَالْإِلَهِيَّاتِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، م: وَاتِّبَاعِ الْعَالِمِ.

قول أكثر الفلاسفة بتقدم مادة العالم على صورته

[قول أكثر الفلاسفة بتقدم مادة العالم على صورته] وَذَلِكَ (¬1) الْقَوْلُ بِحُدُوثِ هَذَا الْعَالَمِ هُوَ قَوْلُ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو، بَلْ هُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ أَرِسْطُو أَوَّلُ مَنْ صَرَّحَ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ، وَأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَسَاطِينِ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الْعَالَمَ مُحْدَثٌ: إِمَّا بِصُورَتِهِ فَقَطْ، وَإِمَّا بِمَادَّتِهِ وَصُورَتِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ بِتَقَدُّمِ (¬2) مَادَّةِ هَذَا الْعَالَمِ عَلَى صُورَتِهِ. وَهَذَا (¬3) مُوَافِقٌ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ [صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ] (¬4) ، فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [سُورَةُ هُودٍ: 7] (¬5) . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 11] . وَقَدْ ثَبَتَ (¬6) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ (¬7) عَلَى الْمَاءِ " (¬8) . ¬

(¬1) ا، ب: وَكَذَلِكَ. (¬2) ا (فَقَطْ) : بِتَقْدِيمِ. (¬3) ا، ب: وَهُوَ. (¬4) صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) ن، م: أَخْبَرَ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ. . عَلَى الْمَاءِ. (¬6) ن، م: وَثَبَتَ. (¬7) ا، ب: وَعَرْشُهُ. (¬8) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: مُسْلِمٍ 4/44. (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ حِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -؛ سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ (ط. الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ) 3/311 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ) ؛ الْمُسْنَدُ (ط. الْمَعَارِفِ) 10/114 (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ) .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» (¬2) . وَالْآثَارُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ بِمَا يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ الَّذِي سَمَّاهُ [اللَّهُ] (¬3) دُخَانًا. وَقَدْ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيِّ (¬4) وَغَيْرُهُ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هُوَ الْعَرْشُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ هُوَ الْقَلَمُ. وَرَجَّحُوا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ بِالْقَلَمِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، فَكَانَ الْعَرْشُ مَخْلُوقًا قَبْلَ الْقَلَمِ. قَالُوا وَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ أَنَّ: " «أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ¬

(¬1) ن، م: وَثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ. (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْبُخَارِيِّ 9/124 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ، 4/105 - 106 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/431، 432، 433، 436؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (مُخْتَصَرًا) 5/389 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي مَنَاقِبِ ثَقِيفٍ وَبَنِي حَنِيفَةَ) . (¬3) لَفْظُ الْجَلَالَةِ: لَيْسَ فِي (ن) ، (م) . (¬4) هُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْعَطَّارُ شَيْخُ هَمْدَانَ. لَهُ تَصَانِيفُ مِنْهَا " زَادُ الْمُسَافِرِ " فِي خَمْسِينَ مُجَلَّدًا، تُوُفِّيَ سَنَةَ 569. تَرْجَمَتُهُ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ لِلذَّهَبِيِّ (حَيْدَرْ أَبَادَ، سَنَةَ 1334) 4/114 - 117.

الْقَلَمُ» " (¬1) ، مَعْنَاهَا مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ خَلَقَهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَكَانَ حِينَ خَلَقَهُ زَمَنٌ يُقَدَّرُ بِهِ (¬2) خَلَقَهُ يَنْفَصِلُ إِلَى أَيَّامٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الزَّمَانَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَيَخْلُقَ فِي هَذَا الْعَالَمِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ: " «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» (¬3) ". وَفِي ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/311 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْقَدَرِ) وَنَصُّهُ: ". . قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ. . سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ 3/310 - 311 (كِتَابِ الْقَدَرِ، بَابٍ مِنْهُ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ "، 5/96 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ ن وَالْقَلَمِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/317. (¬2) ن، م: زَمَنٌ بِقُدْرَتِهِ. (¬3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا: 9/133 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) ، 7/100 (كِتَابُ الْأَضَاحِي، بَابُ مَنْ قَالَ الْأَضْحَى يَوْمَ النَّحْرِ) ، 4/107 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ: " الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ "؛ مُسْلِمٍ 3/1305 - 1306 (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ. .) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ: " إِنَّ الزَّمَانَ. . "؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/265 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/37 وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ: " أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ. . ".

الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ [بْنِ الْخَطَّابِ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬1) قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَةً فَذَكَرَ بَدْءَ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ» (¬2) . وَهَكَذَا فِي التَّوْرَاةِ (¬3) [مَا يُوَافِقُ] (¬4) خَبَرَ اللَّهِ (¬5) فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مَغْمُورَةً بِالْمَاءِ، وَالْهَوَاءُ يَهُبُّ (¬6) فَوْقَ الْمَاءِ، وَأَنَّ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ مِنْ مَادَّةٍ أُخْرَى، وَأَنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ (¬7) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ. وَلَيْسَ فِيمَا أَخْبَرَ [اللَّهُ تَعَالَى] بِهِ (¬8) فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْ غَيْرِ مَادَّةٍ، وَلَا أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَ أَوِ الْجِنَّ أَوِ الْمَلَائِكَةَ (¬9) مِنْ غَيْرِ مَادَّةٍ، بَلْ يُخْبِرُ اللَّهُ أَنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ مِنْ مَادَّةٍ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَادَّةُ مَخْلُوقَةً مِنْ مَادَّةٍ أُخْرَى، كَمَا خَلَقَ الْإِنْسَ (¬10) مِنْ آدَمَ وَخَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَفِي صَحِيحِ ¬

(¬1) ن: عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ م: عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/106 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) . (¬3) ن، م: وَهَكَذَا فِي التَّوْرِيَةِ؛ ا: وَهَذَا فِي التَّوْرَاةِ؛ ب: هَذَا وَفِي التَّوْرَاةِ. (¬4) مَا يُوَافِقُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) م (فَقَطْ) : كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ. (¬6) يَهُبُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬7) ا، ب: أَزْمَانٍ. (¬8) ن، م: أَخْبَرَ بِهِ. (¬9) ن، ا: الْإِنْسَانَ أَوِ الْجِنَّ أَوِ الْمَلَائِكَةَ؛ م: الْإِنْسَانَ وَالْجِنَّ وَالْمَلَائِكَةَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬10) م (فَقَطْ) : الْإِنْسَانَ.

ضلال أرسطو وأتباعه وشركهم

مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «خَلَقْتُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ، وَخَلَقْتُ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (¬1) ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» " (¬2) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الْقُدَمَاءِ لَا يُخَالِفُ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ خَلْقِ هَذَا الْعَالَمِ مِنْ مَادَّةٍ، بَلِ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي تِلْكَ الْمَادَّةِ: هَلْ هِيَ قَدِيمَةُ الْأَعْيَانِ، أَوْ مُحْدَثَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، أَوْ مُحْدَثَةٌ مِنْ مَادَّةٍ أُخْرَى بَعْدَ مَادَّةٍ؟ قَدْ تَضْطَرِبُ النُّقُولُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ مَا يَقُولُهُ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهَا أُمَّةٌ عُرِّبَتْ كُتُبُهُمْ، وَنُقِلَتْ مِنْ لِسَانٍ إِلَى لِسَانٍ، وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ قَدْ يَدْخُلُ مِنَ الْغَلَطِ وَالْكَذِبِ مَا لَا يُعْلَمُ حَقِيقَتُهُ. وَلَكِنْ مَا تَوَاطَأَتْ بِهِ النُّقُولُ عَنْهُمْ يَبْقَى (¬3) مِثْلَ الْمُتَوَاتِرِ، وَلَيْسَ لَنَا غَرَضٌ مُعَيَّنٌ (¬4) فِي مَعْرِفَةِ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بَلْ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 134، 141] . [ضلال أرسطو وأتباعه وشركهم] لَكِنَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ [هَؤُلَاءِ] (¬5) أَصْحَابَ التَّعَالِيمِ كَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ كَانُوا مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا يَعْرِفُونَ النُّبُوَّاتِ وَلَا الْمَعَادِ الْبَدَنِيِّ، وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى خَيْرٌ مِنْهُمْ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَالْمَعَادِ. ¬

(¬1) م، ن، ا: وَخَلَقْتُ الْجَانَّ مِنْ نَارٍ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: مُسْلِمٍ 4/2294 (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، بَابٌ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/153، 168. (¬3) ن: بِنَفْيِ؛ ا: يَنْفِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) مُعَيَّنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ نَفْسَ فَلْسَفَتِهِمْ تُوجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَقُولُوا بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، عُلِمَ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، كَمَا أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ، وَأَنَّهُمْ فِي تَبْدِيلِ الْقَوَاعِدِ الصَّحِيحَةِ الْمَعْقُولَةِ مِنْ جِنْسِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي تَبْدِيلِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْبَابِ. ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ (¬1) لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَعْقُولِ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ، فَيَكْفِي فِي ذَلِكَ إِخْبَارُ الرُّسُلِ بِاتِّفَاقِهِمْ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَحُدُوثِ هَذَا الْعَالَمِ، وَالْفَلْسَفَةُ الصَّحِيحَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْمَعْقُولَاتِ الْمَحْضَةِ تُوجِبُ عَلَيْهِمْ تَصْدِيقَ الرُّسُلِ فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ (¬2) ، وَتُبَيِّنُ أَنَّهُمْ عَلِمُوا ذَلِكَ بِطَرِيقٍ يَعْجَزُونَ عَنْهَا، وَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعَادِ وَمَا يُسْعِدُ النُّفُوسَ (¬3) وَيُشْقِيهَا مِنْهُمْ، وَتَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مَنِ اتَّبَعَ الرُّسُلَ كَانَ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ كَذَّبَهُمْ كَانَ شَقِيًّا فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الرَّجُلُ مِنَ الطَّبِيعِيَّاتِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ مَا عَسَى أَنْ يَعْلَمَ وَخَرَجَ عَنْ دِينِ الرُّسُلِ كَانَ شَقِيًّا، وَأَنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ كَانَ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ (¬4) سَلَفَهُمْ أَكْثَرُوا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ آثَارِ الرُّسُلِ مَا يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَمَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ، وَكَانَ ¬

(¬1) عِبَارَةُ: " إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ا، ب: فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ. (¬3) ا، ب: النَّفْسَ. (¬4) ن، م: لَكِنَّ.

الشِّرْكُ مُسْتَحْوِذًا عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ السِّحْرِ وَالْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ أَعْمَارَهُمْ فِي رَصْدِ الْكَوَاكِبِ لِيَسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى السِّحْرِ وَالشِّرْكِ، وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الطَّبِيعِيَّةُ. وَكَانَ مُنْتَهَى عَقْلِهِمْ أُمُورًا عَقْلِيَّةً كُلِّيَّةً، كَالْعِلْمِ بِالْوُجُودِ الْمُطْلَقِ (* وَانْقِسَامِهِ إِلَى عِلَّةٍ وَمَعْلُولٍ وَجَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، وَتَقْسِيمِ الْجَوَاهِرِ، ثُمَّ تَقْسِيمِ الْأَعْرَاضِ. وَهَذَا هُوَ عِنْدَهُمُ الْحِكْمَةُ الْعُلْيَا وَالْفَلْسَفَةُ الْأُولَى، وَمُنْتَهَى ذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْوُجُودِ الْمُطْلَقِ *) (¬1) الَّذِي لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ. وَمِنْ هُنَا دَخَلَ مَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ كَابْنِ عَرَبِيٍّ (¬2) وَابْنِ سَبْعِينَ (¬3) وَالتِّلِمْسَانِيِّ (¬4) وَغَيْرِهِمْ، فَكَانَ مُنْتَهَى مَعْرِفَتِهِمْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬2) هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَاتِمِيُّ الطَّائِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عَرَبِيٍّ، وَالْمُلَقَّبُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ بِالشَّيْخِ الْأَكْبَرِ وَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: نَفْحِ الطِّيبِ 2/361 - 348؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 5/190 - 202؛ طَبَقَاتِ الشَّعْرَانِيِّ 1/163؛ مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/659 - 660؛ لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/311 - 315؛ فَوَاتِ الْوَفَيَاتِ 3/478 - 482؛ الْأَعْلَامِ 7/170 - 171 وَانْظُرْ كِتَابَ " ابْنِ عَرَبِيٍّ " لِآسِينَ بَلَاثِيُوسَ، تَرْجَمَةُ د. عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَوِيٍّ، ط. الْأَنْجِلُو، الْقَاهِرَةِ، 1965؛ مَنَاقِبَ ابْنِ عَرَبِيٍّ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَارِئِ، تَحْقِيقُ د. صَلَاحِ الدِّينِ الْمُنْجِدِ، بَيْرُوتَ، 1959؛ تَنْبِيهَ الْغَبِيِّ إِلَى تَكْفِيرِ ابْنِ عَرَبِيٍّ لِلْبِقَاعِيِّ مَصْرَعَ التَّصَوُّفِ، تَحْقِيقُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَكِيلِ، ط. السُّنَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الْقَاهِرَةَ، 1373/1953. (¬3) أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ سَبْعِينَ، وُلِدَ سَنَةَ 613 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 669. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 5/329 - 330؛ الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى لِلشَّعْرَانِيِّ 1/177؛ لِسَانِ الْمِيزَانِ 3/392؛ فَوَاتِ الْوَفَيَاتِ 1/516 - 518؛ نَفْحِ الطِّيبِ 2/395 - 406؛ الْأَعْلَامِ 4/51. وَانْظُرْ رَسَائِلَ ابْنِ سَبْعِينَ، تَحْقِيقُ د. عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَوِيٍّ، الْقَاهِرَةَ 1965. (¬4) ن، م: " ابْنُ سَبْعِينَ التِّلِمْسَانِيُّ " وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ عَفِيفُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٌّ الْكُوفِيُّ التِّلِمْسَانِيُّ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: فَوَاتِ الْوَفَيَاتِ 1/363 - 366، وَفِيهِ: " كَانَ كُوفِيَّ الْأَصْلِ، وَكَانَ يَدَّعِي الْعِرْفَانَ، قَالَ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ: رَأَيْتُ جَمَاعَةً يَنْسُبُونَهُ إِلَى رِقَّةِ الدِّينِ، وَالْمَيْلِ إِلَى مَذْهَبِ النُّصَيْرِيَّةِ "؛ الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 13/326؛ النُّجُومِ الزَّاهِرَةِ، 8/29 - 31؛ الْأَعْلَامِ 3/193 (وَذَكَرَ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ شَرْحَ مَوَاقِفِ النَّغْرَى وَالصَّوَابُ: النَّفْرَى) وَوَفَاتُهُ سَنَةَ 69.

الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ. ثُمَّ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ، وَفِي ذَلِكَ (¬1) مِنَ الضَّلَالِ مَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬2) . وَجَعَلُوا غَايَةَ سَعَادَةِ النَّفْسِ أَنْ تَصِيرَ عَالَمًا مَعْقُولًا (¬3) مُطَابِقًا لِلْعَالَمِ الْمَوْجُودِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَّا مُجَرَّدُ عُلُومٍ مُطْلَقَةٍ، لَيْسَ فِيهَا عِلْمٌ بِمَوْجُودٍ مُعَيَّنٍ، لَا بِاللَّهِ وَلَا بِالْمَلَائِكَةِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَيْسَ فِيهَا مَحَبَّةٌ لِلَّهِ وَلَا عِبَادَةٌ لِلَّهِ (¬4) فَلَيْسَ فِيهَا عِلْمٌ نَافِعٌ، وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ، وَلَا مَا يُنَجِّي النُّفُوسَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ (¬5) فَضْلًا عَلَى أَنْ يُوجِبَ لَهَا السَّعَادَةَ. وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬6) ، وَإِنَّمَا جَاءَ ذِكْرُهُ هُنَا بِالْعَرْضِ؛ لِنُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِ الْمُرْسَلِينَ فَلَيْسَ مَعَهُ فِي خِلَافِهِمْ لَا مَعْقُولٌ صَرِيحٌ، وَلَا مَنْقُولٌ صَحِيحٌ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَلَيْسَ مَعَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الْجَهْلِ وَالِاعْتِقَادِ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْخِطَابُ كَافٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَتَفْصِيلُهُ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ ¬

(¬1) ن: الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ:؛ م: الْوَاجِبُ وَذَلِكَ (¬2) ن، م: بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. (¬3) ن، م: مَفْعُولًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: مَحَبَّةُ اللَّهِ وَلَا عِبَادَتُهُ. (¬5) ن، م: مِنَ الْعَذَابِ. (¬6) ن، م: مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.

أدلة السمع على حدوث العالم لا يمكن تأويلها

[أدلة السمع على حدوث العالم لا يمكن تأويلها] وَالنَّصَارَى (¬1) وَغَيْرِهِمْ، فَبَيَّنُوا فَسَادَ مَا سَلَكَهُ (¬2) الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ، وَذَكَرُوا الْحُجَجَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ أَرِسْطُو وَغَيْرِهِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَبَيَّنُوا فَسَادَهَا، ثُمَّ قَالُوا: نَتَلَقَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ (¬3) مِنَ السَّمْعِ، فَالرُّسُلُ قَدْ أَخْبَرَتْ بِمَا لَا يَقُومُ دَلِيلٌ [عَقْلِيٌّ] (¬4) عَلَى نَقِيضِهِ، فَوَجَبَ تَصْدِيقُهُمْ فِي هَذَا. وَلَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مُرَادُهُمْ، فَلَيْسَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ إِلَّا التَّكْذِيبُ الْمَحْضُ لِلرُّسُلِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ، سَلَفِهِمْ وَخَلَفِهِمْ، بَاطِنًا وَظَاهِرًا، فَيُمْتَنَعُ مَعَ هَذَا أَنْ تَكُونَ الرُّسُلُ كَانَتْ مُضْمِرَةً لِخِلَافِ ذَلِكَ، كَمَا يَقُولُهُ [مَنْ يَقُولُهُ] (¬5) مِنْ هَؤُلَاءِ الْبَاطِنِيَّةِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ، بَلْ كُلُّ مَا يُنَافِيهِ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ فَهُوَ فَاسِدٌ يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ. الرَّابِعُ: أَنَّ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ يَسْلُكُ فِي ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْفِطْرَةِ [وَالضَّرُورَةِ] (¬6) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُحْدِثٍ ¬

(¬1) وَالنَّصَارَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ا، ب: مَا سَلَكَ. (¬3) ا، ب: الْمِلَّةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) عَقْلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) عِبَارَةُ " مَنْ يَقُولُهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) وَالضَّرُورَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

لِلْمُحْدَثَاتِ، وَفَاعِلٍ لِلْمَصْنُوعَاتِ، وَأَنَّ كَوْنَ (¬1) الْمَفْعُولِ [مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَعَهُ مُمْتَنَعٌ فِي فِطَرِ الْعُقُولِ. وَهَذَا مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى هَؤُلَاءِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا بُيِّنَ لَهُمْ فَسَادُ قَوْلِ إِخْوَانِهِمْ، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ مِنَ الْأَحْوَالِ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ فَاعِلًا، امْتَنَعَ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ] (¬2) مُقَارِنًا لَهُ أَزَلًا (¬3) وَأَبَدًا، فَإِنَّ هَذَا إِخْرَاجٌ لَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ. السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ لِهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا: أَصْلُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْوُجُودِ، وَالْفَلْسَفَةُ مَعْرِفَةُ الْوُجُودِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَالْفَلْسَفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْعُلُومُ الْوُجُودِيَّةُ الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ الْوُجُودُ، وَأَنْتُمْ لَا تُثْبِتُونَ [شَيْئًا] (¬4) فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِقِيَاسٍ: إِمَّا شُمُولِيٍّ وَإِمَّا تَمْثِيلِيٍّ، فَهَلْ عَلِمْتُمْ فَاعِلًا يَلْزَمُهُ مَفْعُولُهُ أَوْ يُقَارِنُهُ (¬5) فِي زَمَانِهِ لَا يَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، سَوَاءٌ كَانَ فَاعِلًا بِالْإِرَادَةِ أَوْ بِالطَّبْعِ؟ . وَهَلْ عَلِمْتُمْ فَاعِلًا لَمْ يَزَلْ (¬6) مُوجِبًا لِمَفْعُولِهِ، وَلَمْ يَزَلْ مَفْعُولُهُ مَعْلُولًا لَهُ؟ فَهَذَا شَيْءٌ لَا تَعْقِلُونَهُ أَنْتُمْ وَلَا غَيْرُكُمْ، فَكَيْفَ تُثْبِتُونَ بِالْمَعْقُولِ (¬7) مَا لَا يُعْقَلُ أَصْلًا مُعَيَّنًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعْقَلَ مُطْلَقًا (¬8) ؟ وَالْمُطْلَقُ فَرْعُ ¬

(¬1) ا (فَقَطْ) : وَإِنْ كَانَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) ، (ن) . (¬3) ن، م: مُقَارِنًا لِفَاعِلِهِ أَزَلًا. .، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) شَيْئًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) م: أَوْ يُقَارِبُهُ؛ ا، ب: وَيُقَارِنُهُ. (¬6) ن، م: وَهَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ. (¬7) ب (فَقَطْ) : بِالْعُقُولِ. (¬8) ا، ب: عَنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا.

الْمُعَيَّنِ، فَمَا لَا يَكُونُ مَوْجُودًا مُعَيَّنًا لَا يُعْقَلُ لَا مُعَيَّنًا وَلَا مُطْلَقًا، وَلَكِنْ يُقَدَّرُ تَقْدِيرًا فِي الذِّهْنِ كَمَا تُقَدَّرُ الْمُمْتَنَعَاتُ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مُمْكِنًا فِي الْخَارِجِ يَكُونُ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ، أَوْ بِوُجُودِ مَا ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْلَى بِالْوُجُودِ مِنْهُ، كَمَا يَذْكُرُهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي تَقْرِيرِ إِمْكَانِ الْمَعَادِ كَقَوْلِهِ: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 57] ، وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [سُورَةُ الرُّومِ: 27] ، وَقَوْلِهِ: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى - ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى - فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى - أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [سُورَةُ الْقِيَامَةِ: 37، 40] (¬1) ، وَقَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 33] ، وَقَوْلِهِ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [سُورَةُ يس: 78] إِلَى قَوْلِهِ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى} [سُورَةُ يس: 81] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِعَادَةَ الْخَلْقِ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ مِنَ ابْتِدَائِهِ، وَخَلْقُ الصَّغِيرِ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ مِنْ خَلْقِ الْعَظِيمِ. فَأَمَّا مَا لَا (¬2) يُعْلَمُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ إِذَا عُرِضَ عَلَى الْعَقْلِ وَلَمْ يُعْلَمِ امْتِنَاعُهُ، فَإِمْكَانُهُ ذِهْنِيٌّ، بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، لَيْسَ إِمْكَانُهُ خَارِجِيًّا، بِمَعْنَى الْعِلْمِ بِالْإِمْكَانِ فِي الْخَارِجِ. وَلِهَذَا مَا تَذْكُرُهُ طَائِفَةٌ مِنَ النُّظَّارِ كَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَرِّرَ ¬

(¬1) آيَةُ (40) مِنْ سُورَةِ الْقِيَامَةِ لَمْ تَرِدْ فِي [ن] ، [م] . (¬2) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

إِمْكَانَ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ، مُجَرَّدُ دَعْوَى. وَغَايَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ، وَعَدَمُ [الْعِلْمِ] (¬1) لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ (¬2) ، فَهَؤُلَاءِ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا إِمْكَانَ كَوْنِ الْمَفْعُولِ لَازِمًا لِفَاعِلِهِ، لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمُوا ثُبُوتَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، أَوْ ثُبُوتَ مَا ذَاكَ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ مِنْهُ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ. فَلَا يُعْلَمُ قَطُّ فَاعِلٌ إِلَّا فَاعِلًا يُحْدِثُ فِعْلَهُ أَوْ مَفْعُولَهُ، (¬3) لَا يُقَارِنُهُ مَفْعُولُهُ الْمُعَيَّنُ وَيُلَازِمُهُ، بَلْ هَذَا إِلَى (¬4) نَفْيِ كَوْنِهِ فَاعِلًا وَوَصْفِهِ بِالْعَجْزِ عَنْ نَفْيِ اللَّازِمِ لَهُ، أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى كَوْنِهِ فَاعِلًا قَادِرًا، فَقَدْ جَعَلُوا اللَّهَ مَثَلَ السَّوْءِ، وَهَذَا بَاطِلٌ. وَالْوَاجِبُ فِي الْأَدِلَّةِ (¬5) الْإِلَهِيَّةِ أَنْ يُسْلَكَ بِهَا هَذَا الْمَسْلَكُ فَيُعْلَمَ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ كَانَ لِمَخْلُوقٍ فَالْخَالِقُ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنَّ كَمَالَ الْمَخْلُوقِ مِنْ كَمَالِ خَالِقِهِ، وَعَلَى اصْطِلَاحِهِمْ كَمَالُ الْمَعْلُولِ مِنْ كَمَالِ الْعِلَّةِ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ أَكْمَلُ مِنَ الْمُمْكِنِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِكُلِّ كَمَالٍ مُمْكِنٍ لَا نَقْصَ فِيهِ مِنْ كُلِّ مُمْكِنٍ، وَيُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ مَخْلُوقٌ فَالْخَالِقُ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ عَنْهُ، فَإِنَّ النَّقْصَ يُنَاقِضُ الْكَمَالَ، فَإِذَا كَانَ أَحَقَّ بِثُبُوتِ الْكَمَالِ كَانَ أَحَقَّ بِنَفْيِ النَّقْصِ، وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ بُرْهَانِيَّةٌ يَقِينِيَّةٌ، وَهُمْ يُسَلِّمُونَهَا. وَهُمْ يَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ الْفِعْلَ صِفَةُ كَمَالٍ، وَيَرُدُّونَ عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْ ¬

(¬1) الْعِلْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) ن: بِعَدَمٍ. (¬3) ن، م: وَمَفْعُولَهُ. (¬4) ا، ب: أَوْلَى، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) الْأَدِلَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

أَهْلِ الْكَلَامِ إِنَّهُ لَيْسَ صِفَةَ كَمَالٍ وَلَا نَقْصٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 17] . وَإِذَا (¬1) كَانَ كَذَلِكَ، فَمِنَ الْمَعْقُولِ أَنَّ الْفَاعِلَ الَّذِي يَفْعَلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬2) أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا إِرَادَةَ، وَالْفَاعِلُ (¬3) الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ الَّذِي يَفْعَلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَكْمَلُ مِمَّنْ يَكُونُ مَفْعُولُهُ لَازِمًا لَهُ يَقْدِرُ عَلَى إِحْدَاثِ شَيْءٍ وَلَا تَغْيِيرِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، إِنْ كَانَ يَعْقِلُ فَاعِلًا يَلْزَمُهُ مَفْعُولُهُ (¬4) الْمُعَيَّنُ، فَإِنَّ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ مَفْعُولَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَيَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، أَكْمَلُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ. فَلِمَاذَا يَصِفُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِالْفِعْلِ النَّاقِصِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا؟ كَيْفَ وَمَا ذَكَرُوهُ مُمْتَنَعٌ، لَا يُعْقَلُ فَاعِلٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالُوهُ؟ . بَلْ مَنْ قَدَّرَ شَيْئًا فَاعِلًا لِلَازِمِهِ الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ بِحَالٍ، كَانَ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ النَّاسِ، وَقِيلَ لَهُ: هَذَا صِفَةٌ لَهُ (¬5) أَوْ مُشَارِكٌ لَهُ لَيْسَ مَفْعُولًا لَهُ. وَلَوْ قِيلَ لِعَامَّةِ الْعُقَلَاءِ السَّلِيمِي الْفِطْرَةِ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ تَزَالَا مَعَهُ، لَقَالُوا: هَذَا يُنَافِي خَلْقَهُ لَهُمَا، فَلَا يُعْقَلُ خَلْقُهُ لَهُمَا إِلَّا إِذَا خَلَقَهُمَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُونَا مَوْجُودَتَيْنِ. وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: لَمْ تَزَالَا مَوْجُودَتَيْنِ (¬6) كَانَ الْقَوْلُ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ خَلَقَهُمَا جَمِيعًا ¬

(¬1) ا، ب: فَإِذَا. (¬2) ا، ب: بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. (¬3) ا، ب: إِرَادَةُ الْفَاعِلِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن، م:. . يَلْزَمُهُ (فَاعِلُهُ) مَفْعُولُهُ. (¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) ن، م، ا: يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ. . يَزَالَا مَوْجُودَيْنِ.

بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ (¬1) فِي فِطَرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمُ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ (¬2) عَنْ فِطْرَتِهَا. وَلِهَذَا كَانَ مُجَرَّدُ إِخْبَارِ الرُّسُلِ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَافِيًا فِي الْإِخْبَارِ بِحُدُوثِهِمَا، لَمْ يَحْتَاجُوا مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولُوا: خَلَقَهُمَا بَعْدَ (¬3) عَدَمِهِمَا، وَلَكِنْ أُخْبِرُوا (¬4) بِزَمَانِ خَلْقِهِمَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [سُورَةُ يُونُسَ: 3] . وَالْإِنْسَانُ لَمَّا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ خُلِقَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، ذُكِّرَ بِذَلِكَ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ عَلَى تَغْيِيرِ (¬5) الْعَادَةِ. وَلِهَذَا ذَكَرَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي خَلْقِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬6) ، وَفِي النَّشْأَةِ (¬7) الثَّانِيَةِ، قَالَ تَعَالَى: {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا - قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا - قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 7 - 9] ، [وَقَالَ تَعَالَى] : {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا - أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} ] (¬8) [سُورَةُ مَرْيَمَ: 66 - 67] . فَذَكَّرَ الْإِنْسَانَ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّهُ خَلَقَهُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا؛ لِيَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَعَلَى مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْهُ. ¬

(¬1) ب: الْمُتَنَافِيَيْنِ. (¬2) ن، م: لَا تُغَيَّرُ. (¬3) ن: عِنْدَ؛ م: عَبْدَ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . (¬4) ن، م: أَخْبَرَ. (¬5) ن (فَقَطْ) : عَلَى قُدْرَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬7) ا، ب:. . . السَّلَامُ فِي النَّشْأَةِ. . . (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْوَجْهُ السَّابِعُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِقِدَمِ الْعَالَمِ عَنْ عِلَّةٍ قَدِيمَةٍ، قَالُوا مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُمْكِنٌ، لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا وُجُودُهُ مِنْ مُبْدِعِهِ، فَوَصَفُوا الْمَوْجُودَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، الْوَاجِبَ بِغَيْرِهِ، بِأَنَّهُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ. فَخَالَفُوا بِذَلِكَ طَرِيقَ سَلَفِهِمْ وَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ بَنِي آدَمَ مِنْ أَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعْدُومًا، وَلَا يُعْقَلُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ إِلَّا مَا كَانَ مَعْدُومًا. وَهَذَا قَوْلُ أَرِسْطُو وَقُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، وَلَكِنَّ ابْنَ سِينَا وَأَتْبَاعَهُ خَالَفُوا هَؤُلَاءِ. وَقَدْ تَعَقَّبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْمُمْكِنَ إِلَّا مَا أَمْكَنَ وُجُودُهُ وَأَمْكَنَ عَدَمُهُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَأَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا، أَيْ مُسْتَمِرُّ الْعَدَمِ. وَلِهَذَا قَالُوا: إِنَّ الْمُمْكِنَ (¬1) لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ، كَمَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ تَحْمِلَ الْمَرْأَةُ (¬2) وَأَنْ تُنْبِتَ الْأَرْضُ وَأَنْ يَتَعَلَّمَ الصَّبِيُّ، فَمَحَلُّ الْإِمْكَانِ هُوَ الرَّحِمُ وَالْأَرْضُ وَالْقَلْبُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ فِي هَذِهِ الْمَحَالِّ (¬3) مَا هِيَ قَابِلَةٌ لَهُ مِنَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ وَالْعِلْمِ. أَمَّا الشَّيْءُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ - إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ - فَكَيْفَ يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَيُمْكِنَ أَنْ لَا يُوجَدَ؟ وَإِذَا قِيلَ: هُوَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ. [قِيلَ] (¬4) : إِنْ أَرَدْتُمْ بِذَاتِهِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَذَاكَ لَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ بِغَيْرِهِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ، إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا أَنَّهُ يَقْبَلُ أَنْ يُعْدَمَ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ دَائِمًا، فَمَتَى قَبِلَ الْعَدَمَ ¬

(¬1) ا، ب: الْإِمْكَانَ. (¬2) ا: الْأَرْضُ؛ ب: الرَّحِمُ. (¬3) ن: الْحَالَةِ؛ م: الْحَالِ. (¬4) م: قُلْنَا. وَمَكَانُ الْكَلِمَةِ بَيَاضٌ فِي (ن) .

فِي الْمُسْتَقِيلِ أَوْ كَانَ مَعْدُومًا، لَمْ يَكُنْ أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا [قَدِيمًا] (¬1) وَاجِبًا بِغَيْرِهِ دَائِمًا، كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْعَالَمِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِقَبُولِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مُمْتَنَعٌ. وَإِنْ أُرِيدَ فِي الْحَالَيْنِ (¬2) : أَيْ يَقْبَلُ الْوُجُودَ تَارَةً وَالْعَدَمَ أُخْرَى (¬3) ، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا لِتَعَاقُبِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ عَلَيْهِ. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ ذَاتَهُ الَّتِي تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ شَيْءٌ غَيْرُ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، فَذَاكَ لَيْسَ بِذَاتِهِ. وَإِنْ قِيلَ: يُرِيدُ بِهِ أَنَّ مَا يَتَصَوَّرُهُ فِي النَّفْسِ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ وَمَعْدُومًا، كَمَا يَتَصَوَّرُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْأُمُورِ. قِيلَ: هَذَا أَيْضًا يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِمْكَانَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَدَمِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا هُوَ فِي شَيْءٍ يَتَصَوَّرُهُ الْفَاعِلُ فِي نَفْسِهِ، يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ وَيُمْكِنَ أَنْ يَبْقَى مَعْدُومًا، وَهَذَا إِنَّمَا يُعْقَلُ فِيمَا يُعْدَمُ تَارَةً وَيُوجَدُ أُخْرَى، وَأَمَّا مَا لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا وَاجِبًا (¬4) بِغَيْرِهِ، فَهَذَا لَا يُعْقَلُ فِيهِ الْإِمْكَانُ أَصْلًا، وَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: ذَاتُهُ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، كَانَ مُتَكَلِّمًا بِمَا لَا يُعْقَلُ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ قَدْ تَفَطَّنَ لَهُ أَذْكِيَاءُ النُّظَّارِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ عَلَى ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ، كَمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ هَذَا سُؤَالَاتٍ وَارِدَةٍ عَلَى الْمُمْكِنِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُ، وَلَمْ يُجِيبُوا عَنْهُ (¬5) بِجَوَابٍ صَحِيحٍ. ¬

(¬1) قَدِيمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ا، ب: فِي حَالَيْنِ. (¬3) ا، ب: تَارَةً. (¬4) ن، م: أَوْ وَاجِبًا. (¬5) ب: عَنْهَا.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ابْنَ سِينَا فِي تَجْوِيزِهِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مُمْكِنًا بِنَفْسِهِ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ دَائِمًا أَزَلًا وَأَبَدًا. بَلْ هَذَا بَاطِلٌ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأُمَمِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَيْهِ نَظَرُ الْمُسْلِمِينَ، [وَعَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفَلَاسِفَةِ - أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ] (¬1) -: لَا يَكُونُ الْمُمْكِنُ عِنْدَهُمْ إِلَّا مَا يَكُونُ مَعْدُومًا تَارَةً وَمَوْجُودًا أُخْرَى، فَالْإِمْكَانُ وَالْعَدَمُ مُتَلَازِمَانِ. وَإِذَا كَانَ مَا سِوَى الرَّبِّ تَعَالَى لَيْسَ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، بَلْ كَانَ مُمْكِنًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَلَا بُدَّ لِيَصِحَّ وَصْفُهُ بِالْإِمْكَانِ. وَهَذَا بُرْهَانٌ مُسْتَقِلٌّ فِي أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ [سُبْحَانَهُ] (¬2) خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، فَسُبْحَانَ مَنْ تَفَرَّدَ (¬3) بِالْبَقَاءِ وَالْقِدَمِ، وَأَلْزَمَ مَا سِوَاهُ بِالْحُدُوثِ عَنِ الْعَدَمِ. يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ (¬4) : وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْخَارِجِ عَيْنُ مَاهِيَّتِهِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ نُظَّارِ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْخَارِجِ [أَصْلًا] (¬5) ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ (¬6) لِلْمَوْجُودَاتِ مَاهِيَّاتٌ غَيْرُ مَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ، فَيُخَالِفُونَ مَنْ يَقُولُ: الْمَعْدُومُ شَيْءٌ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ وُجُودَ كُلِّ شَيْءِ الثَّابِتَ فِي الْخَارِجِ مُغَايِرٌ لِمَاهِيَّتِهِ وَلِحَقِيقَتِهِ الثَّابِتَةِ فِي الْخَارِجِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) سُبْحَانَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) ا، ب: انْفَرَدَ. (¬4) ا: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ؛ ب: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُقَالَ. (¬5) أَصْلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن: بِخَارِجٍ.

وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: وُجُودُ الشَّيْءِ فِي الْخَارِجِ زَائِدٌ عَلَى مَاهِيَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ، لَمْ يَكُنْ لِلْعَالَمِ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ غَيْرُ مَا هُوَ مَوْجُودٌ (¬1) فِي الْخَارِجِ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهَا تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ. وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي، فَإِنْ (¬2) قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، لَمْ يَكُنْ لِلذَّاتِ حَالٌ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، بَلْ لَمْ تَزَلْ مُتَّصِفَةً بِالْوُجُودِ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ الْمُمْكِنَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، جَمْعٌ بَيْنَ قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ. وَإِذَا قِيلَ: هُوَ مُمْكِنٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، كَانَ قَوْلُهُ أَيْضًا مُتَنَاقِضًا، سَوَاءٌ عَنَى بِذَاتِهِ الْوُجُودَ (¬3) فِي الْخَارِجِ أَوْ شَيْئًا آخَرَ يَقْبَلُ الْوُجُودَ فِي الْخَارِجِ. فَإِنَّ تِلْكَ إِذَا لَمْ تَزَلْ مَوْجُودَةً، وَوُجُودُهَا وَاجِبٌ، لَمْ تَكُنْ قَابِلَةً لِلْعَدَمِ أَصْلًا، وَلَمْ يَكُنْ عَدَمُهَا مُمْكِنًا أَصْلًا. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: هِيَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، مَعَ قَوْلِهِ: [إِنَّهَا] (¬4) لَمْ تَزَلْ مَوْجُودَةً، مَعْنَاهُ أَنَّ الذَّاتَ لَمْ تَزَلْ مَوْجُودَةً وَاجِبَةً بِغَيْرِهَا يُمْتَنَعُ عَدَمُهَا، هِيَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَيُمْكِنُ فِيهَا هَذَا وَهَذَا، وَبُسِطَ هَذَا بِتَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُمْكِنِ (¬5) ، كَمَا قَدْ بَسَطُوهُ فِي مَوْضِعِهِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُمْكِنَ هُوَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يُوجَدُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُوجِدُهُ غَيْرُهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَا شَيْءٌ يُوصَفُ بِالْفَقْرِ وَالْإِمْكَانِ [وَقَبُولِ ¬

(¬1) ن، م: غَيْرُ مَا هِيَ مَوْجُودَةٌ. (¬2) ا، ب: فَإِذَا. (¬3) ن، م: الْمَوْجُودَ. (¬4) إِنَّهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ا، ب: بِتَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى (أَنَّ) الْمُمْكِنَ. . . إِلَخْ.

الْعَدَمِ] (¬1) ، ثُمَّ يُوصَفُ بِالْغِنَى وَالْوُجُودِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا غَنِيًّا، فَكَيْفَ يُوصَفُ بِفَقْرٍ وَإِمْكَانٍ؟ فَإِنَّهُ إِنْ حُكِمَ بِالْفَقْرِ وَالْإِمْكَانِ وَقَبُولِ الْعَدَمِ عَلَى الْمَوْجُودِ الْغَنِيِّ، كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنَعًا فِيهِ - كَمَا تَقَدَّمَ - إِذَا كَانَ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ حُكِمَ بِالْفَقْرِ وَالْإِمْكَانِ وَقَبُولِ الْعَدَمِ عَلَى مَا فِي الذِّهْنِ، بِمَعْنَى (¬2) أَنَّهُ يَفْتَقِرُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ إِلَى فَاعِلٍ، فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا ثُمَّ يُوجَدُ. وَإِنْ قِيلَ: بَلْ فَاعِلُهُ يَتَصَوَّرُهُ فِي نَفْسِهِ مَعَ دَوَامِ فِعْلِهِ لَهُ، وَالْمُمْكِنُ هُوَ مَا فِي النَّفْسِ. قِيلَ: مَا فِي النَّفْسِ الْوَاجِبُ وَاجِبٌ بِهِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ، وَمَا فِي الْخَارِجِ وَاجِبٌ بِهِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ، فَأَيْنَ الْقَابِلُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ؟ . وَإِنْ قِيلَ: مَا تُصُوِّرَ فِي النَّفْسِ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ فِي الْخَارِجِ. قِيلَ: هَذَا مُمْتَنَعٌ مَعَ وُجُوبِ وَجُودِهِ [دَائِمًا (¬3) فِي الْخَارِجِ، بَلْ هَذَا مَعْقُولٌ فِيمَا يُعْدَمُ تَارَةً وَيُوجَدُ أُخْرَى، فَإِذَا كَانَ كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ مُمْكِنًا فَقِيرًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا تَارَةً وَمَعْدُومًا أُخْرَى (¬4) . وَهَذَا الدَّلِيلُ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ النَّاسِ، فَكُلُّ مَنْ يَتَصَوَّرُ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ مُحْتَاجًا إِلَى اللَّهِ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ، لَيْسَ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ بَلْ وُجُودُهُ بِاللَّهِ، تَصَوَّرَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. فَأَمَّا إِذَا قِيلَ: هُوَ فَقِيرٌ مَصْنُوعٌ مُحْتَاجٌ، وَأَنَّهُ دَائِمًا مَعَهُ لَمْ يَحْدُثْ عَنْ عَدَمٍ، لَمْ يُعْقَلْ هَذَا وَلَمْ يُتَصَوَّرْ إِلَّا كَمَا ¬

(¬1) وَقَبُولِ الْعَدَمِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: يَعْنِي. (¬3) دَائِمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا تَارَةً وَمَوْجُودًا أُخْرَى.

تُتَصَوَّرُ الْمُمْتَنَعَاتُ، بِأَنْ يُقَدَّرَ فِي الذِّهْنِ تَقْدِيرًا لَا يُتَصَوَّرُ تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّ تَحَقُّقَهَا (¬1) فِي الْخَارِجِ مُمْتَنَعٌ. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا قِيلَ: الْمُحْوِجُ إِلَى الْمُؤَثِّرِ هُوَ الْإِمْكَانُ أَوْ هُوَ الْحُدُوثُ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مُنَافَاةٌ، فَإِنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ حَادِثٌ، وَكُلُّ حَادِثٍ مُمْكِنٌ، فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ. وَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ مَنْ قَالَ: إِنَّ (¬2) الْمُحْوِجَ إِلَى الْمُؤَثِّرِ هُوَ الْإِمْكَانُ وَالْحُدُوثُ جَمِيعًا. فَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ صَحِيحَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ لَمَّا ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَكُونُ الشَّيْءُ مُمْكِنًا مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ حَادِثٍ. وَهَذَا الَّذِي قُرِّرَ فِي امْتِنَاعِ كَوْنِ الْعَالَمِ قَدِيمًا، وَامْتِنَاعِ كَوْنِ فَاعِلِهِ عِلَّةً قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً صَحِيحٌ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ أَزَلِيَّةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِاقْتِرَانِ مُرَادِهَا بِهَا (¬3) ، أَوْ قِيلَ: لَيْسَ بِمُرِيدٍ، وَسَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهُ عِلَّةٌ لِلْفَلَكِ مَعَ حَرَكَتِهِ، أَوْ لِلْفَلَكِ بِدُونِ حَرَكَتِهِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا يُقَدَّرُ (¬4) قَدِيمًا مَعَهُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ، أَوْ مُمْكِنًا أَنْ يُقَارِنَهُ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا مَعَ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬5) ؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ مُوجَبٍ تَامٍّ مُسْتَلْزِمٍ لِمُوجِبِهِ، وَثُبُوتُ هَذَا فِي الْأَزَلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَالْحَوَادِثُ لَا تَحْدُثُ إِلَّا عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا أَزَلِيًّا ¬

(¬1) ب: تَحَقُّقَهُ. (¬2) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَهَذَا الْقَوْلُ فِيمَا يُقَدَّرُ. (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

الأقوال المختلفة في إرادة الله تعالى

إِلَّا إِذَا حَدَثَ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَكِنَّ فَاعِلَ الْعَالَمِ يُمْتَنَعُ أَنْ لَا يَحْدُثَ عَنْهُ شَيْءٌ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا بِالذَّاتِ فِي الْأَزَلِ. [الأقوال المختلفة في إرادة الله تعالى] وَإِذَا قِيلَ: هُوَ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ أَزَلِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِمُرَادِهَا الَّذِي هُوَ الْعَالَمُ، أَوْ يَتَأَخَّرُ (¬1) عَنْهَا مُرَادُهَا الَّذِي هُوَ حَوَادِثُهُ، كَانَ الْقَوْلُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ [إِلَّا] (¬2) إِرَادَةٌ أَزَلِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِمُرَادِهَا (¬3) ، امْتَنَعَ أَنْ تَحْدُثَ عَنْهُ الْحَوَادِثُ، لَكِنَّهُ يُمْتَنَعُ أَنْ لَا تَحْدُثَ عَنْهُ الْحَوَادِثُ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ [إِلَّا] (¬4) إِرَادَةٌ أَزَلِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِمُرَادِهَا، مَعَ أَنَّ الْإِرَادَةَ لِمَفْعُولَاتٍ لَازِمَةٍ لِلْفَاعِلِ غَيْرُ مَعْقُولٍ (¬5) ، بَلْ إِنَّمَا يُعْقَلُ فِي حَقِّ الْفَاعِلِ بِإِرَادَاتِهِ أَنْ يَفْعَلَ (¬6) شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّ الرَّبَّ (¬7) يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِنَّ الْكَلَامَ الْمَقْدُورَ الْمُعَيَّنَ قَدِيمٌ لَازِمٌ لِذَاتِهِ، فَإِذَا لَمْ يُعْقَلْ هَذَا فِي الْمَقْدُورِ الْقَائِمِ بِهِ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ فِي الْمُبَايِنِ لَهُ؟ . وَإِذَا قِيلَ: لَهُ إِرَادَةٌ أَزَلِيَّةٌ مُقَارِنَةٌ لِلْمُرَادِ، وَإِرَادَةٌ أُخْرَى حَادِثَةٌ [مَعَ الْحَوَادِثِ] (¬8) . قِيلَ: فَحُدُوثُ هَذِهِ الْإِرَادَةِ الْحَادِثَةِ: إِنْ كَانَ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهَا لَهَا، كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنَعًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ حَادِثَةٌ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ ¬

(¬1) ن: وَمُتَأَخِّرٌ؛ م: أَوْ مُتَأَخِّرٌ. (¬2) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) لِمُرَادِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ا، ن، م: غَيْرُ مَفْعُولٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. (¬6) عِبَارَةُ " أَنْ يَفْعَلَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬7) ن: إِنَّ الرَّجُلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) عِبَارَةُ " مَعَ الْحَوَادِثِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

تَكُونُ مُقَارِنَةً لِلْقَدِيمَةِ الَّتِي قَارَنَهَا (¬1) مُرَادُهَا. وَإِنْ كَانَ بِدُونِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ، لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِدُونِ إِرَادَتِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِدُونِ إِرَادَتِهِ، فَلَا يَكُونُ فَاعِلًا مُخْتَارًا، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ الْحَادِثَةَ إِنْ كَانَتْ فِعْلَهُ فَقَدْ حَدَثَتْ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِعْلَهُ كَانَ قَدْ حَدَثَ حَادِثٌ بِلَا فِعْلِهِ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ، وَهُوَ مِمَّا أَنْكَرَهُ جَمَاهِيرُ النَّاسِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْبَصْرِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ بِحُدُوثِ إِرَادَةِ اللَّهِ بِدُونِ إِرَادَةٍ أُخْرَى، وَبِقِيَامِ إِرَادَتِهِ (¬2) لَا فِي مَحَلٍّ. وَإِنْ قِيلَ: بَلْ لَمْ تَزَلْ تَقُومُ بِهِ الْإِرَادَاتُ لِلْحَوَادِثِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ، وَلَمْ يَزَلْ فَعَّالًا لِمَا يَشَاءُ. قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ هُنَا إِرَادَةٌ قَدِيمَةٌ لِمَفْعُولٍ قَدِيمٍ. وَإِنْ قِيلَ: يَجْتَمِعُ فِيهِ هَذَا وَهَذَا. قِيلَ: فَهَذَا مُمْتَنَعٌ مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِ كَوْنِ الْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ لِلْفَاعِلِ - لَا سِيَّمَا الْمُخْتَارُ - مُلَازِمًا لَهُ، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْمَفْعُولِ بِالْإِرَادَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَتَقَدَّمَهُ الْإِرَادَةُ، وَأَنْ تَثْبُتَ إِلَى أَنْ يُوجَدَ، [بَلْ] (¬3) هَذَا فِي كُلِّ مَفْعُولٍ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا قَامَتْ بِهِ الْإِرَادَاتُ الْمُتَعَاقِبَةُ كَانَتْ مُرَادَاتُهُ أَيْضًا مُتَعَاقِبَةً، وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُ الْقَائِمَةُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَتْ تِلْكَ (¬4) الْإِرَادَاتُ مِنْ لَوَازِمِ نَفْسِهِ، ¬

(¬1) ن، م: فَارَقَهَا. (¬2) ن، م: إِرَادَةٍ. (¬3) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن (فَقَطْ) : بِتِلْكَ.

لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ (¬1) مُرَادَةً لِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ؛ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَلْزُومَةً لِمُرَادِهَا، لَزِمَ كَوْنُ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ فِي الْأَزَلِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهَا مُتَأَخِّرًا عَنْهَا، كَانَتْ تِلْكَ الْإِرَادَةُ كَافِيَةً فِي حُصُولِ الْمُرَادَاتِ الْمُتَأَخِّرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي وُجُودَهَا فَلَا [تُوجَدُ] (¬2) ؛ إِذِ الْحَادِثُ لَا يُوجَدُ إِلَّا لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ التَّامِّ. فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ الْفَاعِلَ يُرِيدُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَيَفْعَلُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ نَفْسِهِ، فَتَكُونُ (¬3) نَفْسُهُ مُقْتَضِيَةً لِحُدُوثِ أَفْعَالِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَتَكُونُ (¬4) مَفْعُولَاتُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى [وَالْأَحْرَى] (¬5) . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، كَانَتْ نَفْسُهُ مُقْتَضِيَةً لِحُدُوثِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَالْمَفْعُولَاتِ، وَإِذَا كَانَتْ نَفْسُهُ مُقْتَضِيَةً لِذَلِكَ، امْتَنَعَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مُقْتَضِيَةً لِقَدَمِ فِعْلٍ وَمَفْعُولٍ مَعَ إِرَادَتِهِمَا الْمُسْتَلْزِمَةِ لَهُمَا، فَإِنَّ ذَاتَهُ تَكُونُ مُقْتَضِيَةً لِأَمْرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ؛ لِأَنَّ اقْتِضَاءَهَا (¬6) حُدُوثُ أَفْرَادِ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ (¬7) وَقِدَمُ النَّوْعِ مُنَاقِضٌ (¬8) لِاقْتِضَائِهَا قِدَمَ (¬9) عَيْنِ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ (¬10) . ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: يَكُونُ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) تُوجَدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن (فَقَطْ) : فَكَوْنُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن (فَقَطْ) : فَكَوْنُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) وَالْأَحْرَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬6) ا، ب: لِاقْتِضَائِهَا. (¬7) ن، م: حُدُوثُ أَفْعَالِ فُرَادِ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ا، ب: مُتَنَاقِضٌ. (¬9) ن، م: عَدَمَ. (¬10) ن، م: وَالْمَفْعُولَاتِ.

وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا الْمَفْعُولَ غَيْرُ تِلْكَ الْمَفْعُولَاتِ، فَإِنَّهُ مَلْزُومٌ لَهَا لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا وَلَا تُوجَدُ إِلَّا بِهِ، فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ، وَإِذَا تَلَازَمَتِ الْمَفْعُولَاتُ، فَتَلَازُمُ أَفْعَالِهَا وَإِرَادَتِهَا أَوْلَى، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْقُدَمَاءِ الثَّلَاثَةِ: الْإِرَادَةُ الْمُعَيَّنَةُ (¬1) ، وَفِعْلُهَا، وَمَفْعُولُهَا، مَلْزُومًا لِحَوَادِثَ لَا نِهَايَةَ لَهَا لَازِمًا (¬2) . وَحِينَئِذٍ فَالذَّاتُ فِي فِعْلِهَا لِلْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ أَزَلِيَّةٌ مُوجِبَةٌ لَهُ، وَهِيَ فِي سَائِرِ الْحَوَادِثِ لَيْسَتْ عِلَّةً أَزَلِيَّةً تُحْدِثُ فَاعِلِيَّتَهَا وَتَمَامَ إِيجَابِهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَالذَّاتُ مَوْصُوفَةٌ بِغَايَةِ الْكَمَالِ الْمُمْكِنِ، فَإِنْ كَانَ كَمَالُهَا فِي أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا بِالْقُوَّةِ هُوَ بِالْفِعْلِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ إِمْكَانِ ذَلِكَ، وَلَا كَوْنِ (¬3) دَوَامِ الْإِحْدَاثِ هُوَ أَكْمَلُ مِنْ أَنْ لَا يَحْدُثَ عَنْهَا شَيْءٌ - كَمَا قَدْ يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ - فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْدُثَ عَنْهَا شَيْءٌ (* أَصْلًا، وَلَا يَكُونُ فِي الْوُجُودِ حَادِثٌ. وَإِنْ كَانَ كَمَالُهَا فِي أَنْ تُحْدِثَ شَيْئًا *) (¬4) بَعْدَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ مِنْ أَنْ [لَا] (¬5) يُمْكِنُهَا إِحْدَاثُ شَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ صِفَةُ كَمَالٍ، وَالْفِعْلُ لَا يُعْقَلُ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلِأَنَّ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ دَائِمًا أَكْمَلُ مِنْ أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ هَذَا الَّذِي بِالْقُوَّةِ هُوَ جِنْسُ الْفِعْلِ، وَهَذَا بِالْفِعْلِ دَائِمًا. وَأَمَّا كَوْنُ كُلٍّ مِنَ الْمَفْعُولَاتِ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْمَفْعُولَاتِ أَزَلِيًّا فَهَذَا لَيْسَ ¬

(¬1) ن، م: الْعَيْنِيَّةُ. (¬2) لَازِمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) ن، م: وَلَا يَكُونُ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬5) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

بِالْقُوَّةِ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ، فَلَيْسَ فِي مُقَارَنَةِ مَفْعُولِهَا الْمُعَيِّنِ لَهَا كَمَالٌ، سَوَاءٌ كَانَ مُمْتَنَعًا أَوْ كَانَ نَقْصًا يُنَافِي الْكَمَالَ الْوَاجِبَ لَهَا، لَا سِيَّمَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِحْدَاثَ نَوْعِ الْمَفْعُولَاتِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ أَكْمَلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا هُوَ مُقَارِنُ الْفَاعِلِ (¬1) أَزَلِيًّا مَعَهُ (¬2) . فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْهَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ (¬3) مَفْعُولٌ مُقَارِنٌ لَهَا، فَلَا يَكُونُ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ قَدِيمٌ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَهَذَا بُرْهَانٌ مُسْتَقِلٌّ مُتَلَقًّى (¬4) مِنْ قَاعِدَةِ الْكَمَالِ الْوَاجِبِ لَهُ وَتَنَزُّهِهِ (¬5) عَنِ النَّقْصِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ إِحْدَاثَ مَفْعُولٍ بَعْدَ مَفْعُولٍ لَا إِلَى نِهَايَةٍ أَكْمَلُ مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ إِلَّا مَفْعُولًا وَاحِدًا لَازِمًا لِذَاتِهِ، إِنْ قُدِّرَ ذَلِكَ مُمْكِنًا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَكْمَلَ فَهُوَ مُمْكِنٌ (¬6) ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ الذَّاتَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ لَهَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا مُمْكِنًا - بَلْ هُوَ وَاجِبٌ لَهَا - وَجَبَ اتِّصَافُهَا بِهِ دُونَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ أَنْقَضُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَعْطِيلٌ عَنِ الْفِعْلِ، بَلْ هُوَ اتِّصَافٌ بِالْفِعْلِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ. وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الْفِعْلَ الْمُعَيَّنَ، وَالْمَفْعُولَ الْمُعَيَّنَ الْمُقَارِنَ لَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْتَنَعًا. فَإِنْ كَانَ مُمْتَنَعًا، امْتَنَعَ قِدَمُ ¬

(¬1) الْفَاعِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ا، ب: مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا هُوَ مُقَارِنٌ أَزَلِيٌّ مَعَهُ. (¬3) ن، م: لَهَا. (¬4) ن: يُنَافِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ا، ب: وَتَنْزِيهِهِ. (¬6) ن، م: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْمَلَ وَهُوَ مُمْكِنٌ؛ ا: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَكْمَلَ وَهُوَ مُمْكِنٌ.

شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَكْمَلَ أَوْ لَا يَكُونُ. فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَكْمَلَ، وَجَبَ أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ. وَإِحْدَاثُهُ حِينَئِذٍ عُدُولٌ عَنِ الْأَكْمَلِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْأَكْمَلَ، فَالْأَكْمَلُ نَقِيضُهُ، وَهُوَ إِحْدَاثُ شَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ، فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ الْأَفْعَالِ قَدِيمًا. وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ إِلَّا سُؤَالًا مَعْلُومَ الْفَسَادِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ يُمْكِنُ إِلَّا هَذَا، فَلَا يُمْكِنُ فِي الْفَلَكِ أَنْ يَتَأَخَّرَ وُجُودُهُ، وَلَا فِي الْحَوَادِثِ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا شَيْءٌ قَدِيمٌ. قِيلَ: إِنْ أَرَدْتُمُ امْتِنَاعَ هَذَا لِذَاتِهِ فَهُوَ مُكَابَرَةٌ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ قَبْلَ الْفَلَكِ فَلَكٌ، وَقَبْلَهُ فَلَكٌ، لَمْ يَكُنِ امْتِنَاعُ هَذَا بِأَعْظَمَ مِنَ امْتِنَاعِ دَوَامِ الْفَلَكِ، بَلْ إِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنَ النَّوْعِ يُمْكِنُ دَوَامُهُ، فَدَوَامُ النَّوْعِ أَوْلَى. وَلِهَذَا لَا يُعْقَلُ (¬1) أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنَ الْبَشَرِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، مَعَ امْتِنَاعِ قِدَمِ نَوْعِهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. وَإِنْ قَدَّرْتُمْ أَنَّهُ مُمْتَنَعٌ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى غَيْرِهِ: لِوُجُودِ مُضَادٍّ لَهُ، أَوْ لِانْتِفَاءِ حِكْمَةِ الْفَاعِلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ أَمْرٍ يُنَافِي قِدَمَ نَوْعِ الْمَفْعُولِ، فَهُوَ أَشَدُّ مُنَافَاةً لِقِدَمِ عَيْنِهِ. فَإِنْ جَازَ قِدَمُ عَيْنِهِ، فَقِدَمُ النَّوْعِ مِنْ حُدُوثِ الْأَفْرَادِ أَجْوَزُ، وَإِنِ امْتَنَعَ هَذَا الثَّانِي، فَالْأَوَّلُ أَشَدُّ امْتِنَاعًا، وَكُلُّ شَيْءٍ أَوْجَبَ حُدُوثَ أَفْرَادِ بَعْضِ الْمَفْعُولَاتِ الْمُمْكِنِ قِدَمُهَا، فَهُوَ أَيْضًا مُوجِبٌ لِحُدُوثِ نَظِيرِهِ. وَهَبْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْحَرَكَةُ لِذَاتِهَا لَا تَقْبَلُ الْبَقَاءَ، لَكِنَّ الْحَوَادِثَ جَوَاهِرٌ كَثِيرَةٌ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَالْعَنَاصِرُ الْأَرْبَعَةُ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةَ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : وَلَا يُعْقَلُ.

الْأَعْيَانِ، أَمْكَنَ إِبْقَاؤُهَا (¬1) قَدِيمَةَ الصُّورَةِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِحَالَتُهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُشَاهَدَةِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قِدَمُ أَعْيَانِهَا حَصَلَ الْمَطْلُوبُ. وَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُمْكِنٌ دُونَ هَذَا، كَانَ مُكَابَرَةً. وَإِنْ قِيلَ: الْمُوجِبُ لِاسْتِحَالَتِهَا حَرَكَةُ الْأَفْلَاكِ. قِيلَ: مِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ إِمْكَانُ تَحَرُّكِ الْأَفْلَاكِ (¬2) دُونَ اسْتِحَالَةِ الْعَنَاصِرِ، كَمَا أَمْكَنَ تَحَرُّكُ الْفَلَكِ الْأَعْلَى دُونَ اسْتِحَالَةِ الثَّانِي. وَتَقْدِيرُ اسْتِحَالَةِ الْفَلَكِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَبَقَائِهِمَا (¬3) ، كَتَقْدِيرِ اسْتِحَالَةِ الْعَنَاصِرِ وَبَقَائِهَا، لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ (¬4) دُونَ الْآخَرِ. فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى أَمْرٍ خَارِجٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمَفْعُولَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَشِيئَةِ الْفَاعِلِ وَحِكْمَتِهِ. وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ، فَإِنَّنَا لَا نُنَازِعُ أَنَّ فِعْلَ الشَّيْءِ يُوجِبُ (¬5) فِعْلَ لَوَازِمِهِ، وَيُنَافِي وُجُودَ أَضْدَادِهِ، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ، قَدْ يَكُونُ لَهَا شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ. فَالْخَالِقُ الَّذِي اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ إِحْدَاثَ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْمَعَادِنِ، اقْتَضَتْ أَنْ تُنْقَلَ مَوَادُّهَا (¬6) مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْجِسْمَيْنِ حَقِيقَةٌ اقْتَضَتِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : بَقَاؤُهَا. (¬2) ا، ب: الْفَلَكِ. (¬3) ن، م، ا: وَبَقَاؤُهَا؛ ب: وَبَقَاؤُهُمَا: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) ن (فَقَطْ) : لِذَاتِهَا. (¬5) ن، م: مُوجِبٌ. (¬6) ن، م: مَوَارِدُهَا.

اخْتِصَاصَهُ بِالْقِدَمِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ دُونَ الْأُخْرَى، لَا سِيَّمَا وَلَا حَقِيقَةَ لِوُجُودِ شَيْءٍ سِوَى الْمَوْجُودِ الثَّابِتِ فِي الْخَارِجِ، فَلَا اقْتِضَاءَ لِحَقِيقَتِهِ قَبْلَ وُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَلَكِنَّ الْبَارِي [تَعَالَى] (¬1) يَعْلَمُ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَعِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُقَارَنَةُ الْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ لِلْفَاعِلِ أَزَلًا وَأَبَدًا مُمْتَنَعًا أَوْ نَقْصًا، امْتَنَعَ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَابِتًا هُوَ مُمْتَنَعٌ، وَمَعَ تَقْدِيرِ إِمْكَانِهِ فَهُوَ نَقْصٌ؟ فَإِنَّ قِدَمَ نَوْعِهِ أَكْمَلُ مِنْ قِدَمِ عَيْنِهِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ مِنْهُ. فَإِذَا كَانَ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ وَهُوَ أَكْمَلُ، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ نَقِيضُهُ هُوَ الْمُمْكِنُ، وَإِذَا امْتَنَعَ ذَلِكَ امْتَنَعَ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ. وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ دَوَامِ فَاعِلِيَّةِ الرَّبِّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ فَاعِلِيَّةَ النَّوْعِ أَكْمَلُ مِنْ فَاعِلِيَّةِ الشَّخْصِ، وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ [الشَّخْصُ] (¬2) قَطْعًا وَحِسًّا، فَإِنَّا نَشْهَدُ بِفَاعِلِيَّةِ نَوْعٍ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَإِنْ كَانَ دَوَامُ الْفَاعِلِيَّةِ مُمْكِنًا، فَهَذَا مُمْكِنٌ لِوُجُودِهِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ دَوَامَ الْفَاعِلِيَّةِ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عِلْمِنَا بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ، دَوَامُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَصْلًا. وَدَوَامُ النَّوْعِ يَقْتَضِي حُدُوثَ أَفْرَادِهِ، فَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ بِمُقَارَنَةِ مُرَادِهِ لَهُ (¬3) فِي الْأَزَلِ مُمْتَنَعٌ، يَمْنَعُ صُدُورَ الْحَوَادِثِ عَنْهُ. وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى أَنْ يُقَالَ: الْإِرَادَةُ الْحَادِثَةُ لَا يُقَارِنُهَا مُرَادُهَا، ¬

(¬1) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) الشَّخْصُ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

التقديرات الثلاثة في مقارنة المراد للإرادة

بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعَ ذَلِكَ: [إِنَّ] (¬1) الْإِرَادَةَ الْحَادِثَةَ يُقَارِنُهَا مُرَادُهَا، كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَةَ يُقَارِنُهَا مَقْدُورُهَا، وَإِنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ. [التقديرات الثلاثة في مقارنة المراد للإرادة] وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّهُ إِذَا قِيلَ بِأَنَّ الْإِرَادَةَ يَجِبُ أَنْ يُقَارِنَهَا مُرَادُهَا (¬2) ، كَانَ [ذَلِكَ] (¬3) دَلِيلًا عَلَى حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ. وَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهَا مُرَادُهَا وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُقَارِنَهَا، أَوْ قِيلَ: يُمْتَنَعُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهَا لَهَا، فَعَلَى التَّقْدِيرَاتِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ حُدُوثُ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ. أَمَّا (¬4) عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ مُقَارَنَةِ الْمُرَادِ لِلْإِرَادَةِ، فَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْإِرَادَةُ أَزَلِيَّةً، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْمُرَادَاتِ أَزَلِيَّةً، فَلَا يَحْدُثُ شَيْءٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ وَالْعِيَانِ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِنَا: لَوْ كَانَ مُوجَبًا بِذَاتِهِ أَزَلِيًّا (¬5) ، أَوْ عِلَّةً تَامَّةً لِمَعْلُولِهِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مُوجِبِهِ وَمَعْلُولِهِ مُقَارِنًا لَهُ أَزَلِيًّا، فَيُمْتَنَعُ حُدُوثُ شَيْءٍ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ إِرَادَةٌ حَادِثَةٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ (¬6) فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْحَوَادِثِ: إِنْ حَدَثَتْ عَنْ تِلْكَ الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهَا لَهَا كَانَ مُمْتَنَعًا، وَإِنْ حَدَثَتْ بِلَا إِرَادَةٍ وَلَا سَبَبٍ حَادِثٍ كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنَعًا. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ مُقَارَنَةِ الْمُرَادِ لِلْإِرَادَةِ يُمْتَنَعُ قِدَمُ شَيْءٍ مِنْ ¬

(¬1) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) ا، ب:. . الْإِرَادَةَ لَا يَجِبُ أَنْ يُقَارِنَهَا مُرَادُهَا، وَهُوَ خَطَأٌ؛ م: الْإِرَادَةَ يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهَا مُرَادُهَا وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا. (¬3) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: وَأَمَّا. (¬5) ن، م: أَزَلِيَّةً. (¬6) ن، م: حَادِثَةٌ فَالْكَلَامُ.

الْعَالَمِ، سَوَاءٌ قِيلَ بِقِدَمِ الْإِرَادَةِ أَوْ حُدُوثِهَا، أَوْ قِدَمِ شَيْءٍ مِنْهَا وَحُدُوثٍ شَيْءٍ آخَرَ. وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَجُوزُ مُقَارَنَتُهُ لِلْإِرَادَةِ وَيَجُوزُ تَأَخُّرُهُ عَنْهَا، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجُوزُ حُدُوثُ جَمِيعِ (¬1) الْعَالَمِ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ أَزَلِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، كَمَا تَقُولُ ذَلِكَ الْكُلَّابِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حُجَّةَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِاعْتِقَادِهِمْ بُطْلَانَ التَّسَلْسُلِ فِي الْآثَارِ وَامْتِنَاعَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ مَا قَالُوهُ حَقًّا، وَأَنَّهُ يُمْتَنَعُ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا، لَزِمَ حِينَئِذٍ حُدُوثُ الْعَالَمِ، وَامْتَنَعَ الْقَوْلُ بِقِدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ مُقَارَنَةِ شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ. حَتَّى الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِإِثْبَاتِهَا، فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ لَا بُدَّ أَنْ تُقَارِنَ الْحَوَادِثَ، فَإِذَا امْتَنَعَ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا، كَانَ مَا لَمْ يَسْبِقِ الْحَوَادِثَ بِمَنْزِلَتِهَا، يُمْتَنَعُ قِدَمُهُ كَمَا يُمْتَنَعُ قِدَمُهَا. وَإِنَّ كَانَ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ بَاطِلًا، أَمْكَنَ دَوَامُ الْحَوَادِثِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَجُوزُ مُقَارَنَةُ الْمُرَادِ لِلْإِرَادَةِ (¬2) فِي الْأَزَلِ، وَيُمْتَنَعُ حُدُوثُ شَيْءٍ إِلَّا بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُمْتَنَعُ كَوْنُ شَيْءٍ (¬3) مِنَ الْعَالَمِ أَزَلِيًّا، وَإِنَّ جَازَ أَنْ ¬

(¬1) جَمِيعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ن (فَقَطْ) : لِلْإِرَادَاتِ. (¬3) ا، م: الشَّيْءُ.

يَكُونُ نَوْعُ الْحَوَادِثِ دَائِمًا لَمْ يَزَلْ، فَإِنَّ الْأَزَلَ لَيْسَ هُوَ عِبَارَةً عَنْ شَيْءٍ مُحَدَّدٍ، بَلْ مَا مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إِلَّا وَقَبْلَهُ وَقْتٌ آخَرُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَوَامِ النَّوْعِ قِدَمُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ. وَإِنَّمَا قِيلَ: يُمْتَنَعُ قِدَمُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يُقَارِنَهَا الْمُرَادُ فِي الْأَزَلِ، وَجَبَ أَنْ يُقَارِنَهَا الْمُرَادُ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ الَّتِي يَجُوزُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهَا لَهَا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا مُرَادُهَا (¬1) إِلَّا لِنَقْصٍ فِي الْقُدْرَةِ، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَتِ الْقُدْرَةُ تَامَّةً، وَالْإِرَادَةُ الَّتِي يُمْكِنُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهَا لَهَا حَاصِلَةً، لَزِمَ حُصُولُ الْمُرَادِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى التَّامِّ لِلْفِعْلِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ (¬2) مَعَ كَوْنِ الْمُرَادِ مُمْكِنًا، لَكَانَ حُصُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِدُونِ مُرَجِّحٍ. وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِامْتِنَاعِ شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ، يَقُولُونَ: إِنَّ حُصُولَ شَيْءٍ مِنَ الْإِرَادَاتِ (¬3) فِي الْأَزَلِ مُمْتَنَعٌ، لَا يَقُولُونَ بِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ مُقَارَنَةُ مُرَادِهِ لَهُ. لَكِنْ أَوْرَدَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ نِسْبَةُ جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْحَوَادِثِ إِلَى الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ نِسْبَةً وَاحِدَةً، فَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ - أَوْ مَا يُقَدَّرُ (¬4) فِيهِ الْوَقْتُ بِالْحُدُوثِ - تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَتَخْصِيصٌ لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُخَصِّصٍ. ¬

(¬1) ن: مُرَادُهَا عَنْهَا؛ م: مُرَادُهَا لَهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: لَوْ لَمْ يَكُنْ. (¬3) ا، ب: الْمُرَادَاتِ. (¬4) ن، م: أَمَّا يُقَدَّرُ.

وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِنَا هُنَا، فَإِنَّا لَمْ نَنْصُرْ (¬1) هَذَا الْقَوْلَ، وَلَكِنْ بَيَّنَّا امْتِنَاعَ قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَأَنَّ دَوَامَ الْحَوَادِثِ سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنًا أَوْ مُمْتَنَعًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ حُدُوثُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (¬2) ، وَأَنَّ الْإِرَادَةَ سَوَاءٌ قِيلَ بِوُجُوبِ مُقَارَنَةِ مُرَادِهَا لَهَا أَوْ بِجَوَازِ تَأَخُّرِهِ عَنْهَا، يَلْزَمُ حُدُوثُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ عَلَى كُلٍّ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ (¬3) . فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِتَأَخُّرِ مُرَادِهَا، إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الْقَوْلِ بِدَوَامِ الْحَوَادِثِ وَوُجُودِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَلْزَمُ حُدُوثُ الْعَالَمِ، وَإِلَّا فَلَوْ جَازَ دَوَامُ الْحَوَادِثِ، لَجَازَ عِنْدَهُمْ وُجُودُ الْمُرَادِ فِي الْأَزَلِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا بِتَأَخُّرِ الْمُرَادِ عَنِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ [بِلَا مُرَجِّحٍ] (¬4) وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّنَاعَةِ عَلَيْهِمْ، وَنِسْبَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ إِلَى أَنَّهُمْ خَالَفُوا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ. فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا صَارُوا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ (¬5) ؛ لِاعْتِقَادِهِمُ امْتِنَاعَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، فَاحْتَاجُوا لِذَلِكَ أَنْ يُثْبِتُوا إِرَادَةً قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً يَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْمُرَادُ، وَيَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَاحْتَاجُوا أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ نَفْسَ الْإِرَادَةِ تُخَصِّصُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَإِلَّا فَلَوِ اعْتَقَدُوا جَوَازَ دَوَامِ الْحَوَادِثِ وَتَسَلْسُلِهَا، لَأَمْكَنَ أَنْ يَقُولُوا بِأَنَّهُ ¬

(¬1) ا، ب: فَإِنَّا لَمْ نَنُصَّ، وَهُوَ خَطَأٌ؛ ن، م: فَإِنَّا نَنْصُرُ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) ن، م: عَلَى التَّقْدِيرِ. (¬3) ن: عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ؛ م: عَلَى كُلِّ التَّقْدِيرَيْنِ. (¬4) بِلَا مُرَجِّحٍ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬5) الْقَوْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

تَحْدُثُ الْإِرَادَاتُ وَالْمُرَادَاتُ، وَيَقُولُونَ بِجَوَازِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِالْقَدِيمِ، وَلَرَجَعُوا عَنْ قَوْلِهِ: (* بِأَنَّ (¬1) نَفْسَ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ تُخَصِّصُ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَعَنْ قَوْلِهِمْ *) (¬2) بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَكَانُوا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَقُولُونَ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ حَادِثٌ كَائِنٌ (¬3) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَكَانَ هَذَا لَازِمًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِذَا لَمْ يَجُزْ حُدُوثُ شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَّا بِسَبَبٍ [حَادِثٍ] (¬4) ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ بِحُدُوثِ شَيْءٍ فِيهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَا يَكُونُ تَأَخُّرُ الْمُرَادِ عَنِ الْإِرَادَةِ إِلَّا لِتَعَذُّرِ الْمُرَادِ، [إِذْ] (¬5) لَوْ كَانَ [الْمُرَادُ] (¬6) مُمْكِنًا أَنْ يُقَارِنَ الْإِرَادَةَ وَمُمْكِنًا أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا، لَكَانَ تَخْصِيصُ أَحَدِ الزَّمَانَيْنِ بِالْإِحْدَاثِ تَخْصِيصًا بِلَا مُخَصِّصٍ. فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: وُجُوبُ (¬7) مُقَارَنَةِ الْمُرَادِ لِلْإِرَادَةِ أَوِ امْتِنَاعِهِ (¬8) ، وَأَنَّهُ يَجِبُ مُقَارَنَتُهُ لِلْإِرَادَةِ إِذَا كَانَ مُمْكِنًا، وَأَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ إِلَّا لِتَعَذُّرِ مُقَارَنَتِهِ: إِمَّا (¬9) لِامْتِنَاعِهِ فِي نَفْسِهِ، وَإِمَّا لِامْتِنَاعِ لَوَازِمِهِ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : إِنَّ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) كَائِنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) حَادِثٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) إِذْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) الْمُرَادُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ا، ب: وَوُجُوبُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م، ب: وَامْتِنَاعِهِ. (¬9) ن، م: وَإِمَّا.

وَامْتِنَاعُ اللَّازِمِ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْمَلْزُومِ، لَكِنْ يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ. كَمَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَمَا شَاءَ [اللَّهُ] وَجَبَ (¬1) كَوْنُهُ بِمَشِيئَتِهِ لَا بِنَفْسِهِ، وَمَا لَمْ يَشَأْ يُمْتَنَعُ كَوْنُهُ لَا بِنَفْسِهِ بَلْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَشَأِ امْتَنَعَ كَوْنُهُ. وَإِذَا كَانَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمًا: إِمَّا مُقَارَنَةُ الْمُرَادِ [لِلْإِرَادَةِ] (¬2) ، وَإِمَّا امْتِنَاعُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا لَوَجَبَ (3 أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا لِوُجُوبِ 3) (¬3) مُقَارَنَتِهِ لَهُ فِي الْأَزَلِ. إِذِ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْمُقَارَنَةِ أَوِ امْتِنَاعُ الْمُرَادِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مُمْكِنًا فِي الْأَزَلِ لَزِمَ وُجُوبُ الْمُقَارَنَةِ (¬4) ، لَكِنَّ وُجُوبَ الْمُقَارَنَةِ مُمْتَنَعٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَزِمَ الْقِسْمُ الْآخَرُ: وَهُوَ امْتِنَاعُ شَيْءٍ مِنَ الْمُرَادِ الْمُعَيَّنِ فِي الْأَزَلِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. فَأَمَّا إِذَا قِيلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ تَأَخُّرُ الْمُرَادِ عَنِ الْإِرَادَةِ - كَمَا يَقُولُ [ذَلِكَ] كَثِيرٌ (¬5) مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ - فَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُرِيدًا يُمْتَنَعُ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. فَتَبَيَّنَ حُدُوثُ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ فَهِمَ هَذِهِ الطَّرِيقَ (¬6) اسْتَفَادَ بِهَا أُمُورًا: ¬

(¬1) ن، م: فَمَا شَاءَ وَجَبَ. . (¬2) لِلْإِرَادَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ا: فِي الْأَزَلِ وَجَبَ الْمُقَارَنَةُ؛ ب: فِي الْأَزَلِ وَجَبَتِ الْمُقَارَنَةُ. (¬5) ن، م: كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ. (¬6) ن: هَذِهِ الطَّرِيقَةَ؛ ا: هَذَا الطَّرِيقَ.

أَحَدُهَا: ثُبُوتُ حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ، حَتَّى إِذَا قُدِّرَ أَنَّ هُنَاكَ مَوْجُودًا سِوَى الْأَجْسَامِ - كَمَا يَقُولُ مَنْ يُثْبِتُ الْعُقُولَ وَالنُّفُوسَ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ: إِنَّهَا جَوَاهِرٌ قَائِمَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَلَيْسَتْ أَجْسَامًا - فَإِنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ (¬1) يُعْلَمُ بِهَا حُدُوثُ ذَلِكَ. وَطَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَهْلِ الْكَلَامِ - كَالشَّهْرَسْتَانِيِّ (¬2) . وَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ - قَالُوا: إِنَّ قُدَمَاءَ أَهْلِ الْكَلَامِ لَمْ يُقِيمُوا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ هَذِهِ، وَدَلِيلُهُمْ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ. وَقَدْ بُيِّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ هَؤُلَاءِ النُّظَّارَ - كَأَبِي الْهُذَيْلِ وَالنَّظَّامِ (¬3) وَالْهِشَامَيْنِ (¬4) وَابْنِ كُلَّابٍ وَابْنِ كَرَّامٍ وَالْأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ (¬5) [وَأَبِي الْمَعَالِي] ¬

(¬1) ن، م: هَذِهِ طَرِيقٌ. (¬2) أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 479، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 548. كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَشَاعِرَةِ وَلَهُ اطِّلَاعٌ وَاسِعٌ عَلَى الْفَلْسَفَةِ وَالْمَقَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَمِنْ أَشْهَرِ كُتُبِهِ: كِتَابُ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ "، وَكِتَابُ: " نِهَايَةِ الْأَقْدَامِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ ". تَرْجَمَتُهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 6/128 - 130؛ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/403 - 404؛ الْأَعْلَامِ 7/83 84. وَانْظُرْ: يَاقُوتَ: مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ، مَادَّةَ شَهْرَسْتَانَ. (¬3) إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَيَّارِ بْنِ هَانِئٍ الْبَصْرِيُّ، وَيُعْرَفُ بِالنَّظَّامِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 231 وَقِيلَ: سَنَةَ 221 عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَيُعَدُّ أَعْظَمَ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُوَ رَأْسُ الْفِرْقَةِ النَّظَّامِيَّةِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَالْكَلَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَفِرْقَتِهِ فِي كِتَابِ: " إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَيَّارٍ النَّظَّامِ " تَأْلِيفُ الدُّكْتُورِ مُحَمَّدْ عَبْدِ الْهَادِي أَبُو رِيدَهْ، الْقَاهِرَةَ 1365/1946؛ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 79 - 91؛ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/56 - 61؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ 6/97؛ أَمَالِي الْمُرْتَضَى 1/132؛ خُطَطِ الْمَقْرِيزِيِّ 1/346؛ اللُّبَابِ فِي تَهْذِيبِ الْأَنْسَابِ 2/230، الْأَعْلَامِ 1/36. (¬4) ن: وَالْهِشَامِيِّينَ. وَالْمَقْصُودُ بِالْهِشَامَيْنِ: هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ، وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيُّ وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُمَا (ص 71 ت [0 - 9] ، 4) . (¬5) مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ، أَوِ الْبَاقِلَّانِيِّ، وُلِدَ بِالْبَصْرَةِ فِي الرُّبُعِ الْأَخِيرِ مِنَ الْقَرْنِ الرَّابِعِ، وَعَاشَ فِي بَغْدَادَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ 403، وَهُوَ يُعَدُّ أَعْظَمَ الْأَشَاعِرَةِ بَعْدَ الْأَشْعَرِيِّ، وَقَدْ أَلَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً نَقَدَ فِيهَا الْفَلْسَفَةَ وَالْمَنْطِقَ وَالْمِلَلَ الْمُخْتَلِفَةَ. وَمِنْ أَهَمِّهَا كِتَابُ " الدَّقَائِقِ " وَهُوَ مَفْقُودٌ. تَرْجَمَتُهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/160 - 170؛ تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرَى، ص 217 - 226؛ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 4/400 - 401؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ 5/379 - 383؛ الْأَعْلَامِ 7/46.

(¬1) وَأَبِي عَلِيٍّ (¬2) وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ (¬3) وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ (¬4) وَأَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَ [أَبِي الْوَفَاءِ] بْنِ عَقِيلٍ ¬

(¬1) وَأَبِي الْمَعَالِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَهُوَ أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وُلِدَ بِنَيْسَابُورَ سَنَةَ 419، وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ 478، بَعْدَ أَنْ تَوَلَّى التَّدْرِيسَ بِالْمَدْرَسَةِ النِّظَامِيَّةِ مُدَّةَ ثَلَاثِينَ عَامًا. وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَئِمَّةِ الْأَشَاعِرَةِ، وَقَدْ تَتَلْمَذَ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ. تَرْجَمَتُهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/358 - 362؛ تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرَى، ص 278 - 285؛ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 5/165 - 222؛ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/341 - 343؛ الْأَعْلَامِ 4/306. (¬2) أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْجُبَّائِيُّ الْمِصْرِيُّ وَالِدُ أَبِي هَاشِمٍ الْجُبَّائِيِّ (سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُ: ص [0 - 9] 78 ت [0 - 9] ) . وَالْفِرْقَةُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ هِيَ فِرْقَةُ الْجُبَّائِيَّةِ مِنْ فِرَقِ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْبَصْرَةِ، وَقَدْ وُلِدَ سَنَةَ 235، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 303. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَالْكَلَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي: ابْنِ الْمُرْتَضَى: الْمُنْيَةُ وَالْأَمَلُ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ، ص [0 - 9] 5 - 48، حَيْدَرَ آبَادَ، 1316؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/241؛ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/418؛ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 110 - 111؛ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 118 - 129؛ لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/271؛ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/398 - 399، اللُّبَابِ 1/208؛ الْأَعْلَامِ 7/136؛ تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكِلْمَانَ 4/31 - 32. (¬3) أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّيِّبُ الْبَصْرِيُّ، مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 436. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَالْكَلَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/259؛ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/401 - 402؛ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/130 - 131؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ 3/100؛ لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/598؛ نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ ص 151، 175، 177، 221، 257. (¬4) وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ: جَاءَتْ فِي (ن) ، (م) فِي آخِرِ الْأَسْمَاءِ الْوَارِدَةِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْمُعَافِرِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 486، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 543؛ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْأَنْدَلُسِ. تَرْجَمَتُهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/423 - 424. وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ " الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ " بِقَلَمِ الْأُسْتَاذِ: مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ، الْمَطْبَعَةُ السَّلَفِيَّةُ، الْقَاهِرَةَ، 1371؛ نَفْحَ الطِّيبِ 2/415 - 416؛ الْأَعْلَامَ 7/106.

وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِيِّ (¬1) وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ (¬2) - يُثْبِتُونَ (¬3) امْتِنَاعَ وُجُودِ (¬4) مَوْجُودٍ مُمْكِنٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ، فَبَيَّنُوا بُطْلَانَ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُجَرَّدَاتِ فِي الْخَارِجِ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَ ثُبُوتَ مَا لَا يُشَارُ إِلَيْهِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فِي الْمُمْكِنَاتِ. وَمِمَّا يُسْتَفَادُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ الَّتِي قَرَّرْنَاهَا: الْخَلَاصُ عَنْ إِثْبَاتِ الْحُدُوثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَالْخَلَاصُ عَنْ نَفْيِ مَا يَقُومُ بِذَاتِ اللَّهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَمِمَّا يُسْتَفَادُ بِذَلِكَ: أَنَّهَا بُرْهَانٌ بَاهِرٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ الْجَوَابَ (¬5) عَنْ عُمْدَتِهِمْ. وَمِمَّا يُسْتَفَادُ بِذَلِكَ: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ وَالْفَاعِلِ بِالِاخْتِيَارِ. وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ غَلِطُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، وَصَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مُضْطَرِبِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَتَارَةً يُوَافِقُونَ الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى الْفَرْقِ وَتَارَةً يُخَالِفُونَهُمْ. وَإِذَا خَالَفُوهُمْ فَهُمْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ أَتْبَاعِ أَرِسْطُو. وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، لَكِنْ هَلْ يَجِبُ وُجُودُ الْمَفْعُولِ عِنْدَ وُجُودِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ أَمْ لَا؟ . ¬

(¬1) ن، م: وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ. (¬2) وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) ن: لَا يُثْبِتُوا؛ ا: يُثْبِتُوا. (¬4) وُجُودِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) ن، م: وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْحَوَادِثِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ نُفَاةِ الْقَدَرِ، أَنَّهُ يَجِبُ وُجُودُ الْمَفْعُولِ (¬1) عِنْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضَى التَّامِّ، وَهُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ. وَطَائِفَةٌ [أُخْرَى] (¬2) مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ: الْجَهْمِيَّةُ وَمُوَافِقِيهِمْ، وَمِنْ نُفَاةِ الْقَدَرِ: الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا تُوجِبُ (¬3) ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُونَ: الْقَادِرُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَالْجَائِعِ مَعَ الرَّغِيفَيْنِ وَالْهَارِبِ مَعَ الطَّرِيقَيْنِ. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْعَبْدُ قَادِرٌ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الرَّبِّ. وَلِهَذَا كَانَ [مِنْ] (¬4) قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْعِمْ عَلَى أَهْلِ الطَّاعَةِ بِنِعَمٍ (¬5) خَصَّهُمْ بِهَا حَتَّى أَطَاعُوهُ بِهَا (¬6) ، بَلْ تَمْكِينُهُ لِلْمُطِيعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ؛ لَكِنَّ هَذَا رَجَّحَ الطَّاعَةَ بِلَا مُرَجِّحٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوَجَبَ ذَلِكَ، وَهَذَا رَجَّحَ الْمَعْصِيَةَ بِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ، مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْجَبْرِيَّةُ - كَجَهْمٍ وَأَصْحَابِهِ - فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ أَلْبَتَّةَ. ¬

(¬1) ا، ب: الْفِعْلِ. (¬2) أُخْرَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: لَا يُوجِبُ. (¬4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: بِنِعْمَةٍ. (¬6) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

وَالْأَشْعَرِيُّ يُوَافِقُهُمْ فِي الْمَعْنَى فَيَقُولُ: لَيْسَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ (¬1) مُؤَثِّرَةٌ، وَيُثْبِتُ شَيْئًا يُسَمِّيهِ قُدْرَةً يَجْعَلُ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَسْبُ الَّذِي يُثْبِتُهُ. وَهَؤُلَاءِ لَا (¬2) يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ بِأَنَّ رُجْحَانَ فَاعِلِيَّةِ الْعَبْدِ عَلَى تَارِكِيَّتِهِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَجِّحٍ - كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الرَّازِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْجَبْرِيَّةِ - وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْأَشْعَرِيُّ وَقُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ. وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ - كَالرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ - إِذَا نَاظَرُوا الْمُعْتَزِلَةَ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ أَبْطَلُوا هَذَا الْأَصْلَ، وَبَيَّنُوا (¬3) أَنَّ الْفِعْلَ يَجِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ، وَأَنَّهُ يُمْتَنَعُ فِعْلُهُ بِدُونِ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ، وَنَصَرُوا (¬4) أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ لَا يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِالْمُرَجِّحِ [التَّامِّ] (¬5) . وَإِذَا نَاظَرُوا الْفَلَاسِفَةَ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، وَإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ، سَلَكُوا مَسْلَكَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَعَامَّةُ الَّذِينَ سَلَكُوا مَسْلَكَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ (¬6) وَأَمْثَالِهِ (¬7) تَجِدُهُمْ يَتَنَاقَضُونَ هَذَا التَّنَاقُضَ. ¬

(¬1) ن، م: لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ. (¬2) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَأَثْبَتُوا. (¬4) ا: وَيَنْصُرُوا؛ ب: وَيَنْصُرُونَ. (¬5) ن، م: إِلَّا بِمُرَجِّحٍ. (¬6) ن، م: ابْنِ الْخَطِيبِ. وَهُوَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ (ص 168 ت [0 - 9] ) . (¬7) ن، م: وَأَمْثَالِهِمْ

وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنْ يُقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يُرَادُ بِلَفْظِ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ؟ إِنْ عُنِيَ [بِهِ] (¬1) أَنَّهُ يُوجِبُ بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ، فَهَذِهِ الذَّاتُ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَلَا ثُبُوتَ فِي الْخَارِجِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً. وَالْفَلَاسِفَةُ يَتَنَاقَضُونَ، فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لِلْأَوَّلِ غَايَةً، وَيُثْبِتُونَ الْعِلَلَ الْغَائِيَّةَ فِي إِبْدَاعِهِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ. وَإِذَا فَسَّرُوا الْغَايَةَ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ، وَجَعَلُوا الْعِلْمَ مُجَرَّدَ الذَّاتِ، كَانَ هَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدُ (¬2) الْعَالَمِ، لَكِنَّ هَذَا مِنْ تَنَاقُضِ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْمَعَانِيَ الْمُتَعَدِّدَةَ مَعْنًى وَاحِدًا (¬3) ، فَيَجْعَلُونَ الْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةُ وَهُوَ الْإِرَادَةُ، وَيَجْعَلُونَ الصِّفَةَ هِيَ نَفْسُ الْمَوْصُوفِ، كَمَا يَجْعَلُونَ الْعِلْمَ هُوَ [نَفْسُ] (¬4) الْعَالِمِ، وَالْقَادِرَ هُوَ الْقُدْرَةُ، وَالْإِرَادَةَ هِيَ الْمُرِيدُ، وَالْعِشْقَ هُوَ الْعَاشِقُ. وَهَذَا قَدْ صَرَّحَ بِهِ فُضَلَاؤُهُمْ - وَحَتَّى الْمُنْتَصِرُونَ لَهُمْ - مِثْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ، الَّذِي رَدَّ عَلَى [أَبِي حَامِدٍ] الْغَزَالِيِّ (¬5) فِي " تَهَافُتِ التَّهَافُتِ (¬6) " وَأَمْثَالِهِ. وَأَيْضًا: فَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُ ذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ صَادِرًا عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) مُجَرَّدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) ن، م: فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. (¬4) نَفْسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: عَلَى الْغَزَالِيِّ. (¬6) ا، ب: تَهَافُتِ الْفَلَاسِفَةُ.

بِالذَّاتِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَسْتَلْزِمُ مُوجِبَهُ وَمُقْتَضَاهُ، فَلَوْ كَانَ مُبْدِعُ الْعَالَمِ مُوجِبًا بِالذَّاتِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، لَزِمَ أَنْ لَا يَحْدُثَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُشَاهَدَةِ. فَقَوْلُهُمْ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ صِفَاتِهِ وَنَفْيَ أَفْعَالِهِ وَنَفْيَ حُدُوثِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ. وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ وَاحِدًا بَسِيطًا، وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، ثُمَّ احْتَالُوا فِي صُدُورِ الْكَثْرَةِ عَنْهُ بِحِيَلٍ تَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ (¬1) حَيْرَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ بِهَذَا الْبَابِ، كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ الصَّادِرَ الْأَوَّلَ هُوَ الْعَقْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَاجِبٌ بِغَيْرِهِ، مُمْكِنٌ بِنَفْسِهِ، فَفِيهِ ثَلَاثُ جِهَاتٍ، فَصَدَرَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِهِ عَقْلٌ آخَرُ، وَبِاعْتِبَارِ وَجُودِهِ نَفْسٌ، وَبِاعْتِبَارِ إِمْكَانِهِ [فَلَكٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: وَبِاعْتِبَارِ وَجُودِهِ صُورَةُ الْفَلَكِ، وَبِاعْتِبَارِ إِمْكَانِهِ] (¬2) مَادَّتُهُ. وَهُمْ مُتَنَازِعُونَ فِي النَّفْسِ الْفَلَكِيَّةِ: هَلْ هِيَ جَوْهَرٌ مُفَارِقٌ لَهُ، [أَمْ] (¬3) عَرَضٌ قَائِمٌ بِهِ (¬4) ؟ . وَلِهَذَا أَطْنَبَ النَّاسُ فِي بَيَانِ فَسَادِ كَلَامِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ الَّذِي فَرَضُوهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. ثُمَّ قَوْلُهُمْ: الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ، وَهُمْ لَوْ عَلِمُوا ثُبُوتَهَا فِي [بَعْضِ] (¬5) الصُّوَرِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً إِلَّا بِقِيَاسِ التَّمْثِيلِ، فَكَيْفَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاحِدًا صَدَرَ عَنْهُ شَيْءٌ؟ . ¬

(¬1) ا، ب: عِظَمِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ا، ب: هَلْ هِيَ جَوْهَرٌ مُفَارِقٌ أَمْ عَرَضٌ قَائِمٌ. (¬5) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

وَمَا (¬1) يُمَثِّلُونَ بِهِ مِنْ صُدُورِ التَّسْخِينِ عَنِ النَّارِ وَالتَّبْرِيدِ عَنِ الْمَاءِ بَاطِلٌ، فَإِنَّ تِلْكَ الْآثَارَ لَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ شَيْئَيْنِ: فَاعِلٌ وَقَابِلٌ، وَالْأَوَّلُ تَعَالَى كُلُّ مَا سِوَاهُ صَادِرٌ عَنْهُ، لَيْسَ هُنَاكَ قَابِلٌ مَوْجُودٌ. وَإِنْ قَالُوا: الْمَاهِيَّاتُ الثَّابِتَةُ فِي الْخَارِجِ الْغَنِيَّةُ عَنِ الْفَاعِلِ هِيَ الْقَابِلُ، كَانَ هَذَا بَاطِلًا مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمُ الْفَاسِدِ، وَهُوَ إِثْبَاتُ مَاهِيَّاتٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ مُغَايِرَةٍ لِلْأَعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا. وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ أَنَّ الْمُثَلَّثَ (¬2) يُتَصَوَّرُ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ (¬3) الْمُثَلَّثِ (¬4) فِي الْخَارِجِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الذِّهْنِ، وَلَا رَيْبَ فِي حُصُولِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا فِي الْأَذْهَانِ وَمَا فِي الْأَعْيَانِ. وَمِنْ هُنَا كَثُرَ غَلَطُهُمْ، فَإِنَّهُمْ تَصَوَّرُوا أُمُورًا فِي الْأَذْهَانِ، فَظَنُّوا ثُبُوتَهَا فِي الْأَعْيَانِ، كَالْعُقُولِ وَالْمَاهِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ وَالْهَيُولَى وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ هِيَ بِحَسَبِ مَا يُوجَدُ، فَكُلُّ مَا وُجِدَ لَهُ عِنْدَهُمْ مَاهِيَّةٌ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، فَلَا يَجُوزُ (¬5) قَصْرُ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى أُمُورٍ لِتَوَهُّمِ (¬6) أَنَّهُ لَا مَاهِيَّةَ تَقْبَلُ الْوُجُودَ غَيْرَهَا. ¬

(¬1) ن: وَمِمَّا؛ م: مِمَّا. (¬2) ا، ب: الْمُثْبَتَ. (¬3) ا، ب: ثَبَاتِ. (¬4) ا، ب: الْمُثْبَتِ. (¬5) ن: وَمِنْهَا فَلَا يَجُوزُ؛ ا، ب: وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ. (¬6) ن، م: كَتَوَهُّمِ.

بطلان ما يزعمه الفلاسفة من أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد

وَمِنْهَا: أَنْ يُقَالَ: الْمَاهِيَّاتُ الْمُمْكِنَةُ فِي نَفْسِهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا. وَمِنْهَا: أَنْ يُقَالَ: الْوَاحِدُ الْمَشْهُودُ الَّذِي تَصْدُرُ عَنْهُ الْآثَارُ لَهُ قَوَابِلُ مَوْجُودَةٌ، وَالْبَارِي تَعَالَى هُوَ الْمُبْدِعُ لِوُجُودِ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَلَا يُعْلَمُ أَمْرٌ صَادِرٌ عَنْ مُمْكِنٍ إِلَّا عَنْ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُ التَّأْثِيرَ (¬1) ، وَلَيْسَ فِي الْمَوْجُودَاتِ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ وَحْدَهُ شَيْءٌ إِلَّا اللَّهُ [تَعَالَى] (¬2) . [بطلان ما يزعمه الفلاسفة من أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد] فَقَوْلُهُمْ: الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ: إِنْ أَدْرَجُوا فِيهَا [مَا] (¬3) سِوَى اللَّهِ فَذَاكَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ وَحْدَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا بِهَا إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ فَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ هُوَ الدَّلِيلُ، وَذَلِكَ الْوَاحِدُ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ وَلَا كَيْفِيَّةَ الصُّدُورِ عَنْهُ؟ . وَأَيْضًا: فَالْوَاحِدُ الَّذِي يُثْبِتُونَهُ، هُوَ وُجُودٌ مُجَرَّدٌ عَنِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ عَنْ [بَعْضِهِمْ]- كَابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ (¬4) - أَوْ عَنِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ يُمْتَنَعُ تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا هُوَ [أَمْرٌ] (¬5) يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ، كَمَا تُقَدَّرُ الْمُمْتَنَعَاتُ. وَلِهَذَا (¬6) كَانَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِينَا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا نَازَعَهُ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ هَذَا لَيْسَ [هُوَ] قَوْلُ [أَئِمَّةِ] الْفَلَاسِفَةِ (¬7) ، وَإِنَّمَا ابْنُ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : النَّاسَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن، م: عِنْدَ ابْنِ سِينَا وَمَنْ تَابَعَهُ. (¬5) أَمْرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ا: كَمَا تُقَدَّرُ وَلِهَذَا؛ ب: كَمَا تَقَدَّمَ وَلِهَذَا. (¬7) ن (فَقَطْ) : لَيْسَ قَوْلَ الْفَلَاسِفَةِ.

سِينَا وَأَمْثَالُهُ أَحْدَثُوهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ أَبُو الْبَرَكَاتِ [صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ "] (¬1) ، وَهُوَ مِنْ أَقْرَبِ هَؤُلَاءِ إِلَى اتِّبَاعِ الْحُجَّةِ الصَّحِيحَةِ بِحَسَبِ نَظَرِهِ، وَالْعُدُولُ عَنْ تَقْلِيدِ سَلَفِهِمْ، مَعَ أَنَّ أَصْلَ (¬2) أَمْرِهِمْ وَحِكْمَتِهِمْ أَنَّ الْعَقْلِيَّاتِ لَا تَقْلِيدَ فِيهَا. . وَأَيْضًا: فَإِذَا لَمْ يَصْدُرْ [عَنْهُ] (¬3) إِلَّا وَاحِدٌ - كَمَا يَقُولُونَهُ فِي الْعَقْلِ الْأَوَّلِ فَذَلِكَ الصَّادِرُ الْأَوَّلُ إِنْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَزِمَ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا. وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَثْرَةٌ مَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ - وَالْكَثْرَةُ وُجُودِيَّةٌ - كَانَ قَدْ صَدَرَ (¬4) عَنِ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَمِيَّةً لَمْ يَصْدُرْ عَنْهَا وُجُودٌ، فَلَا يَصْدُرُ عَنِ الصَّادِرِ الْأَوَّلِ وَاحِدٌ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ صَدَرَ عَنْهُ شَيْئَانِ، لَكَانَ مَصْدَرُ هَذَا غَيْرَ مَصْدَرِ ذَلِكَ (¬5) ، وَلَزِمَ التَّرْكِيبُ. فَيُقَالُ أَوَّلًا: لَيْسَ الصُّدُورُ عَنِ الْبَارِي كَصُدُورِ الْحَرَارَةِ عَنِ النَّارِ، بَلْ هُوَ فَاعِلٌ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَلَوْ قُدِّرَ تَعَدُّدُ الْمَصْدَرِ فَهُوَ تَعَدُّدُ أُمُورٍ إِضَافِيَّةٍ، وَتَعَدُّدُ الْإِضَافَاتِ وَالسُّلُوبِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ تَعَدُّدُ صِفَاتٍ، فَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الصِّفَاتِ، وَهَذَا حَقٌّ. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ هَذَا تَرْكِيبٌ، وَالتَّرْكِيبُ (* مُمْتَنَعٌ، قَدْ بَيَّنَّا [فَسَادَهُ] بِوُجُوهٍ ¬

(¬1) صَاحِبُ الْمُعْتَبَرِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) أَصْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ا: كَانَ بِمُقَدَّرٍ؛ ب: كَانَ يَصْدُرُ. (¬5) ن، م: غَيْرَ مَصْدَرِ هَذَا.

كَثِيرَةٍ [فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] وَبَيَّنَّا أَنَّ (¬1) لَفْظَ التَّرْكِيبِ وَالِافْتِقَارِ وَالْجُزْءِ وَالْغَيْرِ أَلْفَاظٌ مُشْتَرَكَةٌ مُجْمَلَةٌ، وَأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ بِالْمَعْنَى الَّذِي لَا *) (¬2) يَنْفِيهِ الدَّلِيلُ، بَلْ يُثْبِتُهُ الدَّلِيلُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا (¬3) أَنَّ الْمُوجِبَ بِالذَّاتِ إِذَا فُسِّرَ بِهَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَمَّا إِذَا فُسِّرَ الْمُوجِبُ بِالذَّاتِ [بِأَنَّهُ] (¬4) الَّذِي يُوجِبُ مَفْعُولَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَعْنَى مُنَافِيًا لِكَوْنِهِ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ، بَلْ يَكُونُ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ، مُوجِبًا بِذَاتِهِ الَّتِي هِيَ فَاعِلٌ قَادِرٌ مُخْتَارٌ، وَهُوَ مُوجِبٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُوجِبَ بِالذَّاتِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ [وَقُدْرَتِهِ] (¬5) (5 وَالْآخَرُ يُنَافِي كَوْنَهُ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ 5) (¬6) ، فَمَنْ قَالَ: الْقَادِرُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ - كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ - يَجْعَلُ الْفِعْلَ بِالِاخْتِيَارِ مُنَافِيًا لِلْإِيجَابِ، لَا يُجَامِعُهُ (¬7) بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ لَا يَكُونُ قَادِرًا [مُخْتَارًا] (¬8) إِلَّا إِذَا فَعَلَ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ. ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : قَدْ بَيَّنَّا بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَبَيَّنَّا أَنَّ. . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬3) ن: بِهَا. (¬4) بِأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) وَقُدْرَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) (5 - 5) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) لَا يُجَامِعُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬8) مُخْتَارًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

وَالْجُمْهُورُ (¬1) مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: الْقَادِرُ هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ (¬2) لَمْ يَفْعَلْ، لَكِنَّهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ قُدْرَتِهِ، لَزِمَ وُجُودُ فِعْلِهِ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَمَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْمَشِيئَةِ الْجَازِمَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ. وَلِهَذَا صَارَتِ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً: فَالْفَلَاسِفَةُ يَقُولُونَ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الصِّفَاتِ، أَوِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَارِنَهُ مُوجِبُهُ الْمُعَيَّنُ أَزَلًا وَأَبَدًا. وَالْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ [مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ] (¬3) ، يَقُولُونَ بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الَّذِي يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ (¬4) . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَفْعَلُ لَا بِإِرَادَةٍ، بَلِ الْمُرِيدُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْفَاعِلُ الْعَالِمُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ، وَمَا يُحْدِثُهُ (¬5) مِنْ إِرَادَةٍ أَوْ فِعْلٍ فَهُوَ يُحْدِثُهُ (¬6) بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عِنْدَهُمْ يُرَجِّحُ (¬7) بِلَا مُرَجِّحٍ. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: يُرِيدُ (¬8) مَا لَا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لَا يُرِيدُ، وَقَدْ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ، [بِخِلَافِ الْمُجْبِرَةِ] (¬9) . ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : وَالْمَقْصُودُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ا، ب: وَإِنْ شَاءَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م:. . بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الَّذِي لَا يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ. (¬5) ا، ب: وَمَا يَحْدُثُ. (¬6) ا، ب: فَهُوَ يُرَجِّحُهُ. (¬7) ن، م: تَرْجِيحٌ. (¬8) ب (فَقَطْ) : قَدْ يُرِيدُ. (¬9) عِبَارَةُ " بِخِلَافِ الْمُجْبِرَةِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمُ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ وَالصِّفَاتِ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ، وَإِذَا شَاءَ شَيْئًا كَانَ، وَإِرَادَتُهُ وَقُدْرَتُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، سَوَاءٌ قَالُوا بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ قَدِيمَةٍ، أَوْ بِإِرَادَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، أَوْ بِإِرَادَاتٍ (¬1) قَدِيمَةٍ تَسْتَوْجِبُ حُدُوثَ إِرَادَاتٍ أُخَرَ. فَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ (¬2) مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ عِنْدَهُمْ وُجُودُ مُرَادِهِ. وَإِذَا فُسِّرَ الْإِيجَابُ بِالذَّاتِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، فَالدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يُمْكِنُ (¬3) تَصَوُّرُهُ (¬4) بِلَفْظِ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ، وَلَفْظِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ، وَلَفْظِ الْمُؤَثِّرِ وَالْأَثَرِ، وَلَفْظِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ يُبَيِّنُ امْتِنَاعَ قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَوُجُوبَ حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ. وَهُنَا أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ تَنَازَعُوا فِي الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ: هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِرَادَتُهُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَيُمْتَنَعُ مُقَارَنَتُهَا لَهُ؟ أَمْ يَجِبُ مُقَارَنَةُ إِرَادَتِهِ - الَّتِي هِيَ الْقَصْدُ - لِلْفِعْلِ، وَمَا يَتَقَدَّمُ الْفِعْلَ يَكُونُ عَزْمًا لَا قَصْدًا؟ أَمْ يَجُوزُ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا وُجُوبَ حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ (¬5) مِنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ: قَوْلُ مَنْ يُوجِبُ الْمُقَارَنَةَ، [وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ (¬6) بِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ] (¬7) مُمْتَنَعَةٌ، وَقَوْلُ مَنْ يُجَوِّزُ الْأَمْرَيْنِ. ¬

(¬1) ا، ب: أَوْ بِإِرَادَةٍ. (¬2) قَوْلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) ا، ب: لَا يُمْكِنُ. (¬4) ن، م: تَصْوِيرُهُ. (¬5) قَوْلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) ا، ب: وَمَنْ يَقُولُ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي الْقُدْرَةِ: هَلْ يَجِبُ مُقَارَنَتُهَا لِلْمَقْدُورِ [وَيُمْتَنَعُ تَقْدِيمُهَا] (¬1) ؟ أَمْ يَجِبُ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْمَقْدُورِ (2 وَيُمْتَنَعُ مُقَارَنَتُهَا؟ أَمْ تَتَّصِفُ بِالتَّقَدُّمِ وَالْمُقَارَنَةِ 2) (¬2) ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَيْضًا (¬3) . وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْفِعْلِ وَمُقَارِنَةٌ لَهُ، فَلَا يَكُونُ [الْفِعْلُ] (¬4) بِمُجَرَّدِ قُدْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُقَارِنَةٍ، وَلَا بِمُجَرَّدِ إِرَادَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُقَارِنَةٍ، بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِ الْأَثَرِ مِنْ وُجُودِ الْمُؤَثِّرِ التَّامِّ، وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ بِفَاعِلٍ مَعْدُومٍ حِينَ الْفِعْلِ (¬5) ، وَلَا بِقُدْرَةٍ مَعْدُومَةٍ حِينَ الْفِعْلِ، (6 وَلَا بِإِرَادَةٍ مَعْدُومَةٍ حِينَ الْفِعْلِ 6) (¬6) ، وَقَبْلَ [الْفِعْلِ] (¬7) لَا تَجْتَمِعُ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْفِعْلِ، فَلَا يُوجَدُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، لَكِنْ قَدْ يُوجَدُ قَبْلَ الْفِعْلِ قُدْرَةٌ بِلَا إِرَادَةٍ، وَإِرَادَةٌ بِلَا قُدْرَةٍ، كَمَا قَدْ يُوجَدُ عَزْمٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ، فَإِذَا حَضَرَ وَقْتُ الْفِعْلِ قَوِيَ الْعَزْمُ فَصَارَ قَصْدًا، فَتَكُونُ الْإِرَادَةُ حِينَ الْفِعْلِ أَكْمَلَ مِمَّا كَانَتْ (¬8) قَبْلَهُ، [وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ حِينَ الْفِعْلِ أَكْمَلُ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَهُ] (¬9) . وَبِهَذَا كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا قَبْلَ الْفِعْلِ الْقُدْرَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْأَمْرِ الَّتِي بِهَا ¬

(¬1) وَيُمْتَنَعُ تَقَدُّمُهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) (2 - 2) : بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (ن) ، (م) : أَمْ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ. (¬3) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬4) الْفِعْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ن (فَقَطْ) : وَلَا يَكُونُ الْفَاعِلُ بِفِعْلٍ مَعْدُومٍ حِينَ الْفِعْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) (6 - 6) : سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬7) الْفِعْلِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) ن: كَانَ. (¬9) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

يُفَارِقُ الْعَاجِزَ (¬1) كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] ، وَقَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 97] ، وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 4] . فَإِنَّ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ [إِلَّا] (¬2) مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ، لَمْ يَجِبِ الْحَجُّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ، وَلَا وَجَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ، وَلَكَانَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَصُمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ لِلصِّيَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ هَذِهِ النُّصُوصِ وَخِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَمَنْ نَفَى هَذِهِ الْقُدْرَةَ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، وَزَعَمَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، فَقَدْ بَالَغَ فِي مُنَاقَضَةِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا تَكُونُ الِاسْتِطَاعَةُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَخْطَئُوا حَيْثُ زَعَمُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّ كُلَّ مَا يَقْدِرُ (¬3) بِهِ الْعَبْدُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ فَقَدْ (¬4) سَوَّى اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، بَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ (¬5) أَنْ يُعْطِيَهُ لِلْعَبْدِ (¬6) مِمَّا بِهِ يُؤْمِنُ وَيُطِيعُ. وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ قَطْعًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جَمِيعِ أَسْبَابِ الْفِعْلِ، لَكَانَ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِالْفِعْلِ دُونَ الْآخَرِ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. وَهَذَا هُوَ أَصْلُ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ ¬

(¬1) ن: فِي الْأَمْرِ فَارَقَ بِهَا الْعَاجِزَ؛ م: فِي الْأَمْرِ الَّتِي فَارَقَ بِهَا الْعَاجِزَ. (¬2) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) ن (فَقَطْ) : كُلَّ مَا قُدِّرَ. (¬4) ن، م: قَدْ. (¬5) ن، م، ا: يُمْكِنُهُ. (¬6) ا، ب: الْعَبْدَ.

نقد فلاسفة اليونان المشركين

الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَاعِلَ الْقَادِرَ يُرَجِّحُ أَحَدَ طَرَفَيْ مَقْدُورَيْهِ (¬1) عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ وَإِنْ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ. وَأَمَّا الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ الْمُخَالِفُونَ لَهُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ، فَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ إِذَا تَكَلَّمُوا فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ وَخَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، (2 قَالُوا: إِنَّ الْقَادِرَ لَا يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ 2) (¬2) ، لَكِنْ إِذَا تَكَلَّمُوا فِي مَسَائِلِ فِعْلِ اللَّهِ، وَحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَالْمُخْتَارِ، وَمُنَاظَرَةِ الدَّهْرِيَّةِ، تَجِدُ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُنَاظِرُهُمْ مُنَاظَرَةَ مَنْ قَالَ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ بِأَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ بِلَا مُرَجِّحٍ. وَبِهَذَا ظَهَرَ (¬3) اضْطِرَابُهُمْ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ [الْكِبَارِ] (¬4) ، الَّتِي يَدُورُونَ فِيهَا بَيْنَ أُصُولِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ الْمُعَطِّلَةِ لِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَلِصِفَةِ (¬5) اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، وَبَيْنَ أُصُولِ الْفَلَاسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ. [نقد فلاسفة اليونان المشركين] وَإِنْ كَانُوا مِنَ الصَّابِئِينَ فَهُمْ مِنَ الصَّابِئِينَ (¬6) الْمُشْرِكِينَ، لَا مِنَ الصَّابِئِينَ الْحُنَفَاءِ الَّذِينَ أَثْنَى عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ أُولَئِكَ يَعْبُدُونَ (¬7) الْكَوَاكِبَ وَيَبْنُونَ لَهَا (¬8) الْهَيَاكِلَ، وَيَتَّخِذُونَ فِيهَا الْأَصْنَامَ، وَهَذَا دِينُ ¬

(¬1) ن، م، ا: مَقْدُورِهِ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) ا، ب: وَلِهَذَا يَظْهَرُ. (¬4) الْكِبَارِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م، ا: لِصِفَةِ. (¬6) الصَّابِئِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬7) ا، ب: فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ. (¬8) ن، م: وَيُثَبِّتُونَ لَهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ دِينُ أَهْلِ مَقْدُونِيَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ مَدَائِنِ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ الصَّابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ. وَالْإِسْكَنْدَرُ الَّذِي وُزِرَ لَهُ أَرِسْطُو هُوَ (¬1) الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فِيلِبْسَ الْمَقْدُونِيُّ الَّذِي تُؤَرِّخُ لَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَكَانَ قَبْلَ الْمَسِيحِ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬2) بِثَلَاثِمِائَةِ عَامٍ، لَيْسَ هُوَ ذَا الْقَرْنَيْنِ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْحُنَفَاءِ، وَذَاكَ هُوَ وَوَزِيرُهُ [أَرِسْطُو] (¬3) كُفَّارٌ يَقُولُونَ بِالسِّحْرِ وَالشِّرْكِ. وَلِهَذَا كَانَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ أَخَذَتْ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ فِي (¬4) الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ، وَمَا تَقُولُهُ الْمَجُوسُ مِنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، فَرَكِبُوا مِنْ ذَلِكَ وَمِنَ التَّشَيُّعِ، وَعَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِالسَّابِقِ وَالتَّالِي، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَصْلُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُعَطِّلَةِ (¬5) بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الْمَجُوسِ، وَالْقَدَرِيَّةُ تُخْرِجُ بَعْضَ (¬6) الْحَوَادِثِ عَنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَيَجْعَلُونَ لَهُ شَرِيكًا فِي الْمُلْكِ. وَهَؤُلَاءِ الدَّهْرِيَّةُ شَرٌّ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَسْتَلْزِمُ إِخْرَاجَ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ عَنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِثْبَاتِ شُرَكَاءَ كَثِيرِينَ لَهُ فِي الْمُلْكِ، بَلْ يَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الصَّانِعِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلِهَذَا كَانَ (¬7) مُعَلِّمُهُمُ الْأَوَّلُ أَرِسْطُو ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَهُوَ. (¬2) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) أَرِسْطُو: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬4) ب (فَقَطْ) : مَنَّ. (¬5) ا، ب: الْمُشْرِكِينَ الْمُعَطِّلِينَ. (¬6) ن (فَقَطْ) : بَعْدَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن، م: بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ.

موافقة الفارابي وابن سينا لأرسطو في القول بالحركة الشوقية

وَأَتْبَاعُهُ إِنَّمَا يُثْبِتُونَ الْأَوَّلَ - الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْعِلَّةَ الْأُولَى - بِالِاسْتِدْلَالِ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ (¬1) ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ شَوْقِيَّةٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُحَرِّكٌ [مُنْفَصِلٌ] (¬2) عَنْهَا، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمُتَحَرِّكَ بِالْإِرَادَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحَرِّكٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ. قَالُوا: وَالْمُحَرِّكُ لَهَا يُحَرِّكُهَا، كَمَا يُحَرِّكُ الْإِمَامُ الْمُقْتَدَى بِهِ لِلْمَأْمُومِ الْمُقْتَدِي، وَقَدْ يُشَبِّهُونَهَا بِحَرَكَةِ الْمَعْشُوقِ لِلْعَاشِقِ، فَإِنَّ الْمَحْبُوبَ الْمُرَادَ يَتَحَرَّكُ [إِلَيْهِ] (¬3) الْمُحِبُّ الْمُرِيدُ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ مِنْ (¬4) الْمَحْبُوبِ. قَالُوا: وَذَلِكَ الْعِشْقُ هُوَ عِشْقُ التَّشَبُّهِ بِالْأَوَّلِ (¬5) . [موافقة الفارابي وابن سينا لأرسطو في القول بالحركة الشوقية] وَهَكَذَا وَافَقَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ كَالْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِمَا، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ سَبَبَ الْحَوَادِثِ فِي الْعَالَمِ إِنَّمَا هُوَ حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ (¬6) ، وَحَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ حَادِثَةٌ عَنْ تَصَوُّرَاتٍ حَادِثَةٍ وَإِرَادَاتٍ (¬7) حَادِثَةٍ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً لِتَصَوُّرٍ كُلِّيٍّ [وَإِرَادَةٍ كُلِّيَّةٍ] (¬8) ، كَالرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ ¬

(¬1) ا، ب: بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْحَرَكَةِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ. (¬2) مُنْفَصِلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) إِلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬5) هَذَا الَّذِي يَذْكُرُهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَنْ أَرِسْطُو مِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ " مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ " لِأَرِسْطُو. انْظُرْ: Aristotle metaphysica، english translation by ross (.) book. 7، 1072 a - 1072 b 2 nd ed. O \ ford، 1928 وَانْظُرْ أَيْضًا: Gomperz (.) - greek thinkers. Iv،. 211، english tr.، london، 1912. (¬6) ن، م، ا: إِنَّ سَبَبَ الْحَوَادِثِ فِي الْعَالَمِ إِنَّمَا هِيَ حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ، وَهُوَ خَطَأٌ وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬7) ن، م: وَأُمُورٍ. (¬8) عِبَارَةُ " وَإِرَادَةٌ كُلِّيَّةٌ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

الْقَصْدَ إِلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، مِثْلِ مَكَّةَ مَثَلًا، فَهَذِهِ إِرَادَةٌ كُلِّيَّةٌ [تَتَّبِعُ تَصَوُّرًا كُلِّيًّا] (¬1) ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ تَصَوُّرَاتٌ لِمَا يَقْطَعُهُ مِنَ الْمَسَافَاتِ، وَإِرَادَاتٌ لِقَطْعِ تِلْكَ الْمَسَافَاتِ، فَكَهَذَا حَرَكَةُ (¬2) الْفَلَكِ عِنْدَهُمْ. لَكِنَّ مُرَادَهُ الْكُلِّيَّ هُوَ التَّشَبُّهُ (¬3) بِالْأَوَّلِ، وَلِهَذَا قَالُوا: الْفَلْسَفَةُ هِيَ التَّشَبُّهُ بِالْأَوَّلِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (¬4) . فَإِذَا (¬5) كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِلَّةَ الْغَائِيَّةَ الْمُنْفَصِلَةَ عَنِ الْمَعْلُولِ لَا تَكُونُ هِيَ الْعِلَّةُ الْفَاعِلَةُ، وَإِذَا كَانَ الْفَلَكُ مُمْكِنًا مُتَحَرِّكًا بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُبْدِعٍ [لَهُ] (¬6) أَبْدَعَهُ كُلَّهُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ كَالْإِنْسَانِ، وَلَا بُدَّ لِهَذِهِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الْحَادِثَةِ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ قَدِيمٍ تَكُونُ صَادِرَةً عَنْهُ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهَا صَادِرَةٌ بِوَسَطٍ أَوْ بِغَيْرٍ وَسَطٍ. وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُثْبِتُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا عِلَّةً غَائِيَّةً لِلْحَرَكَةِ، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن: حَرَكَاتُ. (¬3) ب (فَقَطْ) : التَّشْبِيهُ. (¬4) انْظُرِ الْفَارَابِيَّ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَ تَعَلُّمِ الْفَلْسَفَةِ، ص 13، طَبْعَةُ الْمَكْتَبَةِ السَّلَفِيَّةِ، الْقَاهِرَةَ، 1328/1910؛ ابْنَ سِينَا: النَّجَاةَ 3/293، الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ، الْقَاهِرَةَ، 1357/1938. وَهَذِهِ الْفِكْرَةُ الَّتِي تَجْعَلُ غَايَةَ الْفَلْسَفَةِ وَالْفَيْلَسُوفِ هِيَ التَّشَبُّهُ بِاللَّهِ، مَصْدَرُهَا الْأَوَّلُ أَفْلَاطُونَ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا يُشْبِهُهَا فِي مُحَاوَرَةِ " تِيتْيَاتُوسَ ". وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ. Rosenthal (. .) political thought in medieval islam: pp. 122 - 3. 272، cambridge، 1958. وَقَارَنَ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِدَوِيٌّ: أَفْلَاطُونَ، ص 212، الطَّبْعَةَ الثَّالِثَةَ، الْقَاهِرَةَ، 1954. (¬5) ا، ب: وإِنَّ. (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فَكَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ لَيْسَ لَهَا فَاعِلٌ يُحْدِثُهَا أَصْلًا، بَلْ وَلَا لِمَا يَسْتَلْزِمُ هَذِهِ الْحَوَادِثَ (¬1) [وَالْعَنَاصِرَ] (¬2) ، وَكُلٌّ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ (¬3) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ فِي بُدَائَةِ (¬4) الْعُقُولِ أَنَّ الْمُمْكِنَ الْمُفْتَقِرَ إِلَى غَيْرِهِ مُمْتَنَعٌ (¬5) وَجُودُهُ بِدُونِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ يُمْتَنَعُ وُجُودُهَا بِدُونِ مُحْدِثٍ. وَمُتَأَخِّرُوهُمْ - كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ - يُسَلِّمُونَ (¬6) أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مُمْكِنٌ [بِنَفْسِهِ] (¬7) لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ غُلَاتِهِمْ فَقَوْلُهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ لَازِمَانِ (¬8) لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ، لَا يَقُومُ مِنْهُ شَيْءٌ (¬9) إِلَّا بِشَيْءٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ. وَوَاجِبُ الْوُجُودِ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ (¬10) بِنَفْسِهِ، لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ يَكُونُ [هُوَ] (¬11) وَحْدَهُ مُحْدِثًا لِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَكُلٌّ مِنَ الْأَفْلَاكِ لَهُ حَرَكَةٌ تَخُصُّهُ، لَيْسَتْ حَرَكَتُهُ عَنْ حَرَكَةِ ¬

(¬1) ن، م: بَلْ وَلَا (ثُمَّ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ) ، لَعَلَّ الصَّوَابَ: بَلْ وَلَا (وُجُودَ عِنْدَهُمْ) لِمَا يَسْتَلْزِمُ. . . إِلَخْ. (¬2) وَالْعَنَاصِرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: لِلْحَرَكَاتِ. (¬4) ن، ا: بِدَايَةِ؛ ب: بَدَاهَةِ. (¬5) ا: لَا يُمْتَنَعُ، وَهُوَ خَطَأٌ؛ ب: يُمْتَنَعُ. (¬6) ن، م: وَهُمْ يُسَلِّمُونَ. (¬7) بِنَفْسِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م، ا: لَازِمٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬9) ا، ب: شَيْءٌ مِنْهُ. (¬10) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . وَالْمَقْصُودُ عَنِ الْعَالَمِ. (¬11) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

الْأَعْلَى حَتَّى يُقَالَ (¬1) أَنَّ الْأَعْلَى هُوَ الْمُحْدِثُ لِجَمِيعِ الْحَرَكَاتِ، وَلَا فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ حَادِثٌ (¬2) عَنْ سَبَبٍ بِعَيْنِهِ - لَا عَنْ حَرَكَةِ الشَّمْسِ وَلَا الْقَمَرِ وَلَا الْأَفْلَاكِ (¬3) وَلَا الْعَقْلِ الْفَعَّالِ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا يُظَنُّ - بَلْ أَيُّ جُزْءٍ مِنَ الْعَالَمِ اعْتَبَرْتَهُ وَجَدْتَهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ، وَوَجَدْتَهُ إِذَا كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي شَيْءٍ - كَالسُّخُونَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلشَّمْسِ مَثَلًا - فَلَهُ مُشَارِكُونَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، كَالْفَاكِهَةِ الَّتِي لِلشَّمْسِ مَثَلًا أَثَرٌ فِي إِنْضَاجِهَا ثُمَّ إِيبَاسِهَا وَتَغْيِيرِ أَلْوَانِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُشَارَكَةٍ مِنَ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالتُّرْبَةِ (¬4) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ، ثُمَّ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا يَتَمَيَّزُ أَثَرُهُ عَنْ أَثَرِ الْآخَرِ، بَلْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ. فَإِذَا قَالُوا: الْعَقْلُ الْفَعَّالُ لِلْفِعْلِ (¬5) خَلَعَ عَلَيْهِ صُورَةً عِنْدَ اسْتِعْدَادِهِ، [وَ] بِالِامْتِزَاجِ (¬6) قَبْلَ الصُّورَةِ، مَثَلًا كَالطِّينِ (¬7) الَّذِي يَحْدُثُ [فِيهِ] (¬8) عَنِ امْتِزَاجِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (¬9) أَثَرٌ مُلَازِمٌ لِهَذَا الِامْتِزَاجِ، لَا يُمْكِنُ وُجُودُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِمَا اثْنَيْنِ (¬10) لَزِمَ أَنْ يَكُونَا مُتَلَازِمَيْنِ، لِامْتِنَاعِ ¬

(¬1) ا، ب: يُظَنَّ. (¬2) ن، م: وَلَا فِي وُجُودِ شَيْءٍ خَارِجٍ. (¬3) ن، م: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَلَا الْفَلَكُ. (¬4) ا، ب: وَالطِّينَةِ. (¬5) لِلْفِعْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) ن، م: عِنْدَ اسْتِعْدَادِهِ بِالِامْتِزَاجِ. (¬7) ن، م: بِالطِّينِ. (¬8) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، م: وَالطِّينِ. (¬10) ن، م، ا: اثْنَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وُجُودِ أَثَرِ أَحَدِهِمَا دُونَ (¬1) الْآخَرِ، وَيُمْتَنَعُ اثْنَانِ مُتَلَازِمَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبُ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ وُجُودُهُ مَشْرُوطًا بِوُجُودِ غَيْرِهِ، وَلَا تَأْثِيرُهُ مَشْرُوطًا بِتَأْثِيرِ غَيْرِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ، فَكُلُّ مَا (¬2) افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ (¬3) ، لَا يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا بِنَفْسِهِ، بَلْ يَكُونُ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، [وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا إِلَى غَيْرِهِ وَلَوْ بِوَجْهٍ] (¬4) ، لَمْ يَكُنْ غِنَاهُ ثَابِتًا لَهُ بِنَفْسِهِ. وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ (¬5) وُجُودِ غَنِيٍّ بِنَفْسِهِ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ (¬6) كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ إِمَّا مُمْكِنٌ وَإِمَّا وَاجِبٌ، وَالْمُمْكِنُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَاجِبٍ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْوَاجِبِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْوُجُودِ (¬7) : إِمَّا مُحْدَثٌ وَإِمَّا قَدِيمٌ، وَالْمُحْدَثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَدِيمٍ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْقَدِيمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ: إِمَّا فَقِيرٌ وَإِمَّا غَنِيٌّ، وَالْفَقِيرُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَنِيٍّ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْغَنِيِّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ: الْمَوْجُودُ (¬8) إِمَّا قَيُّومٌ وَإِمَّا غَيْرُ قَيُّومٍ، وَغَيْرُ الْقَيُّومِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَيُّومٍ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْقَيُّومِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. ¬

(¬1) ا: وُجُودِ أَثَرِهِمَا دُونَ؛ ب: وُجُودِ أَحَدِهِمَا دُونَ. . (¬2) ا: فَكَمَا؛ ب: فَلَمَّا. (¬3) ن، م، ا: أَوْ أَفْعَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ب (فَقَطْ) : لَا بُدَّ لَهُ مِنْ. . . (¬6) ن: عَنْ. (¬7) م: الْمَوْجُودُ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬8) ن، م: الْوُجُودُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَكَذَلِكَ يُقَالُ: إِمَّا مَخْلُوقٌ وَإِمَّا غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْمَخْلُوقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ الْمَخْلُوقِ، فَثَبَتَ وُجُودُ الْمَوْجُودِ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ [الْقَدِيمُ] (¬1) الْغَنِيُّ بِنَفْسِهِ الْقَيُّومُ الْخَالِقُ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ، فَإِنَّهُ إِنِ افْتَقَرَ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَمَفْعُولُهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ، لَزِمَ الدَّوْرُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ. وَإِنِ افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ. وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. فَإِنِ امْتَنَعَ (¬2) أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا [لِنَفْسِهِ، فَهُوَ يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِفَاعِلٍ] (¬3) بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَسَوَاءٌ عَبَّرَ (¬4) بِلَفْظِ الْفَاعِلِ أَوِ الصَّانِعِ (¬5) أَوِ الْخَالِقِ أَوِ الْعِلَّةِ أَوِ الْمَبْدَأِ أَوِ الْمُؤَثِّرِ، فَالدَّلِيلُ يَصِحُّ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ. وَكَذَلِكَ يُمْتَنَعُ تَقْدِيرُ مَفْعُولَاتٍ لَيْسَ فِيهَا فَاعِلٌ غَيْرُ مَفْعُولٍ، وَهُوَ تَقْدِيرُ آثَارٍ (* لَيْسَ فِيهَا مُؤَثِّرٌ، وَتَقْدِيرُ مُمْكِنَاتٍ لَيْسَ فِيهَا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ *) (¬6) مُمْكِنٌ فَقِيرٌ، وَمَجْمُوعُهَا مُفْتَقِرٌ إِلَى كُلٍّ مِنْ آحَادِهَا (¬7) ، فَهُوَ ¬

(¬1) الْقَدِيمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ا، ب: فَإِذَا كَانَ يُمْتَنَعُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن: غَيْرُ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) ؛ ا: ب: عَبَّرُوا. (¬5) ن، م: وَالصَّانِعِ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬7) ن: أَوْحَدِهَا؛ م: وَاحِدِهَا.

أَيْضًا فَقِيرٌ مُمْكِنٌ، وَكُلَّمَا زَادَتِ السِّلْسِلَةُ زَادَ (¬1) الْفَقْرُ وَالِاحْتِيَاجُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَقْدِيرُ مَعْدُومَاتٍ لَا تَتَنَاهَى، فَإِنَّ كَثْرَتَهَا لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مَعْدُومَاتٍ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَوْجُودٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمَوْجُودِ الْغَنِيِّ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، الْغَنِيِّ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْفَقْرُ (¬2) ظَاهِرٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنَ الْعَالَمِ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ، لَا يُحْدِثُ شَيْئًا (¬3) بِنَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ لَا يَسْتَغْنِي بِنَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ. فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ الْقَيُّومُ الْغَنِيُّ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ، وَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ كُلُّ كَمَالٍ [مُمْكِنِ الْوُجُودِ] (¬4) لَا نَقْصَ فِيهِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهِ (* لَكَانَ الْكَمَالُ: إِمَّا مُمْتَنَعًا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُحَالٌ: لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ، وَلِأَنَّ (¬5) الْمُمْكِنَاتِ *) (¬6) مُتَّصِفَةٌ (¬7) بِكَمَالَاتٍ عَظِيمَةٍ، وَالْخَالِقُ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ مِنَ الْمَخْلُوقِ، وَالْقَدِيمُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْحَادِثِ، وَالْوَاجِبُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وُجُودًا مِنْهُ، وَالْأَكْمَلُ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ الْأَكْمَلِ، وَلِأَنَّ كَمَالَ الْمَخْلُوقِ مِنَ الْخَالِقِ، فَخَالِقُ الْكَمَالِ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : يَزْدَادُ. (¬2) ن (فَقَطْ) : وَالْفَقِيرُ. (¬3) ب: شَيْءٌ. (¬4) مُمْكِنِ الْوُجُودِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: الْوُجُودِ لِأَنَّ. . . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) ا، ب: مَوْصُوفَةٌ.

امتناع مقارنة المفعول للواجب

كَمَالُ الْمَعْلُولِ مِنْ كَمَالِ (¬1) الْعِلَّةِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْكَمَالُ مُمْتَنَعًا عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لَهُ، إِذْ لَوْ كَانَ مُمْكِنًا غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَا مُمْتَنَعٍ لَافْتَقَرَ فِي ثُبُوتِهِ لَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ، فَمَا أَمْكَنَ لَهُ مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ وَاجِبٌ لَهُ. [امتناع مقارنة المفعول للواجب] وَيُمْتَنَعُ (¬2) أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُهُ مُقَارِنًا لَهُ أَزَلِيًّا مَعَهُ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَفْعُولَهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا، وَمَا يَسْتَلْزِمُ الْحَوَادِثَ يُمْتَنَعُ (¬3) أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا لِعِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ، فَإِنَّ مَعْلُولَ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ الْأَزَلِيَّةِ لَا يَتَأَخَّرُ مِنْهُ (¬4) شَيْءٌ، وَلَوْ تَأَخَّرَ مِنْهُ (¬5) شَيْءٌ لَكَانَتْ عِلَّةً (¬6) بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، وَلَافْتَقَرَتْ فِي كَوْنِهَا فَاعِلَةً لَهُ إِلَى شَيْءٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا، وَذَلِكَ مُمْتَنَعٌ. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ لَا يَكُونُ عَنْهُ إِلَّا شَيْئًا (¬7) بَعْدَ شَيْءٍ (¬8) ، فَكُلُّ مَا هُوَ مَفْعُولٌ لَهُ فَهُوَ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ كَوْنَهُ مُقَارِنًا لَهُ فِي الْأَزَلِ يَمْنَعُ (¬9) كَوْنَهُ مَفْعُولًا لَهُ، فَإِنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ مَفْعُولًا مُقَارِنًا مُمْتَنَعٌ عَقْلًا. وَلَا يُعْقَلُ فِي الْمَوْجُودَاتِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ هُوَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِمَعْلُولٍ مُبَايِنٍ لَهُ ¬

(¬1) كَمَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ن (فَقَطْ) : وَيُمْكِنُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن (فَقَطْ) : يُمْكِنُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن، م، ا: عَنْهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ مَا فِي (ب) . وَهُوَ الَّذِي أَثْبَتُّهُ. (¬5) ن: عَلَيْهِ؛ م: عَلَتْهُ. (¬6) ن: عَلَيْهِ؛ م: عَلَتْهُ. (¬7) ا، ب: مَفْعُولُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا شَيْئًا. (¬8) ب (فَقَطْ) : بَعْدَ شَيْئًا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) ن، م: يُمْتَنَعُ.

أَصْلًا، [بَلْ] (¬1) كُلُّ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ عِلَّةٌ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأْثِيرُهُ مُتَوَقِّفًا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا تَكُونُ تَامَّةً، وَإِمَّا أَنْ [لَا] (¬2) يَكُونَ مُبَايِنًا لَهُ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: الْعِلْمُ عِلَّةٌ لِلْعَالَمِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُ الْأَحْوَالَ، وَإِلَّا فَجُمْهُورُ النَّاسِ يَقُولُونَ: الْعِلْمُ هُوَ الْعَالَمِيَّةُ. وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: الذَّاتُ مُوجِبَةٌ لِلصِّفَاتِ أَوْ عِلَّةٌ لَهَا، فَلَيْسَ لَهَا (¬3) فِي الْحَقِيقَةِ فِعْلٌ وَلَا تَأْثِيرٌ أَصْلًا. وَإِمَّا إِذَا قُدِّرَ شَيْءٌ مُؤَثِّرٌ فِي غَيْرِهِ، وَقُدِّرَ أَنَّهُمَا مُتَقَارِنَانِ (¬4) مُتَسَاوِيَانِ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ سَبْقًا زَمَانِيًّا، فَهَذَا لَا يُعْقَلُ أَصْلًا. وَأَيْضًا: فَكَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ صِفَةُ كَمَالٍ، إِذِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَكْمَلُ مِمَّنْ يَتَقَدَّمُ (¬5) مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. وَإِذَا قِيلَ: الْفِعْلُ أَوْ تَقْدِيرُ الْفِعْلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْتِدَاءٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَالْحَرَكَةِ أَوِ الزَّمَانِ. قِيلَ: إِنْ كَانَ هَذَا بَاطِلًا فَقَدِ انْدَفَعَ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَالْمُثْبَتُ إِنَّمَا هُوَ الْكَمَالُ الْمُمْكِنُ الْوُجُودِ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ النَّوْعُ دَائِمًا، فَالْمُمْكِنُ وَالْأَكْمَلُ (¬6) هُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي أَجْزَاءِ الْعَالَمِ شَيْءٌ يُقَارِنُهُ (¬7) بِوَجْهٍ مِنْ ¬

(¬1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ا، ب: فَلَيْسَ هُنَا. (¬4) ن، م: مُقَارِنَانِ. (¬5) ن، م: تَقَدَّمَ. (¬6) ن، م: فَالْمُمْكِنُ الْأَكْمَلُ. (¬7) ن: يُقَارِبُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وجه الارتباط بين الكلام في قدم العالم ومسألة الحكمة والتعليل

الْوُجُوهِ، وَأَمَّا دَوَامُ الْفِعْلِ فَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْكَمَالِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ صِفَةَ كَمَالٍ، فَدَوَامُهُ دَوَامُ الْكَمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِفَةَ كَمَالٍ، لَمْ يَجِبْ دَوَامُهُ. فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ قَدِيمًا مَعَهُ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. [وجه الارتباط بين الكلام في قدم العالم ومسألة الحكمة والتعليل] وَإِنَّمَا [كَانَ] الْمَقْصُودُ [هُنَا] التَّنْبِيهُ (¬1) عَلَى مَآخِذِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيلِ. فَالْمُجَوِّزُونَ لِلتَّعْلِيلِ يَقُولُونَ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَمَّا كَوْنُ الرَّبِّ لَمْ يَزَلْ مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ ثُمَّ فَعَلَ، فَهَذَا لَيْسَ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي الْعَقْلِ (¬2) مَا يُثْبِتُهُ، بَلْ كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ. وَإِذَا عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَ نَوْعِ الْحَوَادِثِ وَبَيْنَ أَعْيَانِهَا، وَعُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْمِلَلِ وَأَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِحُدُوثِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَبَيْنَ قَوْلِ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ وَالْعَنَاصِرِ، تَبَيَّنَ (¬3) مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْمَعَارِفِ وَأَعْلَى الْعُلُومِ، فَهَذَا جَوَابُ مَنْ يَقُولُ بِالتَّعْلِيلِ لِمَنِ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِالتَّسَلْسُلِ فِي الْآثَارِ (¬4) . [حُجَّةُ الِاسْتِكْمَالِ] وَأَمَّا حُجَّةُ الِاسْتِكْمَالِ (¬5) فَقَالُوا: الْمُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ تَعَالَى مُفْتَقِرًا ¬

(¬1) ن، م: وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ. (¬2) ا، ب: فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ وَلَا الْعَقْلِ. (¬3) ا، ب: وَبَيْنَ. (¬4) يَتَبَيَّنُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ مِنَ الِاسْتِطْرَادِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ قِدَمِ الْعَالَمِ، إِنَّمَا كَانَ لِاتِّصَالِهِ بِمَسْأَلَةِ الْحِكْمَةِ وَالتَّعْلِيلِ الَّتِي سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي ص 141 مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. (¬5) وَهِيَ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي ص 141.

إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ نَاقِصًا فِي الْأَزَلِ عَنْ كَمَالٍ يُمْكِنُ وُجُودُهُ فِي الْأَزَلِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ. وَإِذَا كَانَ هُوَ الْقَادِرُ الْفَاعِلُ لِكُلِّ شَيْءٍ، لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، بَلِ الْعِلَلُ الْمُفْعُولَةُ هِيَ مَقْدُورَةٌ وَمُرَادَةٌ لَهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى يُلْهِمُ عِبَادَهُ الدُّعَاءَ وَيُجِيبُهُمْ، وَيُلْهِمُهُمُ التَّوْبَةَ وَيَفْرَحُ بِتَوْبَتِهِمْ إِذَا تَابُوا، وَيُلْهِمُهُمُ الْعَمَلَ وَيُثِيبُهُمْ إِذَا عَمِلُوا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْمَخْلُوقَ أَثَّرَ فِي الْخَالِقِ (¬1) أَوْ (¬2) جَعَلَهُ فَاعِلًا لِلْإِجَابَةِ (¬3) وَالْإِثَابَةِ وَالْفَرَحِ [بِتَوْبَتِهِمْ] (¬4) ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَفْتَقِرُ فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ. وَالْحَوَادِثُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وُجُودُهَا إِلَّا مُتَعَاقِبَةً، لَا يَكُونُ عَدَمُهَا فِي الْأَزَلِ نَقْصًا. قَالُوا (¬5) : وَأَمَّا قَوْلُهُمْ هَذَا يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ (¬6) . فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَذَا قَوْلُ مَنْ هُمْ مِنْ أَكْبَرِ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ (¬7) - كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا - وَهُوَ لَازِمٌ لِسَائِرِهِمْ، وَالشِّيعَةُ الْمُتَأَخِّرُونَ أَتْبَاعُ الْمُعْتَزِلَةِ الْبَصْرِيِّينَ (¬8) فِي هَذَا الْبَابِ، هُمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ الْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ صَارَ مُدْرَكًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، (* لِأَنَّ ¬

(¬1) ا، ب: إِنَّ لِلْمَخْلُوقِ أَثَرًا فِي الْخَالِقِ. (¬2) أَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) ن (فَقَطْ) : فِي الْإِجَابَةِ. (¬4) بِتَوْبَتِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) قَالُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬7) ا، ب: هَذَا قَوْلُ مَنْ هُمْ أَكْبَرُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) الْبَصْرِيِّينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

الْإِدْرَاكَ عِنْدَهُمْ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: صَارَ مُرِيدًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ *) (¬1) . وَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّونَ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أَنْكَرُوا الْإِدْرَاكَ وَالْإِرَادَةَ فَهُمْ يَقُولُونَ (¬2) : صَارَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. قَالُوا: وَهَذَا قَوْلٌ بِتَجَدُّدِ أَحْكَامٍ لَهُ وَأَحْوَالٍ. وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَلْزَمُ سَائِرَ الطَّوَائِفِ حَتَّى الْفَلَاسِفَةِ، وَقَدْ قَالَ بِهَا مِنْ أَسَاطِينِهِمُ الْأَوَّلِينَ وَفُضَلَائِهِمُ الْمُتَأَخِّرِينَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَيُقَالُ (¬3) : إِنَّ [الْأَسَاطِينَ] (¬4) الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ (¬5) كَانُوا يَقُولُونَ بِهَا، وَقَالَ بِهَا أَبُو الْبَرَكَاتِ صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ (¬6) وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَأَبِي مُعَاذٍ التُّومَنِيِّ (¬7) وَالْهِشَامَيْنِ. وَأَمَّا جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِهَا أَوْ بِمَعْنَاهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَخْتَارُ إِلَّا (¬8) أَنْ يُطْلِقَ الْأَلْفَاظَ الشَّرْعِيَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ا، ب: وَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّونَ فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْإِدْرَاكَ فَهُمْ يَقُولُونَ. . (¬3) ا، ب: غَيْرُ وَاحِدٍ يُقَالُ. . (¬4) الْأَسَاطِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) عِبَارَةُ " أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ا، ب: مِنَ الشِّيعَةِ وَالْمُرْجِئَةِ. (¬7) مِنْ أَئِمَّةِ الْمُرْجِئَةِ، وَرَأْسُ فِرْقَةِ التُّومَنِيَّةِ مِنْهُمْ وَهُوَ يَنْتَسِبُ إِلَى تُومَنَ، وَلَمْ أَتَمَكَّنْ مِنْ مَعْرِفَةِ تَارِيخِ وَفَاتِهِ. وَانْظُرْ مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/204، 326، 2/232؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 123 - 124؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/128؛ ابْنَ الْأَثِيرِ: اللُّبَابَ فِي تَهْذِيبِ الْأَنْسَابِ (ط. الْقُدْسِيِّ، 1357) 1/187؛ يَاقُوتَ: مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ، مَادَّةَ: تُومَنَ. (¬8) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

عَنِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ (¬1) بِالْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، مِثْلِ حَرْبٍ الْكِرْمَانِيِّ (¬2) ، وَنَقَلَهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَمِثْلُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ (¬3) ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمِثْلُ الْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ، [وَأَبِي بَكْرِ] بْنِ خُزَيْمَةَ (¬4) الْمُلَقَّبِ إِمَامَ الْأَئِمَّةِ، وَمِثْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ (¬5) ، وَأَبِي إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ (¬6) الْمُلَقَّبِ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ. وَالْمُعْتَزِلَةُ كَانُوا يُنْكِرُونَ أَنْ يَقُومَ بِذَاتِ اللَّهِ (¬7) صِفَةٌ أَوْ فِعْلٌ، وَعَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ وَالْحَوَادِثُ، فَوَافَقَهُمْ [أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ] بْنِ كُلَّابٍ (¬8) عَلَى [نَفْيِ] (¬9) مَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَخَالَفَهُمْ فِي ¬

(¬1) ن، م: بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَلَفٍ الْحَنْظَلِيُّ الْكِرْمَانِيُّ صَاحِبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 280. تَرْجَمَتُهُ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/176؛ طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/145 - 146. (¬3) أَبُو سَعِيدٍ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ السَّجْزِيُّ، مُحَدِّثٌ وَلَهُ مُؤَلَّفَاتٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 280. تَرْجَمَتُهُ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/176؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/621 - 622؛ الْأَعْلَامِ 4/366؛ تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكِلْمَانَ 4/31؛ سِزْكِينْ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 1 - 32. (¬4) ن، م: وَابْنِ خُزَيْمَةَ. (¬5) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ حَامِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ الْبَغْدَادِيُّ، إِمَامُ الْحَنَابِلَةِ فِي زَمَانِهِ لَهُ " الْجَامِعُ " فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، وَلَهُ " شَرْحُ الْخِرَقِيِّ " تُوُفِّيَ سَنَةَ 403. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/171 - 177؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/1078؛ تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكِلْمَانَ 3/315. (¬6) هُوَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَرَوِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، كَانَ يُدْعَى شَيْخَ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ إِمَامَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِهَرَاةَ، وَيُسَمَّى خَطِيبَ الْعَجَمِ، لِتَبَحُّرِ عِلْمِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَنُبْلِهِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 481. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/247 - 248؛ الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1 - 68؛ الْأَعْلَامِ 4/267. (¬7) ن، م: أَنْ يَقُومَ بِاللَّهِ. (¬8) ن، م: فَوَافَقَهُمُ ابْنُ كُلَّابٍ. (¬9) نَفْيِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

نَفْيِ الصِّفَاتِ وَلَمْ يُسَمِّهَا أَعْرَاضًا. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسَبِيُّ مِنْ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 243 تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 2/275 - 279؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2؛ الشَّعْرَانِيِّ: الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى 1/64؛ السُّلَمِيِّ: طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ، ص 56 - 60؛ الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 57؛ مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/430 - 431؛ الْأَعْلَامِ 2/153 - 154؛ سِزْكِينْ م [0 - 9] ج 1، ص [0 - 9] 13 - 119.، وَيُقَالُ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَبِسَبَبِ مَذْهَبِ ابْنِ كُلَّابٍ هَجَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ تَابَ مِنْهُ. وَصَارَ النِّزَاعُ فِي هَذَا [الْأَصْلِ] الْأَصْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. بَيْنَ طَوَائِفِ الْفُقَهَاءِ، فَمَا مِنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ [وَأَحْمَدَ] إِلَّا [وَفِيهِمْ] مَنْ يَقُولُ (¬1) بِقَوْلِ ابْنِ كُلَّابٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ، كَأَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى [وَأَبِي الْمَعَالِي] الْجُوَيْنِيِّ (¬2) وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ، وَفِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَالْخَلَّالِ (¬3) وَصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ (¬4) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ وَأَبِي ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : وَالشَّافِعِيِّ إِلَّا مَنْ يَقُولُ. (¬2) ن، م: وَالْجُوَيْنِيِّ. (¬3) ن، ا، ب: كَالْجَلَالِ؛ م (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ. وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِالْخَلَّالِ، مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ، لَهُ التَّصَانِيفُ الدَّائِرَةُ وَالْكُتُبُ السَّائِرَةُ، مِثْلُ " الْجَامِعِ " وَ " الْعِلَلِ " وَ " السُّنَّةِ "، تُوُفِّيَ سَنَةَ 311. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/12 - 15؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/7؛ تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكِلْمَانَ 3/313 - 314؛ الْأَعْلَامِ 1/196. (¬4) هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَزْدَادَ بْنِ مَعْرُوفٍ، أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِغُلَامِ الْخَلَّالِ. مِنْ أَهَمِّ مُصَنَّفَاتِهِ " الشَّافِي " وَ " الْمُقْنِعُ "، تُوُفِّيَ سَنَةَ 363. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/119 - 127؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/45 - 46؛ الْأَعْلَامِ 4/139.

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ (¬1) وَأَبِي إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي نَصْرٍ السَّجْزِيِّ (¬2) وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَأَتْبَاعِهِ (¬3) . وَجِمَاعُ [الْقَوْلِ فِي] ذَلِكَ ن، م: وَجِمَاعُ ذَلِكَ. أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى هَلْ يَقُومُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَالْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ؟ . قَالَ الْمُثْبِتُونَ لِذَلِكَ وَلِلتَّعْلِيلِ: نَحْنُ نَقُولُ لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَنَحْوِهِمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: [إِنَّ الرَّبَّ] (¬4) كَانَ مُعَطَّلًا فِي الْأَزَلِ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا، ثُمَّ أَحْدَثَ الْكَلَامَ وَالْفِعْلَ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ أَصْلًا، فَلَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَبِهَذَا اسْتَطَالَتْ عَلَيْكُمُ الْفَلَاسِفَةُ وَخَالَفَتْهُمْ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْمِلَلِ وَأَئِمَّةُ الْفَلَاسِفَةِ فِي ذَلِكَ، وَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ أَقَمْتُمُ الدَّلِيلَ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِهَذَا، حَيْثُ ظَنَنْتُمْ أَنَّ مَا لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ الْحَوَادِثِ يَكُونُ حَادِثًا لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا نِهَايَةَ لَهَا. وَهَذَا الْأَصْلُ لَيْسَ مَعَكُمْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا أَثَرٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، بَلِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ [وَالْقَرَابَةِ] وَأَتْبَاعِهِمْ (¬5) ¬

(¬1) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ الْأَصْبَهَانِيُّ، مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي يَعْلَى: بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ وَسَبْعِمِائَةِ شَيْخٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 395. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/167؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/337؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/220 - 224. (¬2) هُوَ أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمٍ الْوَائِلِيُّ الْبَكْرِيُّ السَّجْزِيُّ (نِسْبَةً إِلَى سِجِسْتَانَ) نَزِيلُ الْحَرَمِ وَمِصْرَ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 444. تَرْجَمَتُهُ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/206 - 207، 1118 - 1120. (¬3) فِي (ن) ، (م) سَقَطَتْ عِبَارَةُ " وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ " وَاخْتَلَفَ تَرْتِيبُ الْأَسْمَاءِ عَمَّا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) إِنَّ الرَّبَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ن، م: وَآثَارُ الصَّحَابَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ.

بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَالنَّصُّ وَالْعَقْلُ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ [تَعَالَى مَخْلُوقٌ] حَادِثٌ (¬1) كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ (¬2) مِنْ حُدُوثِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مَعَ كَوْنِ الْحَوَادِثِ مُتَعَاقِبَةً [حُدُوثُ النَّوْعِ] (¬3) ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْفَاعِلُ الْمُتَكَلِّمُ مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ (¬4) وَالْكَلَامِ، ثُمَّ حَدَثَ ذَلِكَ بِلَا سَبَبٍ (¬5) ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْ [مِثْلُ] (¬6) ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنَ الْمُسْتَقْبَلَاتِ الْمُنْقَضِيَةِ (¬7) فَانٍ، وَلَيْسَ النَّوْعُ فَانِيًا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 35] ، وَقَالَ: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [سُورَةُ ص: 54] . فَالدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْفَدُ - أَيْ لَا يَنْقَضِي - هُوَ (¬8) النَّوْعُ، وَإِلَّا فَكُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ نَافِدٌ مُنْقَضٍ لَيْسَ بِدَائِمٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي تُوصَفُ بِهِ الْأَفْرَادُ إِذَا كَانَ لِمَعْنًى مَوْجُودٍ فِي الْجُمْلَةِ [وُصِفَتْ بِهِ الْجُمْلَةُ، مِثْلَ وَصْفِ كُلِّ فَرْدٍ بِوُجُودٍ أَوْ إِمْكَانٍ أَوْ بِعَدَمٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ وَصْفَ الْجُمْلَةِ] (¬9) بِالْوُجُودِ وَالْإِمْكَانِ وَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ طَبِيعَةَ الْجَمِيعِ هِيَ (¬10) طَبِيعَةُ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ الْمَجْمُوعُ إِلَّا الْآحَادُ الْمُمْكِنَةُ أَوِ الْمَوْجُودَةُ أَوِ الْمَعْدُومَةُ. ¬

(¬1) ن، م: كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ حَادِثٌ. (¬2) ن، م: لَا يَسْتَلْزِمُ. (¬3) عِبَارَةُ " حُدُوثُ النَّوْعِ " سَقَطَتْ مِنْ (ن) وَاخْتَلَفَ تَرْتِيبُهَا فِي الْجُمْلَةِ فِي (م) . (¬4) ن (فَقَطْ) : عَنِ الْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ا، ب: بِالسَّبَبِ. (¬6) مِثْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن: الْمُقْتَضِيَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ب (فَقَطْ) : هَذَا. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬10) هِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَا وُصِفَ بِهِ الْأَفْرَادُ لَا يَكُونُ صِفَةً لِلْجُمْلَةِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْجُمْلَةِ حُكْمَ الْأَفْرَادِ، كَمَا فِي أَجْزَاءِ الْبَيْتِ وَالْإِنْسَانِ [وَالشَّجَرَةِ] (¬1) ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلٌّ مِنْهَا بَيْتًا وَلَا إِنْسَانًا [وَلَا شَجَرَةً] (¬2) ، وَأَجْزَاءُ الطَّوِيلِ وَالْعَرِيضِ وَالدَّائِمِ وَالْمُمْتَدِّ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا طَوِيلًا وَعَرِيضًا وَدَائِمًا وَمُمْتَدًّا (¬3) . وَكَذَلِكَ إِذَا وُصِفَ كُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِبَاتِ بِفَنَاءٍ أَوْ حُدُوثٍ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ النَّوْعُ مُنْقَطِعًا أَوْ حَادِثًا (¬4) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ حُدُوثَهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، كَمَا أَنَّ فَنَاءَهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عُدِمَ بَعْدَ وَجُودِهِ. وَكَوْنُهُ عُدِمَ بَعْدَ وُجُودِهِ، أَوْ وُجِدَ بَعْدَ عَدَمِهِ أَمْرٌ (¬5) يَرْجِعُ إِلَى وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ، لَا إِلَى نَفْسِ الطَّبِيعَةِ الثَّابِتَةِ لِلْمَجْمُوعِ، كَمَا فِي الْأَفْرَادِ الْمَوْجُودَةِ (¬6) أَوِ الْمَعْدُومَةِ أَوِ الْمُمْكِنَةِ، فَلَيْسَ إِذَا كَانَ هَذَا الْمُعَيَّنُ (¬7) لَا يَدُومُ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَوْعُهُ (¬8) لَا يَدُومُ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ تَعَاقُبُ الْأَفْرَادِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَجْمُوعُ، لَا يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ، وَإِذَا حَصَلَ لِلْمَجْمُوعِ بِالِاجْتِمَاعِ حُكْمٌ ¬

(¬1) وَالشَّجَرَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَلَا شَجَرَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) فِي (ن) ، (م) : بَعْدَ كَلِمَةِ " وَمُمْتَدًّا ": قَالَ تَعَالَى: (أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا) وَقَالَ: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) فَالدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْفَدُ أَيْ لَا يَنْقَضِي هُوَ النَّوْعُ، وَإِلَّا فَكُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ نَافِدٌ مُنْقَضٍ لَيْسَ بِدَائِمٍ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي (ن) ، (م) تَكْرَارٌ لِمَا سَبَقَ وَلَا مَوْضِعَ لَهَا هُنَا وَالْمَعْنَى يَتِمُّ بِدُونِهَا. (¬4) ب (فَقَطْ) : فَانِيًا أَوْ حَادِثًا. (¬5) أَمْرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) ن (فَقَطْ) : كَمَا فِي الْأَفْرَادِ الْمَجْمُوعَةِ الْمَوْجُودَةِ. (¬7) ن، م: الْمَعْنَى، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م: عَدَمُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

يُخَالِفُ بِهِ حُكْمَ الْأَفْرَادِ، لَمْ يَجِبْ مُسَاوَاةُ الْمَجْمُوعِ لِلْأَفْرَادِ فِي أَحْكَامِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَمَا يُوصَفُ بِهِ الْأَفْرَادُ قَدْ تُوصَفُ بِهِ الْجُمْلَةُ وَقَدْ لَا تُوصَفُ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُدُوثِ الْفَرْدِ حُدُوثُ النَّوْعِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَوْصُوفَةٌ بِصِفَةِ هَذِهِ الْأَفْرَادِ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِانْضِمَامِ هَذَا الْفَرْدِ إِلَى هَذَا الْفَرْدِ يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ الَّذِي لِذَلِكَ الْفَرْدِ (¬1) ، لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْمَجْمُوعِ حُكْمَ الْأَفْرَادِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ ذَلِكَ الْحُكْمُ الَّذِي لِذَلِكَ الْفَرْدِ، كَانَ حُكْمُ الْمَجْمُوعِ حُكْمَ أَفْرَادِهِ (¬2) . مِثَالُ الْأَوَّلِ: أَنَّا إِذَا ضَمَمْنَا هَذَا الْجُزْءَ إِلَى هَذَا الْجُزْءِ، صَارَ الْمَجْمُوعُ (¬3) أَكْثَرَ وَأَطْوَلَ وَأَعْظَمَ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ، فَلَا يَكُونُ فِي مِثْلِ هَذَا حُكْمُ (¬4) الْمَجْمُوعِ حُكْمَ الْأَفْرَادِ. فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ (¬5) هَذَا الْيَوْمَ طَوِيلٌ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ جُزْؤُهُ طَوِيلًا. وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: هَذَا الشَّخْصُ أَوِ الْجِسْمُ (¬6) طَوِيلٌ أَوْ مُمْتَدٌّ، أَوْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ طَوِيلَةٌ، أَوْ قِيلَ: [إِنَّ] (¬7) هَذَا النَّعِيمَ دَائِمٌ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ دَائِمًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 35] ، وَلَيْسَ كُلُّ جُزْءٍ ¬

(¬1) ا، ب: الَّذِي لِلْفَرْدِ. (¬2) ن، م، ا: أَمْثَالِهِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) . (¬3) ن، م: صَارَ الْكُلُّ. (¬4) ن (فَقَطْ) : فِي حُكْمِ هَذَا مِثْلِ حُكْمِ. . (¬5) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) ن، م: وَالْجِسْمُ. (¬7) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مِنْ أَجْزَاءِ (¬1) الْأَكْلِ دَائِمًا. وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ (¬2) الصَّحِيحِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ» " (¬3) وَقَوْلُ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] (¬4) : «وَكَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً» (¬5) . فَإِذَا كَانَ عَمَلُ الْمَرْءِ دَائِمًا، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ دَائِمًا. ¬

(¬1) أَجْزَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ن، م، ا: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ. (¬3) جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/51 بِلَفْظِ: إِنَّ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. وَأَوَّلُهُ: مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ. . الْحَدِيثَ. وَعَقَدَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 1/540 - 541 فَصْلًا (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الدَّائِمِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهِ) أَوْرَدَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ كُلُّهَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَفِيهَا مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ مِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ. وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/319 وَنَصُّهُ: " مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى كَانَ أَكْثَرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَكَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا ". وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ: الْأَوَّلِ 1/13 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ) وَلَفْظُهُ: وَكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. وَالثَّانِي 3/38 - 39 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ صَوْمِ شَعْبَانَ) وَلَفْظُهُ: وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/65 (كِتَابُ التَّطَوُّعِ، بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الْقَصْدِ فِي الصَّلَاةِ) . (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/98 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ) وَنَصُّهُ: عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَطِيعُ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/42 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ هَلْ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ) ؛ مُسْلِمٍ 1/541 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الدَّائِمِ. .) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/66 (كِتَابُ التَّطَوُّعِ، بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الْقَصْدِ فِي الصَّلَاةِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/43، 55، 189.

وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: هَذَا الْمَجْمُوعُ عُشْرُ أُوقِيَّةٍ أَوْ نَشٌّ (¬1) أَوْ إِسْتَارٌ (¬2) ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ (¬3) مِنْ أَجْزَائِهِ عُشْرَ أُوقِيَّةٍ وَلَا نَشًّا وَلَا إِسْتَارًا (¬4) ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ حَصَلَ بِانْضِمَامِ الْأَجْزَاءِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، وَالِاجْتِمَاعُ لَيْسَ مَوْجُودًا (¬5) لِلْأَفْرَادِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قِيلَ (¬6) : كُلُّ جُزْءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ مَعْدُومٌ أَوْ مَوْجُودٌ أَوْ مُمْكِنٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ مُمْتَنَعٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا أَوْ مَوْجُودًا أَوْ مُمْكِنًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ مُمْتَنَعًا، وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْتَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزِّنْجِ أَسْوَدُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا أَوْ مَوْجُودًا أَوْ مُمْكِنًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ مُمْتَنَعًا، وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْتَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزِّنْجِ أَسْوَدُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ سُودًا؛ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْمَوْجُودِ بِالْمَوْجُودِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْجُودًا، وَاقْتِرَانُ الْمَعْدُومِ بِالْمَعْدُومِ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الْعَدَمِ (¬7) ، وَاقْتِرَانُ الْمُمْكِنِ لِذَاتِهِ وَالْمُمْتَنَعِ لِذَاتِهِ بِنَظِيرِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ وَمُمْتَنَعًا لِذَاتِهِ. بِخِلَافِ مَا لَا يَكُونُ مُمْتَنَعًا لِذَاتِهِ (¬8) إِلَّا إِذَا انْفَرَدَ وَهُوَ بِالِاقْتِرَانِ يَصِيرُ ¬

(¬1) ن، م، ا: أَوْ بَيْتٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَفِي اللِّسَانِ: النَّشُّ: وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَقِيلَ هُوَ وَزْنُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. (¬2) ن، م، ا: أَوْ إِنْسَانٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَفِي اللِّسَانِ: الْإِسْتَارُ أَيْضًا وَزْنُ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ وَنِصْفٍ، وَالْجَمْعُ: الْأَسَاتِيرُ. (¬3) عِبَارَةُ " كُلُّ جُزْءٍ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ب: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْزَائِهِ عُشْرُ أُوقِيَّةٍ وَلَا نَشٌّ وَلَا إِسْتَارٌ؛ ا: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْزَائِهِ عَشَرَةٌ وَلَا قُبَّةً وَلَا بَيْتًا وَلَا إِنْسَانًا؛ ن، م: أَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ عَشَرَةٌ وَلَا شَيْئًا وَلَا أُوقِيَّةً وَلَا إِنْسَانًا؛ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬5) ن، م: لَيْسَ بِمَوْجُودٍ. (¬6) ا، ب: إِذَا قُلْتُ. (¬7) ن، م: عَنِ الْمَعْدُومِ. (¬8) لِذَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

مُمْكِنًا، كَالْعِلْمِ مَعَ الْحَيَاةِ، فَإِنَّهُ وَحْدَهُ مُمْتَنَعٌ وَمَعَ الْحَيَاةِ مُمْكِنٌ. وَكَذَلِكَ أَحَدُ الضِّدَّيْنِ هُوَ وَحْدَهُ مُمْكِنٌ وَمَعَ الْآخَرِ مُمْتَنَعٌ اجْتِمَاعُهُمَا، فَالْمُتَلَازِمَانِ يُمْتَنَعُ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا، وَالْمُتَضَادَّانِ يُمْتَنَعُ اجْتِمَاعُهُمَا. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ الْفَرْقُ بَيْنَ دَوَامِ الْآثَارِ الْحَادِثَةِ الْفَانِيَةِ وَاتِّصَالِهَا، وَبَيْنَ وُجُودِ عِلَلٍ وَمَعْلُولَاتٍ مُمْكِنَةٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا. فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ سَوَّى بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ فِي الِامْتِنَاعِ، كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ التَّأْثِيرَ وَاحِدٌ فِي الْإِمْكَانِ وَالِامْتِنَاعِ، ثُمَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ امْتِنَاعُ عِلَلٍ وَمَعْلُولَاتٍ لَا تَتَنَاهَى، وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ (¬1) مُشْكِلٌ لَا يَقُومُ عَلَى امْتِنَاعِهِ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا لِأَحَدٍ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْآمِدِيُّ فِي " رُمُوزِ الْكُنُوزِ " (¬2) . وَالْأَبْهَرِيُّ (¬3) [وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا] (¬4) . وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ حَاصِلٌ، فَإِنَّ الْحَادِثَ الْمُعَيَّنَ إِذَا ضُمَّ إِلَى الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ، حَصَلَ مِنَ الدَّوَامِ وَالِامْتِدَادِ وَبَقَاءِ النَّوْعِ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا لِلْأَفْرَادِ، فَإِذَا كَانَ الْمَجْمُوعُ طَوِيلًا وَمَدِيدًا وَدَائِمًا وَكَثِيرًا وَعَظِيمًا، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرْدٍ طَوِيلًا وَمَدِيدًا وَدَائِمًا وَكَثِيرًا وَعَظِيمًا. وَأَمَّا الْعِلَلُ وَالْمَعْلُولَاتُ الْمُتَسَلْسِلَةُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ، وَبِانْضِمَامِهِ إِلَى الْآخَرِ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْإِمْكَانِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَعْدُومٌ، وَبِانْضِمَامِهِ إِلَى الْآخَرِ لَا يَخْرُجُ ¬

(¬1) مَوْضِعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْآمِدِيِّ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 248. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا: مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 1/349؛ لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/134 - 135؛ مِرْآةَ الْجِنَانِ لِلْيَافِعِيِّ 4؛ مِفْتَاحَ السَّعَادَةِ لِطَاشْ كُبْرَى زَادَهْ 2/49 brock: gal gi. 393، si، 678 (¬3) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْأَبْهَرِيِّ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 220. (¬4) وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

أدلة القائلين بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث والرد عليهم

عَنِ الْعَدَمِ. فَاجْتِمَاعُ الْمَعْدُومَاتِ الْمُمْكِنَةِ (* لَا يَجْعَلُهَا مَوْجُودَةً، بَلْ مَا فِيهَا مِنَ الِافْتِقَارِ إِلَى الْفَاعِلِ حَاصِلٌ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا *) (¬1) ، (¬2) أَعْظَمُ مِنْ حُصُولِهِ عِنْدَ افْتِرَاقِهَا (¬3) ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. [أدلة القائلين بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث والرد عليهم] وَعُمْدَةُ مَنْ يَقُولُ بِامْتِنَاعِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ الْحَوَادِثِ، إِنَّمَا هِيَ دَلِيلُ التَّطْبِيقِ وَالْمُوَازَنَةِ (¬4) وَالْمُسَامَتَةِ الْمُقْتَضِي تَفَاوُتَ الْجُمْلَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: (¬5) وَالتَّفَاوُتُ فِيمَا لَا يَتَنَاهَى (* مُحَالٌ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يُقَدِّرُوا الْحَوَادِثَ مِنْ [زَمَنِ] (¬6) الْهِجْرَةِ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى *) (¬7) فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوِ الْمَاضِي، وَالْحَوَادِثُ مِنْ زَمَنِ الطُّوفَانِ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى [أَيْضًا] (¬8) ثُمَّ يُوَازِنُونَ الْجُمْلَتَيْنِ، فَيَقُولُونَ: إِنْ تَسَاوَتَا (¬9) لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الزَّائِدُ كَالنَّاقِصِ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ، فَإِنَّ إِحْدَاهُمَا زَائِدَةٌ عَلَى الْأُخْرَى بِمَا بَيْنَ الطُّوفَانِ وَالْهِجْرَةِ، وَإِنْ تَفَاضَلَتَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَا يَتَنَاهَى تَفَاضُلٌ، وَهُوَ مُمْتَنَعٌ. وَالَّذِينَ نَازَعُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ مَنَعُوا هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ، وَقَالُوا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُصُولَ مِثْلِ هَذَا التَّفَاضُلِ [فِي ذَلِكَ] ¬

(¬1) ن، ا: اجْتِمَاعِهِمَا. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) ا (فَقَطْ) : افْتِرَاقِهِمَا. (¬4) ن، م: وَالْمُوَازَاةِ. (¬5) ن: نَقُولُ؛ م: يَقُولُ. (¬6) زَمَنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬8) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬9) ن، ا، ب: تَسَاوَيَا.

مُمْتَنَعٌ (¬1) ، بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنَ الطُّوفَانِ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَعْظَمُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَلِكَ [مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى مَا لَا بِدَايَةَ لَهُ (¬2) فِي الْمَاضِي أَعْظَمُ مِنَ الطُّوفَانِ إِلَى مَا لَا بِدَايَةَ لَهُ فِي الْمَاضِي، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا بِدَايَةَ لَهُ (¬3) ، فَإِنَّ] (¬4) مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ مِنْ هَذَا الطَّرَفِ وَهَذَا الطَّرَفِ، لَيْسَ أَمْرًا مَحْصُورًا مَحْدُودًا مَوْجُودًا حَتَّى يُقَالَ هُمَا مُتَمَاثِلَانِ (¬5) فِي الْمِقْدَارِ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ؟ بَلْ كَوْنُهُ لَا يَتَنَاهَى مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُوجِدُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا، فَلَيْسَ هُوَ مُجْتَمِعًا مَحْصُورًا. وَالِاشْتِرَاكُ فِي عَدَمِ التَّنَاهِي لَا يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ فِي الْمِقْدَارِ، إِلَّا إِذَا كَانَ كُلُّ مَا يُقَالُ عَلَيْهِ إِنَّهُ لَا يَتَنَاهَى لَهُ قَدْرٌ مَحْدُودٌ (¬6) ، وَهَذَا بَاطِلٌ. فَإِنَّ مَا لَا يَتَنَاهَى لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَلَا مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَدِ الْمُضَعَّفِ، فَكَمَا أَنَّ اشْتِرَاكَ الْوَاحِدِ وَالْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ فِي التَّضْعِيفِ (¬7) الَّذِي لَا يَتَنَاهَى لَا يَقْتَضِي تَسَاوِيَ مَقَادِيرِهَا، فَكَذَلِكَ هَذَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذَيْنِ هُمَا مُتَنَاهِيَانِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُسْتَقْبَلُ، وَغَيْرُ مُتَنَاهِيَيْنِ مِنَ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَاضِي. ¬

(¬1) ن، م: حُصُولُ مِثْلِ هَذَا. وَالتَّفَاضُلُ مُمْتَنَعٌ. (¬2) م: مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ. (¬3) م: لَا نِهَايَةَ لَهُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ا: مُتَلَازِمَانِ؛ ب: مُتَوَازِنَانِ. (¬6) ا: كُلُّ مَا يُقَالُ عَلَيْهِ إِنَّهُ لَا يَتَنَاهَى قَدْرٌ مَحْدُودٌ؛ ب: كُلُّ مَا يُقَالُ عَلَيْهِ إِنَّهُ لَا يَتَنَاهَى قَدْرًا مَحْدُودًا. . (¬7) ن: الضَّعِيفِ؛ م: الضَّعْفِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ.

وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ (¬1) الْقَائِلِ: يَلْزَمُ (¬2) التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا يَتَنَاهَى غَلَطٌ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ الَّذِي يَلِينَا وَهُوَ مُتَنَاهٍ، ثُمَّ هُمَا لَا يَتَنَاهَيَانِ مِنَ الطَّرَفِ الَّذِي لَا يَلِينَا وَهُوَ الْأَزَلُ (¬3) وَهُمَا مُتَفَاضِلَانِ (¬4) مِنَ الطَّرَفِ الَّذِي يَلِينَا وَهُوَ طَرَفُ الْأَبَدِ. فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: وَقَعَ التَّفَاوُتُ فِيمَا لَا يَتَنَاهَى، إِذْ هَذَا (¬5) يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ حَصَلَ فِي الْجَانِبِ الَّذِي لَا آخِرَ لَهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ (¬6) كَذَلِكَ، بَلْ إِنَّمَا حَصَلَ التَّفَاضُلُ (¬7) مِنَ الْجَانِبِ [الْمُنْتَهَى] (¬8) الَّذِي لَهُ آخِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقَضِ (¬9) . ثُمَّ لِلنَّاسِ فِي هَذَا جَوَابَانِ (¬10) ، أَحَدُهُمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مَا مَضَى مِنَ الْحَوَادِثِ فَقَدْ عُدِمَ، وَمَا لَمْ يَحْدُثْ لَمْ يَكُنْ، فَالتَّطْبِيقُ فِي مِثْلِ هَذَا أَمْرٌ يُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، كَتَضْعِيفِ الْأَعْدَادِ: فَإِنَّ تَضْعِيفَ الْوَاحِدِ أَقَلُّ مِنْ تَضْعِيفِ الْعَشَرَةِ، وَتَضْعِيفُ الْعَشَرَةِ أَقَلُّ مِنْ تَضْعِيفِ الْمِائَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لَهُ، لَكِنْ لَيْسَ هُوَ أَمْرًا مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ. ¬

(¬1) ن، م: فَيَقُولُ: (¬2) ا، ب: لَلَزِمَ. (¬3) ن، م: الْأَوَّلُ. (¬4) ن، م: مُتَنَاهِيَانِ. (¬5) ن، م: فِيمَا لَا يَتَنَاهَى وَهَذَا. . (¬6) الْأَمْرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬7) ن، م: التَّفَاوُتُ. (¬8) الْمُنْتَهَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (م) : الْآخَرِ. (¬9) ن، م:. . فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ. (¬10) ا: هَذَا ثُمَّ لِلنَّاسِ هُنَا جَوَابَانِ؛ ب: هَذَا ثُمَّ هُنَا لِلنَّاسِ جَوَابَانِ.

وَمَنْ قَالَ هَذَا فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّمَا يُمْتَنَعُ (¬1) اجْتِمَاعُ مَا لَا يَتَنَاهَى إِذَا كَانَ مُجْتَمِعًا فِي الْوُجُودِ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ (¬2) (3 مُتَّصِلَةً كَالْأَجْسَامِ، أَوْ كَانَتْ 3) (¬3) مُنْفَصِلَةً كَنُفُوسِ الْآدَمِيِّينَ (¬4) ، وَيَقُولُ: كُلُّ مَا اجْتَمَعَ فِي الْوُجُودِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَنَاهِيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمُتَنَاهِي هُوَ الْمُجْتَمَعُ الْمُتَعَلِّقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ تَرْتِيبٌ وَضْعِيٌّ كَالْأَجْسَامِ، أَوْ طَبِيعِيٌّ (¬5) كَالْعِلَلِ وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَلَّقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالنُّفُوسِ، فَلَا يَجِبُ هَذَا فِيهَا، فَهَذَانَ قَوْلَانِ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِ مَا لَا يَتَنَاهَى وَإِنْ عُدِمَ بَعْدَ وَجُودِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِهِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلِ جَهْمٍ (¬6) وَأَبِي الْهُذَيْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. قَالُوا: لِأَنَّكَ إِذَا (¬7) قُلْتَ: لَا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا إِلَّا أُعْطِيكَ (¬8) بَعْدَهُ دِرْهَمًا، كَانَ هَذَا مُمْكِنًا. وَلَوْ قُلْتَ: لَا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا حَتَّى أُعْطِيَكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا، كَانَ هَذَا مُمْتَنَعًا، وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ (¬9) أَبُو الْمَعَالِي فِي " إِرْشَادِهِ " (¬10) وَأَمْثَالُهُ ¬

(¬1) ن، م: يُمْنَعُ. (¬2) ن، م: أَجْزَاءً. (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ب (فَقَطْ) : كَنُفُوسِ الْآدَمِيِّينَ أَوْ لَا. (¬5) ن: طَبْعِيٌّ. (¬6) ن، م:. . وَالْمُسْتَقْبَلِ كَجَهْمٍ. . (¬7) ا، ب: لَوْ. (¬8) م: إِلَّا أَعْطَيْتُكَ. (¬9) ن، م: امْتَنَعَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) هَذَا الْمِثَالُ يَذْكُرُهُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْإِرْشَادِ إِلَى قَوَاطِعِ الْأَدِلَّةِ فِي أُصُولِ الِاعْتِقَادِ "، ص [0 - 9] 6 - 27؛ الْقَاهِرَةَ 1369/1950. وَانْظُرْ كَلَامَهُ عَنِ اسْتِحَالَةِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، ص 25 - 27.

التسلسل نوعان

مِنَ النُّظَّارِ. وَهَذَا التَّمْثِيلُ وَالْمُوَازَنَةُ لَيْسَتْ صَحِيحَةً، بَلِ الْمُوَازَنَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ تَقُولَ: مَا أَعْطَيْتُكَ دِرْهَمًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا، فَتَجْعَلَ مَاضِيًا قَبْلَ مَاضٍ، كَمَا جَعَلْتَ هُنَاكَ مُسْتَقْبَلًا بَعْدَ مُسْتَقْبَلٍ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى أُعْطِيَكَ، فَهُوَ نَفْيٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى يَحْصُلَ مِثْلُهُ (¬1) فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَكُونُ قَبْلَهُ، فَقَدْ (¬2) نَفَى الْمُسْتَقْبَلَ حَتَّى يُوجَدَ الْمُسْتَقْبَلُ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ، لَمْ يَنْفِ (¬3) الْمَاضِيَ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ مَاضٍ فَإِنَّ هَذَا مُمْكِنٌ، وَالْعَطَاءُ الْمُسْتَقْبَلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنَ الْمُعْطِي، وَالْمُسْتَقْبَلُ الَّذِي لَهُ ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ لَا يَكُونُ قَبْلَهُ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَإِنَّ وُجُودَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِيمَا يَتَنَاهَى مُمْتَنَعٌ. فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ لِلنَّاسِ فِيمَا لَا يَتَنَاهَى. [التَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ] وَالتَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ: تَسَلْسُلٌ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ كَالتَّسَلْسُلِ فِي الْعِلَلِ وَالْمَعْلُولَاتِ، وَهُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولَاتِ، فَهَذَا مُمْتَنَعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَسَلْسُلُ الْفَاعِلِينَ وَالْخَالِقِينَ وَالْمُحْدِثِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْمُحْدَثُ لَهُ مُحْدِثٌ، وَلِلْمُحْدِثِ مُحْدِثٌ [آخَرُ] (¬4) إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى. فَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى امْتِنَاعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُحْدِثٍ لَا ¬

(¬1) مِثْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ا، ب: فَعَلَ. وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) م (فَقَطْ) : لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ. (¬4) آخَرُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

يُوجَدُ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ مَعْدُومٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، [وَهُوَ مُمْكِنٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ] (¬1) ، فَإِذَا قُدِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَتَنَاهَى، لَمْ تَصِرِ الْجُمْلَةُ مَوْجُودَةً وَاجِبَةً بِنَفْسِهَا، فَإِنَّ انْضِمَامَ الْمُحْدِثِ إِلَى الْمُحْدِثِ وَالْمَعْدُومِ إِلَى الْمَعْدُومِ وَالْمُمْكِنِ إِلَى الْمُمْكِنِ، لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُفْتَقِرًا (¬2) إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، بَلْ كَثْرَةُ ذَلِكَ تَزِيدُ حَاجَتُهَا وَافْتِقَارُهَا إِلَى الْفَاعِلِ، وَافْتِقَارُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُمْكِنِينَ أَعْظَمُ مِنَ افْتِقَارِ أَحَدِهِمَا، كَمَا أَنَّ عَدَمَ الِاثْنَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا. فَالتَّسَلْسُلُ فِي هَذَا وَالْكَثْرَةُ لَا تُخْرِجُهُ عَنِ الِافْتِقَارِ وَالْحَاجَةِ، بَلْ تَزِيدُهُ حَاجَةً وَافْتِقَارًا. فَلَوْ قُدِّرَ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَقُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ مَعْلُولٌ لِبَعْضٍ أَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ، فَلَا يُوجَدُ [شَيْءٌ مِنْ] (¬3) ذَلِكَ إِلَّا بِفَاعِلٍ صَانِعٍ لَهَا خَارِجٍ عَنْ هَذِهِ الطَّبِيعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلِافْتِقَارِ وَالِاحْتِيَاجِ، فَلَا يَكُونُ فَاعِلُهَا مَعْدُومًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، بَلْ لَا يَكُونُ إِلَّا مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ قَدِيمًا لَيْسَ بِمُحْدَثٍ، فَإِنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَنْ يَخْلُقُهُ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ. وَأَمَّا التَّسَلْسُلُ فِي الْآثَارِ كَوُجُودِ حَادِثٍ بَعْدَ حَادِثٍ، فَهَذَا فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ: إِمَّا مَنْعُهُ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلٍ جَهْمٍ وَأَبِي الْهُذَيْلِ. وَإِمَّا مَنْعُهُ فِي الْمَاضِي فَقَطْ، كَقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ. وَإِمَّا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) ن: مُنَقِّصٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) شَيْءٌ مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

الدور نوعان

[الدور نوعان] تَجْوِيزُهُ فِيهِمَا، كَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفَلَاسِفَةِ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَكَذَلِكَ الدَّوْرُ نَوْعَانِ: دَوْرٌ قَبْلِيٌّ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بَعْدَ هَذَا، وَلَا هَذَا إِلَّا بَعْدَ هَذَا، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَأَمَّا الدَّوْرُ الْمَعِيُّ الِاقْتِرَانِيُّ مِثْلُ الْمُتَلَازِمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَكُونَانِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، وَعُلُوُّ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مَعَ سُفُولِ الْآخَرِ، وَتَيَامُنِ هَذَا عَنْ ذَاكَ مَعَ تَيَاسُرِ (¬1) الْآخَرِ عَنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَلَازِمَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ إِلَّا مَعًا، فَهَذَا الدَّوْرُ مُمْكِنٌ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَاعِلًا لِلْآخَرِ وَلَا تَمَامَ لِلْفَاعِلِ (¬2) ، بَلْ كَانَ الْفَاعِلُ لَهُمَا غَيْرَهُمَا، جَازَ ذَلِكَ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فَاعِلًا لِلْآخَرِ (¬3) ، أَوْ مِنْ تَمَامِ كَوْنِ الْفَاعِلِ فَاعِلًا، صَارَ مِنَ الدَّوْرِ الْمُمْتَنَعِ. [امتناع وجود إلهين] وَلِهَذَا امْتَنَعَ رَبَّانِ مُسْتَقِلَّانِ أَوْ مُتَعَاوِنَانِ. أَمَّا الْمُسْتَقِلَّانِ، فَلِأَنَّ اسْتِقْلَالَ أَحَدِهِمَا بِالْعَالَمِ (¬4) يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ (¬5) الْآخَرُ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ مُسْتَقِلًّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَعَلَهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَأَمَّا الْمُتَعَاوِنَانِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ حَالَ كَوْنِ الْآخَرِ مُسْتَقِلًّا بِهِ (¬6) ، لَزِمَ الْقُدْرَةُ عَلَى اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنَعٌ، ¬

(¬1) ن، م: عَنْ ذَاكَ وَتَيَاسُرِ. . . (¬2) ا، ب: الْفَاعِلُ. (¬3) لِلْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ن (فَقَطْ) : بِالْعِلْمِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) يَكُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬6) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

فَإِنَّهُ حَالَ قُدْرَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ يُمْتَنَعُ قُدْرَةُ الْآخَرِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، وَلَا يَكُونَانِ (¬1) فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَهُ مَرَّتَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ. لَكِنَّ الْمُمْكِنَ أَنْ يُقَدَّرَ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ فَاعِلًا (¬2) وَبِالْعَكْسِ، فَقُدْرَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَشْرُوطَةٌ بِعَدَمِ فِعْلِ الْآخَرِ مَعَهُ، فَفِي حَالِ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ (¬3) مِنْهُمَا يُمْتَنَعُ قُدْرَةُ الْآخَرِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمُتَعَاوِنَيْنِ لَا يَقْدِرَانِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، كَمَا هُوَ الْمُمْكِنُ الْمَوْجُودُ فِي الْمُتَعَاوِنَيْنِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، كَانَ هَذَا بَاطِلًا [أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي] (¬4) . وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمَا إِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، أَمْكَنَ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا مَقْدُورَهُ وَهَذَا مَقْدُورَهُ، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ قُدْرَةُ أَحَدِهِمَا مَشْرُوطَةً بِتَمْكِينٍ الْآخَرِ لَهُ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَيْضًا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا (¬5) ضِدَّ مُرَادِ الْآخَرِ، فَيُرِيدُ هَذَا تَحْرِيكَ جِسْمٍ وَهَذَا تَسْكِينَهُ، وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُمْتَنَعٌ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَحَدُهُمَا إِرَادَةَ الْفِعْلِ إِلَّا بِشَرْطِ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ لَهُ، كَانَ عَاجِزًا وَحْدَهُ، وَلَمْ يَصِرْ قَادِرًا إِلَّا بِمُوَافَقَةِ الْآخَرِ ¬

(¬1) ن، م: فَلَا يَكُونُ. (¬2) ب (فَقَطْ) : لَكِنَّ الْمُمْكِنَ أَنْ يُقَدَّرَ هَذَا فَاعِلًا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ فَاعِلًا، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي (ن) ، (م) ، (ا) . (¬3) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) ب: كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا. فَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا. . . إِلَخْ.

وَكَذَا (¬1) إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَادِرًا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، بَلْ لَا يَقْدِرُ إِلَّا بِمُعَاوَنَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْمَخْلُوقِينَ، أَوْ قِيلَ: يُمْكِنُ كُلٌّ (¬2) مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ بِشَرْطِ تَخْلِيَةِ الْآخَرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِعْلِ، فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ قُدْرَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِإِقْدَارِ الْآخَرِ لَهُ، وَهَذَا مُمْتَنَعٌ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّوْرِ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ فِي الْفَاعِلِينَ وَالْعِلَلِ الْفَاعِلَةِ (¬3) . فَإِنَّ مَا بِهِ يَتِمُّ كَوْنُ الْفَاعِلِ فَاعِلًا يُمْتَنَعُ فِيهِ الدَّوْرُ، كَمَا يُمْتَنَعُ فِي ذَاتِ الْفَاعِلِ، وَالْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي الْفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ الْفَاعِلُ فَاعِلًا إِلَّا بِالْقُدْرَةِ، (* فَإِذَا كَانَتْ قُدْرَةُ هَذَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَةِ ذَاكَ (¬4) ، وَقُدْرَةُ ذَاكَ (¬5) لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَةِ هَذَا *) (¬6) كَانَ هَذَا دَوْرًا مُمْتَنَعًا. كَمَا أَنَّ ذَاتَ ذَاكَ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا بِهَذَا، وَذَاتَ هَذَا لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا بِذَاتِ ذَاكَ (¬7) كَانَ هَذَا دَوْرًا مُمْتَنَعًا، إِذْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا هُوَ الْفَاعِلُ لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ مُلَازِمًا لَهُ أَوْ شَرْطًا فِيهِ (¬8) وَالْفَاعِلُ غَيْرَهُمَا، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ. وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ الَّذِي يُرِيدُ أَحَدَ الضِّدَّيْنِ بِشَرْطِ (¬9) أَنْ لَا يُرِيدَ الضِّدَّ ¬

(¬1) ا، ب: وَهَكَذَا. (¬2) ب (فَقَطْ) : كُلًّا. (¬3) ا: وَالْعِلَلِ وَالْفَاعِلَةِ؛ ب: وَالْعِلَلِ وَالْفَاعِلِيَّةِ. (¬4) ن، ا: هَذَا. (¬5) ن (فَقَطْ) : هَذَا. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬7) ن، م، ا: وَذَاتُ ذَاكَ لَمْ تَحْصُلْ إِلَّا بِذَاتِ هَذَا. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ مِنْ (ب) . (¬8) ا: مُلَازِمًا لَهُ وَشَرْطًا فِيهِ؛ ب: لَازِمًا لَهُ وَشَرْطًا فِيهِ. (¬9) ن (فَقَطْ) : يُشْتَرَطُ.

الأخطاء التي وقع فيها المعتزلة والشيعة نتيجة ظنهم أن التسلسل نوع واحد

الْآخَرَ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ قَادِرًا. وَأَمَّا إِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ حَتَّى يُعِينَهُ الْآخَرُ عَلَى الْقُدْرَةِ، أَوْ حَتَّى يُخَلِّيَهُ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْفِعْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ وَحْدَهُ قَادِرًا. وَهَذِهِ الْمَعَانِي قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ فِي التَّسَلْسُلِ وَالدَّوْرِ كَثِيرًا مَا يُذْكَرُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُشْكَلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا يُذْكَرُ مِنَ الدَّلَائِلِ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِلْفُرُوقِ الثَّابِتَةِ بَيْنَ الْأُمُورِ الْمُتَشَابِهَةِ، حَتَّى يَظُنَّ فِيمَا هُوَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا صَحِيحًا، أَوْ يَظُنَّ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ دَلِيلًا، أَوْ يَحَارُ وَيَقِفُ وَيَشْتَبِهُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، أَوْ يَسْمَعُ كَلَامًا طَوِيلًا مُشْكِلًا لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ، أَوْ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَتُهُ، نَبَّهْنَا (¬1) عَلَى ذَلِكَ هُنَا تَنْبِيهًا لَطِيفًا؛ إِذْ هَذَا لَيْسَ (¬2) مَوْضِعَ بَسْطِهِ. [الأخطاء التي وقع فيها المعتزلة والشيعة نتيجة ظنهم أَنَّ التَّسَلْسُلَ نَوْعٌ وَاحِدٌ] وَالنَّاسُ لِأَجْلِ هَذَا دَخَلُوا فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، فَالَّذِينَ قَالُوا: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ [وَغَيْرِهِمْ] (¬3) ، إِنَّمَا أَوْقَعَهُمْ ظَنُّهُمْ أَنَّ التَّسَلْسُلَ نَوْعٌ وَاحِدٌ، فَالْتَزَمُوا لِأَجْلِ ذَلِكَ أَنَّ الْخَالِقَ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا (¬4) وَلَا مُتَصَرِّفًا بِنَفْسِهِ حَتَّى أَحْدَثَ كَلَامًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ، وَجَعَلُوا خَلْقَ كَلَامِهِ كَخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. فَلَمَّا طَالَبَهُمُ النَّاسُ بِأَنَّ الْحَادِثَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَقَعُوا فِي الْمُكَابَرَةِ، وَقَالُوا: يُمْكِنُ ¬

(¬1) ا، ب: فَنَبَّهْنَا. (¬2) ا، ب: إِذْ لَيْسَ هَذَا. (¬3) وَغَيْرِهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬4) ا، ب: مُتَمَكِّنًا مُمْكِنًا.

تجويز المعتزلة والشيعة الترجيح بلا مرجح مكن الفلاسفة من القول بقدم العالم

الْقَادِرُ أَنْ يُرَجِّحَ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَمَا فِي الْجَائِعِ مَعَ الرَّغِيفَيْنِ، وَالْهَارِبِ مَعَ الطَّرِيقَيْنِ. وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ قَالُوا: نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُوجَدِ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ لِأَحَدِ الْمِثْلَيْنِ امْتَنَعَ الرُّجْحَانُ، وَإِلَّا فَمَعَ التَّسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُمْتَنَعُ الرُّجْحَانُ. [تجويز المعتزلة والشيعة الترجيح بلا مرجح مكن الفلاسفة من القول بقدم العالم] وَالْفَلَاسِفَةُ جَعَلُوا هَذَا (¬1) حُجَّةً فِي قِدَمِ الْعَالَمِ، فَقَالُوا: الْحُدُوثُ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ مُمْتَنَعٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا صَادِرًا عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ. وَكَانُوا أَضَلَّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ: مِثْلَ كَوْنِ قَوْلِهِمْ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمُمْكِنَاتِ لَا فَاعِلَ لَهَا، فَإِنَّ الْفِعْلَ بِدُونِ الْإِحْدَاثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَمِنْ جِهَةٍ (* أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬2) بِالنَّقَائِصِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ (¬3) ، وَمِنْ جِهَةِ *) (¬4) أَنَّ الْعَالَمَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَوَادِثِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ مَشْهُودَةٌ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لَازِمَةً [لَهُ] (¬5) أَوْ حَادِثَةً فِيهِ، وَالْمُوجِبُ بِالذَّاتِ الْمُسْتَلْزِمُ لِمَعْلُولِهِ لَا يَحْدُثُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَوَادِثِ فَاعِلٌ بِحَالٍ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ حَوَادِثَ لَا تَتَنَاهَى - كَمَا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ - وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ [شَيْءٍ] (¬6) مِنَ الْعَالَمِ حَادِثًا. ¬

(¬1) ن: هَذِهِ. (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) ا، ب وَصْفُهُ هُنَا (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) شَيْءٍ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ، وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا.

وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ: [لَمْ يَزَلْ] (¬1) مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ إِلَّا حَادِثًا مُعَيَّنًا (¬2) ، إِذْ كُلُّ فِعْلٍ [مُعَيَّنٍ] (¬3) يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِعَدَمِهِ، وَإِلَّا فَالْفَاعِلُ إِنْ (¬4) قُدِّرَ مُوجِبًا بِذَاتِهِ، لَزِمَهُ مَفْعُولُهُ وَلَمْ يَحْدُثْ عَنْهُ شَيْءٌ، هُوَ مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ. وَإِنْ قُدِّرَ غَيْرُ مُوجِبٍ بِذَاتِهِ، لَمْ يُقَارِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَفْعُولَاتِ (¬5) - وَإِنْ كَانَ دَائِمَ الْفِعْلِ - إِذْ كَانَ نَوْعُ الْفِعْلِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ. وَأَمَّا الْأَفْعَالُ وَالْمَفْعُولَاتُ الْمُعَيَّنَةُ فَلَيْسَتْ لَازِمَةً لِلذَّاتِ، بَلْ كُلٌّ مِنْهَا مُعَلَّقٌ بِمَا قَبْلَهُ؛ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الْحَوَادِثِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ. فَالْفِعْلُ الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا حَادِثًا يُمْتَنَعُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ أَجْزَائِهِ أَزَلِيًّا، بَلْ يُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا قَدِيمًا، فَهَذَا أَوَّلًا مُمْتَنَعٌ لِذَاتِهِ؛ فَإِنَّ الْفِعْلَ وَالْمَفْعُولَ الْمُعَيَّنَ (¬6) الْمُقَارِنَ لِلْفَاعِلِ مُمْتَنَعٌ، فَلَا يَحْدُثُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْقَدِيمَ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ فِعْلٌ تَامٌّ لَزِمَهُ (¬7) مَفْعُولُهُ. وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬8) ، وَبَيَّنَّا ¬

(¬1) لَمْ يَزَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) مُعَيَّنًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) مُعَيَّنٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ا، ب: إِذَا. (¬5) ن: الْمَعْقُولَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: الْمُعَيَّنَ وَالْمُقَارِنَ. (¬7) ا، ب: لَزِمَ. (¬8) عِبَارَةُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

نِزَاعَ النَّاسِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ (¬1) مِنْهَا. وَإِنَّمَا كَانَ الْقَصْدُ هُنَا التَّنْبِيهَ عَلَى [أَصْلِ] (¬2) مَسْأَلَةِ التَّعْلِيلِ، فَإِنَّ هَذَا الْمُبْتَدِعَ أَخَذَ يُشَنِّعُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، فَذَكَرَ (¬3) مَسَائِلَ لَا يَذْكُرُ حَقِيقَتَهَا وَلَا أَدِلَّتَهَا، وَيَنْقُلُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ. وَمَا يَنْقُلُهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ خَطَأٌ أَوْ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَمَا قُدِّرَ أَنَّهُ صَدَقَ فِيهِ عَنْ بَعْضِهِمْ، فَقَوْلُهُمْ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِهِ. فَإِنَّ غَالِبَ شَنَاعَتِهِ عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَالْأَشْعَرِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَيَتَّقِي اللَّهَ فِيمَا يَقُولُ. وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ فِي كَلَامِهِمْ - وَكَلَامِ مَنْ قَدْ وَافَقَهُمْ (¬4) أَحْيَانًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ - مَا هُوَ ضَعِيفٌ، فَكَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ الضَّعِيفِ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنَ (¬5) الْمُعْتَزِلَةِ، فَهُمْ أَصْلُ الْخَطَأِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَبَعْضُ ذَلِكَ أَخْطَئُوا فِيهِ لِإِفْرَاطِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْخَطَأِ، فَقَابَلُوهُمْ مُقَابَلَةً انْحَرَفُوا فِيهَا، [كَالْجَيْشِ الَّذِي يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ فَرُبَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إِفْرَاطٌ وَعُدْوَانٌ] (¬6) ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. ¬

(¬1) وَاحِدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) أَصْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: يَذْكُرُ. (¬4) ا، ب: يُوَافِقُهُمْ وَبَعْدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا تُوجَدُ صَفْحَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ مُصَوَّرَةٍ (م) هِيَ ص 36 مِنْهَا وَسَأُنَبِّهُ عِنْدَ بِدَايَةِ ظ [0 - 9] 6 بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬5) ا، ب: عَنْ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

رد الأشاعرة ومن وافقهم على المعتزلة والشيعة

[رد الأشاعرة ومن وافقهم على المعتزلة والشيعة] قَالَ هَؤُلَاءِ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ (¬1) : وَلَمَّا كَانَ هَذَا الدَّلِيلُ عُمْدَتَكُمْ، اسْتَطَالَ عَلَيْكُمُ الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ، كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ مُنَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ لِحُدُوثِ الْعَالَمِ لَا مُسْتَلْزِمَ لَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا الْحَادِثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَكَانَ هَذَا الدَّلِيلُ مُسْتَلْزِمًا لِحُدُوثِ الْحَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ أَحْدَثَ شَيْئًا. فَإِذَا جَوَّزْنَا تَرْجِيحَ أَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، انْسَدَّ طَرِيقُ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ الَّذِي سَلَكْتُمُوهُ. وَقَالُوا أَيْضًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ (¬2) : أَنْتُمْ مَعَ هَذَا عَلَّلْتُمْ (¬3) أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى بِعِلَلٍ حَادِثَةٍ. فَيُقَالُ لَكُمْ: هَلْ تُوجِبُونَ لِلْحَوَادِثِ سَبَبًا حَادِثًا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ، لَزِمَ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ، وَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ. وَإِنْ لَمْ تُوجِبُوا ذَلِكَ، قِيلَ لَكُمْ: وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا غَايَةٌ حَادِثَةٌ بَعْدَهَا، فَإِنَّ الْمَعْقُولَ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُحْدِثَ لَا بُدَّ لِفِعْلِهِ مِنْ سَبَبٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَايَةٍ. فَإِذَا قُلْتُمْ: لَا سَبَبَ لِإِحْدَاثِهِ. قِيلَ لَكُمْ: وَلَا غَايَةَ مَطْلُوبَةٌ لَهُ بِالْفِعْلِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يُعْقَلُ فَاعِلٌ لَا يُرِيدُ حِكْمَةً إِلَّا وَهُوَ عَابِثٌ (¬4) . قِيلَ لَكُمْ: وَلَا نَعْقِلُ فَاعِلًا يُحْدِثُ شَيْئًا بِغَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ أَصْلًا، بَلْ هَذَا أَشَدُّ امْتِنَاعًا فِي الْعَقْلِ مِنْ ذَاكَ، فَلِمَاذَا أَثْبَتُّمُ الْغَايَةَ وَنَفَيْتُمُ السَّبَبَ الْحَادِثَ؟ . ¬

(¬1) ن: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةَ وَالشِّيعَةَ؛ ا، ب: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالشِّيعَةُ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَالْمَعْنَى: قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَشَاعِرَةُ - وَمَنْ وَافَقَهُمْ - لِلْمُعْتَزِلَةِ. . إِلَخْ. (¬2) وَقَالُوا أَيْضًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ: كَذَا فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ يَتَّفِقُ مَعَ قِرَاءَتِنَا لِلْفِقْرَةِ السَّابِقَةِ. (¬3) ن: عَلِمْتُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ا، ن: إِلَّا وَهُوَ غَائِبٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

وَقِيلَ لَكُمْ (¬1) أَيْضًا: الَّذِي يُعْقَلُ مِنَ الْفَاعِلِ أَنْ يَفْعَلَ لِغَايَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا (¬2) فَاعِلٌ يَفْعَلُ لِغَايَةٍ تَعُودُ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ. وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ الشِّيعَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ يُقَالُ: [قَوْلُ] (¬3) مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَفْعَلُ لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ بِلَا عِلَّةٍ (¬4) ، خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَإِنَّ هَذَا سَلِمَ (¬5) مِنَ التَّسَلْسُلِ، وَسَلِمَ مِنْ كَوْنِهِ يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ. وَالْمُعْتَزِلَةُ تُسَلِّمُ لَهُ (¬6) امْتِنَاعَ التَّسَلْسُلِ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ هَذَا الْمُنْكِرِ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّعْلِيلِ مِنْ أَهْلِ [السُّنَّةِ] وَالْحَدِيثِ، [كَمَا تَقَدَّمَ] ، فَذَاكَ (¬7) سَلِمَ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَقَدْ كَتَبْتُ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْلِيلِ مُصَنَّفًا (¬8) مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَمَّا سُئِلْتُ عَنْهَا (¬9) وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَقْوَالَ أَهْلِ السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنْ أَقْوَالِ الشِّيعَةِ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ ضَعِيفًا، فَقَوْلُ الشِّيعَةِ أَضْعَفُ مِنْهُ ¬

(¬1) ن: الْحَادِثَ قِيلَ لَكُمْ. (¬2) ن: وَإِنَّمَا. (¬3) قَوْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَّبِعِيهِ. (¬5) ا، ب: مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَهَذَا سَلِمَ. . (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬7) ن: مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَذَاكَ. . (¬8) ن: مَكْتُوبًا. (¬9) ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي: " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَةَ "، ص [0 - 9] 0، أَنَّ لِابْنِ تَيْمِيَةَ: " جَوَابٌ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْأَفْعَالِ "، نَحْوَ سِتِّينَ وَرَقَةً. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ مِنْ مَنَاقِبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَةَ " ص 49، (ط. الْقَاهِرَةِ 1356/1938) وَسَمَّاهُ: قَاعِدَةً فِي تَعْلِيلِ الْأَفْعَالِ.

استمرار مناقشة مزاعم ابن المطهر

[استمرار مناقشة مزاعم ابن المطهر] [فَصْلٌ قول الرافضي بأن أهل السنة جَوَّزُوا على الله فِعْلَ الْقَبِيحِ وَالْإِخْلَالَ بِالْوَاجِبِ والرد عليه] (فَصْلٌ (¬1)) وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ (¬2) " وَجَوَّزُوا عَلَيْهِ فِعْلَ الْقَبِيحِ وَالْإِخْلَالَ بِالْوَاجِبِ (¬3) ". فَيُقَالُ لَهُ: لَيْسَ فِي [طَوَائِفِ] (¬4) الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ قَبِيحًا أَوْ يُخِلُّ بِوَاجِبٍ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَنَحْوَهُمْ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ النَّافِينَ لِلْقَدَرِ، يُوجِبُونَ عَلَى اللَّهِ مِنْ جِنْسِ مَا يُوجِبُونَ عَلَى الْعِبَادِ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ مَا يُحَرِّمُونَهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَيَضَعُونَ لَهُ شَرِيعَةً [بِقِيَاسِهِ] (¬5) عَلَى خَلْقِهِ، فَهُمْ مُشَبِّهَةُ الْأَفْعَالِ (¬6) . وَأَمَّا الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ فِي أَفْعَالِهِ، كَمَا لَا يُقَاسُ بِهِمْ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، وَلَيْسَ ¬

(¬1) كُلُّ مَا سَبَقَ كَانَ مُتَّصِلًا بِالِاسْتِطْرَادِ الَّذِي بَدَأَ فِي ص 148 لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَبَيَانِ مَقَالَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَسَائِرِ الْفِرَقِ بِهَذَا الصَّدَدِ. (¬2) ن: وَأَمَّا قَوْلُهُ. (¬3) انْظُرْ ص 125 - 126، وَكَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَةَ هُنَا هُوَ فِي الْوَاقِعِ اسْتِمْرَارٌ لِكَلَامِهِ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ وُجُوهِ رَدِّهِ عَلَى مَزَاعِمِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ، انْظُرْ ص 133. (¬4) طَوَائِفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) بِقِيَاسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) ن: فَهُمْ مُشَبِّهُونَ فِي الْأَفْعَالِ.

مَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِنَا وَجَبَ مِثْلُهُ عَلَى اللَّهِ [تَعَالَى] (¬1) ، وَلَا مَا حَرُمَ عَلَى أَحَدِنَا حَرُمَ مِثْلُهُ عَلَى اللَّهِ [تَعَالَى] (¬2) ، وَلَا مَا قَبُحَ مِنَّا قَبُحَ مِنَ اللَّهِ، وَلَا مَا حَسُنَ مِنَ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬3) حَسُنَ مِنْ أَحَدِنَا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَّا أَنْ يُوجِبَ عَلَى اللَّهِ [تَعَالَى] (¬4) شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمَ عَلَيْهِ شَيْئًا. فَهَذَا أَصْلُ قَوْلِهِمُ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬5) إِذَا وَعَدَ عِبَادَهُ بِشَيْءٍ كَانَ وُقُوعُهُ وَاجِبًا بِحُكْمِ وَعْدِهِ، فَإِنَّهُ الصَّادِقُ فِي خَبَرِهِ الَّذِي لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَنْبِيَاءَهُ وَلَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ، بَلْ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ (¬6) ، كَمَا أَخْبَرَ. لَكِنْ تَنَازَعُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْعِبَادَ هَلْ يَعْلَمُونَ بِعُقُولِهِمْ حُسْنَ بَعْضِ الْأَفْعَالِ (¬7) ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِفِعْلِهِ، وَيَعْلَمُونَ قُبْحَ بَعْضِ الْأَفْعَالِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ؟ (¬8) عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ (¬9) : أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَقْلَ لَا يُعْلَمُ بِهِ حُسْنُ فِعْلٍ وَلَا قُبْحُهُ، أَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَلِأَنَّ الْقَبِيحَ مِنْهُ مُمْتَنَعٌ لِذَاتِهِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَلِأَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ ¬

(¬1) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬4) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬6) ا: بَلْ بِدُخُولِهِمْ جَنَّتَهُ؛ ب: بَلْ يُدْخِلُوهُمْ جَنَّتَهُ. (¬7) ن: الْأَعْمَالِ. (¬8) ن: مِنْهُ. (¬9) مَعْرُوفَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .

أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَهَؤُلَاءِ لَا يُنَازِعُونَ فِي الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ (¬1) إِذَا فُسِّرَ بِمَعْنَى الْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ، وَكَذَلِكَ لَا يُنَازِعُونَ - أَوْ لَا يُنَازِعُ أَكْثَرُهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - فِي أَنَّهُ إِذَا عُنِيَ بِهِ كَوْنُ الشَّيْءِ صِفَةَ كَمَالٍ أَوْ صِفَةَ نَقْصٍ (¬2) أَنَّهُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَقْلَ [قَدْ] يُعْلَمُ [بِهِ] حُسْنُ كَثِيرٍ (¬3) مِنَ الْأَفْعَالِ وَقُبْحُهَا فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ عِبَادِهِ. وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ فَهُوَ قَوْلُ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ [مِنَ الطَّوَائِفِ] (¬4) ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (¬5) وَأَحْمَدَ، كَأَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ (¬6) وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ [الْكَلْوَذَانِيِّ] (¬7) [مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ] (¬8) ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا [الْقَوْلَ] قَوْلُ (¬9) أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، ¬

(¬1) ن: فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ. (¬2) ن: نَقْضٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: أَنَّ الْعَقْلَ يَعْلَمُ حُسْنَ كَثِيرٍ. (¬4) مِنَ الطَّوَائِفِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) ن: وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. (¬6) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمِيمِيُّ الْمَالِكِيُّ الْأَبْهَرِيُّ. وُلِدَ سَنَةَ 289 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 375، وَيُنْسَبُ إِلَى أَبْهَرَ وَهِيَ بُلَيْدَةٌ بِالْقُرْبِ مِنْ زَنْجَانَ. انْظُرْ: مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ، مَادَّةَ أَبْهَرَ؛ ابْنَ الْأَثِيرِ: اللُّبَابَ فِي تَهْذِيبِ الْأَنْسَابِ 1/20؛ الدِّيبَاجَ الْمُذَهَّبَ، ص [0 - 9] 55 - 258؛ الْأَعْلَامَ 7/98. (¬7) ن: وَأَبِي الْخَطَّابِ؛ ا: وَالْخَطَّابِ الْكَلْوَذَانِيِّ؛ ب: وَأَبِي الْخَطَّابِ الْكَلْوَاذِيِّ. وَهُوَ أَبُو الْخَطَّابِ الْكَلْوَذَانِيُّ، وَيُقَالُ أَيْضًا: الْكَلْوَذِيُّ، وَالْكَلْوَاذَانِيُّ. وَسَبَقَ التَّعْرِيفُ بِهِ (ص [0 - 9] 44 ت [0 - 9] ) ، وَهُوَ يُنْسَبُ إِلَى كَلْوَاذَى وَهِيَ قَرْيَةٌ كَانَتْ بِجِوَارِ بَغْدَادَ وَقَدْ خُرِّبَتْ. انْظُرْ مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ، مَادَّةَ كَلْوَاذَى؛ ابْنَ الْأَثِيرِ: لُبَابَ الْأَنْسَابِ 3/49. (¬8) مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬9) ن: أَنَّ هَذَا قَوْلُ. .

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ [أَبِي بَكْرٍ] الْقَفَّالِ (¬1) وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَ [هُوَ قَوْلُ] طَوَائِفَ (¬2) مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَعَدُّوا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو نَصْرٍ السَّجْزِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي السُّنَّةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُهُ أَبُو الْقَاسِمِ سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيُّ (¬3) فِي شَرْحِ قَصِيدَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي السُّنَّةِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ اخْتَارَهُ الرَّازِيُّ فِي آخِرِ مُصَنَّفَاتِهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ (¬4) فِي أَفْعَالِ (¬5) الْعِبَادِ دُونَ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ تَنَازَعَ أَئِمَّةُ الطَّوَائِفِ فِي الْأَعْيَانِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ، فَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ: إِنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، مِثْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ (¬6) ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ (¬7) ، وَأَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ ¬

(¬1) ن: وَالْقَفَّالِ. (¬2) ن: وَطَوَائِفُ. . (¬3) ن: سَعِيدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَأَبُو الْقَاسِمِ سَعْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيُّ، يُنْسَبُ إِلَى بَلْدَةِ زَنْجَانَ مِنْ نَوَاحِي الْجِبَالِ بَيْنَ أَذْرَبِيجَانَ وَبَيْنَهَا، نَزِيلُ الْحَرَمِ كَانَ حَافِظًا ثِقَةً زَاهِدًا، تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ 471 أَوْ فِي آخِرِ سَنَةِ 470. تَرْجَمَتُهُ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/339 - 340؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/1174 - 1178. وَانْظُرْ مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ، مَادَّةَ زَنْجَانَ. (¬4) ن: بِالتَّحْسِينِ وَالْقَبِيحِ الْعَقْلِيِّ؛ ا: بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ. (¬5) ن: فِي فِعْلِ. . . . (¬6) أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُرَيْجٍ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْبَازُ الْأَشْهَبُ، وُلِدَ سَنَةَ 249 وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 306. تَرْجَمَتُهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/247 - 248؛ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/21 - 39؛ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/49 - 51؛ الْأَعْلَامِ 1/178 - 179. (¬7) أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ صَاحِبُ ابْنِ سُرَيْجٍ، انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِبَغْدَادَ، وَمَاتَ بِمِصْرَ سَنَةَ 340. تَرْجَمَتُهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/355 - 356؛ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/7 - 8؛ الْأَعْلَامِ 1/22 - 23.

وَقَالَتْ طَوَائِفُ: إِنَّهَا عَلَى الْحَظْرِ، كَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُلْوَانِيِّ، (¬1) وَغَيْرِهِمْ. مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَوْلَيْنِ لَا يَصِحَّانِ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّ الْعَقْلَ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ، وَإِلَّا فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ حُكْمٌ امْتَنَعَ أَنْ يَصِفَهَا قَبْلَ الشَّرْعِ بِحَظْرٍ أَوْ إِبَاحَةٍ (¬2) كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ، (¬3) وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ (¬4) وَ [أَبُو الْوَفَاءِ] بْنُ عَقِيلٍ، (¬5) وَغَيْرُهُمْ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَنَازَعُوا هَلْ يُوصَفُ اللَّهُ [تَعَالَى] (¬6) بِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ لَا مَعْنَى لِلْوُجُوبِ إِلَّا إِخْبَارُهُ (¬7) بِوُقُوعِهِ، وَلَا لِلتَّحْرِيمِ (¬8) إِلَّا إِخْبَارُهُ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ. ¬

(¬1) أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. الْفَقِيهُ الْحَنْبَلِيُّ الْإِمَامُ، وُلِدَ سَنَةَ 490 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 546 تَرْجَمَتُهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/144؛ الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/221 - 222. (¬2) ن: وَإِبَاحَةٍ. (¬3) ن: وَالْجَزَرِيُّ. وَهُوَ عِزُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْأَثِيرِ الْجَزَرِيُّ، صَاحِبُ الْكَامِلِ فِي التَّارِيخِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 630. تَرْجَمَتُهُ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 4/1399 - 1400؛ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/33 - 35؛ الْأَعْلَامِ 5/153. (¬4) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْرَفِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ، تَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 330. تَرْجَمَتُهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/325؛ اللُّبَابِ فِي تَهْذِيبِ الْأَنْسَابِ 2/66؛ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/186 - 187؛ الْأَعْلَامِ 7/96. (¬5) ن: وَابْنُ عَقِيلٍ. (¬6) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬7) ن: إِلَّا اخْتِيَارُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن: بِالتَّحْرِيمِ. وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يُطْلِقُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ أَوْجَبَ (¬1) عَلَى نَفْسِهِ، وَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ [تَعَالَى] (¬2) {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 54] وَقَوْلِهِ {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الرُّومِ: 47] وَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْإِلَهِيِّ [الصَّحِيحِ] (¬3) " «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا» " (¬4) . وَأَمَّا أَنَّ الْعِبَادَ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ فَمُمْتَنَعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ [كُلِّهِمْ] (¬5) . وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ (¬6) أَوْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَهَذَا الْوُجُوبُ (¬7) وَالتَّحْرِيمُ يُعْلَمُ عِنْدَهُمْ بِالسَّمْعِ، وَهَلْ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ. وَإِذَا كَانَتْ (¬8) هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مَعْرُوفَةً لِأَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ لِأَهْلِ ¬

(¬1) ن: وَاجِبٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬3) الصَّحِيحِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: صَحِيحِ مُسْلِمٍ 4/1994 (كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابِ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1422 (كِتَابِ الزُّهْدِ، بَابِ ذِكْرِ التَّوْبَةِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/67 - 68 (كِتَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابِ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ. .) (وَلَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنَ الْحَدِيثِ فِيهِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/154، 160، 177. (¬5) كُلِّهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬6) عَلَى نَفْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) ن: فَهَذَا الْوُجُوبُ عِنْدَنَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) عِنْدَ عِبَارَةِ " وَإِذَا كَانَتْ " تَعُودُ نُسْخَةُ (م) وَفِيهَا: فَإِذَا كَانَتْ.

الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ (¬1) فَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ امْتَنَعَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مُخِلًّا بِوَاجِبٍ أَوْ فَاعِلًا لِقَبِيحٍ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَا كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا (¬2) يَفْعَلُ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ يُخِلُّ بِوَاجِبٍ أَوْ يَفْعَلُ قَبِيحًا، لَكِنَّ هَذَا الْمُبْتَدِعَ (¬3) سَلَكَ مَسْلَكَ أَمْثَالِهِ فَحَكَى (¬4) عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ عَلَيْهِ [تَعَالَى] (¬5) الْإِخْلَالَ بِالْوَاجِبِ وَفِعْلَ الْقَبِيحِ. وَهَذَا حَكَاهُ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَهُ أَنْ يُخِلَّ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: (6 إِنَّهُ يُخِلُّ بِالْوَاجِبِ، أَيْ مَا هُوَ عِنْدِي وَاجِبٌ. وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ 6) (¬6) : لَا يُقَبَّحُ مِنْهُ شَيْءٌ. فَقَالَ: إِنَّهُمْ جَوَّزُوا عَلَيْهِ فِعْلَ الْقَبِيحِ، (7 أَيْ: فِعْلَ مَا هُوَ قَبِيحٌ عِنْدَهُمْ 7) (¬7) أَوْ فِعْلَ مَا هُوَ قَبِيحٌ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. فَهَذَا نَقْلٌ عَنْهُمْ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ الَّذِي اعْتَقَدُوهُ (¬8) . ¬

(¬1) مِنَ الْأَئِمَّةِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) ا، ب: فَلَا. (¬3) ا، ب: الْمُبْدِعُ. (¬4) ا، ب: يَحْكِي. (¬5) ا: عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَسَقَطَتْ تَعَالَى مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬7) (7 - 7) بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ جَاءَ فِي (ن) ، (م) : أَيْ مَا هُوَ عِنْدِي قَبِيحٌ. (¬8) ا، ب: بِطَرِيقِ اللُّزُومِ الَّذِي اعْتَقَدَهُ.

فصل الرد على قول الرافضي إن الله لا يفعل لغرض ولا حكمة

وَأَيْضًا، فَأَهْلُ السُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ بِالْقَدَرِ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّ الْهُدَى بِفَضْلٍ مِنْهُ. وَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ بِكُلِّ عَبْدٍ مَا يَظُنُّونَهُ هُمْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ضِدُّ ذَلِكَ، فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ وَيُحَرِّمُونَ [عَلَيْهِ] (¬1) أَشْيَاءَ، وَهُوَ لَمْ يُوجِبْهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُلِمَ وُجُوبُهَا بِشَرْعٍ وَلَا عَقْلٍ، ثُمَّ يَحْكُونَ عَنْ (¬2) مَنْ لَمْ يُوجِبْهَا أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُخِلُّ بِالْوَاجِبِ، وَهَذَا تَلْبِيسٌ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ وَتَحْرِيفٌ لَهُ. [وَأَصْلُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ تَشْبِيهُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ فِي الْأَفْعَالِ، فَيَجْعَلُونَ مَا حَسُنَ مِنْهُ حَسُنَ مِنَ الْعَبْدِ، وَمَا قَبُحَ مِنَ الْعَبْدِ قَبُحَ مِنْهُ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ بَاطِلٌ] (¬3) . [فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إن الله لا يفعل لغرض ولا حكمة] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ لِغَرَضٍ، بَلْ كُلُّ أَفْعَالِهِ لَا لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ وَلَا لِحِكْمَةِ أَلْبَتَّةَ (¬4) ". ¬

(¬1) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ا، ب: يَحْكُمُونَ عَلَى. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ وَسَقَطَتْ بَعْضُ كَلِمَاتِهِ مِنْ (م) . (¬4) انْظُرْ مَا سَبَقَ ص 125. وَفِي هَامِشِ (ا) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ: (فِي التَّعْلِيلِ) .

فَيُقَالُ لَهُ: أَمَّا تَعْلِيلُ أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ بِالْحِكْمَةِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، وَالنِّزَاعُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ التَّعْلِيلُ. وَأَمَّا فِي الْأُصُولِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِالتَّعْلِيلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْبَاهُ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ الْحِكْمَةِ وَالتَّعْلِيلِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ الْغَرَضِ فَالْمُعْتَزِلَةُ تُصَرِّحُ، بِهِ وَهُمْ مِنَ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ] (¬1) . وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ وَنَحْوُهُمْ فَهَذَا اللَّفْظُ يُشْعِرُ عِنْدَهُمْ بِنَوْعٍ مِنَ النَّقْصِ: إِمَّا ظُلْمٌ وَإِمَّا حَاجَةٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ إِذَا قَالَ: فُلَانٌ لَهُ غَرَضٌ فِي هَذَا، أَوْ فَعَلَ هَذَا لِغَرَضِهِ، أَرَادُوا أَنَّهُ فَعَلَهُ لِهَوَاهُ وَمُرَادِهِ الْمَذْمُومِ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. فَعَبَّرَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِلَفْظِ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ النَّصُّ. [وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ الْغَرَضِ أَيْضًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَفْعَلُ لِغَرَضٍ، كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ] (¬2) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ يَفْعَلُ الظُّلْمَ وَالْعَبَثَ " (¬3) . فَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا هُوَ ظُلْمٌ (¬4) مِنْهُ وَلَا عَبَثٌ مِنْهُ. تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) انْظُرْ ص 123. (¬4) مِنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

بَلِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ] (¬1) . يَقُولُونَ: إِنَّهُ خَلَقَ أَفْعَالَ عِبَادِهِ، فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَشْيَاءِ، وَمِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ مُضِرٌّ لِبَعْضِ النَّاسِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْأَفْعَالُ (¬2) الَّتِي هِيَ ظُلْمٌ مِنْ فَاعِلِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظُلْمًا مِنْ خَالِقِهَا، كَمَا أَنَّهُ إِذَا خَلَقَ فِعْلَ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ صَوْمٌ لَمْ يَكُنْ هُوَ صَائِمًا، وَإِذَا خَلَقَ فِعْلَهُ الَّذِي هُوَ طَوَافٌ لَمْ يَكُنْ هُوَ طَائِفًا، وَإِذَا خَلَقَ فِعْلَهُ الَّذِي هُوَ رُكُوعٌ وَسُجُودٌ لَمْ يَكُنْ هُوَ رَاكِعًا وَلَا سَاجِدًا (¬3) ، وَإِذَا خَلَقَ جُوعَهُ وَعَطَشَهُ لَمْ يَكُنْ جَائِعًا وَلَا عَطْشَانًا؛ فَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا خَلَقَ فِي مَحَلٍّ صِفَةً أَوْ فِعْلًا لَمْ يَتَّصِفْ هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَلَا ذَلِكَ الْفِعْلِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاتَّصَفَ بِكُلِّ مَا خَلَقَهُ مِنَ الْأَعْرَاضِ. وَلَكِنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ زَلَّتْ فِيهِ الْجَهْمِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ إِلَّا مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِعْلٌ إِلَّا مَا كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَلَا (¬4) يَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ لَا فِعْلٌ وَلَا قَوْلٌ، وَجَعَلُوا (¬5) كَلَامَهُ الَّذِي يُكَلِّمُ (¬6) بِهِ مَلَائِكَتَهُ وَعِبَادَهُ، وَالَّذِي كَلَّمَ بِهِ مُوسَى، وَالَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عِبَادِهِ، هُوَ مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ (¬7) : الصِّفَةُ إِذَا قَامَتْ بِمَحَلٍّ عَادَ حُكْمُهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬2) ن، م: وَمِنْ ذَلِكَ يَقُولُونَ الْأَفْعَالُ. . . (¬3) ن، م: لَمْ يَكُنْ رَاكِعًا وَسَاجِدًا. (¬4) ن، م: وَلَا. (¬5) ن، م: وَجَعَلَ. (¬6) ا: تَكَلَّمَ؛ ب: كَلَّمَ. (¬7) ا، ب: فَقِيلَ لَهُمْ.

لَا عَلَى غَيْرِهِ (¬1) فَإِذَا خَلَقَ حَرَكَةً فِي مَحَلٍّ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِهَا لَمْ يَكُنِ الْمُتَحَرِّكُ بِهَا هُوَ الْخَالِقُ لَهَا. وَكَذَلِكَ إِذَا خَلَقَ لَوْنًا أَوْ رِيحًا أَوْ عِلْمًا أَوْ قُدْرَةً فِي مَحَلٍّ، كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْمُتَلَوِّنُ بِذَلِكَ اللَّوْنِ، الْمُتَرَوِّحُ بِتِلْكَ الرِّيحِ، الْعَالِمُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ، الْقَادِرُ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ. فَكَذَلِكَ إِذَا خَلَقَ كَلَامًا فِي مَحَلٍّ، كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ (¬2) هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ كَلَامًا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا لِخَالِقِهِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} [سُورَةُ طه: 14] كَلَامَ الشَّجَرَةِ لَا كَلَامَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَخْلُوقًا. وَاحْتَجَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَأَتْبَاعُهُمُ الشِّيعَةُ (¬3) عَلَى ذَلِكَ بِالْأَفْعَالِ، فَقَالَتْ: كَمَا أَنَّهُ عَادِلٌ مُحْسِنٌ بِعَدْلٍ وَإِحْسَانٍ يَقُومُ بِغَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ هُوَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِغَيْرِهِ. وَكَانَ هَذَا حُجَّةً عَلَى مَنْ سَلَّمَ الْأَفْعَالَ لَهُمْ كَالْأَشْعَرِيِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ فِعْلٌ يَقُومُ بِهِ، بَلْ يَقُولُ: الْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ لَا غَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ أَوَّلُ قَوْلَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى. لَكِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ يَقُولُونَ: الْخَلْقُ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي (¬4) ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ (¬5) \ 248. عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ (¬6) ¬

(¬1) ن، م: لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) عِبَارَةُ " ذَلِكَ الْمَحَلُّ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) ب: الْمُعْتَزِلَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ لِلشِّيعَةِ؛ ن، م: الْمُعْتَزِلَةُ وَالشِّيعَةُ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ا) . (¬4) ا، ب: وَالَّذِي. (¬5) أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ، الْمَعْرُوفُ بِالْفَرَّاءِ، الْبَغَوِيُّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْمُحَدِّثُ الْمُفَسِّرُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 510. تَرْجَمَتُهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/402؛ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 7 - 80؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 4/1257؛ الْأَعْلَامِ 2 (¬6) ن، م: وَذَكَرَهُ.

أَبُو بَكْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ عَنِ الصُّوفِيَّةِ فِي كِتَابِ التَّعَرُّفِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ التَّصَوُّفِ (¬1) ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنِ حَامِدٍ، وَابْنِ شَاقْلَا (¬2) ، وَغَيْرِهِمْ (¬3) ، [وَهُوَ] آخِرُ قَوْلَيِ الْقَاضِي [أَبِي يَعْلَى] (¬4) ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ (¬5) أَصْحَابِهِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ ابْنِهِ (¬6) وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْقَوْلَ الْآخَرَ (¬7) طَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَابْنِ عَقِيلٍ وَنَحْوِهِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ [وَنَحْوِهِ] (¬8) ، وَهُوَ مَعَ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ ¬

(¬1) ن: التَّعْرِيفُ لِأَهْلِ التَّصَوُّفِ؛ م، ا، ب: التَّعَرُّفُ لِمَذْهَبِ التَّصَوُّفِ. وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبُخَارِيُّ الْكَلَابَاذِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 380، صَاحِبُ كِتَابِ " التَّعَرُّفِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ التَّصَوُّفِ " وَقَدْ نَشَرَهُ الْأُسْتَاذُ آرْثَرْ جُونْ آرْبِرِي، الْقَاهِرَةَ، 1352/1933، ثُمَّ نُشِرَ بِتَحْقِيقِ د. عَبْدِ الْحَلِيمِ مَحْمُودْ وَالْأُسْتَاذِ طه سُرُورْ، ط. عِيسَى الْحَلَبِيِّ، 1380/1960. وَانْظُرْ عَنِ الْكَلَابَاذِيِّ: الْأَعْلَامَ 6/184. وَالْقَوْلُ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَةَ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ص 38. (¬2) ا، ب: أَبِي الْحَسَنِ بْنِ شَاقْلَا، وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ الْكُنْيَةُ قَدْ أَخْطَأَ النَّاسِخُ فِي كِتَابَتِهَا. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ شَاقْلَا، أَبُو إِسْحَاقَ الْبَزَّارُ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 369. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/128 - 139؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/68؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ 6/17؛ الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 2/351. (¬3) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَآخِرُ قَوْلَيِ الْقَاضِي. (¬5) ن (فَقَطْ) : بَعْضِ. (¬6) ا، ب: كَأَبَى الْحَسَنِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ أَبِي يَعْلَى الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 526، مُؤَلِّفُ كِتَابَ " طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/79؛ الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/176 - 178؛ الْأَعْلَامِ 7/249؛ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، ص 529. (¬7) ن (فَقَطْ) : الْأَوَّلَ. (¬8) وَنَحْوِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ فِعْلٌ لِلَّهِ تَعَالَى (¬1) ، إِذْ كَانَ فِعْلُهُ عِنْدَهُ هُوَ مَفْعُولُهُ (¬2) ، فَجَعَلَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ فِعْلًا لِلَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ: هِيَ فِعْلُهُمْ - فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ - إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، بَلْ قَالَ: هِيَ كَسْبُهُمْ. وَفَسَّرَ الْكَسْبَ بِأَنَّهُ مَا يَحْصُلُ (¬3) فِي مَحَلِّ الْقُدْرَةِ الْمُحْدِثَةِ مَقْرُونًا بِهِ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ [طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ] (¬4) مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَأَكْثَرُ النَّاسِ طَعَنُوا فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَقَالُوا: عَجَائِبُ الْكَلَامِ ثَلَاثَةٌ: طَفْرَةُ النَّظَّامِ، وَأَحْوَالُ أَبِي هَاشِمٍ، وَكَسْبُ الْأَشْعَرِيِّ. وَأُنْشِدَ فِي ذَلِكَ: مِمَّا يُقَالُ وَلَا حَقِيقَةَ تَحْتَهُ ... مَعْقُولَةٌ تَدْنُو إِلَى الْأَفْهَامِ الْكَسْبُ عِنْدَ الْأَشْعَرِي وَالْحَالُ عِنْدَ الْبَهْشَمِي (¬5) وَطَفْرَةُ النَّظَّامِ (¬6) . وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَيَقُولُونَ: [إِنَّ] (¬7) أَفْعَالَ الْعِبَادِ فِعْلٌ لَهُمْ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلْأَشْعَرِيِّ. وَيَقُولُ جُمْهُورُهُمُ الَّذِينَ (¬8) يُفَرِّقُونَ بَيْنَ ¬

(¬1) ن: إِنْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ فِعْلًا لِلَّهِ تَعَالَى؛ ب: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ هِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬2) ن، م: إِذْ كَانَ فِعْلُهُ عَنْهُمْ هُوَ مَفْعُولُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ا، ب: مَا حَصَلَ. (¬4) مِنَ الْفُقَهَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬5) ا، ب، م: الْهَاشِمِيِّ. (¬6) فِي هَامِشٍ (ا) كُتِبَ أَمَامَ الْمَوْضِعِ عِبَارَاتٌ ظَهَرَ مِنْهَا ". . النَّظَّامُ أَنَّ الْقَاطِعَ لِلشَّيْءِ يَقْطَعُ بَعْضَهُ وَيَطْفِرُ بَعْضَهُ. . . أَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ زَعَمَ أَنَّ الْأَحْوَالَ لَا مَعْلُومَةً وَلَا مَجْهُولَةً وَلَا مَوْجُودَةً وَلَا مَعْدُومَةً. . مَذْكُورَةٌ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ. . فِي مَحَلِّهِ. الْفَقِيرُ نُعْمَانُ ". (¬7) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬8) ن، م: وَيَقُولُ جُمْهُورُ الَّذِينَ. . .

فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن الله تعالى لا يفعل الأصلح

الْخَلْقِ وَالْمَخْلُوقِ: إِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَمُفْعُولَةٌ لَهُ، لَيْسَتْ هِيَ نَفْسُ فِعْلِهِ وَخَلْقِهِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ. فَهَذِهِ الشَّنَاعَاتُ الَّتِي يَذْكُرُهَا هَؤُلَاءِ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا تُرَدُّ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمُثْبِتَةِ كَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ. فَقَوْلُهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَفْعَلُ الظُّلْمَ وَالْعَبَثَ، إِنْ أَرَادَ مَا هُوَ مِنْهُ ظُلْمٌ وَعَبَثٌ فَهَذَا [مِنْهُ] (¬1) فِرْيَةٌ عَلَيْهِمْ (¬2) وَإِنْ قَالَهُ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ فَهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ لَهُ أَنَّهُ ظُلْمٌ، وَلَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الظُّلْمِ نِزَاعٌ قَدْ (¬3) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ. وَإِنْ أَرَادَ مَا هُوَ ظُلْمٌ وَعَبَثٌ مِنَ الْعَبْدِ، فَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ (¬4) اللَّهِ يَخْلُقُهُ، وَجُمْهُورُهُمْ لَا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الظُّلْمَ وَالْعَبَثَ فِعْلُ اللَّهُ (¬5) ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فِعْلُ الْعَبْدِ لَكِنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ، كَمَا أَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ هُوَ سَمْعَ الْحَقِّ وَلَا بَصَرَهُ وَلَا قُدْرَتَهُ. [فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن الله تعالى لا يفعل الأصلح] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: [إِنَّهُ] (¬6) لَا يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ ¬

(¬1) مِنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬2) عَلَيْهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) . (¬3) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) . (¬4) ن، م: لَا مَحْذُورَ فِيهِ فِي كَوْنِ. . . (¬5) ن، م: فِعْلُ اللَّهِ. (¬6) إِنَّهُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .

لِعِبَادِهِ بَلْ مَا هُوَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ (¬1) الْمَعَاصِي وَأَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ الْوَاقِعَةِ فِي الْعَالَمِ مُسْنَدَةٌ إِلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. يُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ وَإِنْ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، فَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ مُتَكَلِّمِي الشِّيعَةِ أَيْضًا. وَأَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورُهُمْ لَا يَقُولُونَ مَا ذُكِرَ، بَلِ الَّذِي (¬2) يَقُولُونَهُ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مُلْكِهِ وَخَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ شَيْءٌ، وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَيَوَانِ، فَهُوَ خَالِقٌ لِعِبَادَاتِ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَسَائِرِ حَرَكَاتِ الْعِبَادِ. وَالْقَدَرِيَّةُ يَنْفُونَ عَنْ مُلْكِهِ خِيَارَ مَا فِي مُلْكِهِ، وَهُوَ طَاعَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ (¬3) فَيَقُولُونَ: لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ فِيهَا، وَلَا يُلْهِمَهُ إِيَّاهَا، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا فَاعِلًا لَهَا. وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128] فَطَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُسْلِمًا لِلَّهِ (¬4) وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ أُمَّةً مُسْلِمَةً لَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ الْفَاعِلَ فَاعِلًا. وَقَالَ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 40] ، فَقَدْ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ [تَعَالَى] أَنْ (¬5) \ 3 461 3 يَجْعَلَهُ مُقِيمَ الصَّلَاةِ، فَعُلِمَ ¬

(¬1) ن، م، أ، ب: كَفِعْلِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ، وَهُوَ مَا جَاءَ مِنْ قَبْلُ (ص 125) وَمَا ذُكِرَ فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ ". (¬2) أ، ب: الَّذِينَ. وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أ، ب: الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ. (¬4) لِلَّهِ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: فَطَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ. . .

أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الْمُصَلِّيَ (¬1) مُصَلِّيًا. وَقَدْ أَخْبَرَ عَنِ الْجُلُودِ وَالْجَوَارِحِ إِخْبَارَ مُصَدِّقٍ لَهَا أَنَّهَا قَالَتْ: {أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 21] فَعُلِمَ أَنَّهُ يُنْطِقُ جَمِيعَ النَّاطِقِينَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِعِبَادِهِ أَوْ لَا يُرَاعِي مَصَالِحَ الْعِبَادِ، فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ. فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا: خَلْقُهُ وَأَمْرُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَصْلَحَةٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْجَهْمِ (¬2) وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ، وَأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ مَصْلَحَةٌ [عَامَّةٌ] (¬3) لِمَنْ فَعَلَهُ، وَأَنَّ إِرْسَالَهُ الرُّسُلَ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ لِمَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ (¬4) فَهُوَ عِنْدَهُ [مَوْضُوعٌ] (¬5) فَوْقَ الْعَرْشِ: " «إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬6) . ¬

(¬1) أ، ب: الْعَبْدَ. (¬2) أ، ب: الْجَهْمِيَّةِ. . (¬3) عَامَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: كَتَبَ كِتَابًا. (¬5) مَوْضُوعٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 137. وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 9/120 - 121 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ. .) 9/125 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. . .) 9/135 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ) . وَاخْتَلَفَ أَوَّلُ الْحَدِيثِ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ. . أَوْ. . إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ. . أَوْ لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ.

فَهُمْ يَقُولُونَ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَصْلَحَةٌ لِكُلِّ فَاعِلٍ وَتَارِكٍ، وَأَمَّا نَفْسُ الْأَمْرِ وَإِرْسَالُ الرُّسُلِ فَمَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ (¬1) لِلْعِبَادِ وَإِنْ تَضَمَّنَ شَرًّا لِبَعْضِهِمْ، وَهَكَذَا سَائِرُ مَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ تَغْلِبُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْمَنْفَعَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ ضَرَرٌ لِبَعْضِ النَّاسِ فَلِلَّهِ فِي ذَلِكَ (¬2) حِكْمَةٌ أُخْرَى. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ، [وَطَوَائِفَ مِنْ] أَهْلِ الْكَلَامِ (¬3) - غَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ - مِثْلِ الْكَرَامِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ مَا يَخْلُقُهُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ لِبَعْضِ النَّاسِ، أَوْ هُوَ سَبَبُ ضَرَرٍ - كَالذُّنُوبِ - فَلَا بُدَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ حِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ لِأَجْلِهَا خَلَقَهَا اللَّهُ، وَقَدْ غَلَبَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا مُجَرَّدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ، فَبَيَّنَّا مَا فِي ذَلِكَ النَّقْلِ مِنَ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ. فَإِنَّ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ شُيُوخِهِ الرَّافِضَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَصْحَابِ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي هَاشِمٍ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ ذَكَرُوا ذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ (¬4) خُصُوصًا، فَإِنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ وَبَعْضَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ وَافَقُوا الْجَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ فِي الْجَبْرِ، وَإِنْ نَازَعُوهُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ نِزَاعًا لَفْظِيًّا أَتَوْا بِمَا لَا يُعْقَلُ، لَكِنْ لَا يُوَافِقُونَهُ ¬

(¬1) عَامَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: فَفِيهِ فِي ذَلِكَ. (¬3) ن، م: وَالتَّصَوُّفِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ. . (¬4) أ، ب: الْأَشْعَرِيِّ.

عَلَى قَوْلِهِ \ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ بَلْ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ؛ فَلِهَذَا (¬1) بَالَغُوا فِي مُخَالَفَةِ (¬2) الْمُعْتَزِلَةِ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ حَتَّى نُسِبُوا إِلَى الْجَبْرِ، وَأَنْكَرُوا الطَّبَائِعَ وَالْقُوَى الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ أَوْ سَبَبٌ فِي الْحَوَادِثِ (¬3) أَوْ يُقَالُ: فَعَلَ بِهَا، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِلْمَخْلُوقَاتِ حِكْمَةٌ وَعِلَّةٌ (¬4) . وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يَفْعَلُ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ لِعِبَادِهِ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ. وَهُمْ لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ [لَا] يَفْعَلُ مَصْلَحَةً مَا (¬5) فَإِنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ (¬6) لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ وُقُوعُهُ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِأَجْلِ شَيْءٍ وَلَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا اقْتَرَنَ هَذَا بِهَذَا لِإِرَادَتِهِ لِكِلَيْهِمَا (¬7) ، فَهُوَ يَفْعَلُ أَحَدَهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ لَا بِهِ وَلَا لِأَجْلِهِ (¬8) ، وَالِاقْتِرَانُ بَيْنَهُمَا (¬9) مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ لَا لِكَوْنِ (¬10) أَحَدِهِمَا سَبَبًا لِلْآخَرِ وَلَا حِكْمَةً لَهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ لَامُ تَعْلِيلٍ. ¬

(¬1) أ، ب: فَكَذَا. (¬2) ن، م: فِي خِلَافِ. (¬3) ن، م: الْحَيَوَانِ. (¬4) وَعِلَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن: إِنَّهُ يَفْعَلُ مَصْلَحَةً مَا؛ م: إِنَّهُ يَفْعَلُ مَصْلَحَةً؛ أ، ب: إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَصْلَحَةً. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ. (¬6) أ، ب: هَذَا. (¬7) ن، م، أ: لِكِلَاهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) أ، ب: لَا بِهِ وَلِأَجْلِهِ. (¬9) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: بِهِمَا. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ. (¬10) أ، ب: يَكُونُ.

وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى هَذَا فِي كُتُبِ الْكَلَامِ، يَقُولُونَ بِضِدِّ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَأَدِلَّةِ الْفِقْهِ، وَكَلَامُهُمْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ تَارَةً يُوَافِقُ هَؤُلَاءِ وَتَارَةً يُوَافِقُ هَؤُلَاءِ. لَكِنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ وَغَيْرِهِمْ يُثْبِتُونَ الْقَدَرَ، [وَيُثْبِتُونَ] الْحِكْمَةَ [أَيْضًا] وَالرَّحْمَةَ (¬1) وَأَنَّ لِفِعْلِهِ غَايَةً مَحْبُوبَةً وَعَاقِبَةً مَحْمُودَةً، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَفِي الْجُمْلَةِ لَمْ تُثْبِتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالشِّيعَةُ نَوْعًا مِنَ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ، إِلَّا وَقَدْ أَثْبَتَ أَئِمَّةُ أَهْلِ (¬2) السُّنَّةِ مَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْ ذَلِكَ وَأَجَلُّ مِنْهُ، مَعَ إِثْبَاتِهِمْ قُدْرَةَ اللَّهِ التَّامَّةَ وَمَشِيئَتَهُ النَّافِذَةَ وَخَلْقَهُ الْعَامَّ (¬3) . هَؤُلَاءِ لَا يُثْبِتُونَ هَذَا، وَمُتَكَلِّمُو الشِّيعَةِ الْمُتَقَدِّمُونَ كَالْهِشَامَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (¬4) كَانُوا يُثْبِتُونَ الْقَدَرَ، كَمَا يُثْبِتُهُ غَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ الزَّيْدِيَّةُ مِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْفِيهِ. فَالشِّيعَةُ فِي الْقَدَرِ عَلَى قَوْلَيْنِ، كَمَا أَنَّ الْمُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ [فِي الْقَدَرِ] (¬5) عَلَى قَوْلَيْنِ. فَلَا يُوجَدُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ إِلَّا وَفِي الشِّيعَةِ مَنْ يَقُولُهُ وَيَقُولُ ¬

(¬1) ن، م: الْقَدَرَ وَالْحِكْمَةَ وَالرَّحْمَةَ. (¬2) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن (فَقَطْ) : الْعَالَمَ. (¬4) ن، م: كَالْهِشَامِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ؛ أ: كَالْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرِهِمَا. (¬5) فِي الْقَدَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن المطيع لا يستحق ثوابا والعاصي لا يستحق عقابا

مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَلَا يُوجَدُ لِلشِّيعَةِ (¬1) قَوْلٌ قَوِيٌّ إِلَّا وَفِي أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَقُولُهُ وَيَقُولُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ (¬2) يُوجَدَ لِلشِّيعَةِ قَوْلٌ قَوِيٌّ لَمْ يَقُلْهُ [أَحَدٌ مِنْ] (¬3) أَهْلِ السُّنَّةِ. فَثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ أَوْلَى بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْهُمْ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى بِكُلِّ خَيْرٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. [فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْمُطِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابًا وَالْعَاصِيَ لَا يَسْتَحِقُّ عِقَابًا] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: " إِنَّ الْمُطِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابًا، وَالْعَاصِيَ لَا يَسْتَحِقُّ عِقَابًا، بَلْ قَدْ يُعَذِّبُ الْمُطِيعَ طُولَ عُمْرِهِ الْمُبَالِغَ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ كَالنَّبِيِّ، وَيُثِيبُ الْعَاصِيَ طُولَ عُمْرِهِ بِأَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَأَبْلَغِهَا كَإِبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ (¬4) ". فَهَذَا (¬5) فِرْيَةٌ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ نَبِيًّا وَلَا مُطِيعًا، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُثِيبُ إِبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ (¬6) [بَلْ] (¬7) وَلَا يُثِيبُ عَاصِيًا عَلَى مَعْصِيَتِهِ؛ لَكِنْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ ¬

(¬1) ن، م: فِي الشِّيعَةِ. (¬2) عِبَارَةُ " يُتَصَوَّرُ أَنْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أَحَدٌ مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) انْظُرْ مَا سَبَقَ ص [0 - 9] 25 - 126. (¬5) أ، ب: فَهَذِهِ. (¬6) ن: فِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ. (¬7) بَلْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

الْمُذْنِبِ (¬1) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ يُخْرِجُ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مِنَ النَّارِ فَلَا يُخَلِّدُ فِيهَا أَحَدًا مِنْ (¬2) أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَيُخْرِجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ. وَالْإِمَامِيَّةُ تُوَافِقُهُمْ (¬3) عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَحِقُّ بِنَفْسِهِ عَلَى اللَّهِ شَيْئًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى رَبِّهِ شَيْئًا لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُثِيبَ الْمُطِيعِينَ كَمَا وَعَدَ، فَإِنَّهُ صَادِقٌ فِي وَعْدِهِ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الثَّوَابَ يَقَعُ لِإِخْبَارِهِ (¬4) لَنَا بِذَلِكَ. وَأَمَّا إِيجَابُهُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِمْكَانُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ، فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ [التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ] (¬5) . فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ [الْمُطِيعَ] لَا يَسْتَحِقُّ (¬6) ثَوَابًا: إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ هُوَ لَا يُوجِبُ بِنَفْسِهِ عَلَى رَبِّهِ ثَوَابًا (¬7) وَلَا أَوْجَبَهُ (¬8) غَيْرُهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، فَهَكَذَا (¬9) تَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا الثَّوَابَ لَيْسَ أَمْرًا ثَابِتًا مَعْلُومًا وَحَقًّا وَاقِعًا، فَقَدْ أَخْطَأَ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُحِقُّهُ ¬

(¬1) ن، م: الذَّنْبِ. (¬2) أ، ب: فَلَا يَخْلُدُ فِيهَا أَحَدٌ. (¬3) أ: يُوَافِقُوهُمْ؛ ب: يُوَافِقُونَهُمْ. (¬4) ن: بِإِخْبَارِهِ؛ م: بِاخْتِيَارِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: إِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ. (¬7) ثَوَابًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ن: ثَوَابًا وَجَنَّةً؛ م: ثَوَابًا أَوْجَبَهُ. (¬9) ن، م: فَهَذَا يَقُولُ.

بِخَبَرِهِ (¬1) فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُحِقَّهُ (¬2) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ (¬3) يُوجِبْهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَجْعَلْهُ حَقًّا عَلَى نَفْسِهِ كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ [قَدْ] (¬4) تَقَدَّمَ. وَهُوَ بَعْدَ أَنْ وَعَدَ بِالثَّوَابِ، أَوْ أَوْجَبَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ الثَّوَابَ، يَمْتَنِعُ مِنْهُ خِلَافُ خَبَرِهِ، وَخِلَافُ حُكْمِهِ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَخِلَافُ مُوجَبِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى. وَلَكِنْ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ عَذَّبَ مَنْ يَشَاءُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 17] . وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَوْ نَاقَشَ مَنْ نَاقَشَهُ مِنْ خَلْقِهِ يُعَذِّبُهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ " قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [سُورَةُ الِانْشِقَاقِ: 7، 8] فَقَالَ (¬5) : " ذَلِكَ الْعَرْضُ وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» (¬6) . ¬

(¬1) أ، ب: أَنَّهُ هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْهُ بِخَبَرِهِ؛ ن، م: أَنَّ هُوَ لَا مُحِقُّهُ بِخَبَرِهِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْهُ حَقًّا وَاجِبًا عَلَى نَفْسِهِ بِمُجَرَّدِ إِخْبَارِهِ لَنَا بِذَلِكَ. (¬2) أ، ب: لَمْ يَجْعَلْهُ؛ ن: بِحَقِّهِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ (م) . (¬3) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: قَالَ. (¬6) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْبُخَارِيِّ 1/28 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا رَاجَعَ حَتَّى يَعْرِفَهُ) 6/167 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) ؛ مُسْلِمٍ 4/2204 - 2205 (كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ إِثْبَاتِ الْحِسَابِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/47، 48. وَانْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 9/244 - 245 (ط. الْمَعَارِفِ، بِتَحْقِيقِ الْأُسْتَاذِ مَحْمُود مُحَمَّد شَاكِر) وَقَدِ اسْتَوْفَى الْأُسْتَاذُ الْمُحَقِّقُ فِي تَعْلِيقِهِ (ت 5 ص [0 - 9] 44 - 245) الْكَلَامَ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي صِحَاحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، كَمَا أَشَارَ إِلَى مَوَاضِعَ أُخْرَى وَرَدَ فِيهَا فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ وَتَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) أَنَّهُ قَالَ: " «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ ". قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» " (¬2) وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: " «لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ (¬3) أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ (¬4) أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا [لَهُمْ] (¬5) مِنْ أَعْمَالِهِمْ» (¬6) . ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ 7/121 (كِتَابُ الْمَرْضَى، بَابُ تَمَنِّي الْمَرِيضِ الْمَوْتَ) ، 8/98 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ) ؛ مُسْلِمٍ 4/2169 - 2171 فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ (كِتَابُ الْمُنَافِقِينَ، بَابُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1405 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ التَّوَقِّي عَلَى الْعَمَلِ) ؛ سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/305 - 306 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ لَا يُنْجِي أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/192. (¬3) أ، ب: إِنَّ اللَّهَ لَوْ عَذَّبَ. . (¬4) ن: أَوْ أَهْلَ. (¬5) ن، م: خَيْرٌ مِنْ. (¬6) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/185 عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا وَنَصُّهُ فِيهِ:. . . عَنِ ابْنِ الدَّيْلِمِيِّ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ جَبَلُ أُحُدٍ أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/310 - 311 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْقَدَرِ) وَنَصُّهُ فِيهِ:. . عَنِ ابْنِ الدَّيْلِمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي، قَالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ. . . . وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/29 - 30 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي الْقَدَرِ) . وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 1/57 - 58. "

فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن الأنبياء غير معصومين

وَهَذَا قَدْ يُقَالُ لِأَجْلِ الْمُنَاقَشَةِ فِي الْحِسَابِ وَالتَّقْصِيرِ فِي [حَقِيقَةِ] الطَّاعَةِ (¬1) ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ الظُّلْمَ مَقْدُورًا غَيْرَ وَاقِعٍ، وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّ الظُّلْمَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَهْمَا قُدِّرَ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ اللَّهَ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا يَفْعَلُهُ إِلَّا بِحَقٍّ، لَا يَفْعَلُهُ وَهُوَ ظَالِمٌ، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فَقَدْ يَكُونُ ظُلْمًا يَتَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ. [فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إنهم يَقُولُونَ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ] فَصْلٌ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: " إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ غَيْرُ مَعْصُومِينَ " (¬2) فَهَذَا الْإِطْلَاقُ نَقْلٌ بَاطِلٌ عَنْهُمْ. فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ ¬

(¬1) ن: فِي طَاعَتِهِ. (¬2) انْظُرْ مَا سَبَقَ، ص 126.

[تَعَالَى] (¬1) ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ هُوَ الَّذِي يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَخَبَرَهُ (¬2) ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ (¬3) بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْخَطَأِ. وَتَنَازَعُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يَسْتَدْرِكُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُبَيِّنُهُ لَهُ بِحَيْثُ لَا يُقِرُّهُ عَلَى الْخَطَأِ. كَمَا نُقِلَ أَنَّهُ أُلْقِيَ عَلَى لِسَانِهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬4) : تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ (¬5) لَتُرْتَجَى؛ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ إِذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬6) يَنْسَخُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 53] (¬7) . وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ (¬8) قَدْ يَقَعُ مِنْهُمُ الْخَطَأُ (¬9) " ¬

(¬1) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) . (¬2) ب (فَقَطْ) : وَغَيْرُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن (فَقَطْ) : فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ. (¬4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، أ: شَفَاعَتُهَا. (¬6) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) انْظُرْ خَبَرَ الْغَرَانِيقِ وَتَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 17/131 - 134، ط. بُولَاقَ، 1328؛ تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ 5/438 - 442 (ط. الشَّعْبِ) ؛ نَصْبُ الْمَجَانِيقِ لِنَسْفِ قِصَّةِ الْغَرَانِيقِ، لِلشَّيْخِ مُحَمَّد نَاصِر الدِّينِ الْأَلْبَانِيِّ، ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ، دِمَشْقُ، 1372/1952. (¬8) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) انْظُرْ مَا سَبَقَ، ص [0 - 9] 24.

فَيُقَالُ لَهُ: هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ [عَلَى] (¬1) خَطَأٍ فِي الدِّينِ أَصْلًا وَلَا عَلَى فُسُوقٍ (¬2) وَلَا كَذِبٍ، فَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِمْ وَتَبْلِيغِهِمْ عَنِ اللَّهِ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَنْزِيهِهِمْ عَنْهُ. وَعَامَّةُ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا، فَلَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ. كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: كَانَ دَاوُدُ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 222] ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَفْعَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ. وَأَمَّا النِّسْيَانُ وَالسَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ فَذَلِكَ وَاقِعٌ مِنْهُمْ، وَفِي وُقُوعِهِ حِكْمَةُ اسْتِنَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ كَمَا رُوِيَ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ: " «إِنَّمَا أُنَسَّى أَوْ أَنْسَى لِأَسُنَّ» " (¬3) . وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬4) . «وَلَمَّا صَلَّى ¬

(¬1) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: فِسْقٍ. (¬3) الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ 1/100 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: " وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ ". قَالَ الْمُحَقِّقُ: " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنَدًا وَلَا مَقْطُوعًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي الْمُوَطَّأِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مُسْنَدَةً وَلَا مُرْسَلَةً، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ فِي الْأُصُولِ ". (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 1/85 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ:. . . عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي زَادَ أَمْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ: " إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 1/402 - 403 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ لَهُ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/368 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ إِذَا صَلَّى خَمْسًا) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/380 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/212، 6/52 - 53، 102.

بِهِمْ خَمْسًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالُوا: لَهُ [يَا رَسُولَ اللَّهِ] (¬1) أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا» ، [فَقَالَ] الْحَدِيثَ (¬2) . وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَأَشْبَهُوا النَّصَارَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ النَّاسَ بِطَاعَةِ الرُّسُلِ فِيمَا أَمَرُوا بِهِ، وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ، وَنَهَى الْخَلْقَ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، فَبَدَّلَتِ النَّصَارَى دِينَ اللَّهِ، فَغَلَوْا فِي الْمَسِيحِ فَأَشْرَكُوا بِهِ، وَبَدَّلُوا دِينَهُ فَعَصَوْهُ وَعَظَّمُوهُ فَصَارُوا عُصَاةً بِمَعْصِيَتِهِ، وَبَالَغُوا فِيهِ خَارِجِينَ عَنْ أَصْلَيِ الدِّينِ وَهُمَا الْإِقْرَارُ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِرُسُلِهِ بِالرِّسَالَةِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَالْغُلُوُّ أَخْرَجَهُمْ عَنِ التَّوْحِيدِ حَتَّى قَالُوا بِالتَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ، وَأَخْرَجَهُمْ عَنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَتَصْدِيقِهِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ رَبَّهُ وَرَبَّهُمْ، فَكَذَّبُوهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَرَبُّهُمْ (¬3) وَعَصَوْهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ. ¬

(¬1) يَا رَسُولَ اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) فَقَالَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) وَالْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 2/68 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ إِذَا صَلَّى خَمْسًا) ؛ مُسْلِمٍ 1/401 - 402 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/369 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ إِذَا صَلَّى خَمْسًا) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/380 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَهُوَ سَاهٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/193 - 194. (¬3) وَرَبُّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ غَلَوْا فِي الرُّسُلِ، بَلْ فِي الْأَئِمَّةِ، حَتَّى اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَتَرَكُوا عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا الرُّسُلُ، وَكَذَّبُوا الرَّسُولَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ (¬1) مِنْ تَوْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَاسْتِغْفَارِهِمْ، فَتَجِدُهُمْ يُعَطِّلُونَ الْمَسَاجِدَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، فَلَا يُصَلُّونَ فِيهَا جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً، وَلَيْسَ لَهَا عِنْدَهُمْ كَبِيرُ (¬2) حُرْمَةٍ، وَإِنْ صَلَّوْا فِيهَا صَلَّوْا فِيهَا وُحْدَانًا، وَيُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدَ الْمَبْنِيَّةَ (¬3) عَلَى الْقُبُورِ فَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا مُشَابَهَةً لِلْمُشْرِكِينَ، وَيَحُجُّونَ إِلَيْهَا كَمَا يَحُجُّ الْحَاجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْحَجَّ إِلَيْهَا أَعْظَمَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الْكَعْبَةِ، بَلْ يَسُبُّونَ مَنْ لَا يَسْتَغْنِي بِالْحَجِّ إِلَيْهَا عَنِ الْحَجِّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَنْ لَا يَسْتَغْنِي بِهَا عَنِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ دِينِ النَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ عَلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» " (¬4) . وَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ: «إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا ¬

(¬1) ن، م: الرُّسُلَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ. (¬2) ن، م: كَثِيرُ. (¬3) ن، م: الْميلَامه، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا ن، م: مَا صَنَعُوا. وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْبُخَارِيِّ 1/91 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَامَةِ. .) . وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْبُخَارِيِّ 2/88 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ) 2/88، 102 - 103 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. .) ؛ مُسْلِمٍ 1/376 377 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ فِيهَا، بَابُ النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ. .) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/294 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/33 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ) ، 5/78 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَفِي الْمُوَطَّأِ وَفِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ج [0 - 9] حَدِيثٌ رَقْمُ 1884، ج [0 - 9] 4 حَدِيثٌ رَقْمُ 7818 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى

يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1) . وَقَالَ: " «إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» " رَوَاهُ [الْإِمَامُ] أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ (¬2) فِي صَحِيحِهِ (¬3) وَقَالَ " «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ". رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ (¬4) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 1/377 - 378 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ. .، بَابُ النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ. . . .) وَنَصُّهُ فِيهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: " إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ". (¬2) أ، ب: رَوَاهُ الْإِمَامُ وَابْنُ حِبَّانَ؛ ن، م: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/324، 6/90، 162. وَصَحَّحَ الْمُحَقِّقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَالَ 5/324: وَهُوَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 2/27 وَقَالَ (أَيِ الْهَيْثَمِيُّ) : " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ " وَهُوَ فِيهِ أَيْضًا 8/13 وَقَالَ: " رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ، فِي أَحَدِهِمَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ " وَجَاءَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . وَهُمْ أَحْيَاءٌ فِي الْبُخَارِيِّ 9/49 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ ظُهُورِ الْفِتَنِ) . (¬4) الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ 1/172 (كِتَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، بَابُ جَامِعِ الصَّلَاةِ) وَنَصُّهُ فِيهِ:. . عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ "، قَالَ الْمُحَقِّقُ: " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ ". وَجَاءَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثَ وَانْظُرْ تَعْلِيقَهُ الْمُطَوَّلَ.

وَقَدْ صَنَّفَ شَيْخُهُمُ ابْنُ النُّعْمَانِ، الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ بِالْمُفِيدِ -[وَهُوَ شَيْخُ الْمُوسَوِيِّ وَالطُّوسِيِّ] (¬1) - كِتَابًا سَمَّاهُ: " مَنَاسِكُ الْمَشَاهِدِ " جَعَلَ قُبُورَ الْمَخْلُوقِينَ تُحَجُّ كَمَا تُحَجُّ [الْكَعْبَةُ] (¬2) الْبَيْتُ الْحَرَامُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ قِيَامًا لِلنَّاسِ، وَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ فَلَا يُطَافُ إِلَّا بِهِ، وَلَا يُصَلَّى إِلَّا إِلَيْهِ (¬3) وَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ إِلَّا بِحَجِّهِ (¬4) . وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَمْرِ الْمَشَاهِدِ، وَلَا شَرَعَ لِأُمَّتِهِ مَنَاسِكَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، بَلْ هَذَا مِنْ دِينِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [سُورَةُ نُوحٍ: 23] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [وَغَيْرُهُ] : (¬5) هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ فِي ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ الْمُفِيدِ وَالْمُوسَوِيِّ وَالطُّوسِيِّ فِيمَا سَبَقَ، ص 56 ت [0 - 9] ، 3، 4. (¬2) الْكَعْبَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: إِلَّا لَهُ. (¬4) أ، ب: وَلَمْ يَأْمُرْ إِلَّا بِحَجِّهِ. (¬5) وَغَيْرُهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

قَوْمِ نُوحٍ لَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، فَصَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ. (¬1) وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬2) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» " (¬3) . [وَقَدْ ثَبَتَ فِي] صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ (¬4) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ [لِي] (¬5) عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتُهُ، وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتُهُ» (¬6) . فَقَرَنَ بَيْنَ طَمْسِ التَّمَاثِيلِ وَتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ الْمُشْرِفَةِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا (¬7) ذَرِيعَةٌ إِلَى ¬

(¬1) الْأَثَرُ مَرْوِيٌّ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ 6/16 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ (إِنَّا أَرْسَلْنَا) . وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِآيَةِ 23 مِنْ سُورَةِ نُوحٍ. (¬2) عِبَارَةُ " فِي الصَّحِيحِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 2/668 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/294 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/257 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْوَطْءِ عَلَى الْقُبُورِ وَالْجُلُوسِ عَلَيْهَا) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/53 (كِتَابُ الْقِبْلَةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى الْقَبْرِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/135. (¬4) ن، م: وَفِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. (¬5) لِي: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 2/666 - 667 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْأَمْرِ بِتَسْوِيَةِ الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/291 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/256 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 4 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ تَسْوِيَةِ الْقُبُورِ إِذَا رُفِعَتْ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/105، 236 - 237. (¬7) ن، م، أ: لِأَنَّ كِلَاهُمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ.

الشِّرْكِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ ذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَقَالَ: " إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ التَّصَاوِيرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " (¬1) . وَاللَّهُ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ (¬2) بِعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَشَاهِدَ. فَالرَّافِضَةُ بَدَّلُوا دِينَ اللَّهِ فَعَمَرُوا الْمَشَاهِدَ، وَعَطَّلُوا الْمَسَاجِدَ، مُضَاهَاةً لِلْمُشْرِكِينَ، وَمُخَالَفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 29] لَمْ يَقُلْ: عِنْدَ كُلِّ مَشْهَدٍ. وَقَالَ: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ - إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 17، 18] وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّمَا يَعْمُرُ (¬3) مَشَاهِدَ اللَّهِ، بَلْ عُمَّارُ الْمَشَاهِدِ يَخْشَوْنَ بِهَا غَيْرَ اللَّهِ وَيَرْجُونَ غَيْرَ اللَّهِ (¬4) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - فِي الْبُخَارِيِّ 1/89 \ 90 - 91 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ. . .، بَابٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْبَيْعَةِ) ، 2/90 - 91 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَبْرِ) ؛ مُسْلِمٍ 1/375 - 376 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ. . .، بَابُ النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ. .) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/51. (¬2) ن، م: فِي كِتَابِهِ أَمَرَ. . (¬3) عِبَارَةُ " إِنَّمَا يَعْمُرُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَيَرْجُونَ غَيْرَهُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 18] وَلَمْ يَقُلْ: وَأَنَّ الْمَشَاهِدَ [لِلَّهِ. وَقَالَ: {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [سُورَةُ الْحَجِّ: 40] وَلَمْ يَقُلْ: وَمَشَاهِدُ] (¬1) . وَقَالَ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ - رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [سُورَةُ النُّورِ 36، 37] (¬2) . وَأَيْضًا فَقَدْ عُلِمَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، بَلْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ (¬3) مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (¬4) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَّعَ لِأُمَّتِهِ عِمَارَةَ الْمَسَاجِدِ بِالصَّلَوَاتِ، وَالِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلِصَلَاةِ الْجُمْعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُشَرِّعْ لِأُمَّتِهِ أَنْ يَبْنُوا عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ وَلَا رَجُلٍ صَالِحٍ (* لَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَلَا غَيْرِهِمْ، لَا مَسْجِدًا (¬5) وَلَا مَشْهَدًا. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - *) (¬6) فِي الْإِسْلَامِ مَشْهَدٌ (6 مَبْنِيٌّ عَلَى قَبْرٍ، وَكَذَلِكَ عَلَى عَهْدِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَأَصْحَابِهِ الثَّلَاثَةِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةَ، لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِمْ مَشْهَدٌ 6) (¬7) مَبْنِيٌّ لَا عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، لَا عَلَى قَبْرِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَلَا عَلَى (¬8) غَيْرِهِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) فِي (أ) ، (ب) : وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. . . الْآيَةَ. (¬3) أ، ب:. . الْمُتَوَاتِرِ وَبِالِاضْطِرَارِ. (¬4) أ، ب: أَنَّ الرَّسُولَ. . (¬5) أ، ب: مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَلَا غَيْرِهِ مَسْجِدًا. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬7) (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) عَلَى: زِيَادَةٌ فِي (ن) .

بَلْ لَمَّا قَدِمَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الشَّامِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَعَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ (¬1) لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ لِوَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُشَارَطَتِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ إِلَى سَرْغٍ (¬2) ، فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَرَّاتِ (¬3) لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمْ يَقْصِدُ السَّفَرَ إِلَى قَبْرِ (¬4) الْخَلِيلِ، وَلَا كَانَ هُنَاكَ مَشْهَدٌ، بَلْ كَانَ هُنَاكَ الْبِنَاءُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْمَغَارَةِ، وَكَانَ مَسْدُودًا (¬5) بِلَا بَابٍ [لَهُ] (¬6) مِثْلَ حُجْرَةِ (¬7) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ هَكَذَا فِي خِلَافَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، إِلَى أَنْ مَلَكَ النَّصَّارَى تِلْكَ الْبِلَادِ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ، فَبَنَوْا ذَلِكَ الْبِنَاءَ وَاتَّخَذُوهُ كَنِيسَةً [وَنَقَبُوا بَابَ الْبِنَاءِ؛ فَلِهَذَا تَجِدُ الْبَابَ مَنْقُوبًا لَا مَبْنِيًّا] (¬8) ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَنْقَذَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ تِلْكَ الْأَرْضَ اتَّخَذَهَا مَنِ اتَّخَذَهَا مَسْجِدًا. بَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ إِذَا رَأَوْا أَحَدًا بَنَى مَسْجِدًا عَلَى قَبْرٍ نَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمَّا ظَهَرَ قَبْرُ دَانْيَالَ بِتُسْتَرَ (¬9) كَتَبَ فِيهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ¬

(¬1) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: هُوَ أَوَّلُ الْحِجَازِ وَآخِرُ الشَّامِ بَيْنَ الْمُغِيثَةِ وَتَبُوكَ مِنْ مَنَازِلِ حَاجِّ الشَّامِ. (¬3) ن، م: الْمَرَاتِبِ. (¬4) ن: قَرْيَةِ. (¬5) أ، ب: مُدَوَّرًا. (¬6) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: حُجَرِ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬9) فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: تُسْتَرُ. . أَعْظَمُ مَدِينَةٍ بِخُوزِسْتَانَ.

إِلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ تَحْفُرَ بِالنَّهَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَبْرًا، وَتَدْفِنُهُ بِاللَّيْلِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لِئَلَّا يَفْتَتِنَ النَّاسُ بِهِ (¬1) . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا رَآهُمْ يَتَنَاوَبُونَ مَكَانًا يُصَلُّونَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَوْضِعَ نَبِيٍّ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاتِّخَاذِ آثَارِ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِيهِ فَلْيُصَلِّ (¬2) وَإِلَّا فَلْيَذْهَبْ. فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا كَانُوا يُحَقِّقُونَ بِهِ التَّوْحِيدَ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ الرَّسُولَ إِلَيْهِمْ، وَيَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ سُنَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْإِسْلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَنْ لَا تَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَأَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَ، لَا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ. فَالنَّصَارَى خَرَجُوا عَنِ الْأَصْلَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمُبْتَدِعُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ النَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمَسِيحَ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ رُسُلٌ شَافَهَهُمُ اللَّهُ بِالْخِطَابِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ. وَالرَّافِضَةُ تَجْعَلُ الْأَئِمَّةَ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَفْضَلَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ ¬

(¬1) هَذِهِ الْوَاقِعَةُ ذَكَرَهَا الطَّبَرِيُّ فِي كَلَامِهِ عَنْ فَتْحِ السُّوسِ فِي حَوَادِثِ السَّنَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ، كَمَا ذَكَرَهَا الْبَلَاذُرِيُّ (أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ) فِي الْكَلَامِ عَنْ فَتْحِ السُّوسِ، ص [0 - 9] 86 (الطَّبْعَةُ الْأُولَى، الْقَاهِرَةُ) 1319/1901. (¬2) ن، م: فَلْيَفْعَلْ.

اعتراض: الغلو موجود في كثير من المنتسبين إلى السنة والرد عليه

الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَغَالِيَتُهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمُ الْإِلَهِيَّةَ كَمَا اعْتَقَدَتْهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ. وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ: إِنَّ الدِّينَ مُسَلَّمٌ لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلُوهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمُوهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَّعُوهُ. (1 وَالرَّافِضَةُ تَزْعُمُ أَنَّ الدِّينَ مُسَلَّمٌ إِلَى الْأَئِمَّةِ، فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلُوهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمُوهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَّعُوهُ 1) (¬1) . وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي غُلُوَّةِ الشِّيعَةِ كَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِإِلَهِيَّةِ الْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ نَسَخَ (¬2) شَرِيعَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَقَالَاتِ الْغَالِيَةِ (¬3) مِنَ الرَّافِضَةِ، فَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أَكْثَرِ الْكُفَّارِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الشِّيعَةِ يَتَظَاهَرُونَ بِمَذَاهِبِهِمْ (¬4) . [اعتراض: الغلو موجود في كثير من المنتسبين إلى السنة والرد عليه] فَإِنْ قِيلَ: مَا وَصَفْتَ بِهِ الرَّافِضَةَ مِنَ الْغُلُوِّ وَالشِّرْكِ وَالْبِدَعِ مَوْجُودٌ كَثِيرٌ مِنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ، فَإِنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ غُلُوًّا فِي مَشَايِخِهِمْ وَإِشْرَاكًا بِهِمْ وَابْتِدَاعًا لِعِبَادَاتٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقْصِدُ قَبْرَ مَنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ: إِمَّا لِيَسْأَلَهُ حَاجَاتِهِ (¬5) وَإِمَّا لِيَسْأَلَ اللَّهَ بِهِ حَاجَةً (¬6) ، وَإِمَّا لِظَنِّهِ أَنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَ قَبْرِهِ أَجْوَبُ مِنْهُ فِي الْمَسَاجِدِ. ¬

(¬1) (1 - 1) مَوْجُودٌ فِي (ن) وَلَكِنْ عَلَيْهِ شَطْبٌ. (¬2) أ، ب: شَيْخٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ب: مِنَ الْمَقَالَاتِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْغَالِيَةِ. (¬4) ن، م: بِمَذْهَبِهِمْ. (¬5) ن، م: حَاجَةً. . (¬6) حَاجَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) .

وَمِنْهُمْ (¬1) مَنْ يُفَضِّلُ زِيَارَةَ قُبُورِ شُيُوخِهِمْ عَلَى الْحَجِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجِدُ عِنْدَ قَبْرِ مَنْ يُعَظِّمُهُ مِنَ الرِّقَّةِ وَالْخُشُوعِ مَا لَا يَجِدُهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجَدُ فِي الشِّيعَةِ. وَيَرْوُونَ أَحَادِيثَ مَكْذُوبَةً مِنْ جِنْسِ أَكَاذِيبِ الرَّافِضَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ: لَوْ أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ ظَنَّهُ بِحَجَرٍ نَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ. وَقَوْلِهِمْ: إِذَا أَعْيَتْكُمُ الْأُمُورُ فَعَلَيْكُمْ بِأَصْحَابِ الْقُبُورِ. وَقَوْلِهِمْ: قَبْرُ فُلَانٍ هُوَ التِّرْيَاقُ الْمُجَرَّبُ. وَيَرْوُونَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِمْ أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِهِ: إِذَا كَانَ لَكَ حَاجَةٌ فَتَعَالَ إِلَى قَبْرِي وَاسْتَغِثْ بِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِي الْمَشَايِخِ مَنْ يَفْعَلُ بَعْدَ مَمَاتِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي حَيَاتِهِ. وَقَدْ يَسْتَغِيثُ الشَّخْصُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ: إِمَّا حَيًّا وَإِمَّا مَيِّتًا، وَرُبَّمَا قَضَى حَاجَتَهُ أَوْ [قَضَى بَعْضَ حَاجَتِهِ] (¬2) ، كَمَا يَجْرِي نَحْوُ ذَلِكَ لِلنَّصَارَى مَعَ شُيُوخِهِمْ، وَلِعُبَّادِ الْأَصْنَامِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ. قِيلَ: هَذَا كُلُّهُ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، وَكُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ فَاعِلُهُ مُنْتَسِبًا إِلَى السُّنَّةِ أَوْ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَلَكِنَّ الْأُمُورَ الْمَذْمُومَةَ الْمُخَالِفَةَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ هِيَ فِي الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي أَهْلِ السُّنَّةِ، [فَمَا يُوجَدُ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ] (¬3) مِنَ الشَّرِّ فَفِي الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَمَا يُوجَدُ فِي الرَّافِضَةِ مِنَ الْخَيْرِ فَفِي أَهْلِ السُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْهُ. ¬

(¬1) أ، ب: وَفِيهِمْ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ: فَمَا يُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِينَ شَرٌّ إِلَّا وَفِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَلَا يُوجَدُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خَيْرٌ إِلَّا وَفِي الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَلِهَذَا يَذْكُرُ سُبْحَانَهُ مُنَاظَرَةَ الْكُفَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ بِالْعَدْلِ، فَإِنْ ذَكَرُوا عَيْبًا فِي الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُبَرِّئْهُمْ مِنْهُ، لَكِنْ يُبَيِّنُ أَنَّ عُيُوبَ الْكُفَّارِ أَعْظَمُ. كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (¬1) : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ثُمَّ قَالَ: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 217] . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ لِأَنَّ سَرِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ذُكِرَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، فَعَابَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬2) . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ - قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 59، 60] (¬3) ، أَيْ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْمَمْسُوخِينَ وَعَبَدَةَ ¬

(¬1) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) انْظُرْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ، وَخَبَرَ مَقْتَلِ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (طَبْعَةُ الْمَعَارِفِ بِتَحْقِيقِ الْأُسْتَاذِ مَحْمُود شَاكِر) 4/299 - 315. (¬3) ن، م: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ. . الْآيَةَ.

الطَّاغُوتِ فَـ: " جَعَلَ " مَعْطُوفٌ عَلَى " لَعَنَ "، لَيْسَ الْمُرَادُ: وَجَعَلَ (¬1) مِنْهُمْ مَنْ عَبَدَ الطَّاغُوتَ، كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَعْنَى لَا يُنَاسِبُهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ ذَمُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِيهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الطَّاغُوتَ، إِذْ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ بِهَذَا لَا ذَمَّ فِيهِ لَهُمْ (¬2) ، بِخِلَافِ جَعْلِهِ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ فَإِنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ وَذَلِكَ خِزْيٌ لَهُمْ (¬3) ، فَعَابَهُمْ بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ بِالشِّرْكِ الَّذِي فِيهِمْ وَهُوَ عِبَادَةُ الطَّاغُوتِ. (¬4) . وَالرَّافِضَةُ فِيهِمْ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ بِالشِّرْكِ مَا يُشْبِهُونَهُمْ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنُّقُولِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُمْسَخُ كَمَا مُسِخَ (¬5) أُولَئِكَ. وَقَدْ صَنَّفَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ [الْمَقْدِسِيُّ] (¬6) كِتَابًا سَمَّاهُ: " النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الْأَصْحَابِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ ¬

(¬1) وَجَعَلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: لَازِمٌ لَهُمْ فِيهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) انْظُرْ وُجُوهَ تَأْوِيلِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 10/433 - 444؛ الْقُرْطُبِيِّ (طَبْعَةُ دَارِ الْكُتُبِ، الْقَاهِرَةُ 1357/1938) ، 6/233 - 236. (¬5) ن، م: كَمَا يُمْسَخُ. (¬6) الْمَقْدِسِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَهُوَ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ، شَيْخُ السُّنَّةِ، ضِيَاءُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ الْمَقْدِسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الصَّالِحِيُّ الْحَنْبَلِيُّ. وُلِدَ سَنَةَ 569، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 643. تَرْجَمْتُهُ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 4/190 - 192؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 5/225 - 226؛ الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 2/236 - 240 (وَذَكَرَ مِنْ كُتُبِهِ، ص [0 - 9] 39: كِتَابَ " النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَصْحَابِ " جُزْءٌ) ؛ الْأَعْلَامِ 7/134.

فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن النبي لم ينص على إمامة أحد وإنه مات عن غير وصية

الذَّمِّ وَالْعِقَابِ " وَذَكَرَ فِيهِ حِكَايَاتٍ (1 مَعْرُوفَةً فِي ذَلِكَ، وَأَعْرِفُ أَنَا حِكَايَاتٍ 1) (¬1) أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهَا هُوَ. وَفِيهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْغُلُوِّ مَا لَيْسَ فِي سَائِرِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ؛ وَلِهَذَا أَظْهَرُ مَا يُوجَدُ الْغُلُوُّ فِي طَائِفَتَيْنِ: فِي النَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ. وَيُوجَدُ أَيْضًا فِي طَائِفَةٍ ثَالِثَةٍ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ الَّذِينَ يَغْلُونَ فِي شُيُوخِهِمْ وَيُشْرِكُونَ بِهِمْ. (¬2) [فَصْلٌ الرد على قول الرافضي إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَنُصَّ عَلَى إِمَامَةِ أَحَدٍ وَإِنَّهُ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ] [النصوص الدالة على استحقاق أبي بكر الخلافة] فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ:. إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنُصَّ عَلَى إِمَامَةِ أَحَدٍ (¬3) وَإِنَّهُ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ (¬4) . فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ هَذَا قَوْلَ جَمِيعِهِمْ، بَلْ قَدْ ذَهَبَتْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَى أَنَّ إِمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ (¬5) ، وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ [مِنَ الْأَئِمَّةِ] (¬6) . ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) ن، م:. . . وَيُشْرِكُونَ بِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬3) ن: وَاحِدٍ. (¬4) انْظُرْ مَا سَبَقَ ص 126. (¬5) فِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ: " مَطْلَبٌ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافَةِ لِأَبِي بَكْرٍ بِالنَّصِّ ". (¬6) مِنَ الْأَئِمَّةِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (¬1) فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ عَنِ [الْإِمَامِ] (¬2) أَحْمَدَ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا ثَبَتَتْ بِالِاخْتِيَارِ (¬3) . قَالَ: " وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ "، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ الْخَفِيِّ وَالْإِشَارَةِ [قَالَ] (¬4) : " وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ " (¬5) وَبَكْرُ بْنُ أُخْتِ عَبْدِ الْوَاحِدِ (¬6) ، وَالْبَيْهَسِيَّةُ مِنَ الْخَوَارِجِ (¬7) . وَقَالَ شَيْخُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ (¬8) : " فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ ¬

(¬1) أ، ب: أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ. (¬2) الْإِمَامِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ب: بِالْإِخْبَارِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) وَقَدْ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ " الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ " الْقِرَاءَةَ الصَّحِيحَةَ، ص 51 - 52، وَانْظُرْ تَعْلِيقَ 2 ص 51. (¬4) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ " الْمُعْتَمَدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ "، ص 410: تَحْقِيقُ د. وَدِيع زَيْدَان حَدَّاد، ط. بَيْرُوتَ 1974: " وَطَرِيقُ ثُبُوتِ الْخِلَافَةِ الِاخْتِيَارُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلَيْسَ طَرِيقُ ثُبُوتِهَا النَّصَّ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ الْخَفِيِّ وَالْإِشَارَةِ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ". (¬6) بَكْرُ ابْنُ أُخْتِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ؛ انْظُرِ الْكَلَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/317 - 318؛ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِرَقِ. ص 129. (¬7) ن، م: الْبَنْهَسِيَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي بَيْهَسٍ الْهَيْصَمِ بْنِ جَابِرٍ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ، انْظُرِ الْكَلَامَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/177 - 182، الْمِلَلُ وَالنِّحَلُ 1/113 - 115. (¬8) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ حَامِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ الْبَغْدَادِيُّ، إِمَامُ الْحَنَابِلَةِ فِي زَمَانِهِ، لَهُ " الْجَامِعُ " فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ وَلَهُ " شَرْحُ الْخِرَقِيِّ "، كَانَ شَيْخًا لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي يَعْلَى فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/176 - 177 (وَانْظُرْ 2/171 - 177، 2/195) تُوُفِّيَ سَنَةَ 403. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/1078 - 1079؛ الْمُنْتَظِمِ 7/263 - 264؛ الْأَعْلَامِ 2/201.

أَبِي بَكْرٍ الْخِلَافَةَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالصَّحَابَةِ فَمِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ". قَالَ: " وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْخِلَافَةِ: هَلْ أُخِذَتْ مِنْ حَيْثُ النَّصِّ أَوِ الِاسْتِدْلَالِ؟ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ بِالنَّصِّ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ ذَلِكَ نَصًّا، وَقَطَعَ الْبَيَانَ عَلَى عَيْنِهِ حَتْمًا. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ الْجَلِيِّ ". قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَالدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ ذَلِكَ بِالنَّصِّ أَخْبَارٌ. مِنْ ذَلِكَ مَا أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: «أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ. فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ: " إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» ". وَذَكَرَ [لَهُ] (¬1) سِيَاقًا آخَرَ (¬2) وَأَحَادِيثَ أُخَرَ. قَالَ: وَذَلِكَ نَصٌّ عَلَى إِمَامَتِهِ ". ¬

(¬1) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 5/5 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا) 9/81 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الِاسْتِخْلَافِ) 9/110 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالدَّلَائِلِ. . .) ؛ مُسْلِمٍ 4/1856 - 1857 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. .) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/82 - 83.

قَالَ: وَحَدِيثُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بِعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» " (¬1) . قَالَ: (¬2) " وَأَسْنَدَ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ (¬3) «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ (¬4) رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا (¬5) مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ (¬6) ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ (¬7) ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» (¬8) " قَالَ: " وَذَلِكَ نَصٌّ فِي الْإِمَامَةِ ". ¬

(¬1) جَاءَ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَحْيَانًا، وَجَاءَ أَحْيَانًا أُخْرَى بِلَفْظِ: " إِنِّي لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ. . . . الْحَدِيثَ. وَالْحَدِيثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/271 - 272 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ مِنْهُ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ "؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/37 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/382، 399، \ 402، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/372. (¬2) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: قَالَ. (¬4) ن، م: بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ. (¬5) ن: عَنْهَا. (¬6) ب (فَقَطْ) : وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ. (¬7) أ، ب: فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ. (¬8) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ: 5/6 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا. . . .) ، 9/38 - 39 (كِتَابُ التَّعْبِيرِ، بَابُ نَزْعِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ حَتَّى يُرْوَى النَّاسُ، بَابُ نَزْعِ الذَّنُوبِ وَالذَّنُوبَيْنِ مِنَ الْبِئْرِ بِضَعْفٍ، بَابُ الِاسْتِرَاحَةِ فِي الْمَنَامِ) ، 9/139 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ. . . قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ. .) ؛ مُسْلِمٍ 4/1860 - 1862 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ. .) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/369 (كِتَابُ الرُّؤْيَا، بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ. . .) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ: 4814، 4972، 5629، 5817، 5859، 16/103 (رَقْمُ 8222) 17/9 - 10 (رَقْمُ 8794) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/450. وَسَيَرِدُ الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص 511) . وَالْقَلِيبُ هِيَ الْبِئْرُ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي 7/38 - 39: " أَنْزِعُ مِنْهَا: أَيْ أَمْلَأُ بِالدَّلْوِ. قَوْلُهُ: فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ: الدَّلْوُ الْكَبِيرُ إِذَا كَانَ فِيهَا الْمَاءُ. . . . " قَوْلُهُ: وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ: أَيْ أَنَّهُ عَلَى مَهَلٍ وَرِفْقٍ. . . قَوْلُهُ: فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا. . . أَيْ دَلْوًا عَظِيمَةً. قَوْلُهُ: فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا. . . الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ بَلَغَ النِّهَايَةَ، وَأَصْلُهُ أَرْضٌ يَسْكُنُهَا الْجِنُّ ضَرَبَ بِهَا الْعَرَبُ الْمَثَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَظِيمٍ. . . قَوْلُهُ: يَفْرِي. . . فَرِيَّهُ. . .: وَمَعْنَاهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ الْبَالِغَ. . . قَوْلُهُ: حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ. . .: هُوَ مُنَاخُ الْإِبِلِ إِذَا شَرِبَتْ ثُمَّ صَدَرَتْ ".

قَالَ: " وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، وَرَوَى عَنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ (¬1) ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا: " «أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا؟ " فَقُلْتُ: أَنَا رَأَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ، فَوُزِنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ فَرَجَحَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ لِمَنْ (¬2) يَشَاءُ» (¬3) ". ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن، م: مَنْ. (¬3) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَرَّتَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأُولَى مِنْهُمَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ أَوَّلُهَا: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ ". . الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/289 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْخُلَفَاءِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/368 - 369 (كِتَابُ الرُّؤْيَا، بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ. . .) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3/70 - 71 (كِتَابُ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) ، 4/394 (كِتَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا) وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَوَّلُهَا بِلَفْظِ " أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا؟ " وَفِيهَا الزِّيَادَةُ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ " وَهِيَ فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/290 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ فِيهِ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ جُدْعَانَ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/44، 50. وَانْظُرِ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/63، 5/376. وَسَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذَا الْجُزْءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (ص 513) .

قَالَ: " وَأَسْنَدَ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ جَابِرٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رَأَى اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ. " قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ (¬2) الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا نَوْطُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ» (¬3) . قَالَ: " وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) الرَّجُلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) الْحَدِيثَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/290 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْخُلَفَاءِ) وَأَوَّلُهُ: " أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ. . . الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْمُحَقِّقُ فِي تَعْلِيقِهِ: إِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/355؛ الْمُسْتَدْرَكُ لِلْحَاكِمِ 3/71 - 72 (كِتَابُ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) وَقَالَ الْحَاكِمُ: " وَلِعَاقِبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ". وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " تَلْخِيصِ الْمُسْتَدْرَكِ " ذَيْلٌ 3: صَحِيحٌ. وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَزِيَادَتِهِ " 1/260 - 261. "

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَوْمَ الَّذِي بُدِئَ (¬1) بِهِ فِيهِ، فَقَالَ: " ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا ". ثُمَّ قَالَ: " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» ". وَفِي لَفْظٍ: " «فَلَا يَطْمَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ طَامِعٌ» ". وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬2) . وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " ادْعِي لِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ لِأَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ " (¬3) . ثُمَّ قَالَ: " مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَخْتَلِفَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَبِي بَكْرٍ» (¬4) ". وَذَكَرَ أَحَادِيثَ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: فِي الصَّحِيحِ. وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمُسْنَدِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَأَقْرَبُ الرِّوَايَاتِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا هِيَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/144 وَنَصُّهَا: " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي. . . عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُدِئَ فِيهِ، فَقُلْتُ: وَارَأْسَاهُ. فَقَالَ: " وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ " قَالَتْ: فَقُلْتُ غَيْرَى: كَأَنِّي بِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَرُوسًا بِبَعْضِ نِسَائِكَ. قَالَ: " وَأَنَا وَارَأْسَاهُ ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَيَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ. قَالَ: " وَأَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ ". وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي الْبُخَارِيِّ 7/119 (كِتَابُ الْمَرْضَى، بَابُ قَوْلِ الْمَرِيضِ: إِنِّي وَجِعٌ. . .) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 10/125: " وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ: " ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجْهِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) 9/80 - 81 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الِاسْتِخْلَافِ) ؛ مُسْلِمٍ 4/1857 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. .) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/47، 106 (وَفِيهَا: لِكَيْلَا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طَامِعٌ. .) . (¬3) النَّاسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ (طَبْعَةُ حَيْدَرَ أَبَادَ، 1321) ، ص [0 - 9] 10 - 211. وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ: دَعِيهِ مَعَاذَ اللَّهِ. . . إِلَخْ.

أدلة ابن حزم على أن الرسول نص على خلافة أبي بكر نصا جليا

تَقْدِيمِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَحَادِيثَ أُخَرَ لَمْ أَذْكُرْهَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِمَّا يُثْبِتُهُ (¬1) أَهْلُ الْحَدِيثِ. [أدلة ابن حزم على أن الرسول نص على خلافة أبي بكر نصا جليا] وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ فِي (¬2) " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " (¬3) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْإِمَامَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ (¬4) طَائِفَةٌ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا (¬5) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: [لَكِنْ] (¬6) لَمَّا اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ (¬7) عَلَى الصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ وَالْخِلَافَةِ عَلَى الْأَمْرِ (¬8) . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا، وَلَكِنْ كَانَ أَبْيَنَهُمْ (¬9) فَضْلًا فَقَدَّمُوهُ لِذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ عَلَى أُمُورِ النَّاسِ نَصًّا جَلِيًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا نَقُولُ لِبَرَاهِينَ، أَحَدُهَا إِطْبَاقُ النَّاسِ كُلُّهُمْ، ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : يُبَيِّنُهُ. (¬2) فِي سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) الْفِصَلُ فِي الْمِلَلِ وَالْأَهْوَاءِ وَالنِّحَلِ " وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي 4/176 تَحْقِيقُ د. مُحَمَّد إِبْرَاهِيم نَصْر، د. عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُمَيْرَة، ط. عُكَاظٍ، الرِّيَاضُ 1/402 \ 1982. (¬4) : ف الْفِصَلُ: قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَتْ. . (¬5) ثُمَّ اخْتَلَفُوا: لَيْسَتْ فِي (ف) . (¬6) لَكِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ف: أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬8) ف: الْأُمُورِ. (¬9) أَبْيَنَهُمْ: كَذَا فِي (م) ، (ف) ، وَفِي (ن) ، (م) ، (أ) : أَثْبَتَهُمْ.

وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8] . فَقَدِ اتَّفَقَ (¬1) هَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَهِدَ اللَّهُ لَهُمْ بِالصِّدْقِ وَجَمِيعُ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنْ سَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ - اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَعْنَى الْخَلِيفَةِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي يَسْتَخْلِفُهُ الْمَرْءُ لَا الَّذِي يَخْلُفُهُ دُونَ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ [هُوَ] (¬2) ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَلْبَتَّةَ فِي اللُّغَةِ بِلَا خِلَافٍ. تَقُولُ: (¬3) اسْتَخْلَفَ فُلَانٌ فُلَانًا يَسْتَخْلِفُهُ فَهُوَ خَلِيفَةٌ (¬4) وَمُسْتَخْلِفُهُ، فَإِنْ قَامَ مَكَانَهُ دُونَ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ (¬5) لَمْ يَقُلْ إِلَّا: خَلَفَ فُلَانٌ فُلَانًا يَخْلُفُهُ فَهُوَ خَالِفٌ. قَالَ (¬6) : " وَمُحَالٌ أَنْ يَعْنُوا بِذَلِكَ الِاسْتِخْلَافَ عَلَى الصَّلَاةِ لِوَجْهَيْنِ ضَرُورَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ (¬7) يَسْتَحِقَّ أَبُو بَكْرٍ قَطُّ (¬8) هَذَا الِاسْمَ عَلَى ¬

(¬1) ف: أَصْفَقَ، وَهِيَ بِمَعْنَى اتَّفَقَ، انْظُرِ اللِّسَانَ، مَادَّةَ: صَفَقَ. (¬2) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَهُوَ فِي (ف) . (¬3) ن، أ: يَقُولُ؛ ب: يُقَالُ. (¬4) أ، ب: خَلِيفَتُهُ. (¬5) ف: يَسْتَخْلِفَهُ هُوَ. (¬6) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬7) م: لَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) قَطُّ: مِنْ (م) . وَفِي (ف) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطُّ.

الْإِطْلَاقِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ حِينَئِذٍ خَلِيفَتُهُ [عَلَى الصَّلَاةِ] (¬2) ، فَصَحَّ [يَقِينًا] (¬3) أَنَّ خِلَافَتَهُ الْمُسَمَّى بِهَا (¬4) هِيَ غَيْرُ خِلَافَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي أَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ كَعَلِيٍّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَسَائِرِ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْبِلَادِ بِالْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَالطَّائِفِ وَغَيْرِهَا، لَمْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ (¬5) أَنْ يُسَمَّى خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬6) ، فَصَحَّ يَقِينًا بِالضَّرُورَةِ الَّتِي لَا مَحِيدَ عَنْهَا أَنَّهَا الْخِلَافَةُ (¬7) بَعْدَهُ عَلَى أُمَّتِهِ. وَمِنَ الْمُحَالِ (¬8) أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ (¬9) لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ نَصًّا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا (¬10) إِلَّا اسْتِخْلَافُهُ فِي الصَّلَاةِ (¬11) لَمْ يَكُنْ (¬12) أَبُو بَكْرٍ أَوْلَى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ (¬13) مِنْ سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا (¬14) ". ¬

(¬1) ن، أ، ب: النَّبِيِّ. (¬2) ن، م، أ، ب: وَهُوَ حِينَئِذٍ خَلِيفَةٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ وَهُوَ الَّذِي فِي (ف) . (¬3) يَقِينًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَهِيَ فِي (ف) . (¬4) ف: هُوَ بِهَا. (¬5) ف 4/177: مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ؛ ن، م: بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. (¬6) ف:. . . . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَسَقَطَتْ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِنْ (ن) . (¬7) ف: لِلْخِلَافَةِ. (¬8) ف: وَمِنَ الْمُمْتَنِعِ. (¬9) ف: وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬10) ن، م: هُنَا. (¬11) ف: اسْتِخْلَافُهُ إِيَّاهُ عَلَى الصَّلَاةِ. (¬12) ف: مَا كَانَ. (¬13) ب: بِهَذَا الِاسْمِ؛ أ: بِهَذَا اسْمِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬14) ف: مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا.

قَالَ (¬1) : " وَأَيْضًا فَإِنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ صَحَّتْ «أَنَّ (¬2) امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعْتُ فَلَمْ (¬3) أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَعْنِي (¬4) الْمَوْتَ. قَالَ: فَأْتَى أَبَا بَكْرٍ» " قَالَ (¬5) : " وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ ". قَالَ (¬6) : " وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخَبَرَ قَدْ جَاءَ مِنَ الطُّرُقِ الثَّابِتَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ (¬7) فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ (¬8) : " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ إِلَى أَبِيكِ وَأَخِيكِ، وَأَكْتُبَ كِتَابًا وَأَعْهَدَ عَهْدًا، لِكَيْلَا (¬9) يَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَحَقُّ، أَوْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» (¬10) . (* وَرُوِيَ (¬11) : «وَيَأْبَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» ] (¬12) *) (¬13) . وَرُوِيَ ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ فِي (ف) بِجُمْلَةٍ هِيَ: " وَهَذَا بُرْهَانٌ ضَرُورِيٌّ نُعَارِضُ بِهِ جَمِيعَ الْخُصُومِ ". (¬2) ف: بِأَنَّ. (¬3) ف: وَلَمْ. (¬4) ف: تُرِيدُ. (¬5) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬6) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬7) ف: لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (¬8) تُوُفِّيَ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬9) ن، م: لِئَلَّا. (¬10) (10 - 10) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬11) وَرُوِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬12) إِلَّا أَبَا بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬13) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ف) فَقَطْ.

[أَيْضًا] (¬1) : «وَيَأْبَى اللَّهُ وَالنَّبِيُّونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» " قَالَ: (¬2) " فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ عَلَى وِلَايَةِ الْأُمَّةِ " بَعْدَهُ. قَالَ (¬3) : " وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: لَمْ يَسْتَخْلِفْ [أَبَا بَكْرٍ] (¬4) بِالْخَبَرِ الْمَأْثُورِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ (¬5) ، أَنَّهُ قَالَ: إِنِ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - وَإِلَّا أَسْتَخْلِفْ فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] (¬6) إِذْ (¬7) سُئِلَتْ: مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ؟ (¬8) ". ¬

(¬1) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬3) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ (ف) بِثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ. (¬4) (أَبَا بَكْرٍ) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ 9/81 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الِاسْتِخْلَافِ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1454 - 1455 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ الِاسْتِخْلَافِ وَتَرْكِهِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/184 (كِتَابُ الْخِرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابُ الْخَلِيفَةِ يُسْتَخْلَفُ) : سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 3/341 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِلَافَةِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/284، 323، 333. (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: أَنَّهَا. (¬8) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي مُسْلِمٍ 4/1856 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. .) وَتَمَامُهُ فِيهِ:. . . قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ. فَقِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ. ثُمَّ قِيلَ لَهَا: مَنْ بَعْدَ عُمَرَ؟ قَالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا. وَالْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/63.

قَالَ (¬1) " وَمِنَ الْمُحَالِ (¬2) أَنْ يُعَارَضَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ الَّذِي (¬3) ذَكَرْنَا عَنْهُمْ (¬4) ، وَالْأَثَرَانِ الصَّحِيحَانِ الْمُسْنَدَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ لَفْظِهِ، بِمِثْلِ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى عُمَرَ وَعَائِشَةَ (¬5) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (¬6) مِمَّا لَا تَقُومُ بِهِ (¬7) حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ (¬8) ، مِنْ أَنَّ (¬9) هَذَا الْأَثَرُ خَفِيَ عَلَى عُمَرَ (¬10) كَمَا خَفِيَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالِاسْتِئْذَانِ (¬11) ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي (ف) . (¬2) ف: فَمِنَ الْمُحَالِ. (¬3) ن، م: الَّذِينَ. (¬4) عَنْهُمْ: لَيْسَتْ فِي (ن) . (¬5) ن، م: عَائِشَةَ وَعُمَرَ. (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) ن، ف: يَقُومُ بِهِ. (¬8) ظَاهِرَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ف) ، وَبَدَلًا مِنْهَا عِبَارَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ: " مِمَّا لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ ". (¬9) أ، ب: مَعَ أَنَّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (ف) 4/178. وَسَقَطَتْ (أَنَّ) مِنْ (م) . (¬10) ف: عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬11) فِي الْبُخَارِيِّ 8/54 - 55 (كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابُ التَّسْلِيمِ وَالِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجِعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ ". فَقَالَ: " وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً. أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ. فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 3/1695 - 1696 (كِتَابُ الْآدَابِ، بَابُ الِاسْتِئْذَانِ) ؛ الْمُوَطَّأِ 2/964 (كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابُ الِاسْتِئْذَانِ) بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ وَجَاءَ حَدِيثٌ بِمَعْنَاهُ قَبْلَهُ مُبَاشَرَةً 2/963 عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَنَصُّهُ: " الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ، وَإِلَّا فَارْجِعْ ".

وَغَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ (¬1) أَرَادَ اسْتِخْلَافًا بِعَهْدٍ مَكْتُوبٍ، وَنَحْنُ نُقِرُّ أَنَّ اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ (¬2) لَمْ يَكُنْ بِعَهْدٍ مَكْتُوبٍ (¬3) . وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ (¬4) فَكَذَلِكَ أَيْضًا (¬5) . وَقَدْ يَخْرُجُ كِلَاهُمَا (¬6) عَلَى سُؤَالِ سَائِلٍ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِمَا لَا فِي قَوْلِهِمَا (¬7) . ". قُلْتُ: وَالْكَلَامُ فِي تَثْبِيتِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا الْبَيَانُ لِكَلَامِ النَّاسِ فِي خِلَافَتِهِ: هَلْ حَصَلَ عَلَيْهَا نَصٌّ جَلِيٌّ أَوْ نَصٌّ خَفِيٌّ؟ (¬8) وَهَلْ ثَبَتَتْ بِذَلِكَ أَوْ بِالِاخْتِيَارِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ؟ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالُوا فِيهَا بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ أَوِ الْخَفِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَقَدَ بَطَلَ قَدْحُ الرَّافِضِيِّ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنُصَّ عَلَى إِمَامَةِ أَحَدٍ، وَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَذَلِكَ (¬9) أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَقُلْهُ جَمِيعُهُمْ، فَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) أ، ب: وَأَنَّهُ. (¬2) أ، ب: أَنَّ اسْتِخْلَافَهُ. (¬3) ف: بِكِتَابٍ. (¬4) أ، ب: عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (¬5) ف: نَصًّا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ن، م: كُلٌّ مِنْهُمَا؛ ف: كَلَامُهَا. (¬7) ف، ن: فِي رِوَايَتِهَا لَا فِي قَوْلِهَا؛ م: فِي رُوَاتِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) أ، ب: نَصٌّ خَفِيٌّ أَوْ جَلِيٌّ؟ (¬9) أ، ب: وَكَذَلِكَ.

قول الراوندية بالنص على خلافة العباس

حَقًّا فَقَدْ قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ هُوَ نَقِيضَهُ فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ. فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَمْ يَخْرُجِ الْحَقُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. [قول الراوندية بالنص على خلافة العباس] وَأَيْضًا فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالنَّصِّ هُوَ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ لِلشِّيعَةِ، فَإِنَّ الرَّاوَنْدِيَّةَ (¬1) تَقُولُ بِالنَّصِّ عَلَى الْعَبَّاسِ كَمَا قَالُوا هُمْ بِالنَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ: " وَاخْتَلَفَ الرَّاوَنْدِيَّةُ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى الْعَبَّاسِ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ، وَأَعْلَنَ ذَلِكَ وَكَشَفَهُ وَصَرَّحَ بِهِ، وَأَنَّ الْأُمَّةَ جَحَدَتْ (¬2) هَذَا النَّصَّ وَارْتَدَّتْ وَخَالَفَتْ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) عِنَادًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ النَّصَّ عَلَى الْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ " (¬4) يَعْنِي هُوَ نَصٌّ خَفِيٌّ. فَهَذَانِ قَوْلَانِ لِلرَّاوَنْدِيَّةِ كَالْقَوْلَيْنِ لِلشِّيعَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامِيَّةَ تَقُولُ: إِنَّهُ نَصَّ عَلَى [عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬5) مِنْ طَرِيقِ التَّصْرِيحِ وَالتَّسْمِيَةِ ¬

(¬1) سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ مِنْ قَبْلُ ص 14 ت 4 إِلَى الرَّاوَنْدِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَإِلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَشْعَرِيُّ عَنْهُمْ فِي الْمَقَالَاتِ 1/94، وَالرَّازِيُّ فِي اعْتِقَادَاتِ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، ص 63. وَسَيَرِدُ بَعْدَ قَلِيلٍ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ عَنْهُمْ فِي الْفِصَلِ 4/154. (¬2) أ، ب: كَفَرَتْ. (¬3) أ، ب: أَمْرَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬4) يَقُولُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِهِ " الْمُعْتَمَدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ " ص 223: " وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الرَّاوَنْدِيَّةِ إِلَى أَنَّ النَّصَّ عَلَى الْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ". (¬5) ن، م: عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أ، ب: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْإِمَامُ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. وَالزَّيْدِيَّةُ (¬1) تُخَالِفُهُمْ فِي هَذَا. ثُمَّ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» (¬2) ، «وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» (¬3) ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ النَّصِّ ¬

(¬1) ن، م: وَالرَّاوَنْدِيَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الزَّيْدِيَّةِ (انْظُرْ مَثَلًا: ص [0 - 9] 4 - 35؛ وَانْظُرْ ت 9 ص 35) وَانْظُرْ عَنْهُمْ أَيْضًا: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/129 - 141؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/137 - 143؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 19، 22 - 25. (¬2) الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/297 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. . .) وَنَصُّهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. . قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ أَوْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - شَكَّ شُعْبَةُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فِعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ. وَأَبُو سَرِيحَةَ هُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى " مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ " لِلتَّبْرِيزِيِّ 3/243، وَعَلَّقَ عَلَى عِبَارَةِ، شَكَّ شُعْبَةُ. بِقَوْلٍ: " قُلْتُ: وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ زَيْدٍ بِدُونِ شَكٍّ ". كَمَا صَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/353، وَالْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/45 (الْمُقَدِّمَةُ، فَضْلُ عَلِيٍّ. . .) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَرْقَامُ: 641 (ضَعَّفَ أَحْمَد شَاكِر سَنَدَهُ) ، 950، 951، 952، 961، 964 (ضَعَّفَ أَحْمَد شَاكِر سَنَدَهُ) ، 1310، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، رَقْمُ 3062، (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنِ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 4/281، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 4/368، 370، 372، 372 - 372، عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 5/361، عَنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ 5/366، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ 5/370، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ مَعَ طَائِفَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ 5/419، وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (تَحْقِيقُ وَصِيِّ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ) ، إِصْدَارُ جَامِعَةِ أُمِّ الْقُرَى 1403/1983) الْأَرْقَامُ: 947، 959، 1007، 1021، 1048، 1167، 1177، 1206. (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 5/19 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .، بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ؛ مُسْلِمٍ 4/1871 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/301 - 302 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/42 - 43، 45 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَضْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. .) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/97. وَالْحَدِيثُ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " الْأَرْقَامُ: 954، 957، 1030، 1045، 1091، 1143، 1153.

الْخَفِيِّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ لِمَعْنَاهُ. وَحُكِيَ عَنِ الْجَارُودِيَّةِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ (¬1) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ بِصِفَةٍ لَمْ تَكُنْ تُوجَدُ إِلَّا فِيهِ، لَا مِنْ جِهَةِ التَّسْمِيَةِ. فَدَعْوَى الرَّاوَنْدِيَّةِ فِي النَّصِّ مِنْ جِنْسِ دَعْوَى الرَّافِضَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْإِمَامِيَّةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ. قَالَ [أَبُو مُحَمَّدِ] بْنُ حَزْمٍ (¬2) " اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْإِمَامَةَ (¬3) لَا تَكُونُ (¬4) إِلَّا فِي صَلِيبَةِ قُرَيْشٍ (¬5) ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ جَائِزَةٌ فِي ¬

(¬1) ن، م: الْجَارُودِيَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ. وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْجَارُودِيَّةُ هُمْ مِنْ فِرَقِ الزَّيْدِيَّةِ وَيَنْتَسِبُونَ إِلَى مَنْ يُعْرَفُ بِأَبِي الْجَارُودِ. انْظُرْ عَنْ مَذْهَبِهِمْ: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/133 - 135؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلُ 1/140 - 141؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، 22 - 24. (¬2) ن، م: ابْنُ حَزْمٍ. وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ف) 4/154. وَأَوَّلُهُ فِي (ف) : وَاخْتَلَفَ. (¬3) ن: الْإِمَامِيَّةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ف: لَا تَجُوزُ. (¬5) ف 4/154: صُلْبَةِ؛ أ، ب: صِبْيَةِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي (ن) ، (م) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَشِيٍّ خَالِصِ النَّسَبِ. وَفِي " أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ " لِلزَّمَخْشَرِيِّ، مَادَّةِ: " صَلَبَ ": عَرَبِيٌّ صَلِيبٌ: خَالِصُ النَّسَبِ.

جَمِيعِ وَلَدِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ (¬1) ؛ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورِ الْمُرْجِئَةِ (¬2) وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إِلَّا فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ [بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ] (¬3) ، وَهُمُ الرَّاوَنْدِيَّةُ (¬4) . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَجُوزُ [الْخِلَافَةُ] (¬5) إِلَّا فِي وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬6) . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَجُوزُ [الْخِلَافَةُ] (¬7) إِلَّا فِي وَلَدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬8) (* ثُمَّ قَصَرُوهَا (¬9) عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ *) (¬10) . وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ كَانَ ¬

(¬1) ف: فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ فَقَطْ. (¬2) ن، م: جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ. (¬3) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ف: وَهُوَ قَوْلُ الرَّاوَنْدِيَّةِ. (¬5) الْخِلَافَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬7) الْخِلَافَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬9) ف: ثُمَّ قُصُورُهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَتَرْجَمَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ 3/363 - 365، وَفِيهَا (ص 364) : قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِهِ: قَدِمَ الْمَدَايِنَ مُتَغَلِّبًا عَلَيْهَا أَيَّامَ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمَعَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، فَبَقِيَ مِنْ سَنَةِ (28) إِلَى انْقِضَاءِ سَنَةِ (29) ، ثُمَّ هَرَبَ إِلَى خُرَاسَانَ فَسَجَنَهُ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى أَنْ مَاتَ مَسْجُونًا سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ ابْنِ حَزْمِ قَوْلَهُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ رَدِيَّ الدِّينِ مُعَطِّلًا يَصْحَبُ الدَّهْرِيَّةَ.

يَقُولُ: لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إِلَّا لِبَنِي (¬1) عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً، وَيَرَاهَا فِي جَمِيعِ وَلَدِ (¬2) عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُمْ: أَبُو طَالِبٍ وَأَبُو لَهَبٍ وَالْعَبَّاسُ وَالْحَارِثُ (¬3) ". قَالَ (¬4) : " وَبَلَغَنَا (¬5) [عَنْ رَجُلٍ كَانَ بِالْأُرْدُنِّ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إِلَّا فِي بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ (¬6) ، وَكَانَ لَهُ (¬7) فِي ذَلِكَ تَأْلِيفٌ مَجْمُوعٌ ". قَالَ (¬8) : " وَرَأَيْنَا (¬9) كِتَابًا مُؤَلَّفًا لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (¬10) يَحْتَجُّ فِيهِ أَنَّ (¬11) الْخِلَافَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا فِي وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ خَاصَّةً (¬12) "، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى تَنَازُعِ النَّاسِ فِي الْإِمَامَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أَقْوَالَ الرَّافِضَةِ مُعَارَضَةٌ بِنَظِيرِهَا، فَإِنَّ دَعْوَاهُمُ النَّصَّ عَلَى عَلِيٍّ، كَدَعْوَى أُولَئِكَ النَّصَّ عَلَى الْعَبَّاسِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ شَيْئًا مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، ¬

(¬1) ف: إِلَّا فِي بَنِي. (¬2) أ، ب: بَنِي. (¬3) ف وَالْحَارِثُ وَالْعَبَّاسُ، وَهُمْ عُمُومُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو طَالِبٍ اسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ، وَأَبُو لَهَبٍ هُوَ عَبْدُ الْعُزَّى. . سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 1/113، طَبْعَةُ مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ، الْقَاهِرَةُ، 1355/1936. (¬4) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬5) بَعْدَ كَلِمَةِ " وَبَلَغَنَا " يُوجَدُ سَقْطٌ كَبِيرٌ فِي (ن) سَنُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬6) ف: إِلَّا فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ؛ م: إِلَّا فِي أَوْلَادِ عَبْدِ شَمْسٍ. (¬7) عِنْدَ عِبَارَةِ " وَكَانَ لَهُ " يَبْدَأُ سَقْطٌ كَبِيرٌ فِي (م) وَيَنْتَهِي مَعَ نِهَايَةِ سَقْطِ (ن) . (¬8) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬9) ف: وَرَوَيْنَا. (¬10) ف: بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬11) ف: بِأَنَّ. (¬12) ف: إِلَّا لِوَلَدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَإِنَّمَا ابْتَدَعَهُمَا أَهْلُ الْكَذِبِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الدِّينِ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ يَدْعُوَانِ هَذَا وَلَا هَذَا، بِخِلَافِ النَّصِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلَ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْبَابِ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ لَهُمْ أَدِلَّةً وَحُجَجًا مِنْ جِنْسِ أَدِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّينَ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ، وَيَكْفِيكَ أَنَّ أَضْعَفَ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِتَسْمِيَتِهِ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالنَّصِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالنَّصِّ الْخَفِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ. وَأَيْضًا، فَقَدْ رَوَى ابْنُ بَطَّةَ (¬1) بِإِسْنَادِهِ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَسْلَمَ الْكَاتِبُ (¬2) ، حَدَّثَنَا الزَّعْفَرَانِيُّ (¬3) ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ (¬4) حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ (¬5) ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ الزُّبَيْرِ ¬

(¬1) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 387، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (ص 61 ت [0 - 9] ) . (¬2) لَمْ أَجِدْهُ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ الْمَرَاجِعِ. (¬3) أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 249، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/318 - 319؛ الْأَنْسَابِ لِلسَّمْعَانِيِّ، ص 274؛ اللُّبَابِ فِي تَهْذِيبِ الْأَنْسَابِ 1/502. (¬4) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 206، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ (ص 60 ت 4) . (¬5) تَرْجَمَتُهُ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/5 - 6. وَفِيهَا: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: شَدِيدُ التَّدْلِيسِ، فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، فَهُوَ ثَبْتٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: ضَعِيفٌ. . وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مُسْتَقِيمَةً، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 164 أَوْ 165 أَوْ 166 عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ (شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/259 - 260) فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ 164. وَذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/188.

الْحَنْظَلِيَّ (¬1) إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: أَوَفِي شَكٍّ صَاحِبُكَ؟ نَعَمْ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اسْتَخْلَفَهُ، لَهُوَ أَتْقَى مِنْ أَنْ يَتَوَثَّبَ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: اسْتِخْلَافُهُ هُوَ أَمْرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَكَانَ هَذَا عِنْدَ الْحَسَنِ اسْتِخْلَافًا ". قَالَ: " وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (¬2) حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (¬3) ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ (¬4) . حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ ¬

(¬1) مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ الْبَصْرِيُّ: فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/57: عَنْ أَبِيهِ، وَالْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. . . قَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا شَيْءَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي حَدِيثِهِ إِنْكَارٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/167؛ الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 287. (¬2) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ الْبَغَوِيُّ، أَوْرَدَ الذَّهَبِيُّ طَعْنَ ابْنِ عَدِيٍّ وَغَيْرِهِ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ دَافَعَ عَنْهُ وَقَالَ فِي آخِرِ تَرْجَمَتِهِ (مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 2) : قُلْتُ: الرَّجُلُ ثِقَةٌ مُطْلَقًا، وَانْظُرْ لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/338 - 341. وَقَدْ تُوُفِّيَ الْبَغَوِيُّ سَنَةَ 317. وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ ابْنِ بَطَّةَ. انْظُرْ طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/190 - 192، 2/144. (¬3) زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ الْحَرَشِيُّ أَبُو خَيْثَمَةَ النَّسَائِيُّ. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/342 - 344، وَفِيهَا: وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَى لَهُ النَّسَائِيُّ. . مَاتَ سَنَةَ 234. (¬4) يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ الْحَذَّاءُ الْخَزَّازُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 195، وَثَّقَهُ الْبَعْضُ وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، تَرْجَمَتُهُ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/292؛ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 11/226 - 227. وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 143 أَوْ 144 أَوْ 146. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 11/221 - 224. وَفِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ (تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 2) : وَرَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ. . . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ الْمَدِينِيِّ: سُئِلَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْهُ فَقَالَ: فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ وَمُجَالِدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، قَالَ: وَأَمْلَى عَلَى جَعْفَرٍ الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ، يَعْنِي فِي الْحَجِّ

مُحَمَّدٍ (¬1) - 105، وَفِيهَا أَنَّهُ مَاتَ 148.، عَنْ أَبِيهِ (¬2) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ (¬3) قَالَ: وَلِيَنَا أَبُو بَكْرٍ فَخَيْرُ خَلِيفَةٍ أَرْحَمُهُ بِنَا وَأَحْنَاهُ عَلَيْنَا (¬4) . قَالَ: وَسَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ (¬5) يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ " (¬6) . ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالنَّصِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَنْ قَالَ بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَسْمِيَتِهِ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ¬

(¬1) جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْهَاشِمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، الْمَعْرُوفُ بِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ. قَالَ عَنْهُ الذَّهَبِيُّ (مِيزَانُ الِاعْتِدَالِ 1/192) : أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ بَرٌّ صَادِقٌ كَبِيرُ الشَّأْنِ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ. . . وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ لَا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. وَتَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2 (¬2) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ، أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ. . رَوَى عَنْ أَبِيهِ. . وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ جَعْفَرٌ. . قَالَ ابْنُ سَعِيدٍ: كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ يَرْوِي عَنْهُ مَنْ يُحْتَجُّ بِهِ. . وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ (وَمِائَةٍ) - تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 9/350 - 352. (¬3) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الْهَاشِمِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَهِيَ أَشْهَرُ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ. تَرْجَمَتُهُ فِي الْإِصَابَةِ لِابْنِ حَجَرٍ 2/280 - 281. (¬4) هُنَا يَنْتَهِي سَقْطٌ كَبِيرٌ فِي (ن) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ بَعْدَ كَلِمَةِ: وَبَلَغَنَا (ص 504 س [0 - 9] ) . وَيُوجَدُ بَدَلًا مِنْهُ فِي (ن) هَذِهِ الْجُمْلَةُ: " قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنِ الْحَسَنِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ ". (¬5) مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ هِلَالِ بْنِ رَبَابٍ الْمُزَنِيُّ، أَبُو إِيَاسٍ الْبَصْرِيُّ. تَرْجَمْتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 10/216 - 217، وَفِيهَا: عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَكَذَا قَالَ الْعِجْلِيُّ وَالنِّسَائِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً وَلَهُ أَحَادِيثُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. وَقَالَ مَطَرٌ الْأَعْنَقُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ: لَقِيتُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَثِيرًا، مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ مُزَيْنَةَ. قَالَ خَلِيفَةُ وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. (¬6) هُنَا يَنْتَهِي سَقْطُ (م) وَيُوجَدُ بَدَلًا مِنْهُ: " وَكَانَ لَهُ فِي الْحَسَنِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ ".

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا (¬1) : وَالْخَلِيفَةُ إِنَّمَا يُقَالُ لِمَنِ اسْتَخْلَفَهُ غَيْرُهُ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الْفَعِيلَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْلَفَ (¬2) عَلَى أُمَّتِهِ. وَالَّذِينَ نَازَعُوهُمْ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ قَالُوا: الْخَلِيفَةُ يُقَالُ لِمَنِ اسْتَخْلَفَهُ غَيْرُهُ، وَلِمَنْ خَلَّفَ غَيْرَهُ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، كَمَا يُقَالُ: خَلَفَ فُلَانٌ فُلَانًا. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬3) : " «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» " (¬4) . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا» " (¬5) . ¬

(¬1) ن، م: قَالَ. (¬2) ن، م: اسْتَخْلَفَهُ. (¬3) أ، ب: فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 4/27 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا) ؛ مُسْلِمٍ 3/1506 - 1507 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ فَضْلِ إِعَانَةِ الْغَازِي. . . .) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/18 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/115، 116، 117، 5/193. (¬5) أ، ب: أَهْلِينَا. وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/161 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مُسَافِرًا) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ". وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/165 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يَقُولُ إِذَا رَكِبَ دَابَّةً) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا سَافَرَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ كَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) . ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِي هَذَا. . . الْحَدِيثَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 9/138 - 139. وَجَاءَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ " فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي مُسْلِمٍ 2/978 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا رَكِبَ إِلَى سَفَرِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 9/185. وَمِنْهَا حَدِيثٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/160 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مُسَافِرًا) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 18/21 - 22، (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/433. وَمِنْهَا حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/87،، 255.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 165] . وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 14] (¬1) وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30] . وَقَالَ: {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [سُورَةُ ص: 26] (¬2) ، أَيْ خَلِيفَةً عَمَّنْ قَبْلَكَ مِنَ الْخَلْقِ، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ (¬3) خَلِيفَةٌ عَنِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ مِنَ اللَّهِ كَإِنْسَانِ الْعَيْنِ مِنَ الْعَيْنِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ الْقَائِلِينَ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، كَصَاحِبِ " الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ "، وَأَنَّهُ الْجَامِعُ لِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، وَفَسَّرُوا بِذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 31] (¬4) وَأَنَّهُ مِثْلُ اللَّهِ الَّذِي نُفِيَ عَنْهُ ¬

(¬1) فِي (ن) ، (م) وَرَدَ جُزْءٌ مِنْ أَلْفَاظِ الْآيَتَيْنِ فَقَطْ. (¬2) فِي (ن) ، (م) جَاءَ جُزْءٌ مِنَ الْآيَةِ حَتَّى قَوْلِهِ تَعَالَى. . فِي الْأَرْضِ. (¬3) ن، م: لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ. (¬4) هَذِهِ الْآرَاءُ يَذْكُرُهَا صَاحِبُ كِتَابِ " الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ "، وَهُوَ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي كِتَابِهِ " فُصُوصِ الْحِكَمِ "، تَحْقِيقُ الدُّكْتُورِ أَبِي الْعُلَا عَفِيفِي، ص 49 - 51، الْقَاهِرَةِ، 1365/1946. حَيْثُ يَقُولُ: " فَسُمِّيَ هَذَا الْمَذْكُورُ إِنْسَانًا وَخَلِيفَةً، فَأَمَّا إِنْسَانِيَّتُهُ فَلِعُمُومِ نَشْأَتِهِ وَحَصْرِهِ الْحَقَائِقَ كُلَّهَا، وَهُوَ لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ إِنْسَانِ الْعَيْنِ مِنَ الْعَيْنِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ النَّظَرُ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْبَصَرِ؛ فَلِهَذَا سُمِّيَ إِنْسَانًا. . فَظَهَرَ جَمِيعُ مَا فِي الصُّورَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنَ الْأَسْمَاءِ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فَحَازَتْ رُتْبَةَ الْإِحَاطَةِ وَالْجَمْعِ بِهَذَا الْوُجُودِ. . إِلَخْ ".

الأحاديث الدالة على ثبوت خلافة أبي بكر

الشَّبَهُ (¬1) بِقَوْلِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬2) ، [سُورَةُ الشُّورَى: 11] ، إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي فِيهَا مِنْ تَحْرِيفِ الْمَنْقُولِ (¬3) وَفَسَادِ الْمَعْقُولِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ (¬4) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْخِلَافَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَنْ غَائِبٍ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ شَهِيدٌ مُدَبِّرٌ لِخَلْقِهِ لَا يَحْتَاجُ فِي تَدْبِيرِهِمْ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ [سُبْحَانَهُ] (¬5) خَالِقُ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ جَمِيعًا، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَخْلُفُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ إِذَا غَابَ عَنْ أَهْلِهِ. وَيُرْوَى (¬6) أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ. فَقَالَ: بَلْ أَنَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَحَسْبِي ذَاكَ. [الأحاديث الدالة على ثبوت خلافة أبي بكر] وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَ ¬

(¬1) ن، م: الشُّبْهَةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) انْظُرْ كَلَامَ ابْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّنْزِيهِ فِي " فُصُوصِ الْحِكَمِ " 1/68 - 71. (¬3) ن، م: الْقَوْلِ. (¬4) ن، م: مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. (¬5) سُبْحَانَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: وَرُوِيَ.

[إِيرَادُ بَعْضِهَا] (¬1) مِثْلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَمَّا جَاءَتْهُ الْمَرْأَةُ (¬2) تَسْأَلُهُ عَنْ أَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ، فَقَالَ: " ائْتِي أَبَا بَكْرٍ» " (¬3) . وَمِثْلِ (¬4) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) فِي [الْحَدِيثِ] الصَّحِيحِ لِعَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] (¬6) : " «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ بَعْدِي ". ثُمَّ قَالَ: " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» " (¬7) . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي [الْحَدِيثِ] الصَّحِيحِ (¬8) : " «رَأَيْتُ (¬9) كَأَنِّي عَلَى قَلِيبٍ أَنْزِعُ مِنْهَا، فَأَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا [مِنَ النَّاسِ] (¬10) يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى ضَرَبَ (¬11) النَّاسُ بِعَطَنٍ» " (¬12) . ¬

(¬1) ن، م: فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (¬2) ن: امْرَأَةٌ. (¬3) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ مَرَّتَيْنِ (ص 488، 496) وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (ص 488، ت [0 - 9] ) . (¬4) ن، م: وَمِثْلُهُ. (¬5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: فِي الصَّحِيحِ لِعَائِشَةَ. (¬7) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ (ص 492، 496) وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (ص 492 ت [0 - 9] ) ، وَوَرَدَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ (ص 492) . (¬8) ن، م: وَمِثْلُهُ فِي الصَّحِيحِ؛ ب: وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. (¬9) رَأَيْتُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) مِنَ النَّاسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) ن، م، أ: صَدَرَ. (¬12) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، ص [0 - 9] 89.

وَمِثْلِ قَوْلِهِ: " «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ". وَقَدْ رُوجِعَ فِي ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَصَلَّى بِهِمْ مُدَّةَ مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ إِلَى يَوْمِ الْخَمِيسِ إِلَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَبَقِيَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِأَمْرِهِ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ، وَكَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ مَاتَ وَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَسُّرَ بِذَلِكَ (¬1) ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَقِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ. وَمِثْلِ قَوْلِهِ فِي [الْحَدِيثِ] (¬2) الصَّحِيحِ عَلَى مِنْبَرِهِ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ (¬3) الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّتْ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» " (¬4) . ¬

(¬1) هَذِهِ الْأَخْبَارُ جَاءَتْ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ، انْظُرْ مَثَلًا: سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 4/298 - 306؛ جَوَامِعَ السِّيرَةِ لِابْنِ حَزْمٍ، ص 262 - 265، وَجَاءَتْ بَعْضُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ فِي أَحَادِيثَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. انْظُرْ مَثَلًا: الْبُخَارِيَّ 1/139 - 140 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ) ، 1/147 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ هَلْ يَلْتَفِتُ لِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ. . .) ، 2/63 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ مَنْ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي صَلَاتِهِ) ، 4/149 - 150 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) ، 6/12 - 13 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَفَاتِهِ) ، 9/97 - 98 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالنِّزَاعِ فِي الْعِلْمِ) ؛ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/361، 6/96. (¬2) الْحَدِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي قِسْمِهِ الْأَوَّلِ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ: لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 1/96 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ) وَأَوَّلُهُ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ. . . الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 5/4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سُدُّوا الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ) ؛ مُسْلِمٍ 4/1854 - 1855 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. .) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/278 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) وَالْحَدِيثُ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ " وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ "؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/18. وَفِي " فَتْحِ الْبَارِي " 7/14؛ وَالْخَوْخَةُ طَاقَةٌ فِي الْجِدَارِ تُفْتَحُ لِأَجْلِ الضَّوْءِ وَلَا يُشْتَرَطُ عُلُوُّهَا، وَحَيْثُ تَكُونُ سُفْلَى يُمْكِنُ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْهَا لِاسْتِقْرَابِ الْوُصُولِ إِلَى مَكَانٍ مَطْلُوبٍ ".

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: " مَنْ رَأَى (¬1) مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ (¬2) مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ. فَرَأَيْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - " (¬3) . وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَرَاهِيَةَ. فَاسْتَاءَ لَهَا (¬4) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي سَاءَهُ ذَلِكَ - فَقَالَ: " «خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» " (¬5) . فَبَيَّنَ [النَّبِيُّ] (¬6) ¬

(¬1) ب: أَيْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬2) أ، ب: أُنْزِلَ. (¬3) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ (ص 490) . (¬4) ن: قَالَ فَاشْتَكَاهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ، ص 490. (¬6) النَّبِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ وِلَايَةَ هَؤُلَاءِ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ (¬1) ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مُلْكٌ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعِ النَّاسُ فِي زَمَانِهِ بَلْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ، لَمْ يَنْتَظِمْ فِيهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَلَا الْمُلْكُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبَانٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أُرِيَ (¬2) اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الْمَنُوطُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ» " (¬3) . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا أُدْلِيَ مِنَ السَّمَاءِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا (¬4) فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا (¬5) فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ¬

(¬1) نُبُوَّةٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: رَأَى. (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ ص 491 وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/290، وَفِيهَا: وَأَمَّا تَنَوُّطُ. . وَفِي " النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " لِابْنِ الْأَثِيرِ 4/182 (ط. الْقَاهِرَةِ، 1311) : نِيطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْ عُلِّقَ (بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا) . (¬4) ن: بِعَرَاقَتِهَا؛ أ: بِعَرَاقِهَا. (¬5) ن: بِعَرَاقَتِهَا؛ أ: بِعَرَاقِهَا.

ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا (¬1) فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا (¬2) فَانْتُشِطَتْ فَانْتَضَحَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ» (¬3) . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُهْمَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ» ". أَوْ [قَالَ] (¬4) : " الْمُلْكَ ". قَالَ سَعِيدٌ: قَالَ لِي سَفِينَةُ: [أَمْسِكْ] ، مُدَّةُ (¬5) أَبِي بَكْرٍ سَنَتَانِ (¬6) ، وَعُمَرَ عَشْرٌ، وَعُثْمَانَ اثْنَتَا عَشْرَةَ (¬7) ، وَعَلِيٍّ كَذَا. قَالَ سَعِيدٌ: قُلْتُ لِسَفِينَةَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ بِخَلِيفَةٍ. قَالَ: كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ، يَعْنِي بَنِي مَرْوَانَ (¬8) . وَ [أَمْثَالُ] ¬

(¬1) ن: بِعَرَاقَتِهَا؛ أ: بِعَرَاقِهَا. (¬2) ن: بِعَرَاقَتِهَا؛ أ: بِعَرَاقِهَا. (¬3) الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/290 - 291. وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 3/88: الْعَرَاقِي جَمْعُ عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الْمَعْرُوضَةُ عَلَى فَمِ الدَّلْوِ وَهُمَا عَرْقُوَتَانِ كَالصَّلِيبِ. . . تَضَلَّعَ (النِّهَايَةِ 3/23) : أَيْ أَكْثَرَ مِنَ الشُّرْبِ حَتَّى تَمَدَّدَ جَنْبُهُ وَأَضْلَاعُهُ. وَفِي اللِّسَانِ، مَادَّةِ: نَشَطَ، نَشَطَ الدَّلْوُ مِنَ الْبِئْرِ صُعُدًا بِغَيْرِ قَامَةٍ وَهِيَ الْبَكَرَةُ. . . وَيُقَالُ: نَشَطْتُ وَانْتَشَطْتُ: أَيِ انْتَزَعْتُ. (¬4) قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن: قَالَ لِي بِنَفْسِهِ: مُدَّةُ. وَسَقَطَتْ " مُدَّةُ " مِنْ (م) . (¬6) ن، م، أ: سَنَتَيْنِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ن، م: اثْنَا عَشَرَ؛ أ: اثْنَيْ عَشَرَ. (¬8) الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/293 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْخُلَفَاءِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/341 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِلَافَةِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُهْمَانَ وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ) ؛ الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3/71. وَأَسْتَاهٌ جَمْعُ اسْتٍ، وَفِي اللِّسَانِ، مَادَّةِ: سَتَهَ: " الْجَوْهَرِيُّ: وَالِاسْتُ الْعَجُزُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا حَلْقَةُ الدُّبُرِ، وَأَصْلُهُ سَتَهٌ عَلَى فَعَلٍ بِالتَّحْرِيكِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ جَمْعَهُ أَسْتَاهٌ مِثْلُ جَمَلٍ وَأَجْمَالٍ. . وَيُقَالُ لِأَرْذَالِ النَّاسِ: هَؤُلَاءِ الْأَسْتَاهُ. وَالْمُرَادُ بِعِبَارَةِ سَفِينَةَ التَّحْقِيرُ ". وَتَكَلَّمَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ (الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ، ص 57 ت [0 - 9] ) عَلَى سَنَدِ الْحَدِيثِ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ وَأَشَارَ إِلَى عَدَمِ تَصْحِيحِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ لَهُ فِي " الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ "، ص 201، الْقَاهِرَةُ، 1371، وَلَكِنَّ الْأَلْبَانِيَّ صَحَّحَ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 3/118.

هَذِهِ (¬1) الْأَحَادِيثِ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهَا مَنْ قَالَ: إِنَّ خِلَافَتَهُ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ (¬2) : إِنَّ خِلَافَتَهُ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ، وَهُمْ يُسْنِدُونَ ذَلِكَ إِلَى أَحَادِيثَ مَعْرُوفَةٍ صَحِيحَةٍ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنْ خِلَافَةَ عَلِيٍّ أَوِ الْعَبَّاسِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا مُجَرَّدُ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ، الَّذِي يَعْلَمُ بُطْلَانَهُ بِالضَّرُورَةِ كُلُّ مَنْ كَانَ عَارِفًا بِأَحْوَالِ الْإِسْلَامِ، أَوِ اسْتِدْلَالٌ بِأَلْفَاظٍ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَحَدِيثِ اسْتِخْلَافِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَيُقَالُ لِهَذَا: إِنْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، كَانَ الْقَوْلُ بِهَذَا النَّصِّ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِذَاكَ (¬3) ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ هَذَا، بَطَلَ ذَاكَ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَخْبَرَ بِخِلَافَتِهِ إِخْبَارَ رَاضٍ بِذَلِكَ حَامِدٍ لَهُ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ عَهْدًا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الْكِتَابَ اكْتِفَاءً بِذَلِكَ، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، ثُمَّ لَمَّا حَصَلَ لِبَعْضِهِمْ (¬4) شَكٌّ: هَلْ ¬

(¬1) ن، م: وَهَذِهِ. (¬2) ن، م: تَقُولُ. (¬3) أ، ب: بِذَلِكَ. (¬4) ن، م: لَهُمْ.

ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْ جِهَةِ الْمَرَضِ، أَوْ هُوَ قَوْلٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ؟ تَرَكَ الْكِتَابَةَ اكْتِفَاءً بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَخْتَارُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) . فَلَوْ كَانَ التَّعْيِينُ مِمَّا يُشْتَبَهُ عَلَى الْأُمَّةِ، لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ (¬2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ، لَكِنْ لَمَّا دَلَّتْهُمْ (¬3) دِلَالَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ (¬4) وَفَهِمُوا ذَلِكَ، حَصَلَ الْمَقْصُودُ (* وَالْأَحْكَامُ يُبَيِّنُهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَارَةً بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ (¬5) وَتَارَةً بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ *) (¬6) وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ] (¬7) فِي خُطْبَتِهِ الَّتِي خَطَبَهَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: " وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ (¬8) أَبِي بَكْرٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (¬9) . ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَخَبَرُ مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَمِيسِ وَعَزْمِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ حَوْلَهُ وَعُدُولِهِ عَنْ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ انْظُرْ: 1 (كِتَابَ الْعِلْمِ، بَابَ كِتَابَةِ الْعِلْمِ) ، 4/99 (كِتَابَ الْجِزْيَةِ، وَالْمُوَادَعَةِ، بَابَ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) ، 6/9 - 10 (كِتَابَ الْمَغَازِي، بَابَ مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَفَاتِهِ) ، 7/120 (كِتَابَ الْمَرْضَى، بَابَ قَوْلِ الْمَرِيضِ: إِنِّي وَجِعٌ. .) ، 9/111 - 112 (كِتَابَ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابَ كَرَاهِيَةِ الْخِلَافِ) . (¬2) أ، ب: رَسُولُ اللَّهِ. (¬3) أ، ب: دَلَّهُمْ. (¬4) ن، م: الْمُعَيَّنُ. (¬5) ن: تَامَّةٍ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) بْنُ الْخَطَّابِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) ن، م: غَيْرُ. (¬9) هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْبُخَارِيِّ 8/169 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَى إِذَا أُحْصِنَتْ) ؛ ابْنِ هِشَامٍ: (السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ) 4/309، الْقَاهِرَةُ، 1355/1936؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ج [0 - 9] ، الْأَثَرِ 391 (ص [0 - 9] 26) . وَقَدْ وَجَدْتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ 3/1317 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ رَجْمِ الثَّيِّبِ مِنَ الزِّنَى) قِطْعَةً مِنْ خُطْبَةِ عُمَرَ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا هَذِهِ الْجُمْلَةُ، وَانْظُرْ جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 4/480. وَيَشْرَحُ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحَ الْبَارِي 12/125) مَعْنَى الْجُمْلَةِ فَيَقُولُ: " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ السَّابِقَ مِنْكُمُ الَّذِي لَا يَلْحَقُ فِي الْفَضْلِ لَا يَصِلُ إِلَى مَنْزِلَةِ أَبِي بَكْرٍ. . . وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ، لِكَوْنِ النَّاظِرِ إِلَى السَّابِقِ تَمْتَدُّ عُنُقُهُ لِيَنْظُرَ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْ سَبْقِ مَنْ يُرِيدُ سَبْقَهُ، قِيلَ: انْقَطَعَتْ عُنُقُهُ ".

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ [أَيْضًا] (¬1) عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: " أَنْتَ (¬2) خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) " وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: إِنَّ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُ، وَلَمْ يُنَازِعْ أَحَدٌ فِي خِلَافَتِهِ إِلَّا بَعْضَ الْأَنْصَارِ طَمَعًا فِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرٌ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ، وَهَذَا مِمَّا ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُطْلَانُهُ، ثُمَّ الْأَنْصَارُ جَمِيعُهُمْ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ (¬4) إِلَّا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي كَانَ يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ (¬5) . ¬

(¬1) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: أَنَّهُ. (¬3) الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) ، 8/168 - 171 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ رَجْمِ الْحُبْلَى. .) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/323 - 327. (¬4) مَوْقِفُ الْأَنْصَارِ وَاجْتِمَاعُهُمْ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَطَلَبُهُمْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ، تُوَضِّحُهُ الْأَحَادِيثُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي التَّعْلِيقَيْنِ السَّابِقَيْنِ. وَانْظُرْ سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 4/307 - 310؟ (¬5) م: هُوَ الَّذِي طَلَبَ الْوِلَايَةَ، وَمَوْقِفُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ يَرْوِيهِ ابْنُ سَعْدٍ: الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص 144 - 145، ط. لِيدِنْ، 1321/1904. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ قَبُولِ سَعْدٍ فِيمَا بَعْدُ لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 5/247، الْقَاهِرَةُ، 1351/1932. وَسَيَرِدُ بَعْدَ قَلِيلٍ مَا نَقَلَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِهَذَا الصَّدَدِ.

وَلَمْ يَقُلْ [قَطُّ] (¬1) أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬2) : لَا عَلَى الْعَبَّاسِ وَلَا عَلَى عَلِيٍّ وَلَا عَلَى (¬3) غَيْرِهِمَا، وَلَا ادَّعَى الْعَبَّاسُ وَلَا عَلِيٌّ -[وَلَا أَحَدٌ] (¬4) مِمَّنْ يُحِبُّهُمَا - الْخِلَافَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. بَلْ وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: إِنَّ فِي قُرَيْشٍ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ: لَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِ بَنِي هَاشِمٍ (¬5) . وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَعْلَمُهُ (¬6) الْعُلَمَاءُ الْعَالِمُونَ (¬7) بِالْآثَارِ وَالسُّنَنِ وَالْحَدِيثِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ بِالِاضْطِرَارِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، مِثْلِ أَبِي سُفْيَانَ وَخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ (¬8) ، أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ لَا تَكُونَ الْخِلَافَةُ [إِلَّا] (¬9) فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، ¬

(¬1) قَطُّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬3) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) وَلَا أَحَدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ن، م: وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ. (¬6) ن: يَعْلَمُ. (¬7) أ، ب، م: الْعَامِلُونَ. (¬8) خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْأُمَوِيُّ، أَبُو سَعِيدٍ. يُقَالُ: إِنَّهُ خَامِسُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَارِيخِ وَفَاتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقِيلَ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ مَرْجِ الصُّفَّرِ، وَقِيلَ: يَوْمَ أَجْنَادِينَ. انْظُرِ: الْإِصَابَةَ لِابْنِ حَجَرٍ 1/406؛ أُسْدَ الْغَابَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 2/97 - 98. (¬9) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ (¬1) فَلَمْ يَلْتَفِتَا (¬2) إِلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ، لِعِلْمِهِمَا وَعِلْمِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ. فَفِي الْجُمْلَةِ جَمِيعُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ (¬3) أَنَّهُ طَلَبَ تَوْلِيَةَ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، لَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً دِينِيَّةً شَرْعِيَّةً، وَلَا ذَكَرَ أَنَّ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ أَحَقُّ وَأَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا نَشَأَ كَلَامُهُ عَنْ حُبٍّ لِقَوْمِهِ وَقَبِيلَتِهِ، وَإِرَادَةٍ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الْإِمَامَةُ (¬4) فِي قَبِيلَتِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا الطُّرُقِ الدِّينِيَّةِ، وَلَا هُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ (¬5) وَرَسُولُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِاتِّبَاعِهِ، بَلْ هُوَ شُعْبَةٌ (¬6) جَاهِلِيَّةٌ، وَنَوْعُ عَصَبِيَّةٍ لِلْأَنْسَابِ (¬7) وَالْقَبَائِلِ. وَهَذَا مِمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا (¬8) [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬9) بِهَجْرِهِ وَإِبْطَالِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ (¬10) قَالَ: " «أَرْبَعٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي أُمَّتِي لَنْ يَدَعُوهُنَّ: الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالِاسْتِقَاءُ بِالنُّجُومِ» " (¬11) . ¬

(¬1) وَعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: فَلَمْ يَلْتَفِتْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أ، ب: مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. (¬4) ن. الْإِمَارَةُ. (¬5) ن، م: أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. . . (¬6) ن، م: شِيعَةٌ. (¬7) ن، م: لِلْإِنْسَانِ؛ أ: الْإِنْسَانِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬8) ن، م: اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا. . . (¬9) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬10) أ، ب: وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ. . (¬11) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 2/644 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ التَّشْدِيدِ فِي النِّيَاحَةِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/342، 343، 344؛ الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/383؛ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِلْأَلْبَانِيِّ 2/299 حَدِيثٍ رَقْمِ 734.

وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَتَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أُمِّهِ وَلَا تَكْنُوا» (¬1) ". وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، النَّاسُ رَجُلَانِ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ» " (¬2) . وَأَمَّا كَوْنُ الْخِلَافَةِ فِي قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ شَرْعِهِ وَدِينِهِ (¬3) ، كَانَتِ النُّصُوصُ بِذَلِكَ مَعْرُوفَةً مَنْقُولَةً مَأْثُورَةً يَذْكُرُهَا الصَّحَابَةُ. بِخِلَافِ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/136 عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 4/256: " وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا. أَيْ قُولُوا لَهُ: عَضَّ أَيْرَ أَبِيكَ ". وَفِي اللِّسَانِ: " هَنُ الْمَرْأَةِ: فَرْجُهَا ". (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/450 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي التَّفَاخُرِ بِالْأَحْسَابِ) وَنَصُّهُ: " إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ ". وَفِي اللِّسَانِ (مَادَّةِ: عَبَبَ) : " وَالْعُبِّيَّةُ وَالْعِبِّيَّةُ: الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ. . . " وَعُبِّيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ نَخْوَتُهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظُّمَهَا بِآبَائِهَا: يَعْنِي: الْكِبْرَ ". وَقَالَ شَارِحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: " وَالْجِعْلَانُ: جَمْعُ جُعَلٍ - بِزِنَةِ صُرَدٍ - وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهَا ". وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/390 - 391 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي ثَقِيفٍ وَبَنِي حَنِيفَةَ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 16/300 (وَصَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَحَسَّنَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/119. (¬3) م: مِنْ دِينِهِ وَشَرْعِهِ.

كَوْنِ الْخِلَافَةِ فِي بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِ نَصًّا، بَلْ وَلَا قَالَ أَحَدٌ: إِنَّهُ [كَانَ] فِي قُرَيْشٍ (¬1) مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ فِي دِينِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلَّمَا تَدَبَّرَهَا الْعَالِمُ، وَتَدَبَّرَ (¬2) النُّصُوصَ الثَّابِتَةَ وَسِيَرَ (¬3) الصَّحَابَةِ، حَصَلَ لَهُ عُلُومٌ ضَرُورِيَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهَا عَنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ أَحَقَّ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ عِنْدَهُمْ، لَيْسَ فِيهِ اشْتِبَاهٌ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ [رَسُولُ اللَّهِ] (¬4) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» ". وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَهُمْ بِفَضْلِهِ وَتَقَدُّمِهِ، إِنَّمَا اسْتَفَادُوهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمُورٍ سَمِعُوهَا وَعَايَنُوهَا، [وَ] حَصَلَ (¬5) بِهَا لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ مَا عَلِمُوا [بِهِ] (¬6) أَنَّ الصِّدِّيقَ أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِخِلَافَةِ نَبِيِّهِمْ، وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَ نَبِيِّهِمْ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُشَابِهُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إِلَى مُنَاظَرَةٍ. ¬

(¬1) ن، م: أَحَدٌ أَنَّ فِي قُرَيْشٍ. (¬2) أ، ب: تَدَبَّرَهَا الْعَالِمُ تَدَبَّرَ. (¬3) أ، ب: وَسَائِرَ. (¬4) رَسُولُ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: وَعَايَنُوهَا حَصَلَ. (¬6) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَطُّ (¬1) : إِنَّ عُمَرَ [بْنَ الْخَطَّابِ] (¬2) ، أَوْ عُثْمَانَ، أَوْ عَلِيًّا، [أَوْ غَيْرَهُمْ] (¬3) أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، أَوْ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُ. وَكَيْفَ يَقُولُونَ (¬4) ذَلِكَ، وَهُمْ دَائِمًا يَرَوْنَ مِنْ تَقْدِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَتَفْضِيلِهِ لَهُ، وَتَخْصِيصِهِ بِالتَّعْظِيمِ، مَا قَدْ ظَهَرَ لِلْخَاصِّ وَالْعَامِّ؟ ! حَتَّى أَنَّ أَعْدَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ، يَعْلَمُونَ أَنَّ لِأَبِي بَكْرٍ مِنَ الِاخْتِصَاصِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ. كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ [أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ] (¬5) ؟ ثُمَّ قَالَ (¬6) أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ [أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟] (¬7) وَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) : " «لَا تُجِيبُوهُ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬9) كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ بِتَمَامِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (¬10) . ¬

(¬1) قَطُّ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) بْنَ الْخَطَّابِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أَوْ غَيْرَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: يَقُولُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ثُمَّ قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬9) الْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 4/65 - 66 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْحَرْبِ) ، 5/94 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/293، وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ. وَانْظُرْ: جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 9/176 - 178. (¬10) أ، ب: كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِتَمَامِهِ.

حَتَّى إِنِّي أَعْلَمُ طَائِفَةً مِنْ حُذَّاقِ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَجُلًا عَاقِلًا أَقَامَ الرِّيَاسَةَ بِعَقْلِهِ وَحِذْقِهِ، يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُبَاطِنًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ يَعْلَمُ أَسْرَارَهُ عَلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ. فَقَدْ ظَهَرَ لِعَامَّةِ الْخَلَائِقِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) كَانَ أَخَصَّ النَّاسِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا النَّبِيُّ وَهَذَا صِدِّيقُهُ، فَإِذَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَفْضَلَ النَّبِيِّينَ فَصِدِّيقُهُ أَفْضَلُ الصِّدِّيقِينَ. فَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ دَلَّتِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ عَلَى صِحَّتِهَا وَثُبُوتِهَا وَرِضَا اللَّهِ وَرَسُولِ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] لَهُ (¬2) بِهَا، وَانْعَقَدَتْ بِمُبَايَعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهُ اخْتِيَارًا اسْتَنَدُوا فِيهِ إِلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ تَفْضِيلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّهُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَصَارَتْ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ جَمِيعًا. وَلَكِنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِهَا (¬3) ، وَأَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَا وَقَدَّرَهَا، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَخْتَارُونَهَا، وَكَانَ هَذَا أَبْلَغَ مِنْ مُجَرَّدِ الْعَهْدِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ يَكُونُ طَرِيقُ ثُبُوتِهَا مُجَرَّدَ الْعَهْدِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدِ اخْتَارُوهُ مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ، وَدَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى صَوَابِهِمْ فِيمَا فَعَلُوهُ، وَرِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: وَرَسُولِهِ بِهَا. (¬3) ن (فَقَطْ) : عَلَى رِضَا اللَّهِ عَنْهُ وَرَسُولِهِ بِهَا.

أَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ (¬1) فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ الَّتِي بَانَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، مَا عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ أَنَّهُ أَحَقُّهُمْ بِالْخِلَافَةِ، وَأَنَّ (¬2) ذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى عَهْدٍ خَاصٍّ. كَمَا قَالَ (¬3) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ، [فَقَالَ لِعَائِشَةَ: " «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: " «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ، أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، وَيَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ» " (¬4) . فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا خَوْفًا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ ظَاهِرٌ لَيْسَ مِمَّا يُقْبَلُ النِّزَاعُ فِيهِ، وَالْأُمَّةُ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنَبِيِّهَا، وَهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَأَفْضَلُ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَلَا يَتَنَازَعُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ، فَإِنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ لِخَفَاءِ الْعِلْمِ أَوْ لِسُوءِ الْقَصْدِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُنْتَفٍ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِفَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ جَلِيٌّ، وَسُوءَ الْقَصْدِ لَا يَقَعُ مِنْ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ الْقُرُونِ] (¬5) ؛ وَلِهَذَا قَالَ (¬6) : " «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» "، فَتَرَكَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ [ظُهُورَ] (¬7) ¬

(¬1) ن، م: كَانَتْ. (¬2) أ، ب: فَإِنَّ. (¬3) ن: كَمَا أَنَّ. (¬4) سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْحَدِيثِ مِنْ قَبْلُ. انْظُرْ: ص 511 ت 7. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: ثُمَّ قَالَ. (¬7) ظُهُورَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

فصل بطلان مزاعم ابن المطهر عن بيعة أبي بكر

فَضِيلَةِ [أَبِي بَكْرٍ] الصِّدِّيقِ (¬1) وَاسْتِحْقَاقِهِ (¬2) لِهَذَا الْأَمْرِ يُغْنِي عَنِ الْعَهْدِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَتَرَكَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَظُهُورِ فَضِيلَةِ الصِّدِّيقِ وَاسْتِحْقَاقِهِ، وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الْعَهْدِ. [فَصْلٌ بطلان مزاعم ابن المطهر عن بيعة أبي بكر] فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ [الرَّافِضِيِّ] (¬3) . إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ (¬4) الْإِمَامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ، بِمُبَايَعَةِ عُمَرَ، بِرِضَا أَرْبَعَةٍ (¬5) . فَيُقَالُ لَهُ: لَيْسَ (¬6) هَذَا قَوْلَ أَئِمَّةِ أَهْلِ (¬7) السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِمَامَةَ تَنْعَقِدُ بِبَيْعَةِ أَرْبَعَةٍ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: تَنْعَقِدُ بِبَيْعَةِ ¬

(¬1) ن، م: فَضِيلَةِ الصِّدِّيقِ. (¬2) أ، ب: وَاسْتِخْلَافِهِ. (¬3) ن، م: وَأَمَّا قَوْلُهُ. (¬4) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) انْظُرْ مَا سَبَقَ ص 126. وَفِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ: " بَحْثُ مَتَى يَصِيرُ الْإِمَامُ إِمَامًا ". (¬6) ن، م: فَلَيْسَ. (¬7) أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ.

اثْنَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَنْعَقِدُ بِبَيْعَةِ وَاحِدٍ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ أَقْوَالَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ (¬1) . بَلِ الْإِمَامَةُ عِنْدَهُمْ تَثْبُتُ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الشَّوْكَةِ عَلَيْهَا، وَلَا يَصِيرُ الرَّجُلُ إِمَامًا حَتَّى يُوَافِقَهُ أَهْلُ الشَّوْكَةِ عَلَيْهَا (¬2) الَّذِينَ يَحْصُلُ بِطَاعَتِهِمْ لَهُ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْإِمَامَةِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، فَإِذَا بُويِعَ بَيْعَةً حَصَلَتْ بِهَا الْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ صَارَ إِمَامًا. وَلِهَذَا قَالَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ (¬3) : مَنْ صَارَ لَهُ قُدْرَةٌ وَسُلْطَانٌ يَفْعَلُ بِهِمَا (¬4) مَقْصُودَ الْوِلَايَةِ، فَهُوَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَالْإِمَامَةُ مُلْكٌ وَسُلْطَانٌ، وَالْمُلْكُ لَا يَصِيرُ مُلْكًا بِمُوَافَقَةِ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا أَرْبَعَةٍ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُوَافَقَةُ هَؤُلَاءِ تَقْتَضِي مُوَافَقَةَ غَيْرِهِمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُلْكًا بِذَلِكَ. وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ يَفْتَقِرُ إِلَى الْمُعَاوَنَةِ عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِحُصُولِ مَنْ يُمْكِنُهُمُ التَّعَاوُنُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا بُويِعَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬5) وَصَارَ مَعَهُ شَوْكَةٌ صَارَ إِمَامًا. وَلَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ فِي سَفَرٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ فِي سَفَرٍ إِلَّا أَنْ يُؤَمِّرُوا ¬

(¬1) انْظُرِ الْكَلَامَ عَمَّا يَصِحُّ بِهِ عَقْدُ الْإِمَامَةِ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِأَبِي الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيِّ، ص [0 - 9]- 7، الْقَاهِرَةُ، 1298؛ الْفِصَلِ لِابْنِ حَزْمٍ 5/13 - 18؛ مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ، 2/133، أُصُولِ الدِّينِ، ص 280 - 281. (¬2) عَلَيْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: أَئِمَّةُ السُّنَّةِ. (¬4) ن، م، أ: بِهِ. (¬5) ن، م: عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَاحِدًا مِنْهُمْ» (¬1) " فَإِذَا أَمَّرَهُ أَهْلُ الْقُدْرَةِ مِنْهُمْ صَارَ أَمِيرًا. فَكَوْنُ الرَّجُلِ أَمِيرًا وَقَاضِيًا وَوَالِيًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، مَتَى حَصَلَ مَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ حَصَلَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ إِذِ الْمَقْصُودُ بِهَا عَمَلُ أَعْمَالٍ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَةٍ، فَمَتَى حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا يُمْكِنُ تِلْكَ الْأَعْمَالُ (¬2) كَانَتْ حَاصِلَةً وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا مِثْلُ كَوْنِ الرَّجُلِ رَاعِيًا لِلْمَاشِيَةِ، مَتَى سُلِّمَتْ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ أَنْ يَرْعَاهَا، كَانَ رَاعِيًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا، فَلَا (¬3) عَمَلَ إِلَّا بِقُدْرَةٍ عَلَيْهِ، فَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا. وَالْقُدْرَةُ عَلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ إِمَّا بِطَاعَتِهِمْ لَهُ، وَإِمَّا بِقَهْرِهِ لَهُمْ، فَمَتَى ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 10/174 - 176 وَأَوَّلُهُ: " لَا يَحِلُّ أَنْ يَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِطَلَاقِ أُخْرَى. . الْحَدِيثَ، وَفِيهِ:. . وَلَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلَاةٍ إِلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ ". وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر الْحَدِيثَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الْقَوْمِ يُسَافِرُونَ يُؤَمِّرُونَ أَحَدَهُمْ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ". وَفِي نَفْسِ الْكِتَابِ وَالْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ". وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر الْحَدِيثَيْنِ وَقَالَ: إِنَّ إِسْنَادَهُمَا صَحِيحٌ (الْمُسْنَدَ فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ) ، كَمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَى فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/443 - 445 الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ الْحَاكِمُ: " حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. وَانْظُرْ أَيْضًا: نَيْلَ الْأَوْطَارِ لِلشَّوْكَانِيِّ 9/157 - 158، الْقَاهِرَةُ، 1344. (¬2) ن، (فَقَطْ) : فَمَتَى حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا يُمْكِنُ بِهَا تِلْكَ الْأَعْمَالُ. . . إِلَخْ. (¬3) فَلَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) .

صَارَ قَادِرًا عَلَى سِيَاسَتِهِمْ بِطَاعَتِهِمْ أَوْ بِقَهْرِهِ، فَهُوَ ذُو سُلْطَانٍ مُطَاعٍ، إِذَا أَمَرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِسَالَةِ عُبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ (¬1) : " أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِلَى أَنْ قَالَ: " وَمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَأَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَرَضُوا بِهِ، وَمَنْ غَلَبَهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِ جَائِزٌ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا ". وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ (¬2) ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» " (¬3) مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ: تَدْرِي مَا الْإِمَامُ؟ الْإِمَامُ الَّذِي يُجْمِعُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: هَذَا إِمَامٌ؛ فَهَذَا مَعْنَاهُ ¬

(¬1) عُبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ، مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ، وَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/241 - 246. وَانْظُرْ: " مَنَاقِبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، ص 137، 616، تَحْقِيقُ د. عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ التُّرْكِيِّ، 1399/1979. (¬2) ن، م: إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ بَهْرَامَ أَبُو يَعْقُوبَ الْكَوْسَجُ الْمَرْوَزِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 251. سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ، وَأَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. تَرْجَمْتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/113 - 115؛ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ص 129، 615؛ تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/524؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ 6/362 - 364، الْقَاهِرَةُ، 1349/1931. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/96 وَلَفْظُهُ: " مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ".

وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَقَامَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْإِمَامَةِ، وَأَنَّ مُبَايَعَتَهُمْ (¬1) لَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهَذَا ثَابِتٌ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَتَى صَارَ إِمَامًا، فَذَلِكَ بِمُبَايَعَةِ أَهْلِ الْقُدْرَةِ لَهُ. وَكَذَلِكَ عُمَرُ لَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، إِنَّمَا صَارَ إِمَامًا لَمَّا بَايَعُوهُ وَأَطَاعُوهُ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُنَفِّذُوا عَهْدَ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يُبَايِعُوهُ لَمْ يَصِرْ إِمَامًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَوْ غَيْرَ جَائِزٍ. فَالْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَفْعَالِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْوِلَايَةِ وَالسُّلْطَانِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ الْحَاصِلَةِ، ثُمَّ قَدْ تَحْصُلُ عَلَى وَجْهٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، كَسُلْطَانِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَقَدْ تَحْصُلُ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ مَعْصِيَةٌ، كَسُلْطَانِ الظَّالِمِينَ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ وَطَائِفَةً مَعَهُ بَايَعُوهُ، وَامْتَنَعَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ عَنِ الْبَيْعَةِ، لَمْ يَصِرْ إِمَامًا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَارَ إِمَامًا بِمُبَايَعَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْقُدْرَةِ وَالشَّوْكَةِ. وَلِهَذَا لَمْ يَضُرَّ تَخَلُّفُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ [لَا] (¬2) يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا تَحْصُلُ (¬3) مَصَالِحُ الْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ قَدْ حَصَلَ بِمُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ عَلَى ذَلِكَ. ¬

(¬1) ن، م: مُتَابَعَتَهُمْ. (¬2) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَبِهَا يَتِمُّ الْمَعْنَى. (¬3) ن، م: الَّذِي بِهِ يَفْعَلُ. . . إِلَخْ.

فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ يَصِيرُ إِمَامًا بِمُوَافَقَةِ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَلَيْسُوا هُمْ ذَوِي الْقُدْرَةِ وَالشَّوْكَةِ، فَقَدْ غَلِطَ؛ كَمَا أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ تَخَلُّفَ الْوَاحِدِ أَوِ الِاثْنَيْنِ وَالْعَشَرَةِ يَضُرُّهُ، فَقَدْ غَلِطَ. وَأَبُو بَكْرٍ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، الَّذِينَ هُمْ بِطَانَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالَّذِينَ بِهِمْ صَارَ لِلْإِسْلَامِ قُوَّةٌ وَعِزَّةٌ، وَبِهِمْ قَهَرَ الْمُشْرِكُونَ، وَبِهِمْ فُتِحَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ، فَجُمْهُورُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ. وَأَمَّا كَوْنُ عُمَرَ أَوْ غَيْرِهِ (¬1) سَبَقَ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَلَا بُدَّ فِي كُلِّ بَيْعَةٍ (¬2) مِنْ سَابِقٍ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ كَارِهًا لِلْبَيْعَةِ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي مَقْصُودِهَا، فَإِنَّ نَفْسَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهَا ثَابِتٌ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّهُمْ بِهَا، وَمَعَ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَضُرُّ مَنْ خَالَفَهَا، وَنَفْسُ حُصُولِهَا وَوُجُودِهَا ثَابِتٌ بِحُصُولِ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، بِمُطَاوَعَةِ (¬3) ذَوِي الشَّوْكَةِ. فَالدِّينُ الْحَقُّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ الْهَادِي وَالسَّيْفِ النَّاصِرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 25] (¬4) . ¬

(¬1) ن، م: عُمَرَ وَغَيْرِهِ. (¬2) أ: فِي كُلِّ بَيْعَةٍ فَلَا بُدَّ؛ ب: فَفِي كُلِّ بَيْعَةٍ لَا بُدَّ. (¬3) ن، م: بِطَاعَةِ. (¬4) ن، م: لِلنَّاسِ الْآيَةَ.

كانت بيعة عثمان بإجماع المسلمين

فَالْكِتَابُ يُبَيِّنُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ، وَالسَّيْفُ يَنْصُرُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ. وَأَبُو بَكْرٍ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِمُبَايَعَتِهِ، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ كَانُوا أَهْلَ السَّيْفِ الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ، فَانْعَقَدَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ فِي حَقِّهِ بِالْكِتَابِ وَالْحَدِيدِ. وَأَمَّا عُمَرُ (¬1) فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ عَهِدَ إِلَيْهِ وَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَصَارَ إِمَامًا لَمَّا حَصَلَتْ لَهُ الْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ بِمُبَايَعَتِهِمْ لَهُ (¬2) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ عُثْمَانُ [بْنُ عَفَّانَ] (¬3) بِنَصِّ عُمَرَ عَلَى سِتَّةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ، فَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ (¬4) . [كانت بيعة عثمان بإجماع المسلمين] فَيُقَالُ أَيْضًا: عُثْمَانُ لَمْ يَصِرْ إِمَامًا بِاخْتِيَارِ بَعْضِهِمْ، بَلْ بِمُبَايَعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ بَايَعُوا عُثْمَانَ [بْنَ عَفَّانَ] (¬5) ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ (¬6) عَنْ بَيْعَتِهِ أَحَدٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَمْدَانَ بْنِ عَلِيٍّ (¬7) : " مَا كَانَ فِي الْقَوْمِ ¬

(¬1) انْظُرْ كَلَامَ ابْنِ مُطَهِّرٍ فِيمَا سَبَقَ، ص 126. (¬2) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬3) بْنُ عَفَّانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) انْظُرْ مَا سَبَقَ، ص 126 - 127. (¬5) بْنَ عَفَّانَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: بْنَ عَفَّانَ لَمْ تَتَخَلَّفْ. . . (¬7) حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ، أَبُو جَعْفَرٍ الْوَرَّاقُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرَانَ بْنِ أَيُّوبَ الْجُرْجَانِيُّ الْأَصْلُ، الْبَغْدَادِيُّ الْمَنْشَأِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ لَمَّا ذَكَرَهُ: رَفِيعُ الْقَدْرِ، كَانَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَسَائِلُ حِسَانٌ. وَقَدْ تُوُفِّيَ حَمْدَانُ سَنَةَ 272. تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/308 - 310؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ 3/61 - 62.

أَوْكَدُ بَيْعَةً مِنْ عُثْمَانَ (¬1) كَانَتْ بِإِجْمَاعِهِمْ " فَلَمَّا بَايَعَهُ ذَوُو الشَّوْكَةِ وَالْقُدْرَةِ صَارَ إِمَامًا، وَإِلَّا فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَايَعَهُ، وَلَمْ يُبَايِعْهُ عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَهْلِ الشَّوْكَةِ لَمْ يَصِرْ إِمَامًا. وَلَكِنَّ عُمَرَ لَمَّا جَعَلَهَا شُورَى فِي سِتَّةٍ: عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطِلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ بِاخْتِيَارِهِمْ، وَبَقِيَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ عَوْفٍ] (¬2) ، وَاتَّفَقَ الثَّلَاثَةُ بِاخْتِيَارِهِمْ عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ [بْنَ عَوْفٍ] (¬3) لَا يَتَوَلَّى وَيُوَلِّي أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ، وَأَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثًا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَمِضْ فِيهَا بِكَبِيرِ نَوْمٍ يُشَاوِرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَيُشَاوِرُ أُمَرَاءَ الْأَنْصَارِ، وَكَانُوا قَدْ حَجُّوا مَعَ عُمَرَ ذَلِكَ الْعَامَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِوِلَايَةِ عُثْمَانَ، وَذَكَرَ (¬4) أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَدَّمُوا عُثْمَانَ فَبَايَعُوهُ، لَا عَنْ رَغْبَةٍ أَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا، وَلَا عَنْ رَهْبَةٍ أَخَافَهُمْ بِهَا. وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ كَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ (¬5) وَأَحْمَدَ ¬

(¬1) ب: مَا كَانَ فِي الْقَوْمِ مِنْ بَيْعَةِ عُثْمَانَ. . إِلَخْ. (¬2) بْنُ عَوْفٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) بْنَ عَوْفٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَذَكَرُوا. (¬5) أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ كَيْسَانُ السِّخْتِيَانِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ، مَوْلَى عَنَزَةَ، وَيُقَالُ: مَوْلَى جُهَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ: مَاتَ سَنَةَ 131. زَادَ غَيْرُهُ: وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. . وَيُقَالُ: مَاتَ سَنَةَ 125، وَقِيلَ: قَبْلَهَا بِسَنَةٍ. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 1/397 - 399.

اتفاق المسلمين على بيعة أبي بكر أعظم من اتفاقهم على بيعة علي

[بْنِ حَنْبَلٍ] (¬1) ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ (¬2) ، وَغَيْرِهِمْ (¬3) : مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ (¬4) فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَهَذَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوهُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَاشْتِوَارِهِمْ. [اتفاق المسلمين على بيعة أبي بكر أعظم من اتفاقهم على بيعة علي] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " ثُمَّ عَلِيٌّ بِمُبَايَعَةِ الْخَلْقِ لَهُ " (¬5) . فَتَخْصِيصُهُ عَلِيًّا بِمُبَايَعَةِ الْخَلْقِ لَهُ، دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، كَلَامٌ ظَاهِرُ الْبَطَلَانِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ مَنْ عَرَفَ سِيرَةَ الْقَوْمِ أَنَّ اتِّفَاقَ الْخَلْقِ وَمُبَايَعَتَهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَعْظَمُ مِنِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ [عَنْهُ] وَعَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، (¬6) وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى [بَيْعَةِ] (¬7) عُثْمَانَ أَعْظَمَ مِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى [بَيْعَةِ] (¬8) عَلِيٍّ. وَالَّذِينَ بَايَعُوا عُثْمَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا، فَإِنَّهُ بَايَعَهُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ] وَعَبْدُ اللَّهِ] بْنُ مَسْعُودٍ وَالْعَبَّاسُ ¬

(¬1) بْنِ حَنْبَلٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) وَالدَّارَقُطْنِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ، الْبَغْدَادِيُّ، الْحَافِظُ الشَّهِيرُ، صَاحِبُ السُّنَنِ. . . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ تُوُفِّيَ الدَّارَقُطْنِيُّ سَنَةَ 385. تَرْجَمَتُهُ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/991 - 995 ابْنِ خِلِّكَانَ 2/459 - 460. (¬3) ن، م: وَغَيْرِهِمَا. (¬4) أ، ب: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ. (¬5) انْظُرْ مَا سَبَقَ ص 127. (¬6) ن: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ؛ م: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (سَقَطَتْ عِبَارَةُ: وَعَنْهُمْ أَجْمَعِينَ) . (¬7) بَيْعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) بَيْعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

[بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ] وَأُبَيُّ (¬1) بْنُ كَعْبٍ وَأَمْثَالُهُمْ، مَعَ سَكِينَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، بَعْدَ (¬2) مُشَاوَرَةِ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَأَمَّا عَلِيٌّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬3) فَإِنَّهُ بُويِعَ عَقِيبَ (¬4) قَتْلِ عُثْمَانَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬5) وَالْقُلُوبُ مُضْطَرِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَكَابِرُ الصَّحَابَةِ مُتَفَرِّقُونَ، وَأُحْضِرَ طَلْحَةُ إِحْضَارًا حَتَّى قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ جَاءُوا بِهِ مُكْرَهًا، وَأَنَّهُ قَالَ، بَايَعْتُ وَاللُّجُّ - أَيِ السَّيْفُ - (¬6) عَلَى قَفَيَّ. وَكَانَ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ بِالْمَدِينَةِ شَوْكَةٌ لَمَّا قَتَلُوا عُثْمَانَ، وَمَاجَ النَّاسُ لِقَتْلِهِ مَوْجًا عَظِيمًا. وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُبَايِعْ عَلِيًّا، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَمْثَالِهِ، وَكَانَ النَّاسُ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ قَاتَلُوا مَعَهُ، وَصِنْفٌ قَاتَلُوهُ، وَصِنْفٌ لَمْ يُقَاتِلُوهُ وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ. فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي عَلِيٍّ: بِمُبَايَعَةِ الْخَلْقِ لَهُ، وَلَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مُبَايَعَةِ (¬7) الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِمْ (¬8) أَحَدٌ؟ بَلْ (¬9) بَايَعَهُمُ (¬10) النَّاسُ كُلُّهُمْ لَا سِيَّمَا عُثْمَانُ. ¬

(¬1) ن، م: وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْعَبَّاسُ وَأُبَيُّ. . . (¬2) أ، ب: وَبَعْدَ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: عَقِبَ. (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) عِبَارَةُ " أَيِ السَّيْفُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن (فَقَطْ) : مُبَايَعَتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن، م: عَلَيْهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) أ، ب: لَمَّا. (¬10) ن: تَابَعَهُمُ.

وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَتَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ سَعْدٌ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَيَّنُوهُ لِلْإِمَارَةِ (¬1) فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ مَا يَبْقَى فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ. وَلَكِنْ هُوَ مَعَ هَذَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُعَارِضْ، وَلَمْ يَدْفَعْ حَقًّا وَلَا أَعَانَ عَلَى بَاطِلٍ. [بَلْ قَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَفَّانَ (¬2) ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ (¬3) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - هُوَ الْحِمْيَرِيُّ - فَذَكَرَ حَدِيثَ السَّقِيفَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: " «قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ» " قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ نَحْنُ الْوُزَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْأُمَرَاءُ. فَهَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ (¬4) وَلَعَلَّ حُمَيْدًا أَخَذَهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا ذَلِكَ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ ¬

(¬1) ن، م: لِلْإِمْرَةِ. (¬2) أ، ب: عُثْمَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُسْنَدِ: ج [0 - 9] ، الْحَدِيثُ 18؛ وَفِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 5/247، الْقَاهِرَةُ، 1351 1932. (¬3) أ، ب: أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُسْنَدِ وَفِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ، وَنَصُّهُمَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَ:. . . إِلَخْ. (¬4) قَالَ الْأُسْتَاذُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (الْمُسْنَدَ، ج [0 - 9] ، الْحَدِيثُ 18، ص [0 - 9] 64) : " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ، فَإِنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيَّ التَّابِعِيَّ الثِّقَةَ يَرْوِي عَنْ أَمْثَالِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَمْ يُصَرِّحْ هُنَا بِمَنْ حَدَّثَهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ وَحَدِيثَ السَّقِيفَةِ وَبَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: " حم (أَحْمَدُ) عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ". وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ.

أقوال الناس في خلافة علي

جَلِيلَةٌ (¬1) جِدًّا، وَهِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ نَزَلَ عَنْ مَقَامِهِ الْأَوَّلِ فِي دَعْوَى الْإِمَارَةِ، وَأَذْعَنَ لِلصِّدِّيقِ بِالْإِمَارَةِ، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ] (¬2) . وَلِهَذَا اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ عَلَى أَقْوَالٍ: [أقوال الناس في خلافة علي] فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّهُ إِمَامٌ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ إِمَامٌ، وَإِنَّهُ يَجُوزُ نَصْبُ إِمَامَيْنِ [فِي وَقْتٍ] (¬3) إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا يُحْكَى عَنِ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِمَامٌ عَامٌّ، بَلْ كَانَ زَمَانَ فِتْنَةٍ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْبَصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا أَظْهَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ التَّرْبِيعَ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ وَقَالَ: مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ، أَنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَقَالُوا: قَدْ أَنْكَرَ خِلَافَتَهُ مَنْ لَا يُقَالُ: هُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ، يُرِيدُونَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ بِحَدِيثِ سَفِينَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» "، [وَ] (¬4) هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ (¬5) . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ: بَلْ عَلِيٌّ هُوَ الْإِمَامُ، وَهُوَ مُصِيبٌ فِي قِتَالِهِ لِمَنْ قَاتَلَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَاتَلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ كُلُّهُمْ مُجْتَهِدُونَ ¬

(¬1) أ: جَلِيَّةٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) فِي وَقْتٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن، م: مُلْكًا هَذَا. (¬5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ (ص 515 ت [0 - 9] ) .

مُصِيبُونَ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، كَقَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ: [أَبِي الْهُذَيْلِ] (¬1) وَأَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي هَاشِمٍ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ: كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي حَامِدٍ (¬2) ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ [أَبِي الْحَسَنِ] الْأَشْعَرِيِّ (¬3) . وَهَؤُلَاءِ [أَيْضًا] (¬4) يَجْعَلُونَ مُعَاوِيَةَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا فِي قِتَالِهِ، كَمَا أَنَّ عَلِيًّا مُصِيبٌ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ [مِنَ الْفُقَهَاءِ] (¬5) مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، ذَكَرَهُ [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ] (¬6) بْنُ حَامِدٍ، ذَكَرَ [لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ] (¬7) فِي الْمُقْتَتِلِينَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: (¬8) كِلَاهُمَا مُصِيبٌ، وَالثَّانِي: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْمُصِيبُ وَمَنْ خَالَفَهُ مُخْطِئٌ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ (¬9) أَنَّهُ لَا يُذَمُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ (¬10) وَأَنَّ عَلِيًّا أَوْلَى بِالْحَقِّ [مِنْ غَيْرِهِ] (¬11) . أَمَّا تَصْوِيبُ الْقِتَالِ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، بَلْ هُمْ يَقُولُونَ إِنَّ تَرْكَهُ كَانَ أَوْلَى. ¬

(¬1) أَبِي الْهُذَيْلِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَهُوَ الْغَزَالِيُّ. (¬3) ن، م: عَنِ الْأَشْعَرِيِّ. (¬4) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) مِنَ الْفُقَهَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م، أ: أَحَدُهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) أ، ب: وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ. (¬10) ن، م: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمْ. (¬11) مِنْ غَيْرِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَطَائِفَةٌ رَابِعَةٌ تَجْعَلُ عَلِيًّا هُوَ الْإِمَامَ، وَكَانَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا فِي الْقِتَالِ، وَمَنْ قَاتَلَهُ (¬1) كَانُوا [مُجْتَهِدِينَ] (¬2) مُخْطِئِينَ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْكَلَامِ (¬3) ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَطَائِفَةٌ خَامِسَةٌ تَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا مَعَ كَوْنِهِ كَانَ خَلِيفَةً وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَكَانَ (¬4) تَرْكُ الْقِتَالِ أَوْلَى، وَيَنْبَغِي الْإِمْسَاكُ عَنِ الْقِتَالِ لِهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا (¬5) خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي» " (¬6) . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ عَنِ الْحَسَنِ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، ¬

(¬1) ن: وَمَنْ قَاتَلُوهُ. (¬2) مُجْتَهِدِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ. (¬4) ن، م: وَكَانَ. (¬5) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) . (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 4/198 - 199 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: " سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفُ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ 9/51 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ) ؛ مُسْلِمٍ 4/2211 - 2212 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/207 - 208. وَجَاءَ الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/29 (وَصَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر) وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ زِيَادَةٍ طَوِيلَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِ " الِاسْتِقَامَةِ " 2/341 وَتَكَلَّمْتُ هُنَاكَ عَلَى مَكَانِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْمُسْنَدِ.

وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ (¬1) عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬2) . فَأَثْنَى عَلَى الْحَسَنِ بِالْإِصْلَاحِ، وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا، لَمَا مُدِحَ تَارِكُهُ. قَالُوا: وَقِتَالُ الْبُغَاةِ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ كُلِّ بَاغٍ، بَلْ قَالَ [تَعَالَى] (¬3) {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] ، فَأَمَرَ إِذَا اقْتَتَلَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا [عَلَى الْأُخْرَى] (¬4) قُوتِلَتْ. قَالُوا: وَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْقِتَالِ مَصْلَحَةٌ، وَالْأَمْرُ الَّذِي يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ ¬

(¬1) أ، ب: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَسَنِ. (¬2) أ، ب: الْمُؤْمِنِينَ. وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 3/186 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ. . .) ، 4/204 - 205 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 5/26 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ، 9/56 - 57 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ ابْنِي هَذَا لَسَيِّدٌ. . .) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ:. . . وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ: بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/299 - 300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/323 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. . .) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/87 - 88 (كِتَابُ الْجُمُعَةِ، بَابُ مُخَاطَبَةِ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ) . (¬3) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) عَلَى الْأُخْرَى: زِيَادَةٌ فِي (م) .

سِيرِينَ، قَالَ: «قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ تُدْرِكُهُ الْفِتْنَةُ إِلَّا أَنَا أَخَافُهَا عَلَيْهِ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ (¬1) ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " لَا تَضُرُّكَ الْفِتْنَةُ» " (¬2) . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، [عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ، قَالَ: دَخَلْنَا (¬3) عَلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا لَا تَضُرُّهُ الْفِتَنُ شَيْئًا. قَالَ: فَخَرَجْنَا فَإِذَا فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ، فَدَخَلْنَا (¬4) فَإِذَا فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ] (¬5) ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ أَمْصَارِكُمْ (¬6) حَتَّى تَنْجَلِيَ عَمَّا انْجَلَتْ (¬7) . فَهَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لَا تَضُرُّهُ الْفِتْنَةُ، وَهُوَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يُقَاتِلْ لَا مَعَ عَلِيٍّ ¬

(¬1) مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا إِلَّا تَبُوكَ، وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ 46 أَوْ 47، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الْإِصَابَةِ لِابْنِ حَجَرٍ 3/363 - 364؛ الِاسْتِيعَابِ (بِهَامِشِ الْإِصَابَةِ) 3/315 - 317؛ أُسْدِ الْغَابَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ (ط. الشَّعْبِ) 5/112 - 113. (¬2) الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . (¬3) م، أ: دَخَلْتُ. (¬4) فَدَخَلْنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ن، م، أ: أَمْصَارِهِمْ. (¬7) الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ، كَمَا اعْتَزَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (¬1) ، وَأَبُو بَكْرَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَأَكْثَرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ قِتَالٌ وَاجِبٌ وَلَا مُسْتَحَبٌّ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَرْكُ ذَلِكَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ الرَّجُلُ، بَلْ كَانَ مَنْ فَعَلَ الْوَاجِبَ أَوِ الْمُسْتَحَبَّ (¬2) أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهُ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ قِتَالُ فِتْنَةٍ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ [فِيهَا] (¬3) خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَالسَّاعِي خَيْرٌ مِنَ الْمُوضِعِ» " (¬4) - 31.، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ كَانَ خَيْرًا مِنْ فِعْلِهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ [أَئِمَّةِ] (¬5) أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ (¬6) وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. ¬

(¬1) ن: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن، م: الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ. (¬3) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْحَدِيثُ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (ص [0 - 9] 39 ت [0 - 9] ) . وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، انْظُرْ: ج [0 - 9] ، رَقْمُ 1446، 1609 ج [0 - 9] ، رَقْمُ 4286، ج [0 - 9] 4 رَقْمُ 7783، وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. انْظُرْ شَرْحَ الْحَدِيثِ فِي فَتْحِ الْبَارِي 13 (¬5) أَئِمَّةِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سُفْيَانُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَسْرُوقِ بْنِ حَبِيبٍ الثَّوْرِيُّ الْكُوفِيُّ. كَانَ إِمَامًا فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ. تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ 161، وَقِيلَ سَنَةَ 162. تَرْجَمَتُهُ فِي وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/127 - 128؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/250 - 251.

وَهَذِهِ أَقْوَالُ مَنْ يُحْسِنُ الْقَوْلَ فِي عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ، وَمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فَمَقَالَاتُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ لَوْنٌ آخَرُ، فَالْخَوَارِجُ تُكَفِّرُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَمَنْ وَالَاهُمَا (¬1) ؛ وَالرَّوَافِضُ تُكَفِّرُ جُمْهُورَ (¬2) الصَّحَابَةِ كَالثَّلَاثَةِ وَمَنْ وَالَاهُمْ وَتُفَسِّقُهُمْ (¬3) ، وَيُكَفِّرُونَ مَنْ قَاتَلَ ¬

(¬1) ذَكَرَ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ (الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 45) : " وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ: الَّذِي يَجْمَعُهَا " فِرَقُ الْخَوَارِجِ " إِكْفَارُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَأَصْحَابِ الْجَمَلِ وَالْحَكَمَيْنِ، وَمَنْ رَضِيَ بِالتَّحْكِيمِ وَصَوَّبَ الْحَكَمَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا ". وَيَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ (مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 2/126) أَنَّ بَعْضَ الْخَوَارِجِ يَرَوْنَ أَنَّ كُفْرَ عَلِيٍّ وَالْحَكَمَيْنِ هُوَ كُفْرُ شِرْكٍ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَقُولُونَ إِنَّهُ كُفْرُ نِعْمَةٍ وَلَيْسَ بِكُفْرِ شِرْكٍ. وَانْظُرِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/106، 107، 109، وَقَارِنْ مَا وَرَدَ فِي ص [0 - 9] 18. وَانْظُرْ أَيْضًا: أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيِّ، ص [0 - 9] 86 - 287؛ الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، 102. (¬2) أ، ب: جَمِيعَ. (¬3) يَذْكُرُ الْخَيَّاطُ (الِانْتِصَارَ، ص [0 - 9] 04) : " وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَيِ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ ": إِنَّهُ لَيْسَ فِي الشِّيعَةِ مَنْ يُجَوِّزُ اجْتِمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْكُفْرِ؛ فَإِنَّ الرَّافِضَةَ بِأَسْرِهَا قَدْ زَعَمَتْ أَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهَا قَدْ كَفَرَتْ وَأَشْرَكَتْ إِلَّا نَفَرًا يَسِيرًا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً، وَشُهْرَةُ قَوْلِهَا بِذَلِكَ تُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِيهِ ". وَانْظُرْ: ص [0 - 9] 00، 101 - 102 - 103. وَيَذْكُرُ الِاسْفَرَايِينِيُّ (التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ ص [0 - 9] 4) بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى فِرَقِ الْإِمَامِيَّةِ مَا يَلِي: " وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ مِنْ فِرَقِ الْإِمَامِيَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ ". وَحَتَّى الْجَارُودِيَّةِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ يَقُولُونَ بِتَكْفِيرِ كُلِّ الصِّحَابِ لِتَرْكِهِمْ بَيْعَةَ عَلِيٍّ، وَانْظُرِ: التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 6؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/140. وَنَجِدُ فِي كُتُبِ الشِّيعَةِ مِصْدَاقَ ذَلِكَ (انْظُرْ مَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ: أَحْمَد أَمِين: ضُحَى الْإِسْلَامِ 3/249 - 250) . وَفِي كِتَابِ " مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ " يُحَاوِلُ الْمُؤَلِّفُ التَّدْلِيلَ عَلَى جَوَازِ سَبِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ يَقُولُ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 1) : ". . . فَاسْتَبَاحَا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنَ الْعِتْرَةِ وَتَقَدَّمَا عَلَيْهِمَا، فَهَذِهِ أَدِلَّةُ السَّابِّ، وَهِيَ أَدِلَّةٌ ثَابِتَةُ الصِّحَّةِ عِنْدَ مَنْ تَابَعَهَا وَلَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ، بَلْ لَهَا مَا يُعَضِّدُهَا مِمَّا صَدَرَ مِنْهُمَا مِنَ الْمُخَالَفَاتِ لِلشَّرِيعَةِ وَالْمُشَاقَّاتِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ حَسْبَمَا يَأْتِي الْبَيَانُ. فَمَنْ فَسَّقَ مَنْ سَبَّهُمْ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ لِدُخُولِهِ فِي خَبَرِ: وَقَاضٍ قَضَى بِجَوْرٍ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ؛ لِعِلْمِ الْمُفَسِّقِ بِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلسَّبِّ بِالسُّنَنِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا. وَيَذْهَبُ الْمُؤَلِّفُ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 8) إِلَى أَنَّ " مَسْأَلَةَ تَفْضِيلِ طَبَقَةِ مُؤْمِنِي الصَّحَابَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الطَّبَقَاتِ مِنَ الْبُهْتَانِ الْبَيِّنِ "، ثُمَّ يَقُولُ: " فَإِنَّهُ يُعْلَمُ يَقِينًا بِأَنَّ أَخْبَارَهُمْ قَدِ اسْتَفَاضَتْ وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الطَّفِّ (يَاقُوتٌ: أَرْضٌ مِنْ ضَاحِيَةِ الْكُوفَةِ) بَيْنَ يَدَيْ رَيْحَانَةِ الرَّسُولِ (ص) أَفْضَلُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُسْتَشْهِدِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرِهِ ".

عَلِيًّا وَيَقُولُونَ: هُوَ إِمَامٌ مَعْصُومٌ (¬1) ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمَرْوَانِيَّةِ تُفَسِّقُهُ وَتَقُولُ: إِنَّهُ ظَالِمٌ مُعْتَدٍ (¬2) ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ تَقُولُ: قَدْ فَسَقَ إِمَّا هُوَ وَإِمَّا مَنْ قَاتَلَهُ، لَكِنْ لَا يُعْلَمُ عَيْنُهُ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْهُمْ تُفَسِّقُ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرًا دُونَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ (¬3) . ¬

(¬1) يَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 1/122) أَنَّ فِرْقَةً مِنَ الشِّيعَةِ تُكَفِّرُ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا وَتُضَلِّلُهُ، وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا فَاسِقٌ لَيْسَ بِكَافِرٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَارَبَ عَلِيًّا عِنَادًا لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدًّا عَلَيْهِ فَهُمْ كُفَّارٌ. وَفِي " مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ تَيْمِيَّةَ " يُحَاوِلُ الْمُؤَلِّفُ الْبَرْهَنَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْقِعَتَيِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَا يُعَدُّ مُسْلِمًا، وَمِنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 3) : " وَخَبَرُ: وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، دَلِيلٌ عَلَى نِفَاقِ حَتَّى مَنْ لَمْ يُحَارِبْ مَعَهُ وَلَمْ يُحَارِبْهُ، فَإِنَّ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، فَعُلِمَ مُخَالَفَتُهُمْ وَتَرْكُهُمْ لِهَذِهِ السُّنَنِ جَمِيعًا فِي حُكْمِهِمْ بِأَنَّ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا مُسْلِمٌ ". (¬2) مُعْتَدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ن) : مُتَعَدٍّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬3) فِي كِتَابِ " أُصُولِ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيِّ، ص [0 - 9] 90 - 291: " وَقَالَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالنَّظَّامُ وَأَكْثَرُ الْقَدَرِيَّةِ: نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ عَلَى انْفِرَادِهِمْ، وَنَتَوَلَّى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأَتْبَاعَهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِمَا، وَلَكِنْ لَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ شَهِدَ طَلْحَةُ أَوِ الزُّبَيْرُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ طَلْحَةَ عَلَى بَاقَةِ بَقْلٍ لَمْ نَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمَا: لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَاسِقٌ، وَالْفَاسِقُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ ". وَذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 2/130) أَنَّ النَّظَّامَ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُصِيبًا، فِي حِينِ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ كَانُوا مُخْطِئِينَ. وَقَالَ ضِرَارٌ وَأَبُو الْهُذَيْلِ وَمَعْمَرٌ: نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُصِيبٌ وَالْآخَرَ مُخْطِئٌ، فَنَحْنُ نَتَوَلَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَأَنْزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ مَنْزِلَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُخْطِئٌ، وَلَا يَعْلَمُونَ الْمُخْطِئَ مِنْهُمَا. هَذَا قَوْلُهُمْ فِي عَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ؛ فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَهُمْ لَهُ مُخَطِّئُونَ غَيْرُ قَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ. وَانْظُرْ أَيْضًا: الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، ص 97 - 98؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 1 - 73؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/52 - 53.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ وَحُرُوبِهِ (¬1) كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ (¬2) بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، فَكَيْفَ تَكُونُ مُبَايَعَةُ الْخَلْقِ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ مُبَايَعَتِهِمْ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ؟] (¬3) . فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي (¬4) أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ خِلَافَتَهُ انْعَقَدَتْ بِمُبَايَعَةِ الْخَلْقِ لَهُ لَا بِالنَّصِّ. فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّصَّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، لِقَوْلِهِ: " «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً» "، فَهُمْ يَرْوُونَ (¬5) النُّصُوصَ الْكَثِيرَةَ فِي صِحَّةِ خِلَافَةِ غَيْرِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬6) ، يَرْوُونَ فِي صِحَّةِ خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ نُصُوصًا كَثِيرَةً، بِخِلَافِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ فَإِنَّ نُصُوصَهَا قَلِيلَةٌ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ اجْتَمَعَتْ (¬7) الْأُمَّةُ عَلَيْهِمْ فَحَصَلَ بِهِمْ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ، وَقُوتِلَ بِهِمُ ¬

(¬1) ن، م: وَجُودِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ: مُنْذُ شَهْرٍ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) ؛ ب: مُشْتَهَرٌ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) بِقَوْلِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) ، (ب) . (¬5) ن: يَرَوْنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) أ، ب: أَهْلُ الْحَدِيثِ. (¬7) ن، م: أَجْمَعَتْ.

التعليق على ما نسبه ابن المطهر إلى أهل السنة من أقوال عن الإمامة بعد علي

الْكُفَّارُ، وَفُتِحَتْ بِهِمُ الْأَمْصَارُ. وَخِلَافَةُ عَلِيٍّ لَمْ يُقَاتَلْ فِيهَا كُفَّارٌ (¬1) ، وَلَا فُتِحَ مِصْرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ السَّيْفُ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَأَمَّا النَّصُّ الَّذِي تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ، فَهُوَ كَالنَّصِّ الَّذِي تَدَّعِيهِ الرَّاوَنْدِيَّةُ عَلَى الْعَبَّاسِ (¬2) ، وَكِلَاهُمَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي إِثْبَاتِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ إِلَّا هَذَا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ إِمَامَةٌ قَطُّ، كَمَا لَمْ تَثْبُتْ لِلْعَبَّاسِ إِمَامَةٌ بِنَظِيرِهِ. [التعليق على ما نسبه ابن المطهر إلى أهل السنة من أقوال عن الإمامة بعد علي] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْإِمَامَ بَعْدَهُ الْحَسَنُ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إِنَّهُ مُعَاوِيَةُ (¬3) ". فَيُقَالُ:. أَهْلُ السُّنَّةِ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي هَذَا، بَلْ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْحَسَنَ بَايَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ مَكَانَ أَبِيهِ، وَأَهْلُ الشَّامِ كَانُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: " ثُمَّ سَاقُوا الْإِمَامَةَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ (¬4) ". ¬

(¬1) أ، ب: كَافِرٌ. (¬2) انْظُرْ أَيْضًا عَنِ الرَّاوَنْدِيَّةِ وَنَصِّهِمْ عَلَى الْعَبَّاسِ: أُصُولَ الدِّينِ، ص 281. (¬3) انْظُرْ مَا سَبَقَ، ص 127. (¬4) نَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهِّرِ، كَمَا وَرَدَ مِنْ قَبْلُ ص 127: " ثُمَّ سَاقُوا الْإِمَامَةَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ إِلَى أَنْ ظَهَرَ السَّفَّاحُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَسَاقُوا الْإِمَامَةَ إِلَيْهِ، ثُمَّ انْتَقَلَتِ الْإِمَامَةُ إِلَى أَخِيهِ الْمَنْصُورِ، ثُمَّ سَاقُوا الْإِمَامَةَ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَى الْمُسْتَعْصِمِ.

فَيُقَالُ: أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَانَ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى دُونَ مَنْ سِوَاهُ، وَلَا يَقُولُونَ إِنَّهُ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ يُخْبِرُونَ بِالْوَاقِعِ وَيَأْمُرُونَ بِالْوَاجِبِ، فَيَشْهَدُونَ بِمَا وَقَعَ (¬1) ، وَيَأْمُرُونَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ (¬2) وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ تَوَلَّوْا، وَكَانَ لَهُمْ سُلْطَانٌ وَقُدْرَةٌ يَقْدِرُونَ بِهَا عَلَى مَقَاصِدِ الْوِلَايَةِ: مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَقَسْمِ الْأَمْوَالِ، وَتَوْلِيَةِ الْوِلَايَاتِ (¬3) ، وَجِهَادِ الْعَدُوِّ، وَإِقَامَةِ الْحَجِّ وَالْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْوِلَايَاتِ (¬4) . وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَنُوَّابِهِمْ وَغَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَاعَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، بَلْ يُشَارَكُ فِيمَا يَفْعَلُهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ: فَيُغْزَى مَعَهُ الْكُفَّارُ، وَيُصَلَّى مَعَهُ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ، وَيُحَجُّ مَعَهُ، وَيُعَاوَنُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، فَيُعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا يُعَاوَنُونَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ قَدْ تَوَلَّى غَيْرُ هَؤُلَاءِ: تَوَلَّى بِالْغَرْبِ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ بَنِي عَلِيٍّ (¬5) ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَصْلُحُونَ إِلَّا بِوُلَاةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى مَنْ هُوَ دُونَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ لَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا مِنْ ¬

(¬1) ن، م: فَيَشْهَدُونَ بِالْوَاقِعِ. (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: الْوِلَايَةِ. (¬4) أ، ب: الْوِلَايَةِ. (¬5) أ، ب: تَوَلَّى غَيْرُ هَؤُلَاءِ بِالْغَرْبِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمِنْ بَنِي عَلِيٍّ.

عَدَمِهِمْ، كَمَا يُقَالُ: سِتُّونَ سَنَةً مَعَ إِمَامٍ جَائِرٍ، خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إِمَامٍ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1) أَنَّهُ قَالَ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ إِمَارَةٍ بَرَّةً كَانَتْ أَوْ فَاجِرَةً. قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْبَرَّةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا بَالُ الْفَاجِرَةِ؟ قَالَ: يُؤَمَّنُ بِهَا السَّبِيلُ، وَيُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ، وَيُجَاهَدُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَيُقْسَمُ بِهَا الْفَيْءُ. ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي كِتَابِ " الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ " (¬2) . وَكُلُّ مَنْ تَوَلَّى كَانَ خَيْرًا مِنَ الْمَعْدُومِ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي تَقُولُ الرَّافِضَةُ: إِنَّهُ الْخَلَفُ الْحُجَّةُ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَحْصُلْ بِإِمَامَتِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الدِّينِ أَصْلًا، فَلَا فَائِدَةَ فِي إِمَامَتِهِ إِلَّا الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَمَانِيَّ الْكَاذِبَةَ [وَالْفِتَنَ بَيْنَ الْأُمَّةِ] (¬3) وَانْتِظَارَ مَنْ لَا يَجِيءُ، فَتُطْوَى الْأَعْمَارُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ فَائِدَةِ هَذِهِ الْإِمَامَةِ شَيْءٌ. وَالنَّاسُ لَا يُمْكِنُهُمْ بَقَاءُ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِلَا وُلَاةِ أُمُورٍ، بَلْ كَانَتْ تَفْسُدُ أُمُورُهُمْ (¬4) ، فَكَيْفَ تَصْلُحُ أُمُورُهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ إِلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْإِمَامَةِ بَلْ هُوَ مَعْدُومٌ؟ ¬

(¬1) ن، م: عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬2) فِي كُتُبِ الرِّجَالِ يُذْكَرُ اثْنَانِ بَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، الْأَوَّلُ: عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ شَدَّادٍ الْعَبْدِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ الْمُتَوَفَّى 218. وَالثَّانِي هُوَ: عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ الْمِصْرِيُّ الصَّغِيرُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 259، وَلَمْ أَتَبَيَّنْ أَيَّهُمَا الْمَقْصُودُ، وَلَمْ أَجِدْ أَيَّ ذِكْرٍ لِكِتَابِ " الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ ". انْظُرْ: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 7/384 - 386؛ مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 2/238؛ تَارِيخَ بَغْدَادَ 12/109 - 110. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: أُمُورُهُمْ تَفْسُدُ.

وَأَمَّا آبَاؤُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُدْرَةُ وَلَا سُلْطَانُ (¬1) الْإِمَامَةِ، بَلْ كَانَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْهُمْ إِمَامَةُ أَمْثَالِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيثِ وَالْفُتْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُلْطَانُ الشَّوْكَةِ؛ فَكَانُوا عَاجِزِينَ عَنِ الْإِمَامَةِ، سَوَاءٌ كَانُوا أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ (¬2) أَوْ لَمْ يَكُونُوا أَوْلَى. فَبِكُلِّ حَالٍ مَا مُكِّنُوا وَلَا وُلُّوا وَلَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُمُ (¬3) الْمَطْلُوبُ مِنَ الْوِلَايَةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، وَلَوْ أَطَاعَهُمُ الْمُؤْمِنُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِطَاعَتِهِمُ الْمَصَالِحُ الَّتِي تَحْصُلُ بِطَاعَةِ الْأَئِمَّةِ: مِنْ جِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَإِيصَالِ الْحُقُوقِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا - أَوْ بَعْضِهِمْ - وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ. فَإِنْ قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ إِمَامٌ، أَيْ ذُو سُلْطَانٍ وَقُدْرَةٍ يَحْصُلُ بِهِمَا مَقَاصِدُ الْإِمَامَةِ (¬4) ؛ كَانَ هَذَا مُكَابَرَةً لِلْحِسِّ، وَلَوْ كَانَ [ذَلِكَ] (¬5) كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُتَوَلٍّ يُزَاحِمُهُمْ وَلَا يَسْتَبِدُّ بِالْأَمْرِ دُونَهُمْ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَإِنْ قَالَ: إِنَّهُمْ أَئِمَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا (¬6) يَجِبُ أَنْ يُوَلَّوْا، وَأَنَّ النَّاسَ عَصَوْا بِتَرْكِ تَوْلِيَتِهِمْ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى (7 إِمَامَةَ الصَّلَاةِ وَأَنْ يُوَلَّى 7) (¬7) الْقَضَاءَ، وَلَكِنْ لَمْ يُوَلَّ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا. ¬

(¬1) أ، ب: قُدْرَةُ وَسُلْطَانُ. (¬2) أ، ب: بِالْوِلَايَةِ. (¬3) ب (فَقَطْ) : بِهِمُ. (¬4) ن، م: تَحْصُلُ بِهَا مَقَاصِدُ الْأَئِمَّةِ. (¬5) ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (م) : كَانَ. (¬7) (7 - 7) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

تفصيل القول في بيان رأي أهل السنة في الإمامة

[تفصيل القول في بيان رأي أهل السنة في الإمامة] وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّهُ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّوْكَةِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ يُوَلُّونَ شَخْصًا وَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْوِلَايَةِ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْتَارُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ (¬1) بَعْدَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّوْكَةِ لَمْ يَكُونُوا مُوَافِقِينَ (¬2) عَلَى ذَلِكَ، (3 وَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ عُقِدَ الْعَهْدُ مَعَهُ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَهُ، فَكَانَ يَزِيدُ هُوَ وَلِيَّ الْعَهْدِ 3) (¬3) . وَحِينَئِذٍ فَأَهْلُ الشَّوْكَةِ الَّذِينَ قَدَّمُوا الْمَرْجُوحَ وَتَرَكُوا الرَّاجِحَ، أَوِ الَّذِي تَوَلَّى بِقُوَّتِهِ وَقُوَّةِ أَتْبَاعِهِ ظُلْمًا وَبَغْيًا، يَكُونُ إِثْمُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَى الظُّلْمِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَظْلِمْ وَلَا أَعَانَ ظَالِمًا وَإِنَّمَا أَعَانَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْءٌ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعَاوِنُونَ الْوُلَاةَ إِلَّا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لَا يُعَاوِنُونَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَيَصِيرُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فِي الشَّرْعِ لِكَوْنِهِ أَقْرَأَ وَأَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ، أَوْ أَقْدَمَ هِجْرَةً وَسِنًّا، إِذَا قَدَّمَ ذَوُو الشَّوْكَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ، فَالْمُصَلُّونَ خَلْفَهُ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُهُمُ الصَّلَاةُ إِلَّا خَلْفَهُ، أَيُّ ذَنْبٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ؟ ¬

(¬1) الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُتَوَفَّى حَوَالَيْ سَنَةَ 107. رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَمَّتِهِ عَائِشَةَ، وَعَنِ الْعَبَادِلَةِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزُّبَيْرُ: مَا رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَدَ وَلَدًا أَشْبَهَ مِنْ هَذَا الْفَتَى. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 8/333 - 335؛ شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/135. (¬2) ن، م، أ: يُوَافِقُونَ. (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ الْجَاهِلُ أَوِ الظَّالِمُ أَوِ الْمَفْضُولُ إِذَا طَلَبَ الْمَظْلُومُ مِنْهُ أَنْ يُنْصِفَهُ وَيَحْكُمَ لَهُ بِحَقِّهِ: فَيَحْبِسُ (¬1) لَهُ غَرِيمَهُ، [أَوْ يُقَسِّمُ لَهُ مِيرَاثَهُ] (¬2) ، أَوْ يُزَوِّجُهُ بِأَيِّمٍ لَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرُ السُّلْطَانِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنْ إِثْمِهِ، أَوْ إِثْمِ مَنْ وَلَّاهُ وَهُوَ لَمْ يَسْتَعِنْ بِهِ إِلَّا عَلَى حَقٍّ لَا عَلَى بَاطِلٍ؟ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» " [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ] (¬3) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْأَصْلَحُ لِلْوِلَايَةِ إِذَا أَمْكَنَ: [إِمَّا] (¬4) وُجُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنِ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : فَحَبَسَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) عِبَارَةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 9/94 - 95 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ. . .) وَنَصُّهُ: " دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي مُسْلِمٍ 2/975 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَرْضِ الْحَجِّ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/83 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/3 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . (¬4) إِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

الْأَصْلَحِ مَعَ قُدْرَتِهِ - لِهَوَاهُ - فَهُوَ ظَالِمٌ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَوْلِيَةِ الْأَصْلَحِ مَعَ مَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَيَقُولُونَ: مَنْ تَوَلَّى فَإِنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، [وَلَا يُعَانُ إِلَّا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ] (¬1) ، وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُعَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ. (2 أَفَلَيْسَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِمَامَةِ خَيْرًا مِنْ قَوْلِ مَنْ يَأْمُرُ بِطَاعَةِ مَعْدُومٍ أَوْ عَاجِزٍ 2) (¬2) لَا يُمْكِنُهُ الْإِعَانَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْأَئِمَّةِ؟ . وَلِهَذَا كَانَتِ الرَّافِضَةُ لَمَّا عَدَلَتْ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي مُعَاوَنَةِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، دَخَلُوا فِي مُعَاوَنَةِ الْكُفَّارِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ إِمَامٌ مَوْجُودٌ يَأْتَمُّونَ بِهِ إِلَّا كَفُورٌ أَوْ ظَلُومٌ (¬3) ، فَهُمْ كَالَّذِي يُحِيلُ بَعْضَ (¬4) الْعَامَّةِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ رِجَالِ الْغَيْبِ، وَلَا رِجَالَ عِنْدَهُ (¬5) إِلَّا أَهْلُ الْكَذِبِ وَالْمَكْرِ (¬6) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الْجِنُّ أَوِ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يَحْصُلُ بِهِمْ لِبَعْضِ النَّاسِ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬3) ن، م: كَفُورٌ وَظَلُومٌ. (¬4) ن (فَقَطْ) : لِبَعْضِ. (¬5) أ، ب: وَلَا رِجَالَ الْغَيْبِ عِنْدَهُ. (¬6) ن، م: وَالْمُنْكَرِ.

فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ النَّصِّ هُوَ حَقٌّ مَوْجُودٌ، وَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُوَلُّوا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ، لَكَانُوا قَدْ تَرَكُوا مَنْ يَجِبُ تَوْلِيَتُهُ وَوَلَّوْا غَيْرَهُ. وَحِينَئِذٍ فَالْإِمَامُ الَّذِي قَامَ (¬1) بِمَقْصُودِ الْإِمَامَةِ هُوَ هَذَا الْمُوَلَّى دُونَ ذَلِكَ (¬2) الْمَمْنُوعِ الْمَقْهُورِ. نَعَمْ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى، لَكِنْ مَا وُلِّيَ، فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُ وَعَدَلَ عَنْهُ، لَا عَلَى مَنْ لَمْ يُضَيِّعْ حَقَّهُ وَلَمْ يَعْتَدِ. وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنِ الْإِمَامَ وَجَبَ نَصْبُهُ لِأَنَّهُ لُطْفٌ وَمَصْلَحَةٌ لِلْعِبَادِ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ - وَرَسُولُهُ - يَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ لَا يُوَلُّونَ هَذَا الْمُعَيَّنَ إِذَا أُمِرُوا بِوِلَايَتِهِ، كَانَ أَمْرُهُمْ بِوِلَايَةِ مَنْ يُوَلُّونَهُ وَيَنْتَفِعُونَ بِوِلَايَتِهِ، أَوْلَى مِنْ أَمْرِهِمْ بِوِلَايَةِ مَنْ لَا يُوَلُّونَهُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِوِلَايَتِهِ، كَمَا قِيلَ فِي إِمَامَةِ الصَّلَاةِ وَالْقَضَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ النَّصِّ مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ؟ . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ بِمَا سَيَكُونُ وَمَا يَقَعُ بَعْدَهُ مِنَ التَّفَرُّقِ، فَإِذَا نَصَّ لِأُمَّتِهِ عَلَى إِمَامَةِ شَخْصٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُوَلُّونَهُ، بَلْ يَعْدِلُونَ عَنْهُ وَيُوَلُّونَ غَيْرَهُ يَحْصُلُ لَهُمْ بِوِلَايَتِهِ مَقَاصِدُ (¬3) الْوِلَايَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا أَفْضَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْمَنْصُوصِ حَصَلَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ [الْأُمَّةِ] مَا لَمْ (¬4) يَحْصُلْ قَبْلَ ذَلِكَ (¬5) وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ مَقَاصِدِ الْوِلَايَةِ مَا حَصَلَ بِغَيْرِ الْمَنْصُوصِ، كَانَ الْوَاجِبُ الْعُدُولَ عَنِ الْمَنْصُوصِ. ¬

(¬1) ن، م: وَحِينَئِذٍ فَالَّذِي قَامَ. (¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: مَقْصُودُ. (¬4) ن، م: مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ مَا لَمْ. . . (¬5) ب (فَقَطْ) : مَا لَمْ يَحْصُلْ بِغَيْرِ الْمَنْصُوصِ.

مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ شَخْصَانِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ وَلَّى أَحَدَهُمَا أُطِيعَ وَفَتَحَ الْبِلَادَ وَأَقَامَ الْجِهَادَ وَقَهَرَ الْأَعْدَاءَ، وَأَنَّهُ إِذَا وَلَّى الْآخَرَ لَمْ يُطَعْ وَلَمْ يَفْتَحْ شَيْئًا مِنَ الْبِلَادِ، بَلْ يَقَعُ فِي الرَّعِيَّةِ الْفِتْنَةُ وَالْفَسَادُ، كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ عَاقِلٍ [أَنَّهُ يَنْبَغِي] (¬1) أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا وَلَّاهُ حَصَلَ بِهِ الْخَيْرُ وَالْمَنْفَعَةُ، لَا مَنْ إِذَا وَلَّاهُ لَمْ يُطَعْ وَحَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّعِيَّةِ الْحَرْبُ وَالْفِتْنَةُ، فَكَيْفَ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَالِ وِلَايَةِ الثَّلَاثَةِ وَمَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا لَا يَنُصُّ عَلَيْهَا، وَيَنُصُّ عَلَى وِلَايَةِ مَنْ لَا يُطَاعُ بَلْ يُحَارَبُ وَيُقَاتَلُ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ قَهْرُ الْأَعْدَاءِ، وَلَا إِصْلَاحُ الْأَوْلِيَاءِ؟ وَهَلْ يَكُونُ مَنْ يَنُصُّ عَلَى وِلَايَةِ هَذَا دُونَ ذَاكَ إِلَّا جَاهِلًا، إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْحَالَ، أَوْ ظَالِمًا مُفْسِدًا، إِنْ عَلِمَ وَنَصَّ؟ . وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، وَهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْعُدُولَ عَمَّا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْفَسَادُ. وَاذَا قِيلَ: إِنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لَهُ (¬2) لَا (¬3) مِنْ تَقْصِيرِهِ. قِيلَ: أَفَلَيْسَ وِلَايَةُ مَنْ يُطِيعُونَهُ فَتَحْصُلُ (¬4) الْمَصْلَحَةُ، أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ مَنْ يَعْصُونَهُ فَلَا تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ بَلِ الْمَفْسَدَةُ؟ . وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ وَهُنَاكَ مُؤَدِّبَانِ: إِذَا أَسْلَمَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا تَأَدَّبَ ¬

(¬1) أَنَّهُ يَنْبَغِي: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) فَقَطْ. (¬4) ن، م: بِتَحْصِيلِ.

وَتَعَلَّمَ (¬1) ، وَإِذَا أَسْلَمَهُ إِلَى الْآخَرِ فَرَّ وَهَرَبَ، أَفَلَيْسَ إِسْلَامُهُ إِلَى ذَاكَ أَوْلَى؟ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ ذَاكَ أَفْضَلُ فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ فِي فَضِيلَتِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَلَدِ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِنُفُورِهِ عَنْهُ؟ . وَلَوْ خَطَبَ الْمَرْأَةَ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ تَكْرَهُهُ، وَإِنْ زُوِّجَتْ بِهِ (¬2) لَمْ تُطِعْهُ، بَلْ تُخَاصِمُهُ وَتُؤْذِيهِ، فَلَا تَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ [هُوَ] (¬3) بِهَا، وَالْآخَرُ تُحِبُّهُ وَيُحِبُّهَا وَيَحْصُلُ بِهِ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ، أَفَلَيْسَ تَزْوِيجُهَا بِهَذَا الْمَفْضُولِ أَوْلَى بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَنَصُّ مَنْ يَنُصُّ [عَلَى] (¬4) تَزْوِيجِهَا بِهَذَا الْمَفْضُولِ (¬5) أَوْلَى مِنَ النَّصِّ عَلَى تَزْوِيجِهَا بِهَذَا؟ . فَكَيْفَ يُضَافُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا لَا يَرْضَاهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ ظَالِمٌ (¬6) ؟ . وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ بُطْلَانُ النَّصِّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ هُوَ الْأَفْضَلَ الْأَحَقَّ بِالْأَمْرِ (¬7) لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِوِلَايَتِهِ إِلَّا مَا حَصَلَ، وَغَيْرُهُ ظَالِمًا يَحْصُلُ بِهِ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَصَالِحِ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا؟ . ¬

(¬1) أ، ب: تَعَلَّمَ وَتَأَدَّبَ. (¬2) ن، أ، ب: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِهِ. (¬3) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) الْمَفْضُولِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: ظَالِمٌ أَوْ جَاهِلٌ. (¬7) أ، ب: بِالْإِمَارَةِ.

فَقَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ خَبَرٌ صَادِقٌ وَقَوْلٌ حَكِيمٌ، وَقَوْلُ الرَّافِضَةِ خَبَرٌ كَاذِبٌ وَقَوْلٌ سَفِيهٌ (¬1) . فَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: الْأَمِيرُ وَالْإِمَامُ وَالْخَلِيفَةُ ذُو السُّلْطَانِ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى عَمَلِ مَقْصُودِ الْوِلَايَةِ، كَمَا أَنَّ إِمَامَ الصَّلَاةِ هُوَ [الَّذِي] (¬2) يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِ، لَيْسَ إِمَامُ الصَّلَاةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا وَهُوَ لَا يُصَلِّي بِأَحَدٍ، لَكِنْ [هَذَا] (¬3) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِمَامًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامُ، لَا يُخْفَى إِلَّا عَلَى الطَّغَامِ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُعَاوَنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى دُونَ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَيُطَاعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ دُونَ مَعْصِيَتِهِ، وَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬4) ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَخْرُجُ عَنِ (¬5) السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ [عَلَيْهِ] (¬6) إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (7 وَفِي لَفْظٍ: " «أَنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ (¬7) إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» " 7) (¬8) ، فَجَعَلَ الْمَحْذُورَ هُوَ الْخُرُوجَ عَنِ السُّلْطَانِ وَمُفَارَقَةَ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يُكْرَهُ مِنَ الْأَمِيرِ، لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ سُلْطَانًا مُعَيَّنًا وَلَا أَمِيرًا مُعَيَّنًا وَلَا جَمَاعَةً مُعَيَّنَةً. ¬

(¬1) أ، ب: سَفَهٍ. (¬2) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، أ: مِنَ. (¬6) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬7) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬8) (7 - 7) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً (¬2) فَقُتِلَ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي (* يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ (¬3) فَلَيْسَ مِنِّي *) (¬4) وَلَسْتُ مِنْهُ» " (¬5) . فَذَمَّ الْخُرُوجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَمُفَارَقَةَ الْجَمَاعَةِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْسٌ يَجْمَعُهُمْ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَائِمًا يَأْمُرُ بِإِقَامَةِ رَأْسٍ، حَتَّى أَمَرَ بِذَلِكَ فِي السَّفَرِ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، فَأَمَرَ بِالْإِمَارَةِ فِي أَقَلِّ عَدَدٍ وَأَقْصَرِ اجْتِمَاعٍ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، «عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا (¬6) اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَنْصُرُ لِلْعَصَبَةِ؛ أ: تَعَصَّبَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَنْصُرُ لِلْعَصَبِيَّةِ. (¬3) ن، أ: وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا، ص 112. وَالْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 3/1476 - 1477 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ مُلَازَمَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. . .) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/122 - 113 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ التَّغْلِيظِ فِيمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 15/87 - 89، 201، (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/488. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1302 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْعَصَبِيَّةِ) . (¬6) ن، م: وَقَدْ جَاءَنَا.

هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قُلْتُ: (¬1) فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: " قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي (¬2) ، وَيَهْتَدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. " قَالَ نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ [لَهُمْ] (¬3) جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» " (¬4) . وَفِي لَفْظٍ [آخَرَ] (¬5) «قُلْتُ: [وَهَلْ] (¬6) وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ (¬7) شَرٍّ؟ قَالَ: ¬

(¬1) ن، م: قَالَ: (¬2) ن، م: بِسُنَّتِي. (¬3) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ 3/1475 - 1476، وَفِيهِ: وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي (وَفِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ 12/236: يَهْتَدُونَ) ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ 4/199 - 200 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 9/51 - 52 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ كَيْفَ الْأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1317 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْعُزْلَةِ) وَجَاءَ مُخْتَصَرًا. وَالدَّخَنُ (شَرْحُ النَّوَوِيِّ 12/236 - 237) : " قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ. . .: أَصْلُهُ أَنْ تَكُونَ فِي لَوْنِ الدَّابَّةِ كُدُورَةٌ إِلَى سَوَادٍ. قَالُوا: وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ لَا تَصْفُوَ الْقُلُوبُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ، وَلَا يَزُولَ خُبْثُهَا، وَلَا تَرْجِعَ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الصَّفَاءِ ". (¬5) آخَرَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) وَهَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

" نَعَمْ ". قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: " يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ " (¬1) . قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» " (¬2) . وَهَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ عَنِ الْخَيْرِ الثَّانِي: " «صُلْحٌ عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ فِيهَا، وَقُلُوبٌ لَا تَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ» (¬3) ". فَكَانَ الْخَيْرُ الْأَوَّلُ النُّبُوَّةَ (¬4) وَخِلَافَةَ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا فِتْنَةَ فِيهَا، وَكَانَ الشَّرُّ مَا حَصَلَ مِنَ الْفِتْنَةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَتَفَرُّقِ النَّاسِ، حَتَّى صَارَ حَالُهُمْ شَبِيهًا بِحَالِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ (¬5) : وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ¬

(¬1) ب: الْإِنْسُ، وَمَا أَثْبَتَهُ هُوَ الَّذِي فِي نُسْخَتَيْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ النَّوَوِيِّ. (¬2) صَحِيحِ مُسْلِمٍ 3/1476. وَفِيهِ وَفِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ 12/238: لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ. (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/135 - 137 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/386 - 387، 403. وَفِي اللِّسَانِ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فِتْنَةٍ ذَكَرَهَا: هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ؛ الْأَقْذَاءُ: جَمَعَ قَذًى، وَالْقَذَى: جَمْعُ قَذَاةٍ، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ مِنْ تُرَابٍ، أَوْ تِبْنٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَرَادَ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى فَسَادٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ فَشَبَّهَهُ بِقَذَى الْعَيْنِ وَالْمَاءِ وَالشَّرَابِ. (¬4) ن، م: وَكَانَ الْخَيْرُ الْأَوَّلُ لِلنُّبُوَّةِ. (¬5) ن، م: الْأَزْهَرِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَعَالِمُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ؛ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِمْ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 124 وَقِيلَ: سَنَةَ 125. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/445 - 451؛ الْخُلَاصَةُ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 306 - 307.

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ هَدَرٌ، أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ. فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا غَيْرَ مَضْمُونٍ، كَمَا أَنَّ مَا يُصِيبُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، فَأَمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّحْرِيمِ، كَحَالِ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْمُتَأَوِّلِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَالضَّمَانُ مُنْتَفٍ. وَلِهَذَا لَمْ يُضَمِّنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ (¬1) دَمَ الْمَقْتُولِ الَّذِي قَتَلَهُ مُتَأَوِّلًا، مَعَ قَوْلِهِ: " «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ " (¬2) وَلِهَذَا لَا تُقَامُ الْحُدُودُ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ (¬3) . وَالْخَيْرُ الثَّانِي اجْتِمَاعُ النَّاسِ لَمَّا اصْطَلَحَ الْحَسَنُ وَمُعَاوِيَةُ، لَكِنْ كَانَ (¬4) صُلْحًا عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةً عَلَى أَقْذَاءٍ، فَكَانَ فِي النُّفُوسِ ¬

(¬1) بْنَ زَيْدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْضِعَيْنِ فِي مُسْلِمٍ 1/96 - 97 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) . وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/61 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ عَلَى مَا يُقَاتِلُ الْمُشْرِكُونَ) . وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1296 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْكَفِّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/438 - 439. (¬3) ن (فَقَطْ) : الْحُدُودَ. (¬4) ن، م: وَكَانَ ذَلِكَ.

مَا فِيهَا، أَخْبَرَ [رَسُولُ اللَّهِ] (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا هُوَ الْوَاقِعُ. وَحُذَيْفَةُ حَدَّثَ (¬2) بِهَذَا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَبْلَ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُ عُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ جَاءَتْ، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا قَبْلَ الِاقْتِتَالِ (¬3) . وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُومُ أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، وَبِقِيَامِ رِجَالٍ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ الْإِنْسِ، وَأَمَرَ مَعَ هَذَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَتَبَيَّنَ (¬4) أَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي يُطَاعُ هُوَ مَنْ [كَانَ] (¬5) لَهُ سُلْطَانٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَادِلًا أَوْ ظَالِمًا. وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةِ [إِمَامٍ] (¬6) لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، لَكِنَّهُ لَا يُطَاعُ أَحَدٌ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» " (¬7) . ¬

(¬1) رَسُولُ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) حَدَّثَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: الِافْتِتَانِ: وَفِي الْإِصَابَةِ لِابْنِ حَجَرٍ 1/316 - 317 فِي تَرْجَمَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " قَالَ الْعِجْلِيُّ: اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى الْمَدَائِنِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَبَعْدَ بَيْعَةِ عَلِيٍّ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا. قُلْتُ: وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ". (¬4) أ، ب: فَبَيَّنَ. (¬5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) إِمَامٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ (ص [0 - 9] 10 ت [0 - 9] ) بِدُونِ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ. وَانْظُرِ الْحَدِيثَ (مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ: 5386، 5551، 5676، 5718، 5897.

كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1) - قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا. ثُمَّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا (¬2) . ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَادْخُلُوهَا. فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ النَّارِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطَفِئَتِ النَّارُ. فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» (¬3) ". وَفِي لَفْظٍ: " «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» " (¬4) وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬5) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) ن، م: عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬2) نَارًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 5/161 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ. . .) ، 9/63 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةٌ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1469 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ج [0 - 9] رَقْمُ 622، 1018. (¬4) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 9/88 (كِتَابُ أَخْبَارِ الْآحَادِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) ؛ مُسْلِمٍ 3/469 (الْكِتَابَ وَالْبَابَ السَّابِقَيْنِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3 - 56 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الطَّاعَةِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/142 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ جَزَاءِ مَنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَأَطَاعَ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/98. . (¬5) ن، م: فِي الصَّحِيحِ.

أَنَّهُ قَالَ: " «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» (¬1) ". وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ مَعَهُ تِسْعَةٌ: خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْآخَرُ مِنَ الْعَجَمِ، فَقَالَ: " اسْمَعُوا، هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي (¬2) أُمَرَاءُ، مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ (¬3) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬4) «عَنْ عُبَادَةَ [بْنِ الصَّامِتِ] (¬5) قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ ¬

(¬1) سَبَقَ وُرُودُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ. انْظُرْ: ص 119 ت [0 - 9] . (¬2) بَعْدِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ (بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ، ط. الْقَاهِرَةِ، 1383/1964) 7/143 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ مَنْ لَمْ يُعِنْ أَمِيرًا عَلَى الظُّلْمِ) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/358 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ) وَفِيهِ: وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الْحَوْضِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ تَعْقِيبًا عَلَيْهِ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. . وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ عُمَرَ ". وَوَرَدَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى فِي بَابِ " مَا ذُكِرَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ " مِنْ كِتَابِ الْجُمُعَةِ فِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ 2/61 - 62. وَانْظُرْ أَيْضًا جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 4/460 - 461، وَانْظُرِ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/321، 4/243، 5/384. (¬4) ن: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬5) بْنِ الصَّامِتِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ (¬1) فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعْنَا عَلَى: " السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ» (¬2) ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّهُ سَيَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنَّ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» (¬3) ". وَفِي لَفْظٍ: " «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ (¬4) جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» (¬5) ". ¬

(¬1) أ، ب: فَكَانَ. (¬2) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ وُرُودُهُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى (ص 118 ت 5) وَهُوَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 9/47 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا. . .) ؛ مُسْلِمٍ 3/1470 - 1471 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/314. وَفِي اللِّسَانِ: " الْبَوْحُ: ظُهُورُ الشَّيْءِ. . . وَفِي الْحَدِيثِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ كُفْرًا بَوَاحًا: أَيْ جِهَارًا ": وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ 12/229: " وَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا: الْمَعَاصِي. وَمَعْنَى عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ: أَيْ تَعْلَمُونَهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى ". (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَسْلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 3/1479 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ حُكْمِ مَنْ فَرَّقَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/334 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي قَتْلِ الْخَوَارِجِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/341 فِي مَوْضِعَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 12/241: " الْهَنَاتُ: جَمْعُ هَنَةٍ وَتُطْلَقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا: الْفِتَنُ وَالْأُمُورُ الْمُحْدَثَةُ. (¬4) ن، م، أ: وَيُفَرِّقَ. (¬5) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 3/1480 (الْمَوْضِعَ السَّابِقَ) وَفِيهِ: وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «سَيَكُونُ أُمَرَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ". قَالُوا: أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ؟ قَالَ: " لَا مَا صَلَّوْا» " (¬1) . وَفِيهِ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيُنْكِرْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» " (¬2) . تَمَّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَوَّلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ الرَّافِضِيُّ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ. ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ (ص 116) وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ (ت 6) . (¬2) ن: طَاعَةِ اللَّهِ. وَهَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ سَبَقَ وُرُودُهُ (ص 116 ت [0 - 9] ) .

الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ] [مقدمة الْفَصْلُ الثَّانِي] الْبَابُ الثَّانِي قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬1) الْفَصْلُ الثَّانِي (¬2) فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ. وَمَضْمُونُ مَا ذَكَرَهُ: أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3) ، فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ وَاعْتِمَادِ الْإِنْصَافِ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: لِأَنَّهُ أَحَقُّهَا وَأَصْدَقُهَا ; وَلِأَنَّهُمْ بَايَنُوا جَمِيعَ الْفِرَقِ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ ; وَلِأَنَّهُمْ جَازِمُونَ بِالنَّجَاةِ لِأَنْفُسِهِمْ ; وَلِأَنَّهُمْ (¬4) أَخَذُوا دِينَهُمْ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ (¬5) وَهَذَا حِكَايَةُ لَفْظِهِ: قَالَ الرَّافِضِيُّ: ¬

(¬1) م: قَالَ الرَّافِضِيُّ، الْبَابُ الثَّانِي ; أ، ب: قَالَ الْمُصَنِّفُ الرَّافِضِيُّ. (¬2) الْفَصْلُ الثَّانِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) صِيغَةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي (أ) ، (ب) دَائِمًا: صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَتَثْبُتُ فِيمَا يَلِي الصِّيغَةُ الْمَوْجُودَةُ فِي (ن) أَوْ (ع) وَهِيَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬4) ن، م: وَأَنَّهُمْ. (¬5) يُلَخِّصُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِمَا سَبَقَ مُقَدِّمَةَ الْفَصْلِ الثَّانِي وَأَرْبَعَةَ أَوْجَهٍ مِنْ سِتَّةٍ أَوْرَدَهَا ابْنُ الْمُطَهَّرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ، عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَلْخِيصَ أَهَمِّ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ، ثُمَّ بَدَأَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْقُلُ أَلْفَاظَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ بِنَصِّهَا.

إِنَّهُ (¬1) لَمَّا عَمَّتِ الْبَلِيَّةُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَهُ، وَتَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ، فَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَايَعَهُ (¬2) أَكْثَرُ النَّاسِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا، كَمَا اخْتَارَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ (¬3) مَلَكَ الرَّيَّ أَيَّامًا يَسِيرَةً (¬4) لَمَّا خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ (¬5) مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ مَنْ قَتَلَهُ فِي النَّارِ (¬6) ، وَإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ (¬7) فِي شِعْرِهِ (¬8) ; حَيْثُ يَقُولُ: ¬

(¬1) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَفِي: ك = " مِنْهَاجُ الْكَرَامَةِ "، ص 89 (م) : لِأَنَّهُ. (¬2) وَبَايَعَهُ: كَذَا فِي (ن) ، (ب) ، (ك) . وَفِي (م) ، (أ) : وَتَابَعَهُ (¬3) ا، م، ب: عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالَّذِي أَثْبَتَهُ فِي (ك) ، (ن) . وَهُوَ عَمْرُو بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَّاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ الرَّيَّ وَهَمَذَانَ، وَلَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِ، فَكَرِهَ عُمَرُ ذَلِكَ وَاسْتَعْفَاهْ، فَهَدَّدَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالْعَزْلِ، فَاتَّجَهَ بِجُنْدِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ، وَشَرَعَ فِي مُفَاوَضَتِهِ، وَكَادَ أَنْ يَنْجَحَ فِي إِنْهَاءِ الْخِلَافِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَصَرَّ عَلَى أَنْ يُبَايِعَ الْحُسَيْنُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ نَشِبَ الْقِتَالُ بَيْنَ جُنْدِ عُمَرَ وَجُنْدِ الْحُسَيْنِ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ 61 هـ، وَلَمَّا غَلَبَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبِيدٍ الثَّقَفِيِّ الْكَذَّابُ عَلَى الْكُوفَةِ قُتِلَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ سَنَةَ 66 هـ، انْظُرِ الطَّبَرِيَّ (ط. الْمَعَارِفِ) خَبَرَ تَوْلِيَةِ عُمَرَ الرَّيَّ 5/409 - 410، أَحْدَاثَ سَنَةِ 61 هـ، 5/400 - 467، خَبَرَ قَتْلِ الْمُخْتَارِ لِعُمَرَ 6/60 - 62. وَانْظُرْ طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/168 ; مُرُوجَ الذَّهَبِ لِلْمَسْعُودِيِّ (ط. التِّجَارِيَّةِ 1377 - 1958) 3/70 - 72: الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 5/205 - 206. (¬4) ن: أَيَّامًا كَثِيرَةً يَسِيرَةً. (¬5) ك، م: الْحُسَيْنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬6) ك: بِأَنَّ فِي قَتْلِهِ النَّارَ. (¬7) ب: وَاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ (¬8) ا: فِي شِعْرٍ.

فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَصَادِقٌ ... أُفَكِّرُ (¬1) فِي أَمْرِي (¬2) عَلَى خَطَرَيْنِ أَأَتْرُكُ مُلْكَ الرَّيِّ وَالرَّيُّ مُنْيَتِي ... أَمْ (¬3) أُصْبِحُ مَأْثُومًا بِقَتْلِ حُسَيْنِ وَفِي قَتْلِهِ النَّارُ الَّتِي لَيْسَ دُونَهَا ... حِجَابٌ وَمُلْكُ الرَّيِّ (¬4) قُرَّةُ عَيْنِي. وَبَعْضُهُمُ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ (¬5) وَرَأَى (¬6) لِطَالِبِ (¬7) الدُّنْيَا مُتَابِعًا (¬8) فَقَلَّدَهُ [وَبَايَعَهُ] (¬9) وَقَصَّرَ فِي نَظَرِهِ، فَخَفِيَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَاسْتَحَقَّ (¬10) الْمُؤَاخَذَةَ مِنَ اللَّهِ (¬11) بِإِعْطَاءِ (¬12) الْحَقِّ [لِغَيْرِ] (¬13) مُسْتَحِقِّهِ بِسَبَبِ إِهْمَالِ النَّظَرِ. وَبَعْضُهُمْ قَلَّدَ لِقُصُورِ فِطْنَتِهِ (¬14) ، وَرَأَى الْجَمَّ الْغَفِيرَ، ¬

(¬1) ن: أَفِكْرِي، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ب: أَمْرٍ، وَالْمُثْبَتُ فِي (ن) ، (ك) ، (م) ، (أ) . (¬3) ن، م، أ: أَوْ. (¬4) ن: م، أ: وَلِي فِي الرَّيِّ (وَكَذَا أَيْضًا فِي أَسْفَلِ الصَّفْحَةِ فِي: " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " طَبْعَةُ طَهْرَانَ) ، ص [0 - 9] . (¬5) ن، م: اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ. (¬6) ن، م، أ: رَأَى. (¬7) ن، ك، م، أ: طَالِبَ. (¬8) ب: مُبَايِعًا، ك: مُتَابِعًا لَهُ. (¬9) وَبَايَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬10) ك: وَاسْتَحَقَّ ; م: فَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ. (¬11) ا، ب: اللَّهِ تَعَالَى. (¬12) ن، م: فَأَعْطَى. (¬13) لِغَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬14) ا: فِتْنَتْهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فَتَابَعَهُمْ (¬1) ، وَتَوَهَّمَ أَنَّ الْكَثْرَةَ تَسْتَلْزِمُ الصَّوَابَ، وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} ، [سُورَةُ ص: 24] ، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، [سُورَةُ سَبَأٍ: 13] . وَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ [لَهُ] (¬2) ، وَبَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ الَّذِي أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، وَلَمْ يَأْخُذْهُمْ (¬3) فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، بَلْ أَخْلَصُوا لِلَّهِ (¬4) وَاتَّبَعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ طَاعَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ. وَحَيْثُ حَصَلَ (¬5) لِلْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْبَلِيَّةُ، وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ وَاعْتِمَادُ الْإِنْصَافِ، وَأَنْ يُقِرَّ الْحَقَّ مُسْتَقَرَّهُ (¬6) وَلَا يَظْلِمُ مُسْتَحِقَّهُ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى (¬7) : {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، [سُورَةُ هُودٍ: 18] . وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ لِوُجُوهٍ (¬8) ". هَذَا لَفَظَهُ. ¬

(¬1) ك: فَبَايَعَهُمْ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬3) ك: فِي الْأَصْلِ (يُؤَاخِذْهُمْ) . (¬4) ك: لِلَّهِ تَعَالَى. (¬5) ك: حَصَلَتْ. (¬6) ك: مَقَرَّهُ. (¬7) ك: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. (¬8) ن، م: لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

فَيُقَالُ: إِنَّهُ [قَدْ] (¬1) جَعَلَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ: إِمَّا طَالِبٌ لِلْأَمْرِ (¬2) بِغَيْرِ حَقٍّ (¬3) كَأَبِي بَكْرٍ فِي زَعْمِهِ، وَإِمَّا طَالَبٌ لِلْأَمْرِ بِحَقٍّ كَعَلِيٍّ فِي زَعْمِهِ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬4) -، فَلَا عَلِيٌّ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ طَلَبُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَجَعَلَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ: [إِمَّا مُقَلِّدًا لِأَجْلِ الدُّنْيَا] (¬5) ، وَإِمَّا مُقَلِّدًا لِقُصُورِهِ فِي النَّظَرِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ وَأَنْ يَتَّبِعَهُ، وَهَذَا [هُوَ] (¬6) الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (¬7) مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَسْأَلَهُ (¬8) هِدَايَتَنَا إِيَّاهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، بَلْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ ¬

(¬1) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن: الْأَمْرَ. (¬3) بِغَيْرِ حَقٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . (¬4) ن: عَلَى عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) . (¬7) أ، م، ب: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. (¬8) م: أَمَرَ اللَّهُ أَنْ نَسْأَلَهُ ; أ، ب: أَمَرَنَا أَنْ نَسْأَلَهُ.

عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» (¬1) ". وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ اسْتِكْبَارًا وَحَسَدًا وَغُلُوًّا وَاتِّبَاعًا لِلْهَوَى، وَهَذَا هُوَ الْغَيُّ، وَالنَّصَارَى لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ وَالْأَخْلَاقِ، بَلْ فِيهِمُ الْجَهْلُ وَالْغُلُوُّ وَالْبِدَعُ وَالشِّرْكُ جَهْلًا مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الضَّلَالُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الْأُمَّتَيْنِ فِيهِ ضَلَالٌ وَغَيٌّ، لَكِنَّ الْغَيَّ أَغْلَبُ عَلَى الْيَهُودِ، وَالضَّلَالَ أَغْلَبُ عَلَى النَّصَارَى. وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ الْيَهُودَ بِالْكِبْرِ وَالْحَسَدِ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْغَيِّ وَإِرَادَةِ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ (¬2) وَالْفَسَادِ. قَالَ تَعَالَى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} ، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 87] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، [سُورَةُ النِّسَاءِ: 54] ، وَقَالَ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ 4/271، 272 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، بَابُ: وَمِنْ سُورَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَأَوَّلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. الْحَدِيثَ وَلَفْظَهُ: " فَإِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ بِطُولِهِ " وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/378 وَفِيهِ: " إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى. . " وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وَذَكَرَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى، وَقَدْ خَرَّجَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَحَّحَ أَكْثَرُهَا. انْظُرِ التَّفْسِيرَ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/185 - 188 193 - 195. (¬2) فِي الْأَرْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ أ، ب.

، [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 146] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} ، [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 4] . وَوَصَفَ النَّصَارَى بِالشِّرْكِ وَالضَّلَالِ وَالْغُلُوِّ وَالْبِدَعِ، فَقَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 31] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} ، [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 77] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} ، [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 27] ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَنِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ، فَقَالَ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ، [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 3] (¬1) ، فَالضَّالُّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ، وَالْغَاوِي الَّذِي يَتَّبِعُ هَوَاهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} ، [سُورَةُ ص: 45] ، فَالْأَيْدِي الْقُوَّةُ (¬2) فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْأَبْصَارُ الْبَصَائِرُ فِي الدِّينِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . وَإِذَا كَانَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ، ¬

(¬1) آيَةُ: 3 مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: الْقُوَى.

وَكِلَاهُمَا (¬1) وَاجِبٌ، لَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُفْلِحًا نَاجِيًا إِلَّا بِذَلِكَ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَخَيْرُهَا الْقَرْنُ الْأَوَّلُ (¬2) ، كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ وَصَفُوهُمْ بِنَقِيضِ ذَلِكَ، بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيَتَّبِعُونَهُ، بَلْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ عِنْدَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيُخَالِفُونَهُ، كَمَا يَزْعُمُونَهُ فِي الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْأُمَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ لَا يَعْلَمُ الْحَقَّ، بَلِ اتَّبَعَ الظَّالِمِينَ تَقْلِيدًا لِعَدَمِ نَظَرِهِمُ الْمُفْضِي إِلَى الْعِلْمِ، وَالَّذِي لَمْ يَنْظُرْ قَدْ يَكُونُ تَرْكُهُ النَّظَرَ لِأَجْلِ الْهَوَى وَطَلَبِ الدُّنْيَا، وَقَدْ يَكُونُ لِقُصُورِهِ وَنَقْصِ إِدْرَاكِهِ. وَادَّعَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ، يَعْنِي عَلِيًّا (¬3) ، وَهَذَا مِمَّا عَلِمْنَا بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ - عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ - أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا [كَانَتْ] (¬4) ضَالَّةً بَعْدَ نَبِيِّهَا (¬5) لَيْسَ فِيهَا مُهْتَدٍ، فَتَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ خَيْرًا مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ [كَانُوا] (¬6) ، كَمَا قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى] (¬7) : {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ، [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 157] ، وَقَدْ «أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ¬

(¬1) ن، م: بِهِ كِلَاهُمَا. (¬2) ن، م: وَخَيْرُ الْقُرُونِ الْأَوَّلُ. (¬3) م: عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) كَانَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: ثَبْتِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) .

افْتَرَقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ» (¬1) فَرِقَّةً فِيهَا وَاحِدَةٌ نَاجِيَةٌ (¬2) ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى مُوجَبِ مَا ذُكِرَ (¬3) لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬4) أُمَّةٌ تَقُومُ بِالْحَقِّ (¬5) وَلَا تَعْدِلُ بِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي خِيَارِ قُرُونِهِمْ، فَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَى. فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ خَيْرًا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَهَذَا لَازِمٌ لِمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ. فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي حِكَايَتِهِ لَمَا جَرَى عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) أ، ب: عَلَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ. (¬2) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمُعَاوِيَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/276 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ شَرْحِ السُّنَّةِ) وَهُوَ فِيهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/134 - 135 (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ افْتِرَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) وَهُوَ فِيهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1321 - 1322 (كِتَابُ الْفِتَنِ بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ) وَهُوَ فِيهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 17/169 " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ " 3/120 - 145 (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ 4/102 (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنْ مُعَاوِيَةَ. وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً " وَفِي رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ زَادَ: " ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ". (¬3) أ، ب: مَا ذَكَرُوهُ ; م: مَا ذَكَرْتُمْ. (¬4) ن، م: بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهِمْ. (¬5) ن: تَقُولُ بِالْحَقِّ.

الرد على القسم الأول من كلام ابن المطهر في المقدمة من وجوه

مِنَ (¬1) اخْتِلَافِ الْأُمَّةِ، فَكَيْفَ [بِسَائِرِ] (¬2) مَا يَنْقُلُهُ وَيَسْتَدِلُّ بِهِ؟ [الرد على القسم الأول من كلام ابن المطهر في المقدمة من وجوه] [الوجه الأول في الرد على قول ابن المطهر: تَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبَ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ] وَنَحْنُ نُبَيِّنُ فَسَادَ (¬3) مَا فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَنَقُولُ: أَمَّا قَوْلُهُ (¬4) : " لَمَّا عَمَّتِ الْبَلِيَّةُ [عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ] (¬5) بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) - وَاخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَهُ (¬7) ، وَتَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبِ أَهْوَائِهِمْ (¬8) ، فَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ [بِغَيْرِ حَقٍّ] (¬9) ، وَبَايَعَهُ (¬10) أَكْثَرُ النَّاسِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا، كَمَا اخْتَارَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ (¬11) مُلْكَ الرَّيِّ أَيَّامًا يَسِيرَةً، لَمَّا خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ فِي قَتْلِهِ النَّارَ وَإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ (¬12) فِي شِعْرِهِ " ¬

(¬1) ن، م، أ: فِي. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬2) بِسَائِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (ب) : سَائِرُ. (¬3) فَسَادَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْمُفْتَرِي مِنْ قَوْلِهِ إِنَّهُ. (¬5) عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) بَعْدَ عِبَارَةِ: بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوجَدُ فِي (ن) عِبَارَةُ: فَكَيْفَ بِسَائِرِ مَا يَنْقُلُهُ أَوْ يَسْتَدِلُّ بِهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مَكَانُهَا قَبْلَ هَذَا السَّطْرِ بِسُطُورٍ قَلِيلَةٍ وَأَخْطَأَ النَّاسِخُ بِتَكْرَارِهَا هُنَا. (¬7) بَعْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬8) ب (فَقَطْ) : بِحَسَبِ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ. (¬9) عِبَارَةُ " بِغَيْرِ حَقٍّ " سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَهِيَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الَّذِي سَبَقَ وُرُودُهُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ (ص [0 - 9] ) . (¬10) أ، م، ب: وَتَابَعَهُ. (¬11) ب: عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ. (¬12) ب: وَاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ.

فَيُقَالُ: فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ (¬1) وَذَمِّ خِيَارِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَا لَا يَخْفَى، وَذَلِكَ (¬2) مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: " قَوْلُهُ تَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبَ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ "، فَيَكُونُونَ كُلُّهُمْ مُتَّبِعِينَ أَهْوَاءَهُمْ: لَيْسَ فِيهِمْ طَالِبُ حَقٍّ وَلَا مُرِيدٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (¬3) وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَلَا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَنِ اجْتِهَادٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَعُمُومُ لَفْظِهِ يَشْمَلُ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِهَذَا هُمُ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ هُوَ وَرَسُولُهُ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَوَعَدَهُمُ الْحُسْنَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} ، [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ - وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} ¬

(¬1) ن، م: الْبَاطِلِ. (¬2) وَذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي (أ) : ذَلِكَ. (¬3) ن، م: وَلَا يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ.

[سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72 - 75] ، وَقَالَ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8 - 10] . وَهَذِهِ الْآيَاتُ تَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَعَلَى الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِي قُلُوبِهِمْ غِلًّا لَهُمْ، وَتَتَضَمَّنُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْفَيْءِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ [هَؤُلَاءِ] (¬1) الرَّافِضَةَ خَارِجُونَ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَغْفِرُوا لِلسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ (¬2) ، وَفِي قُلُوبِهِمْ غِلٌّ عَلَيْهِمْ. فَفِي (¬3) الْآيَاتِ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَعَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَإِخْرَاجُ الرَّافِضَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا نَقِيضُ (¬4) مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ. ¬

(¬1) هَؤُلَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) الْأَوَّلِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَفِي. (¬4) ب (فَقَطْ) : يُفْتَضُّ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ [أَبِي بَدْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا] (¬1) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ (¬2) مَنَازِلَ، فَمَضَتْ مَنْزِلَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، فَأَحْسَنُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ كَائِنُونَ أَنْ تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ قَرَأَ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ قَدْ مَضَتْ. ثُمَّ قَرَأَ (¬3) : {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (¬4) ، ثُمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ وَهَذِهِ مَنْزِلَةٌ قَدٌ مَضَتْ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، فَقَدْ مَضَتْ هَاتَانِ وَبَقِيَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ، فَأَحْسَنُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ كَائِنُونَ أَنْ تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي بَقِيَتْ أَنْ تَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لَهُمْ (¬5) . وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَبَّ السَّلَفَ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْفَيْءِ نَصِيبٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الْآيَةَ (¬6) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ثَلَاثِ: كَذَا فِي (م) ، (ب) . وَفِي (ن) ، (أ) : ثَلَاثَةِ. (¬3) ن: ثُمَّ قَالَ. (¬4) ن، م:. . . . مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، الْآيَةَ. (¬5) ن: أَنْ يَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لَهُمْ ; أ: أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ; ب: أَنْ تَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ. (¬6) لَمْ أَجِدِ الْأَثَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْإِبَانَةِ لِابْنِ بَطَّةَ وَلَكِنْ فِيهِ " ص [0 - 9] 9 ": " قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: " الَّذِي يَشْتُمُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ أَوْ قَالَ: نَصِيبٌ فِي الْإِسْلَامِ. " وَانْظُرْ مَا يَلِي: ص [0 - 9] 2 ت (7) . وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْأَثَرَ الْأَوَّلَ مُخْتَصَرًا فِي " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " (ط. مَكْتَبَةِ تَاجٍ، بِطَنْطَا، تَحْقِيقُ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّين عَبْد الْحَمِيد، 1379 - 1960) ص [0 - 9] 74.

وَهَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ مَالِكٍ وَغَيْرِ مَالِكٍ (¬1) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمِ النَّهْرَوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ. وَرَوَى أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ (¬2) ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬3) قَالَ: أَمَرَ اللَّهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتَتِلُونَ. وَقَالَ (¬4) عُرْوَةُ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] (¬5) : يَا ابْنَ أُخْتِي (¬6) أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (¬7) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَبُّوهُمْ (¬8) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬9) قَالَ: قَالَ ¬

(¬1) ن، م: وَغَيْرِهِ. (¬2) ب: الْحَكِيمُ، وَهُوَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ. انْظُرِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 7. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: قَالَ. (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: ابْنَ أَخِي، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) أ، ب: أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ. (¬8) سَتَرِدُ رِوَايَةٌ أُخْرَى لِلْأَثَرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ صَفْحَتَيْنِ. وَأَمَّا الْأَثَرُ الثَّانِي فَقَدْ وَرَدَ فِي الْإِبَانَةِ (ص 15) مُخْتَصَرًا: " وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَسَبُّوهُمْ " وَأَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " ص [0 - 9] 74 وَقَالَ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (¬9) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) .

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا (¬1) مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (¬2) . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬3) . أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ (¬4) مِثْلَ أُحُدٍ [ذَهَبًا (¬5) ] مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (¬6) ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا، عَنْ جَابِرِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] (¬7) قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: إِنَّ نَاسًا يَتَنَاوَلُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬8) حَتَّى أَبَا ¬

(¬1) ن، م: فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا. (¬2) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5 (كِتَابُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) ، مُسْلِمٍ 4/1967 - 1968 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ تَحْرِيمِ سَبِّ الصَّحَابَةِ. .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/297 - 298 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/357 - 358 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/11، 54، 63، 64 ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/57 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ أَهْلِ بَدْرٍ) وَفِي اللِّسَانِ: " الْمُدُّ ضَرْبٌ مِنَ الْمَكَايِيلِ وَهُوَ رُبُعُ صَاعٍ ; وَهُوَ قَدْرُ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحُ مُسْلِمٍ 16/93) : " وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: النَّصِيفُ النِّصْفُ. . . وَمَعْنَاهُ: لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ ثَوَابُهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ أَصْحَابِي مُدًّا وَلَا نِصْفَ مُدٍّ (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬4) ن: لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ (¬5) ذَهَبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 4/1967، وَهُوَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/57 (¬7) ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) ن: أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ; م: أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَتْ: وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ (¬1) انْقَطَعَ عَنْهُمُ الْعَمَلُ فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ لَا يَقْطَعَ عَنْهُمُ الْأَجْرَ (¬2) . وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ (* قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةَ (¬3) . حَدَّثَنَا رَجَاءٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬4) . قَالَ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (¬5) -. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ (¬6) . بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ سَيَقْتَتِلُونَ (¬7) . ¬

(¬1) ن، م: مِنْ ذَلِكَ. (¬2) لَمْ أَسْتَطِعِ الْعُثُورَ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (¬3) ن: أَبُو مُعَاوِيَةَ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنَّهُ ثَبْتٌ حَافِظٌ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 73) . وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ (لِسَانِ الْمِيزَانِ 2/455) أَنَّهُ رَوَى عَنْ رَجَاءِ بْنِ الْحَارِثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَوْذٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ مُجَاهِدٍ. وَانْظُرِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ: ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 01 - 502 ; مَنَاقِبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ (ط. الْخَانْجِيِّ بِالْقَاهِرَةِ، 1399) ص [0 - 9] 5 (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬5) فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ ص 15: أَصْحَابَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) أ، ب: قَدْ أَمَرَنَا، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) وَعَنْ كِتَابِ الْإِبَانَةِ (¬7) وَرَدَ هَذَا الْأَثَرُ فِي كِتَابِ " الشَّرْحِ وَالْإِبَانَةِ عَلَى أُصُولِ الدِّيَانَةِ " لِابْنِ بَطَّةَ الْعَكْبَرِيِّ، ص [0 - 9] 5، بِتَحْقِيقِ الْأُسْتَاذِ هِنْرِي لَاوِسْت، طَبْعَةُ الْمَعْهَدِ الْفَرَنْسِيِّ، دِمَشْقَ، 1958. وَلَكِنْ يَبْدُو أَنَّ هَذِهِ النُّسْخَةُ الْمَنْشُورَةُ هِيَ عَنْ نُسْخَةٍ مُخْتَصَرَةٍ مِنْ أَصْلِ الْكِتَابِ، إِذْ أَنَّ جَمِيعَ أَسَانِيدِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فِيهَا مَحْذُوفَةٌ. وَقَدْ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إِلَى ذَلِكَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ (ص [0 - 9] ) . وَالْأَثَرُ يَبْدُو فِيهِ هَكَذَا: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَسُبُّوا. . إِلَخْ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي يَعْلَى (طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/152) أَنَّ لِابْنِ بَطَّةَ: الْإِبَانَةُ الْكُبْرَى وَالْإِبَانَةُ الصُّغْرَى، فَالْأَرْجَحُ أَنَّ الْمَنْشُورَ هُوَ الصَّغِيرَةُ، خَاصَّةً وَأَنَّ النُّسْخَةَ الْخَطِّيَّةَ النَّاقِصَةَ مِنَ الْكُتَّابِ الْمَوْجُودَةِ بِالْخِزَانَةِ التَّيْمُورِيَّةِ بِدَارِ الْكُتُبِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهِيَ الْمُجَلَّدُ الثَّانِي فَقَطْ مِنَ الْإِبَانَةِ، بِهَا سَبْعَةُ أَجْزَاءٍ. انْظُرْ فِهْرِسَ الْخِزَانَةِ التَّيْمُورِيَةِ 4/3 مَطْبَعَةُ دَارِ الْكُتُبِ الْمِصْرِيَّةِ 1369/1950. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْأَثَرَ فِي الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ، ص 574: " عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَقْتَتِلُونَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَهُوَ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " رَقْمُ 18 - 1741

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ *) (¬1) (¬2) بْنِ مَهْدِيِّ، وَطَرِيقِ غَيْرِهِ عَنْ وَكِيعٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ (¬3) .: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (¬4) ، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً، يَعْنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ: خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ (¬6) . ¬

(¬1) ن: أَحْمَدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) م: بَشِيرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ ; أ: بِشْرِ بْنِ ذُوعْلُوقٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (ب) . وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ مَاكُولَا فِي " الْإِكْمَالِ " 1/301 (حَيْدَر أَبَاد، 1381/1962) وَقَالَ: رَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَبَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ، حَدَّثَ عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَعُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 10/424 - 425 (¬4) م: مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) أ، ب: النَّبِيِّ. (¬6) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْأَثَرَ فِي " الْإِبَانَةِ " لِابْنِ بَطَّةَ وَلَا فِي " الْمُسْنَدِ ". وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " ص 580، فَقَالَ: " وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ عُمَرَ، قَالَ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مُقَامَ أَحَدِهِمْ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِكُمْ كُلِّهِ، رَوَاهُ اللَّكَائِيُّ " وَهُوَ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " الْأَرْقَامُ 15، 20، 1729، 1736

وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا - وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا - وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا - وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18 - 21] . وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ (¬1) . تَحْتَ الشَّجَرَةِ بِالْحُدَيْبِيَةَ عِنْدَ جَبَلِ التَّنْعِيمِ (¬2) \ 321. كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، بَايَعُوهُ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ صَالَحَ الْمُشْرِكِينَ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ الْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ سَنَةُ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، ثُمَّ رَجَعَ [بِهِمْ] (¬3)) ، (م) . إِلَى الْمَدِينَةِ وَغَزَا بِهِمْ خَيْبَرَ، فَفَتَحَهَا (¬4) . اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ، وَقَسَّمَهَا (¬5) . بَيْنَهُمْ، وَمَنَعَ الْأَعْرَابَ الْمُتَخَلِّفِينَ (¬6) . عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذَلِكَ. ¬

(¬1) أ، ب: بَايَعُوا (¬2) فِي الْمُسْنَدِ 3/122 (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةَ هَبَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي السِّلَاحِ مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأُخِذُوا وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) . قَالَ: يَعْنِي جَبَلَ التَّنْعِيمِ مِنْ مَكَّةَ. وَوَرَدَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ بَعْدَ صَفْحَتَيْنِ (3/124) عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا، كَمَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ 26/59. أَمَّا فِي " تَاجِ الْعَرُوسِ " مَادَّةُ " نَعَمَ ": " التَّنْعِيمُ " عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنْ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، وَهُوَ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إِلَى الْبَيْتِ الشَّرِيفِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلُ نُعَيْمٍ كَزُبَيْرٍ، وَعَلَى يَسَارِهِ جَبَلُ نَاعِمٍ، وَالْوَادِي اسْمُهُ نَعْمَانُ بِالْفَتْحِ ". وَانْظُرْ مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ، مَادَّةَ " التَّنْعِيمِ " وَمُعْجَمَ مَا اسْتُعْجِمَ 1 (¬3) بِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن (¬4) ب (فَقَطْ) : فَفَتَحَ (¬5) ن: فَقَسَّمَهَا (¬6) ن، م: وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَعْرَابِ الْمُتَخَلِّفِينَ. . . إِلَخْ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ

كَمَا قَالَ [اللَّهُ تَعَالَى] (¬1) .: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 15] . وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ (¬2) ، وَأَنَّهُ عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّهُ أَثَابَهُمْ (¬3) . فَتْحًا قَرِيبًا. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَعْيَانُ مَنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ، بَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ [كُلُّهُمْ] (¬4) . يَعْرِفُونَ فَضْلَهُمْ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ فَضَلَّهُمْ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] (¬5) ، فَفَضَّلَ الْمُنْفِقِينَ الْمُقَاتِلِينَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَتْحِ هُنَا صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلِهَذَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَفَتْحٌ (¬6) . هُوَ؟ فَقَالَ " نَعَمْ " (¬7)) . ¬

(¬1) اللَّهُ تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬2) أ، ب: وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - رَضِيَ عَنْهُمْ (¬3) ن، م: فَأَثَابَهُمْ (¬4) كُلُّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬5) ن، م:. . وَقَاتَلُوا، الْآيَةَ (¬6) ن، م: أَفَتْحٌ (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ مُجِمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/101 - 102 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِيمَنْ أَسْهَمَ لَهُ سَهْمًا) أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذِ النَّاسُ يَهُزُّونَ الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ؟ قَالُوا: أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نُوجِفُ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: " نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ ". . الْحَدِيثَ: وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/420 - 486. وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ (ط. الشَّعْبِ) 7/308 (تَفْسِيرَ الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ

وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ فِيهِ (¬1) . أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا - لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا - وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 1 - 3] (¬2) ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا لَكَ فَمَا لَنَا [يَا رَسُولَ اللَّهِ] ؟ (¬3) ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 4] . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي تَفْضِيلِ الْمُنْفِقِينَ الْمُقَاتِلِينَ قَبْلَ الْفَتْحِ عَلَى الْمُنْفِقِينَ الْمُقَاتِلِينَ (¬4) بَعْدَهُ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ السَّابِقِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] هُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كُلُّهُمْ مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مَنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ (¬5) . هُمْ مَنْ صَلَّى [إِلَى] (¬6) . ¬

(¬1) ن، م: وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ فِيهِ (¬2) لَمْ تَرِدِ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ فِي (ن) ، (م) (¬3) يَا رَسُولَ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) الْمُقَاتِلِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬5) ن: السَّابِقِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ (¬6) إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

الْقِبْلَتَيْنِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِهِ فَضِيلَةٌ ; وَلِأَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمُ الَّذِي يَفْضُلُونَ بِهِ ; وَلِأَنَّ التَّفْضِيلَ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، كَمَا دَلَّ عَلَى التَّفْضِيلِ بِالسَّبْقِ إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْجِهَادِ وَالْمُبَايَعَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَلَكِنَّ فِيهِ سَبْقَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا ذَلِكَ عَلَى (¬1) . مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ (¬2) ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ عَنْهُمْ (¬3) ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُجْعَلَ صَلَاةُ الْحَضَرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ عَنْهُمْ (¬4) ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ فِي الْجِهَادِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ، هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُمْ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُمْ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ (¬5) . الْحَجُّ، هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ، [وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ هُمْ سَابِقُونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُمْ] (¬6) ، وَالَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا كَذَلِكَ، فَشَرَائِعُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ كَانَتْ تَنْزِلُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَكُلُّ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ شَرِيعَةٌ (¬7) . فَهُوَ سَابِقٌ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَلَهُ بِذَلِكَ فَضِيلَةٌ، فَفَضِيلَةُ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ نَسْخِ الْقِبْلَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ (¬8) . هِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. ¬

(¬1) ن، م: وَعَلَى، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) انْظُرْ وُجُوهَ تَأْوِيلِ الْآيَةِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 14/434 - 439 (ط. الْمَعَارِفِ) (¬3) ن: مِنْهُمْ (¬4) ن، م: تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ (¬5) ن، م: قَبْلَ فَرْضِ (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) ن، م: قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْحَجُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬8) ن، م، أ: بَعْدَهَا

وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا مِمَّا (¬1) . يَتَمَيَّزُ بِهِ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ عَنِ التَّابِعِينَ، إِذْ لَيْسَ بَعْضُ هَذِهِ الشَّرَائِعِ بِأَوْلَى بِجَعْلِهِ (¬2) . خَيْرًا مِنْ بَعْضٍ ; وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ قَدْ دَلَّا عَلَى تَقْدِيمِ (¬3) . أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تُفَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَا يُوَافِقُ سَائِرَ النُّصُوصِ. وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ كَانَ فِي هَؤُلَاءِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ (¬4) . وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَبَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[بِيَدِهِ] (¬5) . عَنْ عُثْمَانَ ; لِأَنَّهُ كَانَ (¬6) . غَائِبًا قَدْ أَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ لِيُبَلِغَهُمْ رِسَالَتَهُ، وَبِسَبَبِهِ بَايَعَ [النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬7) . النَّاسُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] (¬8) . - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ (¬9) : " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» . (¬10) ". ¬

(¬1) أ، ب: مَا (¬2) أ: أَوْلَى مِمَّنْ يَجْعَلُهُ، ب: أَوْلَى بِمَنْ يَجْعَلُهُ (¬3) ن، م: تَفْضِيلِ (¬4) ب: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَفِي (أ) : أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. . . إِلَخْ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ الَّذِي فِي (ن) ، (م) (¬5) بِيَدِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) أ، ب: لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬8) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬9) أ، ب: أَنَّهُ قَالَ (¬10) الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي: الْمُسْنَدُ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/350 إِلَّا أَنْ فِيهِ: أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: مُسْلِمٍ 4/1942 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ) وَنَصُّهُ: عَنْ جَابِرٍ، أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: " لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدُ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا ". قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ حَفْصَةَ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1431 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ ذِكْرِ الْبَعْثِ) . وَذَكَرَ أَحْمَدُ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/420. وَذَكَرَ رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ (وَفِيهِمَا: لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ - وَفِي رِوَايَةٍ: رَجُلٌ - شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ) : 3/396، 6/285 - 362.

وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 117] (¬1) ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ فِي التَّوْبَةِ. وَقَالَ [تَعَالَى] (¬2) .: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72] (¬3) . إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 75] ، فَأَثْبَتَ الْمُوَالَاةَ (¬4) . بَيْنَهُمْ. وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: ¬

(¬1) عِبَارَةُ " إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " لَمْ تَرِدْ فِي (ن) (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬3) فِي (ن) : لَمْ يَرِدْ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا) . وَيُوجَدُ سَقْطٌ فِي (م) بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (. . . أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) حَتَّى قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. . .) (¬4) ن: الْوِلَايَةَ

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 51] إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ - وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [الْمَائِدَةِ: 55 - 56] (¬1) ، وَقَالَ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] ، فَأَثْبَتَ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَ بِمُوَالَاتِهِمْ، وَالرَّافِضَةُ تَتَبَرَّأُ (¬2) . مِنْهُمْ، وَلَا تَتَوَلَّاهُمْ (¬3) ، وَأَصْلُ الْمُوَالَاةِ الْمَحَبَّةُ، وَأَصْلُ الْمُعَادَاةِ الْبُغْضُ، وَهُمْ يُبْغِضُونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَهُمْ. وَقَدْ وَضَعَ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ حَدِيثًا مُفْتَرًى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لَمَّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ (¬4) ، وَهَذَا كَذِبٌ (¬5) . بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ [بِالنَّقْلِ] (¬6) ، وَكَذِبُهُ بَيِّنٌ (¬7) ، مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ (الَّذِينَ) صِيغَةُ جَمْعٍ، وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ (الْوَاوَ) (¬8) . لَيْسَتْ وَاوَ الْحَالِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ ¬

(¬1) فِي (ن) : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ. . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. . إِلَخْ (¬2) أ، ب: تَبِينُ (¬3) ن: تُوَالِيهِمْ ; م: تَتَوَالَهُمْ (¬4) الْآيَةُ الْمَقْصُودَةُ هُنَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] ، وَالْحَدِيثُ الْمَوْضُوعُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ بِتَمَامِهِ فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " وَنَقَلَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ " وَرَدَّ عَلَيْهِ تَفْصِيلًا: انْظُرْ: مِنْهَاجَ السُّنَّةِ (بُولَاقٍ) 4 - 9 (¬5) م: وَهُوَ كَذِبٌ (¬6) بِالنَّقْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) ن، م: يُتَبَيَّنُ (¬8) وَهِيَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَهُمْ رَاكِعُونَ)

لَا يَسُوغُ (¬1) . أَنْ يَتَوَلَّى إِلَّا مَنْ أَعْطَى الزَّكَاةَ فِي حَالِ الرُّكُوعِ، فَلَا يَتَوَلَّى سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ (¬2) \ 5. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِعَمَلٍ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ (¬3) ، وَإِيتَاءُ (¬4) . الزَّكَاةِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا [بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ] (¬5) . فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِيتَاؤُهَا فِي الصَّلَاةِ حَسَنًا، لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ حَالِ الرُّكُوعِ وَغَيْرِ حَالِ الرُّكُوعِ، بَلْ إِيتَاؤُهَا فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَمْكَنُ. وَمِنْهَا: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (* وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا خَاتَمٌ، وَلَا كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَوَاتِمَ، حَتَّى كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابًا إِلَى كِسْرَى، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشَ فِيهَا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ *) (¬6) . وَمِنْهَا: أَنَّ إِيتَاءَ غَيْرِ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ خَيْرٌ مِنْ إِيتَاءِ الْخَاتَمِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ: لَا يُجْزِئُ (¬7) . إِخْرَاجُ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ السَّائِلَ (¬8) ، وَالْمَدْحُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ ¬

(¬1) ن، م: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ (¬2) انْظُرْ تَفْصِيلَ هَذِهِ النُّقْطَةِ فِي (ب) (¬3) ن، م: وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ (¬4) ن، م: وَأَمَّا (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬7) ن، م: لَا يَجُوزُ (¬8) أَيْ أَنَّهُ أَعْطَى الْخَاتَمَ لِلسَّائِلِ

يُخْرِجَهَا ابْتِدَاءً وَيُخْرِجَهَا عَلَى الْفَوْرِ، لَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَسْأَلَهُ سَائِلٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَالْأَمْرِ بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ. وَسَيَجِيءُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَا يَكَادُونَ يَحْتَجُّونَ بِحُجَّةٍ إِلَّا كَانَتْ [حُجَّةً] (¬1) . عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، كَاحْتِجَاجِهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَالرَّافِضَةُ مُخَالِفُونَ لَهَا. (¬2) وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ (¬3) وَالنَّصِيرِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ يُوَالُونَ الْكُفَّارَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَيُعَادُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ (¬4) . . اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ فِيهِمْ (¬5) ، يُعَادُونَ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ التُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 64] ، أَيْ: [اللَّهُ] كَافِيكَ (¬6) . وَكَافِي مَنِ اتَّبَعَكَ (¬7) . مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَالصَّحَابَةُ أَفْضَلُ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوَّلُهُمْ (¬8) . ¬

(¬1) حُجَّةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ (¬2) انْظُرْ تَفْصِيلَ هَذَا الْكَلَامِ فِي (ب) 4 (الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ) (¬3) ن، (م) : كَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنَّصِيرِيَّةِ، انْظُرْ: 1/10 (¬4) ن، م: وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ (¬5) فِيهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬6) ن، م: أَيْ كَافِيكَ (¬7) أ، ب: كَافِيكَ وَمَنِ اتَّبَعَكَ (¬8) ن: وَوَالَاهُمْ، م: وَأَوْلَاهُمْ

وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (¬1) ، وَالَّذِينَ رَآهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَصْرِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 62 - 63] ، وَإِنَّمَا أَيَّدَهُ فِي حَيَاتِهِ بِالصَّحَابَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33 - 35] . وَهَذَا الصِّنْفُ الَّذِي يَقُولُ الصِّدْقَ وَيُصَدِّقُ بِهِ، خِلَافُ الصِّنْفِ الَّذِي يَفْتَرِي الْكَذِبَ، أَوْ يُكَذِّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ، كَمَا سَنَبْسُطُ الْقَوْلَ فِيهِمَا (¬2) . إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ كَانُوا يَشْهَدُونَ (¬3) . أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ (¬4) ، هُمْ أَفْضَلُ مَنْ جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ. ¬

(¬1) الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ سُورَةِ النَّصْرِ لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) (¬2) ن، م: فِيهَا (¬3) أ، ب: كَالَّذِينِ يَشْهَدُونَ (¬4) ن: مُحِقٌّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

وَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْقِبْلَةِ [أَعْظَمُ] (¬1) . افْتِرَاءٍ [لِلْكَذِبِ] (¬2) . عَلَى اللَّهِ، وَتَكْذِيبًا بِالْحَقِّ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ (¬3) ، وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ الْغُلُوُّ فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَدُ فِيهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى إِلَهِيَّةِ الْبَشَرِ، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَادَّعَى الْعِصْمَةَ فِي الْأَئِمَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ (¬4) . مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ (¬5) . الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْقِبْلَةِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيهِمْ. قَالَ تَعَالَى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [سُورَةُ النَّمْلِ: 59] . قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬6) . . وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْمُصْطَفِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ - جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ - وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ - الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 32 - 35] (¬7) ، فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمُ (¬8) . ¬

(¬1) أَعْظَمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ (¬2) لِلْكَذِبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) ن: الشِّيَعِ (¬4) ن: وَغَيْرَ ذَلِكَ (¬5) الطَّوَائِفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬6) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (20/3) عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ (¬7) ن، م: بِإِذْنِ اللَّهِ. . إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (¬8) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ بَعْدَ الْأُمَّتَيْنِ قَبْلَهُمْ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُمُ الَّذِينَ اصْطَفَى. وَتَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» " (¬1) \ 156. وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ هُمُ الْمُصْطَفُونَ مِنَ الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ. ¬

(¬1) يَذْكُرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ: وَخَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي. . أَوْ " خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ. . إِلَخْ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِ. وَقَدْ بَحَثْتُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ طَوِيلًا فَلَمْ أَجِدْهَا. وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَعَائِشَةُ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَبُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَجَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ. . خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ أَنَا فِيهِمْ. بُعِثْتُ فِي خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ أَنَا وَالَّذِينَ مَعِي. انْظُرِ: الْبُخَارِيَّ: 3/171 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ جَوْرٍ إِذَا شَهِدَ) 5 - 3، 3 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ رَآهُ. .) ، 8/91 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا) ، 8/134 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِذَا قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ. . .) ، 8/141 - 142 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ لَا يَفِي) ; مُسْلِمٍ 4/1962 - 1965 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . .) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ (بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ) 7/17 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (بِتَحْقِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّد عُثْمَان) 3/339 - 340 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ) ، 3/376 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ) ، 5/357 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ. .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/297 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. .) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/791 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ كَرَاهِيَةِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَشْهِدْ) ; تَرْتِيبُ مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، تَحْقِيقُ الشَّيْخِ أَحْمَد عَبْد الرَّحْمَن الْبَنَّا (ط. الْمُنِيرِيَّةِ بِالْأَزْهَرِ، 1353/1934 2/198 - 199 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْقُرُونِ الْأُولَى) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/209، 6/29، 86، 116، 12/90، 15/106، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/340، 373، 410، 416، 417، 479، 4/267، 276، 277، 278، 426، 427، 436، 440، 5/350، 357، 6

قَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] (¬1) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سُورَةُ النُّورِ: 55] . فَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ] (¬2) . بِالِاسْتِخْلَافِ، كَمَا وَعَدَهُمْ فِي تِلْكَ الْآيَةِ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَهُمْ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَكَّنَ لَهُمْ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ¬

(¬1) فِي (أ) ، (ب) كُتِبَ جُزْءٌ مِنَ الْآيَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، وَبَعْدَهَا: إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) (¬2) وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن)

[سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] ، وَبَدَّلَهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، لَهُمْ مِنْهُ الْمَغْفِرَةُ (¬1) . وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ. وَهَذَا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: يُسْتَدَلُّ بِهِ (¬2) . عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْلَفِينَ مُؤْمِنُونَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (¬3) . ; لِأَنَّ الْوَعْدَ لَهُمْ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ مَغْفُورٌ لَهُمْ، وَلَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ (¬4) . عَظِيمٌ ; لِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَتَنَاوَلَتْهُمُ الْآيَتَانِ: آيَةُ النُّورِ وَآيَةُ الْفَتْحِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ النُّعُوتَ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى الصَّحَابَةِ عَلَى زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنَّهُ إِذْ ذَاكَ حَصَلَ الِاسْتِخْلَافُ، وَتَمَكَّنَ الدِّينُ وَالْأَمْنُ بَعْدَ الْخَوْفِ، لَمَّا قَهَرُوا فَارِسَ وَالرُّومَ، وَفَتَحُوا الشَّامَ وَالْعِرَاقَ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ وَإِفْرِيقِيَّةَ، وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَحَصَلَتِ الْفِتْنَةُ لَمْ يَفْتَحُوا شَيْئًا مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ، بَلْ طَمِعَ فِيهِمُ الْكُفَّارُ بِالشَّامِ وَخُرَاسَانَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَخَافُ بَعْضًا. وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى إِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ فِي زَمَنِ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَالْأَمْنِ. وَالَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَالْأَمْنِ، وَأَدْرَكُوا زَمَنَ الْفِتْنَةِ - كَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأَبِي مُوسَى [الْأَشْعَرِيِّ] (¬5) . وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - دَخَلُوا فِي الْآيَةِ ; لِأَنَّهُمُ اسْتُخْلِفُوا وَمُكِّنُوا وَأَمِنُوا. ¬

(¬1) أ، ب: وَبَدَّلَهُمْ بَعْدَ خَوْفِهِمْ آمِنًا لَهُمُ الْمَغْفِرَةَ (فِي أ: لَهُمْ مِنَ الْمَغْفِرَةِ) (¬2) يُسْتَدَلُّ بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) ن، م: عَمِلُوا عَمَلًا صَالِحًا (¬4) أ، ب: وَلَهُمْ أَجْرٌ (¬5) الْأَشْعَرِيِّ: لَيْسَتْ فِي (ن)

وَأَمَّا مَنْ (¬1) . حَدَثَ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، كَالرَّافِضَةِ الَّذِينَ حَدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ وَالِافْتِرَاقِ، وَكَالْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ (¬2) . فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمُ النَّصُّ، فَلَمْ يَدْخُلُوا فِيمَنْ وُصِفَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُمْ: أَوَّلًا: لَيْسُوا مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ وَالْأَمْنِ بَعْدَ الْخَوْفِ مَا حَصَلَ لِلصَّحَابَةِ، بَلْ لَا يَزَالُونَ خَائِفِينَ مُقَلْقَلِينَ (¬3) . غَيْرَ مُمَكَّنِينَ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ قَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] ، وَلَمْ يَقُلْ: وَعَدَهُمْ كُلَّهُمْ؟ قِيلَ: كَمَا قَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سُورَةُ النُّورِ: 55] ، وَلَمْ يَقُلْ: وَعَدَكُمْ (¬4) . وَ " مِنْ " تَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، فَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْمَجْرُورِ بِهَا شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] (¬5) .: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 30] ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوْثَانِ مَا لَيْسَ بِرِجْسٍ. وَإِذَا قُلْتَ: ثَوْبٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَهُوَ كَقَوْلِكَ: ثَوْبُ حَرِيرٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ: بَابٌ مِنْ حَدِيدٍ، كَقَوْلِكَ: بَابُ حَدِيدٍ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَرِيرٌ وَحَدِيدٌ غَيْرُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَتَصَوَّرُهُ كُلِّيًّا، ¬

(¬1) ن: فَأَمَّا مَنْ ; م: فَأَمَّا مَا (¬2) ن، م: وَالْمَارِقِينَ (¬3) ن، م: مُعْتَقَلِينَ (¬4) ن، م، أ: وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

فَإِنَّ الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ هُوَ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فِيهِ فِي الْوُجُودِ، فَإِذَا كَانَتْ " مِنْ " لِبَيَانِ الْجِنْسِ (* كَانَ التَّقْدِيرُ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا} مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ كُلُّهُمْ مُؤْمِنِينَ *) (¬1) . مُصْلِحِينَ (¬2) . وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَالصِّنْفِ {مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنَّ يَكُونَ جَمِيعُ هَذَا الْجِنْسِ مُؤْمِنِينَ صَالِحِينَ (¬3) . وَلَمَّا قَالَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 31] (¬4) ، لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُنَّ تَقْنُتُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلُ صَالِحًا. وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 54] ، لَمْ يَمْنَعْ هَذَا (¬5) . أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ لَوْ عَمِلُوا سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحُوا لَمْ يَغْفِرْ إِلَّا لِبَعْضِهِمْ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) ب (فَقَطْ) : صَالِحِينَ (¬3) م: مُصْلِحِينَ. (¬4) عِبَارَةُ " وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ": لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) (¬5) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

وَلِهَذَا تَدْخُلُ " مِنْ " هَذِهِ فِي النَّفْيِ لِتَحْقِيقِ نَفْيِ الْجِنْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [سُورَةُ الطُّورِ: 21] ، وَقَوْلِهِ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 62] ، وَقَوْلِهِ (¬1) .: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: 47] . وَلِهَذَا إِذَا دَخَلَتْ فِي النَّفْيِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا أَفَادَتْ نَفْيَ الْجِنْسِ قَطْعًا، فَالتَّحْقِيقُ مَا ذُكِرَ، وَالتَّقْدِيرُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 62] ، [وَقَوْلِهِ] (¬2) . {لَا رَيْبَ فِيهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 2] وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ تَكُنْ " مِنْ " مَوْجُودَةً، كَقَوْلِكَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا، فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَلَكِنْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُنْفَى بِهَا الْوَاحِدُ مِنَ الْجِنْسِ، كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا بَلْ رَجُلَيْنِ، فَتَبَيَّنَ (¬3) . أَنَّهُ يَجُوزُ إِرَادَةُ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ نَفْيَ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا دَخَلَتْ " مِنْ " فَإِنَّهَا تَنْفِي نَفْيَ الْجِنْسِ قَطْعًا (¬4) . وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ: مَنْ أَعْطَانِي مِنْكُمْ أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ، فَأَعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا، عُتِقُوا كُلُّهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ: مَنْ أَبْرَأَتْنِي مِنْكُنَّ مِنْ صَدَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَبْرَأْنَهُ كُلُّهُنَّ، طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ: " مِنْكُمْ " بَيَانُ جِنْسِ الْمُعْطَى وَالْمُبَرَّئِ لَا إِثْبَاتُ هَذَا الْحُكْمِ لِبَعْضِ الْعَبِيدِ وَالْأَزْوَاجِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا كَمَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْمَذْكُورِ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ¬

(¬1) وَقَوْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) وَقَوْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) ن، م: فَبَيَّنَ (¬4) أ، ب: فَإِنَّهُ يَنْفِي الْجِنْسَ قَطْعًا

فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا، [فَلَيْسَ] (¬1) . فِي قَوْلِهِ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} مَا يَقْتَضِي (¬2) . أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ. قِيلَ: نَعَمْ، وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا اللَّفْظِ دَلَّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَكِنَّ مَقْصُودَنَا أَنَّ " مِنْ " لَا يُنَافِي شُمُولَ هَذَا الْوَصْفِ لَهُمْ، فَلَا يَقُولُ قَائِلٌ: [إِنَّ] (¬3) . الْخِطَابَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَدْحَ شَمِلَهُمْ وَعَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (¬4) . إِلَى آخَرِ الْكَلَامِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مَدْحٌ لَهُمْ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الصِّفَاتِ: وَهُوَ الشِّدَّةُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالرَّحْمَةُ بَيْنَهُمْ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَالسِّيمَا فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، وَأَنَّهُمْ يَبْتَدِئُونَ مَنْ ضَعْفٍ إِلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ وَالِاعْتِدَالِ كَالزَّرْعِ. وَالْوَعْدُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْأَجْرِ الْعَظِيمِ لَيْسَ عَلَى مُجَرَّدِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، بَلْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَذَكَرَ مَا بِهِ يَسْتَحِقُّونَ الْوَعْدَ، وَإِنَّ كَانُوا (¬5) . كُلُّهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَوْلَا ذِكْرُ ذَلِكَ لَكَانَ يُظَنُّ أَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ مَا ذُكِرَ (* يَسْتَحِقُّونَ الْمَغْفِرَةَ وَالْأَجْرَ الْعَظِيمَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيَانُ سَبَبِ الْجَزَاءِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا ذُكِرَ *) (¬6) . الْإِيمَانُ ¬

(¬1) فَلَيْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬2) ن، م: مَا يُوجِبُ (¬3) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬4) عِبَارَةُ " أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " فِي (ن) فَقَطْ (¬5) ن، م: وَلَوْ كَانُوا (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ إِذَا عَلِقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مُنَاسِبٍ، كَانَ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ سَبَبَ الْحُكْمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُنَافِقُونَ كَانُوا فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمِينَ، قِيلَ: الْمُنَافِقُونَ لَمْ يَكُونُوا مُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ - وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 52 - 53] (¬1) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ - وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 10 - 11] . وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا - الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 140 - 141] . إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 145 - 146] . ¬

(¬1) عِبَارَةُ " فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ " فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 56] . وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: 14] (¬1) ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: وَهَؤُلَاءِ لَا يُوجَدُونَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي الرَّافِضَةِ وَمَنِ انْضَوَى (¬2) . إِلَيْهِمْ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (¬3) .: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 8] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 13] ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا دَاخِلِينَ فِي الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَالَّذِينَ كَانُوا مُنَافِقِينَ، مِنْهُمْ مَنْ تَابَ عَنْ نِفَاقِهِ وَانْتَهَى عَنْهُ، (¬4) . الْغَالِبُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ - أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: ¬

(¬1) ن، م:. . وَلَا مِنْهُمْ. . . الْآيَةَ (¬2) أ، ب: انْطَوَى (¬3) ن، م: وَقَالَ تَعَالَى (¬4) وَهُمْ ن، م: وَمِنْهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ

60 - 61] ، فَلَمَّا لَمْ يُغْرِهِ اللَّهُ بِهِمْ وَلَمْ يُقَتِّلْهُمْ تَقْتِيلًا، بَلْ كَانُوا يُجَاوِرُونَهُ بِالْمَدِينَةِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمُ انْتَهَوْا. وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ كُلُّهُمْ بَايَعَهُ (¬1) . تَحْتَ الشَّجَرَةِ إِلَّا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ (¬2) ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ تَحْتَ (¬3) . جَمَلٍ أَحْمَرَ. وَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " «كُلُّهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ» " (¬4) . ¬

(¬1) أ، ب: بَايَعُوهُ (¬2) فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/396: " عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاسُ آخِذًا بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَافِقُنَا، فَلَمَّا فَرَغْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخَذْتُ وَأَعْطَيْتُ. قَالَ فَسَأَلْتُ جَابِرًا يَوْمَئِذٍ: كَيْفَ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَى الْمَوْتِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ. قُلْتُ لَهُ: أَفَرَأَيْتَ يَوْمَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى بَايَعْنَاهُ. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: كُنَّا أَرْبَعَ عَشَرَ مِائَةً فَبَايَعْنَاهُ كُلُّنَا إِلَّا الْجَدَّ بْنَ قَيْسٍ اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرٍ، وَنَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ مِنَ الْبُدْنِ لِكُلِّ سَبْعَةٍ جَزُورٌ ". وَانْظُرْ خَبَرَ اخْتِبَاءِ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَعَدَمِ بَيْعَتِهِ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/100 ; سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/330 ; تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/632 ; تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 26/54 - 55. وَقَدْ تَرْجَمَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ (1/230) لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَسَمَّاهُ: جَدَّ بْنَ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ غُنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ إِنَّهُ كَانَ سَيِّدُ بَنِي سَلَمَةَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ خَالَ جَابِرٍ، وَأَنَّهُ حَمَلَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ قَوِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: " وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ وَالْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ لَمْ يَتُبْ عَلَيْهِمْ " وَقَالَ: إِنَّهُ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ (¬3) أ، ب: خَلْفَ (¬4) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَتْ أَلْفَاظٌ بِمَعْنَاهَا ضِمْنَ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَصُّهُ فِي مُسْلِمٍ 4/2144 - 2145 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ، الْبَابُ الْأَوَّلِ) : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ، فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا، خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ، ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَكُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ، إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ " فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ ". قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ 17/126 - 127: " مَنْ يَصْعَدِ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ: هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَةِ الْأَوْلَى: الْمُرَارِ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: الْمُرَارِ أَوِ الْمَرَارِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَوْ فَتْحِهَا عَلَى الشَّكِّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّهَا أَوْ كَسْرِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُرَارُ شَجَرٌ مُرٌّ. وَأَصْلُ الثَّنِيَّةِ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَهَذِهِ الثَّنِيَّةُ عِنْدَ الْحُدَيْبِيَةِ. . قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: هَذَا الرَّجُلُ هُوَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ الْمُنَافِقُ ". وَانْظُرْ " الِاسْتِقَامَةَ " لِابْنِ تَيْمِيَّةَ 2/265، 287 - 288

[وَبِالْجُمْلَةِ] (¬1) . فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا مَغْمُورِينَ أَذِلَّاءَ مَقْهُورِينَ (¬2) ، لَا سِيَّمَا فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ: 8] ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِزَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِلْمُنَافِقِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعِزَّةَ وَالْقُوَّةَ كَانَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا أَذِلَّاءَ بَيْنَهُمْ. فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ كَانُوا أَعَزَّ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، بَلْ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ كَانَ أَعَزَّ كَانَ أَعْظَمَ إِيمَانًا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ (¬3) . أَنَّ ¬

(¬1) وَبِالْجُمْلَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬2) أ، ب: مَغْمُورِينَ مَقْهُورِينَ أَذِلَّاءَ. وَفِي (ن) : مَغْمُورِينَ ذُلًّا مَقْهُورِينَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) (¬3) ن، م: وَمَعْلُومٌ

السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ (¬1) . وَغَيْرَهُمْ - كَانُوا أَعَزَّ النَّاسِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا ذَلِيلِينَ فِي الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ الْأَعِزَّاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّ هَذَا الْوَصْفَ مُطَابِقٌ لِلْمُتَّصِفِينَ بِهِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَالنِّفَاقُ وَالزَّنْدَقَةُ فِي الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ، بَلْ لَا بُدَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ شُعْبَةِ نِفَاقٍ، فَإِنَّ أَسَاسَ النِّفَاقِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ، وَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ. وَالرَّافِضَةُ تَجْعَلُ هَذَا مِنْ أُصُولِ دِينِهَا وَتُسَمِّيِهِ التَّقِيَّةَ، وَتَحْكِي هَذَا عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَحْكُوا (¬2) . عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ: التَّقِيَّةُ دِينِي وَدِينُ آبَائِي (¬3) . وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ صِدْقًا وَتَحْقِيقًا لِلْإِيمَانِ، وَكَانَ دِينُهُمُ التَّقْوَى لَا التَّقِيَّةَ (¬4) . وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} ¬

(¬1) ن، م: وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ (¬2) أ، ب: حَتَّى يَحْكُوا ذَلِكَ ; ن: حَتَّى يُحْكَى (¬3) فِي كِتَابِ " الْأُصُولِ مِنَ الْكَافِي " لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْكَلْبِيِّ 2/219، الطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ، ط. طَهْرَانَ، 1381 عَنْ مَعْمَرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنِ الْقِيَامِ لِلْوُلَاةِ، فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: التَّقِيَّةُ مِنْ دِينِي وَدِينِ آبَائِي، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ (¬4) ن، م: التَّقْوَى وَالتَّقِيَّةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 28] إِنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالِاتِّقَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ (¬1) . لَا الْأَمْرُ (¬2) . بِالنِّفَاقِ وَالْكَذِبِ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ، لَكِنْ لَمْ يُكْرِهْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى شَيْءٍ [مِنْ ذَلِكَ] (¬3) ، حَتَّى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (¬4) . لَمْ يُكْرِهْ أَحَدًا لَا مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَى مُبَايَعَتِهِ (¬5) ، فَضْلًا أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، بَلْ كَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ يُظْهِرُونَ ذِكْرَ (¬6) . فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ وَالتَّرَحُّمَ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُكْرِهُهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ. وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ خَلْقٌ عَظِيمٌ (¬7) . دُونَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ (¬8) . فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى يَكْرَهُونَ مِنْهُمْ أَشْيَاءَ وَلَا يَمْدَحُونَهُمْ وَلَا يَثْنُونَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَرِّبُونَهُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ يَخَافُونَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ أُولَئِكَ يُكْرِهُونَهُمْ، مَعَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ [الرَّاشِدِينَ] (¬9) . كَانُوا بِاتِّفَاقِ الْخَلْقِ ¬

(¬1) يَقُولُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/316: " فَالتَّقِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا هِيَ تَقِيَّةٌ مِنَ الْكُفَّارِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ " (¬2) ن، م: أَمَرَ (¬3) مِنْ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬5) أ، ب: مُتَابَعَتِهِ (¬6) ن، م: مِنْ ذِكْرِ (¬7) م: خَلْقٌ كَثِيرٌ عَظِيمٌ (¬8) ن، م: وَغَيْرِهِمْ (¬9) الرَّاشِدِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

أَبْعَدَ عَنْ قَهْرِ النَّاسِ وَعُقُوبَتِهِمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ النَّاسُ مَعَ هَؤُلَاءِ مُكْرَهِينَ عَلَى أَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ خِلَافَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ (¬1) ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ مُكْرَهِينَ مَعَ الْخُلَفَاءِ عَلَى ذَلِكَ ; بَلْ عَلَى الْكَذِبِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَإِظْهَارِ الْكُفْرِ - كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَهُمْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ؟ . فَعُلِمَ أَنَّ مَا تَتَظَاهَرُ بِهِ الرَّافِضَةُ، هُوَ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ وَالنِّفَاقِ، وَأَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، لَا مِنْ بَابِ مَا يُكْرَهُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهِ مِنَ التَّكَلُّمِ بِالْكُفْرِ. وَهَؤُلَاءِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ غَالِبُهُمْ يُظْهِرُونَ دِينَهُمْ، وَالْخَوَارِجُ مَعَ تَظَاهُرِهِمْ بِتَكْفِيرِ الْجُمْهُورِ وَتَكْفِيرِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمَنْ وَالَاهُمَا يَتَظَاهَرُونَ بِدِينِهِمْ، وَإِذَا سَكَنُوا بَيْنَ الْجَمَاعَةِ سَكَنُوا عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ (¬2) . وَالَّذِي يَسْكُنُ فِي مَدَائِنِ الرَّافِضَةِ فَلَا يُظْهَرُ الرَّفْضَ، وَغَايَتُهُ إِذَا ضَعَفَ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِ مَذْهَبِهِ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَظَاهَرَ بِسَبَبِ الْخُلَفَاءِ وَالصَّحَابَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَلِيلًا. فَكَيْفَ يُظَنُّ بِعَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬3) . وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَضْعَفَ دِينًا وَقُلُوبًا (¬4) . مِنَ الْأَسْرَى فِي بِلَادِ الْكُفْرِ، وَمِنْ عَوَامِّ [أَهْلِ] (¬5) . ¬

(¬1) أ: خِلَافَ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ; م: بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ (¬2) ن: وَإِذَا سَكَتُوا بَيْنَ الْجَمَاعَةِ سَكَتُوا عَنِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ ; م: وَإِذَا سَكَتُوا بَيْنَ الْجَمَاعَةِ سَكَنُوا عَنِ الْمُوَافَقَةِ ; أ: وَإِذَا سَكَنُوا بَيْنَ الْجَمَاعَةِ سَكَتُوا عَنِ الْمُوَافَقَةِ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬4) وَقُلُوبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬5) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ)

السُّنَّةِ، وَمِنَ النَّوَاصِبِ (¬1) ".؟ مَعَ أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُكْرِهْ عَلِيًّا وَلَا أَوْلَادَهُ (¬2) . عَلَى ذِكْرِ فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِمْ، بَلْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ ; وَيَقُولُهُ أَحَدُهُمْ لِخَاصَّتِهِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ (¬3) . (4 وَأَيْضًا فَقَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى 4) (¬4) .: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سُورَةُ النُّورِ: 55] إِنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ لِلْجُمْلَةِ بِوَصْفٍ يَتَضَمَّنُ حَالَهُمْ (¬5) . عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] ، وَالْمَغْفِرَةُ وَالْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، إِذْ قَدْ يَكُونُ فِي الْجُمْلَةِ مُنَافِقٌ. وَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ (¬6) . مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ (¬7) . ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنِ النَّوَاصِبِ 1 وَفِي " تَاجِ الْعَرُوسِ " مَادَّةُ " نَصَبَ ": " النَّوَاصِبُ وَالنَّاصِبَةُ وَأَهْلُ النَّصْبِ وَهُمُ الْمُتَدَيِّنُونَ بِبِغْضَةِ سَيِّدِنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَرَّمَ وَجْهَهُ - لِأَنَّهُمْ نَصَبُوا لَهُ أَيْ عَادَوْهُ وَأَظْهَرُوا لَهُ الْخِلَافَ وَهُمْ طَائِفَةُ الْخَوَارِجِ (¬2) ن، م: عَلِيًّا وَأَوْلَادَهُ (¬3) ن، م: كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ (¬4) (4 - 4) بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي (ن) ، (م) يُوجَدُ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ وَبَعْدَهُ عِبَارَةُ: فَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ. . . إِلَخْ (¬5) أ، ب: إِنَّ ذَلِكَ وَصْفُ الْجُمْلَةِ بِصِفَةٍ تَتَضَمَّنُ حَالَهُمْ (¬6) ن، م: وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ (¬7) ن: وَالْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ

الوجه الثاني كذب ابن المطهر وتحريفه فيما نقله عن حال الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم

وَالْمُحْسِنِينَ وَمَدْحِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ (¬1) ، وَأَفْضَلُ مَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ; كَمَا اسْتَفَاضَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ (¬2) . ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (¬3) . [الْوَجْهُ الثَّانِي كَذِبُ ابن المطهر وَتَحْرِيفه فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ حَالِ الصَّحَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي بَيَانِ كَذِبِهِ وَتَحْرِيفِهِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ حَالِ الصَّحَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) . قَوْلُهُ: " فَبَعْضُهُمْ (¬5) . طَلَبَ الْأَمْرِ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا ". وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي بَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَطْلُبِ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ لَا بِحَقٍّ وَلَا بِغَيْرِ حَقٍّ، بَلْ قَالَ: قَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: إِمَّا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَإِمَّا أَبَا عُبَيْدَةَ. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ لَأَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي، لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ [مِنْ] (¬6) . أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ. وَهَذَا اللَّفْظُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬7) \ 247. ¬

(¬1) ن: فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) ب: جِئْتُ فِيهِمْ (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَبْلُ (ص [0 - 9] 5 ت [0 - 9] ) مِنْ هَذَا الْجُزْءِ (¬4) انْظُرْ أَوَّلَ الْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِيمَا سَبَقَ ص 17 (¬5) ن: قَوْلُهُمْ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬6) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ السَّقِيفَةِ وَسَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إَلَيْهِ وَالْكَلَامُ عَلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا. انْظُرْ هَذَا الْكِتَابَ 1/516 أَمَّا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْبُخَارِيِّ 8/70 (كِتَابُ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، بَابُ رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا) ; سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/310، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/326 (رَقْمُ 391) ; تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 3 ; الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 5

[وَقَدْ رُوِيَ] (¬1) . عَنْهُ أَيْضًا (¬2) . أَنَّهُ قَالَ: أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي (¬3) ، فَالْمُسْلِمُونَ اخْتَارُوهُ وَبَايَعُوهُ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ خَيْرُهُمْ، كَمَا قَالَ لَهُ عُمَرُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِمَحْضَرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَهَذَا أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬4) . . وَالْمُسْلِمُونَ اخْتَارُوهُ كَمَا قَالَ [النَّبِيُّ] (¬5) . - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي [الْحَدِيثِ] (¬6) الصَّحِيحِ لِعَائِشَةَ: " «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي ". ثُمَّ قَالَ: " يَأْبَى اللَّهُ» ¬

(¬1) وَقَدْ رُوِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) فِي " الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ فِي مَنَاقِبِ الْعَشْرَةِ " لِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ (ط. الْخَانْجِيِّ، 1327) فَصْلٌ بِعُنْوَانِ: ذِكْرُ اسْتِقَالَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْبَيْعَةِ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 75 - 176) فِيهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِعَيْنِهَا (¬4) الْبُخَارِيِّ 5/7. وَسَبَقَ ذِكْرُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهَا هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1/518 (ت [0 - 9] ) . وَكُنْتُ قَدْ بَحَثْتُ عَنْ حَدِيثِ السَّقِيفَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ إِلَّا قِطْعَةً صَغِيرَةً مِنْ خُطْبَةِ عُمَرَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي أَخِيرًا أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ كَانَ مُخْطِئًا فِي نَصِّهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَغَيْرَهَا مِنْ حَدِيثِ السَّقِيفَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى نِسْبَةِ صَاحِبِ كِتَابِ " شَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ " حَدِيثَ السَّقِيفَةِ إِلَى الصَّحِيحَيْنِ مَا يَلِي (ص [0 - 9] 08) : " وَقَدْ أَوْهَمَ الشَّارِحُ أَيْضًا فِي نِسْبَتِهِ لِلصَّحِيحَيْنِ فَإِنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ 7/123 "، وَانْظُرْ فَتْحَ الْبَارِي (¬5) النَّبِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬6) الْحَدِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

الوجه الثالث في بيان زهد أبي بكر وزهد من بايعه

وَالْمُؤْمِنُونَ (* إِلَّا أَبَا بَكْرٍ (¬1) ، فَأَبَى اللَّهُ وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ *) (¬2) . أَنْ يَتَوَلَّى (¬3) . غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ، فَاللَّهُ هُوَ وَلَّاهُ قَدَرًا وَشَرْعًا، وَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِوِلَايَتِهِ، وَهَدَاهُمْ إِلَى أَنْ وَلَّوْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ طَلَبَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ". [الْوَجْهُ الثَّالِثُ في بيان زهد أبي بكر وزهد من بايعه] الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: فَهَبْ أَنَّهُ طَلَبَهَا وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، فَقَوْلُكُمْ: إِنْ ذَلِكَ طَلَبٌ لِلدُّنْيَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬4) . لَمْ يُعْطِهِمْ دُنْيَا، وَكَانَ قَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «وَلَمَّا رَغَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَةِ جَاءَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: تَرَكْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (¬5) . ¬

(¬1) سَبَقَ وُرُودُ الْحَدِيثِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الطَّبْعَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ (ص [0 - 9] 92، 496، 511) وَذَكَرْتُ مِنْ قَبْلُ 1/492 (ت [0 - 9] ) أَنَّ الْحَدِيثَ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/80 - 81 ; مُسْلِمٍ 4/1857 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. .) ; مُسْنَدِ أَحْمَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/47، 106، 124 (مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ) . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) ن، م: يُوَلُّوا (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ فِي (أ) ، (ب) (¬5) ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ 2/112 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ. وَأَوْرَدَ أَبُو دَاوُدَ (2/173 - 174) (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ) حَدِيثَ تَصَدَّقَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ - عَنْهُ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ. قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ 5/277 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ مِنْهُ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/391 - 392 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ.)

وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ هُمْ أَزْهَدُ (¬1) . النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ ; وَقَدْ عَلِمَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ زُهْدَ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَمْثَالِهِمَا، وَإِنْفَاقَ الْأَنْصَارِ أَمْوَالَهُمْ: كَأُسَيْدِ (¬2) . بْنِ حُضَيْرٍ وَأَبِي طَلْحَةَ [وَأَبِي أَيُّوبَ] وَأَمْثَالِهِمْ (¬3) ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ بَيْتُ مَالٍ يُعْطِيهِمْ مَا فِيهِ، وَلَا كَانَ هُنَاكَ دِيوَانٌ لِلْعَطَاءِ يُفْرَضُ لَهُمْ فِيهِ، فَالْأَنْصَارُ (¬4) . كَانُوا فِي أَمْلَاكِهِمْ وَكَذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ (¬5) .: مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَغْنَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ كَانَ لَهُ. وَكَانَتْ سِيرَةُ أَبِي بَكْرٍ فِي قَسْمِ الْأَمْوَالِ (¬6) . التَّسْوِيَةَ، وَكَذَلِكَ سِيرَةُ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬7) ، فَلَوْ بَايَعُو عَلِيًّا أَعْطَاهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، مَعَ كَوْنِ قَبِيلَتِهِ أَشْرَفَ الْقَبَائِلِ، وَكَوْنِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ - وَهُمْ (¬8) . أَشْرَفَ قُرَيْشٍ الَّذِينَ هُمْ أَقْرَبُ الْعَرَبِ - مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ [وَغَيْرِهِمْ] (¬9) . إِذْ ذَاكَ، كَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ [وَغَيْرِهِ] (¬10) ، وَبَنِي هَاشِمٍ - كَالْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِ - كَانُوا مَعَهُ. ¬

(¬1) ن، م: وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ فَأَزْهَدُ. . . إِلَخْ (¬2) ن، م: كَأَسَدِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) ن، م:. . . . وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَمْثَالِهِمَا (¬4) أ، ب: وَالْأَنْصَارُ (¬5) ن، م: الْمُهَاجِرِينَ (¬6) ن، م: الْمَالِ (¬7) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬8) ن: هُمْ. وَسَقَطَتْ مِنْ (م) (¬9) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬10) وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَدْ (¬1) . أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ (¬2) . أَنْ تَكُونَ الْإِمَارَةُ (¬3) . فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ - عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ - فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ عَلِيٌّ وَلَا عُثْمَانُ وَلَا غَيْرُهُمَا لِعِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ (¬4) . فَأَيُّ رِيَاسَةٍ وَأَيُّ مَالٍ كَانَ لِجُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ بِمُبَايَعَةٍ أَبِي بَكْرٍ؟ لَا سِيَّمَا وَهُوَ يُسَوِّي بَيْنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَبَيْنَ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَطَاءِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَسْلَمُوا لِلَّهِ، وَأُجُورُهُمْ (¬5) . عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا هَذَا الْمَتَاعُ بَلَاغٌ. وَقَالَ لِعُمَرَ لَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ بِالتَّفْضِيلِ فِي الْعَطَاءِ: أَفَأَشْتَرِي مِنْهُمْ إِيمَانَهُمْ؟ فَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ بَايَعُوهُ (¬6) . أَوَّلًا، كَعُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ، سَوَّى بَيْنَهَمْ وَبَيْنَ الطُّلَقَاءِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَامَ الْفَتْحِ، بَلْ وَبَيْنَ مَنْ أَسْلَمَ (¬7) . بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهَلْ حَصَلَ لِهَؤُلَاءِ مِنَ الدُّنْيَا بِوِلَايَتِهِ شَيْءٌ؟ ¬

(¬1) أ، ب: فَقَدْ (¬2) أ، ب: أَبُو سُفْيَانَ وَغَيْرُهُ (¬3) م: الْإِمَامَةُ (¬4) ن، م: لِعَلَمِهِ وَدِينِهِ ; أ، ب: لِعِلْمِهِمْ أَوْ دِينِهِمْ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَقَدْ لَخَّصَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ، ص [0 - 9] 9، هَذِهِ الْعِبَارَاتِ كَمَا يَلِي: " ثُمَّ كَانَتْ سِيرَتُهُ وَمَذْهَبُهُ التَّسْوِيَةَ فِي الْفَيْءِ، وَكَذَلِكَ سِيرَةُ عَلِيٍّ، فَلَوْ بَايَعُوا عَلِيًّا أَعْطَاهُمْ كَعَطَاءِ أَبِي بَكْرٍ، مَعَ كَوْنِ قَبِيلَتِهِ أَشْرَفَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَلَهُ عَشِيرَةٌ وَبَنُو عَمٍّ هُمْ أَشْرَفُ الصَّحَابَةِ مِنْ حَيْثُ النَّسَبِ كَالْعَبَّاسِ وَأَبِي سُفْيَانَ وَالزُّبَيْرِ وَعُثْمَانَ - ابْنَيْ عَمِّهِ - وَأَمْثَالِهِمْ. وَقَدْ كَلَّمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلِيًّا فِي ذَلِكَ وَمَتَّ بِشَرَفِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ عَلِيٌّ لِعَلَمِهِ وَدِينِهِ ". (¬5) م: وَأَجْرُهُمْ (¬6) أ، ب: اتَّبَعُوهُمْ ; م: بَايَعُوا (¬7) أ، ب: وَبَيْنَ مَنْ أَسْلَمَ ; ن، م: بَلْ وَمَنْ أَسْلَمَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ

الوجه الرابع أن يقال أهل السنة مع الرافضة كالمسلمين مع النصارى

[الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَعَ الرَّافِضَةِ كَالْمُسْلِمِينَ مَعَ النَّصَارَى] ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَغْلُونَ فِيهِ غُلُوَّ النَّصَارَى، وَلَا يَجْفُونَ جَفَاءَ الْيَهُودِ. وَالنَّصَارَى تَدَّعِي فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَتُرِيدُ أَنْ تُفَضِّلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، بَلْ تُفَضِّلَ الْحَوَارِيِّينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ، كَمَا تُرِيدُ الرَّوَافِضُ أَنْ تُفَضِّلَ مَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ مِنْ (¬1) الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَالْمُسْلِمُ إِذَا نَاظَرَ النَّصْرَانِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ فِي عِيسَى إِلَّا الْحَقَّ، لَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ جَهْلَ النَّصْرَانِيِّ (¬2) وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ، فَقَدِّرِ الْمُنَاظَرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِيِّ (¬3) ; فَإِنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْ شُبْهَةِ الْيَهُودِيِّ إِلَّا بِمَا يُجِيبُ بِهِ الْمُسْلِمُ ; فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا كَانَ مُنْقَطِعًا مَعَ الْيَهُودِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أُمِرَ (¬4) بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ قَدَحَ فِي نُبُوَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا إِلَّا قَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ (¬5) فِي الْمَسِيحِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَيِّنَاتِ لِمُحَمَّدٍ أَعْظَمُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ لِلْمَسِيحِ، وَبُعْدَ أَمْرِ مُحَمَّدٍ (¬6) عَنِ الشُّبْهَةِ أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْمَسِيحِ عَنْ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " الصَّحَابَةِ مِنْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: النَّصَارَى. (¬3) أ، ب: الْيَهُودُ. (¬4) ن: أَمِنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) أ: إِلَّا قَالَهُ الْيَهُودِيُّ ; ب: إِلَّا قَالَ الْيَهُودِيُّ. (¬6) أب: وَبُعْدَ أَمْرِهِ.

الشُّبْهَةِ (¬1) ، فَإِنَّ جَازَ الْقَدْحُ فِيمَا دَلِيلُهُ أَعْظَمُ وَشُبْهَتُهُ أَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ، فَالْقَدْحُ فِيمَا دُونَهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ فِي الْمَسِيحِ بَاطِلًا، فَالْقَدْحُ فِي مُحَمَّدٍ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، فَإِنَّهُ إِذَا بَطَلَتِ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ، فَالضَّعِيفَةُ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، وَإِذَا ثَبَتَتِ الْحُجَّةُ الَّتِي غَيْرُهَا أَقْوَى مِنْهَا فَالْقَوِيَّةُ أَوْلَى بِالثَّبَاتِ. (2 وَلِهَذَا كَانَ مُنَاظَرَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلنَّصَارَى مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَالْحِكَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ 2) (¬2) لَمَّا أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَلِكِ النَّصَارَى بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ عَظَّمُوهُ وَعَرَفَ النَّصَارَى (¬3) قَدْرَهُ، فَخَافُوا أَنْ لَا يَسْجُدَ لِلْمَلِكِ إِذَا دَخَلَ، فَأَدْخَلُوهُ مِنْ بَابٍ صَغِيرٍ لِيَدْخُلَ مُنْحَنِيًا، فَفَطِنَ لِمَكْرِهِمْ، فَدَخَلَ مُسْتَدْبِرًا (¬4) مُتَلَقِّيًا لَهُمْ بِعَجُزِهِ، فَفَعَلَ نَقِيضَ مَا قَصَدُوهُ، وَلَمَّا جَلَسَ وَكَلَّمُوهُ أَرَادَ بَعْضُهُمُ الْقَدْحَ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ: مَا قِيلَ فِي عَائِشَةَ امْرَأَةِ نَبِيِّكُمْ؟ يُرِيدُ إِظْهَارَ قَوْلِ الْإِفْكِ الَّذِي يَقُولُهُ [مَنْ يَقُولُهُ مِنْ] الرَّافِضَةِ أَيْضًا (¬5) ، فَقَالَ الْقَاضِي: ثِنْتَانِ قُدِحَ فِيهِمَا وَرُمِيَتَا بِالزِّنَا (¬6) إِفْكًا وَكَذِبًا: مَرْيَمُ وَعَائِشَةُ، فَأَمَّا مَرْيَمُ فَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ تَحْمِلُهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَلَمْ تَأْتِ بِوَلَدٍ مَعَ أَنَّهُ (¬7) كَانَ لَهَا زَوْجٌ، فَأُبْهِتَ النَّصَارَى. ¬

(¬1) ن: عَنِ السُّنَّةِ ; م: عَنِ السُّبَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) (2 - 2) : بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي (ن) ، (م) : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا حُكِيَ عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ. وَفِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعَ كُتِبَ: " قِفْ عَلَى قِصَّةٍ عَجِيبَةٍ ". (¬3) ن، م: وَعَرَفُوا النَّصَارَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن: مُسْتَدِيرًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5)) ن، م: الَّذِي تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ أَيْضًا. (¬6) 23) ن، م: رُمِيَتَا بِالزِّنَا وَقُدِحَ فِيهِمَا. (¬7) 25) ن، م: مَعَ أَنَّهَا.

وَكَانَ مَضْمُونُ كَلَامِهِ أَنَّ ظُهُورَ بَرَاءَةِ عَائِشَةَ أَعْظَمُ مِنْ ظُهُورِ بَرَاءَةِ مَرْيَمَ، وَأَنَّ الشُّبْهَةَ إِلَى مَرْيَمَ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى عَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا قَدْ ثَبَتَ كَذِبُ الْقَادِحِينَ فِي مَرْيَمَ، فَثُبُوتُ كَذِبِ الْقَادِحِينَ فِي عَائِشَةَ أَوْلَى (¬1) . وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ أَنْ يَقَعَ التَّفْضِيلَ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ، وَمَحَاسِنُ إِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ (¬2) ، وَمَسَاوِيهَا (¬3) أَقَلُّ وَأَصْغَرُ، فَإِذَا ذُكِرَ مَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ عُورِضَ بِأَنَّ مَسَاوِئَ تِلْكَ أَعْظَمُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [ثُمَّ قَالَ] (¬4) {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 217] (¬5) ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ عَيَّرُوا سَرِيَّةً مِنْ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ قَتَلُوا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقَالَ تَعَالَى: هَذَا كَبِيرٌ وَمَا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ وَعَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا صَدٌّ عَمًّا لَا تَحْصُلُ النَّجَاةُ ¬

(¬1) قِصَّةُ الْبَاقِلَّانِيِّ مَعَ مِلْكِ الرُّومِ وَمُنَاقَشَتِهِ مَعَ النَّصَارَى مَذْكُورَةٌ فِي " تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي " لِابْنِ عَسَاكِرَ، ص 218 - 219 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 5/379 - 380، وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ الْمَنْقُولَةَ عَنْ كِتَابِ " تَرْتِيبِ الْمَدَارِكِ " لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، فِي آخِرِ نَشْرَةِ الدُّكْتُورِ مُحَمَّد عَبْد الْهَادِي أَبِي رِيدَة، وَالْأُسْتَاذِ مَحْمُود الْخُضَيْرِي لِكِتَابِ التَّمْهِيدِ، ص 250 - 256، ط. لَجْنَةِ التَّأْلِيفِ، الْقَاهِرَةِ، 1366/1947. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْبَاقِلَّانِيِّ 1/394. (¬2) ن، م: أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ. (¬3) أ: وَمَسَاوِيهُمَا. (¬4) ثُمَّ قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) عِبَارَةُ " وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ": لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .

وَالسَّعَادَةُ إِلَّا بِهِ، وَفِيهِ مِنِ انْتِهَاكِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنِ انْتِهَاكِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ. لَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ (¬1) قَدِ اشْتَمَلَتْ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِيهِ (¬2) عَلَى مَا يُذَمُّ، وَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ، بَلْ هُنَاكَ شَبَهٌ (¬3) فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأَدِلَّةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (¬4) ، وَأَدِلَّةُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ، وَشُبْهَتُهُ (¬5) أَضْعَفُ وَأَخْفَى، فَيَكُونُ أَوْلَى بِثُبُوتِ الْحَقِّ مِمَّنْ تَكُونُ أَدِلَّتُهُ أَضْعَفَ وَشُبْهَتُهُ أَقْوَى. وَهَذَا حَالُ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ [لَا سِيَّمَا الرَّافِضَةُ] (¬6) . وَهَكَذَا أَمْرُ [أَهْلِ] (¬7) السُّنَّةِ مَعَ الرَّافِضَةِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ، فَإِنَّ الرَّافِضِيَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُثْبِتَ إِيمَانَ عَلِيِّ وَعَدَالَتِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ - فَضْلًا عَنْ إِمَامَتِهِ - إِنْ (¬8) لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَإِلَّا فَمَتَى أَرَادَ إِثْبَاتَ ذَلِكَ لَعَلِيٍّ وَحْدَهُ لَمْ تُسَاعِدْهُ الْأَدِلَّةُ، كَمَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إِذَا أَرَادَ إِثْبَاتَ نُبُوَّةَ الْمَسِيحِ دُونَ مُحَمَّدٍ لَمْ تُسَاعِدْهُ الْأَدِلَّةُ، فَإِذَا ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : لَكِنَّ فِي هَذَا النَّوْعِ. (¬2) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: شُبْهَةٌ. (¬4) ن، م: لِلْمَوْضِعَيْنِ (¬5) ن، م، أ: وَشُبْهَتُهُمْ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬8) ن، م: إِذْ.

قَالَتْ (¬1) لَهُ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا أَوِ النَّوَاصِبُ الَّذِينَ يُفَسِّقُونَهُ: إِنَّهُ كَانَ ظَالِمًا طَالِبًا لِلدُّنْيَا، وَإِنَّهُ طَلَبَ الْخِلَافَةَ لِنَفْسِهِ وَقَاتَلَ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ، وَقَتَلَ عَلَى ذَلِكَ أُلُوفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَجَزَ عَنِ انْفِرَادِهِ بِالْأَمْرِ، وَتَفَرَّقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَظَهَرُوا عَلَيْهِ فَقَاتَلُوهُ، فَهَذَا (¬2) الْكَلَامُ إِنْ كَانَ فَاسِدًا فَفَسَادُ كَلَامِ الرَّافِضِيِّ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْظَمُ (¬3) ، وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُتَوَجَّهًا مَقْبُولًا فَهَذَا أَوْلَى بِالتَّوَجُّهِ وَالْقَبُولِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ مَنْ وَلَّاهُ النَّاسُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَرِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضْرِبَ أَحَدًا لَا بِسَيْفٍ وَلَا عَصًا، وَلَا أَعْطَى أَحَدًا مِمَّنْ وَلَّاهُ مَالًا (¬4) ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يُولِّ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ وَعِتْرَتِهِ، وَلَا خَلَّفَ لِوَرَثَتِهِ مَالًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ لَهُ مَالٌ [قَدْ] أَنْفَقَهُ (¬5) فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمْ يَأْخُذْ بَدَلَهُ، وَأَوْصَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى بَيْتِ مَالِهِمْ مَا كَانَ عِنْدَهُ لَهُمْ، وَهُوَ جَرْدُ قَطِيفَةٍ وَبَكْرٌ وَأَمَةٌ سَوْدَاءُ (¬6) وَنَحْوُ ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِعُمْرَ: أَتَسْلُبُ هَذَا آلَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ، لَا يَتَحَنَّثُ فِيهَا (¬7) أَبُو بَكْرٍ وَأَتَحَمَّلُهَا أَنَا. وَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبْتَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَكَ (¬8) . ¬

(¬1) ن، م: قَالَ. (¬2) ن، م: فَقَاتَلَهُ وَهَذَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، م، أ: أَعْظَمُ فَسَادًا. (¬4) ن، م: وَلَا أَعْطَاهُ مَالًا. (¬5) ن، م: وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَنْفَقَهُ. (¬6) ن، م: وَأَمَةٌ سَوْدَاءُ وَبَكْرٌ. (¬7) ن: يَتَحَنَّثُ عَنْهَا ; ك: يَتَحَنَّثُ مِنْهَا. (¬8) هَذَا الْخَبَرُ مَرْوِيٌّ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 3/196 - 197. وَجَرْدُ قَطِيفَةٍ أَيْ: قَطِيفَةٌ انْجَرَدَ خَمَلُهَا وَخَلَقَتْ (اللِّسَانُ مَادَّةُ جَرَدَ) .

ثُمَّ مَعَ هَذَا لَمْ يَقْتُلْ مُسْلِمًا عَلَى وِلَايَتِهِ، وَلَا قَاتَلَ مُسْلِمًا بِمُسْلِمٍ، بَلْ قَاتَلَ بِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ [عَنْ دِينِهِمْ] (¬1) وَالْكَفَّارَ، حَتَّى شَرَعَ بِهِمْ فِي فَتْحِ الْأَمْصَارِ، وَاسْتَخْلَفَ الْقَوِيَّ الْأَمِينَ الْعَبْقَرِيَّ، الَّذِي فَتَحَ الْأَمْصَارَ وَنَصَبَ الدِّيوَانَ وَعَمَّرَ (¬2) بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ. فَإِنَّ جَازَ لِلرَّافِضِيِّ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا كَانَ طَالِبًا (¬3) لِلْمَالِ (¬4) وَالرِّيَاسَةِ، أَمْكَنَ النَّاصِبِيُّ أَنْ يَقُولَ: كَانَ عَلِيٌّ ظَالِمًا طَالِبًا لِلْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ، قَاتَلَ عَلَى الْوِلَايَةِ حَتَّى قَتَلَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يُقَاتِلْ كَافِرًا، وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُدَّةِ وِلَايَتِهِ إِلَّا شَرٌّ وَفِتْنَةٌ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. فَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: عَلِيٌّ كَانَ مُرِيدًا لِوَجْهِ اللَّهِ، وَالتَّقْصِيرُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ يُقَالُ: كَانَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا وَغَيْرُهُ مُخْطِئًا مَعَ هَذِهِ (¬5) الْحَالِ، فَأَنْ (¬6) يُقَالُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مُرِيدَيْنِ وَجْهَ اللَّهِ مُصِيبَيْنِ، وَالرَّافِضَةُ مُقَصِّرُونَ فِي مَعْرِفَةِ حَقِّهِمْ مُخْطِئُونَ فِي ذَمِّهِمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى [وَالْأَحْرَى] (¬7) ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَ بُعْدُهُمَا عَنْ شُبْهَةِ طَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ أَشَدُّ مِنْ بُعْدِ عَلِيٍّ عَنْ ذَلِكَ، وَشُبْهَةُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ ذَمُّوا عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَكَفَّرُوهُمَا أَقْرَبُ مِنْ شُبْهَةِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ ذَمُّوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ¬

(¬1) عَنْ دِينِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: وَعَمَّ. (¬3) ن، م: كَانَ هَذَا طَالِبًا. (¬4) ن (فَقَطْ) : لِلْكَمَالِ. (¬5) هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . (¬6) ن، م: فَإِنَّهُ. (¬7) وَالْأَحْرَى: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (م) . وَفِي (أ) : وَالْأُخْرَى.

وَعُثْمَانَ وَكَفَّرُوهُمْ (¬1) ، فَكَيْفَ بِحَالِ الصَّحَابَةِ [وَالتَّابِعِينَ] (¬2) الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَتِهِ أَوْ قَاتَلُوهُ؟ فَشُبْهَتُهُمْ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ مَنْ قَدَحَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنَّ أُولَئِكَ قَالُوا: مَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُبَايِعَ إِلَّا مَنْ يَعْدِلُ عَلَيْنَا (¬3) وَيَمْنَعُنَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا وَيَأْخُذُ حَقَّنَا مِمَّنْ ظَلَمَنَا، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ هَذَا كَانَ عَاجِزًا أَوْ ظَالِمًا وَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَايِعَ عَاجِزًا أَوْ ظَالِمًا (¬4) . وَهَذَا الْكَلَامُ إِذَا كَانَ بَاطِلًا، فَبُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا ظَالِمَيْنِ طَالِبَيْنِ لِلْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ (¬5) أَبْطَلَ وَأُبْطِلَ. وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ مَنْ لَهُ بَصَرٌ وَمَعْرِفَةٌ، وَأَيْنَ (¬6) شُبْهَةٌ مِثْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (* الَّذِي وَافَقَ عَمْرًا (¬7) عَلَى عَزْلِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَأَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي الْمُسْلِمِينَ *) (¬8) مِنْ شُبْهَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ (¬9) وَأَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُ إِمَامٌ مَعْصُومٌ، أَوْ أَنَّهُ إِلَهٌ أَوْ نَبِيٌّ (¬10) ؟ بَلْ أَيْنَ شُبْهَةُ الَّذِينَ رَأَوْا أَنْ يُوَلُّوا مُعَاوِيَةَ مِنْ شُبْهَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُ إِلَهٌ أَوْ نَبِيٌّ؟ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَفَّارٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ أُولَئِكَ. ¬

(¬1) ب: ذَمُّوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَكَفَّرُوهُمَا. (¬2) وَالتَّابِعِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن: نَعْدِلُ عَلِيًّا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: عَاجِزًا وَلَا ظَالِمًا. (¬5) أ، ب: لِلرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ. (¬6) ن: وَأَنَّى. (¬7) ن: عُمَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬9) ن، م: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَنًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ مِنْ قَبْلِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَمَقَالَتِهِ. انْظُرْ هَذَا الْكِتَابَ 1/23 - 24، 308.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الرَّافِضَةَ تَعْجَزُ عَنْ إِثْبَاتِ إِيمَانِ عَلِيِّ وَعَدَالَتِهِ [مَعَ كَوْنِهِمْ عَلَى مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ] (¬1) ، فَإِذَا قَالَتْ لَهُمُ الْخَوَارِجُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تُكَفِّرُهُ أَوْ تُفَسِّقُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا، بَلْ كَانَ كَافِرًا أَوْ ظَالِمًا - كَمَا يَقُولُونَ [هُمْ] (¬2) فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى إِيمَانِهِ وَعَدْلِهِ (¬3) إِلَّا وَذَلِكَ (¬4) الدَّلِيلُ عَلَى إِيمَانِ (¬5) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَدُلُّ. فَإِنِ احْتَجُّوا بِمَا تَوَاتَرَ مِنْ إِسْلَامِهِ وَهِجْرَتِهِ وَجِهَادِهِ، فَقَدْ تَوَاتَرَ ذَلِكَ عَنْ هَؤُلَاءِ، بَلْ تَوَاتَرَ إِسْلَامُ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَخُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، وَصَلَاتُهُمْ وَصِيَامُهُمْ وَجِهَادُهُمْ لِلْكُفَّارِ، فَإِنِ ادَّعَوْا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ النِّفَاقَ أَمْكَنَ الْخَارِجِيُّ أَنْ يَدَّعِيَ النِّفَاقَ، وَإِذَا ذَكَرُوا شُبْهَةً ذَكَرَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا. وَإِذَا قَالُوا مَا تَقُولُهُ أَهْلُ الْفِرْيَةِ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا مُنَافِقَيْنِ فِي الْبَاطِنِ عَدُوَّيْنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْسَدَا دِينَهُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، أَمْكَنَ الْخَارِجِيَّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي (* عَلِيٍّ، وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: كَانَ يَحْسُدُ ابْنَ عَمِّهِ، وَالْعَدَاوَةُ (¬6) فِي الْأَهْلِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ فَسَادَ دِينِهِ فَلَمْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) : هُوَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) م: وَعَدَالَتِهِ. (¬4) أ، ب: وَذَاكَ. (¬5) إِيمَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) وَالْعَدَاوَةُ: كَذَا فِي (م) ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي (ن) .

يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ فِي *) (¬1) حَيَاتِهِ وَحَيَاةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ ; حَتَّى سَعَى فِي قَتْلِ الْخَلِيفَةِ الثَّالِثِ وَأَوْقَدَ الْفِتْنَةَ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْ (¬2) قَتْلِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَأُمَتِّهِ بُغْضًا لَهُ وَعَدَاوَةً، وَأَنَّهُ كَانَ مُبَاطِنًا لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ، وَكَانَ يُظْهِرُ (¬3) خِلَافَ مَا يُبْطِنُ ; لِأَنَّ دِينَهُ التَّقِيَّةُ، فَلَمَّا أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ أَظْهَرَ إِنْكَارَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَكَانَ فِي الْبَاطِنِ مَعَهُمْ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْبَاطِنِيَّةُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَعِنْدَهُمْ سِرُّهُ، وَهُمْ يَنْقُلُونَ عَنْهُ الْبَاطِنَ الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَهُ. وَيَقُولُ الْخَارِجِيُّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي يُرَوَّجُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَعْظَمَ (¬4) مِمَّا يُرَوِّجُ كَلَامَ الرَّافِضَةِ فِي الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّ شُبَهَ (¬5) الرَّافِضَةِ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْ شُبَهِ (¬6) الْخَوَارِجِ وَالنَّوَاصِبِ (¬7) ، وَالْخَوَارِجِ (¬8) أَصَحُّ مِنْهُمْ عَقْلًا وَقَصْدًا، وَالرَّافِضَةُ أَكْذِبُ وَأَفْسَدُ دِينًا. وَإِنْ أَرَادُوا إِثْبَاتَ إِيمَانِهِ وَعَدَالَتِهِ بِنَصِّ (¬9) الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، قِيلَ لَهُمْ (¬10) : الْقُرْآنُ عَامٌّ، وَتَنَاوُلُهُ لَهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ (¬11) مِنْ تَنَاوُلِهِ لِغَيْرِهِ، (* وَمَا مِنْ آيَةٍ يَدَّعُونَ اخْتِصَاصَهَا بِهِ إِلَّا أَمْكَنَ أَنْ يُدَّعَى اخْتِصَاصُهَا ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ: حَتَّى غَلَا مِنْ ; ب: حَتَّى غَلَا فِي. (¬3) ن، م: وَيُظْهِرُ. (¬4) ن، م: أَكْثَرُ. (¬5) أ، ب: شُبْهَةَ. (¬6) أ، ب: شُبْهَةِ. (¬7) وَالنَّوَاصِبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: وَهُمْ. (¬9) ن، م: بِنَبَأِ. (¬10) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬11) ن، م: لَيْسَ أَعْظَمَ.

أَوِ اخْتِصَاصُ مِثْلِهَا أَوْ أَعْظَمُ مِنْهَا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَبَابُ الدَّعْوَى بِلَا حُجَّةٍ مُمْكِنَةٍ، وَالدَّعْوَى فِي فَضْلِ الشَّيْخَيْنِ أَمْكَنُ مِنْهَا *) (¬1) فِي فَضْلِ غَيْرِهِمَا. وَإِنْ قَالُوا: ثَبَتَ (¬2) ذَلِكَ بِالنَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ ; فَالنَّقْلُ وَالرِّوَايَةُ فِي أُولَئِكَ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ (¬3) ; فَإِنِ ادَّعَوْا تَوَاتُرًا فَالتَّوَاتُرُ هُنَاكَ أَصَحُّ، وَإِنِ اعْتَمَدُوا عَلَى نَقْلِ الصَّحَابَةِ فَنَقْلُهُمْ لِفَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَكْثَرُ. ثُمَّ هُمْ يَقُولُونَ: إِنِ الصَّحَابَةَ ارْتَدُوا إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا، فَكَيْفَ تُقْبَلُ رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ فِي فَضِيلَةِ أَحَدٍ؟ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ رَافِضَةٌ كَثِيرُونَ يَتَوَاتَرُ نَقْلُهُمْ، فَطَرِيقُ النَّقْلِ مَقْطُوعٌ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ (* أَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا هُوَ مَقْطُوعٌ عَلَى النَّصَارَى فِي إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ إِنْ لَمْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ *) (¬4) الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ فِقْهَ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَ عَلِيٍّ، أَوْ فِقْهَ ابْنِ عُمَرَ دُونَ أَبِيهِ، أَوْ فِقْهَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ (¬5) دُونَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا لِلشَّيْءِ حُكْمٌ دُونَ مَا هُوَ أَوْلَى (¬6) بِذَلِكَ الْحُكْمِ مِنْهُ، فَإِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْعِلْمِ وَالْعَدْلِ. ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) ن: يَثْبُتُ. (¬3) أ، ب: أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ. (¬4) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ اسْمُهُ عَلْقَمَةُ أَوِ الْأَسْوَدُ، وَلَكِنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقْصِدُ اثْنَيْنَ مِنْ تَلَامِذَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ (تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/276 - 278 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/86 - 92) وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ (تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 1/342 - 343 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/70 - 75) . (¬6) ن (فَقَطْ) : دُونَ غَيْرِهِ مَا هُوَ أَوْلَى. . . إِلَخْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الوجه الخامس تمثيل ابن المطهر بقصة عمر بن سعد من أقبح القياس

وَلِهَذَا كَانَتِ الرَّافِضَةُ مَنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَضَلِّهِمْ (¬1) ، كَمَا أَنَّ النَّصَارَى مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، وَالرَّافِضَةَ مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ، كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ، فَفِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ ضَلَالِ النَّصَارَى، وَنَوْعٌ مِنْ خُبْثِ الْيَهُودِ. [الْوَجْهُ الْخَامِسُ تَمْثِيلُ ابن المطهر بِقِصَّةِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ من أقبح القياس] الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: تَمْثِيلُ هَذَا بِقِصَّةِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ (2 لَمَّا خَيَّرَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بَيْنَ الْخُرُوجِ فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى الْحُسَيْنِ، وَبَيْنَ عَزْلِهِ عَنِ الرَّيِّ مِنْ أَقْبَحِ الْقِيَاسِ، فَإِذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ 2) (¬2) طَالِبًا لِلرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ مُقْدِمًا عَلَى الْمُحَرَّمِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، أَفَيَلْزَمُ (¬3) أَنْ يَكُونَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ بِهَذِهِ الْحَالِ؟ . وَهَذَا أَبُوهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ مِنْ أَزْهَدِ النَّاسِ فِي الْإِمَارَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ اعْتَزَلَ النَّاسَ فِي قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ (¬4) ، وَجَاءَهُ [عُمَرُ] ابْنُهُ (¬5) هَذَا فَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ [لَهُ] (¬6) : النَّاسُ فِي الْمَدِينَةِ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ وَأَنْتَ هَاهُنَا (¬7) ! فَقَالَ: اذْهَبْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (¬8) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» " (¬9) . ¬

(¬1) ن، م، أ: وَأَظْلَمِهِمْ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: فَيَلْزَمُ. (¬4) ، م: بِالْعَقِيقِ فِي قَصْرِهِ. (¬5) ن: فَجَاءَ ابْنُهُ ; م: وَجَاءَ ابْنُهُ. (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: وَأَنْتَ هُنَا. (¬8) أ، ب: النَّبِيَّ. (¬9) فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/26 (رَقْمُ 1441) عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ أَخَاهُ عُمَرَ انْطَلَقَ إِلَى سَعْدٍ فِي غَنَمٍ لَهُ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: يَا أَبَتِ، أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ أَعْرَابِيًّا فِي غَنَمِكَ وَالنَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ بِالْمَدِينَةِ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ صَدْرَ عُمَرَ، وَقَالَ: اسْكُتْ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ". وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ مَعِ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ 4/2277 (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرِّقَاقِ، الْبَابُ الْأَوَّلِ) وَلِلْحَدِيثِ رِوَايَةٌ أُخْرَى مُخْتَلِفَةٌ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/56 - 66 (رَقْمُ 1529) .

وَهَذَا وَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ أَحَدٌ (¬1) مِنْ أَهْلِ الشُّورَى غَيْرُهُ وَغَيْرُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (¬2) ، وَهُوَ الَّذِي فَتَحَ الْعِرَاقَ وَأَذَلَّ جُنُودَ (¬3) كِسْرَى، وَهُوَ آخِرُ الْعَشْرَةِ مَوْتًا، فَإِذَا لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُشَبَّهَ بِابْنِهِ عُمَرَ أَيُشَبَّهُ (¬4) بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ؟ . هَذَا وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ، بَلْ يُفَضِّلُونَ مُحَمَّدًا وَيُعَظِّمُونَهُ وَيَتَوَلَّوْنَهُ لِكَوْنِهِ آذَى عُثْمَانَ، وَكَانَ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ عَلِيٍّ ; لِأَنَّهُ كَانَ رَبِيبَهُ، وَيَسُبُّونَ أَبَاهُ أَبَا بَكْرٍ وَيَلْعَنُونَهُ. فَلَوْ أَنَّ النَّوَاصِبَ فَعَلُوا بِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ مِثْلَ ذَلِكَ: فَمَدَحُوهُ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ، وَمِنَ الْمُنْتَصِرِينَ لَهُ (¬5) ، وَسَبُّوا أَبَاهُ سَعْدًا لِكَوْنِهِ تَخَلَّفَ عَنِ الْقِتَالِ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَالِانْتِصَارِ لِعُثْمَانَ ; هَلْ كَانَتِ النَّوَاصِبُ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الرَّافِضَةِ؟ بَلِ الرَّافِضَةُ شَرٌّ مِنْهُمْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ سَعْدٍ، وَعُثْمَانُ كَانَ أَبْعَدَ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ مِنَ الْحُسَيْنِ، وَكِلَاهُمَا مَظْلُومٌ شَهِيدٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : أَحَدٌ قَدْ بَقِيَ. (¬2) ن: عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ; م: عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬3) ن: جُيُوشَ. (¬4) ن: أَنْ يُشَبَّهَ بِاللَّهِ عُمَرَ أَشْبَهَ ; م: أَنْ يُشَبَّهَ بِأَبِيهِ عُمَرَ الشَّبِيهِ. (¬5) ن (فَقَطْ) : مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ وَكَانَ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَمِنَ الْمُنْتَصِرِينَ لَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وَلِهَذَا كَانَ الْفَسَادُ الَّذِي حَصَلَ فِي الْأُمَّةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ أَعْظَمَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي حَصَلَ فِي الْأُمَّةِ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ، وَعُثْمَانُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ خَلِيفَةٌ مَظْلُومٌ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَنْعَزِلَ (¬1) بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَمْ يَنْعَزِلْ، وَلَمْ يَدْفَعْ (¬2) عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى قُتِلَ، وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا وَإِنَّمَا كَانَ طَالِبًا لِلْوِلَايَةِ حَتَّى رَأَى أَنَّهَا مُتَعَذِّرَةٌ، وَطُلِبَ (¬3) مِنْهُ أَنْ يَسْتَأْسِرَ نَفْسَهُ (¬4) ; لِيُحْمَلَ إِلَى يَزِيدَ مَأْسُورًا فَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا مَظْلُومًا (¬5) ، فَظُلْمُ عُثْمَانَ كَانَ أَعْظَمَ، وَصَبْرُهُ وَحِلْمُهُ [كَانَ] (¬6) أَكْمَلَ، وَكِلَاهُمَا مَظْلُومٌ شَهِيدٌ. وَلَوْ مَثَّلَ مُمَثِّلٌ طَلَبَ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ لِلْأَمْرِ (¬7) بِطَلَبِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ كَالْحَاكِمِ (¬8) وَأَمْثَالِهِ، وَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ (¬9) كَانَا ظَالِمَيْنِ طَالِبَيْنِ ¬

(¬1) أ: يَقُولُ ; ب: يُعْزَلَ. (¬2) أ، ب: يُقَاتِلْ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) . (¬3) ن، م: فَطُلِبَ. (¬4) أ، ب: لِيَسْتَأْسِرَ. (¬5) أ، ب: مَظْلُومًا شَهِيدًا. (¬6) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: الْأَمْرَ. (¬8) الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ مَنْصُورُ بْنُ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، سَادِسُ الْخُلَفَاءِ الْعُبَيْدِيِّينَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، الَّذِينَ كَانُوا يُلَقِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْفَاطِمِيِّينَ، وُلِدَ فِي الْقَاهِرَةِ سَنَةَ 357، وَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدِهِ الْعَزِيزِ سَنَةَ 386، وَعُمْرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ قَامَ سَنَةَ 408 بِمَعُونَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الدُّرْزِيِّ بِالدَّعْوَةِ إِلَى تَأْلِيهِ نَفْسِهِ، وَفَتَحَ سِجِلًّا تُكْتَبُ فِيهِ أَسْمَاءُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَانْتَهِي حُكْمُ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ سَنَةَ 411، بَعْدَ اخْتِفَائِهِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ اغْتِيلَ، وَكَانَ حُكْمُهُ مُتَّسِمًا بِالْقَسْوَةِ وَالْبَطْشِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُتَنَاقِضَةِ الْحَمْقَاءِ. انْظُرْ سِيرَتَهُ وَتَرْجَمَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 4/379 - 383 ; مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ عَنَان: الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ، الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ ; ط. لَجْنَةِ التَّأْلِيفِ، 1379/1959 ; جِرَافِ: مَادَّةُ " الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ "، دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 8/246 - 247. (¬9) ن: وَالْحَسَنَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

لِلرِّيَاسَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ، بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ وَأَمْثَالِهِ مِنْ مُلُوكِ بَنِي عُبَيْدٍ، أَمَا كَانَ يَكُونُ كَاذِبًا مُفْتَرِيًا فِي ذَلِكَ لِصِحَّةِ إِيمَانِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ وَدِينِهِمَا وَفَضْلِهِمَا، وَلِنِفَاقِ هَؤُلَاءِ وَإِلْحَادِهِمْ؟ . وَكَذَلِكَ مَنْ شَبَّهَ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ بِبَعْضِ مَنْ قَامَ مِنَ الطَّالِبِيِّينَ أَوْ غَيْرِهِمْ بِالْحِجَازِ أَوِ الشَّرْقِ أَوِ الْغَرْبِ يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَظْلِمُ النَّاسَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ (¬1) ، أَمَا كَانَ يَكُونُ ظَالِمًا كَاذِبًا؟ . فَالْمُشَبِّهُ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ، ثُمَّ غَايَةُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ وَأَمْثَالِهِ أَنْ يَعْتَرِفَ بِأَنَّهُ طَلَبَ الدُّنْيَا بِمَعْصِيَةٍ يَعْتَرِفُ (¬2) أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، وَهَذَا ذَنْبٌ كَثِيرٌ [وُقُوعُهُ] مِنَ الْمُسْلِمِينَ (¬3) . وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا (¬4) . قَصَدُوا بِالْمُلْكِ إِفْسَادَ دِينِ الْإِسْلَامِ وَمُعَادَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ خِطَابِ الْبَاطِنِيَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الدَّاخِلِينَ فِي الشِّيعَةِ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَعْتَقِدُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَتَظَاهَرُونَ بِالتَّشَيُّعِ لِقِلَّةِ عَقْلِ الشِّيعَةِ وَجَهْلِهِمْ، لِيَتَوَسَّلُوا بِهِمْ إِلَى أَغْرَاضِهِمْ. وَأَوَّلُ هَؤُلَاءِ - بَلْ خِيَارُهُمْ - هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الْكَذَّابُ (¬5) . فَإِنَّهُ ¬

(¬1) ن، م: بِبَعْضِ أُمَرَاءِ الْحِجَازِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْمُلْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَظْلِمُونَ النَّاسَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. . . إِلَخْ. (¬2) ن: مُعْتَرِفٍ ; م: فَعَبَّرُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: وَهَذَا ذَنْبُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (¬4) ن، م: إِذَا، وَهُوَ خَطَأٌ (¬5) الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ، دَعَا الشِّيعَةَ إِلَى بَيْعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ فَتَبِعَهُ الْكَثِيرُونَ، ثُمَّ قَتَلَ أَكْثَرَ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ، وَحَارَبَ جَيْشَ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَتَلَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَتَمَّتْ لَهُ وِلَايَةُ الْكُوفَةِ وَالْجَزِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ النُّبُوَّةَ وَنُزُولَ الْوَحْيِ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَارَبَهُ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ حَتَّى قَتَلَهُ سَنَةَ 67. وَتُنْسَبُ إِلَى الْمُخْتَارِ فِرَقُ الْكَيْسَانِيَّةِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَيُسَمَّى الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَتْبَاعُهُ خَاصَّةً الْمُخْتَارِيَّةَ، وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يُلَقَّبُ بِكَيْسَانَ، وَقِيلَ بَلْ أَخَذَ مَقَالَتَهُ عَنْ مَوْلًى لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْمُهُ كَيْسَانِ. انْظُرْ أَخْبَارَ الْمُخْتَارِ وَسِيرَتَهُ فِي: تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/569 - 582، أَحْدَاثِ سَنَةِ 66، 67، 6/5 - 116 ; الْأَخْبَارِ الطِّوَالِ لِلدِّينَوَرِيِّ (ط. وِزَارَةِ الثَّقَافَةِ، 1960) ، ص [0 - 9] 88 - 308 ; تَارِيخِ أَبِي الْفِدَا (ط. الْحُسَيْنِيَّةِ) 1/194 - 195 ; مُرُوجِ الذَّهَبِ لِلْمَسْعُودِيِّ 3/105 - 107 ; سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ لِلذَّهَبِيِّ 3/353 - 356 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 6 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 8/70 - 71 ; الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 26 - 34 ; الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/132 - 134 ; فِرَقِ الشِّيعَةِ لِلنُّوبَخْتِيِّ (ط. الْمَطْبَعَةِ الْحَيْدَرِيَّةِ بِالنَّجَفِ، 1379/1959) ، ص [0 - 9] 4 - 45، 48. وَانْظُرْ كِتَابَ الْمُخْتَارِ الثَّقَفِيِّ، سِلْسِلَةِ الْعَرَبِ، تَأْلِيفِ د. عَلِي الْخَرْبُوطْلِي، الْقَاهِرَةِ، 1963

كَانَ أَمِيرَ (¬1) الشِّيعَةِ، وَقَتَلَ عُبَيْدَ اللَّهِ (¬2) بْنَ زِيَادٍ، وَأَظْهَرَ الِانْتِصَارَ لِلْحُسَيْنِ حَتَّى قَتَلَ قَاتِلَهُ، وَتَقَرَّبَ بِذَلِكَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ (¬3) وَأَهْلِ الْبَيْتِ، ثُمَّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَنَّ جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» (¬4) " فَكَانَ الْكَذَّابُ هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي ¬

(¬1) أ، ب: أَمِينَ. (¬2) ن: عَبْدَ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِيمَا سَبَقَ 1/12 (ت [0 - 9] ) . وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي: تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ (ط. الْمُنِيرِيَّةِ) ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 8 - 89 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/91 - 116 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 6 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 7/152 - 153. (¬4) أَوْرَدَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 4/1971 - 1972 فِي (كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ ذِكْرِ كَذَّابِ ثَقِيفٍ وَمُبِيرِهَا) حَدِيثًا طَوِيلًا جَاءَ فِيهِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ: " أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا أَخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ، قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا ". وَفِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 7/18 (حَدِيثُ رَقْمُ 4790) عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ فِي ثَقِيفٍ مُبِيرًا وَكَذَّابًا ". وَقَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحُ مُسْلِمِ 16/100) : " وَالْمُبِيرُ الْمُهْلِكُ ".

عُبَيْدٍ، وَكَانَ الْمُبِيرُ هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ (¬1) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتِ (¬2) الْحُسَيْنَ، مَعَ ظُلْمِهِ وَتَقْدِيمِهِ الدُّنْيَا عَلَى الدِّينِ، لَمْ يَصِلْ فِي الْمَعْصِيَةِ إِلَى فِعْلِ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الَّذِي أَظْهَرَ الِانْتِصَارَ لِلْحُسَيْنِ وَقَتَلَ قَاتِلَهُ، بَلْ [كَانَ] (¬3) هَذَا أَكْذَبَ وَأَعْظَمَ ذَنْبًا مِنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، فَهَذَا الشِّيعِيُّ شَرٌّ مِنْ ذَلِكَ النَّاصِبِيِّ، بَلْ وَالْحَجَّاجُ [بْنُ يُوسُفَ] (¬4) خَيْرٌ مِنَ الْمُخْتَارِ [بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ] (¬5) ، فَإِنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ مُبِيرًا كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْفِكُ الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْمُخْتَارُ كَانَ كَذَّابًا يَدَّعِي النُّبُوَّةَ (¬6) وَإِتْيَانَ جِبْرِيلَ ¬

(¬1) أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 41، فِي بَلْدَةِ الطَّائِفِ وَقَلَّدَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْوَلِيدِ أَمْرَ عَسْكَرِهِ، وَقَاتَلَ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ سَنَةَ 73، فَوَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَالطَّائِفَ، ثُمَّ وَلَّاهُ الْعِرَاقَ فَأَخْمَدَ الثَّوْرَةَ بِهَا، وَثَبَتَتْ لَهُ الْإِمَارَةُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي بَنَى مَدِينَةَ وَاسِطٍ وَبِهَا كَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ 95. انْظُرْ سِيرَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 1/341 - 348 ; الْأَخْبَارِ الطِّوَالِ، ص 314 - 329، الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 2/175 - 176 ; لَامِنْسَ: مَادَّةِ الْحَجَّاجِ، دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ ; تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ 6/174 وَمَا بَعْدَهَا ; مُرُوجِ الذَّهَبِ 3/119 - 122، 132 - 164. (¬2) ن، م: قَاتَلَتِ. (¬3) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) بْنُ يُوسُفَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: الْوَحْيَ.

إِلَيْهِ، وَهَذَا الذَّنْبُ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ النُّفُوسِ، فَإِنَّ هَذَا كُفْرٌ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ كَانَ مُرْتَدًّا، وَالْفِتْنَةُ أَعْظَمُ مِنَ الْقَتْلِ. وَهَذَا بَابٌ مُطَّرِدٌ، لَا تَجِدُ أَحَدًا مِمَّنْ تَذُمُّهُ الشِّيعَةُ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ إِلَّا وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَا تَجِدُ أَحَدًا مِمَّنْ تَمْدَحُهُ الشِّيعَةُ إِلَّا وَفِيمَنْ تَمْدَحُهُ الْخَوَارِجُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الرَّوَافِضَ شَرٌّ مِنَ النَّوَاصِبِ، وَالَّذِينَ تُكَفِّرُهُمْ أَوْ تُفَسِّقُهُمُ الرَّوَافِضُ هُمْ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ تُكَفِّرُهُمْ أَوْ تُفَسِّقُهُمُ النَّوَاصِبُ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيَتَوَلَّوْنَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَيَتَبَرَّءُونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ وَالنَّوَاصِبِ [جَمِيعًا] (¬1) ، وَيَتَوَلَّوْنَ السَّابِقِينَ وَالْأَوَّلِينَ [كُلَّهُمْ] (¬2) ، وَيَعْرِفُونَ قَدْرَ الصَّحَابَةِ وَفَضْلَهُمْ وَمَنَاقِبَهُمْ، وَيَرْعَوْنَ حُقُوقَ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لَهُمْ، وَلَا يَرْضَوْنَ بِمَا فَعَلَهُ الْمُخْتَارُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْكَذَّابِينَ، وَلَا مَا فَعَلَهُ (¬3) . الْحَجَّاجُ وَنَحْوُهُ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَيَعْلَمُونَ مَعَ هَذَا مَرَاتِبَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنَ التَّقَدُّمِ وَالْفَضَائِلِ مَا لَمْ يُشَارِكْهُمَا (¬4) فِيهَا أَحَدٌ [مِنَ الصَّحَابَةِ] (¬5) ، لَا عُثْمَانُ وَلَا عَلِيٌّ [وَلَا غَيْرُهُمَا] (¬6) . ¬

(¬1) جَمِيعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَيَقُولُونَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَسَقَطَتْ " كُلَّهُمْ ". (¬3) أ، ب: وَلَا مَا فَعَلَ (¬4) ن، م: يَشْرَكْهُمَا. (¬5) مِنَ الصَّحَابَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) وَلَا غَيْرُهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَهَذَا كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، [إِلَّا أَنْ يَكُونَ خِلَافًا شَاذًّا لَا يُعْبَأُ بِهِ] (¬1) ، حَتَّى أَنَّ الشِّيعَةَ الْأُولَى (¬2) أَصْحَابَ عَلِيٍّ لَمْ يَكُونُوا يَرْتَابُونَ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَيْهِ. كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ (¬3) [مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ] (¬4) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " (¬5) وَلَكِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ: الْأُوَلَ. (¬3) أ، ب: عَنْهُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ذَكَرْتُ مِنْ قَبْلُ نَصَّ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ (5/7) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ. انْظُرْ هَذَا الْكِتَابَ 1/12، 308. وَرَوَى نَفْسَ الْحَدِيثِ بِنَفْسِ السَّنَدِ وَلَكِنْ بِاخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ 4/288 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّفْضِيلِ) . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/39 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ عُمَرَ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ وَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ، وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2/10 (ط. مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ، 1358/1939) الْحَدِيثَ كَالْآتِي: " خَيْرُ أُمَّتِي بَعْدِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ "، وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عَسَاكِرَ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ مَعًا، وَحَسَّنَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّ الْأَلْبَانِيَّ ضَعَّفَهُ، فِي (ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَزِيَادَتِهِ 3/137. أَمَّا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي (ط. الْمَعَارِفِ) بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ 24 مَرَّةً كَالْآتِي: عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ (الْأَحَادِيثُ 833، 835 - 837، 871، 878 - 880، 1054) وَعَنْ عَبْدِ خَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ (الْأَحَادِيثُ 908، 909، 922، 932 - 934، 1030، 1031، 1040، 1052، 1060) وَعَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ (الْأَحَادِيثُ 926، 932) وَعَنْ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ (الْحَدِيثُ 834) وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ (الْحَدِيثُ 1051) . وَقَدْ صَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَدَ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا عَدَا سَنَدَ الْأَحَادِيثِ 922، 1030 فَقَدْ حَسَّنَهُمَا، 1052 فَقَدْ ضَعَّفَهُ.

تُقَدِّمُهُ (¬1) عَلَى عُثْمَانَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (¬2) أَخْفَى مِنْ تِلْكَ. وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ [أَهْلِ] (¬3) السُّنَّةِ كُلِّهِمْ (¬4) مُتَّفِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (5 مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ 5) (¬5) ، [كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالزُّهْدِ وَالتَّفْسِيرِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ] (¬6) . وَأَمَّا عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ فَكَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَتَوَقَّفُونَ فِيهِمَا (¬7) ، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يُقَدِّمُونَ عَلِيًّا، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ [سُفْيَانَ] الثَّوْرِيِّ (¬8) ، ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ (¬9) وَقَالَ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى ¬

(¬1) ن، م: وَلَكِنْ كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى تَقْدِيمِهِ. . . إِلَخْ. (¬2) ن: الْمِلَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) كُلِّهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) (5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ، م: فِيهَا. (¬8) ، م: عَنِ الثَّوْرِيِّ وَهُوَ سُفْيَانُ بْنُ مَسْرُوقٍ الثَّوْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، الْإِمَامُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: سِتٍّ، وَقِيلَ: سَبْعٍ وَتِسْعِينَ لِلْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ 161. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 2/127 - 128 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/111 - 115 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/371 - 374 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 9/151 - 174 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 2/158. (¬9) أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ كَيْسَانَ السِّخْتِيَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ، مِنَ التَّابِعِينَ وَكَانَ سَيِّدَ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ، وُلِدَ سَنَةَ 66 - وَقِيلَ 68 - وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 131. تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 1/397 - 399 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/246 - 251 ; اللُّبَابِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 1/536 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 1/382.

بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. [وَسَائِرُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَالِاعْتِبَارُ] (¬1) . وَأَمَّا مَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ تَقْدِيمِ جَعْفَرٍ أَوْ تَقْدِيمِ طَلْحَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ فِي أُمُورٍ مَخْصُوصَةٍ لَا تَقْدِيمًا عَامًّا، [وَكَذَلِكَ مَا يُنْقَلُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي عَلِيٍّ] (¬2) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السَّفَارِينِيُّ فِي كِتَابِهِ " لَوَائِحُ الْأَنْوَارِ الْبَهِيَّةِ " الْمَعْرُوفُ بِشَرْحِ عَقِيدَةِ السَّفَارِينِيِّ 2/340 اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ: " ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَالْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَجَزَمَ الْكُوفِيُّونَ - وَمِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - بِتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ عَنِ التَّفْضِيلِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، فَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ عَنِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَوَ فِي ذَلِكَ شَكٌّ؟ فَقِيلَ لَهُ: وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِمَّنْ أَقْتَدِي بِهِ يُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ. . نَعَمْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ التَّوَقُّفِ إِلَى تَفْضِيلِ عُثْمَانَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ نَقَلَ التَّوَقُّفَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَابْنُ مَعِينٍ ". وَانْظُرْ فِي أَمْرِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَتْحِ الْبَارِّي 7/14 - 15 ; الِاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ (الْمَطْبُوعِ مَعَ الْإِصَابَةِ) 3/51 - 54 ; ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ: أُصُولِ الدِّينِ، ص 304 ; ابْنُ حَزْمٍ: الْفِصَلَ 4/223 - 224 ; عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ: شَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ (ط. دَارِ الْبَيَانِ) ، ص [0 - 9] 85 ; الْأَشْعَرِيُّ: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 2/131 ; الْجُوَيْنِيُّ: الْإِرْشَادِ، ص [0 - 9] 31 ; الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ لِلْإِيجِيِّ بِشَرْحِ الدَّوَانِيِّ (تَحْقِيقُ د. سُلَيْمَان دُنْيَا) 2/636 - 647، 1958.

الرد على القسم الثاني من المقدمة

[الرد على القسم الثاني من المقدمة] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) : " وَبَعْضُهُمُ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ (¬2) وَرَأَى (¬3) لِطَالِبِ الدُّنْيَا مُتَابِعًا (¬4) ، فَقَلَّدَهُ [وَبَايَعَهُ] (¬5) وَقَصَّرَ فِي نَظَرِهِ، فَخَفِيَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَاسْتَحَقَّ (¬6) ، الْمُؤَاخَذَةَ مِنَ اللَّهِ (¬7) بِإِعْطَاءِ الْحَقِّ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ " قَالَ: " وَبَعْضُهُمْ قَلَّدَ لِقُصُورِ فِطْنَتِهِ، وَرَأَى الْجَمَّ الْغَفِيرَ فَتَابَعَهُ، وَتَوَهَّمَ (¬8) أَنَّ الْكَثْرَةَ تَسْتَلْزِمُ الصَّوَابَ، وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [سُورَةُ ص: 24] ، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 13] ". فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُفْتَرِي الَّذِي جَعَلَ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: أَكْثَرُهُمْ طَلَبُوا الدُّنْيَا، وَصِنْفٌ قَصَّرُوا فِي النَّظَرِ، وَصِنْفٌ عَجَزُوا عَنْهُ ; لِأَنَّ الشَّرَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِفَسَادِ الْقَصْدِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْجَهْلِ، وَالْجَهْلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِتَفْرِيطٍ فِي النَّظَرِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَجْزٍ عَنْهُ. وَذَكَرَ (¬9) أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ (¬10) وَغَيْرِهِمْ مَنْ قَصَّرَ فِي النَّظَرِ حِينَ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ نَظَرَ لَعَرَفَ الْحَقَّ، وَهَذَا يُؤَاخَذُ عَلَى تَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ النَّظَرِ الْوَاجِبِ. وَفِيهِمْ ¬

(¬1) يُكَرَّرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا نَصَّ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الَّذِي وَرَدَ مِنْ قَبْلُ (ص [0 - 9]- 10) مِنْ هَذَا الْجُزْءِ. (¬2) ن، م: عَلَيْهِ الْأَمْرُ. (¬3) ن، م، أ: رَأَى. (¬4) ب: مُبَايِعًا. (¬5) وَبَايَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬6) ن، م، أ: فَخَفَى الْحَقُّ عَلَيْهِ وَاسْتَحَقَّ. (¬7) أ، ب: اللَّهِ تَعَالَى. (¬8) ن، م: وَرَأَى. (¬9) ن، م: فَذَكَرَ (¬10) ن (فَقَطْ) : لِلصَّحَابَةِ.

مَنْ عَجَزَ عَنِ النَّظَرِ فَقَلَّدَ الْجَمَّ الْغَفِيرَ، يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى [سَبَبِ] (¬1) مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ. فَيُقَالُ لَهُ: وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَعْجَزُ عَنْهُ أَحَدٌ. وَالرَّافِضَةُ قَوْمُ بُهْتٍ، فَلَوْ طُلِبَ مِنْ هَذَا الْمُفْتَرِي دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ. وَاللَّهُ [تَعَالَى] (¬2) قَدْ حَرَّمَ الْقَوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْمَعْرُوفُ (¬3) ضِدَّ مَا قَالَهُ؟ فَلَوْ لَمْ نَكُنْ نَحْنُ عَالِمِينَ بِأَحْوَالِ الصَّحَابَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ نَشْهَدَ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا نَعْلَمُ مِنْ فَسَادِ الْقَصْدِ وَالْجَهْلِ بِالْمُسْتَحَقِّ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 36] ، وَقَالَ تَعَالَى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 66] . فَكَيْفَ إِذَا كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْمَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ (¬4) عَقْلًا [وَعِلْمًا] (¬5) وَدِينًا؟ كَمَا قَالَ فِيهِمْ [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ مَسْعُودٍ (¬6) : مَنْ كَانَ [مِنْكُمْ] (¬7) مُسْتَنًّا ¬

(¬1) سَبَبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: الْمَعْلُومُ. (¬4) ن، م: أَكْمَلَ النَّاسِ. (¬5) وَعِلْمًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: ابْنُ مَسْعُودٍ وَيَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنِ الْأَثَرِ التَّالِي الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ رَوَاهُ، مِنْهُمُ ابْنُ بَطَّةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي نَصِّ " الْإِبَانَةِ " الْمَطْبُوعِ، وَلَكِنَّهُ مَرْوِيٌّ فِي " جَامِعِ بَيَانِ الْعَلَمِ وَفَضْلِهِ " لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ (ط. الْمُنِيرِيَّةِ) ، ص [0 - 9] 7 وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا سُنَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ. . . وَسَأُقَابِلُ رِوَايَةَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا. (¬7) مِنْكُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ. أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ كَانُوا وَاللَّهِ أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَبَرَّهَا قُلُوبًا (¬1) ، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا (¬2) ، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ (¬3) لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ (¬4) وَإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ (¬5) وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ، (6 وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَدِينِهِمْ 6) (¬6) ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ. رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ ابْنُ بَطَّةَ عَنْ قَتَادَةَ. وَرَوَى هُوَ غَيْرَهُ بِالْأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ إِلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ مَسْعُودٍ (¬7) : إِنَّ اللَّهَ [تَبَارَكَ] ¬

(¬1) ن، م، أ: الْأُمَّةِ: أَبَرَّهَا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا. . . (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " تَكَلُّفًا " فِي جَامِعِ بَيَانِ الْعَلَمِ: وَأَقْوَمُهَا هَدْيًا وَأَحْسَنُهَا حَالًا، قَوْمًا اخْتَارَهُمْ. . . إِلَخْ. (¬3) اللَّهُ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) جَامِعِ بَيَانِ الْعَلَمِ: نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬5) فَضْلَهُمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، (م) وَفِي جَامِعِ بَيَانِ الْعَلَمِ، وَفِي (ن) : فِعْلَهُمْ. (¬6) (6 - 6) : غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي جَامِعِ بَيَانِ الْعَلَمِ. (¬7) ن، م: ابْنُ مَسْعُودٍ. وَلَمْ أَجِدِ الْأَثَرَ التَّالِيَ فِي نُسْخَةِ " الْإِبَانَةِ " الْمَطْبُوعَةِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/211 (رَقْمُ 3600) وَسَنَدُهُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ. . . إِلَخْ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. وَهُوَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 1: 177 - 178، وَقَالَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ مَوَثَّقُونَ ". أَمَّا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ فَتَرْجَمَتُهُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 22 - 623 وَفِيهَا: " زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ الْأَسَدِيُّ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ. رَوَى عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَاصِمٌ وَأَبُو بُرْدَةَ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرُو وَعَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ، سَمِعْتُ أُبَيَّ يَقُولُ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ ذَكَرَهُ أُبِيٌّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ: زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ ثِقَةٌ. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/104 - 105. وَأَمَّا عَاصِمٌ فَهُوَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ وَيُعْرَفُ بِعَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ. قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: كَانَ أَحَدُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةُ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي الْقِرَاءَاتِ، أَخَذَ الْقِرَاءَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ. . وَتُوُفِّيَ عَاصِمٌ فِي سَنَةِ 128 بِالْكُوفَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ: وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَأَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 5/38 - 40 ; الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 154 ; وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 2/224 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/320 - 321 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/12. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَهُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ سَالِمٍ الْأَسَدِيُّ، اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَفِي تَارِيخِ وَفَاتِهِ فَقِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 173، وَقِيلَ: بَلْ سَنَةَ 193. فِي الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ (ص 383) : " وَعَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ: ثِقَةٌ رُبَّمَا غَلِطَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا لَهُ مُنْكَرًا إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/386 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 12 - 37.

وَتَعَالَى (¬1) نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ (¬2) خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَابْتَعَثَهُ (¬3) بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءِ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَآهُ (¬5) الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ (¬6) الْمُسْلِمُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ سَيِّئٌ. ¬

(¬1) فِي (ن) ، (م) وَالْمُسْنَدِ: اللَّهَ تَعَالَى. (¬2) الْمُسْنَدِ: مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬3) الْمُسْنَدِ: فَابْتَعَثَهُ. (¬4) الْمُسْنَدُ: مُحَمَّدٍ. (¬5) الْمُسْنَدِ: رَأَى. (¬6) الْمُسْنَدِ: رَأَوْا.

وَفِي رِوَايَةٍ: [قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ - الرَّاوِي لِهَذَا الْأَثَرِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) : وَقَدْ رَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعًا أَنْ يَسْتَخْلِفُوا أَبَا بَكْرٍ. وَقَوْلُ (¬2) [عَبْدِ اللَّهِ] (¬3) بْنِ مَسْعُودٍ: كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، كَلَامٌ جَامِعٌ، بَيَّنَ فِيهِ حُسْنَ قَصْدِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ بِبِرِّ الْقُلُوبِ، وَبَيَّنَ فِيهِ كَمَالَ الْمَعْرِفَةِ وَدِقَّتَهَا بِعُمْقِ الْعِلْمِ، وَبَيَّنَ فِيهِ تَيَسُّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَامْتِنَاعَهُمْ مِنَ الْقَوْلِ بِلَا عِلْمٍ بِقِلَّةِ التَّكَلُّفِ (¬4) . وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ [هَذَا] (¬5) الْمُفْتَرِي، الَّذِي وَصَفَ أَكْثَرَهُمْ بِطَلَبِ الدُّنْيَا وَبَعْضَهُمْ بِالْجَهْلِ: إِمَّا عَجْزًا وَإِمَّا تَفْرِيطًا. وَالَّذِي قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَقٌّ، فَإِنَّهُمْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَمَا تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; حَيْثُ قَالَ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» " (¬6) . وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ، الْوَسَطُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفَ (¬7) فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَلَيْسُوا مِنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: فَقَوْلُ. (¬3) عَبْدِ اللَّهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ن: التَّكْلِيفِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 5. (¬7) أ، ب: اخْتَلَفُوا.

الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَلَا مِنَ الضَّالِّينَ (¬1) الْجَاهِلِينَ كَمَا قَسَّمَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ إِلَى ضُلَّالٍ وَغُوَاةٍ، بَلْ لَهُمْ كَمَالُ الْعِلْمِ وَكَمَالُ الْقَصْدِ، إِذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (¬2) لَلَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرَ الْأُمَمِ، وَأَنْ (¬3) لَا يَكُونُوا خَيْرَ الْأُمَّةِ، وَكِلَاهُمَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَأَيْضًا فَالِاعْتِبَارُ الْعَقْلِيُّ (¬4) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬5) ، وَتَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ (¬6) وَالْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ، تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ فَضِيلَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ بَسْطِهِ. وَالصَّحَابَةُ أَكْمَلُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالِاعْتِبَارِ، وَلِهَذَا لَا تَجِدُ أَحَدًا مِنْ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ إِلَّا وَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِفَضْلِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْثَالِهِ، وَتَجِدُ مَنْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ كَالرَّافِضَةِ [مِنْ أَجْهَلِ] (¬7) النَّاسِ. وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ فِي أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ رَافِضِيٌّ، وَلَا فِي أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ [وَلَا فِي أَئِمَّةِ] (¬8) الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَا فِي الْجُيُوشِ الْمُؤَيَّدَةِ ¬

(¬1) م: الظَّالِمِينَ. (¬2) ن، م: ذَلِكَ. (¬3) ن، أ: أَوَ أَنْ. (¬4) ن: فَاعْتِبَارُ الْعَقْلِ. (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَتْ فِي (ن) . (¬6) وَالصَّابِئِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) وَلَا فِي أَئِمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) : وَلَا أَئِمَّةِ.

الْمَنْصُورَةِ جَيْشٌ رَافِضِيٌّ (¬1) ، وَلَا فِي الْمُلُوكِ الَّذِينَ نَصَرُوا الْإِسْلَامَ وَأَقَامُوهُ وَجَاهَدُوا [عَدُوَّهُ] (¬2) مَنْ هُوَ رَافِضِيٌّ، وَلَا فِي الْوُزَرَاءِ الَّذِينَ لَهُمْ سِيرَةٌ مَحْمُودَةٌ مَنْ هُوَ رَافِضِيٌّ. وَأَكْثَرُ مَا تَجِدُ الرَّافِضَةَ إِمَّا فِي (¬3) الزَّنَادِقَةِ الْمُنَافِقِينَ (¬4) الْمُلْحِدِينَ، وَإِمَّا فِي جُهَّالٍ لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ لَا (¬5) بِالْمَنْقُولَاتِ وَلَا بِالْمَعْقُولَاتِ، قَدْ نَشَأُوا بِالْبَوَادِي وَالْجِبَالِ، أَوْ تَحَيَّزُوا عَنْ (¬6) الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجَالِسُوا أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَإِمَّا فِي ذَوِي الْأَهْوَاءِ مِمَّنْ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ رِيَاسَةٌ وَمَالٌ، أَوْ [لَهُ] (¬7) نَسَبٌ يَتَعَصَّبُ لَهُ كَفِعْلِ [أَهْلِ] (¬8) الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَمَّا مَنْ هُوَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ رَافِضِيٌّ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ فِي قَوْلِهِمْ، وَتَجِدُ ظُهُورَ الرَّفْضِ (¬9) فِي شَرِّ الطَّوَائِفِ كَالنَّصِيرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالْمَلَاحِدَةِ الطُّرُقِيَّةِ (¬10) ، وَفِيهِمْ مِنْ ¬

(¬1) أ: وَلَا فِي أَئِمَّةِ الْجُيُوشِ الْمُؤَيَّدَةِ الْمَنْصُورَةِ بِجَيْشٍ رَافِضِيٍّ ; ب: وَلَا فِي أَئِمَّةِ الْجُيُوشِ الْمُؤَيَّدَةِ الْمَنْصُورَةِ رَافِضِيٌّ. (¬2) عَدُوَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن، م: مِنْ. (¬4) الْمُنَافِقِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ: أَوْ تَحَيَّزُوا عَلَى ; ب: وَتَجَبَّرُوا عَلَى. (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن: الرَّوَافِضِ ; م: الطَّوَائِفِ. (¬10) وَيَقْصِدُ بِهِمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَصْحَابَ الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِأَقْوَالٍ مُخَالِفَةٍ لِلْإِسْلَامِ كَأَتْبَاعِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَغَيْرِهِمْ.

الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَإِخْلَافِ (¬1) الْوَعْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى نِفَاقِهِمْ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " زَادَ مُسْلِمٌ: " وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» " (¬2) . وَأَكْثَرُ مَا تُوجَدُ هَذِهِ الثَّلَاثُ فِي طَوَائِفِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي الرَّافِضَةِ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُفْتَرِي: هَبْ أَنَّ الَّذِينَ بَايَعُوا الصِّدِّيقَ كَانُوا كَمَا ذَكَرْتَ: إِمَّا طَالِبُ دُنْيَا، وَإِمَّا جَاهِلٌ فَقَدْ جَاءَ بَعْدَ أُولَئِكَ فِي قُرُونِ الْأُمَّةِ مَنْ يَعْرِفُ كُلَّ أَحَدٍ ذَكَاءَهُمْ وَزَكَاءَهُمْ (¬3) ، مِثْلُ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ (¬4) ، ¬

(¬1) ن، م: وَاخْتِلَافِ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/12 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ) ، 3/180 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ مَنْ أُمِرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ) ; مُسْلِمٍ 1/78 - 79 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ) مِنْ أَرْبَعَةِ طُرُقٍ وَزَادَ فِي الطَّرِيقَيْنِ الْأَخِرَيْنِ: " وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ " ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/130 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابٌ فِي عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ ". (¬3) أ: رَكَاهُمْ وَزَكَاهُمْ ; ب: زَكَاءَهُمْ وَذَاءَهُمْ. (¬4) ن، م: جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ الْأَزْدِيِّ الْبَصْرِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَمِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وُلِدَ سَنَةَ 21 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 93. تَرْجَمْتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/38 - 39 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/179 - 182: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/67 - 68 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 2/91.

[وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ] (¬1) وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (¬2) وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ أَبِي بَكْرٍ] (¬3) وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَمُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ وَحَبِيبٍ الْعَجَمِيِّ وَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ وَمَكْحُولٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ (¬4) وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَمَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ (¬5) إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ بَعْدَهُمْ مِثْلَ (¬6) أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ¬

(¬1) وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: وَعَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ. وَالْأَرْجَحُ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ زَيْنِ الْعَابِدِينَ وُلِدَ سَنَةَ 38 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 94، وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ. تَرْجَمَتُهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 2/429 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/211 - 222 الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 5/86. (¬3) ن، م: الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَهُوَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، كَانَ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ وَأَحَدَ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ وُلِدَ سَنَةَ 37، وَاخْتُلِفَ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ وَقِيلَ سَنَةَ 107. . انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 3/224 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/187 - 194 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص 118 ; نُكَتِ الْهِمْيَانِ لِلصَّفَدَيِّ، ص [0 - 9] 30 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 6/15. (¬4) أ، ب: الْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ ; ن، م: الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَسَبَقَ ذِكْرُهُ قَبْلَ صَفَحَاتِ (ص [0 - 9] 0) تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ 115. قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ ثِقَةً فَقِيهًا عَالِمًا رَفِيعًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/331 - 332 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 23 - 125 ; الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص [0 - 9] 6. وَيَرَى ابْنُ حَجَرٍ (لِسَانِ الْمِيزَانِ 2/336) أَنَّهُ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ بْنِ النَّحَّاسِ وَيُرَدُّ قَوْلَ ابْنِ أَبِيَ حَاتِمٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ غَيْرُ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ. (¬5) ن، م: عَدَدَهُ. (¬6) مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي الزِّنَادِ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَقَتَادَةَ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَالْأَعْمَشِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهِشَامٍ الدِّسْتُوَائِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. وَمَنْ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَاللَّيْثِ [بْنِ سَعْدٍ] (¬1) وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنِ الْمَاجَشُونِ. وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ [الْقَطَّانِ] (¬2) وَعَبْدِ الْرِحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَبْدِ الْرَحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ [بْنِ الْحَسَنِ] (¬3) وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ [بْنِ حَنْبَلٍ] (¬4) وَإِسْحَاقَ [بْنِ رَاهَوَيْهِ] (¬5) وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهَ، مِمَّنْ لَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِ الْفَاضِلِ لَا لِأَجْلِ رِيَاسَةٍ وَلَا مَالٍ، وَمِمَّنْ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ (¬6) النَّاسِ نَظَرًا فِي الْعِلْمِ وَكَشْفًا لِحَقَائِقِهِ، وَهُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. (* بَلِ الشِّيعَةُ الْأُولَى الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ كَانُوا يُفَضِّلُونَ أَبَا بَكْرٍ ¬

(¬1) ابْنِ سَعْدٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) الْقَطَّانِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ابْنِ الْحَسَنِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ابْنِ حَنْبَلٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ابْنِ رَاهَوَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ن: وَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ ; م: وَمِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ.

وَعُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ *) (¬1) ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا [مِمَّنْ] (¬2) أَقْتَدِي بِهِ (¬3) يَشُكُّ فِي تَقْدِيمِهِمَا، يَعْنِي عَلَى عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ (¬4) ، فَحَكَى إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (¬5) عَلَى تَقْدِيمِهِمَا. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُونُوا مَائِلِينَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ كَمَا كَانَ أَهْلُ الشَّامِ، بَلْ قَدْ خَلَعُوا بَيْعَةَ يَزِيدَ، وَحَارَبَهُمْ عَامَ الْحَرَّةِ وَجَرَى بِالْمَدِينَةِ مَا جَرَى (¬6) ، وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا قَتَلَ عَلِيٌّ (¬7) مِنْهُمْ أَحَدًا كَمَا قَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَمِنْ أَهْلِ (¬8) الشَّامِ بَلْ كَانُوا يَعُدُّونَهُ (¬9) مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ خَرَجَ مِنْهَا، وَهُمْ ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) مِمَّنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) فِي الْمُنْتَقَى: مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ لِلذَّهَبِيِّ، ص 78: أَهْتَدِي بِهِ. (¬4) سَبَقَ أَنْ نَقَلْتُ (ص [0 - 9] 4 ت [0 - 9] ) عَنِ السَّفَارِينِيِّ قَوْلَهُ: " فَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ عَنِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَوَ فِي ذَلِكَ شَكٌّ؟ ". (¬5) ن، م: السُّنَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) يُشِيرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى مَا جَرَى سَنَةَ 63 هـ، عِنْدَمَا أَخْرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَامِلَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَأَظْهَرُوا خَلْعَ يَزِيدَ وَحَاصَرُوا مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مَنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَزِيدَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ فَقَاتَلَهُمْ وَأَخْضَعَهُمْ، وَعُرِفَتِ الْوَاقِعَةُ بِوَاقِعَةِ الْحَرَّةِ نِسْبَةً إِلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ 63. انْظُرْ تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) أَحْدَاثَ سَنَةَ 63: 5/482 - 495 ; مُرُوجَ الذَّهَبِ 3/78 - 80 ; سِيَرَ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ 3/217 - 220 ; يَاقُوتَ: مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ، مَادَّةُ " حَرَّةُ وَاقِمٍ " ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ: مَادَّةُ " حَرَّةُ ". (¬7) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬8) ن، م: وَأَهْلِ. (¬9) ن، م: بَلْ كَانَ يُعَدُّ.

مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، (1 فَهَؤُلَاءِ الَّذَيْنِ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَدْيَنُ النَّاسِ يَرَوْنَ تَفْضِيلَهُ فَضْلًا عَنْ خِلَافَتِهِ 1) (¬1) . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: لَمْ يَخْتَلِفِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَالَ شَرِيكُ [بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ أَبِي نَمِرٍ (¬2) ، وَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَيُّمَا أَفْضَلُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ [لَهُ] (¬3) : أَبُو بَكْرٍ (¬4) . فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: أَتَقُولُ (¬5) هَذَا وَأَنْتَ مِنَ الشِّيعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا الشِّيعِيُّ مَنْ يَقُولُ هَذَا، وَاللَّهِ لَقَدْ رَقَّى عَلِيُّ هَذِهِ الْأَعْوَادِ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، أَفَكُنَّا نَرُدُّ قَوْلَهُ؟ أَفَكُنَّا نُكَذِّبُهُ؟ وَاللَّهِ مَا كَانَ كَذَّابًا. وَذَكَرَ هَذَا الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي كِتَابِ " تَثْبِيتِ النُّبُوَّةِ " لَهُ، وَعَزَاهُ إِلَى كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَلْخِيِّ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي النَّقْضِ عَلَى ابْنِ الرَّاوِنْدِيِّ اعْتِرَاضَهُ عَلَى الْجَاحِظِ (¬6) . ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مَنْ (أ) ، (ب) . (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/15. (¬3) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) م: عَلِيٌّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) أ، ب: تَقُولُ. (¬6) وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ. . عَلَى الْجَاحِظِ. وَرَدَ هَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْعِبَارَاتِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الطَّبْعَةِ، ص [0 - 9] 3 - 15، وَعَلَّقْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ تَعْلِيقًا وَافِيًا فَارْجِعْ إِلَيْهِ. وَوَرَدَ اسْمُ شَرِيكٍ نَاقِصًا فِي النُّسْخَتَيْنِ هُنَا. وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ شَرِيكٍ أَيْضًا فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 63 - 364 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/337 - 338.

الرد على القسم الأخير من المقدمة

(1 فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَدْيَنُ النَّاسِ يَرَوْنَ تَفْضِيلَهُ فَضْلًا عَنْ خِلَافَتِهِ 1) (¬1) ، فَكَيْفَ يُقَالُ [مَعَ هَذَا] (¬2) : إِنَّ الَّذِينَ بَايَعُوهُ كَانُوا طُلَّابَ الدُّنْيَا أَوْ جُهَّالًا؟ وَلَكِنَّ هَذَا وَصْفُ [الطَّاعِنِ] (¬3) فِيهِمْ، فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ فِي طَوَائِفِ أَهْلِ (¬4) الْقِبْلَةِ أَعْظَمَ جَهْلًا مِنَ الرَّافِضَةِ، وَلَا أَكْثَرَ حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا. وَقَدْ تَدَبَّرْتُهُمْ فَوَجَدَتْهُمْ لَا يُضِيفُونَ إِلَى الصَّحَابَةِ (5 عَيْبًا إِلَّا وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ اتِّصَافًا بِهِ وَالصَّحَابَةُ 5) (¬5) أَبْعَدُ النَّاسِ (¬6) عَنْهُ، فَهُمْ أَكْذَبُ النَّاسِ بِلَا رَيْبٍ (¬7) كَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ إِذْ قَالَ: أَنَا نَبِيٌّ صَادِقٌ وَمُحَمَّدٌ كَذَّابٌ \ 8 29) (¬8) ، وَلِهَذَا يَصِفُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَيَصِفُونَ الصَّحَابَةَ بِالنِّفَاقِ، وَهُمْ أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ نِفَاقًا، وَالصَّحَابَةُ أَعْظَمُ الْخَلْقِ إِيمَانًا. [الرد على القسم الأخير من المقدمة] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬9) : " وَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ [لَهُ] (¬10) وَبَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَلَمْ تَأْخُذْهُمْ (¬11) فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، بَلْ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) مَعَ هَذَا: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) الطَّاعِنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) (5 - 5) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) النَّاسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7)) بِلَا رَيْبٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) عِبَارَةُ " وَمُحَمَّدٌ كَذَّابٌ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) الْقَوْلُ التَّالِي هُوَ الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مِنْ مُقَدِّمَةِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ لِلْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِهِ، وَسَبَقَ أَنْ وَرَدَتْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 0، وَفِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ "، ص [0 - 9] 1 (م) . (¬10) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَوَرَدَتْ مِنْ قَبْلُ 2/10. (¬11) تَأْخُذْهُمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، (م) : وَفِي (ن) نُقَطُ التَّاءِ مُهْمَلَةٌ وَسَبَقَ وُرُودُهَا: يَأْخُذْهُمْ.

أَخْلَصُوا لِلَّهِ وَاتَّبَعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ (¬1) طَاعَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ، وَحَيْثُ حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْبَلِيَّةُ، وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ وَاعْتِمَادُ الْإِنْصَافِ (¬2) ، وَأَنْ يُقِرَّ الْحَقَّ مَقَرَّهُ (¬3) وَلَا يَظْلِمُ مُسْتَحِقَّهُ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ هُودٍ: 18] . فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: قَدْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا ذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى كَذَا وَطَائِفَةٌ إِلَى كَذَا، وَجَبَ أَنْ يَنْظُرَ أَيَّ الْقَوْلَيْنِ أَصَحُّ، فَأَمَّا إِذَا رَضِيَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْأُخْرَى بِاتِّبَاعِ الْبَاطِلِ، فَإِنْ كَانَ (¬4) هَذَا قَدْ تَبَيَّنَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى النَّظَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ بَعْدُ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ. وَيُقَالُ لَهُ: ثَانِيًا: قَوْلُكَ: إِنَّهُ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ لَهُ وَبَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ، كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬5) ، فَإِنَّهُ لَمْ يَطْلُبِ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَإِنَّمَا طَلَبُهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَبُويِعَ ; وَحِينَئِذٍ فَأَكْثَرُ النَّاسِ كَانُوا مَعَهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْأَقَلُّونَ. وَقَدِ اتَّفَقَ [أَهْلُ] (¬6) السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدْعُ إِلَى مُبَايَعَتِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَا بَايَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ. وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ تَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ ذَلِكَ، وَتَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْإِمَامَةِ دُونَ غَيْرِهِ، ¬

(¬1) ن، م: فِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: وَالِاعْتِمَادُ الْإِنْصَافُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) مَقَرَّهُ: كَذَا فِي النُّسْخَتَيْنِ وَفِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " (انْظُرْ مُقَدِّمَةَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الطَّبْعَةِ الْأُولَى لِهَذَا الْكِتَابِ) ، وَوَرَدَتْ مِنْ قَبْلُ 2/10: مُسْتَقَرَّهُ. (¬4) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) أَهْلُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) .

لَكِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ. وَهَذَا لَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يُفِدْهُمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَطْلُبِ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ وَلَا بَايَعَهُ (¬1) أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَاطِلًا؟ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " بَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ " كَذِبٌ عَلَى الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَعَلِيٍّ فِي (¬2) عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (¬3) أَنَّ يَدَّعِيَ هَذَا، وَلَكِنْ غَايَةَ مَا يَقُولُ الْقَائِلُ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَخْتَارُ مُبَايَعَتَهُ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا تَوَلَّى، كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَخْتَارُ وِلَايَةَ مُعَاوِيَةَ وَوِلَايَةَ غَيْرِهِمَا (¬4) ، وَلَمَّا بُويِعَ عُثْمَانُ كَانَ فِي نُفُوسِ بَعْضِ النَّاسِ مَيْلٌ إِلَى غَيْرِهِ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْلُو مِنَ الْوُجُودِ (¬5) ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا وَمَا حَوْلَهَا مُنَافِقُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 101] . وَقَدْ قَالَ (¬6) تَعَالَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 31] ، فَأَحَبُّوا أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ (¬7) عَلَى مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، قَالَ تَعَالَى: ¬

(¬1) أ، ب: تَابَعَهُ. (¬2) أ، ب: عَلِيًّا. (¬3) ب: أَحَدٌ (¬4) ن، م: يَخْتَارُ وِلَايَةَ مُعَاوِيَةَ أَوْ غَيْرَهُمَا. (¬5) ن: وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْهُ الْوُجُودُ ; م: وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْوُجُودُ. (¬6) ن، م: وَقَالَ. (¬7) ن، م: أَنْ يُنَّزِلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ.

{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 32] . وَأَمَّا وَصْفُهُ لِهَؤُلَاءِ بِأَنَّهُمُ [الَّذِينَ] (¬1) أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَأَنَّهُمْ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَ (¬2) الزُّهْدُ وَالْجِهَادُ فِي طَائِفَةٍ أَقَلَّ مِنْهُ فِي الشِّيعَةِ، وَالْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ كَانُوا أَزْهَدَ مِنْهُمْ وَأَعْظَمَ قِتَالًا، حَتَّى يُقَالَ فِي الْمَثَلِ: حَمْلَةٌ خَارِجِيَّةٌ، وَحُرُوبُهُمْ مَعَ جُيُوشِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمَا بِالْعِرَاقِ وَالْجَزِيرَةِ وَخُرَاسَانَ وَالْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا مَعْرُوفَةٌ، وَكَانَتْ لَهُمْ دِيَارٌ يَتَحَيَّزُونَ فِيهَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ (¬3) . وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَهُمْ دَائِمًا مَغْلُوبُونَ مَقْهُورُونَ مُنْهَزِمُونَ، وَحُبُّهُمْ لِلدُّنْيَا وَحِرْصُهُمْ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ. وَلِهَذَا كَاتَبُوا الْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَمِّهِ، ثُمَّ قَدِمَ بِنَفْسِهِ غَدَرُوا بِهِ، وَبَاعُوا الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، وَأَسْلَمُوهُ إِلَى عَدُّوِهِ، وَقَاتَلُوهُ مَعَ عَدُّوِهِ، فَأَيُّ زُهْدٍ عِنْدَ (¬4) هَؤُلَاءِ، وَأَيُّ جِهَادٍ عِنْدِهِمْ؟ . وَقَدْ ذَاقَ مِنْهُمْ عَلِيُّ [بْنُ أَبِي طَالِبٍ]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬5) مِنَ الْكَاسَاتِ الْمُرَّةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، [حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ] (¬6) فَقَالَ: اللَّهُمَّ قَدْ (¬7) ¬

(¬1) الَّذِينَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن: لَمْ نُرَ ; أ، ب: لَمْ يَرِدْ. (¬3) أَحَدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: مَعَ. (¬5) ن، م: عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) أ، ب: اللَّهُمَّ إِنِّي.

سَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي، فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْرًا مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرًّا مِنِّي (¬1) وَقَدْ كَانُوا يَغُشُّونَهُ وَيُكَاتِبُونَ مَنْ يُحَارِبُهُ، وَيَخُونُونَهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْأَمْوَالِ. هَذَا وَلَمْ يَكُونُوا بَعْدُ صَارُوا رَافِضَةً، إِنَّمَا سُمُّوا شِيعَةَ عَلِيٍّ لَمَّا افْتَرَقَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ شَايَعَتْ أَوْلِيَاءَ عُثْمَانَ، وَفِرْقَةٌ شَايَعَتْ عَلِيًّا [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬2) فَأُولَئِكَ خِيَارُ الشِّيعَةِ، وَهُمْ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مُعَامَلَةً لِعَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ ¬

(¬1) فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ (3) : " قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: مَا يَحْبِسُ أَشْقَاكُمْ أَنْ يَجِيءَ فَيَقْتُلَنِي؟ اللَّهُمَّ قَدْ سَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي فَأَرِحْهُمْ مِنِّي وَأَرِحْنِي مِنْهُمْ ". وَذَكَرَ عَبْدُ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ (3/61 - 62) خَبَرًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ رَوَاهُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ وَفِيهِ: " يَا بُنَيَّ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَوْمَةٍ نِمْتُهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاذَا لَقِيتَ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَاللَّدَدِ! فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْرًا مِنْهُمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي "، (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ قَبْلُ (هَذَا الْكِتَابِ 1 - 36) أَنَّ لَفْظَ الرَّافِضَةِ إِنَّمَا ظَهَرَ لَمَّا رَفَضَ الشِّيعَةُ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ، بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الِاسْمِ. وَقَدِ اتَّفَقَتْ كُتُبُ الْفِرَقِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ اسْمِ الشِّيعَةِ هُوَ أَنَّهُمْ شَايَعُوا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّين عَبْد الْحَمِيد، فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى كَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ (1/65) مَا ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ نَشْوَانُ الْحِمْيَرِيُّ فِي " الْحُورِ الْعِينِ " وَجَاءَ فِيهِ: " وَحَكَى الْجَاحِظُ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَا يُسَمَّى شِيعِيًّا إِلَّا مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: شِيعِيٌّ وَعُثْمَانِيٌّ، فَالشِّيعِيُّ مَنْ قَدَّمَ عَلَّيَا عَلَى عُثْمَانَ، وَالْعُثْمَانِيُّ مَنْ قَدَّمَ عُثْمَانُ عَلَى عَلِيٍّ ". وَانْظُرْ كَلَامَ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَصْلِ تَسْمِيَةِ الشِّيعَةِ وَعَنْ بَدْءِ ظُهُورِهِمْ وَافْتِرَاقِهِمْ بَعْدَ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ: الْحُورِ الْعِينِ، ص 178 - 182 ن ط. الْخَانْجِيِّ وَالْمُثَنَّى، 1948. .

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] وَابْنَيْهِ (¬1) : سِبْطَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانَتَيْهِ فِي الدُّنْيَا: الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَأَعْظَمُ النَّاسِ قَبُولًا لِلَوْمِ اللَّائِمِ فِي الْحَقِّ، وَأَسْرَعُ النَّاسِ إِلَى فِتْنَةً وَأَعْجَزَهُمْ عَنْهَا، يَغُرُّونَ مَنْ يُظْهِرُونَ نَصْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى إِذَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِمْ وَلَامَهُمْ عَلَيْهِ اللَّائِمُ، خَذَلُوهُ وَأَسْلَمُوهُ وَآثَرُوا عَلَيْهِ الدُّنْيَا. وَلِهَذَا أَشَارَ عُقَلَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَنُصَحَاؤُهُمْ عَلَى الْحُسَيْنِ أَنْ لَا يَذْهَبَ (¬2) إِلَيْهِمْ مِثْلُ: [عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ عَبَّاسٍ، وَ [عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ عُمَرَ (¬3) ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ (¬4) وَغَيْرِهِمْ، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَخْذُلُونَهُ وَلَا يَنْصُرُونَهُ، وَلَا يُوفُونَ لَهُ بِمَا كَتَبُوا لَهُ إِلَيْهِ. وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا رَأَى هَؤُلَاءِ، وَنَفَذَ فِيهِمْ دُعَاءُ عُمَرَ [بْنِ الْخَطَّابِ]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬5) ثُمَّ دُعَاءُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬6) ، حَتَّى سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحَجَّاجَ [بْنَ يُوسُفَ] (¬7) ، فَكَانَ (¬8) لَا يَقْبَلُ ¬

(¬1) ن: وَهُمْ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مُعَامَلَةً لِمِثْلِ عَلِيٍّ وَابْنَيْهِ ; م: وَهُمْ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مُقَاتَلَةً لِمِثْلِ عَلِيٍّ وَابْنَيْهِ. (¬2) ن: عَلَى الْحُسَيْنِ إِلَى أَنْ لَا ; م: عَلَى الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنْ لَا. (¬3) ن، م: مِثْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. (¬4) أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْمَخْزُومِيِّ، اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ، رَوَى عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ. تَرْجَمَتُهُ فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 36 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/207 - 209 وَفِيهَا: " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وُلِدَ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ رَاهِبُ قُرَيْشٍ لِكَثْرَةِ صِلَاتِهِ وَلِفَضْلِهِ ". وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 94. (¬5) ن، م: عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; أ، ب: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. (¬6) ن، م: ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬7) بْنَ يُوسُفَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: كَانَ.

مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَدَبَّ شَرُّهُمْ إِلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ حَتَّى عَمَّ الشَّرُّ. وَهَذِهِ كُتُبُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا زُهَّادُ الْأُمَّةِ لَيْسَ فِيهِمْ رَافِضِيٌّ، وَهَؤُلَاءِ الْمَعْرُوفُونَ فِي الْأُمَّةِ بِقَوْلِ (¬1) الْحَقَّ وَأَنَّهُمْ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ لَيْسَ فِيهِمْ رَافِضِيٌّ، كَيْفَ وَالرَّافِضِيُّ مِنْ جِنْسِ الْمُنَافِقِينَ مَذْهَبُهُ التَّقِيَّةُ، فَهَلْ هَذَا (¬2) حَالَ مَنْ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ؟ . إِنَّمَا هَذِهِ حَالُ مَنْ نَعَتَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] (¬3) . وَهَذَا (¬4) حَالُ مَنْ قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ وَأَوَّلُهُمْ (¬5) الصِّدِّيقُ وَمَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُمُ الَّذِينَ جَاهَدُوا الْمُرْتَدِّينَ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُمُ الَّذِينَ فَتَحُوا الْأَمْصَارَ وَغَلَبُوا فَارِسَ وَالرُّومَ، وَكَانُوا أَزْهَدَ النَّاسِ ; كَمَا قَالَ [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ مَسْعُودٍ (¬6) لِأَصْحَابِهِ: أَنْتُمْ أَكْثَرُ صَلَاةً ¬

(¬1) أ: الْأُمَّةِ يَقُولُونَ ; ب: الْأُمَّةُ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ. (¬2) أ، ب: فَهَذَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) فِي (ن) ، (م) كُتِبَتِ الْآيَةُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْمَةَ لَائِمٍ. وَفِي (أ) ، (ب) كُتِبَتْ نِهَايَةُ الْآيَةِ: وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ; وَهُوَ سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ. (¬4) أ، ب: وَهَذِهِ. (¬5) ن، م: فَأَوَّلُهُمْ. (¬6) ن، م: كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ.

وَصِيَامًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَهُمْ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ. قَالُوا: وَلِمَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا وَأَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ. [فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ (¬1) لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ; بِخِلَافِ الرَّافِضَةِ فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ خَوْفًا مِنْ لَوْمِ اللَّائِمِ وَمِنْ عَدُّوِهِمْ. وَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 4] ، وَلَا يَعِيشُونَ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْيَهُودِ فِي أَهْلِ الْمِلَلِ. ثُمَّ يُقَالُ: مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَلَمْ تَأْخُذْهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، مِمَّنْ لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبَايَعَ عَلِيًّا؟ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ فِي زَمَنِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مُنْحَازًا عَنِ الثَّلَاثَةِ، مُظْهِرًا لِمُخَالَفَتِهِمْ وَمُبَايَعَةِ عَلِيٍّ، بَلْ كُلُّ النَّاسِ كَانُوا مُبَايِعِينَ لَهُمْ، فَغَايَةُ مَا يُقَالُ إِنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُمُونَ تَقْدِيمَ عَلِيٍّ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ حَالُ مَنْ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. وَأَمَّا فِي حَالِ وِلَايَةِ عَلِيٍّ، فَقَدْ كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ [لَوْمًا] (¬2) لِمَنْ مَعَهُ عَلَى قِلَّةِ جِهَادِهِمْ وَنُكُولِهِمْ عَنِ الْقِتَالِ، فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةِ؟ . وَإِنْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي ذَرٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ وَسَلْمَانَ وَعَمَّارِ وَغَيْرِهِمْ، فَمِنَ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاتِّبَاعًا لَهُمَا، وَإِنَّمَا يُنْقَلُ عَنْ بَعْضِهِمُ التَّعَنُّتَ عَلَى عُثْمَانَ لَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ ¬

(¬1) ابْتِدَاءً مِنْ عِبَارَةِ " فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ. . . إِلَخْ " يُوجَدُ سَقْطٌ كَبِيرٌ فِي (ن) ، (م) سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬2) لَوْمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .

وَعُمَرَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا جَرَى لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَفِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُسَمَّى مِنَ الشِّيعَةِ، وَلَا تُضَافُ الشِّيعَةُ إِلَى أَحَدٍ، لَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِمَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ تَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ، فَمَالَ قَوْمٌ إِلَى عُثْمَانَ، وَمَالَ قَوْمٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَاقْتَتَلَتِ الطَّائِفَتَانِ، وَقَتَلَ حِينَئِذٍ شِيعَةُ عُثْمَانَ شِيعَةَ عَلِيٍّ. وَفِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا [لَهُ] بِهَا، فَيَجْعَلَهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، وَيُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَقِيَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: " أَلَيْسَ لَكُمْ بِي أُسْوَةٌ؟ " فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهَ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا. فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أَدُلَّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأْتِهَا فَاسْأَلْهَا، ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا، فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ، فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا ; لِأَنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا. قَالَ: فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬1) . ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي: (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ جَامِعِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمَنْ نَامَ عَنْهُ أَوْ مَرِضَ) 2/512 - 514، وَقَدْ قَابَلْتُ مَا فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَوَجَدْتُ خِلَافَيْنِ: عَقَارًا (لَهُ) بِهَا، إِذْ كَانَتْ " لَهُ " سَاقِطَةً مِنَ الْأَصْلِ، وَرَهْطًا سِتَّةً إِذْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ " سِتًّا ". وَقَصَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِإِيرَادِ الْحَدِيثِ قَوْلَ حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ: " لِأَنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشَّيْعَتَيْنِ شَيْئًا " إِذْ أَنَّ هَذَا يُبَيِّنُ تَارِيخَ اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ " الشِّيعَتَيْنِ " وَالْمَقْصُودُ بِهِمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ وَشِيعَةُ أَصْحَابِ الْجَمَلِ. وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/444: حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ حِجَازِيٌّ، رَوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ. . . ذَكَرَهُ ابْنُ حَبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ؟ فَقَالَ لَا عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ وَلَا عَلَى مِلَّةِ عُثْمَانَ أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَتِ الشِّيعَةُ أَصْحَابُ عَلِيٍّ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّزَاعُ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى عُثْمَانَ. وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ يُسَمَّى أَحَدٌ لَا إِمَامِيًّا وَلَا رَافِضِيًّا] (¬1) ، وَإِنَّمَا سُمُّوا رَافِضَةً وَصَارُوا رَافِضَةً (¬2) لَمَّا خَرَجَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِالْكُوفَةِ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ، فَسَأَلَتْهُ الشِّيعَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمَا، فَرَفَضَهُ قَوْمٌ، فَقَالَ: رَفَضْتُمُونِي رَفَضْتُمُونِي فَسُمُّوا رَافِضَةً، وَتَوَلَّاهُ قَوْمٌ فَسُمُّوا زَيْدِيَّةً [لِانْتِسَابِهِمْ إِلَيْهِ] (¬3) . وَمِنْ حِينَئِذٍ انْقَسَمَتِ الشِّيعَةُ إِلَى رَافِضَةٍ إِمَامِيَّةٍ وَزَيْدِيَّةٍ، وَكُلَّمَا زَادُوا فِي الْبِدْعَةِ زَادُوا فِي الشَّرِّ، فَالزَّيْدِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ: أَعْلَمُ وَأَصْدَقُ وَأَزْهَدُ وَأَشْجَعُ. ثُمَّ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ] ، وَهُوَ (¬4) الَّذِي لَمْ تَكُنْ تَأْخُذُهُ فِي ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَإِنَّمَا صَارُوا رَافِضَةً. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى أَصْلِ تَسْمِيَةِ الرَّافِضَةِ 1/35. (¬3) عِبَارَةُ " لِانْتِسَابِهِمْ إِلَيْهِ " جَاءَتْ فِي (ن) ، (م) بَعْدَ أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ:. . . انْقَسَمَتِ الشِّيعَةُ لِانْتِسَابِهِمْ إِلَيْهِ. (¬4) أ، ب: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ ; ن، م: عُمَرُ وَهُوَ.

فصل كلام ابن المطهر بعد المقدمة وجوب اتباع مذهب الإمامية لوجوه

اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَكَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ بِاتِّفَاقِ الْخَلْقِ كَمَا قِيلَ فِيهِ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ لَقَدْ تَرَكَهُ الْحَقُّ مَا لَهُ [مِنْ] (¬1) صَدِيقٍ. [فصل كلام ابن المطهر بعد المقدمة وجوب اتباع مذهب الإمامية لوجوه] [الوجه الأول حتى الرابع من وجوه قول الرافضي وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: لَمَّا نَظَرْنَا فِي الْمَذَاهِبِ وَجَدْنَا أَحَقَّهَا وَأَصْدَقَهَا وَأَخْلَصَهَا عَنْ شَوَائِبِ الْبَاطِلِ، وَأَعْظَمَهَا تَنْزِيهًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرُسُلِهِ (¬3) وَلِأَوْصِيَائِهِ، وَأَحْسَنُ الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ. لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ ; لِأَنَّهُ (¬4) وَاحِدٌ، [وَأَنَّهُ] (¬5) لَيْسَ بِجِسْمٍ [وَلَا جَوْهَرٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ ; لِأَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ مُحْتَاجٌ (¬6) إِلَى جُزْئِهِ ; لِأَنَّ جُزْأَهُ ¬

(¬1) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) الْكَلَامُ التَّالِي فِي مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ ك ص 81 (م) - 83 (م) (فِي مُقَدِّمَةِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الطَّبْعَةِ الْأُولَى لِهَذَا الْكِتَابُ) . وَفِي (ن) ، (م) : ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ الرَّافِضِيُّ. (¬3) ن، م: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. (¬4) أَنَّهُ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَفِي (ك) : وَأَنَّهُ. (¬5) وَأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ك: يَحْتَاجُ.

غَيْرُهُ، وَلَا عَرْضٍ] (¬1) وَلَا فِي مَكَانٍ وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا، بَلْ نَزَّهُوهُ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ. وَأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ، عَدْلٌ (¬2) حَكِيمٌ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، وَلَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ - وَإِلَّا يَلْزَمُ الْجَهْلَ أَوِ الْحَاجَةَ (¬3) ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْهُمَا - وَيُثِيبُ الْمُطِيعَ لِئَلَّا يَكُونَ ظَالِمًا، وَيَعْفُو عَنِ الْعَاصِي أَوْ يُعَذِّبُهُ بِجُرْمِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لَهُ. وَأَنَّ أَفْعَالَهُ مُحْكَمَةٌ [مُتْقَنَةٌ] (¬4) وَاقِعَةٌ لِغَرَضٍ وَمَصْلَحَةٍ وَإِلَّا لَكَانَ عَابِثًا، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [سُورَةُ الدُّخَانِ: 38] (¬5) ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ الْأَنْبِيَاءَ لِإِرْشَادِ الْعَالَمِ. وَأَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَلَا مُدْرَكٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ (¬6) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 103] (¬7) ، وَأَنَّهُ (¬8) لَيْسَ فِي جِهَةٍ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ فِي (ك) . (¬2) ك: وَأَنَّهُ عَدْلٌ. . . إِلَخْ. (¬3) ن، م: وَلَا يَلْزَمُ الْجَهْلَ وَالْحَاجَةَ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) ، ك " وَإِلَّا لَزِمَ الْجَهْلَ أَوِ الْحَاجَةَ. (¬4) مُتْقَنَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (،) ، (م) ، (أ) . (¬5) فِي (ك) آيَةُ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ رَقْمُ 16 وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) . (¬6) فِي (أ) ، (ب) : مِنَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي (ن) ، (ك) . وَقَدْ وَرَدَتِ الْعِبَارَةُ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي (ب) 1/215 بِدُونِ كَلِمَةِ " الْخَمْسِ " فَرَجَّحْتُ أَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنَ النَّاسِخِ. (¬7) وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ: فِي (ك) ، (ب) فَقَطْ. (¬8) ك: وَلِأَنَّهُ.

وَأَنَّ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَإِخْبَارَهُ حَادِثٌ لِاسْتِحَالَةِ أَمْرِ الْمَعْدُومِ وَنَهْيِهِ وَإِخْبَارِهِ. وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ (¬1) الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ وَالْمَعْصِيَةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا مِنْ أَوَّلِ الْعُمْرِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ وُثُوقٌ (¬2) بِمَا يَبْلُغُونَهُ فَانْتَفَتْ فَائِدَةُ الْبَعْثَةِ وَلَزِمَ التَّنْفِيرُ عَنْهُمْ. (¬3) وَأَنَّ الْأَئِمَّةَ مَعْصُومُونَ كَالْأَنْبِيَاءِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (¬4) . وَأَخَذُوا أَحْكَامَهُمْ (¬5) الْفُرُوعِيَّةَ عَنْ (¬6) الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ، النَّاقِلِينَ عَنْ جَدِّهِمْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬7) الْآخِذِ ذَلِكَ مِنْ (¬8) اللَّهِ تَعَالَى بِوَحْيِ (¬9) جِبْرِيلَ إِلَيْهِ، يَتَنَاقَلُونَ ذَلِكَ عَنِ الثِّقَاتِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، إِلَى أَنْ تَتَّصِلَ الرِّوَايَةُ بِأَحَدِ الْمَعْصُومِينَ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ، وَحَرَّمُوا الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ إِلَى آخِرِهِ ". ¬

(¬1) ن، م، أ: مِنْ. (¬2) أ، ب، ن، م: وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَنَا وُثُوقٌ، وَ " عِنْدَنَا " لَيْسَتْ فِي: (ك) ، وَوَرَدَتِ الْعِبَارَةُ فِي (ب) 1/226 بِدُونِهَا. (¬3) ن: التَّنْفِيرُ عِنْدَهُمْ عَنْهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ك (فَقَطْ) : وَأَنَّ الْأَئِمَّةَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - مَعْصُومُونَ كَالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - لَمَّا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ. (¬5) ك: الْأَحْكَامُ. (¬6) ب (فَقَطْ) : مِنْ. (¬7) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬8) ب: عَنْ. (¬9) ب: يُوحَى.

فَيُقَالُ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرَهُ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ أَصْلًا، بَلْ يَقُولُ بِمَذْهَبِ (¬1) الْإِمَامِيَّةِ مَنْ لَا يَقُولُ بِهَذَا، وَيَقُولُ بِهَذَا مَنْ لَا يَقُولُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ، وَلَا أَحَدُهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنَّ الطَّرِيقَ إِلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ هُوَ الْعَقْلُ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الْإِمَامِ فَهُوَ (¬2) عِنْدَهُمْ مِنَ السَّمْعِ، فَإِدْخَالُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ مِثْلُ إِدْخَالِ سَائِرِ مَسَائِلِ النِّزَاعِ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنِ الْمَقْصُودِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْقَدَرِ، وَالشِّيعَةُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، الْمُوَافِقُونَ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ، أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْقَدَرِ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ الْبَيْتِ كَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ. وَالْكُتُبُ الْمُشْتَمِلَةُ (¬3) عَلَى الْمَنْقُولَاتِ الصَّحِيحَةِ مَمْلُوءَةٌ بِذَلِكَ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ مَا فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬4) وَأَهْلِ بَيْتِهِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةَ مُخَالِفُونَ لَهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ (¬5) الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الشِّيعَةِ، وَلَا هُمْ أَئِمَّةُ الْقَوْلِ بِهِ، وَلَا هُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِهِمْ، بَلْ أَئِمَّةُ ذَلِكَ هُمُ ¬

(¬1) ن، م: بِمَذَاهِبِ. (¬2) ن: هُوَ. (¬3) ن، م: الْمُشْتَمِلَاتُ. (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: فِي.

الْمُعْتَزِلَةُ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ ذَلِكَ مُتَأَخِّرُو الشِّيعَةِ. وَكُتُبُ الشِّيعَةِ مَمْلُوءَةٌ بِالِاعْتِمَادِ فِي ذَلِكَ عَلَى طُرُقِ (¬1) الْمُعْتَزِلَةِ، وَهَذَا كَانَ مِنْ أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ، وَكَثُرَ فِي الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ لَمَّا صَنَّفَ لَهُمُ الْمُفِيدُ وَأَتْبَاعُهُ كَالْمُوسَوِيِّ وَالطُّوسِيِّ (¬2) . وَأَمَّا قُدَمَاءُ الشِّيعَةِ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ ضِدُّ هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْهِشَامَيْنِ (¬3) وَأَمْثَالِهِمَا، فَإِنْ كَانَ هَذَا (¬4) الْقَوْلُ حَقًّا أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِهِ وَمُوَافَقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ إِثْبَاتِ خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا ¬

(¬1) ن، م: طَرِيقِ. (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُفِيدِ وَالْمُوسَوِيِّ وَالطُّوسِيِّ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1/58. وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ الْمُفِيدِ أَيْضًا فِي: الرِّجَالِ لِلنَّجَاشِيِّ، ص [0 - 9] 11 - 316 ; أَعْيَانِ الشِّيعَةِ لِلْعَامِلِيِّ (ط. بَيْرُوتَ، 1959) 46/20 - 26 ; الْفِهْرِسْتِ لِلطُّوسِيِّ (الطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ، النَّجَفِ 1480/1961) ، ص [0 - 9] 86 - 187 ; رِجَالِ الْعَلَّامَةِ الْحِلِّيِّ لِابْنِ الْمُطَهَّرِ (الطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ، النَّجَفِ، 1381/1961) ، ص [0 - 9] 47 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 7/245. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَةِ الْمُوسَوِيِّ (الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى) أَيْضًا: أَعْيَانَ الشِّيعَةِ 41/188 - 197 ; الْفِهْرِسْتَ لِلطُّوسِيِّ، ص 125 - 126 ; رِجَالَ الْعَلَّامَةِ الْحِلِّيِّ، ص [0 - 9] 4 - 95 ; وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 3/3 - 6، الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 5/89. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَةِ الطُّوسِيِّ أَيْضًا: أَعْيَانَ الشِّيعَةِ 44/33 - 52 ; رِجَالَ الْعَلَّامَةِ الْحِلِّيِّ، ص 148 مُقَدِّمَةَ كُلٍّ مَنْ: الْفِهْرِسْتِ، رِجَالِ الطُّوسِيِّ (ط. النَّجَفِ، 1961) بِقَلَمِ مُحَمَّدِ صَادِقْ آلِ بَحْرِ الْعُلُومِ ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 6/315. (¬3) ن: الْهِشَامِيَّيْنِ ; م: الْقَاسِمِيَّيْنِ. وَالْمَقْصُودُ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيُّ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَذْهَبَيْهِمَا 1/71. وَانْظُرْ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَيْضًا: الرِّجَالَ لِلنَّجَاشِيِّ، ص [0 - 9] 38 ; لِسَانَ الْمِيزَانِ 6/194 ; أَعْيَانَ الشِّيعَةِ 51/53 - 57 ; رِجَالَ الطُّوسِيِّ، ص 329 - 330، 362. وَانْظُرْ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ أَيْضًا: الرِّجَالَ لِلنَّجَاشِيِّ ص 338 - 339، أَعْيَانَ الشِّيعَةِ 51/60 ; رِجَالَ الطُّوسِيِّ، ص 329 - 363. (¬4) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الوجه الخامس وفيه الرد التفصيلي على القسم الأول من كلام ابن المطهر

يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامَةِ (¬1) ، كَمَسْأَلَةِ إِثْبَاتِ الِاثْنَى عَشَرَ وَعِصْمَتِهِمْ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ حَقٍّ فَأَهْلُ السُّنَّةِ قَائِلُونَ بِهِ - أَوْ جُمْهُورُهُمْ - وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ بَاطِلٍ فَهُوَ رَدٌّ، فَلَيْسَ اعْتِقَادُ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْحَقِّ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا. [الوجه الخامس وفيه الرد التفصيلي على القسم الأول من كلام ابن المطهر] [التعليق على قوله إن الله منزه عن مشابهة المخلوقات] الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " إِنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ (¬2) ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ ; لِأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا فِي مَكَانٍ، وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا، بَلْ نَزَّهُوهُ عَنْ مُشَابَهَةِ (¬3) الْمَخْلُوقَاتِ " (¬4) . فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَذْهَبِ الْجَهْمِيِّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمَضْمُونُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ عِلْمٌ (¬5) وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا حَيَاةٌ، وَأَنَّ أَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى: كَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ وَالرَّءُوفِ وَالرَّحِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا تَدُّلُّ عَلَى صِفَاتٍ لَهُ قَائِمَةٍ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَرْضَى وَلَا يَسْخَطُ، وَلَا يُحِبُّ وَلَا يُبْغِضُ، وَلَا يُرِيدُ إِلَّا مَا يَخْلُقُهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ مِنَ الْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ " ¬

(¬1) ن: مَا يَخْتَصُّ بِمَسْأَلَةِ الْإِمَامِيَّةِ ; م: مَا يَخْتَصُّ بِمَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ ; أ: مَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِيَّةِ. (¬2) ن، م: بِالْقِدَمِ وَالْأَزَلِيَّةِ. (¬3) ب: مُشَابَهَتِهِ، وَفِي (ن) ، (م) ، (أ) ، (ك) عِنْدَ إِيرَادِ النَّصِّ السَّابِقِ: مُشَابَهَةِ. (¬4) أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ وَوَرَدَ النَّصُّ بِأَكْمَلِهِ مِنْ قَبْلُ، ص [0 - 9] 7 - 98، وَقَارِنْ (ك) ص 82 (م) . (¬5) ن، م: أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ.

فَيُقَالُ لَهُ] (¬1) : أَهْلُ السُّنَّةِ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الشِّيعَةِ، فَإِنَّ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ الْمُخَالِفَ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ لَا يُعْرَفُ فِي أَحَدٍ مِنْ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي طَوَائِفِ الشِّيعَةِ، وَهَذِهِ كُتُبُ الْمَقَالَاتِ كُلُّهَا تُخْبِرُ عَنْ أَئِمَّةِ الشِّيعَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ بِمَا لَا يُعْرَفُ نَظِيرُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَائِرِ الطَّوَائِفِ، ثُمَّ قُدَمَاءُ الْإِمَامِيَّةِ وَمُتَأَخِّرُوهُمْ مُتَنَاقِضُونَ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقُدَمَاؤُهُمْ غَلَوْا فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ غَلَوْا فِي النَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ، فَشَارَكُوا فِي ذَلِكَ الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ دُونَ سَائِرِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُثْبِتُونَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، فَجَمِيعُ أَئِمَّتِهِمْ وَطَوَائِفِهِمُ الْمَشْهُورَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى نَفْيِ التَّمْثِيلِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالَّذِينَ أَطْلَقُوا لَفْظَ " الْجِسْمِ " عَلَى اللَّهِ مِنَ الطَّوَائِفِ الْمُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ كَالْكَرَّامِيَّةِ، هُمْ أَقْرَبُ إِلَى صَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ مِنَ الَّذِينَ أَطْلَقُوا لَفْظَ " الْجِسْمِ " مِنَ الْإِمَامِيَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَقْوَالَ الْإِمَامِيَّةِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (¬2) وَمِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا ¬

(¬1) يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ التَّالِي سَقْطٌ كَبِيرٌ فِي نُسْخَةِ " ن "، " م " يَبْدَأُ مِنْ قَوْلِهِ: أَهْلُ السُّنَّةِ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ، وَيَنْتَهِي فِي ص 110 عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ، وَسَنُشِيرُ إِلَى نِهَايَةِ السَّقْطِ هُنَاكُ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬2) يَعْتَرِفُ الْمَامِقَانِيُّ فِي تَرْجَمَةِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ (تَنْقِيحِ الْمَقَالِ 3/294 - 301) بِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ هِشَامٍ فِي التَّجْسِيمِ حَتَّى أَنَّ الْكِلِّينِيَّ ذَكَرَ خَمْسَةً مِنْهَا فِي " الْكَافِي " وَيَنْقُلُ الْمَامِقَانِيُّ عَنْ هِشَامٍ نَصَّ خَبَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْخَمْسَةِ (ص [0 - 9] 00) وَفِيهِ يَقُولُ هِشَامٌ: " إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ صَمَدِيٌّ نُورِيٌّ " كَمَا يَنْقُلُ عَنِ الْبَرْقِيِّ قَوْلَهُ إِنَّ هِشَامًا كَانَ مِنْ غِلْمَانِ أَبِي شَاكِرٍ (الدِّيصَانِيِّ) الزِّنْدِيقِ وَأَنَّهُ كَانَ جِسْمِيًّا رَدِيئًا. وَفِي (أَخْبَارِ الرِّجَالِ) لِلْكَشِّيِّ فِي تَرْجَمَةِ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ (ص [0 - 9] 83) أَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ صُورَةٌ وَأَنَّ آدَمَ خُلِقَ عَلَى مِثْلِ الرَّبِّ ثُمَّ يُشِيرُ إِلَى جَنْبِهِ وَشَعَرِ رَأْسِهِ لِيُبَيِّنَ الْمُمَاثَلَةَ.

ذَكَرَهَا ابْنُ النُّوبَخْتِيِّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ (¬1) ، وَكَمَا ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ فِي " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافِ الْمُصَلِّينَ " (¬2) وَكَمَا ذَكَرَهَا الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ " بِالْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " (¬3) ، وَكَمَا ذَكَرَهَا غَيْرُ هَؤُلَاءِ (¬4) . وَطَوَائِفُ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ تَحْكِي عَنْ قُدَمَاءِ أَئِمَّةِ الْإِمَامِيَّةِ مِنْ مُنْكَرِ ¬

(¬1) تَكَلَّمْتُ مِنْ قَبْلُ عَلَى النُّوبَخْتِيِّ وَكِتَابِهِ " الْآرَاءُ وَالدِّيَانَاتُ " فِي هَذَا الْكِتَابِ 1، وَالْكِتَابُ الْكَبِيرُ الْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ " الْآرَاءُ وَالدِّيَانَاتُ " وَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ النَّجَاشِيُّ (الرِّجَالُ، ص [0 - 9] 0) أَنَّهُ كِتَابٌ كَبِيرٌ حَسَنٌ يَحْتَوِي عَلَى عُلُومٍ كَثِيرَةٍ ". (¬2) تَكَلَّمَ الْأَشْعَرِيُّ - وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَمَانَتِهِ وَدِقَّتِهِ فِي عَرْضِ أَقْوَالِ جَمِيعِ مُخَالِفِيهِ - عَنِ التَّجْسِيمِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ " الْأَوَّلُ: ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 02 - 105: وَبَدَأَ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ: " وَاخْتَلَفَ الرَّوَافِضُ أَصْحَابُ الْإِمَامِيَّةِ فِي التَّجْسِيمِ، وَهُمْ سِتُّ فِرَقٍ " وَيُفَصِّلُ الْأَشْعَرِيُّ الْكَلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ مَقَالَاتِهِمْ، وَيَنْقُلُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نَصَّ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ (بُولَاقٍ 1/203) . وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنَ الْمَقَالَاتِ ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 57 - 259 وَعُنْوَانُ الْكَلَامِ فِيهِ: هَذَا شَرْحُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي التَّجْسِيمِ، ثُمَّ يَبْدَأُ الْأَشْعَرِيُّ بِإِيرَادِ كَلَامِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، وَيَتَكَلَّمُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ مَقَالَةِ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ. (¬3) يَقُولُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ - وَهُوَ الَّذِي يَتَّهِمُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِالْمَيْلِ إِلَى التَّشَيُّعِ - فِي " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " 1/154: " فَلِهَذَا صَارَتِ الْإِمَامِيَّةُ مُتَمَسِّكِينَ بَالْعَدْلِيَّةِ فِي الْأُصُولِ، وَبِالْمُشَبِّهَةِ فِي الصِّفَاتِ مُتَحَيِّرِينَ تَائِهِينَ ". وَيَعْرِضُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ أَقْوَالَ الْهِشَامَيْنِ بِالتَّفْصِيلِ وَيَسْرُدُ كَلَامَهُمَا فِي التَّجْسِيمِ 1/164 - 165. وَانْظُرْ أَيْضًا: نِهَايَةَ الْإِقْدَامِ، ص [0 - 9] 03 وَمَا بَعْدَهَا. (¬4) انْظُرْ مَثَلًا: أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيِّ، ص [0 - 9] 3 - 77 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 0 - 43، التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 3 - 25 ; كَشَّافَ اصْطِلَاحَاتِ الْفُنُونِ لِلتَّهَانَوِيِّ، مَادَّةَ " الْمُشَبِّهَةِ " ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ " التَّشْبِيهِ "، " جَسَمَ ". وَانْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْمُجَسِّمَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1/9 (ت [0 - 9] ) .

التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ، مَا لَا يُعْرَفُ مِثْلُهُ عَنِ الْكَرَّامِيَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِمَّنْ يُثْبِتُ إِمَامَةَ الثَّلَاثَةِ. وَأَمَّا مَنْ لَا يُطْلِقُ عَلَى اللَّهِ اسْمَ " الْجِسْمِ "، كَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْفِقْهِ، مِثْلِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَشُيُوخِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِينَ فِي الْأُمَّةِ، وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، وَإِنْ كَانَ أَيْضًا لَيْسَ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ. وَلَكِنَّ مَنْ نَسَبَ التَّجْسِيمَ إِلَى بَعْضِهِمْ، فَهُوَ بِحَسَبَ مَا اعْتَقَدَهُ مِنْ مَعْنَى الْجِسْمِ وَرَآهُ لَازِمًا لِغَيْرِهِ. فَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ يَجْعَلُونَ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَهَا مُجَسِّمًا مُشَبِّهًا، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَعُدُّ مِنَ الْمُجَسِّمَةِ وَالْمُشَبِّهَةِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِمْ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ صَاحِبُ كِتَابِ " الزِّينَةِ " (¬1) ، وَغَيْرُهُ لَمَّا ذَكَرَ طَوَائِفَ الْمُشَبِّهَةِ ¬

(¬1) أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ أَحْمَدَ اللَّيْثِيُّ الْوَرْسَنَانِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " لِسَانِ الْمِيزَانِ " فِي قِسْمِ الْكُنَى، وَسَمَّاهُ أَبَا حَاتِمٍ الْكُشِّيَّ وَذَكَرَهُ فِي الْأَسْمَاءِ وَسَمَّاهُ: أَحْمَدَ بْنَ حَمْدَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْوَرْسَامِيَّ أَبَا حَاتِمٍ اللَّيْثِيَّ، وَقَالَ عَنْهُ: " ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَابَوَيْهِ فِي " تَارِيخِ الرَّيِّ " وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْأَدَبِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللُّغَةِ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ كَثِيرًا وَلَهُ تَصَانِيفُ، ثُمَّ أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِالْإِلْحَادِ وَصَارَ مِنْ دُعَاةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَأَضَلَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَكَابِرِ، وَمَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ ". وَأَوْرَدَ بُرُوكْلِمَانُ اسْمَهُ كَالْآتِي (تَارِيخُ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ، 3/352، تَرْجَمَةِ الدُّكْتُورِ عَبْدِ الْحَلِيمِ النَّجَّارِ، ط. الْمَعَارِفِ) : أَبُو حَاتِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ (كُتِبَتْ سَهْوًا هَمْدَانَ) الرَّازِيُّ الْوَرْسَانِيُّ. وَلَمْ أَجِدْ فِي اللُّبَابِ لِابْنِ الْأَثِيرِ إِلَّا الْوَرْسَنَانِيَّ نِسْبَةً إِلَى وَرْسَنَانَ، قَالَ: وَظَنِّي أَنَّهَا مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ. وَذَكَرَ ابْنُ النَّدِيمِ فِي الْفِهْرِسْتِ (189) كِتَابَ الزِّينَةِ لِأَبِي حَاتِمِ الرَّازِيِّ ضِمْنَ كُتُبِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَقَالَ عَنْهُ " كَبِيرٌ نَحْوَ أَرْبَعِمِائَةِ وَرَقَةٍ، وَذَكَرَ لَهُ أَيْضًا كِتَابَ الْجَامِعِ فِيهِ فِقْهٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْكِتَابَ الشَّيْخُ الْكَوْثَرِيُّ فِي فِهْرِسِ كِتَابِ قَوَاعِدِ آلِ مُحَمَّدٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الدَّيْلَمِيِّ وَقَالَ: الْجَامِعُ فِي الْفِقْهِ لِأَبِي حَاتِمِ بْنِ حَمْدَانَ الْوَرْسَنَانِيِّ. وَلِأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ كِتَابُ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ نَشَرَ بِ. كِرَوَاسُ جُزْءًا مِنْهُ ضِمْنَ كِتَابِ رَسَائِلِ الرَّازِيِّ الْفَلْسَفِيَّةِ "، 1939.

فَقَالَ (¬1) : " وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ يُقَالُ لَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ يُقَالُ لَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الشَّافِعِيُّ ". وَشُبْهَةُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمَشْهُورِينَ كُلَّهُمْ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ. هَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ مِثْلِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالشَّافِعِيِّ) (¬2) ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (¬3) ، وَأَبِي بَكْرٍ ¬

(¬1) طُبِعَ قِسْمٌ مِنْ كِتَابِ الزِّينَةِ فِي الْكَلِمَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ لِأَبِي حَاتِمٍ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ الرَّازِيِّ بِتَحْقِيقِ الْأُسْتَاذِ حُسَيْنِ بْنِ فَيْضِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيِّ، وَفِي الْجُزْأَيْنِ الْأَوَّلِ (ط. الْقَاهِرَةِ، 1957) وَالثَّانِي (ط. الْقَاهِرَةِ، 1958) لَمْ يَصِلِ الْمُؤَلِّفُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا النَّصَّ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يُوجَدُ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي كَلَامِهِ عَنِ الْفِرَقِ، وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ الْمُؤَلِّفِ 1/56 - 57. (¬2) وَالشَّافِعِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . (¬3) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 202 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 294. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/489 - 490 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/201 - 203 تَارِيخِ بَغْدَادَ 3/315 - 318 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 7/346.

بْنِ الْمُنْذِرِ (¬1) وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ. وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ الصِّفَاتِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، فَإِنَّهُ مُجَسِّمٌ مُشَبِّهٌ، وَالتَّجْسِيمُ بَاطِلٌ. وَشُبْهَتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ لَا تَقُومُ إِلَّا بِجِسْمٍ، وَمَا قَامَ بِهِ الْكَلَامُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصِّفَاتِ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا، وَلَا يَرَى إِلَّا مَا هُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ. وَلِهَذَا صَارَ مُثْبِتَةُ الصِّفَاتِ مَعَهُمْ ثَلَاثَ طَوَائِفَ: طَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى، وَطَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، وَطَائِفَةٌ نَازَعَتْهُمْ نِزَاعًا مُطْلَقًا فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَلَمْ تُطْلِقْ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَلْفَاظًا مُجْمَلَةً مُبْتَدَعَةً لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، وَلَا هِيَ صَحِيحَةٌ فِي الْعَقْلِ، بَلِ اعْتَصَمَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَعْطَتِ الْعَقْلَ حَقَّهُ، فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ. فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى الْكُلَّابِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الْكَرَّامِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. فَالْأُولَى قَالُوا: إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ (¬2) الصِّفَاتُ، وَيُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَالْقُرْآنُ ¬

(¬1) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ شَيْخُ الْحَرَمِ فَقِيهٌ مُجْتَهِدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ صَنَّفَ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ كُتُبًا لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهَا. وُلِدَ سَنَةَ 242 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 318 - عَلَى الْأَرْجَحِ - انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 3/344 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَاللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ، ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 96 - 197 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/27 - 28 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/782 - 783 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/102 - 108 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 6/184. (¬2) أ: قَالُوا: يَقُولُ إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

كَلَامُ اللَّهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَلَيْسَتِ الصِّفَاتُ أَعْرَاضًا وَلَا الْمَوْصُوفُ جِسْمًا [000] (¬1) لَمْ نُسَلِّمْ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ. ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَعْدَ عِبَارَةِ: " وَلَا الْمَوْصُوفُ جِسْمًا " غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّ (أ) ، (ب) يُوجَدُ فِيهِمَا سَقْطٌ يَتَأَلَّفُ مِنْ سُطُورٍ عَدِيدَةٍ وَسَأَجْتَهِدُ هُنَا فِي كِتَابَةِ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا السَّقْطِ بِحَسَبِ فَهْمِيِ لِمَقْصُودِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَبِمَا يَتَّفِقُ مَعَ السِّيَاقِ - مَعَ الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُصُوصِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ -. وَلَكِنَّ الْكُلَّابِيَّةَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالسَّالِمِيَّةِ لَمْ يُثْبِتُوا الصِّفَاتَ الِاخْتِيَارِيَّةَ الَّتِي تَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، مِثْلَ كَوْنِهِ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ، عِنْدَمَا يَشَاءُ، بِكَلَامٍ مُعَيَّنٍ، إِذْ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ مَا يَقُومُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقًا حَادِثًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَلَوِ اتَّصَفَ الرَّبُّ بِهِ لَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ، وَلَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ عَنْهَا، وَعَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ قَدِيمٍ لَازِمٍ لِلذَّاتِ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى وَاخْتِيَارِهِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِثْلِ كَوْنِهِ تَعَالَى يُحِبُّ وَيَرْضَى وَيَسْمَعُ وَيَرَى وَهُوَ إِذَا رَأَى الشَّيْءَ بَعْدَ حُدُوثِهِ فَهُوَ إِنَّمَا يَرَى مَوْجُودًا فِي عِلْمِهِ لَا مَوْجُودًا بَائِنًا عَنْهُ. وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ أَثْبَتَتِ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَقَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَدِيمًا بِذَاتِهِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، لِيَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ بِدْعَتَيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ فِي الْأَزَلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ، بَلْ صَارَ الْكَلَامُ مُمْكِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ سَبَبٍ أَوْجَبَ إِمْكَانَ الْكَلَامِ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكَرَّامِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ إِنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي تَقُومُ بِهِ تَعَالَى لَا يَخْلُو مِنْهَا وَلَا يَزُولُ عَنْهَا، لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنَ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، وَالْحُدُوثُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْإِحْدَاثِ، وَالْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ حَادِثٌ لَا مُحْدَثٌ، لِأَنَّ الْمُحْدَثَ يَفْتَقِرُ إِلَى إِحْدَاثٍ، بِخِلَافِ الْحُدُوثِ. وَنَحْنُ نُوَافِقُ الْكَرَّامِيَّةَ فِي إِثْبَاتِهِمْ لِلصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَفِي قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِذَاتِهِ، وَلَكِنَّنَا نُخَالِفُهُمْ فِي الْأَصْلِ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا مُنْذُ الْأَزَلِ، فَهُمْ إِذَا قَالُوا إِنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، لَمْ نُسَلِّمْ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.

ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُشَنِّعُ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ بِالضَّرُورَةِ ; حَيْثُ أَثْبَتَتْ رُؤْيَةً لِمَرْئِيٍّ لَا بِمُوَاجَهَةٍ، وَأَثْبَتَتْ كَلَامًا لِمُتَكَلِّمٍ يَتَكَلَّمُ لَا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُشَنِّعُ عَلَى الثَّانِيَةِ بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ الصَّحِيحِ. وَلَكِنَّ مَعَ هَذَا فَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ: إِنَّ النُّفَاةَ الْمُخَالِفِينَ لِلطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الشِّيعَةِ، أَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ - بَلْ وَلِضَرُورَةِ الْعَقْلِ - مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ. وَأَمَّا مُخَالَفَةُ هَؤُلَاءِ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا اسْتَفَاضَ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَهَذَا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ، وَلِهَذَا أَسَّسُوا دِينَهُمْ عَلَى أَنَّ بَابَ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ لَا يُتَّبَعُ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَإِنَّمَا يُتَّبَعُ فِيهِ مَا رَأَوْهُ بِقِيَاسِ عُقُولِهِمْ، وَأَمَّا نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَأَوَّلُوهَا، وَإِمَّا أَنْ يُفَوِّضُوهَا، وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: مَقْصُودُ الرَّسُولِ أَنْ يُخَيِّلَ إِلَى الْجُمْهُورِ اعْتِقَادًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا وَبَاطِلًا، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبَتْ فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ; لِأَجْلِ مَا رَأَوْهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ، فَأَطْلَقُوا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَمَا تَنَازَعَ النُّظَّارُ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَمْ تُوَافِقْهُمْ فِيهِ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ فِي الشَّرْعِ وَخَالَفُوا بِهِ الْعَقْلَ، بَلْ إِمَّا أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْبِدَعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَإِمَّا أَنْ يُفَصِّلُوا الْقَوْلَ فِي اللَّفْظِ

وَالْمَلْفُوظِ الْمُجْمَلِ، فَمَا كَانَ فِي إِثْبَاتِهِ مِنْ حَقٍّ يُوَافِقُ الشَّرْعَ أَوِ الْعَقْلَ أَثْبَتُوهُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَفْيِهِ حَقٌّ (¬1) فِي الشَّرْعِ أَوِ الْعَقْلِ نَفَوْهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الْعِلْمِيَّةِ، لَا السَّمْعِيَّةِ وَلَا الْعَقْلِيَّةِ. وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلُّ بِالْإِخْبَارِ تَارَةً، وَيَدُلُّ بِالتَّنْبِيهِ تَارَةً، وَالْإِرْشَادِ وَالْبَيَانِ لِلْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ تَارَةً، وَخُلَاصَةُ مَا عِنْدَ أَرْبَابِ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ فِي الْإِلَهِيَّاتِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ قَدْ جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، مَعَ زِيَادَاتٍ وَتَكْمِيلَاتٍ لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ بِخِطَابِهِ، فَكَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ (¬2) مِنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْيَقِينِيَّةِ فَوْقَ مَا فِي عُقُولِ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَهَا بَسْطٌ عَظِيمٌ قَدْ بُسِطَ مِنْ ذَلِكَ مَا بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَالْبَسْطُ التَّامُّ لَا يَتَحَمَّلُهُ هَذَا الْمَقَامُ، فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا. وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ لَمَّا اعْتَضَدَتْ بِالْمُعْتَزِلَةِ، وَأَخَذُوا يَذُمُّونَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِمَا هُمْ فِيهِ مُفْتَرُونَ: عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، ذَكَرْنَا مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ] (¬3) مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. وَلَكِنَّ لَفْظَ " التَّشْبِيهِ " فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ النُّفَاةِ الْمُعَطِّلَةِ (¬4) لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ (¬5) التَّشْبِيهِ مَا نَفَاهُ ¬

(¬1) أ: حَقًّا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ب: فَكَانَ مَا قَدْ جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. (¬3) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى أَوَّلِهِ (ص [0 - 9] 03) مِنْ قَبْلُ، وَتُوجَدُ بَدَلًا مِنْهُ فِي النُّسْخَتَيْنِ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ:. . فَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى. . . إِلَخْ. (¬4) أ، ب: فِي كَلَامِ النَّاسِ. (¬5) م، أ، ب: بِنَفْيِ.

(1 الْقُرْآنُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ فَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ خَصَائِصَ الرَّبِّ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِهَا شَيْءٌ 1) (¬1) مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا يُمَاثِلُهُ [شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي] (¬2) شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ. مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، يُثْبِتُونَ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ مِنَ الصِّفَاتِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ مُمَاثَلَةَ (¬3) الْمَخْلُوقَاتِ، [يُثْبِتُونَ لَهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ ضُرُوبَ (¬4) الْأَمْثَالِ، يُنَزِّهُونَهُ عَنِ النَّقْصِ وَالتَّعْطِيلِ، وَعَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ] (¬5) ، إِثْبَاتٌ بِلَا تَشْبِيهٍ (¬6) ، وَتَنْزِيهٌ بِلَا تَعْطِيلٍ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رَدٌّ عَلَى الْمُمَثِّلَةِ، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سُورَةُ الشُّورَى: 11] رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ. وَمَنْ جَعَلَ صِفَاتِ الْخَالِقِ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ فَهُوَ الْمُشَبِّهُ الْمُبْطِلُ الْمَذْمُومُ. وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلَّهِ شَيْءٌ مِنَ الصِّفَاتِ، فَلَا يُقَالُ: لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا حَيَاةٌ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ ; فَلَزِمَهُ (¬7) أَنْ لَا يُقَالَ لَهُ: حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) أ، ب: مُشَابَهَةَ. (¬4) أ: ضَرْبَ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) ب (فَقَطْ) : تَمْثِيلٍ. (¬7) أ، ب: فَيَلْزَمُ.

وَهُمْ يُوَافِقُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ (* (¬1) عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ حَيٌّ عَلِيمٌ قَادِرٌ، وَالْمَخْلُوقُ يُقَالُ لَهُ: [مَوْجُودٌ] (¬2) حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وَلَا يُقَالُ: هَذَا تَشْبِيهٌ (¬3) يَجِبُ نَفْيُهُ. [وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ (¬4) وَصَرِيحُ الْعَقْلِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَ فِيهِ عَاقِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نَفْسَهُ بِأَسْمَاءٍ، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ بِأَسْمَاءٍ، وَكَذَلِكَ سَمَّى صِفَاتِهِ بِأَسْمَاءٍ، وَسَمَّى بَعْضَهَا صِفَاتِ خَلْقِهِ، وَلَيْسَ الْمُسَمَّى كَالْمُسَمَّى، فَسَمَّى نَفْسَهُ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا، رَءُوفًا رَحِيمًا، عَزِيزًا حَكِيمًا، سَمِيعًا بَصِيرًا، مَلِكًا مُؤْمِنًا، جَبَّارًا مُتَكَبِّرًا، كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [سُورَةُ الشُّورَى: 50] ، وَقَالَ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 225] ، وَقَالَ: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 228، 240] ، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 65] ، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 58] ، وَقَالَ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 23] . وَقَدْ سَمَّىَ بَعْضَ عِبَادِهِ حَيًّا، فَقَالَ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [سُورَةُ الرُّومِ: 19] . ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ: عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ ص [0 - 9] 12. قَائِلًا لِلْبَاطِلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ص [0 - 9] 17) : سَاقِطٌ مِنْ (م) ، وَتُوجَدُ عِبَارَةُ " يَجِبُ نَفْيُهُ " بَعْدَ عِبَارَةِ " أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ ". (¬2) مَوْجُودٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) أ، ب: التَّشْبِيهُ. (¬4) وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ (ص [0 - 9] 12) : كَانَ مُشَبِّهًا قَائِلًا لِلْبَاطِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ص [0 - 9] 12) : هَذَا الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَسَأُشِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

وَبَعْضَهُمْ عَلِيمًا بِقَوْلِهِ: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 28] (¬1) ، وَبَعْضَهُمْ حَلِيمًا بِقَوْلِهِ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 101] ، وَبَعْضَهُمْ رَءُوفًا رَحِيمًا بِقَوْلِهِ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 128] ، وَبَعْضَهُمْ سَمِيعًا بَصِيرًا (بِقَوْلِهِ: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 2] ) (¬2) ، وَبَعْضَهُمْ عَزِيزًا بِقَوْلِهِ: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 51] ، وَبَعْضَهُمْ مَلِكًا بِقَوْلِهِ: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 79] ، وَبَعْضَهُمْ مُؤْمِنًا بِقَوْلِهِ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 18] ، وَبَعْضَهُمْ جَبَّارًا مُتَكَبِّرًا بِقَوْلِهِ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 35] . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمَاثِلُ الْحَيُّ الْحَيَّ، وَلَا الْعَلِيمُ الْعَلِيمَ، وَلَا الْعَزِيزُ الْعَزِيزَ، وَلَا الرَّءُوفُ الرَّءُوفَ، وَلَا الرَّحِيمُ الرَّحِيمَ، وَلَا الْمَلِكُ الْمَلِكَ، وَلَا الْجَبَّارُ الْجَبَّارَ، وَلَا الْمُتَكَبِّرُ الْمُتَكَبِّرَ. وَقَالَ: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255] ، وَقَالَ: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 166] ، وَقَالَ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 11] ، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 58] ، وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 15] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) أ، ب: (وَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: " إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ - يُسَمِّيهِ - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ» (¬1) . وَفِي حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ (¬2) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: " «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَبِقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/56 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ) ، 8/81 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الِاسْتِخَارَةِ) ، 9/118 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/120 (كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابٌ فِي الِاسْتِخَارَةِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/298 - 299 (كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/66 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ كَيْفَ الِاسْتِخَارَةُ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/440 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا، بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/344. وَلَيْسَ الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ، وَانْظُرْ: مِفْتَاحَ كُنُوزِ السُّنَّةِ (الِاسْتِخَارَةُ) . (¬2) أ: عَنْ.

الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ» " (¬1) . فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ وَرَسُولُهُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عِلْمًا وَقُدْرَةً وَقُوَّةً، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (¬2) : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [سُورَةُ الرُّومِ: 54] ، وَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 68] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْعِلْمُ كَالْعِلْمِ، وَلَا الْقُوَّةُ كَالْقُوَّةِ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ. وَهَذَا لَازِمٌ لِجَمِيعِ الْعُقَلَاءِ، فَإِنَّ مَنْ نَفَى بَعْضَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ كَالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ وَالتَّجْسِيمَ. قِيلَ لَهُ: فَأَنْتَ تُثْبِتُ لَهُ الْإِرَادَةَ وَالْكَلَامَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ، مَعَ أَنَّ مَا تُثْبِتُهُ لَيْسَ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، فَقُلْ فِيمَا أَثْبَتَّهُ مِثْلَ قَوْلِكَ فِيمَا نَفَيْتَهُ وَأَثْبَتَهَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قَالَ: أَنَا لَا أُثْبِتُ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ. قِيلَ لَهُ: فَأَنْتَ تُثْبِتُ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى مِثْلَ: حَيٍّ وَعَلِيمٍ وَقَدِيرٍ، ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/46 - 47 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ الدُّعَاءِ بَعْدَ الذِّكْرِ، نَوْعٌ مِنْهُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/264 ; الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/524 - 525 (كِتَابُ الدُّعَاءِ، بَابُ دُعَاءِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. . .) وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " تَلْخِيصِ الْمُسْتَدْرَكِ ": " صَحِيحٌ ". (¬2) ب: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى.

وَالْعَبْدُ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَلَيْسَ مَا تُثْبِتُ لِلرَّبِّ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مُمَاثِلًا لِمَا تُثْبِتُ لِلْعَبْدِ، فَقُلْ فِي صِفَاتِهِ نَظِيرَ قَوْلِكَ ذَلِكَ فِي مُسَمَّى أَسْمَائِهِ. فَإِنْ قَالَ: وَأَنَا لَا أُثْبِتُ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى، بَلْ أَقُولُ هِيَ مَجَازٌ، أَوْ هِيَ أَسْمَاءٌ لِبَعْضِ مُبْتَدَعَاتِهِ، كَقَوْلِ غُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ. قِيلَ لَهُ: فَلَا بُدَّ أَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالْجِسْمُ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ مُمَاثِلًا لَهُ. فَإِنْ قَالَ: أَنَا لَا أُثْبِتُ شَيْئًا، بَلْ أُنْكِرُ وُجُودَ الْوَاجِبِ. قِيلَ لَهُ: مَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمَوْجُودَ إِمَّا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا غَيْرُ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَإِمَّا حَادِثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِمَّا مَخْلُوقٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى خَالِقٍ، وَإِمَّا غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا مُفْتَقِرٍ إِلَى خَالِقٍ، وَإِمَّا فَقِيرٌ إِلَى مَا سِوَاهُ، وَإِمَّا غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ. وَغَيْرُ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، وَالْحَادِثُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَدِيمٍ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِخَالِقٍ، وَالْفَقِيرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَنِيٍّ عَنْهُ، فَقَدْ لَزِمَ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقِيضَيْنِ وُجُودُ مَوْجُودٍ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ خَالِقٍ غَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ، وَمَا سِوَاهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَقَدْ عُلِمَ بِالْحِسِّ وَالضَّرُورَةِ وُجُودُ مَوْجُودٍ حَادِثٍ كَائِنٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَالْحَادِثُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، وَلَا قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَلَا خَالِقًا لِمَا سِوَاهُ، وَلَا غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ، فَثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ وُجُودُ مَوْجُودَيْنِ: أَحَدُهُمَا غَنِيٌّ وَالْآخِرُ فَقِيرٌ، وَأَحَدُهُمَا خَالِقٌ وَالْآخِرُ مَخْلُوقٌ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْئًا مَوْجُودًا ثَابِتًا، بَلْ وَإِذَا كَانَ الْمُحْدَثُ جِسْمًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَيْضًا أَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ مُمَاثِلًا لِلْآخَرِ فِي حَقِيقَتِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَمَاثَلَا فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ ; وَأَحَدُهُمَا يَجِبُ قِدَمُهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ ; وَأَحَدُهُمَا غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَالْآخِرُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ، وَأَحَدُهُمَا خَالِقٌ وَالْآخِرُ لَيْسَ بِخَالِقٍ، فَلَوْ تَمَاثَلَا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبَ الْقِدَمِ لَيْسَ بِوَاجِبِ الْقِدَمِ، مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِنَفْسِهِ، غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ، خَالِقًا لَيْسَ بِخَالِقٍ، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ تُمَاثِلِهِمَا، [وَهُوَ] (¬1) مُنْتَفٍ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، كَمَا هُوَ مُنْتَفٍ بِنُصُوصِ الشَّرْعِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي أُمُورٍ أُخْرَى، كَمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْجُودٌ ثَابِتٌ لَهُ حَقِيقَةٌ وَذَاتٌ هِيَ نَفْسُهُ، وَالْجِسْمُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ. فَعُلِمَ بِهَذِهِ الْبَرَاهِينِ الْبَيِّنَةِ اتِّفَاقُهُمَا مِنْ وَجْهٍ وَاخْتِلَافُهُمَا مِنْ وَجْهٍ، فَمَنْ نَفَى مَا اتَّفَقَا فِيهِ كَانَ مُعَطِّلًا قَائِلًا لِلْبَاطِلِ، وَمَنْ جَعَلَهُمَا مُتَمَاثِلَيْنِ كَانَ مُشَبِّهًا قَائِلًا لِلْبَاطِلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ] *) (¬2) . وَذَلِكَ ; لِأَنَّهُمَا وَإِنِ اتَّفَقَا فِي مُسَمَّى مَا اتَّفَقَا فِيهِ (¬3) ، فَاللَّهُ تَعَالَى مُخْتَصٌّ بِوُجُودِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ [وَسَائِرِ صِفَاتِهِ] (¬4) ، وَالْعَبْدُ لَا يَشْرَكُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ [أَيْضًا] (¬5) مُخْتَصٌّ بِوُجُودِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى (¬6) مُنَزَّهٌ ¬

(¬1) وَهُوَ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬2) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ ص 112 عِنْدَ عِبَارَةِ " وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ " وَالَّذِي يَنْتَهِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَقَطَتْ عِبَارَاتٌ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ (م) أَشَرْتُ إِلَيْهَا فِي ص 112. (¬3) ن، م: فِي مُسَمَّى ذَلِكَ. (¬4) وَسَائِرِ صِفَاتِهِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ: وَأَنَّهُ تَعَالَى.

عَنْ مُشَارَكَةِ الْعَبْدِ فِي خَصَائِصِهِ، وَإِذَا اتَّفَقَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، فَهَذَا الْمُشْتَرُكُ مُطْلَقٌ كُلِّيٌّ يُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَالْمَوْجُودُ (¬1) فِي الْأَعْيَانِ مُخْتَصٌّ لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ. وَهَذَا مَوْضِعٌ اضْطَرَبَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ ; حَيْثُ تَوَهَّمُوا أَنَّ [الِاتِّفَاقَ فِي] (¬2) مُسَمَّى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُودُ الَّذِي لِلرَّبِّ هُوَ الْوُجُودُ الَّذِي لِلْعَبْدِ. وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّ لَفْظَ " الْوُجُودِ " يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَكَابَرُوا عُقُولَهُمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَامَّةٌ قَابِلَةٌ لِلتَّقْسِيمِ، كَمَا يُقَالُ: الْمَوْجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ وَقَدِيمٍ وَحَادِثٍ. وَمَوْرِدُ التَّقْسِيمِ [مُشْتَرَكٌ] (¬3) بَيْنَ الْأَقْسَامِ، وَاللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ كَلَفْظِ " الْمُشْتَرَى " الْوَاقِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَالْكَوْكَبِ لَا يَنْقَسِمُ مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَفْظُ " الْمُشْتَرَى " يُقَالُ عَلَى كَذَا وَعَلَيَ كَذَا. وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّهَا إِذَا سَمَّتْ هَذَا اللَّفْظَ وَنَحْوَهُ مُشَكِّكًا لَكَوْنِ الْوُجُودِ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْمُمْكِنِ، خَلَصْتُ مِنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنْ تَفَاضُلَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرِكِ الْكُلِّيِّ لَا يَمْنَعُ (¬4) أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمَعْنَى مُشْتَرِكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى " السَّوَادِ " مُشْتَرِكٌ بَيْنَ هَذَا السَّوَادِ وَهَذَا السَّوَادِ، وَبَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ. ¬

(¬1) ن: وَالْوُجُودُ. (¬2) الِاتِّفَاقَ فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) : الِاشْتِرَاكَ فِي. (¬3) مُشْتَرَكٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن: لَا يَمْتَنِعُ.

وَطَائِفَةٌ ظَنَّتْ أَنَّ مَنْ قَالَ: الْوُجُودُ مُتَوَاطِئٌ عَامٌّ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وُجُودُ الْخَالِقِ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمَنْ قَالَ: حَقِيقَتُهُ هِيَ وُجُودُهُ، قَالَ: إِنَّهُ مُشْتَرِكٌ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَصْلُ خَطَأِ هَؤُلَاءِ تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْعَامَّةَ الْكُلِّيَّةَ يَكُونُ مُسَمَّاهَا الْمُطْلَقُ الْكُلِّيُّ هُوَ بِعَيْنِهِ ثَابِتًا فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ [وَهَذَا الْمُعَيَّنُ] (¬1) ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ لَا يُوجَدُ مُطْلَقًا كُلِّيًّا، لَا يُوجَدُ إِلَّا مُعَيَّنًا مُخْتَصًّا. (* وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ إِذَا سُمِّيَ بِهَا كَانَ مُسَمَّاهَا مُخْتَصًّا بِهِ، (2 وَإِذَا سُمِّيَ بِهَا الْعَبْدُ كَانَ مُسَمَّاهَا مُخْتَصًّا بِهِ 2) (¬2) *) (¬3) فَوُجُودُ اللَّهِ وَحَيَاتُهُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا (¬4) غَيْرُهُ، بَلْ وُجُودُ هَذَا الْمَوْجُودِ الْمُعَيَّنِ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ بِوُجُودِ الْخَالِقِ؟ . وَإِذَا قِيلَ: قَدِ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ (¬5) ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ، وَهُوَ الْمَاهِيَّةُ وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي تَخُصُّهُ. قِيلَ: اشْتِرَاكًا فِي الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الذِّهْنِيِّ، لَا اشْتِرَاكًا فِي مُسَمَّى الْحَقِيقَةِ (¬6) وَالْمَاهِيَّةُ وَالذَّاتُ وَالنَّفْسُ. وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةُ هَذَا تَخُصُّهُ، ¬

(¬1) وَهَذَا الْمُعَيَّنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) ، م: فِيهِ. (¬5) ، ب: فِي الْمُسَمَّى. (¬6) ، م: بَلِ اشْتَرَكَا فِي الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الذِّهْنِيِّ كَمَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْحَقِيقَةِ. . إِلَخْ.

التعليق على قوله أن الله هو المخصوص بالأزلية والقدم

فَكَذَلِكَ وُجُودُهُ يَخُصُّهُ، وَالْغَلَطُ نَشَأَ مِنْ جِهَةِ [أَخْذِ] (¬1) الْوُجُودِ مُطْلَقًا، وَأَخْذِ الْحَقِيقَةِ مُخْتَصَّةً، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا وَمُخْتَصًّا، فَالْمُطْلَقُ مُسَاوٍ لِلْمُطْلَقِ، وَالْمُخْتَصُّ مُسَاوٍ لِلْمُخْتَصِّ، فَالْوُجُودُ الْمُطْلَقُ مُطَابِقٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَوُجُودُهُ (¬2) الْمُخْتَصُّ مُطَابِقٌ لِحَقِيقَتِهِ الْمُخْتَصَّةِ، وَالْمُسَمَّى بِهَذَا وَهَذَا وَاحِدٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ جِهَةُ التَّسْمِيَةِ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا هُوَ ذَاكَ فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ وَاحِدٌ، لَكِنْ بِوَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. [وَأَيْضًا فَإِذَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَمْتَازُ عَنِ الْآخَرِ بِوُجُودِهِ الَّذِي يَخُصُّهُ، كَمَا أَنَّ الْحَيَوَانَيْنِ وَالْإِنْسَانَيْنِ إِذَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْحَيَوَانِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَمْتَازُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِحَيَوَانِيَّةٍ تَخُصُّهُ وَإِنْسَانِيَّةٍ تَخُصُّهُ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْوُجُودَ الْكُلِّيَّ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ، لَكَانَ التَّمْيِيزُ يَحْصُلُ بِوُجُودٍ خَاصٍّ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ وُجُودٍ وَمَاهِيَّةٍ، فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؟ . وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ وُجُودٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ سَلْبِ كُلِّ أَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ، فَقَوْلُهُ أَفْسَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ] (¬3) وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ إِثْبَاتَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلَّهِ، لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ مُشَبَّهًا مُمَاثِلًا لِخَلْقِهِ. [التعليق على قوله أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ " (¬4) . ¬

(¬1) أَخْذِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) أ: وَوُجُودُ ; ب: وَالْوُجُودُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَرَدَتْ ضِمْنَ كَلَامِهِ السَّابِقِ ص 97 وَهِيَ فِي مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ 1/82 (م) ، وَفِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ: لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا.

فَيُقَالُ: أَوَّلًا: جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقِدَمِ وَالْأَزَلِيَّةِ. ثُمَّ يُقَالُ: ثَانِيًا: الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ هُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ (¬1) ، فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَهَذَا هُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 163] ، وَقَالَ تَعَالَى (¬2) : {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 51] ، وَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 25] . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 19] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 35] . وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا أَوَّلُ مَا دَعَا إِلَيْهِ الرَّسُولُ [وَآخِرُهُ] (¬3) ; حَيْثُ قَالَ: " «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا (¬4) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ» " (¬5) . ¬

(¬1) ن، م: الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ أَنَّ اللَّهَ مَخْصُوصٌ بِالْإِلَهِيَّةِ. (¬2) وَقَالَ تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) وَآخِرُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ن، م: يَشْهَدُوا. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/10 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ. . . إِلَخْ) ، 9/15 (كِتَابُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُعَانِدِينَ، بَابُ قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ) ; مُسْلِمٍ 1/52 - 53 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الْأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ. . إِلَخْ) . وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ": " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَوَاتِرٌ ".

وَقَالَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ: " «يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» " (¬1) وَقَالَ: " «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» " (¬2) . وَقَالَ: " «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» " (¬3) . وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الصِّحَاحِ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ الْمُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/95 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ إِذَا قَالَ الْمُشْتَرِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ، 5/52 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ) ، 6 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ (بَرَاءَةٌ) ، قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. .) " سُورَةُ التَّوْبَةِ: 113 "، 6/112 - 113 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْقَصَصِ، بَابُ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) سُورَةُ الْقَصَصِ: 56) ، 8/138 - 139 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ. .) ; مُسْلِمٍ 1/54 - 55 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ إِسْلَامِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ. .) وَذَكَرَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/433. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/258 - 259 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي التَّلْقِينِ) ; الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/351 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ. .) وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ " وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ ; مِشْكَاةُ الْمَصَابِيحِ لِلتَّبْرِيزِيِّ 1/511 وَصُحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ (ت [0 - 9] ) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: مُسْلِمٍ 2/631 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ تَلْقِينِ الْمَوْتَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/259 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي التَّلْقِينِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/225 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي تَلْقِينِ الْمَرِيضِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالدُّعَاءِ لَهُ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ مَسْلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَسُعْدَى الْمُرِّيَّةِ وَهِيَ امْرَأَةُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ " ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/464 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَلْقِينِ الْمَيِّتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/3.

وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ مَا يُعْلَمُ [بِالِاضْطِرَارِ] (¬1) مِنْ دِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ: أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (¬2) . وَأَمَّا كَوْنُ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ وَاحِدًا، فَهَذَا اللَّفْظُ لَا يُوجَدُ لَا فِي كِتَابِ [اللَّهِ] وَلَا فِي سُنَّةِ [نَبِيِّهِ] (¬3) ، بَلْ (¬4) وَلَا جَاءَ اسْمُ " الْقَدِيمِ " فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْمَائِهِ " الْأَوَّلُ ". وَالْأَقْوَالُ نَوْعَانِ: فَمَا كَانَ مَنْصُوصًا فِي الْكِتَابِ [وَالسُّنَّةِ] (¬5) ، وَجَبَ الْإِقْرَارُ بِهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ فِي النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ وَلَا رَدُّهُ حَتَّى يُعْرَفَ مَعْنَاهُ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ وَاحِدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مَخْصُوصٌ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ، لَفْظٌ مُجْمَلٌ. فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ هُوَ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ دُونَ مَخْلُوقَاتِهِ، فَهَذَا حَقٌّ. وَلَكِنَّ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ هُوَ الذَّاتُ الَّتِي لَا صِفَاتَ لَهَا: لَا حَيَاةَ \ 8 11) (¬6) وَلَا عِلْمَ وَلَا قُدْرَةَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا صِفَاتٌ (¬7) لَكَانَتْ قَدْ شَارَكَتْهَا فِي الْقِدَمِ، وَلَكَانَتْ إِلَهًا مِثْلَهَا. ¬

(¬1) بِالِاضْطِرَارِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: إِلَّا هُوَ. (¬3) ن، م: لَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. (¬4) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) وَالسُّنَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ا، ب: الَّتِي لَا صِفَةَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ. . إِلَخْ (¬7) أ، ب: صِفَةٌ.

[فَهَذَا الِاسْمُ هُوَ اسْمٌ لِلرَّبِّ (¬1) الْحَيِّ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ، وَيَمْتَنِعُ حَيٌّ لَا حَيَاةَ لَهُ، وَعَلِيمٌ لَا عِلْمَ لَهُ، وَقَدِيرٌ لَا قُدْرَةَ لَهُ، كَمَا يَمْتَنِعُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: صِفَاتُهُ زَائِدَةٌ عَلَى ذَاتِهِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا أَثْبَتَهُ النُّفَاةُ، لَا أَنَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ذَاتًا مُجَرَّدَةً عَنِ الصِّفَاتِ وَصِفَاتٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهَا، فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ. وَمَنْ حَكَى عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مَعَ اللَّهِ ذَوَاتًا قَدِيمَةً بِقِدَمِهِ، وَأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى تِلْكَ الذَّوَاتِ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ. فَإِنَّ لِلنُّظَّارِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: ثُبُوتُ الصِّفَاتِ، وَثُبُوتُ الْأَحْوَالِ، وَنَفْيُهُمَا جَمِيعًا، وَثُبُوتُ الْأَحْوَالِ دُونَ الصِّفَاتِ (¬2) ¬

(¬1) فَهَذَا الِاسْمُ هُوَ اسْمٌ لِلرَّبِّ (ص 124) . . وَإِذَا كَانَتْ صِفَةُ النَّبِيِّ الْمُحْدَثِ (ص [0 - 9] 30) . سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَأُشِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ نِهَايَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬2) الْقَائِلُ بِالْأَحْوَالِ هُوَ أَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ (انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِيمَا سَبَقَ 1/270 ت [0 - 9] ) . وَيُلَخِّصُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ مَذْهَبَهُ فِي الْأَحْوَالِ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1 - 76 كَالْآتِي: " وَعِنْدَ أَبِي هَاشِمٍ: هُوَ عَالَمٌ لِذَاتِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ " ذُو حَالَةٍ " هِيَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ وَرَاءَ كَوْنِهِ ذَاتًا مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ الصِّفَةُ عَلَى الذَّاتِ لَا بِانْفِرَادِهَا، فَأَثْبَتَ " أَحْوَالًا " هِيَ صِفَاتٌ: لَا مَوْجُودَةً وَلَا مَعْدُومَةً، وَلَا مَعْلُومَةً وَلَا مَجْهُولَةً، أَيْ هِيَ عَلَى حِيَالِهَا لَا تُعْرَفُ كَذَلِكَ بَلْ مَعَ الذَّاتِ. قَالَ: وَالْعَقْلُ يُدْرِكُ فَرْقًا ضَرُورِيًّا بَيْنَ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ عَلَى صِفَةٍ، فَلَيْسَ مَنْ عَرَفَ الذَّاتَ عَرَفَ كَوْنَهُ عَالِمًا، وَلَا مَنْ عَرَفَ الْجَوْهَرَ عَرَفَ كَوْنَهُ مُتَحَيِّزًا قَابِلًا لِلْعَرْضِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُدْرِكُ اشْتِرَاكَ الْمَوْجُودَاتِ فِي قَضِيَّةٍ وَافْتِرَاقِهَا فِي قَضِيَّةٍ، وَبِالضَّرُورَةِ يَعْلَمُ أَنَّ مَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ غَيْرُ مَا افْتَرَقَتْ بِهِ، وَهَذِهِ الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةُ لَا يُنْكِرُهَا عَاقِلٌ، وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إِلَى الذَّاتِ وَلَا إِلَى أَعْرَاضٍ وَرَاءَ الذَّاتِ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ، فَتَعَيَّنَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا " أَحْوَالٌ " فَكَوْنُ الْعَالَمِ عَالِمًا " حَالٌ " هِيَ صِفَةٌ وَرَاءَ كَوْنِهِ ذَاتًا، أَيِ الْمَفْهُومُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَفْهُومِ مِنَ الذَّاتِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ قَادِرًا حَيًّا. . ثُمَّ أَثْبَتَ لِلْبَارِي تَعَالَى " حَالَةً أُخْرَى أَوْجَبَتْ تِلْكَ " الْأَحْوَالَ ". وَانْظُرْ عَنِ " الْأَحْوَالِ " أَيْضًا: أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيِّ، ص [0 - 9] 2 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 17 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 3 - 54 ; نِهَايَةَ الْإِقْدَامِ لِلشَّهْرَسْتَانِيِّ، ص 131 - 149، الْمُعْتَزِلَةَ لِزُهْدِي جَار اللَّهِ، ص 69 - 70 ; فَلْسَفَةَ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَلْبِير نَصْرِي نَادِر 1/225 - 230، دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَادَّةُ " الْجُبَّائِيِّ " وَمَادَّةِ " الْحَالِ ".

فَالْأَوَّلُ: قَوْلُ جُمْهُورِ نُظَّارِ الْمُثْبِتَةِ الصِّفَاتِيَّةِ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمِهِ، وَقَادِرٌ بِقُدْرَتِهِ، وَعِلْمُهُ نَفْسُ عَالَمِيَّتِهِ، وَقُدْرَتُهُ نَفْسُ قَادِرِيَّتِهِ. وَعُقَلَاءُ النُّفَاةِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ (¬1) وَغَيْرِهِ يُسَلِّمُونَ أَنَّ كَوْنَهُ حَيًّا لَيْسَ هُوَ كَوْنَهُ عَالِمًا، وَكَوْنُهُ عَالِمًا لَيْسَ هُوَ كَوْنَهُ قَادِرًا، وَكَذَلِكَ مُثْبِتَةُ الْأَحْوَالِ مِنْهُمْ (¬2) ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْمُثْبِتَةِ لِلصِّفَاتِ دُونَ الْأَحْوَالِ. وَلَكِنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْوَالَ مَعَ الصِّفَاتِ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي ¬

(¬1) أ، ب: أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّيِّبُ الْبَصْرِيُّ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ 1/395. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/298 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 3/100. (¬2) ذَكَرَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي " نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ " ص [0 - 9] 77: فَتَمَايُزُ الْمَفْهُومَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ عِنْدَكُمْ وَتَمَايُزُ الْأَحْوَالِ عِنْدَ أَبِي هَاشِمٍ وَتَمَايُزُ الصِّفَاتِ عِنْدَ أَبِي الْحُسَيْنِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّكُمْ يُشِيرُ إِلَى مَدْلُولَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الْخَوَاصِّ وَالْحَقَائِقِ ". وَانْظُرْ أَيْضًا نَفْسَ الْمَرْجِعِ، ص 175. وَيَقُولُ ابْنُ طَاهِرٍ فِي أُصُولِ الدِّينِ، ص [0 - 9] 2: " وَعَلِمَ أَبُو هَاشِمِ بْنِ الْجُبَّائِيِّ فَسَادَ قَوْلِ أَبِيهِ بِأَنْ جَعَلَ نَفْسَ الْبَارِي عِلَّةً لِكَوْنِهِ عَالِمًا وَقَادِرًا، فَخَالَفَ أَبَاهُ وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ كَوْنَهُ عَلَى حَالٍ، قَادِرٌ لِكَوْنِهِ عَلَى حَالٍ، وَزَعَمَ أَنَّ لِكَوْنِهِ عَالِمًا بِكُلِّ مَعْلُومٍ حَالًا دُونَ الْحَالِ الَّتِي لِأَجْلِهَا كَانَ عَالِمًا بِالْمَعْلُومِ الْآخَرِ. . . إِلَخْ) وَانْظُرِ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/77.

أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْمَعَالِي فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ (¬1) ، فَهَؤُلَاءِ يَتَوَجَّهُ رَدُّ النُّفَاةِ إِلَيْهِمْ (¬2) . وَأَمَّا مَنْ نَفَى الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالَ جَمِيعًا، كَأَبِي عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَهَؤُلَاءِ يُسَلِّمُونَ ثُبُوتَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، فَيَقُولُونَ: نَقُولُ: إِنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، فَيُخْبِرُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَيَحْكُمُ بِذَلِكَ وَنُسَمِّيهِ بِذَلِكَ. فَإِذَا قَالُوا لِبَعْضِ الصِّفَاتِيَّةِ: أَنْتُمْ تُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ عَادِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِذَاتِهِ خَلْقٌ وَعَدْلٌ، فَكَذَلِكَ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ. قِيلَ: مُوَافَقَةُ هَؤُلَاءِ لَكُمْ لَا تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِكُمْ، فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ وَجُمْهُورُ الْمُثْبِتَةِ يُخَالِفُونَكُمْ جَمِيعًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقُومُ بِذَاتِهِ أَفْعَالُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. ثُمَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ دَلَّتْ عَلَى خَلْقٍ وَرِزْقٍ، كَمَا دَلَّ مُتَكَلِّمٌ وَمُرِيدٌ عَلَى كَلَامٍ وَإِرَادَةٍ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ النُّفَاةِ جَعَلُوا الْمُتَكَلِّمَ وَالْمُرِيدَ وَالْخَالِقَ وَالْعَادِلَ يَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ، وَجَعَلُوا الْحَيَّ وَالْعَلِيمَ وَالْقَدِيرَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ لَا قَائِمَةً بِهِ وَلَا مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، وَجَعَلُوا كُلَّ مَا وَصَفَ الرَّبُّ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَلَامِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَحُبِّهِ وَبُغْضِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ إِنَّمَا هِيَ مَخْلُوقَاتٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ، فَجَعَلُوهُ مَوْصُوفًا بِمَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، فَخَالَفُوا صَرِيحَ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَاللُّغَةِ. ¬

(¬1) يَقُولُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي " نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ "، ص [0 - 9] 31 عِنْدَ كَلَامِهِ عَنِ الْأَحْوَالِ: " وَأَثْبَتَهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ تَرْدِيدِ الرَّأْيِ فِيهَا عَلَى قَاعِدَةٍ غَيْرِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو هَاشِمٍ، وَنَفَاهَا صَاحِبُ مَذْهَبِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنَ الْمُثْبِتِينَ فِي الْأَوَّلِ وَالنَّافِينَ فِي الْآخِرِ ". (¬2) خَصَّصَ ابْنُ حَزْمٍ فَصْلًا فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلُ " 5/165 - 171 لِلرَّدِّ عَلَى الْأَشَاعِرَةِ فِي ذَلِكَ، عُنْوَانُهُ " الْكَلَامُ فِي الْأَحْوَالِ مَعَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ".

فَإِنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الصِّفَةَ إِذَا قَامَتْ بِمَحَلٍّ عَادَ حُكْمُهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا عَلَى غَيْرِهِ، فَالْمَحَلُّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحَرَكَةُ وَالسَّوَادُ وَالْبَيَاضُ كَانَ مُتَحَرِّكًا أَسْوَدَ أَبْيَضَ لَا غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي قَامَ بِهِ الْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ وَالرِّضَا، هُوَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ الْمُتَكَلِّمُ الْمُرِيدُ الْمُحِبُّ الْمُبْغِضُ الرَّاضِي دُونَ غَيْرِهِ، وَمَا لَمْ يَقُمْ بِهِ الصِّفَةُ لَا يَتَّصِفُ بِهَا، فَمَا لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ وَإِرَادَةٌ وَحَرَكَةٌ وَسَوَادٌ وَفِعْلٌ، لَا يُقَالُ لَهُ: مُتَكَلِّمٌ وَلَا مُرِيدٌ وَلَا مُتَحَرِّكٌ [وَلَا أَسْوَدُ] (¬1) وَلَا فَاعِلٌ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ، فَلَا يُسَمَّى بِأَسْمَاءِ الْمَعَانِي. وَهَؤُلَاءِ سَمَّوْهُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا، مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا عِلْمَ وَلَا قُدْرَةَ، وَسَمَّوْهُ مُرِيدًا مُتَكَلِّمًا مَعَ أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْكَلَامَ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ سَمَّاهُ خَالِقًا فَاعِلًا، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ خَلْقٌ وَلَا فِعْلٌ، فَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ. وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ أَثْبَتَتِ اتِّصَافَهُ بِالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَاللُّغَةُ تُوجِبُ أَنَّ صِدْقَ الْمُشْتَقِّ مُسْتَلْزِمٌ لِصِدْقِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، فَيُوجِبُ إِذَا صَدَقَ اسْمُ الْفَاعِلِ وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ، أَنْ يَصْدُقَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ، فَإِذَا قِيلَ: قَائِمٌ وَقَاعِدٌ، كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: فَاعِلٌ وَخَالِقٌ، كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْفِعْلِ وَالْخَلْقِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: مُتَكَلِّمٌ وَمُرِيدٌ، كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ، كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. وَمَنْ نَفَى قِيَامَ الْأَفْعَالِ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ خَالِقًا بِخَلْقٍ، لَكَانَ إِنْ كَانَ ¬

(¬1) وَلَا أَسْوَدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .

قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمَ الْمَخْلُوقِ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلْقٌ آخَرُ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ. قَدْ أَجَابَهُ النَّاسُ بِأَجْوِبَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِقِدَمِ الْخَلْقِ دُونَ الْمَخْلُوقِ، وَعَارَضُوهُ بِالْإِرَادَةِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهَا قَدِيمَةٌ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مُحْدَثٌ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ الْخَلْقُ، وَهَذَا جَوَابُ كَثِيرٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلِ الْخَلْقُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ، كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ عِنْدَهُ كُلَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ، فَإِذَا لَمْ يَفْتَقِرْ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَى خَلْقٍ عِنْدِهِ، فَأَنْ (¬1) لَا يَفْتَقِرُ الْخَلْقُ الَّذِي بِهِ خُلِقَ الْمَخْلُوقُ إِلَى خَلْقٍ أَوْلَى، وَهَذَا جَوَابُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: الْخَلْقُ قَائِمٌ بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَائِمٌ لَا فِي مَحَلٍّ، كَمَا يَقُولُ الْبَصْرِيُّونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْإِرَادَةِ. وَطَائِفَةٌ الْتَزَمَتِ التَّسَلْسُلِ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ صِنْفَانِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِوُجُودِ مَعَانٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّادٍ (¬2) وَأَصْحَابِهِ. ¬

(¬1) أ: فَإِنَّهُ. (¬2) هُوَ مَعْمَرُ بْنُ عَبَّادٍ السَّلَمِيُّ: مُعْتَزِلِيٌّ مِنَ الْغُلَاةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، سَكَنَ بَغْدَادَ، وَنَاظَرَ النَّظَّامَ، وَكَانَ أَعْظَمَ الْقَدَرِيَّةِ غُلُوًّا، وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ تُعْرَفُ بِالْمَعْمَرِيَّةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 215 وَيُقَالُ حَوَالِي سَنَةَ 220. قَالَ عَنْ مَذْهَبِهِ فِي الْمَعَانِي أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيِّ فِي كِتَابِهِ " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ ". (ضِمْنَ كِتَابِ فَضْلِ الِاعْتِزَالِ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ) ص [0 - 9] 1، تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ فُؤَاد سَيِّد، ط. تُونِسَ، 1393/1974: " وَالَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوْلُ بِالْمَعَانِي، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ الْحَرَكَةَ إِنَّمَا خَالَفَتِ السُّكُونَ لِمَعْنَى هُوَ غَيْرُهَا، وَكَذَلِكَ السُّكُونُ إِنَّمَا خَالَفَ الْحَرَكَةَ بِمَعْنَى هُوَ غَيْرُهُ، وَأَنْ ذَيْنَكَ الْمَعْنَيَيْنِ إِنَّمَا اخْتَلَفَا أَيْضًا بِمَعْنًى هُوَ غَيْرُهُمَا، ثُمَّ كَذَلِكَ كُلُّ مَعْنَيَيْنِ اخْتَلَفَا بِمَعْنَيَيْنِ غَيْرِهِمَا إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ.، وَانْظُرْ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبَّادٍ وَعَنْ آرَائِهِ: فَضْلَ الِاعْتِزَالِ، ص [0 - 9] 66 - 267 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 1 - 94 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/65 - 67 ; الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ ص [0 - 9] 5 - 48، (ط. بَيْرُوتَ، 1957) ; لِسَانَ الْمِيزَانِ 6/71 (وَقَالَ عَنِ اسْمِهِ: بِالتَّشْدِيدِ) ; خُطَطَ الْمَقْرِيزِيِّ 2/347 ; اللُّبَابَ 3/161 ; الْأَعْلَامَ 8/190. وَانْظُرْ عَنْ مَذْهَبِهِ فِي الْمَعَانِي: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ لِلْأَشْعَرِيِّ 1/228 - 229، 2 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 45 الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/161 - 163 ; الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، ص [0 - 9] 6 - 47 ; فَلْسَفَةَ الْمُعْتَزِلَةِ لِلدُّكْتُورِ أَلْبِير نَصْرِي نَادِر 1/221 - 224 ; الْمُعْتَزِلَةَ لِلْأُسْتَاذِ زُهْدِي جَارِ اللَّهِ، ص [0 - 9] 7، 67 - 69.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ تَكُونُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَأَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ. وَأَمَّا التَّسَلْسُلُ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَقَالَ: كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ حَوَادِثُ مُنْفَصِلَةٌ لَا ابْتِدَاءَ لَهَا، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ قِيَامُ حَوَادِثَ بِذَاتِهِ لَا ابْتِدَاءَ لَهَا، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْهِشَامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلِ التَّسَلْسُلُ جَائِزٌ فِي الْآثَارِ دُونَ الْمُؤَثِّرَاتِ، وَالْتَزَمَ أَنَّهُ يَقُومُ بِذَاتِهِ مَا لَا يَتَنَاهَى شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَلَا نِهَايَةَ لِكَلِمَاتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ. وَالْكَلَامُ عَلَى قِيَامِ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِهِ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. (1 فَهَذَا قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ الْمُوَافِقِينَ لَهُمْ، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ صِفَةَ الْإِلَهِ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِلَهًا، كَمَا أَنَّ صِفَةَ النَّبِيِّ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا 1) (¬1) . ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَإِذَا كَانَتْ صِفَةُ النَّبِيِّ الْمُحْدَثِ] (¬1) مُوَافِقَةً (¬2) لَهُ فِي الْحُدُوثِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا مِثْلَهُ، فَكَذَلِكَ صِفَةُ الرَّبِّ اللَّازِمَةُ لَهُ إِذَا كَانَتْ قَدِيمَةً بِقِدَمِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ إِلَهًا مِثْلَهُ. فَهَؤُلَاءِ مَذْهَبُهُمْ (¬3) نَفْيُ صِفَاتِ الْكَمَالِ (¬4) اللَّازِمَةِ لِذَاتِهِ، وَشُبْهَتُهُمُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا (¬5) ، أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً لَكَانَ الْقَدِيمُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ. وَأَخَذَ ذَلِكَ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَقَالُوا (¬6) : لَوْ كَانَ لَهُ صِفَةً وَاجِبَةً (¬7) لَكَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَهَذَا تَلْبِيسٌ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ الْقَدِيمُ، أَوِ الْإِلَهُ الْوَاجِبُ، أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَالتَّلَازُمُ (¬8) بَاطِلٌ، فَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ صِفَةُ الْإِلَهِ إِلَهًا، وَلَا صِفَةُ الْإِنْسَانِ إِنْسَانًا، وَلَا صِفَةُ النَّبِيِّ نَبِيًّا، [وَلَا صِفَةُ الْحَيَوَانِ حَيَوَانًا] (¬9) . وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الصِّفَةَ تُوصَفُ بِالْقِدَمِ (* كَمَا يُوصَفُ الْمَوْصُوفُ بِالْقِدَمِ، فَهُوَ كَقَوْلِ (¬10) الْقَائِلِ: تُوصَفُ صِفَةُ الْمُحْدَثِ بِالْحُدُوثِ *) (¬11) ، كَمَا يُوصَفُ الْمَوْصُوفُ بِالْحُدُوثِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَسَبَقَ أَنْ أَشَرْتُ إِلَى بِدَايَةِ السَّقْطِ (ص [0 - 9] 24) . (¬2) ن، م: مُشَارِكَةً. (¬3) ن، م: قَصْدُهُمْ. (¬4) أ، ب: نَفِيُ صِفَاتِهِ. (¬5) ن، م: وَشُبَهُهُمُ الَّتِي أَشَارُوا إِلَيْهَا. (¬6) ن، م: وَأَخَذَ ابْنُ سِينَا ذَلِكَ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ فَقَالَ:. . . وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن: وَاحِدَةً، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م: فَاللَّازِمُ. (¬9) : مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ن: بِقَوْلِ. (¬11) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: تُوصَفُ بِالْوُجُوبِ (1 كَمَا يُوصَفُ الْمَوْصُوفُ بِالْوُجُوبِ 1) (¬1) ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا (¬2) : تُوصَفُ بِوُجُوبٍ أَوْ قِدَمٍ أَوْ حُدُوثٍ (¬3) عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، فَإِنَّ الصِّفَةَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا وَلَا تَسْتَقِلُّ بِذَاتِهَا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا (¬4) قَدِيمَةٌ وَاجِبَةٌ بِقُدُومِ الْمَوْصُوفِ وَوُجُوبِهِ، إِذَا عُنِيَ بِالْوَاجِبِ مَا لَا فَاعِلَ لَهُ، وَعُنِيَ بِالْقَدِيمِ (¬5) مَا لَا أَوَّلَ لَهُ، وَهَذَا حَقٌّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ. [وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا بَسْطًا مُسْتَوْفًى فِي مَوَاضِعَ، بَيْنَ مَا فِي لَفْظِ " وَاجِبِ الْوُجُودِ " وَ " الْقَدِيمِ " مِنَ الْإِجْمَالِ، وَشُبْهَةُ نُفَاةِ الصِّفَاتِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا إِلَّا شَيْئًا مُخْتَصَرًا، قَدْ ذَكَرْنَا مَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَوْضِعَ. وَبَيَّنَّا فِي مَوْضِعَ آخَرَ أَنَّ لَفْظَ " الْقَدِيمِ " وَ " وَاجِبُ الْوُجُودِ " فِيهِ إِجْمَالٌ. فَإِذَا أُرِيدَ بِالْقَدِيمِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ، أَوِ الْفَاعِلُ الْقَدِيمُ، أَوِ الرَّبُّ الْقَدِيمُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالصِّفَةُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، بَلْ هِيَ صِفَةُ الْقَدِيمِ. وَإِذَا أُرِيدَ مَالًا ابْتِدَاءً لَهُ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ مُطْلَقًا فَالصِّفَةُ قَدِيمَةٌ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ " وَاجِبُ الْوُجُودِ " إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الْمَوْجُودُ بِنَفْسِهِ، فَالصِّفَةُ لَيْسَتْ وَاجِبَةٌ، بَلْ هِيَ صِفَةُ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَإِنْ أُرِيدَ مَا لَا فَاعِلَ لَهُ، أَوْ مَا لَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ، فَالصِّفَةُ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَالًا تَعَلَّقَ لَهُ بِغَيْرِهِ، فَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَإِنَّ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: بِهَا. (¬3) عِبَارَةُ " أَوْ حُدُوثٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: بِهَا. (¬5) ن (فَقَطْ) : بِالْقِدَمِ.

التعليق على قوله أن كل ما سواه محدث

الْبَارِئَ تَعَالَى خَالِقٌ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، فَلَهُ تَعَلُّقٌ (¬1) بِمَخْلُوقَاتِهِ، وَذَاتُهُ مُلَازِمَةٌ لِصِفَاتِهِ، وَصِفَاتُهُ مُلَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ مُلَازِمَةٌ لِصِفَتِهِ الْأُخْرَى. وَبَيَّنَّا أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُمْكِنَاتُ، وَالْقَدِيمُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُحْدَثَاتُ، الَّذِي هُوَ الْخَالِقُ الْمَوْجُودُ بِنَفَسِهِ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ وَيَمْتَنِعُ عَدَمُهُ، فَإِنَّ تَسْمِيَةَ الرَّبِّ وَاجِبًا بِذَاتِهِ وَجَعْلَ مَا سِوَاهُ مُمْكِنًا، لَيْسَ هُوَ قَوْلُ أَرِسْطُو وَقُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، وَلَكِنْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ مَبْدَءًا وَعِلَّةً، وَيُثْبِتُونَهُ مِنْ جِهَةِ الْحَرَكَةِ الْفَلَكِيَّةِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ. فَرَكِبَ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مَذْهَبًا مِنْ قَوْلِ أُولَئِكَ وَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَلَمَّا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْمَوْجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى قَدِيمٍ وَحَادِثٍ، وَإِنَّ الْقَدِيمَ لَا صِفَةَ لَهُ، قَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَالْوَاجِبُ لَا صِفَةَ لَهُ، وَلَمَّا قَالَ أُولَئِكَ: يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْقَدِيمِ، قَالَ هَؤُلَاءِ: يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْوَاجِبِ] (¬2) . [التعليق على قوله أن كل ما سواه محدث] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ [كُلَّ] (¬3) مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ " (¬4) فَهَذَا حَقٌّ، وَالضَّمِيرُ فِي " مَا سِوَاهُ " عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ إِذَا ذُكِرَ بَاسِمٍ مُظْهَرٍ ¬

(¬1) أ: فَلَهُ تَعَالَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ (ص [0 - 9] 31 - 132) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَقَطَتِ الْعِبَارَاتُ التَّالِيَةُ (وَأَمَّا قَوْلُهُ. . فَهَذَا حَقٌّ) مِنْ (م) أَيْضًا. (¬3) كُلَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ قَبْلُ ص 97 وَفِي: " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " 1/82 (م) . وَفِيهِمَا: وَأَنَّ.

التعليق على قوله لأنه واحد وليس بجسم ولا جوهر

أَوْ مُضْمَرٍ، دَخَلَ فِي مُسَمَّى اسْمِهِ (¬1) صِفَاتُهُ، فَهِيَ لَا تَخْرُجُ (¬2) عَنْ مُسَمَّى أَسْمَائِهِ. فَمَنْ قَالَ: دَعَوْتُ اللَّهَ أَوْ عَبَدْتُهُ، فَهُوَ إِنَّمَا دَعَا الْحَيَّ [الْقَيُّومَ] (¬3) ، الْعَلِيمَ الْقَدِيرَ، الْمَوْصُوفَ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ. [التعليق على قوله لأنه واحد وليس بجسم ولا جوهر] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ (¬4) بِجِسْمٍ " (¬5) . فَإِنْ أَرَادَ بِالْوَاحِدِ مَا أَرَادَهُ (¬6) اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِمِثْلِ (¬7) قَوْلِهِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 163] ، وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 16] (¬8) [وَنَحْوِ ذَلِكَ] (¬9) ، فَهَذَا حَقٌّ. وَإِنْ أَرَادَ بِالْوَاحِدِ مَا تُرِيدُهُ الْجَهْمِيَّةُ نَفَاةُ الصِّفَاتِ مِنْ أَنَّهُ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الصِّفَاتِ، فَهَذَا " الْوَاحِدُ " لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ ذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الصِّفَاتِ، وَيَمْتَنِعُ ¬

(¬1) ن: اسْمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن: فَهُوَ لَا يَخْرُجُ. (¬3) الْقَيُّومَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: لَيْسَ. (¬5) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا عِبَارَةَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ كَمَا فَعَلَ مِنْ قَبْلُ (ص [0 - 9] 02) وَوَرَدَتِ الْعِبَارَةُ بِتَمَامِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَهِيَ: " لِأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ لِأَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ مُحْتَاجٍ إِلَى جُزْئِهِ لِأَنَّ جُزْأَهُ غَيْرُهُ، وَلَا عَرْضَ ". وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي ص 97 الْفُرُوقَ الْمَوْجُودَةَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَيْنَ نَصِّ " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ " وَنَصِّ " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " ص 82 (م) . (¬6) ن، م: مَا أَرَادَ. (¬7) ن، م: مِثْلَ. (¬8) ن، م، ب، أ: وَهُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ أَوِ الْمُؤَلِّفِ. (¬9) عِبَارَةُ " وَنَحْوِ ذَلِكَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وُجُودُ حَيٍّ عَلِيمٍ (¬1) قَدِيرٍ لَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا عِلْمَ وَلَا قُدْرَةَ، فَإِثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ دُونَ الصِّفَاتِ سَفْسَطَةٌ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَقَرْمَطَةٌ فِي السَّمْعِيَّاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " لَيْسَ بِجِسْمٍ "، لَفْظُ الْجِسْمِ فِيهِ إِجْمَالٌ. قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُرَكَّبُ الَّذِي كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُفَرَّقَةٌ (¬2) فَجُمِعَتْ، أَوْ مَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ وَالِاِنْفِصَالَ، أَوِ الْمُرَكَّبُ مِنْ مَادَّةٍ وَصُورَةٍ، [أَوِ الْمُرَكَّبُ مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمُفْرَدَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْجَوَاهِرُ الْفَرْدَةُ] (¬3) . وَاللَّهُ [تَعَالَى] (¬4) مُنَزَّهٌ عَنْ [ذَلِكَ كُلِّهِ] : عَنْ أَنْ يَكُونَ كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ (¬5) ، أَوْ أَنْ يَقْبَلَ التَّفْرِيقَ وَالتَّجْزِئَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ (¬6) بَعْضِ الشَّيْءِ بَعْضًا وَانْفِصَالُهُ عَنْهُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّرْكِيبِ الْمُمْتَنِعِ [عَلَيْهِ] (¬7) . وَقَدْ يُرَادُ بِالْجِسْمِ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ، أَوْ مَا يُرَى، أَوْ مَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ ; وَاللَّهُ تَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَتَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَ الدُّعَاءِ بِأَيْدِيهِمْ وَقُلُوبِهِمْ (¬8) وَوُجُوهِهِمْ وَأَعْيُنِهِمْ. فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " لَيْسَ بِجِسْمٍ " هَذَا الْمَعْنَى. ¬

(¬1) ن، م: عَلِيمٍ حَيٍّ. (¬2) ن، م: مُتَفَرِّقَةٌ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ ; أ، ب: مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬6) ن، م: مُقَارَنَةُ. (¬7) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) : عَلَيْهِمْ. (¬8) ن، م: بِقُلُوبِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ.

قِيلَ لَهُ: (* هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدْتُ نَفْيَهُ (¬1) بِهَذَا اللَّفْظِ مَعْنًى ثَابِتٌ بِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَأَنْتَ لَمْ تُقِمْ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ. وَأَمَّا اللَّفْظُ فَبِدْعَةٌ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا إِطْلَاقُ لَفْظِ " الْجِسْمِ " فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا. وَكَذَلِكَ لَفَظُ " الْجَوْهَرِ " وَ " الْمُتَحَيِّزِ " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنَازَعُ أَهْلُ الْكَلَامِ الْمُحْدَثَ فِيهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. وَإِنْ قَالَ:. . كُلُّ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَيُرَى وَتُرْفَعُ إِلَيْهِ الْأَيْدِي، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬2) ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا مَحَلُّ نِزَاعٍ، فَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَنْفُونَ ذَلِكَ، وَأَنْتَ لَمْ تَذْكُرْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا، وَهَذَا مُنْتَهَى نَظَرِ النُّفَاةِ، فَإِنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَهُمْ أَنْ تَقُومَ بِهِ الصِّفَاتُ، وَيَقُومَ بِهِ الْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْأَفْعَالُ، وَمَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ بِالْأَبْصَارِ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬3) ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ الْعِبَارَةِ فَإِلَى هَذَا يَعُودُ. وَقَدْ تَنَوَّعَتْ طُرُقُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ لَهُمْ أَنَّهُ يَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ مِنَ الْأَفْعَالِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا، وَنَازَعَهُمْ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا شَيْءٌ بِالْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ. ¬

(¬1) هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدْتُ نَفْيَهُ. . وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ (ص [0 - 9] 44) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَسَأُشِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬2) أ: الْمُفْرَدَةِ. (¬3) أ: الْمُنْفَرِدَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ نَازَعَهُمْ فِي هَذَا وَهَذَا، وَقَالَ: بَلْ لَا يَكُونُ هَذَا جِسْمًا وَلَا هَذَا جِسْمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ لَهُمْ أَنَّهُ جِسْمٌ، وَنَازَعَهُمْ فِي كَوْنِ الْقَدِيمِ لَيْسَ بِجِسْمٍ. وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لَفْظَ " الْجِسْمِ " فِيهِ مُنَازَعَاتٌ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ، وَالْمُنَازَعَاتُ (¬1) اللَّفْظِيَّةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْمَعَانِي الْعَقْلِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُنَازَعَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَمِثْلُ تَنَازُعِ النَّاسِ فِيمَا يُشَارُ إِلَيْهِ إِشَارَةً حِسِّيَّةً: هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬2) ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، أَوْ لَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ (¬3) وَمَنْ وَافَقَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬4) ، ثُمَّ جُمْهُورُ هَؤُلَاءِ قَالُوا: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جَوَاهِرَ مُتَنَاهِيَةٍ، وَقَالَ بَعْضُ (¬5) النُّظَّارِ: بَلْ مِنْ جَوَاهِرَ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ (¬6) . وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، ثُمَّ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ مَنْ طَرَدَ هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَجْسَامِ كَابْنِ ¬

(¬1) أ: وَالنِّزَاعَاتُ. (¬2) أ: الْمُنْفَرِدَةِ. (¬3) وَالْأَشْعَرِيَّةِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬4) أ: الْمُنْفَرِدَةِ. (¬5) بَعْضُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬6) سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشَاعِرَةِ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ (هَذَا الْكِتَابِ 1/212) . وَقَدْ بَحَثَ الْأُسْتَاذُ س. بِينِيسُ مَذْهَبَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ بِشَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ فِي كِتَابِهِ " مَذْهَبُ الذَّرَّةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ " تَرْجَمَةُ الْأُسْتَاذِ الدُّكْتُورِ مُحَمَّد عَبْدِ الْهَادِي أَبِي رِيدَةَ (الْقَاهِرَةِ، 1946) وَانْظُرْ بِوَجْهٍ خَاصٍّ ص 1 - 16. وَانْظُرْ تَعْرِيفَ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ فِي كَشَّافِ اصْطِلَاحَاتِ الْفُنُونِ، مَادَّةُ " الْجُزْءِ " ; الْكُلِّيَّاتِ لِأَبِي الْبَقَاءِ، مَادَّةُ " الْجَوْهَرِ ". وَانْظُرْ أَيْضًا عَنْ مَذْهَبِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ عِنْدَ الْمُكَلِّمِينَ: الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/223 - 236، أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص [0 - 9] 5 - 36 ; التَّمْهِيدَ لِلْبَاقِلَّانِيِّ، ص [0 - 9] 7 - 18 ; نِهَايَةَ الْإِقْدَامِ لِلشَّهْرَسْتَانِيِّ، ص 505 - 514 ; مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 2/4 - 18 ; الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ لِلرَّازِيِّ ص 253 - 264، حَيْدَرَ آبَادَ، 1353 ; الْمَبَاحِثَ الشَّرْقِيَّةَ لِلرَّازِيِّ 2/11 - 38 ; مَقَاصِدَ الْفَلَاسِفَةِ لِلْغَزَالِيِّ، ص 147 - 157، ط. الْمَعَارِفِ، 1961.

سِينَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ هَذَا فِي الْأَجْسَامِ الْعُنْصُرِيَّةِ دُونَ الْفَلَكِيَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَرِسْطُو وَالْقُدَمَاءِ. وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ لَا يَذْكُرُ إِلَّا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَلِهَذَا كَانَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إِلَّا هَذِهِ الْمُصَنَّفَاتِ لَا يَعْرِفُ إِلَّا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ وَأَكْثَرُ طَوَائِفِ النُّظَّارِ: أَنَّهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ إِمَامِ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهِشَامِيَّةِ، وَالنَّجَّارِيَّةِ (¬1) وَالضِّرَارِيَّةِ (¬2) . ¬

(¬1) النَّجَّارِيَّةِ هُمْ أَتْبَاعُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّجَّارِ، وَلَسْنَا نَعْرِفُ تَارِيخَ مَوْلِدِهِ وَوَفَاتِهِ وَلَكِنَّ ابْنَ النَّدِيمِ يَذْكُرُ فِي الْفِهْرِسْتِ (ص [0 - 9] 79) أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ الْعِلَّةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ عِنْدَمَا أَفْحَمَهُ النَّظَّامُ فِي جِدَالٍ جَرَى بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُعَاصِرًا لِلنَّظَّامِ الَّذِي تُوُفِّيَ حَوَالِي 231 عَلَى الْأَرْجَحِ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ يَعُدُّهُ مِنَ الْمُجْبِرَةِ إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ إِنَّهُ يُوَافِقُ الصِّفَاتِيَّةِ فِي خَلْقِ الْأَعْمَالِ، بَلْ يُذْكَرُ أَنَّهُ قَالَ بِالْكَسْبِ عَلَى حَسَبِ مَا يُثْبِتُهُ الْأَشْعَرِيُّ مِنْ بَعْدِهِ. وَالنَّجَارِيَّةِ يُوَافِقُونَ الْمُعْتَزِلَةَ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَفِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ وَاجِبَةٌ بِالْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ، وَيَعُدُّهُمُ الْأَشْعَرِيُّ مِنَ الْمُرْجِئَةِ، وَيَنْقُلُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ عَنِ الْكَعْبِيِّ قَوْلَهُ: إِنَّ النَّجَّارَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى بِكُلِّ مَكَانٍ وُجُودًا لَا عَلَى مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. انْظُرْ مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/199 - 200، 315 - 316 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/81 - 82 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 126 - 127 ; أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص 334 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 1 - 62 ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص 179 - 180 ; اللُّبَابَ لِابْنِ الْأَثِيرِ، 3/215 ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 2/276. (¬2) أ، ب: الصِّرَارِيَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالضِّرَارِيَّةِ هُمْ أَتْبَاعُ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو (انْظُرْ لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/203) وَحَفْصِ الْفَرْدِ (انْظُرْ لِسَانَ الْمِيزَانِ 2/330 - 331 ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 80) ، وَهُمْ يُشْبِهُونَ النَّجَّارِيَّةِ فِي الْكَثِيرِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فَهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ وَيَقُولُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ وَيُبْطِلُونَ الْقَوْلَ بِالتَّوَلُّدِ، وَلَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ انْظُرْ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/82 - 83 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 29 - 130 ; أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص [0 - 9] 39 - 340 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ ص [0 - 9] 2 - 63 ; مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/313 - 314 ; التَّنْبِيهَ وَالرَّدَّ لِلْمَلْطِيِّ، ص 43.

ثُمَّ هَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْتَهِي بِالتَّقْسِيمِ إِلَى جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ، كَقَوْلِ الشَّهْرَسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ لَا يَزَالُ قَابِلًا لِلِانْقِسَامِ إِلَى أَنْ يَصْغُرَ فَيَسْتَحِيلَ مَعَهُ (¬1) تَمْيِيزُ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ، مَعَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْكَلَامِ يَجْعَلُ إِثْبَاتَ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ هُوَ قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ نَفْيَهُ هُوَ قَوْلُ الْمُلْحِدِينَ. وَهَذَا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْرِفُوا مِنَ الْأَقْوَالِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا وَجَدُوهُ فِي كُتُبِ شُيُوخِهِمْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ فِي الدِّينِ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ، كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ (¬2) ; وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ¬

(¬1) أ، ب: مَعَ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ. (¬2) نَقْلَ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ " صَوْنِ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ عَنْ فَنِّ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ " عَنِ الْهَرَوِيِّ فِي كِتَابِهِ ذَمِّ الْكَلَامِ مَا أُورَدُهُ فِي بَابِ إِنْكَارِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ مَا أَحْدَثَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي الدِّينِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَلَامِ وَالشُّبَهِ وَالْمُجَادَلَةِ، وَمِمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ لِأَبِي يُوسُفَ (صَوْنِ الْمَنْطِقِ، ص [0 - 9] 0) وَلَكِنْ جَاءَ فِيهَا: مَنْ طَلَبَ الدِّينَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ، وَوَرَدَتْ نَفْسُ الْعِبَارَةِ قَبْلَ ذَلِكَ (ص [0 - 9] 7) مَنْسُوبَةً إِلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ.

وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ، وَيُقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ (¬1) وَكَقَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: عُلَمَاءُ الْكَلَامِ زَنَادِقَةٌ (¬2) ، وَقَوْلُهُ: مَا ارْتَدَى أَحَدٌ بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحُ (¬3) ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ. وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِينَ، بَلِ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ مُنْذُ خَلَقَ الْجَوَاهِرَ الْمُنْفَرِدَةَ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، لَا سَمَاءً وَلَا أَرْضًا، وَلَا حَيَوَانًا وَلَا نَبَاتًا، وَلَا مَعَادِنَ، وَلَا إِنْسَانًا وَلَا غَيْرَ إِنْسَانٍ، بَلْ إِنَّمَا يُحْدِثُ تَرْكِيبَ تِلْكَ الْجَوَاهِرِ الْقَدِيمَةِ فَيَجْمَعُهَا وَيُفَرِّقُهَا، فَإِنَّمَا يُحْدِثُ أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِتِلْكَ الْجَوَاهِرِ، لَا أَعْيَانًا قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا. فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ إِذَا خَلَقَ السَّحَابَ وَالْمَطَرَ وَالْإِنْسَانَ، وَغَيْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالنَّبَاتِ وَالثِّمَارِ، لَمْ يَخْلُقْ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا خَلَقَ أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِغَيْرِهَا. وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ وَالْعَقْلُ وَالْعِيَانُ، وَوُجُودُ جَوَاهِرَ لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْأَجْسَامِ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالْعَقْلِ وَالْحِسِّ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا إِلَّا ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ ¬

(¬1) وَرَدَ هَذَا الْكَلَامُ فِي الْمَرْجِعِ السَّابِقِ، ص [0 - 9] 5، وَلَكِنَّ فِيهِ: أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَيُحْمَلُوا عَلَى الْإِبِلِ. (¬2) وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي " صَوْنِ الْمَنْطِقِ "، ص 150، نَقْلًا عَنْ كِتَابِ " الِانْتِصَارِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ " لِأَبِي الْمُظَفَّرِ بْنِ السَّمْعَانِيِّ وَلَكِنَّ نَصَّهَا: أَئِمَّةُ الْكَلَامِ زَنَادِقَةٌ. (¬3) نَقْلَ السُّيُوطِيَّ عِبَارَةً مُشَابِهَةً لِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَنْ كِتَابِ " جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ " لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِيهَا: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُفْلِحُ صَاحِبُ الْكَلَامِ أَبَدًا. وَانْظُرْ صَوْنَ الْمَنْطِقِ ص [0 - 9] 36، جَامِعَ بَيَانِ الْعِلْمِ 2/95.

يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَجْسَامَ لَا يَسْتَحِيلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، بَلِ الْجَوَاهِرُ الَّتِي كَانَتْ مَثَلًا فِي الْأَوَّلِ هِيَ بِعَيْنِهَا بَاقِيَةٌ فِي الثَّانِي، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ أَعْرَاضُهَا. وَهَذَا خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ - أَئِمَّةُ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ - مِنِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِ الْأَجْسَامِ إِلَى بَعْضٍ، كَاسْتِحَالَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ بِالْمَوْتِ تُرَابًا، وَاسْتِحَالَةِ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَجْسَامِ النَّجِسَةِ مِلْحًا أَوْ رَمَادًا، وَاسْتِحَالَةِ الْعَذِرَاتِ تُرَابًا، وَاسْتِحَالَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا، ثُمَّ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَاسْتِحَالَةِ مَا يَأْكُلُهُ الْإِنْسَانُ وَيَشْرَبُهُ بَوْلًا وَدَمًا وَغَائِطًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّجَاسَةِ: هَلْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الِاسْتِحَالَةَ. وَمُثْبِتَةُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ قَدْ فَرَّعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَقَالَاتِ الَّتِي يَعْلَمُ الْعُقَلَاءُ فَسَادَهَا بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ، مِثْلَ تَفْلِيكِ الرَّحَى وَالدُّولَابِ وَالْفُلْكِ وَسَائِرِ الْأَجْسَامِ الْمُسْتَدِيرَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ (¬1) ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إِنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ يَفْعَلُ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ، وَمِثْلُ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ: ¬

(¬1) يَشْرَحُ الرَّازِيُّ فِكْرَةَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي كِتَابِهِ " الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ " فَيَقُولُ (262) : " إِذَا اسْتَدَارَ الْفَلَكُ اسْتِدَارَةً مَنْطِقِيَّةً اسْتَدَارَتْ جَمِيعُ الدَّوَائِرِ الْمُوَازِيَةِ لِتِلْكَ الْمِنْطَقَةِ - إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِذَا تَحَرَّكَتِ الْمِنْطَقَةُ جُزْءًا فَالدَّائِرَةُ الصَّغِيرَةُ الْقَرِيبَةُ مِنَ الْقُطْبِ الْمُوَازِيَةُ لِلْمِنْطَقَةِ إِنْ تَحَرَّكَتْ أَيْضًا جُزْءًا، لَزِمَ أَنَّ يَكُونَ مَدَارُ تِلْكَ الدَّائِرَةِ الصَّغِيرَةِ مُسَاوِيًا لِمِقْدَارِ الْمِنْطَقَةِ، هَذَا خَلْفٌ. وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ أَلْبَتَّةَ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ وُقُوعُ التَّفَكُّكِ فِي أَجْزَاءِ الْفَلَكِ. . وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ يَفْرِضُونَهُ فِي حَرَكَةِ الرَّحَى وَيُلْزِمُونَ عَلَيْهِ تَفَكُّكَ أَجْزَاءِ الرَّحَى، وَالْمُتَكَلِّمُونَ يَلْتَزِمُونَهُ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَاعِلٌ مُخْتَارٌ فَهُوَ يُفَكِّكُ أَجْزَاءَ الرَّحَى حَالَ اسْتِدَارَتِهَا، ثُمَّ يُعِيدُ التَّأْلِيفَ وَالتَّرْكِيبَ إِلَيْهَا حَالَ وُقُوفِهَا ". وَانْظُرْ أَيْضًا شَرْحَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ لِهَذِهِ الْفِكْرَةِ فِي: مَجْمُوعَةِ تَفْسِيرِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ (ط. بُمْبَايَ 1374/1954) ص 214.

إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ فَجَمِيعُ جَوَاهِرِهِ بَاقِيَةٌ قَدْ تَفَرَّقَتْ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِعَادَةِ يَجْمَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَلِهَذَا صَارَ كَثِيرٌ مِنْ حُذَّاقِهِمْ إِلَى التَّوَقُّفِ فِي آخِرِ أَمْرِهِمْ، كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ (¬1) وَأَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْغَزَالِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ النُّظَّارِ الَّذِينَ تَبَيَّنَ لَهُمْ فَسَادُ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ، يَذُمُّونَ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَحْسَنَ أَمْرِهِمُ الشَّكُّ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ وَافَقُوهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا قَالُوهُ مِنَ الْبَاطِلِ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِتَرْكِيبِ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬2) الْمَحْسُوسَةِ أَوِ الْجَوَاهِرِ الْمَعْقُولَةِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَكَذَلِكَ مَا يُثْبِتُهُ الْمَشَّاءُونَ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ: كَالْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ الْمُجَرَّدَةِ، كَالْمَادَّةِ وَالْمُدَّةِ وَالْمُثُلِ الْأَفْلَاطُونِيَّةِ، وَالْأَعْدَادِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي يُثْبِتُهَا - أَوْ بَعْضَهَا - كَثِيرٌ مِنَ الْمَشَّائِينَ أَتْبَاعِ فِيثَاغُورْسَ وَأَفْلَاطُونَ (¬3) وَأَرِسْطُو. وَإِذَا حَقَّقَ الْأَمْرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ لِمَا أَثْبَتُوهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ وُجُودٌ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَهَذَا لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ (¬4) ، وَهَذَا الْمُصَنَّفُ لَمْ يَذْكُرْ لِقَوْلِهِ إِلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، فَلِذَلِكَ لَمْ نَبْسُطِ الْقَوْلَ فِيهِ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ آخِرَ مَا يُنْتَهَى إِلَيْهِ أَصْلُ هَؤُلَاءِ - الَّذِي ¬

(¬1) أ، ب: كَأَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ: الْمُنْفَرِدَةِ. (¬3) أ: وَأَفْلَاطُنْ. (¬4) لِابْنِ تَيْمِيَّةَ كِتَابُ " إِبْطَالُ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ بِإِثْبَاتِ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ " ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ مِنْ مَنَاقِبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَّةَ، ص 36 ; ابْنِ الْجَوْزِيَّةِ: أَسْمَاءُ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، ص [0 - 9] 0. وَهَذَا الْكِتَابُ مِنْ كُتُبِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْمَفْقُودَةِ.

نَفَوْا بِهِ مَا ثَبَتَ (¬1) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ، بَلْ وَلَمَّا ثَبَتَ بِالْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي اشْتَرَكَ فِيهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْفِطَرِ الَّتِي لَمْ تَفْسُدْ فِطْرَتُهُمْ بِمَا تَلَقَّنُوهُ مِنَ الْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ وَلَمَّا ثَبَتَ بِالْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ - فَالَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ أَصْلُهُمْ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّصِفًا بِالصِّفَاتِ، أَوْ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ، وَمُرِيدًا بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَةِ الْحِسِّيَّةِ، وَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ (مُمْكِنَةً) فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ (¬2) ، لَكَانَ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ: الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَهَذَا التَّلَازُمُ بَاطِلٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ فِيمَا نُشَاهِدُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَرُونَ الْكَوَاكِبَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَجْسَامِ، وَهِيَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا التَّلَازُمَ حَقٌّ، فَلَيْسَ فِي حُجَجِهِمْ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ يُوجِبُ انْتِفَاؤُهَا اللَّازِمَ، بَلْ كُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ تَطْعَنُ فِي حُجَجِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ وَتُبَيِّنُ فَسَادَهَا، فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحْدَثٌ. وَمُنَازِعُوهُمْ يَطْعَنُونَ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَيُبَيِّنُونَ فَسَادَهُمَا، وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَجْزَائِهِ، وَأَجْزَاؤُهُ غَيْرُهُ، فَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَمُنَازِعُوهُمْ يُثْبِتُونَ فَسَادَ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَالْمَعَانِي الْمُتَشَابِهَةِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَلِهَذَا يَقُولُ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْعُقَلَاءِ الْعَارِفِينَ بِحَقِيقَةِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ: ¬

(¬1) أ: مَا يَثْبُتُ. (¬2) أ، ب: مِنَ الْإِرَادَةِ الْحِسِّيَّةِ وَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ. . . إِلَخْ. وَرَدَتْ كَلِمَةُ (مُمْكِنَةً) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ.

إِنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي يُثْبِتُهُ هَؤُلَاءِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَلِهَذَا لَمَّا بَنَى (¬1) الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، كَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي ادَّعَوْا فِيهِ مَا ادَّعَوْا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ يَمْتَنِعُ (¬2) وُجُودُهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ كَمَا يُقَدَّرُ سَائِرُ الْمُمْتَنِعَاتِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ لَمَّا أَثْبَتُوا وَاحِدًا لَا يَتَّصِفُ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ، كَانُوا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ، إِنَّمَا تَوْحِيدُهُمْ تَعْطِيلٌ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ الْخَالِقِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَثْبَتُوهُ فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ، جَمَعُوا بَيْنَ مَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ وَمَا يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتُهُ. وَلِهَذَا وَصَفَهُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ بِالتَّعْطِيلِ، وَأَنَّهُمْ دَلَّاسُونَ وَلَا يُثْبِتُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْبُدُونَ شَيْئًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، مِثْلَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ (¬3) وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ (¬4) وَحَمَّادِ ¬

(¬1) أ: بَيَّنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ: وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ. (¬3) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَاجِشُونُ. فَقِيهٌ وَمِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 164. تَرْجَمْتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/343 - 344 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1 - 207 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/259 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 10/436 - 439 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/414 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/145 - 146. (¬4) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ وَاضِحٍ الْمَرْوَزِيُّ بْنُ حَنْظَلَةَ، الْحَافِظُ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وُلِدَ سَنَةَ 118 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 181 وَقِيلَ سَنَةَ 182. تَرْجَمْتُهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/253 - 257 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 10/152 - 169 ; وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 2/237 - 239 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/372 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/256.

التعليق على قوله ولا في مكان

بْنِ زَيْدٍ (¬1) وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (¬2) وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ *) (¬3) وَلَا بُدَّ لِلدَّعْوَى مِنْ دَلِيلٍ. [التعليق على قوله ولا في مكان] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " وَلَا (¬4) فِي مَكَانٍ " (¬5) . فَقَدْ يُرَادُ بِالْمَكَانِ (¬6) مَا يَحْوِي الشَّيْءَ وَيُحِيطُ بِهِ (¬7) ، [وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَسْتَقِرُّ الشَّيْءُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا كَانَ الشَّيْءُ فَوْقَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ] (¬8) ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا فَوْقَ [الْعَالَمِ] (¬9) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَوْجُودًا. ¬

(¬1) حَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ دِرْهَمِ الْأَزْدِيُّ الْجَهْضَمِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ، شَيْخُ الْعِرَاقِ فِي عَصْرِهِ، وُلِدَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ 98 وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ 179. تَرْجَمْتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/9 - 11 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/212 ; تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ 1/167 - 168 ; الْأَعْلَامِ 2/301. (¬2) مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَرْقَدِ الشَّيْبَانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي نَشَرَ عِلْمَ أَبِي حَنِيفَةَ، وُلِدَ سَنَةَ 131 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 189. تَرْجَمْتُهُ فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 27 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/121 - 122 ; وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 3/324 - 325 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 2/172 - 182 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/336 - 337، الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 6/309. (¬3) هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدْتُ نَفْيَهُ. . وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ: هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ فِي نُسْخَةِ (ن) وَقَدْ بَدَأَ ص 135. وَيَبْدَأُ الْكَلَامُ فِي (ن) بَعْدَ هَذَا السَّقْطِ كَمَا يَلِي: قِيلَ لَهُ: لَا بُدَّ لِلدَّعْوَى مِنْ دَلِيلٍ. . إِلَخْ. (¬4) ن، م: لَا. (¬5) وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ - كَمَا أَشَرْتُ مِنْ قَبْلُ - فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " 82 (م) ، وَفِي هَذِهِ الطَّبْعَةِ مِنْ " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ " 2/98 - 102. (¬6) ن، م: بَالْجِسْمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن، م: وَيَخْتَلِطُ بِهِ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) الْعَالَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الكلام على قوله وإلا لكان محدثا

فَإِنْ قِيلَ: هُوَ فِي مَكَانٍ بِمَعْنَى (¬1) إِحَاطَةِ غَيْرِهِ بِهِ وَافْتِقَارِهِ إِلَى غَيْرِهِ. فَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْغَيْرِ وَإِحَاطَةِ الْغَيْرِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَكَانِ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ وَمَا هُوَ الرَّبُّ فَوْقَهُ؛ قِيلَ: [إِذَا لَمْ يَكُنْ] (¬2) إِلَّا خَالِقٌ أَوْ مَخْلُوقٌ، وَالْخَالِقُ بَائِنٌ مِنَ الْمَخْلُوقِ (¬3) ، كَانَ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ. وَإِذَا قَالَ [الْقَائِلُ] (¬4) : هُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ (¬5) بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهُ ; فَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ سَوَاءً: سَمَّيْتَ ذَلِكَ مَكَانًا أَوْ لَمْ تُسَمِّهِ. وَإِذَا عُرِفَ الْمَقْصُودُ فَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (¬6) مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ (¬7) الْمُطَابِقُ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ. [الكلام على قوله وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا] [الرد على دليل الرافضة والمعتزلة] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا " فَمَضْمُونُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا أَوْ فِي مَكَانٍ لَكَانَ مُحْدَثًا. [فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ بَيَّنَّا مَا يُنْفَى عَنْهُ مِنْ مَعَانِي الْجِسْمِ وَالْمَكَانِ، وَبَيَّنَّا مَا لَا يَجُوزُ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَإِنْ سَمَّاهُ بَعْضُ النَّاسِ جِسْمًا وَمَكَانًا، لَكِنْ مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُحْدَثًا] (¬8) وَأَنْتَ (¬9) لَمْ تَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ؟ ¬

(¬1) ن، م: هُوَ فِي الْمَعْنَى بِمَعْنَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: وَلَا مَخْلُوقَ بَائِنٌ مِنَ الْخَالِقِ. (¬4) الْقَائِلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: فَوْقَ عَرْشِهِ. (¬6) وَالْجَمَاعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: الْمَعْقُولُ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬9) ن: فَأَنْتَ ; م: قُلْتَ.

وَكَأَنَّهُ (¬1) اكْتَفَى بِالدَّلِيلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يَذْكُرُهُ [سَلَفُهُ] وَشُيُوخُهُ (¬2) الْمُعْتَزِلَةُ: مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَمَا لَمْ يَخْلُ (¬3) عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. ثُمَّ يَقُولُونَ: وَلَوْ [كَانَ] قَامَ بِهِ (¬4) عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَحَيَاةٌ وَكَلَامٌ (¬5) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ لَكَانَ جِسْمًا. وَهَذَا الدَّلِيلُ عَنْهُ (¬6) جَوَّابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ [لَهُ: هُوَ] عِنْدَكَ (¬7) حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ بِجِسْمٍ عِنْدَكَ، مَعَ أَنَّكَ لَا تَعْلَمُ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا (¬8) إِلَّا جِسْمًا فَإِنْ كَانَ قَوْلُكَ (¬9) حَقًّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ وَقُدْرَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ عَالِيًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ. فَإِنْ قُلْتَ: لَا أَعْقِلُ مُبَايِنًا عَالِيًا إِلَّا جِسْمًا؛ قِيلَ لَكَ: وَلَا يُعْقَلُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ إِلَّا جِسْمٌ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُسَمَّى (¬10) بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ، أَمْكَنَ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَإِلَّا فَلَا ; لِأَنَّ الِاسْمَ (¬11) مُسْتَلْزِمٌ لِلصِّفَةِ. ¬

(¬1) ن، م: فَكَأَنَّهُ. (¬2) ن، م: الَّذِي يَذْكُرُهُ شُيُوخُهُ. (¬3) ن، م: وَمَا لَا يَخْلُو. (¬4) ن، م: وَلَوْ قَامَ بِهِ. (¬5) وَكَلَامٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: فَهَذَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ. (¬7) ن، م: أَنْ يُقَالَ عِنْدَكَ. (¬8) ن، م: عَالِمًا قَادِرًا. (¬9) ن، م: قَوْلُهُ. (¬10) ن، م: أَنْ يُسَمَّى. (¬11) ن، م: الْجِسْمَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَالَمِ لَكَانَ جِسْمًا، وَلَكَانَ إِمَّا أَكْبَرَ مِنَ الْعَالَمِ وَإِمَّا أَصْغَرَ وَإِمَّا مُسَاوِيًا لَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ. فَإِذَا قَالَ النَّافِي (¬1) : قَوْلُ هَؤُلَاءِ مَعْلُومٌ فَسَادُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، قِيلَ لَهُ: فَأَنْتَ تَقُولُ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْعَالَمِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ، وَلَا مُبَايِنٍ لَهُ وَلَا مُحَايِثٍ (¬2) لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَقْرُبُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَبْعُدُ مِنْهُ شَيْءٌ، [وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ] (¬3) وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ الَّذِي إِذَا عَرَضَ عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ جَزَمَتْ جَزْمًا قَاطِعًا أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ وَأَنَّ وُجُودَ مِثْلِ هَذَا مُمْتَنِعٌ، وَكَانَ جَزْمُهَا بِبُطْلَانِ هَذَا أَقْوَى مِنْ جَزْمِهَا بِبُطْلَانِ كَوْنِهِ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ. فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مَقْبُولًا وَجَبَ بُطْلَانُ مَذْهَبِكَ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا بَطَلَ رَدُّكَ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ الْحَاكِمَةَ بِامْتِنَاعِ هَذَا هِيَ الْحَاكِمَةُ بِامْتِنَاعِ هَذَا، فَيَمْتَنِعُ قَبُولُ حُكْمِهَا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ. وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ النُّفَاةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحُكْمَ بِهَذَا الْمَنْعِ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْمَرْدُودِ لَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ الْمَقْبُولِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْوَهْمَ هُوَ أَنْ يُدْرَكَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ (¬4) مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، كَمَا تُدْرِكُ الشَّاةُ عَدَاوَةَ الذِّئْبِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : فَإِذَا قَالَ لَنَا. (¬2) ن، م: مُجَانِبٍ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: فِي الْمَحْسُوسِ.

وَتُدْرِكُ السَّخْلَةُ (¬1) صَدَاقَةُ أُمِّهَا، وَيَقُولُونَ: الْحُكْمُ الْفِطْرِيُّ الْمَوْجُودُ فِي قُلُوبِ بَنِي آدَمَ، بِامْتِنَاعِ وُجُودِ مِثْلِ هَذَا هُوَ حُكْمُ الْوَهْمِ لَا حُكْمَ الْعَقْلِ (¬2) ، فَإِنَّ حُكْمَ الْوَهْمِ إِنَّمَا يُقْبَلُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ لَا فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ (¬3) . فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَقَوْلُكُمْ: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ هُوَ أَيْضًا مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ عِنْدَكُمْ، وَكَذَلِكَ حُكْمُهُ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُرَى (¬4) فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِجِهَةٍ مِنَ الرَّائِي هُوَ حُكْمُ الْوَهْمِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَدَّعُونَ امْتِنَاعَهُ عَلَى الرَّبِّ [هُوَ] (¬5) مِثْلَ دَعْوَى امْتِنَاعِ كَوْنِهِ لَا مُبَايِنًا وَلَا مُحَايِثًا (¬6) ، فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْفِطْرَةِ بِهَذَا الِامْتِنَاعِ مَقْبُولًا فِي ¬

(¬1) فِي اللِّسَانِ: السَّخْلَةُ وَلَدُ الشَّاةِ مِنَ الْمَعَزِ وَالضَّأْنِ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. . أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ لِوَلَدِ الْغَنَمِ سَاعَةَ تَضَعُهُ أُمُّهُ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعِزِ جَمِيعًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، سَخْلَةٌ. (¬2) ن: الْفِعْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) يُعَرِّفُ ابْنُ سِينَا فِي كِتَابِهِ النَّجَاةِ (ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 63، نَشْرُ مُحْيِي الدِّينِ الْكُرْدِيِّ، الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ 1357/1938) الْقُوَّةَ الْوَهْمِيَّةَ بِقَوْلِهِ: " ثُمَّ الْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي نِهَايَةِ التَّجْوِيفِ الْأَوْسَطِ مِنَ الدِّمَاغِ تُدْرِكُ الْمَعَانِيَ الْغَيْرَ مَحْسُوسَةٍ الْمَوْجُودَةَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ الْجُزْئِيَّةِ كَالْقُوَّةِ الْحَاكِمَةِ بِأَنَّ الذِّئْبَ مَهْرُوبٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْوَلَدَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ ". وَانْظُرْ كِتَابَ الشِّفَاءِ، الْقِسْمَ الْخَاصَّ بِالنَّفْسِ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 60 - 161، 177 - 179، نَشْرُ يَانْ بَاكُوش، طَبْعُ الْمَجْمَعِ الْعِلْمِيِّ التِّشِكُوسْلُوفَاكِيِّ، بَرَاغ، 1956 مَبْحَثٌ عَنِ الْقُوَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ، ضِمْنَ مَجْمُوعَةٍ بِعُنْوَانِ: أَحْوَالُ النَّفْسِ، نَشَرَهَا الدُّكْتُورُ أَحْمَد فُؤَاد الْأَهْوَانِي، ص [0 - 9] 66 - 167، الْقَاهِرَةِ، 1952. (¬4) ن: كُلَّ مَنْ لَا يُرَى ; م: كُلَّ مَا لَا يُرَى، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ. (¬5) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ن، م: مُجَانِبًا.

شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُبِلَ فِي نَظِيرِهِ، وَإِلَّا فَقَبُولُهُ فِي أَحَدِ الْمُتَمَاثِلِينَ وَرَدُّهُ فِي الْآخَرِ تَحَكُّمٌ. وَهَؤُلَاءِ بَنَوْا كَلَامَهُمْ عَلَى أُصُولٍ مُتَنَاقِضَةٍ، فَإِنَّ الْوَهْمَ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ فِي النَّفْسِ تُدْرِكُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، وَهَذَا الْوَهْمُ لَا يُدْرِكُ إِلَّا مَعْنًى جُزْئِيًّا لَا كُلِّيًّا كَالْحِسِّ وَالتَّخَيُّلِ، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْكُلِّيَّةُ فَهِيَ عَقْلِيَّةٌ، فَحُكْمُ الْفِطْرَةِ بِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودَيْنِ إِمَّا مُتَحَايِثَانِ (¬1) وَإِمَّا مُتَبَايِنَانِ، وَبِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعْدُومًا، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَا هُوَ كَذَلِكَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَحْكَامٌ كُلِّيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ، لَيْسَتْ أَحْكَامًا جُزْئِيَّةً شَخْصِيَّةً فِي جِسْمٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهَا مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: [إِنَّ] (¬2) حُكْمَ الْوَهْمِ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُدْرِكُ مَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوسَةً، أَيْ: لَا يُمْكِنُ إِحْسَاسُهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ أَوْ تُمْكِنُ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ، [فَسَلَفُ الْأُمَّةِ] (¬3) وَأَئِمَّتُهَا وَجُمْهُورُ نُظَّارِهَا وَعَامَّتُهَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَرُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَسَائِرِ مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا رُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ (¬4) الَّتِي يُسَمِّيهَا هُوَ (¬5) الْمُجَرَّدَاتِ ¬

(¬1) ن، م: مُتَجَانِبَانِ. (¬2) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) فَسَلَفُ الْأُمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا رُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ. . إِلَخْ. (¬5) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

وَالنُّفُوسَ وَالْعُقُولَ، فَهُوَ يَدَّعِي وُجُودَ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ بِحَالٍ. فَإِذَا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِالْقَضَايَا الْفِطْرِيَّةِ الَّتِي تُحْكَمُ بِهَا الْفِطْرَةُ كَمَا تُحْكَمُ بِسَائِرِ الْقَضَايَا الْفِطْرِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حُكْمُ الْوَهْمِ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، فَلَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّ الْوَهْمَ إِنَّمَا يُدْرِكُ مَا فِي الْمَحْسُوسِ ; فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: إِنَّمَا يَثْبُتُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى وَيُحَسَّ بِهِ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ إِذَا ثَبَتَ وُجُودُ مَوْجُودٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى وَيُحَسَّ بِهِ، وَأَنْتَ لَمْ تُثْبِتْ هَذَا الْمَوْجُودَ، إِلَّا بِدَعْوَاكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ، وَلَمْ تُثْبِتْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ (¬1) إِلَّا بِدَعْوَاكَ وُجُودَ هَذَا الْمَوْجُودِ، فَصَارَ حَقِيقَةَ قَوْلِكَ دَعْوًى مُجَرَّدَةً بِلَا دَلِيلٍ. فَإِذَا ثَبَتَ امْتِنَاعُ رُؤْيَتِهِ بِإِبْطَالِ هَذَا الْحُكْمِ، كَانَ هَذَا دَوْرًا مُمْتَنِعًا، وَكُنْتَ قَدْ جَعَلْتَ الشَّيْءَ مُقَدِّمَةً فِي إِثْبَاتِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَكَ: لَمْ تُثْبِتْ إِمْكَانَ وُجُودِ غَيْرِ مَحْسُوسٍ إِنْ لَمْ تُثْبِتْ بُطْلَانَ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَا تُثْبِتُ بُطْلَانَهُ إِنْ لَمْ تُثْبِتْ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا الْإِحْسَاسُ بِهِ. فَإِذَا قُلْتَ: الْوَهْمُ يُسَلِّمُ (¬2) مُقَدِّمَاتٍ تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ هَذَا، قِيلَ لَكَ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مُقَدِّمَةً مُسْتَلْزَمَةً لِهَذَا أَصْلًا، بَلْ جَمِيعُ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ ثُبُوتُ إِمْكَانِ هَذَا، وَإِمْكَانُ وُجُودِ مَا لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَلَا يُشَارُ إِلَيْهِ، مُقَدِّمَاتٌ مُتَنَازَعٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، لَيْسَ فِيهَا مُقْدِمَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً أَوْ حِسِّيَّةً يُسَلِّمُهَا الْوَهْمُ. ¬

(¬1) ن، م: وَلَمْ يُثْبَتْ بِهِ بَاطِلٌ. (¬2) أ: يَسْتَلْزِمُ.

ثُمَّ يُقَالُ لَكَ: إِذَا جَوَّزْتَ أَنْ يَكُونَ فِي الْفِطْرَةِ حَاكِمَانِ بَدِيهِيَّانِ: أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ بَاطِلٌ، وَالْآخَرُ حُكْمُهُ حَقٌّ، لَمْ يُوَثَّقْ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْفِطْرَةِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْحَقِّ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْحُكْمِ الْبَاطِلِ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى تُعْرَفَ الْمُقَدِّمَاتُ الْبَدِيهِيَّةُ الْفِطْرِيَّةُ، الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ بَاطِلٌ، فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا (¬1) أَنْ لَا يُعْرَفَ شَيْءٌ بِحُكْمِ الْفِطْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْحَقُّ حَتَّى يُعْرَفُ الْبَاطِلُ، وَلَا يُعْرَفُ الْبَاطِلُ حَتَّى يُعْرَفَ الْحَقُّ، فَلَا يُعْرَفُ الْحَقُّ بِحَالٍ. وَأَيْضًا، فَالْأَقْيِسَةُ الْقَادِحَةُ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْفِطْرِيَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ أَقْيِسَةٌ نَظَرِيَّةٌ، وَالنَّظَرِيَّاتُ مُؤَلَّفَةٌ مِنَ الْبَدِيهِيَّاتِ، فَلَوْ جَازَ الْقَدْحُ فِي الْبَدِيهِيَّاتِ بِالنَّظَرِيَّاتِ لَزِمَ فَسَادُ الْبَدِيهِيَّاتِ وَالنَّظَرِيَّاتِ، فَإِنَّ فَسَادَ الْأَصْلِ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ فَرْعِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ سَوَّغَ الْقَدْحَ فِي الْقَضَايَا الْبَدِيهِيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ [الْفِطْرِيَّةِ بِقَضَايَا] نَظَرِيَّةٍ (¬2) ، فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ بَلْ وَالسَّمْعِيَّةِ. وَأَيْضًا لَفْظُ " الْوَهْمِ " فِي اللُّغَةِ الْعَامَّةِ يُرَادُ بِهِ الْخَطَأُ، وَأَنْتَ أَرَدْتَ بِهِ قُوَّةً تُدْرِكُ مَا فِي الْأَجْسَامِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوسَةً، وَحِينَئِذٍ فَالْحَاكِمُ بِهَذَا الِامْتِنَاعِ إِنْ كَانَ حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِ جِسْمٍ فَلَيْسَ هُوَ الْوَهْمَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا حَكَمَ بِهِ فِي جِسْمٍ فَحُكْمُهُ صَادِقٌ فِيهِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُ الْوَهْمِ فِيمَا لَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ فِيهِ؟ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا تَحْكُمُ بِهِ (¬3) الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ مِنَ الْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الْمَعْلُومَةِ ¬

(¬1) ن، م: فَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا. . (¬2) ن (فَقَطْ) : الْبَدِيهِيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ النَّظَرِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، م: مَا لَا تَحْكُمُ بِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

لَهَا، لَيْسَ فِيهَا مَا يَحْصُلُ (¬1) بَعْضُهُ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْبَاطِلِ، وَبَعْضُهُ مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ الصَّادِقِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْبَاطِلِ إِذَا عُرِفَ بُطْلَانُهُ، فَأَمَّا أَنْ يَدَّعِيَ بُطْلَانَهُ بِدَعْوَى كَوْنِهِ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ، فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، [وَبَسْطُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ] (¬2) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْمُبْتَدِعَ وَأَمْثَالَهُ مِنْ نُفَاةِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالرَّافِضَةِ [وَغَيْرِهِمْ] (¬3) ، لَا يَعْتَمِدُونَ فِيمَا يَقُولُونَهُ عَلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ لَا سَمْعِيٍ وَلَا عَقْلِيٍّ. أَمَّا السَّمْعِيَّاتُ فَلَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ [لَا قَطْعًا وَلَا ظَاهِرًا] (¬4) ، وَلَكِنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى نَقِيضِ (¬5) قَوْلِهِمْ، وَدَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَادِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَلِهَذَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (¬6) الدَّهْرِيَّةَ الْمُنْكِرُونَ لِلْقِيَامَةِ وَلِمَعَادِ الْأَبْدَانِ، وَقَالُوا: إِذَا جَازَ لَكُمْ أَنْ تَتَأَوَّلُوا مَا وَرَدَ فِي الصِّفَاتِ، جَازَ لَنَا أَنْ نَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ فِي الْمَعَادِ، وَقَدْ أَجَابُوهُمْ بِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا ذَلِكَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ. ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : مَا يَحْكُمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: بَعْضِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) أ، ب: وَلِهَذَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ ; م: وَلِهَذَا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ لَهُمْ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ: وَهَكَذَا الْعِلْمُ بِالصِّفَاتِ (¬1) فِي الْجُمْلَةِ هُوَ مِمَّا يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مَجِيِءُ الرَّسُولِ بِهِ، وَذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَعْظَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ وَالْمَعَادِ، مَعَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ لَمْ تَكُنْ تُنَازِعُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ تُنَازِعُ فِي الْمَعَادِ، مَعَ أَنَّ التَّوْرَاةَ مَمْلُوءَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ الرَّسُولُ عَلَى الْيَهُودِ كَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّفُوهُ وَمَا وَصَفُوا بِهِ الرَّبَّ مِنَ النَّقَائِصِ كَقَوْلِهِمْ: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 181] ، وَ {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 64] [وَنَحْوِ ذَلِكَ] (¬2) ، وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ (¬3) أَظْهَرُ فِي السَّمْعِ وَالْعَقْلِ مِنَ الْمَعَادِ، فَإِذَا كَانَتْ نُصُوصُ الْمَعَادِ لَا [يَجُوزُ] (¬4) تَحْرِيفُهَا فَهَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (¬5) . وَالْجَوَابُ الثَّانِي: (¬6) أَنْ يُقَالَ: هَذَا الدَّلِيلُ قَدْ عُرِفَ ضَعْفُهُ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا الْحَادِثُ لَيْسَ بِدَائِمٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَائِمٍ بَاقٍ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَوْعُ الْحَوَادِثِ لَيْسَتْ بِدَائِمَةٍ (¬7) بَاقِيَةٍ كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا الْحَادِثُ لَيْسَ بِبَاقٍ، [وَهَذَا الْحَادِثُ لَيْسَ بِبَاقٍ] (¬8) ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَوْعُ الْحَوَادِثِ لَيْسَ بِبَاقٍ. ¬

(¬1) ب: فَيُقَالُ لَهُمْ: وَهَكَذَا الْإِثْبَاتُ وَكَذَا الْعِلْمُ بِالصِّفَاتِ ; أ: مِثْلُ نُسْخَةِ (ب) إِلَّا أَنَّ فِيهَا. فَقَالَ لَهُمْ. . . إِلَخْ. وَأَمَّا الْمُثْبَتُ فَهُوَ عَنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَنَحْوِ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: عَلَى أَنَّهُ. (¬4) يَجُوزُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: فِي مَوْضِعِهَا. (¬6) بَدَأَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ عَلَى دَلِيلِ الرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ص 146. (¬7) أ، ب: دَائِمَةً. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. وَفِي (أ) ، (ب) : وَهَذَا لَيْسَ بِبَاقٍ.

بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ دَائِمَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي الْكِتَابِ (¬1) وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجُمْهُورِهَا (¬2) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 35] ، وَالْمُرَادُ دَوَامُ نَوْعِهِ (¬3) ، لَا دَوَامُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ. قَالَ تَعَالَى: {لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 21] ، وَالْمُقِيمُ هُوَ نَوْعُهُ. وَقَالَ: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [سُورَةُ ص: 54] ، وَالْمُرَادُ أَنَّ نَوْعَهُ لَا يَنْفَدُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ يَنْفَدُ، أَيْ: يَنْقَضِي وَيَنْصَرِمُ (¬4) . وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ. وَهَذَا الدَّلِيلُ هُوَ أَصْلُ الْكَلَامِ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلْفُ وَعَابُوهُ ; لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ بَاطِلًا لَا يُقِيمُ حَقًّا وَلَا يَهْدِمُ بَاطِلًا، [وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُوثِ] (¬5) . وَتَمَامُ كَشْفِ (¬6) ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ فِي: الْوَجْهِ الْخَامِسِ (¬7) : إِنَّ النَّاسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيُصَدِّقُوهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَيُطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَ فَهَذَا أَصِلُ السَّعَادَةِ وَجِمَاعُهَا. ¬

(¬1) ن، م، أ: بِالْكِتَابِ. (¬2) ن، م: وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ. (¬3) ن، م: دَوَامُ وُقُوعِهِ. (¬4) أ، ب: وَيَتَصَرَّمُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) كَشْفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) الْوَجْهِ الْخَامِسِ: كَذَا فِي (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَيَبْدُو أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَصِلُ كَلَامَهُ هُنَا أَوَّلَ كَلَامِهِ فِي الْوَجْهِ الْخَامِسِ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي رَدَّ بِهَا عَلَى الْقِسْمِ السَّابِقِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ (ص [0 - 9] 7 - 99) وَأَوَّلُ الْوَجْهِ الْخَامِسِ فِي ص [0 - 9] 02 مِنْ هَذَا الْجُزْءِ.

وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ يُقَرِّرُ هَذَا الْأَصْلَ قَالَ تَعَالَى: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 1 - 5] ، فَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانَهُ بِالْهُدَى وَالْفَلَاحِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَوْصُوفِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سُورَةُ طه: 123 - 126] ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى الَّذِي أَتَانَا مِنْهُ، وَهُوَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي أَنْزَلَهُ، وَهُوَ كُتُبَهُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رُسُلَهُ (¬1) ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} . وَالذِّكْرُ مَصْدَرٌ يُضَافُ تَارَةً (¬2) إِلَى الْفَاعِلِ وَتَارَةً إِلَى الْمَفْعُولِ، كَمَا يُقَالُ: دَقَّ الثَّوْبُ، وَدَقَّ الْقَصَّارُ (¬3) ، وَيُقَالُ (¬4) : أَكْلُ زَيْدٍ، وَأَكْلُ الطَّعَامِ، ¬

(¬1) ن: الَّتِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ ; م: الَّذِي بُعِثَ بِهَا الرُّسُلُ. (¬2) أ، ب: تَارَةً يُضَافُ. (¬3) قَصَرَ الثَّوْبَ وَقَصَّرَهُ (بِتَضْعِيفِ الصَّادِ) قِصَارَةً وَقَصْرًا حَوَّرَهُ وَدَقَّهُ بِالْقَصَرَةِ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْخَشَبِ، وَفَاعِلُ ذَلِكَ الْقَصَّارُ (انْظُرِ: اللِّسَانَ) . (¬4) ن: نَقُولُ ; م: وَنَقُولُ.

الإثبات المفصل لصفات الكمال والنفي المجمل لصفات النقص

وَيُقَالُ: ذِكْرُ اللَّهِ أَيْ: ذِكْرُ الْعَبْدِ لِلَّهِ (¬1) ، وَيُقَالُ: ذِكْرُ اللَّهِ أَيْ: ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي ذِكْرُهُ هُوَ مِثْلُ ذِكْرِهِ عَبْدَهُ (¬2) ، وَمِثْلُ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ (¬3) ذِكْرُهُ. وَقَدْ يُضَافُ الذِّكْرُ إِضَافَةَ الْأَسْمَاءِ الْمَحْضَةِ، فَقَوْلُهُ: {ذِكْرِي} إِنْ أُضِيفَ إِضَافَةَ الْمَصَادِرِ كَانَ (¬4) الْمَعْنَى: الذِّكْرَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ، وَهُوَ كَلَامُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ، وَإِنْ أُضِيفَ إِضَافَةَ الْأَسْمَاءِ الْمَحْضَةِ، فَذِكْرُهُ هُوَ مَا اخْتُصَّ بِهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَالْقُرْآنُ مِمَّا (¬5) اخْتُصَّ بِهِ مِنَ الذِّكْرِ. قَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 50) وَقَالَ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 2] ، وَقَالَ: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [سُورَةُ يس: 69] ، وَقَالَ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 44] ، وَقَالَ فِيمَا يَذْكُرُهُ مِنْ (¬6) ضَمَانِ الْهُدَى وَالْفَلَاحِ لِمَنِ اتَّبَعَ الْكِتَابَ وَالرَّسُولَ: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 157] ، وَقَالَ: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 1] ، وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ. [الإثبات المفصل لصفات الكمال والنفي المجمل لصفات النقص] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعَثَ الرُّسُلَ بِمَا يَقْتَضِي الْكَمَالَ مِنْ ¬

(¬1) أ، ب: ذِكْرُ الْعَبْدِ اللَّهَ ; ن: أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ، أَيْ ذِكْرُ الْعَبْدِ لِلَّهِ. (¬2) ن: وَيَقُولُ ذِكْرُ اللَّهِ مِثْلُ ذِكْرِ عَبْدِهِ ; م: وَيَقُولُ ذِكْرُ اللَّهِ أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي هُوَ ذِكْرُهُ وَهُوَ مِثْلُ ذِكْرِ عَبْدِهِ. (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: الْمَصْدَرِ فَكَأَنَّ. (¬5) ن، م: مَا. (¬6) أ، ب: فِي.

إِثْبَاتِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، وَالنَّفْيِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ لِلنَّقْصِ وَالتَّمْثِيلِ، فَالرَّبُّ تَعَالَى (¬1) مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ [الَّتِي لَا غَايَةَ فَوْقَهَا، مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقْصِ بِكُلِّ وَجْهٍ مُمْتَنِعٍ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَثِيلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ] (¬2) ، فَأَمَّا صِفَاتُ النَّقْصِ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا صِفَاتُ الْكَمَالِ فَلَا يُمَاثِلُهُ - بَلْ وَلَا يُقَارِبُهُ - (¬3) فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ. وَالتَّنْزِيهُ يَجْمَعُهُ نَوْعَانِ: نَفْيُ النَّقْصِ، وَنَفْيُ مُمَاثَلَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ سُورَةُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَغَيْرُهَا [مِنَ الْقُرْآنِ] (¬4) ، مَعَ دَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِرْشَادِ الْقُرْآنِ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْعَقْلِ، بَلْ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ مَا لَهُ شَبَهٌ (¬5) فِي الدُّنْيَا، كَأَنْوَاعِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَنَاكِحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ (¬6) ، فَحَقَائِقُ تِلْكَ ¬

(¬1) ن، م: وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) ن، م: فَلَا تُمَاثِلُهُ بَلْ وَلَا تُقَارِنُهُ. (¬4) مِنَ الْقُرْآنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: مَا لِيسَ لَهُ شَبَهٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) أَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْأَثَرَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 25] وَقَدْ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادَيْنِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/391 - 392. وَحَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ - ح - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْأَشْجَعِيِّ: لَا يُشْبِهُ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاءَ. وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْمُؤَمَّلِ، قَالَ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الْأَسْمَاءَ. وَأَمَّا الْإِسْنَادُ الثَّانِي فَهُوَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْجَنَّةِ شَيْءٌ إِلَّا الْأَسْمَاءَ. وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ: " رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ ". وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي " الدُّرِّ الْمَنْثُورِ " فِي تَفْسِيرِهِ لِتِلْكَ الْآيَةِ " وَأَخْرَجَ مُسَدَّدٌ وَهَنَّادٌ فِي الزُّهْدِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ. ".

أَعْظَمُ مِنْ حَقَائِقِ هَذِهِ بِمَا (¬1) لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ، وَكِلَاهُمَا مَخْلُوقٌ، وَالنَّعِيمُ [الَّذِي] (¬2) لَا يُعْرَفُ جِنْسُهُ قَدْ أَجْمَلَهُ اللَّهُ [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] (¬3) بِقَوْلِهِ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 17] . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أَنَّهُ] (¬4) قَالَ: " «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ (¬5) لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعْتُ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» (¬6) فَإِذَا كَانَ هَذَانِ الْمَخْلُوقَانِ مُتَّفِقَيْنِ فِي الِاسْمِ مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ ¬

(¬1) ن: مِمَّا ; م: لِمَا. (¬2) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: يَقُولُ اللَّهُ إِنِّي أَعْدَدْتُ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/118 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ) ، 6/116 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، بَابُ تَفْسِيرِ سُورَةِ تَنْزِيلِ السَّجْدَةِ) ، 9/144 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) ; مُسْلِمٍ 4/2174 (كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، أَوَّلُ الْكِتَابِ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/26 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، بَابُ تَفْسِيرِ سُورَةِ السَّجْدَةِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1447 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ) ; سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 2/335 (كِتَابُ الرَّقَائِقِ، بَابُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 17/46، 19/104.

تَبَايُنًا لَا يُعْرَفُ فِي الدُّنْيَا قَدْرُهُ (¬1) ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ مُبَايِنٌ لِصِفَاتِ خَلْقِهِ، أَعْظَمُ مِنْ مُبَايَنَةِ مَخْلُوقٍ لِمَخْلُوقٍ، وَلِهَذَا قَالَ أَعْلَمُ (¬2) الْخَلْقِ بِاللَّهِ فِي [الْحَدِيثِ] الصَّحِيحِ (¬3) : " «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» " (¬4) وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ [الْمَأْثُورِ] (¬5) الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حَبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَا أَصَابَ عَبْدًا هَمٌّ قَطُّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ [ابْنُ عَبْدِكَ] (¬6) وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ (¬7) أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ ¬

(¬1) ن، م: مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبَايُنًا لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فِي الدُّنْيَا. (¬2) ن، م: أَعْظَمُ. (¬3) ن: فِي الصَّحِيحِ ; م: فِي الصِّحَاحِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: مُسْلِمٍ 1/352 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا يُقَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ، وَأَوَّلُهُ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ". وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/322 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/187 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ بَابُ حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا مَعْنٌ. .) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1262 - 1263 (كِتَابُ الدُّعَاءِ، بَابُ مَا تَعَوَّذَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/58، 201. . (¬5) الْمَأْثُورِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ابْنُ عَبْدِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) أ، ب: وَأَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ وَعَلَّمْتَهُ.

عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ (¬1) رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي (¬2) ، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي ; إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَغَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا (¬3) » . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا نَتَعَلَّمُهُنَّ؟ قَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ " (¬4) فَبَيَّنَ (¬5) أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً اسْتَأْثَرَ بِهَا فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ لَا يَعْلَمُهَا مَلَكٌ وَلَا نَبِيٌّ. وَأَسْمَاؤُهُ تَتَضَمَّنُ صِفَاتَهُ، لَيْسَتْ أَسْمَاءَ أَعْلَامٍ مَحْضَةً، كَاسْمِهِ: الْعَلِيمُ، وَالْقَدِيرُ، وَالرَّحِيمُ، وَالْكَرِيمُ، وَالْمَجِيدُ، وَالسَّمِيعُ، وَالْبَصِيرُ، وَسَائِرُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَهُوَ سُبْحَانُهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْكَمَالِ الْمُطْلَقِ ; لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ، يَمْتَنِعُ الْعَدَمُ عَلَيْهِ، وَيَمْتَنِعُ (¬6) أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، إِذْ لَوِ افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْغَيْرِ، وَالْحَاجَةُ إِمَّا إِلَى (¬7) حُصُولِ كَمَالٍ لَهُ، وَإِمَّا إِلَى دَفْعِ مَا يُنْقِصُ كَمَالَهُ، وَمَنِ احْتَاجَ ¬

(¬1) ا، م، ب: الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. (¬2) م: بَصَرِي. (¬3) أ، ب: مَكَانَهُ فَرَحًا. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/266 - 268 (رَقْمُ 3712) ، 6/153 - 154 رَقْمُ (3418) وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا 5/266 - 268. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ (التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ 3/276) : " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حَبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ ". وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/950 - 510. وَانْظُرْ تَعْلِيقَهُ وَتَعْلِيقَ الذَّهَبِيِّ. . (¬5) فَبَيَّنَ: مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلِهَذَا قَالَ أَعْلَمُ الْخَلْقِ. . . وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ. وَفِي (ن) ، (م) : فَتَبَيَّنَ. (¬6) ن (فَقَطْ) وَيُمْكِنُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ن، م: وَالْحَاجَةُ سَوَاءً كَانَتْ إِمَّا إِلَى. .

فِي شَيْءٍ مِنْ كَمَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ كَمَالُهُ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَهُوَ بِدُونِ ذَلِكَ الْكَمَالِ نَاقِصٌ، وَالنَّاقِصُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، بَلْ مُمْكِنًا مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ مَعَ كَوْنِهِ نَاقِصًا مُفْتَقِرًا إِلَى كَمَالٍ مِنْ غَيْرِهِ، لَكَانَ الَّذِي يُعْطِيهِ الْكَمَالَ: إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى وَاجِبٍ آخَرَ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا نَاقِصًا، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْأَوَّلِ ; وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا كَامِلًا فَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ، وَذَاكَ الَّذِي قُدِّرَ وَاجِبًا نَاقِصًا فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى هَذَا فِي كَمَالِهِ، وَذَاكَ (¬1) غَنِيٌّ عَنْهُ، فَهَذَا هُوَ رَبُّ ذَاكَ، وَذَاكَ عَبْدُهُ، وَيَمْتَنِعُ مَعَ كَوْنِهِ مَرْبُوبًا مُعَبَّدًا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، فَفَرْضُ كَوْنِهُ وَاجِبًا نَاقِصًا مُحَالٌ. وَأَيْضًا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ مَا هُوَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ فِيهِ نَقْصٌ يَفْتَقِرُ فِي زَوَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُمْكِنَ الْوُجُودِ وَإِلَّا لَمَا قَبِلَهُ، وَمُمْكِنَ الْعَدَمِ وَإِلَّا لَكَانَ لَازِمًا لَهُ لَا يَقْبَلُ الزَّوَالَ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ (¬2) زَوَالُهُ بِحُصُولِ الْكَمَالِ الْمُمْكِنِ الْوُجُودِ، فَإِنَّ مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ لَا يَكُونُ كَمَالًا، وَمَا هُوَ مُمْكِنٌ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَاجِبِ أَوْ مِنَ الْوَاجِبِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوقُ أَكْمَلَ مِنَ الْخَالِقِ، فَالْخَالِقُ (¬3) الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ الْمُمْكِنِ الْوُجُودِ الَّذِي لَا نَقْصَ فِيهِ، فَلَا تَكُونُ ذَاتُهُ مُسْتَلْزِمَةً لِذَلِكَ الْكَمَالِ ; فَيَكُونُ ذَلِكَ الْكَمَالُ - إِذَا وُجِدَ - مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ وَإِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ الْآخَرِ، يَحْصُلُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ ¬

(¬1) ن، م: وَهَذَا. (¬2) ن: يُمْكِنُ. (¬3) أ، ب: وَالْخَالِقُ.

ذَلِكَ الْأَثَرُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، بَلْ هُوَ شَيْءٌ (¬1) مُنْفَصِلٌ عَنْهُمَا. وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ كَمَالَ الشَّيْءِ هُوَ مِنْ نَفْسِ الشَّيْءِ وَدَاخِلٌ فِيهِ، فَالْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا هُوَ دَاخِلٌ (¬2) فِي نَفْسِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا يَفْتَقِرُ فِيهِ إِلَى سَبَبٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، فَمَتَى افْتَقَرَ فِيمَا هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ إِلَى سَبَبٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ وَاجِبَةً بِنَفْسِهِ، وَمَا لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي نَفْسِهِ، لَا يَكُونُ مِنْ كَمَالِهِ أَيْضًا، بَلْ يَكُونُ شَيْئًا مُبَايِنًا لَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ شَيْءٌ قُرِنَ بِهِ وَضُمَّ إِلَيْهِ. وَأَيْضًا، فَنَفْسُ وَاجِبِ الْوُجُودِ هُوَ أَكْمَلُ الْمَوْجُودَاتِ، إِذِ الْوَاجِبُ أَكْمَلُ مِنَ الْمُمْكِنِ بِالضَّرُورَةِ، فَكُلُّ كَمَالٍ مُمْكِنٌ لَهُ: إِنْ كَانَ لَازِمًا لَهُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ كَمَالُهُ مُسْتَفَادًا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَنْ (¬3) يَحْتَاجَ فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لَهُ مِنْ قَبُولِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ لَهُ، كَانَ الْمُمْكِنُ أَكْمَلَ مِنَ الْوَاجِبِ، وَمَا لَا يَقْبَلُهُ [لَا] (¬4) وَاجِبٌ وَلَا مُمْكِنٌ لَيْسَ كَمَالًا ; وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لَهُ وَلَمْ تَكُنْ ذَاتُهُ مُسْتَلْزِمَةً (¬5) لَهُ، كَانَ غَيْرُهُ مُعْطِيًا لَهُ إِيَّاهُ، وَالْمُعْطِي لِلْكَمَالِ هُوَ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمُعْطِي أَكْمَلَ مِنْهُ، وَوَاجِبُ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ أَكْمَلَ مِنْهُ. وَإِذَا قِيلَ: ذَلِكَ الْغَيْرُ وَاجِبٌ أَيْضًا. ¬

(¬1) ن، م: بَلْ هُوَ مِنْ شَيْءٍ، وَالصَّوَابُ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) ب: إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ دَاخِلًا ; أ: إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ دَاخِلٌ. وَأَحْسَبُ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الَّذِي أَثْبَتُّهُ عَنْ (ن) ، (م) . (¬3) ب: وَأَنْ. (¬4) لَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: لَازِمَةً.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا بِنَفْسِهِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعْطِيًا لِلْآخَرِ الْكَمَالَ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ ; [لِأَنَّهُ] (¬1) يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ كُلٍّ مِنَ الشَّيْئَيْنِ مُؤَثِّرًا فِي الْآخَرِ أَثَرًا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ تَأْثِيرِ الْآخَرِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْكَمَالَ لِلْآخَرِ حَتَّى يَكُونَ كَامِلًا، وَلَا يَكُونُ كَامِلًا حَتَّى يُفِيدَهُ الْآخَرُ الْكَمَالَ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ، كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُوجَدَ هَذَا حَتَّى يُوجِدَهُ (¬2) ذَاكَ، وَلَا يُوجَدُ ذَاكَ حَتَّى يُوجِدَهُ هَذَا. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ وَاجِبًا كَامِلًا بِنَفْسِهِ مُكَمِّلًا لِغَيْرِهِ (¬3) ، وَالْآخَرُ وَاجِبٌ نَاقِصٌ يَحْتَاجُ فِي كَمَالِهِ إِلَى ذَلِكَ الْكَامِلِ الْمُكَمِّلِ، كَانَ جُزْءٌ مِنْهُ مُفْتَقِرًا إِلَى ذَاكَ ; وَمَا افْتَقَرَ جُزْءٌ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ تَكُنْ جُمْلَتُهُ وَاجِبَةً بِنَفْسِهَا. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ: أَنَّ الْوَاجِبَ بِنَفْسِهِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا لَا جُزْءَ لَهُ، أَوْ يَكُونَ أَجْزَاءً. فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا لَا جُزْءَ لَهُ، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ: بَعْضُهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْغَيْرِ وَبَعْضُهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْغَيْرِ، وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَفْسُهُ، وَالْآخَرُ كَمَالُهُ. وَإِنْ قِيلَ: هُوَ جُزْءَانِ أَوْ أَجْزَاءٌ، كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ مَجْمُوعَ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ حَتَّى يَكُونَ الْمَجْمُوعُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، (* فَمَتَى كَانَ الْبَعْضُ مُفْتَقِرًا إِلَى سَبَبٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ *) (¬4) ¬

(¬1) لِأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: يُوجَدَ. (¬3) ن، م: بِكَمَالٍ لِغَيْرِهِ. (¬4) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . س.

عمدة الفلاسفة على نفي الصفات هي حجة التركيب

وَهَذَا الْمَقَامُ بُرْهَانٌ بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ النَّاسَ مُتَنَازِعُونَ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ: فَأَهْلُ السُّنَّةِ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ لِلَّهِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالشِّيعَةِ يُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ - كَالْمُعْتَزِلَةِ (¬1) وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَنَحْوِهِ - فَإِنَّهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُونَ: (¬2) : إِنَّ إِثْبَاتَهَا تَجْسِيمٌ وَتَشْبِيهٌ وَتَرْكِيبٌ (¬3) [عمدة الفلاسفة على نفي الصفات هي حجة التركيب] وَعُمْدَةُ ابْنِ سِينَا [وَأَمْثَالِهِ] (¬4) عَلَى نَفْيِهَا هِيَ (¬5) حُجَّةُ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ صِفَةٌ لَكَانَ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى جُزْئَيْهِ، وَجُزْءَاهُ (¬6) غَيْرُهُ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ عَلَى إِبْطَالِ هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ بِسَبَبِ أَنَّ لَفْظَ " التَّرْكِيبِ " وَ " الْجُزْءِ " وَ " الِافْتِقَارِ " وَ " الْغَيْرِ " أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ. فَيُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ مَا رَكَّبَهُ غَيْرُهُ، وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، وَمَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتٍ لَازِمَةٍ لَهَا، فَإِذَا سَمَّى الْمُسَمِّي هَذَا تَرْكِيبًا، كَانَ هَذَا اصْطِلَاحًا لَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْمُرَكَّبِ. وَالْبَحْثُ إِذَا كَانَ فِي الْمَعَانِي الْعَقْلِيَّةِ لَمْ يُلْتَفَتْ فِيهِ إِلَى اللَّفْظِ. ¬

(¬1) ن، م: مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ. (¬2) ن، م: فَهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ لِلَّهِ وَيَقُولُونَ. . (¬3) ن: تَشْبِيهٌ وَتَجْسِيمٌ وَتَرْكِيبٌ ; م: سُنَّةٌ وَتَرْكِيبٌ. . (¬4) " وَأَمْثَالِهِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: هُوَ. (¬6) ن: وَجُزْؤُهُ.

فَيُقَالُ: هَبْ أَنَّكُمْ سَمَّيْتُمْ هَذَا تَرْكِيبًا (¬1) فَلَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى نَفْيِهِ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَاظَرَهُمْ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي " التَّهَافُتِ ". وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْجُزْءِ " يُرَادُ بِهِ بَعْضُ الشَّيْءِ الَّذِي رُكِّبَ مِنْهُ، كَأَجْزَاءِ الْمُرَكَّبَاتِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْأَبْنِيَةِ (¬2) ، وَبَعْضُهُ الَّذِي يُمْكِنُ [فَصْلُهُ] (¬3) عَنْهُ كَأَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ، وَيُرَادُ بِهِ صِفَتُهُ اللَّازِمَةُ لَهُ كَالْحَيَوَانِيَّةِ لِلْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ وَالنَّاطِقِيَّةِ لِلنَّاطِقِ، وَيُرَادُ بِهِ بَعْضُهُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُ كَجُزْءِ الْجِسْمِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مُفَارَقَتُهُ لَهُ: إِمَّا الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ، وَإِمَّا الْمَادَّةُ وَالصُّورَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ [وَيَقُولُ: إِنَّهُ] (¬4) لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ الْجِسْمِ، وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ. فَإِنَّ النَّاسَ مُتَنَازِعُونَ فِي الْجِسْمِ: هَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، أَوْ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ لَا مِنْ هَذَا [وَلَا مِنْ هَذَا] (¬5) ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ كَالْهِشَامِيَّةِ وَالنَّجَّارِيَّةِ وَالضِّرَارِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ [وَالْأَشْعَرِيَّةِ] (¬6) وَكَثِيرٍ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ لَفْظَ " الْجُزْءِ " (¬7) لَهُ عِدَّةُ مَعَانٍ بِحَسَبِ ¬

(¬1) ن، م: مُرَكَّبًا. (¬2) ن، م: مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَبْنِيَةِ وَالثِّيَابِ. (¬3) فَصْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) وَيَقُولُ إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) وَلَا مِنْ هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) وَالْأَشْعَرِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: الْحَرَكَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ مِنَ النَّاسِخِ.

مناقشة الحجة التي احتج بها هؤلاء الفلاسفة ومن وافقهم على نفي الصفات

الِاصْطِلَاحَاتِ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْغَيْرِ يُرَادُ بِهِ مَا بَايَنَ (¬1) الشَّيْءَ، فَصِفَةُ الْمَوْصُوفِ وَجُزْؤُهُ لَيْسَ غَيْرًا لَهُ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ، وَالْفُقَهَاءِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الشِّيعَةِ. وَقَدْ يَقُولُونَ: الْغَيْرَانُ مَا جَازَ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ (¬2) بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ وُجُودٍ، وَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ " الْغَيْرِ " (¬3) مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْآخَرَ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الِافْتِقَارِ " يُرَادُ بِهِ [التَّلَازُمُ] (¬4) ، وَيُرَادُ بِهِ افْتِقَارُ الْمَعْلُولِ إِلَى عِلَّتِهِ الْفَاعِلَةِ، وَيُرَادُ بِهِ افْتِقَارُهُ إِلَى مَحَلِّهِ وَعِلَّتِهِ الْقَابِلَةِ (¬5) . وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْمُتَفَلْسِفَةِ الَّذِينَ يُقَسِّمُونَ لَفْظَ الْعِلَّةِ إِلَى: (* فَاعِلِيَّةٍ وَغَائِيَّةٍ وَمَادِّيَّةٍ وَصُورِيَّةٍ، وَيَقُولُونَ: الْمَادَّةُ - وَهِيَ الْقَابِلُ - وَالصُّورَةُ هُمَا عِلَّتَا الْمَاهِيَّةِ *) (¬6) ، وَالْفَاعِلُ وَالْغَايَةُ هُمَا عِلَّتَا وُجُودِ الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا سَائِرُ النُّظَّارِ فَلَا يُسَمُّونَ الْمَحَلَّ الَّذِي هُوَ الْقَابِلُ عِلَّةً. [مناقشة الحجة الَّتِي احْتَجَّ بِهَا هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ] فَهَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ، مُؤَلَّفَةٌ مِنْ أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ. فَإِذَا قَالُوا: " لَوْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ ¬

(¬1) ن، م: مَا يُبَايِنُ. (¬2) ن، م: لِلْآخَرِ. (¬3) ن، م: الْغَيْرَيْنِ. (¬4) التَّلَازُمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) ن، م: الْمُقَابِلَةِ. (¬6) الْكَلَامُ الْمُقَابِلُ لِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي نُسْخَتِي (ن) ، (م) نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ.

لَكَانَ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى جُزْئِهِ، وَجُزْؤُهُ غَيْرُهُ (¬1) ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ ". قِيلَ لَهُمْ: قَوْلُكُمْ: " لَكَانَ مُرَكَّبًا ". إِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ: لَكَانَ غَيْرُهُ قَدْ رَكَّبَهُ، أَوْ لَكَانَ مُجْتَمِعًا بَعْدَ افْتِرَاقِهِ، أَوْ لَكَانَ قَابِلًا لِلتَّفْرِيقِ، فَاللَّازِمُ (¬2) بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ هُوَ فِي (¬3) الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْمَوْصُوفِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا، فَإِنَّ الرَّبَّ [سُبْحَانَهُ] (¬4) يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَهُوَ لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا عَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ، وَحَيَاتُهُ وَعِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ صِفَاتٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ. وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْمُرَكَّبِ الْمَوْصُوفَ (¬5) أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. قِيلَ لَكُمْ 11) (¬6) : وَلِمَ 12) (¬7) قُلْتُمْ: إِنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ؟ قَوْلُهُمْ: " وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ ". قِيلَ: أَمَّا الْمُرَكَّبُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَا يُبَايِنُهُ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى اللَّهِ. وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ اللَّازِمَةِ لِذَاتِهِ الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ أَنْتُمْ مُرَكَّبًا، فَلَيْسَ فِي اتِّصَافِهِ هُنَا بِهَا مَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مُفْتَقِرًا إِلَى مُبَايِنٍ لَهُ. فَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ غَيْرُهُ، وَهُوَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِهَا، وَهَذَا افْتِقَارٌ إِلَيْهَا. ¬

(¬1) ن، م: إِلَى جُزْئِهِ وَغَيْرِهِ. (¬2) ن: فَالتَّلَازُمُ. (¬3) ن، م: مِنْ. (¬4) سُبْحَانَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: لِلْمَوْصُوفِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن: لَهُمْ. (¬7) أ، ب: وَلَوْ.

قِيلَ لَكُمْ (¬1) : إِنْ أَرَدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ: " هِيَ غَيْرُهُ " أَنَّهَا مُبَايِنَةٌ لَهُ، فَذَلِكَ بَاطِلٌ (¬2) . وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ إِيَّاهُ، قِيلَ لَكُمْ (¬3) : وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَ فَأَيُّ مَحْذُورٍ فِي هَذَا؟ فَإِذَا قُلْتُمْ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهَا. قِيلَ: أَتُرِيدُونَ بِالِافْتِقَارِ أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى فَاعِلٍ يَفْعَلُهُ، أَوْ مَحَلٍّ يَقْبَلُهُ؟ أَمْ تُرِيدُونَ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لَهَا فَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا إِلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا؟ (4 فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ، كَانَ هَذَا بَاطِلًا، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الثَّانِي، قِيلَ: وَأَيُّ مَحْذُورٍ فِي هَذَا؟ وَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْهِ 4) (¬4) . قِيلَ: أَتُرِيدُونَ أَنَّهَا مُفْتَقِرَةٌ إِلَى فَاعِلٍ يُبْدِعُهَا، أَوْ (¬5) إِلَى مَحَلٍّ تَكُونُ مَوْصُوفَةً بِهِ؟ أَمَّا الثَّانِي فَأَيُّ مَحْذُورٍ فِيهِ؟ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ بَاطِلٌ (¬6) ، إِذِ الصِّفَةُ اللَّازِمَةُ لِلْمَوْصُوفِ لَا يَكُونُ فَاعِلًا لَهَا. وَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ مُوجِبٌ لَهَا، أَوْ عِلَّةٌ لَهَا، أَوْ مُقْتَضٍ لَهَا، فَالصِّفَةُ إِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً، فَالْوَاجِبُ لَا يَكُونُ مَعْلُولًا، وَيَلْزَمُ تَعَدُّدُ الْوَاجِبِ وَهُوَ الصِّفَةُ وَالْمَوْصُوفُ ; وَإِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً بِنَفْسِهَا، فَالْمُمْكِنُ بِنَفْسِهِ لَا يُوجَدُ ¬

(¬1) ن: لَهُمْ. (¬2) ن، م:. . لَهُ فَبَاطِلٌ. (¬3) لَكُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬5) ن، م: أَمْ. (¬6) أ، ب: وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبَاطِلٌ.

إِلَّا بِمُوجِبٍ، فَتَكُونُ الذَّاتُ هِيَ الْمُوجِبَةَ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ فَاعِلًا وَقَابِلًا. قِيلَ لَكُمْ: لَفْظُ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ وَالْمُمْكِنِ بِنَفْسِهِ قَدْ صَارَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ فِي خِطَابِكُمْ، فَقَدْ يُرَادُ بِالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ مَا لَا مُبْدِعَ لَهُ وَلَا عِلَّةَ فَاعِلَةً، وَيُرَادُ بِالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ (¬1) مَا لَا مُبْدِعَ لَهُ وَلَا مَحَلَّ، وَيُرَادُ بِالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ مَا لَا يَكُونُ لَهُ (¬2) صِفَةٌ لَازِمَةٌ وَلَا [يَكُونُ] مَوْصُوفًا مَلْزُومًا (¬3) . فَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ مَا لَا مُبْدِعَ لَهُ وَلَا عِلَّةَ فَاعِلَةً، فَالصِّفَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِهَا، وَإِنْ أَرَدْتُمْ مَا لَا مَحَلَّ لَهُ يَقُومُ بِهِ فَالصِّفَةُ لَيْسَتْ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِهَا بَلِ الْمَوْصُوفُ هُوَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْوَاجِبِ مَا لَيْسَ بِمَلْزُومٍ لِصِفَةٍ وَلَا لَازِمٍ فَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلْ هَذَا لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَأَنْتُمْ قَدَّرْتُمْ شَيْئًا فِي أَذْهَانِكُمْ وَوَصَفْتُمُوهُ بِصِفَاتٍ يَمْتَنِعُ مَعَهَا (¬4) وُجُودُهُ، فَجَعَلْتُمْ مَا هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْغَرَضُ هُنَا (¬5) التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا، إِذِ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَحْصُلُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَنَقُولُ: وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ قِيلَ بِثُبُوتِ الصِّفَاتِ لَهُ وَسُمِّيَ ذَلِكَ تَرْكِيبًا أَوْ لَمْ يُسَمَّ، أَوْ قِيلَ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ عَنْهُ، يَمْتَنِعُ أَنْ ¬

(¬1) ن، م: بِالْمُوجِبِ بِنَفْسِهِ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ: وَلَا مَوْصُوفًا مَلْزُومًا، وَإِثْبَاتُ كَلِمَةِ (يَكُونُ) يُقِيمُ الْعِبَارَةَ لُغَةً وَمَعْنًى. (¬4) ن: بِهَا. (¬5) أ، ب: وَالْمَقْصُودُ وَالْغَرَضُ هُنَا. . إِلَخْ.

يَكُونُ مُفْتَقِرًا إِلَى شَيْءٍ مُبَايِنٍ لَهُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا (¬1) قُدِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ - كَمَا يَظُنُّهُ مَنْ يَظُنُّهُ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ - فَهَذَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَمَالٌ مُغَايِرٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ شَيْئَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ لَلَزِمَ تَعَدُّدُ الْمَعَانِي فِيهِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (¬2) . وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ فِيهِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةً ; فَوَاجِبُ الْوُجُودِ هُوَ مَجْمُوعُ تِلْكَ الْأُمُورِ الْمُتَلَازِمَةِ، إِذْ يَمْتَنِعُ وُجُودُ شَيْءٍ مِنْهَا دُونَ شَيْءٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَوِ افْتَقَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ إِلَى أَمْرٍ مُنْفَصِلٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الْوُجُودِ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، وَذَاتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِ نَفْسِهِ ; وَفِي سَائِرِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اسْمِ نَفْسِهِ (¬3) لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا إِلَّا بِهَا، فَلَا يَكُونُ مُفْتَقِرًا فِيهَا إِلَى شَيْءٍ مُبَايِنٍ لَهُ أَصْلًا. وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي كَوْنِهِ حَيًّا أَوْ عَالِمًا أَوْ قَادِرًا إِلَى غَيْرِهِ، فَذَلِكَ الْغَيْرُ: إِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَانَ مُفْتَقَرًا إِلَيْهِ، وَكَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ رَبَّهُ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُؤَثِّرًا فِي هَذَا، وَهَذَا مُؤَثِّرًا فِي هَذَا، وَتَأْثِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ أَثَرِهِ فِيهِ ; لِأَنَّ التَّأْثِيرَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا، فَلَا يَكُونُ هَذَا حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا ¬

(¬1) ن، م: إِنَّ. (¬2) أ: وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مُفْتَقَرٌ ; ب: وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَكَلِمَةُ " مُفْتَقَرٌ " لَا تَتَّفِقُ مَعَ سِيَاقِ الْجُمْلَةِ. (¬3) ن، م: فِي مُسَمَّى اسْمِهِ.

حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ، (1 وَلَا يَكُونُ هَذَا حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ 1) (¬1) فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الَّذِي جَعَلَهُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا [حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا] (¬2) ، وَلَا يَكُونُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا [إِلَّا بَعْدَ كَوْنِهِ حَيًّا عِلْمًا قَادِرًا] (¬3) بِدَرَجَتَيْنِ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُعْلَمُ امْتِنَاعُهُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مِنَ الْمَعَارِفِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي لَا يُنَازِعُ فِيهَا الْعُقَلَاءُ، وَهَذَا مِنَ الدَّوْرِ الْقَبْلِيِّ: دَوْرِ الْعِلَلِ وَدَوْرِ الْفَاعِلَيْنِ وَدَوْرِ الْمُؤَثِّرَيْنِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بِخِلَافِ دَوْرِ الْمُتَلَازِمَيْنِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا مَعَ هَذَا (4 وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا مَعَ هَذَا 4) (¬4) ، فَهَذَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَا لَا فَاعِلَ لَهُمَا كَصِفَاتِ [اللَّهِ] (¬5) أَوْ كَانَا مَفْعُولَيْنِ وَالْمُؤَثِّرُ التَّامُّ فِيهِمَا غَيْرَهُمَا. وَهَذَا جَائِزٌ (¬6) ، فَإِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الشَّيْئَيْنِ مَعًا لِلَّذَيْنِ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا إِلَّا مَعَ الْآخَرِ: كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْوَلَدَ فَنَفْسُ خَلْقِهِ لِلْوَلَدِ جَعَلَ هَذَا أَبًا وَهَذَا ابْنًا، وَإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ لَمْ تَسْبِقِ الْأُخْرَى وَلَا تُفَارِقُهَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْآخَرِ فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ الْأَثَرَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْمُؤَثِّرِ التَّامِّ، فَلَوْ كَانَ تَمَامُ هَذَا الْمُؤَثِّرِ مِنْ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) لَفْظُ الْجَلَالَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي (ن) . (¬6) وَهَذَا جَائِزٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

تَمَامِ ذَاكَ (¬1) ، وَتَمَامُ ذَاكَ الْمُؤَثِّرِ مِنْ تَمَامِ هَذَا (¬2) ، كَانَ كُلٌّ مِنَ التَّمَامَيْنِ (¬3) مُتَوَقِّفًا عَلَى تَمَامِ مُؤَثِّرِهِ، وَتَمَامُ مُؤَثِّرِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْأَثَرَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ مُؤَثِّرِهِ، فَلَا (¬4) يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْأَثَرَيْنِ مِنْ تَمَامِ نَفْسِهِ الَّتِي تَمَّ تَأْثِيرُهَا بِهِ، فَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ تَمَامِ الْمُؤَثِّرِ فِي تَمَامِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً أَوْ فَاعِلًا أَوْ مُؤَثِّرًا (* فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي تَمَامِ كَوْنِهِ عِلَّةً وَمُؤَثِّرًا *) (¬5) وَفَاعِلًا لَهُ، أَوْ لِشَيْءٍ مِنْ تِمَامَاتِ تَأْثِيرِهِ ; فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ كَوْنُهُ فَاعِلًا لِفَاعِلِ نَفْسِهِ، أَوْ مُؤَثِّرًا فِي الْمُؤَثِّرِ فِي نَفْسِهِ وَفِي تِمَامَاتِ تَأْثِيرِ ذَلِكَ، أَوْلَى وَأَحْرَى. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُ شَيْئَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعْطِيًا لِلْآخَرِ) (¬6) شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَوْ شَيْئًا مِمَّا بِهِ يَصِيرُ مُعَاوِنًا لَهُ عَلَى الْفِعْلِ (¬7) ، سَوَاءٌ أَعْطَاهُ كَمَالَ عِلْمٍ أَوْ قُدْرَةٍ أَوْ حَيَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ فِي تَمَامِ الْفَاعِلَيْنِ وَتَمَامِ الْمُؤَثِّرَيْنِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ مُتَعَاوِنَانِ لَا يَفْعَلُ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِمُعَاوَنَةِ الْآخَرِ، وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَا مُسْتَقِلَّيْنِ ; لِأَنَّ ¬

(¬1) ن، م: مِنْ ذَاكَ. (¬2) ن، م: مِنْ هَذَا. (¬3) ن: الْمُتَمَّامَيْنِ ; م: الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ا، ب: وَلَا. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) أ، ب: يُعْطِي الْآخَرَ. (¬7) 6) أ، ب: مِمَّا يَصِيرُ بِهِ مُعَاوِنًا عَلَى الْفِعْلِ.

اسْتِقْلَالَ أَحَدِهِمَا يُنَاقِضُ اسْتِقْلَالَ الْآخَرِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذَا (¬1) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يُعْطِي الْآخَرَ كَمَالَهُ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ مُفْتَقِرًا فِي كَمَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ الِافْتِقَارَ: إِمَّا فِي تَحْصِيلِ الْكَمَالِ، وَإِمَّا فِي مَنْعِ سَلْبِهِ الْكَمَالَ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كَامِلًا بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ غَيْرُهُ (¬2) أَنْ يَسْلُبَهُ كَمَالَهُ، لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ مَا لَيْسَ كَمَالًا لَهُ فَوُجُودُهُ لَيْسَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يَحْتَاجُ [إِلَيْهِ] (¬3) ؛ إِذْ حَاجَةُ الشَّيْءِ إِلَى مَا لَيْسَ مِنْ كَمَالِهِ مُمْتَنِعَةٌ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ فِي حُصُولِ كَمَالِهِ، وَكَذَلِكَ (¬4) لَا يَحْتَاجُ فِي مَنْعِ سَلْبِ الْكَمَالِ كَإِدْخَالِ نَقْصٍ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَاتَهُ (¬5) إِنْ كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِذَلِكَ الْكَمَالِ امْتَنَعَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُسْلَبَ ذَلِكَ الْكَمَالَ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ، وَكَوْنُ لَوَازِمِهِ يَمْتَنِعُ عَدَمُهَا. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ ذَاتَهُ لَا تَسْتَلْزِمُ كَمَالَهُ (¬6) ، كَانَ مُفْتَقِرًا فِي حُصُولِ ذَلِكَ الْكَمَالِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ احْتِيَاجُهُ إِلَى غَيْرِهِ فِي تَحْصِيلِ شَيْءٍ أَوْ دَفْعِ شَيْءٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِحُصُولِ شَيْءٍ أَوْ دَفْعِ ¬

(¬1) يَتَكَلَّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ بِالتَّفْصِيلِ فِيمَا بَعْدُ 2/59 - 74 بُولَاقَ. (¬2) ن، م: أَحَدٌ. (¬3) إِلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن، م: وَلِذَلِكَ. (¬5) ن: وَذَلِكَ لَا ذَاتَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن (فَقَطْ) : إِنَّ كَمَالَهُ تَسْتَلْزِمُ كَمَالَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

شَيْءٍ: إِمَّا حَاصِلٌ يُرَادُ إِزَالَتُهُ، أَوْ مَا لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ فَيُطْلَبُ مَنْعُهُ. وَمَنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ (¬1) إِلَى غَيْرِهِ فِي جَلْبِ شَيْءٍ وَلَا فِي دَفْعِ شَيْءٍ امْتَنَعَتْ حَاجَتُهُ مُطْلَقًا، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا. وَأَيْضًا، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الْغَيْرِ، لَمْ يَخْلُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ (¬2) مِنْ لَوَازِمِ وُجُودِهِ، أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْعَوَارِضِ لَهُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَمْتَنِعُ، فَإِنَّهُ لَوِ افْتَقَرَ إِلَى غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِهِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا إِلَّا بِذَلِكَ الْغَيْرِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ، فَإِذَا كَانَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِلَازِمِهِ، وَلَازَمُهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِذَلِكَ الْغَيْرِ، لَمْ يَكُنْ هُوَ مَوْجُودًا [إِلَّا بِذَلِكَ الْغَيْرِ، فَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، بَلْ يَكُونُ: إِنْ وُجِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ وُجِدَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَمْ يُوجَدْ، ثُمَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا] (¬3) بِنَفْسِهِ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ افْتَقَرَ إِلَى فَاعِلٍ مُبْدِعٍ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ لَزِمَ الدَّوْرُ فِي الْعِلَلِ: وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْعِلَلِ، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ (¬4) وَالْأَوَّلُ كَذَلِكَ (¬5) ، كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ الْآخَرِ، وَكَوْنُ كُلٍّ مِنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَعَ الْآخَرِ جَائِزٌ إِذَا كَانَ لَهُمَا سَبَبٌ غَيْرُهُمَا، كَالْمُتَضَايِفَيْنِ مِثْلِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، ¬

(¬1) ن، م: مَنْعُهُ وَكُلُّ مَنْ لَا يَحْتَاجُ. (¬2) ن (فَقَطْ) : يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ا، ب: الْغَيْرُ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ. (¬5) كَذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

فَلَوْ كَانَ لَهُمَا سَبَبٌ غَيْرُهُمَا، كَانَا مُمْكِنَيْنِ يَفْتَقِرَانِ (¬1) إِلَى وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِيهِمَا. وَإِذَا كَانَا وَاجِبَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ وُجُودُ شَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِهِ بِالْآخَرِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ عِلَّةً أَوْ جُزْءَ عِلَّةٍ فِي الْآخَرِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْآخَرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا جُزْءَ عِلَّةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ مَوْجُودًا، وَإِلَّا فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي غَيْرِهِ وَلَا فَاعِلًا لِغَيْرِهِ، فَلَا (¬2) يَكُونُ هَذَا مُؤَثِّرًا فِي ذَاكَ حَتَّى يُوجَدَ هَذَا، (* وَلَا يَكُونُ ذَاكَ مُؤَثِّرًا فِي هَذَا حَتَّى يُوجَدَ ذَاكَ (¬3) *) (¬4) ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُوجَدَ هَذَا حَتَّى يُوجَدَ ذَاكَ (¬5) وَلَا يُوجَدُ ذَاكَ حَتَّى يُوجَدَ هَذَا، وَلَا يُوجَدُ هَذَا حَتَّى يُوجَدَ مَفْعُولُ هَذَا، فَيَكُونُ هَذَا فَاعِلَ فَاعِلِ هَذَا، وَكَذَلِكَ لَا يُوجَدُ ذَاكَ حَتَّى يُوجَدَ فَاعِلُ [ذَاكَ] (¬6) ، فَيَكُونُ ذَاكَ فَاعِلَ فَاعِلِ ذَاكَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ عِلَّةً لِنَفْسِهِ، أَوْ جُزْءَ عِلَّةٍ لِنَفْسِهِ، أَوْ شَرْطَ عِلَّةِ نَفْسِهِ، مُمْتَنِعٌ بِأَيِّ عِبَارَةٍ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَلَا يَكُونُ فَاعِلَ نَفْسِهِ، وَلَا جُزْءًا مِنَ الْفَاعِلِ، وَلَا شَرْطًا فِي الْفَاعِلِ لِنَفْسِهِ، وَلَا تَمَامَ الْفَاعِلِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي نَفْسِهِ، وَلَا تَمَامَ الْمُؤَثِّرِ فِي نَفْسِهِ، فَالْمَخْلُوقُ ¬

(¬1) ن، م: مُفْتَقِرَيْنِ. (¬2) ن، م: وَلَا. (¬3) ن، م: هَذَا، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: هَذَا. وَبَعْدَ كَلِمَةِ " هَذَانِ " يُوجَدُ اضْطِرَابٌ وَتَكْرَارٌ فِي نُسْخَتِي (ن) ، (م) ، وَلِذَلِكَ حَذَفْتُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَلَمْ أُثْبِتْهَا مِنْهُمَا. (¬6) ذَاكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

لَا يَكُونُ رَبَّ نَفْسِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ الرَّبُّ نَفْسُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَيْهِ فِي خَلْقِهِ (¬1) ؛ إِذْ لَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ فِي خَلْقِهِ لَمْ يَخْلُقْهُ حَتَّى يَكُونَ، وَلَا يَكُونُ حَتَّى يَخْلُقَهُ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ الْقَبْلِيُّ لَا الْمَعِيُّ (¬2) . وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي الْمُؤَثِّرِ فِي نَفْسِهِ (* بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِذَا قُدِّرَ وَاجِبَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ تَأْثِيرٌ مَا فِي الْآخَرِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُؤَثِّرًا فِي الْمُؤَثِّرِ فِي نَفْسِهِ *) (¬3) وَهَذَا مُمْتَنِعٌ [كَمَا تَبَيَّنَ] (¬4) ، فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيرُ وَاجِبَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُؤَثِّرٌ فِي الْآخَرِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ مُفْتَقِرًا فِي شَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِهِ إِلَى غَيْرِهِ، سَوَاءٌ قُدِّرَ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ مُمْكِنٌ. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ امْتِنَاعُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ، فَإِنَّ الصَّانِعَيْنِ إِنْ كَانَا مُسْتَقِلَّيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا فَعَلَ الْجَمِيعَ، كَانَ هَذَا مُتَنَاقِضًا [مُمْتَنِعًا] (¬5) لِذَاتِهِ، فَإِنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لِلْبَعْضِ يَمْنَعُ اسْتِقْلَالَ الْآخَرِ بِهِ، فَكَيْفَ بِاسْتِقْلَالِهِ بِهِ؟ ! وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ (¬6) عَلَى امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ مُؤَثِّرَيْنِ تَامَّيْنِ فِي أَثَرٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ؛ إِذْ كَوْنُهُ (¬7) وُجِدَ بِهَذَا وَحْدَهُ يُنَاقِضُ كَوْنَهُ ¬

(¬1) ن، م: وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ رَبُّهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فِي خَلْقِهِ. (¬2) ن، م: الْقَبْلِيُّ الْعَلِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) كَمَا تَبَيَّنَ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) مُمْتَنِعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: الْعُلَمَاءُ. (¬7) ن، م: أَوْ كَوْنُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وُجِدَ بِالْآخَرِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَا مُتَشَارِكَيْنِ مُتَعَاوِنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ (¬1) مِنْهُمَا مُسْتَغْنِيًا عَنْ فِعْلِ الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ، فَتَمَيَّزَ مَفْعُولُ هَذَا [عَنْ مَفْعُولِ هَذَا] (¬2) ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِارْتِبَاطِ بِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلِ الْعَالَمُ كُلُّهُ مُتَعَلِّقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، هَذَا مَخْلُوقٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا [مَخْلُوقٌ] مِنْ هَذَا (¬3) ، وَهَذَا مُحْتَاجٌ إِلَى هَذَا مِنْ جِهَةِ كَذَا، وَهَذَا مُحْتَاجٌ إِلَى هَذَا مِنْ جِهَةِ كَذَا، لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الْعَالَمِ إِلَّا بِشَيْءٍ [آخَرَ مِنْهُ] (¬4) . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ فَقِيرٌ إِلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَاجَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ فِعْلٌ لِاثْنَيْنِ، بَلْ كُلُّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى وَاحِدٍ. فَالْفَلَكُ الْأَطْلَسُ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْأَفْلَاكِ فِي جَوْفِهِ سَائِرُ الْأَفْلَاكِ، وَالْعَنَاصِرُ وَالْمُوَلَّدَاتُ وَالْأَفْلَاكُ مُتَحَرِّكَاتٌ بِحَرَكَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ [مُخَالِفَةٍ] (¬5) لِحَرَكَةِ التَّاسِعِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَرَكَتُهُ هِيَ سَبَبَ تِلْكَ الْحَرَكَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِحَرَكَتِهِ إِلَى (¬6) جِهَةٍ أُخْرَى أَكْثَرَ مِمَّا (¬7) يُقَالُ: إِنَّ الْحَرَكَةَ الشَّرْقِيَّةَ هُوَ سَبَبُهَا، وَأَمَّا الْحَرَكَاتُ الْغَرْبِيَّةُ فَهِيَ مُضَادَّةٌ لِجِهَةِ حَرَكَتِهِ، فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبَهَا، [وَهَذَا] (¬8) مِمَّا يُسَلِّمُهُ هَؤُلَاءِ (¬9) ¬

(¬1) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) أ، ب: هَذَا مَخْلُوقٌ مِنْ هَذَا، وَهَذَا مِنْ هَذَا، وَهَذَا مِنْ هَذَا. (¬4) ب: لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ إِلَّا بِشَيْءٍ. (¬5) مُخَالِفَةٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: عَلَى. (¬7) أ، ب: مَا. (¬8) وَهَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬9) كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ عَنْ فَلْكِ الْأَطْلَسِ وَسَائِرِ الْأَفْلَاكِ الَّتِي فِي جَوْفِهِ وَحَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ مُتَّصِلٌ بِنَظَرِيَّةِ الْفَلَاسِفَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِنَظَرِيَّةِ الْفَيْضِ أَوِ الصُّدُورِ أَوِ الْعُقُولِ الْعَشَرَةِ. انْظُرْ كَلَامَ الْفَلَاسِفَةِ عَنْهَا فِي: رَسَائِلِ الْكِنْدِيِّ الْفَلْسَفِيَّةِ 1/238 - 261 ; الْفَارَابِيِّ: آرَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْفَاضِلَةِ، ص 24 - 25 (ط. مَكْتَبَةِ الْحُسَيْنِ، 1368/1948) ; ابْنِ سِينَا: النَّجَاةِ، 3/448 - 455 ; الشِّفَاءِ، قِسْمِ الْإِلَهِيَّاتِ 2/393 - 409.

وَأَيْضًا فَالْأَفْلَاكُ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَمَنْ جُعِلَ غَيْرُهُ فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَانَ مَقْهُورًا مُدَبَّرًا، كَالْإِنْسَانِ الَّذِي جُعِلَ فِي بَاطِنِهِ أَحْشَاؤُهُ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَقْهُورًا مُدَبَّرًا، [فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَقْهُورًا مُدَبَّرًا] (¬1) كَانَ مَرْبُوبًا أَثَّرَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَمَنْ أَثَّرَ فِيهِ غَيْرُهُ كَانَ وُجُودُهُ (¬2) مُتَوَقِّفًا عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَثَرُ كَمَالًا أَوْ نَقْصًا، فَإِنَّهُ إِذَا (¬3) كَانَ زِيَادَةً كَانَ كَمَالُهُ مَوْقُوفًا عَلَى الْغَيْرِ، وَكَمَالُهُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصًا [كَانَ غَيْرُهُ قَدْ] (¬4) نَقَصَهُ، وَمَنْ نَقَصَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ مَا نَقَصَهُ هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ (¬5) ، فَإِنَّ [مَا] كَانَ (¬6) وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ، فَذَاكَ الْجُزْءُ الْمَنْقُوصُ لَيْسَ وَاجِبَ الْوُجُودِ (¬7) وَلَا مِنْ لَوَازِمِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَدَمُهُ نَقْصًا؛ إِذِ النَّقْصُ عَدَمُ كَمَالٍ، وَالْكَمَالُ الْمُمْكِنُ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ وَاجِبِ الْوُجُودِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ نَقْصٌ، فَتَبَيَّنُ أَنَّ مَنْ نَقَصَهُ غَيْرُهُ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِ وُجُودِهِ، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. وَفِي (م) : فَأَمَّا إِذَا. . إِلَخْ. (¬2) وُجُودُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) ن، م: إِنْ. (¬4) كَانَ غَيْرُهُ قَدْ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) بِنَفْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: فَإِنْ كَانَ. . . (¬7) ن، م: وَالنَّقْصُ لَيْسَ وَاجِبَ الْوُجُودِ.

أَوْ أَعْطَاهُ (¬1) شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِ وَجُودِهِ، لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ. فَالْفَلَكُ الَّذِي قَدْ حُشِيَ بِأَجْسَامٍ كَثِيرَةٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ الَّذِي حَشَاهُ بِتِلْكَ الْأَجْسَامِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ حَشْوُهُ كَمَالًا لَهُ، لَمْ يُوجَدْ كَمَالُهُ إِلَّا بِذَلِكَ الْغَيْرِ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فِيهِ كَانَ غَيْرُهُ قَدْ سَلَبَهُ الْكَمَالَ الزَّائِلَ (¬2) بِذَلِكَ النَّقْصِ، فَلَا تَكُونُ ذَاتُهُ مُسْتَلْزِمَةً لِذَلِكَ الْكَمَالِ، إِذَا لَوِ اسْتَلْزَمَتْهُ لَعُدِمَتْ بِعَدَمِهِ، وَكَمَالُهُ مِنْ تَمَامِ نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ جُزْءُ نَفْسِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ وَاجِبَةً كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَأَيْضًا، فَالْفَلَكُ الْأَطْلَسُ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ (¬3) فِي شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ الْمُحَرِّكَ لِلْأَفْلَاكِ الَّتِي فِيهِ، وَهِيَ مُتَحَرِّكَةٌ بِحَرَكَتِهِ، وَلَهَا حَرَكَةٌ تُخَالِفُ حَرَكَتَهُ، فَيَكُونُ فِي الْفَلَكِ الْوَاحِدِ قُوَّةٌ تَقْتَضِي حَرَكَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فَإِنَّ الضِّدَّيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلشَّيْءِ لَوْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِضِدِّهِ الَّذِي لَا يُجَامِعُهُ، لَكَانَ فَاعِلًا لَهُ غَيْرَ فَاعِلٍ [لَهُ] (¬4) ، 8 فَإِنْ كَانَ مُرِيدًا لَهُ [كَانَ مُرِيدًا] (¬5) غَيْرَ مُرِيدٍ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ [النَّقِيضَيْنِ] (¬6) ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي تَحْرِيكِ الْأَفْلَاكِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّأْثِيرِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْأَفْلَاكَ لَهَا حَرَكَاتٌ تَخُصُّهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِهِ ; وَلِأَنَّ مَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْآثَارِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْأَجْسَامِ ¬

(¬1) ن، م: وَأَعْطَاهُ. (¬2) ن، م: الزَّائِدَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: إِنَّ لَهُ تَأْثِيرٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ (¬5) كَانَ مُرِيدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ن (فَقَطْ) : بَيْنَ الضِّدَّيْنِ النَّقِيضَيْنِ.

امتناع وجود ربين للعالم

الْعُنْصُرِيَّةِ، وَتِلْكَ الْأَجْسَامُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَا لَمْ (¬1) يَفْعَلْهُ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِيهَا فَلَيْسَ مُؤَثِّرًا مُسْتَقِلًّا فِيهَا ; لِأَنَّ الْآثَارَ الْحَاصِلَةَ فِيهَا لَا تَكُونُ (¬2) إِلَّا بِاجْتِمَاعِ اتِّصَالَاتٍ وَحَرَكَاتٍ تَحْصُلُ بِغَيْرِهِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ تَأْثِيرَهُ مَشْرُوطٌ بِتَأْثِيرِ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَتَأْثِيرُهُ مِنْ كَمَالِهِ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِ الْمُؤَثِّرِ، وَهُوَ مُفْتَقِرٌ فِي هَذَا الْكَمَالِ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَتَبَيَّنَ [أَيْضًا] أَنَّ فَاعِلَهُ (¬3) لَيْسَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ فَاعِلِ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْفَلَكُ، لِكَوْنِ الْفَلَكِ لَيْسَ مُتَمَيِّزًا مُسْتَغْنِيًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَصْنُوعَاتِ، فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، وَلَا مَفْعُولًا لِفَاعِلٍ مُسْتَغْنٍ عَنْ فَاعِلٍ مَا سِوَاهُ. [امتناع وجود ربين للعالم] وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الْفَلَكِ الْأَطْلَسِ هَكَذَا، فَالْأَمْرُ فِي غَيْرِهِ أَظْهَرُ، فَأَيُّ شَيْءٍ اعْتَبَرْتَهُ مِنَ الْعَالَمِ (¬4) وَجَدْتَهُ مُفْتَقِرًا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ مِنَ الْعَالَمِ، فَيَدُلُّكَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ [مُمْكِنًا مُفْتَقِرًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِنَفْسِهِ] (¬5) عَلَى (¬6) أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى فَاعِلِ ذَلِكَ الْآخَرِ (¬7) ، فَلَا يَكُونُ فِي الْعَالَمِ فَاعِلَانِ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَفْعُولُهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ فِعْلِ الْآخَرِ وَمَفْعُولِهِ، وَهَذَا كَالْإِنْسَانِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ¬

(¬1) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: لَا تَحْصُلُ. (¬3) ن (فَقَطْ) : وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فَاعِلُهُ. (¬4) ن (فَقَطْ) : الْعَامِلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: إِلَى. وَالْمُثَبَتُ مِنْ (م) . (¬7) ن (فَقَطْ) : مَعَ كَوْنِهِ مُفْتَقِرًا إِلَى فَاعِلِ ذَلِكَ الْآخَرِ، وَهُوَ نَقْصٌ وَتَحْرِيفٌ.

الَّذِي خَلَقَهُ غَيْرَ الَّذِي خَلَقَ مَا (¬1) يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَالَّذِي خَلَقَ مَادَّتَهُ كَمَنِيِّ الْأَبَوَيْنِ وَدَمِ الْأُمِّ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ، وَالَّذِي خَلَقَ الْهَوَاءَ الَّذِي يَسْتَنْشِقُهُ وَالْمَاءَ الَّذِي يَشْرَبُهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ ; لِأَنَّ خَالِقَ ذَلِكَ [لَوْ] (¬2) كَانَ خَالِقًا غَيْرَ خَالِقِهِ، فَإِنْ كَانَا خَالِقَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَغْنٍ عَنِ الْآخَرِ فِي فِعْلِهِ وَمَفْعُولِهِ، كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمَادَّةِ وَالرِّزْقِ، فَلَوْ كَانَ خَالِقُ مَادَّتِهِ وَرِزْقِهِ غَيْرَ خَالِقِهِ، لَمْ يَكُنْ مَفْعُولُ أَحَدِهِمَا مُسْتَغْنِيًا عَنْ مَفْعُولِ الْآخَرِ. فَتَبَيَّنَ [بِذَلِكَ] (¬3) أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ فَاعِلَانِ، مَفْعُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَغْنٍ عَنْ مَفْعُولِ الْآخَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 91] . وَيَمْتَنِعُ (¬4) أَنْ يَكُونَا مُسْتَقِلَّيْنِ ; لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَا مُتَعَاوِنَيْنِ مُتَشَارِكَيْنِ، كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْمَخْلُوقِينَ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْمَفْعُولَاتِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فَاعِلًا إِلَّا بِإِعَانَةِ الْآخَرِ لَهُ، وَإِعَانَتُهُ فِعْلٌ مِنْهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، بَلْ [وَبِعِلْمِهِ] (¬5) وَإِرَادَتِهِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مُعِينًا لِذَاكَ حَتَّى يَكُونَ ذَاكَ مُعِينًا لِهَذَا، وَلَا يَكُونُ ذَاكَ (¬6) مُعِينًا لِهَذَا حَتَّى يَكُونَ هَذَا مُعِينًا لِذَاكَ ; وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا مُعِينًا لِذَاكَ وَلَا ذَاكَ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " خَلْقَ مَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَفِي (أ) : غَيْرَ الَّذِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. (¬2) لَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن (فَقَطْ) : وَمُمْتَنِعٌ. (¬5) ن، م: وَبِعَمَلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: هَذَا.

عود إلى الكلام على اتصاف الله بصفات الكلام

مُعِينًا لِهَذَا، كَمَا لَا يَكُونُ الشَّيْءُ مُعِينًا لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَالْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا يَفْعَلُ الْفَاعِلُ لَا تَكُونُ حَاصِلَةً بِالْقُدْرَةِ الَّتِي يَفْعَلُ بِهَا الْفَاعِلُ الْآخَرُ، بَلْ إِمَّا أَنْ تَكُونَ (¬1) مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَهِيَ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ تَكُونَ حَاصِلَةً بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ كَقُدْرَةِ الْعَبْدِ، فَإِذَا قُدِّرَ رَبَّانِ مُتَعَاوِنَانِ (¬2) لَا يَفْعَلُ أَحَدُهُمَا حَتَّى يُعِينَهُ الْآخَرُ، لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ بِقُدْرَةٍ لَازِمَةٍ لِذَاتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قُدْرَتُهُ حَاصِلَةً مِنَ الْآخَرِ ; لِأَنَّ الْآخَرَ لَا يَجْعَلُهُ قَادِرًا حَتَّى يَكُونَ هُوَ قَادِرًا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ قُدْرَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا قُدْرَةٌ بِحَالٍ. فَتَبَيَّنَ امْتِنَاعُ كَوْنِ الْعَالَمِ لَهُ رَبَّانِ، وَتَبَيَّنَ امْتِنَاعُ كَوْنِ وَاجِبِ الْوُجُودِ لَهُ كَمَالٌ يَسْتَفِيدُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَبَيَّنَ امْتِنَاعُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي وَاجِبِ الْوُجُودِ غَيْرُهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْكَمَالِ الَّذِي لَا غَايَةَ فَوْقَهُ، وَذَلِكَ الْكَمَالُ لَازِمٌ لَهُ ; لِأَنَّ الْكَمَالَ الَّذِي يَكُونُ كَمَالًا [لِلْمَوْجُودِ] (¬3) ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لَهُ، أَوْ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ، أَوْ جَائِزًا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَهُ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْكَمَالُ الَّذِي لِلْمَوْجُودِ مُمْكِنًا لِلْمُمْكِنِ مُمْتَنِعًا عَلَى الْوَاجِبِ، فَيَكُونُ الْمُمْكِنُ أَكْمَلَ مِنَ الْوَاجِبِ. [عود إلى الكلام على اتصاف الله بصفات الكلام] وَأَيْضًا، فَالْمُمَكِنَاتُ فِيهَا كَمَالَاتٌ مَوْجُودَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، وَالْمُبْدِعُ لِلْكَمَالِ الْمُعْطِي لَهُ الْخَالِقُ لَهُ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ؛ إِذِ الْكَمَالُ إِمَّا وُجُودٌ، وَإِمَّا كَمَالُ وُجُودٍ، وَمَنْ أَبْدَعَ الْمَوْجُودَ كَانَ أَحَقَّ بِأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا؛ إِذِ ¬

(¬1) ن، م: بَلْ إِنَّمَا يَكُونُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب: بِأَنَّ مُتَعَاوِنَيْنِ، أ، ب: بَانَ مُتَعَاوِنَانِ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) . (¬3) ن، م: لِلْوُجُودِ.

الْمَعْدُومُ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي الْمَوْجُودِ (¬1) ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْكَمَالَ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَحْصُلَ وَجَائِزًا أَنْ لَا يَحْصُلَ، لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا إِلَّا بِسَبَبٍ آخَرَ، فَيَكُونُ وَاجِبُ الْوُجُودِ مُفْتَقِرًا فِي كَمَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ هَذَا أَيْضًا. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْكَمَالَ لَازِمٌ لِوَاجِبِ الْوُجُودِ وَاجِبٌ لَهُ يَمْتَنِعُ سَلْبُ الْكَمَالِ عَنْهُ، وَالْكَمَالُ أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ، فَالْأُمُورُ الْعَدَمِيَّةُ لَا تَكُونُ كَمَالًا إِلَّا إِذَا تَضَمَّنَتْ أُمُورًا وُجُودِيَّةً، إِذِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كَمَالًا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِذَا ذَكَرَ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ تَنْزِيهِهِ وَنَفْيِ النَّقَائِصِ عَنْهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255] فَنَفِيُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحَيَاةِ وَالْقَيُّومِيَةِ، وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 3] ، فَإِنَّ نَفْيَ عُزُوبِ ذَلِكَ عَنْهُ يَتَضَمَّنُ عِلْمَهُ بِهِ، وَعِلْمُهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [سُورَةُ ق: 38] ، فَتَنْزِيهُهُ لِنَفْسِهِ عَنْ مَسِّ اللُّغُوبِ يَقْتَضِي كَمَالَ قُدْرَتِهِ، وَالْقُدْرَةُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَتَنْزِيهُهُ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ حَيَاتِهِ وَقِيَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهَكَذَا نَظَائِرُ ذَلِكَ. فَالرَّبُّ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا غَايَةَ فَوْقَهَا، إِذْ كُلُّ غَايَةٍ تَفْرِضُ كَمَالًا إِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لَهُ أَوْ مُمْكِنَةً أَوْ مُمْتَنِعَةً. وَالْقِسْمَانِ ¬

(¬1) أ، ب: الْوُجُودِ.

الْأَخِيرَانِ (¬1) بَاطِلَانِ فَوَجَبَ الْأَوَّلُ، فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقْصِ وَعَنْ مُسَاوَاةِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَهُ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ، بَلْ هَذِهِ الْمُسَاوَاةُ هِيَ مِنَ النَّقْصِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَيْنِ يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ مَاثَلَ شَيْئًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، لَلَزِمَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ [عَلَى] (¬2) ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مُمْكِنٌ قَابِلٌ لِلْعَدَمِ، بَلْ مَعْدُومٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى فَاعِلٍ وَهُوَ مَصْنُوعٌ مَرْبُوبٌ مُحْدَثٌ، فَلَوْ مَاثَلَ غَيْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَالشَّيْءُ الَّذِي مَاثَلَهُ فِيهِ مُمْكِنًا قَابِلًا لِلْعَدَمِ، بَلْ مَعْدُومًا مُفْتَقِرًا إِلَى فَاعِلٍ، مَصْنُوعًا مَرْبُوبًا مُحْدَثًا، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ كَمَالَهُ لَازِمٌ لِذَاتِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا أَوْ مَصْنُوعًا أَوْ مُحْدَثًا، فَلَوْ قُدِّرَ مُمَاثَلَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، لَلَزِمَ كَوْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا، مُمْكِنًا وَاجِبًا، قَدِيمًا مُحْدَثًا، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. فَالرَّبُّ تَعَالَى مُسْتَحِقٌّ لِلْكَمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ كَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فَإِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬3) أَخْبَرَ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَأَنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، عَزِيزٌ حَكِيمٌ، غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَدُودٌ مَجِيدٌ، وَأَنَّهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالصَّابِرِينَ، وَيَرْضَى عَنْ (¬4) الَّذِينَ ¬

(¬1) ن، م: الْآخَرَانِ. (¬2) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: عَلَى.

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [وَمَا بَيْنَهُمَا] (¬1) فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا وَنَادَاهُ وَنَاجَاهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَقَالَ فِي التَّنْزِيهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سُورَةُ الشُّورَى: 11] ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 65) {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 74] ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ، {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 22] فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ النَّظِيرِ بِاسْمِ الْكُفْءِ وَالْمِثْلِ وَالنِّدِّ وَالسَّمِيِّ (¬2) . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَتَبْنَا رِسَالَةً مُفْرَدَةً فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَسْرَارِ وَالْمَعَانِي الشَّرِيفَةِ (¬3) . فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا: إِثْبَاتٌ مُفَصَّلٌ، وَنَفْيٌ مُجْمَلٌ (¬4) ، إِثْبَاتُ صِفَاتِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، وَنَفْيُ النَّقْصِ وَالتَّمْثِيلِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ سُورَةُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} ، وَهِيَ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ [كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ ¬

(¬1) وَمَا بَيْنَهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ (فَقَطْ) : وَالْمُسَمَّى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ذَكَرَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِي رِسَالَةِ " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ " ص [0 - 9] 6 أَنَّ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ " رِسَالَةً فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) نَحْوَ خَمْسِينَ وَرَقَةً ". (¬4) ن (فَقَطْ) : مَحَلٌّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الصَّحِيحِ] (¬1) ، وَقَدْ كَتَبْنَا تَصْنِيفًا [مُفْرَدًا] فِي تَفْسِيرِهَا (¬2) وَآخَرَ فِي كَوْنِهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ (¬3) . فَاسْمُهُ الصَّمَدُ يَتَضَمَّنُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، كَمَا رَوَى الْوَالِبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬4) أَنَّهُ قَالَ: [هُوَ] (¬5) الْعَلِيمُ الَّذِي كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْقَدِيرُ الَّذِي كَمُلَ فِي قُدْرَتِهِ، وَالسَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي كَمُلَ فِي عَظَمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي كَمُلَ فِي حِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ، هُوَ اللَّهُ [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] (¬6) هَذِهِ صِفَتُهُ [لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ] (¬7) . وَالْأَحَدُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الْمِثْلِ عَنْهُ (¬8) ، وَالتَّنْزِيهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ [الرَّبُّ] (¬9) ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: مُصَنَّفًا فِي تَفْسِيرِهَا. (¬3) لِابْنِ تَيْمِيَّةَ كِتَابُ " تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ " وَقَدْ طُبِعَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ مِنْهَا الطَّبْعَةُ الْأُولَى بِالْمَطْبَعَةِ الْمُنِيرِيَّةِ، سَنَةَ 1352. وَلَهُ أَيْضًا كِتَابُ " جَوَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ بِتَحْقِيقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَنَّ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ " وَقَدْ طُبِعَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، مِنْهَا طَبْعَةُ الْمَطْبَعَةِ السَّلَفِيَّةِ سَنَةَ 1376. (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ب) : تَبْتَغِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (أ) . (¬8) ن، م: لَهُ. (¬9) الرَّبُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

يَجْمَعُهُ نَوْعَانِ: [أَحَدُهُمَا] (¬1) نَفْيُ النَّقْصِ عَنْهُ، وَالثَّانِي: نَفْيُ مُمَاثَلَةِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَإِثْبَاتُ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ مَعَ نَفْيِ مُمَاثَلَةِ غَيْرِهِ لَهُ يَجْمَعُ ذَلِكَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ. وَأَمَّا الْمُخَالِفُونَ لَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالصَّابِئَةِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَطَرِيقَتُهُمْ (¬2) : نَفْيٌ مُفَصَّلٌ وَإِثْبَاتٌ مُجْمَلٌ، يَنْفُونَ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَيُثْبِتُونَ مَا لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي الْخَيَالِ، فَيَقُولُونَ: [لَيْسَ بِكَذَا وَلَا كَذَا. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ] (¬3) : لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ، بَلْ إِمَّا سَلْبِيَّةٌ، وَإِمَّا إِضَافِيَّةٌ، وَإِمَّا مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ، كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ، وَيَقُولُ: هُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ سَلْبِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ عَنْهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وُجُودٌ مُطَلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ. وَقَدْ قَرَّرُوا فِي مَنْطِقِهِمْ مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ: أَنَّ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ إِنَّمَا وُجُودُهُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْخَارِجِ حَيَوَانٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، وَلَا إِنْسَانٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، وَلَا جِسْمٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، فَيَبْقَى وَاجِبُ الْوُجُودِ مُمْتَنِعُ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ تَعْطِيلٌ وَجَهْلٌ وَكُفْرٌ فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَمَنْ قَالَ: مُطْلَقٌ بِشَرْطِ سَلْبِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ، فَهَذَا أَبْعَدُ مِنَ الْمُطْلَقِ بِشَرْطِ (¬4) الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ هَذَا قَيَّدَهُ (¬5) بِسَلْبِ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ (¬6) دُونَ ¬

(¬1) أَحَدُهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: فَطَرِيقُهُمْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن: فَهُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْمُطْلَقِ بَعْدَ شَرْطِ. (¬5) ن، م: قُيِّدَ. (¬6) أ، ب: الْمَوْجُودَةِ.

الْعَدَمِيَّةِ، وَهَذَا (¬1) أَوْلَى بِالْعَدَمِ مِمَّا قُيِّدَ (¬2) بِسَلْبِ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ وَالْعَدَمِيَّةِ (¬3) ، وَهُوَ أَيْضًا أَبْلَغُ فِي الِامْتِنَاعِ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ الْمُشَارِكَ لِغَيْرِهِ فِي الْوُجُودِ لَا يَمْتَازُ عَنْهُ بِوَصْفٍ عَدَمِيٍّ بَلْ بِأَمْرٍ وُجُودِيٍّ، فَإِذَا قُدِّرَ وُجُودٌ لَا يَتَمَيْرُ عَنْ غَيْرِهِ إِلَّا بِعَدَمٍ، كَانَ أَبْلَغَ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ وُجُودٍ يَتَمَيَّزُ بِسَلْبِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ هَذَا يُشَارِكُ سَائِرَ الْمَوْجُودَاتِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، وَيَمْتَازُ عَنْهَا بِالْعَدَمِ، وَهِيَ تَمْتَازُ عَنْهُ بِالْوُجُودِ، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ: أَيُّ مَوْجُودٍ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ قُدِّرَ فَهُوَ أَكْمَلُ مِنَ الْوَاجِبِ، وَهَذَا [فِي] غَايَةِ [الْفَسَادِ] وَالْكُفْرِ (¬4) . وَإِنْ قَالُوا: هُوَ مُطْلَقٌ لَا بِشَرْطٍ، كَمَا يَقُولُهُ [الصَّدْرُ] الْقُونَوِيُّ (¬5) وَأَمْثَالُهُ ¬

(¬1) ن، م: وَهُوَ. (¬2) ن (فَقَطْ) : قِيلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن (فَقَطْ) : الْوُجُودِيَّةِ دُونَ الْعَدَمِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَتَكَرَّرَتِ الْعِبَارَةُ مَرَّةً أُخْرَى فِي (ن) وَهُوَ سَهْوٌ مِنَ النَّاسِخِ. (¬4) ن، م: وَهَذَا غَايَةُ الْكُفْرِ. (¬5) الصَّدْرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَهُوَ صَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَلِيٍّ الْقُونَوِيُّ الرُّومِيُّ، مِنْ كِبَارِ الصُّوفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِوِحْدَةِ الْوُجُودِ. وَمِنْ أَصْحَابِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيٍّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 673 وَقِيلَ: 672. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي " الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى " لِلشَّعْرَانِيِّ 1/177 ; الْأَعْلَامَ 6/254. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَةِ " السَّبْعِينِيَّةِ " ضِمْنَ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى، ط. كُرْدِسْتَانَ الْعِلْمِيَّةِ، الْقَاهِرَةُ، 1329. وَمَا ذَكَرَهُ الدُّكْتُورُ أَبُو الْوَفَا التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَحْثِهِ عَنِ الطَّرِيقَةِ الْأَكْبَرِيَّةِ، ص 343 - 344، الْكِتَابُ التِّذْكَارِيُّ لِابْنِ عَرَبِيٍّ، ط. الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلتَّأْلِيفِ وَالنَّشْرِ، 1389/1969.

مِنَ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، فَالْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطٍ هُوَ مَوْضُوعُ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ (¬1) عِنْدَهُمْ، الَّذِي هُوَ الْحِكْمَةُ الْعُلْيَا وَالْفَلْسَفَةُ الْأُولَى عِنْدَهُمْ، فَإِنَّ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ لَا بِشَرْطٍ يَنْقَسِمُ إِلَى: وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَعِلَّةٍ وَمَعْلُولٍ، وَجَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، وَهَذَا مَوْضُوعُ (¬2) الْعِلْمِ الْأَعْلَى عِنْدَهُمْ (¬3) النَّاظِرُ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوُجُودَ الْمُنْقَسِمَ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ لَا يَكُونُ هُوَ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ، وَيَتَنَازَعُونَ فِي وُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُعَيَّنًا لَا كُلِّيًّا، فَمَا هُوَ كُلِّيٌّ فِي الْأَذْهَانِ يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ، لَكِنْ لَا يُوجَدُ كُلِّيًّا. فَمَنْ قَالَ: الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، وَأَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَدْ أَصَابَ. وَأَمَّا إِنْ قَالَ: إِنَّ (¬4) فِي الْخَارِجِ مَا هُوَ كُلِّيٌّ فِي الْخَارِجِ - كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي الْمَنْطِقِ وَالْإِلَهِيَّاتِ - وَادَّعَى أَنَّ فِي الْخَارِجِ إِنْسَانًا مُطْلَقًا كُلِّيًّا، [وَفَرَسًا مُطْلَقًا كُلِّيًّا] (¬5) ، وَحَيَوَانًا مُطْلَقًا ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : فَالْمُطَلَقُ لَا يُوجَدُ فَهُوَ الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; ب، أ: فَالْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطٍ هُوَ مَوْضِعُ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬2) أ، ب: مَوْضِعُ. (¬3) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

[كُلِّيًّا] (¬1) ، فَهُوَ مُخْطِئٌ خَطَأً ظَاهِرًا: سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الْأَعْيَانِ أَزَلِيَّةٌ - كَمَا يَذْكُرُونَهُ عَنْ أَفْلَاطُونَ (¬2) وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ " الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّةَ " أَوِ ادَّعَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مُقَارِنَةً لِلْمُعَيَّنَاتِ، أَوِ ادَّعَى (¬3) أَنَّ الْمُطْلَقَ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَيَّنِ - كَمَا يَذْكُرُونَهُ عَنْ أَرِسْطُو وَشِيعَتِهِ، كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ - وَيَقُولُونَ: إِنَّ النَّوْعَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ، [وَإِنَّ] الْإِنْسَانَ (¬4) مُرَكَّبٌ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ، وَالْفَرَسَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالصَّاهِلِ، فَإِنَّ هَذَا إِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُتَّصِفٌ بِهَذَا وَهَذَا فَهَذَا حَقٌّ، وَلَكِنَّ الصِّفَةَ لَا تَكُونُ سَبَبَ وُجُودِ (¬5) الْمَوْصُوفِ وَلَا مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ لَا فِي الْحِسِّ وَلَا فِي الْعَقْلِ، وَلَا يَكُونُ الْجَوْهَرُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ مُرَكَّبًا مِنْ عَرَضَيْنِ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْمَوْجُودَ فِي الْخَارِجِ فِيهِ جَوْهَرَانِ قَائِمَانِ بِأَنْفُسِهِمَا: أَحَدُهُمَا الْحَيَوَانُ، وَالْآخَرُ النَّاطِقُ، فَهَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ وَالْحِسِّ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ تَرْكِيبُ الْإِنْسَانِ الْعَقْلِيُّ الْمُتَصَوَّرُ (¬6) فِي الْأَذْهَانِ لَا الْمَوْجُودَ فِي الْأَعْيَانِ فَهَذَا صَحِيحٌ، لَكِنَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ هُوَ بِحَسَبِ مَا يُرَكِّبُهُ الذِّهْنُ، فَإِنْ رَكَّبَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ تَرَكَّبَ مِنْهُمَا، وَإِنَّ رَكَّبَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالصَّاهِلِ تَرَكَّبَ مِنْهُمَا، فَدَعْوَى الْمُدَّعِي: أَنَّ إِحْدَى ¬

(¬1) كُلِّيًّا: سَاقِطَةٌ مِنَ النُّسَخِ الْأَرْبَعِ، وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ. (¬2) ن، م، أ: أَفَلَاطُنَ. (¬3) ن: وَادَّعَى. (¬4) ن، م: وَالْإِنْسَانَ. (¬5) وُجُودِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن: الْمُصَوَّرُ ; م: الْمَقْصُورُ.

الصِّفَتَيْنِ (¬1) ذَاتِيَّةٌ مُقَوِّمَةٌ لِلْمَوْصُوفِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهَا لَا فِي الْخَارِجِ وَلَا فِي الذِّهْنِ، وَالْأُخْرَى عَرَضِيَّةٌ يَتَقَوَّمُ الْمَوْصُوفُ بِدُونِهَا مَعَ كَوْنِهَا مُسَاوِيَةً لِتِلْكَ فِي اللُّزُومِ - تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلِينَ. وَالْفُرُوقُ الَّتِي يَذْكُرُونَهَا بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَالْعَرَضِيِّ - اللَّازِمِ لِلْمَاهِيَّةِ - هِيَ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ فُرُوقٌ مُنْتَقِضَةٌ وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِانْتِقَاضِهَا، كَمَا يَعْتَرِفُ بِذَلِكَ ابْنُ سِينَا وَمُتَّبِعُوهُ شَارِحُو " الْإِشَارَاتِ "، وَكَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " (¬2) وَغَيْرُهُمْ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬3) . وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِمْ وَقَوْلِ (4 مَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ 4) (¬4) الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ فِي وُجُودِ وَاجِبِ الْوُجُودِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا كَلَامُ جُمَلِيٌّ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ [وَسَلَامُهُ] (¬5) عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعِهِ. ¬

(¬1) ن: أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) وَهُوَ أَبُو الْبَرَكَاتِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مَلْكَا، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ 1/178. (¬3) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص [0 - 9] 6 عِنْدَ ذِكْرِهِ لِأَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: " وَلَهُ كِتَابٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمَنْطِقِ، مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ. وَلَهُ مُصَنَّفَانِ آخَرَانِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمَنْطِقِ نَحْوُ مُجَلَّدٍ ". وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِ " الصَّفَدِيَّةِ " (وَرَقَةِ 193 ب) أَنَّهُ لَهُ كِتَابَيْنِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمَنْطِقِ: أَحَدُهُمَا كَبِيرٌ وَالْآخَرُ صَغِيرٌ، وَأَنَّ لَهُ كِتَابًا فِي نَقْضِ مَنْطِقِ الْإِشَارَاتِ لِابْنِ سِينَا كَمَا أَنَّهُ نَقَدَ الْمَنْطِقَ فِي رَدِّهِ عَلَى مُحَصَّلِ الرَّازِيِّ. وَقَدْ لَخَّصَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْفُرُوقَ الثَّلَاثَةَ بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَالْعَرَضِيِّ فِي كِتَابِهِ " الرَّدِّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ " ص [0 - 9] 2 - 64 وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ هُنَاكَ أَنَّهُ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْفُرُوقِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى إِشَارَاتِ ابْنِ سِينَا، وَمِنْ ذَلِكَ يَتَّضِحُ أَنَّهُ فَصَّلَ هَذَا الرَّدَّ فِي كِتَابِهِ فِي نَقْضِ مَنْطِقِ الْإِشَارَاتِ وَهُوَ لَيْسَ بَيْنَ أَيْدِينَا. (¬4) : (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) وَسَلَامُهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

لَكِنَّ هَذَا الْإِمَامِيَّ لَمَّا أَخَذَ يَذْكُرُ عَنْ طَائِفَتِهِ أَنَّهُمُ الْمُصِيبُونَ فِي التَّوْحِيدِ دُونَ غَيْرِهِمُ احْتَجْنَا إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ، فَنَقُولُ: أَمَّا [مَا] ذَكَرَهُ [مِنْ] لِفَظِ (¬1) الْجِسْمِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، لَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَلَا غَيْرُهُمْ. وَلَكِنْ لَمَّا ابْتَدَعَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْقَوْلَ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ فِي آخِرِ (¬2) الدَّوْلَةِ الْأُمَوِيَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنِ ابْتَدَعَ ذَلِكَ هُوَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ مُعَلِّمُ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ آخَرِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ هَذَا الْجَعْدُ مِنْ حَرَّانَ (¬3) ، وَكَانَ فِيهَا أَئِمَّةُ الصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةُ، وَالْفَارَابِيُّ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْفَلْسَفَةَ عَنْ مَتَّى ثُمَّ دَخَلَ إِلَى حَرَّانَ فَأَخَذَ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا عَنْ أُولَئِكَ الصَّابِئَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِحَرَّانَ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْهَيَاكِلَ الْعُلْوِيَّةَ وَيَبْنُونَ (¬4) : هَيْكَلَ الْعِلَّةِ الْأُولَى، هَيْكَلَ الْعَقْلِ الْأَوَّلِ، هَيْكَلَ النَّفْسِ الْكُلِّيَّةِ، هَيْكَلَ زُحَلَ، هَيْكَلَ الْمُشْتَرَى، هَيْكَلَ الْمِرِّيخِ، هَيْكَلَ الشَّمْسِ، هَيْكَلَ الزُّهْرَةِ، هَيْكَلَ عُطَارِدَ، هَيْكَلَ الْقَمَرِ، وَيَتَقَرَّبُونَ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ (¬5) مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَالْقَرَابِينِ وَالْبَخُورَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (¬6) . ¬

(¬1) ن، م: أَمَّا ذِكْرُهُ لَفْظَ. . . (¬2) ن، م: أَوَاخِرَ. (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنِ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ 1/7، 309. وَقَدْ قُتِلَ الْجَعْدُ حَوَالَيْ سَنَةَ 118. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا لِسَانَ الْمِيزَانِ 2/105 ; مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 1/185 ; الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 5/160 (¬4) ن، م: وَيُثْبِتُونَ. (¬5) أ، ب: بِمَا هُوَ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفٌ. (¬6) سَبَقَ الْكَلَامُ (هَذَا الْكِتَابُ 1/5 - 6) عَنِ الصَّابِئَةِ الْقَائِلِينَ بِالْحَاجَةِ إِلَى مُتَوَسِّطٍ رُوحَانِيٍّ مِنَ الْكَوَاكِبِ أَوِ الْأَصْنَامِ، وَأَشَرْتُ هُنَاكَ إِلَى أَنَّ مَرْكَزَهُمْ كَانَ حَرَّانَ. وَحَرَّانُ - كَمَا يَذْكُرُ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ -: " مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ جَزِيرَةِ آقُورَ، وَهِيَ قَصَبَةُ دِيَارِ مُضَرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّهَا يَوْمٌ وَبَيْنَ الرَّقَّةِ يَوْمَانِ وَهِيَ عَلَى طَرِيقِ الْمَوْصِلِ وَالشَّامِ وَالرُّومِ. . وَكَانَتْ مَنَازِلُ الصَّابِئَةِ وَهُمُ الْحَرَّانِيُونَ الَّذِينَ يَذْكُرُهُمْ أَصْحَابُ كُتُبِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ ". وَيَتَكَلَّمُ الْبَيْرُونِيُّ (الْأَثَارِ الْبَاقِيَةِ عَنِ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، ص [0 - 9] 04 - 208، ط. أَلْمَانْيَا، 1878) عَنِ الصَّابِئَةِ بِالتَّفْصِيلِ، وَمِنْ كَلَامِهِ عَنْهُمْ: " وَكَانَتْ لَهُمْ هَيَاكِلُ وَأَصْنَامٌ بِأَسْمَاءِ الشَّمْسِ مَعْلُومَةُ الْأَشْكَالِ كَمَا ذَكَرَهَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَلْخِيُّ فِي كِتَابِهِ: بُيُوتِ الْعِبَادَاتِ " وَانْظُرْ أَيْضًا: الْخُطَطَ لِلْمَقَرِّيزِيِّ 1/344.

وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَعْدَاءُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ (1 عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ 1) (¬1) [إِمَّا بِالْعِرَاقِ أَوْ] (¬2) بِحَرَّانَ (3 كَمَا فِي التَّوْرَاةِ 3) (¬3) ، وَلِهَذَا نَاظَرَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ، وَحَكَى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ، لَمَّا رَأَى أَنَّهُ (¬4) كَوْكَبًا {قَالَ هَذَا رَبِّي} [إِلَى قَوْلِهِ: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} ] (¬5) إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ - إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 76 - 79] الْآيَاتِ. وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: {هَذَا رَبِّي} أَنَّ هَذَا خَالِقُ الْعَالَمِ، وَأَنَّهُ (¬6) اسْتَدَلَّ بِالْأُفُولِ - وَهُوَ الْحَرَكَةُ وَالِانْتِقَالُ - عَلَى عَدَمِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ هِيَ الدَّالَّةُ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ وَحُدُوثِ الْعَالَمِ. ¬

(¬1) : (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: فَإِنَّهُ.

فساد استدلال الفلاسفة بآيات سورة الأنعام

[فساد استدلال الفلاسفة بآيات سورة الأنعام] وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ، لَا قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَلَا تَوَهَّمَ أَحَدُهُمْ (¬1) أَنَّ كَوْكَبًا أَوِ الْقَمَرَ أَوِ الشَّمْسَ خَلَقَ هَذَا الْعَالَمِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ زَاعِمِينَ أَنَّ فِي ذَلِكَ جَلْبَ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعَ مَضَرَّةٍ، عَلَى طَرِيقَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ (¬2) وَالْكُشْدَانِيِّينَ (¬3) " [وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ] (¬4) ، وَعَلَى طَرِيقَةِ هَؤُلَاءِ صُنِّفَ الْكِتَابُ الَّذِي صَنَّفَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْخَطِيبِ الرَّازِيُّ (¬5) فِي السِّحْرِ وَالطَّلْسَمَاتِ (¬6) وَدَعْوَةِ الْكَوَاكِبِ (¬7) ، وَهَذَا دِينُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ ¬

(¬1) ن، م: أَحَدٌ. (¬2) ن، م: الْكَذَّابِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) لَمْ أَجِدْ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ الْمَرَاجِعِ شَيْئًا عَنْهُمْ سِوَى عِبَارَةٍ قَصِيرَةٍ فِي " تَاجِ الْعَرُوسِ " لِلزُّبَيْدِيِّ مَادَّةَ " كَشَدَ ": " الْكُشْدَانِيُّونَ بِالضَّمِّ طَائِفَةٌ مِنْ عَبْدَةِ الْكَوَاكِبِ (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; م: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ. (¬6) قَالَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ فِي " شِفَاءِ الْغَلِيلِ فِيمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الدَّخِيلِ " مَادَّةَ " طَلْسَمَ ": " لَفْظٌ يُونَانِيُّ لَمْ يُعَرِّبْهُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ: وَكَوْنُهُ مَقْلُوبًا مِنْ مُسَلَّطٍ وَهْمٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَفِي " السِّرِّ الْمَكْتُومِ ": هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ عِلْمٍ بِأَحْوَالِ تَمْزِيجِ الْقُوَى الْفَعَّالَةِ السَّمَاوِيَّةِ بِالْقُوَى الْمُنْفَعِلَةِ الْأَرْضِيَّةِ لِأَجْلِ التَّمَكُّنِ مِنْ إِظْهَارِ مَا يُخَالِفُ الْعَادَةَ وَالْمَنْعِ مِمَّا يُوَافِقُهَا ". (¬7) وَهُوَ كِتَابُ " السِّرِّ الْمَكْتُومِ فِي مُخَاطَبَةِ النُّجُومِ ". انْظُرْ: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/318 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 4/426 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 7/203.

الْهِنْدِ وَالْخَطَا (¬1) وَالنَّبَطِ (¬2) وَالْكَلْدَانِيِّينَ وَالْكُشْدَانِيِّينَ (¬3) وَلِهَذَا قَالَ الْخَلِيلُ: {يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 77] وَقَالَ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ - أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ - فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 75 - 77] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَأَيْضًا، فَالْأُفُولُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ الْمَغِيبُ وَالِاحْتِجَابُ، لَيْسَ هُوَ الْحَرَكَةَ وَالِانْتِقَالَ (¬4) . ¬

(¬1) يُطْلَقُ لَفْظُ الْخَطَا أَحْيَانًا عَلَى الصِّينِ بِعَامَّةٍ، وَأَحْيَانًا عَلَى الصِّينِ الشَّمَالِيَّةِ بِخَاصَّةٍ، وَيُطْلَقُ تَارَةً عَلَى قَبَائِلِ الْخَطَا الَّتِي كَانَتْ تَعِيشُ فِي شَمَالِ الصِّينِ وَالَّتِي نَزَحَتْ مِنْ مَوْطِنِهَا فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ الْهِجْرِيِّ إِلَى غَرْبِ إِقْلِيمِ التُّرْكِسْتَانِ حَيْثُ كَوَّنُوا دَوْلَةً عُرِفَتْ بِمَمْلَكَةِ الْقَرَاخَطَائِيِّينَ. انْظُرْ: جَامِعَ التَّوَارِيخِ لِرَشِيدِ الدِّينِ الْهَمَذَانِيِّ، الْمُجَلَّدُ الثَّانِي، 1/109 - 121، ط. الْحَلَبِيِّ، 1960 ; الْمَغُولَ فِي التَّارِيخِ لِلدُّكْتُورِ فُؤَاد عَبْد الْمُعْطِي الصَّيَّاد، ص [0 - 9] ، 29 - 33، ; دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْبِرِيطَانِيَّةِ مَادَّةَ cathay (¬2) فِي اللِّسَانِ: " النَّبِيطُ وَالنَّبَطُ كَالْحَبِيشِ وَالْحَبَشِ فِي التَّقْدِيرِ: جِيلٌ يَنْزِلُونَ السَّوَادَ، وَفِي الْمُحْكَمِ يَنْزِلُونَ سَوَادَ الْعِرَاقِ وَهُمُ الْأَنْبَاطُ. وَفِي الصِّحَاحِ: يَنْزِلُونَ الْبَطَائِحَ بَيْنَ الْعِرَاقَيْنِ ". وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَحْمَد عَطِيَّة اللَّه فِي " الْقَامُوسِ الْإِسْلَامِيِّ " مَادَّةَ: " أَنْبَاطَ " أَنْبَاطٌ أَوْ نَبَطٌ: شَعْبٌ عَرَبِيٌّ قَدِيمٌ كَانَ يَعِيشُ فِي الْإِقْلِيمِ الصَّحَرَاوِيِّ الَّذِي يَمْتَدُّ مَا بَيْنَ شِبْهِ جَزِيرَةِ سَيْنَاءَ وَحَوْرَانَ. . وَكَانَ لِلْأَنْبَاطِ حَضَارَةٌ مَازَالَتْ آثَارُهَا تَتَمَثَّلُ فِي أَطْلَالِ مَدِينَةِ بَطْرَا أَوِ الْبَتْرَاءِ. . وَعِنْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ هُنَاكَ بَقَايَا مِنَ الْأَنْبَاطِ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا مِنْ شُعُوبِ الْمِنْطَقَةِ كَالسُّرْيَانِ وَالْأَرَامِيِّينَ وَلِلْأَنْبَاطِ كِتَابَةٌ خَاصَّةٌ تُعْرَفُ بِالْخَطِّ النَّبَطِيِّ وَهُوَ يُشْبِهُ الْخَطَّ الْحِمْيَرِيِّ " (¬3) ذُكِرَتْ كَلِمَتَا: " الْكَلْدَانِيِّينَ وَالْكُشْد َانِيِّينَ " مُحَرَّفَتَيْنِ فِي (ن) . وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ. (¬4) فِي اللِّسَانِ: " أَفَلَ أَيْ: غَابَ، وَأَفَلَتِ الشَّمْسُ تَأْفُلُ (بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا) أَفْلًا وَأُفُولًا: غَرَبَتْ ".

وَأَيْضًا، فَلَوْ كَانَ احْتِجَاجُهُ (¬1) بِالْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ لَمْ يَنْتَظِرْ [إِلَى] (¬2) أَنْ يَغِيبَ، بَلْ كَانَ نَفْسُ (¬3) الْحَرَكَةِ الَّتِي يُشَاهِدُهَا مِنْ حِينِ تَطَلُعُ إِلَى أَنْ (¬4) تَغِيبَ هِيَ (¬5) الْأُفُولُ. وَأَيْضًا، فَحَرَكُتُهَا (¬6) بَعْدَ الْمَغِيبِ وَالِاحْتِجَابِ غَيْرُ مَشْهُودَةٍ وَلَا مَعْلُومَةٍ. وَأَيْضًا، فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: {هَذَا رَبِّي} أَيْ (¬7) : هَذَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، لَكَانَتْ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬8) حُجَّةً عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ (¬9) حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنِ الْحَرَكَةُ عِنْدَهُ (¬10) مَانِعَةً مِنْ كَوْنِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ هُوَ الْأُفُولُ (¬11) . وَلَمَّا (¬12) حَرَّفَ هَؤُلَاءِ لَفْظَ " الْأُفُولِ " سَلَكَ ابْنُ سِينَا [هَذَا الْمَسْلَكَ] (¬13) ¬

(¬1) احْتِجَاجُهُ: كَذَا فِي (أ) ، (ن) ، (م) ; وَفِي (ب) : احْتِجَابُهُ. وَالْمَعْنَى: لَوْ كَانَ احْتِجَاجُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى عَدَمِ رُبُوبِيَّةِ الْكَوَاكِبِ أَوِ الشَّمْسِ أَوَ الْقَمَرِ بِحَرَكَةِ كُلٍّ مِنْهَا وَانْتِقَالِهِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِانْتِظَارِ حَتَّى يَغِيبَ بَلْ كَانَتِ الْحَرَكَةُ الْمُشَاهَدَةُ لِلْعِيَانِ كَافِيَةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى عَدَمِ الرُّبُوبِيَّةِ. (¬2) إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: لَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يَغِيبَ بَلْ نَفْسُ الْحَرَكَةِ. . إِلَخْ. (¬4) ن: إِلَى حِينِ. (¬5) ب: هُوَ. (¬6) ن، م: فَحَرَكَاتُهَا. (¬7) أَيْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: لِأَنَّهُمْ. (¬10) ن، م: عِنْدَهُمْ. (¬11) انْظُرْ تَفْسِيرَ آيَاتِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ 74 - 79 فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ. (¬12) ن (فَقَطْ) : وَلَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬13) هَذَا الْمَسْلَكَ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

فِي " إِشَارَاتِهِ " (¬1) فَجَعَلَ الْأُفُولَ هُوَ الْإِمْكَانَ، وَجَعْلَ كُلَّ مُمْكِنٍ آفِلًا، وَأَنَّ الْأُفُولَ هُوِيٌّ فِي حَظِيرَةِ الْإِمْكَانِ (¬2) وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مَا سِوَى اللَّهِ آفِلًا (¬3) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَمِنْ أَعْظَمِ الْقَرْمَطَةِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ مُمْكِنٍ آفِلًا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} فَإِنَّ قَوْلَهُ: {فَلَمَّا أَفَلَ} يَقْتَضِي حُدُوثَ الْأُفُولِ لَهُ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ: " الْأُفُولُ " لَازِمٌ لَهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ آفِلًا (¬4) ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُ إِبْرَاهِيمَ بِالْأُفُولِ الْإِمْكَانَ، وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوْكَبِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَنْ يَنْتَظِرَ أُفُولَهَا. وَأَيْضًا، فَجَعْلُ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ الْوَاجِبِ [بِغَيْرِهِ] (¬5) أَزَلًا وَأَبَدًا مُمْكِنًا قَوْلٌ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ سِينَا وَمَنْ تَابَعَهُ (¬6) ، وَهُوَ قَوْلٌ (¬7) مُخَالِفٌ لِجُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ مِنْ سَلَفِهِمْ وَخَلَفِهِمْ (¬8) . ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : إِشَارَتِهِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن: فِي حَظِيرَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَهُوَ خَطَأٌ ; م: هُوَ فِي حَظِيرَةِ الشَّمْسِ. (¬3) قَالَ ابْنُ سِينَا: (الْإِشَارَاتُ التَّنْبِيهَاتُ، ص 531 - 532 ط. الْمَعَارِفِ) " قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ الْمَحْسُوسَ مَوْجُودٌ لِذَاتِهِ، وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ، لَكِنَّكَ إِذَا تَذَكَّرْتَ مَا قِيلَ لَكَ فِي شَرْطِ وَاجِبِ الْوُجُودِ لَمْ تَجِدْ هَذَا الْمَحْسُوسَ وَاجِبًا، وَتَلَوْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: (لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) فَإِنَّ الْهَوَى فِي حَظِيرَةِ الْإِمْكَانِ أُفُولٌ مَا ". (¬4) آفِلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) بِغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: اتَّبَعَهُ. (¬7) قَوْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: وَغَيْرِهِمْ.

عود إلى الكلام على معاني لفظ الجسم

[عود إلى الكلام على معاني لفظ الجسم] وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي " الْجِسْمِ " وَفِي إِدْخَالِ لَفْظِ " الْجِسْمِ " فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفِي التَّوْحِيدِ، وَكَانَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَصَارَ النَّاسُ فِي لَفْظِ " الْجِسْمِ " عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: طَائِفَةٌ تَقُولُ: إِنَّهُ جِسْمٌ، وَطَائِفَةٌ تَقُولُ: لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَطَائِفَةٌ تَمْتَنِعُ عَنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِهَذَا، وَهَذَا لِكَوْنِهِ بِدْعَةً فِي الشَّرْعِ أَوْ لِكَوْنِهِ (¬1) فِي الْعَقْلِ يَتَنَاوَلُ حَقًّا وَبَاطِلًا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُفُّ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَفْصِلُ الْمُتَكَلِّمَ (¬2) : فَإِنْ ذَكَرَ فِي النَّفْيِ أَوِ الْإِثْبَاتِ (¬3) مَعْنًى صَحِيحًا قَبِلَهُ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ (¬4) ، لَا يُعَبِّرُ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ مَكْرُوهَةٍ فِي الشَّرْعِ ; وَإِنْ ذَكَرَ مَعْنًى بَاطِلًا رَدَّهُ. وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ " الْجِسْمِ " فِيهِ اشْتِرَاكٌ بَيْنَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَمَعَانِيهِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا، وَفِي الْمَعْنَى مُنَازَعَاتٌ عَقْلِيَّةٌ، فَيُطْلِقُهُ كُلُّ قَوْمٍ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِهِمْ وَحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ، فَإِنَّ الْجِسْمَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ الْبَدَنُ، أَوِ الْبَدَنُ وَنَحْوُهُ مِمَّا هُوَ غَلِيظٌ كَثِيفٌ، هَكَذَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 4] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 247] . ثُمَّ قَدْ يُعْنَى بِهِ نَفْسُ الشَّيْءِ الْغَلِيظِ الْكَثِيفِ، وَقَدْ يُعْنَى بِهِ نَفْسُ غِلَظِهِ وَكَثَافَتِهِ. ¬

(¬1) ن: وَلَكِنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: الْكَلَامَ. (¬3) ن، م: وَالْإِثْبَاتِ. (¬4) ن (فَقَطْ) : عَنْهُ بِغَيْرِهِ شَرَعَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ.

وَعَلَى هَذَا فَالزِّيَادَةُ فِي الْجِسْمِ الَّذِي هُوَ الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَهُوَ الْقَدْرُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالزِّيَادَةُ فِي نَفْسِ الْمُقَدَّرِ الْمَوْصُوفِ. وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا الثَّوْبُ لَهُ جِسْمٌ، أَيْ: غِلَظٌ وَثِخَنٌ، وَلَا يُسَمَّى الْهَوَاءُ جِسْمًا، وَلَا النَّفَسُ الْخَارِجُ مِنْ فَمِ (¬1) الْإِنْسَانِ وَنَحْوُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ (¬2) جِسْمًا. وَأَمَّا أَهْلُ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ فَالْجِسْمُ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ لَفْظَ " الْجَوْهَرِ " فِي اللُّغَةِ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَعْنُونَ بِالْجَوْهَرِ مَا قَامَ بِنَفْسِهِ أَوِ الْمُتَحَيِّزَ أَوْ مَا إِذَا وُجِدَ كَانَ وُجُودُهُ لَا فِي مَوْضِعٍ (¬3) ، أَيْ: لَا فِي مَحَلٍّ يَسْتَغْنِي عَنْهُ ; وَالْجَوْهَرُ فِي اللُّغَةِ الْجَوْهَرُ الْمَعْرُوفُ. ثُمَّ قَدْ يُعَبِّرُونَ عَنِ الْجِسْمِ بِأَنَّهُ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ، أَوْ مَا يَقْبَلُ (¬4) الْإِشَارَةَ الْحِسِّيَّةَ بِأَنَّهُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ، وَقَدْ يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِمَا قَبِلَ الْأَبْعَادَ الثَّلَاثَةَ: الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْعُمْقُ، أَوْ بِمَا كَانَ فِيهِ الْأَبْعَادُ الثَّلَاثَةُ: الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْعُمْقُ (¬5) . وَلَفْظُ الْبُعْدِ: الطُّولُ (¬6) وَالْعَرْضُ وَالْعُمْقُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ أَعَمُّ مِنْ ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : نَفَسُ. (¬2) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: مَوْضُوعٍ. (¬4) ن: أَوْ لَا يَقْبَلُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) يَقُولُ ابْنُ سِينَا: (الشِّفَاءُ، قِسْمُ الْإِلَهِيَّاتِ 1/61، ط. وِزَارَةِ الثَّقَافَةِ وَالْإِرْشَادِ) : " وَأَمَّا تَحْقِيقُهُ وَتَعْرِيفُهُ فَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْجِسْمَ جَوْهَرٌ طَوِيلٌ عَرِيضٌ عَمِيقٌ ". (¬6) أ، ب: وَالطُّولُ.

مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُقَسِّمُونَ الْأَعْيَانَ إِلَى طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ، وَالْمَسَافَةَ وَالزَّمَانَ إِلَى قَرِيبٍ وَبِعِيدٍ، وَالْمُنْخَفِضَ مِنْ (¬1) الْأَرْضِ إِلَى عَمِيقٍ وَغَيْرِ عَمِيقٍ. وَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْأَعْيَانِ فَهُوَ طَوِيلٌ عَرِيضٌ عَمِيقٌ، حَتَّى الْحَبَّةُ - بَلِ الذَّرَّةُ وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْ ذَرَّةٍ - هُوَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ طَوِيلٌ عَرِيضٌ عَمِيقٌ. وَقَدْ يُعَبِّرُونَ عَنِ الْجِسْمِ بِالْمُرَكَّبِ أَوِ الْمُؤَلَّفِ (¬2) ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، فَإِنَّ الْمُرَكَّبَ (¬3) وَالْمُؤَلَّفَ فِي اللُّغَةِ مَا رَكَّبَهُ مُرَكِّبٌ أَوْ أَلَّفَهُ مُؤَلِّفٌ، كَالْأَدْوِيَةِ الْمُرَكَّبَةِ مِنَ الْمَعَاجِينِ وَالْأَشْرِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِالْمُرَكَّبِ مَا رُكِّبَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ فِيهِ (¬4) ، كَالْبَابِ الْمُرَكَّبِ فِي مَوْضِعِهِ وَنَحْوِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [سُورَةُ الِانْفِطَارِ: 8] . وَبِالتَّأْلِيفِ: التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ¬

(¬1) أ، ب: عَنْ. (¬2) يَقُولُ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ (التَّمْهِيدُ، ص [0 - 9] 7، بَيْرُوتُ، 1957) : " فَالْجِسْمُ هُوَ الْمُؤَلَّفُ "، وَيَقُولُ (ص 191) : " حَقِيقَةُ الْجِسْمِ أَنَّهُ مُؤَلَّفٌ مُجْتَمِعٌ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ جَسِيمٌ، وَزَيْدٌ أَجْسَمُ مِنْ عَمْرٍو، وَعِلْمًا بِأَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ التَّأْلِيفِ فِي جِهَةِ الْعَرْضِ وَالطُّولِ وَلَا يُوقِعُونَهَا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْجِسْمِ سِوَى التَّأْلِيفِ ". وَيَقُولُ ابْنُ سِينَا (الشِّفَاءُ، قِسْمُ الْإِلَهِيَّاتِ 1/71) : " فَقَدْ بَانَ أَنَّ الْأَجْسَامَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ مَادَّةٍ وَصُورَةٍ ". وَانْظُرْ دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَادَّةَ " جَسَمَ " بِقَلَمِ دِي بُورْ. (¬3) ن، م: فَالْمُرَكَّبُ. (¬4) ن، م:. . . وَنَحْوُ ذَلِكَ أَوْ مَا رُكِّبَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ فِيهِ.

{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 60] ، وَقَوْلُهُ: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 63] ، وَقَوْلُهُ: {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] . وَلِلنَّاسِ اصْطِلَاحَاتٌ فِي الْمُؤَلَّفِ وَالْمُرَكَّبِ، كَمَا لِلنُّحَاةِ اصْطِلَاحٌ، فَقَدْ يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْجُمْلَةَ التَّامَّةَ، وَقَدْ يَعْنُونَ بِهِ (¬1) مَا رُكِّبَ تَرْكِيبَ مَزْجٍ كَبَعْلَبَكَّ، وَقَدْ يَعْنُونَ بِهِ الْمُضَافَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَهُوَ مَا يُنْصَبُ فِي النِّدَاءِ. وَلِلْمَنْطِقِيِّينَ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ اصْطِلَاحَاتٌ أُخَرُ يَعْنُونَ بِهِ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُضَافُ إِذَا قُصِدَ بِهِ الْإِضَافَةُ دُونَ الْعَلَمِيَّةِ، فَلَا (¬2) يَدْخُلُ فِيهِ بَعْلَبَكَّ وَنَحْوُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُؤَلَّفِ وَالْمُرَكَّبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا كُلُّهُ تَأْلِيفٌ فِي الْأَقْوَالِ. وَأَمَّا التَّأْلِيفُ فِي الْأَعْيَانِ، فَأُولَئِكَ إِذَا قَالُوا: [إِنَّ] (¬3) الْجِسْمَ هُوَ الْمُؤَلَّفُ وَالْمُرَكَّبُ، لَمْ يَعْنُوا (¬4) بِهِ مَا كَانَ مُفْتَرِقًا فَاجْتَمَعَ وَلَا مَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ، بَلْ يَعْنُونَ بِهِ مَا تَمَيَّزَ مِنْهُ جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ، كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَجْسَامِ. وَأَمَّا الْمُتَفَلْسِفَةُ فَالْمُؤَلَّفُ وَالْمُرَكَّبُ عِنْدَهُمْ (¬5) أَعَمُّ مِنْ هَذَا، يُدْخِلُونَ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: وَلَا. (¬3) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ: يَعْنُوا، ب: لَا يَعْنُونَ ; م: لَمْ يَعْنُونَ. (¬5) ن، م: فَالْمُؤَلَّفُ عِنْدَهُمْ وَالْمُرَكَّبُ.

فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا عَقْلِيًّا لَا يُوجِدُ فِي الْأَعْيَانِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ النَّوْعَ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ، فَإِذَا قُلْتَ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، قَالُوا: الْإِنْسَانُ مُؤَلَّفٌ مِنْ هَذَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِمَا. ثُمَّ تَنَازَعَ (¬1) هَؤُلَاءِ فِي الْجِسْمِ: هَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، وَهِيَ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يُدْرِكْهُ أَحَدٌ بِحِسِّهِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ نَفْرِضُهُ إِلَّا وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ ; أَوْ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ تَرْكِيبًا عَقْلِيًّا؟ وَإِذَا حُقِّقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَادَّةِ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا نَفْسُ الْجِسْمِ وَأَعْرَاضِهِ: تَارَةً يُعْنَى بِالْمَادَّةِ الْجِسْمُ الَّذِي هُوَ جَوْهَرٌ، وَالصُّورَةُ شَكْلُهُ وَاتِّصَالُهُ الْقَائِمُ بِهِ. وَتَارَةً يُعْنَى بِالصُّورَةِ نَفْسُ الْجِسْمِ (¬2) الَّذِي هُوَ الْجَوْهَرُ، وَبِالْمَادَّةِ الْقَدْرُ الْمُطْلَقُ الَّذِي يَعُمُّ الْأَجْسَامَ كُلَّهَا، أَوْ يُعْنَى بِهَا مَا مِنْهُ خُلِقَ الْجِسْمُ (¬3) . وَقَدْ يُعْنَى بِالصُّورَةِ الْعَرَضِيَّةُ (¬4) الَّتِي هِيَ الِاتِّصَالُ وَالشَّكْلُ الْقَائِمُ بِهِ، فَالْجِسْمُ هُوَ الْمُتَّصِلُ، وَالصُّورَةُ هِيَ (¬5) الِاتِّصَالُ، فَالصُّورَةُ هُنَا عَرَضٌ، وَالْمَادَّةُ الْجِسْمُ، كَالصُّورَةِ (¬6) الصِّنَاعِيَّةِ: كَشَكْلِ السَّرِيرِ فَإِنَّهُ صُورَتُهُ (¬7) وَالْخَشَبُ مَادَّتُهُ. ¬

(¬1) ن، م: يُنَازِعُ. (¬2) ن: نَفْيُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن: الْجِسْمُ وَالصُّورَةُ. (¬4) أ: الْعَرِيضَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: نَفْيُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ن، م: كَالصُّوَرِ. (¬7) أ، ب: صُورَةُ.

وَلَفْظُ الْمَادَّةِ وَالْهَيُولِي يُعْنَى بِهِ عِنْدَهُمْ هَذِهِ الصُّورَةُ الصِّنَاعِيَّةُ، وَهِيَ عَرَضٌ يَحْدُثُ بِفِعْلِ الْآدَمِيِّينَ، وَيُعْنَى بِهِ (¬1) الصُّورَةُ الطَّبِيعِيَّةُ وَهِيَ نَفْسُ الْأَجْسَامِ، وَهِيَ جَوَاهِرُ (¬2) وَمَادَّةٌ وَمَا مِنْهَا خُلِقَتْ. وَقَدْ يُعْنَى بِالْمَادَّةِ [الْمَادَّةُ] (¬3) الْكُلِّيَّةُ وَهِيَ مَا تَشْتَرِكُ فِيهِ الْأَجْسَامُ مِنَ الْقَدْرِ وَنَحْوِهِ. وَهَذِهِ كُلِّيَّاتٌ حَاصِلَةٌ فِي الْأَذْهَانِ، وَهِيَ فِي الْخَارِجِ مُعَيَّنَةٌ: إِمَّا أَعْرَاضٌ وَإِمَّا جَوَاهِرُ. وَقَدْ يُعْنَى بِالْمَادَّةِ [الْمَادَّةُ] (¬4) الْأَزَلِيَّةُ وَهِيَ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الصُّورَةِ. وَهَذِهِ يُثْبِتُهَا أَفَلَاطُنُ (¬5) ، وَسَائِرُ الْعُقَلَاءِ أَنْكَرُوهَا، وَفِي الْحَقِيقَةِ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْأَجْسَامُ مُشْتَرِكَةٌ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ (¬6) مِنْهَا لَهُ قَدْرٌ يَخُصُّهُ، فَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ فِي نَوْعِ الْمِقْدَارِ لَا فِي عَيْنِهِ، فَصَارَتِ الْأَجْسَامُ مُشْتَرِكَةً فِي الْمِقْدَارِ، فَقَالُوا: بَيْنَهَا مَادَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ [وَهَيُولِي مُشْتَرَكَةٌ] (¬7) ، وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْكُلِّيِّ الْمُطْلَقِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ، فَاشْتِرَاكُ الْأَجْسَامِ فِي الْجِسْمِيَّةِ وَالْامْتِدَادِ وَالْمِقْدَارِ الَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ الْمَادَّةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ، وَاشْتِرَاكِ الْحَيَوَانَاتِ (¬8) فِي الْحَيَوَانِيَّةِ. ¬

(¬1) أ، ب: بِهَا. (¬2) ب: جَوْهَرُ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (أ) ، (ن) (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ زِيَادَةٌ لِلْإِيضَاحِ، وَالَّذِي فِي الْأَصْلِ صَوَابٌ، حَذَفَ الْمَوْصُوفَ وَأَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَهُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ زِيَادَةٌ لِلْإِيضَاحِ، وَالَّذِي فِي الْأَصْلِ صَوَابٌ، حَذَفَ الْمَوْصُوفَ وَأَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَهَ. (¬5) ب: أَفْلَاطُونُ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (أ) ، (ن) ، (م) . (¬6) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) ن، م: الْحَيَوَانِ.

وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ (¬1) مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ مُشْتَرِكَةٌ، وَذَلِكَ غَلَطٌ، فَإِنَّ مَا فِي الْخَارِجِ لَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ، بَلْ لِكُلِّ مَوْجُودٍ شَيْءٌ يَخُصُّهُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَالِاشْتِرَاكُ يَقَعُ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَتِلْكَ لَا تَكُونُ عَامَّةً مُطْلَقَةً كُلِّيَّةً إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، فَمَا فِيهِ الِاشْتِرَاكُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْعِلْمُ وَالْعَقْلُ (¬2) ، وَمَا بِهِ الْاخْتِصَاصُ وَالِامْتِيَازُ - وَهُوَ (¬3) الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ - لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ اشْتِبَاهٌ وَتَمَاثُلٌ يُسَمَّى اشْتِرَاكًا، كَالِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ، وَالِانْقِسَامُ بِحَسَبِ الِاشْتِرَاكِ، فَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قِسْمَةِ الْكُلِّيِّ إِلَى جُزْئِيَّاتِهِ، [وَالْكُلِّ إِلَى أَجْزَائِهِ] (¬4) ، كَقِسْمَةِ الْكَلِمَةِ إِلَى: اسْمٍ، وَفِعْلٍ، وَحَرْفٍ (¬5) ، وَإِلَّا غَلِطَ كَمَا غَلِطَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَمَّا قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النُّحَاةِ كَالزَّجَّاجِيِّ (¬6) وَابْنِ جِنِّيٍّ (¬7) : الْكَلَامُ يَنْقَسِمُ ¬

(¬1) ن، م: كُلِّيَّاتِ. (¬2) أ، ب: فَمَا فِيهِ الِاشْتِرَاكُ إِلَّا فِي الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ. (¬3) ن، م: هُوَ. (¬4) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ وَإِثْبَاتُهُ يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ. (¬5) بَعْدَ كَلِمَةِ " وَحَرْفٍ " يُوجَدُ تَكْرَارٌ وَاضْطِرَابٌ فِي نُسْخَتِي (ن) ، (م) هَكَذَا. . . وَحَرْفٍ وَكَقِسْمَةِ الْكُلِّ إِلَى أَجْزَائِهِ، كَقِسْمَةِ الْكَلِمَةِ إِلَى اسْمٍ، وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ وَإِلَّا غَلِطَ. (¬6) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ وَيُعْرَفُ بِالزَّجَّاجِيِّ، أَبُو الْقَاسِمِ النَّهَاوَنْدِيُّ، شَيْخُ الْعَرَبِيَّةِ فِي عَصْرِهِ، تُوُفِّيَ بِطَبَرِيَةَ سَنَةَ 337 وَقِيلَ 339 وَقِيلَ 340. تَرْجَمْتُهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/317 - 318 ; إِنْبَاهِ الرُّوَاةِ لِلْقِفْطِيِّ 2/160 - 161 (ط. دَارِ الْكُتُبِ، 1952) ; بُغْيَةِ الْوُعَاةِ لِلسِّيُوطِيِّ، ص 129 (ط. الْخَانْجِيِّ، 1326) ; طَبَقَاتِ النَّحْوِيِّينَ وَاللُّغَوِيِّينَ لِلزُّبَيْدِيِّ، ص 129 (ط. الْخَانْجِيِّ، 1945) ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 4. (¬7) عُثْمَانُ بْنُ جِنِّيٍّ، أَبُو الْفَتْحِ الْمَوْصِلِيُّ، مِنْ أَئِمَّةِ الْأَدَبِ وَاللُّغَةِ، صَاحَبَ أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيَّ وَرَوَى عَنْهُ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 392 وَقِيلَ 372. تَرْجَمْتُهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ \ 410 - 412 ; إِنْبَاهِ الرُّوَاةِ 2/335 - 340 ; بُغْيَةِ الْوُعَاةِ، ص [0 - 9] 22 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/364.

إِلَى: اسْمٍ، وَفِعْلٍ، وَحَرْفٍ، أَوِ الْكَلَامُ كُلُّهُ ثَلَاثَةٌ: اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ، اعْتَرَضَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَقْصُودَهُمْ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْقِسْمَةَ نَوْعَيْنِ كَالْجَزُولِيِّ (¬1) ; حَيْثُ قَالَ: كُلُّ جِنْسٍ قُسِّمَ إِلَى أَنْوَاعِهِ أَوْ أَشْخَاصِهِ (¬2) ، أَوْ نَوْعٍ قُسِّمَ إِلَى أَشْخَاصِهِ، فَاسْمُ الْمَقْسُومِ صَادِقٌ عَلَى الْأَنْوَاعِ وَالْأَشْخَاصِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ أَقْسَامًا لَهُ. وَكَلَامُ أَبِي الْبَقَاءِ (¬3) فِي تَفْسِيرِ ابْنِ جِنِّيِّ أَقْرَبُ ; حَيْثُ قَالَ: مَعْنَاهُ أَجْزَاءُ الْكَلَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. ¬

(¬1) ن، م: الْكَزُولِيِّ. وَعِيسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَلَلْبَخْتَ بْنِ عِيسَى بْنِ يُومَارِيُلَّلَى الْجَزُولِيُّ (أَوِ الْكَزُولِيُّ) الْيَزْدَكَنْتِيُّ الْبَرْبَرِيُّ الْمَرَاكِشِيُّ، وَجُزْوَلَةُ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْبَرْبَرِ، وَرُبَّمَا قَالُوا: كُزْوَلَةَ (بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْكَافِ) ، لَزِمَ ابْنَ بَرِّيٍّ بِمِصْرَ لَمَّا حَجَّ وَعَادَ فَتَصَدَّرَ لِلْإِقْرَاءِ بِالْمِرْيَةِ وَغَيْرِهَا وَوَلِي خَطَابَةَ مَرَاكِشَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 607 وَقِيلَ: 605 أَوْ 606. تَرْجَمْتُهُ فِي: إِنْبَاهِ الرُّوَاةِ 2/378 - 382 ; بُغْيَةِ الْوُعَاةِ، ص 269 - 270 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/157 - 159 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 5/288. (¬2) ن: كُلُّ شَيْءٍ جِنْسٌ قُسِّمَ إِلَى أَنْوَاعِهِ وَأَشْخَاصِ أَنْوَاعِهِ ; م: كُلُّ جِنْسٍ قُسِّمَ إِلَى أَنْوَاعِهِ وَأَشْخَاصِ أَنْوَاعِهِ. (¬3) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَكْبُرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، أَبُو الْبَقَاءِ مُحِبُّ الدِّينِ. وُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 538 وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ 616، كَانَ أَدَبِيًّا نَحْوِيًّا فَقِيهًا عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، أُصِيبَ فِي صِبَاهُ بِالْجُدَرِيِّ فَعَمِيَ. مِنْ كُتُبِهِ الْمَطْبُوعَةِ " شَرْحُ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي " وَمِنْ تَأْلِيفِهِ كِتَابُ " شَرْحِ اللُّمَعِ لِابْنِ جِنِّيِّ " وَكِتَابُ: " تَلْخِيصِ التَّنْبِيهِ لِابْنِ جِنِّيِّ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمُؤَلَّفَاتِهِ فِي: إِنْبَاهِ الرُّوَاةِ 2/116 - 118 ; بُغْيَةِ الْوُعَاةِ، ص [0 - 9] 81 ; نُكَتِ الْهَمْيَانِ لِلصَّفَدِيِّ، ص [0 - 9] 78 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/286 - 287 ; الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 2/109 - 120 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/208 - 209.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ قِسْمَةَ كُلِّ الشَّيْءِ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ إِلَى أَبْعَاضِهِ وَأَجْزَائِهِ، أَشْهَرُ مِنْ قِسْمَةِ الْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي فِي الذِّهْنِ إِلَى أَنْوَاعِهِ وَأَشْخَاصِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [سُورَةُ الْقَمَرِ: 28] ، وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 8] وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «وَاللَّهِ إِنِّي مَا أُعْطِي أَحَدًا (¬1) وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» " (¬2) ، وَقَوْلِهِ: " «لَا تَعْضِيَةَ فِي الْمِيرَاثِ (¬3) إِلَّا مَا حَمَلَ الْقَسْمُ» " (¬4) . وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ [رِضْوَانُ اللَّهِ ¬

(¬1) ن: إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا ; م: وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا. (¬2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ: 4/85 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، بَابُ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمْسَهُ وَلِلرَّسُولِ) وَانْظُرْ (فَتْحَ الْبَارِي 6/152 - 153) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/180 (رَقْمَ: 7193 م) . وَانْظُرْ دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 8/278. (¬3) ب: لَا مَعْصَبَةَ فِي الْمِيرَاثِ ; ن، م: وَلَا يَعْصِينَّهُ فِي مَعْرُوفٍ (وَهُوَ خَطَأٌ) ; أ: لَا ـعْصبَه (كَذَا بِدُونِ نَقْطِ التَّاءِ وَالضَّادِ) فِي الْمِيرَاثِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 10/133 وَفِيهِ: " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: لَا تَعْضِيَةَ فِي الْمِيرَاثِ، يَعْنِي أَنْ يَمُوتَ الْمَيِّتُ وَيَدَعَ شَيْئًا، إِنْ قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، إِذَا أَرَادَ بَعْضُهُمُ الْقِسْمَةَ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ. يَقُولُ: فَلَا يُقَسَّمُ. وَالتَّعْضِيَةُ التَّفْرِيقُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِعْضَاءِ، يُقَالُ: عَضَّيْتُ اللَّحْمَ إِذَا فَرَّقْتُهُ: قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَلَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةً، لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَقِينَا مِنْ فُقَهَائِنَا. قَالَ الشَّيْخُ (الْبَيْهَقِيُّ) : وَإِنَّمَا ضَعْفُهُ لِانْقِطَاعِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ ". وَفِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " لِلسُّيُوطِيِّ 1/896: " لَا تَعْضِيَةَ (كَذَا) عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إِلَّا مَا حَمَلَ الْقَسْمُ. أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ ق (الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ حَزْمٍ مُرْسَلًا ". وَانْظُرْ " النِّهَايَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " لِابْنِ الْأَثِيرِ 3/106 مَادَّةَ " عَضَا ".

عَلَيْهِمْ] (¬1) : «قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضَ خَيْبَرَ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ (¬2) الْحُدَيْبِيَةَ، وَقَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ بِالْجِعْرَانَةِ (¬3) . مَرْجِعَهُ مِنَ الطَّائِفِ ; وَقَسَّمَ مِيرَاثَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ» (¬4) . وَقَوْلِ الْفُقَهَاءِ: بَابُ (¬5) . قَسْمِ الْغَنَائِمِ وَالْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ (¬6) ، وَقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، وَبَابُ الْقِسْمَةِ، وَذِكْرِ الْمَشَاعِ وَالْمَقْسُومِ، وَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ وَالتَّرَاضِي وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلِ الْحَاسِبِ: الضَّرْبُ وَالْقِسْمَةُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ قِسْمَةُ الْأَعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ، فَيَأْخُذُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمًا وَالْآخَرُ قِسْمًا، وَلَيْسَ (¬7) كُلُّ اسْمٍ ¬

(¬1) رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: شَهِدَ. (¬3) فِي " مُعْجِمِ مَا اسْتُعْجِمَ " لِلْبَكْرِيِّ 2/384: " الْجِعِرَّانَةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ. . وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ الْجِعْرَانَةُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ. وَهِيَ مَاءٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَمَكَّةُ وَهِيَ إِلَى مَكَّةَ أَدْنَى، وَبِهَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حَنِينٍ وَمِنْهَا أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ فِي وُجْهَتِهِ تِلْكَ ". وَانْظُرْ أَيْضًا: مُعْجَمَ الْبُلْدَانِ (¬4) سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعُ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ الِاثْنَى عَشَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 3/522 - 524، 612، الْإِصَابَةِ لِابْنِ حَجَرٍ 2/24 - 52، الْاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ 2/31 - 32. (¬5) ب: يَلِي ; أ: الْكَلِمَةُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ وَيَبْدُو أَنَّهَا كُتِبَتْ أَوَّلًا " بَابُ " ثُمَّ حُرِّفَتْ إِلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ كَلِمَةِ " يَلِي " (¬6) ن، م: الْفَيْءِ وَالْغَنَائِمِ وَالْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ. (¬7) ن، م: فَلَيْسَ.

مِنْ أَسْمَاءِ الْمَقْسُومِ يَجِبُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، فَإِذَا قُسِّمَ بَيْنَهُمْ جَزُورٌ فَأَخَذَ هَذَا فَخِذًا وَهَذَا رَأْسًا وَهَذَا ظَهْرًا لَمْ يَكُنِ اسْمَ الْجَزُورِ صَادِقًا عَلَى هَذِهِ الْأَبْعَاضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ شَجَرَةٌ فَأَخَذَ هَذَا نِصْفُ سَاقِهَا، وَهَذَا نِصْفًا، وَهَذَا أَغْصَانَهَا لَمْ يَكُنِ اسْمُ الْمَقْسُومِ صَادِقًا عَلَى الْأَبْعَاضِ، وَلَوْ قُسِّمَ بَيْنَهُمْ سَهْمٌ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُقَسِّمُونَ، فَيَأْخُذُ هَذَا الْقَدَحَ وَهَذَا النَّصْلَ، لَمْ يَكُنْ هَذَا [سَهْمًا] (¬1) وَلَا هَذَا سَهْمًا. فَإِذَا كَانَ اسْمُ الْمَقْسُومِ لَا يَقَعُ إِلَّا حَالَ الِاجْتِمَاعِ، (2 زَالَ بِالِانْقِسَامِ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ حَالَ الِاجْتِمَاعِ 2) (¬2) وَالِافْتِرَاقِ، كَانْقِسَامِ الْمَاءِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، صَدَقَ فِيهِمَا ; وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمَقْسُومُ هُنَا مَوْجُودَاتٌ (¬3) فِي الْخَارِجِ. وَإِذَا قُلْنَا: الْحَيَوَانُ يَنْقَسِمُ إِلَى نَاطِقٍ وَبَهِيمٍ، لَمْ نُشِرْ إِلَى حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَنُقَسِّمُهُ قِسْمَيْنِ (¬4) ، بَلْ هَذَا اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ [بَعْدُ] (¬5) وَيَتَنَاوَلُ جُزْئِيَّاتٍ لَمْ تَخْطُرْ بِالذِّهْنِ، فَهَذِهِ الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةُ لَا تُوجَدُ فِي الْخَارِجِ كُلِّيَّةً. فَإِذَا قِيلَ: الْأَجْسَامُ تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ أَوْ فِي الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ (¬6) أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَانَ هَذَا الْمُشْتَرَكُ مَعْنًى كُلِّيًّا، وَالْمِقْدَارُ الْمُعَيَّنُ ¬

(¬1) سَهْمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ب: مَوْجُودَانِ، وَالصَّوَابُ مِنْ (ن) ، (أ) ، (م) . (¬4) ن، م: فَيُقَسِّمُهُ نِصْفَيْنِ ; أ: فَيُقَسِّمُهُ قِسْمَيْنِ. (¬5) بَعْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) الْمُعَيَّنِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ.

لِهَذَا الْجِسْمِ لَيْسَ هُوَ (¬1) الْمِقْدَارَ الْمُعَيَّنَ لِهَذَا الْجِسْمِ الْمُعَيَّنِ (¬2) وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ فَهُنَا اشْتِرَكًا (¬3) فِي نَوْعِ الْقَدْرِ لَا فِي هَذَا الْقَدْرِ، فَالِاشْتِرَاكُ الَّذِي بَيْنَ الْأَجْسَامِ هُوَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ. وَأَمَّا ثُبُوتُ شَيْءٍ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ، هُوَ فِي هَذَا الْإِنْسَانِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ فِي هَذَا الْإِنْسَانِ، فَهُوَ مُكَابَرَةٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَادَّةُ وَالْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ ظَنُّوا مَا فِي الْأَذْهَانِ ثَابِتًا فِي الْأَعْيَانِ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا (¬4) الْبَابَ التَّأْلِيفُ وَالتَّرْكِيبُ فِي اصْطِلَاحِ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ [هُوَ] نَوْعٌ (¬5) آخَرُ غَيْرُ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ، وَالْمُرَكَّبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُفْرَدٍ. وَإِذَا حُقِّقَ الْأَمْرُ عَلَى هَؤُلَاءِ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ مَعْنَى مُفْرَدٍ يَتَرَكَّبُ مِنْهُ هَذِهِ الْمُؤَلَّفَاتُ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، فَالْبَسِيطُ الْمُفْرَدُ الَّذِي يُقَدِّرُونَهُ (¬6) - كَالْحَيَوَانِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ - لَا يُوجَدُ (¬7) فِي الْخَارِجِ إِلَّا صِفَاتٍ مُعَيَّنَةً لِمَوْصُوفَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا تَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْمُؤَلَّفِ وَالْمُرَكَّبِ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْوَضْعِيَّةِ، مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ. ¬

(¬1) ن، م: هَذَا: (¬2) الْمُعَيَّنِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬3) ب: اشْتِرَاكُ ; أ، م: اشْتِرَاكًا، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) . (¬4) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَهِيَ فِي (ن) ، (أ) ، (م) . (¬5) ن: وَافَقَهُمْ وَنَوْعٌ، وَهُوَ خَطَأٌ ; أ، ب: وَافَقَهُمْ نَوْعٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬6) ن، م: يَقْدِرُ بِهِ. (¬7) أ، ب: لَا تُوجَدُ.

وَهُمْ مُتَنَازِعُونَ فِي الْجِسْمِ: هَلْ هُوَ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ (¬1) الَّتِي لَا تَقْبَلُ الِانْقِسَامَ، كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ ; أَوْ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ ; أَوْ لَا مُؤَلَّفٌ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الطَّوَائِفِ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا الثَّالِثُ. وَكُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ مُتَنَازِعُونَ هَلْ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، لَكِنَّ مُثْبِتَةَ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ يَقُولُونَ: يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مَعَ وُجُودِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إِذَا تَصَغَّرَتِ الْأَجْزَاءُ اسْتَحَالَتْ، كَمَا فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ إِذَا تَصَغَّرَتْ (¬2) فَإِنَّهَا تَسْتَحِيلُ فَتَصِيرُ (¬3) هَوَاءً، فَمَا دَامَتْ مَوْجُودَةً فَإِنَّهُ (¬4) يَتَمَيَّزُ مِنْهَا جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ لَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، كَمَا يَقُولُهُ مُثْبِتَةُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَلَا يُمْكِنُ انْقِسَامُهُ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، بَلْ إِذَا صَغُرَ (¬5) لَمْ يَقْبَلِ الْقِسْمَةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ غَيْرَ الْبَعْضِ الْآخَرِ (¬6) ، بَلْ إِذَا تَصَرَّفَ (¬7) فِيهِ بِقِسْمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا اسْتَحَالَ، فَالْأَجْزَاءُ الصَّغِيرَةُ - وَلَوْ عَظُمَ صِغَرُهَا - يَتَمَيَّزُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْحِسِّ وَالْعَقْلِ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ فَصْلُ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ بِالتَّفْرِيقِ، بَلْ يَفْسُدُ وَيَسْتَحِيلُ لِضِعْفِ قَوَامِهِ عَنِ احْتِمَالِ ذَلِكَ، وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. ¬

(¬1) أ، ب: الْمُنْفَرِدَةِ. (¬2) ن، م: تَصَعَّدَتْ. (¬3) ن، م: وَتَصِيرُ. (¬4) ن، م: فَإِنَّهَا. (¬5) أ، ب: لَا. (¬6) ن، م: غَيْرَ بَعْضِ الْآخَرِ. (¬7) ن: انْصَرَفَ.

ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنْ جَوَاهِرَ مُنْفَرِدَةٍ تَنَازَعُوا (¬1) : هَلْ هُوَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ بِشَرْطِ انْضِمَامِ مِثْلِهِ إِلَيْهِ، أَوْ جَوْهَرَانِ فَصَاعِدًا، أَوْ أَرْبَعَةٌ، أَوْ سِتَّةٌ، أَوْ ثَمَانِيَةٌ، أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، عَلَى أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ لَهُمْ. فَفِي لَفْظِ الْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْمُتَحَيِّزِ مِنَ الْاصْطِلَاحَاتِ وَالْآرَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا فِيهِ، فَلِهَذَا وَغَيْرِهِ لَمْ يُسَغْ إِطْلَاقُ إِثْبَاتِهِ وَلَا نَفْيِهِ. بَلْ إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ الْبَارِي [تَعَالَى] (¬2) جِسْمٌ. قِيلَ لَهُ: أَتُرِيدُ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَجْزَاءِ كَالَّذِي كَانَ مُتَفَرِّقًا فَرُكِّبَ؟ أَوْ [أَنَّهُ يَقْبَلُ] (¬3) التَّفْرِيقَ: سَوَاءٌ قِيلَ: اجْتَمَعَ بِنَفْسِهِ، أَوْ جَمَعَهُ غَيْرُهُ (¬4) ؟ أَوْ أَنَّهُ مَنْ جِنِسِ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ؟ أَوْ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ؟ أَوْ مِنْ (¬5) الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ؟ فَإِنْ قَالَ هَذَا. قِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ. وَإِنْ قَالَ: أُرِيدُ [بِهِ] أَنَّهُ (¬6) مَوْجُودٌ أَوْ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ - كَمَا يُذْكَرُ عَنْ هِشَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَرَّامٍ وَغَيْرِهِمَا [مِمَّنْ أَطْلَقَ هَذَا اللَّفْظَ] (¬7) - أَوْ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ ¬

(¬1) ن: يُنَازِعُوا ; م: يُنَازِعُونَ. (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أَنَّهُ يَقْبَلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) بَعْدَ كَلِمَةِ " غَيْرِهِ " فِي (ن) ، (م) : أَوْ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ أَوِ التَّفَرُّقَ، (ن: أَوِ التَّفْرِيقَ) . (¬5) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن: وَإِنَّ وَقِيلَ أُرِيدُ أَنَّهُ ; م: وَإِنْ قَالَ أُرِيدُ أَنَّهُ. (¬7) ن، م: كَمَا يُذْكَرُ عَنْ هِشَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَرَّامٍ وَغَيْرِهِمَا، ب، ا: كَمَا يُذْكَرُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ أَطْلَقَ هَذَا اللَّفْظَ، وَمَا أَثْبَتُّهُ يَجْمَعُ مَا فِي النُّسَخِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا مَنْ أَجَازَ إِطْلَاقَ لَفْظِ الْجِسْمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.

مناقشة نفاة الصفات إجمالا

بِالصِّفَاتِ، أَوْ أَنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، أَوْ أَنَّهُ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ، أَوْ أَنَّهُ مُبَايِنٌ لِلْعَالَمِ فَوْقَهُ (¬1) ، وَنَحْوُ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّابِتَةِ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ. قِيلَ لَهُ: هَذِهِ مَعَانٍ صَحِيحَةٌ، وَلَكِنَّ (¬2) إِطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى هَذَا بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ، مُخَالِفٌ لِلُّغَةِ. فَاللَّفْظُ إِذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَى الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ لَمْ يُطْلَقْ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُثْبِتًا لِلْحَقِّ نَافِيًا لِلْبَاطِلِ. وَإِذَا قَالَ: لَيْسَ بِجِسْمٍ. قِيلَ: أَتُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرَكِّبْهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَجْزَاءً مُتَفَرِّقَةً فَرُكِّبَ (¬3) ، أَوْ أَنَّهُ (¬4) لَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ وَالتَّجْزِئَةَ كَالَّذِي يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ؟ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَنَحْوِ هَذِهِ الْمَعَانِي.؟ [مناقشة نفاة الصفات إجمالا] أَوْ تُرِيدُ بِهِ شَيْئًا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ اتِّصَافِهِ بِالصِّفَاتِ بِحَيْثُ لَا يُرَى، وَلَا يَتَكَلَّمُ (¬5) بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ، وَلَا يُبَايِنُ خَلْقَهُ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا تَعْرُجُ إِلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَلَا الرَّسُولُ، وَلَا تُرْفَعُ إِلَيْهِ ¬

(¬1) فَوْقَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: وَأَيْضًا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، م: فَتَرَكَّبَ. (¬4) ن: أَوْ لِأَنَّهُ ; أ: إِلَّا أَنَّهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬5) ن: وَلَا تَكَلَّمَ.

الْأَيْدِي، وَلَا يَعْلُو عَلَى (¬1) شَيْءٍ، وَلَا يَدْنُو مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا هُوَ دَاخِلُ (¬2) الْعَالَمِ وَلَا خَارِجُهُ، وَلَا مُبَايِنَ لَهُ وَلَا مُحَايِثَ (¬3) لَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي السَّلْبِيَّةِ الَّتِي لَا يُعْقَلُ أَنْ (¬4) يَتَّصِفَ بِهَا إِلَّا الْمَعْدُومُ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْأَوَّلَ. قِيلَ: الْمَعْنَى صَحِيحٌ، لَكِنِ الْمُطْلِقُونَ لِهَذَا النَّفْيِ أَدْخَلُوا فِيهِ (¬5) هَذِهِ الْمَعَانِي السَّلْبِيَّةَ، وَيَجْعَلُونَ مَا يُوصَفُ بِهِ (¬6) مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الثُّبُوتِيَّةِ مُسْتَلْزِمَةً لِكَوْنِهِ جِسْمًا، فَكُلُّ (¬7) مَا يُذْكَرُ مِنَ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ يَقُولُونَ: هَذَا تَجْسِيمٌ وَلَا يَنْتَفِي (¬8) مَا يُسَمُّونَهُ تَجْسِيمًا إِلَّا بِالتَّعْطِيلِ (¬9) الْمَحْضِ. وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ نَفَى شَيْئًا قَالَ لِمَنْ أَثْبَتَهُ: إِنَّهُ مُجَسِّمٌ (¬10) . [فَغُلَاةُ النُّفَاةِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ يَقُولُونَ لِمَنْ أَثْبَتَ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى: إِنَّهُ مُجَسِّمٌ. وَمُثْبِتَةُ الْأَسْمَاءِ دُونَ الصِّفَاتِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ يَقُولُونَ لِمَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ: إِنَّهُ مُجَسِّمٌ. وَمُثْبِتَةُ الصِّفَاتِ دُونَ ¬

(¬1) عَلَى: كَذَا فِي (ب) ، (أ) ، (م) وَفِي (ن) : إِلَيْهِ. (¬2) ن: وَهُوَ دَاخِلٌ ; م: وَلَا دَاخِلُ. (¬3) ن، م: مُجَانِبَ. (¬4) ن، م: أَنَّهُ. (¬5) ن: عَلَيْهِ. (¬6) أ، ب: مَا يَتَّصِفُ بِهِ. (¬7) ن: وَكُلُّ. (¬8) ن: فَلَا يَنْبَغِي، وَهُوَ خَطَأٌ ; م: الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ. (¬9) ب: بِالتَّعْلِيلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالصَّوَابُ مِنْ (ن) ، (أ) ، (م) . (¬10) م: جِسْمٌ.

مَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْاخْتِيَارِيَّةِ يَقُولُونَ لِمَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ: إِنَّهُ مُجَسِّمٌ ; وَكَذَلِكَ سَائِرُ النُّفَاةِ. وَكُلُّ مَنْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِثْبَاتَهُ تَجْسِيمٌ يَلْزَمُهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] (¬1) . وَمُنْتَهَى هَؤُلَاءِ النُّفَاةِ إِلَى إِثْبَاتِ وُجُودٍ مُطْلَقٍ، وَذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الصِّفَاتِ، وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ يَعْلَمُ أَنَّ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ وَالذَّاتَ الْمُجَرَّدَةَ عَنِ الصِّفَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، فَالذِّهْنُ يُجَرِّدُ هَذَا وَيُقَدِّرُ هَذَا التَّوْحِيدَ الَّذِي يَفْرِضُونَهُ، كَمَا يُقَدِّرُ إِنْسَانًا مُطْلَقًا وَحَيَوَانًا مُطْلَقًا، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا قَدَّرَتْهُ الْأَذْهَانُ كَانَ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ. وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ غَلَطُ مَنْ قَصَدَ إِثْبَاتَ إِمْكَانِ هَذَا بِالتَّقْدِيرِ الْعَقْلِيِّ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ (¬2) ، فَقَالَ (¬3) : الْعَقْلُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّيْءَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِالْمُتَحَيِّزِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا مُتَحَيِّزًا وَلَا حَالًّا (¬4) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ; (م) . وَالْكَلَامُ فِي نُسْخَتِي (ب) ، (أ) نَاقِصٌ أَيْضًا، وَمِنَ الْمُرَجَّحِ أَنَّ هُنَاكَ سَقْطًا، وَفِي السُّطُورِ التَّالِيَةِ مُحَاوَلَةٌ لِكِتَابَةِ مَا يَفِي بِهَذَا النَّقْصِ حَسَبَ مَا أَرَى مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ: " وَكُلُّ مَنْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إِثْبَاتَهُ تَجْسِيمٌ (يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلِيَّ إِذَا أَثْبَتَ بَعْضَ الصِّفَاتِ دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَقْتَضِي تَجْسِيمًا كَانَ مُتَنَاقِضًا، فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَقْتَضِي تَجْسِيمًا أَيْضًا - بِحَسَبِ مَذْهَبِهِ - فَإِمَّا أَنْ يَنْفِيَ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ يُثْبِتَ كُلَّ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) . (¬2) أ، ب: الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ. (¬3) أ، ب: فَيُقَالُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) بِالْمُتَحَيِّزِ يَقُولُ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ: " أَسَاسُ التَّقْدِيسِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ " ص 6، ط. مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ، 1354/1935: " الثَّالِثُ أَنَّا إِذَا قُلْنَا: الْمَوْجُودُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا، أَوْ حَالًّا فِي الْمُتَحَيِّزِ، أَوْ لَا مُتَحَيِّزًا وَلَا حَالًّا فِي الْمُتَحَيِّزِ، وَجَدْنَا الْعَقْلَ قَاطِعًا بِصِحَّةِ هَذَا التَّقْسِيمِ ".

فَيُقَالُ لَهُ: تَقْدِيرُ الْعَقْلِ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَهَا فِي الْخَارِجِ وَلَا إِمْكَانَ وَجُودِهَا فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّ هَذَا مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: الشَّيْءُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا وَاجِبًا وَلَا مُمْكِنًا ; وَالشَّيْءُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْدَثًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا قَدِيمًا وَلَا مُحْدَثًا ; وَالشَّيْءُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا [أَنْ يَكُونَ] قَائِمًا بِغَيْرِهِ (¬1) ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَلَا قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَالشَّيْءُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا مَوْجُودًا وَلَا مَعْدُومًا. فَإِنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ وَالتَّقْسِيمَاتِ لَا تُثْبِتُ إِمْكَانَ الشَّيْءِ وَوُجُودَهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ إِمْكَانُ الشَّيْءِ يُعْلَمُ بِوُجُودِهِ أَوْ بِوُجُودِ (¬2) نَظِيرِهِ أَوْ وُجُودِ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ أَوْلَى بِالْوُجُودِ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي عُلِمَ وُجُودُهُ، أَوْ بِنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الطُّرُقِ. وَالْإِمْكَانُ (¬3) الْخَارِجِيُّ يُثْبَتُ بِمِثْلِ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَأَمَّا الْإِمْكَانُ الذِّهْنِيُّ فَهُوَ أَنْ لَا يُعْلَمَ امْتِنَاعُ الشَّيْءِ، وَلَكِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْامْتِنَاعِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْإِمْكَانِ. فَإِنْ قَالَ النَّافِي: كُلُّ مَا اتَّصَفَ بِأَنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، أَوْ مَا كَانَ لَهُ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ وَقُدْرَةٌ، أَوْ مَا يَجُوزُ أَنْ يُرَى، أَوْ مَا يَكُونُ فَوْقَ الْعَالَمِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ¬

(¬1) ن، م: أَوْ قَائِمًا بِغَيْرِهِ. (¬2) ن، م: أَوْ وُجُودِ. (¬3) ن، م: فَالْإِمْكَانُ.

مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي أَثْبَتَهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، لَا يُوصَفُ بِهَا إِلَّا مَا هُوَ [جِسْمٌ] (¬1) مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ (¬2) أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ. قِيلَ: جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَجْسَامَ الْمَشْهُودَةَ - كَالسَّمَاءِ وَالْكَوَاكِبِ - مُرَكَّبَةٌ لَا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬3) وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، فَكَيْفَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِلُزُومِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ ! وَقَدْ بُيِّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَسَادُ حُجَجِ الطَّائِفَتَيْنِ وَفَسَادُ (¬4) حُجَجِ نَفْيِهِمْ لِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَأَنَّ (¬5) هَؤُلَاءِ يُبْطِلُونَ حُجَّةَ هَؤُلَاءِ الْمُوَافِقِينَ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ، وَهَؤُلَاءِ يُبْطِلُونَ حُجَّةَ هَؤُلَاءِ، فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى صِحَّةِ حُجَّةٍ وَاحِدَةٍ بِنَفْيِ مَا جَعَلُوهُ مُرَكَّبًا، بَلْ هَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ الْمُرَكَّبَ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَجْزَائِهِ، فَيُبْطِلُ أُولَئِكَ هَذِهِ الْحُجَّةَ، وَهَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ عَنِ الْأَعْرَاضِ الْحَادِثَةِ، وَمَا لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ مُحْدَثٌ، وَأُولَئِكَ يُبْطِلُونَ حُجَّةَ هَؤُلَاءِ، بَلْ يَمْنَعُونَهُمُ الْمُقْدِمَتَيْنِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا [هُنَا] (¬6) عَلَى هَذَا الْبَابِ. وَالْأَصْلُ الَّذِي [يَجِبُ] عَلَى الْمُسْلِمِينَ (¬7) أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنِ الرَّسُولِ وَجَبَ ¬

(¬1) جِسْمٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) جِسْمٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: الْمُفْرَدَةِ. (¬4) ن: بَلْ فَسَادُ. (¬5) م: فَإِنَّ. (¬6) هُنَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: وَالْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.

مقالات الرافضة في التجسيم

الْإِيمَانُ بِهِ، فَيُصَدَّقُ خَبَرُهُ وَيُطَاعُ أَمْرُهُ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الرَّسُولِ فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ فِيهِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ حَتَّى يُعْلَمَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ وَيُعْلَمَ صِحَّةُ نَفْيِهِ أَوْ إِثْبَاتِهِ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُجْمَلَةُ فَالْكَلَامُ فِيهَا بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ دُونَ الِاسْتِفْصَالِ يُوقِعُ فِي الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَالْفِتَنِ وَالْخَبَالِ، وَالْقِيلِ وَالْقَالِ، وَقَدْ قِيلَ: أَكْثَرُ اخْتِلَافِ الْعُقَلَاءِ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَسْمَاءِ. وَكُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ نُفَاةِ الْجِسْمِ وَمُثْبِتِيهِ مَوْجُودُونَ فِي الشِّيعَةِ وَفِي أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُقَابِلِينَ لِلشِّيعَةِ، أَعْنِي الَّذِينَ يَقُولُونَ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَأَوَّلُ مَا ظَهَرَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْجِسْمِ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ الشِّيعَةِ كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، كَذَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ. [مقالات الرافضة في التجسيم] قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ: " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافِ الْمُصَلِّينَ " (¬1) : " اخْتَلَفَ (¬2) الرَّوَافِضُ أَصْحَابُ الْإِمَامَةِ فِي التَّجْسِيمِ، وَهُمْ سِتُّ فِرَقٍ: فَالْفِرْقَةُ (¬3) الْأُولَى الْهِشَامِيَّةُ، أَصْحَابُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ الرَّافِضِيِّ: يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعْبُودَهُمْ جِسْمٌ، وَلَهُ نِهَايَةٌ وَحَدٌّ، طَوِيلٌ عَرِيضٌ عَمِيقٌ، طُولُهُ ¬

(¬1) أَشَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ قِبَلِ (هَذَا الْكِتَابِ 2/104) إِلَى كَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ عَنِ مَقَالَةِ الرَّوَافِضِ فِي التَّجْسِيمِ وَهُوَ فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/102 - 105، وَسَنُقَابِلُ نَصَّ " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ " عَلَى نَصِّ: " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ ". وَفِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضُوعِ كُتِبَ: " قِفْ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّوَافِضِ فِي التَّجْسِيمِ وَهُمْ سِتُّ فِرَقٍ ". (¬2) مَقَالَاتٌ. . (ص 102) : وَاخْتَلَفَتْ. (¬3) ن، م: الْفِرْقَةُ.

مِثْلُ عَرْضِهِ، وَعَرْضُهُ مِثْلُ عُمْقِهِ، لَا يُوَفَّى بَعْضُهُ عَلَى (¬1) بَعْضٍ (¬2) ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ نُورٌ سَاطِعٌ، لَهُ قَدْرٌ مِنَ الْأَقْدَارِ، فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، كَالسَّبِيكَةِ الصَّافِيَةِ يَتَلَأْلَأُ (¬3) كَاللُّؤْلُؤَةِ الْمُسْتَدِيرَةِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهَا، ذُو لَوْنٍ وَطَعْمٍ وَرَائِحَةٍ وَمَجَسَّةٍ " وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا (¬4) . " وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ: يَزْعُمُونَ أَنَّ رَبَّهُمْ لَيْسَ بِصُورَةٍ وَلَا كَالْأَجْسَامِ، وَإِنَّمَا يَذْهَبُونَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ جِسْمٌ، إِلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَلَا (¬5) يُثْبِتُونَ الْبَارِئَ ذَا أَجْزَاءٍ مُؤْتَلِفَةٍ وَأَبْعَاضٍ مُتَلَاصِقَةٍ (¬6) ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ (¬7) عَلَى الْعَرْشِ مُسْتَوٍ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا كَيْفَ. وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ (¬8) : يَزْعُمُونَ أَنَّ رَبَّهُمْ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ، وَيَمْنَعُونَ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا. وَالْفِرْقَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ الْهِشَامِيَّةِ - أَصْحَابُ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ -: يَزْعُمُونَ أَنَّ رَبَّهُمْ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ، وَيُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ لَحْمًا وَدَمًا، وَيَقُولُونَ: هُوَ (¬9) نُورٌ سَاطِعٌ يَتَلَأْلَأُ بَيَاضًا (¬10) ، وَأَنَّهُ ذُو حَوَاسٍّ ¬

(¬1) أ، ب: عَنْ. (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " بَعْضٍ " فِي مَقَالَاتِ. . مَا يَلِي: " وَلَمْ يُعَيِّنُوا طُولًا غَيْرَ الطَّوِيلِ، وَإِنَّمَا قَالُوا: طُولُهُ مِثْلُ عَرْضِهِ، عَلَى الْمَجَازِ دُونَ التَّحْقِيقِ " وَكُلُّهُ لَمْ يَرِدْ فِي " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ ". (¬3) أ: تَتَلَأْلَأُ ; وَفِي (ب) : تَتَلَأْلَؤُ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ. (¬4) وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ " ص 102 - 104. (¬5) ن، م: لَا. (¬6) ن، م: مُلَاصِقَةٍ. (¬7) مَقَالَاتٌ (ص 104) : اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. (¬8) أ، ب: الرَّوَافِضِ. (¬9) أ، ب: إِنَّهُ. (¬10) ن: ضِيَاءً ; م: ضِيَاؤُهُ.

خَمْسٍ كَحَوَاسِّ الْإِنْسَانِ، لَهُ يَدٌ وَرِجْلٌ (¬1) ، وَأَنْفٌ وَأُذُنٌ، وَفَمٌ وَعَيْنٌ (¬2) ، وَأَنَّهُ يَسْمَعُ بِغَيْرِ مَا بِهِ يُبْصِرُ (¬3) ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ حَوَاسِّهِ مُتَغَايِرَةٌ عِنْدَهُمْ ". قَالَ: " وَحَكَى أَبُو عِيسَى الْوَرَّاقُ أَنَّ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لِرَبِّهِ وَفْرَةً (¬4) سَوْدَاءَ (¬5) ، وَأَنَّ ذَلِكَ نُورٌ أَسْوَدُ. وَالْفِرْقَةُ الْخَامِسَةُ: يَزْعُمُونَ أَنَّ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (¬6) ضِيَاءً خَالِصًا وَنُورًا بَحْتًا (¬7) ، وَهُوَ كَالْمِصْبَاحِ الَّذِي مِنْ حَيْثُ جِئْتَهُ يَلْقَاكَ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ (¬8) ، وَلَيْسَ بِذِي صُورَةٍ وَلَا أَعْضَاءٍ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْأَجْزَاءِ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ، أَوْ [عَلَى] (¬9) صُورَةِ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ ". قَالَ (¬10) : " وَالْفِرْقَةُ السَّادِسَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ (¬11) : يَزْعُمُونَ أَنَّ رَبَّهُمْ لَيْسَ بِجِسْمٍ (¬12) وَلَا بِصُورَةٍ (¬13) ، وَلَا يُشْبِهُ الْأَشْيَاءَ، وَلَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَسْكُنُ وَلَا يُمَاسُّ. ¬

(¬1) ن، م: لَهُ رِجْلٌ وَيَدٌ. (¬2) مَقَالَاتٌ (ص 105) : وَعَيْنٌ فَمٌ. (¬3) مَقَالَاتٌ. .: وَأَنَّهُ يَسْمَعُ بِغَيْرِ مَا يُبْصِرُ بِهِ ; ن: وَأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مَا بِهِ يُبْصِرُ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . (¬4) فِي الْقَامُوسِ الْمُحِيطِ: " وَالْوَفْرَةُ الشَّعْرُ الْمُجْتَمِعُ عَلَى الرَّأْسِ، أَوْ مَا سَالَ عَلَى الْأُذُنَيْنِ، أَوْ مَا جَاوَزَ شَحْمَةَ الْأُذُنِ ". (¬5) أ: وَفْرَةَ سَوَادٍ. (¬6) مَقَالَاتٌ. .: رَبَّ الْعَالَمِينَ. (¬7) ن: يُحَبُّ ; م: مَحَتٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. مَقَالَاتٌ: ضِيَاءٌ خَالِصٌ وَنُورٌ بَحْتٌ. (¬8) ب: بِنُورٍ، أ: بِأَمْرٍ (مَعَ سُقُوطِ كَلِمَةِ: وَاحِدٍ) . (¬9) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي " مَقَالَاتِ. . " 1/105. (¬11) م: الرَّوَافِضِ. (¬12) أ، ب: لَا بِجِسْمٍ. (¬13) ن، م: وَلَا صُورَةً.

وَقَالُوا فِي التَّوْحِيدِ بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ ". قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ (¬1) : " وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ (¬2) ، فَأَمَّا أَوَائِلُهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ بِمَا حَكَيْنَاهُ (¬3) عَنْهُمْ مِنَ التَّشْبِيهِ ". قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ [أَبُو الْحَسَنِ] (¬4) الْأَشْعَرِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ الشِّيعَةِ مِنَ الْقَوْلِ بِالتَّجْسِيمِ قَدِ اتَّفَقَ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُمْ أَرْبَابُ الْمَقَالَاتِ، حَتَّى نَفْسِ الشِّيعَةِ كَابْنِ النُّوبَخْتِيِّ وَغَيْرِهِ ذَكَرَ [ذَلِكَ عَنْ] هَؤُلَاءِ الشِّيعَةِ (¬5) . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ فِي الْإِسْلَامِ: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ [هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ] (¬6) ، وَكَانَ الَّذِينَ يُنَاقِضُونَهُ فِي ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمِينَ (¬7) مِنَ الْمُعْتَزِلِ كَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ. فَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ. فَكُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ قَالَهُ قَوْمٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ وَمِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِإِمَامِيَّةٍ. وَإِثْبَاتُ الْجِسْمِ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ كَرَّامٍ وَأَمْثَالِهِ مِمَّنْ يَقُولُ بِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ (¬8) الثَّلَاثَةِ، وَالنَّفْيُ (¬9) قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬2) ن: مُتَأَخِّرِهِمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) مَقَالَاتٌ: مَا حَكَيْنَا. (¬4) أَبُو الْحَسَنِ: زِيَادَةٌ فِي أ، ب. (¬5) ن: وَذَكَرَ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةَ. (¬6) ابْنُ الْحَكَمِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. وَلَمْ أَسْتَطِعِ الْعُثُورَ عَلَى هَذَا النَّصِّ فِي كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ. (¬7) ن، م: وَكَانَ الَّذِينَ يُنَاقِضُونَهُ فِي ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) الْخُلَفَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ: وَنَفَاهُ ; ب: وَنَفْيُهُ.

معنى لفظ أهل السنة وموقفهم من إطلاق لفظ الجسم

بِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ: أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. [معنى لفظ أهل السنة وموقفهم من إطلاق لفظ الجسم] فَلَفْظُ " أَهْلِ السُّنَّةِ " يُرَادُ بِهِ مَنْ أَثْبَتَ خِلَافَةَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَيَدْخُلُ (¬1) فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الطَّوَائِفِ إِلَّا الرَّافِضَةَ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الْمَحْضَةِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إِلَّا مَنْ يُثْبِتُ (¬2) الصِّفَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَيُثْبِتُ الْقَدْرَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ (¬3) الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ. وَهَذَا الرَّافِضِيُّ -[يَعْنِي الْمُصَنِّفَ] (¬4) - جَعَلَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِالِاصْطِلَاحِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْعَامَّةِ: كُلَّ مَنْ لَيْسَ بِرَافِضِيٍّ، قَالُوا: هُوَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. ثُمَّ أَخَذَ يَنْقُلُ عَنْهُمْ مَقَالَاتٍ لَا يَقُولُهَا إِلَّا بَعْضُهُمْ مَعَ تَحْرِيفِهِ لَهَا، فَكَانَ فِي نَقْلِهِ مِنَ الْكَذِبِ وَالِاضْطِرَابِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ. وَإِذَا عُرِفَ [أَنَّ] مُرَادَهُ (¬5) بِأَهْلِ السُّنَّةِ السُّنَّةُ الْعَامَّةُ، فَهَؤُلَاءِ مُتَنَازِعُونَ فِي إِثْبَاتِ الْجِسْمِ وَنَفْيِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْإِمَامِيَّةُ أَيْضًا مُتَنَازِعُونَ فِي ذَلِكَ. وَأَئِمَّةُ النُّفَاةِ هُمُ الْجَهْمِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوُهُمْ يَجْعَلُونَ مَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ مُجَسَّمًا، بِنَاءً عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ (¬6) لَا تَقُومُ إِلَّا بِجِسْمٍ ¬

(¬1) م: فَدَخَلَ. (¬2) ن: أَثْبَتَ. (¬3) أ، ب: الْأُمُورِ. (¬4) عِبَارَةُ " يَعْنِي الْمُصَنِّفَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: فَإِذَا عُرِفَ مُرَادُهُ. (¬6) أ، ب: بِنَاءً عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ عِنْدَهُمْ.

وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْجِسْمَ مَرْكَبٌ مِنَ الْجَوَاهِبِ الْمُفْرَدَةِ (¬1) ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. فَقَالَ لَهُمْ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ: قَوْلُكُمْ مَنْقُوضٌ بِإِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، فَإِنْ (¬2) أَمْكَنَ إِثْبَاتُ حَيٍّ عَلِيمٍ قَدِيرٍ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ، أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ وَعَلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِثْبَاتُ (¬3) ذَلِكَ، فَمَا كَانَ جَوَابُكُمْ عَنْ إِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ كَانَ جَوَابُنَا عَنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ. ثُمَّ الْمُثْبِتُونَ لِلصِّفَاتِ مِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُ الصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةَ بِالسَّمْعِ، كَمَا يُثْبِتُ الصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةَ بِالْعَقْلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْخَاصَّةِ - أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ - وَهُوَ (¬4) قَوْلُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْكَلَامِ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، كَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ كُلَّابٍ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيِّ (¬5) وَأَبِي الْحَسَنِ ¬

(¬1) أ، ب: الْمُنْفَرِدَةِ. (¬2) أ، ب: وَإِنْ. (¬3) إِثْبَاتُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَهَذَا. (¬5) لَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً فِيمَا بَيْنَ يَدِيَّ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي " ص [0 - 9] 98 فَقَالَ: " أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْقَلَانِسِيُّ الرَّازِيُّ مِنْ مُعَاصِرِي أَبِي الْحَسَنِ (الْأَشْعَرِيِّ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَا مِنْ تَلَامِذَتِهِ كَمَا قَالَ الْأَهْوَازِيُّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ الْأَثْبَاتِ، وَاعْتِقَادُهُ مُوَافِقٌ لِاعْتِقَادِهِ فِي الْإِثْبَاتِ (أَيْ: لِاعْتِقَادِ الْأَشْعَرِيِّ) ". وَعَلَّقَ الشَّيْخُ مُحَمَّد زَاهِد الْكَوْثَرِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الْقَلَانِسِيَّ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْأَشْعَرِيِّ. انْظُرْ مَا وَرَدَ عَنِ الْقَلَانِسِيِّ وَآرَائِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 0، 96، 213، 221 ; أُصُولِ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص [0 - 9] 0، 45، 67، 254 ; الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/85 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 2/300 ; الْإِرْشَادِ لِلْجُوَيْنِيِّ، ص [0 - 9] 99 ; نَشْأَةِ الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيِّ فِي الْإِسْلَامِ لِلدُّكْتُورِ عَلِي سَامِي نَشَّار، ص [0 - 9] 57 - 165، الطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ، ط. الْمَعَارِفِ، الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، 1962 ; نَشْأَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَتَطَوُّرِهَا: لِلدُّكْتُورِ جَلَال مُحَمَّد عَبْد الْحَمِيد مُوسَى، ص [0 - 9] 8 - 66، ط. دَارِ الْكِتَابِ اللُّبْنَانِيِّ، بَيْرُوتَ، 1395/1975.

الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُجَاهِدٍ (¬1) وَأَبِي الْحَسَنِ الطَّبَرِيِّ (¬2) وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ (¬3) الْبَاقِلَّانِيِّ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَقُدَمَاءِ أَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ. لَكِنِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ كَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ لَا يُثْبِتُونَ إِلَّا الصِّفَاتِ الْعَقْلِيَّةَ، وَأَمَّا الْخَبَرِيَّةُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْفِيهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَقَّفُ فِيهَا [كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا] (¬4) . وَنُفَاةُ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ مِنْهُمْ [مَنْ يَتَأَوَّلُ نُصُوصَهَا، وَمِنْهُمْ] (¬5) مَنْ يُفَوِّضُ مَعْنَاهَا إِلَى اللَّهِ. ¬

(¬1) قَالَ السُّبْكِيُّ (طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/368) : إِنَّ أَخَصَّ تَلَامِذَةِ الْأَشْعَرِيِّ أَرْبَعَةٌ وَذَكَرَ مِنْهُمُ ابْنَ مُجَاهِدٍ وَأَبَا الْحَسَنِ الطَّبَرِيَّ. وَابْنُ مُجَاهِدٍ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ الطَّائِيُّ. قَالَ الذَّهَبِيُّ (الْعِبَرِ فِي خَبَرِ مَنْ غَبَرَ 2/358) : " صَاحِبُ الْأَشْعَرِيِّ وَذُو التَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأُصُولِ، قَدِمَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَسَكَنَ بَغْدَادَ وَعَنْهُ أَخَذَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَكَانَ دَيِّنًا سُنِّيًّا خَيِّرًا " وَجَعَلَ الذَّهَبِيُّ وَفَاتَهُ بَعْدَ السِّتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي، ص [0 - 9] 77 ; نَشْأَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَتَطَوُّرِهَا، ص [0 - 9] 17 - 318. (¬2) أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ (تَبْيِينُ كَذِبِ الْمُفْتَرِي، ص [0 - 9] 95 - 196) : " صَحِبَ أَبَا الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْبَصْرَةِ مُدَّةً وَأَخَذَ عَنْهُ وَتَخَرَّجَ بِهِ وَاقْتَبَسَ مِنْهُ وَصَنَّفَ تَصَانِيفَ عِدَّةً تَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ وَاسِعٍ وَفَضْلٍ بَارِعٍ وَهُوَ الَّذِي أَلَّفَ الْكِتَابَ الْمَشْهُورَ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَالْمُشْكِلَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الصِّفَاتِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمُؤَلَّفَاتِهِ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/466 - 468 ; سِزْكِينْ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 4 - 45 ; مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 7/234. (¬3) بْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

وَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَهَا كَالْأَشْعَرِيِّ وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ. فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: تَأْوِيلُهَا بِمَا يَقْتَضِي نَفْيَهَا [تَأْوِيلٌ] (¬1) بَاطِلٌ، فَلَا يَكْتَفُونَ بِالتَّفْوِيضِ، بَلْ يُبْطِلُونَ تَأْوِيلَاتِ النُّفَاةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ " كَالْمُوجَزِ " وَ " الْمَقَالَاتِ الْكَبِيرِ " وَ " الْمَقَالَاتِ الصَّغِيرِ " وَ " الْإِبَانَةِ " (¬2) وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ كَلَامُهُ، لَكِنَّ طَائِفَةً مِمَّنْ تُوَافِقُهُ وَمِمَّنْ تُخَالِفُهُ يَحْكُونَ لَهُ قَوْلًا آخَرَ، أَوْ تَقُولُ (¬3) : أَظْهَرَ غَيْرَ مَا أَبْطَنَ ; وَكُتُبُهُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَيْنِ الظَّنَّيْنِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّابِتُ عَنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَذَوِيهِ (¬4) - فَلَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجِسْمِ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا لِوَجْهَيْنِ: ¬

(¬1) تَأْوِيلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي " ص 129: " وَذَكَرَ بَعْدَهُ الْكِتَابَ الَّذِي سَمَّاهُ كِتَابَ " الْمُوجَزِ " وَذَلِكَ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كِتَابًا عَلَى حَسَبِ تَنَوُّعِ مَقَالَاتِ الْمُخَالِفِينَ مِنَ الْخَارِجِينَ عَنِ الْمِلَّةِ وَالدَّاخِلِينَ فِيهَا " وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ (ص 130 - 131) : " وَأَلَّفْنَا كِتَابًا فِي مَقَالَاتِ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ اخْتِلَافِهِمْ وَمَقَالَاتِهِمْ، وَأَلَّفْنَا كِتَابًا فِي جُمَلِ مَقَالَاتِ الْمُلْحِدِينَ وَجُمَلِ أَقَاوِيلِ الْمُوَحِّدِينَ سَمَّيْنَاهُ كِتَابَ " جُمَلِ الْمَقَالَاتِ ". وَكِتَابَ " الْمُوجَزِ " أَوْ " الْمُوجَزِ الْكَبِيرِ " (وَانْظُرْ تَبْيِينَ كَذِبِ الْمُفْتَرِي، ص 140) لَيْسَ بَيْنَ أَيْدِينَا، وَكَذَلِكَ كِتَابَ " جُمَلِ الْمَقَالَاتِ " أَوْ " الْمَقَالَاتِ الْكَبِيرِ " وَأَمَّا " الْمَقَالَاتُ الصَّغِيرُ " فَهُوَ: " مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافُ الْمُصَلِّينَ ". وَأَمَّا كِتَابُ " الْإِبَانَةِ " فَهُوَ كِتَابُ " الْإِبَانَةِ عَنْ أُصُولِ الدِّيَانَةِ " الْمَطْبُوعُ بِحَيْدَرَ أَبَادَ وَمِصْرَ عِدَّةَ طَبَعَاتٍ. وَانْظُرْ عَنْ هَذِهِ الْكُتُبِ وَغَيْرِهَا لِلْأَشْعَرِيِّ مَا وَرَدَ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/447 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/359 - 361 ; الْخُطَطِ لِلْمَقَرِّيزِيِّ 2/359 ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ الْأَشْعَرِيِّ ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 5/69 ; تَارِيخَ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكِلْمَانْ، 4/37 - 41 ; سِزْكِينْ م [0 - 9] ، ح [0 - 9] ، ص 35 - 39. (¬3) ن، م: وَيَقُولُونَ. (¬4) أ، ب: وَدُونَهُ.

موقف النفاة كالمعتزلة وموافقيهم

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ مَأْثُورًا لَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا أُثِرَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ] (¬1) ، فَصَارَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ. الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ يَدْخُلُ فِيهِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ، فَالَّذِينَ أَثْبَتُوهُ أَدْخَلُوا فِيهِ مِنَ النَّقْصِ وَالتَّمْثِيلِ مَا هُوَ بَاطِلٌ، وَالَّذِينَ نَفَوْهُ أَدْخَلُوا فِيهِ مِنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّحْرِيفِ مَا هُوَ بَاطِلٌ. [موقف النفاة كالمعتزلة وموافقيهم] وَمُلَخَّصُ (¬2) ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ نَفَوْهُ أَصْلُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا حُدُوثَ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، فَقَالُوا: الْجِسْمُ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَمَا لَا يَخْلُو عَنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ حَادِثٍ ; لِأَنَّ الْحَرَكَةَ حَادِثَةٌ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَالسُّكُونَ إِمَّا عَدَمُ الْحَرَكَةِ وَإِمَّا ضِدٌّ يُقَابِلُ الْحَرَكَةَ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْجِسْمُ لَا يَخْلُوَا عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَالسُّكُونُ يُمْكِنُ (¬3) تَبْدِيلُهُ بِالْحَرَكَةِ، فَكُلُّ جِسْمٍ يَقْبَلُ الْحَرَكَةَ فَلَا يَخْلُو مِنْهَا أَوْ مِمَّا يُقَابِلُهَا (¬4) ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو مِنْهَا - كَمَا تَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْفَلَكِ - فَإِنَّهُ حَادِثٌ (¬5) ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو مِمَّا يُقَابِلُهَا (¬6) فَإِنَّهُ [يَقْبَلُ] (¬7) الْحَرَكَةَ، وَمَا قَبِلَ الْحَرَكَةَ أَمْكَنَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَمُخْلَصُ. (¬3) أ، ب: عَلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) م: يَقْبَلُهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) م (فَقَطْ) : فَإِنَّهَا حَادِثَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) أ: يَقْبَلُهَا وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) يَقْبَلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

أَنْ لَا يَخْلُوَ مِنْهَا، فَأَمْكَنَ أَنْ يَخْلُوَ مِنْ (¬1) الْحَوَادِثِ، وَمَا أَمْكَنَ لُزُومُ [دَلِيلِ] (¬2) الْحُدُوثِ لَهُ كَانَ حَادِثًا، فَإِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ دَلِيلُ الْحُدُوثِ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنِ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ: مَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، فَإِنَّ مَا لَا يَخْلُو عَنْهَا لَا يَسْبِقُهَا (3 فَلَا يَكُونُ قَبْلَهَا 3) (¬3) ، وَمَا لَا يَكُونُ إِلَّا مُقَارِنًا لِلْحَادِثِ لَا قَبْلَهُ وَلَا يَكُونُ إِلَّا حَادِثًا. وَكَثِيرٌ مِنَ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ لَا يُوجَدُ فِيهَا إِلَّا هَذَا. وَأَمَّا حُذَّاقُ هَؤُلَاءِ فَتَفَطَّنُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَ عَيْنِ (¬4) الْحَادِثِ وَنَوْعِ الْحَادِثِ، فَإِنَّ الْمَعْلُومَ أَنَّ مَا لَا يَسْبِقُ الْحَادِثَ الْمُعَيَّنَ فَهُوَ حَادِثٌ، وَأَمَّا مَا لَا يَسْبِقُ نَوْعَ الْحَادِثِ فَهَذَا لَا يُعْلَمُ حُدُوثُهُ، وَإِنْ (¬5) لَمْ يُعْلَمِ امْتِنَاعُ دَوَامِ الْحَوَادِثِ وَأَنَّ لَهَا (¬6) ابْتِدَاءً، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ وَوُجُودُ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، فَصَارَ الدَّلِيلُ مَوْقُوفًا عَلَى امْتِنَاعِ (¬7) حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَهَذَا الْمَوْضِعُ هُوَ الْمُهِمُّ الْأَعْظَمُ فِي هَذَا الدَّلِيلِ، وَفِيهِ كَثُرَ (¬8) الِاضْطِرَابُ، وَالْتَبَسَ الْخَطَأُ بِالصَّوَابِ. ¬

(¬1) ن، م: عَنْ. (¬2) دَلِيلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) عَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَهِيَ فِي (أ) ، (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: إِنْ: (¬6) ن، م: لَهُ. (¬7) امْتِنَاعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ن: كَثِيرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

موقف الأشعري من إثبات الصفات

وَآخَرُونَ سَلَكُوا أَعَمَّ مِنْ هَذَا فَقَالُوا: الْجِسْمُ لَا يَخْلُو عَنِ الْأَعْرَاضِ، وَالْأَعْرَاضُ حَادِثَةٌ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْجِسْمُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ (¬1) الْأَعْرَاضِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَهُ، وَالْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْجِسْمُ لَا يَخْلُو عَنِ الْاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ هِيَ الْأَكْوَانُ، فَالْجِسْمُ (¬2) لَا يَخْلُو عَنِ الْأَكْوَانِ. وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ وَلَوَازِمِهَا كَثِيرٌ قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي كَلَامِ [الْمُثْبِتِينَ لِلصِّفَاتِ، حَتَّى فِي كَلَامِ] (¬3) الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ الْخَاصَّةِ: الْمُنْتَسِبِينَ (¬4) إِلَى الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ (¬5) وَغَيْرِهِمْ. [موقف الأشعري من إثبات الصفات] وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي بَقِيَ عَلَى الْأَشْعَرِيِّ مِنْ بَقَايَا كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهُ خَالَفَ (¬6) الْمُعْتَزِلَةَ لَمَّا رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ فِي أُصُولِهِمُ الَّتِي اشْتُهِرُوا فِيهَا بِمُخَالَفَةِ (¬7) [أَهْلِ] (¬8) السُّنَّةِ كَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ ¬

(¬1) ن: نَوْعٍ مِنْ نَوْعِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن (فَقَطْ) : وَالْجِسْمُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن، م: وَالْمُنْتَسِبِينَ. (¬5) أ، ب: وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ. (¬6) م: يُخَالِفُ. (¬7) ن: أَشْهَرُوهَا بِخِلَافِ. (¬8) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مَخْلُوقٍ، وَإِثْبَاتِ الْقَدْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ " الْمَقَالَاتِ " أَنَّهُ يَقُولُ بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ (¬1) . وَذَكَرَ فِي " الْإِبَانَةِ " أَنَّهُ يَأْتَمُّ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ (¬2) : " فَإِنَّهُ (¬3) الْإِمَامُ الْكَامِلُ، وَالرَّئِيسُ الْفَاضِلُ (¬4) ، الَّذِي أَبَانَ [اللَّهُ] بِهِ الْحَقَّ (¬5) ، وَأَوْضَحَ بِهِ الْمِنْهَاجَ (¬6) ، وَقَمْعَ بِهِ بِدَعَ الْمُبْتَدِعِينَ، وَزَيْغَ الزَّائِغِينَ، وَشَكَّ الشَّاكِّينَ ". وَقَالَ (¬7) : " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ (¬8) : قَدْ أَنْكَرْتُمْ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ [وَالْمُرْجِئَةِ] (¬9) " وَاحْتَجَّ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ بِمُقَدَّمَاتِ سَلَّمَهَا ¬

(¬1) قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِهِ " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ " 1/325 بَعْدَ أَنَّ عَقَدَ فَصْلًا عُنْوَانُهُ " هَذِهِ حِكَايَةُ جُمْلَةِ قَوْلِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ " (1/320 - 325) : " وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ، وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ ". (¬2) وَرَدَتِ الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ فِي كِتَابِ " الْإِبَانَةِ عَنْ أُصُولِ الدِّيَانَةِ " لِلْأَشْعَرِيِّ، بَابٌ فِي إِبَانَةِ قَوْلِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ، ص [0 - 9] ، ط. الْمُنِيرِيَةِ، بِدُونِ تَارِيخٍ، وَسَنُقَابِلُ نَصَّ " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ " عَلَيْهَا وَعَلَى الطَّبْعَةِ الَّتِي حَقَّقَتْهَا الدُّكْتُورَةُ فَوْقِيَّة حُسَيْن مَحْمُود: ص 70 - 271 دَارُ الْأَنْصَارِ: الْقَاهِرَةِ 1397/1977. (¬3) الْإِبَانَةِ: لِأَنَّهُ. (¬4) الْإِبَانَةِ: الْإِمَامُ الْفَاضِلُ وَالرَّئِيسُ الْكَامِلُ. (¬5) ن: الَّذِي أَبَانَ بِهِ الْحَقَّ (بِسُقُوطِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ) . (¬6) الْإِبَانَةِ: وَرَفَعَ بِهِ الضَّلَالَ، وَأَوْضَحَ بِهِ الْمِنْهَاجَ (وَفِي نُسْخَةِ الدُّكْتُورَةِ فَوْقِيَّةَ: وَدَفَعَ) . (¬7) الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ فِي الْإِبَانَةِ فِي أُصُولِ الْفَصْلِ السَّابِقِ (ص [0 - 9] ) بَعْدَ الْعُنْوَانِ مُبَاشَرَةً. (¬8) الْإِبَانَةِ: فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ. (¬9) الْإِبَانَةِ: " قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْمُرْجِئَةِ " ; ب، أ: سَقَطَتْ كَلِمَةُ " الْقَدَرِيَّةِ " ; ن، م: سَقَطَتْ كَلِمَةُ " الْمُرْجِئَةِ ".

لِلْمُعْتَزِلَةِ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ، فَصَارَتِ الْمُعْتَزِلَةُ [وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ] (¬1) يَقُولُونَ (¬2) : إِنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ (¬3) ، وَإِنَّ هَذِهِ بَقِيَّةٌ (¬4) بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَأَصْلُ ذَلِكَ هُوَ هَذَا الْكَلَامُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُخَالِفُ الْأَشْعَرِيَّ فِي مَسَائِلَ، وَقَدْ [وَافَقَهُ] (¬5) عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَرْجِعُ إِلَيْهِ تِلْكَ الْمَسَائِلُ، فَيَقُولُ النَّاسُ فِي تَنَاقُضِهِ كَمَا قَالُوهُ فِي تَنَاقُضِ الْأَشْعَرِيِّ، وَكَمَا قَالُوهُ فِي تَنَاقُضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَتَنَاقُضِ الْفَلَاسِفَةِ، فَمَا مِنْ طَائِفَةٍ فِيهَا نَوْعٌ يَسِيرٌ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْحَدِيثِ إِلَّا وَيُوجَدُ فِي كَلَامِهَا مِنَ التَّنَاقُضِ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَأَعْظَمُهُمْ تَنَاقُضًا أَبْعَدُهُمْ عَنِ السُّنَّةِ، كَالْفَلَاسِفَةِ ثُمَّ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ. فَلَمَّا اعْتَقَدَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ (¬6) أَثْبَتُوا بِهَذَا الدَّلِيلِ حُدُوثَ الْجِسْمِ، لَزِمَ انْتِفَاءُ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَدِيمٌ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ، فَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: مَا قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ فَهُوَ جِسْمٌ ; لِأَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ، وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: تَقُولُ. (¬3) ن، (فَقَطْ) : يَقُولُ إِنَّ هَذَا يَتَنَاقَصُ. (¬4) بَقِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَهِيَ فِي (ن) ن (أ) ، (م) . (¬5) أ: أَوْقَفَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن (فَقَطْ) : فَلَمَّا اعْتَقَدُوهُ لِأَنَّهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

إِلَّا بِجِسْمٍ، فَنَفَتِ الصِّفَاتِ، وَنَفَتْ أَيْضًا قِيَامَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِهِ ; لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ وَلِأَنَّهَا حَوَادِثُ، فَقَالَتْ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامٌ وَهُوَ عَرَضٌ ; وَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْحَرَكَةِ وَهِيَ حَادِثَةٌ، فَلَا يَقُومُ إِلَّا بِجِسْمٍ. وَقَالَتْ أَيْضًا: إِنَّهُ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَرَى إِلَّا جِسْمًا أَوْ قَائِمًا بِجِسْمٍ. وَقَالَتْ: لَيْسَ [هُوَ] (¬1) فَوْقَ الْعَالَمِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَقَامُ (¬2) مَكَانٍ، وَالْمَكَانُ لَا يَكُونُ [بِهِ] (¬3) إِلَّا جِسْمٌ (¬4) ، أَوْ مَا يَقُومُ بِجِسْمٍ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْإِمَامِيُّ، وَهُوَ لَمْ يَبْسُطِ الْكَلَامَ فِيهِ، فَلِذَا (¬5) اقْتَصَرْنَا (¬6) عَلَى هَذَا الْقَدْرِ؛ إِذِ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. فَقَالَتْ مُثْبِتَةُ الصِّفَاتِ لِلْمُعْتَزِلَةِ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا، فَإِنْ طَرَدْتُمْ قَوْلَكُمْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جِسْمًا، وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَنْ لَيْسَ بِجِسْمٍ (¬7) ، قِيلَ لَكُمْ: وَتُثْبَتُ هَذِهِ الصِّفَاتُ لِمَنْ لَيْسَ بِجِسْمٍ. وَقَالُوا لَهُمْ أَيْضًا: إِثْبَاتُ حَيٍّ بِلَا حَيَاةٍ، وَعَالِمٍ بِلَا عِلْمٍ، وَقَادِرٍ ¬

(¬1) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) مَقَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن (فَقَطْ) : الْجِسْمُ. (¬5) ن، م: فَلِذَلِكَ. (¬6) ن (فَقَطْ) : اقْتَصَرَ. (¬7) ن (فَقَطْ) : تَسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ.

بِلَا قُدْرَةٍ، مِثْلُ إِثْبَاتِ أَسْوَدَ بِلَا سَوَادٍ، وَأَبْيَضَ بِلَا بَيَاضٍ، وَقَائِمٍ بِلَا قِيَامٍ، وَمُصَلٍّ بِلَا صَلَاةٍ، وَمُتَكَلِّمٍ بِلَا كَلَامٍ، وَفَاعِلٍ بِلَا فِعْلٍ، وَهَذَا (¬1) مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ لُغَةً وَعَقْلًا. وَقَالُوا لَهُمْ أَيْضًا: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَلَيْسَ كَوْنُهُ حَيًّا هُوَ كَوْنُهُ عَالِمًا، وَلَا كَوْنُهُ عَالِمًا هُوَ كَوْنُهُ قَادِرًا. فَهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي تَعْقِلُونَهَا وَتُثْبِتُونَهَا (¬2) هِيَ الصِّفَاتُ، سَوَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَحْكَامًا أَوْ أَحْوَالًا أَوْ مَعَانِيَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ الِاعْتِبَارُ بِالْأَلْفَاظِ بَلْ بِالْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ. وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ وَجَدَهُمْ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ، كَمَا تَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ: إِنَّهُ عَاقِلٌ (¬3) وَمَعْقُولٌ وَعَقْلٌ، وَعَاشِقٌ وَمَعْشُوقٌ وَعِشْقٌ. ثُمَّ يَقُولُونَ: هَذَا الْمَعْنَى هُوَ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّ الْعَالِمَ هُوَ الْعِلْمُ، فَيَجْعَلُونَ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ هِيَ الْأُخْرَى، وَيَجْعَلُونَ الْمَوْصُوفَ هُوَ الصِّفَةُ. وَأَيْضًا، فَمَا يُشَنِّعُ بِهِ هَؤُلَاءِ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ هُمْ يَقُولُونَ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ. وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ (¬4) وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَجَدَ الْمَعَانِي الَّتِي يُثْبِتُهَا (¬5) هِيَ قَوْلُ الصِّفَاتِيَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ؛ إِذِ الْكَلَامُ هُنَا مُخْتَصَرٌ بِحَسَبِ هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ نَبَّهْنَا ¬

(¬1) أ، ب: وَهَذِهِ. (¬2) ن، (أ) : يَعْقِلُونَهَا وَيُثْبِتُونَهَا. (¬3) ن (فَقَطْ) : فَاعِلٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن، م: أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن (فَقَطْ) : نُثْبِتُهَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

الوجه السادس وفيه أن أكثر متقدمي الإمامية كانوا مجسمة

عَلَى أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ (¬1) بِالْحَقِّ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ مَا مِنْ قَوْلٍ يَثْبُتُ بِشَرْعٍ (¬2) وَعَقْلٍ إِلَّا وَقَدْ قَالَ بِهِ أَئِمَّةُ (¬3) أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. [الْوَجْهُ السَّادِسُ وفيه أن أكثر متقدمي الإمامية كانوا مجسمة] الْوَجْهُ السَّادِسُ (¬4) : أَنْ يُقَالَ لِهَذَا الْإِمَامِيِّ: أَنْتِ قَلْتَ: مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ أَحَقُّهَا وَأَصْدَقُهَا وَأَخْلَصُهَا عَنْ شَوَائِبِ الْبَاطِلِ ; لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ، وَأَنَّ [كُلَّ] (¬5) مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ ; لِأَنَّهُ وَاحِدٌ (¬6) وَلَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا فِي مَكَانٍ وَإِلَّا لَكَانَ مُحْدَثًا. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَكْثَرَ [مُتَقَدِّمِي] (¬7) الْإِمَامِيَّةِ كَانُوا بِضِدِّ هَذَا: كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، وَهِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، وَيُونُسَ (¬8) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُمِّيِّ مَوْلَى آلِ يَقْطِينَ، وَزُرَاةَ بْنِ أَعْيَنَ (¬9) ¬

(¬1) ن، م: تَقُولُ. (¬2) ن (فَقَطْ) : ثَبَتَ بِشَرْعٍ. (¬3) ن، م: جُمْهُورِ. (¬4) ن، م: الْخَامِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَبَدَأَ الْكَلَامُ عَنِ الْوَجْهِ الْخَامِسِ فِي ص 102. (¬5) كُلَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ن (فَقَطْ) : أَحَدٌ. (¬7) مُتَقَدِّمِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) م (فَقَطْ) : وَيُوسُفَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) ن، م: وَزُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَعْيَنَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَزَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ بْنِ سِنْسِنٍ رَأْسُ الْفِرْقَةِ الزُّرَارِيَّةِ مِنْ فَوْقِ الرَّافِضَةِ، كَانَ أَبُوهُ عَبْدًا رُومِيًّا لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ وَكَانَ جَدُّهُ رَاهِبًا. قَالَ ابْنُ النَّدِيمِ (الْفِهْرِسْتِ، ص 220) : " زُرَارَةُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ رَبِّهِ. . . أَكْبَرُ رِجَالِ الشِّيعَةِ فِقْهًا وَحَدِيثًا وَمَعْرِفَةً بِالْكَلَامِ وَالتَّشَيُّعِ " وَتُوُفِّيَ زُرَارَةُ سَنَةَ 150. وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِإِمَامَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ثُمَّ صَارَ إِلَى الِائْتِمَامِ بِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (الْكَاظِمِ) . وَسَيَذْكُرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَعْدَ قَلِيلٍ مَقَالَةً لِلزُّرَارِيَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ نَقْلًا عَنِ الْأَشْعَرِيِّ فِي الْمَقَالَاتِ. وَانْظُرْ عَنْ زُرَارَةَ الرِّجَالَ لِلنَّجَاشِيِّ، ص 132 - 133 ; رِجَالَ الطُّوسِيِّ، ص 123 - 124، 201، 350 ; الْفِهْرِسْتَ لِلطُّوسِيِّ، ص 100 ; الرِّجَالَ لِلْكَشِّيِّ، ص 88 - 107 ; اللُّبَابَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 1/498 ; لِسَانَ الْمِيزَانِ 2/473 - 474 ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 3/75 ; وَانْظُرْ عَنِ الزُّرَارِيَّةِ مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/100، 106 - 107 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 43 ; الْخُطَطَ لِلْمَقَرِّيزِيِّ 2/353 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/150.

وَأَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ (¬1) ، وَعَلِيِّ بْنِ مِيثَمَ (¬2) ، وَطَوَائِفَ كَثِيرِينَ هُمْ ¬

(¬1) لَمْ أَهْتَدِ إِلَى تَرْجَمَةٍ مُفَصَّلَةٍ لَهُ وَلَكِنْ وَرَدَ ذِكْرُهُ ضِمْنَ أَصْحَابِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ (رِجَالُ الطُّوسِيِّ، ص 221) فَقَالَ: الضَّحَّاكُ أَبُو مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، كُوفِيٌّ وَكَذَا وَرَدَ اسْمُهُ فِي أَعْيَانِ الشِّيعَةِ 7/110، 111 بِدُونِ تَفْصِيلَاتٍ أُخْرَى. وَفِي رِجَالِ الْحِلِّيِّ، ص 90: " الضَّحَّاكُ أَبُو مَالِكٍ الْحَضَرَمِيُّ، كُوفِيٌّ عَرَبِيٌّ أَدْرَاكَ أَبَا عَبْدَ اللَّهَ (جَعْفَرًا الصَّادِقِ) عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: رَوَى عَنْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَرْوِ عْنَهُ، وَرَوَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (مُوسَى الْكَاظِمِ) ، وَكَانَ مُتَكَلِّمًا ثِقَةً فِي الْحَدِيثِ ". وَسَمَّاهُ النَّجَاشِيُّ (الرِّجَالُ، ص 154) الضَّحَّاكَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ (كَذَا وَهُوَ تَحْرِيفٌ) الْحَضَرَمِيَّ. وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْحِلِّيُّ إِلَّا أَنَّ فِيهِ: " وَلَهُ كِتَابٌ فِي التَّوْحِيدِ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِيِّ " ثُمَّ ذَكَرَ سَنَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَانْظُرْ أَيْضًا تَنْقِيحَ الْمَقَالِ لِلْمَامَقَانِيِّ 2/104. (¬2) فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ: عَلِيُّ بْنُ مِتيَمَ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ مِيثَمَ بْنِ يَحْيَى التَّمَّارُ، أَبُو الْحَسَنِ، لَمْ تَذْكُرْ كُتُبُ التَّرَاجِمِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا تَارِيخَ مَوْلِدِهِ أَوْ وَفَاتِهِ، وَلَكِنْ جَاءَ فِيهَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 203) ، وَأَنَّهُ أَدْرَكَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ الْكَاظِمَ (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 183) قَالَ ابْنُ النَّدِيمِ فِي " الْفِهْرِسْتِ " (ص 175) : إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامَةِ وَإِنَّهُ صَنَّفَ كِتَابَيْ " الْإِمَامَةِ " وَ " الِاسْتِحْقَاقِ " وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمَذْهَبَهُ فِي: أَعْيَانِ الشِّيعَةِ 41/73 ; الرِّجَالِ لِلنَّجَاشِيِّ، ص 189 - 190 ; رِجَالِ الطُّوسِيِّ، ص 383 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 4/265 - 966 (وَسَمَّاهُ الْعَوْفِيُّ) ; الْفِصَلِ لِابْنِ حَزْمٍ 5/39 - 40 (وَسَمَّاهُ الصَّابُونِيُّ) ; الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 43 (وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ هَيْثَمٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ) ; فِرَقِ الشِّيعَةِ لِلنُّوبَخْتِيِّ، ص 103.

الوجه السابع وفيه عرض لمقالات الرافضة

أَئِمَّةُ الْإِمَامِيَّةِ قَبْلَ (¬1) الْمُفِيدِ وَالطُّوسِيِّ (¬2) وَالْمُوسَوِيِّ وَالْكَرَاجِكِيِّ (¬3) . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ قُدَمَاءِ الْإِمَامِيَّةِ فَإِنَّ (¬4) قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ إِنَّمَا حَدَثَ فِيهِمْ مُتَأَخِّرًا، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَتِ الْإِمَامِيَّةُ كُلُّهَا عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مَا ذَكَرْتُهُ هُوَ الصَّوَابُ فَشُيُوخُ الْإِمَامِيَّةِ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَشُيُوخُهُمُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ، فَقَدْ لَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ شُيُوخَ الْإِمَامِيَّةِ ضَلُّوا فِي التَّوْحِيدِ: إِمَّا مُتَقَدِّمُوهُمْ وَإِمَّا مُتَأَخِّرُوهُمْ. [الْوَجْهُ السَّابِعُ وفيه عرض لمقالات الرافضة] الْوَجْهُ السَّابِعُ (¬5) : أَنْ يُقَالَ: أَنْتَ ذَكَرْتَ اعْتِقَادًا وَلَمْ تَذْكُرْ عَلَيْهِ دَلِيلًا (¬6) : لَا شَرْعِيًّا وَلَا عَقْلِيًّا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّافِضَةَ أَجْهَلُ وَأَضَلُّ [وَأَقَلُّ] (¬7) مِنْ أَنْ يُنَاظِرُوا عُلَمَاءَ السُّنَّةِ، لَكِنْ يُنَاظِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا يَتَنَاظَرُونَ دَائِمًا فِي الْمَعْدُومِ: هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَوْ لَيْسَ بِشَيْءٍ؟ فَيُقَالُ لِهَذَا الْإِمَامِيِّ النَّافِي: أَنْتَ لَمْ تُقِمْ حُجَّةً عَلَى شُيُوخِكَ [الْإِمَامِيَّةِ] (¬8) الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، وَأَنَّهُ يَتَحَرَّكُ، وَأَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬9) : " وَاخْتَلَفَتِ الرَّوَافِضُ (¬10) فِي حَمَلَةِ الْعَرْشِ [أَيَحْمِلُونَ ¬

(¬1) ن، م: مِثْلَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن (فَقَطْ) : الْمُفِيدِ الطُّوسِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ب: وَالْحِلِّيِّ، أ: حِلِّيِّ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْأَرْبَعَةِ 1/60. (¬4) ن، م: وَأَنَّ. (¬5) ن، م: السَّادِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ن، م: دَلِيلًا عَلَيْهِ. (¬7) وَأَقَلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) الْإِمَامِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬9) فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/106، وَسَنُقَابِلُ النُّصُوصَ التَّالِيَةَ عَلَيْهِ. (¬10) مَقَالَاتٍ. .: الرَّافِضَةُ.

الْعَرْشَ] (¬1) أَمْ يَحْمِلُونَ الْبَارِئَ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فِرْقَةٌ يُقَالُ لَهَا: " الْيُونُسِيَّةُ " أَصْحَابُ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُمِّيِّ مَوْلَى آلِ يَقْطِينَ (¬2) يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحَمَلَةَ يَحْمِلُونَ الْبَارِيَ، وَاحْتَجَّ يُونُسُ فِي (¬3) أَنَّ الْحَمَلَةَ تَطِيقُ حَمْلَهُ وَشَبَّهَهُمْ (¬4) بِالْكُرْكِيِّ (¬5) وَأَنَّ رِجْلَيْهِ تَحْمِلَانِهِ وَهُمَا دَقِيقَتَانِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: إِنَّ الْحَمْلَةَ تَحْمِلُ الْعَرْشَ، وَالْبَارِئَ (¬6) يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا ". قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬7) : " وَاخْتَلَفَ الرَّوَافِضُ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ (¬8) عَالِمٌ حَيٌّ (¬9) قَادِرٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ إِلَهٌ. وَهُمْ تِسْعُ (¬10) فِرَقٍ: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ: " الزُّرَارِيَّةُ " أَصْحَابُ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ الرَّافِضِيِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ غَيْرَ سَمِيعٍ وَلَا عَلِيمٍ وَلَا بَصِيرٍ حَتَّى خَلَقَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَهُمْ يُسَمَّوْنَ التَّيْمِيَّةَ (¬11) ، وَرَئِيسُهُمْ زُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ. ¬

(¬1) أَيَحْمِلُونَ الْعَرْشَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. وَفِي " مَقَالَاتِ. . ": هَلْ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ؟ (¬2) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ وَالْكَلَامُ عَنْ فِرْقَتِهِ 1/73. وَانْظُرْ أَيْضًا أَعْيَانَ الشِّيعَةِ 52/101 - 114 ; الرِّجَالَ لِلنَّجَاشِيِّ، ص 348 - 349 ; رِجَالَ الطُّوسِيِّ، 364، 394 ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص 220. وَفِي هَامِشِ (أ) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضُوعِ كُتِبَ: " فِي اعْتِقَادِ فِرَقِ الشِّيعَةِ ". (¬3) أ، ب: إِلَى. (¬4) أ، ب، م: وَشَبَّهَتْهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) الْكُرْكِيُّ (عَلَى وَزْنِ كُرْسِيِّ) نَوْعٌ مِنَ الطَّيْرِ دَقِيقُ الرِّجْلَيْنِ طَوِيلُهُمَا. (¬6) ن، م: وَإِنَّ الْبَارِيَ. (¬7) الْمَقَالَاتِ 1/106 - 108. وَفِي هَامِشِ (م) كُتِبَ: " قِفْ عَلَى اخْتِلَافِ. الرَّوَافِضِ فِي كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى حَيًّا قَادِرًا سَمِيعًا بَصِيرًا ". (¬8) الْمَقَالَاتِ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ. (¬9) عَالِمٌ حَيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬10) ن، م: ثَمَانِيَةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬11) م: الشِّيمَهْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ: " السِّيَابِيَّةُ " أَصْحَابُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِيَابَةَ (¬1) يَقِفُونَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا مَا يَقُولُ جَعْفَرٌ كَائِنًا قَوْلُهُ [مَا كَانَ] (¬2) ، وَلَا يَعْرِفُونَ (¬3) فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (¬4) قَوْلًا. وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمْ: يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ (¬5) إِلَهًا قَادِرًا وَلَا (¬6) سَمِيعًا بَصِيرًا حَتَّى يُحْدِثَ الْأَشْيَاءَ ; لِأَنَّ (¬7) الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَلَنْ (¬8) يَجُوزَ أَنْ يُوصَفَ بِالْقُدْرَةِ لَا (¬9) عَلَى شَيْءٍ وَبِالْعِلْمِ [لَا بِشَيْءٍ] (¬10) . وَكُلُّ الرَّوَافِضِ (¬11) - إِلَّا شِرْذِمَةً قَلِيلَةً - يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ الشَّيْءَ (¬12) ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِيهِ ". ¬

(¬1) أ، ب: السِّبَابِيَّةُ أَصْحَابُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِبَابَةَ ; ن، م: السَّابِيَّةُ أَصْحَابُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِيَةَ، الْمَقَالَاتِ (ط. النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ بِتَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّين عَبْد الْحَمِيد) : السِّبَابِيَّةُ أَصْحَابُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِبَابَةَ ; الْمَقَالَاتِ 1/136 (ط. اسْتَانْبُولَ بِتَحْقِيقِ هـ. رِيتَرْ) : السِّيَابِيَّةُ أَصْحَابُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِيَابَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَكَذَا وَرَدَ اسْمُهُ ضِمْنَ تَرْجَمَتِهِ فِي: الرِّجَالِ لِلْكَشِّيِّ، 247 ; تَنْقِيحُ الْمَقَالِ لِلْمَامَقَانِيِّ 2/144 - 145. وَذُكِرَ فِي رِجَالِ الطُّوسِيِّ ص 230 ضِمْنَ أَصْحَابِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَفِيهِ: " عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِيَابَةَ الْكُوفِيُّ الْبَجَلِيُّ الْبَزَّازُ مَوْلًى أُسْنِدَ عَنْهُ ". (¬2) مَا كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) الْمَقَالَاتِ: يُصَوِّبُونَ. (¬4) م: الْأَسْمَاءِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) الْمَقَالَاتِ: يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ; ن، م: يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) م، ب، ن، أ: رَبًّا، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ عَنْ (م) . (¬7) ن: لَا أَنَّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م: وَلَا. (¬9) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬10) لَا بِشَيْءٍ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬11) ن (فَقَطْ) : قَالَ: وَكُلُّ الرَّوَافِضِ. (¬12) ب: شَيْئًا.

قَالَ (¬1) : " وَالْفِرْقَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ الرَّوَافِضِ (¬2) : يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ لَا حَيًّا ثُمَّ صَارَ حَيًّا. وَالْفِرْقَةُ الْخَامِسَةُ مِنَ الرَّوَافِضِ: وَهُمْ أَصْحَابُ " شَيْطَانِ الطَّاقِ " (¬3) يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِجَاهِلٍ، وَلَكِنَّهُ (¬4) إِنَّمَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ إِذَا قَدَّرَهَا وَأَرَادَهَا، فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُقَدِّرَهَا وَيُرِيدَهَا (¬5) فَمُحَالٌ أَنْ يَعْلَمَهَا، لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ، وَلَكِنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ شَيْئًا حَتَّى يُقَدِّرَهُ وَيُشَيِّئَهُ (¬6) بِالتَّقْدِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمُ الْإِرَادَةُ ". ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/107. (¬2) أ، ب: مِنَ الرَّافِضَةِ. (¬3) أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي طَرِيفَةَ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ الْأَحْوَلُ، وَيَعْرِفُ بِشَيْطَانِ الطَّاقِ، وَيُسَمِّيهِ الشِّيعَةُ بِمُؤْمِنَ الطَّاقِ. قَالَ النَّجَاشِيُّ: " رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَبِي جَعْفَرٍ (الْبَاقِرِ) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (جَعْفَرٍ الصَّادِقِ) عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. . وَكَانَ دُكَّانُهُ فِي طَاقِ الْمَحَامِلِ بِالْكُوفَةِ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي النَّقْدِ فَيَرُدُّ رَدًّا يَخْرُجُ كَمَا يَقُولُ فَيُقَالُ: شَيْطَانُ الطَّاقِ ". وَيَعْتَرِفُ النَّجَاشِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ، وَتُوَفِّيَ حَوَالَيْ 160. انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ مَذْهَبِهِ الرِّجَالَ لِلنَّجَاشِيِّ، ص [0 - 9] 49 - 250 ; فِرَقَ الشِّيعَةِ لِلنُّوبَخْتِيِّ، ص 100 ; الْخُطَطَ لِلْمَقَرِّيزِيِّ 2/348، 353 ; لِسَانَ الْمِيزَانِ 5/300 - 301 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/166 - 168 ; أَعْيَانَ الشِّيعَةِ 46/162 ; الْفِهْرِسْتَ لِلطُّوسِيِّ، ص [0 - 9] 57 - 158 ; رِجَالَ الطُّوسِيِّ، ص [0 - 9] 02 - 303، 359 - 360 ; مَعَالِمَ الْعُلَمَاءِ لِابْنِ شَهْرَاشُوبَ (ط. النَّجَفِ، 1380/1961) ص [0 - 9] 5 ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ ص [0 - 9] 76، الرِّجَالَ لِلْكَشِّيِّ، ص [0 - 9] 22 - 126 ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 7/154. (¬4) ن، م: وَلَكِنْ. (¬5) ن، م: يُرِيدَهَا وَيُقَدِّرَهَا. (¬6) وَيُشَيِّئَهُ: كَذَا فِي أ، ب.، وَفِي ن، م: يُنْشِئَهُ، الْمَقَالَاتِ: يُثْبِتَهُ (وَانْظُرْ ط. رَيْتَرْ 10/37 ت [0 - 9] ) .

قَالَ (¬1) : " وَ [الْفِرْقَةُ] السَّادِسَةُ (¬2) مِنَ الرَّافِضَةِ (¬3) : أَصْحَابُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِالْأَشْيَاءِ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا عَالِمًا، وَأَنَّهُ يَعْلَمُهَا [بِعِلْمٍ] (¬4) ، وَأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ لَهُ، لَيْسَتْ هِيَ هُوَ (¬5) ، وَلَا هِيَ غَيْرُهُ (¬6) وَلَا بَعْضُهُ فَلَا يَجُوزُ (¬7) أَنْ يُقَالَ: الْعِلْمُ (¬8) مُحْدَثٌ أَوْ قَدِيمٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ (¬9) ، وَالصِّفَةُ لَا تُوصَفُ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا لَكَانَتِ الْمَعْلُومَاتُ لَمْ تَزَلْ ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحَّ عَالِمٌ إِلَّا بِمَعْلُومٍ مَوْجُودٍ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَفْعَلُهُ عِبَادُهُ لَمْ تَصِحَّ الْمِحْنَةُ وَالِاخْتِبَارُ (¬10) ". قَالَ (¬11) : " وَقَالَ هِشَامُ فِي سَائِرِ صِفَاتِ اللَّهِ (¬12) كَقُدْرَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَإِرَادَتِهِ، إِنَّهَا صِفَاتُ اللَّهِ (¬13) ، لَا هِيَ اللَّهُ، وَلَا غَيْرُ اللَّهِ. وَقَدْ ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/107 - 108. (¬2) ن (فَقَطْ) : وَالسَّادِسَةُ. (¬3) أ، م، ب: مِنَ الرَّوَافِضِ. (¬4) يَعْلَمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ ن، م، أ، ب: وَأَثْبَتُّهَا مِنَ الْمَقَالَاتِ 1/108. (¬5) ن: وَأَنَّ الْعِلْمَ مِنْهُ لَيْسَ لَيْسَتْ هِيَ هُوَ ; م: وَأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ لَهُ لَيْسَتْ هِيَ هِيَ. (¬6) الْمَقَالَاتِ: وَلَا غَيْرُهُ. (¬7) ب، أ، الْمَقَالَاتِ: فَيَجُوزُ، وَالصَّوَابُ مِنْ (ن) ، (م) ، وَانْظُرِ الْمَقَالَاتِ (ط. رَيْتَرْ 1/37 - ت 11) . (¬8) ن: الْعَالِمُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) الْمَقَالَاتِ: لِأَنَّهُ صِفَةٌ ; ن: لِأَنَّ الْعِلْمَ مُحْدَثٌ صِفَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) م: وَالْإِحْسَانُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬11) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬12) الْمَقَالَاتِ: اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (¬13) الْمَقَالَاتَ: لِلَّهِ.

اخْتَلَفَ عَنْهُ فِي الْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ: فَمِنْهُمْ (¬1) مَنْ يَحْكِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (¬2) : إِنَّ الْبَارِئَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا حَيًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْكَرُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ ". قَالَ (¬3) : " وَالْفِرْقَةُ السَّابِعَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ: لَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْبَارِئَ عَالِمٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا قَالَ (¬4) شَيْطَانُ الطَّاقِ، وَلَكِنَّهُمْ (¬5) يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ الشَّيْءَ حَتَّى يُؤَثِّرَ أَثَرَهُ، وَالتَّأْثِيرُ عِنْدَهُمُ الْإِرَادَةُ، فَإِذَا أَرَادَ الشَّيْءَ عَلِمَهُ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْهُ لَمْ يَعْلَمْهُ. وَمَعْنَى أَرَادَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ تَحَرَّكَ حَرَكَةً (¬6) هِيَ إِرَادَةُ، فَإِذَا تَحَرَّكَ عَلِمَ الشَّيْءَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزِ الْوَصْفُ لَهُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِهِ (¬7) ". قَالَ: " وَالْفِرْقَةُ الثَّامِنَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ: يَزْعُمُونَ (¬8) أَنَّ مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ، فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: أَتَقُولُونَ (¬9) : [إِنَّ] (¬10) اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا ¬

(¬1) الْمَقَالَاتِ: فَمِنَ النَّاسِ. (¬2) الْمَقَالَاتِ: يَزْعُمُ. (¬3) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬4) ب، أ: قَالَهُ. (¬5) ن، م: وَلَكِنْ. (¬6) ب، أ، م: يُحَرِّكُ حَرَكَةً ; ن: تَحَرَّكَ بِحَرَكَةٍ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ " الْمَقَالَاتِ ". (¬7) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي " الْمَقَالَاتِ " بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا يَلِي: " وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْعِلْمِ بِمَا لَا يَكُونُ ". (¬8) " الْمَقَالَاتِ ": يَقُولُونَ. (¬9) أَتَقُولُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي (أ) : يَقُولُ، (ن) ، (م) : يَقُولُونَ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْمَقَالَاتِ ". (¬10) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

بِنَفْسِهِ؟ اخْتَلَفُوا. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ لَا يَعْلَمُ بِنَفْسِهِ (¬1) حَتَّى فَعَلَ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَمَّا يَفْعَلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ يَعْلَمُ بِنَفْسِهِ (¬2) . فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: [فَلَمْ] (¬3) يَزَلْ يَفْعَلُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَلَا نَقُولُ بِقِدَمِ (¬4) الْفِعْلِ ". قَالَ: " وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، إِلَّا أَعْمَالَ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا فِي (¬5) حَالِ كَوْنِهَا ". قَالَ: " وَالْفِرْقَةُ التَّاسِعَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ: يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى [لَمْ يَزَلْ] (¬6) عَالِمًا حَيًّا (¬7) قَادِرًا، وَيَمِيلُونَ إِلَى نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَلَا يُقِرُّونَ (¬8) بِحُدُوثِ الْعِلْمِ (¬9) ، وَلَا بِمَا حَكَيْنَاهُ مِنَ التَّجْسِيمِ وَسَائِرِ مَا أَخْبَرْنَا بِهِ مِنَ التَّشْبِيهِ [عَنْهُمْ] (¬10) ". قَالَ (¬11) : وَاخْتَلَفَتْ (¬12) الرَّوَافِضُ فِي إِرَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ (¬13) ، وَهُمْ أَرْبَعُ فِرَقٍ: ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: نَفْسَهُ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ " الْمَقَالَاتِ ". (¬2) ب، أ، ن، م: نَفْسَهُ، وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْمَقَالَاتِ ". (¬3) فَلَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (م) : لَمْ. (¬4) ن: نُقَدِّمُ. (¬5) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬6) لَمْ يَزَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) أ، ب: حَيًّا عَالِمًا. (¬8) الْمَقَالَاتِ: يَقُولُونَ. (¬9) ب، أ: الْعَالِمِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) عَنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) فِي " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/110 - 111: وَمِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ تَبْدَأُ نُسْخَةُ ع عَاشِر أَفَنْدِي. (¬12) أ، ب: وَاخْتَلَفَ. (¬13) فِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ: " قِفْ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّوَافِضِ فِي إِرَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "

فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ: أَصْحَابُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَهِشَامِ الْجَوَالِيقِيِّ: يَزْعُمُونَ أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ حَرَكَةٌ وَهِيَ مَعْنًى (¬1) ، لَا هِيَ اللَّهُ (¬2) وَلَا هِيَ (¬3) غَيْرُهُ، وَأَنَّهَا (¬4) صِفَةٌ لِلَّهِ لَيْسَتْ غَيْرَهُ، وَذَلِكَ (¬5) [أَنَّهُمْ] (¬6) يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ الشَّيْءَ (¬7) تَحَرَّكَ، فَكَانَ مَا أَرَادَ (¬8) . وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ: أَبُو مَالِكٍ الْحَضْرَمِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ مِيثَمَ (¬9) وَمَنْ تَابَعَهُمَا: يَزْعُمُونَ أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ غَيْرُهُ، وَهِيَ حَرَكَةُ اللَّهِ، كَمَا قَالَ هِشَامُ، إِلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ خَالَفُوهُ فَزَعَمُوا أَنَّ الْإِرَادَةَ حَرَكَةٌ، وَأَنَّهَا غَيْرُ اللَّهِ بِهَا يَتَحَرَّكُ. وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمُ: الْقَائِلُونَ (¬10) بِالِاعْتِزَالِ وَالْإِمَامَةِ (¬11) : يَزْعُمُونَ أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِحَرَكَةٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا (¬12) غَيْرَ الْمُرَادِ فَيَقُولُ: إِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ لَا بِإِرَادَةٍ (¬13) ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِرَادَةُ اللَّهِ (¬14) لِتَكْوِينِ الشَّيْءِ هُوَ الشَّيْءُ، ¬

(¬1) وَهِيَ مَعْنًى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي (أ) وَهِيَ مُعَيَّنٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب (فَقَطْ) : لَا هِيَ عَيْنُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) هِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) ب، أ: وَإِنَّمَا هِيَ. (¬5) ب (فَقَطْ) : وَلِذَلِكَ. (¬6) أَنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، (أ) ، وَأَثْبَتُهَا مِنْ (ع) ، (م) ، " الْمَقَالَاتِ " 1/110. (¬7) ع (فَقَطْ) : شَيْئًا. (¬8) م: مَكَانَ مَا أَرَادَ. وَفِي الْمَقَالَاتِ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ عِبَارَةُ: " تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ ". (¬9) ب، ع، ن، م: عَلِيُّ بْنُ مِتْيَمَ ; أ: عَلِيُّ بْنُ مِيتَمَ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ " الْمَقَالَاتِ " 1/111. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، هَذَا الْجُزْءَ (ص [0 - 9] 33) . (¬10) " الْمَقَالَاتِ ": وَهُمُ الْقَائِلُونَ. (¬11) ب، ن، أ: وَالْإِمَامِيَّةِ، م: وَإِلَّا مَا، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالْمُثْبَتُ عَنِ " الْمَقَالَاتِ "، (ع) . (¬12) ب، ن، م، أ: يُثْبِتُهَا. (¬13) ن (فَقَطْ) : لَا بِإِرَادَتِهِ. (¬14) ن: إِنَّهَا إِرَادَةُ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ ; الْمَقَالَاتِ: إِرَادَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

وَإِرَادَتُهُ لِأَفْعَالِ (¬1) الْعِبَادِ هِيَ أَمْرُهُ إِيَّاهُمْ بِالْفِعْلِ، وَهِيَ غَيْرُ فِعْلِهِمْ، وَهُمْ يَأْبَوْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَرَادَ الْمَعَاصِيَ فَكَانَتْ. وَالْفِرْقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: لَا نَقُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ: إِنَّ اللَّهَ أَرَادَ (¬2) ، فَإِذَا فُعِلَتْ (¬3) الطَّاعَةُ قُلْنَا: أَرَادَهَا، وَإِذَا فُعِلَتِ الْمَعْصِيَةُ (¬4) فَهُوَ كَارِهٌ لَهَا غَيْرُ مُحِبٍّ لَهَا (¬5) ". قُلْتُ: الْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ قَوْلُ مُتَأَخِّرِي الشِّيعَةِ، كَالْمُفِيدِ وَأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمُعْتَزِلَةَ، وَهُمْ طَائِفَةُ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ (¬6) قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالثَّانِي قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ، فَصَارَ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةُ عَلَى قَوْلٍ (¬7) الْمُعْتَزِلَةِ. (¬8) (* فَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ الَّتِي نُقِلَتْ فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ لَمْ نَرَ (¬9) النَّاسَ نَقَلُوهَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمَ مِمَّا نَقَلُوهَا عَنْ قُدَمَاءِ الرَّافِضَةِ. ثُمَّ الرَّافِضَةُ حُرِمُوا الصَّوَابَ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا حُرِمُوهُ فِي غَيْرِهِ، فَقُدَمَاؤُهُمْ ¬

(¬1) ن: لِفِعْلِ. (¬2) الْمَقَالَاتِ: أَرَادَهُ. (¬3) ن، م: فَعَلَ. (¬4) ن: وَإِذَا أَرَادَ فِعْلَ الْمَعْصِيَةِ ; م: وَإِذَا فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ. (¬5) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) ع: وَالْأَوَّلُ. (¬7) ب، أ: قَوْلَي. (¬8) الْكَلَامُ التَّالِي بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَمَوْجُودٌ فِي (ع) ، (ن) ، (م) . وَيَنْتَهِي السَّقْطُ مِنْ 245. (¬9) م: لَمْ يَزَلْ.

يَقُولُونَ بِالتَّجْسِيمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ غُلَاةِ (¬1) الْمُجَسِّمَةِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ يَقُولُونَ بِتَعْطِيلِ الصِّفَاتِ مُوَافَقَةً لِغُلَاةِ الْمُعَطِّلَةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَأَقْوَالُ أَئِمَّتِهِمْ دَائِرَةٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ (¬2) ، لَمْ تُعْرَفْ لَهُمْ مُقَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا. وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْقَوْلِ الْوَسَطِ (¬3) الْمُغَايِرِ لِقَوْلِ أَهْلِ التَّمْثِيلِ [وَقَوْلِ أَهْلِ] التَّعْطِيلِ (¬4) ، وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ مُخَالَفَةَ الرَّافِضَةِ لِأَئِمَّةِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُصُولِ دِينِهِمْ، كَمَا هُمْ مُخَالِفُونَ لِأَصْحَابِهِ، بَلْ وَلِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. وَهَذَا لِأَنَّ مَبْنَى مَذْهَبِ الْقَوْمِ عَلَى الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ وَالْهَوَى، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَدَّعُونَ اتِّبَاعَ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ فِي الشَّرَائِعِ (¬6) ، فَلَوْ قَدَّرَ مِنْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ إِمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ (¬7) - كَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَأَمْثَالِهِمْ - لَكَانَ ذَلِكَ سَائِغًا (¬8) جَائِزًا عِنْدَ أَهْلِ ¬

(¬1) ن، م: الْغُلَاةُ. (¬2) ع: وَبَيْنَ التَّمْثِيلِ. (¬3) ن، م: الْوَسِيطِ. (¬4) ن: لِقَوْلِ أَهْلِ التَّمْثِيلِ وَالتَّعْطِيلِ. (¬5) ن: لِأَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ; م: لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ. (¬6) اسْتَطْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَعْدَ الْعِبَارَاتِ السَّابِقَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا لِشَرْطٍ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الْقَوْمَ مَعَ دَعْوَاهُمُ اتِّبَاعَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ قَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِمْ وَافْتَرَوْا مَا لَمْ يَقُولُوا بِهِ. (¬7) ن، م: إِمَامًا فَأَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن: شَائِعًا ; م: ضَائِعًا.

السُّنَّةِ، لَمْ تَقُلْ أَهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ تَقْلِيدُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ، بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ تَقْلِيدَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ كَتَقْلِيدِ أَمْثَالِهِمْ، يَسُوغُ هَذَا لِمَنْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ. وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي الشَّرَائِعِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِمَنْ عَجَزَ عَنِ الْاسْتِدْلَالِ ; هَذَا مَنْصُوصُ (¬1) الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُمَا، وَمَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ تَجْوِيزِ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ غَلَطٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ حُكِيَ (¬2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ -[صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ] (¬3) - قِيلَ عَنْهُ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ، وَقِيلَ: الْعَالِمُ. وَهَذَا النِّزَاعُ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَبَيَّنَ لَهُ (¬4) الْقَوْلُ الْمُوَافِقُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ (¬5) مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَمْ يَجُزْ [لَهُ] (¬6) التَّقْلِيدُ فِي خِلَافِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا تَقْلِيدُ الْعَاجِزِ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ فَيُجَوِّزُهُ الْجُمْهُورُ، وَمَنَعَ مِنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَيَتَبَعَّضُ، فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ نَوْعٍ مِنَ الْعِلْمِ دُونَ الْآخَرِ، وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ ¬

(¬1) م: مَقْصُودُ. (¬2) ن، م: لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُحْكَى. (¬3) صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (هَذَا الْجُزْءَ ص [0 - 9] 44) . (¬4) ن، م: قَدْ بَيَّنَ لَهُ. (¬5) ن، م: بَيَّنَ. (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فصل موافقة جعفر الصادق لسائر السلف في مسألة القرآن

الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْقُوَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَالْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ أَقْدُرُ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَعْرِفَ حُكْمَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنَ الدِّينِ بِدَلِيلِهَا، فَمَنِ ادَّعَى هَذَا فَقْدِ ادَّعَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ (¬1) ، بَلِ ادَّعَى مَا يَعْرِفُ (¬2) أَنَّهُ بَاطِلٌ *) (¬3) . [فَصْلٌ موافقة جعفر الصادق لسائر السلف في مسألة القرآن] (فَصْلٌ) وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ يُقَالَ لِهَذَا الْإِمَامِيِّ وَأَمْثَالِهِ: نَاظِرُوا إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ فِي التَّوْحِيدِ، وَأَقِيمُوا الْحُجَّةَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِكُمْ ثُمَّ ادْعُوا إِلَى ذَلِكَ، وَدَعُوا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالتَّعَرُّضَ لَهُمْ (¬4) ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ قَوْلَهُمْ فِي التَّوْحِيدِ هُوَ الْحَقُّ، وَهُمْ (¬5) كَانُوا فِي عَصْرِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَأَمْثَالِهِ، فَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ بِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ، لَا سِيَّمَا وَقَدِ اسْتَفَاضَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ (¬6) أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ: أَخَالِقٌ هُوَ أَمْ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. (7 [وَهَذَا مِمَّا اقْتَدَى بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمِحْنَةِ، فَإِنَّ جَعْفَرَ 7) (¬7) بْنَ مُحَمَّدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ ¬

(¬1) م: مَا لَا عِلْمَ لَدَيْهِ. (¬2) مَا يَعْرِفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ فِي (أ) (ب - ص [0 - 9] 08 س [0 - 9] 4) ; وَقَدْ بَدَأَ أَوَّلُهُ ص 242. (¬4) ن، م: وَالتَّعْرِيضَ لَهُمْ. (¬5) ب، أ: وَإِنَّ. (¬6) الصَّادِقِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬7) (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (ع) ، (م) . وَيَسْتَمِرُّ السَّقْطُ فِي (ن) إِلَى الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ.

وَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ قَاطِبَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ (¬1) وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ] (¬2) لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مَا قَالَهُ ابْنُ كُلَّابٍ [وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ] أَنَّهُ (¬3) قَدِيمٌ لَازِمٌ لِذَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّ (¬4) اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ (¬5) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، بَلْ هَذَا قَوْلٌ مُحْدَثٌ أَحْدَثَهُ ابْنُ كُلَّابٍ (¬6) وَاتَّبَعَهُ عَلَيْهِ طَوَائِفُ. وَأَمَّا السَّلَفُ فَقَوْلُهُمْ (¬7) إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا، وَإِنَّهُ (¬8) يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (¬9) . (* وَكَذَلِكَ قَالُوا بِلُزُومِ الْفَاعِلِيَّةِ، وَنَقَلُوا عَنْ جَعْفَرِ [الصَّادِقِ] (¬10) بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُحْسِنًا بِمَا لَمْ يَزَلْ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ": زَائِدَةٌ فِي (ب) ، (أ) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن: وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَمْ يَقُلِ ابْنُ كُلَّابٍ أَنَّهُ ; م: وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ ابْنِ كُلَّابٍ أَنَّهُ. (¬4) ب، أ: وَبِأَنَّ. (¬5) ن، م: لَمْ يَتَكَلَّمْ. (¬6) أ، ب: بَلْ هَذَا الْقَوْلُ مُحْدَثٌ. . إِلَخْ ; ن، م: بَلْ هَذَا الْقَوْلُ أَخَذَ بِهِ ابْنُ كُلَّابٍ ; وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) . (¬7) أ، ب: قَوْلُهُمْ. (¬8) أ، ب: أَوْ إِنَّهُ. (¬9) فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) أَعَادَ الْمُعَلِّقُ كِتَابَةَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي تَبْدَأُ بِجُمْلَةِ: وَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ قَاطِبَةً، وَتَنْتَهِي عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيَتَكَرَّرُ نَقْلُ الْمُعَلِّقِ لِبَعْضِ عِبَارَاتِ الْكِتَابِ فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَلَنْ نُشِيرَ إِلَيْهَا إِلَّا إِذَا زَادَ عَلَى الْمَنْقُولِ بِتَعْلِيقَاتٍ مِنْ عِنْدِهِ. (¬10) الصَّادِقِ زِيَادَةٌ فِي (ع) .

فِيمَا (¬1) لَمْ يَزَلْ إِلَى مَا لَمْ يَزَلْ، كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْهُ [بِإِسْنَادِهِ] (¬2) فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 115] ، مَعَ قَوْلِ (¬3) جَعْفَرٍ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْمِلَلِ وَجَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ مَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ [كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ] (¬4) ، لَيْسَ [مَعَ] (¬5) اللَّهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَالَمِ قَدِيمٌ بِقِدَمِ اللَّهِ *) (¬6) . وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ شُيُوخِ الْإِمَامِيَّةِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: [إِنَّ] (¬7) الْقُرْآنَ لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ (7 وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ 7) (¬8) ، كَمَا قَالَهُ (¬9) جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ [سَائِرُ] أَئِمَّةِ السُّنَّةِ (¬10) (* وَلَكِنْ لَا أَعْرِفُ هَلْ يَقُولُونَ بِدَوَامِ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ، كَمَا يَقُولُهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَمْ ¬

(¬1) ن: فِيهَا. (¬2) بِإِسْنَادِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَالثَّعْلَبِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُقْرِئُ الْمُفَسِّرُ الْوَاعِظُ الْأَدِيبُ اللُّغَوِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ " عَرَائِسِ الْمَجَالِسِ " فِي قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مَطْبُوعٌ، وَ " الْكَشْفِ وَالْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ " وَهُوَ مَخْطُوطٌ، وَقَدْ تُوُفِّيَ الثَّعْلَبِيُّ سَنَةَ 427. انْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ ابْنَ خَلِّكَانَ 1/61 - 62 ; إِنْبَاهَ الرُّوَاةِ 1/119 - 120 ; بُغْيَةَ الْوُعَاةِ، ص [0 - 9] 54 ; مُعْجَمَ الْأُدَبَاءِ 5/36 - 39 ; اللُّبَابَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 1/194 ; رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، ص [0 - 9] 8 (وَفِيهِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 437) ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 1/205 - 206. (¬3) قَوْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) مَعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) . (¬8) (7 - 7) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: يَقُولُهُ. (¬10) ن: وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ ; م: وَأَئِمَّةُ السَّلَفِ.

مقالات الروافض في القرآن

يَقُولُونَ: تَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، كَمَا تَقُولُهُ الْكَرَّامِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ *) (¬1) . [مقالات الروافض في القرآن] قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬2) : " وَاخْتَلَفَتِ الرَّوَافِضُ فِي الْقُرْآنِ، وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَأَصْحَابُهُ: يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا خَالِقٌ وَلَا مَخْلُوقٌ، وَزَادَ بَعْضُ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ (¬3) الْمَقَالَاتِ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ هِشَامِ فَزَعَمَ (¬4) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا خَالِقٌ وَلَا مَخْلُوقٌ، وَلَا يُقَالُ (¬5) أَيْضًا: غَيْرُ مَخْلُوقٍ ; لِأَنَّهُ صِفَةٌ وَالصِّفَةُ لَا تُوصَفُ ". قَالَ: " وَحَكَى زَرْقَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ (¬6) أَنَّهُ قَالَ: الْقُرْآنُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَسْمُوعَ فَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الصَّوْتَ الْمُقَطَّعَ وَهُوَ (¬7) رَسْمُ الْقُرْآنِ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ (¬8) فَهُوَ فِعْلُ اللَّهِ (¬9) مِثْلَ الْعِلْمِ وَالْحَرَكَةِ، لَا هُوَ هُوَ، وَلَا غَيْرَهُ (¬10) . وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ: يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ، كَمَا تَزْعُمُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ ". قَالَ: " وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ (¬11) ". ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ يُوجَدُ بَعْضُهُ فِي (ب) ، (أ) وَلَكِنْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الصَّحِيحِ، وَيُوجَدُ أَكْثَرُهُ فِي (ن) ، (م) وَجَمِيعُهُ فِي (ع) . (¬2) فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/109 - 110. (¬3) فِي النُّسَخِ الْخَمْسِ: عَنْ، وَفِي " الْمَقَالَاتِ ": عَلَى. (¬4) فَزَعَمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬5) أ، ب: وَلَا يَقُولُ. (¬6) فِي (ن) ، (م) زَبَرْقَانُ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ. (¬7) ب، أ: ثُمَّ. (¬8) فَأَمَّا الْقُرْآنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: فَهُوَ فِعْلُ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى. (¬10) أ، ب: وَلَا هُوَ غَيْرَهُ. (¬11) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ، وَهِيَ فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/110.

قُلْتُ (¬1) : وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَ جَعْفَرِ [بْنِ مُحَمَّدٍ] (¬2) الصَّادِقِ، وَهَؤُلَاءِ (3 الَّذِينَ قَالُوا مِنَ السَّلَفِ 3) (¬3) : لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، لَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْذُوبٍ، بَلْ أَرَادُوا أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْهُ (¬4) ، كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَهَذَا قَوْلُ مُتَأَخِّرِي الرَّافِضَةِ. (¬5) (*) فَإِنَّ [طَائِفَةً مِنْ مُتَأَخَّرِي الْإِمَامِيَّةِ] كَأَبِي الْقَاسِمِ الْمُوسَوِيِّ (¬6) الْمَعْرُوفِ بِالْمُرْتَضَى وَغَيْرِهِ لَمَّا وَافَقُوا الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى أَنَّهُ مُحْدَثٌ مُنْفَصِلٌ عَنِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمَكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ ثُمَّ صَارَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، وَلَيْسَ لَهُ كَلَامٌ يَقُومُ بِهِ، بَلْ كَلَامُهُ مِنْ جُمْلَةِ مَصْنُوعَاتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ، ثُمَّ سَمِعُوا عَنِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِثْلِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ (¬7) . قَالُوا: لَا نَقُولُ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ مُتَابَعَةً لِهَؤُلَاءِ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّهُ مُحْدَثٌ مَجْعُولٌ (¬8) مُوَافَقَةً (¬9) لِمَا ظَنُّوهُ مِنْ لَفْظِ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 3] ، وَقَوْلِهِ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 2] . وَكَثِيرٌ (¬10) مِنَ النَّاسِ - غَيْرِ الشِّيعَةِ (¬11) - يَقُولُونَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ، ¬

(¬1) قُلْتُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ابْنِ مُحَمَّدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬3) (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: بَلْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْهُ. (¬5) يَبْدَأُ مِنْ هُنَا سَقْطٌ كَبِيرٌ فِي (ب) ، (أ) وَيَسْتَمِرُّ حَتَّى ص [0 - 9] 57. (¬6) ن، م: فَإِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ الْمُوسَوِيَّ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْمُوسَوِيِّ 1/58، 2/101. (¬7) ن، م: غَيْرُ مُحْدَثٍ. (¬8) ن: إِنَّهُ مَجْعُولٌ مَخْلُوقٌ ; م: أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مَجْعُولٌ. (¬9) ن: مُوَافِقًا. (¬10) ن: فِي كَثِيرٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬11) ن: فِي غَيْرِ الشِّيعَةِ.

وَيَقْصِدُونَ (¬1) فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مَكْذُوبٍ مُفْتَرًى، فَإِنَّهُ يُقَالُ: خَلَقَ (¬2) هَذَا الْحَدِيثَ وَاخْتَلَقَهُ [إِذَا افْتَرَاهُ] (¬3) . قَالَ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 17] ، وَقَالَ عَنْ قَوْمِ هُودٍ: قَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ - وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 137 - 138] . فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ: كُلُّ مَنْ تَدَبَّرَ الْآثَارَ الْمَنْقُولَةَ عَنِ السَّلَفِ، وَمَا وَقَعَ مِنَ النِّزَاعِ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نِزَاعُهُمْ فِي أَنَّهُ مُفْتَرًى أَوْ غَيْرُ مُفْتَرًى، فَإِنَّ مَنْ يُقِرُّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَا يَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ مُفْتَرًى، بَلْ إِنَّمَا يَقُولُ: إِنَّهُ مُفْتَرًى مَنْ قَالَ (¬4) : إِنَّ مُحَمَّدًا كَاذِبٌ افْتَرَى الْقُرْآنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [سُورَةُ يُونُسَ: 38] ، وَقَالَ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [سُورَةُ هُودٍ: 13] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 4] ، وَقَالَ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [سُورَةُ هُودٍ: 35] . وَالَّذِينَ تَنَازَعُوا فِي الْقُرْآنِ: هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ مُبَلِّغٌ لِلْقُرْآنِ عَنِ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬5) لَمْ يَفْتَرِهِ ¬

(¬1) ع: وَيَقْصِدُ. (¬2) م: حَكَى. (¬3) عِبَارَةُ " إِذَا افْتَرَاهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَسَقَطَتْ " إِذَا " مِنْ (م) . (¬4) ع: إِلَّا مَنْ قَالَ، وَالصَّوَابُ عَنْ (ن) ، (م) . (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

أقوال أئمة الإسلام في القرآن

هُوَ، وَلَكِنَّ الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُمْ أَنَّ الرَّبَّ لَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ وَالْأَفْعَالُ وَالْكَلَامُ، لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: كَلَامُهُ بَائِنٌ عَنْهُ مَخْلُوقٌ [مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ] (¬1) . وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ ظَهَرَ عَنْهُ هَذَا (¬2) الْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ (¬3) ثُمَّ الْجَهْمَ [ابْنَ صَفْوَانَ] (¬4) ، ثُمَّ صَارَ هَذَا فِي الْمُعْتَزِلَةِ. [أقوال أئمة الإسلام في القرآن] وَلَمَّا ظَهَرَ هَذَا سَأَلُوا أَئِمَّةَ الْإِسْلَامِ مِثْلَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ (¬5) وَأَمْثَالِهِ، فَقَالُوا لِجَعْفَرٍ [الصَّادِقِ] (¬6) : الْقُرْآنُ خَالِقٌ أَمْ مَخْلُوقٌ؟ (¬7) فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ: " لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ " لَمْ يُرِدْ بِهِ [أَنَّهُ] (¬8) لَيْسَ بِكَاذِبٍ وَلَا مَكْذُوبٍ، لَكِنْ أَرَادَ [أَنَّهُ] (¬9) لَيْسَ هُوَ الْخَالِقَ لِلْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا هُوَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَكِنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ. وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -[رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬10) - لَمَّا قِيلَ ¬

(¬1) مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: ظَهَرَ هَذَا عَنْهُ. (¬3) عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) بَعْدَ نَقْلِ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ السَّابِقَةِ مَا يَلِي: " قُلْتُ: جَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ ذَبَحَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِيَدِهِ بَعْدَ مَا نَزَلْ عَنِ الْخُطْبَةِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى، فَقَالَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ جَعْدًا هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَا كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا، قُومُوا وَضَحُّوا - تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ - فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ جَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ. فَنَزَلَ عَنْ خُطْبَتِهِ وَذَبَحَهُ بِيَدِهِ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ ". وَهَذَا الْخَبَرُ فِي الْكَامِلِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 5/104. (¬4) ابْنَ صَفْوَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬5) م: سَأَلُوا عَيْنَ الْأَعْلَامِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ. (¬6) الصَّادِقِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬7) ع: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ أَمْ خَالِقٌ. (¬8) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) وَفِي (م) : عَلَيْهِ السَّلَامُ.

لَهُ: حَكَّمْتَ مَخْلُوقًا! ؟ قَالَ: لَمْ أُحَكِّمْ مَخْلُوقًا وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ. وَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " (¬1) . قَالَ: " كَتَبَ إِلَيَّ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، (¬2) ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حَكَّمَ عَلِيٌّ الْحَكَمَيْنِ، قَالَتِ الْخَوَارِجُ: حَكَّمْتَ رَجُلَيْنِ؟ قَالَ: مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا، إِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ. حَدَّثَنَا الْأَشَجُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، ثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَكَمَيْنِ: احْكُمَا بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ، فَإِنَّهُ كُلَّهُ لِي ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: " ثَنَا أَبِي (¬3) ، ثَنَا الصُّهَيْبِيُّ ابْنُ عَمِّ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وَعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ (¬4) ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ ¬

(¬1) الْإِمَامُ الْحَافِظُ النَّاقِدُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَافِظِ الْكَبِيرِ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْمُنْذِرِ التَّمِيمِيُّ الْحَنْظَلِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 240 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 327. قَالَ الذَّهَبِيُّ: " وَلَهُ مُصَنَّفٌ كَبِيرٌ فِي " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " يَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمُصَنَّفَاتِهِ: تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ لِلذَّهَبِيِّ (الطَّبْعَةَ الثَّالِثَةَ بِحَيْدَرَآبَادَ، 1376/1957) 3/829 - 832، فَوَاتَ الْوَفَيَاتِ لِابْنِ شَاكِرٍ 1/542 - 543 ; طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ، 2 ; الْعِبَرَ لِلذَّهَبِيِّ (ط. الْكُوَيْتِ) 2/208 ; تَارِيخَ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكْلِمَانْ 3/223 ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 4/99 ; سِزْكِينْ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 52 - 355 (¬2) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى بْنِ بُهْلُولٍ الْحِمْصِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 246. تَرْجَمَتُهُ فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 04 ; الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص 307 ; اللُّبَابِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 1/319. (¬3) عِبَارَةُ " ثَنَا أَبِي " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (م) وَهِيَ فِي (ن) . (¬4) فِي الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجَيِّ، ص 250: " عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ بِمُهْمَلَاتٍ مُصَغَّرًا. . مَاتَ سَنَةَ 149 ".

عَبَّاسٍ فِي جِنَازَةٍ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: يَا رَبَّ الْقُرْآنِ ارْحَمْهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَهْ، الْقُرْآنُ مِنْهُ، الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَرْبُوبٍ، مِنْهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ، ثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الطَّبَرِيُّ بِمَكَّةَ - يَعْنِي الْحَكَمَ بْنَ مُحَمَّدٍ - ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: سَمِعْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ ". وَهَذَا رَوَاهُ (¬1) غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ [سُفْيَانَ] (¬2) بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " (¬3) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: " ثَنَا أَبِي، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، ثَنَا رُوَيْمُ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ، وَرَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ رُوَيْمٍ، فَذَكَرَهُ. وَحَدَّثَنَا (¬4) جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُصْعَبٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الْكُوفِيُّ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ: إِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. ¬

(¬1) ع: رِوَايَةُ. (¬2) سُفْيَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬3) هَذَا الْأَثَرُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " ص [0 - 9] 17: ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ " عَقَائِدِ السَّلَفِ "، وَفِيهِ:. . وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ. (¬4) ن، م: وَقَالَ.

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، ثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا مَعْبَدٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ (¬1) بْنِ عَمَّارٍ الذَّهَبِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّهُمْ يَسْأَلُونِي عَنِ الْقُرْآنِ: مَخْلُوقٌ أَوْ خَالِقٌ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَهُ. وَحَدَّثَنَا أَبِي (¬2) ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثَنَا مَعْبَدٌ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، قَالَ: قَالَ أَبِي (¬3) : وَحُدِّثْتُ (¬4) عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَعْبَدٍ، قَالَ (¬5) : رَأَيْتُ مَعْبَدًا هَذَا وَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ (¬6) ثُمَّ قَالَ: كَانَ يُفْتِي بِرَأْيِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبِي [جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ] (¬7) عَنِ الْقُرْآنِ: خَالِقٌ أَوْ مَخْلُوقٌ؟ قَالَ: لَوْ كَانَ خَالِقًا لَعُبِدَ، وَلَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لَنَفِدَ ". وَمِثْلُ هَذِهِ الْآثَارِ كَثِيرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (¬8) ¬

(¬1) ن، م: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاوِيَةُ. . إِلَخْ. (¬2) ن: وَحَدَّثَنَا أَبِي. وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " وَحَدَّثَنَا " مِنْ (م) . (¬3) م: قَالَ لِي أَبِي. (¬4) ع: وَجَدْتُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م: فَقَالَ. (¬6) ع: عَنْهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) بْنُ مُحَمَّدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬8) ن، م: مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.

وَغَيْرِهِمْ. فَعَلِيٌّ -[رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) - لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ، أَيْ: مَا حَكَّمْتُ كَلَامًا مُفْتَرًى ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ إِنَّمَا قَالُوا لَهُ: حَكَّمْتَ مَخْلُوقًا مِنَ النَّاسِ! ؟ - وَهُمَا أَبُو مُوسَى وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ (¬2) - فَقَالَ: لَمْ أُحَكِّمْ مَخْلُوقًا، وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ. فَالْحُكْمُ لِلَّهِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ يَصِفُ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ وَيَقُصُّ (¬3) [وَيُفْتِي] (¬4) ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 76] وَكَقَوْلِهِ (¬5) : {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 127] أَيْ: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ. وَقَوْلِهِ: {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 213) . وَإِذَا أُضِيفَ الْحُكْمُ وَالْقَصَصُ وَالْإِفْتَاءُ (¬6) إِلَى الْقُرْآنِ - الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ - فَاللَّهُ هُوَ الَّذِي (¬7) حَكَمَ بِهِ وَأَفْتَى بِهِ وَقَصَّ بِهِ، كَمَا أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬2) م: وَهُمَا الْحَكَمَانِ. (¬3) ن، م: وَيَقْضِي. (¬4) وَيُفْتِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) ن: وَقَوْلِهِ ; م: فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن: وَالْإِقْبَالُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ن: الَّذِي هُوَ.

فَهَذَا هُوَ مُرَادُ عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ] وَجَعْفَرِ [بْنِ مُحَمَّدٍ] وَغَيْرِهِمَا (¬1) مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ -[رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ] (¬2) - وَسَائِرِ سَلَفِ الْأُمَّةِ بِلَا رَيْبٍ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةَ مُخَالِفُونَ لِأَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَسَائِرِ السَّلَفِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ كَمَا خَالَفُوهُمْ فِي غَيْرِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ مَجْعُولٌ، فَاللَّهُ لَمْ يَصِفْهُ بِأَنَّهُ مَجْعُولٌ مُعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، بَلْ قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 3] ، فَإِذَا قَالُوا: هُوَ مَجْعُولٌ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، فَهَذَا حَقٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 2] ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ " الذِّكْرَ " نَوْعَانِ: مُحْدَثٌ وَغَيْرُ مُحْدَثٍ، كَمَا تَقُولُ: مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ عَدْلٍ إِلَّا قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ، وَصِفَةُ النَّكِرَةِ لِلتَّخْصِيصِ، وَعِنْدَهُمْ كُلُّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ، وَالْمُحْدَثُ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ هُوَ الْمُحْدَثُ فِي كَلَامِهِمْ، فَلَمْ يُوَافِقُوا الْقُرْآنَ. ثُمَّ إِذَا قِيلَ: هُوَ مُحْدَثٌ (¬3) ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا بَائِنًا (¬4) عَنِ اللَّهِ، بَلْ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ (¬5) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِ، جَازَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُحْدَثٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كَلَامُهُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ. وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا ¬

(¬1) ن، م: عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمَا. (¬2) عِبَارَةُ " رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ": زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬3) ن: إِنَّهُ مُحْدَثٌ. (¬4) ن، م: ثَابِتًا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ع: بَلْ إِذَا تَكَلَّمَ بِهِ.

معارضة أدلة الإمامية بأدلة غيرهم من المبتدعة

يَشَاءُ (¬1) ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا (¬2) فِي الصَّلَاةِ» " (¬3) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي أَحْدَثَهُ هُوَ أَمْرُهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ، لَا عَدَمُ تَكَلُّمِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ النَّهْيِ، لَكِنْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ (¬4) . [معارضة أدلة الإمامية بأدلة غيرهم من المبتدعة] وَالْمَقْصُودُ هُنَا (¬5) أَنَّهُ (*) (¬6) يُقَالُ لِهَذَا الْإِمَامِيِّ (¬7) : إِخْوَانُكَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ الْحَقُّ دُونَ قَوْلِكَ، وَأَنْتَ لَمْ تَحْتَجْ لِقَوْلِكَ إِلَّا بِمُجَرَّدِ قَوْلِكَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، (7 وَهَؤُلَاءِ إِخْوَانُكَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ جِسْمٌ 7) (¬8) ، فَنَاظِرْهُمْ فَإِنَّهُمْ إِخْوَانُكَ فِي الْإِمَامَةِ وَخُصُومُكَ فِي التَّوْحِيدِ. وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُنَاظِرَ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ هُمْ خُصُومُكَ، وَأَمَّا (¬9) أَهْلُ السُّنَّةِ فَهُمْ وَسَطٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ خُصُومِكَ، وَأَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ [خُصُومِكَ لَا] هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ (¬10) ¬

(¬1) ن، م: مَا شَاءَ. (¬2) ن: أَنْ لَا يُكَلِّمُوا. (¬3) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي الْبُخَارِيِّ 9/152 (كِتَابِ التَّوْحِيدِ، بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/335 (كِتَابِ الصَّلَاةِ، بَابِ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/16 - 17 (كِتَابِ السَّهْوِ، بَابِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/200 (رَقْمَ: 3575) ، 5/339 - 340 (رَقْمَ: 3885) ، 6/21 (رَقْمَ: 3944) ، 6/91 (رَقْمَ: 4145) . (¬4) ن، م: مَا شَاءَ. (¬5) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬6) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْكَبِيرُ فِي (أ) ، (ب) ، وَقَدْ بَدَأَ فِي ص 249. (¬7) ب: فَيُقَالُ لِهَذَا الْإِمَامِيِّ ; أ: فَيُقَالُ لِهَذَا الْإِمَامِ ; ن: يَقُولُ لِهَذَا الْإِمَامِيِّ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) ، (م) . (¬8) (7 - 7) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ع: فَأَمَّا. (¬10) ب، أ: عَلَى قَطْعِ خُصُومِكَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ; ن، م: وَأَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ خُصُومِكَ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) .

فَإِنْ قُلْتَ: حُجَّتِي عَلَى هَؤُلَاءِ أَنَّ كُلَّ جِسْمٍ مُحْدَثٌ قَالَ لَكَ إِخْوَانُكَ: بَلِ الْجِسْمُ عِنْدَنَا يَنْقَسِمُ إِلَى (¬1) قِسْمَيْنِ: قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ، كَمَا أَنَّ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ وَالْمَوْجُودَ (¬2) وَالْحَيَّ (¬3) وَالْعَالِمَ وَالْقَادِرَ يَنْقَسِمُ إِلَى قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ. فَإِنْ قَالَ النَّافِي: الْجِسْمُ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ، (* وَمَا لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. قَالَ لَهُ إِخْوَانُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ (¬4) الْحَوَادِثِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. فَإِنْ (¬5) قَالَ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ *) (¬6) أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْأَعْرَاضِ، وَالْأَعْرَاضُ حَادِثَةٌ (¬7) [فَإِنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ. وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ كَثِيرٌ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا اعْتَمَدَ الْآمِدِيُّ (¬8) وَطَعَنَ فِي كُلِّ دَلِيلٍ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَشْعَرِيَّةِ. وَضَعَّفَ ذَلِكَ مَنْ تَعَقَّبَ كَلَامَهُ، وَقَالَ: هَذَا يَقْتَضِي بِنَاءً هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ الضَّعِيفَةِ،] وَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ، ¬

(¬1) ب، أ: عَلَى. (¬2) ن: الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ وَبِالْوُجُودِ. (¬3) ب، أ: الْحَيَّ. (¬4) ب، أ: مِنْ. (¬5) . فَإِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬7) بَعْدَ كَلِمَةِ حَادِثَةٍ سَقْطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . (¬8) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/248. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا مِرْآةَ الْجِنَانِ لِلْيَافِعِيِّ 4/73.

فَرَأَيْتُهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ لَا تَخْلُو مِنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، فَاحْتَجَّ بِاسْتِلْزَامِهَا لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَعْرَاضِ، وَهَذَا النَّوْعُ حَادِثٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَكْوَانِ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ مَا يُبَيِّنُ أُصُولَ الطَّوَائِفِ، وَأَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَفْسَدِ أَقْوَالِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا عَقْلِيَّةٌ يُمْكِنُهُمُ الِانْتِصَافُ بِهَا مِنْ إِخْوَانِهِمْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ ضَالِّينَ مُبْتَدِعِينَ أَيْضًا (¬1) ، وَهُمْ مُنَاقِضُونَ لَهُمْ غَايَةَ الْمُنَاقَضَةِ، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ هُمْ وَسَطٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ وَسَطٌ فِي الْمِلَلِ؟ ! فَإِذَا قَالَ النَّافِي: الدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِهَا اسْتِلْزَامُهَا لِلْأَعْرَاضِ (¬2) ] (¬3) . قَالُوا لَهُ (¬4) : لَيْسَ هَذَا قَوْلَكَ وَ [قَوْلَ] أَئِمَّتِكِ (¬5) الْمُعْتَزِلَةِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ (ع) : وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا ضَالِّينَ مُبْتَدِعِينَ أَيْضًا. . وَهُوَ كَلَامٌ لَا يَسْتَقِيمُ، وَالَّذِي أَثْبَتُّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ. (¬2) فَإِذَا قَالَ النَّافِي. . إِلَخْ إِعَادَةٌ لِلِاعْتِرَاضِ الْوَارِدِ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ (ص 258) : فَإِنْ قَالَ: الدَّلِيلُ. . إِلَخْ، وَمَا بَيْنَهُمَا اسْتِطْرَادٌ. (¬3) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَكُتِبَ عَلَى هَامِشِ (ع) عِبَارَاتٌ مِنْ هَذَا السَّقْطِ تَبْدَأُ بِجُمْلَةِ: " وَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ " وَتَنْتَهِي عِنْدَ جُمْلَةِ: " وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ ". . ثُمَّ كَتَبَ هَذَا التَّعْلِيقَ: " قُلْتُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، إِذْ لَيْسَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ جُمْهُورَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى إِثْبَاتِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ مِنْ قُدَمَاءِ الْحُكَمَاءِ قَبْلَ أَرِسْطُو طَائِفَةٌ إِلَى إِثْبَاتِهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا اخْتَرَعَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ ". (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ن، م: قَوْلَكَ وَأَئِمَّتِكَ.

الْأَشْعَرِيَّةِ (¬1) ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ يَخْلُو عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي الْأَكْوَانِ أَوْ فِي الْأَلْوَانِ (¬2) . وَقَالُوا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَعْرَاضَ حَادِثَةٌ وَأَنَّهَا لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالضَّرُورَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلَكَ وَقَوْلَ شُيُوخِكَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ. [فَإِنْ] (¬3) قَالَ الْإِمَامِيُّ النَّافِي: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو مِنَ (¬4) الْحَوَادِثِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْأَكْوَانِ، وَالْأَكْوَانُ حَادِثَةٌ، (* إِذْ لَا يَخْلُو (¬5) عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَهُمَا حَادِثَانِ. قَالُوا لَهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَكْوَانَ كُلَّهَا (¬6) حَادِثَةٌ *) (¬7) ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السُّكُونَ حَادِثٌ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَنَا جِسْمٌ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ سَاكِنٌ، ثُمَّ تَحَرَّكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّكًا (¬8) ; لِأَنَّ السُّكُونَ إِنْ كَانَ عَدَمِيًّا جَازَ أَنْ يَحْدُثَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا جَازَ أَنْ يَزُولَ بِحَادِثٍ (¬9) . قَالَ النَّافِي: الْقَدِيمُ لَا يَزُولُ. قَالَ إِخْوَانُهُ: الْقَدِيمُ إِنْ كَانَ مَعْنًى عَدَمِيًّا جَازَ زَوَالُهُ بِاتِّفَاقِ (¬10) [الْعُقَلَاءِ] (¬11) ، (11 فَإِنَّهُ مَا مِنْ حَادِثٍ إِلَّا وَعَدَمُهُ قَدِيمٌ 11) (¬12) ، وَالسُّكُونُ عِنْدَ كَثِيرٍ ¬

(¬1) ب، أ: الْأَشْعَرِيِّ. (¬2) ب (فَقَطْ) : أَوْ فِي الْأَكْوَانِ. (¬3) فَإِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬4) ب، أ: عَنِ. (¬5) ب، أ: وَلَا يَخْلُو ; ع: أَوْ لَا يَخْلُو. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) . (¬6) كُلَّهَا: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬8) ب، أ: ثُمَّ يَتَحَرَّكُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يَتَحَرَّكُ. (¬9) ب، أ: جَازَ أَنْ يُحَادِثَ، ن: جَازَ أَنْ يَزُولَ مُحَادِثٌ، وَالصَّوَابُ مِنْ (ع) ، (م) . (¬10) أ، ن، م: بِالِاتِّفَاقِ. (¬11) الْعُقَلَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬12) (11 - 11) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

مِنَ النَّاسِ عَدَمِيٌّ، وَنَحْنُ نَخْتَارُ أَنَّهُ عَدَمِيٌّ فَيَجُوزُ زَوَالُهُ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ زَوَالُهُ. [فَإِنْ] قَالَ النَّافِي (¬1) : السُّكُونُ [وُجُودِيٌّ] ، وَإِذَا كَانَ (¬2) وُجُودِيًّا قَدِيمًا، فَالْمُقْتَضِي (¬3) لِقِدَمِهِ قَدِيمٌ مِنْ لَوَازِمِ الْوَاجِبِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا بِوُجُوبِ سَبَبِهِ (¬4) . قَالَ إِخْوَانُهُ الْمُجَسِّمَةُ: هَذَا الْمَوْضِعُ يَرُدُّ عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمُنَازِعِينَ (¬5) لَنَا مِنَ الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ الْبَارِئَ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا، فَعُلِمَ جَوَازُ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ [كُلِّهَا] (¬6) بِلَا (¬7) سَبَبٍ حَادِثٍ. [وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ - بَلْ يَجِبُ (¬8) - حُدُوثُ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا بِغَيْرِ (¬9) سَبَبٍ حَادِثٍ] (¬10) (11 لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا عِنْدَهُمْ 11) (¬11) ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ اخْتَرْنَا (¬12) أَنْ يَكُونَ السُّكُونُ عَدَمِيًّا، وَالْحَادِثُ هُوَ (¬13) الْحَرَكَةُ الَّتِي هِيَ وُجُودِيَّةٌ، فَإِذَا جَازَ إِحْدَاثُ جُرْمٍ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ فَإِحْدَاثُ حَرَكَةٍ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ أَوْلَى. وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ السُّكُونَ وُجُودِيٌّ، فَإِذَا جَازَ وُجُودُ أَعْيَانٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، ¬

(¬1) ع، ن، م: قَالَ ; أ: فَإِنَّ النَّافِيَ. (¬2) ن، م: السُّكُونُ إِذَا كَانَ. . إِلَخْ. (¬3) ن: وَالْمُقْتَضِي. (¬4) ن، م: نَفْسِهِ. (¬5) ن: الْمُتَنَازِعِينَ ; م: النَّازِعِينَ. (¬6) كُلِّهَا: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬7) ن: بِدُونِ. (¬8) م: بِأَنَّهُ يَجِبُ. (¬9) م: بِدُونِ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) . (¬11) (11 - 11) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬12) ب: أَجَزْنَا، ن، أ: أَخَّرْنَا (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) ، (م) . (¬13) ع، ن: هِيَ.

وَذَلِكَ تَحَوُّلٌ (¬1) مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ إِلَى أَنْ يَفْعَلَ ; سَوَاءٌ سُمِّيَ مِثْلُ هَذَا تَغَيُّرًا وَانْتِقَالًا (¬2) أَوْ لَمْ يُسَمَّ، جَازَ أَنْ يَتَحَرَّكَ السَّاكِنُ وَيَنْتَقِلَ (¬3) مِنَ السُّكُونِ إِلَى الْحَرَكَةِ (¬4) [وَإِنْ كَانَا وُجُودِيَّيْنِ (¬5) . وَقَوْلُ الْقَائِلِ: الْمُقْتَضِي لِقِدَمِهِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ. جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ يَكُونُ بَقَاؤُهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِزَوَالِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا يَقُولُونَهُ فِي سَبَبِ الْحَوَادِثِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ انْتَقَلَ مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ إِلَى أَنْ يَفْعَلَ، فَمَا كَانَ جَوَابُهُمْ عَنْ ذَلِكَ (¬6) كَانَ جَوَابًا عَنْ هَذَا، وَإِنْ قَالُوا بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ بِطَلَ قَوْلُهُمْ وَقَوْلُنَا. وَبِالْجُمْلَةِ (¬7) هَلْ يَجُوزُ (¬8) أَنْ يَحْدُثَ عَنِ الْقَدِيمِ أَمْرٌ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَتَرْجِيحُ أَحَدِ طَرَفِيِ الْمُمْكِنِ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ؟ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ الْقَادِرُ مَا بِهِ يُزِيلُ السُّكُونَ الْمَاضِي مِنَ الْحَرَكَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ السُّكُونُ وُجُودِيًّا أَوْ عَدَمِيًّا] (¬9) . قَالَ النَّافِي: هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ مَحَلًّا لِلْحَرَكَةِ وَلِلْحَوَادِثِ (¬10) أَوْ لِلْأَعْرَاضِ، وَهَذَا بَاطِلٌ. ¬

(¬1) ب، أ: وَذَلِكَ يَجُوزُ ; ن، م: وَذَلِكَ تَغَيُّرٌ وَانْتِقَالٌ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ع) . (¬2) ع: تَغْيِيرًا وَانْتِقَالًا ; ب، أ، م: تَغَيُّرًا أَوِ انْتِقَالًا، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) . (¬3) ب، أ: وَيَنْقُلَ، ع: وَتَنْتَقِلَ. (¬4) بَعْدَ عِبَارَةِ إِلَى الْحَرَكَةِ سَقْطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ع: وَإِنْ كَانَ وُجُودِيَّيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) عَنْ ذَلِكَ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ع: فَفِي الْجُمْلَةِ. (¬8) ع: هُمْ يُجَوِّزُونَ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ن، م: وَالْحَوَادِثِ.

قَالَ إِخْوَانُهُ الْإِمَامِيَّةُ: قَدْ صَادَرْتَنَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِنَا، فَإِنَّا نَقُولُ (¬1) : إِنَّهُ يَتَحَرَّكُ وَتَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ وَالْأَعْرَاضُ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِنَا؟ قَالَ النَّافِي: لِأَنَّ مَا قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا، وَمَا لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. قَالَ إِخْوَانُهُ: قَوْلُكَ: مَا قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا، فَهَذَا (¬2) لَيْسَ قَوْلَ الْإِمَامِيَّةِ وَلَا قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيَّةِ. وَقَدِ اعْتَرَفَ الرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِضَعْفِهِ وَأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَهُمْ وَأَنْتُمْ تُسَلِّمُونَ لَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَادِثٌ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، فَإِذَا حَدَثَتِ (¬3) الْحَوَادِثُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَسْبَابٌ حَادِثَةٌ، جَازَ أَنْ تَقُومَ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً بِهِ. فَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةُ، وَيَقُولُهُ (¬4) مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّهُ جِسْمٌ قَدِيمٌ، وَأَنَّهُ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا، أَوْ تَحَرَّكَ (¬5) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّكًا، لَا يُمَكِنُ لِهَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ (¬6) وَمُوَافَقِيهِمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ [وَالْكُلَّابِيَّةِ] (¬7) إِبْطَالُهُ، فَإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ بِامْتِنَاعِ (* الْحَوَادِثِ بِهِ، ¬

(¬1) ن: فَإِنَّكَ تَقُولُ ; م: فَإِنَّكَ سَتَقُولُ. (¬2) أ، ب: فَهُوَ. (¬3) ب، أ: أُحْدِثَتِ. (¬4) ع: وَيَقُولُ. (¬5) ب، أ: مُتَحَرِّكٌ. (¬6) ب، أ: الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) وَالْكُلَّابِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .

وَهَؤُلَاءِ قَدْ جَوَّزُوا ذَلِكَ *) (¬1) ، [ثُمَّ الْكُلَّابِيَّةُ (¬2) لَا تَنْفِي قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ لِانْتِفَاءِ (¬3) الصِّفَاتِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: بِقِيَامِ أَعْيَانِ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَنْفُونَ قِدَمَ النَّوْعِ لِتَجَدُّدِ أَعْيَانِهِ فَإِنَّهَا حَوَادِثُ. وَعُمْدَتُهُمْ فِي نَفْيِ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ الْحَوَادِثَ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا، وَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ حُذَّاقِهِمْ، كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا أَبُو الْمَعَالِي وَأَمْثَالُهُ فَلَمْ يُقِيمُوا حُجَّةً عَقْلِيَّةً عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدُوا عَلَى تَنَاقُضِ (¬4) أَقْوَالِ مَنْ نَازَعَهُمْ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَتَنَاقُضُ أَقْوَالِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهَا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ مَعَ فَسَادِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا (¬5) لَمْ يَلْزَمْ صِحَّةُ قَوْلِ الْكُلَّابِيَّةِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمُخْتَلِفِينَ الْمُخَالِفِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا عِنْدَهُمْ إِفْسَادُ بَعْضِهِمْ قَوْلَ الْآخَرِينَ وَبَيَانُ تَنَاقُضِهِ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ قَوْلٌ صَحِيحٌ يُقَالُ بِهِ. وَلِهَذَا كَانَتِ الْفَائِدَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ كَلَامِهِمْ نَقْضَ بَعْضِهِمْ كَلَامَ بَعْضٍ فَلَا يُعْتَقَدُ شَيْءٌ مِنْهَا، ثُمَّ إِنْ عُرِفَ الْحَقُّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَهُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَإِلَّا اسْتُفِيدَ مِنْ ذَلِكَ السَّلَامَةُ مِنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) مِنْ أَوَّلِ " عِبَارَةِ " ثُمَّ الْكُلَّابِيَّةُ سَقْطٌ طَوِيلٌ فِي (أ) ، (ب) ، (م) . وَيَنْتَهِي السَّقْطُ ص 265. (¬3) فِي الْأَصْلِ (ع) : لِانْتِفَاعٍ (بِدُونِ إِعْجَامٍ) وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) فِي الْأَصْلِ (ع) : يُنَاقِصُ. (¬5) فِي الْأَصْلِ (ع) : كِلَاهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

تِلْكَ الْاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ فَالْجَهْلُ الْبَسِيطُ خَيْرٌ مِنَ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ، وَعَدَمُ اعْتِقَادِ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ خَيْرٌ مِنِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ مِنْهَا] (¬1) . (2 وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَتَنْفِي 2) (¬2) قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ فَلَا تَقُومُ بِهِ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: بَلْ تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ. وَعُمْدَةُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ لَكَانَ جِسْمًا ; وَهَؤُلَاءِ الْتَزَمُوا أَنَّهُ جِسْمٌ. وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ فِي نَفْيِ كَوْنِهِ جِسْمًا أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ نَازَعُوهُمْ فِي هَذَا وَقَالُوا: بَلْ يَخْلُو (¬3) عَنِ الْحَوَادِثِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْبَارِئَ جِسْمٌ قَدِيمٌ ; كَمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ: إِنَّهُ (¬4) ذَاتٌ قَدِيمَةٌ، وَإِنَّهُ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا، [وَتَجْعَلُونَ مَفْعُولَهُ هُوَ فِعْلَهُ] (¬5) . لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَهُ (¬6) فِعْلٌ قَائِمٌ بِهِ وَمُنْفَصِلٌ عَنْهُ ; وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: [لَهُ] (¬7) مَفْعُولٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَلَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ. وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ فِي الْأَزَلِ: إِنْ كَانَ سَاكِنًا لَمْ تَجُزْ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ (¬8) ; لِأَنَّ السُّكُونَ مَعْنًى وُجُودِيٌّ أَزَلِيٌّ فَلَا يَزُولُ، وَإِنْ كَانَ مُتَحَرِّكًا لَزِمَ حَوَادِثَ لَا تَتَنَاهَى، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: بَلْ كَانَ سَاكِنًا فِي الْأَزَلِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ (¬9) ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ن) ، (م) : وَالْمُعْتَزِلَةُ فَتَنْفِي. (¬3) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ ب، أ، وَفِي (ن) ، (م) : بَلْ لَا يَخْلُو، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬6) ع، م: إِنَّهُ. (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) ع: الْحَرَكَةُ عَلَيْهِ. (¬9) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (أ) ، (ب) .

السُّكُونَ عَدَمُ الْحَرَكَةِ، (1 أَوْ عَدَمُ الْحَرَكَةِ عَمَّا يُمْكِنُ تَحْرِيكُهُ 1) (¬1) ، أَوْ عَدُمُهَا (¬2) عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ، فَلَا يُسَلِّمُونَ أَنَّ السُّكُونَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ (¬3) فِي الْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْجَهْلِ الْبَسِيطِ. (* وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ عَدَمِيَّةٌ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَحْدَهُمْ، كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْكَلَامِ، بَلْ هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ [وَالصَّلَاةِ] (¬4) ، وَتَنَازُعُهُمْ فِي هَذَا كَتَنَازُعِهِمْ فِي نَظَائِرِهِ، مِثْلُ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ وَتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ *) (¬5) . وَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ وُجُودِيٌّ، فَلَا يُسَلِّمُونَ أَنَّ (¬6) كُلَّ أَزَلِيٍّ يَزُولُ، بَلْ يَقُولُونَ فِي تَبَدُّلِ (¬7) السُّكُونِ بِالْحَرَكَةِ مَا يَقُولُهُ مُنَاظِرُوهُمْ فِي تَبَدُّلِ (¬8) الِامْتِنَاعِ بِالْإِمْكَانِ، فَإِنَّ الطَّائِفَتَيْنِ اتَّفَقَتَا عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي الْأَزَلِ فَصَارَ مُمْكِنًا، فَهَكَذَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ فِي السُّكُونِ الْوُجُودِيِّ إِنْ (¬9) كَانَ تَبَدُّلُهُ بِالْحَرَكَةِ فِي الْأَزَلِ (¬10) مُمْتَنِعًا وَهُوَ - فِيمَا لَا يَزَالُ - مُمْكِنٌ فَتَبَدَّلَ (¬11) حَيْثُ أَمْكَنَ التَّبَدُّلُ (¬12) ، كَمَا يَقُولُونَ جَمِيعًا: إِنَّهُ حَدَثَ (¬13) الْفِعْلُ حَيْثُ كَانَ الْحُدُوثُ مُمْكِنًا. ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ع، ن، م: أَوْ عَدَمُهُ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ " أَوْ عَدَمُهَا " وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ع: مِثْلَ هَذَا. (¬4) وَالصَّلَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (م) . (¬7) ب، ا: تَبْدِيلِ. (¬8) ب، ا: تَبْدِيلِ. (¬9) ب، ا: أَيْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) فِي الْأَزَلِ: سَاقِطٌ مِنْ ب، أ. (¬11) ع: فَتَبْدِيلُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬12) التَّبَدُّلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ ب، أ. (¬13) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ ب، ا. وَفَى (ع) : إِنَّهُ أَحْدَثَ.

فَهَذَا بَحْثُ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ مَعَ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ [وَالْكُلَّابِيَّةِ] (¬1) وَأَتْبَاعِهِمْ (¬2) فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يَعْتَمِدُونَ فِيهَا عَلَى الْعَقْلِ (¬3) ، وَقَدْ أَجَابَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ (¬4) وَمَنْ وَافَقَهُمْ بِأَنَّ الدَّلِيلَ [الدَّالَّ] (¬5) عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ هُوَ هَذَا الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا صَحِيحًا انْسَدَّ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ (¬6) حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ (¬7) . فَقَالَ (¬8) الْمُخَالِفُ لِهَؤُلَاءِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ (¬9) حُدُوثِ الْعَالَمِ وَلَا إِلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ، بَلْ هَذَا طَرِيقٌ مُحْدَثٌ فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا الْقَرَابَةِ (¬10) وَلَا التَّابِعِينَ يَسْلُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَ (¬11) ، وَإِنَّمَا سَلَكَهَا الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَأَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ وَمَنْ وَافَقَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَحُدُوثِ الْعَالَمِ (¬12) لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقِ لَكَانَ بَيَانُهَا مِنَ الدِّينِ، وَلَمْ يَحْصُلِ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهَا. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الطَّرِيقَ لِأُمَّتِهِ، وَلَا دَعَاهُمْ بِهَا وَلَا إِلَيْهَا (¬13) وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَالْقَوْلُ بِأَنَّ (¬14) الْإِيمَانَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، ¬

(¬1) وَالْكُلَّابِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَأَتْبَاعِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ب، ا: الْفِعْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن: مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ وَالشِّيعَةِ. . إِلَخْ. (¬5) الدَّالَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب، ا: أَنْسَدَّ مَعْرِفَةُ طَرِيقِ. (¬7) ن: إِلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ. (¬8) ب، ا: وَقَالَ ; ن، م: قَالَ. (¬9) مَعْرِفَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬10) أ، م، ب: وَالْقَرَابَةِ. (¬11) ب، أ: مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْقُرَابَةِ وَلَا التَّابِعِيَنَ يَسْلُكُ هَذَا الطَّرِيقَ. (¬12) ب، ا: بِحُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ. (¬13) ع: وَلَا دَعَاهُمْ إِلَيْهَا. (¬14) ن، م: أَنَّ.

وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا طَرِيقٌ مُحْدَثَةٌ لَمْ يَسْلُكْهَا السَّلَفُ، وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ فِي صِحَّتِهَا، فَكَيْفَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعِلْمَ بِالصَّانِعِ وَالْعِلْمَ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا؟ وَقَالُوا: (¬1) [بَلْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُنَافِي الْعِلْمَ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ، وَكَوْنَهُ خَالِقًا لِلْعَالَمِ آمِرًا بِالشَّرَائِعِ، مُرْسِلًا لِلرُّسُلِ، فَالَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ قَالُوا: إِنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الْعَقْلِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ بِالنُّبُوَّةِ وَصِحَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَا. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَا، مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ جَمَاهِيرُ الْأُمَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، لَا سِيَّمَا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ، وَكَلَامُهُمْ فِي تَبْدِيعِ أَهْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَذَمِّهِ وَذَمِّ أَهْلِهِ وَنِسْبَتِهِمْ إِلَى الْجَهْلِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ السَّلَفِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ هُوَ مِمَّا أَنْكَرَهُ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْأُمَّةِ (¬2) ، لَكِنْ سَلَّمَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَنَازَعُوهُمْ فِي مُوجِبِ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَنَازَعُوهُمْ أَيْضًا فِي تَوَقُّفِ صِحَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ ; مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي " رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ الثَّغْرِ بِبَابِ الْأَبْوَابِ " (¬3) ، وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ ¬

(¬1) ب، ا: قَالُوا، وَمَا بَعْدَهَا مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَيَسْتَمِرُّ الْكَلَامُ حَتَّى الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ. (¬2) فِي الْأَصْلِ (ع) : أَئِمَّةُ الْأَئِمَّةِ. (¬3) ذَكَرَهَا ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي " ص 136 فَقَالَ: " وَجَوَابُ مَسَائِلَ كَتَبَ بِهَا إِلَى أَهْلِ الثَّغْرِ فِي تَبْيِينِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْحَقِّ ". وَمِنَ الرِّسَالَةِ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي مَكْتَبَةِ رُوَانَ كِشْكٍ وَمِنْهَا صُورَةٌ فِي الْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَانْظُرْ فِهْرِسَ الْمَخْطُوطَاتِ الْمُصَوَّرَةِ، 1/125. وَسَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا.

وَأَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ (¬1) وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (¬2) وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَأَمَّا أَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فَبَيَّنُوا أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةٌ بَاطِلَةٌ فِي الْعَقْلِ أَيْضًا، وَأَنَّهَا تُنَافِي صِحَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا فِي الْعِلْمِ بِهِ، وَأَيْنَ اللَّازِمُ لِدِينِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْمُنَافِي لَهُ؟ ! وَبَيَّنُوا أَنَّ تَقْدِيرَ ذَاتٍ لَمْ تَزَلْ غَيْرَ فَاعِلَةٍ وَلَا مُتَكَلِّمَةٍ بِمَشِيئَتِهَا وَقُدْرَتِهَا، ثُمَّ حُدُوثُ مَا يَحْدُثُ مِنْ مَفْعُولَاتٍ - مِثْلِ كَلَامٍ مُؤَلَّفٍ مَنْظُومٍ وَأَعْيَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ - بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ، مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَلِكَوْنِ الْقُرْآنِ كَلَامَ اللَّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرُّسُلُ، بَلْ حَقِيقَتُهُ أَنَّ الرَّبَّ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ لِامْتِنَاعِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَعَّالًا أَوْ مُقَالًا لَهُ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، إِذِ الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَجَامِعِ الطُّرُقِ وَالْمَقَالَاتِ. قَالَتِ النُّفَاةُ: فَإِذَا كَانَتْ طُرُقُنَا فِي إِثْبَاتِ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ وَحُدُوثِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِثْبَاتِ الْعِلْمِ بِالنُّبُوَّةِ طُرُقًا بَاطِلَةً] (¬3) فَمَا الطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ؟ (¬4) قَالُوا: [أَوَّلًا] : لَا يَجِبُ (¬5) عَلَيْنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيَانُ ذَلِكَ، بَلِ الْمَقْصُودُ [هَهُنَا] (¬6) أَنَّ هَذِهِ طَرِيقٌ مُحْدَثَةٌ مُبْتَدَعَةٌ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ ¬

(¬1) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُمَا 1/303، 304. (¬2) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/142. (¬3) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: بَلْ هَذِهِ الطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ. (¬5) م: قَالُوا: وَلَا يَجِبُ. (¬6) ع: إِذِ الْمَقْصُودُ هُنَا ; ن، م: بَلِ الْمَقْصُودُ.

طرق إثبات وجود الله عند أهل السنة

الطَّرِيقَ (¬1) الَّتِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً أَوْ يَكُونَ الْعِلْمُ الْوَاجِبُ أَوِ الْإِيمَانُ [بِصِدْقِهِ] (¬2) مَوْقُوفًا عَلَيْهَا. وَقَالُوا: (¬3) كُلٌّ مِنَ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ وَحُدُوثِ الْعَالَمِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ. [طرق إثبات وجود الله عند أهل السنة] أَمَّا إِثْبَاتُ الصَّانِعِ فَطَرْقُهُ لَا تُحْصَى، بَلِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ (¬4) أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالصَّانِعِ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ مَغْرُوزٌ (¬5) فِي الْجِبِلَّةِ، (¬6) ، [وَلِهَذَا كَانَتْ دَعْوَةُ عَامَّةِ الرُّسُلِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَكَانَ عَامَّةُ الْأُمَّةِ مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ مَعَ إِشْرَاكِهِمْ بِهِ بِعِبَادَةِ مَا دُونِهُ، وَالَّذِينَ أَظْهَرُوا إِنْكَارَ الصَّانِعِ كَفِرْعَوْنَ خَاطَبَتْهُمُ الرُّسُلُ خِطَابَ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ حَقٌّ، كَقَوْلِ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 102] ، وَلَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 23] ، قَالَ لَهُ مُوسَى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 24 - 28] . ¬

(¬1) ب: فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ الطَّرِيقَةَ ; أ: فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الطَّرِيقَةِ ; م: فَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ الطَّرِيقَ. (¬2) بِصِدْقِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬3) ع: فَقَالُوا. (¬4) ن، م: الْعُقَلَاءُ. (¬5) ب، أ، م: مَعْرُوفٌ. (¬6) بَعْدَ هَذَا الْقَوْسِ يَرِدُ كَلَامٌ طَوِيلٌ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَنِهَايَتُهُ بَعْدَ صَفْحَتَيْنِ.

وَلَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سُورَةُ طه: 49 - 50] ، فَكَانَ جَوَابُ مُوسَى لَهُ جَوَابًا لِلْمُتَجَاهِلِ الَّذِي يُظْهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ، فَإِنَّ سُؤَالَ فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ لِوُجُودِهِ، لَيْسَ هُوَ اسْتِفْهَامَ طَلَبٍ لِتَعْرِيفِ مَاهِيَّتِهِ كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالُوا: إِنَّ فِرْعَوْنَ طَالَبَهُ بِبَيَانِ الْمَاهِيَّةِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الْجَوَابِ بِذِكْرِهَا، فَإِنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالصَّانِعِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ كَانَ جَاحِدًا لَهُ، وَكَانَ اسْتِفْهَامُهُ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ لِوُجُودِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 38] ، وَقَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 24] ، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا بِوُجُودِهِ طَالِبًا لِمَعْرِفَةِ مَاهِيَّتِهِ لَمْ يَقِلْ هَذَا، وَلَكَانَ مُوسَى مَا أَجَابَهُ إِجَابَةً لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا مَاهِيَّتُهُ (¬1) . مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ هِيَ مَا يَقُولُهُ الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ ذِكْرِ الذَّاتِيِّ الْمُشْتَرَكِ وَالذَّاتِيِّ الْمُمَيَّزِ، وَهُمَا الْجِنْسُ وَالْفَصْلُ، كَلَامٌ بَاطِلٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُغَايِرَةَ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إِنَّمَا هِيَ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الذِّهْنِ، فَإِنَّ مَا فِي الْأَذْهَانِ مِنَ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ. وَأَمَّا دَعْوَى أَهْلِ الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ أَنَّ فِي الْخَارِجِ مَاهِيَّةً وَوُجُودًا غَيْرَ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ (ع) : لَمْ يَقِلْ هَذَا وَ، وَبَعْدَ حَرْفِ الْوَاوِ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ حَيْثُ كُتِبَ: لَكَانَ مُوسَى، وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ: لَمَّا أَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ لَمْ تُذْكَرْ مَاهِيَّتُهُ، وَتُوجَدُ فِي الْهَامِشِ أَمَامَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ كَلِمَةٌ أُخْرَى هِيَ " لَقَالَ ". وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَا أَثْبَتُّهُ مُوفِّيًا بِالْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ.

طرق إثبات حدوث العالم

الْمَاهِيَّةِ، وَأَنَّ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةَ تَنْقَسِمُ إِلَى لَازِمَةٍ مُقَوِّمَةٍ دَاخِلَةٍ فِي الْمَاهِيَةِ، وَمُفَارِقَةٍ عَرَضِيَّةٍ لَهَا غَيْرِ مُقَوِّمَةٍ، وَإِلَى لَازِمَةٍ لِوُجُودِهَا الْخَارِجِيِّ دُونَ مَاهِيَّتِهَا الْخَارِجِيَّةِ، فَكَلَامٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ، وَبُيِّنَ أَنَّ الصِّفَاتِ تَنْقَسِمُ إِلَى لَازِمَةٍ لِلْمَوْصُوفِ وَعَارِضَةٍ لَهُ فَقَطْ، كَمَا عَلَيْهِ نُظَّارُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَبُيِّنَ كَلَامُ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَدِّ وَالْبُرْهَانِ، وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي صَرِيحِ الْمَعْقُولِ أَصَحُّ مِنْ كَلَامِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْيُونَانِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْمِلَلِ] (¬1) . وَأَيْضًا فَنَفْسُ حُدُوثِ الْإِنْسَانِ يُعْلَمُ (¬2) بِهِ (¬3) صَانِعُهُ، وَكَذَلِكَ حُدُوثُ كُلِّ مَا يُشَاهَدُ (¬4) حُدُوثُهُ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ (¬5) . وَأَيْضًا، فَالْوُجُودُ يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ مُوجِدٍ قَدِيمٍ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ (¬6) ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ مَا هُوَ حَادِثٌ، فَقَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ انْقِسَامُ الْمَوْجُودِ (¬7) إِلَى قَدِيمٍ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ وَإِلَى مُحْدَثٍ. [طرق إثبات حُدُوثُ الْعَالَمِ] وَأَمَّا حُدُوثُ الْعَالَمِ فَيُمْكِنُ عِلْمُهُ (¬8) بِالسَّمْعِ وَبِالْعَقْلِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِالصَّانِعِ إِمَّا بِالضَّرُورَةِ وَالْفِطْرَةِ، وَإِمَّا بِمُشَاهَدَةِ حُدُوثِ الْمُحْدَثَاتِ (¬9) ، ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمَوْجُودُ فِي (ب) ، (ن) ، (أ) ، (م) وَقَدْ بَدَأَ فِي ص 270. (¬2) م: حُكْمُ. (¬3) ع: أَنَّهُ ; ن، م: فِيهِ. (¬4) ب، ا: شَاهَدَ. (¬5) ب، ا: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ ; ن، م: وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ مَذْكُورَةٌ. (¬6) ب، أ: مَوْجُودٌ وَاجِبٌ قَدِيمٌ بِنَفْسِهِ ; ن، م: مَوْجُودُ قِدَمٍ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ. (¬7) ب، أ: الْوُجُودِ. (¬8) أ: فَيُمْكِنُ عَلَيْهِ بِالسَّمْعِ. . ; ب: فَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ. (¬9) ن، م: الْحَوَادِثِ.

وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يُعْلَمُ صِدْقُ الرَّسُولِ بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَدَلَالَةُ الْمُعْجِزَاتِ طَرِيقٌ مِنَ الطُّرُقِ، وَطَرِيقُ التَّصْدِيقِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْمُعْجِزَاتِ، ثُمَّ يُعْلَمُ بِخَبَرِ الرَّسُولِ حُدُوثُ الْعَالَمِ. وَأَمَّا بِالْعَقْلِ فَيُعْلَمُ (¬1) أَنَّ الْعَالَمَ لَوْ كَانَ قَدِيمًا لَكَانَ: إِمَّا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (¬2) مِنْ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ ; وَإِمَّا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ الْمُقْتَضِي لَهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ بِمَعْنَى (¬3) أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِمُقْتَضَاهُ، سَوَاءٌ كَانَ شَاعِرًا مُرِيدًا أَمْ (¬4) لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ مَعْلُولٌ مَفْعُولٌ (¬5) ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةٌ (¬6) تَامَّةٌ مُقْتَضِيَةً لَهُ فِي الْأَزَلِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوجِبُ بِذَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ مُبْدِعُهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ (¬7) عِلَّةً تَامَّةً لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولِهِ (¬8) وَمُقْتَضَاهُ، وَالْحَوَادِثُ مَشْهُودَةٌ فِي الْعَالَمِ، فَعُلِمَ أَنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً، [وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِلَّةً تَامَّةً] (¬9) لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا. وَهَذِهِ (¬10) الْحَوَادِثُ الَّتِي فِي الْعَالَمِ إِنْ قِيلَ: إِنَّهَا مِنْ لَوَازِمِهِ امْتَنَعَ أَنْ ¬

(¬1) ن: فَيَعْلَمُونَ. (¬2) ن: الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ; ع: تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ مِنْ أَنَّ. . . إِلَخْ. (¬3) ن، م: يُعْنَى. (¬4) ن، ع، م: أَوْ. (¬5) ب، أ: مَفْصُولٌ. (¬6) ب، أ: فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ ; ن، م: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِلَّةٌ. (¬7) ن: وَلَوْ كَانَ مُبْدِعُهُ بِذَاتِهِ ; ع: وَلَوْ كَانَ مُوجِبُهُ مُبْدِعُهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ عِلَّةً. . إِلَخْ. (¬8) ن، م: مَعْلُومَةِ. (¬9) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِلَّةً تَامَّةً: سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬10) ع: وَهِيَ.

تَكُونَ الْعِلَّةُ الْأَزَلِيَّةُ التَّامَّةُ عِلَّةً لِلْمَلْزُومِ (¬1) دُونَ لَازِمِهِ، وَامْتَنَعَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلَازِمِهِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَقْتَضِي حُدُوثَ شَيْءٍ، وَإِنْ (¬2) لَمْ تَكُنِ الْحَوَادِثُ مِنْ لَوَازِمِهِ كَانَتْ حَادِثَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، فَإِنْ (¬3) لَمْ يَكُنْ لَهَا مُحْدِثٌ لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ (¬4) بِلَا مُحْدِثٍ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا مُحْدِثٌ غَيْرُ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، كَانَ الْقَوْلُ فِي حُدُوثِ إِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا كَالْقَوْلِ فِي ذَلِكَ الْمُحْدِثِ، وَإِنْ (¬5) كَانَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ هُوَ الْمُحْدِثُ فَقَدْ حَدَثَتْ عَنْهُ الْحَوَادِثُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَدْ تَغَيَّرَ (¬6) وَصَارَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ الْأَزَلِيَّةُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا التَّغَيُّرُ وَالِانْتِقَالُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَغَيُّرَهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ [الْأَزَلِيَّةُ] (¬7) لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدَثَ فِيهَا حَادِثٌ، فَإِنَّهُ إِنْ حَدَثَ (¬8) بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ شَيْءٌ لَزِمَ الْحُدُوثُ بِلَا سَبَبٍ (¬9) ، وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ بِهَا لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا فَاعِلٍ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً، وَإِنَّ جَوَّزَ مُجَوِّزٌ (¬10) عَلَيْهَا الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، جَازَ أَنْ يَحْدُثَ الْعَالَمُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَبَطَلَ (¬11) حُجَّةُ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. ¬

(¬1) ن: الْعِلَّةُ الْأَزَلِيَّةُ عِلَّةً تَامَّةً لِلْمَلْزُومِ ; م: الْعِلَّةُ الْأَزَلِيَّةُ تَامَّةً لِلْمَلْزُومِ. (¬2) ن، م: فَإِنْ. (¬3) ن، م: وَإِنْ. (¬4) ب، أ، ن، م،: الْحَادِثِ (¬5) ن، م: فَإِنْ. (¬6) ع: فَقَدْ يَكُونُ قَدْ تَغَيَّرَ. (¬7) الْأَزَلِيَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) ب، أ: أَحْدَثَ. (¬9) ن: مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ شَيْءٌ مِنَ الْوُجُودِ بِلَا سَبَبٍ ; م: مَعَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ شَيْءٌ مِنَ الْحُدُوثِ بِلَا سَبَبٍ. (¬10) م: فَيَجُوزُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬11) م: فَتُبْطِلُ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (¬1) لَا يَكُونُ الْمُنْتَقِلُ (¬2) مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ إِلَّا فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ لَا مُوجِبًا بِالذَّاتِ. وَإِيضَاحُ هَذَا (¬3) أَنَّ الْحَوَادِثَ إِمَّا أَنْ يَجُوزَ دَوَامُهَا لَا إِلَى أَوَّلٍ، وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوَّلٌ، فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوَّلٌ بَطَلَ مَذْهَبُ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ حَرَكَاتِ (¬4) الْأَفْلَاكِ أَزَلِيَّةٌ. وَأَيْضًا، فَإِذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَوَّلٌ لَزِمَ حُدُوثُ الْعَالَمِ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْحَوَادِثِ (¬5) ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَوَادِثِ أَوْ (¬6) تَكُونَ عَارِضَةً لَهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لَهَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهَا، فَإِذَا (¬7) كَانَ لَهَا ابْتِدَاءٌ كَانَ لَهُ (¬8) (* ابْتِدَاءٌ لَازِمًا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ لَا يَسْبِقُهَا وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا، فَإِذَا قُدِّرَ (¬9) أَنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَادِثٌ أَصْلًا، كَانَ الْمَقْرُونُ بِهَا الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْهَا كَائِنًا (¬10) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعًا *) (¬11) ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَوَادِثُ (¬12) عَارِضَةً لِلْعَالَمِ (¬13) ثَبَتَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، (* وَإِذَا جَازَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ [كُلِّهَا] (¬14) بِلَا سَبَبٍ [حَادِثٍ] (¬15) ، جَازَ حُدُوثُ الْعَالَمِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ *) (¬16) (¬17) ، (* فَبَطَلَتْ كُلُّ حُجَّةٍ تُوجِبُ قِدَمَهُ، وَكَانَ الْقَائِلُ بِقِدَمِهِ قَائِلًا بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا *) (¬18) . ¬

(¬1) ن، م: فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. (¬2) ع: الْمُتَحَوِّلُ. (¬3) ن، م: وَإِيضَاحُ هَذَا الْقَوْلِ. (¬4) ب، أ: حَرَكَةَ. (¬5) ن، م: يَتَضَمَّنُ الْحَوَادِثَ. (¬6) ع: وَإِمَّا أَنْ. (¬7) ن: وَإِذَا. (¬8) ن: لَهَا. (¬9) ن، م: قُلْتَ. (¬10) ع: كَائِنٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬11) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬12) الْحَوَادِثُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬13) ب، أ: عَارِضَةً لَهُ. (¬14) كُلِّهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) . (¬15) حَادِثٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ع) . (¬16) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬17) حَادِثٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ. (¬18) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

وَإِذَا قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ قَدِيمًا عَنْ عِلَّتِهِ (¬1) بِلَا حَادِثٍ فِيهِ، ثُمَّ حَدَثَتْ فِيهِ الْحَوَادِثُ كَانَ هَذَا بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يُحْدِثَهَا (¬2) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا (¬3) لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا (¬4) بَلْ فَاعِلًا بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ، (5 وَالْفَاعِلُ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ 5) (¬5) لَا يُقَارِنُهُ مَفْعُولُهُ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَلِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُقَارِنَهُ الْقَدِيمُ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ، وَيَجِبُ أَنْ (¬6) يَبْقَى مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ إِلَى أَنْ يُحْدِثَ الْحَوَادِثَ، فَإِيجَابُ تَعْطِيلِهِ (¬7) وَإِيجَابُ فِعْلِهِ جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ (¬8) ، وَتَخْصِيصٌ (¬9) بِلَا مُخَصِّصٍ (¬10) ، فَإِنَّهُ (¬11) بِذَاتِهِ إِمَّا أَنْ يَجِبَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ. (12 وَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ، وَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ الْأَمْرَانِ. فَإِنْ وَجَبَ كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ، جَازَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ، وَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا ابْتِدَاءٌ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ لَهَا ابْتِدَاءً 12) (¬12) ، وَإِنِ امْتَنَعَ كَوْنُهُ [فَاعِلًا] (¬13) فِي الْأَزَلِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ قَدِيمٌ (¬14) فِي الْأَزَلِ غَيْرَهُ، فَلَا يَجُوزُ قِدَمُ الْعَالَمِ خَالِيًا عَنِ الْحَوَادِثِ وَلَا مَعَ الْحَوَادِثِ. ¬

(¬1) ب، أ: عِلَّةٍ. (¬2) ب (فَقَطْ) : يُحْدِثَ. (¬3) عِبَارَةُ: " لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ن: وَاجِبًا. (¬5) (5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ن، م: بِأَنْ. (¬7) أ: فَعُطْلُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; ب: تَعَطُّلِهِ. (¬8) ع: الْمُتَنَاقِضَيْنِ ; ن، م: الْمُتَنَافَيْنِ. (¬9) ن: وَتَخَصُّصٌ. (¬10) مُخَصَّصٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬11) ب، أ: لِأَنَّهُ. (¬12) (12 - 12) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ (¬13) فَاعِلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬14) ب، أ: قَدِيمًا، وَهُوَ بِخِلَافِ الْمَعْنَى.

وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ (1 وَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ 1) (¬1) ، فَجَازَ (¬2) حُدُوثُ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ. (¬3) [وَإِنْ قِيلَ: بَلْ يَكُونُ فَاعِلًا لِغَيْرِ الْحَوَادِثِ ثُمَّ يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ فِيمَا لَا يَزَالُ ; كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ (¬4) بِقِدَمِ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ، وَأَنَّ الْأَجْسَامَ حَدَثَتْ عَنْ بَعْضِ مَا حَدَثَ لِلنَّفْسِ مِنَ التَّصَوُّرَاتِ وَالْإِرَادَاتِ (¬5) ، وَكَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِ الْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ (¬6) ، كَانَ هَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ أَوْجَبَ حُدُوثَهَا إِذْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي تَجَدُّدَ إِحْدَاثِ الْحَوَادِثِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ بِقِدَمِ النَّفْسِ يَقْتَضِي دَوَامَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ، فَإِنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ تَصَوُّرَاتِ النَّفْسِ وَإِرَادَاتِهَا حَوَادِثُ دَائِمَةٌ عِنْدَهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ (¬7) ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَالَّذِينَ قَالُوا بِدَوَامٍ مَعْلُولٍ مُعَيَّنٍ عَنْهُ الْتَزَمُوا دَوَامَ الْفَاعِلِيَّةِ فِرَارًا مِنْ هَذَا الْمَحْذُورِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا لَازِمًا لَهُمْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَى ذَلِكَ الْمُمْتَنِعِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ. ¬

(¬1) : (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) ب (فَقَطْ) : جَازَ. (¬3) الْكَلَامُ التَّالِي بَعْدَ الْقَوْسِ الْمَعْقُوفِ سَاقِطٌ بِأَكْمَلِهِ مِنْ (ن) ، (م) . وَسَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) مَا عَدَا جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْهُ هِيَ: " فَفِي الْجُمْلَةِ جَوَازُ كَوْنِهِ فَاعِلًا يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ ". (¬4) فِي الْأَصْلِ (ع) : يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ. (¬5) وَهُمُ الْفَلَاسِفَةُ الْمَشَّاءُونَ مِثْلُ الْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا. وَانْظُرْ هَذَا الْكِتَابَ 1/224 - 235. (¬6) وَهُمُ الصَّائِبَةُ الْحَرَّانِيُّونَ وَدِيمُوقْرَيْطِسْ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ. وَانْظُرْ هَذَا الْكِتَابَ 1/209 - 211. (¬7) فِي الْأَصْلِ (ع) تُوجَدُ فَوْقَ كَلِمَةِ " سَبَبٍ " إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ حَيْثُ يُوجَدُ حَرْفٌ مِنْ كَلِمَةٍ لَمْ تَظْهَرْ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ " حَادِثٌ ".

فَفِي الْجُمْلَةِ جَوَازُ كَوْنِهِ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ، يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْرَفْ مَنْ قَالَ بِكَوْنِهِ فَاعِلًا فِي الْأَزَلِ مَعَ امْتِنَاعِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ، فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ عَنْ تَصَوُّرٍ مِنْ تَصَوُّرَاتٍ النَّفْسِ يَقُولُونَ بِدَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي النَّفْسِ، وَالْقَائِلِينَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ فَاعِلٌ لَهَا فِي الْأَزَلِ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ بِنَفْسِهَا، هَذَا هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْهُمْ، وَقَدْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا مَعْلُولَةٌ لَهُ لَا مَفْعُولَةٌ لَهُ] (¬1) . فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ لِلْعَالَمِ فِي الْأَزَلِ، وَقُدِّرَ امْتِنَاعُ الْحُدُوثِ فِي الْأَزَلِ، جُمِعَ بَيْنَ [وُجُوبِ] (¬2) كَوْنِهِ فَاعِلًا، وَامْتِنَاعِ كَوْنِهِ فَاعِلًا. وَإِذَا قِيلَ (¬3) : يَفْعَلُ مَا هُوَ قَدِيمٌ وَلَا يَفْعَلُ مَا هُوَ حَادِثٌ. قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْقَدِيمِ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ الْمَعْلُولَ الْقَدِيمَ (¬4) حَدَثَتْ فِيهِ الْحَوَادِثُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ بِلَا سَبَبٍ [حَادِثٍ] (¬5) ، وَالْمَعْلُولُ الْقَدِيمُ (¬6) لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي (7 تَغْيِيرَ عِلَّتِهِ التَّامَّةِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لَهُ. ثُمَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمُتَضَمِّنِ إِثْبَاتَ قَدِيمٍ مَعْلُولٍ لِلَّهِ أَوْ 7) (¬7) إِثْبَاتَ قُدَمَاءَ مَعْلُولَةٍ (¬8) عَنِ اللَّهِ مَعَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ (9 الدَّائِمَةِ فِي ذَلِكَ الْقَدِيمِ، أَوْ مَعَ تَجَدُّدِ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ 9) (¬9) فِيهَا هُوَ (¬10) قَوْلٌ بِحُدُوثِ [هَذَا] (¬11) ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ آنِفًا فِي ص 277. (¬2) وُجُوبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ع: ثُمَّ إِذَا قِيلَ. (¬4) ب، أ: أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ. (¬5) بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن) ، (م) : بِلَا سَبَبٍ. (¬6) ب، أ: بِالْقَدِيمِ. (¬7) : (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬8) ن، م: مَعْلُومَةٍ. (¬9) (9 - 9) : مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬10) ب، أ: وَهُوَ ; ن، م: وَهَذَا. (¬11) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْعَالَمِ، كَمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ دِيمُقْرَاطِيسْ (¬1) وَمُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِمَا - وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ (¬2) -[وَكَمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ كُلِّهَا، وَالرَّازِيُّ قَدْ يَجْعَلُ الْقَوْلَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي " مُحَصَّلِهِ " (¬3) وَغَيْرِ مُحَصَّلِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْحَرْنَانِيِّينَ (¬4) هُوَ الْقَوْلُ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ، ثُمَّ بَنَوْا عَلَيْهِ تَصَوُّرَ النَّفْسِ وَ (قَدْ حَدَثَ لَهَا عِشْقٌ) تَعَلَّقَتْ بِسَبَبِهِ بِالْهُيُولِي لِيَكُونَ لِلْأَجْسَامِ سَبَبٌ اقْتَضَى حُدُوثَهَا (¬5) (¬6) ، لَكِنَّهُ (¬7) مَعَ هَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ (¬8) حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ إِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا بَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ، (9 وَإِذَا كَانَتْ أَحْوَالُ الْفَاعِلِ وَاحِدَةً، وَهُوَ لَا يَقُومُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ امْتَنَعَ أَنْ يَخْتَصَّ بَعْضُ الْأَحْوَالِ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي حُدُوثَ الْأَجْسَامِ 9) (¬9) ، وَإِنَّ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : ذُيمُقْرَاطِيسْ. (¬2) عِبَارَةُ " وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ. . وَالْكَلَامُ الَّذِي يَلِي الْقَوْسَ الْمَعْقُوفَ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬3) وَهُوَ كِتَابُ " مُحَصِّلِ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ " لِفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ، وَالْكَلَامُ عَلَى " مُحَصَّلِهِ ". (¬4) فِي الْأَصْلِ (ع) : الْجَزَنَانِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; وَانْظُرِ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/58 - 61. (¬5) الْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ: " ثُمَّ بَنَوْا عَلَيْهِ. . اقْتَضَى حَدُوثَهَا " فِيهَا نَقْصٌ رَأَيْتُ أَنَّ تَمَامَهُ جُمْلَةُ (وَقَدْ حَدَثَ لَهَا عِشْقٌ) الْمَكْتُوبَةُ بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ. وَسَبَقَ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ التَّعَرُّضُ لِهَذَا الْمَوْضُوعِ وَمُنَاقَشَتُهُ فِي الْمَوْضُوعِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1/210 - 211. (¬6) هُنَا يَنْتَهِي الْكَلَامُ السَّاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) كَمَا أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ وَيَسْتَمِرُّ السَّقْطُ فِي (ن) ، (م) سُطُورًا أُخَرَ، وَسَنُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ فِيمَا بَعْدُ. (¬7) ب، أ: وَلَكِنَّهُ (¬8) ع: لِأَنَّ. (¬9) : (9 - 9) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

كَانَ مُمْكِنًا أَمْكَنَ حُدُوثُ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْقُدَمَاءُ مِمَّا يَجُوزُ حُدُوثُهُ. وَأَيْضًا، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ (¬1) لِمَعْلُولَاتِهِ (¬2) ع: لَمْ يَصِرْ، وَهُوَ خَطَأٌ. فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ لِغَيْرِهَا، وَالْقَوْلُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يُنَاقِضُ الْآخَرَ] (¬3) . . وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْحَوَادِثَ يَجُوزُ دَوَامُهَا، امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً أَزَلِيَّةً لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَالْعَالَمُ لَا يَخْلُو مِنْهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ع (فَقَطْ) : وَالْعَالَمُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَفِي الْعِبَارَةِ نَقْصٌ وَتَحْرِيفٌ. بَلْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لَهَا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً [تَامَّةً] تَامَّةً: (¬4) . لَهَا فِي الْأَزَلِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْمَلْزُومِ دُونَ لَازِمِهِ. (7 وَأَيْضًا، فَإِنَّ كُلَّ مَا سِوَى الْوَاجِبِ يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَوْجُودًا بَعْدَ عَدَمِهِ 7) (¬5) . (¬6) (¬7) . [وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمَفْعُولَ الْمُعَيَّنَ يُقَارِنُ فَاعِلَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، حَتَّى أَرِسْطُو وَأَصْحَابِهِ الْقُدَمَاءِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ لَا يَكُونُ ¬

(¬1) ب، ا: وَأَيْضًا فَيَكُونُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. (¬2) ب: لِمَعْلُولَاتٍ ; أ: لِمَعْلُومَاتٍ.، 8 ثُمَّ يَصِيرُ (¬3) هُنَا يَنْتَهِي سَقْطٌ (ن) ، (م) وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ بَعْدَ عِبَارَةِ " وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (ع) ، (ن) ، (م) (¬5) (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) . (¬7) الْكَلَامُ بَعْدَ الْقَوْسِ الْمَعْقُوفِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَيُوجَدُ فِي (ع) ، وَيَنْتَهِي ص [0 - 9] 85

إِلَّا مُحْدَثًا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ. وَإِنَّمَا أَثْبَتَ مُمْكِنًا قَدِيمًا ابْنُ سِينَا وَمَنْ وَافَقَهُ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إِخْوَانُهُ الْفَلَاسِفَةُ وَبَيَّنُوا أَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ سَلَفِهِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْعُقَلَاءِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ مَفْعُولٌ أَوْ مُبْدَعٌ أَوْ مَصْنُوعٌ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا. وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ إِذَا تَصَوَّرُوا أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ تَصَوَّرُوا أَنَّهُ أَحْدَثَهَا، لَا يُتَصَوَّرُ فِي عُقُولِهِمْ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً قَدِيمَةً، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَاتٍ أُخَرَ مِثْلِ أَنْ يُقَالَ: هِيَ مُبْدَعَةٌ قَدِيمَةٌ أَوْ مُفْعُولَةٌ قَدِيمَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، بَلْ هَذَا وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ، وَمَا يَذْكُرُهُ مَنْ يُثْبِتُ مُقَارَنَةَ الْمَفْعُولِ لِفَاعِلِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَرَّكْتُ يَدِي فَتَحَرَّكَ الْخَاتَمُ وَنَحْوُهُ، تَمْثِيلٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَذْكُرُونَهُ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْمَعْلُولِ الْمَفْعُولِ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ شَرْطٌ أَوْ سَبَبٌ كَالشَّرْطِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَ الْمَشْرُوطَ، هَذَا إِذَا سُلِّمَ مُقَارَنَةُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَفِي كَثِيرٍ مِمَّا يَذْكُرُونَهُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ مَعَ اتِّصَالِهِ بِهِ، كَأَجْزَاءِ الزَّمَانِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، هُوَ مُتَّصِلٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَعَ التَّأَخُّرِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي " مُحَصَّلِهِ " وَغَيْرِ مُحَصَّلِهِ ; حَيْثُ قَالَ (¬1) .: " اتَّفَقَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى أَنَّ الْقَدِيمَ يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ (¬2) . إِلَى الْفَاعِلِ، وَاتَّفَقَتْ ¬

(¬1) الْكَلَامُ التَّالِي يَذْكُرُهُ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ " مُحَصَّلُ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ "، ص [0 - 9] 5، وَسَنُقَابِلُ النُّصُوصَ التَّالِيَةَ عَلَيْهِ (¬2) فِي " الْمُحَصَّلِ ": يَسْتَحِيلُ إِسْنَادُهُ

الْفَلَاسِفَةُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ زَمَانًا، فَإِنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ عِنْدَهُمْ زَمَانًا مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى ". فَيُقَالُ: أَمَّا نَقْلُهُ عَنِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَصَحِيحٌ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَأَمَّا نَقْلُهُ عَنِ الْفَلَاسِفَةِ، فَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا، وَلَيْسَ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِهِمْ: لَا الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ كَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَلَا الْقَائِلِينَ بِحُدُوثِ صُورَتِهِ، وَهُمْ جُمْهُورُ الْفَلَاسِفَةِ، فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِهِ لَمْ يَكُونُوا يُثْبِتُونَ لَهُ فَاعِلًا مُبْدِعًا كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُثْبِتُ لَهُ عِلَّةَ فَاعِلَةً. وَأَرِسْطُو يُثْبِتُ لَهُ عِلَّةً غَائِيَّةً يَتَشَبَّهُ بِهَا الْفَلَكُ، لَمْ يُثْبِتْ عِلَّةَ فَاعِلَةً، كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَبْلَ أَرِسْطُو فَكَانُوا يَقُولُونَ بِحُدُوثِ السَّمَاوَاتِ، كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمِلَلِ. ثُمَّ قَالَ الرَّازِيُّ: " وَعِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ إِسْنَادِ الْقَدِيمِ (¬1) . إِلَى الْمُؤَثِّرِ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ، وَكَذَلِكَ زَعَمَ مُثْبِتُو الْحَالِ (¬2) . بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَالِمِيَّةَ اللَّهِ وَعِلْمَهُ (¬3) . قَدِيمَانِ (¬4) .، مَعَ أَنَّ الْعَالِمِيَّةَ وَالْقَادِرِيَّةَ مُعَلَّلَةٌ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ الْمُحَصَّلِ: مَعَ أَنَّ الْعَالِمِيَّةَ مُعَلَّلَةٌ بِالْعِلْمِ. . وَزَعَمَ أَبُو هَاشِمٍ أَنَّ الْعَالِمِيَّةَ وَالْقَادِرِيَّةَ وَالْحَيِّيَّةَ وَالْمَوْجُودِيَّةَ (¬5) مُعَلِّلَةٌ بِحَالٍ (¬6) . خَامِسَةٍ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ ¬

(¬1) الْمُحَصَّلِ (ص [0 - 9] 5) : لَمْ يَمْنَعُوا إِسْنَادَ الْقَدِيمِ (¬2) الْمُحَصَّلِ: وَلِذَلِكَ زَعَمُوا مُثْبِتُو الْحَالِ. وَالْقَائِلُونَ بِالْأَحْوَالِ هُمْ أَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/270 - 271، وَالْكَلَامُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْأَحْوَالِ 2/124 - 125 (¬3) الْمُحَصَّلِ: مِنَّا أَنَّ عَالِمِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلِمَهُ (¬4) فِي الْأَصْلِ: قَدِيمًا، وَهُوَ خَطَأٌ، وَصَوَابُهُ مِنْ " الْمُحَصَّلِ " (¬5) فِي الْأَصْلِ: الْحِسِّيَّةَ وَالْوُجُودِيَّةَ، وَالصَّوَابُ مِنْ " الْمُحَصَّلِ " (¬6) الْمُحَصَّلِ: بِحَالَةٍ

قَدِيمٌ. وَزَعَمَ أَبُو الْحُسَيْنِ (¬1) . أَنَّ الْعَالِمِيَّةَ حَالٌ (¬2) . مُعَلَّلَةٌ بِالذَّاتِ، وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانُوا يَمْتَنِعُونَ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْقَدِيمِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَلَكِنَّهُمْ يُغَطُّونَ الْمَعْنَى (¬3) . فِي الْحَقِيقَةِ ". فَيُقَالُ: لَيْسَ فِي الْمُتَكَلِّمِينَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْمَفْعُولَ قَدْ يَكُونُ قَدِيمًا: سَوَاءٌ كَانَ الْفَاعِلُ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ، أَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِذَاتِهِ بِلَا مَشِيئَةٍ، وَالصِّفَاتُ اللَّازِمَةُ لِلْمَوْصُوفِ: فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا قَدِيمَةٌ فَلَيْسَتْ مُفْعُولَةً عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ، بَلْ هِيَ لَازِمَةٌ لِلذَّاتِ بِخِلَافِ الْمَفْعُولَاتِ الْمُمْكِنَةِ الْمُبَايِنَةِ لِلْفَاعِلِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْعُولُ الَّذِي أَنْكَرَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ عَلَى مَنْ قَالَ بِقِدَمِهِ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ وَسَائِرُ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمَفْعُولَ لَا يَكُونُ قَدِيمًا، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِالطَّبْعِ كَمَا تَفْعَلُ الْأَجْسَامُ الطَّبِيعِيَّةُ، فَمَا ذَكَرَهُ عَنِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُمْ. ثُمَّ قَالَ (¬4) .: " وَأَمَّا الْفَلَاسِفَةُ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا جَوَّزُوا إِسْنَادَ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ إِلَى الْبَارِئِ لِكَوْنِهِ عِنْدَهُمْ (¬5) . مُوجِبًا بِالذَّاتِ، حَتَّى لَوِ اعْتَقَدُو فِيهِ كَوْنَهُ فَاعِلًا بِالِاخْتِيَارِ لَمَا جَوَّزُوا كَوْنَهُ مُوجِبًا (¬6) . لِلْعَالَمِ الْقَدِيمِ ". ¬

(¬1) وَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/395، 2/125 وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَوْقِفِهِ مِنَ الْأَحْوَالِ 2/125 (ت [0 - 9] ) . وَفِي نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ لِلشَّهْرِسْتَانِيِّ (ص [0 - 9] 21) مَا يَلِي: " وَقَدْ مَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إِلَى مَذْهَبِ هِشَامٍ بَعْضَ الْمَيْلِ، حَتَّى قَضَى بِتَجَدُّدِ أَحْوَالِ الْبَارِئِ تَعَالَى عِنْدَ تَجَدُّدِ الْكَائِنَاتِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ نُفَاةِ الْأَحْوَالِ، غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ وُجُوهَ التَّعْلِيقَاتِ أَحْوَالًا إِضَافِيَّةً لِلذَّاتِ الْعَالِمِيَّةِ " (¬2) الْمُحَصَّلِ: حَالَةٌ (¬3) الْمُحَصَّلِ: لَكِنَّهُمْ يُعْطُونَ الْمَعْنَى (¬4) فِي " الْمُحَصَّلِ " ص [0 - 9] 5 - 56 (¬5) الْمُحَصَّلِ: إِسْنَادَ الْعَالَمِ إِلَى الْبَارِئِ تَعَالَى لَكِنَّهُ عِنْدَهُمْ. . إِلَخْ (¬6) الْمُحَصَّلِ: مُوجِدًا

قَالَ (¬1) .: " فَظَهَرَ مِنْ هَذَا اتِّفَاقُ الْكُلِّ عَلَى جَوَازِ إِسْنَادِ الْقَدِيمِ إِلَى الْمُوجِبِ الْقَدِيمِ وَامْتِنَاعِ إِسْنَادِهِ إِلَى الْمُخْتَارِ ". فَيُقَالُ: بَلِ الْفَلَاسِفَةُ فِي كَوْنِهِ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لَهُمْ. وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ بِمَشِيئَتِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنِ الْمُتَكَلِّمِينَ بَاطِلٌ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنِ الْفَلَاسِفَةِ بَاطِلٌ. أَمَّا الْفَلَاسِفَةُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ فَمُتَّفِقُونَ عَلَى بُطْلَانِ مَا حَكَاهُ عَنْهُمْ أَوْ أَلْزَمَهُمْ بِهِ، بَلْ هُمْ وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ كُلَّ مَفْعُولٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ، ثُمَّ كَوْنُهُ مَفْعُولًا بِالْمَشِيئَةِ أَوْ بِالطَّبْعِ مَقَامٌ ثَانٍ (¬2) . . وَلَيْسَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْمَفْعُولِ مُحْدَثًا مَبْنِيًّا عَلَى كَوْنِ الْفَاعِلِ مُرِيدًا، فَإِنَّ الْفِعْلَ عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ إِلَّا مِنْ قَادِرٍ مُرِيدٍ، لَكِنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ، وَهُمَا أَيْضًا قَضِيَّتَانِ مُتَلَازِمَتَانِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّ الْمُبْطِلِينَ لِأُصُولِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ بِهَذِهِ ¬

(¬1) فِي " الْمُحَصَّلِ " ص [0 - 9] 6 (¬2) فِي الْأَصْلِ: بَانَ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَيُوجَدُ أَمَامَ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى هَامِشِ الصَّفْحَةِ التَّعْلِيقُ التَّالِي: " لِقَوْلِنَا فَاعِلٌ مُخْتَارٌ وَفَاعِلٌ بِالْمَشِيئَةِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَالثَّانِي: مَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّرْكُ. فَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ تَقُولُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَجُمْهُورُ الْحُكَمَاءِ تَقُولُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، فَالْفَلَاسِفَةُ عَنْ آخِرِهِمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ بِالْمَشِيئَةِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي لَا بِالْمَشِيئَةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَكَذَا صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " أَبُو الْبَرَكَاتِ الْبَغْدَادِيُّ إِنَّمَا حَكَى عَنِ الْفَلَاسِفَةِ الْمَشِيئَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى "

الطُّرُقِ] (¬1) .، فَهَذِهِ الطُّرُقُ (¬2) . وَغَيْرُهَا مِمَّا يُبَيَّنُ (¬3) . بِهِ حُدُوثُ كُلِّ (¬4) مَا سِوَى اللَّهِ [تَعَالَى] (¬5) .، سَوَاءٌ قِيلَ بِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ مَسْبُوقٌ بِحَادِثٍ أَوْ لَمْ يُقَلْ. وَأَيْضًا (¬6) .، فَمَا يَقُولُهُ قُدَمَاءُ الشِّيعَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ، لِهَؤُلَاءِ (¬7) . أَنْ يَقُولُوا: نَحْنُ عَلِمْنَا أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ بِمَا فِيهِ مِنْ آثَارِ الْحَاجَةِ، كَمَا قَدْ تَبَيَّنَ (¬8) . قَبْلَ هَذَا أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْعَالَمِ مُحْتَاجٌ، فَلَا يَكُونُ (9 وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ 9) (¬9) . مُفْتَقِرًا إِلَى الصَّانِعِ، فَثَبَتَ (¬10) . الصَّانِعُ بِهَذَا الطَّرِيقِ. ثُمَّ يَقُولُوا (¬11) .: وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، فَثَبَتَ حُدُوثُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ. وَلِهَذَا كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْصَمِ (¬12) . وَمَنْ وَافَقَهُ كَالْقَاضِي أَبِي خَازِمِ بْنِ ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْكَبِيرُ فِي (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَبَدَأَ ص 276 (¬2) ن: بِهَذِهِ الطَّرِيقِ ; م: فَهَذِهِ الطَّرِيقُ (¬3) ن: يَتَبَيَّنُ (¬4) كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ (¬5) تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) ب، أ: أَيْضًا (¬7) ن، م: لَا يَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ (¬8) ب، أ: بُيِّنَ (¬9) (9 - 9) سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬10) ن، م: قُلْتُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬11) ن، م، ع، أ: ثُمَّ يَقُولُ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا جَاءَ فِي (ب) ، وَيَكُونَ الْكَلَامُ هُنَا مَعْطُوفًا عَلَى عِبَارَةِ: لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَقُولُوا. . إِلَخْ (¬12) مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْصَمِ مِنْ رُءُوسِ الْكَرَّامِيَّةِ إِلَّا أَنَّهُ، كَمَا قَالَ الشَّهْرِسْتَانِيُّ (الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/38) : " مُقَارِبٌ ". وَقَالَ عَنْهُ أَيْضًا (1/102) : " وَقَدِ اجْتَهَدَ ابْنُ الْهَيْصَمِ فِي إِرْمَامِ مَقَالَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ابْنِ كَرَّامٍ) فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ حَتَّى رَدَّهَا مِنَ الْمُحَالِ الْفَاحِشِ إِلَى نَوْعٍ يُفْهَمُ فِيمَا بَيْنَ الْعُقَلَاءِ ". وَنَفَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ (شَرَحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ 3/229 - 230) مَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنْ تَجْسِيمٍ وَفَوْقِيَّةٍ. وَلَمْ أَجِدْ لِلرَّجُلِ تَرْجَمَةً فِي كُتُبِ الرِّجَالِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا. وَانْظُرْ عَنْ مَذْهَبِهِ وَآرَائِهِ مَا وَرَدَ فِي: الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/99، 101 - 103 ; نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ، ص [0 - 9] 05، 112، 114. وَانْظُرْ: لِسَانَ الْمِيزَانِ 5/354 ; التَّجْسِيمَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ لِلدُّكْتُورَةِ سُهَيْر مُحَمَّد مُخْتَار، ص 87 - 93 ط. الْقَاهِرَةِ، 1971

الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى (¬1) . [فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى " بِالتَّلْخِيصِ "] (¬2) . لَا يَسْلُكُونَ فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ الطَّرِيقَ الَّتِي يَسْلُكُهَا [أُولَئِكَ " الْمُعْتَزِلَةُ (¬3) . وَمَنْ وَافَقَهُمْ [حَيْثُ يُثْبِتُونَ أَوَّلًا حُدُوثَ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ هُوَ الطَّرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ] (¬4) .، بَلْ يَبْتَدِئُونَ (¬5) . بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ ثُمَّ يُثْبِتُونَ حُدُوثَ الْعَالَمِ بِتَنَاهِي الْحَوَادِثِ وَلَا يَحْتَاجُونَ أَنْ يَقُولُوا: كُلُّ جِسْمٍ [مُحْدَثٌ] (¬6) . . وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّقْدِيرَاتُ أَرْبَعَةٌ، فَإِنَّ الْحَوَادِثَ: إِمَّا أَنْ يَجُوزَ دَوَامُهَا، [وَإِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ دَوَامُهَا وَيَجِبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا ابْتِدَاءٌ] (¬7) ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: ¬

(¬1) ب، أ: كَالْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ; ن، م: كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ; ع: كَالْقَاضِي أَبِي حَازِمِ بْنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي حَازِمٍ 1/143 (ت [0 - 9] ) . وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا: شَذَرَاتَ الذَّهَبِ 4/82 ; الْوَافِيَ بِالْوَفَيَاتِ 1/160 ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 7/249 (¬2) عِبَارَةُ " فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّلْخِيصِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) : وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا الْكِتَابُ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي حَازِمٍ فِي الْمَرَاجِعِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا (¬3) ن: يَسْلُكُهَا الْمُعْتَزِلَةُ ; ب، أ، م: سَلَكَهَا الْمُعْتَزِلَةُ (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وُفِي (ع) كُتِبَ فِي الْهَامِشِ مَا يَلِي: " قَوْلُهُ: حَيْثُ يُثْبِتُونَ أَوَّلًا. . إِلَخْ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: يَسْلُكُهَا أُولَئِكَ الْمُعْتَزِلَةُ " (¬5) ب: يَبْدَءُونَ (¬6) كَلِمَةُ " مُحْدَثٌ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ عَنْ (ع) ، وَبَدَلًا مِنْهُ فِي (ب) ، (أ) : وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ ابْتِدَاؤُهَا، وَفِي (ن) ، (م) : وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ إِبْدَاؤُهَا.

فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلَّ جِسْمٍ مُحْدَثًا (¬1) . وَإِمَّا أَنْ [لَا] يَكُونَ، [وَقَدْ قَالَ] بِكُلِّ قَوْلٍ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهِمْ (¬2) . . وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِحُدُوثِ الْأَفْلَاكِ وَأَنَّ اللَّهَ أَحْدَثَهَا بَعْدَ عَدَمِهَا، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الدَّهْرِيَّةِ، سَوَاءٌ قَالُوا: [مَعَ ذَلِكَ بِإِثْبَاتِ عَالَمٍ مَعْقُولٍ كَالْعِلَّةِ الْأَوْلَى، كَمَا يَقُولُهُ الْإِلَهِيُّونَ مِنْهُمْ، أَوْ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ، كَمَا يَقُولُهُ الطَّبِيعِيُّونَ مِنْهُمْ ; وَسَوَاءٌ قَالُوا: إِنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ الْأُولَى هِيَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ، بِمَعْنَى أَنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ بِهَا، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، أَوْ قَالُوا: إِنَّهَا عِلَّةٌ مُبْدِعَةٌ لِلْعَالَمِ، كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ ; أَوْ قِيلَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ كَمَا يَقُولُهُ الْحَرْنَانِيُّونَ (¬3) . وَنَحْوُهُمْ، أَوْ قِيلَ بِعَدَمِ صَانِعٍ لَهَا] (¬4) .: سَوَاءٌ قِيلَ بِوُجُوبِ [ثُبُوتِ] وَجُودِهَا (¬5) . أَوْ حُدُوثِهَا لَا بِنَفْسِهَا، أَوْ وُجُوبِ وُجُودِ الْمَادَّةِ وَحُدُوثِ الصُّورَةِ بِلَا مُحْدِثٍ، كَمَا يُذْكَرُ عَنِ الدَّهْرِيَّةِ الْمَحْضَةِ مِنْهُمْ. مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ (¬6) .: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مِنْ جِنْسِ أَقْوَالِ (¬7) السُّوفُسْطَائِيَّةِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ عَنْ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يَخْطُرُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ (¬8) . ¬

(¬1) ع: مُحْدَثٍ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) ن، م: وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ قَوْمٍ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) فِي الْأَصْلِ: الْجَزْنَانِيُّونَ (¬4) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَتُوجَدُ بَدَلًا مِنْهُ فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ. . . سَوَاءٌ (ن، م: وَإِذَا) قَالُوا: " بِوُجُوبِهَا (م: بِحُدُوثِهَا) عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ كَقَوْلِ الْإِلَهِيِّينَ (ن: الْإِلَهِيَّةِ مِنْهُمْ) أَوْ قَالُوا بِعَدَمِ (ن، م: بِقِدَمِ) صَانِعِهَا " (¬5) ن، م: بِوُجُوبِ وَجُودِهَا، ع: بِمُوجِبِ وُجُودِهَا (¬6) ن، م: يَقُولُ (¬7) م: قَوْلِ. (¬8) ب، أ: وَإِنَّمَا هُوَ. . . بَعْضُ الْأَقْوَالِ ; ن، م: وَإِنَّمَا هُوَ. . . الْأَحْوَالُ.

الرد على قوله عن الإمامية إنهم يقولون إن الله قادر على جميع المقدورات

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْإِمَامِيِّ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمُوَافَقِيهِمْ حُجَّةٌ (¬1) . عَقْلِيَّةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ إِخْوَانِهِمْ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْإِمَامِيَّةِ وَمُوَافَقِيهِمُ (2 الَّذِينَ نَازَعُوهُمْ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقُرْآنِ وَمَا يَتْبَعُ 2) (¬2) . ذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ (¬3) مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَصَحُّ عَقْلًا وَنَقْلًا؟ ! (¬4) . . [الرد على قوله عن الإمامية إنهم يقولون إن الله قادر على جميع المقدورات] (فَصْلٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنِ الْإِمَامِيَّةِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ (¬5) . فَهَذَا مُلْبِسٌ (¬6) . لَا فَائِدَةَ فِيهِ. (¬7) . [فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ، فَإِنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ هُوَ مَقْدُورٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْدِرُ الْقَادِرُ عَلَى فِعْلِهِ. ¬

(¬1) م: وَمَنْ وَافَقَهُمْ بِحُجَّةٍ (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) ب، أ، ن، م: فَكَيْفَ حَالُهُ. (¬4) هُنَا يَنْتَهِي تَعْلِيقُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ لْمُطَهَّرِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي كِتَابِ " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ ". وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نَصَّ كَلَامَهِ فِيمَا سَبَقَ (ص [0 - 9] 7 - 99) ثُمَّ عَلَّقَ عَلَيْهِ قِسْمًا قِسْمًا فِي الصَّفَحَاتِ (102 - 121، 121 - 132، 132 - 134، 134 - 144، 144 - 145، 145 - 288) (¬5) وَرَدَتِ الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ فِي مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ 1/82 (م) ، وَسَبَقَ وُرُودُهَا فِي هَذَا الْجُزْءِ، وَنَصُّهَا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ: " وَأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ ".: " إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُقَدَّرَاتِ " (¬6) م: مسلن (بِدُونِ نُقَطٍ) (¬7) الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَيَسْتَمِرُّ حَتَّى ص 292

وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لَهُ. وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ مُرَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ إِذَا قَالُوا: هُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا لِأَيِّ قَادِرٍ كَانَ، فَمَا مِنْ أَمْرٍ مُمْكِنٍ فِي نَفْسِهِ إِلَّا وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ، لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَقْدِرَ الْعِبَادُ عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 39] . فَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ. وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ: هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ فَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّهُ شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ هُوَ مَا لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ، مِثْلَ كَوْنِ الشَّيْءِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ لَا يُعْقَلُ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُ الشَّيْءِ أَسْوَدَ كُلَّهُ أَبْيَضَ كُلَّهُ، وَكَوْنُ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ. وَالْمُمْتَنِعُ يُقَالُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَعَلَى الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ: مِثْلَ مَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكَتَبَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ، فَهَذَا لَا يَكُونُ. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ اللَّهِ بِخِلَافِ مَعْلُومِهِ، وَخَبَرُهُ بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ ; لَكِنَّ هَذَا هُوَ مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [سُورَةُ الْقِيَامَةِ: 4] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [سُورَةُ

الْمُؤْمِنُونَ: 18] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 65] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} ، قَالَ: " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ "، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} ، قَالَ: " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ "، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} ، قَالَ: " هَاتَانِ أَهْوَنُ» (¬1) . . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 13] ، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سُورَةُ هُودٍ: 118] ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] ، {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 9] (¬2) .، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَفَعَلَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَفَعَلَهَا تَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ مَقْدُورَةٌ لَهُ. وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي خِلَافِ الْمَعْلُومِ: هَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ، كَإِيمَانِ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/56 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْعَامِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: " قُلْ هُوَ الْقَادِرُ. . "، 9/101 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/327 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، بَابُ وَمِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/309; تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 11/422، 423، 425 (وَانْظُرِ التَّعْلِيقَاتِ) ، وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (¬2) ذُكِرَتِ الْآيَةُ فِي الْأَصْلِ (ع) وَقَدْ سَقَطَتْ بَعْضُ كَلِمَاتِهَا

الْكَافِرِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ؟ وَالَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُكَلِّفُ الْعَبْدَ مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ، احْتَجُّوا بِتَكْلِيفِهِ وَزَعَمُوا أَنَّ إِيمَانَهُ مُمْتَنِعٌ لِاسْتِلْزَامِهِ انْقِلَابَ عِلْمِ اللَّهِ جَهْلًا. وَجَوَابُهُمْ أَنَّ لَفْظَ " الْمُمْتَنِعِ " مُجْمَلٌ، يُرَادُ بِهِ الْمُمْتَنِعُ لِنَفْسِهِ، وَيُرَادُ بِهِ مَا يَمْتَنِعُ لِوُجُودِ غَيْرِهِ، فَهَذَا الثَّانِي يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَإِيمَانُ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مَقْدُورٌ لَهُ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَطِيعَ الْإِيمَانِ، كَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحُجُّ مَعَ اسْتِطَاعَتِهِ الْحَجَّ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ مَقْدُورٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي إِمْكَانَ أُمُورٍ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ امْتِنَاعُهَا. وَغَالِبُ هَؤُلَاءِ لَا يُتَصَوَّرُ مَا يَقُولُهُ حَقَّ التَّصَوُّرِ، أَوْ لَا يَفْهَمُ مَا يُرِيدُهُ النَّاسُ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ، فَيَقَعُ الِاشْتِرَاكُ وَالِاشْتِبَاهُ فِي اللَّفْظِ أَوْ فِي الْمَعْنَى. وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ: أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ. وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِذَا قَالُوا: إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ مَا يُرِيدُهُ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، وَأَمَّا نَفْسُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ - مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ - فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا: هَلْ يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهَا؟ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ، إِنَّمَا (¬1) . يَتَضَمَّنُ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: وَإِنَّمَا

أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، وَغَيْرُهُ أَيْضًا هُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ لَهُ. لَكِنَّ غَايَةَ مَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ، وَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ قَادِرٍ آخَرَ. وَبِكُلِّ حَالٍ، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: هُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَعْلَمُهُ، وَخَالِقٌ لِكُلِّ مَا يَخْلُقُهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا] (¬1) . مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: إِنَّهُ فَاعِلٌ لِجَمِيعِ الْمَفْعُولَاتِ، وَمِثْلَ أَنْ يُقَالَ: زَيْدٌ عَالِمٌ بِكُلِّ (¬2) . مَا يَعْلَمُهُ وَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا يَقْدِرُ (¬3) . وَفَاعِلٌ لِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ (¬4) . . فَإِنَّ (¬5) . الشَّأْنَ (¬6) . فِي بَيَانِ الْمَقْدُورَاتِ: هَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟ فَمَذْهَبُ (¬7) . هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ وَشُيُوخِهِمُ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (¬8) .، وَأَنَّ الْعِبَادَ يَقْدِرُونَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِيَ ضَالًّا، وَلَا يُضِلَّ مُهْتَدِيًا، وَلَا يُقِيمَ قَاعِدًا بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يُقْعِدَ قَائِمًا بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يَجْعَلَ أَحَدًا [مُسْلِمًا] (¬9) . مُصَلِّيًا وَلَا صَائِمًا وَلَا حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا، وَلَا ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي الْكَلَامُ السَّاقِطُ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى أَوَّلِهِ ص [0 - 9] 88 (¬2) ب (فَقَطْ) : لِكُلِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) عَلَيْهِ ن، م: عَالِمٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ وَقَادِرٌ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (¬4) ب، ا، ن، م: فَعَلَهُ (¬5) ب، أ: وَإِنَّ (¬6) ن: الثَّانِي ; م: التَّنَافِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬7) ن، م: فَذَهَبَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬8) فِي (ن) ، (م) ، (أ) (ع) : قَدِيرٌ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬9) مُسْلِمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ لَا مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا وَلَا بَرًّا وَلَا فَاجِرًا، وَلَا يَخْلُقُهُ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، فَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا مُمْكِنَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا (¬1) .، فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِقَوْلِهِمْ [إِنَّ اللَّهَ] قَادِرٌ (¬2) . عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬3) . عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي هَذَا. وَأَمَّا الْمُحَالُ لِذَاتِهِ، مِثْلَ كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ [مَوْجُودًا] (¬4) . مَعْدُومًا، فَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ (¬5) .، وَلَا يُسَمَّى شَيْئًا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: خَلَقَ مِثْلَ نَفْسِهِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. ¬

(¬1) ن، م: عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَقْدِرَ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ. وَفِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) كَرَّرَ الْمُعَلِّقُ الْكَلَامَ الَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ: " فَمَذْهَبُ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ وَشُيُوخِهِمْ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ. . إِلَى الْمَوْضِعِ. ثُمَّ كَتَبَ مَا يَلِي: " وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَاتُرِيدِيَّةَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، قَالُوا: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ لَهُ تَعَالَى تَنْعِيمُ الْفَاسِقِ وَتَعْذِيبُ الْمُطِيعِ وَتَخْلِيدُ الْمُؤْمِنِ الْمُطِيعِ فِي النَّارِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَذَا يَمْتَنِعُ لَهُ تَعَالَى السَّفَهُ وَالْكَذِبُ وَالظُّلْمُ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ - وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْحِكْمَةِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُوَافِقٌ الْحِكْمَةَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَفْعَلَهُ، فَيَكُونُ ضِدُّهُ سَفَهًا، فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَهُ، حَتَّى قَالُوا: إِنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ لِمُوَافَقَتِهِ الْحِكْمَةَ وَاجِبُ الْوُقُوعِ، فَعَدَمُ الْإِرْسَالِ لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لَهُ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الْحِكْمَةِ فَيَكُونُ سَفَهًا، وَالسَّفَهُ لَيْسَ بِمَقْدُورٍ. وَقَدْ بَنَوْا عَلَى الْأَصْلِ الْفَاسِدِ أُمُورًا فَاسِدَةً يَأْبَى عَنْهَا الْأُصُولُ الدِّينِيَّةُ، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنَّا وَعَنْهُمْ " (¬2) ب، أ: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِقَوْلِهِ قَادِرٌ، ن: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ قَادِرٌ ; م: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِقَوْلِهِمْ قَادِرٌ (¬3) تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) مَوْجُودًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬5) عِبَارَةُ " وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ

التعليق على قوله إنه عدل حكيم لا يظلم أحدا ولا يفعل القبيح وإلا لزم الجهل أو الحاجة

[التعليق على قوله إنه عَدْلٌ حَكِيمٌ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا وَلَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ وَإِلَّا لَزِمَ الْجَهْلُ أَوِ الْحَاجَةُ] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) .: إِنَّهُ " عَدْلٌ حَكِيمٌ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، وَلَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ - وَإِلَّا لَزِمَ الْجَهْلُ أَوِ الْحَاجَةُ (¬2) ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْهُمَا ". فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ: أَنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ قَبِيحًا وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا، وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ، فَهُوَ (¬3) . إِذَا كَانَ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ هَلْ (¬4) . يُقَالُ: إِنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ قَبِيحٌ مِنْهُ وَظَلَمَ أَمْ لَا؟ فَأَهْلُ السُّنَّةِ الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ (¬5) . يَقُولُونَ: لَيْسَ هُوَ بِذَلِكَ ظَالِمًا وَلَا فَاعِلًا قَبِيحًا، وَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ كَانَ ظَالِمًا فَاعِلًا لِمَا هُوَ قَبِيحٌ (¬6) . . وَأَمَّا كَوْنُ الْفِعْلِ قَبِيحًا مِنْ فَاعِلِهِ فَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا مِنْ خَالِقِهِ، كَمَا أَنَّ كَوْنَهُ أَكْلًا وَشُرْبًا لِفَاعِلِهِ لَا (¬7) . يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ (¬8) . لِخَالِقِهِ ; لِأَنَّ الْخَالِقَ خَلْقُهُ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقُمْ بِذَاتِهِ، فَالْمُتَّصِفُ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ الْفِعْلُ لَا مَنْ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا خَلَقَ لِغَيْرِهِ لَوْنًا وَرِيحًا وَحَرَكَةً وَقُدْرَةً وَعِلْمًا (¬9) ¬

(¬1) النَّصُّ التَّالِي مِنْ " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " ص 82 (م) ، وَسَبَقَ وُرُودُهُ - كَمَا قَدَّمْنَا - فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص [0 - 9] 4) (¬2) أ: وَإِلَّا لَلَزِمَ الْجَهْلُ أَوِ الْحَاجَةُ ; ع، ن، م: وَإِلَّا يَلْزَمُ الْجَهْلُ وَالْحَاجَةُ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، (ك) = مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ. (¬3) ب (فَقَطْ) : فَهَذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) ب، أ: فَهَلْ (¬5) ب، أ: لِلْقُدْرَةِ (¬6) [مِنْهُ] مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) ن، م: فَلَا (¬8) ع: ذَلِكَ (¬9) وَعِلْمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ وَالْحَرَكَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ، فَهُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِتِلْكَ الْحَرَكَةِ، وَالْمُتَلَوِّنُ بِذَلِكَ اللَّوْنِ، وَالْعَالِمُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ، وَالْقَادِرُ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ، فَكَذَلِكَ (¬1) . إِذَا خَلَقَ فِي غَيْرِهِ كَلَامًا أَوْ صَلَاةً أَوْ صِيَامًا (¬2) . أَوْ طَوَافًا كَانَ (¬3) . ذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الْمُتَكَلِّمَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَهُوَ الْمُصَلِّي، وَهُوَ الصَّائِمَ، وَهُوَ الطَّائِفَ. (¬4) . [وَكَذَلِكَ إِذَا خَلَقَ فِي غَيْرِهِ رَائِحَةً خَبِيثَةً مُنْتِنَةً كَانَ هُوَ الْخَبِيثَ الْمُنْتِنَ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ تَعَالَى مَوْصُوفًا بِمَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا خَلَقَ الْإِنْسَانَ هَلُوعًا جَزُوعًا - كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 19 - 21]- لَمْ يَكُنْ هُوَ سُبْحَانَهُ لَا هَلُوعًا وَلَا جَزُوعًا وَلَا مَنُوعًا، كَمَا تَزْعُمُ الْقَدَرِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ الْإِنْسَانَ ظَالِمًا كَاذِبًا كَانَ هُوَ ظَالِمًا كَاذِبًا، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ! وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ جَمَاهِيرِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ الْعَبْدِ وَجَمِيعِ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ إِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، كَالْقَاضِي أَبِي خَازِمِ (¬5) . بْنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، إِلَى أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ أَنَّهُ خَالِقٌ ¬

(¬1) ن، م: وَكَذَلِكَ (¬2) فِي (ع) : صَائِمًا، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَفِي (ن) : كَلَامًا أَوْ قُدْرَةً أَوْ صَلَاةً. . إِلَخْ (¬3) ب، أ: لِأَنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) الْكَلَامُ التَّالِي سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، وَيَنْتَهِي فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ (¬5) فِي الْأَصْلِ: أَبِي حَازِمِ

لِلْأَسْبَابِ الَّتِي عِنْدَهَا يَكُونُ الْعَبْدُ فَاعِلًا وَيَمْتَنِعُ أَلَّا يَكُونَ فَاعِلًا، فَمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَفْعَلُهُ خَلَقَ الْأَسْبَابَ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا فَاعِلًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وُجِدَتْ مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُوجِدُهَا كَمَا قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يُكَوِّنْهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبْدَ تَحْدُثُ لَهُ إِرَادَةٌ مُكْتَسَبَةٌ. لَكِنْ قَدْ يَقُولُونَ: إِنَّهَا بِإِرَادَةٍ ضَرُورِيَّةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ (¬1) . وَغَيْرُهُ، وَقَدْ يَقُولُونَ: بَلِ الْعَبْدُ يُحْدِثُ إِرَادَتَهُ مُطْلَقًا، كَمَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ الرَّبَّ يَسَّرَ خَلْقَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَبْعَثُ دَاعِيَةً عَلَى إِيقَاعِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُوقِعُهُ] (¬2) . . وَلَكِنْ [عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ] (¬3) مَنْ قَالَ: إِنَّ (¬4) . الْفِعْلَ هُوَ الْمَفْعُولُ -[كَمَا يَقُولُهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، وَمَنْ وَافَقَهُ كَالْأَشْعَرِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ] (¬5) - يَقُولُ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ هِيَ فِعْلُ اللَّهِ. فَإِنْ قَالَ أَيْضًا: وَهِيَ فِعْلٌ لَهُمْ (¬6) . لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ لِفَاعِلَيْنِ، كَمَا يُحْكَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيِّ (¬7) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: هِيَ فِعْلٌ لَهُمْ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: أَبُو حَازِمٍ (¬2) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمَوْجُودُ فِي (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، وَبَدَأَ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ (¬3) الْعِبَارَةُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬4) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) (¬5) الْعِبَارَةُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬6) ب، أ، ن، م: فَإِنْ قَالَ: وَهُوَ أَيْضًا فِعْلٌ لَهُمْ (¬7) فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) كُتِبَ التَّعْلِيقُ التَّالِي: " إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ (فِي الْأَصْلِ: أَبِي إِسْحَاقَ) الْإِسْفِرَايِينِيَّ يَقُولُ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ تَكُونُ بِفَاعِلَيْنِ. قُلْتُ: وَكَذَا عَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ بِفِعْلٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، كَمَا يَقُولُ بِهِ جَهْمٌ وَالْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَلَا بِفِعْلٍ لِلْعَبْدِ وَحْدَهُ، كَمَا يَقُولُ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُمْ، بَلْ هِيَ فِعْلٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْعَبْدِ مَعًا، فَكَأَنَّهُمْ هَرَبُوا عَنِ الْجَبْرِ وَعَنْ كَوْنِ الْعَبْدِ خَالِقًا، إِلَّا أَنَّهُمْ وَقَعُوا فِي هُجْنَةٍ أُخْرَى ". وَأَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْرَانَ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، الْمُتَكَلِّمُ الْأُصُولِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 418. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/8 - 9 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/210 - 209; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3 \ - 111 114 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 3/128 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 1 \. 59

لَزِمَهُ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ الْعِبَادِ فِعْلًا لِلَّهِ لَا لِعِبَادِهِ، كَمَا يَقُولُهُ [جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ] وَالْأَشْعَرِيُّ (¬1) وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ (¬2) الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ، وَإِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ خَلْقٌ لِلَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬3) .، فَتَكُونُ (¬4) هِيَ فِعْلُ اللَّهِ وَهِيَ مَفْعُولُ اللَّهِ (¬5) .، كَمَا أَنَّهَا خَلْقُهُ وَهِيَ مَخْلُوقُهُ. (* وَهَؤُلَاءِ [لَا] يَقُولُونَ (¬6) .: إِنَّ الْعِبَادَ فَاعِلُونَ لِأَفْعَالِهِمْ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ هُمْ مُكْتَسِبُونَ لَهَا، وَإِذَا طُولِبُوا (¬7) بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْكَسْبِ لَمْ يَذْكُرُوا فَرْقًا مَعْقُولًا. وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ: عَجَائِبُ الْكَلَامِ [ثَلَاثَةٌ] (¬8) .: أَحْوَالُ أَبِي هَاشِمٍ، وَطَفْرَةُ النَّظَّامِ، وَكَسْبُ الْأَشْعَرِيِّ *) (¬9) . ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: كَمَا يَقُولُهُ الْأَشْعَرِيُّ. . إِلَخْ. (¬2) ن، م: مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُمْ. (¬3) عَزَّ وَجَلَّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) (¬4) فَتَكُونُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬5) ب، أ: هِيَ لِلَّهِ وَهِيَ مَفْعُولٌ لِلَّهِ (¬6) ن، م: وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬7) ن، م: طَلَبُوا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ثَلَاثَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬9) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) وَانْظُرْ مَا سَبَقَ 1/458 - 460، وَانْظُرْ عَنْ طَفْرَةِ النَّظَّامِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/57 - 58; مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 2 \. 18

وَهَذَا الَّذِي يُنْكِرُهُ [الْأَئِمَّةُ] وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ (¬1) .، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ وَمُخَالَفَةٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ (¬2) . [وَأَمَّا جُمْهُورُ] أَهْلِ السُّنَّةِ (¬3) [الْمُتَّبِعُونَ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ] (¬4) فَيَقُولُونَ: إِنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ فِعْلٌ لَهُ حَقِيقَةً، وَلَكِنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ وَمَفْعُولٌ لِلَّهِ ; لَا يَقُولُونَ: هُوَ نَفْسُ فِعْلِ اللَّهِ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْمَخْلُوقِ، وَالْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ. (¬5) . [وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " عَنِ الْعُلَمَاءِ قَاطِبَةً (¬6) .، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ (¬7) \ 284 عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ قَاطِبَةً، وَحَكَاهُ الْكَلَابَاذِيُّ صَاحِبُ " التَّعَرُّفِ لِمَذْهَبِ التَّصَوُّفِ " عَنْ جَمِيعِ الصُّوفِيَّةِ (¬8) .، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ طَوَائِفِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْهِشَامِيَّةِ ¬

(¬1) ن: تَرَكُوهُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ ; ب، أ: يُنْكِرُهُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ ; م: يَذْكُرُهُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ (¬2) ن: فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالشَّرْعِ ; ع: وَمُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ ; م: فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ. (¬3) عِبَارَةُ: " وَأَمَّا جُمْهُورُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ. وَفِي (م) : وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) مِنْ هُنَا يَبْدَأُ سَقْطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، وَيَنْتَهِي فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ (¬6) يَقُولُ الْبُخَارِيُّ فِي " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " ص [0 - 9] 12: " وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالْفِعْلِ. فَقَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ: الْأَفَاعِيلُ كُلُّهَا مِنَ الْبَشَرِ لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَتِ الْجَبْرِيَّةُ: الْأَفَاعِيلُ كُلُّهَا مِنَ اللَّهِ. وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: الْفِعْلُ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدٌ، لِذَلِكَ قَالُوا لِكُلٍّ مَخْلُوقٌ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: التَّخْلِيقُ فِعْلُ اللَّهِ وَأَفْعَالُنَا مَخْلُوقَةٌ. . . فَفِعْلُ اللَّهِ صِفَةُ اللَّهِ، وَالْمَفْعُولُ غَيْرُهُ مِنَ الْخَلْقِ " (¬7) هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَعْرُوفُ بِالْفَرَّاءِ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/457، وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا: تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ 4/1257 ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 2 (¬8) يَقُولُ الْكَلَابَاذِيُّ (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 380) فِي كِتَابِهِ " التَّعَرُّفِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ التَّصَوُّفِ " ص [0 - 9] 4، ط. عِيسَى الْحَلَبِيِّ 1380/1960: " أَجْمَعُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ كُلِّهَا، كَمَا أَنَّهُ خَالِقٌ لِأَعْيَانِهِمْ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ". . ثُمَّ يَقُولُ (ص [0 - 9] 7) : " وَأَجْمَعُوا أَنَّ لَهُمْ أَفْعَالًا وَاكْتِسَابًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، هُمْ بِهَا مُثَابُونَ وَعَلَيْهَا مُعَاقَبُونَ، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَوَرَدَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ". هَذَا وَقَدْ سَبَقَتْ إِشَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ إِلَى كَلَامِ الْكَلَابَاذِيِّ 1/458

مقالات الرافضة في خلق أعمال العباد

وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكُلَّابِيَّةِ أَيْضًا أَئِمَّةُ الْأَشْعَرِيَّةِ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى قَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ: " وَأَثْبَتُوا لِلَّهِ فِعْلًا قَائِمًا بِذَاتِهِ غَيْرَ الْمَفْعُولِ، كَمَا أَثْبَتُوا لَهُ إِرَادَةً قَدِيمَةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ " (¬1) ، وَذَكَرَ سَائِرَ الِاعْتِقَادِ الَّذِي صَنَّفُوهُ لَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ابْنِ خُزَيْمَةَ نِزَاعٌ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ، لَكِنْ مَا أَدْرِي هَلْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ نَفْسِهِ أَوْ قَالُوهُ هُمْ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْمُسْتَقِرِّ عِنْدَهُمْ؟] (¬2) . . [مقالات الرافضة فِي خلق أَعْمَالِ الْعِبَادِ] ثُمَّ الْقَدَرُ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْإِمَامِيَّةِ، كَمَا بَيْنَهُمُ النِّزَاعُ فِي الصِّفَاتِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ (¬3) \ 110.: " وَاخْتَلَفَتِ الرَّافِضَةُ فِي أَعْمَالِ الْعِبَادِ (¬4) . هَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ؟ ن: مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ; م: مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ. وَهِيَ (¬5) . ثَلَاثُ فِرَقٍ: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى [مِنْهُمْ] وَهُمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ (¬6) : ¬

(¬1) انْظُرْ مَا سَلَفَ 1/323 - 325 عَنْ قَوْلِ الْكُلَّابِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ بِالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى. (¬2) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ فِي أَوَّلِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ (¬3) فِي " الْمَقَالَاتِ " النَّصُّ التَّالِي فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1 (¬4) ب، أ: وَاخْتَلَفَتِ الرَّافِضَةُ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ ; ع: اخْتَلَفَ الرَّوَافِضُ فِي أَعْمَالِ الْعِبَادِ ; م: وَاخْتَلَفَ الرَّافِضَةُ فِي أَعْمَالِ الْعِبَادِ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي " الْمَقَالَاتِ " (¬5) الْمَقَالَاتُ: وَهُمْ (¬6) ن، م: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى وَهُمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ ; ب، أ: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ ; " الْمَقَالَاتُ ": فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ وَهُوَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) .

[يَزْعُمُونَ أَنَّ أَعْمَالَ (¬1) . الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ ". قَالَ: " وَحَكَى جَعْفَرُ (¬2) 48. بْنُ حَرْبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ] (¬3) . أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ [أَفْعَالَ] (¬4) الْإِنْسَانِ اخْتِيَارٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ، اضْطِرَارٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ (¬5) .: اخْتِيَارٌ (¬6) . مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَاكْتَسَبَهَا، وَاضْطِرَارٌ (¬7) . مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْهُ إِلَّا عِنْدَ حُدُوثِ السَّبَبِ الْمُهَيِّجِ عَلَيْهِ (¬8) ". قَالَ: " وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ: يَزْعُمُونَ أَنْ لَا جَبْرَ كَمَا قَالَ الْجَهْمِيُّ، وَلَا تَفْوِيضَ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ ; لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ الْأَئِمَّةِ (¬9) - زَعَمُوا - جَاءَتْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَتَكَلَّفُوا أَنْ يَقُولُوا فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ هَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ أَمْ لَا شَيْئًا (¬10) . وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمْ: يَزْعُمُونَ أَنَّ أَعْمَالَ (¬11) . الْعِبَادِ غَيْرُ ¬

(¬1) ع: أَفْعَالَ (¬2) ع: وَحُكِيَ عَنْ جَعْفَرٍ، وَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ حَرْبٍ الْهَمْدَانِيُّ، مِنْ كِبَارِ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ، أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 236، وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ وَإِلَى أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُبَشِّرٍ الثَّقَفِيِّ (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 234) فِرْقَةُ الْجَعْفَرِيَّةِ. . وَانْظُرْ عَنْهُ وَعَنِ الْجَعْفَرِيَّةِ: تَارِيخَ بَغْدَادَ 7/162، لِسَانَ الْمِيزَانِ 2/113 ; الْأَعْلَامَ لِلزِّرِكْلِيِّ 2/116 - 117 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ 101 - 102 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 47 - (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ وَهُوَ: " يَزْعُمُونَ أَنَّ أَعْمَالَ. . هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ": سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) أَفْعَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " إِنَّ أَفْعَالَ " مِنْ (م) ، " إِنَّ " مِنْ (ع) . (¬5) ع: اخْتِيَارِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ اضْطِرَارِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ (¬6) لَهُ لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنَ " الْمَقَالَاتِ "، وَفِي (ع) : اخْتِيَارِيَّةٌ (¬7) ع: وَاضْطِرَارِيَّةٌ (¬8) ع: حُدُوثِ الْكَسْبِ الْمُهَيَّجِ عَلَيْهِ ; الْمَقَالَاتِ: حُدُوثِ السَّبَبِ الْمُهَيِّجِ عَلَيْهَا. (¬9) عَنِ الْأَئِمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬10) الْمَقَالَاتِ: فِي أَعْمَالِ الْعِبَادِ. ن: لَا شَيْءَ. وَسِيَاقُ الْجُمْلَةِ: وَلَمْ يَتَكَلَّفُوا أَنْ يَقُولُوا شَيْئًا فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ: هَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ أَمْ لَا. (¬11) ب، أ: أَفْعَالَ

مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ، وَهَذَا قَوْلُ قَوْمٍ يَقُولُونَ بِالِاعْتِزَالِ وَالْإِمَامَةِ (¬1) . ". فَإِذَنْ، كَانَتِ الْإِمَامِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: مِنْهُمْ مَنْ يُوَافِقُ الْمُثْبِتَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَافِقُ الْمُعْتَزِلَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ. [وَالْوَاقِفَةُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَكِنْ تَوَقَّفُوا فِي إِطْلَاقِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ بِالتَّفْوِيضِ - كَمَا تَقُولُ الْقَدَرِيَّةُ -، وَلَا بِالْجَبْرِ - كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ - بَلْ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ، كَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ، مُتَّفِقُونَ عَلَى إِنْكَارِ قَوْلِ الْجَبْرِيَّةِ الْمَأْثُورِ عَنْ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَشْعَرِيُّ يَقُولُ بِأَكْثَرِهِ وَيَنْفِي الْأَسْبَابَ وَالْحِكَمَ، فَالسَّلَفُ مُثْبِتُونَ لِلْأَسْبَابِ وَالْحِكْمَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ إِذَا كَانَ لَهُمْ قَوْلَانِ] (¬2) . كَانُوا مُتَنَازِعِينَ فِي ذَلِكَ (¬3) . كَتَنَازُعِ سَائِرِ النَّاسِ، لَكِنَّهُمْ [فَرْعٌ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ] (¬4) .، فَإِنَّ مُثْبِتِيهِمْ (¬5) . تَبَعٌ لِلْمُثْبِتَةِ، وَنُفَاتَهُمْ تَبَعٌ لِلنُّفَاةِ، [إِلَّا مَا اخْتُصُّوا بِهِ مِنِ افْتِرَاءِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ وَالْجَهْلَ وَالتَّكْذِيبَ بِالْحَقِّ الَّذِي اخْتُصُّوا بِهِ لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ. وَأَمَّا مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي سَائِرِ مَسَائِلِ ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: وَالْإِمَامِيَّةِ (¬2) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، (أ) ، (م) . إِلَّا الْعِبَارَةَ الْأَخِيرَةَ " وَالْمَقْصُودُ. . . إِلَخْ فَهِيَ فِي (ب) ، (أ) (¬3) فِي ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي (ب) ، (أ) بَدَلًا مِنْهُ: لَكِنَّهُمْ أَضَلُّ، وَفِي (ن) ، (م) : لَكِنَّهُمْ أَجَلُّ (¬5) ب: مُثْبِتَتَهُمْ ; أ، ع، م: مُثْبِتَهُمْ

التعليق على قوله يثيب المطيع ويعفو عن العاصي أو يعذبه

الْعِلْمِ: أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، فَهُمْ فِيهِ تَبَعٌ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الطَّوَائِفِ، يَسْتَعِيرُونَ كَلَامَ النَّاسِ فَيَتَكَلَّمُونَ بِهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ حَقٍّ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، لَا يَنْفَرِدُونَ عَنْهُمْ بِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ صَحِيحَةٍ، لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ، إِذْ كَانَ مَبْدَأُ بِدْعَةِ الْقَوْمِ مِنْ قَوْمٍ مُنَافِقِينَ لَا مُؤْمِنِينَ] (¬1) . وَحِينَئِذٍ فَهَذَا النَّافِي يُنَاظِرُ أَصْحَابَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ (¬2) . مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ [مَا] (¬3) . يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي (¬4) ذَلِكَ. [التعليق على قوله يُثِيبُ الْمُطِيعَ وَيَعْفُو عَنِ الْعَاصِي أَوْ يُعَذِّبُهُ] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ اللَّهَ (¬5) . يُثِيبُ الْمُطِيعَ وَيَعْفُو عَنِ الْعَاصِي أَوْ يُعَذِّبُهُ " (¬6) . . فَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْخَاصَّةِ، وَسَائِرِ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ، وَسَائِرِ فِرَقِ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعَ (¬7) . الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ. وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَالزَّيْدِيَّةُ مِنْهُمْ (¬8) تَقُولُ (¬9) . بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي ذَلِكَ، وَالْإِمَامِيَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ. ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، وَبَدَأَ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. (¬2) ن: تَفْضِيلُ (¬3) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ (¬4) ب، أ: مِنْ. (¬5) ب، أ: إِنَّهُ (¬6) هَذِهِ حِكَايَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ لِكَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ، وَقَدْ وَرَدَ بِتَمَامِهِ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 98. وَهُوَ فِي مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ، ص 82 (م) وَنَصُّهُ: " وَيُثِيبُ الْمُطِيعَ لِئَلَّا يَكُونَ ظَالِمًا، وَيَعْفُو عَنِ الْعَاصِي أَوْ يُعَذِّبُهُ بِجُرْمِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لَهُ " (¬7) ب، أ، ن، م: إِلَّا مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ (¬8) [- أَوْ أَكْثَرُ الزَّيْدِيَّةِ -] أَوْ أَكْثَرُ الزَّيْدِيَّةِ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) (¬9) ع، ن: يَقُولُ

مقالات الروافض في الوعيد

قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬1) \ 140.: " وَأَجْمَعَتْ (¬2) . الزَّيْدِيَّةُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ كُلَّهُمْ مُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ (¬3) . خَالِدُونَ فِيهَا مُخَلَّدُونَ أَبَدًا، لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا يُغَيَّبُونَ عَنْهَا " (¬4) . [مقالات الروافض في الوعيد] قَالَ (¬5) : " وَاخْتَلَفَتِ الرَّوَافِضُ فِي الْوَعِيدِ، وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ يُثْبِتُونَ الْوَعِيدَ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ، (¬6) وَلَا (¬7) يَقُولُونَ بِإِثْبَاتِ الْوَعِيدِ (¬8) فِيمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ (¬9) يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ (¬10) أَدْخَلَهُمُ النَّارَ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا ; وَرَوَوْا (¬11) فِي ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ أَنَّ مَا كَانَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الشِّيعَةِ [مِنَ الْمَعَاصِي سَأَلُوا اللَّهَ فِيهِمْ فَصَفَحَ عَنْهُمْ، وَمَا كَانَ بَيْنَ الشِّيعَةِ] (¬12) وَبَيْنَ الْأَئِمَّةِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ، وَمَا كَانَ بَيْنَ الشِّيعَةِ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْمَظَالِمِ شَفَعُوا لَهُمْ أَئِمَّتُهُمْ حَتَّى يَصْفَحُوا عَنْهُمْ (¬13) ". ¬

(¬1) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1 (¬2) ن، م: وَاجْتَمَعَتْ (¬3) ب، أ: بِالنَّارِ (¬4) ع (فَقَطْ) : عَنْهَا بِحَالٍ. (¬5) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/120. (¬6) ن: مُعَذَّبُونَ. (¬7) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬8) ب (فَقَطْ) : الْوَعْدِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) الْمَقَالَاتِ: اللَّهَ سُبْحَانَهُ. (¬10) ب، أ: وَإِذَا. (¬11) ب، أ: وَذَكَرُوا. (¬12) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬13) ب: شَفَعَ لَهُمْ. . إِلَخْ ; ع: شَفَعَ لَهُمْ أَئِمَّتُهُمْ حَتَّى يَصْفَحُوا عَنْهُ ; الْمَقَالَاتِ: شَفَعُوا لَهُمْ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَصْفَحُوا عَنْهُمْ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (أ) ، (ن) ، (م) .

القول الأول في معنى الظلم عند مثبتة القدر

قَالَ: " وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ (¬1) مِنْهُمْ: يَذْهَبُونَ إِلَى إِثْبَاتِ الْوَعِيدِ، وَأَنَّ اللَّهَ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬2) يُعَذِّبُ كُلَّ مُرْتَكِبٍ لِلْكَبَائِرِ (¬3) مِنْ أَهْلِ مَقَالَتِهِمْ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَقَالَتِهِمْ، وَيُخَلِّدُهُمْ فِي النَّارِ ". وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ هَذَا الْإِمَامِيِّ مِنَ (¬4) الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. [القول الأول في معنى الظلم عند مثبتة القدر] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَيُثِيبُ الْمُطِيعَ لِئَلَّا يَكُونَ ظَالِمًا " (¬5) فَقَدْ قَدَّمْنَا [أَنَّ] لِلْمُثْبِتِينَ (¬6) لِلْقَدَرِ فِي تَفْسِيرِ الظُّلْمِ الَّذِي يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْهُ قَوْلَيْنِ (¬7) أَحَدُهُمَا: أَنَّ الظُّلْمَ [هُوَ] الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ وَهُوَ الْمُحَالُ لِذَاتِهِ (¬8) . [وَإِنْ كَانَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَالرَّبُّ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَا يَكُونُ ظَالِمًا. وَهَذَا قَوْلُ الْجَهْمِ وَالْأَشْعَرِيِّ وَمُوَافِقِيهِمَا، وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ. وَيُرْوَى عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ (¬9) قَالَ: مَا نَاظَرْتُ بِعَقْلِي كُلِّهِ إِلَّا الْقَدَرِيَّةَ، ¬

(¬1) ن: وَالثَّانِيَةُ. (¬2) عَزَّ وَجَلَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) الْمَقَالَاتِ: الْكَبَائِرِ. (¬4) ب، أ: عَنْ. (¬5) أَعَادَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا بَعْضَ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ السَّابِقِ بِنَصِّهِ. وَفِي (ن) ، (م) : لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ظُلْمًا. (¬6) أ: فَقَدْ قَدَّمْنَا الْمُثْبِتِينَ ; ب: فَقَدْ قَدَّمْنَا لِلْمُثْبِتِينَ ; ن، م: فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُثْبِتِينَ. (¬7) سَبَقَ ذِكْرُ قَوْلَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِ الظُّلْمِ 1/134 - 135. (¬8) ن، م: أَنَّ الظُّلْمَ مُمْتَنِعٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ لِذَاتِهِ. (¬9) إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ الْمُزَنِيُّ، أَبُو وَاثِلَةَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: " كَانَ ثِقَةً، وَكَانَ قَاضِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ، وَلَهُ أَحَادِيثُ، وَكَانَ عَاقِلًا مِنَ الرِّجَالِ فَطِنًا ". وَيُضْرَبُ بِإِيَاسٍ الْمَثَلُ فِي الذَّكَاءِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 122. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/234 - 235 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/223 - 226 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 1/39 ; الْأَعْلَامِ لِلزِّرِكْلِيِّ 1/376 - 377.

قُلْتُ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي عَنِ الظُّلْمِ مَا هُوَ؟ قَالُوا: التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. قُلْتُ: فَلِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ] (¬1) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . وَأَمَامَ آخِرِ هَذَا الْكَلَامِ يُوجَدُ فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) تَعْلِيقٌ طَوِيلٌ هَذَا نَصُّهُ: " يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ إِنَّمَا يَحْسُنُ إِذَا كَانَ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَإِذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ يَكُونُ سَفَهًا يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ، وَظَنِّي أَنَّ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ وَالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ لَا يَقُولُ: إِنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ يَحْسُنُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَالْقَائِلُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَحْسُنُ لَا بُدَّ وَأَنْ لَا يَقُولَ بِالْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ وَالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ، كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَهُمْ قَائِلُونَ بِالْمَشِيئَةِ الْمَحْضَةِ، حَتَّى فَسَّرُوا الْحِكْمَةَ بِمَا يَقَعُ عَلَى قَصْدِ فَاعِلِهِ، وَالسَّفَهَ بِمَا لَا يَقَعُ عَلَى قَصْدِهِ لِعِلَّةٍ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ وَالْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ مِثْلَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُمْ فَلَيْسَتِ الْحِكْمَةُ عِنْدَهُمْ مُفَسَّرَةً كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَاقِبَةٌ حَمِيدَةٌ، أَوْ مَا لَهُ نَفْعٌ لِلْفَاعِلِ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ مِثْلَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ يَقُولُونَ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ إِنَّمَا يَكُونُ حَسَنًا إِذَا كَانَ مُوَافِقًا عَلَى قَضِيَّةِ الْعَقْلِ، فَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ عَقْلًا تَعْذِيبَ الْمُطِيعِ وَتَنْعِيمَ الْعَاصِي، وَكَذَا لَا يُجَوِّزُونَ الْعَفْوَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ عَقْلًا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ مِنَ اللَّهِ، فَلَوْ حَسَّنَ مَا قَبَّحَهُ وَقَبَّحَ مَا حَسَّنَهُ فَلَهُ ذَلِكَ - مِثْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَأَضْرَابِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - فَكُلُّ ذَلِكَ فِي التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ، وَلَقَدْ كَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ، مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ عُظَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، لَمْ يَقُولَا بِمَا قَالَهُ الْمَاتُرِيدِيَّةِ مِنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، بَلْ قَالَا بِمَا قَالَ بِهِ الْأَشْعَرِيُّ مِنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ. وَقَدْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: إِنَّ الْأَشْعَرِيَّ يُجَوِّزُ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَأَثَرِهِ وَلَا إِيجَادِهِ، يُرِيدُ أَنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ بَلْ يَقُولُونَ بِامْتِنَاعِهِ، فَفِعْلُ الْعَبْدِ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ عِنْدَهُمْ، بَلْ مِنَ اللَّهِ وَمِنَ الْعَبْدِ مَعًا، حَتَّى يَصِحَّ التَّنْعِيمُ وَالتَّعْذِيبُ. وَقَدْ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ - مَعَ أَنَّهُ شَافِعِيٌّ - أَطَمَّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ فِي " النَّظَّامِيَّةِ ": إِنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مِنَ الْعَبْدِ وَحْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي إِثْبَاتِهِ قَوَاقِعَ وَقَوَادِحَ عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ وَتَهْجِينِهِ، مَعَ ذِكْرِهِ فِي " الْإِرْشَادِ " مِثْلَ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ، وَادَّعَى أَنَّهُ مِمَّا يَدِينُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنَ الْإِمَامِ، وَلَقَدْ أَنْكَرَ صَاحِبُ " الْمَقَاصِدِ " ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنَ الْإِمَامِ لِاغْتِرَارِهِ بِقَوْلِهِ فِي " الْإِرْشَادِ " وَلِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ لِرِسَالَةِ الْإِمَامِ الْمَوْسُومَةِ بِالنَّظَّامِيَّةِ لِعِلَّةٍ (؟) وَلَقَدْ صَرَّحَ تِلْمِيذُهُ فِي شَرْحِهِ لِلْإِرْشَادِ بِكَوْنِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلًا أَخِيرًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَقَصَدَ تَأْيِيدَهُ وَتَهْجِينَ قَوْلِهِ فِي " الْإِرْشَادِ "، وَالْإِمَامُ الرَّازِيُّ أَيْضًا نَقَلَ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ ذَلِكَ، وَكَذَا الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي " الْمِلَلِ ".

فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُقَالُ: يُثِيبُ الطَّائِعَ لِئَلَّا يَكُونَ ظُلْمًا (¬1) . [فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ الَّذِي لَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ مَقْدُورًا وَفُعِلَ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ يُجَوِّزُونَ أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ الْعَبْدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِلَا ذَنْبٍ، كَمَا يُجَوِّزُونَ تَعْذِيبَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَمَجَانِينَهُمْ بِلَا ذَنْبٍ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقْطَعُ بِدُخُولِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ النَّارَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُهُ وَيَتَوَقَّفُ فِيهِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ يَقْطَعُونَ بِذَلِكَ وَيَنْقُلُونَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ خَطَّاءٌ عَلَى أَحْمَدَ، بَلْ نُصُوصُ أَحْمَدَ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ مُطَابَقَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ لِأَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْهُمْ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ فَأَجَابَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ". فَظَنَّ هَؤُلَاءِ أَنَّ أَحْمَدَ أَجَابَ بِحَدِيثٍ «رُوِيَ عَنْ خَدِيجَةَ أَنَّهَا سَأَلَتِ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: " إِنَّهُمْ فِي النَّارِ "، فَقَالَتْ: بِلَا عَمَلٍ؟ فَقَالَ: " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ (¬2) ، وَمَنْ هُوَ دُونَ أَحْمَدَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ يَعْرِفُ هَذَا فَضْلًا عَنْ مِثْلِ أَحْمَدَ. ¬

(¬1) فِي (م) : يُثِيبُ الْمُطِيعَ. وَفِي (ب) (فَقَطْ) ظَالِمًا. وَبَعْدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ يُوجَدُ كَلَامٌ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَيَنْتَهِي السَّقْطُ فِي ص 309. (¬2) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْوِيًّا عَنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا قَرِيبًا مِنْهُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي 3/196 فِي شَرْحِهِ لِأَحَادِيثِ بَابِ " مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ " فَقَالَ: " وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاذٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ، فَسَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ فَنَزَلَ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) قَالَ: هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَوْ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ. وَأَبُو مُعَاذٍ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ". وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 00 - 101) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ وَأَوْرَدَ أَقْوَالَ الْأَئِمَّةِ فِيهِ، وَكُلُّهَا عَلَى تَضْعِيفِهِ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ أَبُو مُعَاذٍ لَيْسَ يَسْوَى فَلْسًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحِ الْبَارِي 3/195) حَدِيثًا آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى: " وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وِلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فِي الْجَنَّةِ. وَعَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فِي النَّارِ. فَقَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكُوا الْأَعْمَالَ؟ قَالَ: رَبُّكِ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، لَوْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ ". وَعَلَّقَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ أَبَا عَقِيلٍ مَوْلَى بُهَيَّةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَجْرِيدِ التَّمْهِيدِ، ص 322، وَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: وَأَبُو عَقِيلٍ هَذَا صَاحِبُ بُهَيَّةَ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ أَبِي عَقِيلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 89 - 190 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 6/767. وَوُجِدْتُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/208 جُزْءًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي سَنَدِهِ: عَنْ أَبِي عَقِيلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَنْ بُهَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ.

وَأَحْمَدُ لَمْ يُجِبْ بِهَذَا، وَإِنَّمَا أَجَابَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [سُورَةُ الرُّومِ: 30] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ فَقَالَ:

" اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» (¬1) . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: ¬

(¬1) رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ وَجَاءَ مُطَوَّلًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَمُخْتَصَرًا فِي بَعْضٍ آخَرَ. انْظُرْ: الْبُخَارِيَّ 2/94 - 95 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ) ، 2/100 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ) ، 6/114 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الرُّومِ) ، 8/123 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابٌ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) ; مُسْلِمًا 4/2048 - 2047 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ مَعْنَى: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ) ; سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/318 - 316 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ) ; سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/303 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ كُلُّ مَوْلُودٍ. . إِلَخْ) وَانْظُرْ شَرْحَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 8/303 - 306 ; الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/169 - 170 (رَقْمُ 7181) ، 13/181 - 182 (الْأَرْقَامُ 7436 - 7438) ، 14/129 - 130 (رَقْمُ 7698) ، 207 (رَقْمُ 7782) ; الْمُوَطَّأَ (ط. فُؤَاد عَبْد الْبَاقِي) 1/241 ; صَحِيحَ ابْنِ حِبَّانَ 292 - 296 (الْأَرْقَامُ 128 - 130) ، 1/300 (رَقْمُ 133) - وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ الْمُحَقِّقِ ; تَرْتِيبُ مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ 2/235 (وَهُوَ فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ، رَقْمُ 2356 - 2433) . وَرَوَى أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/353. وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/435، 4/24 ; صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ 1/297 - 298 (رَقْمُ 132) ; تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ 13/231 - وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ 231 - 232) ; الْحَاكِمَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 3/123 ; الْبَيْهَقِيَّ فِي السُّنَنِ 9/77 ; الْهَيْثَمِيَّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/316 ; الِاسْتِيعَابَ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ (فِي تَرْجَمَةِ الْأَسْوَدِ) . وَانْظُرْ أَيْضًا عَنِ الْحَدِيثِ بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ: شَرْحَ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ 16/207 - 208 ; تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ (تَفْسِيرَ آيَةِ 30 مِنْ سُورَةِ الرُّومِ) ; تَجْرِيدَ التَّمْهِيدِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ (ط. الْقُدْسِيِّ، 1350) ص 290 - 332. أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ": فَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ (نُتِجَ) لَا يَكُونُ إِلَّا مَبْنِيًا لِلْمَجْهُولِ، فَيُقَالُ: نُتِجَتِ النَّاقَةُ تُنْتَجُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، بِمَعْنَى وَلَدَتْ. . وَقَالَ يُقَالُ: نَتَجَ الرَّجُلُ نَاقَتَهُ (بِالْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ) إِذَا وَلَّدَهَا (بِتَضْعِيفِ اللَّامِ) . وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ 16/209: " (جَمْعَاءَ) بِالْمَدِّ، أَيْ مُجْتَمِعَةَ الْأَعْضَاءِ، سَلِيمَةً مِنْ نَقْصٍ، لَا يُوجَدُ فِيهَا (جَدْعَاءَ) بِالْمَدِّ، وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْبَهِيمَةَ تَلِدُ الْبَهِيمَةَ كَامِلَةَ الْأَعْضَاءِ، لَا نَقْصَ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ فِيهَا الْجَدْعُ وَالنَّقْصُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا ".

القول الثاني في معنى الظلم عند مثبتة القدر

" اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» (¬1) . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَقْوَالِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، مِثْلَ كِتَابِ " رَدِّ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " (¬2) وَغَيْرِ ذَلِكَ] (¬3) . [الْقَوْلُ الثَّانِي فِي مَعْنَى الظُّلْمِ عند مثبتة القدر] وَالْقَوْلُ الثَّانِي (¬4) : أَنَّ الظُّلْمَ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ، [وَأَنَّهُ] (¬5) مُنَزَّهٌ عَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ لِعِلْمِهِ وَعَدْلِهِ، فَهُوَ لَا يَحْمِلُ [عَلَى] (¬6) أَحَدٍ ذَنْبَ غَيْرِهِ (¬7) . [قَالَ تَعَالَى] : (¬8) [ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ] [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 15] ، [ {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} ] [سُورَةُ طه: 112] . وَعَلَى هَذَا فَعُقُوبَةُ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ ظُلْمٌ يُنَزَّهُ (¬9) اللَّهُ عَنْهُ (¬10) ، وَأَمَّا ¬

(¬1) الْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/100، 8/123 ; مُسْلِمٍ 4/2047 ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/45 (رَقْمُ 7321) ، 259 (رَقْمُ 7512) ; تَرْتِيبِ مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ 2/235. وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ. (¬2) تَحَدَّثَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِإِسْهَابٍ فِي كِتَابِ " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " فَارْجِعْ إِلَيْهِ وَخَاصَّةً فِي الْجُزْءِ الثَّامِنِ مِنْهُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) . وَبَدَأَ السَّقْطُ مِنْ ص 306. (¬4) بَدَأَ الْكَلَامُ عَنِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي مَعْنَى الظُّلْمِ الَّذِي يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْهُ ص 304. (¬5) وَأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ع: ذَنْبَ أَحَدٍ. (¬8) عِبَارَةُ: " قَالَ تَعَالَى " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬9) ب، ا، م: يَتَنَزَّهُ ; ن: مُنَزَّهٌ. (¬10) م (فَقَطْ) . . عَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ.

إِثَابَةُ الْمُطِيعِ فَفَضْلٌ مِنْهُ وَإِحْسَانٌ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا وَاجِبًا بِحُكْمِ وَعْدِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِمَا كَتَبَهُ (¬1) عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْحُرْمَةِ، وَبِمُوجِبِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ. فَلَيْسَ هُوَ مِنْ جِنْسِ ظُلْمِ الْأَجِيرِ الَّذِي اسْتُؤْجِرَ وَلَمْ يُوَفَّ أَجْرَهُ، فَإِنَّ هَذَا مُعَاوَضَةٌ (¬2) ، وَالْمُسْتَأْجِرُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ، فَإِنْ (¬3) لَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ ظَلَمَهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُحْسِنُ إِلَى الْعِبَادِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَبِإِقْدَارِهِ لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَبِإِعَانَتِهِمْ عَلَى طَاعَتِهِ. وَهُمْ (¬4) كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ: " «يَا عِبَادِي [إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي] (¬5) كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا (¬6) عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ [مِنْكُمْ] (¬7) مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، [يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا ¬

(¬1) ع، م: كَتَبَ. (¬2) ن، م: مُعَارَضَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ب، ا،: وَإِنْ. (¬4) ع: وَهَى. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، (¬6) كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) مِنْكُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ] (¬1) ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» (¬2) . فَبَيَّنَ (¬3) أَنَّ الْخَيْرَ الْمَوْجُودَ مِنَ الثَّوَابِ مِمَّا يُحْمَدُ اللَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُحْسِنُ بِهِ وَبِأَسْبَابِهِ، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَإِنَّهُ (¬4) عَادِلٌ فِيهَا فَلَا يَلُومَنَّ الْعَبْدُ إِلَّا نَفْسَهُ، كَمَا قِيلَ: كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ. [وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَاللَّهُ قَدْ نَزَّهَ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَنِ الظُّلْمِ الْمُمْكِنِ الْمَقْدُورِ، مِثْلَ نَقْصِ الْإِنْسَانِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَحَمْلِ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَاخْتِصَاصُهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِإِعَانَتِهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ فَلَيْسَ هَذَا مِنَ الظُّلْمِ فِي شَيْءٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَسَائِرِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَلَكِنَّ الْقَدَرِيَّةَ تَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ، وَتَتَكَلَّمُ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيرِ (¬5) بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ فَاسِدٍ كَمَا قَدْ بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ] (¬6) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬2) ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبْلُ 1/91، 93 فَارْجِعْ إِلَيْهِ هُنَاكَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ 16/133) : " الْمِخْيَطُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ - هُوَ الْإِبْرَةُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا تَقْرِيبٌ إِلَى الْأَفْهَامِ وَمَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ شَيْئًا أَصْلًا ". (¬3) م: فَتَبَيَّنَ. (¬4) ب، ا: فَاللَّهُ. (¬5) فِي الْأَصْلِ: التَّجْوِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . وَانْظُرْ: رِسَالَةَ " شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ " مَجْمُوعَةَ الرَّسَائِلِ الْمُنِيرِيَّةِ 3/205 - 246، الْقَاهِرَةِ، 1346. وَهِيَ فِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ 18/136 - 209.

التعليق على قوله أو يعذبه بجرمه من غير ظلم له

[التعليق على قوله أَوْ يُعَذِّبُهُ بِجُرْمِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لَهُ] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) : " أَوْ يُعَذِّبُهُ بِجُرْمِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لَهُ " فَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: [أَنَّ] اللَّهَ [تَعَالَى] لَيْسَ (¬2) ظَالِمًا بِتَعْذِيبِ الْعُصَاةِ. وَهُمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّنَازُعِ (¬3) فِي مُسَمَّى الظُّلْمِ، هَذَا يَقُولُ: لِأَنَّ الظُّلْمَ مِنْهُ مُمْتَنِعٌ (¬4) ; وَهَذَا يَقُولُ: إِنَّهُ وَضَعَ الْعُقُوبَةَ مَوْضِعَهَا (¬5) ، وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، كَمَا تَقُولُ (¬6) الْعَرَبُ: مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ. (¬7) [وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا عَذَّبَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ بِالْعَدْلِ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِعْلَهُ وَأَنَّهُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَخْلُوقُ ظَالِمًا لِلْمَخْلُوقِ إِذَا عَاقَبَهُ بِظُلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ فَالْخَالِقُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ ظَالِمًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ مُقَدَّرًا. هَذَا، مَعَ مَا أَنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ مَا لَا يَحْسُنُ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَ النَّاسِ لَوْ رَأَى مَمَالِيكَهُ يَزْنِي بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَيَظْلِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ - وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ، لَكَانَ مَذْمُومًا بِذَلِكَ مُسْتَحِقًّا لِلَّوْمِ وَالْعِقَابِ. وَالْبَارِئُ تَعَالَى يَرَى مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَمَالِيكِهِ مِنْ ظُلْمٍ وَفَاحِشَةٍ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ فَلَا يَمْنَعُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ مُنَزَّهٌ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ فَضْلًا عَنْ عِقَابٍ (¬8) ، إِمَّا لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ ¬

(¬1) الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ جُزْءٌ مِنَ الْعَبَّارَةِ الَّتِي سَبَقَ وُرُودُهَا ص 302. (¬2) ن، م: اللَّهُ لَيْسَ. . (¬3) ن: الشَّايِعِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ع: مُمْتَنِعٌ مِنْهُ. (¬5) ع: فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. (¬6) ن، م: قَالَتْ. (¬7) الْكَلَامُ بَعْدَ الْقَوْسِ الْمَعْقُوفِ فِي (ع) فَقَطْ وَيَنْتَهِي فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ. (¬8) قَوْلُهُ: " فَضْلًا عَنْ عِقَابٍ " مُتَّصِلٌ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ قَبْلَ سُطُورٍ قَلِيلَةٍ عَنِ الْوَاحِدِ مِنَ النَّاسِ حَيْثُ قَالَ: " لَكَانَ مَذْمُومًا بِذَلِكَ مُسْتَحِقًّا لِلَّوْمِ وَالْعِقَابِ ".

التعليق على قوله وأن أفعاله محكمة واقعة لغرض ومصلحة

الْحِكْمَةِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَإِمَّا لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ عَلَى قَوْلِ نُفَاةِ التَّعْلِيلِ وَالْإِرَادَةِ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ ; فَإِذَا كَانَ يَحْسُنُ مِنْهُ مِنَ الْأَفْعَالِ مَا لَا يَحْسُنُ مِنَ الْبَشَرِ بَطَلَ قِيَاسُهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَكَانَ مَا يَحْسُنُ مِنَّا مِنْ عُقُوبَةِ الظَّالِمِ لَا يُقَبَّحُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، فَإِنَّ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ مِنَ النَّقَائِصِ فَهُوَ أَوْلَى بِتَنْزِيهِهِ، وَلَهُ مِنَ الْحَمْدِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ] (¬1) . [التعليق على قوله وأن أفعاله محكمة واقعة لغرض ومصلحة] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬2) : " وَأَنَّ (¬3) أَفْعَالَهُ مَحْكَمَةٌ وَاقِعَةٌ (¬4) لِغَرَضٍ وَمَصْلَحَةٍ (¬5) وَإِلَّا لَكَانَ عَابِثًا ". فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِأَهْلِ (¬6) السُّنَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِإِمَامِيَّةٍ قَوْلَيْنِ فِي تَعْلِيلِ أَفْعَالِ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬7) وَأَحْكَامِهِ، وَأَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى التَّعْلِيلِ (¬8) ، وَالْحِكْمَةُ هَلْ هِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الرَّبِّ [لَا تَقُومُ بِهِ] (¬9) ، أَوْ قَائِمَةٌ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْحِكَمِ الْمُنْفَصِلَةِ أَيْضًا؟ [فِيهِ قَوْلَانِ لَهُمْ] (¬10) . وَهَلْ (¬11) تَتَسَلْسَلُ الْحِكَمُ أَوْ لَا تَتَسَلْسَلُ؟ أَوْ تَتَسَلْسَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي؟ هَذَا فِيهِ أَقْوَالٌ [لَهُمْ] (¬12) . ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. (¬2) وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " 1/82 (م) ، وَسَبَقَ وُرُودُهَا فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 98 وَتَمَامُ الْعِبَارَةِ هُنَاكَ: " وَإِلَّا لَكَانَ عَابِثًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) . (¬3) ع: أَنَّ ; ن، م: فَإِنَّ. (¬4) مِنْهَاجُ الْكَرَامَةِ: مُحْكَمَةٌ مُتْقَنَةٌ وَاقِعَةٌ، وَكَذَا وَرَدَتْ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 98. (¬5) ع: لِمَصْلَحَةٍ وَغَرَضٍ ; ب: لِغَرَضٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ. (¬6) ن، م: أَهْلٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) تَعَالِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (أ) ، (ب) . (¬8) انْظُرْ مَا سَبَقَ 143 - 148. (¬9) عِبَارَةُ " لَا تَقُومُ بِهِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) عِبَارَةُ: " فِيهِ قَوْلَانِ لَهُمْ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب) ، (أ) . (¬11) ن، م: وَهِيَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬12) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .

التعليق على قوله إنه أرسل الرسل لإرشاد العالم

وَأَمَّا لَفْظُ " الْغَرَضِ " فَتُطْلِقُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ [كَالْقَدَرِيَّةِ. وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ أَيْضًا يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَفْعَلُ لِغَرَضٍ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ يَذْكُرُهُ مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ: أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ " الْغَرَضِ " وَإِنْ أَطْلَقُوا لَفْظَ الْحِكْمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ الظُّلْمِ وَالْحَاجَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا قَالُوا: فُلَانٌ فَعَلَ هَذَا لِغَرَضٍ، وَفُلَانٌ لَهُ غَرَضٌ مَعَ فُلَانٍ، كَثِيرًا مَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْمُرَادَ الْمَذْمُومَ مِنْ ظُلْمٍ وَفَاحِشَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يُرِيدَ مَا يَكُونُ مَذْمُومًا بِإِرَادَتِهِ] (¬1) . [التعليق على قوله إنه أرسل الرسل لإرشاد العالم] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ (¬2) أَرْسَلَ الرُّسُلَ (¬3) لِإِرْشَادِ الْعَالَمِ ". فَهَكَذَا يَقُولُ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬4) أَرْسَلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَالَّذِينَ يَمْتَنِعُونَ مِنَ التَّعْلِيلِ يَقُولُونَ: أَرْسَلَهُ وَجَعَلَ إِرْسَالَهُ رَحْمَةً فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ بِهِ، (6 أَوْ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ 6) (¬5) . (7 وَيَقُولُونَ: هَذِهِ الرَّحْمَةُ جُعِلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ، كَمَا يَقُولُونَ 7) : (¬6) فِي سَائِرِ الْأُمُورِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . وَتُوجَدُ بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي (ن) ، (م) : " وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُمْ فَيَمْتَنِعُونَ عَنْ إِطْلَاقِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيهَامِ الظُّلْمِ وَالْحَاجَةِ " وَفِي (ب) ; (أ) تُوجَدُ نَفْسُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ دُونَ لَفْظَتِي " عَنْ إِطْلَاقِهِ ". (¬2) الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ وَرَدَتْ فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " 1/82 (م) ، وَفِي هَذَا الْجُزْءِ ص 70. (¬3) الرُّسُلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، ا) . وَفِي: مِنْهَاجِ السُّنَّةِ 2/70: الْأَنْبِيَاءَ. (¬4) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬5) (6 - 6) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) (7 - 7) : سَاقِطٌ مِنْ (ع) .

التعليق على قوله وأنه تعالى غير مرئي ولا مدرك بشيء من الحواس

الَّتِي حَصَلَ عِنْدَهَا آثَارٌ. [فَإِنَّ الْجُمْهُورَ الْمُثْبِتِينَ لِلْحِكْمَةِ يَقُولُونَ: فَعَلَ كَذَا لِأَجْلِ ذَلِكَ وَفَعَلَ كَذَا بِكَذَا. وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: فَعَلَ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَا لَهُ] (¬1) . [التعليق على قوله وَأَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَلَا مُدْرَكٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬2) : " وَأَنَّهُ تَعَالَى غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَلَا مُدْرَكٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَوَاسِّ (¬3) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (¬4) [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 103] وَلِأَنَّهُ (¬5) لَيْسَ فِي جِهَةٍ ". فَيُقَالُ: [لَهُ] (¬6) : أَوَّلًا: النِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ [طَوَائِفِ] (¬7) الْإِمَامِيَّةِ كَمَا النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ غَيْرِهِمْ (¬8) ، فَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ (¬9) وَطَائِفَةٌ مِنْ غَيْرِ (* الْإِمَامِيَّةِ (¬10) تُنْكِرُهَا. وَالْإِمَامِيَّةُ لَهُمْ فِيهَا قَوْلَانِ: فَجُمْهُورُ قُدَمَائِهِمْ يُثْبِتُ (¬11) الرُّؤْيَةَ، وَجُمْهُورُ *) (¬12) مُتَأَخِّرِيهِمْ يَنْفُونَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَكْثَرَ قُدَمَائِهِمْ يَقُولُونَ بِالتَّجْسِيمِ (¬13) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَالْكَلَامُ فِي (ن) ، (م) نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. (¬2) وَرَدَتِ الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ فِي (ك) 1/82 (م) وَهَذَا الْجُزْءُ ص 98. (¬3) ن: الْحَوْلَيْنِ ; م: الْحَقِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) فِي (ع) ، (ب) ، (أ) ، (م) : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَفِي (ن) ذَكَرَ بَاقِي الْآيَةِ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ. (¬5) ب، ا: لِأَنَّهُ. (¬6) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬7) طَوَائِفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ب، ا: كَالنِّزَاعِ فِيهَا بَيْنَ غَيْرِ الْإِمَامِيَّةِ. (¬9) ع: وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْخَوَارِجِ. (¬10) ع: وَطَائِفَةٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ الْكَلَامَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الشِّيعَةِ غَيْرِ الْإِمَامِيَّةِ، إِذْ إِنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ مُبَاشَرَةً عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (¬11) ب (فَقَطْ) : يُثْبِتُونَ ; ن، ع، ا: تُثْبِتُ. (¬12) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬13) ب، ا، ن، م: بِالْجِسْمِ.

قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬1) : " وَكُلُّ الْمُجَسِّمَةِ (¬2) إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا (¬3) يَقُولُ (¬4) بِإِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ، وَقَدْ يُثْبِتُ الرُّؤْيَةَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالتَّجْسِيمِ ". قُلْتُ: وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُونَ بِالْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ، كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬5) وَالْحَدِيثِ وَالطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبِينَ (¬6) إِلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْأَحَادِيثُ بِهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحَدِيثِهِ. [وَكَذَلِكَ الْآثَارُ بِهَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعَالِمِينَ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ، وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً: مِنْهُمْ مَنْ نَفَى رُؤْيَتَهُ بِالْعَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا. وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَالْأَدِلَّةَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا نَقْلُ إِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ ¬

(¬1) فِي الْمَقَالَاتِ 1/265. (¬2) ن، م: الْجَهْمِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ. (¬3) الْمَقَالَاتِ: يَسِيرًا. (¬4) ب، ا، ع، م: يَقُولُونَ. (¬5) ن، م: أَهْلِ الْبَيْتِ. (¬6) ع، ن: الْمُنْتَسِبُونَ.

بِالْعَيْنِ فِي الْآخِرَةِ وَنَفْيِهَا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا الْخِلَافَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً] (¬1) . وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ [وَاحْتِجَاجُ النُّفَاةِ أَيْضًا] بِقَوْلِهِ [تَعَالَى] (¬2) : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 103] فَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ: إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الرُّؤْيَةِ، أَوِ الرُّؤْيَةُ، أَوِ الرُّؤْيَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِالْإِحَاطَةِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَأَى شَيْئًا يُقَالُ: إِنَّهُ [أَدْرَكَهُ، كَمَا لَا يُقَالُ:] (¬3) أَحَاطَ بِهِ، كَمَا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬4) عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ (¬5) : أَلَسْتَ تَرَى السَّمَاءَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَكُلُّهَا تُرَى (¬6) ؟ قَالَ: لَا. وَمَنْ رَأَى جَوَانِبَ الْجَيْشِ أَوِ الْجَبَلِ (¬7) أَوِ الْبُسْتَانِ أَوِ الْمَدِينَةِ لَا يُقَالُ: إِنَّهُ أَدْرَكَهَا (¬8) ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: أَدْرَكَهَا إِذَا أَحَاطَ بِهَا رُؤْيَةً (¬9) ، وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ عَلَيْنَا بَيَانُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا بَيَانًا لِسَنَدِ (¬10) الْمَنْعِ، بَلِ الْمُسْتَدِلُّ بِالْآيَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مُرَادِفٌ لِلرُّؤْيَةِ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا يُقَالُ فِي لُغَتِهِمْ إِنَّهُ أَدْرَكَهُ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، كَيْفَ وَبَيْنَ لَفْظِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬2) ب، ا: وَأَمَّا احْتِجَاجُ النُّفَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ; ن، م: وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِقَوْلِهِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ع) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬5) ن، م: قَالَ. (¬6) ع: أَتُرَى كُلُّهَا؟ (¬7) ن، م: جَوَانِبَ الْخَيْلِ أَوِ الْجَيْشِ ; ': جَوَانِبَ الْجَيْشِ أَوِ الْجُنْدِ. (¬8) ع: أَدْرَكَهُ. (¬9) ن: وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ أَدْرَكَهَا إِلَّا إِذَا أَحَاطَ بِهَا رُؤْيَةً ; م: إِلَّا إِذَا أَحَاطَ بِهَا رُؤْيَةً. (¬10) ع: لِنُسْنِدَ ; أ: لِسَدِّ.

الرُّؤْيَةِ وَلَفْظِ الْإِدْرَاكِ (¬1) عُمُومٌ وَخُصُوصٌ [أَوِ اشْتِرَاكٌ لَفْظِيٌّ] (¬2) ، فَقَدْ تَقَعُ رُؤْيَةٌ بِلَا إِدْرَاكٍ، [وَقَدْ يَقَعُ إِدْرَاكٌ بِلَا رُؤْيَةٍ] (¬3) ، فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ (¬4) يُسْتَعْمَلُ فِي إِدْرَاكِ الْعِلْمِ وَإِدْرَاكِ الْقُدْرَةِ، فَقَدَ (¬5) يُدْرَكُ الشَّيْءُ بِالْقُدْرَةِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ، كَالْأَعْمَى الَّذِي طَلَبَ رَجُلًا هَارِبًا مِنْهُ (¬6) فَأَدْرَكَهُ وَلَمْ يَرَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ - قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 61، 62] فَنَفَى مُوسَى الْإِدْرَاكَ مَعَ إِثْبَاتِ التَّرَائِي (¬7) ، فَعُلِمَ (¬8) أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رُؤْيَةٌ بِلَا إِدْرَاكٍ. وَالْإِدْرَاكُ هُنَا هُوَ إِدْرَاكُ الْقُدْرَةِ، أَيْ مَلْحُوقُونَ (¬9) مُحَاطٌ بِنَا وَإِذَا انْتَفَى (¬10) هَذَا الْإِدْرَاكُ فَقَدْ تَنْتَفِي (¬11) إِحَاطَةُ الْبَصَرِ [أَيْضًا] (¬12) . وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬13) ، ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ يَمْدَحُ بِهَا (¬14) نَفْسَهُ ¬

(¬1) ن، م: وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ وَالْإِدْرَاكِ. (¬2) عِبَارَةُ " أَوِ اشْتِرَاكٌ لَفْظِيٌّ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَمَوْجُودَةٌ فِي (ب) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا بَعْدَ عِبَارَةِ: وَقَدْ يَقَعُ إِدْرَاكٌ بِلَا رُؤْيَةٍ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب: وَإِنَّ الْإِدْرَاكَ ; ن، م: وَالْإِدْرَاكُ ; أ: وَإِنَّ الِاسْتِدْرَاكَ. (¬5) ن، م: يُقَالُ. (¬6) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ع: الرُّؤْيَةِ. (¬8) ن، م: أَيْ يُعْلَمُ. (¬9) أ، ب، م: مُلْحَقُونَ. (¬10) ن، م: نَفَى. (¬11) ن، م: يَنْفِي. (¬12) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬13) تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬14) ن، م: فِيهَا.

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَا يُرَى لَيْسَ صِفَةَ مَدْحٍ، لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَحْضَ لَا يَكُونُ مَدْحًا إِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، وَلِأَنَّ الْمَعْدُومَ (¬1) أَيْضًا لَا يُرَى، وَالْمَعْدُومُ لَا يُمْدَحُ، فَعُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ لَا مَدْحَ فِيهِ. [وَهَذَا أَصْلٌ مُسْتَمِرٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْعَدَمَ الْمَحْضَ الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ثُبُوتًا لَا مَدْحَ فِيهِ وَلَا كَمَالَ، فَلَا يَمْدَحُ الرَّبُّ نَفْسَهُ بِهِ، بَلْ وَلَا يَصِفُ نَفْسَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَصِفُهَا بِالنَّفْيِ الْمُتَضَمِّنِ مَعْنَى ثُبُوتٍ، كَقَوْلِهِ: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} وَقَوْلِهِ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، وَقَوْلِهِ: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} ، وَقَوْلِهِ: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255] وَقَوْلِهِ: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 3] ، وَقَوْلِهِ: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [سُورَةُ ق: 38] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْقَضَايَا السَّلْبِيَّةِ الَّتِي يَصِفُ الرَّبُّ تَعَالَى بِهَا نَفْسَهُ، وَأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ اتِّصَافَهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الثُّبُوتِيَّةِ، مِثْلَ كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ وَمِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَهِدَايَتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَا يُوصَفُ بِهِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ فَلَا يَكُونُ إِلَّا عَدَمًا مَحْضًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَدَمَ الْمَحْضَ يُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ يُرَى، فَعُلِمَ أَنَّ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ عَدَمٌ مَحْضٌ، وَلَا يُقَالُ فِي الْعَدَمِ الْمَحْضِ: لَا يُدْرَكُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: هَذَا فِيمَا لَا يُدْرَكُ لِعَظَمَتِهِ لَا لِعَدَمِهِ] (¬2) . [وَإِذَا (¬3) كَانَ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْإِدْرَاكَ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (¬4) لَا يُحَاطُ بِهِ ¬

(¬1) ب، أ: لِأَنَّ الْمَعْدُومَ ; ن، م: وَلِأَنَّ الْعَدَمَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) (م) . (¬3) ب، أ: وَإِنْ. (¬4) وَتَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

رُؤْيَةً، كَمَا لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ وَالرُّؤْيَةِ نَفْيُ الْعِلْمِ (¬1) وَالرُّؤْيَةِ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ يُرَى وَلَا يُحَاطُ بِهِ (2 كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ 2) (¬2) فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْإِحَاطَةِ بِالنَّفْيِ (¬3) يَقْتَضِي أَنَّ مُطْلَقَ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ بِمَنْفِيٍّ، وَهَذَا الْجَوَابُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (¬4) وَغَيْرِهِ] (¬5) . (6 وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 6) (¬6) . وَلَا (¬7) تَحْتَاجُ ¬

(¬1) الْعِلْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) بِالنَّفْيِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَجَاءَ فِي (م) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. (¬6) (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَجَاءَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ 3/37 (ط. إِيرَانَ، 1377) : " قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) الْآيَةَ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) قَالَ: لَوْ أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ وَالْمَلَائِكَةَ - مُنْذُ خُلِقُوا إِلَى أَنْ فَنَوْا - صُفُّوا صَفًّا وَاحِدً مَا أَحَاطُوا بِاللَّهِ أَبَدًا. قَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ - وَصَحَّحَهُ - وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَاللَّالْكَائِيُّ فِي " السُّنَّةِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) ؟ قَالَ: لَا أُمَّ لَكَ، ذَاكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ، وَفِي لَفْظٍ: إِنَّمَا إِذَا تَجَلَّى بِكَيْفِيَّتِهِ لَمْ يَقُمْ لَهُ بَصَرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) قَالَ: " لَا يُحِيطُ بَصَرُ أَحَدٍ بِاللَّهِ ". ثُمَّ أَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ الْأَثَرَ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ آنِفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَاءَ فِيهِ: أَلَسْتَ تَرَى السَّمَاءَ. . إِلَخْ. فَلَعَلَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ وَتِلْكَ الْآثَارَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ الَّتِي عَنَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا. (¬7) ب، أ: فَلَا.

التعليق على قوله ولأنه ليس في جهة

الْآيَةُ إِلَى تَخْصِيصٍ وَلَا خُرُوجٍ عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ، فَلَا (¬1) نَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ: لَا نَرَاهُ فِي الدُّنْيَا، أَوْ نَقُولُ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ بَلِ الْمُبْصِرُونَ، أَوْ لَا تُدْرِكُهُ كُلُّهَا بَلْ بَعْضُهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِيهَا تَكَلُّفٌ. [ثُمَّ نَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَكْفِينَا أَنْ نَقُولَ: الْآيَةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ، فَبَطَلَ اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُثْبِتَ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ مَعَ نَفْيِهَا لِلْإِدْرَاكِ الَّذِي هُوَ الْإِحَاطَةُ أَقَمْنَا الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي اللُّغَةِ لَيْسَ هُوَ مُرَادِفًا لِلرُّؤْيَةِ، بَلْ هُوَ أَخَصُّ مِنْهَا، وَأَثْبَتْنَا ذَلِكَ بِاللُّغَةِ وَأَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَبِأَدِلَّةٍ أُخْرَى سَمْعِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ] (¬2) . [التعليق على قوله ولأنه لَيْسَ فِي جِهَةٍ] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬3) : " وَلِأَنَّهُ (¬4) لَيْسَ فِي جِهَةٍ ". فَيُقَالُ: لِلنَّاسِ فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ الْجِهَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: فَطَائِفَةٌ تَنْفِيهَا، وَطَائِفَةٌ تُثْبِتُهَا، وَطَائِفَةٌ تُفَصِّلُ (¬5) . وَهَذَا النِّزَاعُ مَوْجُودٌ فِي الْمُثْبِتَةِ لِلصِّفَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمْثَالِهِمْ، [وَنِزَاعُ] أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ (¬6) الْخَاصَّةِ فِي نَفْيِ (¬7) ذَلِكَ وَإِثْبَاتِهِ ¬

(¬1) ن، م: وَلَا. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) سَبَقَ وُرُودُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ ضِمْنَ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ (ص [0 - 9] 15) وَوَرَدَتْ فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " 1/82 (م) ، وَفِي هَذَا الْجُزْءِ ص [0 - 9] 8. (¬4) ع: وَأَنَّهُ ; ب، أ: لِأَنَّهُ. وَالْمُثْبَتُ فِي (ن) ، (م) وَمِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ. (¬5) ع: وَطَائِفَةٌ تُفَصِّلُ، وَطَائِفَةٌ تُثْبِتُهَا. (¬6) وَنِزَاعُ: سَاقِطَةٌ مِنَ (ن) ، (م) ; الْحَدِيثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) نَفْيِ: سَاقِطَةٍ مِنْ (ع) .

نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ، لَيْسَ هُوَ نِزَاعًا مَعْنَوِيًّا. وَلِهَذَا كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ [الْإِمَامِ] (¬1) أَحْمَدَ - كَالتَّمِيمِيِّينَ وَالْقَاضِي [أَبِي يَعْلَى] (¬2) فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ تَنْفِيهَا (¬3) ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى [أَكْثَرُ مِنْهُمْ] (¬4) تُثْبِتُهَا، وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ (¬5) الْقَاضِي. [وَالْمُتَّبِعُونَ لِلسَّلَفِ لَا يُطْلِقُونَ نَفْيَهَا وَلَا إِثْبَاتَهَا إِلَّا إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا أُثْبِتَ بِهَا فَهُوَ ثَابِتٌ وَمَا نُفِيَ بِهَا فَهُوَ مَنْفِيٌّ، لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ صَارَ لَفْظُ الْجِهَةِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ فِيهِ إِجْمَالٌ وَإِبْهَامٌ كَغَيْرِهَا مِنْ أَلْفَاظِهِمُ الِاصْطِلَاحِيَّةِ، فَلَيْسَ كُلُّهُمْ يَسْتَعْمِلُهَا فِي نَفْسِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَلِهَذَا كَانَ النُّفَاةُ يَنْفُونَ بِهَا حَقًّا وَبَاطِلًا، وَيَذْكُرُونَ عَنْ مُثْبِتِيهَا مَا لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَبَعْضُ الْمُثْبِتِينَ لَهَا يُدْخِلُ فِيهَا مَعْنًى بَاطِلًا مُخَالِفًا لِقَوْلِ السَّلَفِ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالْمِيزَانُ] (¬6) . ¬

(¬1) الْإِمَامِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬2) فِي (ن) ؛ (م) كُتِبَتْ كَلِمَةُ " كَالتَّمِيمِيِّينَ " مُحَرَّفَةً، وَ " أَبِي يَعْلَى " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . وَعُرِفَ بِالتَّمِيمِيِّ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ مِنْهُمْ: عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 317 (تَرْجَمَتُهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/139 ; الْمُنْتَظَمِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 7/110) ، وَحَفِيدُهُ: أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ التَّمِيمِيُّ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 488، وَهُوَ أَشْهَرُ التَّمِيمِيِّينَ (تَرْجَمَتُهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/250 - 251 ; الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/77 - 85 ; الْمُنْتَظَمِ 9/88 - 89) ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَبُو الْفَرَجِ التَّمِيمِيُّ (وَالِدُ أَبِي مُحَمَّدٍ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 425 (تَرْجَمَتُهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/182 ; الْمُنْتَظَمِ 8/81) ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَبُو الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ (أَخُو عَبْدِ الْوَهَّابِ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 410 (تَرْجَمَتُهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/179 ; الْمُنْتَظَمِ 7/295) . قَالَ ابْنُ أَبِي يَعْلَى فِي تَرْجَمَتِهِ: رِزْقُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ: " أَحَدُ الْحَنَابِلَةِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْحَنْبَلِيَّةِ، هُوَ وَأَبُوهُ وَعَمُّهُ وَجَدُّهُ " فَلَعَلَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَصَدَ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِمْ. (¬3) ب، أ، ن، م: يَنْفِيهَا. (¬4) عِبَارَةُ " أَكْثَرُ مِنْهُمْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: قَوْلِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .

وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ " الْجِهَةِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا هُوَ مَعْدُومٌ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ (¬1) لَا مَوْجُودَ إِلَّا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ، فَإِذَا أُرِيدَ بِالْجِهَةِ أَمْرٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ اللَّهِ كَانَ مَخْلُوقًا، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْصُرُهُ وَلَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ (2 فَإِنَّهُ بَائِنٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ 2) (¬2) . وَإِنْ أُرِيدَ بِالْجِهَةِ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ، وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ (¬3) ، فَلَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ. فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ فِي جِهَةٍ ; [إِنْ] (¬4) كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهُ هُنَاكَ فَوْقَ الْعَالَمِ حَيْثُ انْتَهَتِ الْمَخْلُوقَاتُ، فَهُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ عَالٍ عَلَيْهِ. (¬5) [وَنُفَاةُ لَفْظِ " الْجِهَةِ " يَذْكُرُونَ مِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَنَّ الْجِهَاتِ كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ، وَأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْجِهَةِ، وَأَنَّهُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي جِهَةٍ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْجِهَةِ ثُمَّ صَارَ فِيهَا. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَنَحْوُهَا إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ سَوَاءٌ سُمِّيَ جِهَةً أَوْ لَمْ يُسَمَّ. وَهَذَا حَقٌّ ; فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ تُحِيطَ بِهِ الْمَخْلُوقَاتُ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا: الْعَرْشِ أَوْ غَيْرِهِ. وَمَنْ ظَنَّ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا - كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ (¬6) - يَكُونُ الْعَرْشُ فَوْقَهُ، وَيَكُونُ مَحْصُورًا بَيْنَ طَبَقَتَيْنِ مِنَ ¬

(¬1) ب، أ: أَنْ. (¬2) : (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) . ن، م: مَا فَوْقَ الْفَلَكِ. (¬4) إِنْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) الْكَلَامُ التَّالِي بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ، وَيَنْتَهِي فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ. (¬6) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى حَدِيثِ النُّزُولِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ (الْبُخَارِيِّ 2/52 - 53، كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ) : " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهِ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ". وَهُوَ مَوْجُودٌ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 8/71 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ الدُّعَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ) ، 9/143 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) ; مُسْلِمٍ 1/521 - 523 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَالْإِجَابَةِ فِيهِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/47 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ أَيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ) ، 4/314 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 967، 968، 3673، 3821، 7500، 7582، 7611، 7779. وَهُوَ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى كَثِيرَةٍ فِي الْمُسْنَدِ، وَرُوِيَ كَذَلِكَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَسُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ (وَانْظُرْ: مِفْتَاحَ كُنُوزِ السُّنَّةِ، مَادَّةَ: الدُّعَاءِ) . وَأَفْرَدَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فَصْلًا لِأَحَادِيثِ النُّزُولِ فِي كِتَابِهِ " التَّوْحِيدِ "، ص 83 - 90

الْعَالَمِ، فَقَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَكَذَلِكَ تَوَقَّفَ مَنْ تَوَقَّفَ فِي نَفْيِ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِضَعْفِ عِلْمِهِ بِمَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ. وَمَنْ نَفَى الْجِهَةَ وَأَرَادَ بِالنَّفْيِ كَوْنَ الْمَخْلُوقَاتِ مُحِيطَةً بِهِ أَوْ كَوْنَهُ مُفْتَقِرًا إِلَيْهَا فَهَذَا حَقٌّ، لَكِنَّ عَامَّتَهُمْ (¬1) لَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى هَذَا، بَلْ يَنْفُونَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرِجَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، أَوْ أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَيَنْزِلَ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ، بَلْ تَارَةً يَجْعَلُونَهُ لَا مُبَايِنًا وَلَا مُحَايِثًا (¬2) ، فَيَصِفُونَهُ بِصِفَةِ الْمَعْدُومِ وَالْمُمْتَنِعِ، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ حَالًا فِي كُلِّ مَوْجُودٍ، أَوْ يَجْعَلُونَهُ وُجُودَ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ أَهْلُ التَّعْطِيلِ وَأَهْلُ الْحُلُولِ] (¬3) . ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ (ع) : غَايَتَهُمْ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) فِي الْأَصْلِ (ع) : مُحَايِشًا، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ.

تنازع مثبتة الرؤية في العلو والاستواء

[تنازع مثبتة الرؤية في العلو والاستواء] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ قَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ بِكَوْنِهِ (¬1) لَيْسَ فِي جِهَةٍ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ [مِمَّا] تَنَازَعَ فِيهِ (¬2) مُثْبِتُو الرُّؤْيَةِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ (¬3) بِمَا (¬4) دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ (¬5) رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ» ". وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ [عَلَيْهِ] (¬6) مِنْ طُرُقٍ (¬7) كَثِيرَةٍ، [وَهُوَ] (¬8) مُسْتَفِيضٌ بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬9) ، اتَّفَقُوا عَلَى [صِحَّتِهِ (¬10) ، مَعَ] (¬11) أَنَّهُ جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ قَدْ ¬

(¬1) ن، م: لِكَوْنِهِ. (¬2) ن، م: وَهَذَا الْمَوْضِعُ يُنَازَعَ فِيهِ. (¬3) ع: جُمْهُورُهُمْ. (¬4) بِمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَكُتِبَتْ فِي (ن) ، (م) : مِمَّا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ع: سَتَرَوْنَ. (¬6) ب، أ، ن، م: مَنْقُولٌ. (¬7) م: جِهَاتٍ. (¬8) وَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ب، أ: وَالْحَدِيثُ مَنْقُولٌ. وَفِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) كُتِبَ مَا يَلِي: " حَدِيثُ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ. . . وَهُوَ مُسْتَفِيضٌ بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. قُلْتُ: أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ بِعَزِيزِ الْوُجُودِ وَلَا مُنْحَصِرًا بِحَدِيثِ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا. . إِلَخْ كَمَا زَعَمَ بِذَلِكَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِهِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، بَلْ هُوَ كَثِيرُ الْوُجُودِ بِأَنْ تَعَدَّدَ طَرِيقُ الْحَدِيثِ وَتَكْثُرَ بِحَيْثُ يَسْتَحِيلُ الْعَقْلُ تَوَاطُؤَ رُوَاتِهِ عَلَى الْكَذِبِ، وَقَدْ حَقَّقَ خَاتِمَةُ الْحُفَّاظِ الْعَسْقَلَانِيُّ ذَلِكَ، وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: جَعَلْتُ رِسَالَةً جَمَعْتُ فِيهَا مِقْدَارَ عِشْرِينَ حَدِيثًا مِنَ الْمُتَوَاتِرَاتِ، فَذَكَرَهَا فَرْدًا فَرْدًا ". (¬10) هَذَا الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/44 - 45 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، بَابُ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) ، 9/128 - 127 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ; مُسْلِمٍ 1/164 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مَعْرِفَةِ طَرِيقِ الرُّؤْيَةِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/322 - 323 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الرُّؤْيَةِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/92 - 93 (كِتَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/63 - 64 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ: 7703، 7914، (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/16 - 17، 4/11. وَالْحَدِيثُ فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْكُتُبِ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى وَيُوجَدُ فِي كُتُبٍ أُخْرَى، وَانْظُرْ: مِفْتَاحَ كُنُوزِ السُّنَّةِ (اللَّهُ) . وَانْظُرْ دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 7/29 - 31. (¬11) صِحَّتِهِ مَعَ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

جَمَعَ طُرُقَهَا أَكْثَرُ (¬1) أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، كَأَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْآجُرِّيِّ وَغَيْرِهِمْ (¬2) . (* وَقَدْ أَخْرَجَ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ (¬3) ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُوجِبُ لِمَنْ كَانَ عَارِفًا بِهَا الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ (¬4) بِأَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬5) قَالَ ذَلِكَ *) (¬6) . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّهُ يُرَى [لَا] (¬7) فِي جِهَةٍ، لَا أَمَامَ الرَّائِي وَلَا خَلْفَهُ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ، وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي (¬8) الْأَشْعَرِيَّةِ فَإِنَّ هَذَا مَبْنِيٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِ الْبَارِئِ [تَعَالَى] (¬9) فَوْقِ الْعَرْشِ. فَالْأَشْعَرِيُّ وَقُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ (¬10) لَيْسَ بِجِسْمٍ (¬11) . ¬

(¬1) أَكْثَرُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ. (¬2) ذَكَرَ بُرُوكِلْمَانُ (تَارِيخُ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ 3/211) أَنْ لِلدَّارَقُطْنِيِّ كِتَابًا جَمَعَ فِيهِ مَا وَرَدَ مِنَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِرُؤْيَةِ الْبَارِي، وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي الْإِسْكُورِيَالِ، كَمَا ذَكَرَ (3/209) أَنَّ لِلْآجُرِّيِّ كِتَابَ التَّصْدِيقِ بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي الظَّاهِرِيَّةِ، وَفِي كِتَابِ " الشَّرِيعَةِ " لَهُ بَابٌ بِهَذَا الْعُنْوَانِ، ص [0 - 9] 51 - 270، ط. حَامِد الْفِقِي 1369/1950. (¬3) ن: أَصْحَابُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ; م: أَصْحَابُ الصَّحِيحِ كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. (¬4) الْقَطْعِيَّ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) مُتَأَخِّرِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬9) تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ب، أ: وَمَعَ ذَلِكَ. (¬11) كُتِبَ مُقَابِلًا لِهَذَا الْمَوْضِعِ فِي هَامِشِ (ع) : " قُلْتُ: وَمِمَّنْ يَقُولُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ أَبُو زَيْدٍ فِي رِسَالَتِهِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَهُمْ. وَقَدْ يَنِيفُ مَنْ شَرَحَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَهِيَ فِي غَايَةِ الشُّهْرَةِ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ وَكَانُوا يَقُولُونَ لِمُؤَلِّفِهَا مَالِكٌ الصَّغِيرُ ".

وَعَبْدُ اللَّهِ [بْنُ سَعِيدِ] (¬1) بْنِ كُلَّابٍ وَالْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيُّ كَانُوا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، بَلْ كَانُوا أَكْمَلَ إِثْبَاتًا مِنَ الْأَشْعَرِيِّ (¬2) ، [فَالْعُلُوُّ عِنْدَهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ مِنَ الصِّفَاتِ السَّمْعِيَّةِ] (¬3) ، (3 وَنَقَلَ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ 3) (¬4) عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ كَمَا فَهِمَهُ عَنْهُمْ (¬5) . [وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ كُلَّابٍ هُوَ الْأُسْتَاذَ الَّذِي اقْتَدَى بِهِ الْأَشْعَرِيُّ فِي طَرِيقِهِ هُوَ وَأَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ (¬6) كَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ (¬7) . وَخَلْقٌ كَثِيرٌ يَقُولُونَ: إِنَّ اتِّصَافَهُ بِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لِلْعَالَمِ عَالٍ عَلَيْهِ هُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالْعَقْلِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ فَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (¬8) وَأَكْثَرُ أَهْلِ ¬

(¬1) ابْنُ سَعِيدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬2) ن، م: أَكْمَلَ النَّاسِ إِثْبَاتًا مِنَ الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ جَمِيعُهُ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬4) : (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) عِبَارَةُ " كَمَا فَهِمَهُ عَنْهُمْ ": زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬6) فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) كُتِبَ التَّعْلِيقُ التَّالِي: " وَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ فِي الْإِبَانَةِ ". (¬7) وَأَبِي سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ: كَذَا جَاءَ فِي (ع) ، وَأَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْمُحَدِّثُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 354 وَلَمْ يُذْكَرْ ضِمْنَ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ وَكَذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، وَسَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي أَبِي الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيِّ أَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَمْ مُعَاصِرٌ لَهُ، وَكَذَا الْأَمْرُ بِخُصُوصِ الْمُحَاسِبِيِّ فَقَدْ كَانَ مُعَاصِرًا لِابْنِ كُلَّابٍ وَهِجْرَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِسَبَبِ صُحْبَتِهِ لَهُ، فَهَؤُلَاءِ مَوْصُفُونَ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ. وَقَدْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ كُلَّابٍ وَلَكِنْ يُلَاحَظُ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاةِ ابْنِ كُلَّابٍ بِحَوَالَيْ ثَلَاثِينَ عَامًا. (¬8) فِي الْهَامِشِ كُتِبَ التَّعْلِيقُ التَّالِي: " وَرَأَيْتُ صَاحِبَ " التَّبْصِرَةِ " يَنْقُلُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ يُمِرُّ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ جَمِيعًا عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَلَا يُئَوِّلُهَا، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ " يَقُولُ: جَمِيعُ مَا جَاءَ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ لَا نُئَوِّلُهَا بَلْ نَبْقَى عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَبَالَغَ فِيهِ وَقَالَ إِنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ حَتَّى إِنَّ إِنْكَارَهَا تَعْطِيلٌ وَمَنْ أَنْكَرَهَا فَهُوَ مِنَ الْمُعَطِّلَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالْإِصْبَعِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَالنُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ وَالتَّحَوُّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ: وَكُلُّ ذَلِكَ صِفَاتٌ لَهُ تَعَالَى بِلَا كَيْفٍ، وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَسُدَاهُمْ وَلُحْمَتُهُمْ إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ. وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ " الرِّسَالَةِ " لِأَبِي زَيْدٍ، وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَعُظَمَائِهِمْ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: مَالِكٌ الصَّغِيرُ، يَقُولُ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ: إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ بِذَاتِهِ، وَهَذِهِ الرِّسَالَةُ فِي غَايَةِ الشُّهْرَةِ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ وَفِي مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْحِجَازِ، وَيُقَالُ إِنَّ لَهَا شُرُوحًا تَبْلُغُ إِلَى مِائَتَيْنِ أَوْ أَزِيدَ وَعِنْدِي شَرْحٌ مِنْهَا يُقَالُ لَهُ: ابْنُ زَرُوقٍ "

الْحَدِيثِ، وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَقَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِيِّ (¬1) ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ كِلَيْهِمَا صِفَةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ أَوَّلُ (¬2) قَوْلَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَقَوْلُ التَّمِيمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِهِ] (¬3) . وَكَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي [أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ] (¬4) أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ [اللَّهُ] فَوْقَ الْعَرْشِ [أَوْ فِي السَّمَاءِ] (¬5) . وَهَؤُلَاءِ [الَّذِينَ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ كَأَبِي الْمَعَالِي وَأَتْبَاعِهِ، فَإِنَّ الْأَشْعَرِيَّ وَأَئِمَّةَ أَصْحَابِهِ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ. (¬6) ¬

(¬1) وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ السَّرِيِّ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/142. (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " وَهُوَ " تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ ثُمَّ تُوجَدُ فِي الْأَصْلِ كَلِمَةُ " قَوْلَيْ " وَلَكِنْ كَلِمَةُ " أَوَّلِ " لَيْسَتْ ظَاهِرَةً فِي الْهَامِشِ إِذْ كَتَبَ الْمُعَلِّقُ فَوْقَهَا كَلَامًا آخَرَ سَبَقَ أَنْ أَثْبَتْنَاهُ. وَقَدْ أَضَفْتُ كَلِمَةَ " أَوَّلِ " لِاتِّفَاقِهَا مَعَ سِيَاقِ الْكَلَامِ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) : وَأَوَّلُهُ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. (¬4) ب، أ، ن، م: مُتَأَخِّرِيهِمْ. (¬5) ن، م: أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَرْشِ ; ب، أ: أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَرْشِ أَوْ فِي السَّمَاءِ (¬6) فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) كُتِبَ التَّعْلِيقُ التَّالِي بَعْدَ نَقْلِ عِبَارَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ السَّابِقَةِ: " فَإِنَّ الْأَشْعَرِيَّ يُثْبِتُ النُّزُولَ وَالتَّحَوُّلَ وَالْإِتْيَانَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْيَدِ وَالْإِصْبَعِ وَالْعَيْنِ وَالْوَجْهِ وَالْقَدَمِ وَالْجَنْبِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ، وَرَأَيْتُ كَلَامَهُ فِي كِتَابِ " الْإِبَانَةِ " يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَنَّهُ يَعْتَقِدُ كُلَّ مَا يَعْتَقِدُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَّا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ غَيَّرُوا مَسْلَكَهُ وَخَالَفُوهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا قَالَ بِهِ فَظَنَّ النَّاظِرُونَ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ كَذَلِكَ ".

ابن تيمية يسلك طريقين من البيان في مسألة الرؤية

وَهَؤُلَاءِ يَنْفُونَهَا، فَنَفَوْا هَذِهِ الصِّفَةَ ; لِأَنَّهَا - عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ - مِنَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصِّفَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ عَقْلِيَّةً] (¬1) قَالُوا: إِنَّهُ يُرَى لَا فِي جِهَةٍ (¬2) . وَجُمْهُورُ النَّاسِ [مِنْ] (¬3) مُثْبِتَةِ الرُّؤْيَةِ وَنُفَاتِهَا يَقُولُونَ: إِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، كَقَوْلِهِمْ فِي الْكَلَامِ. وَلِهَذَا يَذْكُرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَالرُّؤْيَةِ (¬4) أَحَدٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ. [ابن تيمية يسلك طريقين من البيان في مسألة الرؤية] [الطريق الأول] وَنَحْنُ [نَسْلُكُ طَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَيَانِ: أَحَدُهُمَا: نُبَيِّنُ فِيهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ مُثْبِتِيِ الرُّؤْيَةِ كَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ النُّفَاةِ. الثَّانِي: نُبَيِّنُ فِي الْحَقِّ بَيَانًا مُطْلَقًا لَا نَذُبُّ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ. الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: أَنْ] (¬5) نُبَيِّنَ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الطَّوَائِفِ الْمُثْبِتَةِ لِلرُّؤْيَةِ (¬6) أَقَلُّ خَطَأً وَأَكْثَرُ صَوَابًا مِنْ نُفَاةِ الرُّؤْيَةِ. وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ النُّفَاةِ [لِلرُّؤْيَةِ] (¬7) : أَنْتُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّشْنِيعَ عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ [وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ] (¬8) فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ. وَنَحْنُ نُبَيِّنُ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْكُمْ [نَقْلًا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن: فَقَالُوا إِنَّهُ لَا يُرَى فِي جِهَةٍ ; م: فَقَالُوا إِنَّهُ يُرَى لَا فِي جِهَةٍ. (¬3) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن: الرُّؤْيَةِ وَالْكَلَامِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَبْدَأُ ص 348. (¬6) لِلرُّؤْيَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) ع: وَنَقُولُ لِنُفَاةِ الرُّؤْيَةِ ; ن، م: وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ النُّفَاةِ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَعَقْلًا] (¬1) ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ إِذَا كَانَ فِيهِ خَطَأٌ فَالْخَطَأُ [الَّذِي فِي] (¬2) قَوْلِكُمْ أَعْظَمُ وَأَفْحَشُ (¬3) [عَقْلًا وَنَقْلًا] (¬4) . فَإِذَا قُلْتُمْ: هَؤُلَاءِ إِذَا أَثْبَتُوا مَرْئِيًّا لَا (¬5) فِي جِهَةٍ كَانَ هَذَا (¬6) مُكَابَرَةً لِلْعَقْلِ. قِيلَ لَكُمْ: لَا يَخْلُو (¬7) إِمَّا أَنْ تُحَكِّمُوا فِي هَذَا الْبَابِ الْعَقْلَ، وَإِمَّا أَنْ لَا تُحَكِّمُوهُ (¬8) ، فَإِنْ لَمْ تُحَكِّمُوهُ بَطَلَ قَوْلُكُمْ، وَإِنْ حَكَّمْتُمُوهُ فَقَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ يُرَى أَقْرَبَ إِلَى الْعَقْلِ (¬9) مِنْ قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَا يُرَى. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى. وَ [ذَلِكَ] لِأَنَّ (¬10) الرُّؤْيَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي ثُبُوتِهَا أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ بَلْ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِهَا (¬11) إِلَّا أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ. وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي هُنَا أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يُرَى كَمَا ادَّعَى (¬12) ذَلِكَ مَنِ ادَّعَاهُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ الشَّنَاعَاتُ، [فَإِنَّ ابْنَ كُلَّابٍ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ ¬

(¬1) نَقْلًا وَعَقْلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) الَّذِي فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن: وَأَنْجَسُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬5) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) لَا يَخْلُو: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬8) ن، م: وَإِمَّا أَنْ لَا تُحَكِّمُوا. (¬9) ب، ا، ن، م: الْحَقِّ. (¬10) ن، م: وَلِأَنَّ. (¬11) ب، ا: وُجُودِهَا. (¬12) ب، ا: قَالَ.

الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: كُلُّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ يُرَى، وَهَكَذَا قَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ فِيمَا أَظُنُّ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ فَادَّعَى أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يَجُوزُ أَنْ يُرَى، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ، ثُمَّ طَرَّدَ قِيَاسَهُ فَقَالَ: كُلُّ مَوْجُودٍ يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْإِدْرَاكَاتُ الْخَمْسُ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللَّمْسُ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْمَعَالِي وَالرَّازِيِّ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمْ، وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا: لَا نُثْبِتُ فِي ذَلِكَ الشَّمَّ وَالذَّوْقَ وَاللَّمْسَ، وَنَفَوْا جَوَازَ تَعَلُّقِ هَذِهِ بِالْبَارِئِ، وَالْأَوَّلُونَ جَوَّزُوا تَعَلُّقَ الْخَمْسِ بِالْبَارِئِ، وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ أَثْبَتُوا مَا جَاءَ بِهِ السَّمْعُ مِنَ اللَّمْسِ دُونَ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ جِنْسَ الْإِدْرَاكِ كَالْبَصْرِيِّينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ كَالْبَغْدَادِيِّينَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا بِأَنَّ الْمُثْبِتَةَ، وَلَوْ أَخْطَئُوا فِي بَعْضِ كَلَامِهِمْ فَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ نَقْلًا وَعَقْلًا مِنْ نُفَاةِ الرُّؤْيَةِ] (¬1) . فَنَقُولُ (¬2) : مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا يُرَى وَمِنْهَا مَا لَا يُرَى، وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُمُورًا عَدَمِيَّةً ; لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ [وَالْمَرْئِيُّ لَا يَكُونُ إِلَّا مَوْجُودًا، فَلَيْسَتْ عَدَمِيَّةً] (¬3) لَا تَتَعَلَّقُ (¬4) بِالْمَعْدُومِ، وَلَا (¬5) يَكُونُ الشَّرْطُ فِيهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬2) ن: بَلْ يَقُولُونَ ; (ب) ، (أ) ، (م) : بَلْ نَقُولُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬4) ب، ا، م: لَا يَتَعَلَّقُ ; ن: يَتَعَلَّقُ. (¬5) ب، ا، ن، م: فَلَا.

إِلَّا أَمْرًا وُجُودِيًّا [لَا يَكُونُ عَدَمِيًّا، وَكُلُّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إِلَّا الْوُجُودُ دُونَ الْعَدَمِ كَانَ بِالْوُجُودِ الْأَكْمَلِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْأَنْقَصِ] (¬1) ، فَكُلُّ مَا كَانَ (¬2) وَجُودُهُ أَكْمَلَ كَانَ أَحَقَّ بِأَنْ يُرَى، وَكُلُّ مَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُرَى فَهُوَ أَضْعَفُ وُجُودًا [مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى] (¬3) ، فَالْأَجْسَامُ الْغَلِيظَةُ أَحَقُّ بِالرُّؤْيَةِ [مِنَ الْهَوَاءِ (¬4) ، وَالضِّيَاءُ أَحَقُّ بِالرُّؤْيَةِ] مِنَ الظَّلَامِ ; لِأَنَّ النُّورَ أَوْلَى بِالْوُجُودِ، وَالظُّلْمَةَ أَوْلَى بِالْعَدَمِ، وَالْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ أَكْمَلُ الْمَوْجُودَاتِ وُجُودًا وَأَبْعَدُ (¬5) الْأَشْيَاءِ عَنِ الْعَدَمِ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يُرَى، وَإِنَّمَا لَمْ نَرَهُ (¬6) لِعَجْزِ أَبْصَارِنَا عَنْ رُؤْيَتِهِ لَا لِأَجْلِ امْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ، كَمَا أَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ أَحَقُّ بِأَنْ يُرَى مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. وَلِهَذَا مَثَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُؤْيَةَ اللَّهِ بِهِ فَقَالَ: " «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» " شَبَّهَ الرُّؤْيَةَ بِالرُّؤْيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَرْئِيُّ مِثْلَ الْمَرْئِيِّ، وَمَعَ هَذَا فَإِذَا حَدَّقَ الْبَصَرُ فِي الشُّعَاعِ (¬7) ضَعُفَ عَنْ رُؤْيَتِهِ، لَا لِامْتِنَاعٍ فِي [ذَاتِ] (¬8) الْمَرْئِيِّ بَلْ لِعَجْزِ الرَّائِي، فَإِذَا كَانَ فِي ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬2) ب، ا، ن، م: وَكُلُّ مَا كَانَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) : وَكَانَتِ الْعِبَارَةُ فِي الْأَصْلِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ، وَهُوَ ضِدُّ الْمَعْنَى. (¬4) ب، ا: فَالْأَجْسَامُ الْجَامِدَةُ أَحَقُّ بِالرُّؤْيَةِ مِنَ الضِّيَاءِ ; ن، م: الْجُمْلَةُ مُتَدَاخِلَةٌ مَعَ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيهَا هَكَذَا: وَالْأَجْسَامُ الصَّقِيلَةُ (كَذَا وَفِي (م) : الصَّقْلِيَّةُ) أَحَقُّ بِالرُّؤْيَةِ مِنَ الظَّلَامِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬5) ب: أَبْعَدُ ; أ: بَعُدَ. (¬6) ب: لَمْ يُرَ ; أ: لَمْ نَرَى. (¬7) ع: فَإِذَا حَذَقَ الْبَصَرُ فِي الشُّعَاعِ ; ن: فَإِذَا حَدَّقَ الشُّعَاعَ بِالْبَصَرِ ; ب، ا، م: فَإِذَا أَحْدَقَ الْبَصَرُ فِي الشُّعَاعِ. (¬8) ذَاتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

الدَّارِ الْآخِرَةِ أَكْمَلَ اللَّهُ [تَعَالَى] (¬1) الْآدَمِيِّينَ وَقَوَّاهُمْ حَتَّى أَطَاقُوا رُؤْيَتَهُ، وَلِهَذَا لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬2) لِلْجَبَلِ خَرَّ مُوسَى صَعِقًا {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 143] . قِيلَ: أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (¬3) بِأَنَّهُ لَا يَرَاكَ حَيٌّ إِلَّا مَاتَ، وَلَا يَابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَهَ (¬4) ، فَهَذَا لِلْعَجْزِ (¬5) الْمَوْجُودِ فِي الْمَخْلُوقِ، لَا لِامْتِنَاعٍ فِي ذَاتِ الْمَرْئِيِّ، بَلْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ ذَاتِهِ، لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِنَقْصِ وَجُودِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَى [خَارِجَ الرَّائِي] (¬6) . [وَلِهَذَا كَانَ الْبَشَرُ يَعْجِزُونَ عَنْ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَنْ أَيَّدَهُ اللَّهُ، كَمَا أَيَّدَ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ - وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 8، 9] قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: هُمْ لَا يُطِيقُونَ أَنْ يَرَوُا الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ، فَلَوْ أَنْزَلْنَا إِلَيْهِمْ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ فِي صُورَةِ بَشَرٍ، وَحِينَئِذٍ كَانَ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِمْ هَلْ هُوَ مَلَكٌ أَوْ بَشَرٌ، فَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِإِرْسَالِ الْمَلَكِ إِلَيْهِمْ، فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ بَشَرًا مِنْ جِنْسِهِمْ يُمْكِنُهُمْ رُؤْيَتُهُ وَالتَّلَقِّي عَنْهُ، وَكَانَ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ وَالرَّحْمَةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [سُورَةُ التَّكْوِيرِ: 22] ، ¬

(¬1) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬2) عَزَّ وَجَلَّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬3) عِبَارَةُ: " قِيلَ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ. (¬4) فِي (ن) ، (م) الْكَلَامُ هُنَا نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. (¬5) ع: (فَقَطْ) : الْعَجْزُ. (¬6) ب (فَقَطْ) : الرَّأْيُ، وَهُوَ خَطَأٌ وَجُمْلَةُ " خَارِجَ الرَّائِي " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَالَ: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 2] وَقَالَ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 128] وَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 4] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ] (¬1) . فَإِنْ قُلْتُمْ: هَؤُلَاءِ (¬2) يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَرَى لَا فِي جِهَةٍ، وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ. فَيُقَالُ: هَذَا قَالُوهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي اتَّفَقْتُمْ أَنْتُمْ (¬3) وَهُمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ. ثُمَّ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ مَعَ الْأَشْعَرِيِّ وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ [أَصْحَابِ الْحَدِيثِ] (¬4) ، أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ كَالتَّمِيمِيِّينَ وَابْنِ عَقِيلٍ (¬5) وَغَيْرِهِمْ: فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ بِذَاتِهِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا مُتَحَيِّزٍ. فَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا الْقَوْلُ مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فَوْقَ الْعَالَمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ (¬6) مِنْهُ جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ، [وَإِذَا تَمَيَّزَ مِنْهُ جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ] (¬7) كَانَ جِسْمًا، فَإِذَا أَثْبَتُوا مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ (¬8) لَا يُوصَفُ بِمُحَاذَاةٍ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (أ) ، (م) . (¬2) ب، ا: إِنَّ هَؤُلَاءِ. (¬3) أَنْتُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) " جُمْلَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ ابْنِ عَقِيلٍ 1/143. (¬6) ن: يُمَيِّزُهُ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) عِبَارَةُ " فَوْقَ الْعَرْشِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

وَلَا مُمَاسَّةٍ (¬1) ، وَلَا يَتَمَيَّزُ (¬2) مِنْهُ جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ كَانَ هَذَا مُكَابَرَةً. فَيُقَالُ: لَكُمْ: أَنْتُمْ [يَا نُفَاةَ الرُّؤْيَةِ] (¬3) تَقُولُونَ وَمَنْ وَافَقَكُمْ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلرُّؤْيَةِ: إِنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا مُبَايِنٌ لَهُ وَلَا مُحَايِثٌ لَهُ (¬4) . فَإِذَا قِيلَ لَكُمْ: هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ (¬5) ، فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يُثْبِتُ شَيْئَيْنِ مَوْجُودَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُبَايِنًا لِلْآخَرِ أَوْ دَاخِلًا فِيهِ، كَمَا يُثْبِتُ (¬6) الْأَعْيَانَ الْمُتَبَايِنَةَ وَالْأَعْرَاضَ الْقَائِمَةَ. بِهَا وَأَمَّا إِثْبَاتُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَلَا يَكُونُ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، فَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ الْعَقْلُ (¬7) اسْتِحَالَتَهُ وَبُطْلَانَهُ بِالضَّرُورَةِ. قُلْتُمْ (¬8) : هَذَا النَّفْيُ حُكْمُ الْوَهْمِ لَا حُكْمُ الْعَقْلِ، وَجَعَلْتُمْ فِي الْفِطْرَةِ حَاكِمَيْنِ (¬9) : أَحَدُهُمَا الْوَهْمُ وَالْآخَرُ الْعَقْلُ، مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ الْوَهْمَ قُلْتُمْ (¬10) هُوَ الْقُوَّةُ الَّتِي تُدْرِكُ مَعَانِيَ جُزْئِيَّةً غَيْرَ مَحْسُوسَةٍ فِي الْأَعْيَانِ الْمَحْسُوسَةِ، كَالْعَدَاوَةِ وَالصَّدَاقَةِ، كَمَا تُدْرِكُ الشَّاةَ مَعْنًى فِي الذِّئْبِ وَمَعْنًى فِي الْكَبْشِ، فَتَمِيلُ إِلَى هَذَا وَتَنْفِرُ عَنْ هَذَا. وَإِذَا كَانَ الْوَهْمُ إِنَّمَا ¬

(¬1) ب، ا: بِمُمَاسَّةٍ ; ن: مُيَامَنَةٌ ; م: بِمُبَايَنَةٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: وَلَا يُمَيَّزُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬4) ن، م، ع، ا: وَلَا مُجَانِبٌ لَهُ. (¬5) ب: بِالضَّرُورَةِ ; أ: بِضَرُورَةٍ ; ن، م: فَضَرُورَةُ الْعَقْلِ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . (¬6) ن: ثَبَتَتْ. (¬7) ع: فَهَذَا إِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ. (¬8) ع: وَقُلْتُمْ. (¬9) ن: حَالَيْنِ. (¬10) قُلْتُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

يُدْرِكُ أُمُورًا (¬1) مُعَيَّنَةً فَهَذِهِ الْقَضَايَا الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِيهَا قَضَايَا كُلِّيَّةٌ عَامَّةٌ، وَالْقَضَايَا الْكُلِّيَّةُ الْعَامَّةُ هِيَ لِلْعَقْلِ لَا لِلْحِسِّ وَلَا لِلْوَهْمِ الَّذِي يَتْبَعُ الْحِسَّ، فَإِنَّ الْحِسَّ لَا يُدْرِكُ إِلَّا أُمُورًا مُعَيَّنَةً، وَكَذَلِكَ الْوَهْمُ [عِنْدَكُمْ] (¬2) . وَقَدْ بُسِطَ الرَّدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ (¬3) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بَيَانُ أَنَّ قَوْلَ أُولَئِكَ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِهِمْ. فَيُقَالُ: إِذَا عَرَضْنَا عَلَى الْعَقْلِ وُجُودَ مَوْجُودٍ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا مُبَايِنٍ لَهُ وَلَا مُحَايِثٍ لَهُ (¬4) ، وَوُجُودَ مَوْجُودٍ مُبَايِنٍ لِلْعَالَمِ فَوْقَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجِسْمٍ (¬5) ، كَانَ تَصْدِيقُ الْعَقْلِ بِالثَّانِي أَقْوَى مِنْ تَصْدِيقِهِ بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي فِطْرَةِ كُلِّ أَحَدٍ، فَقَبُولُ (¬6) الثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى الْفِطْرَةِ وَنُفُورُهَا عَنِ الْأَوَّلِ أَعْظَمُ فَإِنْ وَجَبَ تَصْدِيقُكُمْ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ عَنِ الْفِطْرَةِ أَبْعَدُ كَانَ تَصْدِيقُ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِهِمْ أَوْلَى. وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَحْتَجُّوا عَلَى بُطْلَانِ (¬7) (8 قَوْلِهِمْ بِحُجَّةٍ إِلَّا وَهِيَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِكُمْ أَدَلُّ 8) (¬8) . فَإِذَا قُلْتُمْ: [وُجُودُ مَوْجُودٍ فَوْقَ الْعَالَمِ لَيْسَ بِجِسْمٍ لَا يُعْقَلُ. قِيلَ لَكُمْ: كَمَا أَنَّ [ (¬9) ] وُجُودَ مَوْجُودٍ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ لَا يُعْقَلُ. ¬

(¬1) ب: يُنْكِرُ أُمُورًا ; أ: يَذْكُرُونَ أُمُورًا ; ن، م: يُدْرِكُ قُوًى. (¬2) ع: عِنْدَهُمْ، وَهِيَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: هَذَا. (¬4) ن، م، ع، ا: وَلَا مُجَانِبٍ لَهُ. (¬5) ع: وَلَيْسَ بِجِسْمٍ. (¬6) ب، ا، م: فَقَوْلُ ; ن: فَيَقُولُ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . (¬7) ب، ا: إِبْطَالِ. (¬8) (8 - 8) : هَذَا الْكَلَامُ فِي نُسْخَةِ (ن) نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. وَفِي (م) : قَوْلِكُمْ بِحُجَّةٍ. . أَوْلَى. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فَإِذَا قُلْتُمْ: نَفْيُ هَذَا مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ. قِيلَ لَكُمْ: إِنْ كَانَ هَذَا النَّفْيُ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَذَلِكَ (¬1) النَّفْيُ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَإِذَا قُلْتُمْ: حُكْمُ الْوَهْمِ الْبَاطِلُ أَنْ يَحْكُمَ فِي أُمُورٍ غَيْرِ مَحْسُوسَةٍ حُكْمَهُ فِي أُمُورٍ مَحْسُوسَةٍ (¬2) . قِيلَ: لَكُمْ (¬3) (* أَجْوِبَةٌ: أَحَدُهَا (¬4) : أَنَّ هَذَا يُبْطِلُ حُجَّتَكُمْ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ قَوْلَكُمْ إِنَّهُ يَمْتَنِعُ (¬5) وُجُودُ مَوْجُودٍ فَوْقَ الْعَالَمِ لَيْسَ بِجِسْمٍ لَيْسَ (¬6) أَقْوَى مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ يَمْتَنِعُ (¬7) وُجُودُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ، [وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ مَوْجُودَيْنِ لَا مُتَبَايِنَيْنِ وَلَا مُتَحَايِثَيْنِ، وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ مَوْجُودٍ لَيْسَ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ] (¬8) ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَقْبَلُونَ هَذَا الْأَقْوَى لِزَعْمِكُمْ أَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ (¬9) الْبَاطِلِ لَزِمَكُمْ أَنْ لَا تَقْبَلُوا ذَلِكَ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّ كِلَيْهِمَا عَلَى قَوْلِكُمْ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْبَاطِلِ، وَفَسَادُ قَوْلِكُمْ أَبْيَنُ فِي الْفِطْرَةِ مِنْ فَسَادِ (¬10) قَوْلِ مُنَازِعِيكُمْ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمْ (¬11) مَرْدُودًا ¬

(¬1) ن، م: فَكَذَلِكَ. (¬2) ن، م: الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ. (¬3) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَيَنْتَهِي فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ. (¬4) ب، ا: جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا. (¬5) ب: قَوْلَهُمْ إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ ; أ: قَوْلَهُمْ إِنَّهُ يَمْتَنِعُ. (¬6) لَيْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ب: مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ ; أ: مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ يَمْتَنِعُ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي الْأَصْلِ: وَلَا خَارِجَ عَنْهُ. (¬9) الْوَهْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬10) فَسَادِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬11) ع: هَذَا الْقَوْلُ.

فَقَوْلُكُمْ أَوْلَى بِالرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُكُمْ مَقْبُولًا فَقَوْلُهُمْ أَوْلَى بِالْقَبُولِ. الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: *) : أَنْتُمْ لَمْ تُثْبِتُوا وُجُودَ أُمُورٍ (¬1) لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهَا [ابْتِدَاءً] (¬2) حَتَّى يَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ، بَلْ إِنَّمَا أَثْبَتُّمْ مَا ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ [ابْتِدَاءً] (¬3) بِإِبْطَالِ هَذَا الْحُكْمِ الْفِطْرِيِّ (¬4) الَّذِي يُحِيلُ وُجُودَ مَا لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ بِحَالٍ (¬5) ، فَإِنْ كَانَ (¬6) هَذَا الْحُكْمُ لَا يَبْطُلُ حَتَّى يُثْبِتَ (¬7) الْأُمُورَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْسُوسَةٍ (¬8) لَزِمَ (¬9) الدَّوْرُ فَلَا يَبْطُلُ هَذَا الْحُكْمُ حَتَّى يُثْبِتَ مَا لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ، وَلَا يُثْبِتُ ذَلِكَ حَتَّى يُبْطِلَ هَذَا الْحَكَّ، فَلَا يُثْبِتُ ذَلِكَ. [وَ] يُقَالُ: [لَكُمْ] : إِنْ (¬10) جَازَ وُجُودُ أُمُورٍ لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهَا (¬11) فَوُجُودُ مَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ أَوْلَى (¬12) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَ قَوْلُكُمْ. فَمَنْ أَثْبَتَ مَوْجُودًا فَوْقَ الْعَالَمِ لَيْسَ بِجِسْمٍ يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ، كَانَ قَوْلُهُ ¬

(¬1) ع: أَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ وُجُودَ أُمُورٍ ; ن: أَنْتُمْ لَمْ تُثْبِتُوا وُجُودًا ثُمَّ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . (¬2) ابْتِدَاءً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ابْتِدَاءً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: النَّظَرِيِّ. (¬5) ب: الْإِحْسَاسُ بِهِ وَهُوَ مُحَالٌ ; أ: الْإِحْسَاسُ بِهِ مُحَالٌ. (¬6) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ب، ا: تُثْبِتَ. (¬8) ع: لَيْسَتْ مَحْسُوسَةً ; ن، م: لَيْسَتْ غَيْرَ مَحْسُوسَةٍ. (¬9) ب (فَقَطْ) : فَيَلْزَمُ. (¬10) ن، م: يُقَالُ إِنْ. . (¬11) ب: وُجُودُ أَمْرٍ لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ ; أ: وُجُودُ أَمْرٍ يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهَا. (¬12) ن، م: مَعَ وُجُودِ مَا لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ ; ع: فَوُجُودُ مَا لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ أَوْلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

: أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ مِمَّنْ أَثْبَتَ مَوْجُودًا لَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ وَلَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ. فَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ (¬1) مَا مِنْ حُجَّةٍ يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مُنَازِعِيهِمْ (¬2) إِلَّا وَدَلَالَتُهَا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ أَشَدُّ وَلَكِنَّهُمْ يَتَنَاقَضُونَ. وَالَّذِينَ وَافَقُوهُمْ عَلَى بَعْضِ غَلَطِهِمْ صَارُوا (¬3) يُسَلِّمُونَ (¬4) لَهُمْ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةَ الْبَاطِلَةَ النَّافِيَةَ [وَهُوَ إِثْبَاتُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مُبَايِنًا لِغَيْرِهِ وَلَا مُحَايِثًا لَهُ (¬5) وَلَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ] (¬6) وَيَطْلُبُونَ (¬7) طَرْدَهَا، وَطَرْدُهَا يَسْتَلْزِمُ الْبَاطِلَ الْمَحْضَ. فَوَجْهُ الْمُنَاظَرَةِ أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةَ لَا تُسَلَّمُ (¬8) ، لَكِنْ يُقَالُ: إِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً بَطَلَ أَصْلُ قَوْلِ النُّفَاةِ، [وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَهِيَ أَدَلُّ عَلَى إِمْكَانِ قَوْلِ (¬9) أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، فَإِنْ كَانَ إِثْبَاتُ مَوْجُودٍ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا هُوَ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ مُمْكِنًا، فَإِثْبَاتُ مَوْجُودٍ فَوْقَ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا بَطَلَ أَصْلُ قَوْلِ النُّفَاةِ] (¬10) ، وَثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬11) إِمَّا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَإِمَّا خَارِجَهُ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ بِإِثْبَاتِ مَوْجُودٍ ¬

(¬1) ب، ا: فَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ ;، م: فَحَاصِلُهُ أَنَّ. (¬2) ع: تَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى قَوْلِ مُنَازِعِيكُمْ. (¬3) ب، ا: مَا دَاوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬4) ن، م: مُسَلِّمِينَ. (¬5) ب، ا: مُمَاثِلًا لَهُ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) م، ن: وَيَظُنُّونَ. (¬8) ع: أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ ; ن، م: أَنَّ تِلْكَ الْمُنَاظَرَةَ لَا تُسَلَّمُ. (¬9) ب، ا: فَهِيَ أَوْلَى عَلَى قَوْلِ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجِهِ أَبْعَدَ عَنِ الْحَقِّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. ثُمَّ يُقَالُ: رُؤْيَةُ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا فِي جِهَةٍ إِمَّا أَنْ يُجَوِّزَهُ الْعَقْلُ وَإِمَّا أَنْ يَمْنَعَهُ، فَإِنْ جَوَّزَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ مَنَعَهُ كَانَ مَنْعُ الْعَقْلِ لِإِثْبَاتِ مَوْجُودٍ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، بَلْ هُوَ حَيٌّ بِلَا حَيَاةٍ، عَلِيمٌ بِلَا عِلْمٍ، قَدِيرٌ بِلَا قُدْرَةٍ، أَشَدَّ وَأَشَدَّ. فَإِنْ (¬1) قُلْتُمْ: هَذَا الْمَنْعُ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ. قِيلَ لَكُمْ: وَالْمَنْعُ مِنْ رُؤْيَةِ مَرْئِيٍّ لَيْسَ فِي جِهَةٍ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الثَّالِثُ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ [يُقَالَ:] (¬2) : حُكْمُ الْوَهْمِ الْبَاطِلُ عِنْدَكُمْ أَنْ يَحْكُمَ فِي أُمُورٍ غَيْرِ مَحْسُوسَةٍ (¬3) بِمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ. فَيُقَالُ: (¬4) : الْبَارِي تَعَالَى إِمَّا أَنْ تَكُونَ رُؤْيَتُهُ مُمْكِنَةً، وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ (¬5) . فَإِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً بَطَلَ قَوْلُكُمْ بِإِثْبَاتِ مَوْجُودٍ (¬6) غَيْرِ مَحْسُوسٍ، وَلَمْ يَبْقَ هُنَا (¬7) وَهْمٌ بَاطِلٌ يَحْكُمُ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسِ (¬8) بِحُكْمٍ بَاطِلٍ، فَإِنَّكُمْ لِرُؤْيَةِ الْبَارِي أَشَدُّ مَنْعًا مِنْ رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا ¬

(¬1) ن، م: وَإِنْ. (¬2) يُقَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬3) ع (فَقَطْ) : أُمُورٍ غَيْرِ الْمَحْسُوسَةِ. (¬4) ن، م: فَقَالَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب (فَقَطْ) : وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ مُمْكِنَةً. (¬6) ن، م: وُجُودِهِ. (¬7) ب، ا: وَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ ; ع: فَلَمْ يَبْقَ هُنَا. (¬8) ب، ن، م: بِحُكْمٍ فِي غَيْرِ مَحْسُوسٍ ; أ: يَحْكُمُ فِي غَيْرِ مَحْسُوسٍ.

جَوَّزْتُمْ رُؤْيَتَهُ فَرُؤْيَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ رُؤْيَتُهُ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ. قِيلَ: فَهُوَ حِينَئِذٍ (¬1) غَيْرُ مَحْسُوسٍ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ (¬2) حُكْمُ الْوَهْمِ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّ كُلَّ مَرْئِيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ. وَأَمَّا إِذَا قَدَّرْنَا (¬3) مَوْجُودًا غَيْرَ مَحْسُوسٍ يُرَى لَا فِي جِهَةٍ [رُؤْيَةً] (¬4) غَيْرَ الرُّؤْيَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَوَاتِ الْجِهَةِ (¬5) ، كَانَ إِبْطَالُ هَذَا مِثْلَ إِبْطَالِ مَوْجُودٍ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، [وَإِلَّا] فَإِذَا (¬6) ثَبَتَ وُجُودُ هَذَا الْمَوْجُودِ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ (¬7) الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ مُنَاسِبَةً لَهُ، وَلَمْ تَكُنْ كَالرُّؤْيَةِ الْمَعْهُودَةِ لِلْأَجْسَامِ. فَهَذِهِ الطَّرِيقُ وَنَحْوَهَا مِنَ الْمُنَاظَرَةِ الْعَقْلِيَّةِ إِذَا سَلَكَ يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ إِلَى السُّنَّةِ أَقْرَبَ كَانَ قَوْلُهُ إِلَى الْعَقْلِ أَقْرَبَ، وَهُوَ يُوجِبُ نَصْرَ (¬8) الْأَقْرَبِينَ إِلَى السُّنَّةِ بِالْعَقْلِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ [بَعْضُ] الْأَقْرَبِينَ (¬9) إِلَى السُّنَّةِ سَلَّمُوا لِلْأَبْعَدِينَ (¬10) عَنْهَا مُقَدَّمَاتٌ بَيْنَهُمْ، وَهِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَاطِلَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ مُطَابِقًا لِلْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُمْكِنُ نَصْرُهُ لَا بِشَرْعٍ صَحِيحٍ وَلَا بِعَقْلِ صَرِيحٍ (¬11) ، لِمَنْ غَرَضُهُ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ لَا بَيَانُ رُجْحَانِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ عَلَى بَعْضٍ. ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: قِيلَ لَكُمْ فَحِينَئِذٍ فَهُوَ. (¬2) ن: وَلَا يُقَالُ فِيهِ ; م: وَلَا فِيهِ. (¬3) ب، ا: وَإِذَا قَدَّرْتُمْ. (¬4) رُؤْيَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ع: بِذَوَاتِ الْجِهَاتِ. (¬6) ب، ن، م: وَإِذَا ; أ: وَلَا إِذَا. (¬7) ن: الْوُجُودُ كَانَتِ الرِّوَايَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; م: الْوُجُودُ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ. (¬8) ن، م: نَظَرَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ن، م، ب، ا: لَمَّا كَانَ الْأَقْرَبُونَ. (¬10) ع: سَلَّمُوا لِلْأَبْعَدِ ; ن: يَتْلُوا الْأَبْعَدِينَ ; م: سَلُوا لِلْأَبْعَدِينَ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . (¬11) ن، م: لَا بِشَرْعٍ صَرِيحٍ وَلَا بِعَقْلٍ صَحِيحٍ ; ع: وَلَا عَقْلٍ صَرِيحٍ.

(¬1) [وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ رُجْحَانِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ فَهَذَا مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَسْلُكُهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا عَابَ بِهِ الرَّافِضَةَ كَثِيرٌ مِنَ الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ (¬2) ، فَإِنَّهُمْ عَابُوا كَثِيرًا مِنْهُمْ بِأَقْوَالٍ هِيَ مَعِيبَةٌ مَذْمُومَةٌ، وَاللَّهُ قَدْ أَمَرَنَا أَلَّا نَقُولَ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَقَّ، وَأَلَّا نَقُولَ عَلَيْهِ إِلَّا بِعِلْمٍ، وَأَمَرَنَا بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ، فَلَا يَجُوزُ لَنَا إِذَا قَالَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ - فَضْلًا عَنِ الرَّافِضِيِّ - قَوْلًا فِيهِ حَقٌّ أَنْ نَتْرُكَهُ أَوْ نَرُدَّهُ كُلَّهُ، بَلْ لَا نَرُدُّ إِلَّا مَا فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ دُونَ مَا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ. وَلِهَذَا جُعِلَ هَذَا الْكِتَابُ: " مِنْهَاجُ أَهْلِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي نَقْضِ كَلَامِ الشِّيَعِ وَالْقَدَرِيَّةِ " فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ رَدُّوا مَا تَقَوَّلَهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ بِكَلَامٍ فِيهِ أَيْضًا بِدْعَةٌ وَبَاطِلٌ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ يَسْتَجِيزُهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُقَابَلَةُ الْفَاسِدِ بِالْفَاسِدِ، لَكِنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَهُمْ يَذُمُّونَ أَهْلَ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِينَ يَرُدُّونَ بَاطِلًا بِبَاطِلٍ وَبِدْعَةً بِبِدْعَةٍ، وَيَأْمُرُونَ أَلَّا يَقُولَ الْإِنْسَانُ إِلَّا الْحَقَّ، لَا يَخْرُجُ عَنِ السُّنَّةِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ، وَلِهَذَا لَمْ نَرُدَّ مَا تَقَوَّلَهُ: الْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ مِنْ حَقٍّ بَلْ قَبِلْنَاهُ، لَكِنْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا عَابُوا بِهِ مُخَالِفِيهِمْ مِنَ الْأَقْوَالِ فَفِي أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْعَيْبِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ. ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ وَيَنْتَهِي ص 343. (¬2) فِي الْأَصْلِ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَسْلُكُهُ فِي كَثِيرِ مَا عَابَتِ الرَّافِضَةَ كَثِيرٌ مِنَ الطَّوَائِفِ. . إِلْخَ. وَهُوَ كَلَامٌ مُضْطَرِبٌ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَا أَثْبَتُّهُ وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ. وَالطَّوَائِفُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ خِلَافَةِ " الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ " هُمُ الْمُتَّفِقُونَ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَانْظُرْ مَا سَبَقَ، ص 221.

فَالْمُنْتَسِبُونَ إِلَى إِثْبَاتِ خِلَافَةِ الْأَرْبَعَةِ وَتَفْضِيلِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ أَقْوَالًا فَاسِدَةً فَأَقْوَالُ الرَّافِضَةِ أَفْسَدُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْمُنَاظِرُ لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ كَالْأَشْعَرِيِّ وَأَمْثَالِهِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَقُولُونَ أَقْوَالًا بَاطِلَةً، فَفِي أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ مِنَ الْبَاطِلِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا، فَالْوَاجِبُ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ أَنْ يُبَيَّنَ رُجْحَانُ قَوْلِ الْفَرِيقِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَى السُّنَّةِ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، وَلَا نَنْصُرُ الْقَوْلَ الْبَاطِلَ الْمُخَالِفَ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ أَبَدًا، فَإِنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ وَمَذْمُومٌ، يُذَمُّ بِهِ صَاحِبُهُ، وَيَتَوَلَّدُ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَا لَا يُوصَفُ، كَمَا تَوَلَّدَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَكَانٌ آخَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى وَجْهِ الْمُنَاظَرَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا الْإِنْسَانُ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، لَا بِجَهْلٍ وَظُلْمٍ. وَأَمَّا مُنَاظَرَاتُ الطَّوَائِفِ الَّتِي كُلٌّ مِنْهَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ وَلَوْ بِقَلِيلٍ، فَأَعْظَمُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا بَيَانُ إِبْطَالِ بَعْضِهِمْ لِمَقَالَةِ بَعْضٍ. وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْكَلَامِ دُونَ غَيْرِهَا، لَكِنْ يَعْتَقِدُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْعَقِيدَةُ الَّتِي تَعَبَّدَ الشَّارِعُ النَّاسَ بِاعْتِقَادِهَا، وَأَنَّ لَهَا بَاطِنًا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الِاعْتِقَادِ يُوَافِقُ الشَّرْعَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَمَا ثَبَتَ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَلَا يُنَاقِضُ بَاطِنُهُ ظَاهِرَهُ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِالْمُنَاظَرَةِ بَيَانَ رُجْحَانِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ عَلَى بَعْضٍ] (¬1) ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) : وَبَدَأَ فِي ص 342.

وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ مُنَاظَرَةِ أَهْلِ الْكَلَامِ إِنَّمَا هِيَ فِي بَيَانِ فَسَادِ (¬1) مَذْهَبِ الْمُخَالِفِينَ وَبَيَانِ تَنَاقُضِهِمْ، لِأَنَّهُ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ بَاطِلًا، فَمَا (¬2) يُمْكِنُ أَحَدُهُمْ نَصْرَ قَوْلِهِ مُطْلَقًا فَيُبَيِّنُ فَسَادَ قَوْلِ خَصْمِهِ. وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ (¬3) حَسَنَ الظَّنِّ بِمَذْهَبِهِ، قَدْ بَنَاهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ يَعْتَقِدُهَا صَحِيحَةً، فَإِذَا أَخَذَ الْإِنْسَانُ مَعَهُ فِي تَقْرِيرِ نَقِيضِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَبِينُ الْحَقُّ (¬4) ، وَيَطُولُ الْخِصَامُ كَمَا طَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْكَلَامِ. فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ لِذَلِكَ (¬5) رُجْحَانَ مَذْهَبِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ أَوْ فَسَادَ (¬6) مَذْهَبِهِ بِتِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهَا، فَإِذَا رَأَى تَنَاقُضَ قَوْلِهِ أَوْ رُجْحَانَ قَوْلِ [غَيْرِهِ] عَلَى قَوْلِهِ (¬7) اشْتَاقَ حِينَئِذٍ إِلَى مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ وَبَيَانِ جِهَةِ الْخَطَأِ، فَيَبِينُ لَهُ (¬8) فَسَادُ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا وَصِحَّةُ نَقِيضِهَا، وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ الْغَلَطُ. وَهَكَذَا فِي مُنَاظَرَةِ الدَّهْرِيِّ (¬9) وَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالرَّافِضِيِّ ¬

(¬1) ن، ا، ع، إِفْسَادِ. (¬2) ب، ا: فَلَا. (¬3) ن: إِذَا كَانَ هَذَا الْمَذْهَبُ ; م: إِذَا كَانَ الْمَذْهَبُ. (¬4) ب، ا: فِي تَقْرِيرِ نَقِيضِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ. (¬5) ب، ا: فَالْوَجْهُ لِذَلِكَ أَنْ يَبِينَ لِذَلِكَ ; ن، م: فَالْوَجْهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لِذَلِكَ. (¬6) ع، م: وَفَسَادَ. (¬7) ع: تَنَاقُضَ أَوْ رُجْحَانَ قَوْلِ غَيْرِهِ عَلَى قَوْلِهِ ; ن: تَنَاقُضَ قَوْلِهِ أَوْ رُجْحَانَ قَوْلِهِ عَلَى قَوْلِهِ ; م: تَنَاقُضَ قَوْلِهِ أَوْ رُجْحَانَ قَوْلِهِ عَلَى. (¬8) ب، ا: فَيَتَبَيَّنُ لَهُ ; ن، م: فَتَبَيَّنَ لَهُ. (¬9) الدَّهْرِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

وَغَيْرِهِمْ (¬1) ، إِذَا سُلِكَ مَعَهُمْ هَذَا الطَّرِيقُ نَفَعَ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ فَتَبَيَّنَ لَهُمْ (¬2) ، وَمَا مِنْ طَائِفَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا حَقٌّ وَبَاطِلٌ، فَإِذَا خُوطِبَتْ بُيِّنَ لَهَا أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي نَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ (¬3) هُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنَ الَّذِي وَافَقْنَاكُمْ عَلَيْهِ، وَنُبُوَّةُ (¬4) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ] (¬5) ، وَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ (¬6) مِنْ خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَمَا [ذُكِرَ] (¬7) مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ يَثْبُتُ بِهَا نُبُوَّةُ هَذَا [وَهَذَا] (¬8) إِلَّا وَهِيَ تَثْبُتُ [بِهَا] (¬9) نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، (10 وَمَا مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ يَثْبُتُ بِهَا خِلَافَةُ عَلِيٍّ إِلَّا وَهِيَ تُثْبِتُ خِلَافَةَ هَذَيْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى 10) (¬10) ، وَيُبَيِّنُ (¬11) لَهُمْ أَنَّ مَا يَدْفَعُونَ بِهِ هَذَا الْحَقَّ يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِهِ الْحَقُّ (¬12) الَّذِي مَعَهُمْ، فَمَا يُقْدَحُ شَيْءٌ (¬13) فِي (* مَوَارِدِ النِّزَاعِ إِلَّا كَانَ قَدْحًا (¬14) فِي مَوَارِدِ الْإِجْمَاعِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ بِهِ مَوَارِدُ الْإِجْمَاعِ إِلَّا وَهُوَ يَثْبُتُ بِهِ (¬15) مَوَارِدُ النِّزَاعِ *) (¬16) ، وَمَا مِنْ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ [صَلَّى ¬

(¬1) ع: وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬2) ب، ا: عِبَارَةُ " فَتَبَيَّنَ لَهُمْ " سَاقِطَةٌ ; ع: كَلِمَةُ " فَتَبَيَّنَ " سَاقِطَةٌ. (¬3) ع: تَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ; ن، م: بُيِّنَ لَهَا أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ. (¬4) ب، ا، ن، م: فَنُبُوَّةُ. (¬5) عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) بِالصِّحَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) ذُكِرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬8) ب: نُبُوَّةُ هَذَيْنِ. (¬9) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬10) : (10 - 10) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬11) ب، ا: وَيَتَبَيَّنُ ; ن: وَتَبَيَّنَ. (¬12) الْحَقُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬13) ب، ا: بِشَيْءٍ ; ن: فِي شَيْءٍ ; م: لِشَيْءٍ. (¬14) ب، ا، ن، م: إِلَّا كَانَ قَدْ جَاءَ. (¬15) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬16) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي نُسْخَةِ (ن) نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) وَخِلَافَةِ الشَّيْخَيْنِ (¬2) إِلَّا وَيَرِدُ عَلَى نُبُوَّةِ غَيْرِهِ (¬3) وَخِلَافَةِ غَيْرِهِمَا مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَعْظَمُ (¬4) مِنْهُ، [وَمَا مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ غَيْرِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِلَافَةِ غَيْرِهِمَا إِلَّا وَالدَّلِيلُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِلَافَتِهِمَا أَقْوَى مِنْهُ] (¬5) . وَأَمَّا الْبَاطِلُ الَّذِي بِأَيْدِي الْمُنَازِعِينَ (¬6) فَتَبَيَّنَ (¬7) أَنَّهُ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِبَاطِلٍ مِثْلِهِ، وَأَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي يَبْطُلُ بِهِ ذَلِكَ الْبَاطِلُ يَبْطُلُ بِهِ بَاطِلُهُمْ، فَمَنِ ادَّعَى الْإِلَهِيَّةَ فِي الْمَسِيحِ أَوْ عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا عُورِضَ بِدَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ فِي مُوسَى وَآدَمَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَا يَذْكُرُ شُبْهَةً يَظُنُّ بِهَا الْإِلَهِيَّةَ إِلَّا وَيُذْكَرُ فِي الْآخَرِ نَظِيرُهَا وَأَعْظَمُ مِنْهَا، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ أَحَدِ الْمَثَلَيْنِ (¬8) تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ الْآخَرِ، فَالْحَقُّ يَظْهَرُ صِحَّتُهُ بِالْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ لَهُ وَالْبَاطِلُ يَظْهَرُ فَسَادُهُ بِالْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ لَهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِ مَحْبُوبِهِ أَوْ مَكْرُوهِهِ مِنْ حَمْدٍ وَذَمٍّ إِلَّا بِمَثَلٍ يُضْرَبُ لَهُ، فَإِنَّ حُبَّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ. [وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ ضَرَبَ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ فِي كِتَابِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَيَانِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَرَى نَفْسَهُ وَأَعْمَالَهُ إِلَّا إِذَا مُثِّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ بِأَنْ يَرَاهَا فِي مِرْآةٍ، ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَخِلَافَةِ الْمُسْتَحِقِّ ; ب، ا: وَخِلَافَةِ الشَّيْخَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. (¬3) ب، ا: غَيْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) ن، م: وَأَعْظَمُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ ; ع: الَّذِي بِأَيْدِي الْمُتَنَازِعِينَ. (¬7) ب، ع: فَيَبِينُ. (¬8) ن، م: الْمَسْأَلَتَيْنِ.

وَتُمَثَّلُ لَهُ أَعْمَالُهُ بِأَعْمَالِ غَيْرِهِ] (¬1) ، وَلِهَذَا ضَرَبَ الْمَلَكَانِ الْمَثَلَ لِدَاوُدَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬2) بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ - قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [سُورَةُ: ص: 23 - 24] الْآيَةَ. وَضَرْبُ الْأَمْثَالِ مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ الْحَالُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْعَقْلِيُّ الَّذِي يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ (¬3) تَعَالَى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [سُورَةُ الرُّومِ: 27] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 43] . (¬4) [وَهَذَا مِنَ الْمِيزَانِ الَّذِي أَنْزَلَهُ (¬5) اللَّهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [سُورَةُ الشُّورَى: 17] ، وَقَالَ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 25] . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ كُلَّ قِيَاسٍ عَقْلِيٍّ شُمُولِيٍّ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ أَوْ غَيْرِ طَرِيقِهِ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْقِيَاسِ التَّمْثِيلِيِّ وَأَنَّ مَقْصُودَ الْقِيَاسَيْنِ وَاحِدٌ، وَكِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْمِيزَانِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّ مَا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ بَعْضُهُ بَاطِلٌ وَبَعْضُهُ تَطْوِيلٌ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، بَلْ ضَرَرُهُ فِي الْغَالِبِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) عَلَيْهِ السَّلَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ع: فَقَالَ. (¬4) الْكَلَامُ بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ وَيَنْتَهِي فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ. (¬5) فِي الْأَصْلِ: أَنْزَلَهَا. وَجَاءَ فِي " الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ " أَنَّ الْمِيزَانَ مُذَكَّرٌ.

الطريق الثاني

وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْفَلْسَفَةِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ فِي مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ. [الطَّرِيقُ الثَّانِي] وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي (¬1) : فَيُقَالُ: لِهَذَا الْمُنْكِرِ لِلرُّؤْيَةِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى نَفْيِهَا بِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا وَهُوَ الْجِهَةُ: قَوْلُكَ لَيْسَ فِي جِهَةٍ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ لَا يُرَى، فَهُوَ لَا يُرَى، وَهَكَذَا جَمِيعُ نُفَاةِ الْحَقِّ يَنْفُونَهُ لِانْتِفَاءِ لَازِمِهِ فِي ظَنِّهِمْ، فَيَقُولُونَ لَوْ رُئِيَ لَلَزِمَ كَذَا، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ. وَالْجَوَابُ الْعَامُّ لِمِثْلِ هَذِهِ الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ بِمَنْعِ إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ إِمَّا مُعَيَّنَةٌ وَإِمَّا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا بَاطِلَةً أَوْ كِلْتَاهُمَا بَاطِلَةً (¬2) ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ اللَّفْظُ فِيهِمَا مُجْمَلًا يَصِحُّ بِاعْتِبَارٍ وَيَفْسُدُ بِاعْتِبَارٍ، وَقَدْ جَعَلُوا الدَّلِيلَ هُوَ ذَلِكَ اللَّفْظُ الْمُجْمَلُ، وَيُسَمِّيهِ الْمَنْطِقِيُّونَ الْحَدَّ الْأَوْسَطَ، فَيَصِحُّ فِي مُقَدِّمَةٍ بِمَعْنًى، وَيَصِحُّ فِي الْأُخْرَى بِمَعْنًى آخَرَ، وَلَكِنَّ اللَّفْظَ مُجْمَلٌ، فَيَظُنُّ الظَّانُّ لِمَا فِي اللَّفْظِ مِنَ الْإِجْمَالِ وَفِي الْمَعْنَى مِنِ الِاشْتِبَاهِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ هُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُخْرَى، وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. مِثَالُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ] (¬3) [أَنْ يُقَالَ: لَهُ] (¬4) : أَتُرِيدُ بِالْجِهَةِ أَمْرًا وُجُودِيًّا أَوْ أَمْرًا عَدَمِيًّا؟ ¬

(¬1) الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى عَدَمِ جُحُودِ الْحَقِّ فِي مَذْهَبِ الْمُخَالِفِينَ، وَعَلَى بَيَانِ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي نَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَانْظُرْ مَا سَبَقَ ص 329. (¬2) فِي الْأَصْلِ: أَوْ كِلَاهُمَا بَاطِلَةً. (¬3) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. وَيُوجَدُ بَدَلًا مِنْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ: " وَيُقَالُ لِهَذَا الْمُنْكِرِ: مَا تَعْنِي بِقَوْلِكَ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ بِجِهَةٍ فَلَا يُرَى وَهُوَ لَيْسَ بِجِهَةٍ فَلَا يُرَى ". وَقَدْ سَقَطَتْ كَلِمَتَانِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي نُسْخَةِ (ن) ، (م) . (¬4) ع: أَنْ يُقَالَ، وَهِيَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ب) ، (أ) : فَيُقَالُ لَهُ. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْإِمَامِيِّ الْمُنْكِرِ لِلرُّؤْيَةِ.

فَإِذَا أَرَدْتَ بِهِ أَمْرًا وُجُودِيًّا كَانَ التَّقْدِيرُ: كُلُّ مَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مَوْجُودٍ لَا يُرَى. وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ [مَمْنُوعَةٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى إِثْبَاتِهَا بَلْ هِيَ] (¬1) [بَاطِلَةٌ] (¬2) فَإِنَّ سَطْحَ الْعَالَمِ يُمْكِنُ أَنْ يُرَى وَلَيْسَ الْعَالَمُ فِي عَالَمٍ آخَرَ. وَإِنْ أَرَدْتَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا عَدَمِيًّا كَانَتِ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ مَمْنُوعَةً، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِهَةٍ بِهَذَا التَّفْسِيرِ. وَهَذَا مِمَّا خَاطَبْتُ (¬3) بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فَنَفَعَهُ (¬4) اللَّهُ بِهِ، وَانْكَشَفَ بِسَبَبِ هَذَا التَّفْصِيلِ (¬5) مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالتَّعْطِيلِ (¬6) . وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ (¬7) أَنَّ مَا (¬8) مَعَهُمْ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ النَّافِيَةِ لِلرُّؤْيَةِ قَطْعِيَّةٌ لَا يُقْبَلُ فِي نَقِيضِهَا (¬9) نَصُّ الرُّسُلِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ (¬10) لَهُمْ أَنَّهَا (¬11) شُبُهَاتٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَمَعَانٍ مُشْتَبِهَةٍ، تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي ثَبَتَ عَنِ الرَّسُولِ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬12) هُوَ الْحَقُّ الْمَقْبُولُ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا [الْمَكَانُ] (¬13) مَوْضِعَ بَسْطِ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا النَّافِيَ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى قَوْلِهِمْ إِشَارَةً (¬14) . \ 0 5 ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. وَفِي (ن) ، (م) تُوجَدُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ بَدَلًا مِنْهُ هِيَ " عَلَيْهَا ". (¬2) بَاطِلَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ب، ن، م: مَا خَاطَبْتُ ; أ: مَا خُوطِبَتْ. (¬4) ب، ا، ن، م: فَنَفَعَ. (¬5) ب، ا: بِسَبَبِ هَذَا التَّفْسِيرِ ; ن، م: بِهَذَا التَّفْصِيلِ. (¬6) ب، ا: وَالتَّضْلِيلِ ; ن، م: وَالتَّعْلِيلِ. (¬7) ب، ا، ن، م: يَقُولُونَ. (¬8) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬9) ن، م: بَعْضِهَا. (¬10) ب، ا: بُيِّنَ. (¬11) أَنَّهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬12) ب، ا: الرُّسُلِ ; ن، م: الرَّسُولِ. (¬13) ب، ا: لَيْسَ هُنَا ; ن، م: لَيْسَ هَذَا. (¬14) إِشَارَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَمَا يَلِي هَذِهِ الْكَلِمَةَ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، وَيَنْتَهِي ص 358.

لفظ الحيز

[لفظ الحيز] [وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْحَيِّزِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَعْنَى مَوْجُودٍ وَمَعْنَى مَعْدُومٍ. فَإِذَا قَالُوا: كُلُّ جِسْمٍ فِي حَيِّزٍ، فَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْحَيِّزِ أَمْرًا عَدَمِيًّا، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ. وَالْحَيِّزُ فِي اللُّغَةِ هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يَنْحَازُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 16] . وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِالْمُتَحَيِّزِ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ ; وَلِهَذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُونَ يَقُولُونَ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمَخْلُوقَ: إِمَّا مُتَحَيِّزٌ وَإِمَّا قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ، فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: بَلْ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ إِمَّا مُتَحَيِّزٌ وَإِمَّا قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ وَيُثْبِتُونَ مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ مِنْ إِثْبَاتِ الْمُجَرَّدَاتِ الْمُفَارَقَاتِ الَّتِي لَا يُشَارُ إِلَيْهَا، بَلْ هِيَ مَعْقُولَاتٌ مُجَرَّدَةٌ، إِنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَمَا يَذْكُرُهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَالرَّازِيُّ وَنَحْوُهُمَا مِنْ أَنَّ مُتَكَلِّمِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُقِيمُوا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ هَذِهِ الْمُجَرَّدَاتِ لَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ كُتُبُهُمْ مَشْحُونَةٌ بِمَا يُبَيِّنُ انْتِفَاءَهَا (¬1) كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالرَّازِيُّ أَوْرَدَ فِي " مُحَصِّلِهِ " سُؤَالًا عَلَى الْحَيِّزِ فَقَالَ (¬2) : " أَمَّا الْأَكْوَانُ ¬

(¬1) فِي هَامِشِ نُسْخَةِ (ع) نَقَلَ مُسْتَجِي زَادَهْ الْعِبَارَةَ الَّتِي أَوَّلُهَا: " وَمَا يَذْكُرُهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ. . " إِلَى كَلِمَةِ " انْتِفَاءِهَا " ثُمَّ كَتَبَ التَّعْلِيقَ التَّالِي: " قُلْتُ: وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ مِمَّنْ يُرَوِّجُ هَذَا الْقَوْلَ وَيُقِيمُ بَرَاهِينَ عَلَى تَحَقُّقِ الْمُجَرَّدَاتِ، حَتَّى ادَّعَى فِي بَعْضٍ مِنْهَا الضَّرُورَةَ وَالْبَدَاهَةَ، وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَطْلَبَ نَظَرِيٌّ وَمَحَلُّ نِزَاعٍ بَيْنَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَالْفَلَاسِفَةِ. وَالْفَلَاسِفَةُ أَيْضًا يَعْتَرِفُونَ بِنَظَرِيَّةِ الْمَطْلَبِ، وَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُجَرَّدَاتِ ". (¬2) النَّصُّ التَّالِي مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ مَوْجُودٌ فِي كِتَابِهِ " مُحَصِّلِ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ " ص [0 - 9] 5.

فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْجَوْهَرِ فِي حُصُولِ الْحَيِّزِ (¬1) أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ. فَقِيلَ: هَذَا الْحَيِّزُ إِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَكَيْفَ يُعْقَلُ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي الْمَعْدُومِ؟ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَمْرٌ يُشَارُ (¬2) إِلَيْهِ. فَهُوَ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ، فَإِنْ كَانَ جَوْهَرًا كَانَ الْجَوْهَرُ حَاصِلًا فِي الْجَوْهَرِ، وَهُوَ قَوْلٌ بِالتَّدَاخُلِ، وَهُوَ مُحَالٌ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُفَسَّرَ ذَلِكَ بِالْمُمَاسَّةِ، وَلَا نِزَاعَ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ عَرَضًا فَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْجَوْهَرِ فَكَيْفَ يُعْقَلُ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِيهِ؟ ". وَقَدْ رَدَّ الطُّوسِيُّ هَذَا فَقَالَ (¬3) : " هَذَا غَلَطٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ لَفْظَةَ (¬4) " فِي " يَدُلُّ فِي قَوْلِنَا: الْجِسْمُ فِي الْجِسْمِ - بِمَعْنَى التَّدَاخُلِ - وَالْجِسْمُ فِي الْمَكَانِ، وَالْعَرَضُ فِي الْجِسْمِ، عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ; فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْجِسْمِ مَعَ جِسْمٍ آخَرَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْجِسْمِ فِي الْمَكَانِ، وَالثَّالِثُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعَرَضِ حَالًّا فِي الْجِسْمِ. وَالْمَكَانُ هُوَ الْقَابِلُ لِلْأَبْعَادِ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الَّذِي لَا يُمَانِعُ الْأَجْسَامَ عِنْدَ قَوْمٍ، وَعَرَضٌ هُوَ سَطْحُ الْجِسْمِ [الْحَاوِي] (¬5) الْمُحِيطُ بِالْجِسْمِ ذِي الْمَكَانِ عِنْدَ قَوْمٍ وَهُوَ بَدِيهِيُّ الْأَيْنِيَّةِ (¬6) خَفِيُّ الْحَقِيقَةِ. ¬

(¬1) فِي " الْمُحَصِّلِ ": فِي الْحَيِّزِ. (¬2) فِي " الْمُحَصِّلِ ": مُشَارٌ. (¬3) مَا يَلِي مِنْ كَلَامِ نَصِيرِ الدِّينِ الطُّوسِيِّ هُوَ مِنْ كِتَابِهِ " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ " وَقَدْ طُبِعَ بِذَيْلِ كِتَابِ " الْمُحَصِّلِ ". وَيُوجَدُ هَذَا النَّصُّ فِي ذَيْلِ صَفْحَتَيْ 65 - 66. (¬4) فِي " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ": لَفْظَ. (¬5) كَلِمَةُ " الْحَاوِي " سَاقِطَةٌ مِنْ نُسْخَةِ (ع) وَهِيَ فِي " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ". (¬6) فِي (ع) : الْأَبْنِيَةُ، وَالتَّصْوِيبُ مِنْ " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ".

وَالْمَكَانُ إِنْ كَانَ عَدَمِيًّا لَمْ يَكُنْ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي الْأَمْرِ الْعَدَمِيِّ (¬1) حُصُولَهُ فِي الْمَعْدُومِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ فِي الْعَدَمِ وَإِنْ كَانَ جَوْهَرًا، فَالْجَوْهَرُ عِنْدَ الْقَوْمِ الْأُوَلِ يَنْقَسِمُ إِلَى مُقَاوِمٍ لِلدَّاخِلِ عَلَيْهِ مُمَانِعٍ إِيَّاهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّدَاخُلُ، وَإِلَى (¬2) غَيْرِ مُقَاوِمٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ وَهُوَ الْمَكَانُ وَالْجَوْهَرُ الْمُمَانِعُ (¬3) يُمْكِنُ أَنْ يُدَاخِلَ غَيْرَ الْمُمَانِعِ، وَذَلِكَ هُوَ كَوْنُ الْجَوْهَرِ فِي الْمَكَانِ. وَأَمَّا عِنْدَ الْقَوْمِ الثَّانِي فَحُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ بِمَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى (¬4) الَّذِي يُرَادُ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ حُصُولُ الْعَرَضِ فِي الْجَوْهَرِ، بِمَعْنَى الْحُلُولِ فِيهِ ". قُلْتُ: قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ مِنْ قَوْلِهِ: " قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْجَوْهَرِ فِي الْحَيِّزِ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ " لَيْسَ كَمَا قَالَهُ ; بَلْ يُقَالُ: إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ حُصُولَ الْجَوْهَرِ فِي الْحَيِّزِ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ، أَنَّهُ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ تَقُومُ بِالْمَحِيزِ، فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى هَذَا، بَلْ وَلَا هَذَا قَوْلَ مُحَقِّقِيهِمْ، بَلِ التَّحَيُّزُ عِنْدَهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَاتِ الْمُتَحَيِّزِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ: " الْمُتَحَيِّزُ هُوَ الْجِرْمُ، أَوِ الَّذِي لَهُ حَظٌّ مِنَ الْمِسَاحَةِ، وَالَّذِي لَا يُوجَدُ بِحَيْثُ وُجُودُهُ جَوْهَرٌ " (¬5) . ¬

(¬1) فِي (ع) : لَمْ يَكُنْ حُصُولُ الْجَوْهَرِ إِلَّا فِي الْأَمْرِ الْعَدَمِيِّ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ". (¬2) ع: إِلَى، وَالصَّوَابُ مِنْ " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ". (¬3) ع: الْمَانِعُ، وَالصَّوَابُ مِنْ " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ". (¬4) فِي " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ": غَيْرِ الْعَيْنِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ الَّذِي فِي (ع) . (¬5) لَمْ أَجِدْ هَذَا النَّصَّ فِيمَا بَيْنَ يَدِي مِنْ كُتُبِ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَلَكِنَّ الْجُوَيْنِيَّ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ " الشَّامِلِ فِي أُصُولِ الدِّينِ " 1/59 - 60 (ط. هِلْمُوت كُلُوِيفَر، الْقَاهِرَةِ، 1959) فَقَالَ: " وَالْأَصَحُّ فِي ذَلِكَ عِبَارَاتٌ ارْتَضَاهَا الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: الْمُتَحَيِّزُ هُوَ الْجِرْمُ، وَلَا مَعْنَى سِوَاهُ. وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ الَّذِي لَهُ حَظٌّ مِنَ الْمِسَاحَةِ، وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ بِحَيْثُ وُجُودُهُ جَوْهَرٌ ". وَانْظُرْ: الْإِنْصَافَ لِلْبَاقِلَّانِيِّ، ص 15، ط. عِزَّت الْعَطَّار، الْقَاهِرَةِ، 1369/1950.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ (¬1) : " مَا هُوَ فِي تَقْدِيرِ مَكَانٍ مَا وَمَا يَشْغَلُ الْحَيِّزَ، وَمَعْنَى شَغْلِ الْحَيِّزِ أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ فِي فَرَاغٍ أَخْرَجَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ فَرَاغًا ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " الْحَيِّزُ تَقْدِيرُ مَكَانِ الْجَوْهَرِ ". وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ - الْمُلَقَّبُ بِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ -: " الْحَيِّزُ هُوَ الْمُتَحَيِّزُ نَفْسُهُ، ثُمَّ إِضَافَةُ الْحَيِّزِ إِلَى الْجَوْهَرِ كَإِضَافَةِ الْوُجُودِ إِلَيْهِ " (¬2) . قَالَ: " فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتُمْ: إِنَّ الْمُتَحَيِّزَ مُتَحَيِّزٌ بِمَعْنًى، كَمَا أَنَّ الْكَائِنَ كَائِنٌ بِمَعْنًى. قُلْنَا: تَحَيُّزُهُ نَفْسُهُ أَوْ صِفَةُ نَفْسِهِ - عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْأَحْوَالِ - وَكَوْنُهُ مُتَحَيِّزًا رَاجِعٌ إِلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ جِرْمًا، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَكْوَانُهُ بِأَعْرَاضِهِ، وَلَوْ كَانَ تَحَيُّزُهُ حُكْمًا مُعَلَّلًا لَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمُ الِاخْتِلَافِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَكْوَانِ، فَلَمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ كَوْنُهُ جِرْمًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَكْوَانِ وَالِاخْتِصَاصِ بِالْجِهَاتِ، فَمَا كَانَ بِمُقْتَضَى الْأَكْوَانِ كَانَ فِي حُكْمِ الِاخْتِلَافِ ". ¬

(¬1) أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْرَانَ الْإِسْفِرَايِينِيُّ، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/296 وَانْظُرْ عَنْهُ أَيْضًا: تَبْيِينَ كَذِبِ الْمُفْتَرِي، ص [0 - 9] 43 - 244. (¬2) يَقُولُ الْجُوَيْنِيُّ (الشَّامِلِ، ص [0 - 9] 56، تَحْقِيقُ د. فَيْصَل بُدَيْر عَوْن، د. سُهَيْر مُحَمَّد مُخْتَار، ط. الْمَعَارِفِ، الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، 1969) : " وَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِي الْحَيِّزِ أَنَّهُ الْمُتَحَيِّزُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ سَبَقَ مَعْنَى الْمُتَحَيِّزِ، ثُمَّ لَا تَبْعُدُ إِضَافَةُ الْحَيِّزِ إِلَى الْجَوْهَرِ، كَمَا لَا تَبْعُدُ إِضَافَةُ الْوُجُودِ إِلَيْهِ ".

قَالَ: " فَإِنْ قِيلَ: الْجَوْهَرُ لَا يَخْلُو عَنِ الْأَكْوَانِ كَمَا لَا يَخْلُو عَنْ وَصْفِ التَّحَيُّزِ. قُلْنَا: قَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ تَحَيُّزَهُ صِفَةُ نَفْسِهِ، فَنَقُولُ: صِفَةُ النَّفْسِ تُلَازِمُ لِلنَّفْسِ وَلَا تُعْقَلُ النَّفْسُ دُونَهَا، وَكَوْنُ الْجَوْهَرِ مُتَحَيِّزًا بِمَثَابَةِ كَوْنِهِ ذَاتًا أَوْ شَيْئًا. وَالتَّحَيُّزُ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ يَجِبُ لُزُومُهَا مَا بَقِيَتِ النَّفْسُ، وَالْكَوْنُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ " (¬1) . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّحَيُّزَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمُتَحَيِّزِ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ وَصْفًا ثُبُوتِيًّا. وَإِنْ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُبُوتِيًّا أَنَّهُ أَمْرٌ إِضَافِيٌّ إِلَى الْحَيِّزِ فَالْأُمُورُ الْإِضَافِيَّةُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ عَدَمِيَّةٌ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ مَوْجُودَيْنِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ! ؟ وَقَوْلُهُ: " إِنَّ الْحَيِّزَ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا، فَكَيْفَ يُعْقَلُ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي الْمَعْدُومِ؟ ". فَيُقَالُ: لَهُ: إِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِكَوْنِهِ فِي الْمَعْدُومِ إِلَّا وَجُودَهُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ آخَرَ يُحِيطُ بِهِ، لَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ يَكُونُ مَعْدُومًا مَعَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا. وَأَيْضًا، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ مُرَادَهُمْ: هَلِ الْحَيِّزُ عِنْدَهُمْ وُجُودٌ أَوْ عَدَمٌ، كَيْفَ يُحْكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُتَحَيِّزٌ أَوْ قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ، مَعَ عِلْمِهِ وَحِكَايَتِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ، فَيَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَا سِوَاهُ إِمَّا مُتَحَيِّزًا أَوْ حَالًّا فِي الْمُتَحَيِّزِ، مَعَ أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ هَذَا فِي حَيِّزٍ وُجُودِيٍّ سِوَى اللَّهِ، وَهُوَ مُحْدَثٌ، فَإِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ هُنَا ثَلَاثَةٌ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ: ¬

(¬1) أَكْثَرُ هَذَا الْكَلَامِ مَوْجُودٌ بِمَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِهِ فِي " الشَّامِلِ " ص [0 - 9] 57.

مُتَحَيِّزٌ وَحَيِّزٌ وَقَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ، فَتَكُونُ الْمَوْجُودَاتُ سِوَى اللَّهِ ثَلَاثَةً وَهِيَ مُحْدَثَةٌ عِنْدَهُمْ. وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ: إِنَّ مَا سِوَى اللَّهِ: إِمَّا مُتَحَيِّزٌ، وَإِمَّا قَائِمٌ بِمُتَحَيِّزٍ. وَأَمَّا اعْتِرَاضُ الطُّوسِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنِّي عَلَى أَنَّ التَّحَيُّزَ هُوَ الْمَكَانُ، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، بَلِ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَكَانِ هُوَ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَصْحَابِ أَفْلَاطُنَ وَأَصْحَابِ أَرِسْطُو، فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: هُوَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ تَحِلُّ بِهِ الْأَجْسَامُ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، بَلْ كُلُّ مَا قَامَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ جِسْمٌ، إِذِ الْجَوْهَرُ الَّذِي لَهُ هُوَ جِسْمٌ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرَ هَذَيْنِ، وَمَنْ أَثْبَتَ مِنْهُمْ جَوْهَرًا غَيْرَ جِسْمٍ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ، سَوَاءٌ قَالُوا بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ يُحْدِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَوْ لَمْ يَقُولُوا بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ. وَالْمُتَكَلِّمُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ قَدْ يَتَنَاقَضُونَ، حَيْثُ يُثْبِتُ أَكْثَرُهُمُ الْخَلَاءَ أَمْرًا مَوْجُودًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ يُفْرَضُ فِيهِ التَّقْدِيرُ فَرْضًا، وَهَذَا الْخَلَاءُ هُوَ الْجَوْهَرُ الَّذِي يُثْبِتُهُ أَفْلَاطُنُ. وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودٌ قَدِيمٌ مَعَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مَسْبُوقٌ بِعَدَمِ نَفْسِهِ، وَإِنْ قِيلَ مَعَ ذَلِكَ بِدَوَامِ كَوْنِهِ خَالِقًا، فَخَلْقُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا

سِوَاهُ مَخْلُوقًا مُحْدَثًا كَائِنًا (¬1) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، لَيْسَ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ قَدِيمٌ بِقِدَمِ اللَّهِ تَعَالَى مُسَاوِيًا لَهُ، بَلْ هَذَا مُمْتَنِعٌ بِصَرَائِحِ الْعُقُولِ مُخَالِفٌ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَرِسْطُو وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَكَانَ هُوَ السَّطْحُ الْبَاطِنُ مِنَ الْجِسْمِ الْحَاوِي الْمُلَاقِي لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ مِنَ الْجِسْمِ الْمَحْوِي، وَهُوَ عَرَضٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ. وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُ بَدِيهِيُّ الْأَيْنِيَّةِ (¬2) خَفِيُّ الْحَقِيقَةِ " أَيْ عِنْدِ هَؤُلَاءِ، وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ خَفِيٌّ، بَلْ لَفْظُ " الْمَكَانِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ فَوْقَهُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، كَمَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ فَوْقَ السَّطْحِ، وَيُرَادُ بِهِ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ فَوْقَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَيْهِ، مِثْلُ كَوْنِ السَّمَاءِ فَوْقَ الْجَوِّ، وَكَوْنِ الْمَلَائِكَةِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَالْهَوَاءِ، وَكَوْنِ الطَّيْرِ فَوْقَ الْأَرْضِ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَعَالَى عُلُوًّا فَوْقَ عَرْشٍ إِلَهُنَا ... وَكَانَ مَكَانُ اللَّهِ أَعْلَى وَأَعْظَمَا (¬3) مَعَ عِلْمِ حَسَّانَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ عَرْشٍ وَغَيْرِهِ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ، وَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ مَكَانًا. وَالسَّلَفُ وَالصَّحَابَةُ، بَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْمَعُ مِثْلَ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ كَائِنٌ. (¬2) فِي الْأَصْلِ: الْأَبْنِيَةِ، وَسَبَقَ تَصْوِيبُ الْكَلِمَةِ عَنْ " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ". (¬3) لَمْ أَجِدِ الْبَيْتَ فِي دِيوَانِ حَسَّانَ الْمَطْبُوعِ.

هَذَا وَيُقِرُّ عَلَيْهِ، كَمَا أَنْشَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا وَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ شِدَادٌ ... مَلَائِكَةُ الْإِلَهِ مُسَوَّمِينَا (¬1) فِي قِصَّتِهِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَمَّا وَطِئَ سُرِّيَّتَهُ وَرَأَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَامَتْ إِلَيْهِ لِتُؤْذِيَهُ فَلَمْ يُقِرَّ بِمَا فَعَلَ، فَقَالَتْ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ "؟» فَأَنْشَدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ فَظَنَّتْ أَنَّهُ قُرْآنٌ فَسَكَتَتْ وَأُخْبِرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحْسَنَهُ. وَقَدْ يُرَادُ بِالْمَكَانِ مَا يَكُونُ مُحِيطًا بِالشَّيْءِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ ; فَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَكَانِ مُجَرَّدُ السَّطْحِ الْبَاطِنِ، أَوْ يُرَادَ بِهِ جَوْهَرٌ لَا يُحَسُّ بِحَالٍ، فَهَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ ذَلِكَ بِلَفْظِ " الْمَكَانِ ". وَذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ أَرِسْطُو بِلَفْظِ " الْمَكَانِ " عَرَضٌ ثَابِتٌ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ بِلَفْظِ " الْمَكَانِ " فِي كَلَامِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ، وَلَا فِي كَلَامِ جَمَاهِيرِ الْأُمَمِ: عُلَمَائِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ. وَأَمَّا مَا أَرَادَهُ أَفْلَاطُنُ فَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُونَ وُجُودَهُ فِي الْخَارِجِ، وَبَسْطُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَدَاخُلِ الْأَجْسَامِ فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النُّظَّارِ. وَقَوْلُ الرَّازِيِّ فِي التَّدَاخُلِ: " ذَلِكَ مُحَالٌ " هُوَ مَوْضِعُ مَنْعٍ، مَشْهُورٌ وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ النُّظَّارِ: إِنَّ الْجَوْهَرَ فِي الْحَيِّزِ بِمَعْنَى التَّدَاخُلِ، سَوَاءٌ فُسِّرَ الْحَيِّزُ ¬

(¬1) الْأَبْيَاتُ مَرْوِيَّةٌ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي " الِاسْتِيعَابِ " لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. وَرُوِيَتْ أَيْضًا فِيهِ الْقِصَّةُ الَّتِي قِيلَتِ الْأَبْيَاتُ بِسَبَبِهَا.

فصل التعليق على قوله وأن أمره ونهيه وإخباره حادث لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره

بِالْأَمْرِ الْعَدَمِيِّ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْكَلَامِ، أَوْ فُسِّرَ بِالْمَكَانِ الْوُجُودِيِّ الَّذِي (هُوَ) (¬1) سَطْحُ الْحَاوِي، أَوْ جَوْهَرٌ عَقْلِيٌّ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ (¬2) ، أَوْ فُسِّرَ الْحَيِّزُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْمَعْقُولِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 16] وَهَذَا الْحَيِّزُ هُوَ جِسْمٌ يَحُوزُ الْمُتَحَيِّزَ، لَيْسَ هُوَ عَدَمِيًّا وَلَا عَرَضًا، وَلَا يَجُوزُ الْجَوْهَرُ الْعَقْلِيُّ الْمُتَنَازَعُ فِي وُجُودِهِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ أَيُّ مَعْنًى أُرِيدَ بِلَفْظِ الْحَيِّزِ فَقَوْلُ النُّظَّارِ: " إِنَّ الْجَوْهَرَ فِي الْحَيِّزِ لَيْسَ بِمَعْنَى التَّدَاخُلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَفِي وَجُودِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ الْكَلَامِ فِي مَسْأَلَةِ التَّدَاخُلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ] (¬3) . [فَصْلٌ التعليق على قوله وأن أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَإِخْبَارَهُ حَادِثٌ لِاسْتِحَالَةِ أَمْرِ الْمَعْدُومِ وَنَهْيِهِ وَإِخْبَارِهِ] (فَصْلٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬4) : " وَأَنَّ (¬5) أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَإِخْبَارَهُ حَادِثٌ لِاسْتِحَالَةِ أَمْرِ الْمَعْدُومِ وَنَهْيِهِ وَإِخْبَارِهِ ". فَيُقَالُ: هَذِهِ مَسْأَلَةُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّاسُ فِيهَا مُضْطَرِبُونَ، وَقَدْ بَلَغُوا فِيهَا إِلَى تِسْعَةِ (¬6) أَقْوَالٍ: [وَعَامَّةُ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي الْكَلَامِ وَأُصُولِ ¬

(¬1) بَعْدَ كَلِمَةِ " الَّذِي " تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ، وَلَكِنْ لَا تَظْهَرُ الْكَلِمَةُ السَّاقِطَةُ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ " هُوَ ". (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " الْمُتَفَلْسِفَةِ " كَلِمَةٌ كَأَنَّهَا " أَمْرٌ " وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً مِنَ النَّاسِخِ. (¬3) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ ص 349. (¬4) سَبَقَ وُرُودُ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الثَّانِي فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " 1/82 (م) ، وَفِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 9. (¬5) ب، أ: فَإِنَّ ; ع: إِنَّ ; وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) ، (م) وَهُوَ الَّذِي فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ ". (¬6) ب، أ: سَبْعَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الدِّينِ لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُهَا إِلَّا بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إِذْ لَمْ يَعْرِفُوا غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ قَوْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ ثَلَاثَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ أَرْبَعَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ خَمْسَةً، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُونَ قَوْلَ السَّلَفِ] (¬1) - أَحَدُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَا يُفِيضُ عَلَى النُّفُوسِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَفِيضُ: إِمَّا مِنَ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهِ ; وَهَذَا قَوْلُ الصَّابِئَةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ الْمُوَافِقِينَ لَهُمْ [كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ] (¬2) ، وَمَنْ دَخَلَ مَعَ هَؤُلَاءِ مِنْ مُتَصَوِّفَةِ الْفَلَاسِفَةِ وَمُتَكَلِّمِيهِمْ كَأَصْحَابِ وَحْدَةِ الْوُجُودِ. وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْكُتُبِ " الْمُضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا " (* بَلْ " الْمُضْنُونِ الْكَبِيرِ وَالْمُضْنُونِ الصَّغِيرِ " *) (¬3) وَرِسَالَةِ " مِشْكَاةِ الْأَنْوَارِ " وَأَمْثَالِهِ مَا (¬4) قَدْ يُشَارُ بِهِ إِلَى هَذَا، وَهُوَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِ يَقُولُ ضِدَّ هَذَا، لَكِنَّ كَلَامَهُ يُوَافِقُ هَؤُلَاءِ تَارَةً وَتَارَةً يُخَالِفُهُ (¬5) ، وَآخِرُ أَمْرِهِ اسْتَقَرَّ عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ وَمُطَالَعَةِ (¬6) الْأَحَادِيثِ (¬7) النَّبَوِيَّةِ. وَثَانِيهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: (* إِنَّهُ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ (¬8) . وَهَذَا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي (ع) وَسَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن) ، (م) : " بَلِ الْمُضْنُونِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ ". (¬4) ع: مِمَّا. (¬5) ع: وَيُخَالِفُهُ تَارَةً. (¬6) ب، أ: وَمُطَابَقَةِ. (¬7) ع: الْأَخْبَارِ. (¬8) م: مَنْ يَقُولُ إِنْ كَلَامٌ مُنْفَصِلًا عَنْهُ.

قَوْلُ هَذَا الْإِمَامِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الرَّافِضَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالزَّيْدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ *) (¬1) : إِنَّهُ (¬2) مَعْنًى وَاحِدٌ قَدِيمٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَالِاسْتِخْبَارُ، إِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ (¬3) كَانَ تَوْرَاةً (¬4) ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ (¬5) . وَرَابِعُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ أَزَلِيَّةٌ مُجْتَمِعَةٌ فِي الْأَزَلِ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ. ذَكَرَهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي " الْمَقَالَاتِ " عَنْ طَائِفَةٍ (¬6) . وَهُوَ الَّذِي يُذْكَرُ عَنِ السَّالِمِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّ تِلْكَ الْأَصْوَاتَ الْقَدِيمَةَ هِيَ الصَّوْتُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) ب: بِأَنَّهُ. (¬3) ب، أ، م: بِالْعِبْرَانِيَّةِ. (¬4) ع: إِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ كَانَ تَوْرَاةً وَإِنَّ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا. (¬5) يَقُولُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 2/233: " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كُلَّابٍ. . وَإِنَّهُ (الْقُرْآنَ) مَعْنًى وَاحِدٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ الرَّسْمَ هُوَ الْحُرُوفُ الْمُتَغَايِرَةُ، وَهُوَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَإِنَّهُ خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ: كَلَامُ اللَّهِ هُوَ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ أَوْ غَيْرُهُ، وَإِنَّ الْعِبَارَاتِ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَخْتَلِفُ وَتَتَغَايَرُ، وَكَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِمُخْتَلِفٍ وَلَا مُتَغَايِرٍ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَنَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَخْتَلِفُ وَيَتَغَايَرُ وَالْمَذْكُورُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَغَايَرُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَرَبِيًّا لِأَنَّ الرَّسْمَ الَّذِي هُوَ الْعِبَارَةُ عَنْهُ وَهُوَ قِرَاءَتُهُ عَرَبِيٌّ فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا لِعِلَّةٍ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَ عِبْرَانِيًّا لِعِلَّةٍ، وَهُوَ أَنَّ الرَّسْمَ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ عِبْرَانِيٌّ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَ أَمْرًا لِعِلَّةٍ، وَسُمِّيَ نَهْيًا لِعِلَّةٍ، وَخَبَرًا لِعِلَّةٍ، وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيَ كَلَامَهُ أَمْرًا، وَقَبْلَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي لَهَا سُمِّيَ كَلَامُهُ أَمْرًا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَسْمِيَةِ كَلَامِهِ نَهْيًا وَخَبَرًا. . ". (¬6) انْظُرْ " الْمَقَالَاتِ " 2/234.

الْمَسْمُوعُ (¬1) مِنَ الْقَارِئِ (¬2) ، أَوْ هِيَ بَعْضُ الصَّوْتِ (¬3) الْمَسْمُوعِ مِنَ الْقَارِئِ، وَأَمَّا جُمْهُورُهُمْ مَعَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ (¬4) فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، قَالُوا: هَذَا مُخَالِفٌ (¬5) لِضَرُورَةِ الْعَقْلِ. وَخَامِسُهَا (¬6) : قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ لَكِنْ تَكَلَّمَ بِهِ (¬7) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، وَكَلَامُهُ حَادِثٌ (¬8) فِي ذَاتِهِ كَمَا أَنَّ فِعْلَهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا وَلَا فَاعِلًا. وَهَذَا قَوْلُ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ (¬9) قَوْلُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَأَمْثَالِهِ مِنِ الشِّيعَةِ. (* وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ حَادِثٌ وَلَيْسَ بِمُحْدَثٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ هُوَ مُحْدَثٌ [أَيْضًا] (¬10) . وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْأَشْعَرِيُّ عَنْهُمْ فِي " الْمَقَالَاتِ " وَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي مُعَاذٍ التُّومَنِيِّ وَبَيْنَ زُهَيْرٍ الْأَثَرِيِّ (¬11) . وَالْكَرَّامِيَّةُ يَقُولُونَ: حَادِثٌ لَا مُحْدَثٌ *) (¬12) . ¬

(¬1) ن: الْمَجْمُوعُ الْمَسْمُوعُ. (¬2) ب: النَّارِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: أَوْ هِيَ نَقْرُ الْأَصْوَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; م: أَوْ هِيَ بَعْضُ الْأَصْوَاتِ. (¬4) ع: وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ. (¬5) ب، ا: هَذَا مُخَالَفَةٌ ; ن، م: هَذِهِ مُخَالَفَةٌ. (¬6) ب، ا: وَخَامِسُهَا وَسَادِسُهَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ب، ا: حَادَثٌ بِهِ. (¬9) ن، م: وَأَظُنُّهُ. (¬10) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) انْظُرْ " الْمَقَالَاتِ " 2/231 - 232. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي مُعَاذٍ التُّومَنِيِّ 1/422. وَانْظُرْ عَنْهُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 1/326. وَأَمَّا زُهَيْرٌ الْأَثَرِيُّ فَلَمْ أَعْرِفْ مَنْ هُوَ، وَلَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ يَتَكَلَّمُ عَنْ آرَائِهِ بِالتَّفْصِيلِ فِي الْمَقَالَاتِ 1/326. (¬12) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَسَادِسُهَا (¬1) : قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَمَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ (¬2) بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ [بِهِ] بِصَوْتٍ (¬3) يُسْمَعُ، وَأَنَّ نَوْعَ الْكَلَامِ [أَزَلِيٌّ (¬4) ] قَدِيمٌ، م وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ نَفْسَ (¬5) الصَّوْتِ الْمُعَيَّنِ قَدِيمًا. وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ. (¬6) (* وَسَابِعُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: كَلَامُهُ يَرْجِعُ إِلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ ذَاكَ حَادِثًا فِي ذَاتِهِ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، وَ [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ] الرَّازِيُّ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ (¬7) فِي مِثْلِ " الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ ". وَثَامِنُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: كَلَامُهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى قَائِمًا بِذَاتِهِ وَهُوَ مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بِقَوْلِ ابْنِ كُلَّابٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ (¬8) . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ الْبَاطِنِيَّةِ مُتَشَيِّعِهِمْ وَمُتَصَوِّفِيهِمْ. ¬

(¬1) ب، ا: وَسَابِعُهَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) : (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن) ، (م) : وَكَيْفَ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ. (¬3) ب، ا: وَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِصَوْتٍ ; ن، م: وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ. (¬4) أَزَلِيٌّ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) نَفْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬6) فِي هَامِشِ (ع) كُتِبَ التَعْلِيقُ التَّالِي: " وَهَذَا الْقَوْلُ السَّادِسُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمَنْ تَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِهِ ". (¬7) ن، م: وَالرَّازِيُّ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ. (¬8) مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ، أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ (نِسْبَةً إِلَى مَاتُرِيدَ بِسَمَرْقَنْدَ) ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 333. مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَرَأْسُ الْمَاتُرِيدِيَّةِ، وَقَدْ خَالَفَ الْأَشْعَرِيَّ فِي مَسَائِلَ أَوْرَدَهَا أَبُو عَذْبَةَ فِي كِتَابِهِ. " الرَّوْضَةِ الْبَهِيَّةِ فِيمَا بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ "، ط. حَيْدَرَ آبَادَ سَنَةَ 1322. وَانْظُرْ عَنِ الْمَاتُرِيدِيِّ: تَاجَ التَّرَاجِمِ لِابْنِ قَطْلُوبُغَا، ص 59، ط الْمُثَنَّى، بَغْدَادَ، 1962 ; طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ لِطَاشْ كُبْرَى زَادَهْ، ص 56، ط. الْمُوصِلِ، 1961 ; الْأَعْلَامَ 7/242 ; تَارِيخَ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ 4/41 - 43 ; سِزْكِينَ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ع [0 - 9] ، ص [0 - 9] 0 - 42.

تفصيل القول في مقالة أهل السنة

وَتَاسِعُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: [كَلَامُ اللَّهِ] (¬1) مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ وَبَيْنَ مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَصْوَاتِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْمَعَالِي وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَشْعَرِيَّةِ *) (¬2) . [تفصيل القول في مقالة أهل السنة] وَبِالْجُمْلَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَهْلُ الْحَدِيثِ وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ [مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَئِمَّةِ أَتْبَاعِهِمْ] (¬3) ، وَالطَّوَائِفُ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْجَمَاعَةِ (¬4) كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ (¬5) غَيْرُ مَخْلُوقٍ [وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ] (¬6) . وَهَذَا هُوَ الْمُتَوَاتِرُ (¬7) [الْمُسْتَفِيضُ] (¬8) عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ [مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ] (¬9) . (¬10) [" وَالنُّقُولُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَتَابِعِي تَابِعِيهِمْ، وَفِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَذْكُرُونَ فِيهَا مَقَالَاتِ السَّلَفِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ عَنْهُمْ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ كِتَابِ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " كَلَامُ اللَّهِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . (¬4) : (-) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ب، ا: إِنَّ الْكَلَامَ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: الْمَأْثُورُ. (¬8) الْمُسْتَفِيضُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) . (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ب) ، (أ) : مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ. (¬10) الْكَلَامُ الْوَارِدُ بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ وَيَنْتَهِي ص 367.

الْجُعْفِيِّ (¬1) وَلِعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ، وَكَذَلِكَ " نَقْضُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَلَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ (¬2) وَالرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ (¬3) ، وَكِتَابُ " السُّنَّةِ " لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬4) وَلِأَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ (¬5) وَلِلْخَلَّالِ (¬6) ، وَكِتَابُ " خَلْقِ ¬

(¬1) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي الْمَعْرُوفُ بِالْهَرَوَانِيِّ أَوْ بِابْنِ الْهَرَوَانِيِّ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وُلِدَ سَنَةَ 305 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 402. تَرْجَمَتُهُ فِي: الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 3/81 ; اللُّبَابِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 3/289 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 5/472 - 473 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/165 ; الْجَوَاهِرِ الْمُضِيَّةِ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ 2/65، ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1332. وَلَمْ تَذْكُرْ هَذِهِ الْمَرَاجِعُ كِتَابَ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ ". وَقَارِنْ: " دَرْءَ " 7/108. (¬2) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/423. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/621 - 622 ; الْأَعْلَامِ 4/366. وَقَدْ طُبِعَ كِتَابُهُ " الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " حَدِيثًا فِي لِيدِنَ سَنَةَ 1960 بِتَحْقِيقِ الْمُسْتَشْرِقِ جُوسْتَا وِيتِسْتَام. وَطُبِعَ كِتَابُ " نَقْضِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَلَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ " بِتَحْقِيقِ مُحَمَّد حَامِد الْفِقِي، الْقَاهِرَةِ، 1358، وَطُبِعَ الْكِتَابَانِ ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ عَقَائِدِ السَّلَفِ ط. الْمَعَارِفِ، الْأَسْكَنْدَرِيَّةِ، 1971 م. (¬3) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ وَنَقْلُ نُصُوصٍ مِنْ كِتَابِهِ هَذَا 2/251 - 254. وَذَكَرَ الْكِتَابَ حَاجِّي خَلِيفَة فِي كَشْفِ الظُّنُونِ 1/838. (¬4) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وُلِدَ سَنَةَ 213 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 290. تَرْجَمَتُهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/180 - 188 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/665 - 666. وَذَكَرَ لَهُ بُرُوكِلْمَان (تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ 3/313) : " كِتَابَ السُّنَنِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَفِرَقٍ أُخْرَى " وَقَالَ إِنَّ مِنْهُ نُسْخَةً خَطِّيَّةً فِي بِنْكَيْبُور 10/491، وَسَمَّاهُ سِزْكِين م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ص [0 - 9] 32 كِتَابَ " السُّنَّةِ ". وَقَدْ طُبِعَ الْكِتَابُ بِالْقَاهِرَةِ، سَنَةَ 1349. (¬5) أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِي، الطَّائِيُّ الْإِسْكَافِيُّ الْأَثْرَمُ صَاحِبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ، تُوُفِّيَ حَوَالَيْ سَنَةَ 261. تَرْجَمَتُهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/66 - 74 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/570 - 572 ; الْأَعْلَامِ 1/194 ; سِزْكِين م [0 - 9] ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 29. وَلَا يُوجَدُ كِتَابُهُ " السُّنَّةُ " بَيْنَ أَيْدِينَا. (¬6) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/424، وَذَكَرَهُ الزِّرِكْلِيُّ (الْأَعْلَامِ 1/196) وَبُرُوكِلْمَان (تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ \ 313 - 314) وَذَكَرَا كِتَابَهُ " السُّنَّةَ " وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يَتَكَلَّمَا عَنْ نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ مِنْهُ. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: سِزْكِين م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 33 - 234.

أَفْعَالِ الْعِبَادِ " لِلْبُخَارِيِّ (¬1) وَكِتَابُ " التَّوْحِيدِ " لِأَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ (¬2) ، وَكِتَابُ " السُّنَّةِ " لِأَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ (¬3) ، وَلِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ (¬4) ، وَلِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ (¬5) ، " وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ " لِأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ (¬6) .، ¬

(¬1) طُبِعَ كِتَابُ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " لِلْبُخَارِيِّ بِدِهْلَى سَنَةَ 1306. وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ قَبْلُ 2/253، وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي مَكْتَبَةِ عَاشِر رَئِيس رَقْمُ 139 ذَكَرَهَا بُرُوكِلْمَان 3/179. وَقَدْ طُبِعَ الْكِتَابُ ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ " عَقَائِدِ السَّلَفِ " السَّالِفَةِ الذِّكْرِ. (¬2) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ صَالِحِ بْنِ بَكْرٍ السُّلَمِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ إِمَامُ نَيْسَابُورَ فِي عَصْرِهِ، وَلَقَّبَهُ السُّبْكِيُّ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ، حَدَّثَ عَنْهُ الشَّيْخَانِ خَارِجَ صَحِيحِهِمَا، وُلِدَ سَنَةَ 223 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 311. تَرْجَمَتُهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/720 - 731 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/109 - 119 ; الْأَعْلَامِ 6/235. وَقَدْ طُبِعَ كِتَابُ " التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ " بِالْمَطْبَعَةِ الْمُنِيرِيَّةِ، الْقَاهِرَةِ، 1353. (¬3) أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَطِيرٍ اللَّخْمِيُّ الطَّبَرَانِيُّ (مَنْسُوبٌ إِلَى طَبَرِيَةِ الشَّامِ) ، مِنْ كِبَارِ الْمُحَدِّثِينَ، وُلِدَ سَنَةَ 260 وَتُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ سَنَةَ 360. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/141 ; مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، (ط. الْخَانْجِيِّ) ص 619 ; الْأَعْلَامِ 3/181 ; سِزْكِين م [0 - 9] ; ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 93 - 396. وَلَمْ أَجِدْ ذِكْرًا لِكِتَابِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ضِمْنَ مَا ذَكَرَ مِنْ كُتُبِهِ وَكُتُبِ الْمُعَلِّقِ مُسْتَجِي زَادَهْ فَوْقَ عِبَارَةِ " وَكِتَابُ السُّنَّةِ " مَا يَلِي: " وَعِنْدِي - لِلَّهِ الْحَمْدُ - هَذَا الْكِتَابُ وَطَالَعْتُهُ كِرَارًا مِرَارًا " (¬4) أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ، كَانَ مِنَ الْمُكْثِرِينَ، وُلِدَ سَنَةَ 274 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 396. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/945 - 947 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3 ; اللُّبَابِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 1 ; الْأَعْلَامِ 4/264 وَذَكَرَهُ بُرُوكِلْمَان 3/226 - 227. وَسِزْكِين م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 04 - 406 وَلَمْ يَذْكُرَا كِتَابَهُ " السُّنَّةَ " وَكَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فَوْقَ اسْمِ كِتَابِهِ: " وَعِنْدِي هَذَا الْكِتَابُ وَطَالَعْتُهُ " (¬5) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ ابْنِ مَنْدَهْ (مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ) 1/425. وَتَرْجَمَ لَهُ بُرُوكِلْمَان 3/228 - 229 وَسِزْكِين م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 38 - 440 وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا كِتَابَهُ هَذَا. (¬6) أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ الشَّافِعِيُّ، شَيْخُ خُرَاسَانَ وَمِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ. وُلِدَ سَنَةَ 458. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 4 - 16 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/304 - 305 ; الْأَعْلَامِ 1/113. وَقَدْ طُبِعَ كِتَابُهُ " الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ " (بِتَحْقِيقِ مُحَمَّد زَاهِد الْكَوْثَرِيِّ) ، الْقَاهِرَةِ، 1358

وَ " السُّنَّةُ " لِأَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ (¬1) \ 65.، وَ " الْإِبَانَةُ " لِابْنِ بَطَّةَ (¬2) .، وَ " شَرْحُ أُصُولِ السُّنَّةِ " لِأَبِي الْقَاسِمِ اللَّالْكَائِيِّ (¬3) .، وَ " السُّنَّةُ " لِأَبِي حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ (¬4) .، وَ " أُصُولُ السُّنَّةِ " لِأَبِي عُمَرَ ¬

(¬1) أَبُو ذَرٍّ عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ الْمَالِكِيُّ الْحَافِظُ الثِّقَةُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 434. تَرْجَمَتُهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/254 ; تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي 255 - 256 ; الْأَعْلَامِ 4/41. وَذَكَرَ الزِّرِكْلِيُّ مِنْ كُتُبِهِ " السُّنَّةَ وَالصِّفَاتِ " وَذَكَرَهُ عُمَر كَحَالَة فِي مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 5 (¬2) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ ابْنِ بَطَّةَ وَالْكَلَامُ عَنْ كِتَابَيْهِ " الْإِبَانَةِ الْكُبْرَى " وَ " الْإِبَانَةِ الصُّغْرَى " 1/61، 2/22 - 23. وَكَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فَوْقَ اسْمِ كِتَابِهِ: " وَعِنْدِي هَذَا الْكِتَابُ وَطَالَعْتُ أَكْثَرَ مَوَاضِيعَهُ وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ ". وَانْظُرْ: سِزْكِين، م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 39 - 240.، وَقَبْلَهُ " الشَّرِيعَةُ " لِأَبِي بَكْرٍ الْآجُرِّيِّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ الْآجُرِّيُّ، الْإِمَامُ الْمُحَدِّثُ الْقُدْوَةُ، تُوُفِّي بِمَكَّةَ سَنَةَ 360. تَرْجَمَتُهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/936 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/419 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/149 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/35 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 2/203 ; سِزْكِين، م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 89 - 392 ; الْأَعْلَامِ 6/328. وَنُشِرَ كِتَابُ " الشَّرِيعَةِ " بِتَحْقِيقِ مُحَمَّد حَامِد الْفِقِي 1369/1950، وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي آصْفِيَّةَ رَقْمُ 377 (ذَكَرَهَا بُرُوكِلْمَان 3/209) (¬3) هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ الطَّبَرِيُّ الرَّازِيُّ، أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالْكَائِيُّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْمُحَدِّثُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 418. تَرْجَمَتُهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/1085 - 1087 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/211 ; الْأَعْلَامِ 9/57. ذَكَرَ لَهُ بُرُوكِلْمَان 3/305 - 306 كِتَابَيْنِ: " حُجَجَ أُصُولِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ " وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ بِلِيبْزِج رَقْمُ 1، 318 ; " شَرْحَ أُصُولِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَالْمُخَالِفِينَ لَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ " وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ بِالظَّاهِرِيَّةِ رَقْمُ 3، 124، 37. ذَكَرَهُ سِزْكِين م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 11 - 212. وَقَدْ طُبِعَ قِسْمٌ مِنَ الْكِتَابِ بِتَحْقِيقِ الدُّكْتُورِ أَحْمَد سَعْد حَمْدَان، مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، 1402 (وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ التَّحْقِيقِ) (¬4) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/23. وَفِي فِهْرِسِ الْمَخْطُوطَاتِ الْمُصَوَّرَةِ بِالْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ 1/136 - 137 أَنَّهُ تُوجَدُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ مِنَ الْجُزْءَيْنِ 20، 19 مِنْ كِتَابِهِ " اللَّطِيفِ لِشَرْحِ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَعْرِفَةِ شَرَائِعِ السُّنَنِ " فِي الظَّاهِرِيَّةِ بِرَقْمِ 164/56 حَدِيث، 146 حَدِيث. وَانْظُرْ: سِزْكِين م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 26

الطَّلَمَنْكِيَّ (¬1) . . وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ تَنَازَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْأَقْوَالِ السَّبْعَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ (¬2) . وَأَمَّا (¬3) . الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ: فَالْأَوَّلُ: قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَالصَّابِئَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ، وَالثَّانِي: قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ [مِنَ] النَّجَّارِيَّةِ (¬4) . وَالضِّرَارِيَّةِ. وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَمُتَنَازِعُونَ (¬5) . فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ حَكَيْنَا النِّزَاعَ عَنْهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ (¬6) .، وَقُدَمَاؤُهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، كَمَا يَقُولُهُ: أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ. وَهَذَا [الْقَوْلُ] (¬7) . هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ (¬8) . أَهْلِ الْبَيْتِ كَعَلِيِّ ¬

(¬1) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/304. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا: تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ 3/1098 - 1100 ; الدِّيبَاجَ الْمُذَهَّبَ لِابْنِ فَرْحُونَ (ط. ابْنِ شَقْرُونَ، الْقَاهِرَةِ، 1351) ص [0 - 9] 9 - 40 ; الْأَعْلَامَ 1. وَلَمْ تَذْكُرْ هَذِهِ الْمَرَاجِعُ كِتَابَهُ " أُصُولَ السُّنَّةِ ". وَكَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) أَمَامَ أَسْمَاءِ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ مَا يَلِي: " انْظُرْ إِلَى كَثْرَةِ الْكُتُبِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي رَدِّ كَلَامِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقٌ، مِثْلُ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الرَّوَافِضِ وَغَيْرِهِمْ ".، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْكُتُبِ وَمُصَنِّفُوهَا مِنْ مَذَاهِبَ مَتْبُوعَةٍ: مَالِكِيٍّ وَشَافِعِيٍّ وَحَنْبَلِيٍّ وَمُحَدِّثٍ مُطْلَقٍ لَا يَنْتَسِبُ إِلَى مَذْهَبِ أَحَدٍ] هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ، ص [0 - 9] 63 (¬2) ب، ن، م: وَلَكِنْ تَنَازَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ. وَفِي (أ) : عَلَى أَنَّ أَقْوَالَ. . إِلَخْ. (¬3) ب، ا: أَمَّا (¬4) ب، ا، ن، م: وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَالنَّجَّارِيَّةِ (¬5) ن: فَيَتَنَازَعُونَ (¬6) انْظُرْ مَا سَبَقَ 2/248 - 249 (¬7) الْقَوْلُ: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ (¬8) ب، ا: عِنْدَ

بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) . وَغَيْرِهِ، مِثْلُ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَجَعْفَرِ [بْنِ مُحَمَّدٍ] (¬2) . الصَّادِقِ وَغَيْرِهِمْ. [وَلِهَذَا كَانَتِ الْإِمَامِيَّةُ لَا تَقُولُ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ لَمَّا بَلَغَهُمْ نَفْيُ ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ مُحَدِّثٌ مَجْهُولٌ، وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَظَنُّوا أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ نَفَوْا أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، أَيْ مَكْذُوبٌ مُفْتَرًى. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ: مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَالنِّزَاعُ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِنَّمَا كَانَ فِي كَوْنِهِ مَخْلُوقًا خَلَقَهُ اللَّهُ، أَوْ هُوَ كَلَامُهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ وَقَامَ بِذَاتِهِ. وَأَهْلُ الْبَيْتِ إِنَّمَا سُئِلُوا عَنْ هَذَا، وَإِلَّا فَكَوْنُهُ مَكْذُوبًا مُفْتَرًى مِمَّا لَا يُنَازِعُ مُسْلِمٌ فِي بُطْلَانِهِ] (¬3) . وَلَكِنَّ الْإِمَامِيَّةَ تُخَالِفُ أَهْلَ الْبَيْتِ فِي عَامَّةِ أُصُولِهِمْ، فَلَيْسَ فِي (¬4) . أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ - مِثْلُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ مَنْ كَانَ يُنْكِرُ الرُّؤْيَةَ، أَوْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ (¬5) .، أَوْ يُنْكِرُ الْقَدَرَ، أَوْ يَقُولُ بِالنَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ، أَوْ بِعِصْمَةِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، أَوْ يَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ (¬6) . . ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ (¬2) ابْنِ مُحَمَّدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ب، ا، ن، م: مِنْ (¬5) ع: وَلَا يَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ (¬6) فِي النُّسَخِ الْخَمْسِ: مَنْ كَانَ يُنْكِرُ الرُّؤْيَةَ وَلَا يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَلَا يُنْكِرُ الْقَدَرَ وَلَا يَقُولُ بِالنَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ وَلَا بِعِصْمَةِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَلَا يَسُبُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُوَ نَقِيضُ الْمَقْصُودِ

وَالْمَنْقُولَاتُ الثَّابِتَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَعْرُوفَةٌ مَوْجُودَةٌ، وَكَانَتْ مِمَّا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ (¬1) . وَشُيُوخُ الرَّافِضَةِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ فِي التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ لَمْ يَتَلَقَّوْهُ لَا عَنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَإِنَّمَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَقْلَ دَلَّهُمْ عَلَيْهِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، [وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ شُيُوخُهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ] (¬2) .، وَإِنَّمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ تَلَقَّوْا عَنِ الْأَئِمَّةِ الشَّرَائِعَ. وَقَوْلُهُمْ فِي الشَّرَائِعِ غَالِبُهُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ -[أَوْ بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ] (¬3) . -[وَلَهُمْ مُفْرَدَاتٌ شَنِيعَةٌ لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَيْهَا أَحَدٌ] (¬4) .، وَلَهُمْ مُفْرَدَاتٌ عَنِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ قَدْ قَالَ بِهَا غَيْرُ [الْأَرْبَعَةِ] (¬5) .، مِنَ السَّلَفِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَفُقَهَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ، فَهَذِهِ وَنَحْوُهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي يَهُونُ الْأَمْرُ فِيهَا، بِخِلَافِ الشَّاذِّ الَّذِي يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ (¬6) . وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬7) . وَلَا سَبَقَهُمْ إِلَيْهِ (¬8) . أَحَدٌ. [وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، كَمَا يُشَنِّعُ ¬

(¬1) ع: أَئِمَّةُ السُّنَّةِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬5) ب، ا، ن، م: غَيْرُهُمْ (¬6) ع: لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; م: لَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ (¬7) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) (¬8) ع: إِلَيْهَا

بِذَلِكَ الشِّيعَةُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِيهِمْ. بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَوْلٌ مَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْأَرْبَعَةِ: مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَقَوْلِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ (¬1) . مِثْلُ: الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِهِمْ. فَالشِّيعَةُ إِذَا وَافَقَتْ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الرَّاجِحَةِ كَانَ قَوْلُهَا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ رَاجِحًا، لَيْسَتْ لَهُمْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فَارَقُوا بِهَا جَمِيعَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ (إِلَّا) (¬2) . وَقَوْلُهُمْ فِيهَا فَاسِدٌ. وَهَكَذَا الْمُعْتَزِلَةُ وَسَائِرُ الطَّوَائِفِ كَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ لَيْسَ لَهُمْ قَوْلٌ انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ إِلَّا وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ، وَالْقَوْلُ الْحَقُّ يَكُونُ مَأْثُورًا عَنِ السَّلَفِ وَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفَ إِلَيْهِ] (¬3) . وَإِذَا عُرِفَتِ الْمَذَاهِبُ فَيُقَالُ: لِهَذَا: قَوْلُكَ (¬4) .: " إِنَّ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَإِخْبَارَهُ حَادِثٌ لِاسْتِحَالَةِ أَمْرِ الْمَعْدُومِ وَنَهْيِهِ وَإِخْبَارِهِ ": أَتُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ؟ أَمْ حَادِثٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ؟ ¬

(¬1) قَوْلُهُ: " وَقَوْلِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ. . إِلَخْ " لَعَلَّهُ يَقْصِدُ هُنَا الْأَرْبَعَةَ التَّالِينَ: الثَّوْرِيَّ، وَالْأَوْزَاعِيَّ. . إِلَخْ (¬2) إِلَّا: غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْأَصْلِ وَزِدْتُهَا لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ وَرَدَتْ فِي (ك) 82 (م) ، وَفِي هَذَا الْجُزْءِ ص [0 - 9] 03 وَفِيهِمَا: وَأَنَّ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. . إِلَخْ

وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَئِمَّةِ الشِّيعَةِ (¬1) . الْمُتَقَدِّمِينَ [وَالْجَهْمِيَّةِ] (¬2) . وَالْمُرْجِئَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ مَعَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ إِذَا قِيلَ: " حَادِثٌ " أَهُوَ حَادِثُ النَّوْعِ فَيَكُونُ الرَّبُّ قَدْ صَارَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا؟ أَمْ حَادِثُ الْأَفْرَادِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ؟ وَالْكَلَامُ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ مُوسَى مَثَلًا (¬3) . هُوَ حَادِثٌ وَإِنْ كَانَ نَوْعُ كَلَامِهِ قَدِيمًا لَمْ يَزَلْ؟ . فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ تَحْتَ قَوْلِكَ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّكَ إِنَّمَا (¬4) . أَرَدْتَ النَّوْعَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ قَوْلُ [مُتَأَخِّرِيِ الشِّيعَةِ] (¬5) . الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ التَّشَيُّعِ وَالِاعْتِزَالِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ (¬6) . ] وَالْإِمَامِيَّةُ وَإِنْ قَالُوا: هُوَ مُحْدَثٌ، وَامْتَنَعُوا أَنْ يَقُولُوا: هُوَ مَخْلُوقٌ، فَمُرَادُهُمْ بِالْمُحْدَثِ هُوَ مُرَادُ هَؤُلَاءِ بِالْمَخْلُوقِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ] (¬7) . فَيُقَالُ: لَكَ (¬8) .: إِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ خَلَقَهُ [وَأَحْدَثَهُ] (¬9) . مُنْفَصِلًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ وَالْقُدْرَةَ وَالْعِلْمَ وَسَائِرَ الصِّفَاتِ إِنَّمَا يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ ¬

(¬1) ن: الْأَئِمَّةِ الْمُتَشَيِّعَةِ ; م: أ: الْأَئِمَّةِ الشِّيعَةِ (¬2) وَالْجَهْمِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (ن) ، (م) (¬3) مَثَلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬4) إِنَّمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬5) مُتَأَخِّرِيِ الشِّيعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) (¬6) ب، ا: مُنْفَصِلٌ عَنْهُ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ (¬8) ن: فَيُقَالُ لَهُ (¬9) وَأَحْدَثَهُ: فِي (ع) فَقَطْ

قَامَتْ بِهِ لَا مَنْ خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ وَأَحْدَثَهَا (¬1) ، وَلِهَذَا إِذَا خَلَقَ اللَّهُ حَرَكَةً وَعِلْمًا وَقُدْرَةً فِي مَحَلٍّ (¬2) كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ (¬3) هُوَ الْمُتَحَرِّكُ الْعَالِمُ الْقَادِرُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ صِفَاتٍ لِلَّهِ (¬4) بَلْ مَخْلُوقَاتٍ لَهُ، وَلَوْ كَانَ مُتَّصِفًا بِمَخْلُوقَاتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ لَكَانَ إِذَا أَنْطَقَ الْجَامِدَاتِ، كَمَا قَالَ: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 10] . وَكَمَا قَالَ: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ النُّورِ: 24] ، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 21] وَكَمَا قَالَ: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سُورَةُ يس: 65] ; وَمِثْلُ تَسْلِيمِ الْحَجَرِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَسْبِيحِ الْحَصَى بِيَدِهِ، وَتَسْبِيحِ الطَّعَامِ وَهُمْ يَأْكُلُونَهُ، فَإِذَا كَانَ كَلَامُ اللَّهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ كَلَامَ اللَّهِ فَإِنَّهُ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَاكَ كَلَامَ اللَّهِ. كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ خَلَقَ كَلَامًا فِي الشَّجَرَةِ كَلَّمَ بِهِ (¬5) مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ. وَأَيْضًا،، فَإِذَا كَانَ الدَّلِيلُ قَدْ قَامَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَقْوَالِهِمْ، وَهُوَ الْمُنْطِقُ لِكُلِّ نَاطِقٍ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامَهُ، وَهَذَا قَالَتْهُ الْحُلُولِيَّةُ (¬6) مِنَ الْجَهْمِيَّةِ كَصَاحِبِ " الْفُصُوصِ " ابْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: خَلَقَهَا وَفَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ. (¬2) ب، ا: فِي جِسْمٍ ; ن، م: وَجِسْمًا. (¬3) ب، ا، ن، م: الْجِسْمُ. (¬4) ب، ا: صِفَاتِ اللَّهِ. (¬5) ب، ا: كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ. (¬6) ب (فَقَطْ) : وَهَذَا مَا قَالَتْهُ.

وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ (¬1) وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُ فِرْعَوْنَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 24] كَلَامُ اللَّهِ، كَمَا أَنَّ الْكَلَامَ الْمَخْلُوقَ فِي الشَّجَرَةِ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [سُورَةُ طه: 14] [يَقُولُونَ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي الشَّجَرَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، وَهُوَ] (¬2) كَلَامُ اللَّهِ. وَأَيْضًا، فَالرُّسُلُ الَّذِينَ خَاطَبُوا النَّاسَ وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَالَ، وَنَادَى، وَنَاجَى، وَيَقُولُ، لَمْ يُفْهِمُوهُمْ أَنَّ هَذِهِ مَخْلُوقَاتٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ، بَلِ الَّذِي أَفْهَمُوهُمْ إِيَّاهُ (¬3) أَنَّ اللَّهَ نَفْسَهُ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ، وَالْكَلَامُ قَائِمٌ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ، وَلِهَذَا عَابَ (¬4) اللَّهُ مَنْ يَعْبُدُ إِلَهًا لَا يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [سُورَةُ طه: 89] ، وَقَالَ: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 148] وَلَا يُحْمَدُ شَيْءٌ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ وَيُذَمُّ بِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ (¬5) إِلَّا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ قَائِمًا بِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُعْرَفُ فِي لُغَةٍ وَلَا عَقْلٍ قَائِلٌ مُتَكَلِّمٌ إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْقَوْلُ وَالْكَلَامُ، [لَا يُعْقَلُ فِي لُغَةِ أَحَدٍ - لَا لُغَةِ الرُّسُلِ وَلَا غَيْرِهِمْ - وَلَا فِي عَقْلِ أَحَدٍ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ قَطُّ بَلْ هُوَ بَائِنٌ عَنْهُ أَحْدَثَهُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا لَا يُعْقَلُ أَنَّهُ مُتَحَرِّكٌ بِحَرَكَةٍ خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ، وَلَا يُعْقَلُ أَنَّهُ ¬

(¬1) الْبَيْتُ لِابْنِ عَرَبِيٍّ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ " الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ " 4/141، ط. مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ، دَارِ الْكُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ، الْقَاهِرَةِ، 1329. (¬2) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) ع، ن، م: أَفْهَمُوهُ إِيَّاهُ. (¬4) ن: وَلِهَذَا عَاتَبَ ; م: فَلِهَذَا أَعَابَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب، ا: بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَيُذَمُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَكَلِّمٍ ; ن، م: بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ وَيُذَمُّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَكَلِّمٍ.

مُتَلَوِّنٌ بِلَوْنٍ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَا مُتَرَوِّحٌ بِرَائِحَةٍ خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ. وَطَرْدُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْقَلُ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ أَحْدَثَهَا فِي غَيْرِهِ، وَلَا مُحِبٌّ وَرَاضٍ وَغَضْبَانُ وَسَاخِطٌ بِرِضًى وَمَحَبَّةٍ وَغَضَبٍ وَسُخْطٍ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ. وَهَؤُلَاءِ النُّفَاةُ يَصِفُونَهُ بِمَا لَا يَقُومُ بِهِ: تَارَةً بِمَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ كَالْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ، وَتَارَةً بِمَا لَا يَقُومُ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ مَعْقُولٍ] (¬1) ; فَلَا (¬2) يُعْقَلُ حَيٌّ إِلَّا مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَلَا عَالِمٌ إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْعِلْمُ، [كَمَا لَا يُعْقَلُ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ] (¬3) مُتَحَرِّكٌ إِلَّا مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحَرَكَةُ، [وَطَرْدُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ] (¬4) فَاعِلٌ إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْفِعْلُ. [وَقَدْ سَلَّمَ الْأَشْعَرِيَّةُ - وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ - فَاعِلًا لَا يَقُومُ بِهِ الْفِعْلُ: كَعَادِلٍ لَا يَقُومُ بِهِ الْعَدْلُ، وَخَالِقٍ وَرَازِقٍ لَا يَقُومُ بِهِ الْخَلْقُ وَالرِّزْقُ. وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّتْ بِهِ عَلَيْهِمُ الْمُعْتَزِلَةُ، فَقَالُوا: كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عَادِلًا خَالِقًا رَازِقًا بِعَدْلٍ وَخَلْقٍ وَرِزْقٍ لَا يَقُومُ بِهِ، فَكَذَلِكَ عَالِمٌ وَقَادِرٌ وَمُتَكَلِّمٌ. وَالسَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ يُطَرِّدُونَ أَصْلَهُمْ، وَلِهَذَا احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى التَّامَّاتِ الَّتِي ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ، وَبَدَأَ السَّقَطُ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. (¬2) ب، ا، ن، م: كَمَا لَا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، وَفِيهَا: إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْعِلْمُ وَلَا مُتَحَرِّكٌ. . إِلَخْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، وَفِيهَا وَلَا فَاعِلٌ. . إِلَخْ.

لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ» (¬1) ". قَالُوا: لَا يُسْتَعَاذُ بِمَخْلُوقٍ. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ» (¬2) . وَقَالُوا: لَا يُسْتَعَاذُ بِمَخْلُوقٍ، وَقَدِ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّضَا وَالْمُعَافَاةِ ; فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ مِمَّا يَقُومُ بِالرَّبِّ تَعَالَى كَمَا تَقُومُ بِهِ كَلِمَاتُهُ، لَيْسَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا بَائِنَةً عَنْهُ] (¬3) . ¬

(¬1) فِي الْمُوَطَّأِ 2/950 - 951 (كِتَابُ الشِّعْرِ، بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ التَّعَوُّذِ) : " وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ، كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ. فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ، إِذَا قُلْتَهُنَّ طُفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ: بَلَى، فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَقُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ، وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ ". وَوَرَدَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا أَيْضًا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ 2/951 - 952. وَلَمْ أَجِدْ فِي رِسَالَةِ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالزَّنَادِقَةِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ اسْتِشْهَادًا بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَلَكِنْ جَاءَ فِي كِتَابِ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " لِلدَّارِمِيِّ وَفِي كِتَابِ " التَّوْحِيدِ " لِابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا الِاسْتِشْهَادُ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى عَاذَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ كَالَّذِي رُوِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ 4/2081 (كِتَابُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ. قَالَ: " أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ ". وَانْظُرِ: الرَّدَّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ لِلدَّارِمِيِّ، ص [0 - 9] 0 ; كِتَابَ التَّوْحِيدِ لِابْنِ خُزَيْمَةَ، ص [0 - 9] 08 - 109 ; كِتَابَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ، ص [0 - 9] 84 - 186 ; الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 15/15 (رَقْمُ 7885 - وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ) ; الْأَذْكَارَ لِلنَّوَوِيِّ، ص 121. (¬2) الْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 1/352 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا يُقَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَسَبَقَ وُرُودُ الْحَدِيثِ وَالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ 2/159. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ كَلَامُهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، [وَالْمُرِيدُ وَالْمُحِبُّ وَالْمُبْغِضُ وَالرَّاضِي وَالسَّاخِطُ مَا تَكُونُ إِرَادَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَبُغْضُهُ وَرِضَاهُ وَسُخْطُهُ بَائِنًا عَنْهُ لَا يَقُومُ بِهِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ] (¬1) ، قَالَ مَا لَا يُعْقَلُ، وَلَمْ يُفْهِمِ الرُّسُلُ لِلنَّاسِ هَذَا، بَلْ كُلُّ مَنْ سَمِعَ مَا بَلَّغَتْهُ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الرُّسُلَ لَمْ تُرِدْ بِكَلَامِ اللَّهِ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ] عَنِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ لَمْ تُرِدْ بِإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ [ (¬2) عَنْهُ (¬3) بَلْ مَا (¬4) هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ. قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ (¬5) : الْمُتَكَلِّمُ مِنْ فِعْلِ الْكَلَامِ، وَاللَّهُ [تَعَالَى] (¬6) لَمَّا أَحْدَثَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهِ صَارَ مُتَكَلِّمًا. فَيُقَالُ: لَهُمْ: لِلْمُتَأَخِّرِينَ الْمُخْتَلِفِينَ هُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (¬7) قِيلَ: الْمُتَكَلِّمُ مَنْ فَعَلَ الْكَلَامَ وَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا، [وَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ] (¬8) . وَقِيلَ: الْمُتَكَلِّمُ مَنْ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ (¬9) وَلَا [هُوَ] بِمَشِيئَتِهِ وَ [لَا] قُدْرَتِهِ (¬10) ، وَهَذَا قَوْلُ الْكُلَّابِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬5) ن، م: وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا ; ب، ا: قَالُوا (وَسَقَطَتْ كَلِمَتَا: الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ) . (¬6) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) ن: النَّاسُ هُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) أ، م: يَفْعَلُهُ. (¬10) ن، م: وَلَا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَقِيلَ: الْمُتَكَلِّمُ مَنْ تَكَلَّمَ بِفِعْلِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقَامَ بِهِ [الْكَلَامُ] (¬1) ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَطَوَائِفَ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: هُوَ صِفَةُ فِعْلٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الْمَوْصُوفِ لَا صِفَةُ ذَاتٍ. وَالصِّنْفُ الثَّانِي يَقُولُونَ: صِفَةُ ذَاتٍ لَازِمَةٌ لِلْمَوْصُوفِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَلَا قُدْرَتِهِ. وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ هُوَ صِفَةُ ذَاتٍ وَصْفَةُ فِعْلٍ، وَهُوَ قَائِمٌ بِهِ مُتَعَلِّقٌ (¬2) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَإِذَا (¬3) كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُمْ (¬4) : إِنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ يُنَازِعُهُمْ (¬5) فِيهِ طَائِفَةٌ وَإِذَا لَمْ يُنَازِعُوا فِي هَذَا، فَيُقَالُ: هَبْ أَنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الْقَائِلِ الْفَاعِلِ، أَوْ قَائِمَةٌ بِهِ (¬6) . أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُكُمُ الْفَاسِدُ، وَكَيْفَ تَكُونُ الصِّفَةُ غَيْرَهُ قَائِمَةً بِالْمَوْصُوفِ، أَوِ الْقَوْلُ غَيْرَ قَائِمٍ بِالْقَائِلِ. [وَقَوْلُ الْقَائِلِ: الصِّفَاتُ تَنْقَسِمُ إِلَى صِفَةِ ذَاتٍ وَصْفَةِ فِعْلٍ - وَيُفَسِّرُ صِفَةَ الْفِعْلِ بِمَا هُوَ بَائِنٌ عَنِ الرَّبِّ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ كَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِلرَّبِّ وَهُوَ لَا يَقُومُ بِهِ بِحَالٍ، بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ بَائِنٌ عَنْهُ؟ وَهَذَا وَإِنْ كَانَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ قَالَتْهُ تَبَعًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَهُوَ خَطَأٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الرَّبِّ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مُبَايِنَةٌ لَهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ ¬

(¬1) ب، ا: فَقَامَ بِهِ الْكَلَامُ وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " الْكَلَامِ " مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب، ا، ن، م: يَتَعَلَّقُ. (¬3) ب، ا: إِذَا. (¬4) ب، (فَقَطْ) : فَقَوْلُكُمْ. (¬5) ب، ا، ن، م: يُنَازِعُكُمْ. (¬6) ب، ا: هَبْ أَنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ لَكِنْ صِفَةُ فِعْلٍ مُنْفَصِلٍ (م: مُنْفَصِلَةٌ) عَنِ الْقَائِلِ (سَاقِطَةٌ مِنَ (م) الْفَاعِلِ أَوْ قَائِمٌ (م: قَائِمَةٌ) بِهِ.

الْمُتَضَادَّيْنِ، بَلْ حَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ: إِنَّ الْفِعْلَ لَا يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ، فَإِنَّ الْفِعْلَ هُوَ الْمَخْلُوقُ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يُوصَفُ بِهِ الْخَالِقُ، وَلَوْ كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ صِفَةً لَهُ لَكَانَتْ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ صِفَاتٍ لِلرَّبِّ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ: عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ مُسْلِمٍ] (¬1) . فَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ لَا يَقُومُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بِهِ لَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ. قِيلَ: وَالْجُمْهُورُ يُنَازِعُونَكُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَيَقُولُونَ: كَيْفَ يُعْقَلُ فِعْلٌ لَا يَقُومُ بِفَاعِلٍ، وَنَحْنُ نَعْقِلُ الْفَرْقَ بَيْنَ نَفْسِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ (¬2) وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِ الْمُكَوَّنِ؟ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ كَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ (¬3) وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ كَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقْلَا (¬4) وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ (¬5) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ (¬6) [وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ] (¬7) [وَهُوَ] قَوْلُ (¬8) أَئِمَّةِ الصُّوفِيَّةِ وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، [وَحَكَاهُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ب، ا: بَيْنَ نَفْسِ التَّكْوِينِ. (¬3) وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْفَرَّاءِ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ (¬4) ن، م: وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقْلَا. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/458. (¬5) ب، ا: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/424. (¬6) وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ حَامِدٍ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/423. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: وَقَوْلُ.

الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " عَنِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا] (¬1) وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ (¬2) . ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِقِيَامِ فِعْلِهِ بِهِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فِعْلُهُ قَدِيمٌ وَالْمَفْعُولُ مُتَأَخِّرٌ، كَمَا أَنَّ إِرَادَتَهُ قَدِيمَةٌ وَالْمُرَادُ مُتَأَخِّرٌ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، [وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الثَّقَفِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ لَمَّا وَقَعَتِ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ابْنِ خُزَيْمَةَ] (¬3) . [وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ هُوَ حَادِثُ النَّوْعِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ يَقُولُهُ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ] (¬4) . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ يَقَعُ (¬5) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا لَكِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهِ، فَهُوَ حَادِثُ الْآحَادِ قَدِيمُ النَّوْعِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ يَقُولُهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ [مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْخَلْقُ حَادِثٌ قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ، كَمَا يَقُولُهُ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَا فِي مَحَلٍّ، كَمَا يَقُولُهُ: أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ وَغَيْرُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا لَا تَتَنَاهَى، كَمَا يَقُولُهُ: مُعَمَّرُ بْنُ عَبَّادٍ (¬6) وَغَيْرُهُ] (¬7) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ع) سَقَطَتْ كَلِمَةُ " وَالْمُرْجِئَةِ ". (¬5) هُوَ يَقَعُ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى مُعَمَّرِ بْنِ عَبَّادٍ وَمَذْهَبِهِ فِي الْمَعَانِي 2/128 - 129. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

وَإِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ يُنَازِعُونَكُمْ فَتُقَدَّرُ (¬1) الْمُنَازَعَةِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَئِمَّتِكُمْ مِنَ الشِّيعَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُوَافِقُونَكُمْ عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ لَكِنْ يَقُولُونَ: هُوَ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ فَيَقُولُونَ: قَدْ جَمَعْنَا بَيْنَ حُجَّتِنَا وَحُجَّتِكُمْ (¬2) ، فَقُلْنَا الْعَدَمُ لَا يُؤْمَرُ (¬3) وَلَا يُنْهَى، وَقُلْنَا: الْكَلَامُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِالْمُتَكَلِّمِ. فَإِنْ قُلْتُمْ لَنَا: قَدْ قُلْتُمْ بِقِيَامِ الْحَوَادِثِ بِالرَّبِّ. قَالُوا لَكُمْ (¬4) : نَعَمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْبَارِئَ يَتَكَلَّمُ، وَيُرِيدُ، وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ وَيَرْضَى، وَيَأْتِي وَيَجِيءُ، فَقَدْ نَاقَضَ كِتَابَ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬5) . وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ (¬6) يُنَادِي مُوسَى فِي الْأَزَلِ، فَقَدْ خَالَفَ كَلَامَ اللَّهِ مَعَ مُكَابَرَةِ الْعَقْلِ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 8] ، وَقَالَ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةُ يس: 82] ، فَأَتَى بِالْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. قَالُوا: وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالشِّيعَةُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ [وَقُدْرَتِهِ] (¬7) ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ (¬8) إِذَا شَاءَ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَمَا يَقُولُ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَإِنَّهُ صِفَةٌ لَهُ، وَالصِّفَةُ لَا تَقُومُ إِلَّا بِالْمَوْصُوفِ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَقَدْ أَخَذْنَا ¬

(¬1) ن، م: فَقَدْرُ. (¬2) ع: قَدْ جَمَعْنَا بَيْنَ حُجَّتِكُمْ وَحُجَّتِنَا ; أ، ب: قَدْ جَمَعْنَا حُجَّتَنَا وَحُجَّتَكُمْ. (¬3) ن، م: لَا يُؤْثَرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬4) ب، ا، ن، م: قُلْنَا لَكُمْ. (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬6) لَمْ يَزَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) وَقُدْرَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) ن: وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِهِ.

بِمَا فِي قَوْلِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الصَّوَابِ، وَعَدَلْنَا عَمَّا يَرُدُّهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ مِنْ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا. فَإِذَا قَالُوا لَنَا: فَهَذَا يَلْزَمُ (¬1) أَنْ تَكُونَ الْحَوَادِثُ قَامَتْ بِهِ. قُلْنَا: وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا قَبْلَكُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ؟ وَنُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مَعَ صَرِيحِ الْعَقْلِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَازِمٌ لِجَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ فَلَمْ يَعْرِفْ لَوَازِمَهُ وَمَلْزُومَاتِهِ. وَلَفْظُ " الْحَوَادِثِ " مُجْمَلٌ، فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرَاضُ (¬2) وَالنَّقَائِصُ، وَاللَّهُ [تَعَالَى] (¬3) مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ [كَمَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَاللُّغُوبِ، وَعَنْ أَنْ يَئُودَهُ حِفْظُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ - الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ - يَجْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا حُجَّةً فِي نَفْيِ قِيَامِ الصِّفَاتِ، أَوْ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ نَفْيَ الْخَاصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْعَامِّ، وَلَا يَجِبُ إِذَا نَفَيْتَ عَنْهُ النَّقَائِصَ وَالْعُيُوبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْهُ مَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ] (¬4) . وَلَكِنْ يَقُومُ بِهِ مَا يَشَاؤُهُ (¬5) وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ (¬6) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : فَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ. (¬2) ب، م: الْأَعْرَاضُ. (¬3) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) ب، ا، م: مَا شَاءَهُ ; ن: مَا شَاءَ. (¬6) ع، ن، م: وَفِعَالِهِ.

وَنَحْنُ (¬1) نَقُولُ لِمَنْ أَنْكَرَ قِيَامَ ذَلِكَ بِهِ: أَتُنْكِرُهُ (¬2) لِإِنْكَارِكَ قِيَامَ الصِّفَةِ بِهِ كَإِنْكَارِ الْمُعْتَزِلَةِ؟ أَمْ تُنْكِرُهُ لِأَنَّ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ الْكُلَّابِيَّةُ؟ فَإِنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ كَانَ الْكَلَامُ فِي أَصْلِ الصِّفَاتِ وَفِي كَوْنِ الْكَلَامِ قَائِمًا بِالْمُتَكَلِّمِ لَا مُنْفَصِلًا عَنْهُ (¬3) كَافِيًا فِي هَذَا الْبَابِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي قُلْنَا لِهَؤُلَاءِ (¬4) : أَتُجَوِّزُونَ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ أَمْ لَا؟ فَإِنْ جَوَّزْتُمْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُكُمْ - لَزِمَ أَنْ يَفْعَلَ الْحَوَادِثَ مَنْ (¬5) لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهَا وَلَا لِضِدِّهَا (¬6) فَإِذَا جَازَ هَذَا [فَلِمَ] لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ الْحَوَادِثُ بِمَنْ لَمْ تَكُنْ (¬7) قَائِمَةً بِهِ هِيَ وَلَا ضِدَّهَا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفِعْلَ أَعْظَمُ مِنَ الْقَبُولِ (¬8) ، فَإِذَا جَازَ فِعْلُهَا بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ فَكَذَلِكَ قِيَامُهَا بِالْمَحَلِّ (¬9) ، فَإِنْ قُلْتُمْ: الْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ. (10 قُلْنَا: هَذَا مَمْنُوعٌ وَلَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ 10) (¬10) ، [ثُمَّ إِذَا سَلَّمَ ذَلِكَ فَهُوَ كَقَوْلِ ¬

(¬1) ن، م: فَنَحْنُ. (¬2) ن، م: تُنْكِرُهُ. (¬3) ب، ا: لَا مُنْفَصِلًا مِنْهُ. (¬4) ع: قَالُوا لِهَؤُلَاءِ. (¬5) ب، ا: مَا. (¬6) ن، م: وَلَا قَصَدَهَا. (¬7) ن: فَلَا يَجُوزُ بِمَنْ لَمْ تَكُنْ. . إِلَخْ ; م: فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ الْحَوَادِثُ بِمَنْ لَمْ تَكُنْ. . ; ع: فَلِمَ لَا يُجَوِّزُوا أَنْ تَقُومَ الْحَوَادِثُ. . وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ع، م: الْقَوْلُ. (¬9) ن، م: بِالْفِعْلِ. (¬10) : (10 - 10) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الْقَائِلِ: الْقَدَرُ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ ضِدِّهِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا، وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلًا وَلَا تَارِكًا، لِأَنَّ التَّرْكَ عِنْدَكُمْ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ مَقْدُورٌ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لِشَيْءٍ مِنْ مَقْدُورَاتِهِ فِي الْأَزَلِ مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا، بَلْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَقْدُورِهِ فِي الْأَزَلِ مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلَكُمْ فَلِأَنْ لَا يَجِبَ وُجُودُ الْمَقْبُولِ فِي الْأَزَلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، فَإِنَّ هَذَا الْمَقْبُولَ مَقْدُورٌ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، وَأَنْتُمْ تُجَوِّزُونَ وُجُودَ قَادِرٍ مَعَ امْتِنَاعِ مَقْدُورِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ قَادِرًا] (¬1) . (2 ثُمَّ نَقُولُ: إِنْ كَانَ الْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ 2) (¬2) لَزِمَ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ، وَتَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ إِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَانَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ قَوْلَ أَهْلِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا [أَمْكَنَ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْحَادِثُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِهِ، كَمَا يَفْعَلُ الْحَوَادِثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهَا] (¬3) وَكَانَ (¬4) قَوْلُنَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَقَوْلُكُمْ أَنْتُمْ بَاطِلٌ عَلَى [كِلَا] (¬5) التَّقْدِيرَيْنِ. فَإِنْ قُلْتُمْ لَنَا: أَنْتُمْ تُوَافِقُونَا عَلَى امْتِنَاعِ تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ، وَهُوَ حُجَّتُنَا وَحُجَّتُكُمْ عَلَى [نَفْيِ] (¬6) قِدَمِ الْعَالَمِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬2) : (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬4) ب، ا، ن، م: كَانَ. (¬5) كِلَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) نَفْيِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .

قُلْنَا لَكُمْ: مُوَافَقَتُنَا لَكُمْ حُجَّةٌ جَدَلِيَّةٌ، وَإِذَا كُنَّا قَدْ قُلْنَا بِامْتِنَاعِ تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ مُوَافَقَةً لَكُمْ، وَقُلْنَا (¬1) بِأَنَّ الْقَابِلَ (¬2) لِلشَّيْءِ قَدْ يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ مُخَالَفَةً لَكُمْ. وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنْ قَبِلَ الْحَوَادِثَ (¬3) لَزِمَ تَسَلْسُلُهَا وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِذَلِكَ (¬4) . قُلْنَا: إِنْ صَحَّتْ هَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ - وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِمُوجِبِهِمَا (¬5) - لَزِمَ خَطَؤُنَا: إِمَّا فِي هَذِهِ وَإِمَّا فِي هَذِهِ. وَلَيْسَ خَطَؤُنَا فِيمَا سَلَّمْنَاهُ لَكُمْ بِأَوْلَى مِنْ خَطَئِنَا فِيمَا خَالَفْنَاكُمْ فِيهِ، فَقَدْ يَكُونُ خَطَؤُنَا فِي مَنْعِ تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ لَا فِي قَوْلِنَا: إِنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ، فَلَا يَكُونُ خَطَؤُنَا فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ دَلِيلًا عَلَى صَوَابِكُمْ (¬6) فِي الْأُخْرَى الَّتِي خَالَفْنَاكُمْ فِيهَا. أَكْثَرُ مَا فِي هَذَا (¬7) الْبَابِ [أَنَّا نَكُونُ] (¬8) مُتَنَاقِضَيْنِ، وَالتَّنَاقُضُ (¬9) شَامِلٌ لَنَا وَلَكُمْ وَلِأَكْثَرِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا. وَإِذَا كُنَّا مُتَنَاقِضَيْنِ، فَرُجُوعُنَا إِلَى قَوْلٍ نُوَافِقُ [فِيهِ] الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ (¬10) ، أَوْلَى مِنْ رُجُوعِنَا إِلَى قَوْلٍ ¬

(¬1) ن، م: قَدْ قُلْنَا. (¬2) ب (فَقَطْ) : الْفَاعِلَ. (¬3) ب: إِنْ قَبِلَ بِالْحَوَادِثِ ; ن، م: فَإِذَا قِيلَ الْحَوَادِثُ. (¬4) ع: وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ ; م: وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ تِلْكَ. (¬5) ع، ن، م: بِمُوجِبِهَا. (¬6) ب (فَقَطْ) : جَوَابُكُمْ. (¬7) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬8) عِبَارَةُ " أَنَّا نَكُونُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن (فَقَطْ) : وَالْمُتَنَاقِضَيْنِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) ن، م: يُوَافِقُ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ.

نُخَالِفُ فِيهِ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ. فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَتَكَلَّمُ (¬1) بِكَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، أَوْ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَا يَقُومُ بِهِ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، بِخِلَافِ تَكَلُّمِهِ بِكَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ قَائِمٌ بِهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ لَا عَقْلًا وَلَا نَقْلًا، لَكِنْ قَدْ نَكُونُ [نَحْنُ] (¬2) لَمْ نَقُلْهُ بِلَوَازِمِهِ فَنَكُونُ مُتَنَاقِضِينَ، وَإِذَا كُنَّا مُتَنَاقِضِينَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ نَرْجِعَ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي أَخْطَأْنَا فِيهِ لِنُوَافِقَ مَا أَصَبْنَا فِيهِ، لَا نَرْجِعُ عَنِ الصَّوَابِ لِنَطْرُدَ (¬3) الْخَطَأَ، فَنَحْنُ نَرْجِعُ عَنْ تِلْكَ [الْمُنَاقَضَاتِ] (¬4) وَنَقُولُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إِثْبَاتُ حَادِثٍ بَعْدَ حَادِثٍ (¬5) لَا إِلَى أَوَّلِ (¬6) قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ. (* قُلْنَا: بَلْ قَوْلُكُمْ: إِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُعَطَّلًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَلَا أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا، ثُمَّ صَارَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَأَنْ يَفْعَلَ (¬7) بِلَا حُدُوثِ سَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ، قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَلِمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا، وَإِثْبَاتُ الْقُدْرَةِ مَعَ كَوْنِ الْمَقْدُورِ مُمْتَنِعًا غَيْرَ مُمْكِنٍ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، فَكَانَ فِيمَا عَلَيْهِ ¬

(¬1) ن، ا: فَنَقُولُ إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَتَكَلَّمُ ; ب: فَنَقُولُ إِنَّ كَوْنَ الْمُتَكَلِّمِ يَتَكَلَّمُ، م: فَنَقُولُ إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ. (¬2) نَحْنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬3) ب، ا: لِيُطْرَدَ. (¬4) الْمُنَاقَضَاتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ع: إِثْبَاتُ حَوَادِثَ بِلَا حَادِثٍ ; ن، م: إِثْبَاتُ حَوَادِثَ بَعْدَ حَادِثٍ. (¬6) ن: أُولَى أَوَّلِ ; م: لَا أُولَى أَوَّلِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬7) ع: أَنْ يَفْعَلَ وَيَتَكَلَّمَ.

الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬1) . وَالْقَوْلُ بِدَوَامِ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا وَدَوَامِ كَوْنِهِ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ مَنْقُولٌ عَنِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، كَابْنِ الْمُبَارَكِ (¬2) وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيِّ وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ فِي الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ - فَضْلًا عَنِ اللَّازِمَةِ - وَهُوَ دَوَامُ إِحْسَانِهِ (¬3) ، *) (¬4) [وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْمُسْلِمِينَ: يَا قَدِيمَ الْإِحْسَانِ إِنْ عُنِي بِالْقَدِيمِ قَائِمٌ بِهِ] (¬5) . وَالْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ قَالُوا: بِقِدَمِ [الْأَفْلَاكِ وَغَيْرِهَا مِنْ] (¬6) الْعَالَمِ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ فِيهِ لَا إِلَى أَوَّلٍ، وَأَنَّ الْبَارِئَ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ لِلْعَالَمِ (¬7) لَيْسَ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ. [وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَكُونُ الْمَخْلُوقُ إِلَّا مُحْدَثًا، فَمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ شَيْئًا قَدِيمًا بِقِدَمِهِ فَقَدْ عَلِمَ مُخَالَفَتَهُ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ] (¬8) . وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمُوهُمْ (¬9) عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَاطِلِهِمْ حَيْثُ قُلْتُمْ: إِنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ ¬

(¬1) ع: بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. (¬2) ع: جَاءَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. (¬3) ع: دَوَامُ الْإِحْسَانِ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) ع: مُوجِبٌ بِذَاتِهِ الْعَالَمَ ; ن: الْمُوجِبُ لِذَاتِهِ لِلْعَالَمِ ; م: الْمُوجِبُ بِذَاتِهِ لِلْعَالَمِ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬9) ن، م: وَافَقْتُمُونَا.

بِنَفْسِهِ، وَلَا يَقُومُ بِهِ أَمْرٌ يَخْتَارُهُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ، بَلْ جَعَلْتُمُوهُ (¬1) كَالْجَمَادِ الَّذِي لَا تَصَرُّفَ (¬2) (* لَهُ وَلَا فِعْلَ، وَهُمْ جَعَلُوهُ كَالْجَمَادِ الَّذِي لَزِمَهُ وَعَلِقَ بِهِ مَا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ *) (¬3) فِيهِ، فَوَافَقْتُمُوهُمْ عَلَى بَعْضِ بَاطِلِهِمْ. وَنَحْنُ قُلْنَا بِمَا يُوَافِقُ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ مِنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ [وَعَلَى التَّكَلُّمِ بِنَفْسِهِ] (¬4) كَيْفَ شَاءَ، وَقُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ (¬5) ، فَلَا نَقُولُ: إِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا نَقُولُ: إِنَّ كَلَامَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ (¬6) : أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ (* وَأَنَّ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ صِفَةٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ *) (¬7) ، فَإِنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ (¬8) ، وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ أَصْوَاتٌ مُقَطَّعَةٌ (¬9) مُتَضَادَّةٌ أَزَلِيَّةٌ، فَإِنَّ الْأَصْوَاتَ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ. وَأَيْضًا، فَلَوْ قُلْنَا بِهَذَا الْقَوْلِ وَالَّذِي قَبْلَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَكْلِيمُ اللَّهِ ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: وَجَعَلْتُمُوهُ. (¬2) فِي (ن) ، (م) : كَالْجَمَادِ الَّذِي لَا يَنْصَرِفُ، وَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ كُتِبَتْ فِي (ن) تِسْعَةُ سُطُورٍ تَبَيَّنَ لِي أَنَّهَا تُقَابِلُ سُطُورًا فِي ص 233 فِي (ب) ، وَأَخْطَأَ النَّاسِخُ فِي كِتَابَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) ، (م) . (¬5) ب، ا: مُتَكَلِّمًا ذَاتًا. (¬6) ب: وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ; ن، ا، م: وَلَا يَقُولُ إِنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬8) ن، م: الْعَقْلُ. (¬9) ب، ا: مُنْقَطِعَةٌ.

لِلْمَلَائِكَةِ وَلِمُوسَى وَلِخَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ إِلَّا مُجَرَّدَ خَلْقِ إِدْرَاكٍ (¬1) لَهُمْ لَمَّا كَانَ أَزَلِيًّا لَمْ يَزَلْ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ النُّصُوصَ دَلَّتْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ، وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ صَارَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، فَإِنَّ هَذَا وَصْفٌ لَهُ (¬2) بِالْكَمَالِ بَعْدَ النَّقْصِ، وَأَنَّهُ صَارَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ الَّتِي كَمُلَ بِهَا بَعْدَ نَقْصِهِ. ثُمَّ حُدُوثُ ذَلِكَ الْكَمَالِ (¬3) لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ، [وَالْقَوْلُ فِي الثَّانِي كَالْقَوْلِ فِي الْأَوَّلِ فَفِيهِ تَجَدُّدُ (* كَمَالٍ بِلَا سَبَبٍ] (¬4) ، وَوَصْفٌ لَهُ بِالنَّقْصِ الدَّائِمِ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى أَنَّ تَجَدَّدَ لَهُ مَا لَا سَبَبَ لِتَجَدُّدِهِ (¬5) ، وَفِي ذَلِكَ تَعْطِيلٌ لَهُ عَنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ. وَأَمَّا دَوَامُ الْحَوَادِثِ فَمَعْنَاهُ [هُنَا] (¬6) دَوَامُ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا (¬7) إِذَا شَاءَ، وَهَذَا دَوَامُ كَمَالِهِ وَنُعُوتُ *) (¬8) جَلَالِهِ وَدَوَامُ أَفْعَالِهِ، وَبِهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ، وَكُلُّ مَا فِيهِ مَخْلُوقٌ لَهُ حَادِثٌ (¬9) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبُ الْحُدُوثِ هُوَ مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ كَلِمَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ (¬10) وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُعْقَلُ ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: الْإِدْرَاكُ. (¬2) ب: فَإِنَّهُ وَصْفٌ لَهُ ; أ: فَإِنْ وُصِفَ لَهُ (بِسُقُوطِ: هَذَا) . وَسَقَطَتْ " لَهُ " مِنْ (ع) . (¬3) ع: الْكَلَامِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: إِلَى تَجَدُّدِ مَا لَا سَبَبَ لِنَحْوِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن: مُكَلِّمًا. (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ب (فَقَطْ) : مَخْلُوقًا لَهُ حَادِثًا. وَالَّذِي فِي بَاقِي النُّسَخِ صَوَابٌ، وَفِي عِبَارَةِ " وَبِهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ " الْفِعْلُ " يَكُونُ " تَامٌّ. (¬10) ب، ا: لِأَنَّهُ يَكُونُ بِسَبَبِ الْحُدُوثِ وَهُوَ مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ كَلِمَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ ; ن، م: لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبُ الْحَوَادِثِ هُوَ مَا قَامَ بِهِ مِنْ كَلِمَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.

سَبَبُ (¬1) حُدُوثِ الْحَوَادِثِ، وَيَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا (¬2) أَنْ يُقَالَ: بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدِيمًا لَكَانَ مُبْدِعُهُ (¬3) مُوجِبًا بِذَاتِهِ لِيَلْزَمَهُ (¬4) مُوجِبُهُ وَمُقْتَضَاهُ، وَإِذَا كَانَ الْخَالِقُ فَاعِلًا بِفِعْلٍ يَقُولُ بِنَفْسِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا بِذَاتِهِ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَامْتَنَعَ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مُنْفَصِلًا [عَنْهُ] (¬5) مُقَارِنًا لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ، فَلِأَنْ يَمْتَنِعَ ذَلِكَ إِذَا قَامَ بِهِ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (* لَا يُوجَدُ الْمَفْعُولُ حَتَّى يُوجَدَ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ الَّذِي حَصَلَ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ *) (¬6) الْأَوَّلُ يَكْفِي فِيهِ نَفْسُ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ (¬7) . [وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ] (¬8) وَالْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ الْقَائِمُ بِهِ يَكُونُ، أَوْلَى بِالْحُدُوثِ وَالتَّأَخُّرِ مِمَّا لَمْ يَتَوَقَّفُ (¬9) إِلَّا عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ ¬

(¬1) ن، م: فَيَفْعَلُ بِسَبَبِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب، ا: وَمَعَ هَذَا يَمْتَنِعُ. (¬3) ن: مُبْتَدَعَةُ مُقْتَضِيهِ. (¬4) ب، ا: يَلْزَمُهُ. (¬5) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (ن) ، (م) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) وَمَوْجُودٌ فِي (ن) لَكِنْ بَعْضُ كَلِمَاتِهِ مُحَرَّفَةٌ. (¬7) ب، ا: يَكْفِي فِي نَفْسِ الْمَشِيئَةِ وَالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ وَالْقُدْرَةِ ; ع: يَكْفِي نَفْسُ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " الْقُدْرَةِ " مِنْ (ب) ، (أ) . (¬9) ن، م: مَا لَمْ يَتَوَقَّفْ.

لَا يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ; وَلِذَلِكَ كَثُرَ بَيْنَهُمُ الْقِيلُ وَالْقَالُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَجَامِعِ الْمَذَاهِبِ. (¬1) [وَالْأَصْلُ الَّذِي بَايَنَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ: أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إِنَّمَا يُوصَفُ بِمَا يَقُومُ بِهِ، لَا يُوصَفُ بِمَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ مُطَّرِدٌ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْجُمْهُورِ. وَلَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ اسْتَضْعَفَتِ الْأَشْعَرِيَّةَ - وَمَنْ وَافَقَهُمْ - بِتَنَاقُضِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ حَيْثُ وَصَفُوهُ بِالصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ. وَالْأَشْعَرِيُّ تَبَعٌ فِي ذَلِكَ لِلْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ نَفَوْا قِيَامَ الْفِعْلِ بِهِ، لَكِنَّ أُولَئِكَ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الْأَشْعَرِيَّةِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ لَهُمْ نِزَاعٌ فِي الْخَلْقِ: هَلْ هُوَ الْمَخْلُوقُ، أَوْ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ؟ وَإِذَا قَالُوا: هُوَ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ، فَقَدْ يَقُولُونَ: مَعْنَى قَائِمٍ لَا فِي مَحَلٍّ، كَمَا تَقَوَّلَهُ الْبَصْرِيُّونَ فِي الْإِرَادَةِ. وَقَدْ يَقُولُونَ: مَعَانِي لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ. كَمَا يَقُولُهُ مَعْمَرٌ مِنْهُمْ وَأَصْحَابُهُ، وَيُسَمَّوْنَ أَصْحَابَ الْمَعَانِي، وَقَدْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ. وَحُجَّةُ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَكَانَ إِمَّا قَدِيمًا وَإِمَّا مُحْدَثًا، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمُ الْمَخْلُوقِ، وَهُوَ مُحَالٌ بِالِاضْطِرَارِ فِيمَا عُلِمَ حُدُوثُهُ بِالِاضْطِرَارِ، وَالدَّلِيلُ فِيمَا عُلِمَ حُدُوثُهُ بِالدَّلِيلِ. وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا كَانَ مَخْلُوقًا، فَافْتَقَرَ الْخَلْقُ إِلَى ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ وَيَنْتَهِي ص 393.

خَلْقٍ ثَانٍ وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَأَيْضًا، فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهِ، وَهَذَا عُمْدَتُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَالرَّازِيُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَقْوَالِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَبَعْضِ أَقْوَالِ الْكَرَّامِيَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهَا مَعَ فُقَهَاءِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ هُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْجُمْهُورُ لَهُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ عُمْدَةِ هَؤُلَاءِ طُرُقٌ: كُلُّ قَوْمٍ بِحَسْبِهِمْ. فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلِ الْخَلْقُ الَّذِي هُوَ التَّكْوِينُ وَالْفِعْلُ قَدِيمٌ وَالْمُكَوَّنُ الْمَفْعُولُ مُحْدَثٌ لِأَنَّ (الْخَلْقَ) (¬1) عِنْدَهُمْ لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِذَا قَالُوا لِهَؤُلَاءِ: فَيَلْزَمُ قِدَمُ الْمُكَوَّنِ قَالُوا: نَقُولُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ مَا قُلْتُمْ فِي الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ، قُلْتُمْ: هِيَ قَدِيمَةٌ فَإِنْ (¬2) كَانَ الْمُرَادُ مُحْدَثًا، كَذَلِكَ التَّكْوِينُ قَدِيمٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُكَوَّنُ مُحْدَثًا. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلِ الْخَلْقُ وَالتَّكْوِينُ حَادِثٌ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ وَتَكْوِينَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ. قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ وُجُودَ أَفْعَالِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 54] وَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ 11] ، وَقَوْلِهِ: ¬

(¬1) كَلِمَةُ " الْخَلْقِ " غَيْرُ مَوْجُودَةٍ بِالْأَصْلِ وَزِدْتُهَا لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ. (¬2) فَإِنْ: كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: وَإِنْ.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 11] وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ - ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ - ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 12 - 14] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَهُؤُلَاءِ يَلْتَزِمُونَ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ، كَخَلْقِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَكَلَامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ. وَفِي الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ مَوْضِعٍ تُوَافِقُ قَوْلَهُمْ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا، وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَسَاطِينِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ فِي التَّسَلْسُلِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: الْمَخْلُوقُ يَحْصُلُ بِالْخَلْقِ، وَالْخَلْقُ يَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ. 0 وَيَقُولُونَ لِمُنَازِعِيهِمْ: إِذَا جَازَ عِنْدَكُمْ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ قَائِمٍ بِهِ، فَلِأَنْ يَجُوزَ الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْإِرَادَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّسَلْسُلِ مِنْهُمْ يَقُولُ: نَفْسُ الْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ أَوْجَبَتْ مَا حَدَثَ مِنَ الْفِعْلِ وَالْإِرَادَةِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْمَخْلُوقُ فِيمَا لَا يَزَالُ. وَمَنْ قَالَ بِالتَّسَلْسُلِ مِنْهُمْ قَالَ: التَّسَلْسُلُ الْمُمْتَنِعُ إِنَّمَا هُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْفَاعِلِ فَاعِلٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ لِلْعِلَّةِ عِلَّةً وَلِلْمُؤَثِّرِ مُؤَثِّرًا، أَوْ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ لِلْفَاعِلِ فَاعِلًا،

التعليق على قوله وأن الأنبياء معصومون من الخطأ والسهو

فَهَذَا هُوَ التَّسَلْسُلُ الْمُمْتَنِعُ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ، وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مُمْتَنِعًا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، كَمَا أَنَّ الدَّوْرَ الْمُمْتَنِعَ هُوَ الدَّوْرُ الْقَبْلِيُّ. فَأَمَّا التَّسَلْسُلُ فِي الْآثَارِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لَا يَكُونُ إِلَّا وَيَكُونُ بَعْدَ غَيْرِهِ فَهَذَا لِلنَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: هُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ جَائِزٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَقِيلَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمَاضِي جَائِزٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلِ جَمَاهِيرِ الْفَلَاسِفَةِ الْقَائِلِينَ بِحُدُوثِ هَذَا الْعَالَمِ وَالْقَائِلِينَ بِقِدَمِهِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى أَدِلَّةِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنَّا قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ أَضْعَافَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ هُوَ وَنَبَّهْنَا عَلَى مَجَامِعِ الْأَقْوَالِ] (¬1) [التعليق على قوله وأن الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ] [الوجه الأول اختلافهم في عصمة الأنبياء] (فَصْلٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬2) : " وَأَنَّ (¬3) الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ (¬4) الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ وَالْمَعْصِيَةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ وُثُوقٌ بِمَا يُبَلِّغُونَهُ، فَانْتَفَتْ فَائِدَةُ الْبَعْثَةِ وَلَزِمَ التَّنْفِيرُ عَنْهُمْ ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: [إِنَّ] (¬5) الْإِمَامِيَّةَ مُتَنَازِعُونَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ. ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ ص 390. (¬2) سَبَقَ وُرُودُ الْكَلَامِ التَّالِي فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " (ك) 1/82 (م) ، وَفِيمَا سَبَقَ 2/99. (¬3) ب، ا، ن، م: إِنَّ. (¬4) ك: عَنْ. (¬5) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) .

قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي " الْمَقَالَاتِ " (¬1) : وَاخْتَلَفَتْ (¬2) الرَّوَافِضُ فِي الرَّسُولِ (¬3) هَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْصِيَ أَمْ لَا؟ وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ: يَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّسُولَ جَائِزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ قَدْ عَصَى فِي أَخْذِ الْفِدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الرَّسُولَ إِذَا عَصَى فَإِنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيهِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، وَالْأَئِمَّةُ لَا يُوحَى إِلَيْهِمْ وَلَا تَهْبِطُ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْهُوا وَ [لَا] يَغْلَطُوا (¬4) وَإِنْ جَازَ عَلَى الرَّسُولِ الْعِصْيَانُ ". قَالَ (¬5) : " وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ. وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ: يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الرَّسُولِ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا حُجَجُ اللَّهِ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الزَّلَلِ وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِمُ السَّهْوُ وَاعْتِمَادُ الْمَعَاصِي وَرُكُوبُهَا (¬6) لَكَانُوا قَدْ سَاوَوُا الْمَأْمُومِينَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، كَمَا جَازَ (¬7) عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَلَمْ يَكُنِ الْمَأْمُومُونَ (¬8) أَحْوَجَ إِلَى الْأَئِمَّةِ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا (¬9) ". (¬10) [وَأَيْضًا، فَكَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ مَنْ يَصِفُ اللَّهَ تَعَالَى بِالنَّقَائِصِ ¬

(¬1) (مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ) 1/115 - 116. (¬2) ب، ا، م: وَاخْتَلَفَ. (¬3) الْمَقَالَاتِ 1/115: الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) ن، م: وَيَغْلَطُوا. (¬5) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) وَرُكُوبُهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ع: جَازَ ذَلِكَ. (¬8) ب، ا: الْمَأْمُومُ. (¬9) ن: لَوْ جَازَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ; م: لَوْ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ تُوجَدُ فِي (ب) ، (أ) عِبَارَةُ: " فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّهُمُ اللَّهُ عَلَى الْخَطَأِ فِي شَيْءٍ مِمَّا بَلَّغُوهُ مِنْهُمْ "، وَهِيَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَسَتِرُدُ فِيمَا بَعْدُ (ص 396) وَسَنُشِيرُ إِلَيْهَا بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬10) الْكَلَامُ بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ وَيَنْتَهِي ص 396.

كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ بَعْضِ ذَلِكَ، فَزُرَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ وَأَمْثَالُهُ يَقُولُونَ: يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَيَنْتَقِضُ حُكْمُهُ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ خَطَئِهِ. فَإِذَا قَالَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ عَاقِبَةُ فِعْلِهِمْ، فَقَدْ نَزَّهُوا الْبَشَرَ عَنِ الْخَطَأِ مَعَ تَجْوِيزِهِمُ الْخَطَأَ عَلَى اللَّهِ، وَكَذَلِكَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَزَارَةُ بْنُ أَعْيَنَ وَأَمْثَالُهُمَا مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّهُ يَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ النَّقَائِصِ فِي حَقِّ الرَّبِّ، فَإِذَا قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ لَا يَبْدُو لَهُمْ خِلَافُ مَا رَأَوْا فَقَدْ جَعَلُوهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَهُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَالُوا: بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ. وَأَمَّا مَا تَقُولُهُ: غُلَاتُهُمْ مِنْ إِلَاهِيَّةِ عَلِيٍّ، أَوْ نُبُوَّتِهِ، وَغَلَطِ جِبْرِيلَ بِالرِّسَالَةِ فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ هُنَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الشِّرْكَ وَالْغُلُوَّ يُخْرِجُ أَصْحَابَهُ إِلَى أَنْ يَجْعَلُوا الْبَشَرَ مِثْلَ الْإِلَهِ، بَلْ أَفْضَلَ مِنَ الْإِلَهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالَ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 136] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 108] . فَهَؤُلَاءِ لَمَّا سُبَّتْ آلِهَتُهُمْ سَبُّوا اللَّهَ مُقَابَلَةً، فَجَعَلُوهُمْ مُمَاثِلِينَ لِلَّهِ وَأَعْظَمَ فِي قُلُوبِهِمْ، كَمَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُحِبُّ مَا اتَّخَذَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ اللَّهَ تَعَالَى، وَتَجِدُ أَحَدَهُمْ يَحْلِفُ بِاللَّهِ وَيَكْذِبُ،

الوجه الثاني العصمة قبل البعثة غير واجبة

وَيَحْلِفُ بِمَا اتَّخَذَهُ نِدًّا مِنْ إِمَامِهِ، أَوْ شَيْخِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يَكْذِبَ، وَتَسْأَلُهُ بِاللَّهِ وَاللَّهِ فَلَا يُعْطِي، وَتَسْأَلُهُ بِمَا يُعَظِّمُهُ مِنْ إِمَامِهِ، أَوْ شَيْخِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيُعْطِي وَيُصَلِّي لِلَّهِ فِي بَيْتِهِ وَيَدْعُوهُ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ كَبِيرُ خُشُوعٍ فَإِذَا أَتَى إِلَى قَبْرِ مَنْ يُعَظِّمُهُ وَرَجَا أَنْ يَدْعُوَهُ، أَوْ يَدْعُوَ بِهِ، أَوْ يَدْعُوَ عِنْدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مِنَ الْخُشُوعِ وَالدُّمُوعِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ فِي بَيْتِ اللَّهِ، أَوْ فِي بَيْتِ الدَّاعِي الْعَابِدِ، وَتَجِدُ أَحَدَهُمْ يَغْضَبُ إِذَا ذُكِرَ مَا اتَّخَذَهُ نِدًّا بِعَيْبٍ، أَوْ نَقْصٍ وَيُذْكَرُ اللَّهُ بِالْعُيُوبِ وَالنُّقُوصِ فَلَا يَغْضَبُ لَهُ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْمُشْرِكِينَ شِرْكًا مَحْضًا وَفِي مَنْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنَ الشِّرْكِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالنَّصَارَى يُنَزِّهُونَ الْبَشَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَصِفُونَ بِهِ الرَّبَّ فَيَقُولُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ وَيُنَزِّهُونَ كَثِيرًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ وَيَقُولُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ يَنَامُ، وَالْبَابُ عِنْدَهُمْ لَا يَنَامُ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ] (¬1) . [الوجه الثاني العصمة قبل البعثة غير واجبة] ثُمَّ يُقَالُ: ثَانِيًا (¬2) : قَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ (¬3) عَنِ اللَّهِ [فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَى الْخَطَأِ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُبَلِّغُونَهُ عَنْهُ] (¬4) ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَعْثَةِ. [وَأَمَّا وُجُوبُ كَوْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيًّا لَا يُخْطِئُ، أَوْ لَا يُذْنِبُ فَلَيْسَ فِي ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ ص 394. (¬2) الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْمُطَهَّرِ سَبَقَ ص 393. (¬3) ب، ا: يُبَلِّغُونَ. (¬4) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ وَكَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فِي (ب) ، (أ) كَمَا أَشَرْتُ مِنْ قَبْلُ (ص 394) .

الوجه الثالث التوبة بعد الذنب ترفع الدرجات

النُّبُوَّةِ مَا يَسْتَلْزِمُ هَذَا وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ تَحْصُلْ ثِقَةٌ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ كَذِبٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ مَنْ آمَنَ وَتَابَ حَتَّى ظَهَرَ فَضْلُهُ وَصَلَاحُهُ وَنَبَّأَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا نَبَّأَ إِخْوَةَ يُوسُفَ وَنَبَّأَ لُوطًا وَشُعَيْبًا وَغَيْرَهُمَا وَأَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَإِنَّهُ يُوثَقُ فِيمَا يُبَلِّغُهُ كَمَا يُوثَقُ بِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَقَدْ تَكُونُ الثِّقَةُ بِهِ أَعْظُمَ إِذَا كَانَ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ قَدْ صَارَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُبَدِّلُ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ لِلتَّائِبِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ الْأَحْدَاثِ كَانُوا مِنْ خِيَارِ الْخَلْقِ وَكَانُوا أَفْضَلَ مِنْ أَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ وُلِدُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. [الوجه الثالث التوبة بعد الذنب ترفع الدرجات] ثُمَّ يُقَالُ: وَأَيْضًا، فَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَوُجُوبُ بَعْضِ الذُّنُوبِ أَحْيَانًا مَعَ التَّوْبَةِ الْمَاحِيَةِ الرَّافِعَةِ لِدَرَجَتِهِ إِلَى أَفْضَلِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ] (¬1) . وَأَيْضًا، فَوُجُوبُ (¬2) كَوْنِ النَّبِيِّ لَا يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَيَنَالُ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَفَرَحَهُ بِتَوْبَتِهِ وَتَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِذَلِكَ وَيَكُونُ بَعْدَ التَّوْبَةِ الَّتِي يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْهُ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلَهَا فَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ غَضَّ مِنْ مَنَاصِبِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَلَبَهُمْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ وَمَنَعَ إِحْسَانَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ وَتَفَضُّلَهُ عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ (¬3) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ب، ا: وَأَيْضًا فَوَجَبَ ; ن، م: وَأَمَّا وُجُوبُ. (¬3) ع، ن، م: بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ.

وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ وَلَمْ يُذْنِبْ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرِهِ وَتَابَ بَعْدَ ذَنْبِهِ (¬1) فَهُوَ مُخَالِفٌ مَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ كُفْرِهِمْ وَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِهِ (¬2) بَعْدَ ضَلَالِهِمْ، وَتَابُوا إِلَى اللَّهِ بَعْدَ ذُنُوبِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ أَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ وُلِدُوا (¬3) عَلَى الْإِسْلَامِ. وَهَلْ يُشَبِّهُ بَنِي الْأَنْصَارِ بِالْأَنْصَارِ، أَوْ بَنِي (¬4) الْمُهَاجِرِينَ بِالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ؟ وَأَيْنَ الْمُنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ (¬5) مِنَ السَّيِّئَاتِ إِلَى الْحَسَنَاتِ بِنَظَرِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ وَصَبْرِهِ (¬6) وَاجْتِهَادِهِ وَمُفَارَقَتِهِ عَادَاتِهِ [وَمُعَادَاتِهِ] (¬7) لِأَوْلِيَائِهِ (¬8) [وَمُوَالَاتِهِ لِأَعْدَائِهِ] (¬9) إِلَى آخَرَ لَمْ (¬10) يَحْصُلْ لَهُ (¬11) مِثْلُ هَذِهِ الْحَالِ؟ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْجَاهِلِيَّةَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا - يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا - إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 68 - 70] . ¬

(¬1) ب، ا: أَوْ تَابَ بَعْدَ ذَنْبٍ. (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (م) . (¬3) ع: فِي. (¬4) ن: بَنُو الْأَنْصَارِ الْأَنْصَارَ أَوْ بَنُو ; م: بَنُو الْأَنْصَارِ بِالْأَنْصَارِ وَبَنُو. (¬5) بِنَفْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬6) ن: وَاصْطِبَارِهِ. (¬7) وَمُعَادَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) ب، ا، ن: لِأَصْدِقَائِهِ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬10) ب، ا: مَا. (¬11) ن، م: مِنْهُ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (¬1) عَنْ أَبِي ذَرٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬2) قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ (¬3) : اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ (¬4) وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ (¬5) صِغَارَ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا (¬6) ، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا (¬7) ، فَيَقُولُ: نَعَمْ: لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ (¬8) لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ (¬9) قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَاهُنَا " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ] » (¬10) . ¬

(¬1) مُسْلِمٍ 1/177 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فِيهَا) . وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - بِنَفْسِ السَّنَدِ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/112 - 113 (كِتَابُ صِفَةِ جَهَنَّمَ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ لِلنَّارِ نَفْسَيْنِ وَمَا ذَكَرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ) . (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ع: فَيُقَالُ لَهُ، وَ " لَهُ " لَيْسَتْ فِي مُسْلِمٍ. (¬4) ع: سَيِّئَاتِهِ. وَالْمُثْبَتُ فِي (ب) ، (أ) ; وَهُوَ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ. (¬5) ع: فَيَعْرِضُ اللَّهُ عَلَيْهِ ; وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ. (¬6) ع: يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا. (¬7) ع: يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا. (¬8) ع: إِنَّ. (¬9) ع: أَيْ رَبِّ. (¬10) نَصُّ الْحَدِيثِ بِأَكْمَلِهِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَبَعْضُ كَلِمَاتِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .

فَأَيْنَ مَنْ يُبَدِّلُ [اللَّهُ] سَيِّئَاتِهِ (¬1) حَسَنَاتٍ إِلَى مَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ تِلْكَ الْحَسَنَاتُ (¬2) ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ السَّيِّئَاتِ لَا يُؤْمَرُ بِهَا، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَفْعَلَهَا لِيَقْصِدَ بِذَلِكَ التَّوْبَةَ مِنْهَا، فَإِنَّ هَذَا مِثْلُ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُحَرِّكَ الْعَدُوَّ عَلَيْهِ لِيَغْلِبَهُمْ بِالْجِهَادِ، أَوْ يُثِيرَ (¬3) الْأَسَدَ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، وَلَعَلَّ الْعَدُوَّ يَغْلِبُهُ وَالْأَسَدَ يَفْتَرِسُهُ، بَلْ مِثْلُ (¬4) مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ السُّمَّ ثُمَّ يَشْرَبُ التِّرْيَاقَ وَهَذَا جَهْلٌ، بَلْ إِذَا قَدَرَ مَنِ ابْتُلِيَ بِالْعَدُوِّ فَغَلَبَهُ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَادَفَهُ الْأَسَدُ وَكَذَلِكَ مَنِ اتَّفَقَ أَنْ شَرِبَ (¬5) السُّمَّ فَسُقِيَ تِرْيَاقًا [فَارُوقًا] (¬6) يَمْنَعُ [نُفُوذَ] سَائِرِ السُّمُومِ فِيهِ (¬7) كَانَ بَدَنُهُ أَصَحَّ مِنْ بَدْنِ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ ذَلِكَ التِّرْيَاقَ. وَالذُّنُوبُ إِنَّمَا تَضُرُّ أَصْحَابَهَا إِذَا لَمْ يَتُوبُوا مِنْهَا، وَالْجُمْهُورُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِجَوَازِ الصَّغَائِرِ عَلَيْهِمْ. [يَقُولُونَ] (¬8) إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا. وَحِينَئِذٍ فَمَا وَصَفُوهُمْ (¬9) إِلَّا بِمَا فِيهِ كَمَالُهُمْ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ، ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: فَأَيْنَ مَنْ تُبَدَّلُ سَيِّئَاتُهُ. (¬2) ن، م: إِلَى مَنْ لَا حَسَنَةَ لَهُ (¬3) ن، م: يَنْفِرَ. (¬4) ب: بَلْ كَمَنْ ; أ: بَلْ كَانَ مَنْ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . (¬5) ع: وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ ; ب: وَكَذَا مَنِ اتَّفَقَ أَنَّهُ شَرِبَ ; أ: وَكَذَلِكَ مَنِ اتَّفَقَ أَنْ يَشْرَبَ. (¬6) فَارُوقًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي (أ) . فَسُقِيَ تِرْيَاقًا دُوقًا (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) . وَفِي (ن) الْعِبَارَةُ مُضْطَرِبَةٌ هَكَذَا: فَارْوِ فَامْتَنَعَ. وَفِي (م) : فَسُقِيَ تِرْيَاقًا فَارُوقًا فَامْتَنَعَ. وَفِي الْقَامُوسِ: وَالتِّرْيَاقُ الْفَارُوقُ أَحْمَدُ التَّرَايِيقِ وَأَجَّلُ الْمَرْكَبَاتِ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ. (¬7) ع: يَمْنَعُ نُفُوذَ سَائِرِ السُّمِّ إِلَيْهِ ; ن، م: فَامْتَنَعَ سَائِرُ السُّمُومِ إِلَيْهِ. (¬8) يَقُولُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬9) ع: فَمَا وَصَفَهُمْ.

معنى قوله تعالى ليغفر لك الله

مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ مَعَهُمْ [فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْأَصْلِ] (¬1) . [معنى قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ] فَالْمُنْكِرُونَ (¬2) لِذَلِكَ يَقُولُونَ فِي (¬3) تَحْرِيفِ الْقُرْآنِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ أَهْلِ الْبُهْتَانِ، وَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [كَقَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 2] أَيْ: ذَنْبُ آدَمَ وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ ذَنْبِ أُمَّتِهِ (¬4) ، فَإِنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ مِنْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ] (¬5) . أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ آدَمَ تَابَ وَغُفِرَ [لَهُ] (¬6) ذَنْبُهُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ، فَكَيْفَ يَقُولُ [لَهُ] (¬7) : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} لِيَغْفِرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَ آدَمَ (¬8) ؟ وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 15] فَكَيْفَ يُضَافُ ذَنْبُ أَحَدٍ إِلَى غَيْرِهِ؟ وَأَمَا ثَالِثًا: فَلِأَنَّ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الَّذِي فِي الصِّحَاحِ (¬9) أَنَّهُمْ يَأْتُونَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ب، أ: وَالْمُنْكِرُونَ. (¬3) ن: يَقُولُونَ بَلْ. (¬4) ع: مِنْ ذَنْبِكَ (أَيْ ذَنْبِ آدَمَ) وَمَا تَأَخَّرَ (ذَنْبُ أُمَّتِهِ) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬8) عِبَارَةُ " اللَّهُ لَكَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن) ، (م) : {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} . (¬9) ع: فِي الصَّحِيحِ. وَحَدِيثُ الشَّفَاعَةِ مَرْوِيٌّ مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ. انْظُرْ: الْبُخَارِيَّ 6/84 - 85 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ: بَابُ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) ; مُسْلِمًا 1/180 - 187 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) . الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/161 - 163 (رَقْمُ 15) . وَانْظُرْ أَيْضًا: التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ 5/398 - 406 ; جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 11/123 - 133 ; ابْنَ الْقَيِّمِ فِي " حَادِي الْأَرْوَاحِ " ص 232 - 227. وَسَيَرِدُ الْحَدِيثُ فِيمَا بَعْدُ (ص [0 - 9] 23 وَانْظُرْ ت 3) وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ جُزْءًا كَبِيرًا مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ (¬1) ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، وَيَأْتُونَ نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى (¬2) فَيَقُولُ لَهُمْ (¬3) : اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ عَبْدٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَكَانَ سَبَبُ قَبُولِ شَفَاعَتِهِ كَمَالَ عُبُودِيَّتِهِ وَكَمَالَ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لَهُ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ لِآدَمَ لَكَانَ يَشْفَعُ (¬4) لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ. وَأَمَا رَابِعًا: فَلِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ «قَالَ أَصْحَابُهُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ] (¬5) : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكَ فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} » [سُورَةُ الْفَتْحِ: 4] فَلَوْ كَانَ مَا تَأَخَّرَ ذُنُوبَهُمْ لَقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ [لَكُمْ] (¬6) . وَأَمَا خَامِسًا: فَكَيْفَ يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ ذُنُوبَ أُمَّتِهِ كُلَّهَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ؟ وَإِنْ خَرَجَ (¬7) مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ؟ ¬

(¬1) ن، م: الْمَلَائِكَةُ. (¬2) ب، أ: وَعِيسَى وَمُوسَى. (¬3) ب، أ: فَيَقُولُونَ لَهُمْ. وَالْقَائِلُ هَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (¬4) ب، أ: شَفَعَ. (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب، أ، م:. . . تَأَخَّرَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ لَقَالَ هَذِهِ الْآيَةُ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَفِي (ن) سَقَطَتْ كَلِمَةُ " لَكُمْ ". (¬7) ب: وَيَخْرُجُ ; أ: وَإِنْ يَخْرُجْ.

التعليق على قوله إن هذا ينفي الوثوق ويوجب التنفير

فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ [مِنْ خِيَارِ تَأْوِيلَاتِ] الْمَانِعِينَ (¬1) لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ تَوْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ، وَزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُوجِبُ [تَوْبَةً] (¬2) وَلَا اسْتِغْفَارًا، وَلَا تَفَضُّلَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَحَبَّتِهِ، وَفَرَحِهِ بِتَوْبَتِهِمْ وَمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ لَهُمْ. [فَكَيْفَ بِسَائِرِ تَأْوِيلَاتِهِمُ الَّتِي فِيهَا مِنْ تَحْرِيفِ الْقُرْآنِ وَقَوْلِ الْبَاطِلِ عَلَى اللَّهِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ] (¬3) . [التعليق على قوله إِنَّ هَذَا يَنْفِي الْوُثُوقَ وَيُوجِبُ التَّنْفِيرَ] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬4) : إِنَّ هَذَا يَنْفِي الْوُثُوقَ وَيُوجِبُ التَّنْفِيرَ، فَلَيْسَ [هَذَا] (¬5) بِصَحِيحٍ [فِيمَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَلَا فِيمَا يَقَعُ خَطَأً، وَلَكِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَوْجُودٌ فِيمَا تَعَمَّدَ (¬6) مِنَ الذَّنْبِ. فَيُقَالُ] (¬7) : بَلْ (¬8) إِذَا اعْتَرَفَ الرَّجُلُ الْجَلِيلُ الْقَدْرِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى تَوْبَتِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ وَمَغْفِرَةِ اللَّهِ [لَهُ] (¬9) وَرَحْمَتِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِهِ وَتَوَاضُعِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ وَبُعْدِهِ عَنِ الْكِبْرِ وَالْكَذِبِ، بِخِلَافِ مَنْ يَقُولُ: مَا بِي (¬10) حَاجَةٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يَصْدُرُ [مِنِّي] (¬11) مَا يُحْوِجُنِي إِلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ لِي وَتَوْبَتِهِ عَلَيَّ، وَيُصِرُّ (¬12) عَلَى كُلِّ مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ بِنَاءً (¬13) عَلَى ¬

(¬1) ن، م فَهَذِهِ وَأَمْثَالُهُ التَّابِعِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) تَوْبَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ع، ن، م: قَوْلُهُمْ. وَالْكَلَامُ التَّالِي جُزْءٌ مِنْ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ الْوَارِدَةِ ص 393. (¬5) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) : ب، أ: يُعَدُّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ن، م: فِي. (¬11) ب، أ: عَنِّي ; وَسَقَطَتْ مِنْ (ن) ، (م) . (¬12) ن: ذَلِكَ عَلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬13) ن: مَعًا. وَسَقَطَتْ مِنْ (م) .

أَنَّهُ [لَا] يَصْدُرُ مِنْهُ (¬1) مَا يَرْجِعُ عَنْهُ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا إِذَا عُرِفَ مِنْ رَجُلٍ نَسَبَهُ (¬2) . النَّاسُ إِلَى الْكَذِبِ وَالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُنَّ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ ". قَالُوا: وَلَا أَنْتَ [يَا رَسُولَ اللَّهِ] (¬3) ؟ قَالَ: " وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» " (¬4) ، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَمَادِحِهِ (¬5) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬6) : " «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (¬7) فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» " (¬8) . وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ هَذَا عَظَّمَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ. ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: عَلَى أَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْ. (¬2) ب، أ: يَنْسُبُهُ (¬3) ن، م، ع: وَلَا أَنْتَ (¬4) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: الْبُخَارِيِّ 7/121 (كِتَابُ الْمَرْضَى ; بَابُ تَمَنِّي الْمَرِيضِ الْمَوْتَ) ، 8/98، 99 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ) ; مُسْلِمٍ 4/2169 - 2171 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، بَابُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1405 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ التَّوَقِّي عَلَى الْعَمَلِ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/305 - 306 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ لَا يُنْجِي أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/192 (رَقْمُ 7202) ، 13/218 (رَقْمُ 7473) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ أَقْرَبُ الرِّوَايَاتِ لَفْظًا إِلَى الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا. (¬5) ن: مَمَازَجِهِ ; م: مَمَاوِجِهِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬6) ع: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ; ن، م: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ. (¬7) ن، م: الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. (¬8) الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/167 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ". .) ، 8/169 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ رَجْمِ الْحُبْلَى إِذَا زَنَتْ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/320 (كِتَابُ الرَّقَائِقِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَطْرُونِي) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/222 (رَقْمُ 153) ، 1/226 (رَقْمُ 164) ، 299 (رَقْمُ 331) ، 325 (رَقْمُ 391) .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي] (¬1) ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» " (¬2) . (¬3) [وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (¬4)) .، وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» " رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ (¬5) . - كَانَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ م (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ: وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 8/84 - 85 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتَ وَمَا أَخَّرْتَ) ; مُسْلِمٍ 4/2087 (كِتَابُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/417. (¬3) الْكَلَامُ الْوَارِدُ بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ وَنِهَايَتُهُ بَعْدَ صَفْحَتَيْنِ. (¬4) الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/293 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ) وَنَصُّهُ: " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ ". وَرَوَى أَحْمَدُ الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 17 (رَقْمُ 8790 (¬5) ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَدِيثَ مِنْ قَبْلُ 1/475، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ (ت [0 - 9] ) أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ (ط. فُؤَاد عَبْد الْبَاقِي) 1/172. وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِيهِ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. وَنَقَلَ الْمُحَقِّقُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلَهُ: لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/86 - 88 (رَقْمُ 7352) الْحَدِيثَ وَنَصُّهُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ; وَتَكَلَّمَ عَلَى رِجَالِهِ بِالتَّفْصِيلِ، وَأَشَارَ إِلَى مَوَاضِعَ وَطُرُقٍ أُخْرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ

هَذَا التَّوَاضُعُ مِمَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهِ رِفْعَةً. وَكَذَلِكَ لَمَّا سَجَدَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: " «إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ السُّجُودُ إِلَّا لِلَّهِ» " (¬1) . . وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: «مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: " أَجَعَلْتَنِي نِدًّا لِلَّهِ؟ ! قُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ» " (¬2) . . وَقَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ: " «أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ الْمُعْتَرِفُ الْمُقِرُّ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ، مَنْ خَضَعَتْ لَهُ رَقَبَتُهُ، وَذَلَّ جَسَدُهُ، وَرَغِمَ أَنْفُهُ لَكَ» " (¬3) . . وَنَحْوُ ¬

(¬1) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، وَالَّذِي فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/227 - 228، 6 حَدِيثَانِ: الْأَوَّلُ عَنْ مُعَاذٍ وَالثَّانِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَحْوَاهُمَا أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغِبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي السُّجُودِ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وَفِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/10 - 11 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ مِنْ إِيمَانِ الشَّجَرِ بِهِ وَالْبَهَائِمِ وَالْجِنِّ) حَدِيثٌ ثَالِثٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَفْسِ الْمَعْنَى (¬2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ: وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا مُقَارِبًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/253 لَفْظُهُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجَعَلْتَنِي وَاللَّهَ عِدْلًا، بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ ". وَالْحَدِيثُ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/193، 5/85 وَجَاءَ مُخْتَصَرًا 3/296. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ هَذَا الْحَدِيثَ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " (ط. السَّلَفِيَّةِ) 11/540 وَقَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ النَّسَائِيِّ وَانْظُرْ: سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/684 - 685 ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) (¬3) لَمْ أَهْتَدِ إِلَى مَوْضِعِ هَذَا الْحَدِيثِ

هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتِهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ فَقْرِ الْعُبُودِيَّةِ وَكَمَالِ الرُّبُوبِيَّةِ] (¬1) . . وَالْغِنَى عَنِ الْحَاجَةِ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ، فَأَمَّا الْعَبْدُ [فَكَمَالُهُ] (¬2)) . فِي حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ وَعُبُودِيَّتِهِ وَفَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ فَكُلَّمَا (¬3) . كَانَتْ عُبُودِيَّتُهُ أَكْمَلَ كَانَ أَفْضَلَ وَصُدُورُ مَا يُحْوِجُهُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا يَزِيدُهُ عُبُودِيَّةً وَفَقْرًا وَتَوَاضُعًا. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذُنُوبَهُمْ لَيْسَتْ كَذُنُوبِ غَيْرِهِمْ، بَلْ كَمَا يُقَالُ: " حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ " لَكِنْ كُلٌّ يُخَاطَبُ (¬4) . عَلَى قَدْرِ مَرْتَبَتِهِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» " (¬5) وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ وَالتَّنْفِيرِ قَدْ يَحْصُلُ مَعَ الْإِصْرَارِ وَالْإِكْثَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا اللَّمَمُ الَّذِي يَقْتَرِنُ (¬6) . بِهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، [أَوْ مَا يَقَعُ بِنَوْعٍ مِنَ ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمُشَارُ إِلَى أَوَّلِهِ فِيمَا سَبَقَ (¬2) فَكَمَالُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م (¬3) ن، م: فَلَمَّا (¬4) ن، م: كُلُّ مَنْ يُخَاطَبُ (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/70 (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابٌ مِنْهُ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1420 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابُ ذِكْرِ التَّوْبَةِ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/303 (كِتَابُ الرَّقَائِقِ، بَابٌ فِي التَّوْبَةِ) ; الْمُسْتَدْرَكُ لِلْحَاكِمِ 4/244. وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ". وَحَسَّنَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 4/171. وَانْظُرْ: جَامِعَ الْأُصُولِ 3/70 ; التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ 5/52. وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/198. (¬6) ن، م: يَقْرِنُ ; ب، ا: يَقْتَرِنُ

التَّأْوِيلِ، وَمَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ] (¬1) . مِمَّا ب (فَقَطْ) : فَمِمَّا. يَعْظُمُ بِهِ الْإِنْسَانُ عِنْدَ أُولِي الْأَبْصَارِ. وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬2) . قَدْ عَلِمَ تَعْظِيمَ رَعِيَّتِهِ لَهُ وَطَاعَتَهُمْ، مَعَ كَوْنِهِ دَائِمًا كَانَ يَعْتَرِفُ (¬3) . بِمَا يَرْجِعُ عَنْهُ (¬4) . مِنْ خَطَأٍ وَكَانَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَعَادَ إِلَى الصَّوَابِ زَادَ فِي أَعْيُنِهِمْ وَازْدَادُوا (¬5) . لَهُ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا. وَمِنْ أَعْظَمِ مَا نَقِمَهُ الْخَوَارِجُ (7 عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمْ يَتُبْ مِنْ تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ، وَهُمْ 7) (¬6) . وَإِنْ كَانُوا جُهَّالًا [فِي ذَلِكَ] (¬7) . [فَهُوَ] يَدُلُّ (¬8) . عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَمْ تَكُنْ تُنَفِّرُهُمْ، وَإِنَّمَا نَفَّرَهُمُ الْإِصْرَارُ عَلَى مَا ظَنُّوهُ هُمْ ذَنْبًا. وَالْخَوَارِجُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِلذُّنُوبِ وَنُفُورًا عَنْ أَهْلِهَا، حَتَّى إِنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ وَلَا يَحْتَمِلُونَ لِمُقَدَّمِهِمْ ن (¬9) . ذَنْبًا، وَمَعَ هَذَا فَكُلُّ مُقَدَّمٍ لَهُمْ تَابَ عَظَّمُوهُ وَأَطَاعُوهُ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ عَادُوهُ فِيمَا يَظُنُّونَهُ ذَنْبًا (¬10) . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَنْبًا. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) ن، م: يَعْزِفُ (¬4) ن: إِلَيْهِ ; م: عَلَيْهِ (¬5) ع، ا، ب: وَزَادُوا (¬6) : (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬7) فِي ذَلِكَ: سَاقِطٌ مِنْ (ع) (¬8) ب: فَيَدُلُّ ; أ: فَدَلَّ ; ن، م: يَدُلُّ (¬9) ، م: لِتُقَدُّمِهِمْ (¬10) ب: وَإِنْ لَمْ يَتُبْ عَادُوهُ لِمَا يَظُنُّونَهُ ذَنْبًا ; أ: وَإِنْ لَمْ يَتُبْ عَادُوهُ فِيمَا يَظُنُّونَهُ ذَنْبًا

فَعُلِمَ أَنَّ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ لَا تُوجِبُ تَنْفِيرًا وَلَا تُزِيلُ وُثُوقًا، بِخِلَافِ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا يُتَابُ مِنْهُ وَيُسْتَغْفَرُ، [وَدَعْوَى] السَّلَامَةِ (¬1) . مِمَّا يُحْوِجُ الرُّجُوعَ ب (¬2) . إِلَى اللَّهِ وَاللَّجَأَ (¬3) . إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنَفِّرُ الْقُلُوبَ وَيُزِيلُ الثِّقَةَ. فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ صَدَرَ إِلَّا عَنْ كَذَّابٍ، أَوْ جَاهِلٍ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَصْدُرُ (¬4) . عَنِ الصَّادِقِينَ الْعَالِمِينَ. (¬5) . [وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ طَعَنَ فِي نُبُوَّةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا قَدَحَ فِي الثِّقَةِ بِهِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الَّتِي تِيبَ مِنْهَا، وَلَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى تَأْوِيلِ النُّصُوصِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ التَّحْرِيفِ لَهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَالتَّوْرَاةُ فِيهَا قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا، وَمَا أَعْلَمُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدَحُوا فِي نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِتَوْبَتِهِ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقْدَحُونَ فِيهِمْ بِالِافْتِرَاءِ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانُوا يُؤْذُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِلَّا فَمُوسَى قَدْ قَتَلَ الْقِبْطِيَّ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَتَابَ مِنْ سُؤَالِ الرُّؤْيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُدِحَ فِيهِ بِمِثْلِ هَذَا. وَمَا جَرَى فِي سُورَةِ " النَّجْمِ " مِنْ قَوْلِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهَا لَتُرْتَجَى، عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ وَأَبْطَلَهُ (¬6) ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُفْتَرَيَاتِ عَلَى قَوْلِ ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: وَالسَّلَامَةِ (¬2) ، ا: إِلَى الرُّجُوعِ (¬3) ب، ا: وَالِالْتِجَاءَ (¬4) ن (فَقَطْ) : يُصِرُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) بَعْدَ الْقَوْسِ الْمَعْقُوفِ يُوجَدُ نَصٌّ طَوِيلٌ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَيَنْتَهِي ص 451، وَسَنُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (¬6) سَبَقَ ذِكْرُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ لِقِصَّةِ الْغَرَانِيقِ 1/651 وَأَشَرْتُ هُنَاكَ (ت [0 - 9] ) إِلَى كَلَامِ الطَّبَرِيِّ عَنْهَا فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَتَيْنِ 52، 53 مِنْ سُورَةِ الْحَجِّ. انْظُرْ: الدُّرَّ الْمَنْثُورَ لِلسُّيُوطِيِّ. وَكِتَابَ " نَصْبِ الْمَجَانِيقِ لِنَسْفِ قِصَّةِ الْغَرَانِيقِ " لِلْأُسْتَاذِ الشَّيْخِ مُحَمَّد نَاصِر الدَّيْنِ الْأَلْبَانِيِّ، ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ، دِمَشْقَ 1372/1952

هَؤُلَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُكَذِّبُ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُجَوِّزًا عَلَيْهِمْ غَيْرَهُ: إِمَّا قَبْلَ النُّبُوةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا، لِظَنِّهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ خَطَأً فِي التَّبْلِيغِ، وَهُوَ مَعْصُومٌ فِي التَّبْلِيغِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْعِصْمَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي التَّبْلِيغِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِنْ هَذَا فَلَمْ يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ نَفَرَ بِرُجُوعِهِ عَنْ هَذَا، وَقَوْلُهُ: إِنَّ هَذَا مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ، وَلَكِنْ رَوَى أَنَّهُمْ نَفَرُوا لَمَّا رَجَعَ إِلَى ذَمِّ آلِهَتِهِمْ بَعْدَ ظَنِّهِمْ أَنَّهُ مَدَحَهَا، فَكَانَ رُجُوعُهُمْ لِدَوَامِهِ عَلَى ذَمِّهَا، لَا لِأَنَّهُ قَالَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَلْقَاهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يُنَفِّرْ فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنَفِّرَ. وَأَيْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّسَخَ نَفَّرَ طَائِفَةً كَمَا قَالَ: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 142] ، وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ - قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ النَّحْلِ: 101 - 102] ، فَالتَّبْدِيلُ الَّذِي صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُنَفِّرٌ وَنَفَّرُوا بِهِ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي لَمْ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ نَفَّرُوا مِنْهُ، وَهُوَ أَقَلُّ تَنْفِيرًا؟ ! لِأَنَّ النَّسَخَ فِيهِ رُجُوعٌ عَنِ الْحَقِّ إِلَى حَقٍّ، وَهَذَا رُجُوعٌ إِلَى حَقٍّ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُحْمَدُ عَلَى تَرْكِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ مَا لَا يُحْمَدُ عَلَى

تَرْكِ مَا لَمْ يَزَلْ يَقُولُ إِنَّهُ حَقٌّ (¬1) . . وَإِذَا كَانَ جَائِزًا فَهَذَا أَوْلَى، وَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ فَفِي هَذَا أَيْضًا مَصَالِحُ عَظِيمَةٌ، وَلَوْلَا أَنَّ فِيهَا وَفِي الْعِلْمِ بِهَا مَصَالِحَ لِعِبَادِهِ لَمْ يَقُصَّهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ - وَلَهُ الْحَمْدُ - لَمْ يُذْكَرْ عَنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إِلَّا ذَكَرَ مَعَهُ تَوْبَتَهُ لِيُنَزِّهَهُ عَنِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ ارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ وَعَظُمَتْ دَرَجَتُهُ وَعَظُمَتْ حَسَنَاتُهُ وَقَرَّبَهُ إِلَيْهِ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي فَعَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أُسْوَةً لِمَنْ يَتَّبِعُ الْأَنْبِيَاءَ وَيَقْتَدِي بِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلِهَذَا لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ عَنْ يُوسُفَ تَوْبَةً فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ دَلَّ عَلَى أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يُذْنِبْ أَصْلًا، فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ كَمَا يَذْكُرُ مَنْ يَذْكُرُ أَشْيَاءَ نَزَّهَهُ اللَّهُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 24] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 24] . وَالْهَمُّ - كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَمَّانِ، هَمُّ خَطِرَاتٍ وَهَمُّ إِصْرَارٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّاي» " (¬2) . ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: حَقًّا، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 8 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ) ; مُسْلِمٍ 1/118 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ إِذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِحَسَنَةٍ. . إِلَخْ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ح [0 - 9] رَقْمُ 3402 وَنَصُّهُ (وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ) : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ". وَفِي نَفْسِ الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِنَفْسِ الْمَعْنَى - انْظُرْ أَيْضًا الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ: 2001، 2519، 2521، 2828، 3402، 7195، 7294. وَانْظُرْ: سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 4/330 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، وَمِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ) .

فَيُوسُفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا هَمَّ تَرَكَ هَمَّهُ لِلَّهِ، فَكَتَبَ اللَّهُ بِهِ حَسَنَةً كَامِلَةً وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً قَطُّ، بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهَا هَمَّتْ وَقَالَتْ وَفَعَلَتْ، فَرَاوَدَتْهُ بِفِعْلِهَا وَكَذَبَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَيِّدِهَا وَاسْتَعَانَتْ بِالنِّسْوَةِ، وَحَبَسَتْهُ لَمَّا اعْتَصَمَ وَامْتَنَعَ عَنِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الذَّنْبِ وَلِهَذَا قَالَتْ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 53] ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، لَيْسَ مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَلْ لَمَّا قَالَتْ هَذَا كَانَ يُوسُفُ غَائِبًا فِي السِّجْنِ لَمْ يَحْضُرْ عِنْدَ الْمَلِكِ، بَلْ لَمَّا بَرَّأَتْهُ هِيَ وَالنِّسْوَةُ اسْتَدْعَاهُ الْمَلِكُ بَعْدَ هَذَا وَقَالَ: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 54] . وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَبَارَكَ عَنْهُ ذَنْبًا كَآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى - ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [سُورَةُ طَه: 121، 122] وَقَالَ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 37] .

لوازم النبوة وشروطها

وَقَالَ تَعَالَى عَنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ - فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [سُورَةُ ص: 24، 25] . وَقَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالصَّلَاةُ: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ - إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 10، 11] وَمَنِ احْتَجَّ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ بِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ مَشْرُوعٌ، وَالِاقْتِدَاءُ بِالذَّنْبِ لَا يَجُوزُ. قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا يُقْتَدَى بِهِمْ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ، لَا فِيمَا نُهُوا (¬1) . عَنْهُ، كَمَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُقْتَدَى بِهِمْ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْسَخْ وَلَمْ يُنْسَهُ فِيمَا نُسِخَ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ التَّأَسِّي بِهِمْ مَشْرُوعًا مَأْمُورًا بِهِ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ مَا يُنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ اتِّبَاعُهُمْ فِي الْمَنْسُوخِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّسْخَ أَشَدُّ تَنْفِيرًا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَجَعَ عَنْ شَيْءٍ إِلَى آخَرَ، وَقَالَ: الْأَوَّلُ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ حَقٌّ أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ، وَرُجُوعِي عَنْهُ حَقٌّ أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ، كَانَ هَذَا أَقْرَبَ إِلَى النُّفُورِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ: رَجَعْتُ عَمَّا لَمْ يَأْمُرْنِي اللَّهُ بِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَحْمَدُونَ مَنْ قَالَ هَذَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: أَمْرِي بِهَذَا حَقٌّ وَنَهْيِي عَنْهُ حَقٌّ، فَهَذَا مِمَّا نَفَرَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ السُّفَهَاءِ، وَأَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ. [لَوَازِمُ النُّبُوَّةُ وَشُرُوطُهَا] وَمِمَّا يُبَيِّنُ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ الْعِصْمَةِ أَنْ تُعْرَفَ النُّبُوَّةُ وَلَوَازِمُهَا وَشُرُوطُهَا، فَإِنَّ النَّاسَ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ بِحَسْبِ أُصُولِهِمْ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: يُنْهَوْا

تَعَالَى، إِذَا كَانَ جَعْلُ الشَّخْصِ نَبِيًّا رَسُولًا مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ نَفَى الْحُكْمَ وَالْأَسْبَابَ فِي أَفْعَالِهِ وَجَعَلَهَا مُعَلَّقَةً بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ وَجَوَّزَ عَلَيْهِ فِعْلَ كُلِّ مُمْكِنٍ وَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ - كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ أَتْبَاعِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ - فَهَؤُلَاءِ يُجَوِّزُونَ بِعْثَةَ كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَالنُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ مُجَرَّدُ إِعْلَامِهِ بِمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَالرِّسَالَةُ مُجَرَّدُ أَمْرِهِ بِتَبْلِيغِ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَتِ النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ صِفَةً ثُبُوتِيَّةً وَلَا مُسْتَلْزَمَةً لِصِفَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا، بَلْ هِيَ مِنَ الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةِ كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَهَذَا قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَالْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا وَلِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِهَا كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِمَا يَقُولُ: إِنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ عِصْمَةَ النَّبِيِّ إِلَّا فِي التَّبْلِيغِ خَاصَّةً فَإِنَّ هَذَا هُوَ مَدْلُولُ الْمُعْجِزَةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ إِنْ دَلَّ السَّمْعُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ عِصْمَتُهُ مِنْهُ. وَقَالَ مُحَقِّقُو هَؤُلَاءِ كَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ إِنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمْعِ قَاطِعٌ يُوجِبُ الْعِصْمَةَ، وَالظَّوَاهِرُ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الذُّنُوبِ مِنْهُمْ (¬1) .، وَكَذَلِكَ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا يُثْبِتُ مَا يُثْبِتُهُ مِنَ الْعِصْمَةِ فِي غَيْرِ التَّبْلِيغِ إِذَا كَانَ مِنْ مَوَارِدِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَيَقُولُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا سَمْعٌ. وَإِذَا احْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ وَمُوَافِقُوهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ ¬

(¬1) انْظُرْ: الْإِرْشَادَ لِلْجُوَيْنِيِّ، ص 356 - 357 ; أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص 167 - 169

التَّنْفِيرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَجِبُ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ مَنْعُهُمْ مِنْهُ، قَالُوا: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ. قَالُوا: وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ وَيَحْسُنُ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا نَنْفِي مَا نَنْفِيهِ بِالْخَبَرِ السَّمْعِيِّ، وَنُوجِبُ وُقُوعَ مَا يَقَعُ بِالْخَبَرِ السَّمْعِيِّ أَيْضًا، كَمَا أَوْجَبْنَا ثَوَابَ الْمُطِيعِينَ وَعُقُوبَةَ الْكَافِرِينَ لِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَنَفَيْنَا أَنْ يَغْفِرَ لِمُشْرِكٍ لِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ (¬1) ". . وَكَثِيرٌ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَصْلِهِ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيرِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُفَضِّلُ شَخْصًا عَلَى شَخْصٍ إِلَّا بِعَمَلِهِ، يَقُولُ: إِنِ النُّبُوَّةَ، أَوِ الرِّسَالَةَ جَزَاءٌ عَلَى عَمَلٍ مُتَقَدِّمٍ، فَالنَّبِيُّ فَعَلَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ أَنْ يَجْزِيَهُ اللَّهُ بِالنُّبُوَّةِ. وَهَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ فِي شِقٍّ وَأُولَئِكَ الْجَهْمِيَّةُ الْجَبْرِيَّةُ فِي شِقٍّ. وَأَمَّا الْمُتَفَلْسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَصُدُورِهِ عَنْ عِلَّةٍ مُوجِبَةٍ - مَعَ إِنْكَارِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ فَالنُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ فَيْضٌ يَفِيضُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِحَسْبِ اسْتِعْدَادِهِ وَهِيَ مُكْتَسَبَةٌ عِنْدَهُمْ، وَمَنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا - فِي قُوَّتِهِ الْعِلْمِيَّةِ (¬2) . بِحَيْثُ يَسْتَغْنِي عَنِ التَّعْلِيمِ، وَشُكِّلَ فِي نَفْسِهِ خِطَابٌ يَسْمَعُهُ كَمَا يَسْمَعُ النَّائِمُ، وَشَخْصٌ ¬

(¬1) نَقَلَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي الْهَامِشِ الْكَلَامَ الَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ: " وَإِذَا احْتَجَّ الْمُعْتَزِلَةُ وَمُوَافِقُوهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ. . إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ قَالَ: " قُلْتُ: فَهُمْ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ جَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ - وَمَنْ تَابَعَهُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ - لَا يَقُولُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الشَّرْعِيَّيْنِ، وَلَا يَقُولُ أَيْضًا بِالْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ، فَلَمْ تَكُنْ أَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ أَيْضًا مُعَلَّلَةً بِالْأَغْرَاضِ، فَالظَّاهِرُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ الْتِزَامُهُمْ مَا يَسْتَلْزِمُهُ هَذَانِ الْأَصْلَانِ (¬2) فِي الْأَصْلِ: الْعَمَلِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ

الأنبياء هم أفضل الخلق

يُخَاطِبُهُ كَمَا يُخَاطِبُ النَّائِمُ، وَفِي الْعَمَلِيَّةِ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْعُنْصُرِيَّاتِ تَأْثِيرًا غَرِيبًا - كَانَ نَبِيًّا عِنْدَهُمْ (¬1) ". . وَهُمْ لَا يُثْبِتُونَ مَلَكًا مُفَضَّلًا يَأْتِي بِالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مَلَائِكَةً (¬2) . بَلْ وَلَا جِنًّا يَخْرُقُ اللَّهُ بِهِمُ الْعَادَاتِ لِلْأَنْبِيَاءِ، إِلَّا قُوَى النَّفْسِ (¬3) ". . وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا مِنْ أَقْوَالِ كُفَّارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُوَ أَبْعَدُ الْأَقْوَالِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ لَمْ يُشْرِقْ عَلَيْهِمْ نُورُ النُّبُوَّةِ مِنَ الْمُدَّعِينَ لِلنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ وَالْكَشْفِ الْخَيَالِيِّ الصُّوفِيِّ وَإِنْ كَانَ غَايَةَ هَؤُلَاءِ الْأَقْيِسَةُ الْفَاسِدَةُ وَالشَّكُّ، وَغَايَةَ هَؤُلَاءِ الْخَيَالَاتُ الْفَاسِدَةُ وَالشَّطْحُ. [الأنبياء هم أفضل الخلق] وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ (¬4) .: - وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَكَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ - أَنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ، فَالنَّبِيُّ يَخْتَصُّ بِصِفَاتٍ مَيَّزَهُ اللَّهُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ، وَاسْتَعَدَّ بِهَا لِأَنْ يَخُصَّهُ اللَّهُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ - أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} ¬

(¬1) جُمْلَةُ " كَانَ نَبِيًّا عِنْدَهُمْ " جَوَابٌ لِقَوْلِهِ " وَمَنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا (¬2) فِي الْأَصْلِ: وَلَا مَلَائِكَتَهُ (¬3) فِي أَعْلَى هَذِهِ الصَّفْحَةِ مِنَ الْأَصْلِ كُتِبَ مَا يَلِي: " قِفْ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّبُوَّةِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ الْمَشَّائِيِينَ، وَإِلَّا فَالطَّبِيعِيُّونَ وَالتَّنَاسُخِيَّةُ وَالْبَرَاهِمَةُ - وَهُمْ حُكَمَاءُ الْهِنْدِ - يُنْكِرُونَ أَصْلَ النُّبُوَّةِ (¬4) الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ هِيَ: قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ، وَقَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، وَقَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ وَمُتَفَلْسِفَةِ الصُّوفِيَّةِ

[سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 31، 32] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 105] ، وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ بِقَوْلِهِ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ - وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 84 - 87] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اجْتَبَاهُمْ وَهَدَاهُمْ. وَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَبَعْدَهُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ فَلَوْلَا وُجُوبُ كَوْنِهِمْ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، الَّذِينَ هُمْ فَوْقَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، لَكَانَ الصِّدِّيقُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ خَلْقَهُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ، فَقَالَ تَعَالَى: فِي تَقْسِيمِهِمْ فِي الْآخِرَةِ: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً - فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ - وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ - وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ - أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ - فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 7 - 12] ، وَقَالَ فِي تَقْسِيمِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ - فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ - وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ - فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ - وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ - فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ - وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 88 - 94] وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالْمُطَفِّفِينَ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ.

وَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَهُمْ (أَصْحَابُ) (¬1) ، السِّيَاقُ يَقْتَضِي إِثْبَاتَهَا. الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي الْآخِرَةِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ مِنَ الْفُجَّارِ بَلْ وَلَا يَكُونُ مِنْ عُمُومِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ بَلْ مِنْ أَفْضَلِ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ، فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ عُمُومِ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ أَيْضًا يُوصَفُ بِأَنَّهُ صِدِّيقٌ وَصَالِحٌ وَقَدْ يَكُونُ شَهِيدًا، لَكِنَّ ذَاكَ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِهِمْ لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهِ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، كَمَا قَالَ عَنِ الْخَلِيلِ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 27] ، وَقَالَ يُوسُفُ: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 101] . فَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ تَنْزِيهَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْفُجَّارِ وَالْفُسَّاقِ، وَعَلَى هَذَا إِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجَمَاهِيرِهَا. وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ النَّبِيِّ أَفْضَلَ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ أَقْوَالِ بَعْضِ مَلَاحِدَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَمَا يُحْكَى عَنِ (¬2) . أَنَّهُمْ جَوَّزُوا الْكُفْرَ عَلَى النَّبِيِّ، فَهَذَا بِطَرِيقِ اللَّازِمِ لَهُمْ لِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ، وَقَدْ جَوَّزُوا الْمَعَاصِيَ عَلَى النَّبِيِّ، وَهَذَا يَقْتَضِي فَسَادَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ ¬

(¬1) أَصْحَابُ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأَصْلِ (¬2) الْفَضْلِيَّةِ مِنَ الْخَوَارِجِ الْفَضْلِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ ذَكَرَهُمُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْفِصَلِ 5/54 - وَسَمَّاهُمُ الْفُضَيْلِيَّةَ - فَقَالَ: " وَقَالَتِ الْفُضَيْلِيَّةُ مِنَ الصُّفْرِيَّةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ بَلِ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ أَوِ الدَّهْرِيَّةَ أَوِ الْيَهُودِيَّةَ أَوِ النَّصْرَانِيَّةَ فَهُوَ مُسْلِمٌ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ وَلَا يَضُرُّهُ إِذَا قَالَ الْحَقَّ بِلِسَانِهِ مَا اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ ". وَذَكَرَهُمُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 1/183 وَسَمَّاهُمْ " الْفَضْلِيَّةَ " وَذَكَرَ عَنْهُمْ قَوْلًا قَرِيبًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ. وَذَكَرَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/124) مِنْ رِجَالِ الْخَوَارِجِ: الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى الرَّقَاشِيُّ

وَقَوْلِهِمْ بِجَوَازِ الْمَعَاصِي عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ كَافِرًا، وَلَازِمُ الْمَذْهَبِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا. وَطَوَائِفُ أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ بَعْثَةَ كُلِّ مُكَلَّفٍ، مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ، مُتَّفِقُونَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ فَاجِرًا. لَكِنْ يَقُولُونَ: هَذَا لَمْ يُعْلَمْ بِالْعَقْلِ بَلْ عُلِمَ بِالسَّمْعِ، بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مُمْكِنٍ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ الْحِكْمَةَ وَالْأَسْبَابَ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِمَا عَلِمْنَاهُ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ نَبِيًّا فَاجِرًا وَأَنَّ مَا يَنْزِلُ عَلَى الْبَرِّ الصَّادِقِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَلَائِكَةً، لَا تَكُونُ شَيَاطِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} - إِلَى قَوْلِهِ - {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ - تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ - وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ - أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ - وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 192 - 226] . فَهَذَا مِمَّا بَيَّنَ اللَّهُ بِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكَاهِنِ وَالنَّبِيِّ وَبَيْنَ الشَّاعِرِ وَالنَّبِيِّ، لَمَّا زَعَمَ الْمُفْتَرُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاعِرٌ وَكَاهِنٌ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَتَاهُ الْوَحْيُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ مَلَكٌ قَالَ لِخَدِيجَةَ: " لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ". قَالَتْ: كَلَّا، وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ

الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» (¬1)) . . فَاسْتَدَلَّتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِحُسْنِ عَقْلِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ يَكُونُ اللَّهُ قَدْ خَلَقَهُ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ الْأَبْرَارِ الْمَمْدُوحِينَ، أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ فَيُفْسِدُ الشَّيْطَانُ عَقْلَهُ وَدِينَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَحَيٌّ تَعْلَمُ بِهِ انْتِفَاءَ ذَلِكَ، بَلْ عَلِمَتْهُ بِمُجَرَّدِ عَقْلِهَا الرَّاجِحِ. وَكَذَلِكَ لَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ مَنِ ادَّعَاهَا مِنَ الْكَذَّابِينَ، مِثْلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَالْعَنْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا، مَعَ مَا كَانَ يُشْتَبَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ، لِمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَيُوحُونَ إِلَيْهِمْ، حَتَّى يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا يَنْزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَيُوحَى إِلَيْهِمْ، فَكَانَ مَا يَبْلُغُ الْعُقَلَاءَ وَمَا يَرَوْنَهُ (¬2) . مِنْ سِيرَتِهِمْ وَالْكَذِبِ الْفَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُبِينُ لَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، إِذْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا فَاجِرًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لَهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ، أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ» " (¬3) ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالْفَتْحِ أَيْ أَنْتَ خَاسِرٌ خَائِبٌ إِنْ لَمْ ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/3 - 4 (كِتَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ، بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ) ، 6/173 - 174 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ اقْرَأْ) ; مُسْلِمٍ 1/139 - 143 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ (¬2) فِي الْأَصْلِ: وَمَا يَرَوْهُ (¬3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْخَوَارِجِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/200 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ) ; مُسْلِمٍ 2/743 - 744 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/335 - 337 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ) . وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ". وَانْظُرْ: دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 7/180 - 181.

أَعْدِلْ إِنْ ظَنَنْتَ أَنِّي ظَالِمٌ مَعَ اعْتِقَادِكَ أَنِّي نَبِيٌّ، فَإِنَّكَ تُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ الَّذِي آمَنْتَ بِهِ ظَالِمًا، وَهَذَا خَيْبَةٌ وَخُسْرَانٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي النُّبُوَّةَ وَيَقْدَحُ فِيهَا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 161] ، وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ: يَغُلَّ وَيُغَلَّ، أَيْ يُنْسَبُ إِلَى الْغُلُولِ، بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَا لِأَحَدٍ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَى الْغُلُولِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغُلَّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ غَالًّا. وَدَلَائِلُ هَذَا الْأَصْلِ عَظِيمَةٌ، لَكِنْ مَعَ وُقُوعِ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ذَنْبٌ - وَقَدْ لَا يَكُونُ ذَنْبًا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ تَعَقُّبِهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الرَّجُلِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ وَلَا الْأَبْرَارِ، وَلَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنَ الْفُجَّارِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي عُمُومِ وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى - الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [سُورَةُ النَّجْمِ: 31، 32] . وَقَالَ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ - وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ - أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 133 - 136] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33 - 35] . وَقَالَ: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 15، 16] . وَقَدْ قَالَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 26] ، وَقَالَ فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ - قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 88، 89] ، وَقَالَ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 13] . وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى وَتَبَارَكَ فِرْعَوْنَ بِكَوْنِهِ رَفَعَ نُبُوَّةَ مُوسَى بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَتْلِهِ

نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ - وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ - قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ - فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 18 - 21] ، وَكَانَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ بِقَوْلِهِ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ - قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 15، 16] . فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ قَدْ غَفَرَ لَهُ فَلِمَاذَا يَمْتَنِعُونَ مِنَ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَجْلِ مَا بَدَا مِنْهُمْ (¬1) .، فَيَقُولُ آدَمُ إِذَا طُلِبَتْ مِنْهُ الشَّفَاعَةُ: إِنِّي نُهِيتُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَأَكَلْتُ مِنْهَا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا (¬2) . فَيَقُولُ: إِنِّي دَعَوْتُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ دَعْوَةً لَمْ أُومَرْ بِهَا، وَالْخَلِيلُ يَذْكُرُ تَعْرِيضَاتِهِ الثَّلَاثَ الَّتِي سَمَّاهَا كَذِبًا وَكَانَتْ تَعْرِيضًا، وَمُوسَى يَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ (¬3) . . ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: لِأَجْلِ لِمَا بَدَا مِنْهُمْ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ (¬2) فِي الْأَصْلِ بَعْدَ كَلِمَةِ " نُوحٍ " تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ حَيْثُ تُوجَدُ كَلِمَتَانِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا فِي الْمُصَوَّرَةِ إِلَّا: نُوحًا، وَأَثْبَتُّ مَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ (¬3) رَوَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ (ص 401 ت 9) عَلَى أَنَّ أَقْرَبَ الرِّوَايَاتِ إِلَى الْمَذْكُورَةِ هُنَا هِيَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ 6/84 - 85 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَابُ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) ; مُسْلِمٍ 1/180 - 187 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهَا (الْبُخَارِيِّ 6/84) : " فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ إِنَّكَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ; فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ - نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى ; فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ; فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا - نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ; ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ. . الْحَدِيثَ. . "

قِيلَ: هَذَا مِنْ كَمَالِ فَضْلِهِمْ وَخَوْفِهِمْ وَعُبُودِيَّتِهِمْ وَتَوَاضُعِهِمْ، فَإِنَّ مِنْ فَوَائِدِ مَا يُتَابُ (¬1) . مِنْهُ أَنَّهُ يُكَمِّلُ عُبُودِيَّةَ الْعَبْدِ وَيَزِيدُهُ خَوْفًا وَخُضُوعًا فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَتَهُ، وَهَذَا الِامْتِنَاعُ مِمَّا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَاتِهِمْ، وَحِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَنْ تَصِيرَ الشَّفَاعَةُ لِمَنْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: مَا يُثَابُ

وَلِهَذَا كَانَ مِمَّنِ امْتَنَعَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا الْمَسِيحُ، وَإِبْرَاهِيمُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ ذَنْبًا، وَلَكِنْ قَالَ الْمَسِيحُ: لَسْتُ هُنَاكُمُ اذْهَبُوا إِلَى عَبْدٍ غَفَرَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. وَتَأَخَّرَ الْمَسِيحُ عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي خُصَّ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مِنْ فَضَائِلِ الْمَسِيحِ وَمِمَّا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ. صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. فَعُلِمَ أَنَّ تَأَخُّرَهُمْ عَنِ الشَّفَاعَةِ لَمْ يَكُنْ لِنَقْصِ دَرَجَاتِهِمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، بَلْ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ عَظَمَةِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَسْتِدْعِي مِنْ كَمَالِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، وَكَمَالِ عُبُودِيَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ مَا اخْتَصَّ بِهِ مَنْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَسِيحُ: اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَإِنَّهُ إِذَا غَفَرَ لَهُ مَا تَأَخَّرَ لَمْ يَخَفْ أَنْ يُلَامَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى رَبِّهِ لِيَشْفَعَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْفَعْ إِلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ، بَلْ إِذَا سَجَدَ وَحَمِدَ رَبَّهُ بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُ: «أَيْ مُحَمَّدُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا مَنْ (قِيلَ لَهُ) (¬1) . تَقَدَّمَ وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَأَخَّرَ فَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُ إِلَى الشَّفَاعَةِ - قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ - ذَنْبًا، فَتَأَخَّرَ لِكَمَالِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُ أَنَا قَدْ أَذْنَبْتُ وَمَا غُفِرَ لِي فَأَخَافَ أَنْ أُذْنِبَ ذَنْبًا (¬2) . آخَرَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ قَبْلَ كَلِمَةِ " تَقَدَّمَ " وَلَمْ يَظْهَرِ الْكَلَامُ السَّاقِطُ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَمَا أَثْبَتُّهُ يَصْلُحُ بِهِ الْكَلَامُ (¬2) ذَنْبًا: غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْأَصْلِ وَالسِّيَاقُ يَقْتَضِيهَا

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْمُؤْمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» " (¬1) \ 70. . وَمِنْ مَعَانِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْتَى مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ، فَإِذَا ذَاقَ الذَّائِقُ مَا فِي الذَّنْبِ مِنَ الْأَلَمِ وَزَالَ عَنْهُ خَافَ أَنْ يُذْنِبَ ذَنْبًا آخَرَ فَيَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْأَلَمِ، وَهَذَا كَمَنْ مَرِضَ مِنْ أَكْلَةٍ ثُمَّ عُوفِيَ، فَإِذَا دُعِيَ إِلَى أَكْلِ شَيْءٍ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ الْأَوَّلِ لَمْ يَأْكُلْهُ، يَقُولُ قَدْ أَصَابَنِي بِتِلْكَ الْأَكْلَةِ مَا أَصَابَنِي فَأَخَافُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ مِثْلَ تِلْكَ، وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الَّذِينَ (¬2) ادَّعَوُا الْعِصْمَةَ مِمَّا يُتَابُ مِنْهُ عُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ مِنْهُمُ الذَّنْبُ لَكَانُوا أَقَلَّ دَرَجَةً مِنْ عُصَاةِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ دَرَجَتَهُمْ أَعْلَى فَالذَّنْبُ مِنْهُمْ أَقْبَحُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَكُونُ إِيذَاؤُهُ مُحَرَّمًا، وَأَذَى الرَّسُولِ مُحَرَّمٌ بِالنَّصِّ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدٍ فِي ذَنْبٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُقُوبَةَ وَنَقْصَ الدَّرَجَةِ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِصْرَارِ بِلَا رَيْبٍ. وَأَيْضًا، فَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي بَعْضِ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغِيرَةِ (¬3) .، وَجُمْهُورُ ¬

(¬1) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَهُوَ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 8/31 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ. . إِلَخْ) ; مُسْلِمٍ 4/2295 (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرِّقَاقِ، بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ. . إِلَخْ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 367 \ - 368 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ الْحَذَرِ مِنَ النَّاسِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/2318 (كِتَابُ الْفِتَنِ ; بَابُ الْعُزْلَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 17 (¬2) فِي الْأَصْلِ: الَّذِي (¬3) دُونَ الصَّغِيرَةِ: الْمَقْصُودُ دُونَ الذُّنُوبِ الصَّغِيرَةِ

الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَنْزِيهِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ لَا سِيَّمَا الْفَوَاحِشُ، وَمَا ذَكَرَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيٍّ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنِ الْفَاحِشَةِ، بَلْ ذَكَرَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ يَصْرِفُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ عَنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ ; وَإِنَّمَا يُقْتَدَى بِهِمْ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ. وَأَيْضًا، فَالذُّنُوبُ أَجْنَاسٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ كُلُّ جِنْسٍ، بَلِ الْكَذِبُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ بِحَالٍ أَصْلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي مُطْلَقَ الصِّدْقِ، وَلِهَذَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ لِلْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَلَوْ تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ مِنَ الْكَذِبِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تَابَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ لِيُقْبَلَ حَدِيثُهُ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَمُّدُ الْكَذِبِ أَلْبَتَّةَ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً، بَلْ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» " (¬1) . . وَأَمَّا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ 3/79 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ قَتْلِ الْأَسِيرِ وَلَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنَ أَبِي سَرْحٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ ; فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا: كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: " أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟ " فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ. قَالَ: " إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/183 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الْحُكْمِ فِيمَنِ ارْتَدَّ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/97 - 98 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ الْحُكْمِ فِي الْمُرْتَدِّ) . وَانْظُرِ الْخَبَرَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/52

وَسَلَّمَ -: " «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ» (¬1) . " فَتِلْكَ كَانَتْ مَعَارِيضَ (¬2) ". فَكَانَ مَأْمُورًا بِهَا، وَكَانَتْ مِنْهُ طَاعَةً لِلَّهِ، وَالْمَعَارِيضُ قَدْ تُسَمَّى كَذِبًا لِكَوْنِهِ أَفْهَمَ خِلَافَ مَا فِي نَفْسِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ قَالَتْ: «لَمْ أَسْمَعِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَخِّصُ فِيمَا يَقُولُ النَّاسُ إِنَّهُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: حَدِيثُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ، وَإِصْلَاحُهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِي الْحَرْبِ» (¬3)) . . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْبُخَارِيِّ 4/140 - 140 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) ، 6/84 - 85 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) ; مُسْلِمٍ 4/1840 - 1841 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ. .) وَنَصُّ الْحَدِيثِ (وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ: قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلُهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَّةَ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَّةُ وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ. . الْحَدِيثَ. وَهُوَ أَيْضًا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/355 - 356 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتِي) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/4 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 18/35 - 36 (¬2) فِي اللِّسَانِ: " الْمَعَارِيضُ: التَّوْرِيَةُ بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. . جَمْعُ مِعْرَاضٍ: مِنَ التَّعْرِيضِ (¬3) الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: مُسْلِمٍ 4/2011 - 2012 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الْكَذِبِ وَبَيَانِ مَا يُبَاحُ مِنْهُ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/385 - 386 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/222 - 223 (أَبْوَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ ; بَابُ فِي مَا جَاءَ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/403 - 404. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ قِطْعَةً مِنَ الْحَدِيثِ 3/183 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ

قَالَتْ: فِيمَا (¬1) . يَقُولُ النَّاسُ إِنَّهُ كَذِبٌ، وَهُوَ الْمَعَارِيضُ. وَأَمَّا مَا تَقَوَّلَهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا لَا يَقَعُ مِنْهُ خَطَأٌ وَلَا ذَنْبٌ صَغِيرٌ، وَكَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ، فَهَذَا مِمَّا انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ فِرَقِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ. وَمِنْ مَقْصُودِهِمْ بِذَلِكَ الْقَدْحُ فِي إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا أَسْلَمَا بَعْدَ الْكُفْرِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَزَلْ مُؤْمِنًا، وَأَنَّهُ لَمْ يُخْطِ قَطُّ وَلَمْ يُذْنِبْ قَطُّ، وَكَذَلِكَ تَمَامُ الِاثْنَيْ عَشَرَ. وَهَذَا مِمَّا يُظْهِرُ كَذِبَهُمْ وَضَلَالَهُمْ فِيهِ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ يَعْرِفُ أَحْوَالَهُمْ، وَلِهَذَا كَانُوا هُمْ أَغْلَى الطَّوَائِفِ فِي ذَلِكَ وَأَبْعَدَهُمْ عَنِ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ. وَنُكْتَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ ظَنُّوا وُقُوعَ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ نَقْصًا، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ تَنْزِيهُهُمْ عَنْهُ، وَهُمْ مُخْطِئُونَ إِمَّا فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ، وَإِمَّا فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ. أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَلَيْسَ مَنْ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَابَ إِلَيْهِ بِحَيْثُ صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَعْلَى دَرَجَةً مِمَّا كَانَ قَبْلَهَا مَنْقُوصًا وَلَا مَغْضُوضًا مِنْهُ، بَلْ هَذَا مُفَضَّلٌ عَظِيمٌ مُكَرَّمٌ، وَبِهَذَا يَنْحَلُّ جَمِيعُ مَا يُورِدُونَهُ مِنَ الشُّبَهِ. وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ كُفْرِهِ وَآمَنَ بَعْدَ نِفَاقِهِ وَأَطَاعَ بَعْدَ مَعْصِيَتِهِ، كَمَا كَانَ أَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ - وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ - يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا الْأَصْلِ. ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: فَمَا، وَبَعْدَهَا إِشَارَةُ الْهَامِشِ، وَلَمْ يَظْهَرِ التَّصْوِيبُ فِي الْمُصَوَّرَةِ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ، أَوْ يَكُونُ: مِمَّا، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ

وَالْإِنْسَانُ يَنْتَقِلُ مِنْ نَقْصٍ إِلَى كَمَالٍ، فَلَا يُنْظَرُ إِلَى نَقْصِ الْبِدَايَةِ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ إِلَى كَمَالِ النِّهَايَةِ، فَلَا يُعَابُ الْإِنْسَانُ بِكَوْنِهِ كَانَ نُطْفَةً ثُمَّ صَارَ عَلَقَةً ثُمَّ صَارَ مُضْغَةً، إِذَا كَانَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مَا كَانَ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ إِبْلِيسَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [سُورَةُ ص: 76] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ - فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [سُورَةُ ص: 71، 72] ، فَأَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ إِكْرَامًا لِمَا شَرَّفَهُ اللَّهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا مِنْ طِينٍ، وَالْمَلَائِكَةُ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُورٍ، وَإِبْلِيسُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَارٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ، وَخَلَقَ إِبْلِيسَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمَ مِمَّا وَصَفَ لَكُمْ» " (¬1) . . وَكَذَلِكَ التَّوْبَةُ بَعْدَ السَّيِّئَاتِ ; قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 222] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَقَالَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِذَا بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَكَيْفَ تَجِدُونَ فَرَحَهُ بِهَا؟ قَالُوا: عَظِيمًا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» " (¬2) . . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي مُسْلِمٍ 4/2294 (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، بَابٌ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ) وَلَفْظُهُ: " قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ " ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/153، 168 (¬2) الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ مِنْ وُجُوهٍ عِدَّةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَبِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي: الْبُخَارِيِّ \ 67 - 68 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ التَّوْبَةِ) ; مُسْلِمٍ 4/2102 - 2105 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْفَرَحِ بِهَا) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4 - 70 (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ 15) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/225 - 226 (الْأَرْقَامُ: 3627 - 3629) . وَانْظُرْ: جَامِعَ الْأُصُولِ 3/63 - 67

وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَفْعَلُ الذَّنْبَ فَيَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ. وَإِذَا ابْتَلَى الْعَبْدَ بِالذَّنْبِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَتُوبُ مِنْهُ وَيَتَجَنَّبُهُ، فَفِي ذَلِكَ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعَبْدِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُهُ عُبُودِيَّةً وَتَوَاضُعًا وَخُشُوعًا وَذُلًّا وَرَغْبَةً فِي كَثْرَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَنَفْرَةً قَوِيَّةً عَنِ السَّيِّئَاتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» " (¬1) . . وَذَلِكَ أَيْضًا يَدْفَعُ عَنْهُ الْعُجْبَ وَالْخُيَلَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ وَهُوَ أَيْضًا يُوجِبُ الرَّحْمَةَ لِخَلْقِ اللَّهِ وَرَجَاءَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ إِذَا أَذْنَبُوا وَتَرْغِيبَهُمْ فِي التَّوْبَةِ. وَهُوَ أَيْضًا يُبَيِّنُ (¬2) . مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ وَكَرَمِهِ مَا لَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» " (¬3) \ 414. . ¬

(¬1) وَرَدَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، ص 426 (¬2) فِي الْأَصْلِ: يَتَبَيَّنُ، وَالسِّيَاقُ يُرَجِّحُ صَوَابَ مَا أَثْبَتُّ (¬3) الْحَدِيثُ رَوَاهُ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ: مُسْلِمٌ 4/2105 - 2106 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ سُقُوطُ الذَّنْبِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَوْبَةً) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَالتِّرْمِذِيِّ فِي سُنَنِهِ 4/79 - 80 (كِتَابُ صِفَةِ الْجَنَّةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا) ، 5/207 - 208 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ 105) ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 15/218 (رَقْمُ 8068) . وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 4/217 - 218 (رَقْمُ 2623) ، وَفِي جُزْءٍ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 15/187 - 191 (رَقْمُ 8030، 8031) وَهُوَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ)

وَهُوَ أَيْضًا يُبَيِّنُ قُوَّةَ حَاجَةِ الْعَبْدِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَاللَّجَأِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي طَاعَتِهِ وَيُجَنِّبَهُ مَعْصِيَتَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِعَانَتِهِ لَهُ، فَإِنَّ مَنْ ذَاقَ مَرَارَةَ الِابْتِلَاءِ وَعَجْزَهُ عَنْ دَفْعِهِ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، كَانَ شُهُودُ قَلْبِهِ وَفَقْرُهُ إِلَى رَبِّهِ وَاحْتِيَاجُهُ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَيُجَنِّبَهُ مَعْصِيَتَهُ أَعْظَمَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ دَاوُدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا تَجِدُ التَّائِبَ الصَّادِقَ أَثْبَتَ عَلَى الطَّاعَةِ وَأَرْغَبَ فِيهَا وَأَشَدَّ حَذَرًا مِنَ الذَّنْبِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يُبْتَلَوْا بِذَنْبٍ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَتَلَ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ " (¬1)) . أَثَّرَ هَذَا فِيهِ حَتَّى كَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ هَذَا مِمَّا أَوْجَبَ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ. وَقَدْ تَكُونُ التَّوْبَةُ مُوجِبَةً لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ لِمَنْ يَكُنْ مِثْلُهُ (تَائِبًا) مِنَ الذَّنْبِ (¬2) .، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجُنْدُبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/144 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ) ; مُسْلِمٍ 1/96 - 98 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (¬2) فِي الْأَصْلِ: لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مِنَ الذَّنْبِ، وَزِدْتُ كَلِمَةَ (تَائِبًا) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 117] ، ثُمَّ قَالَ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 118] . وَإِذَا ذُكِرَ حَدِيثُ كَعْبٍ فِي قَضِيَّةٍ تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ رَفَعَ دَرَجَتَهُ بِالتَّوْبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ أَعْظَمَ مِمَّا ابْتَلَانِي (¬1) . . وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَوَاةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ مِنْ أَشَدِّ الْكُفَّارِ هِجَاءً وَإِيذَاءً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا تَابَ وَأَسْلَمَ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ إِسْلَامًا وَأَشَدِّهِمْ حَيَاءً وَتَعْظِيمًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ الْحَارِثُ: مَا نَطَقْتُ بِخَطِيئَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ (¬2) . ; وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي أَخْبَارِ التَّوَّابِينَ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/3 - 7 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) ; مُسْلِمٍ 4/2120 - 2129 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابُ حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/345 - 346 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، وَمِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/456 - 459 (¬2) لَمْ أَهْتَدِ إِلَى هَذَا الْأَثَرِ، وَلَكِنْ رَوَى الْمُنْذِرِيُّ (التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ 4/306) عَنِ الْحَارِثِ ابْنِ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: امْلِكْ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. قَالَ الْمُنْذِرِي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ فِي " الِاسْتِيعَابِ " فِي تَرْجَمَةِ الْحَارِثِ

فَمَنْ يَجْعَلُ التَّائِبَ الَّذِي اجْتَبَاهُ اللَّهُ وَهَدَاهُ مَنْقُوصًا بِمَا كَانَ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ، وَقَدْ صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلَ التَّوْبَةِ، فَهُوَ جَاهِلٌ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ مَعَ وُجُودِ مَا ذُكِرَ فَجَمِيعُ مَا يَذْكُرُونَهُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ، وَهُوَ نَقْصٌ إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ، أَوْ هُوَ نَقْصٌ عَمَّنْ سَاوَاهُ إِذَا لَمْ يُصِرَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِثْلَهُ، فَأَمَّا إِذَا تَابَ تَوْبَةً مَحَتْ أَثَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَدَّلَتْ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ فَلَا نَقْصَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِهِ، وَإِذَا صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُسَاوِيهِ أَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا عَنْهُ (¬1) . . وَلَسْنَا نَقُولُ إِنَّ كُلَّ مَنْ أَذْنَبَ وَتَابَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يُذْنِبْ ذَلِكَ الذَّنْبَ، بَلْ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُودُ إِلَى مَا كَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَعُودُ إِلَى مِثْلِ حَالِهِ، وَالْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يُذْنِبْ وَيَتُبْ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ دُونَهُ. وَهَذَا الْبَابُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِهَا، وَلِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ. وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ، لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ الْقَوْلُ بِمَا أَحْدَثَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ وَمَنْ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُسَاوِيهِ أَوْ أَفْضَلَ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا عَنْهُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ

غلو الرافضة أدخلهم فيما حرمه الله من العبادات الشركية

تَبِعَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ، بَلْ كُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ وَالزُّهْدِ وَأَخْبَارِ السَّلَفِ مَشْحُونَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِمِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ حَرَّفَ الْآيَاتِ كَتَحْرِيفِ هَؤُلَاءِ، وَلَا مَنْ كَذَّبَ بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ كَتَكْذِيبِ هَؤُلَاءِ، وَلَا مَنْ قَالَ هَذَا يَمْنَعُ الْوُثُوقَ، أَوْ يُوجِبُ التَّنْفِيرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ، بَلْ أَقْوَالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ غَلَوْا بِجَهْلٍ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ فِي الْإِسْلَامِ. وَهُمْ قَصَدُوا تَعْظِيمَ الْأَنْبِيَاءِ بِجَهْلٍ كَمَا قَصَدَتِ النَّصَارَى تَعْظِيمَ الْمَسِيحِ وَأَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ بِجَهْلٍ، فَأَشْرَكُوا بِهِمْ وَاتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَعْرَضُوا عَنِ اتِّبَاعِهِمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ وَنَهَوْهُمْ عَنْهُ. [غلو الرافضة أدخلهم فيما حرمه الله من العبادات الشركية] وَكَذَلِكَ الْغُلَاةُ فِي الْعِصْمَةِ يُعْرِضُونَ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ طَاعَةِ أَمْرِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِمْ (¬1) . إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِشْرَاكِ بِهِمْ فَيَتَّخِذُونَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ فِي مَغِيبِهِمْ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ وَعِنْدَ قُبُورِهِمْ، وَيَدْخُلُونَ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ الشِّرْكِيَّةِ الَّتِي ضَاهَوْا بِهَا النَّصَارَى. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " ¬

(¬1) أَيْ طَاعَةِ أَمْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِمْ

يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزَ قَبْرَهُ وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» (¬1) \ 472. . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّهُ «ذُكِرَ لَهُ فِي مَرَضِهِ كَنِيسَةٌ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذُكِرَ ¬

(¬1) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1

حُسْنُهَا وَتَصَاوِيرُ فِيهَا فَقَالَ: " إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ التَّصَاوِيرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " (¬1) . . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ: " «أَلَا إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خَلِيلِهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ، يَعْنِي نَفْسَهُ» " (¬2) . . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي» " (¬3) . . وَفِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: " «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» " (¬4)) . . وَفِي الْمُسْنَدِ وَصَحِيحِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» " (¬5)) . . ¬

(¬1) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/478 (¬2) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/474 - 475 (¬3) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 405 (¬4) انْظُرْ مَا سَبَقَ 1/475، 2/405 (وَانْظُرْ: ت [0 - 9] (¬5) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/475 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ (ت [0 - 9] ) أَنَّهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/324 (رَقْمُ 3844) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَهُوَ فِيهِ أَيْضًا عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 6/90 (رَقْمُ 4143) ، 6/162 (رَقْمُ 4342

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ أَبِي هَيَّاجٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَرَنِي أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتُهُ وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتُهُ» (¬1) .، «فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَرْسَلَ عَلِيٌّ فِي خِلَافَتِهِ مَنْ يَفْعَلُ مِثْلَ مَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَوِّيَ الْقُبُورَ الْمُشْرِفَةَ وَيَطْمِسَ التَّمَاثِيلَ» ، فَإِنَّ هَذِهِ وَهَذِهِ مِنْ أَسْبَابِ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا - وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} [سُورَةُ نُوحٍ: 23، 24] . قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: كَانَ هَؤُلَاءِ قَوْمًا صَالِحِينَ فِي قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا مَاتُوا وَعَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ (¬2) . . فَالْمَشَاهِدُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنَ الْعَامَّةِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ كُلُّهَا مِنَ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ الْمُحَرَّمَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُقْصَدَ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمَسَاجِدُ لَا الْمَشَاهِدُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ ¬

(¬1) سَبَقَ وُرُودُ الْحَدِيثِ 1/477 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ فِي مُسْلِمٍ 2/666 - 667 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْأَمْرِ بِتَسْوِيَةِ الْقَبْرِ) . وَهُوَ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ج [0 - 9] رَقْمًا: 741، 1064 وَبِمَعْنَاهُ عَنْ غَيْرِ أَبِي هَيَّاجٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْأَرْقَامِ: 657، 658، 683، 881، 889، 1170، 1175 - 1177، 1238، 1283 (¬2) سَبَقَ وُرُودُ هَذَا الْأَثَرِ 1/477، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ (ت [0 - 9] ) أَنَّهُ مَرْوِيٌّ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ 6/160 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ إِنَّا أَرْسَلْنَا) . وَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَوْرَدَ آثَارًا أُخْرَى بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَانْظُرْ أَيْضًا تَفْسِيرَ الْآيَتَيْنِ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ

مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 29] ، وَقَالَ تَعَالَى: " {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ - إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 17 - 18] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 18] ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ عَلَى وَجْهَيْنِ: زِيَارَةُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُتَّبِعِينَ لِلرُّسُلِ، وَزِيَارَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالشِّرْكِ. فَالْأُولَى مَقْصُودُهَا أَنْ يُسَلَّمَ عَلَى الْمَيِّتِ وَيُدْعَى لَهُ، وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ، يَقْصِدُ بِهَا الدُّعَاءَ لَهُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُثِيبُ هَذَا الدَّاعِيَ لَهُ عِنْدَ قَبْرِهِ كَمَا يُثِيبُ الدَّاعِيَ إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ. وَالثَّانِيَةُ مَقْصُودُهَا أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الْحَوَائِجُ، أَوْ يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ، أَوْ يُظَنَّ أَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ عِنْدَ قَبْرِهِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، بَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا فَتَحُوا أَرْضَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا وَجَدُوا قَبْرًا يُقْصَدُ الدُّعَاءُ عِنْدَهُ غَيَّبُوهُ، كَمَا وَجَدُوا بِتَسْتُرَ قَبْرَ دَانْيَالَ فَحَفَرُوا لَهُ بِالنَّهَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَبْرًا وَدَفَنُوهُ بِاللَّيْلِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَكَانَ مَكْشُوفًا وَكَانَ الْكُفَّارُ يَسْتَسْقُونَ بِهِ، فَغَيَّبَهُ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الشِّرْكِ انْظُرِ الْخَبَرَ وَتَعْلِيقَنَا عَلَيْهِ 1/480 - 481. .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» " (¬1) .، فَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهَا، وَفِي السُّنَنِ وَالْمُسْنَدِ قَالَ: " «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ» " (¬2) . . وَالسَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نُهِي عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ هُوَ سَدُّ ذَرِيعَةِ الشِّرْكِ، كَمَا نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ غُرُوبِهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَالْمُشْرِكُونَ يَسْجُدُونَ لَهَا حِينَئِذٍ، فَنَهَى عَنْ قَصْدِ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُشَابَهَةِ لَهُمْ فِي الصُّورَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْقَصْدُ. كَذَلِكَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ لِلَّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ مَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، وَأَنَّ الْمُصَلَّى لِلَّهِ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. فَأَمَّا إِذَا قَصَدَ لِيُصَلِّيَ هُنَاكَ لِيَدْعُوَ (¬3) . عِنْدَ الْقُبُورِ ظَنًّا أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ هُنَاكَ أَجْوَبُ، فَهَذَا ضَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُدْعَى وَيُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِالْمَيِّتِ، وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ ¬

(¬1) ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَدِيثَ مِنْ قَبْلُ 1/477 (ت [0 - 9] ) ، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ فِي مُسْلِمٍ 2/668 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ ; بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ إِلَيْهِ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬2) الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/192 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/199 - 200 (أَبْوَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/246 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ، بَابُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/83 (¬3) رُسِمَتْ فِي الْأَصْلِ: لِيَدْعَا

يُسْأَلَ اللَّهُ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُسَافَرَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لِهَذَا الْقَصْدِ، أَوْ يُنْذَرُ لَهُ أَوْ لِمَنْ عِنْدَهُ دُهْنٌ أَوْ شَمْعٌ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ قَنَادِيلُ أَوْ سُتُورٌ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ نُذُورِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا النَّذْرِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا الْوَفَاءُ بِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» " (¬1) . . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْذُرَ أَحَدٌ إِلَّا طَاعَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْذُرَهَا إِلَّا لِلَّهِ، فَمَنْ نَذَرَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، كَمَنْ صَامَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَسَجَدَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَمَنْ حَجَّ إِلَى قَبْرٍ مِنَ الْقُبُورِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، بَلْ لَوْ سَافَرَ إِلَى مَسْجِدٍ لِلَّهِ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِيَعْبُدَ اللَّهَ فِيهَا كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَكَيْفَ إِذَا سَافَرَ إِلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ لِيُشْرِكَ بِاللَّهِ! وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» " (¬2)) . . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 8/142 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ، بَابُ النَّذْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/315 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/16 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ، بَابُ النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/687 (كِتَابُ الْكَفَّارَاتِ، بَابُ النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ) ; الْمُوَطَّأِ 2/476 (كِتَابُ النُّذُورِ، بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/36، 41، 224 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 2/60 (كِتَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) ، 3/19 (كِتَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ، بَابُ حَجِّ النِّسَاءِ) ; مُسْلِمٍ 2/975 - 976 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحْرَمٍ، 2/1014 - 1015 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ج [0 - 9] 2 رَقْمَا: 7191، 7248، وَمَوَاضِعُ أُخْرَى فِيهِ ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/291 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ بَابُ فِي إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/205 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَيِّ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/31 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ مَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ

وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ السَّفَرَ لِزِيَارَةِ الْمَشَاهَدِ سَفَرُ مَعْصِيَةٍ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزِ الْقَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ، لَا سِيَّمَا إِذَا سُمِّيَ ذَلِكَ حَجًّا وَصُنِّفَتْ فِيهِ مُصَنَّفَاتٌ وَسُمِّيَتْ مَنَاسِكُ حَجِّ الْمَشَاهَدِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُفَضِّلُ قَصْدَ الْمَشَاهَدِ وَحَجَّهَا وَالسَّفَرَ إِلَيْهَا عَلَى حَجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ حَجَّهُ عَلَى النَّاسِ. وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ وَقَعَ فِيهِ الْغُلَاةُ فِي الْمَشَايِخِ وَالْأَئِمَّةِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ وَإِلَى الشِّيعَةِ، حَتَّى إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي بَيْتِهِ يُصَلِّي لِلَّهِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِقَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِلَا تَدَبُّرٍ وَلَا خُشُوعٍ، وَإِذَا زَارَ قَبْرَ مَنْ يَغْلُو فِيهِ بَكَى وَخَشَعَ، وَاسْتَكَانَ وَتَضَرَّعَ، وَانْتَحَبَ وَدَمَعَ، كَمَا يَقَعُ إِذَا سَمِعَ الْمُكَاءَ وَالتَّصْدِيَةَ الَّذِي كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الْبَيْتِ. وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَحُجُّ لِأَجْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ حَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، بَلْ لِقَصْدِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَزُورُ شُيُوخَهُ وَأَئِمَّتَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالْأَحَادِيثُ الْمَأْثُورَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ، كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بَلْ مَوْضُوعَةٌ، فَلَمْ يُخْرِجْ أَهْلُ الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ شَيْئًا مِنْهَا، وَلَا اسْتَدَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدُوا عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْ رَجُلٍ

يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» " (¬1) . . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا عَامًّا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَهُ فَقَالَ: " «مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ الرَّجُلِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» " (¬2) . . وَفِي النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَائِكَةً تُبَلِّغُنِي عَنْ أُمَّتَيِ السَّلَامَ» " (¬3)) . . وَفِي السُّنَنِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ - عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/293 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/527 (¬2) وَجَدْتُ فِي " الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ " لِلسُّيُوطِيِّ 1/718 حَدِيثَيْنِ بِهَذَا الْمَعْنَى: الْأَوَّلُ: " مَا مِنْ رَجُلٍ يَزُورُ قَبْرَ حُمَيْدٍ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَيَقْعُدُ عِنْدَهُ إِلَّا رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَنِسَ بِهِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ عِنْدِهِ " وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: " أَبُو الشَّيْخِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ". وَالثَّانِي: " مَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يَمُرُّ بِقَبْرٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ " قَالَ السُّيُوطِيُّ: " ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ". وَأَوْرَدَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِي كِتَابِ " الرُّوحِ " ص 4، ط. حَيْدَرَ آبَادَ 1383/1963 الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَقَالَ إِنَّ عَبْدَ الْبَرِّ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ كِتَابِ الْقُبُورِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: " بَابُ مَعْرِفَةِ الْمَوْتَى بِزِيَادَةِ الْأَحْيَاءِ " عِدَّةَ أَحَادِيثَ وَآثَارٍ بِنَفْسِ الْمَعْنَى، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَنْ دَرَجَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ هَلْ تَصِحُّ أَمْ لَا، انْظُرْ كِتَابَ " الرُّوحِ " (ص [0 - 9]- 12) (¬3) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا النَّصِّ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا مُقَارِبًا لَهُ فِي الْمَعْنَى رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ: " إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتَيِ السَّلَامَ ". انْظُرْ: سُنَنَ النَّسَائِيِّ (بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ) 3/43 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/244 (رَقْمُ 3666، 6/114 - 115، 154 (رَقْمَا 4210، 4320) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/317 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَلَيَّ " ; قَالُوا: كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ - أَيْ قَدْ صِرْتَ رَمِيمًا - فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ» " (¬1) . . فَهَذَا الْمَعْرُوفُ عَنْهُ فِي السُّنَنِ: هُوَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 56] ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» " (¬2) . لَكِنْ إِذَا صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ بَلَغَ ذَلِكَ، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ قَرِيبِ سَمِعَ هُوَ سَلَامَ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِذَا أَتَى أَحَدُهُمْ قَبْرَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبَيْهِ، كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَهْ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقِفُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقَبْرِ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/378 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4 ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/524 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ ذِكْرِ وَفَاتِهِ وَدَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ، وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رِضَى لِلَّهِ عَنْهُ 1/345 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ الْجُمُعَةِ) (¬2) الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 1/306 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ) وَلَفْظُهُ " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً. . إِلَخْ ; وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْهُ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/285، 286 (رَقْمَا: 7551، 7552) وَلَكِنَّ لَفْظَهُ: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ ". قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ بِلَفْظِ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا " عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنِّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ. وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/117 (كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابٌ فِي الِاسْتِغْفَارِ) وَأَوْرَدَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/102، 161 حَدِيثًا بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَدَعَا وَلَا يَدْعُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقَبْرِ. ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ أَيْضًا وَيَسْتَدِيرُ الْقَبْرَ وَيَجْعَلُهُ عَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ - مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ - بَلْ عِنْدَ السَّلَامِ يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ وَيَسْتَدْبِرُ الْكَعْبَةَ، وَأَمَّا عِنْدَ الدُّعَاءِ فَإِنَّمَا يَدْعُو اللَّهَ وَحْدَهُ كَمَا يُصَلِّي لِلَّهِ وَحْدَهُ فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، كَمَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ إِذَا دَعَا بِعَرَفَةَ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ. وَكَرِهَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: زُرْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنَ الزِّيَارَةِ الْبِدْعِيَّةِ كَالزِّيَارَةِ لِطَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنْهُ، فَكَرِهُوا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلَفْظٍ يَتَضَمَّنُ شِرْكًا أَحْدَثَهُ النَّاسُ فِي هَذَا اللَّفْظِ مِنَ الْمَعَانِي الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الزِّيَارَةِ إِذَا عُنِيَ بِهِ الزِّيَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنَ السَّلَفِ يَقِفُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَغَيْرُ هَذَا مِنَ الْبِدَعِ، وَقَالَ: إِنَّمَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا. وَمَالِكٌ قَدْ أَدْرَكَ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ خَلْقِ اللَّهِ إِذْ ذَاكَ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا (¬1) فِي حَقِّ خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَكْرَمِهِمْ عَلَى اللَّهِ، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ، وَصَاحِبِ لِوَاءِ الْحَمْدِ الَّذِي آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا وَفَدُوا عَلَى رَبِّهِمْ، وَإِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا اجْتَمَعُوا، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ، ¬

(¬1) يَسْتَطْرِدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَكِنَّهُ لَا يَذْكُرُ جَوَابًا لِلشَّرْطِ.

وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَفْضَلُ الْمُرْسَلِينَ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِأَفْضَلِ شَرِيعَةٍ إِلَى خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ كُتُبِهِ وَجَعَلَهُ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، الَّذِي هَدَى اللَّهُ بِهِ الْخَلْقَ وَأَخْرَجَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَهَدَاهُمْ بِهِ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وَهُوَ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَبَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ وَطَرِيقِ الْجَنَّةِ وَطَرِيقِ النَّارِ، وَهُوَ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ: فَالسَّعِيدُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ وَالشَّقِيُّ مَنْ كَذَّبَهُ وَعَصَاهُ، وَعَلَّقَ بِهِ النَّجَاةَ وَالسَّعَادَةَ فَلَا سَبَبَ يَنْجُو بِهِ الْعَبْدُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَيَنَالُ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِمَّنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِرِسَالَتِهِ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ النُّورَ الَّذِي أَنْزَلَ مَعَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 156، 157] . وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّسُولُ مِنَ الْحُقُوقِ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 8، 9] ، فَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالرَّسُولِ، وَالتَّعْزِيرُ وَالتَّوْقِيرُ

لِلرَّسُولِ، وَالتَّسْبِيحُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لِلَّهِ وَحْدَهُ ; قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سُورَةُ النُّورِ: 52] ، فَجَعَلَ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، وَالْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 59] ، فَجَعَلَ الْإِيتَاءَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِيتَاءُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ بِخِلَافِ مَنْ آتَاهُ الْمُلْكَ خَلْقًا وَقَدْرًا وَلَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَذْمُومٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ وَإِنْ كَانَ قَدْ آتَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ خَلْقًا وَقَدْرًا، وَأَمَّا مَنْ رَضِيَ بِمَا آتَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ مِمَّنْ رَضِيَ بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَمْ يَطْلُبْ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ، كَالَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} ، ثُمَّ قَالَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 58، 59] ، وَلَمْ يَقُلْ: وَرَسُولُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ كَافٍ عَبْدَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 36] ، وَقَالَ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 1173] ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَقُولُوا: {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 59] ، فَذَكَرَ أَنَّ الرَّسُولَ (يُؤْتِيهِمْ) (¬1) ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَحْدَهُ، لَمْ يَقُلْ: مِنْ فَضْلِهِ وَفَضْلِ رَسُولِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُمْ: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 59] ، وَلَمْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ زِيَادَةٌ يَسْتَقِيمُ بِهَا الْكَلَامُ.

يَقُلْ: وَرَسُولُهُ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ - وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [سُورَةُ الشَّرْحِ: 7، 8] . وَأَمَّا مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَدُعَائِهِ وَحْدَهُ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَحْدَهُ، وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَحْدَهُ، فَكَثِيرٌ كَقَوْلِهِ: {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 39] ، وَقَوْلِهِ: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 51] ، وَ {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 175] ، وَقَوْلِهِ: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 175] ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 213] ، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 36] . وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ فَهِيَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْإِرْضَاءُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 24] ، وَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 62] ، فَالرَّسُولُ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهُ وَعَلَيْنَا أَنْ نُرْضِيَهُ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» " (¬1) . ; وَكَذَلِكَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 80] . وَالْعِبَادَاتُ بِأَسْرِهَا: الصَّلَاةُ وَالسُّجُودُ وَالطَّوَافُ وَالدُّعَاءُ وَالصَّدَقَةُ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ حُبِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ) ; مُسْلِمٍ 1/67 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ وُجُوبِ مَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/177، 207، 275، 278 ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/26 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي الْإِيمَانِ)

وَالنُّسُكُ وَالَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ بُقْعَةً تُفْعَلُ الصَّلَاةُ فِيهَا إِلَّا الْمَسَاجِدَ: لَا مَقْبَرَةً وَلَا مَشْهَدًا وَلَا مَغَارَةً وَلَا مَقَامَ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا خَصَّ بُقْعَةً غَيْرَ الْمَسَاجِدِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إِلَّا مَشَاعِرَ الْحَجِّ: لَا قَبْرَ نَبِيٍّ وَلَا صَالِحٍ وَلَا مَغَارَةً وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَيْءٌ عِبَادَةً لِلَّهِ إِلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَلَا يُتَمَسَّحُ إِلَّا بِهِ وَبِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَلَا يُسْتَلَمُ الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ وَهُمَا مِنَ الْبَيْتِ فَكَيْفَ غَيْرُهُمَا؟ وَقَدْ طَافَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ الْأَرْبَعَةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ» . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ شَيْءٌ مَهْجُورًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقْتَ (¬1) .، وَرَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ. فَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ - لَا نَعْبُدُ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا: لَا مَلَكًا وَلَا نَبِيًّا وَلَا صَالِحًا وَلَا شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ ; وَالثَّانِي أَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا أَمَرَنَا بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - لَا نَعْبُدُهُ بِبِدَعٍ لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَالْعِبَادَاتُ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحُبِّ وَكَمَالَ الْخُضُوعِ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا يُحِبُّ الْخَالِقَ فَهُوَ مُشْرِكٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} ¬

(¬1) وَرَدَ هَذَا الْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الْمُسْنَدِ أَقْرَبُهَا إِلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي 3/366 (رَقْمِ 1877) وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ 2/92 مَعْنَاهُ مُخْتَصَرًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَانْظُرِ الْأَرْقَامَ: 2210، 3074، 3533

[سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 165] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: " أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ "، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: " ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} » [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 68] (¬1) 87. . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ بِالْعِبَادَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَذَكَرَ فَضْلَ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَرَغَّبَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِقَصْدِ مَكَانٍ لِأَجْلِ نَبِيٍّ وَلَا صَالِحٍ، بَلْ نَهَى عَنِ اتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقْصَدَ لِلصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ لِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ، فَقَدْ «قَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيهِ أَوْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} » [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 168] (¬2) . . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ - بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/18 (تَفْسِيرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَابٌ: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا) ، 8/8 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ قَتْلِ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ) ، 8/164 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ إِثْمِ الزُّنَاةِ) ، 9/152 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا) ; مُسْلِمٍ 1/90 - 91 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/17 - 18 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفُرْقَانِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/394 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابٌ فِي تَعْظِيمِ الزِّنَا) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/82 - 83 (كِتَابُ التَّحْرِيمِ، بَابُ ذِكْرِ أَعْظَمِ الذَّنْبِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/217، 6، 86 - (¬2) أَوْرَدَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِرِوَايَتَيْنِ، نَعَتَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ إِحْدَاهُمَا بِالِانْهِيَارِ وَالْأُخْرَى بِالضَّعْفِ. انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/480 - 481 (وَانْظُرِ التَّعْلِيقَاتِ)

وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» " (¬1) .، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» " (¬2) . . فَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ أَمَرُوا النَّاسَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَسُؤَالِهِ وَدُعَائِهِ، وَنَهَوْا أَنْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْمَسَاجِدُ وَأَبْغَضُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْأَسْوَاقُ» " (¬3) .، يَعْنِي الْبِقَاعَ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ فِي مَدِينَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ لَا حَانَةَ وَلَا كَنِيسَةَ وَلَا مَوْضِعَ شِرْكٍ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ شَرٌّ مِنَ الْأَسْوَاقِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «شِرَارُ النَّاسِ الَّذِينَ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» " ; هَذَا إِذَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/350 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا يُقَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ (بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ) 2/180 (كِتَابُ التَّطْبِيقِ، بَابُ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/320 - 321 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ النُّزُولِ 323 (ت 6) (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي اللَّفْظِ - مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/464 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ فَضْلِ الْجُلُوسِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ) . وَفِي السَّنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/81 قِطْعَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ بِرِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الْمُسَمَّى مَشْهَدًا عَلَى قَبْرٍ صَحِيحٍ، فَكَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى (قُبُورِ) (¬1) . الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ وَغَيْرِهِمْ كَذِبٌ؟ وَكَثِيرٌ مِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا يُتَوَثَّقُ فِيهِ بِنَقْلٍ يُنْقَلُ فِي ذَلِكَ مِمَّا يُوجَدُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالسَّبَبُ فِي خَفَائِهَا وَكَثْرَةِ الْخِلَافِ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ حَفِظَ الدِّينَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 9] ، وَاتِّخَاذُ هَذِهِ مَعَابِدَ لَيْسَ مِنَ الدِّينِ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْفَظْ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ وَالْمَشَاهِدَ، بَلْ مَبْنِيُّ أَمْرِهِمْ عَلَى الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَإِنَّمَا يَسْتَنِدُ أَهْلُهَا إِلَى مَنَامَاتٍ تَكُونُ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَوْ إِلَى (أَخْبَارٍ إِمَّا) (¬2) . مَكْذُوبَةٍ، وَإِمَّا مَنْقُولَةٍ عَمَّنْ لَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً. وَالشَّيَاطِينُ تُضِلُّ أَهْلَهَا كَمَا تُضِلُّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ، فَتَارَةً تُكَلِّمُهُمْ، وَتَارَةً تَتَرَاءَى لَهُمْ، وَتَارَةً تَقْضِي بَعْضَ حَوَائِجِهِمْ، وَتَارَةً تَصِيحُ وَتُحَرِّكُ السَّلَاسِلَ الَّتِي فِيهَا الْقَنَادِيلُ وَتُطْفِئُ الْقَنَادِيلَ، وَتَارَةً تَفْعَلُ أُمُورًا أُخَرَ كَمَا تَفْعَلُ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ الَّتِي كَانَتْ لِلْعَرَبِ، وَهِيَ الْيَوْمَ تَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي أَوْثَانِ التُّرْكِ وَالصِّينِ وَالسُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ فَيَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَيِّتُ أَوْ مَلَكٌ صُوِّرَ عَلَى صُورَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ أَضَلَّهُمْ بِالشِّرْكِ، كَمَا يَجْرِي ذَلِكَ لِعُبَّادِ الْأَصْنَامِ الْمُصَوَّرَةِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَائِهِ] (¬3) . . ¬

(¬1) قُبُورِ: لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ، وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ (¬2) بَعْدَ عِبَارَةِ " أَوْ إِلَى " تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ وَلَكِنْ لَمْ تَظْهَرِ الْكَلِمَاتُ السَّاقِطَةُ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَا أَثْبَتُّهُ بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ (¬3) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الطَّوِيلُ فِي (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) ، وَقَدْ بَدَأَ فِي ص 409

التعليق على قوله أن الأئمة معصومون كالأنبياء

[التعليق على قوله أَنَّ الْأَئِمَّةَ مَعْصُومُونَ كَالْأَنْبِيَاءِ] فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) .: " وَأَنَّ (¬2) . الْأَئِمَّةَ مَعْصُومُونَ كَالْأَنْبِيَاءِ فِي ذَلِكَ " (¬3) . . فَهَذِهِ خَاصَّةُ الرَّافِضَةِ الْإِمَامِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ - لَا الزَّيْدِيَّةُ الشِّيعَةُ وَلَا (4 سَائِرُ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ - إِلَّا مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُمْ كَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِعِصْمَةِ بَنِي عُبَيْدٍ: 4) (¬4) . الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْإِمَامَةَ بَعْدَ جَعْفَرٍ [فِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ] (¬5) . دُونَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَأُولَئِكَ مَلَاحِدَةٌ [مُنَافِقُونَ] (¬6) . . وَالْإِمَامِيَّةُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ (¬7) . خَيْرٌ مِنْهُمْ بِكَثِيرٍ، فَإِنَّ الْإِمَامِيَّةَ مَعَ [فَرْطِ] (¬8) . جَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ فِيهِمْ خَلْقٌ مُسْلِمُونَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا لَيْسُوا زَنَادِقَةً مُنَافِقِينَ، لَكِنَّهُمْ جَهِلُوا وَضَلُّوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَأَمَّا أُولَئِكَ فَأَئِمَّتُهُمُ الْكِبَارُ (¬9) . الْعَارِفُونَ بِحَقِيقَةِ دَعْوَتِهِمْ (¬10) . الْبَاطِنِيَّةِ (¬11) . زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ، وَأَمَّا ¬

(¬1) الْكَلَامُ التَّالِي فِي " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ " (ك) 1/82 (م) . وَسَبَقَ وُرُودُهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 9 (¬2) ن، م، ع: إِنَّ (¬3) ك: وَأَنَّ الْأَئِمَّةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَعْصُومُونَ كَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ، وَانْظُرْ مَا سَبَقَ ص 99 (¬4) (4 - 4) سَاقِطَةٌ مِنْ (م) فَقَطْ (¬5) فِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَفِي (م) سَقَطَتْ عِبَارَةُ " مُحَمَّدِ بْنِ ". وَكَتَبَ نُعْمَانُ الْفَقِيرُ فِي هَامِشِ (أ) تَعْرِيفًا بِإِسْمَاعِيلَ وَبِمَوْضِعِ دَفْنِهِ وَلَكِنْ لَمْ تَظْهَرْ إِلَّا كَلِمَاتٌ مِنَ التَّعْلِيقِ (¬6) مُنَافِقُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) ن، م: وَالْإِمَامِيَّةُ الْأَشْعَرِيَّةُ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ (¬8) فَرْطِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬9) ن، م: الْكُفَّارُ (¬10) ب، أ: دَعْوَاهُمْ (¬11) ع: الْبَاطِلَةِ

عَوَامُّهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا بَاطِنَ أَمْرِهِمْ فَقَدْ يَكُونُونَ (¬1) . مُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَقَدْ شَرِكَ غَيْرُ الْإِمَامِيَّةِ فِيهَا بَعْضَ الطَّوَائِفِ، إِلَّا (¬2) . غُلُوُّهُمْ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَلَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَيْضًا، حَيْثُ ادَّعَوْا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْهُو، فَإِنَّ هَذَا لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ (¬3) ".، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غُلَاةِ جُهَّالِ النُّسَّاكِ، فَإِنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّافِضَةِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا فِي الْغُلُوِّ وَفِي الْجَهْلِ وَالِانْقِيَادِ لِمَا لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ، وَالطَّائِفَتَانِ تُشْبِهَانِ النَّصَارَى فِي ذَلِكَ. [وَقَدْ يَقْرُبُ (¬4) . إِلَيْهِمْ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْفِقْهِ (¬5) . مِنَ الْغُلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِصْمَةِ] (¬6) . . وَالْكَلَامُ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ بِهِمْ (¬7) . وَتَلَقِّي الدِّينِ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، [ثُمَّ] (¬8) . فِي عِصْمَتِهِمْ عَنِ الْخَطَأِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ (¬9) . الْقَوْلَيْنِ مِمَّا (¬10) . لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ أَوْ مُفْرِطٌ فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى أَوْ فِي كِلَيْهِمَا (¬11) .، فَمَنْ عَرَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَعَرَفَ حَالَ هَؤُلَاءِ، كَانَ عَالِمًا ¬

(¬1) ع، أ، ن، م: فَقَدَ يَكُونُوا، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) ن، م: إِلَى ; وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) ب، ن، م: فَإِنَّ هَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ ; وَفِي (أ) سَقَطَتْ كَلِمَةُ " عَلَيْهِ (¬4) ب، أ: تَقْرُبُ (¬5) فِي الْفِقْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) ن: فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ عَلَيْهِمْ ; م: فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانَ، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ (¬8) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬9) ع: فَإِنَّ كَلَامَ هَذَيْنِ (¬10) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬11) ن، م، ع: فِي كِلَاهُمَا

الرد على قوله وأخذوا أحكامهم الفروعية عن الأئمة المعصومين

بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُطْلَانَ هَذَا الْقَوْلِ، لَكِنَّ الْجَهْلَ لَا حَدَّ لَهُ، وَهُوَ هُنَا لَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً غَيْرَ حِكَايَةِ الْمَذْهَبِ فَأَخَّرْنَا الرَّدَّ إِلَى مَوْضِعِهِ. [الرد على قوله وَأَخَذُوا أَحْكَامَهُمْ الْفُرُوعِيَّةَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) .: " وَأَخَذُوا أَحْكَامَهُمْ (¬2) . الْفُرُوعِيَّةَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ، النَّاقِلِينَ عَنْ جَدِّهِمْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) . ". . . إِلَى آخِرِهِ. فَيُقَالُ: أَوَّلًا: الْقَوْمُ الْمَذْكُورُونَ إِنَّمَا كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ حَدِيثَ جَدِّهِمْ (¬4) . مِنَ الْعُلَمَاءِ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّمُ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ. فَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (¬5) . يَرْوِي تَارَةً عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ (¬6) . عَنْ (¬7) : أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَوْلَ ب (¬8) . النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي [الصَّحِيحَيْنِ (¬9) .، وَسَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ¬

(¬1) الْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 1/83 (م) ، وَسَبَقَ وُرُودُهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 9 (¬2) ك: الْأَحْكَامَ (¬3) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (¬4) ب: يَتَعَلَّمُونَ الْحَدِيثَ ; أ: يَتَعَلَّمُونَ حَدِيثَ (وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ: جَدِّهِمْ) (¬5) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/83 (ت [0 - 9] ) (¬6) أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَبُو سَعِيدٍ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 151. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: " رَوَى أَبَانُ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ ثِقَةً وَلَهُ أَحَادِيثُ ". تَرْجَمَتُهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/151 - 153 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 95 ; تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ، ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 7 ; الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص [0 - 9] 3 (¬7) ن، م: وَعَنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬8) ، ا: مَوْلَى (¬9) الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: 2/147 - 148 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ) ، 5/147 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّايَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ) ، 8/156 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) . وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ 3/1233 (أَوَّلُ كِتَابِ الْفَرَائِضِ) . وَفِي سَنَدِ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَمِيعًا: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ هُوَ شَقِيقُ أَبَانَ، وَانْظُرْ طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/150 - 151. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/286 - 287 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ 14) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/911 - 912 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ: بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ)

قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرَجِهِ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) . . وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: " «رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬2) .] (¬3) . . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/144 (كِتَابُ الْعِتْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعِتْقِ وَفَضْلِهِ) ; مُسْلِمٍ 2/1147 - 1148 (كِتَابُ الْعِتْقِ، بَابُ فَضْلِ الْعِتْقِ) . وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ أَرْبَعِ طُرُقٍ كُلِّهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِي سَنَدٍ أَقْرَبُهَا إِلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ:. . عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ بَعْدَهَا " فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَعَمَدَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى عَبْدٍ لَهُ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَعْتَقَهُ " ; وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/49 (كِتَابُ النُّذُورِ، بَابٌ فِي ثَوَابِ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً) . وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/39 (كِتَابُ الْعِتْقِ، بَابٌ فِي ثَوَابِ الْعِتْقِ) (¬2) الْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1750 - 1751 (كِتَابُ السَّلَامِ، بَابُ تَحْرِيمِ الْكَهَانَةِ وَإِتْيَانِ الْكُهَّانِ) وَنَصُّهُ: ". . عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ. . الْحَدِيثَ "، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ فِي مَسْنَدِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/268 - 269 (رَقْمُ 1882، وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ) ; وَالتِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ 5/40 - 41 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ سَبَأٍ) (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ

وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يَرْوِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثَ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الطَّوِيلَ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ [عَنْ أَبِيهِ: (¬1) . عَنْ جَابِرٍ (¬2) ". . وَأَمَا ثَانِيًا (¬3) .: فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُمَيِّزٌ إِلَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬4) .، وَهُوَ الثِّقَةُ الصَّدُوقُ (¬5) . فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَنَّ أَمْثَالَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ ثِقَاتٌ صَادِقُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وَلِلَّهِ الْحَمْدُ] (¬6) . - مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ حَدِيثًا عَنْهُ، لَا يُعْرَفُ فِيهِمْ مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيْهِ كَذِبًا، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَقَعُ مِنْ أَحَدِهِمْ مِنَ الْهَنَاتِ مَا يَقَعُ وَلَهُمْ ذُنُوبٌ وَلَيْسُوا مَعْصُومِينَ، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ جَرَّبَ (¬7) . ¬

(¬1) عَنْ أَبِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ جَابِرٍ فِي (ب) ، عِبَارَةُ: وَيُرْوَى أَيْضًا. وَفِي (ن) . وَرُوِيَ أَيْضًا. وَالْعِبَارَاتُ زَائِدَةٌ وَلَعَلَّهَا سَهْوٌ مِنَ النُّسَّاخِ. وَحَدِيثُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الطَّوِيلُ الَّذِي يَذْكُرُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ 2/886 - 893 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَفِي الْحَدِيثِ (ص [0 - 9] 86) : ". . حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى. . الْحَدِيثَ (¬3) ب، ا: وَأَمَا ثَالِثًا، وَهُوَ خَطَأٌ. وَقَبْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تُوجَدُ عِبَارَةُ " وَيُرْوَى أَيْضًا " فِي (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) . وَبَعْدَهَا يُوجَدُ بَيَاضٌ فِي (أ) ، (ب) (¬4) إِلَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬5) ن: وَهُوَ الثِّقَةُ الْعَبْدُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬6) وَلِلَّهِ الْحَمْدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَفِي (ع) : فَلِلَّهِ الْحَمْدُ (¬7) ن: حَرَّفَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

أَصْحَابُ النَّقْدِ (¬1) . وَالِامْتِحَانِ أَحَادِيثَهُمْ وَاعْتَبَرُوهَا بِمَا تُعْتَبَرُ بِهِ (¬2) . الْأَحَادِيثُ، فَلَمْ يُوجَدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَعَمُّدُ كِذْبَةٍ، بِخِلَافِ الْقَرْنِ الثَّانِي فَإِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ جَمَاعَةٌ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، حَتَّى الَّذِينَ كَانُوا يَنْفِرُونَ ب (فَقَطْ) : يَنْقُرُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. عَنْ مُعَاوِيَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬3) . إِذَا حَدَّثَهُمْ عَلَى مِنْبَرَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ فِي الْإِصَابَةِ 3/413: " رَوَى عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَرِيرٌ الْبَجَلِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ وَالسَّائِبُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زُبَيْرٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُمْ ". -، وَحَتَّى بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ (¬4) . مَعَ مَا عُرِفَ مِنْهُ: رَوَى حَدِيثَيْنِ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (¬5) .، لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ ¬

(¬1) ب، ا: النَّقْرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬4) ع، ن، م: بِشْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ عُوَيْمِرِ بْنِ عِمْرَانَ، اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ مِنْ قُوَّادِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنْ وُلَاتِهِ عَلَى الْبَصْرَةِ وَعَلَى الْيَمَنِ وَقَدْ أَمَرَهُ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَنْظُرَ مَنْ كَانَ فِي طَاعَةِ عَلِيٍّ بِالْيَمَنِ وَالْحِجَازِ فَيُوقِعَ بِهِمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَقِيلَ: إِنَّهُ بَطَشَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ وَعَسَفَهُمْ. وَتُوُفِّيَ بُسْرٌ عَلَى الْأَرْجَحِ سَنَةَ 86 بَعْدَ أَنِ اخْتَلَطَ عَقْلُهُ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 1/152 ; الِاسْتِيعَابِ 1/161 - 171 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 22، 423 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/409 ; الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ ص [0 - 9] 0 ; الْأَعْلَامِ 1/23 - 24 (¬5) رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ 4/200 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَسْرِقُ فِي الْغَزْوِ أَيُقْطَعُ؟) : عَنْ جُنَادَةَ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي الْبَحْرِ، فَأُتِيَ بِسَارِقٍ يُقَالُ لَهُ مِصْدَرٌ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ " وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَطَعْتُهُ. وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/5 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنْ لَا تُقْطَعَ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ لَهِيعَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ هَذَا ". وَالْحَدِيثُ عَنْ بُسْرٍ فِي: سُنَنِ (النَّسَائِيِّ 8/84 (كِتَابُ قَطْعِ السَّارِقِ، بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّفَرِ) وَلَفْظُهُ: " لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ ". وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/168. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/181. وَفِي ذَخَائِرِ الْمَوَارِيثِ أَنَّهُ رُوِيَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ فِي كِتَابِ قَطْعِ السَّارِقِ. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ بُسْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو: " اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ ". وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " فِي تَرْجَمَةِ بُسْرٍ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَكَذَا ذَكَرَ النَّبْهَانِيُّ فِي " الْفَتْحِ الْكَبِيرِ " وَأَضَافَ أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ

عَنِ (¬1) . النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [وَكَانَ هَذَا] (¬2) . حِفْظًا مِنَ اللَّهِ لِهَذَا الدِّينِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ أَحَدٌ (¬3) . الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَهُ وَكَشَفَ أَمْرَهُ، وَلِهَذَا كَانَ (¬4) . يُقَالُ: لَوْ هَمَّ رَجُلٌ بِالسَّحَرِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَصْبَحَ وَالنَّاسُ (¬5) . يَقُولُونَ: [فُلَانٌ] (¬6) . كَذَّابٌ. وَقَدْ كَانَ التَّابِعُونَ بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ لَا يَكَادُ (¬7) . يُعْرَفُ فِيهِمْ ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: عَلَى (¬2) وَكَانَ هَذَا: فِي (ع) ، فَقَطْ (¬3) ب، ا: وَاحِدٌ (¬4) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ (¬5) ب، ا: النَّاسُ (¬6) فُلَانٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) ع: لَا يَكَادُونَ

كَذَّابٌ، لَكِنَّ الْغَلَطَ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ [بِشْرٌ] (¬1) .، وَلِهَذَا يُقَالُ: فِيمَنْ يَضْعُفُ مِنْهُمْ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ (¬2) . أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، أَيْ مِنْ جِهَةِ سُوءِ حِفْظِهِ فَيَغْلَطُ (¬3) . فَيَنْسَى، لَا مِنْ جِهَةِ تَعَمُّدِهِ لِلْكَذِبِ. وَأَمَّا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا صَغِيرَانِ فِي سِنِّ التَّمْيِيزِ، فَرِوَايَتُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلِيلَةٌ. وَأَمَّا سَائِرُ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَلَمْ يُدْرِكُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَوْلُ الْقَائِلِ (¬4) .: إِنَّهُمْ نَقَلُوا عَنْ جَدِّهِمْ، إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ مَا قَالَهُ (¬5) . جَدُّهُمْ فَهَذِهِ نُبُوَّةٌ، كَمَا كَانَ يُوحَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُسْمِعَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ الَّذِي سَمِعُوهُ مِنْهُمْ (¬6) .، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَأَيُّ مَزِيَّةٍ لَهُمْ فِي النَّقْلِ عَنْ جَدِّهِمْ إِلَّا بِكَمَالِ الْعِنَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ؟ فَإِنَّهُ كُلُّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ اهْتِمَامًا وَعِنَايَةً بِأَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَلَقِّيهَا مِنْ مَظَانِّهَا كَانَ أَعْلَمَ بِهَا. وَلَيْسَ هَذَا (¬7) . مِنْ خَصَائِصِ هَؤُلَاءِ، بَلْ فِي غَيْرِهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ ¬

(¬1) بِشْرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬2) بَعْضُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬3) فَيَغْلَطُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬4) ب (فَقَطْ) : النَّبِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬5) ب، ا، ن، م: قَالَ (¬6) ن، م، ع: مِنْهُ (¬7) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ

مِنْ أَكْثَرِهِمْ، [كَمَا يُوجَدُ فِي كُلِّ عَصْرٍ كَثِيرٌ (¬1) . مِنْ غَيْرِ بَنِي هَاشِمٍ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنْ أَكْثَرِ بَنِي هَاشِمٍ] (¬2) .، فَالزُّهْرِيُّ (¬3) . أَعْلَمُ بِأَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ [وَأَفْعَالِهِ] (¬4) . بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (¬5) . وَكَانَ مُعَاصِرًا لَهُ. وَأَمَّا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (¬6) . وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى (¬7)) . وَمُحَمَّدُ بْنُ ¬

(¬1) كَثِيرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/560. وَانْظُرْ عَنْهُ أَيْضًا: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/317 - 319 ; تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ 1/108 - 113 ; الْأَعْلَامَ 7/317 (¬4) وَأَفْعَالِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) (¬5) أَبُو جَعْفَرٍ (الْبَاقِرُ) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (زَيْنِ الْعَابِدِينَ) بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/507 (ت [0 - 9] ) . وَانْظُرْ عَنْهُ أَيْضًا: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/320 - 324 ; تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ 1/124 - 125 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/314 ; تَارِيخَ الْيَعْقُوبِيِّ (ط. بَيْرُوتَ) 2/320 - 321 ; الْأَعْلَامَ 7/153. وَسَيَتَكَلَّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْهُ بِالتَّفْصِيلِ فِيمَا يَلِي 2/123 - 124 (ب) (¬6) أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (الْكَاظِمُ) بْنُ جَعْفَرٍ (الصَّادِقِ) بْنِ مُحَمَّدٍ (الْبَاقِرِ) ، وُلِدَ سَنَةَ 128 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 183. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوقٌ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ صَالِحًا عَابِدًا جَوَادًا حَلِيمًا كَبِيرَ الْقَدْرِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 4/373 - 395 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 39 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 1/287 ; تَارِيخِ الْيَعْقُوبِيِّ 2/414 - 415 ; الْخُلَاصَةِ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص [0 - 9] 34 ; الْأَعْلَامِ 8/270. وَسَيَتَكَلَّمُ عَنْهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا يَلِي 1/124 - 125 (ب) (¬7) أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ (الرِّضَا) بْنُ مُوسَى (الْكَاظِمِ) ، وُلِدَ سَنَةَ 153 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 203 وَقِيلَ سَنَةَ 202، زَوَّجَهُ الْمَأْمُونُ ابْنَتَهُ وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ وَلَكِنَّهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمَأْمُونِ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/432 - 434 ; تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ 7/150 ; تَارِيخِ الْيَعْقُوبِيِّ، 2/453 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 1/340 ; الْأَعْلَامِ 5/178. وَسَيَتَكَلَّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْهُ فِيمَا بَعْدُ 2/125 - 126 (ب

الرد على قوله إن الإمامية يتناقلون ذلك عن الثقات

عَلِيٍّ (¬1) . فَلَا يَسْتَرِيبُ مَنْ لَهُ مِنَ الْعِلْمِ نَصِيبٌ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَحَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ (¬2) . حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ (¬3) [الرد على قوله إِنَّ الْإِمَامِيَّةَ يَتَنَاقَلُونَ ذَلِكَ عَنِ الثِّقَاتِ] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬4) : " إِنَّ الْإِمَامِيَّةَ يَتَنَاقَلُونَ ذَلِكَ [عَنِ الثِّقَاتِ] (¬5) خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ إِلَى أَنْ تَتَّصِلَ الرِّوَايَةُ بِأَحَدِ الْمَعْصُومِينَ ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَالنَّقْلُ عَنِ الْمَعْصُومِ الْوَاحِدِ يُغْنِي [عَنْ] (¬6) غَيْرِهِ، فَلَا حَاجَةَ فِي كُلِّ زَمَانٍ إِلَى مَعْصُومٍ. وَأَيْضًا، فَإِذَا كَانَ النَّقْلُ مَوْجُودًا، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا الْمُنْتَظَرِ الَّذِي لَا يُنْقَلُ عَنْهُ شَيْءٌ؟ إِنْ كَانَ النَّقْلُ عَنْ أُولَئِكَ كَافِيًا فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا لَمْ يَكُنْ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ كَافِيًا لِلْمُقْتَدَى بِهِمْ. وَيُقَالُ ثَانِيًا: مَتَى ثَبَتَ (¬7) النَّقْلُ عَنْ (¬8) أَحَدِ هَؤُلَاءِ كَانَ غَايَتُهُ (¬9) أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ حُكْمُ أَمْثَالِهِ. ¬

(¬1) أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ (الْجَوَادُ) بْنُ عَلِيٍّ (الرِّضَا) ، وُلِدَ سَنَةَ 195 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 320 كَانَ رَفِيعَ الْقَدْرِ ذَكِيًّا. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/315 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 1/380 - 381 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/48 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 3/54 - 55. وَسَيَتَكَلَّمُ عَنْهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ 2/127 - 128 (ب) (¬2) حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ; وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/144 (ت [0 - 9] ) (¬3) ب، ا: حَمَّادَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بْنُ دِينَارٍ الْبَصْرِيُّ، أَبُو سَلَمَةَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمُفْتِي الْبَصْرَةِ النَّحْوِيُّ الْمُحَدِّثُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 167 وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/202 - 203 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/11 - 16 ; مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/277 - 279 ; الْأَعْلَامِ 2 (¬4) الْكَلَامُ التَّالِي سَبَقَ وُرُودُهُ فِي (ك) 1/83 (م) ، وَفِيمَا سَبَقَ 2/99. (¬5) جُمْلَةُ " عَنِ الثِّقَاتِ " سَاقِطَةٌ مِنَ النُّسَخِ الْخَمْسَةِ، وَجَاءَتْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ. (¬6) عَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) ب: مَتَى يَثْبُتُ ; أ: حَتَّى يَثْبُتَ. (¬8) ع: عِنْدَ. (¬9) ن، م: عَلَيْهِ.

وَيُقَالُ ثَالِثًا: الْكَذِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي الرَّافِضَةِ أَعْظَمُ الْأُمُورِ، لَاسِيَّمَا عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، فَإِنَّهُ مَا كُذِبَ عَلَى أَحَدٍ مَا (¬1) كُذِبَ عَلَيْهِ، حَتَّى نَسَبُوا إِلَيْهِ كِتَابَ " الْجَفْرِ " وَ " الْبِطَاقَةِ " [وَ " الْهَفْتِ "] (¬2) وَ " اخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ " [وَ " جَدْوَلِ الْهِلَالِ "] (¬3) وَ " أَحْكَامِ الرُّعُودِ (¬4) وَالْبُرُوقِ " وَ " مَنَافِعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ " (¬5) [وَ " قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَنَامِ "] (¬6) . ¬

(¬1) م: مِثْلَمَا. (¬2) وَالْهَفْتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) وَجَدْوَلِ الْهِلَالِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ن: الْوُعُودِ. (¬5) وَمَنَافِعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَنَامِ: فِي (ع) فَقَطْ. وَقَدْ نُسِبَتْ إِلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عِدَّةُ كُتُبٍ مَوْضُوعُهَا الْعُلُومُ الْبَاطِنِيَّةُ الْخَفِيَّةُ الَّتِي يَزْعُمُ الشِّيعَةُ أَنَّ أَئِمَّتَهُمُ اخْتَصُّوا بِهَا، وَمِنْ أَشْهَرِ هَذِهِ الْكُتُبِ كِتَابُ " الْجَفْرِ " وَقَدْ نُسِبَ أَحْيَانًا إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (انْظُرْ بُرُوكِلْمَانْ 1/182 حَيْثُ يَتَكَلَّمُ عَنْ كِتَابٍ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعُنْوَانِ " الْجَفْرِ، تَنَبُّؤًا بِالْأَحْدَاثِ إِلَى نِهَايَةِ الْعَالَمِ ") . وَنُسِبَ أَحْيَانًا أُخْرَى إِلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ (انْظُرْ بُرُوكِلْمَانْ 1/260، وَيَذْكُرُ بُرُوكِلْمَانْ أَيْضًا فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ أَنَّ مِنْ كُتُبِهِ كِتَابَ " اخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ " وَكِتَابَ " مَنَافِعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ ") . وَيَذْكُرُ ابْنُ خَلْدُونَ فِي مُقَدِّمَتِهِ 2/766 - 767 (ط. عَلِي عَبْد الْوَاحِد وَافِي، 1378/1958) أَنَّ كِتَابَ الْجَفْرِ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي تُبَيِّنُ مَا يَطْرَأُ عَلَى الدُّوَلِ مِنْ أَحْدَاثٍ عَنْ طَرِيقِ الْآثَارِ وَالنُّجُومِ، وَيَقُولُ: إِنَّ هَارُونَ بْنَ سَعِيدٍ الْعِجْلِيَّ رَوَى هَذَا الْكِتَابَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَفِيهِ عِلْمُ مَا سَيَقَعُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى الْعُمُومِ وَلِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ مِنْهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ، وَكَانَ مَكْتُوبًا عِنْدَ جَعْفَرٍ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ صَغِيرٍ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ هَارُونُ بَاسِمِ الْجِلْدِ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِيهِ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ وَمَا فِي بَاطِنِهِ مِنْ غَرَائِبِ الْمَعَانِي الْمَرْوِيَّةِ عَنْ جَعْفَرٍ. عَلَى أَنَّ ابْنَ خَلْدُونَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: " وَهَذَا الْكِتَابُ لَمْ تَتَّصِلْ رِوَايَتُهُ وَلَا عُرِفَ عَيْنُهُ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْهُ شَوَاذُّ مِنَ الْكَلِمَاتِ لَا يَصْحَبُهَا دَلِيلٌ ". وَيَنْقُلُ الْأُسْتَاذُ الشَّيْخُ مُحَمَّد أَبُو زَهْرَةَ فِي كِتَابِهِ: الْإِمَامِ الصَّادِقِ، ص [0 - 9] 4 (ط. دَارِ الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ) عَنْ كِتَابِ " الْكَافِي " لِلْكُلَيْنِيِّ " أَنَّ الْجَفْرَ فِيهِ تَوْرَاةُ مُوسَى وَإِنْجِيلُ عِيسَى وَعُلُومُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ، وَمَنْ مَضَى مِنْ عُلَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَعِلْمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. ثُمَّ يَذْكُرُ أَنَّ الْجَفْرَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا كُتِبَ عَلَى إِهَابِ مَاعِزٍ، وَالْآخَرُ كُتِبَ عَلَى إِهَابِ كَبْشٍ ". وَانْظُرِ: الْكَافِي لِلْكُلَيْنِيِّ 1/238 - 242، ط. طَهْرَانَ، 1381. وَانْظُرْ عَنِ الْجَفْرِ وَسَائِرِ كُتُبِ الشِّيعَةِ الْبَاطِنِيَّةِ: دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ " الْجَفْرِ " بِقَلَمِ مَاكْدُونَالْد، مَادَّةَ " جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ " بِقَلَمِ سترشتين ; جُولْدتسيهر: الْعَقِيدَةَ وَالشَّرِيعَةَ فِي الْإِسْلَامِ (الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ) ، ص 211 - 212 - 371 - 372 ; مُحَمَّد أَبُو زَهْرَةَ: الْإِمَامُ الصَّادِقُ، ص [0 - 9] 3 - 37. وَقَارِنِ: التَّهَانَوِيَّ: كَشَّافُ اصْطِلَاحَاتِ الْفُنُونِ، مَادَّةُ " الْجَفْرِ ".

[وَمَا يُذْكَرُ عَنْهُ مِنْ " حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ " (¬1) الَّتِي ذَكَرَ كَثِيرًا مِنْهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ] (¬2) وَصَارَتْ هَذِهِ مَكَاسِبَ لِلطُّرُقِيَّةِ (¬3) وَأَمْثَالِهِمْ، حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ كِتَابَ (¬4) " رَسَائِلِ إِخْوَانِ الصَّفَا " مِنْ كَلَامِهِ، مَعَ عِلْمِ كُلِّ عَاقِلٍ يَفْهَمُهَا وَيَعْرِفُ الْإِسْلَامَ (¬5) أَنَّهَا تُنَاقِضُ دِينَ الْإِسْلَامِ. وَأَيْضًا، فَهِيَ إِنَّمَا صُنِّفَتْ بَعْدَ مَوْتِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (¬6) بِنَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ (¬7) ، فَإِنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَهَذِهِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : التَّعْسِيرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 325 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 412. قَالَ الذَّهَبِيُّ: " شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ وَصَاحِبُ تَارِيخِهِمْ وَطَبَقَاتِهِمْ وَتَفْسِيرِهِمْ. قِيلَ: كَانَ يَضَعُ الْأَحَادِيثَ لِلصُّوفِيَّةِ "، وَتُوجِدُ مِنْ كِتَابِهِ ذ " حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ " أَكْثَرُ مِنْ نُسْخَةٍ خَطِّيَّةٍ. انْظُرْ: مُقَدِّمَةَ نُورِ الدِّينِ شُرَيْبَةَ لِكِتَابِ " طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ " لِلسُّلَمِيِّ (ط. الْمِنْيَاوِيِّ، 1372/1953) ; مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 3/46 - 47 ; تَارِيخَ بَغْدَادَ 2/248 - 249 ; اللُّبَابَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 1/554 ; لِسَانَ الْمِيزَانِ 5/140 - 141 ; الْأَعْلَامَ 6/330. (¬3) ن، م: مَكَاسِبَ الطُّرُفِيَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن: كَانَتْ، م: كَاتَبَ. (¬5) ب، ا: الْمُسْلِمَ. (¬6) ب (فَقَطْ) : جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬7) ب، ا: مِائَةِ سَنَةٍ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وُضِعَتْ (¬1) فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ لَمَّا ظَهَرَتِ الدَّوْلَةُ الْعُبَيْدِيَّةُ بِمِصْرَ وَبَنَوُا الْقَاهِرَةَ، فَصُنِّفَتْ عَلَى مَذْهَبِ أُولَئِكَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهَا مَا جَرَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنِ اسْتِيلَاءِ النَّصَارَى عَلَى سَوَاحِلِ الشَّامِ، وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ، [وَقَدْ عُرِفَ الَّذِينَ صَنَّفُوهَا مِثْلُ زَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ (¬2) بْنِ مَعْشَرٍ الْبُسْتِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْمَقْدِسِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ هَارُونَ الزِّنْجَانِيِّ (¬3) وَأَبِي أَحْمَدَ النَّهْرَجُورِيِّ (¬4) وَالْعَوْفِيِّ. وَلِأَبِي الْفُتُوحِ الْمُعَافَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ الْجَرِيرِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ " الْجَلِيسِ وَالْأَنِيسِ " (¬5) مُنَاظَرَةٌ مَعَهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيدِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِمْتَاعِ وَالْمُؤَانَسَةِ " (¬6) ] (¬7) . ¬

(¬1) ب: وَهِيَ صُنِّفَتْ ; أ: وَصُنِّفَتْ. (¬2) فِي الْأَصْلِ (ع) : ابْنِ سُلَيْمَانَ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقِفْطِيُّ فِي كِتَابِهِ " تَارِيخِ الْحُكَمَاءِ "، ص 83 (ط. ليبزج، 1903) نَقْلًا عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّوْحِيدِيِّ (انْظُرِ: الْإِمْتَاعَ وَالْمُؤَانَسَةَ 2/4، ط. لَجْنَةِ التَّأْلِيفِ، 1942 ; الْمُقَابَسَاتِ، ص [0 - 9] 6، تَحْقِيقَ السَّنْدُوبِيِّ، الْقَاهِرَةَ، 1347/1929) . (¬3) فِي الْأَصْلِ: الرَّيْحَانِيِّ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي " تَارِيخِ الْحُكَمَاءِ " نَفْسِ الصَّفْحَةِ ; الْمُقَابَسَاتِ، نَفْسِ الصَّفْحَةِ ; الْإِمْتَاعِ 2/5. (¬4) فِي " دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ " مَادَّةَ: إِخْوَانِ الصَّفَا: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ النَّهْرَجُورِيُّ ; " الْإِمْتَاعِ " وَ " الْمُقَابَسَاتِ ": " أَبُو أَحْمَدَ الْمِهْرَجَانِيُّ ". (¬5) تَكَلَّمَ الدُّكْتُورُ أَلْبِرْت دِيتْرِيش عَنْ كِتَابِ " الْجَلِيسِ وَالْأَنِيسِ " وَعَنْ مُؤَلِّفِهِ الْمُعَافَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ بْنِ يَحْيَى الْجَرِيرِيِّ النَّهْرَوَانِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 390 فِي مَجَلَّةِ الْمَجْمَعِ الْعِلْمِيِّ الْعَرَبِيِّ بِدِمَشْقَ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 80 - 394 (وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ الْمُعَافَى فِي: إِنْبَاهِ الرُّوَاةِ 3/296 - 297 ; الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 36 ; بُغْيَةِ الْوُعَاةِ، (ص 394 - 395) . ص 394 - 395) . (¬6) انْظُرِ: الْإِمْتَاعَ 2/3 - 18 ; الْمُقَابَسَاتِ، ص [0 - 9] 5 - 51. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ وَقَدْ نَقَلَ مُسْتَجِي زَادَهْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ إِلَى كَلِمَةِ " الْعَوْفِيِّ " ثُمَّ كَتَبَ مَا يَلِي: " وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ " التَّبْيِينِ " لِلْجَاحِظِ يَذْكُرُ مُصَنَّفَاتِ سَهْلِ بْنِ مَرْوَانَ كَاتِبِ حَسَنِ بْنِ سَهْلٍ وَيَذْكُرُ مِنْهَا كِتَابَ " إِخْوَانِ الصَّفَا " وَلَعَلَّ الْكِتَابَ الْمَشْهُورَ الْيَوْمَ بَيْنَ النَّاسِ بِإِخْوَانِ الصَّفَا الْمُؤَلَّفَ بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ مَأْخُوذٌ مِنْهُ، وَكَأَنَّ أَشْيَاعَ الْفَاطِمِيِّينَ - مُؤَلِّفِي هَذَا الْكِتَابِ - زَادُوا وَنَقَصُوا فِي تَأْلِيفِ سَهْلِ بْنِ هَارُونَ وَأُبْقِيَ اسْمُهُ الْقَدِيمُ عَلَيْهِ: وَكَانَ سَهْلٌ هَذَا مِنَ الْمُتَفَلْسِفِينَ، عَرَّبَ كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْ كُتُبِ الْفَلَاسِفَةِ ". وَقَدْ ذَكَرَ الْجَاحِظُ فِي " الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ " 1/52 مِنْ كُتُبِ سَهْلِ بْنِ هَارُونَ بْنِ رَاهَبُونِي (الْكَاتِبِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 215، وَانْظُرِ الْأَعْلَامَ) كِتَابَ " الْإِخْوَانِ " وَذَكَرَهُ ابْنُ النَّدِيمِ فِي الْفِهْرِسْتِ (ص 174) بِعُنْوَانِ: " كِتَابِ إسباسيوس فِي اتِّحَادِ الْإِخْوَانِ ".

وَفِي الْجُمْلَةِ: فَمَنْ جَرَّبَ الرَّافِضَةَ فِي كِتَابِهِمْ وَخِطَابِهِمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مِنْ أَكْذَبِ خَلْقِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَثِقُ الْقَلْبُ بِنَقْلِ مَنْ كَثُرَ مِنْهُمُ الْكَذِبُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ صِدْقَ النَّاقِلِ؟ وَقَدْ تَعَدَّى شَرُّهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ حَتَّى كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَوَقَّوْنَ (¬1) أَحَادِيثَهُمْ، وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: نَزِّلُوا أَحَادِيثَ [أَهْلِ] (¬2) الْعِرَاقِ مَنْزِلَةَ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ: لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ (¬3) . وَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَن مَهْدِيٍّ (¬4) : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْنَا فِي بَلَدِكُمْ ¬

(¬1) ن، م: يُرِيقُونَ. (¬2) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) عَلَى كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ: " لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَحَادِيثِ لَيْسَتْ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ لِأَنَّ فِيهِمْ مِثْلَ مَالِكٍ بَلْ أَعْلَى كَعْبًا مِنْهُمْ فِي التَّوْثِيقِ، بَلِ الْمُرَادُ الْأَخْبَارُ الْمُلَفَّقَةُ (كَذَا قَرَأْتُهَا وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ) لَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِمُ التَّشَيُّعُ، وَهُمْ أَكْذَبُ النَّاسِ (وَلِذَا) كَانَ صِدْقُ غَالِبِهِمْ مُشَكَّكًا ". (¬4) ن، م: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَكُنْيَةُ كُلٍّ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ هِيَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ جَاءَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ مَالِكٍ: وَسِيَاقُ الْجُمْلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِوَارَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ. وَابْنُ مَهْدِيٍّ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ الْبَصْرِيُّ اللُّؤْلُؤِيُّ، الْحَافِظُ الْإِمَامُ، وُلِدَ سَنَةَ 135 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 198. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/279 - 281 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/329 - 332 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 10/240 - 248 ; الْأَعْلَامِ 4/115.

أَرْبَعَمِائَةَ حَدِيثٍ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَنَحْنُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ نَسْمَعُ هَذَا كُلَّهُ! فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ (¬1) ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا دَارُ الضَّرْبِ؟ أَنْتُمْ عِنْدَكُمْ دَارُ الضَّرْبِ تَضْرِبُونَ بِاللَّيْلِ وَتُنْفِقُونَ (¬2) بِالنَّهَارِ. وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ (¬3) كَانَ فِي الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الثِّقَاتِ (¬4) الْأَكَابِرِ كَثِيرٌ، لَكِنْ لِكَثْرَةِ (¬5) الْكَذِبِ الَّذِي كَانَ أَكْثَرُهُ (¬6) فِي الشِّيعَةِ صَارَ الْأَمْرُ يَشْتَبِهُ عَلَى مَنْ لَا يَمِيزُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ الْغَرِيبِ إِذَا دَخَلَ بَلَدًا (¬7) نِصْفُ أَهْلِهِ كَذَّابُونَ خَوَّانُونَ فَإِنَّهُ يَحْتَرِسُ مِنْهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الصَّدُوقَ الثِّقَةَ، وَبِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَثُرَ فِيهَا الْغِشُّ فَإِنَّهُ (¬8) يَحْتَرِسُ عَنِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا مَنْ لَا يَكُونُ نَقَّادًا (¬9) ، وَلِهَذَا كُرِهَ لِمَنْ لَا يَكُونُ لَهُ نَقْدٌ وَتَمْيِيزٌ النَّظَرُ فِي الْكُتُبِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الْكَذِبُ فِي الرِّوَايَةِ وَالضَّلَالِ فِي الْآرَاءِ كَكُتُبِ أَهْلِ (¬10) الْبِدَعِ، وَكُرِهَ تَلَقِّي الْعِلْمِ مِنَ الْقُصَّاصِ وَأَمْثَالِهِمُ الَّذِينَ يَكْثُرُ الْكَذِبُ فِي كَلَامِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ صِدْقًا كَثِيرًا. فَالرَّافِضَةُ أَكْذَبُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَحْوَالِ الرِّجَالِ. ¬

(¬1) ع، ا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. (¬2) ن، م: وَتَبِيعُونَ. (¬3) ب، ا، ن، م: وَمَعَ هَذَا أَنَّهُ. (¬4) ن: الِالْتِفَاتِ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب: وَمِنْ كَثْرَةِ ; أ: مِنْ كَثْرَةِ. (¬6) ن، م: الَّذِي أَكْثَرُهُ كَانَ. (¬7) ب، ا، ن، م: إِلَى بَلَدٍ. (¬8) ب: وَأَنَّ ; أ: وَأَنَّهُ. (¬9) ع: نَاقِدًا. (¬10) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

الرد على قوله ولم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد وحرموا الأخذ بالقياس والاستحسان

[الرد على قوله وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَحَرَّمُوا الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ] فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) : " وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ، وَحَرَّمُوا الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ". فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشِّيعَةَ فِي هَذَا مِثْلُ غَيْرِهِمْ، فَفِي أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ كَمَا فِي الشِّيعَةِ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ، فَالزَّيْدِيَّةُ تَقُولُ بِذَلِكَ وَتَرْوِي فِيهِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الْأَئِمَّةِ (¬2) . الثَّانِي: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ - الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ - لَا تَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ قَالَ بِالْقِيَاسِ، بَلِ الْمُعْتَزِلَةُ الْبَغْدَادِيُّونَ لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ (¬3) ، ¬

(¬1) الْكَلَامُ التَّالِي سَبَقَ وُرُودُهُ فِي (ك) 1/83 (م) . وَهُوَ آخِرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ " مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ "، وَسَبَقَ وُرُودُهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 9. وَقَدْ تَنَاوَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الرَّدَّ عَلَى جُزْءٍ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فِي الصَّفَحَاتِ 102 - 288، ثُمَّ رَدَّ عَلَى سَائِرِ الْأَجْزَاءِ فِي الصَّفَحَاتِ 288 إِلَى هَذِهِ الصَّفْحَةِ حَيْثُ يَرُدُّ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَيَنْتَهِي رَدُّهُ ص [0 - 9] 81. (¬2) يَقُولُ الزَّيْدِيَّةُ بِالْقِيَاسِ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ، وَيَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 1/141 أَنَّ الزَّيْدِيَّةَ يَنْقَسِمُونَ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ إِلَى فِرْقَتَيْنِ: الْأُولَى تُجِيزُ هَذَا الِاجْتِهَادَ فِي الْأَحْكَامِ وَالثَّانِيَةِ تُنْكِرُهُ. وَانْظُرْ عَنْ قَوْلِ الزَّيْدِيَّةِ بِالْقِيَاسِ كِتَابَ " الْإِمَامِ زَيْدٍ " لِلشَّيْخِ مُحَمَّد أَبِي زَهْرَةَ، ص [0 - 9] 22 وَمَا بَعْدَهَا (ط. دَارِ الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ، 1378/1959) . (¬3) قَالَ الْآمِدِيُّ فِي " الْإِحْكَامِ فِي أُصُولِ الْأَحْكَامِ " 4/6 (ط. دَارِ الْكُتُبِ، 1332/1914) : " وَقَالَتِ الشِّيعَةُ وَالنَّظَّامُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ كَيَحْيَى الْإِسْكَافِيِّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُبَشِّرٍ وَجَعْفَرِ بْنِ حَرْبٍ بِإِحَالَةِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِهِ (الْقِيَاسِ) عَقْلًا، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَأْخَذِ الْإِحَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ " وَانْظُرِ: الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 7، 101 ; أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص [0 - 9] 9 - 20 ; عِيسَى مَنُونَ: نِبْرَاسَ الْعُقُولِ فِي تَحْقِيقِ الْقِيَاسِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ (ط. الْمُنِيرِيَّةِ) 1/57 - 62 ; صِدِّيق حَسَن خَان: حُصُولَ الْمَأْمُولِ (ط. اسْتَانْبُولَ، 1926) ، ص 159.

(* وَالْفُقَهَاءُ أَهْلُ الظَّاهِرِ كَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ وَأَتْبَاعِهِ (¬1) ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (¬2) وَالصُّوفِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ *) (¬3) . وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ بَاطِلًا أَمْكَنَ الدُّخُولُ فِي [السُّنَّةِ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا أَمْكَنَ الدُّخُولُ فِي] (¬4) أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَخْذُ بِالْقِيَاسِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ خَيْرٌ مِنَ الْأَخْذِ بِمَا يَنْقُلُهُ مَنْ يُعْرَفُ بِكَثْرَةِ الْكَذِبِ عَمَّنْ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ نَقْلَ غَيْرِ مُصَدِّقٍ (¬5) عَنْ قَائِلٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ، وَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ رُجُوعَ مِثْلِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ (¬6) وَابْنِ الْمَاجِشُونِ (¬7) (¬8) وَالْأَوْزَاعِيِّ (¬9) ¬

(¬1) قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ بِإِنْكَارِ الْقِيَاسِ، وَأَشْهَرُ مَنْ يُمَثِّلُهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَقَدْ أَفْرَدَ رِسَالَةً لِهَذَا الْمَوْضُوعِ عُنْوَانُهَا " مُلَخَّصُ إِبْطَالِ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّعْلِيلِ " نَشَرَهَا الْأُسْتَاذُ سَعِيد الْأَفْغَانِيُّ، دِمَشْقَ 1379/1960 ; كَمَا تَنَاوَلَ الْمَوْضُوعَ بِالتَّفْصِيلِ فِي كِتَابِهِ " الْإِحْكَامِ فِي أُصُولِ الْأَحْكَامِ ". (¬2) ن، م: أَهْلِ الْحَدِيثِ: وَتَنُصُّ الْمَرَاجِعُ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ (ت [0 - 9] ) عَلَى إِنْكَارِ الشِّيعَةِ لِلْقِيَاسِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا الْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى "، ص [0 - 9] 62 (ط. مُصْطَفَى مُحَمَّد، 1356/1937) . وَانْظُرِ الْإِمَامَ الصَّادِقَ، لِأَبِي زَهْرَةَ، ص [0 - 9] 15 وَمَا بَعْدَهَا. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ن، م: غَيْرِ صِدْقٍ. (¬6) أَبُو الْحَارِثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ، تَابِعِيٌّ قَالَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: " كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مَالِكٍ إِلَّا أَنْ مَالِكًا كَانَ أَشَدَّ تَنْقِيَةً لِلرِّجَالِ مِنْهُ ". وَوُلِدَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ سَنَةَ 80 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 158 أَوْ 159. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/191 - 193 ; تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 6 - 87 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/323 ; الْأَعْلَامِ 7/61. (¬7) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَاجِشُونُ، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2 وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ (¬8) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/461. (¬9) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/461.

وَالثَّوْرِيِّ سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2. وَابْنِ أَبِي لَيْلَى (¬1) وَشَرِيكٍ (¬2) وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (¬3) وَمُحَمَّدِ [بْنِ الْحَسَنِ] (¬4) وَزُفَرَ (¬5) وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ (¬6) وَالشَّافِعِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ (¬7) وَالْمُزَنِيِّ (¬8) وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ [وَإِسْحَاقَ بْنِ ¬

(¬1) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ، الْفَقِيهُ الْمُقْرِئُ مُفْتِي الْكُوفَةِ وَقَاضِيهَا، وُلِدَ سَنَةَ 74 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 148. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/358 ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/171 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/319 - 320 ; الْأَعْلَامِ 7/60 - 61. (¬2) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ. وُلِدَ سَنَةَ 95 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 177. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/232 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/378 - 379 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/169 - 171 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 1/270 ; الْأَعْلَامِ 3/239. (¬3) أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وُلِدَ سَنَةَ 113 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 182. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 5/421 - 432 ; تَاجِ التَّرَاجِمِ لِابْنِ قُطْلُوبُغَا، ص [0 - 9] 1 ; الْأَعْلَامِ 9/252. (¬4) بْنِ الْحَسَنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/144. (¬5) زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ بْنِ قَيْسِ الْعَنْبَرِيُّ، صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وُلِّيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ. وُلِدَ سَنَةَ 110 وَمَاتَ سَنَةَ 158. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/387 ; تَاجِ التَّرَاجِمِ لِابْنِ قُطْلُوبُغَا، ص [0 - 9] 8 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 1/229 ; الْأَعْلَامِ 3/78. (¬6) ب، ا: وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَاللُّؤْلُؤِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ الْكُوفِيُّ، الْقَاضِي الْفَقِيهُ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 204. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَاجِ التَّرَاجِمِ، ص [0 - 9] 2 ; مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/228 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 7/314 - 317 ; الْأَعْلَامِ 2/205. (¬7) يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ، أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ، صَاحِبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 231. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 6/60 - 62 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ، الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 1/411 ; الْأَعْلَامِ 9/338. (¬8) أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمُزَنِيُّ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ، وُلِدَ سَنَةَ 175 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 264. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/196 - 197 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 2/93 - 109 ; الْعِبَرِ الذَّهَبِيِّ 2/28 ; الْأَعْلَامِ 1/327.

رَاهَوَيْهِ] (¬1) وَأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ (¬2) وَالْأَثْرَمِ (¬3) وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ (¬4) . وَالْبُخَارِيِّ وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ (¬5) وَأَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ (¬6) وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ (¬7) وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ (¬8) وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ وَاعْتِبَارِهِمْ مِثْلَ أَنْ يَعْلَمُوا سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةَ عَنْهُ وَيَجْتَهِدُوا فِي تَحْقِيقِ مَنَاطِ الْأَحْكَامِ وَتَنْقِيحِهَا وَتَخْرِيجِهَا - خَيْرٌ لَهُمْ (¬9) مِنْ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِنَقْلِ الرَّوَافِضِ عَنِ الْعَسْكَرِيَّيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَأَعْلَمُ بِدِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنَ الْعَسْكَرِيَّيْنِ (¬10) أَنْفُسِهِمَا، فَلَوْ أَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِفُتْيَا ¬

(¬1) إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ: فِي (ع) فَقَطْ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/462. (¬2) ع: أَبُو أَيُّوبَ السِّجِسْتَانِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَأَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَتِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرٍ الْأَزْدِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ، صَاحِبُ السُّنَنِ، وُلِدَ سَنَةَ 202 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 275. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/591 - 593 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/138 - 140 ; طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/159 - 163 ; الْأَعْلَامِ 3/182. (¬3) أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ، أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ. سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/364. (¬4) إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرٍ، أَبُو إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ الْحَافِظُ، تَفَقَّهَ عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وُلِدَ سَنَةَ 198 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 285. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/584 - 586 ; طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/86 - 93 ; فَوَاتِ الْوَفَيَاتِ 1/5 - 7 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 2 ; الْأَعْلَامِ 1/24 - 25 (¬5) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/423، 2/364. (¬6) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ. سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/365. (¬7) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/122. (¬8) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/104. (¬9) ع: خَيْرًا لَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهَا خَبَرٌ لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ: وَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ رُجُوعَ مِثْلِ مَالِكٍ. . . إِلَخْ (ص 470) . (¬10) هُمَا: أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ (الْهَادِي) بْنُ مُحَمَّدٍ (الْجَوَادِ) ، وَابْنُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ (الْخَالِصُ) ابْنُ عَلِيٍّ (الْهَادِي) ، وَعُرِفَا بِالْعَسْكَرِيَّيْنِ نِسْبَةً إِلَى مَدِينَةِ الْعَسْكَرِ (سَامَرَّاءَ) . وُلِدَ عَلِيٌّ الْهَادِي سَنَةَ 214 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 254. قَالَ الذَّهَبِيُّ عَنْهُ: " كَانَ فَقِيهًا إِمَامًا مُتَعَبِّدًا اسْتَفْتَاهُ الْمُتَوَكِّلُ مَرَّةً وَوَصَلَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَارٍ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/434 - 435 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 1/6 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 12/56 ; تَارِيخِ الْيَعْقُوبِيِّ 2/484، 503، الْأَعْلَامِ 5/140. وَسَيَتَكَلَّمُ عَنْهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا بَعْدُ 2/129 - 131 (ب) . وَأَمَّا الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيُّ الْخَالِصُ فَقَدْ وُلِدَ سَنَةَ 232 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 260. قَالَ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ: " ضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/372 - 373 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 2/240 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 2/20 ; الْأَعْلَامِ 2/215 - 216. وَسَيَتَكَلَّمُ عَنْهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا بَعْدُ 2/131 (ب) .

كَانَ رُجُوعُهُ [إِلَى اجْتِهَادِهِ أَوْلَى مِنْ رُجُوعِهِ] (¬1) إِلَى فُتْيَا أَحَدِهِمَا، بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ [ذَلِكَ] (¬2) نَقْلًا عَنْهُمَا مِنْ مِثْلِ الرَّافِضَةِ؟ ! وَالْوَاجِبُ عَلَى مِثْلِ الْعَسْكَرِيَّيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَأَبَا جَعْفَرٍ [مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ] (¬3) جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (¬4) كَانُوا هُمُ الْعُلَمَاءَ الْفُضَلَاءَ، وَأَنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ [مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ] (¬5) لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا عُرِفَ مِنْ (¬6) هَؤُلَاءِ، وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا يَتَعَلَّمُونَ مِنْ عُلَمَاءِ زَمَانِهِمْ وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ [حَتَّى قَالَ أَبُو عِمْرَانَ بْنُ الْأَشْيَبِ (¬7) الْقَاضِي الْبَغْدَادِيُّ: أَخْبَرَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّهُ ذَكَرَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬8) جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (¬9) وَأَنَّهُ تَعَلَّمَ الْعُلُومَ، فَقَالَ رَبِيعَةُ: إِنَّهُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ن، م: وَابْنَا جَعْفَرٍ وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ. (¬6) ب (فَقَطْ) : عَنْ. (¬7) أَبُو عِمْرَانَ بْنُ الْأَشْيَبِ: كَذَا هِيَ فِي (ع) بِدُونِ نَقْطٍ وَلَمْ أَعْرِفْ مَنْ يَكُونُ. (¬8) أَبُو عُثْمَانَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرُّوخٍ وَيُعْرَفُ بِرَبِيعَةِ الرَّأْيِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: كَانَ إِمَامًا حَافِظًا فَقِيهًا مُجْتَهِدًا بَصِيرًا بِالرَّأْيِ. وَقَدْ تُوُفِّيَ رَبِيعَةُ سَنَةَ 136. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/157 - 158 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 75 ; تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 89 - 190 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2 - 52 ; الْأَعْلَامِ 3/42. (¬9) فِي الْأَصْلِ (ع) : ابْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالْمَقْصُودُ جَعْفَرٌ (الصَّادِقُ) بْنُ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُوسَى (الْكَاظِمَ) بْنَ جَعْفَرٍ (الصَّادِقِ) لِأَنَّ مُوسَى وُلِدَ سَنَةَ 128 قَبْلَ وَفَاةِ رَبِيعَةَ بِثَمَانِ سِنِينَ.

اشْتَرَى حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَبَعَثَ إِلَيَّ حَتَّى أَكْتُبَ لَهُ شَرْطًا فِي ابْتِيَاعِهِ. نَقَلَهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ الْبُخَارِيُّ (¬1) فِي كِتَابِ " إِثْبَاتِ إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ "] (¬2) . فَأَمَّا تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَنْ يَنُصَّ اللَّهُ عَلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِمَعْنًى عَامٍّ كُلِّيٍّ، فَيُنْظَرُ فِي ثُبُوتِهِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ (¬3) [أَوْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْعَامِّ] (¬4) ، كَمَا نَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ وَعَلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ (¬5) [وَعَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَعَلَى حُكْمِ الْيَمِينِ (6 وَعَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ 6) (¬6) وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيُنْظَرُ فِي الشَّرَابِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ: هَلْ هُوَ مِنَ الْخَمْرِ أَمْ لَا [كَالنَّبِيذِ الْمُسْكِرِ] (¬7) ، وَفِي اللَّعِبِ (¬8) الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ هَلْ هُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ أَمْ لَا؟ وَفِي الْيَمِينِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا كَالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَصَدَقَةِ الْمَالِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَرَامِ وَالظِّهَارِ: هَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَيْمَانِ فَتُكَفَّرُ، أَمْ فِي الْعُقُودِ الْمَحْلُوفِ بِهَا فَيَلْزَمُ مَا حَلَفَ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ الْبُخَارِيُّ: كَذَا بِدُونِ إِعْجَامِ زَنْجَوَيْهِ، وَلَمْ أَعْرِفْ مَنْ يَكُونُ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ وَفِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ كُتِبَتْ بَدَلًا مِنْهُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ " حَتَّى قَالَ رَبِيعَةُ ". (¬3) ن: عَامٌّ فِي فَنَظَرَ فِي ثُبُوتِهِ فِي أَحْسَاءِ الصُّوَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ع: وَأَنْوَاعِ ذَلِكَ الْعَامِّ. وَسَقَطَتِ الْعِبَارَةُ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ع: الْقِبْلَةِ. وَسَقَطَ مَا بَعْدَ كَلِمَةِ " الْكَعْبَةِ " فِي (ن) ، (م) حَتَّى كَلِمَةِ " الرَّابِعُ " (¬6) (6 - 6) : فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) عِبَارَةُ " كَالنَّبِيذِ الْمُسْكِرِ " فِي (ع) فَقَطْ. (¬8) ب، ا: الْفِعْلِ.

بِهِ؟ (¬1) أَمْ لَا يَدْخُلُ لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِحَالٍ؟ (¬2) كَمَا يُنْظَرُ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ دَمٌ أَوْ مَيْتَةٌ أَوْ لَحْمُ خِنْزِيرٍ مِنَ (¬3) الْمَاءِ وَالْمَائِعَاتِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ وَلَا طَعْمُهُ، بَلِ اسْتَهَلَّتِ النَّجَاسَاتُ فِيهِ وَاسْتَحَالَتْ، أَوْ رُفِعَتْ مِنْهُ وَاسْتَحَالَ فِيهِ مَا خَالَطَهُ مِنْ أَجْزَائِهَا، فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ: هَلْ يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْمَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، أَوْ فِي مُسَمَّى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ؟ وَأَمَّا تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ وَتَخْرِيجُهُ فَفِيهِمَا نِزَاعٌ. وَهَذَا الْإِمَامِيُّ لَمْ يَذْكُرْ أَصْلًا حُجَّةً عَلَى بُطْلَانِ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ لِيَرُدَّ ذَلِكَ، بَلْ ذَكَرَ أَنَّ طَائِفَتَهُ لَا تَقُولُ بِذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِمْ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِخْرَاجِ، وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا فِي الشَّرِيعَةِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَعَانِي، وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَهُمْ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ وَأَحَادِيثِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُهَّالٌ أَيْضًا، فَهُمْ جُهَّالٌ بِأُصُولِ الشَّرْعِ: الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، بِمَنْصُوصِ ذَلِكَ وَمُسْتَنْبَطِهِ. وَإِنَّمَا عُمْدَتُهُمْ عَلَى نَقْلٍ عَمَّنْ يُقَلِّدُونَهُ، وَهَذَا حَالُ الْجُهَّالِ الْمُقَلِّدِينَ لِآحَادِ الْعُلَمَاءِ الْمُسْتَدِلِّينَ، ثُمَّ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ يُقَلِّدُ الْعُلَمَاءَ - كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ - لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَقْوَالِ هَؤُلَاءِ، وَبِطُرُقٍ يُمَيِّزُونَ بِهَا بَيْنَ صَحِيحِ أَقْوَالِهِمْ وَضَعِيفِهَا وَمَعْرِفَةٍ بِأَدِلَّتِهِمْ وَمَآخِذِهِمْ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَا يَصِحُّ نَقْلُهُ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ وَمَا لَا يَصِحُّ، ¬

(¬1) ب، ا: بِهَا، وَبَعْدَهَا فِي النُّسْخَتَيْنِ تَكَرَّرَتْ عِبَارَةُ " أَمْ لَا " وَهُوَ سَهْوٌ مِنَ النُّسَّاخِ. (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ: بِحَالٍ " كَلَامٌ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) حَتَّى كَلِمَةِ " الرَّابِعُ ". (¬3) فِي الْأَصْلِ (ع) : مِنْ فِي.

وَلَا يَعْرِفُونَ أَدِلَّتَهُمْ وَمَآخِذَهُمْ، بَلْ هُمْ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ بِمَا يُقَلِّدُونَ فِيهِ، وَهُمْ يَعِيبُونَ هَؤُلَاءِ الْجُمْهُورَ بِالِاخْتِلَافِ، وَفِيمَا يَنْقُلُونَهُ عَمَّنْ يُقَلِّدُونَهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَفِيمَا لَا يَنْقُلُونَهُ عَمَّنْ يُقَلِّدُونَهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَا لَا يَكَادُ يُحْصَى] (¬1) . الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ مَا يَنْقُلُهُ الْفُقَهَاءُ عَنْ مِثْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ هُوَ أَصَحُّ مِمَّا يَنْقُلُهُ الرَّوَافِضُ عَنْ [مِثْلِ] (¬2) الْعَسْكَرِيَّيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوَادِ وَأَمْثَالِهِمْ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَعْلَمُ بِدِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أُولَئِكَ فَمَنْ عَدَلَ عَنْ نَقْلِ الْأَصْدَقِ عَنِ الْأَعْلَمِ إِلَى نَقْلِ الْأَكْذَبِ عَنِ الْمَرْجُوحِ كَانَ مُصَابًا فِي دِينِهِ أَوْ عَقْلِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا (¬3) . فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا حَكَاهُ عَنِ الْإِمَامِيَّةِ مُفَضِّلًا لَهُمْ بِهِ لَيْسَ فِيهِ (¬4) شَيْءٌ مِنْ خَصَائِصِهِمْ، إِلَّا الْقَوْلَ بِعِصْمَةِ الْأَئِمَّةِ [وَإِنَّمَا شَارَكَهُمْ فِيهِ (¬5) مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُمْ] (¬6) ، وَمَا سِوَاهُ حَقًّا كَانَ أَوْ بَاطِلًا فَغَيْرُهُمْ [مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْقَائِلِينَ بِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ] (¬7) يَقُولُ بِهِ، وَمَا اخْتَصَّتْ بِهِ الْإِمَامِيَّةُ (¬8) مِنْ عِصْمَةِ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَهُوَ أَفْسَدُ مِنِ اعْتِقَادِ كَثِيرٍ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَقَطَ أَكْثَرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ (أ) ، (ب) كَمَا بَيَّنْتُ مِنْ قَبْلُ وَفِي (ن) ، (أ) ، (ب) بَدَلًا مِنْهُ تُوجَدُ عِبَارَةُ " وَنَحْوُ ذَلِكَ ". (¬2) مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ع، م: فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ أَوْ كِلَاهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ع: فِي. (¬5) ب، ا: فَإِنَّمَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: الْأُمَّةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

مِنَ النُّسَّاكِ فِي شُيُوخِهِمْ أَنَّهُمْ مَحْفُوظُونَ، وَأَضْعَفُ مِنِ اعْتِقَادِ كَثِيرٍ مِنْ قُدَمَاءِ (¬1) الشَّامِيِّينَ [أَتْبَاعِ بَنِي أُمَيَّةَ] : (¬2) أَنَّ الْإِمَامَ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتَخْلَفَ إِمَامًا تَقَبَّلَ مِنْهُ الْحَسَنَاتِ وَتَجَاوَزَ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ، لِأَنَّ الْغُلَاةَ فِي الشُّيُوخِ، وَإِنَّ غَلَوْا فِي شَيْخٍ فَلَا يَقْصُرُونَ الْهُدَى عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُونَ اتِّبَاعَ غَيْرِهِ، [وَلَا يُكَفِّرُونَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِمَشْيَخَتِهِ] (¬3) ، وَلَا يَقُولُونَ فِيهِ مِنَ الْعِصْمَةِ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَنْ خَرَجَ (¬4) عَنِ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَذَاكَ فِي الْغُلَاةِ فِي الشُّيُوخِ: كَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ. فَبِكُلِّ حَالٍ الشَّرُّ فِيهِمْ أَكْثَرُ [مِنْ غَيْرِهِمْ] (¬5) ، وَالْغُلُوُّ فِيهِمْ أَعْظَمُ، وَشَرُّ غَيْرِهِمْ جُزْءٌ مِنْ شَرِّهِمْ. وَأَمَّا غَالِيَّةُ الشَّامِيِّينَ [أَتْبَاعِ بَنِي أُمَيَّةَ] (¬6) ، فَكَانُوا يَقُولُونَ (¬7) : [إِنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً تَقَبَّلَ مِنْهُ الْحَسَنَاتِ وَتَجَاوَزَ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنَّهُ لَا يُحَاسِبُهُ. (¬8) . ¬

(¬1) قُدَمَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) عِبَارَةُ " أَتْبَاعِ بَنِي أُمَيَّةَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب، ا: مَنْ يَخْرُجُ. (¬5) مِنْ غَيْرِهِمْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬6) أَتْبَاعِ بَنِي أُمَيَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) الْكَلَامُ بَعْدَ عِبَارَةِ " فَكَانُوا يَقُولُونَ " حَتَّى عِبَارَةِ " فَكَانُوا يَقُولُونَ ": سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) نَقَلَ مُسْتَجِي زَادَهْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ: " وَأَمَّا غَالِيَّةُ الشَّامِيِّينَ " إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ عَلَّقَ قَائِلًا: " قُلْتُ: وَقَدْ نَبَتَتْ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ يُقَالُ لَهُمُ: النَّاصِبَةُ وَدِينُهُمْ وَنِحْلَتُهُمْ بُغْضُ آلِ الرَّسُولِ وَالْقَدْحُ فِيهِمْ ".

وَلِهَذَا سَأَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُ (¬1) الْعُلَمَاءِ، فَقَالُوا لَهُ (¬2) : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ أَمْ دَاوُدُ، وَقَدْ قَالَ لَهُ: {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [سُورَةُ ص: 26] . وَكَذَلِكَ سُؤَالُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ذَلِكَ لِأَبِي حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ (¬3) فِي مَوْعِظَتِهِ الْمَشْهُورَةِ [لَهُ] (¬4) فَذَكَرَ لَهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَمَعَ خَطَأِ هَؤُلَاءِ وَضَلَالِهِمْ فَكَانُوا يَقُولُونَ (¬5) ] ذَلِكَ فِي طَاعَةِ إِمَامٍ مَنْصُوبٍ (¬6) قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ فِي مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ، كَمَا يَجِبُ طَاعَةُ وَالِي ¬

(¬1) بَعْضُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ع: الْعُلَمَاءِ فَقَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ الْأَعْرَجُ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ، مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، مِنَ الثِّقَاتِ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَقَدِ اشْتُهِرَ بِالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ 140. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/133 - 134 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، جـ[0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 59 ; تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، ق [0 - 9] 1 جـ[0 - 9] ص [0 - 9] 07 - 208 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/143 - 144 ; الْمَعَارِفِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ (ط. دَارِ الْكُتُبِ) ، ص [0 - 9] 79 ; حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 3/229 - 259 ; تَهْذِيبِ تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ (ط. دِمَشْقَ) ، 6/216 - 228 ; صِفَةِ الصَّفْوَةِ (ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1355) 2/88 - 94 ; الْأَعْلَامِ 3/171 - 172. (¬4) لَهُ: فِي (ع) فَقَطْ. وَقَدْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَوْعِظَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ كِتَابٍ. انْظُرْ: سُنَنَ الدَّارِمِيِّ (ط. دِمَشْقَ، 1349) 1/155 - 158 ; حِلْيَةَ الْأَوْلِيَاءِ 3/234 - 237 ; ابْنَ عَسَاكِرَ 6/218 - 222 ; صِفَةَ الصَّفْوَةِ 2/89 - 90. وَلَمْ أَجِدْ فِي الْمَوْعِظَةِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْمَرَاجِعِ ذِكْرًا لِلْآيَةِ 26 مِنْ سُورَةِ ص. (¬5) هُنَا نِهَايَةُ السَّقْطِ فِي (ن) ، (م) . (¬6) ب، ا: مَعْصُومٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ.

الْحَرْبِ وَقَاضِي الْحُكْمِ: لَا يَجْعَلُونَ أَقْوَالَهُ (¬1) شَرْعًا عَامًّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يَجْعَلُونَهُ مَعْصُومًا مِنَ الْخَطَأِ، وَلَا يَقُولُونَ إِنَّهُ يَعْرِفُ جَمِيعَ الدِّينِ، لَكِنْ غَلِطَ مَنْ غَلِطَ مِنْهُمْ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيعُونَ الْوُلَاةَ طَاعَةً مُطْلَقَةً، وَيَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِطَاعَتِهِمْ، الثَّانِيَةِ (¬2) : قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً تَقَبَّلَ مِنْهُ الْحَسَنَاتِ وَتَجَاوَزَ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَأَيْنَ خَطَأُ هَؤُلَاءِ مِنْ ضَلَالِ الرَّافِضَةِ الْقَائِلِينَ بِعِصْمَةِ الْأَئِمَّةِ؟ ثُمَّ قَدْ تَبَيَّنَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ مَا انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ كُلُّهُ خَطَأٌ، وَمَا كَانَ مَعَهُمْ (¬3) مِنْ صَوَابٍ فَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَنَحْنُ لَسْنَا نَقُولُ (¬4) : إِنَّ جَمِيعَ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ مُصِيبُونَ، بَلْ فِيهِمُ الْمُصِيبُ وَالْمُخْطِئُ، لَكِنَّ صَوَابَ [كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ] (¬5) أَكْثَرُ مِنْ صَوَابِ الشِّيعَةِ، وَخَطَأَ (¬6) الشِّيعَةِ أَكْثَرُ. [وَأَمَّا مَا انْفَرَدَتْ بِهِ الشِّيعَةُ عَنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ السُّنَّةِ فَكُلُّهُ خَطَأٌ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ صَوَابٌ إِلَّا وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ] (¬7) . فَهَذَا الْقَدْرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَبْطُلُ بِهِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ رُجْحَانِ قَوْلِ الْإِمَامِيَّةِ، فَإِنَّهُ (¬8) بِهَذَا الْقَدْرِ يُتَبَيَّنُ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَرْجَحُ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. ¬

(¬1) أَقْوَالَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . وَفِي (ب) : لَا يَجْعَلُونَهُ شَرْعًا. . إِلَخْ. (¬2) ع، أ، ن، م: الثَّانِي. وَالَّذِي فِي (ب) أَكْثَرُ مُلَاءَمَةً لِلسِّيَاقِ. (¬3) ب، أ: مِنْهُمْ. (¬4) ب: لَا نَقُولُ ; أ: لَنَا نَقُولُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب، أ، ن، م: وَلَكِنَّ صَوَابَهُمْ. (¬6) ن (فَقَطْ) : وَجَعَلْنَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬8) ب، أ: فَإِنَّ ; ع: فَإِنَّهُمْ.

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْإِيمَانَ أَرْجَحُ مِنَ الْكُفْرِ إِذَا احْتِيجَ إِلَى الْمُفَاضَلَةِ عِنْدَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ أَرْجَحُ، [وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ] (¬1) . قَالَ تَعَالَى (¬2) ] : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 125] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْجُمُعَةِ: 9] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [سُورَةُ النُّورِ: 0] وَقَالَ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [سُورَةُ النُّورِ: 27] ، بَلْ قَدْ يُفَضِّلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عَلَى مَا عُبِدَ مِنْ دُونِهِ، كَقَوْلِهِ: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 59] ، وَقَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ لِلسَّحَرَةِ: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [سُورَةُ طه: 73]] (¬3) . وَكَذَلِكَ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْكُفَّارَ أَكْثَرُ جُرْمًا إِذَا وَقَعَتِ الْمُفَاضَلَةُ. قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 217] ، [ثُمَّ قَالَ] : (¬4) {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 217] ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ لَمَّا عَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ سَرِيَّةَ (¬5) الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) الْكَلَامُ بَعْدَ عِبَارَةِ " قَالَ تَعَالَى " سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، حَتَّى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ثُمَّ قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ع، أ، ن، م: لِسَرِيَّةِ.

قَتَلُوا رَجُلًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهُوَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذُنُوبَ الْمُشْرِكِينَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ (¬1) . (* وَأَمَّا فِي (¬2) جَانِبِ التَّفْضِيلِ فَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا - وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا - وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 123 - 125] *) (¬3) . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ - قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 59، 60] (¬4) . ¬

(¬1) ع: ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ ذُنُوبُهُمْ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ; أ، ب: ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذُنُوبَ الْمُشْرِكِينَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ قَبْلُ (1/484) قِصَّةَ سَرِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي قَتَلَتْ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَعَابَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَشَرْتُ هُنَاكَ (ت [0 - 9] ) إِلَى تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) لِهَذِهِ الْآيَةِ. (¬2) ن، م: مِنْ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬4) هُنَا يَنْتَهِي رَدُّ ابْنِ تَيْمِيَّةَ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْوُجُوهِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ تَفْضِيلِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ نَصُّ هَذَا الْقِسْمِ بِأَكْمَلِهِ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 97 - 99.

الرد على سائر أقسام كلام ابن المطهر في الوجه الأول

[الرد على سائر أقسام كلام ابن المطهر في الوجه الأول] [فَصْلٌ كلام ابن المطهر على مذهب أهل السنة في الصفات والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬1) ثُمَّ قَالَ هَذَا الْإِمَامِيُّ: (¬2) " أَمَّا بَاقِي الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ ذَهَبُوا كُلَّ مَذْهَبٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ - وَهُمْ جَمَاعَةُ الْأَشَاعِرَةِ - إِنَّ الْقُدَمَاءَ كَثِيرُونَ (¬3) مَعَ اللَّهِ تَعَالَى: هِيَ الْمَعَانِي يُثْبِتُونَهَا (¬4) مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ كَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَجَعَلُوهُ تَعَالَى مُفْتَقِرًا فِي كَوْنِهِ عَالِمًا إِلَى ثُبُوتِ مَعْنًى هُوَ الْعِلْمُ، وَفِي كَوْنِهِ قَادِرًا إِلَى ثُبُوتِ مَعْنًى هُوَ الْقُدْرَةُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ قَادِرًا لِذَاتِهِ [وَلَا عَالِمًا لِذَاتِهِ] (¬5) ، وَلَا حَيًّا لِذَاتِهِ (¬6) ، بَلْ لِمَعَانٍ قَدِيمَةٍ يَفْتَقِرُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ إِلَيْهَا، فَجَعَلُوهُ مُحْتَاجًا نَاقِصًا فِي ذَاتِهِ (¬7) ، كَامِلًا بِغَيْرِهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا! [وَلَا (¬8) يَقُولُونَ: هَذِهِ الصِّفَاتُ ذَاتِيَّةٌ (¬9) ] . وَاعْتَرَضَ شَيْخُهُمْ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ قَالَ: إِنَّ النَّصَارَى كَفَرُوا بِأَنْ قَالُوا (¬10) : الْقُدَمَاءُ ثَلَاثَةٌ، وَالْأَشَاعِرَةُ أَثْبَتُوا قُدَمَاءَ تِسْعَةً ". ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) الْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 1/83 (م) . وَفِي (ع) : الْإِمَامِيُّ الرَّافِضِيُّ. (¬3) ن، م: كَثِيرَةٌ. (¬4) ك: الْمَعَانِي الَّتِي يُثْبِتُونَهَا. (¬5) وَلَا عَالِمًا لِذَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ك: وَلَا حَيًّا لِذَاتِهِ وَلَا مُدْرِكًا لِذَاتِهِ. (¬7) ك: بِذَاتِهِ. (¬8) ك: فَلَا. (¬9) عِبَارَةُ " وَلَا يَقُولُونَ: هَذِهِ الصِّفَاتُ ذَاتِيَّةٌ ": فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ. (¬10) ك: لِأَنَّهُمْ قَالُوا.

فَيُقَالُ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ: لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ [نَاقِصٌ بِذَاتِهِ] (¬1) كَامِلٌ بِغَيْرِهِ، وَلَا قَالَ الرَّازِيُّ مَا ذَكَرْتُهُ (¬2) مِنَ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ، بَلْ هَذَا الِاعْتِرَاضُ ذِكَرَهُ الرَّازِيُّ عَمَّنِ اعْتَرَضَ بِهِ، [وَاسْتَهْجَنَ] (¬3) الرَّازِيُّ ذِكْرَهُ (¬4) . ¬

(¬1) نَاقِصٌ بِذَاتِهِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ب (فَقَطْ) : مَا ذَكَرَهُ. (¬3) وَاسْتَهْجَنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) : وَاسْتَهْجَرَ. (¬4) أَوْرَدَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ " ص 159 (ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 3531) عِنْدَ كَلَامِهِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ شُبَهَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي رَدِّهِمْ عَلَى مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ وَقَالَ: ". . . الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَّرَ النَّصَارَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ) فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى كَفَّرَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا ذَوَاتًا ثَلَاثَةً قَدِيمَةً قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا. أَوْ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا ذَاتًا مَوْصُوفَةً بِصِفَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ النَّصَارَى لَا يُثْبِتُونَ ذَوَاتًا ثَلَاثَةً قَدِيمَةً قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا، وَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يُكَفِّرَهُمُ اللَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَمَّا بَطَلَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ثَبَتَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا كَفَّرَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا ذَاتًا مَوْصُوفَةً بِصِفَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ، وَلَمَّا كَفَّرَ النَّصَارَى لِأَجْلِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا صِفَاتٍ ثَلَاثَةً، فَمَنْ أَثْبَتَ الذَّاتَ مَعَ الصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةِ فَقَدْ أَثْبَتَ تِسْعَةَ أَشْيَاءَ وَكَانَ كُفْرُهُ أَعْظَمَ مِنْ كُفْرِ النَّصَارَى بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ. فَهَذَا مَجْمُوعُ شُبَهِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي نَفْيِ مُطْلَقِ الصِّفَاتِ ". وَقَدْ رَدَّ الرَّازِيُّ عَلَى شُبَهِ الْمُعْتَزِلَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ السَّادِسَةِ، ص [0 - 9] 65 فَقَالَ: " وَالْجَوَابُ عَنْ شُبْهَتِهِمُ السَّادِسَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا كَفَّرَ النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا صِفَاتٍ ثَلَاثَةً هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ ذَوَاتٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَوَّزُوا انْتِقَالَ أُقْنُومِ الْكَلِمَةِ مِنْ ذَاتِ اللَّهِ إِلَى بَدَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِالِانْتِقَالِ مِنْ ذَاتٍ إِلَى ذَاتٍ أُخْرَى يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ قَائِمًا بِذَاتِهِ. فَهُمْ وَإِنَّ سَمَّوْهَا صِفَاتٍ إِلَّا أَنَّهُمْ قَائِلُونَ فِي الْحَقِيقَةِ بِكَوْنِهَا ذَوَاتًا، وَمَنْ أَثْبَتَ كَثْرَةً فِي الذَّوَاتِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِأَنْفُسِهَا فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ. فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْكَثْرَةَ فِي الصِّفَاتِ لَزِمَهُ الْكُفْرُ؟ ! ".

وَهُوَ اعْتِرَاضٌ قَدِيمٌ مِنِ اعْتِرَاضَاتِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ، حَتَّى ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (¬1) [فِي " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " فَقَالَ (¬2) : " قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ لَمَّا وَصَّفْنَا اللَّهَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ (¬3) : (4 إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ وَنُورَهُ، وَاللَّهَ وَقُدْرَتَهُ، وَاللَّهَ وَعَظَمَتَهُ، فَقَدْ قُلْتُمْ بِقَوْلِ النَّصَارَى 4) (¬4) حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ وَنُورَهُ وَلَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتَهُ. قُلْنَا: لَا نَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتَهُ وَلَمْ يَزَلْ وَنُورَهُ (¬5) ، وَلَكِنْ نَقُولُ: لَمْ يَزَلِ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَنُورِهِ، لَا مَتَى قَدَرَ، وَلَا كَيْفَ قَدَرَ. فَقَالُوا (¬6) : لَا تَكُونُونَ مُوَحِّدِينَ أَبَدًا حَتَّى تَقُولُوا: كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ. فَقُلْنَا: نَحْنُ نَقُولُ قَدْ كَانَ وَلَا شَيْءَ. وَلَكِنْ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا، أَلَيْسَ إِنَّمَا نَصِفُ إِلَهًا وَاحِدًا بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ. وَضَرَبْنَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَثَلًا، فَقُلْنَا: أَخْبِرُونَا عَنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ: أَلَيْسَ لَهَا ¬

(¬1) بَعْدَ عِبَارَةِ " الْإِمَامُ أَحْمَدُ " يُوجَدُ سَقْطٌ طَوِيلٌ فِي (ن) ، (م) سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬2) الْكَلَامُ التَّالِي فِي رِسَالَةِ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالزَّنَادِقَةِ فِيمَا شَكُّوا فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَدْ نُشِرَتْ عِدَّةَ مَرَّاتٍ وَسَنُقَابِلُ النَّصَّ التَّالِيَ عَلَى نَشْرَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّد حَامِد الْفِقِي فِي مَجْمُوعَةِ " شَذَرَاتِ الْبِلَاتِينِ مِنْ طَيِّبَاتِ كَلِمَاتِ سَلَفِنَا الصَّالِحِينَ "، الْقَاهِرَةَ 1375/1956، وَيُوجَدُ هَذَا النَّصُّ فِي ص [0 - 9] 2 مِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ وَسَنَرْمُزُ لَهَا بِكَلِمَةِ (الرَّدِّ) . وَقَدْ سَقَطَ هَذَا الْكَلَامُ بِأَكْمَلِهِ مِنْ (ن) إِذْ جَاءَ فِيهَا: ". . . حَتَّى ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ. . إِلَخْ ". (¬3) الرَّدُّ: فَقَالَ الْجَهْمِيُّ لَنَا لَمَّا وَصَفْنَا اللَّهَ عَنِ اللَّهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ. (¬4) : (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬5) ع: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ وَنُورَهُ وَلَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتَهُ. (¬6) ب (فَقَطْ) : فَقَالَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

جِذْعٌ وَكَرَبٌ وَلِيفٌ وَسَعَفٌ وَخُوصٌ وَجُمَّارٌ (¬1) وَاسْمُهَا اسْمُ وَاحِدٍ (¬2) وَسُمِّيَتْ نَخْلَةً بِجَمِيعِ صِفَاتِهَا؟ فَكَذَلِكَ اللَّهُ - وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى (¬3) - بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إِلَهٌ وَاحِدٌ. لَا نَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَلَا يَقْدِرُ حَتَّى خَلَقَ قُدْرَةً (¬4) وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ هُوَ عَاجِزٌ. وَلَا نَقُولُ: قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَلَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عِلْمًا (¬5) وَالَّذِي لَا يَعْلَمُ هُوَ جَاهِلٌ. وَلَكِنْ نَقُولُ: لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَالِمًا قَادِرًا مَالِكًا لَا مَتَى وَلَا كَيْفَ. وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ رَجُلًا كَافِرًا اسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ فَقَالَ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} (¬6) [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 11] وَقَدْ كَانَ هَذَا الَّذِي سَمَّاهُ وَحِيدًا لَهُ عَيْنَانِ وَأُذُنَانِ، وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ، وَيَدَانِ وَرِجْلَانِ، وَجَوَارِحُ كَثِيرَةٌ فَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ وَحِيدًا بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، فَكَذَلِكَ اللَّهُ - وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى - هُوَ (¬7) بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إِلَهٌ وَاحِدٌ ". وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَتَضَمَّنُ أَسْرَارَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَبَيَانَ ¬

(¬1) فِي اللِّسَانِ: " وَكَرَبُ النَّخْلِ: أُصُولُ السَّعَفِ. وَفِي الْمُحْكَمِ: الْكَرَبُ: أُصُولُ السَّعَفِ الْغِلَاظُ الْعِرَاضُ الَّتِي تَيْبَسُ فَتَصِيرُ مِثْلَ الْكَتِفِ، وَاحِدَتُهَا كَرَبَةٌ ". وَفِيهِ: " وَالْجُمَّارُ مَعْرُوفٌ: شَحْمُ النَّخْلِ، وَاحِدَتُهُ جُمَّارَةٌ. وَجُمَّارَةُ النَّخْلِ: شَحْمَتُهُ الَّتِي فِي قِمَّةِ رَأْسِهِ تُقْطَعُ قِمَّتُهُ ثُمَّ تُكْشَطُ عَنْ جُمَّارَةٍ فِي جَوْفِهَا بَيْضَاءَ كَأَنَّهَا قِطْعَةُ سَنَامٍ ضَخْمَةٌ، وَهِيَ رَخْصَةٌ تُؤْكَلُ بِالْعَسَلِ ". (¬2) ع: وَاسْمُهَا وَاحِدٌ ; الرَّدُّ: وَاسْمُهَا اسْمُ شَيْءٍ وَاحِدٍ. (¬3) ع: فَكَذَلِكَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى. (¬4) ع: وَلَا يَقْدِرُ حَتَّى يَخْلُقَ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً ; الرَّدُّ: وَلَا قُدْرَةَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ قُدْرَةً ; ب: لَا يَقْدِرُ. . إِلَخْ. (¬5) الرَّدُّ: وَلَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ الْعِلْمِ. (¬6) الرَّدُّ: وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا. (¬7) ب، ا: وَهُوَ.

الْفَرْقِ بَيْنَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الْإِثْبَاتِ الْمُوَافِقِ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ، وَبَيْنَ مَا تَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ، وَبَيْنَ أَنَّ صِفَاتِهِ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى أَسْمَائِهِ] . الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَلَا جُمْهُورِ مُوَافَقِيهِ، إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُثْبِتِي الْحَالِ [مِنْهُمُ] (¬1) الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْعَالَمِيَّةَ حَالٌ (¬2) مُعَلَّلَةٌ بِالْعِلْمِ، فَيَجْعَلُونَ الْعِلْمَ يُوجِبُهُ حَالٌ آخَرُ (¬3) لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ بَلْ هُوَ (¬4) كَوْنُهُ عَالِمًا. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَوَّلُ قَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي (¬5) . وَأَمَّا جُمْهُورُ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ فَيَقُولُونَ (¬6) : إِنَّ الْعِلْمَ هُوَ كَوْنُهُ عَالِمًا، وَيَقُولُونَ: لَا يَكُونُ عَالِمًا إِلَّا بِعِلْمٍ وَلَا قَادِرًا إِلَّا بِقُدْرَةٍ، أَيْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ قَادِرًا مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ حَيًّا مَنْ لَا حَيَاةَ لَهُ. [وَعِنْدَهُمْ عِلْمُهُ هُوَ كَوْنُهُ عَالِمًا، وَقُدْرَتُهُ هُوَ كَوْنُهُ قَادِرًا، وَحَيَاتُهُ هُوَ كَوْنُهُ حَيًّا، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حُذَّاقِ الْمُعْتَزِلَةِ] (¬7) . وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ ضَرُورَةً، فَإِنَّ وُجُودَ اسْمِ الْفَاعِلِ بِدُونِ مُسَمَّى ¬

(¬1) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) حَالٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ع، ن، م: يُوجِبُ حَالًا آخَرَ. (¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) انْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنِ الْأَحْوَالِ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 24، 125، وَانْظُرِ التَّعْلِيقَاتِ فِي هَاتَيْنِ الصَّفْحَتَيْنِ. (¬6) ن: وَأَمَّا قَوْلُ جُمْهُورِ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ فَيَقُولُ ; ع: وَأَمَّا جُمْهُورُ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ فَيَقُولُونَ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

الْمَصْدَرِ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قِيلَ: مُصَلٍّ بِلَا صَلَاةٍ، وَصَائِمٌ بِلَا صِيَامٍ، وَنَاطِقٌ بِلَا نُطْقٍ. فَإِذَا قِيلَ: لَا يَكُونُ نَاطِقٌ إِلَّا بِنُطْقٍ (¬1) ، وَلَا مُصَلٍّ إِلَّا بِصَلَاةٍ، لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ أَنَّ هُنَا شَيْئَيْنِ (¬2) : أَحَدُهُمَا الصَّلَاةُ، وَالثَّانِي حَالٌ مُعَلَّلٌ بِالصَّلَاةِ، بَلِ الْمُصَلِّي لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَلَاةٌ. وَهُمْ أَنْكَرُوا قَوْلَ نُفَاةِ الصِّفَاتِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: هُوَ حَيٌّ لَا حَيَاةَ لَهُ، وَعَالِمٌ لَا عِلْمَ لَهُ، وَقَادِرٌ لَا قُدْرَةَ لَهُ. فَمَنْ قَالَ: هُوَ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ بِذَاتِهِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ ذَاتَهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ لَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا قَوْلُ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ، (3 وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ ذَاتَهُ مُجَرَّدَةٌ لَيْسَ لَهَا حَيَاةٌ وَلَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ 3) (¬3) الْمُنْكَرُ مِنْ (¬4) أَقْوَالِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ. وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ هَذَا قَدْ (¬5) سَبَقَهُ إِلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَهَذَا اللَّفْظُ وَجَدْتُهُ فِي كَلَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ (¬6) الْبَصْرِيِّ، وَمَعَ هَذَا مَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَ أَبِي الْحُسَيْنِ (¬7) وَأَمْثَالِهِ وَجَدَهُ مُضْطَرًّا إِلَى إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، وَأَنَّهُ لَا يُمَكِنُهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْمُثْبِتِينَ بِفَرْقٍ مُحَقَّقٍ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ كَوْنَهُ حَيًّا وَكَوْنَهُ عَالِمًا وَكَوْنَهُ قَادِرًا، وَلَا يَجْعَلُ هَذَا هُوَ هَذَا، وَلَا هَذَا هُوَ هَذَا، وَلَا هَذِهِ الْأُمُورُ ¬

(¬1) ع، ن، ا: لَا يَكُونُ نَاطِقًا إِلَّا بِنُطْقٍ، وَالصَّوَابُ مَا فِي (ب) . (¬2) ع، م: شَيْئَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ب (فَقَطْ) : الْمُنْكِرِينَ. (¬5) عِبَارَةُ " هَذَا قَدْ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ع، ن، م: أَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ع، ن، م: أَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

هِيَ الذَّاتُ (¬1) ، فَقَدْ أَثْبَتَ هَذِهِ الْمَعَانِي الزَّائِدَةَ عَلَى الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةَ، وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: أَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ، وَهَذَا لَا تَخْتَصُّ بِهِ الْأَشْعَرِيَّةُ، بَلْ هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا الْجَهْمِيَّةَ كَالْمُعْتَزِلَةِ (¬2) وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ قَوْلُ قُدَمَاءِ الْإِمَامِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَأَئِمَّةُ الْإِمَامِيَّةِ أَخْطَأُوا، وَإِنَّ كَانَ صَوَابًا فَمُتَأَخِّرُوهُمْ أَخْطَأُوا (¬3) . الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُمْ أَثْبَتُوا قُدَمَاءَ كَثِيرِينَ، لَفْظٌ مُجْمَلٌ مُوهِمٌ [الْقَوْلَ] أَنَّهُمْ (¬4) أَثْبَتُوا آلِهَةً غَيْرَ اللَّهِ فِي الْقِدَمِ، أَوْ أَثْبَتُوا (¬5) مَوْجُودَاتٍ مُنْفَصِلَةً قَدِيمَةً مَعَ اللَّهِ، [أَمْ أَثْبَتُوا (¬6) لِلَّهِ صِفَاتِ الْكَمَالِ الْقَائِمَةَ بِهِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: أَثْبَتُوا آلِهَةً غَيْرَ اللَّهِ، أَوْ مَوْجُودَاتٍ قَدِيمَةً مُنْفَصِلَةً عَنِ اللَّهِ،] ¬

(¬1) وَلَا يَجْعَلُ هَذَا. . هِيَ الذَّاتُ: كَذَا فِي (ن) ; وَفِي (ب) ، (أ) : وَلَا يَجْعَلُ هَذَا. . . وَلَا هَذِهِ هِيَ الذَّاتُ ; وَفِي (ع) ، (م) : وَلَا يَجْعَلُ هَذَا هُوَ هَذَا، وَلَا هَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ الذَّاتُ. (¬2) ن، م: الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ. (¬3) كَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ تَعْلِيقًا عَلَى هَذَا الْكَلَامِ مَا يَلِي: " قُلْتُ: وَهَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْمُصَنِّفِ إِلْزَامٌ حَسَنٌ لِلرَّوَافِضِ إِذْ قُدَمَاؤُهُمْ مِثْلُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ كَانُوا مِنَ الصِّفَاتِيَّةِ، فَلَمَّا مَالَتِ الرَّوَافِضُ إِلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي عَهْدِ الدَّيَالِمَةِ كَانُوا مِثْلَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ وَقَالُوا بِمَقَالَتِهِمْ ". (¬4) ب، ا: يُوهِمُ أَنَّهُمْ. (¬5) ب، ا، ن، م: وَأَثْبَتُوا. (¬6) ب، ا: وَأَثْبَتُوا. وَفِي (ن) سَقَطَ الْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ حَتَّى قَوْلِهِ: كَانَ هَذَا بُهْتَانًا. . . إِلَخْ.

كَانَ هَذَا بُهْتَانًا عَلَيْهِمْ. وَالْمُشَنِّعُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ هَذَا لَكِنَّ لَفْظَهُ فِيهِ إِبْهَامٌ وَإِيهَامٌ (¬1) . وَإِنْ قُلْتَ: أَثْبَتُوا لَهُ صِفَاتٍ قَائِمَةً بِهِ (¬2) قَدِيمَةً بِقِدَمِهِ، وَهِيَ صِفَاتُ الْكَمَالِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَهَلْ يُنْكِرُ هَذَا إِلَّا مَخْذُولٌ مُسَفْسِطٌ؟ (¬3) فَمَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَقَالَ هُوَ حَيٌّ بِلَا حَيَاةٍ، وَعَالِمٌ بِلَا عِلْمٍ، وَقَادِرٌ بِلَا قُدْرَةٍ (¬4) كَانَ قَوْلُهُ ظَاهِرَ الْبُطْلَانِ. وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: عِلْمُهُ هُوَ قُدْرَتُهُ وَقُدْرَتُهُ عِلْمُهُ، وَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّهُ هُوَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ، فَجَعَلَ الْمَوْصُوفَ هُوَ الصِّفَةَ وَهَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْأُخْرَى، كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ (¬5) فِي أَقْوَالِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، فَنَفْسُ تَصَوُّرِ قَوْلِهِمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ يُبَيِّنُ فَسَادَهُ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى شُبَهِهِمْ (¬6) مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬7) . [الْوَجْهُ] الْخَامِسُ (¬8) : قَوْلُكَ: جَعَلُوا قُدَمَاءَ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بِصَوَابٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ مُسَمَّى اسْمِ اللَّهِ عِنْدَ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ، بَلْ قَدْ يَقُولُونَ: هِيَ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ، أَيْ عَلَى الذَّاتِ ¬

(¬1) ب، ا: فِيهِ إِيهَامٌ. (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ع) . (¬3) ب، ا: مُسْقِطٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَفِي (ن) : مُتَسَفْسِطٌ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) . (¬4) ع: أَوْ قَالَ: هُوَ حَيٌّ. . أَوْ عَالِمٌ. . إِلَخْ. (¬5) ب، ا: فَكُلُّ مَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ ; ن، م: فَكَمَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ ; ع: يُوجَدُ ذَلِكَ. (¬6) ب، شُبْهَتِهِمْ. (¬7) م، ن: فِي مَوْضِعِهِ. (¬8) ب، ا: الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ ; ن، م: السَّادِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(* الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الصِّفَاتِ [الَّتِي يُثْبِتُهَا النُّفَاةُ] (¬1) ، لَا عَلَى الذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ بِالصِّفَاتِ. وَاسْمُ اللَّهِ [سُبْحَانَهُ] (¬2) يَتَنَاوَلُ الذَّاتَ *) (¬3) الْمُتَّصِفَةَ بِالصِّفَاتِ، لَيْسَ هُوَ اسْمًا لِلذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ حَتَّى يَقُولُوا: نَحْنُ نُثْبِتُ قُدَمَاءَ مَعَ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬4) . وَكَيْفَ وَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الصِّفَةَ غَيْرُ الْمَوْصُوفِ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ: هِيَ مَعَ اللَّهِ؟ ! [بَلْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُثْبِتَةِ كَابْنِ كُلَّابٍ لَا تَقُولُ (¬5) عَنِ (¬6) الصِّفَاتِ وَحْدَهَا إِنَّهَا قَدِيمَةٌ حَتَّى لَا تَقُولَ بِتَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ لَمَّا مَنَعَتِ النُّفَاةُ هَذَا الْإِطْلَاقَ، بَلْ تَقُولُ (¬7) : اللَّهُ بِصِفَاتِهِ قَدِيمٌ] (¬8) . [الْوَجْهُ] السَّادِسُ (¬9) : قَوْلُكَ: " فَجَعَلُوهُ مُفْتَقِرًا فِي كَوْنِهِ عَالِمًا إِلَى ثُبُوتِ مَعْنًى هُوَ الْعِلْمُ ". [فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَذَا إِنَّمَا يُقَالُ عَلَى قَوْلِ مُثْبِتَةِ (¬10) الْحَالِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَعِنْدَهُمْ كَوْنُهُ عَالِمًا هُوَ الْعِلْمُ. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُقَالَ: كَوْنُهُ عَالِمًا مُفْتَقِرًا إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِذَاتِهِ لَيْسَ فِي هَذَا إِثْبَاتُ فِقْرٍ لَهُ (¬11) إِلَى غَيْرِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) سُبْحَانَهُ: لَيْسَتْ فِي (ن) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) تَقُولُ: فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَفِي (ع) ، (أ) : يَقُولُ. وَسَقَطَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب، ا: فِي. (¬7) ع، ا: يَقُولُ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ب، ا، ن، م: السَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) ن، م:. . الْعِلْمُ. هَذَا قَوْلُ مُثْبِتَةِ. . (¬11) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

ذَاتِهِ فَإِنَّ ذَاتَهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ مُسْتَلْزِمٌ لِكَوْنِهِ عَالِمًا، فَذَاتُهُ (¬1) هِيَ الْمُوجِبَةُ لِهَذَا وَلِهَذَا، [فَإِذَا (¬2) قُدِّرَ أَنَّهَا أَوْجَبَتِ الِاثْنَيْنِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تُوجِبَ أَحَدَهُمَا] (¬3) إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا نَقْصًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِلْمَ كَمَالٌ، وَكَوْنُهُ عَالِمًا كَمَالٌ، فَإِذَا أَوْجَبَتْ ذَاتُهُ هَذَا وَهَذَا، كَانَ كَمَا لَوْ أَوْجَبَتِ الْحَيَاةَ وَالْقُدْرَةَ. السَّابِعُ (¬4) : قَوْلُهُ: " جَعَلُوهُ مُفْتَقِرًا فِي كَوْنِهِ عَالِمًا إِلَى ثُبُوتِ مَعْنًى هُوَ الْعِلْمُ "، عِبَارَةٌ مُلْبِسَةٌ. فَإِنَّ لَفْظَ (¬5) " الِافْتِقَارِ " يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى مَنْ يَجْعَلُهُ عَالِمًا يُفِيدُهُ الْعِلْمُ وَهَذَا بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا ثُبُوتُ هَذَا بِطْرِيقِ اللُّزُومِ لِذَاتِهِ، فَذَاتُهُ مُوجِبَةٌ لِعِلْمِهِ وَلِكَوْنِهِ عَالِمًا، [وَمَعْنَى كَوْنِهَا مُوجِبَةً لِذَلِكَ أَيْ مُسْتَلْزِمَةً لَهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَكُونُ ذَاتُهُ إِلَّا عَالِمَةً، لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا أَبْدَعَتِ الْعِلْمَ أَوْ فَعَلَتْهُ] (¬6) ، وَمَنْ أَثْبَتَ الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ: لَا يَكُونُ عَالِمًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ، وَهُوَ عَالِمٌ قَطْعًا فَلَهُ عِلْمٌ، فَهُوَ يَجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ، وَيَسْتَدِلُّ بِكَوْنِهِ عَالِمًا عَلَى الْعِلْمِ، وَيَقُولُ: إِنَّ ذَاتَهُ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ - لَا أَنَّهُ هُنَا شَيْءٌ غَيْرُ ذَاتِهِ - جَعَلَتْهُ عَالِمًا أَوْ جَعَلَتْ لَهُ عِلْمًا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا أَوْجَبَتْهُ بِوَاسِطَةٍ فَمُوجِبُ الْمُوجَبِ مُوجِبٌ، كَمَا أَنَّهَا أَوْجَبَتْ كَوْنَهُ حَيًّا وَكَوْنَهُ عَالِمًا، وَالْعِلْمُ مَشْرُوطٌ بِالْحَيَاةِ، فَلَا (¬7) يُقَالُ: إِنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي كَوْنِهِ عَالِمًا إِلَى غَيْرِهِ، ¬

(¬1) ن، م: عَالِمًا بِذَاتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب، ا: وَإِذَا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب، ا، ن، م: الثَّامِنُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ب: فَصْلَ ; أ: فَضْلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) ب، ا: وَلَا.

فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمَشْرُوطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كُلَّهَا مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، لَا يَفْتَقِرُ ثُبُوتُهَا إِلَى غَيْرِهِ. [الْوَجْهُ] الثَّامِنُ (¬1) : قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْعَلُوهُ قَادِرًا لِذَاتِهِ (2 وَلَا عَالِمًا لِذَاتِهِ 2) (¬2) بَلْ لِمَعَانٍ قَدِيمَةٍ، إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ [لَا] (¬3) يَجْعَلُونَ ذَاتَهُ عِلْمًا وَقُدْرَةً أَوْ لَا (¬4) يَجْعَلُونَهَا عَالِمَةً قَادِرَةً (¬5) وَلَيْسَ لَهَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ فَهَذَا صَحِيحٌ، وَهُوَ عَيْنُ الْحَقِّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ لَا يَجْعَلُونَ ذَاتَهُ [مُسْتَلْزِمَةً لِكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا وَلَا] (¬6) هِيَ الْمُوجِبَةُ لِكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ ذَاتُهُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِذَلِكَ، كَمَا أَنَّهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ لِكَوْنِهِ عَالِمًا، مَعَ كَوْنِهَا مُوجِبَةً لِكَوْنِهِ (¬7) حَيًّا: وَلَا يَكُونُ عَالِمًا حَتَّى يَكُونَ حَيًّا وَكَذَلِكَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ: لَا يَكُونُ عَالِمًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ. التَّاسِعُ (¬8) : قَوْلُهُ: لَمْ يَجْعَلُوهُ عَالِمًا لِذَاتِهِ [وَلَا] (¬9) قَادِرًا لِذَاتِهِ: إِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُ (¬10) عَالِمًا قَادِرًا لِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ [عَنِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ - كَمَا يَقُولُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ: إِنَّهُ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ] (¬11) عَنِ الصِّفَاتِ - فَهَذَا صَحِيحٌ [وَهُوَ عَيْنُ ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: التَّاسِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) : (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب، ا: وَلَا. (¬5) ب: وَلَا يَجْعَلُونَهَا عَالِمَةً وَقَادِرَةً ; أ: وَلَا يَجْعَلُونَهَا قُدْرَةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) ب، ا، ن، م: كَوْنُهُ. (¬8) ب، ا، ن، م: الْعَاشِرُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) وَلَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬10) ع (فَقَطْ) : لَا يَجْعَلُوهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬11) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْحَقِّ] (¬1) لِأَنَّ الذَّاتَ الْمُجَرَّدَةَ عَنِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَا هِيَ اللَّهُ (¬2) ، وَلَا تَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُ عَالِمًا قَادِرًا لِذَاتِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ نَفْسُ ذَاتِهِ الْمُوجِبَةِ لِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ هِيَ الَّتِي أَوْجَبَتْ كَوْنَهُ عَالِمًا قَادِرًا، وَأَوْجَبَتْ عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ، وَجَعَلَتِ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ تُوجِبُ كَوْنَهُ عَالِمًا قَادِرًا، فَإِنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأُمُورِ مُتَلَازِمَةٌ، وَذَاتَهُ الْمُتَّصِفَةَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِهَذَا كُلِّهِ، لَا تَفْتَقِرُ (¬3) فِي ذَلِكَ إِلَى شَيْءٍ مُبَايِنٍ لَهَا. الْعَاشِرُ (¬4) : قَوْلُهُ: " الْمَعَانِي الْقَدِيمَةُ يُفْتَقَرُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ إِلَيْهَا "، لَيْسَ هُوَ قَوْلَهُمْ، فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الْقَدِيمَةَ (¬5) هِيَ الصِّفَاتُ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: هُوَ الْوَصْفُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ عَالِمٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ، وَلَكِنْ هُوَ سُبْحَانَهُ الْمُوجِبُ لِتِلْكَ الْمَعَانِي الْقَدِيمَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ لَا يُوصَفُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ إِلَّا بِهَا وَهُوَ الْمُوجِبُ (* لَهَا لَمْ يَكُنْ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوصَفْ بِالْعِلْمِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالْحَيَاةِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ *) (¬6) لِلْحَيَاةِ، لَمْ يَكُنْ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: لِمَعَانٍ (¬7) قَدِيمَةٍ (7 تَسْتَلْزِمُ هَذِهِ الصِّفَاتُ ثُبُوتَهَا، وَذَاتُهُ 7) (¬8) ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ن، م: وَلَا هُوَ لَازِمَةٌ. (¬3) ب، ا: كَمَا لَا تَفْتَقِرُ. (¬4) ب، ا: الْحَادِي عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ ; وَسَقَطَتْ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ: الْقَائِمَةَ بِهِ ; ع: الْقَائِمَةَ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬7) ب، ا، ن: بِمَعَانٍ. (¬8) : (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

مُسْتَلْزِمَةٌ لِهَذِهِ وَهَذِهِ، وَتِلْكَ الْمَعَانِي مُسْتَلْزِمَةٌ لِثُبُوتِ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَانَ كَلَامًا صَحِيحًا، فَالتَّلَازُمُ حَاصِلٌ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ. الْحَادِي عَشَرَ (¬1) : قَوْلُهُ: " فَجَعَلُوهُ مُحْتَاجًا نَاقِصًا فِي ذَاتِهِ كَامِلًا بِغَيْرِهِ " كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ هُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، فَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ حَاجَتِهِ إِلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ (2 إِلَّا الذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ، وَتِلْكَ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ 2) (¬2) [حَتَّى تُوصَفَ بِحَاجَةٍ أَوْ غِنًى، وَذَاتُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ] (¬3) ، وَالصِّفَاتُ الْمَلْزُومَةُ (¬4) لِذَاتِ الْمَوْصُوفِ الَّتِي لَا يَكُونُ إِلَّا بِهَا لَيْسَ لَهُ تَحَقُّقٌ دُونَهَا حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ (¬5) مُحْتَاجٌ نَاقِصٌ، بَلْ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الذَّاتَ الْمُجَرَّدَةَ عَنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ (6 نَاقِصَةٌ بِدُونِهَا مُحْتَاجَةٌ إِلَى صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَهَذَا حَقٌّ 6) (¬6) ، لَكِنَّ تِلْكَ الذَّاتَ الْمُجَرَّدَةَ لَيْسَتْ هِيَ اللَّهُ، بَلْ لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ. وَأَيْضًا فَهُمْ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى الصِّفَاتِ لَفْظَ الْغَيْرِ. الثَّانِي عَشَرَ (¬7) : إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: " إِنَّ النَّصَارَى كَفَرُوا بِأَنْ قَالُوا: الْقُدَمَاءُ ثَلَاثَةٌ وَالْأَشَاعِرَةُ أَثْبَتُوا قُدَمَاءَ تِسْعَةً " كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ (¬8) اللَّهَ لَمْ يُكَفِّرِ النَّصَارَى بِقَوْلِهِمُ: الْقُدَمَاءُ ثَلَاثَةٌ، بَلْ قَالَ تَعَالَى: ¬

(¬1) ب، ا: الثَّانِي عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) : (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: اللَّازِمَةُ. (¬5) ب، ا: حَتَّى يُقَالَ لَهُ إِنَّهُ. (¬6) : (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ب، ا: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ع: لِأَنَّ.

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لِيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 73 - 75] ، فَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِقَوْلِهِمْ: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (¬1) ، لِقَوْلِهِ: بَعْدَ ذَلِكَ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} وَلَمْ يَقُلْ: مَا مِنْ قَدِيمٍ إِلَّا قَدِيمٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَالِ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ لِأَنَّهُمَا (¬2) هُمَا الْآخَرَانِ اللَّذَانِ (¬3) اتَّخَذُوهُمَا إِلَهَيْنِ، كَمَا بَيَّنَ (¬4) ذَلِكَ فِي الْآيَةِ (¬5) الْأُخْرَى بِقَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 116] ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مُوَافِقَةٌ لِسِيَاقِ تِلْكَ الْآيَةِ، وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ قَالُوا: إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ: هُوَ، وَالْمَسِيحُ، وَأَمُّ الْمَسِيحِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ قُدَمَاءَ ثَلَاثَةٍ وَلَا صِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ، بَلْ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ ذِكْرُ الْقَدِيمِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ [الْمَعْنَى] (¬6) صَحِيحًا، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ [هُنَا] (¬7) بَيَانُ [أَنَّ] مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُكَفِّرِ [اللَّهُ تَعَالَى] النَّصَارَى [بِهِ] (¬8) . ¬

(¬1) ب، ا، ن، م: إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ. (¬2) هُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) ع، ا، ن، م: اللَّذَيْنِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ب، ا: وَبَيَّنَ. (¬5) ن، م: فِي السُّورَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) الْمَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) هُنَا: فِي (ع) فَقَطْ. (¬8) ن: بَيَانُ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُكَفِّرُوا النَّصَارَى ; م: بَيَانُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُكَفَّرْ بِهِ النَّصَارَى.

الثَّالِثَ عَشَرَ (¬1) : أَنَّهُ هَبْ (¬2) أَنَّ النَّصَارَى كَفَرُوا بِقَوْلِهِمْ: إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ قُدَمَاءَ، فَالصِّفَاتِيَّةِ لَا تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ (¬3) تَاسِعُ تِسْعَةِ قُدَمَاءَ، بَلِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ صِفَاتِهِ، فَلَيْسَتْ (¬4) صِفَاتُهُ خَارِجَةً عَنْ مُسَمَّى اسْمِهِ، بَلْ إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: آمَنْتُ بِاللَّهِ أَوْ دَعَوْتُ اللَّهَ كَانَتْ صِفَاتُهُ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى اسْمِهِ، وَهُمْ لَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا أَنَّهَا غَيْرُ اللَّهِ، فَكَيْفَ [يَقُولُونَ: إِنَّ] (¬5) اللَّهَ تَاسِعُ تِسْعَةٍ أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ؟ ! وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» " (¬6) ، [وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الْحَلِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ (¬7) ] وَلَعَمْرُ اللَّهِ (¬8) ، فَعَلِمَ أَنَّ الْحَلِفَ بِذَلِكَ لَيْسَ حَلِفًا بِمَا يُقَالُ إِنَّهُ غَيْرُ اللَّهِ. ¬

(¬1) ب، ا: الرَّابِعَ عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ع: ذَهَبَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب، ا: إِنَّهُ. (¬4) ع: وَلَيْسَتْ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَسَقَطَتْ " إِنَّ " مِنْ (ع) . (¬6) فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/298 (رَقْمُ 329) عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا وَأَبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَهْ، إِنَّهُ مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ " قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ وَنَسَبُهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لِابْنِ حِبَّانَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْأَرْقَامُ: 4904، 5222، 5256، 5346، 5375، 5593، 6072. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِالنَّصِّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/303 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/45 - 46 (كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ، بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ " ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) رَقْمُ 6073. (¬7) أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَادِيثَ جَاءَ فِيهَا الْحَلِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ 8/134 - 135 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ) . (¬8) ب: وَبِعَمْرِ اللَّهِ ; وَنَعَمْ وَاللَّهِ. وَفِي نَفْسِ الْكِتَابِ السَّابِقِ فِي الْبُخَارِيِّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ 8/135 (بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لَعَمْرُ اللَّهِ) حَدِيثٌ قَالَ فِيهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ ". وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/13 - 14 عَنْ أَبِي رَزِينٍ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثًا مُطَوَّلًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فَقَالَ: " لَعَمْرُ إِلَهِكَ " " وَلَعَمْرُ اللَّهِ ".

الرَّابِعَ عَشَرَ (¬1) : إِنَّ (¬2) حَصْرَ الصِّفَاتِ فِي ثَمَانِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُهُ (¬3) : بَعْضُ الْمُثْبِتِينَ [مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، فَالصَّوَابُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُثْبِتَةِ] (¬4) وَأَئِمَّةِ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّ الصِّفَاتِ لَا تَنْحَصِرُ فِي ثَمَانِيَةٍ، بَلْ وَلَا يَحْصُرُهَا الْعِبَادُ فِي عَدَدٍ، وَحِينَئِذٍ فَنَقْلُ النَّاقِلِ عَنْهُمْ: أَنَّهُ تَاسِعُ تِسْعَةٍ بَاطِلٌ، لَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُقَالُ. الْخَامِسَ عَشَرَ (¬5) : أَنَّ النَّصَارَى أَثْبَتُوا أَقَانِيمَ وَقَالُوا: إِنَّهَا ثَلَاثَةُ (¬6) جَوَاهِرَ يَجْمَعُهَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَهٌ (¬7) يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَالْمُتَّحِدُ بِالْمَسِيحِ هُوَ أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ وَالْعِلْمِ وَهُوَ الِابْنُ. وَهَذَا الْقَوْلُ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمُتَّحِدَ إِنْ كَانَ صِفَةً فَالصِّفَةُ لَا تَخْلُقُ وَلَا تَرْزُقُ، وَهِيَ أَيْضًا لَا تُفَارِقُ الْمَوْصُوفَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَوْصُوفُ فَهُوَ الْجَوْهَرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ الْأَبُ (¬8) فَيَكُونُ الْمَسِيحُ هُوَ الْأَبُ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَهُمْ، ¬

(¬1) ب، ا: الْخَامِسَ عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ب، ا: إِنَّهُ. (¬3) ب، ا: يَقُولُ بِهِ. (¬4) ع: جَمَاهِيرِ الْمُثْبِتِينَ. وَسَقَطَ مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ب، ا: السَّادِسَ عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ب، ا: أَثْبَتُوا ثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ قَالُوا إِنَّهَا ثَلَاثَةٌ. (¬7) ب: وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لَهُ ; أ: وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ إِلَهٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) أ: فَهُوَ جَوْهَرُ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَبُ ; ن، م: وَهُوَ الْجَوْهَرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ الْأَبُ ; ع: فَهُوَ الْجَوْهَرُ وَهُوَ الِابْنُ.

فَأَيْنَ (¬1) هَذَا مِمَّنْ يَقُولُ: الْإِلَهُ (¬2) وَاحِدٌ وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الدَّالَّةُ عَلَى صِفَاتِهِ الْعُلَى (¬3) وَلَا يَخْلُقُ غَيْرُهُ وَلَا يُعْبَدُ سِوَاهُ؟ ! فَبَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ مِنَ الْفَرْقِ أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ (¬4) الْقَدَمِ وَالْفَرْقِ. وَمِمَّا افْتَرَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ عَلَى الْمُثْبِتَةِ أَنَّ ابْنَ كُلَّابٍ لَمَّا كَانَ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلصِّفَاتِ وَصَنَّفَ الْكُتُبَ فِي الرَّدِّ عَلَى النُّفَاةِ وَضَعُوا عَلَى أُخْتِهِ حِكَايَةً أَنَّهَا كَانَتْ (¬5) نَصْرَانِيَّةً وَأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ هَجَرَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: يَا أُخْتِي إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُفْسِدَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ، فَرَضِيَتْ عَنْهُ لِذَلِكَ (¬6) . وَمَقْصُودُ الْمُفْتَرِي بِهَذِهِ (¬7) الْحِكَايَةِ أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ هُوَ قَوْلُ النَّصَارَى، وَأَخَذَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ [بَعْضُ السَّالِمِيَّةِ وَ] (¬8) بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَذُمُّ بِهَا ابْنَ كُلَّابٍ لِمَا أَحْدَثَهُ (¬9) مِنَ الْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ عَابُوهُ بِهَا (¬10) هُمْ أَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ عَابُوهُ بِمَا تَمْدَحُ أَنْتَ قَائِلَهُ (¬11) . وَعَيْبُ ابْنِ ¬

(¬1) ب، ا: أَيْنَ. (¬2) ع: إِلَهٌ. (¬3) ع: وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الدَّالَّةُ عَلَى صِفَاتِهِ الْعُلْيَا. (¬4) ن، م: مِنَ الْفَرْقِ كَمَا بَيْنَ. (¬5) كَانَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ب، ا، ن، م: بِذَلِكَ. وَكَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) مَا يَلِي: " وَكَانَ ابْنُ كُلَّابٍ مِنَ الْقُدَمَاءِ حَتَّى أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ لَمَّا رَجَعَ عَنِ الِاعْتِزَالِ اتَّبَعَهُ وَحَذَا حَذْوَهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَقَالَاتِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى الذَّاتِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا نَفْيُ الْعِلَلِ وَالْأَغْرَاضِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْقَوْلُ بِقِدَمِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ (¬7) ع: لِهَذِهِ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ب، ا: أَحْدَثَ. (¬10) ب، ا، ن، م: أَنَّ الَّذِي عَابَهُ بِهَا. (¬11) ن، م: فِيمَا يَقْدَحُ فِيمَا أَنْتَ قَائِلُهُ.

كُلَّابٍ عِنْدَكَ كَوْنُهُ لَمْ يُكْمِلِ الْقَوْلَ بِهِ (¬1) ، بَلْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ [بَقِيَّةٌ] (¬2) مِنْ كَلَامِهِمْ. وَهَذَا نَظِيرُ مَا عَمِلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ أَخَذَ كَلَامَ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِي طَعَنُوا بِهِ عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ فِي كَوْنِهِمْ يَقُولُونَ: هَذَا الْقُرْآنُ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ بَلْ عِبَارَةٌ عَنْهُ، فَطَعَنَ بِهِ هُوَ (¬3) عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ. [وَمَقْصُودُ الْمُعْتَزِلَةِ بِذَلِكَ إِثْبَاتُ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، وَالْأَشْعَرِيَّةُ] (¬4) خَيْرٌ مِنْهُمْ (¬5) فِي نَفْيِ الْخَلْقِ عَنِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ عَيْبَهُمْ [فِي] تَقْصِيرِهِمْ فِي إِكْمَالِ السُّنَّةِ (¬6) . [وَكَذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ السَّالِمِيَّةِ الْمُصَنِّفِينَ فِي مَثَالِبِ ابْنِ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ كَرَّامٍ ذَكَرُوا حِكَايَاتٍ بَعْضُهَا كَذِبٌ قَطْعًا، وَهِيَ مِمَّا وَضَعَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ أَعْدَاءُ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ، لِكَوْنِهِمْ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرَ، فَجَاءَ هَؤُلَاءِ فَذَكَرُوا تِلْكَ الْحِكَايَاتِ، وَمَقْصُودُهُمُ التَّنْفِيرُ عَمَّا اعْتَقَدُوا فِي أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْخَطَاءِ، وَتِلْكَ الْحِكَايَاتُ وَضَعَهَا مَنْ هُوَ أَبْعَدُ عَنِ السُّنَّةِ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ السَّالِمِيَّةُ أَتْبَاعُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ هُمْ فِي غَالِبِ أُصُولِهِمْ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْخَطَاءِ زَادَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ مَنْ صَنَّفَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى رَدَّ عَلَيْهِمْ قِطْعَةً مِمَّا قَالُوهُ مِنَ الْحَقِّ] (¬7) . ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) بَقِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ع، ن، م: فَطَعَنَ هُوَ بِهِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ب، ا: مِنْهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ب، ا: وَلَكِنَّ عَيْبَهُمْ تَقْصِيرُهُمْ فِي كَمَالِ السُّنَّةِ ; ن: وَلَكِنَّ عَيْبَهُمْ تَقْصِيرٌ فِي إِكْمَالِ السُّنَّةِ ; م: وَلَكِنَّ عَيْبَهُمْ تَقْصِيرُهُمْ فِي إِكْمَالِ السُّنَّةِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

عرض ابن المطهر لمقالة الحشوية والمشبهة ورد ابن تيمية من وجوه

[عرض ابن المطهر لمقالة الحشوية والمشبهة ورد ابن تيمية من وجوه] (فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ الْمُصَنِّفُ (¬2) : وَقَالَتْ جَمَاعَةُ (¬3) الْحَشْوِيَّةِ [وَالْمُشَبِّهَةِ] (¬4) : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جِسْمٌ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ (¬5) الْمُصَافَحَةُ، وَأَنَّ الصَّالِحِينَ (¬6) مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُعَانِقُونَهُ (¬7) فِي الدُّنْيَا، وَحَكَى الْكَعْبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ رُؤْيَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهُ يَزُورُهُمْ وَيَزُورُونَهُ، وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ الطَّائِيِّ (¬8) أَنَّهُ قَالَ: أَعْفُونِي عَنِ الْفَرْجِ وَاللِّحْيَةِ، وَاسْأَلُونِي عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّ مَعْبُودِي (¬9) جِسْمٌ وَلَحْمٌ وَدَمٌ، وَلَهُ جَوَارِحُ وَأَعْضَاءٌ كَيَدٍ (¬10) وَرِجْلٍ وَلِسَانٍ وَعَيْنَيْنِ وَأُذُنَيْنِ (¬11) ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (¬12) : هُوَ أَجْوَفُ مِنْ أَعْلَاهُ إِلَى صَدْرِهِ، مُصْمَتٌ مَا ¬

(¬1) ع (فَقَطْ) : الْفَصْلُ الثَّانِي. (¬2) ع: قَالَ الرَّافِضِيُّ. وَالْكَلَامُ التَّالِي وَرَدَ فِي (ك) 1/84 (م) . (¬3) جَمَاعَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) وَالْمُشَبِّهَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬6) ع: الْمُصْلِحِينَ ; ك: الْمُخْلِصِينَ. (¬7) يُعَانِقُونَهُ: كَذَا فِي (ك) ، (ب) . وَفِي (ع) ، (ن) ، (م) : يُعَايِنُونَهُ. وَفِي (أ) : يُعَايِنُوهُ (¬8) ب، ك: دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) ، (ن) ، (م) ، (أ) . وَسَيَتَكَلَّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ 1/259 (ب) . (¬9) ك: مَعْبُودَهُ. (¬10) ب، ا: وَكَبِدٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬11) ب (فَقَطْ) : وَعَيْنَانِ وَأُذُنَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬12) ك، ن: وَحُكِيَ أَنَّهُ قَالَ.

سِوَى ذَلِكَ، وَلَهُ شَعْرُ قِطَطٍ، حَتَّى قَالُوا: اشْتَكَتْ (¬1) عَيْنَاهُ فَعَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَبَكَى (¬2) عَلَى طُوفَانِ نُوحٍ حَتَّى رَمَدَتْ عَيْنَاهُ، وَأَنَّهُ يَفْضُلُ مِنَ الْعَرْشِ (¬3) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ". فَيُقَالُ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: هَذَا اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ أَنَّ: اللَّهَ جِسْمٌ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَالَهُ فِي الْإِسْلَامِ شُيُوخُ الْإِمَامِيَّةِ كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَهِشَامِ بْنِ سَالِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ (¬4) ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ نَقْلُ النَّاقِلِينَ لِلْمَقَالَاتِ (¬5) فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مِثْلِ أَبِي عِيسَى الْوَرَّاقِ (¬6) ¬

(¬1) ع: اشْتَكَى. (¬2) ع: فَبَكَى. (¬3) ع: يَفْضُلُ عَنِ الْعَرْشِ ; ب، ا: يَفْضُلُ الْعَرْشُ عَنْهُ ; ن، م: يَفْصِلُ الْعَرْشَ عَنْهُ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ك) . (¬4) انْظُرْ مَا سَبَقَ 104، 219 - 222. (¬5) لِلْمَقَالَاتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْوَرَّاقُ، كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ ثُمَّ أَصْبَحَ رَافِضِيًّا، وَكَانَ يُبْطِنُ الزَّنْدَقَةَ وَالْقَوْلَ بِالتَّثْنِيَةِ، وَقَالَ الْخَيَّاطُ إِنَّهُ كَانَ أُسْتَاذَ ابْنِ الرَّوَانْدِيِّ فِي ذَلِكَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو عِيسَى الْوَرَّاقُ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 247. وَذَكَرَ الْعَامِلِيُّ فِي " أَعْيَانِ الشِّيعَةِ " مُصَنَّفَاتَهُ وَمِنْهَا: " كِتَابُ اخْتِلَافِ الشِّيعَةِ وَالْمَقَالَاتِ " ثُمَّ قَالَ: " وَكِتَابُ الْمَقَالَاتِ هُوَ أَشْهَرُ كُتُبِ الْوَرَّاقِ يَذْكُرُ فِيهِ تَارِيخَ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ وَشَرْحِ آرَاءِ وَعَقَائِدِ الْفِرَقِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ وَأَكْثَرِهَا اعْتِبَارًا فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، يَنْقُلُ عَنْهُ الْمَسْعُودِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو الرَّيْحَانِ الْبَيْرُونِيُّ وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ وَعَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ وَابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ الْوَرَّاقِ وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/204 ; أَعْيَانِ الشِّيعَةِ 47/105 - 107 ; الرِّجَالِ لِلنَّجَاشِيِّ، ص [0 - 9] 08 ; الِانْتِصَارِ لِلْخَيَّاطِ، ص [0 - 9] 3، 108، 110، 111 ; الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 73 ; مُرُوجِ الذَّهَبِ 4/104 - 105 ; الْفِهْرِسْتِ لِلطُّوسِيِّ، ص [0 - 9] 1 ; مَعَالِمِ الْعُلَمَاءِ لِابْنِ شَهْرَاشوب، ص [0 - 9] 37 ; الْأَعْلَامِ 7/351.

وَزَرْقَانَ (¬1) ، وَابْنِ النُّوبَخْتِيِّ (¬2) ، (¬3) . وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ (¬4) وَالشَّهْرَسْتَانِيِّ (¬5) وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ، وَنَقْلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ. وَقَالُوا: أَوَّلُ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ. وَنَقَلَ النَّاسُ عَنِ الرَّافِضَةِ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَمَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْهَا، فَنَقَلُوا مَا ذَكَرَهُ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ فِي كُتُبِ الْمَقَالَاتِ عَنْ بَيَانِ بْنِ سَمْعَانَ التَّمِيمِيِّ الَّذِي تَنْتَسِبُ (¬6) إِلَيْهِ الْبَيَانِيَّةُ مِنْ غَالِيَةِ الشِّيعَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّهُ يَهْلِكُ كُلُّهُ إِلَّا وَجْهَهُ، وَادَّعَى بَيَانٌ أَنَّهُ يَدْعُو الزُّهَرَةَ فَتُجِيبُهُ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ، فَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ¬

(¬1) ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُرْتَضَى فِي " الْمُنْيَةِ وَالْأَمَلِ " فِي الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ ضِمْنَ أَصْحَابِ النَّظَّامِ فَسَمَّاهُ: زَرْقَانُ مُحَمَّدُ بْنُ شَدَّادِ بْنِ عِيسَى الْمِسْمَعِيُّ، أَبُو يَعْلَى، وَقَالَ إِنَّ لَهُ كِتَابَ " الْمَقَالَاتِ " ثُمَّ قَالَ عَنْهُ: " قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْخَيَّاطُ، حَدَّثَنِي الْآدَمِيُّ قَالَ: أَحْضَرَ الْوَاثِقُ يَحْيَى بْنَ كَامِلٍ وَأَمَرَ زَرْقَانَ أَنْ يُنَاظِرَهُ فِي الْإِرَادَةِ حَتَّى أَلْزَمَهُ الْحُجَّةَ، ثُمَّ نَاظَرَهُ الْوَاثِقُ بِنَفْسِهِ فَأَلْزَمَهُ الْحُجَّةَ، فَقَالَ الْآدَمِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَامَتْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ". وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ (لِسَانَ الْمِيزَانِ 5/199) أَنَّهُ رَوَى عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَلَكِنَّهُ نَقَلَ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: لَا يَكْتُبُ حَدِيثَهُ ; وَحَدَّدَ ابْنُ حَجَرٍ سَنَةَ وَفَاةِ زَرْقَانَ بِأَنَّهَا 278. وَأَمَّا ابْنُ الْأَثِيرِ (اللُّبَابُ 3/139) فَذَكَرَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 298 أَوْ 299. (¬2) هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ النُّوبَخْتِيُّ أَوِ ابْنُ النُّوبَخْتِيِّ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُ بِإِيجَازٍ 1 (¬3) وَأَشَرْتُ هُنَاكَ إِلَى كِتَابِهِ " الْآرَاءِ وَالدِّيَانَاتِ " وَتَكَلَّمْتُ عَنْهُ أَيْضًا فِيمَا سَبَقَ 2/106. وَانْظُرْ عَنِ النُّوبَخْتِيِّ أَيْضًا: لِسَانَ الْمِيزَانِ 2/258 ; الْفِهْرِسْتَ لِلطُّوسِيِّ، ص [0 - 9] 1 ; مَعَالِمَ الْعُلَمَاءِ لِابْنِ شَهْرَاشوب، ص [0 - 9] 2 - 33 ; الْأَعْلَامَ 2/239 (¬4) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي الْهَامِشِ بِقَوْلِهِ: " وَقَدْ كَانَ لِابْنِ حَزْمٍ الْأَنْدَلُسِيِّ كِتَابٌ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ رَأَيْتُهُ فِي جِلْدَيْنِ وَفِيهِ فَوَائِدُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لَهُ قَدَمًا وَسَهْمًا فِي الْإِحَاطَةِ ". (¬5) ب، ا: وَابْنِ الشَّهْرَسْتَانِيِّ. (¬6) ع: نُسِبَتْ ; ن، م: يُنْسَبُ.

الْقَسْرِيُّ. وَحُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُثْبِتُ نُبُوَّةَ بَيَانِ بْنِ سَمْعَانَ، (1 ثُمَّ يَزْعُمُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ نَصَّ عَلَى نُبُوَّةِ بَيَانِ بْنِ سَمْعَانَ 1) (¬1) وَجَعَلَهُ إِمَامًا (¬2) وَنَقَلُوا عَنِ الْمُغِيرِيَّةِ أَصْحَابِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ (¬3) وَأَنَّ مَعْبُودَهُمْ رَجُلٌ مِنْ نُورٍ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ، وَلَهُ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْخَلْقِ مِثْلُ مَا لِلرَّجُلِ، وَلَهُ جَوْفٌ وَقَلْبٌ تَنْبُعُ مِنْهُ الْحِكْمَةُ، وَأَنَّ حُرُوفَ " أَبِي جَادٍ " عَلَى عَدَدِ أَعْضَائِهِ، قَالُوا: وَالْأَلْفُ مَوْضِعُ قَدَمِهِ (¬4) لِاعْوِجَاجِهَا، وَذَكَرَ الْهَاءَ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتُمْ مَوْضِعَهَا مِنْهُ [لَرَأَيْتُمْ] أَمْرًا عَظِيمًا (¬5) ، يَعْرِضُ لَهُمْ ¬

(¬1) : (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬2) الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ هُنَا عَنِ الْبَيَانِيَّةِ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 1/66 - 67 مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ. وَقَدْ ظَهَرَ بَيَانُ بْنُ سَمْعَانَ النَّهْدِيُّ التَّمِيمِيُّ بِالْعِرَاقِ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ حَرْقًا بِالنَّارِ سَنَةَ 119. انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ فِرْقَتِهِ: لِسَانَ الْمِيزَانِ 2 ; تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ 5/456 - 457 ; الْمَقَالَاتِ لِلْأَشْعَرِيِّ 1/95 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/136 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 7، 138، 145 - 146، 163 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 9، 70، 72 ; أُصُولَ الدِّينِ، ص [0 - 9] 3 - 74، 331 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/44 ; الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/349، 352 - 353 ; فِرَقَ الشِّيعَةِ لِلنُّوبَخْتِيِّ، ص [0 - 9] 9، 50، 55 ; أَعْيَانَ الشِّيعَةِ 14/173 - 174 ; الْبَدْءَ وَالتَّارِيخَ لِمُطَهَّرِ بْنِ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيِّ 5/130، ط. بَارِيسَ، 1916. وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ الْآتِي عَنِ الْبَزِيغِيَّةِ (ص [0 - 9] 03. (¬3) ن: الْأَعْظَمَ. (¬4) ع: قَدَمَيْهِ. وَفِي (ن) الْكَلَامُ نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. (¬5) ب، ا: لَوْ رَأَيْتُمْ مَوْضِعَهَا لَرَأَيْتُمْ مِنْهُ أَمْرًا عَظِيمًا. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي (ع) ، " الْمَقَالَاتِ " 1. وَفِي (ن) ، (م) سَقْطُ كَلِمَةِ " لَرَأَيْتُمْ ".

بِالْعَوْرَةِ وَبِأَنَّهُ (¬1) قَدْ رَآهُ، لَعَنَهُ اللَّهُ [وَأَخْزَاهُ] (¬2) . وَزَعَمَ أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، وَأَرَاهُمْ أَشْيَاءَ مِنَ النِّيرَنْجِيَّاتِ وَالْمَخَارِيقِ (¬3) ، وَذِكَرَ لَهُمْ كَيْفَ ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَزَعَمَ (¬4) أَنَّ اللَّهَ كَانَ وَحْدَهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ تَكَلَّمَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، فَطَارَ فَوَقَعَ فَوْقَ رَأْسِهِ [عَلَى] التَّاجِ (¬5) قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [سُورَةُ الْأَعْلَى: 1] وَذَكَرُوا عَنْهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ أَشْيَاءَ (¬6) يَطُولُ وَصْفُهَا، وَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ (¬7) وَذَكَرُوا عَنِ الْمَنْصُورِيَّةِ أَصْحَابِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ عَنْهُ أَنَّهُ ¬

(¬1) ب، ا: يَعْرِضُ لَهُمْ بِأَنَّهُ. (¬2) وَأَخْزَاهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) ب، ا: الْأَشْيَاءَ مِنَ النَّرَنْجَاتِ وَالْمَخَارِقِ ; ن، م: شَيْئًا مِنَ النِّيرَنْجِيَّاتِ وَالْمَخَارِيقِ ; الْمَقَالَاتِ: أَشْيَاءَ مِنَ النِّيرَنْجَاتِ وَالْمَخَارِيقِ. وَفِي الْقَامُوسِ: النِّيرَنْجُ بِالْكَسْرِ أَخْذٌ كَالسِّحْرِ وَلَيْسَ بِهِ. (¬4) ب، ا: كَيْفَ ابْتِدَاءُ اللَّهِ وَزَعَمَ. . إِلَخْ ; ن، م: كَيْفَ ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَالِقُ فَزَعَمَ. (¬5) ب، ا: فَوَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ التَّاجُ ; ن، م: فَطَارَ فَوْقَ رَأْسِهِ التَّاجُ ; الْمَقَالَاتِ: فَوَقَعَ فَوْقَ رَأْسِهِ التَّاجُ. وَفِي الْفِصَلِ 5/43: فَوَقَعَ عَلَى تَاجِهِ ; الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ (ص [0 - 9] 47) : فَطَارَ ذَلِكَ الِاسْمُ وَوَقَعَ تَاجًا عَلَى رَأْسِهِ ; الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/157: فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجًا. (¬6) ع: وَذُكِرَ عَنْهُ أَشْيَاءُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. (¬7) ن، م: الْقُشَيْرِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْكَلَامُ الْمَرْوِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَفِرْقَتِهِ هُنَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1/68 - 72 مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُ وَعَنْ فِرْقَتِهِ 1/63. وَانْظُرْ أَيْضًا: لِسَانَ الْمِيزَانِ 6 - 78 ; تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ 5/456 - 457 ; الْمَقَالَاتِ 1/95 - 96 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 46 - 148 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 1 - 22، 73 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/43 - 44 ; الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 4/349، 353 ; أُصُولَ الدِّينِ، ص [0 - 9] 4، 331 ; التَّنْبِيهَ لِلْمَلْطِيِّ، ص [0 - 9] 52 - 154 ; فِرَقَ الشِّيعَةِ، ص [0 - 9] 2، 83 - 84 ; الْبَدْءَ وَالتَّارِيخَ 5/130. وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ الْآتِيَ عَنِ الْبَزِيغِيَّةِ. .

قَالَ: إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمُ السَّمَاءُ وَالشِّيعَةَ هُمُ (¬1) الْأَرْضُ، وَأَنَّهُ هُوَ الْكِسْفُ السَّاقِطُ فِي بَنِي هَاشِمٍ (¬2) وَأَنَّهُ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَمَسَحَ مَعْبُودُهُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَيْ بُنَيَّ، اذْهَبْ فَبَلِّغْ عَنِّي، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ (¬3) إِلَى الْأَرْضِ، وَيَمِينُ أَصْحَابِهِ إِذَا حَلَفُوا: لَا وَالْكَلِمَةِ (¬4) . وَزَعَمَ أَنَّ عِيسَى [ابْنَ مَرْيَمَ] (¬5) أَوَّلُ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَأَنَّ رُسُلَ اللَّهِ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا، وَكَفَرَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْجَنَّةَ رَجُلٌ وَأَنَّ النَّارَ رَجُلٌ، وَاسْتَحَلَّ النِّسَاءَ وَالْمَحَارِمَ وَأَحَلَّ ذَلِكَ (¬6) لِأَصْحَابِهِ. وَزَعَمَ أَنَّ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ حَلَالٌ، قَالَ: لَمْ يُحَرِّمِ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَلَا حَرَّمَ شَيْئًا تَقْوَى (¬7) بِهِ [أَنْفُسُنَا] ، (¬8) وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَسْمَاءُ أَسْمَاءُ رِجَالٍ حَرَّمَ اللَّهُ وِلَايَتَهُمْ، وَتَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 93] ، وَأَسْقَطَ الْفَرَائِضَ وَقَالَ: هِيَ أَسْمَاءُ رِجَالٍ أَوْجَبَ اللَّهُ وِلَايَتَهُمْ، فَأَخَذَهُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالِي الْعِرَاقِ (¬9) فِي أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ ¬

(¬1) ع: هِيَ. (¬2) ب، ا: لِبَنِي هَاشِمٍ ; الْمَقَالَاتِ 1: مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. (¬3) ع: فَنَزَلَ بِهِ. (¬4) أ، ب: أَلَا وَالْكَلِمَةِ. (¬5) ابْنَ مَرْيَمَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬6) ب، ا: وَأَصْلُ ذَلِكَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ب، ا: تَتَقَوَّى. (¬8) أَنْفُسُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ب، ا، م: فَأَخَذَهُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَيُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ، أَبُو يَعْقُوبَ، مِنْ وُلَاةِ الْأُمَوِيِّينَ مِنْ أَيَّامِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى عَهْدِ يَزِيدَ بْنِ وَلِيدٍ الَّذِي عَزَلَهُ وَأَوْدَعَهُ السِّجْنَ، حَيْثُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَسْرِيُّ مَنْ قَتْلَهُ أَخْذًا بِثَأْرِ أَبِيهِ، وَذَلِكَ سَنَةَ 127. انْظُرْ: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 6/98 - 110 ; الْأَعْلَامَ 9/320.

فَقَتَلَهُ (¬1) وَالنُّصَيْرِيَّةُ الْمَوْجُودُونَ (¬2) فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ يُشْبِهُونَ هَؤُلَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْوُجُوهِ. وَذَكَرُوا عَنِ الْخَطَّابِيَّةِ أَصْحَابِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ (¬3) أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ أَنْبِيَاءُ مُحَدَّثُونَ وَرُسُلُ اللَّهِ وَحُجَجُهُ عَلَى خَلْقِهِ، لَا يَزَالُ مِنْهُمْ رَسُولَانِ: وَاحِدٌ نَاطِقٌ، وَالْآخَرُ (¬4) صَامِتٌ، فَالنَّاطِقُ مُحَمَّدٌ وَالصَّامِتُ عَلِيٌّ، فَهُمْ فِي الْأَرْضِ الْيَوْمَ طَاعَتُهُمْ مُفْتَرَضَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، يَعْلَمُونَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ [نَبِيٌّ، وَأَنَّ أُولَئِكَ الرُّسُلَ فَرَضُوا طَاعَةَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَقَالُوا: الْأَئِمَّةُ آلِهَةٌ، وَقَالُوا:] (¬5) فِي أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: وَلَدُ الْحُسَيْنِ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، ثُمَّ قَالُوا ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ اللَّهِ: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 29] ، قَالُوا: فَهُوَ آدَمُ وَنَحْنُ وَلَدُهُ، وَعَبَدُوا أَبَا الْخَطَّابِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ إِلَهٌ. وَخَرَجَ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فَقَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى فِي سَبْخَةِ [الْكُوفَةِ، وَهُمْ] (¬6) يَتَدَيَّنُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ (¬7) . ¬

(¬1) انْظُرْ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْعِجْلِيِّ وَالْمَنْصُورِيَّةِ: الْمَقَالَاتِ لِلْأَشْعَرِيِّ 1 - 75 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/158 - 159 ; أُصُولَ الدِّينِ، ص [0 - 9] 33، 331 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 38، 149 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 3 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/45 ; الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/253 ; فِرَقَ الشِّيعَةِ، ص [0 - 9] 9 - 60 ; الْبَدْءَ وَالتَّارِيخَ 5/131 \ 131. (¬2) ن، م: الْمُوَحِّدَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب، ا: أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ع، م، ن: وَآخَرُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أَبُو الْخَطَّابِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ مِقْلَاصٌ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ الْأَجْدَعُ سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُ وَعَنْ فِرْقَتِهِ 1/64 ت [0 - 9] . وَالَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْهُ وَعَنِ الْخَطَّابِيَّةِ هُنَا هُوَ تَقْرِيبًا مَا فِي مَقَالَاتِ الْأَشْعَرِيِّ 1 - 77. وَانْظُرْ أَيْضًا: أُصُولَ الدِّينِ، ص [0 - 9] 98، 331 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 3 - 74 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/48 ; الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/352 ; التَّنَبُّهَ لِلْمَلْطِيِّ، ص [0 - 9] 54 ; فِرَقَ الشِّيعَةِ، ص [0 - 9] 3 - 64 ; الْبَدْءَ وَالتَّارِيخَ 5/131 ; الرِّجَالَ لِلْكَشِّيِّ (ط. الْأَعْلَمِيِّ، النَّجَفَ) ، ص [0 - 9] 46 - 260. وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ الْآتِي عَنِ الْبَزِيغِيَّةِ. وَفِي هَامِشِ (ع) كَتَبَ مُسْتَجِي زَادَه التَّعْلِيقَ التَّالِيَ: " وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى بَيَانِ بْنِ سَمْعَانَ الَّتِي يُقَالُ لَهُمُ الْبَيَانِيَّةُ، وَالطَّائِفَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى أَبِي مَنْصُورٍ الَّتِي يُقَالُ لَهُمُ الْمَنْصُورِيَّةُ، وَالطَّائِفَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى أَبِي الْخَطَّابِ الَّتِي يُقَالُ لَهُمُ الْخَطَّابِيَّةُ: كُلُّهُمْ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ، وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْمَحَارِمَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِعَدَمِ انْقِطَاعِ النُّبُوَّةِ وَبِارْتِفَاعِ التَّكَالِيفِ، وَأَنَّهُمْ أَقْدَمُ الْبَاطِنِيَّةِ، وَالْبَيَانِيَّةُ أَقْدَمُ أَلْوَانِ (؟) الدُّرُوزِ، وَالنُّصَيْرِيَّةُ مِنْ شِيعَتِهِمْ، وَالْحَمْزَوِيَّةُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ. وَالْمَقَالَاتُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى بَيَانِ بْنِ سَمْعَانَ أَخَذَ بِهَا بَعْدَهُ طَائِفَةٌ يُقَالُ لَهُمُ الْبَاطِنِيَّةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَمِمَّنِ اشْتُهِرَ مِنْهُمْ حَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ الَّذِي جَاءَ فِي عَصْرِ مَلِكْشَاه السَّلْجُوقِيِّ، وَأَلَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً يُبَيِّنُ مَقَالَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ وَيَنْصُرُهُمْ وَيُنَافِحُ عَنْهُمْ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْقِلَاعِ فِي فَارِسَ وَجُبَيْلٍ (؟) وَتَسَلْطَنَ هُنَاكَ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: صَاحِبُ الْقِلَاعِ، وَقَدْ حَاوَلَ الرَّدَّ وَإِبْطَالَ كَلَامِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُمُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ الطُّوسِيُّ: أَلَّفَ فِي إِبْطَالِ كَلَامِهِ كُتُبًا كَثِيرَةً، وَالنُّصَيْرِيَّةُ وَالدُّرُوزُ الَّذِينَ كَانُوا فِي نَوَاحِي الشَّامِ وَمِنْهُمْ بَنُو الْعُبَيْدِ وَيُقَالُ لَهُمُ الْفَاطِمِيُّونَ أَيْضًا، اسْتَوْلَوْا عَلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ أَوَّلًا، ثُمَّ عَلَى بِلَادِ. . . وَمِصْرَ، وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الرُّومِ يُقَالُ لَهُمُ الْحَمْزَوِيَّةُ وَالْبَيْرَامِيَّةُ كَانُوا عَلَى مَسْلَكِ هَؤُلَاءِ الْبَاطِنِيَّةِ. وَالْجَمِيعُ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقَ الرَّوَافِضِ الْغَالِيَةِ الَّذِينَ قَالُوا بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَعَدَمِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَبِالتَّجْسِيمِ وَالتَّنَاسُخِ وَالْحُلُولِ "

وَذَكَرُوا عَنِ الْبَزِيغِيَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ (¬1) : إِنَّ جَعْفَرَ [بْنَ] مُحَمَّدٍ هُوَ اللَّهُ (¬2) ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي يُرَى، وَأَنَّهُ يُشَبَّهُ لِلنَّاسِ (¬3) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَزَعَمُوا أَنَّ ¬

(¬1) أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ب) فَقَطِ: الْبَزْهِيَّةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَفِي (ن) ، (م) : الرَّبْعِيَّةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ أَيْضًا. (¬2) ن، م: يَقُولُونَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ هُوَ اللَّهُ. (¬3) ع: يُشْبِهُ النَّاسَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَفِي (ن) ، الْمَقَالَاتِ 1/78: تَشَبَّهَ لِلنَّاسِ. وَفِي الْخِطَطِ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/352: تَشَبَّهَ عَلَى النَّاسِ.

كُلَّ مُحَدِّثٍ (¬1) فِي قُلُوبِهِمْ وَحْيٌ، وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يُوحَى إِلَيْهِ (¬2) . وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬3) : " وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ (¬4) بِإِلَهِيَّةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ". قَالَ: (¬5) " وَفِي النُّسَّاكِ مِنَ الصُّوفِيَّةِ مَنْ يَقُولُ بِالْحُلُولِ، وَأَنَّ الْبَارِئَ يَحِلُّ فِي الْأَشْخَاصِ، (6 وَأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَحِلَّ فِي إِنْسَانٍ وَسَبُعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْخَاصِ 6) (¬6) ، وَأَصْحَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إِذَا رَأَوْا شَيْئًا يَسْتَحْسِنُونَهُ قَالُوا: لَا ¬

(¬1) الْمَقَالَاتِ: كُلَّ مَا يَحْدُثُ. (¬2) الْبَزِيغِيَّةُ أَصْحَابُ بَزِيغِ بْنِ مُوسَى الْحَائِكِ وَهُوَ مِنْ أَتْبَاعِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَقَدْ نَقَلَتْ كُتُبُ رِجَالِ الشِّيعَةِ عَنْ " الْكَشِّيِّ " خَبَرًا يَلْعَنُهُ فِيهِ مَعَ آخَرِينَ جَاءَ فِيهِ (الرِّجَالِ لِلْكَشِّيِّ، ص [0 - 9] 57 - 258) : عَنِ ابْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ (ع) : إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ صَادِقُونَ لَا نَخْلُو مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ عَلَيْنَا. . كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَصْدَقَ الْبَرِيَّةِ لَهْجَةً وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ يَكْذِبُ عَلَيْهِ. . ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثَ الشَّامِيَّ وَبَنَانَ فَقَالَ: كَانَ يَكْذِبَانِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) ثُمَّ ذَكَرَ الْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ وَبَزِيعًا وَالسَّرِيَّ وَأَبَا الْخَطَّابِ وَمَعْمَرًا وَبَشَّارًا الْأَشْعَرِيَّ وَحَمْزَةَ الْيَزِيدِيَّ وَصَائِدًا النَّهْدِيَّ وَقَالَ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَإِنَّا لَا نَخْلُو مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ عَلَيْنَا. . إِلَخْ " وَقَدْ نَقَلَ هَذَا الْخَبَرَ الْعَامِلِيُّ فِي " أَعْيَانِ الشِّيعَةِ " 13/231 - 232 وَسَمَّاهُ مِثْلَهُ: " بَزِيعًا " كَمَا نَقَلَ عَنْهُ خَبَرًا آخَرَ جَاءَ فِيهِ (ص [0 - 9] 58) : عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَقَالَ: مَا فَعَلَ بَزِيعٌ؟ فَقُلْتُ لَهُ: قُتِلَ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ الْمُغِيرِيَّةِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتُوبُونَ أَبَدًا ". وَأَنْكَرَ الْعَامِلِيُّ أَنْ يَكُونَ بَزِيعًا هَذَا هُوَ بَزِيعٌ الْمُؤَذِّنُ أَوْ بَزِيعٌ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الطُّوسِيُّ ضِمْنَ رِجَالِ الصَّادِقِ (انْظُرْ رِجَالَ الطُّوسِيِّ، ص [0 - 9] 59) . وَانْظُرْ عَنْ بِزَيْغٍ وَالْبَزِيغِيَّةِ أَيْضًا: الْمَقَالَاتِ 1/77 - 78 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/160 ; أُصُولَ الدِّينِ، ص [0 - 9] 95 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 51 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 4 ; الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/352 ; فِرَقَ الشِّيعَةِ، ص [0 - 9] 4 (وَجَاءَ فِي التَّعْلِيقِ: وَبَعْضُهُمْ ضَبَطَهُ " بَزِيغٌ " بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّحِيحُ بِالْمُهْمَلَةِ) ; الْبَدْءَ وَالتَّارِيخَ 5/130 130 - 131. (¬3) فِي الْمَقَالَاتِ 1/79 \ 79. (¬4) الْمَقَالَاتِ: وَقَدْ قَالَ فِي عَصْرِنَا هَذَا قَائِلُونَ. . (¬5) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/80 - 81. (¬6) : (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

نَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ حَالٌّ فِيهِ، وَمَالُوا إِلَى اطِّرَاحِ الشَّرَائِعِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَلَا يَلْزَمُهُ عِبَادَةٌ إِذَا وَصَلَ إِلَى مَعْبُودِهِ ". قَالَ (¬1) : " وَمِنَ الْغَالِيَةِ مَنْ يَزْعُمُ (¬2) أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ هُوَ اللَّهُ: كَانَتْ (¬3) فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ فِي عَلِيٍّ، ثُمَّ فِي الْحَسَنِ، ثُمَّ فِي الْحُسَيْنِ، ثُمَّ فِي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ فِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ فِي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ فِي عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، (4 ثُمَّ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى 4) (¬4) ، [ثُمَّ فِي عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى] (¬5) ثُمَّ فِي الْحَسَنِ بْنِ [عَلِيِّ] (¬6) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ فِي مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ". قَالَ: " وَهَؤُلَاءِ آلِهَةٌ (¬7) عِنْدَهُمْ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَهٌ عَلَى التَّنَاسُخِ، وَالْإِلَهُ عِنْدَهُمْ يَدْخُلُ فِي الْهَيَاكِلِ " وَهَؤُلَاءِ هُمْ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةِ (¬8) . قَالَ (¬9) : " وَمِنَ الْغَالِيَةِ صِنْفٌ (¬10) يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ اللَّهُ، وَيُكَذِّبُونَ ¬

(¬1) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/81 - 82. (¬2) الْمَقَالَاتِ: وَالصِّنْفُ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْغَالِيَةِ يَزْعُمُونَ. . . وَفِي (ع) : وَمِنَ الْعَالَمِيَّةِ مَنْ يَزْعُمُ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَفِي (ن) ، (م) : مَنْ زَعَمَ. (¬3) ع: كَانَ. (¬4) : (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، وَالْكَلَامُ فِي (م) فِي هَذِهِ الْأَسْطُرِ نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، وَالْكَلَامُ فِي (م) فِي هَذِهِ الْأَسْطُرِ نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. (¬7) ب، ا: الْآلِهَةُ. (¬8) ع، م: الِاثْنَيْ عَشَرَ. (¬9) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/82. (¬10) الْمَقَالَاتِ: وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ أَصْنَافِ الْغَالِيَةِ.

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَشْتُمُونَهُ، وَيَقُولُونَ: إِنْ عَلِيًّا وَجَّهَ بِهِ لِيُبَيِّنَ أَمْرَهُ، فَادَّعَى الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ ". قَالَ: (¬1) " وَمِنْهُمْ صِنْفٌ (¬2) يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي (¬3) خَمْسَةِ أَشْخَاصٍ: فِي النَّبِيِّ، وَعَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، وَفَاطِمَةَ فَهَؤُلَاءِ آلِهَةٌ (¬4) [عِنْدَهُمْ] " (¬5) . (6 وَلَهُمْ خَمْسَةُ أَضْدَادٍ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَمُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَضْدَادَ مَحْمُودَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فَضْلُ الْأَشْخَاصِ الْخَمْسَةِ إِلَّا بِأَضْدَادِهَا، فَهِيَ مَحْمُودَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هِيَ مَذْمُومَةٌ لَا تُحْمَدُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ 6) (¬6) . قَالَ (¬7) : " وَمِنْهُمْ صِنْفٌ يُقَالُ لَهُمُ السَّبَئِيَّةُ (¬8) أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَمُتْ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، وَذَكَرُوا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ أَنْتَ. وَالسَّبَئِيَّةُ يَقُولُونَ بِالرَّجْعَةِ وَأَنَّ الْأَمْوَاتَ يَرْجِعُونَ إِلَى الدُّنْيَا، وَكَانَ السَّيِّدُ ¬

(¬1) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/82 - 83. (¬2) الْمَقَالَاتِ: وَالصِّنْفُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْغَالِيَةِ هُمْ أَصْحَابُ الشَّرِيعِيِّ. (¬3) تَعَالَى فِي: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن) ، (م) : أَنَّ اللَّهَ فِي. وَفِي " الْمَقَالَاتِ ": أَنَّ اللَّهَ حَلَّ فِي خَمْسَةِ أَشْخَاصٍ. . . إِلَخْ. (¬4) آلِهَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) (6 - 6) : هَذَا الْكَلَامُ تَلْخِيصٌ لِمَا فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/84 - 85. (¬7) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/85 - 86. (¬8) الْمَقَالَاتِ 1/85: وَالصِّنْفُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْغَالِيَةِ وَهُمُ السَّبَئِيَّةُ. . . وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَالسَّبَئِيَّةِ 1/25 (ت [0 - 9] ) . وَفِي (ع) السَّبَائِيَّةُ.

الْحِمْيَرِيُّ (¬1) يَقُولُ بِرَجْعَةِ الْأَمْوَاتِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ: إِلَى يَوْمٍ يَئُوبُ النَّاسُ فِيهِ (¬2) إِلَى دُنْيَاهُمْ قَبْلَ الْحِسَابِ (¬3) قَالَ (¬4) : " وَمِنْهُمْ صِنْفٌ (¬5) يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ وَكَلَ الْأُمُورَ وَفَوَّضَهَا إِلَى مُحَمَّدٍ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬6) ، وَأَنَّهُ أَقْدَرَهُ عَلَى خَلْقِ الدُّنْيَا فَخَلَقَهَا وَدَبَّرَهَا، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَيَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي عَلِيٍّ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ يَنْسَخُونَ الشَّرَائِعَ، وَتَهْبِطُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَتَظْهَرُ عَلَيْهِمْ أَعْلَامُ الْمُعْجِزَاتِ وَيُوحَى إِلَيْهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَى السَّحَابِ، وَيَقُولُ إِذَا مَرَّتْ سَحَابَةٌ: إِنَّ عَلِيًّا فِيهَا (¬7) . [وَفِيهِمْ يَقُولُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ] (¬8) : بَرِئْتُ مِنَ الْخَوَارِجِ لَسْتُ مِنْهُمْ ... مِنَ الْغَزَّالِ مِنْهُمْ وَابْنِ بَابِ (¬9) ¬

(¬1) ب، ا: السَّيِّدُ الْحَمْرِيُّ ; ن: السَّيِّدُ الْخَمْرِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيُّ مِنْ شُعَرَاءِ الرَّافِضَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وُلِدَ سَنَةَ 105 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 173. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 1/436 - 438 ; فَوَاتِ الْوَفَيَاتِ 1/32 - 36 ; أَعْيَانِ الشِّيعَةِ 12/85 - 165 ; رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، ص [0 - 9] 9 - 31 ; تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ لِبُرُوكِلْمَانْ 2/68 - 69 ; الْأَعْلَامِ 1/320 - 321. (¬2) ب، أ: إِلَى يَوْمٍ يَؤُمُّ النَّاسَ فِيهِمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) ، (ن) ، الْمَقَالَاتِ 1/86 (¬3) ع: قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ. (¬4) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/86 - 87. (¬5) الْمَقَالَاتِ 1/86: وَالصِّنْفُ الْخَامِسُ مِنْ أَصْنَافِ الْغَالِيَةِ. (¬6) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬7) ع: وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَى السَّحَابِ إِذَا مَرَّتْ عَلَيْهِ سَحَابَةٌ، يَرَى أَنَّ عَلِيًّا فِيهَا. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَسَقَطَ بَعْضُهُ مِنْ (م) . (¬9) ن: لَا يُوجَدُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ مُحَرَّفَةٍ ; ب، أ، ع،: مِنَ الْعُزَّالِ مِنْهُمْ وَابْنِ دَابِ، وَالصَّوَابُ مِنَ: الْمَقَالَاتِ 1/87 ; الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 1، 144. وَالْغَزَّالُ هُوَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ، وَابْنُ بَابٍ هُوَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ بَابٍ.

وَمِنْ قَوْمٍ إِذَا ذَكَرُوا عَلِيًّا يَرُدُّونَ السَّلَامَ عَلَى السَّحَابِ (¬1) فَهَذَا بَعْضُ مَا نَقَلَهُ (¬2) الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ، وَهُوَ بَعْضُ مَا فِيهِمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ وَالنُّصَيْرِيَّةَ لَمْ يَكُونُوا حَدَّثُوا إِذْ ذَاكَ (¬3) وَالنُّصَيْرِيَّةُ (¬4) مِنْ نَوْعِ الْغُلَاةِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ مَلَاحِدَةٌ أَكْفَرُ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ. وَمِنْ [شِيعَةِ] (¬5) النُّصَيْرِيَّةِ [مَنْ يَقُولُ:] (¬6) أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا ... حَيْدَرَةُ الْأَنْزَعُ (¬7) الْبَطِينُ (8 وَلَا حِجَابٌ عَلَيْهِ إِلَّا ... مُحَمَّدُ الصَّادِقُ الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقٌ إِلَيْهِ 8) (¬8) إِلَّا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (¬9) ¬

(¬1) الْبَيْتَانِ فِي " الْمَقَالَاتِ " وَفِي " الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَنَسَبَهُمَا ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ الْعَدَوِيِّ، وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ، رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 131 (انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/243 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 1/226) . أَمَّا الْمُبَرِّدُ فَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْتَيْنِ مَعَ آخَرَيْنَ بَعْدَهُمَا فِي كِتَابِهِ " الْكَامِلِ " 2/123 (ط. التِّجَارِيَّةِ، 1365) نَقْلًا عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، وَلَكِنَّهُ أَنْكَرَ نِسْبَتَهُمَا إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ الْعَدَوِيِّ. (¬2) ع: ذَكَرَهُ. (¬3) ن، م: أَحْدَثُوا ذَلِكَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب، أ: النُّصَيْرِيَّةُ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَنِ النُّصَيْرِيَّةِ 1/12. وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ فِي الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ ص 97 - 99، 101. (¬5) ب، ا: شَرَعَ ; ن، م: شِعْرِ. (¬6) مَنْ يَقُولُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) ن: الْأَمْرَعُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) (8 - 8) فِي (ع) ، (ن) ، (م) . وَفِي (أ) :. . . الْبَطِينُ إِلَيْهِ إِلَّا سَلْمَانُ. وَفِي (ب) : الْبَطِينُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا سَلْمَانُ. . إِلَخْ. (¬9) أَوْرَدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ مُرِّيٍّ الشَّافِعِيُّ فِي اسْتِفْتَائِهِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ عَنِ النُّصَيْرِيَّةِ ذَاكِرًا أَنَّهَا مِنْ إِنْشَادِ بَعْضِ أَكَابِرِ رُؤَسَاءِ النُّصَيْرِيَّةِ فِي سَنَةِ 700. انْظُرْ رِسَالَةَ الرَّدِّ عَلَى النُّصَيْرِيَّةِ، ص [0 - 9] 5، مَجْمُوعَ الرَّسَائِلِ، نَشْرَ الْخَانْجِيِّ، 1323. وَقَدْ نَبَّهَنِي إِلَى ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى " الْمُنْتَقَى "، ص [0 - 9] 02

وَيَقُولُونَ: إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ أَسْمَاءُ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، [وَالثَّلَاثُونَ (¬1) أَسْمَاءُ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً، وَأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ عِبَارَةٌ عَنْ خَمْسَةِ أَسْمَاءٍ، وَهِيَ: عَلِيٌّ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ وَمُحْسِنٌ وَفَاطِمَةُ] (¬2) ، إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْكُفْرِ الشَّنِيعِ الَّذِي (¬3) يَطُولُ وَصْفُهُ (¬4) . وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الْغَالِيَةَ فِي وَصْفِ الرَّبِّ بِالْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ الْمُتَضَمِّنَةَ تَشْبِيهِ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ فِي (5 صِفَاتِ النَّقْصِ وَتَشْبِيهِ الْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ فِي 5) (¬5) خَصَائِصِ الْإِلَهِيَّةِ هِيَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الشِّيعَةِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، فَلَا يُوجَدُ فِي طَوَائِفِ الْأُمَّةِ أَشْنَعُ فِي الْحُلُولِ وَالتَّمْثِيلِ وَالتَّعْطِيلِ مِمَّا يُوجَدُ فِيهِمْ. وَلِهَذَا صَارَتِ الْمَلَاحِدَةُ وَالْغَالِيَةُ عَلَمَيْنِ عَلَى بَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ (¬6) إِلَيْهِمْ، فَالْمَلَاحِدَةُ عَلَمٌ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَالْغَالِيَةُ عَلَمٌ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْإِلَهِيَّةِ فِي الْبَشَرِ (¬7) (8 كَالنُّصَيْرِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ بِالْغُلُوِّ وَادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ فِي الْبَشَرِ 8) (¬8) ¬

(¬1) فِي (ع) : وَالثَّلَاثِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ب، ا: وَصْفُهَا ; ن: قَطْعُهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) : (5 - 5) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬6) ب، ا، ن، م: يُنْسَبُ. (¬7) ب، ا: فِي الشُّرَكَاءِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) (8 - 8) : سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

[هُمُ] النَّصَارَى وَالْغَالِيَةُ مِنَ الشِّيعَةِ (¬1) ، وَقَدْ يُوجَدُ بَعْضُ الْإِلْحَادِ وَالْغُلُوِّ فِي غَيْرِهِمْ مِنَ النُّسَّاكِ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنِ الَّذِي فِيهِمْ [أَكْثَرُ وَ] أَقْبَحُ (¬2) . وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، كَانَ الَّذِي يَطْعَنُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِأَنَّ فِيهِمْ تَجْسِيمًا [وَحُلُولًا] (¬3) وَيُثْنِي عَلَى طَائِفَةِ الْإِمَامِيَّةِ: إِمَّا مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَقَالَاتِ شِيعَتِهِ، وَإِمَّا مَنْ أَعْظَمِ النَّاسِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَعُدُولًا (¬4) عَنِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ فِي الْمُقَابَلَةِ وَالْمُوَازَنَةِ (¬5) . ثُمَّ أَهْلُ السُّنَّةِ يَطْلُبُونَ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ (¬6) أَنْ يَقْطَعُوا سَلَفَهُمْ بِالْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ أَوِ الشَّرْعِيَّةِ، (¬7) وَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُجَسِّمُونَ [مِنَ الشِّيعَةِ مِنْهُمْ] (¬8) مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ الْكَلَامِ ¬

(¬1) ب: وَادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ فِي الشَّرْعِ النَّصَارَى وَالْغَالِيَةُ فِي الشِّيعَةِ ; أ، ن، م: وَادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ فِي الشَّرِّ النَّصَارَى وَالْغَالِيَةُ فِي الشِّيعَةِ. (¬2) ن، م: الَّذِي فِيهِمْ أَقْبَحُ. (¬3) وَحُلُولًا: فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) وَعُدْوَانًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ; وَعُدُولًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) بِقَوْلِهِ: " قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ نَصِيرُ الدِّينِ الطُّوسِيُّ وَتِلْمِيذُهُ الَّذِي هُوَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ - وَيُقَالُ لَهُ ابْنُ مُطَهِّرٍ الْحِلِّيُّ - كِلَاهُمَا أَجْهَلُ الْخَلْقِ فِي الْمَنْقُولَاتِ وَالرِّوَايَاتِ، سِيَّمَا فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، لِغُلُوِّهِمُ التَّامِّ فِي أَنْوَاعِ الْفَلْسَفَةِ وَأَبْوَابِهَا وَتَعَمُّقِهِمْ فِيهَا، فَذُهِلُوا عَنِ الْوُقُوفِ عَلَى أَحْوَالِ قُدَمَائِهِمُ الَّذِينَ بِهِمْ يَقْتَدُونَ فِي الرَّفْضِ وَالتَّشَيُّعِ، وَلَهُمُ اتَّبَعُوا فِي قَوْلِهِمْ بِإِمَامَةِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مَعْرِفَةُ الشَّرَائِعِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِأَحَدٍ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ ". (¬6) ع: الْمُسْتَأْخِرِينَ. (¬7) ب، ا، ن، م: وَالشَّرْعِيَّةِ. (¬8) ب، ا: هُمْ. وَسَقَطَتْ مِنْ (ن) ، (م) عِبَارَةُ " مِنَ الشِّيعَةِ مِنْهُمْ ".

الْمُتَكَلِّمِينَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ: فِي الْجَلِيلِ وَالدَّقِيقِ، وَلَهُمْ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬1) : " وَرِجَالُ (¬2) الرَّافِضَةِ وَمُؤَلِّفُو كُتُبِهِمْ (¬3) هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ (¬4) وَعَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ (¬5) وَيُونُسُ (¬6) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُمِّيِّ وَالسَّكَّاكُ (¬7) ¬

(¬1) فِي الْمَقَالَاتِ 1/127. (¬2) الْمَقَالَاتِ (ط. مُحْيِي الدِّينِ عَبْدِ الْحَمِيدِ) : رِجَالُ ; الْمَقَالَاتِ (ط. رُيْتَرَ) 1/63: وَرِجَالُ. (¬3) ن، م: الرَّافِضَةِ وَمَوَالِيهِمْ. . . (¬4) قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 1/88 - 89: " فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمُ (الرَّافِضَةُ) وَهُمُ الْقَطْعِيَّةُ، وَإِنَّمَا سُمُّوا قَطْعِيَّةً لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى مَوْتِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُمْ جُمْهُورُ الشِّيعَةِ ". وَنَقَلَ الشَّيْخُ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّينِ عَبْد الْحَمِيدِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ نَشْوَانَ الْحِمْيَرِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْحُورِ الْعِينِ " ص [0 - 9] 84 أَنَّ مِنَ الْقَطْعِيَّةِ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ. وَظَنَّ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ أَنَّ ابْنَ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيَّ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْقَطْعِيَّةَ غَيْرُ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةِ وَغَيْرُ الْهَاشِمِيَّةِ، وَلَكِنَّ ابْنَ طَاهِرٍ يَنُصُّ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَيَقُولُ عَنِ الْقَطْعِيَّةِ (الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 0) : " وَيُقَالُ لَهُمُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةُ أَيْضًا لِدَعْوَاهُمْ أَنَّ الْإِمَامَ الْمُنْتَظَرَ هُوَ الثَّانِي عَشَرَ " وَيَقُولُ عَنِ الْهَاشِمِيَّةِ (ص [0 - 9] 0 - 41) : " وَكِلْتَا الْفِرْقَتَيْنِ (أَتْبَاعُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَهِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ) قَدْ ضَمَّتْ إِلَى حَيْرَتِهِ فِي الْإِمَامِيَّةِ ضَلَالَتَهَا فِي التَّجْسِيمِ وَبِدْعَتَهَا فِي التَّشْبِيهِ ". وَانْظُرْ أَيْضًا: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/150 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 23 ; الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/351 ; فِرَقَ الشِّيعَةِ لِابْنِ النُّوبَخْتِيِّ، ص [0 - 9] 01 ; الْبَدْءَ وَالتَّارِيخَ 5/128. وَقَارِنْ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ فِي: التَّنَبُّهِ لِلْمَلْطِيِّ، ص [0 - 9] 8 ; اعْتِقَادَاتِ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ لِلرَّازِيِّ، ص [0 - 9] 4. (¬5) ذَكَرَهُ النَّجَاشِيُّ فِي رِجَالِهِ (ص [0 - 9] 89) فَقَالَ: " عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ، أَبُو الْحَسَنِ، كُوفِيٌّ سَكَنَ بَغْدَادَ، مُتَكَلِّمٌ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ، لَهُ كُتُبٌ مِنْهَا كِتَابُ التَّدْبِيرِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْإِمَامَةِ ". (¬6) ب، ا: وَيُوَفِّرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن، م: الشَّكَّالُ. وَكَذَا سَمَّاهُ ابْنُ النَّدِيمِ (الْفِهْرِسْتِ، ص [0 - 9] 76) وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/170) وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ، أَبُو جَعْفَرٍ السَّكَّاكُ. قَالَ النَّجَاشِيُّ (الرِّجَالِ ص [0 - 9] 52) : " بَغْدَادِيٌّ يَعْمَلُ السِّكَاكَ، صَاحِبُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَتِلْمِيذُهُ أَخَذَ عَنْهُ، لَهُ كُتُبٌ مِنْهَا كِتَابُ فِي الْإِمَامَةِ، وَكِتَابٌ سَمَّاهُ التَّوْحِيدَ - وَهُوَ تَشْبِيهٌ - وَقَدْ نُقِضَ عَلَيْهِ " وَزَادَ الطُّوسِيُّ فِي أ (ص [0 - 9] 58) كَلَامًا أَكْثَرُهُ مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ النَّدِيمِ فَقَالَ: " وَكَانَ مُتَكَلِّمًا وَخَالَفَ هِشَامًا فِي أَشْيَاءَ إِلَّا فِي أَصْلِ الْإِمَامَةِ، لَهُ كُتُبٌ مِنْهَا كِتَابُ الْمَعْرِفَةِ، وَكِتَابُ الِاسْتِطَاعَةِ وَكِتَابُ الْإِمَامَةِ، وَكِتَابُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَبَى وُجُوبَ الْإِمَامَةِ بِالنَّصِّ ". وَنَقَلَ كَلَامَ الطُّوسِيِّ ابْنُ (شَهْرَاشوب) (مَعَالِمَ الْعُلَمَاءِ، ص [0 - 9] 5) وَالْعَامِلِيُّ (أَعْيَانَ الشِّيعَةِ 44/323) وَلَكِنَّ الْعَالَمِيَّ سَمَّاهُ " السَّكَّاكِيَّ ".

وَأَبُو الْأَخْوَصِ دَاوُدُ بْنُ أَسَدٍ الْبَصْرِيُّ (¬1) " قَالَ: " وَقَدِ انْتَحَلَهُمْ أَبُو عِيسَى الْوَرَّاقُ وَابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ وَأَلَّفَ لَهُمْ (¬2) كُتُبًا فِي الْإِمَامَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْمَقَالَاتُ الَّتِي نَقَلَهَا لَا تُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمَعْرُوفِينَ بِمَذْهَبِ [أَهْلِ] (¬3) السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: [لَا] (¬4) مِنْ أَئِمَّةِ (¬5) ¬

(¬1) ب، ا: وَأَبُو الْأَخْوَصِ دَاوُدُ بْنُ رَاشِدٍ الْبَصْرِيُّ ; ع: وَأَبُو الْأَخْوَصِ دَاوُدُ بْنُ رَاشِدٍ الْبَصْرِيُّ ; ن، م: وَأَبُو الْأَحْوَصِ دَاوُدُ بْنُ أَسَدٍ الْبَصْرِيُّ ; الْمَقَالَاتِ: أَبُو الْأَحْوَصِ دَاوُدُ بْنُ رَاشِدٍ الْبَصْرِيُّ. وَقَدِ اخْتَلَفَتْ كُتُبُ رِجَالِ الشِّيعَةِ فِي اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَلَقَبِهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ (الرِّجَالَ، ص [0 - 9] 20) : " دَاوُدُ بْنُ أَسَدِ بْنِ أَعْفُرَ، أَبُو الْأَخْوَصِ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، شَيْخٌ جَلِيلٌ فَقِيهٌ مُتَكَلِّمٌ، مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، ثِقَةٌ ثِقَةٌ ". وَنَقَلَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيُّ فِي رِجَالِهِ (ص [0 - 9] 9) كَلَامَ النَّجَاشِيِّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " دَاوُدُ: أَسَدُ بْنُ عُفَيْرٍ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - أَبُو الْأَحْوَصِ الْبَصْرِيُّ ". وَقَالَ الطُّوسِيُّ فِي الْفِهْرِسْتِ (ص [0 - 9] 21) : " أَبُو الْأَحْوَصِ الْمِصْرِيُّ، مِنْ جِلَّةِ مُتَكَلِّمِي الْإِمَامِيَّةِ، لَقِيَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى النُّوبَخْتِيُّ وَأَخَذَ عَنْهُ " وَأَمَّا ابْنُ ذ فَقَالَ فِي مَعَالِمِ الْعُلَمَاءِ (ص [0 - 9] 39) : " أَبُو الْأَحْوَصِ الْبَصْرِيُّ، مُتَكَلِّمٌ، لَقِيَ الْحَسَنَ النُّوبَخْتِيَّ وَأَخَذَ عَنْهُ، لَهُ كِتَابُ الرَّدِّ عَلَى الْعُثْمَانِيَّةِ ". وَذَكَرَ الْعَامِلِيُّ فِي: أَعْيَانِ الشِّيعَةِ 6/92 بَعْضَ هَذَا الْخِلَافِ فَقَالَ: " أَبُو الْأَحْوَصِ الْمِصْرِيُّ أَوِ الْبَصْرِيُّ، اسْمُهُ دَاوُدُ بْنُ أَسَدِ بْنِ عُفَيْرٍ أَوْ أَعْفُرَ " وَانْظُرْ تَعْلِيقَ رِتِير عَلَى الْمَقَالَاتِ 1/63. (¬2) ع: وَأَلْغَا لَهُمْ ; ن، م: وَأَلْقَى إِلَيْهِمْ. (¬3) أَهْلِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) لَا: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) ب، ا: وَمِنْ أَئِمَّةِ.

أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا مَالِكٍ وَلَا الشَّافِعِيِّ وَلَا أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: لَا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، فَلَا يُعْرَفُ فِي هَؤُلَاءِ (¬1) مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ طَوِيلٌ عَرِيضٌ عَمِيقٌ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمُصَافَحَةُ، وَأَنَّ الصَّالِحِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (¬2) يُعَايِنُونَهُ فِي الدُّنْيَا (¬3) ، فَإِنْ (¬4) كَانَ مَقْصُودُهُ بِجَمَاعَةِ الْحَشْوِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ بَعْضَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ (¬5) كَذِبٌ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ كُتُبُ هَذِهِ الطَّوَائِفِ، وَرِجَالُهُمُ الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ لَا يُعْرَفُ عَنْ (¬6) أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ الْمَعْرُوفُونَ بِالْعِلْمِ فِيهِمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا بِالْعُيُونِ وَإِنَّمَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ» " (¬7) ". . وَالْمَذْهَبُ الشَّائِعُ الظَّاهِرُ فِيهِمْ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَنَّ اللَّهَ ¬

(¬1) ع: وَلَا يُعْرَفُ هَؤُلَاءِ ; ب، ا: فَلَا يُعْرَفُ مِنْ هَؤُلَاءِ. (¬2) ع: الْمُصْلِحِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. (¬3) فِي الدُّنْيَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ع: وَإِنْ. (¬5) ن، م: فَهَذَا. (¬6) ب (فَقَطْ) : مِنْ. (¬7) الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ 4/2245 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ) وَنَصُّهُ: " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ". وَقَالَ: تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/345 (كِتَابُ الْفِتَنِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الدَّجَّالِ) . وَفِيهِ: " تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَرَى. . " الْحَدِيثَ. وَرَوَى الدَّارِمِيُّ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " ص [0 - 9] 1 وَفِيهِ: وَقَالَ: " تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ ". وَوَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِمَعْنَاهَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ طَوِيلٍ عَنْ أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ فِيهِ (سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/36 كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) : " أَنَّهُ يَبْدَأُ فَيَقُولُ: أَنَا نَبِيٌّ وَلَا نَبِيَّ بَعْدِي ثُمَّ يُثَنِّي فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، وَلَا تَرَوْنَ رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا. . . الْحَدِيثَ

تَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ، وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَانَ مُبْتَدِعًا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِمْ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ أَئِمَّتِهِمْ وَلَا الَّذِينَ يُفْتَى بِقَوْلِهِمْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ مَقَالَةً عَنْ طَائِفَةٍ فَلْيُسَمِّ الْقَائِلَ وَالنَّاقِلَ، وَإِلَّا فَكَلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى الْكَذِبِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا تَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْأَقْوَالَ وَمَا هُوَ أَشْنَعُ مِنْهَا مِنْ (¬1) أَقْوَالِ سَلَفِ (¬2) الْإِمَامِيَّةِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الطَّائِفَةَ إِنَّمَا تَتَمَيَّزُ (¬3) بَاسِمِ رِجَالِهَا أَوْ بِنَعْتِ أَحْوَالِهَا، فَالْأَوَّلُ كَمَا يُقَالُ: النَّجَدَاتُ (¬4) . ¬

(¬1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) ن، م: سَلَفِهِ. (¬3) أ: يَنْتَمِي ; تُسَمَّى ; م: تُمَيَّزُ. (¬4) النَّجَدَاتُ - وَيُقَالُ لَهُمُ النَّجْدِيَّةُ - أَتْبَاعُ نَجْدَةَ بْنِ عَامِرٍ - أَوْ عُوَيْمِرٍ الْحَنَفِيِّ، وَهُوَ مَنْ بَنِي حَنِيفَةَ، كَانَ مِنْ أَتْبَاعِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ ثُمَّ فَارَقَهُ وَخَرَجَ مُسْتَقِلًّا بِالْيَمَامَةِ سَنَةَ 66 أَيَّامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ وَمَا حَوْلَهُمَا وَتَسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ نَقَمَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ فَقَتَلُوهُ سَنَةَ 69. وَخَالَفَ النَّجَدَاتُ سَائِرَ الْخَوَارِجِ فِي أُمُورٍ: مِنْهَا: عَدَمُ قَوْلِهِمْ بِأَنَّ كُلَّ كَبِيرَةٍ كَفْرٌ، وَبِأَنَّ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا دَائِمًا، وَحُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى إِمَامٍ وَأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَكِّمُوا كِتَابَ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَيَذْكُرُ عَنْهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا بَعْدُ 3/62 (ب) أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرَهَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ نَجْدَةَ، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَجَابَهُ عَنْ مَسَائِلَ سَأَلَهُ عَنْهَا وَجَاءَ حَدِيثُهُ فِي الْبُخَارِيِّ (وَقَارِنْ لِسَانَ الْمِيزَانِ 6/168 وَفِيهِ أَنَّ الْجُوزَجَانِيَّ ذَكَرَهُ فِي الضُّعَفَاءِ) . وَانْظُرْ أَيْضًا عَنْ نَجْدَةَ وَالنَّجَدَاتِ: تَارِيخَ الْيَعْقُوبِيِّ 2/263، 272، 273 ; الْأَخْبَارَ الطِّوَالَ لِلدَّيْنَوَرِيِّ، ص [0 - 9] 07 ; الْعِبَرَ لِلذَّهَبِيِّ 1، 77 ; شَرْحَ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/132 - 134 - 135 - 141 ; رَغْبَةَ الْآمِلِ شَرْحَ كِتَابِ الْكَامِلِ لِلْمُبَرِّدِ 7/102 (ط. صُبَيْحٍ 1348/1929) ; مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/157، 162، 164، 189، 190 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/110 - 112 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 2 - 54 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 0 - 31 ; الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/354 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/53، التَّنْبِيهَ لِلْمَلْطِيِّ، ص [0 - 9] 5 ; الْأَعْلَامَ 8/324 - 325

وَالْأَزَارِقَةُ (¬1) . وَالْجَهْمِيَّةُ (¬2) وَالنَّجَّارِيَّةُ (¬3) وَالضِّرَارِيَّةُ (¬4) (5 وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي 5) (¬5) ¬

(¬1) أَتْبَاعُ أَبِي رَاشِدٍ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ الْحَنَفِيِّ الْبَكْرِيِّ الْوَائِلِيِّ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، صَحِبَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مِنَ الثَّائِرِينَ عَلَى عُثْمَانَ، ثُمَّ مِنَ الْخَارِجِينَ عَلَى عَلِيٍّ فِي حَرُورَاءَ، وَخَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَاتَلَهُ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ إِلَى أَنْ قُتِلَ سَنَةَ 65. وَعُرِفَتِ الْأَزَارِقَةُ بِتَطَرُّفِهَا يُكَفِّرُونَ كُلَّ مَنْ خَالَفَهُمْ وَكُلَّ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَيَسْتَبِيحُونَ قَتْلَ مُخَالِفِيهِمْ حَتَّى الْأَطْفَالِ مِنْهُمْ. وَيَتَكَلَّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ نَافِعٍ فِيمَا بَعْدُ 3/62 (ب) . وَانْظُرْ عَنْ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ وَعَنِ الْأَزَارِقَةِ: تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ 4/476 - 482 ; تَارِيخَ الْيَعْقُوبِيِّ 2/265 ; 272 ; الْأَخْبَارَ الطِّوَالَ، ص [0 - 9] 69 - 277 ; رَغْبَةَ الْآمِلِ 7 وَمَا بَعْدَهَا ; شَرْحَ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/136 - 141، 141 - 203 ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ " الْأَزَارِقَةِ " وَمَادَّةَ " الْخَوَارِجِ " ; لِسَانَ الْمِيزَانِ 6/144 - 145 ; الْأَعْلَامَ 8/315 - 316 ; مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/157 - 162، 169، 190 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/106، 109 - 110 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 0 - 52 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 9 - 30 ; الْخِطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/354 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 5/52 - 53 ; التَّنْبِيهَ لِلْمَلْطِيِّ، ص [0 - 9] 4 - 55 ; التَّعْرِيفَاتِ لِلْجُرْجَانِيِّ، مَادَّةَ " الْأَزَارِقَةِ " (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُمْ 1/9 (ت [0 - 9] ) . (¬3) انْظُرْ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ قَبْلُ 2/100. وَانْظُرْ عَنْهُمْ أَيْضًا: التَّعْرِيفَاتِ لِلْجُرْجَانِيِّ. مَادَّةَ " النَّجَّارِيَّةِ ". (¬4) انْظُرْ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ قَبْلُ 2/100. (¬5) : (5 - 5) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

الكلام على لفظ الحشوية

كَمَا يُقَالُ: الرَّافِضَةُ وَالشِّيعَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ (¬1) وَالْمُرْجِئَةُ (¬2) وَالْخَوَارِجُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. [الكلام على لفظ الحشوية] فَأَمَّا لَفْظُ " الْحَشْوِيَّةِ " (¬3) فَلَيْسَ فِيهِ (¬4) مَا يَدُلُّ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَلَا مُقَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَا يُدْرَى مَنْ هُمْ هَؤُلَاءِ. وَقَدْ قِيلَ: [إِنَّ] (¬5) أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ (¬6) \ 252. فَقَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَشْوِيًّا (¬7) . . وَكَانَ هَذَا ¬

(¬1) انْظُرْ عَنْهُمْ مَا سَبَقَ 1/11. (¬2) انْظُرْ عَنْهُمْ مَا سَبَقَ 1/65. (¬3) قَالَ التَّهَانَوِيُّ فِي " كَشَّافِ اصْطِلَاحَاتِ الْفُنُونِ ": " الْحَشْوِيَّةُ بِسُكُونِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا، وَهُمْ قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِالظَّوَاهِرِ فَذَهَبُوا إِلَى التَّجْسِيمِ وَغَيْرِهِ، وَهُمْ مِنَ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ فِي " شَرْحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ ": الْحَشْوِيَّةُ طَائِفَةٌ ضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ يُجْرُونَ آيَاتِ اللَّهِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ الْمُرَادُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَوَجَدَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ كَلَامًا، فَقَالَ: رُدُّوا هَؤُلَاءِ إِلَى حَشَاءِ الْحَلْقَةِ، فَنُسِبُوا إِلَى حَشَاءٍ فَهُمْ حَشَوِيَّةٌ بِفَتْحِ الشِّينِ. وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ مِنْهُمُ الْمُجَسِّمَةَ، أَوْ هُمْ هُمْ، وَالْجِسْمُ حَشْوٌ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ فِيهِ بِسُكُونِ الشِّينِ نِسْبَةً إِلَى الْحَشْوِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَشْوِيَّةِ طَائِفَةٌ لَا يَرَوْنَ الْبَحْثَ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ الَّتِي يُتَعَذَّرُ إِجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، بَلْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أَرَادَهُ اللَّهُ مَعَ جَزْمِهِمْ بِأَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ وَيُفَوِّضُونَ التَّأْوِيلَ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَى هَذَا إِطْلَاقُ الْحَشْوِيَّةِ عَلَيْهِمْ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ السَّلَفِ ". وَانْظُرْ أَيْضًا: مَادَّةَ " الْحَشْوِيَّةِ ". بِدَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ ; مَا ذَكَرَهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ عَنْ " مُشَبِّهَةِ الْحَشْوِيَّةِ " فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/96 - 99، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْإِيجِيُّ فِي " الْمَوَاقِفِ "، ص [0 - 9] 29، ط. الْقَاهِرَةَ، 1356 (¬4) ب، ا: فِيهَا. (¬5) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1. وَانْظُرْ عَنْهُ أَيْضًا: تَارِيخَ بَغْدَادَ 12/166 - 188 ; مُرُوجَ الذَّهَبِ لِلْمَسْعُودِيِّ 3/314 ; الْأَعْلَامَ 5 (¬7) ذَكَرَ مَقَالَةَ عَمْرٍو هَذِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْنُ الْعِمَادِ الْحَنْبَلِيُّ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/211. وَكَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) تَعْلِيقًا عَلَى ذَلِكَ: " قُلْتُ: فَانْظُرْ إِلَى جَسَارَةِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ حَتَّى يَطْعَنَ عَلَى مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي عَقِيدَتِهِ لِكَوْنِ عَقِيدَتِهِ الْبَاطِلَةِ مُخَالِفَةً لِعَقِيدَتِهِ الْحَقَّةِ "

اللَّفْظُ فِي اصْطِلَاحِ مَنْ قَالَهُ يُرِيدُ [بِهِ] (¬1) الْعَامَّةَ الَّذِينَ هُمْ حَشْوٌ، كَمَا تَقُولُ الرَّافِضَةُ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْحَشْوِيَّةِ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ، كَأَصْحَابِ [أَحْمَدَ] أَوِ الشَّافِعِيِّ أَوْ مَالِكٍ (¬2) .، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ لَا تُوجَدُ فِيهِمْ أَصْلًا، بَلْ هُمْ يُكَفِّرُونَ مَنْ يَقُولُهَا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَهَا وُجِدَ فِي بَعْضِهِمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِمْ، بَلْ كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ (¬3) ذَلِكَ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ. وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْحَشْوِيَّةِ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى الْإِطْلَاقِ: سَوَاءً كَانُوا مِنْ أَصْحَابِ هَذَا أَوْ هَذَا، فَاعْتِقَادُ أَهْلِ الْحَدِيثِ هُوَ السُّنَّةُ الْمَحْضَةُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الِاعْتِقَادُ الثَّابِتُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَيْسَ فِي اعْتِقَادِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَالْكُتُبِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْحَشْوِيَّةِ عُمُومَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا، فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ لَا تُعْرَفُ فِي عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ، وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَظُنُّونَ أَنَّ أَحَدًا قَالَ هَذَا (¬4) ، وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ جُهَّالِ الْعَامَّةِ مَنْ يَقُولُ هَذَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا اعْتِقَادًا لِأَهْلِ السُّنَّةِ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب، أ: كَأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " أَحْمَدَ " مِنْ (ن) (¬3) مِثْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ب، أ: وَجُمْهُورُ النَّاسِ مَا يَظُنُّونَ أَحَدًا قَالَ هَذَا ; ن، م: وَجُمْهُورُ النَّاسِ مَا يَظُنُّونَ أَنَّ أَحَدًا قَالَ هَذَا.

لفظ المشبهة

وَالْجَمَاعَةِ (¬1) يُعَابُونَ بِهِ (¬2) ، وَإِنَّمَا الْعَيْبُ فِيمَا قَالَتْهُ رِجَالُ (¬3) الطَّائِفَةِ وَعُلَمَاؤُهَا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَئِمَّةِ الشِّيعَةِ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الشِّيعَةِ هُمُ الْقَائِلُونَ لِلْمَقَالَاتِ الشَّنِيعَةِ، كَمَّا قَدْ عُلِمَ. [لَفْظُ الْمُشَبِّهَةِ] وَأَمَّا لَفْظُ " الْمُشَبِّهَةِ " (¬4) فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مُمَاثَلَةِ الْخَلْقِ، وَ [عَلَى] ذَمِّ (¬5) الْمُشَبِّهَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ (¬6) ، وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا [فِي] أَفْعَالِهِ (¬7) . ¬

(¬1) ب، أ: أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الِاعْتِقَادُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. (¬2) ن: يُعَابُونَ بِهَذَا. وَكَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) مَا يَلِي: " أَقُولُ: وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ تَفْسِيرِ الْكَشَّافِ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ لَفْظَ " الْحَشْوِيَّةِ " فِي أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَذَا فِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ يَذْكُرُ الْحَشْوِيَّةَ فِي مَوَاضِعَ، وَفَهِمْتُ أَنَا مِنْ كَلِمَاتِ هَؤُلَاءِ - أَعْنِي الشِّيعَةَ وَالزَّمَخْشَرِيَّ وَالْبَيْضَاوِيَّ - أَنَّ كُلَّ مَنْ يَقُولُ بِمَقَالَاتِ السَّلَفِ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ، وَيَحْمِلُونَ النُّصُوصَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَلَا يَصْرِفُونَهَا عَنْ ظَوَاهِرِهَا بِآرَائِهِمْ، مِثْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَمَنِ اتَّبَعُوهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّوَافِضِ وَمُتَأَخِّرِي (بِالْأَصْلِ: وَمُتَأَخَّرُو) الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، فَهُمْ عِنْدَهُمْ حَشْوِيَّةٌ. فَالْحَنَابِلَةُ كُلُّهُمْ عِنْدَهُمْ حَشْوِيَّةٌ، وَكَذَا أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادِ بْنِ. . . وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ حَشْوِيَّةٌ عِنْدَهُمْ ". (¬3) رِجَالُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) يَقُولُ التَّهَانَوِيُّ فِي " كَشَّافِ اصْطِلَاحَاتِ الْفُنُونِ ": " الْمُشَبِّهَةُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنَ التَّشْبِيهِ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى فِرْقَةٍ مِنْ كِبَارِ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ شَبَّهُوا اللَّهَ بِالْمَخْلُوقَاتِ وَمَثَّلُوهُ بِالْحَادِثَاتِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَعَلْنَاهُمْ فِرْقَةً وَاحِدَةً قَائِلَةً بِالتَّشْبِيهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي طَرِيقِهِ ". وَانْظُرْ عَنِ الْمُشَبِّهَةِ أَيْضًا مَا وَرَدَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/95 - 99 ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَادَّةَ " التَّشْبِيهِ " ; وَانْظُرْ أَيْضًا مَا سَبَقَ 2/102. (¬5) ب، أ: وَذَمِّ ; ن، م: وَأَنْتُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ب، أ، ن، م: الَّذِينَ يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِهِ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ. (¬7) ن، م: وَلَا أَفْعَالِهِ.

طريقة السلف في الصفات

[طريقة السلف في الصفات] وَطَرِيقَةُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا: أَنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَهُ (¬1) بِهِ رَسُولَهُ: مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ: إِثْبَاتٌ بِلَا تَمْثِيلٍ، وَتَنْزِيهٌ بِلَا تَعْطِيلٍ، إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ، وَنَفْيُ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْمُمَثِّلَةِ {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سُورَةُ الشُّورَى: 11] رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ. [فَقَوْلُهُمْ فِي الصِّفَاتِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ مُطْلَقًا كَالسِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالْعَجْزِ وَالْجَهْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا نَقْصَ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ بِمَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ، فَلَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ] (¬2) مِنَ (3 الْمَخْلُوقَاتِ فِي شَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ. 3) (¬3) وَلَكِنَّ نُفَاةَ الصِّفَاتِ يُسَمُّونَ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ مُشَبِّهًا، بَلِ الْمُعَطِّلَةُ الْمَحْضَةُ الْبَاطِنِيَّةُ نُفَاةُ الْأَسْمَاءِ يُسَمُّونَ مَنْ سَمَّى اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُشَبِّهًا، فَيَقُولُونَ: إِذَا قُلْنَا حَيٌّ عَلِيمٌ فَقَدْ شَبَّهْنَاهُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحْيَاءِ الْعَالِمِينَ، وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْنَا: (¬4) هُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فَقَدْ شَبَّهْنَاهُ بِالْإِنْسَانِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ (¬5) ، وَإِذَا قُلْنَا: هُوَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَقَدْ شَبَّهْنَاهُ بِالنَّبِيِّ (¬6) الرَّءُوفِ ¬

(¬1) ن، م: وَبِمَا وَصَفَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) (3 - 3) : فِي (ع) . (¬4) إِذَا قُلْنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ع: فَقَدْ شَبَّهْنَاهُ بِالسَّمِيعِ الْبَصِيرِ. (¬6) ب، أ: بِالشَّيْءِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الرَّحِيمِ، بَلْ قَالُوا: إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ مَوْجُودٌ فَقَدْ شَبَّهْنَاهُ بِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ (1 لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ. 1) (¬1) فَقِيلَ لِهَؤُلَاءِ: (¬2) فَقُولُوا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَلَا حَيٍّ. فَقَالُوا: أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ -: إِذَا قُلْنَا ذَلِكَ فَقَدْ شَبَّهْنَاهُ بِالْمَعْدُومِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ وَلَا حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ. (¬3) فَقِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ شَبَّهْتُمُوهُ بِالْمُمْتَنِعِ، بَلْ جَعَلْتُمُوهُ نَفْسَهُ مُمْتَنِعًا، فَإِنَّهُ كَمَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ يَمْتَنِعُ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ مَعْدُومٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، [وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ فَقَدْ (¬4) رَفَعَ النَّقِيضَيْنِ] (¬5) وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ؟ ! . وَالَّذِينَ قَالُوا: لَا نَقُولُ هَذَا وَلَا هَذَا. قِيلَ لَهُمْ: عَدَمُ عِلْمِكُمْ وَقَوْلِكُمْ لَا يُبْطِلُ الْحَقَائِقَ فِي أَنْفُسِهَا، بَلْ هَذَا نَوْعٌ مِنَ السَّفْسَطَةِ (¬6) . ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) ع: لَهُمْ. (¬3) وَلَا حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) فَقَدْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) يَقُولُ الْفَارَابِيُّ فِي كِتَابِهِ " إِحْصَاءِ الْعُلُومِ "، ص 24، تَحْقِيقَ: الْأُسْتَاذِ الدُّكْتُورِ عُثْمَان أَمِين، ط. الْخَانْجِيِّ، 1350/1931 وَهَذَا الِاسْمُ - أَعْنِي السُّوفِسْطَائِيَّةَ - اسْمُ الْمِهْنَةِ الَّتِي بِهَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْمُغَالَطَةِ وَالتَّمْوِيهِ وَالتَّلْبِيسِ بِالْقَوْلِ وَالْإِيهَامِ. . . وَهُوَ مُرَكَّبٌ فِي الْيُونَانِيَّةِ مِنْ " سُوفْيَا " وَهِيَ الْحِكْمَةُ، وَمِنْ " أَسْطَسْ " وَهِيَ الْمُمَوَّهَةُ، فَمَعْنَاهُ: حِكْمَةٌ مُمَوَّهَةٌ وَانْظُرْ فِي الْكِتَابِ، ص 24، 26، وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ الْأُسْتَاذِ الْمُحَقِّقِ. وَانْظُرْ أَيْضًا: التَّعْرِيفَاتِ لِلْجُرْجَانِيِّ، مَادَّةَ " السَّفْسَطَةِ " ; دُسْتُورَ الْعُلَمَاءِ لِلْقَاضِي عَبَّدِ النَّبِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّسُولِ الْأَحْمَدِ نُكْرِيٍّ (ط. حَيْدَرَ آبَادَ) مَادَّةَ " السَّفْسَطَةِ " ; مَفَاتِيحَ الْعُلُومِ لِلْخُوَارَزْمِيِّ (ط. الْمُنِيرِيَّةِ، 1342) ، ص [0 - 9] 1 ; وَانْظُرْ كِتَابَ السَّفْسَطَةِ (ج [0 - 9] مِنْ مَنْطِقِ الشِّفَاءِ) لِابْنِ سِينَا (وَخَاصَّةً ص [0 - 9] ) وَانْظُرْ تَصْدِيرَ الدُّكْتُورِ إِبْرَاهِيم مَدْكُور وَمُقَدِّمَةَ الدُّكْتُورِ أَحْمَد فُؤَاد الْأَهْوَانِيِّ.

فَإِنَّ السَّفْسَطَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ هُوَ جَحْدُ الْحَقَائِقِ وَالْعِلْمِ بِهَا. وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ عَنِ الْمَوْجُودِ الْوَاجِبِ الْقَدِيمِ الْخَالِقِ: إِنَّهُ لَا مَوْجُودَ وَلَا مَعْدُومَ، وَهَؤُلَاءِ مُتَنَاقِضُونَ، فَإِنَّهُمْ جَزَمُوا بِعَدَمِ الْجَزْمِ. وَنَوْعٌ هُوَ قَوْلُ الْمُتَجَاهِلَةِ اللَّاأَدْرِيَّةِ الْوَاقِفَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا نَدْرِي هَلْ ثَمَّ حَقِيقَةٌ (¬1) وَعِلْمٌ أَمْ لَا. وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ وَلَا أَقُولُ: هُوَ مَوْجُودٌ أَوْ مَعْدُومٌ أَوْ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ. وَنَوْعٌ ثَالِثٌ قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ الْحَقَائِقَ تَتْبَعُ الْعَقَائِدَ. فَالْأَوَّلُ نَافٍ لَهَا، وَالثَّانِي وَاقِفٌ فِيهَا، وَالثَّالِثُ يَجْعَلُهَا تَابِعَةً لِظُنُونِ (¬2) النَّاسِ. وَقَدْ ذُكِرَ صِنْفٌ رَابِعٌ: وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: إِنَّ الْعَالَمَ فِي سَيَلَانٍ فَلَا يُثْبِتُ لَهُ حَقِيقَةً. وَهَؤُلَاءِ مِنَ الْأَوَّلِ لَكِنْ هَذَا يُوجِبُهُ قَوْلُهُمْ (¬3) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ إِمْسَاكَ الْإِنْسَانِ عَنِ النَّقِيضَيْنِ لَا يَقْتَضِي رَفْعَهُمَا. ¬

(¬1) ع: هَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ. (¬2) ن، م: لِطُرُقِ. (¬3) ن، م: تَوْجِيهُ قَوْلِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ (الْفِصَلَ 1/9) عِنْدَ كَلَامِهِ عَنِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ: " ذَكَرَ مَنْ سَلَفَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُمْ ثَلَاثُ أَصْنَافٍ: فَصِنْفٌ مِنْهُمْ نَفَى الْحَقَائِقَ جُمْلَةً، وَصِنْفٌ شَكُّوا فِيهَا، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ قَالُوا هِيَ حَقٌّ عِنْدَ مَنْ عِنْدَهُ حَقٌّ وَهِيَ بَاطِلٌ عِنْدَ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ بَاطِلٌ ". وَيُقَسِّمُهُمُ الْجُرْجَانِيُّ (شَرْحَ الْمَوَاقِفِ لِلْإِيجِيِّ 1/117 - 118) إِلَى: اللَّاأَدْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِالتَّوَقُّفِ، وَالْعِنَادِيَّةِ وَهُمُ الَّذِينَ يُعَانِدُونَ وَيَدَّعُونَ بِأَنَّهُمْ جَازِمُونَ بِأَنْ لَا مَوْجُودَ أَصْلًا، وَالْعِنْدِيَّةِ وَهُمُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ تَابِعَةٌ لِلِاعْتِقَادَاتِ ".

وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ مَنْعُ الْقُلُوبِ وَالْأَلْسِنَةِ وَالْجَوَارِحِ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَهُوَ تَعْطِيلٌ وَكُفْرٌ بِطَرِيقِ الْوَقْفِ وَالْإِمْسَاكِ، لَا بِطْرِيقِ النَّفْيِ وَالْإِنْكَارِ. وَأَصْلُ ضَلَالِ هَؤُلَاءِ أَنَّ لَفْظَ " التَّشْبِيهِ " لَفْظٌ فِيهِ إِجْمَالٌ، فَمَا مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا وَبَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ يَتَّفِقُ فِيهِ الشَّيْئَانِ (¬1) . وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ بَلْ فِي الذِّهْنِ، وَلَا يَجِبُ تَمَاثُلُهُمَا فِيهِ، بَلِ الْغَالِبُ تَفَاضِلُ الْأَشْيَاءِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ [الْمُشْتَرَكِ] (¬2) ، فَأَنْتَ إِذَا قُلْتَ عَنِ الْمَخْلُوقِينَ (¬3) : حَيٌّ وَحَيٌّ، وَعَلِيمٌ وَعَلِيمٌ، وَقَدِيرٌ وَقَدِيرٌ، لَمْ يَلْزَمْ (4 تَمَاثُلُ الشَّيْئَيْنِ فِي الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَا يَلْزَمُ 4) (¬4) أَنْ تَكُونَ حَيَاةُ أَحَدِهِمَا وَعِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ نَفْسَ حَيَاةِ الْآخَرِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَا أَنْ يَكُونَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي مَوْجُودٍ (¬5) فِي الْخَارِجِ عَنِ الذِّهْنِ. وَمِنْ هُنَا ضَلَّ (¬6) هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ بِمُسَمَّى التَّشْبِيهِ الَّذِي يَجِبُ نَفْيُهُ عَنِ اللَّهِ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى التَّعْطِيلِ الْمَحْضِ. وَالتَّعْطِيلُ شَرٌّ مِنَ التَّجْسِيمِ، وَالْمُشَبِّهُ يَعْبُدُ صَنَمًا، وَالْمُعَطِّلُ يَعْبُدُ عَدَمًا، وَالْمُمَثِّلُ أَعْشَى، وَالْمُعَطِّلُ أَعْمَى. وَلِهَذَا كَانَ جَهْمٌ إِمَامُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِشَيْءٍ (¬7) ، ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : شَيْئَانِ. (¬2) الْمُشْتَرَكِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ب، أ: عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ. وَسَقَطَتِ الْعِبَارَةُ مِنْ (ع) . (¬4) : (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " الْحَيَاةِ " مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: مُشْتَرِكَيْنِ مَوْجُودَيْنِ. (¬6) ع: ظَنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) يَقُولُ الْأَشْعَرِيُّ عَنِ الْجَهْمِ (الْمَقَالَاتِ 1/312) : " وَيُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ لَهُ بِالْأَشْيَاءِ ". وَيَقُولُ أَيْضًا (2/180) : " إِنَّ الْبَارِئَ لَا يُقَالُ إِنَّهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ عِنْدَهُ هُوَ الْمَخْلُوقُ الَّذِي لَهُ مِثْلٌ ".

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُسَمَّى بَاسِمٍ يُسَمَّى بِهِ الْخَالِقُ، فَلَمْ يُسَمِّهِ (¬1) إِلَّا بِالْخَالِقِ الْقَادِرِ لِأَنَّهُ كَانَ جَبْرِيًّا يَرَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ (¬2) ، وَرُبَّمَا قَالُوا: لَيْسَ بِشَيْءٍ كَالْأَشْيَاءِ. (¬3) وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ إِلَّا أَنَّ حَقِيقَةَ التَّشْبِيهِ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ حَتَّى (¬4) لَا يُثْبِتُونَ أَمْرًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. (¬5) * وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَوْضِعِ بِالْكَلَامِ فِي مَعْنَى التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ. أَمَّا " التَّمْثِيلُ " فَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِنَفْيهِ عَنِ اللَّهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سُورَةُ الشُّورَى: 11] ، وَقَوْلِهِ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 65] وَقَوْلِهِ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ، وَقَوْلِهِ: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 22] ، وَقَوْلِهِ: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 74] . وَلَكِنْ وَقَعَ فِي لَفْظِ " التَّشْبِيهِ " إِجْمَالٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا لَفْظُ " الْجِسْمِ " وَ " الْجَوْهَرِ " وَ " الْمُتَحَيِّزِ " (¬6) وَ " الْجِهَةِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ ¬

(¬1) ب: فَلَا يُسَمِّيهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ع: أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا قُدْرَةَ لَهُ، وَيَقُولُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ عَنْ آرَاءِ الْجَهْمِ (الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/79) : " مِنْهَا قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْبَارِي تَعَالَى بِصِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا خَلْقُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَشْبِيهًا، فَنَفَى كَوْنَهُ حَيًّا عَالِمًا وَأَثْبَتَ كَوْنَهُ قَادِرًا فَاعِلًا خَالِقًا، لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِالْقُدْرَةِ وَالْفِعْلِ وَالْخَلْقِ ". وَانْظُرْ أَيْضًا: الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 128 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 64. وَانْظُرْ عَنْ قَوْلِهِ بِالْجَبْرَةِ الْمَقَالَاتِ 1/312 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/80 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 18 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 3. (¬3) انْظُرِ الْمَقَالَاتِ 2/181. وُفِّيَ (ن) ، (م) : لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ. (¬4) حَتَّى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) (*) عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ يُوجَدُ سَقْطٌ كَبِيرٌ فِي نُسْخَتِي (ن) ، (م) . يَسْتَمِرُّ حَتَّى ص 580. (¬6) ب (فَقَطْ) : التَّحَيُّزِ.

فَلَمْ يَنْطِقْ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ بِذَلِكَ (¬1) فِي حَقِّ اللَّهِ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، وَكَذَلِكَ لَمْ يَنْطِقْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَلَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا. وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ عَنْهُ التَّكَلُّمُ بِذَلِكَ (¬2) نَفْيًا وَإِثْبَاتًا أَهْلُ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ مِنَ النُّفَاةِ: كَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمِنَ الْمُثْبِتَةِ: كَالْمُجَسِّمَةِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِ الرَّافِضَةِ. فَالنُّفَاةُ نَفَوْا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ، وَأَدْخَلُوا فِي النَّفْيِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ صِفَاتٍ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَعُلُوِّهِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يَرَى، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِالْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَكِنْ مَعْنَى كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا أَنَّهُ خَلَقَ كَلَامًا فِي جِسْمٍ مِنَ الْأَجْسَامِ غَيْرِهِ (¬3) ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالْمُثْبِتَةُ أَدْخَلُوا فِي ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، حَتَّى قَالُوا: إِنَّهُ يُرَى فِي الدُّنْيَا بِالْأَبْصَارِ (¬4) ، وَيُصَافَحُ، وَيُعَانَقُ، وَيَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، ¬

(¬1) ع: فَلَمْ يَنْطِقْ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ ; أ: فَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ بِذَلِكَ. (¬2) ب، أ: وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِذَلِكَ. (¬3) ب، أ: وَغَيْرِهِ. (¬4) فِي الدُّنْيَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ ; وَفِي (أ) : يُرَى بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ رَوَى الشَّوْكَانِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ " بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَذْكُرُ أَحَدُهَا أَنَّ الرَّسُولَ رَأَى اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْإِسْرَاءِ (ص 441) . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ (ص 447) أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فِي صُورَةِ شَابٍّ، وَنَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ أَقْوَالَ الْأَئِمَّةِ فِي بَيَانِ وَضْعِ الْحَدِيثَيْنِ. وَفِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " لِلسُّيُوطِيِّ 1/12 - 13 وَ " الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ " لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 441 ; وَ " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " لِابْنِ عِرَاقٍ 1/137 حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ نَصُّهُ (كَمَا فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ) : عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا. . لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَسْرَيْتُ فَرَأَيْتُ رَبِّي بَيْنِي وَبَيْنَهُ حِجَابٌ بَارِزٌ مِنْ نَارٍ، فَرَأَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى رَأَيْتُ تَاجًا مُخَوَّصًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ ".

وَيَنْزِلُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ رَاكِبًا عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ (¬1) يُعَانِقُ الْمُشَاةَ وَيُصَافِحُ الرُّكْبَانَ (¬2) ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ يَنْدَمُ وَيَبْكِي وَيَحْزَنُ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَحْمٌ وَدَمٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ وَصْفَ الْخَالِقِ جَلَّ جَلَالُهُ بِخَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يُوصَفَ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمَخْلُوقِينَ، وَكُلُّ مَا اخْتَصَّ بِالْمَخْلُوقِ فَهُوَ صِفَةُ نَقْصٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَمُسْتَحِقٌّ لِغَايَةِ (¬3) الْكَمَالِ، وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقْصِ مُطْلَقًا، وَمُنَزِّهٌ فِي الْكَمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سُورَةُ الْإِخْلَاصِ: 1 - 4] ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ، وَاسْمُهُ الْأَحَدُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الْمِثْلِ، وَاسْمُهُ الصَّمَدُ يَتَضَمَّنُ جَمِيعَ صِفَاتِ ¬

(¬1) ع: عَلَى حِمَارٍ أَوْرَقَ. (¬2) وَرَدَ الْحَدِيثُ بِهَذَا النَّصِّ: " رَأَيْتُ رَبِّي بِمِنًى يَوْمَ النَّفْرِ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ عَلَيْهِ جُبَّةٌ صُوفٌ أَمَامَ النَّاسِ " فِي " تَذْكِرَةِ الْمَوْضُوعَاتِ " لِمُحَمَّد طَاهِرِ بْنِ عَلِيٍّ الْهِنْدِيِّ الْفَتَّنِيِّ (ط. الْمُنِيرِيَّةِ، 1343) ، ص [0 - 9] 2 - 13، وَفِي " مَوْضُوعَاتِ الْقَارِي " (ط. اسْتَانْبُولَ) ، ص 44 ; وَفِي " كَشْفِ الْخَفَاءِ " لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ الْعَجَلُونِيِّ (ط. الْقُدْسِيِّ، 1351) ، ص 436. وَاتَّفَقَتِ الْكُتُبُ الثَّلَاثُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ. وَرَوَى السُّيُوطِيُّ حَدِيثًا آخَرَ (اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/27، ط. الْحُسَيْنِيَّةِ، 1352) نَصُّهُ: " إِذَا كَانَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ هَبَطَ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَطَّلِعُ عَلَى أَهْلِ الْمَوْقِفِ. . إِلَخْ. وَحَدِيثًا ثَالِثًا (1/28) : رَأَيْتُ رَبِّي يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ عَلَيْهِ إِزَارَانِ وَهُوَ يَقُولُ. . إِلَخْ. وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ عَنِ الْأَئِمَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى وَضْعِ الْحَدِيثَيْنِ. وَانْظُرِ: الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ لِلشَّوْكَانِيِّ، ص [0 - 9] 47 ; تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ لِابْنِ عِرَاقٍ 1/138 - 139. (¬3) ب (فَقَطْ) : لِغَايَاتِ.

عود إلى الكلام على لفظ الجسم

الْكَمَالِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْمُصَنَّفِ فِي تَفْسِيرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (¬1) . [عود إلى الكلام على لفظ الجسم] وَأَمَّا لَفْظُ " الْجِسْمِ " (¬2) فَإِنَّ الْجِسْمَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ الْجَسَدُ وَالْبَدَنُ (¬3) ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 4] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 247] ، فَهُوَ يَدُلُّ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعْنَى الْكَثَافَةِ وَالْغِلَظِ كَلَفْظِ الْجَسَدِ، ثُمَّ قَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْغَلِيظِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ غِلَظُهُ، فَيُقَالُ: لِهَذَا الثَّوْبِ جِسْمٌ أَيْ غِلَظٌ وَكَثَافَةٌ، وَيُقَالُ: هَذَا أَجْسَمُ مِنْ هَذَا أَيْ أَغْلَظُ وَأَكْثَفُ. (¬4) ثُمَّ صَارَ لَفْظُ " الْجِسْمِ " فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْكَلَامِ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، فَيُسَمُّونَ الْهَوَاءَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأُمُورِ اللَّطِيفَةِ (¬5) جِسْمًا، وَإِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تُسَمِّي هَذَا جِسْمًا، وَبَيْنَهُمْ نِزَاعٌ فِيمَا يُسَمَّى جِسْمًا: هَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ: إِمَّا جَوَاهِرُ مُتَنَاهِيَةٌ (6 كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَإِمَّا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ 6) (¬6) كَمَا يَقُولُهُ (¬7) ¬

(¬1) ع: فِي تَفْسِيرِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ) وَالْمَقْصُودُ هُنَا كِتَابُ " تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ " وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ 2/140 (ت [0 - 9] ) . (¬2) سَبَقَ كَلَامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ مَعَانِي الْجِسْمِ 2/134 وَمَا بَعْدَهَا، 2/198 وَمَا بَعْدَهَا. (¬3) فِي " الصِّحَاحِ " لِلْجَوْهَرِيِّ: " قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْجِسْمُ: الْجَسَدُ، وَكَذَلِكَ الْجُسْمَانُ وَالْجُثْمَانُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْجِسْمُ وَالْجُسْمَانُ الْجَسَدُ وَالْجُثْمَانُ الشَّخْصُ ". (¬4) فِي اللِّسَانِ: " وَرَجُلٌ جُسْمَانِيٌّ وَجُثْمَانِيٌّ إِذَا كَانَ ضَخْمَ الْجُثَّةِ. . وَقَدْ جَسُمَ الشَّيْءُ أَيْ عَظُمَ. . وَالْأَجْسَمُ الْأَضْخَمُ. (¬5) ع: مِنَ الْأُمُورِ اللَّفْظِيَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) : (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ت، أ: كَمَا يَقُولُ.

: النَّظَّامُ (¬1) ، وَالْتَزَمَ الطَّفْرَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِطَفْرَةِ النَّظَّامِ (¬2) ، أَوْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ، أَوْ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهِشَامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ (¬3) وَالنَّجَّارِيَّةِ وَالضِّرَارِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْكُتُبِ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنَ الْحَيَوَانِ (¬4) وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ فَإِنَّهَا أَعْيَانٌ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِ نُفَاةِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَعَلَى قَوْلِ ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامَ عَنِ النَّظَّامِ 1/404. وَتَكَلَّمَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ قَبْلُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ عَنِ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ أَوِ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ وَنَاقَشَ أَقْوَالَ مُثْبِتِيهَا وَنُفَاتِهَا. انْظُرْ مَثَلًا: 1/414، 2/134 - 139، 208 - 209. (¬2) أَدَّى إِنْكَارُ النَّظَّامِ لِلْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهَا تَتَجَزَّأُ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ إِلَى قَوْلِهِ بِالطَّفْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ خُصُومَهُ اعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ: إِذَا مَشَتْ نَمْلَةٌ عَلَى صَخْرَةٍ مِنْ طَرَفٍ إِلَى طَرَفٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ قَدْ قَطَعَتْ مَا لَا يَتَنَاهَى، فَكَيْفَ يَقْطَعُ مَا يَتَنَاهَى مَا لَا يَتَنَاهَى؟ فَقَالَ النَّظَّامُ إِنَّ النَّمْلَةَ تَقْطَعُ بَعْضَ الصَّخْرَةِ بِالْمَشْيِ وَبَعْضَهَا بِالطَّفْرَةِ، أَيْ إِنَّهَا تَنْتَقِلُ مِنَ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي سَيْرًا ثُمَّ تَطْفِرُ مِنَ الْمَكَانِ الثَّانِي إِلَى الرَّابِعِ أَوِ الْخَامِسِ. وَانْظُرِ: الْمَقَالَاتِ لِلْأَشْعَرِيِّ 2/18 - 19 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/57 - 58 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 5 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 43، الدُّكْتُورَ مُحَمَّد عَبْد الْهَادِي أَبُو رِيدَةَ: إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَيَّارٍ النَّظَّامَ ; ص 129 - 131. (¬3) بَعْدَ كَلِمَةِ " وَالْكُلَّابِيَّةِ " فِي (ع) : وَالنَّصْرِيَّةِ، وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً مِنَ النَّاسِخِ، وَانْظُرْ مَا سَبَقَ 2/137. (¬4) ب، أ: الْحَيَوَانَاتِ.

مُثْبِتِيهِ (¬1) إِنَّمَا يُحْدِثُ أَعْرَاضًا وَصِفَاتٍ (¬2) ، وَإِلَّا فَالْجَوَاهِرُ بَاقِيَةٌ وَلَكِنِ اخْتَلَفَ تَرْكِيبُهَا، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِحَالَةُ. فَمُثْبِتَةُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ يَقُولُونَ: لَا تَسْتَحِيلُ حَقِيقَةٌ إِلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى، وَلَا تَنْقَلِبُ الْأَجْنَاسُ، بَلِ الْجَوَاهِرُ يُغَيِّرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَرْكِيبَهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ بِاسْتِحَالَةِ بَعْضِ الْأَجْسَامِ إِلَى بَعْضٍ، وَانْقِلَابِ جِنْسٍ إِلَى جِنْسٍ، وَحَقِيقَةٍ إِلَى حَقِيقَةٍ، كَمَا تَنْقَلِبُ النُّطْفَةُ إِلَى عَلَقَةٍ، وَالْعَلَقَةُ (إِلَى) (¬3) مُضْغَةٍ، وَالْمُضْغَةُ عِظَامًا، وَكَمَا يَنْقَلِبُ الطِّينُ الَّذِي خَلَقَ (اللَّهُ) (¬4) مِنْهُ آدَمَ لَحْمًا وَدَمًا وَعِظَامًا، وَكَمَا تَنْقَلِبُ الْمَادَّةُ الَّتِي تُخْلَقُ مِنْهَا الْفَاكِهَةُ ثَمَرًا (¬5) وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَالْأَطِبَّاءِ وَأَكْثَرِ الْعُقَلَاءِ. وَكَذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا تَمَاثُلُ الْأَجْسَامِ، فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: الْأَجْسَامُ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ، وَهِيَ مُتَمَاثِلَةٌ، فَالْأَجْسَامُ مُتَمَاثِلَةٌ. وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ: بَلِ الْأَجْسَامُ مُخْتَلِفَةُ الْحَقَائِقِ، وَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ التُّرَابِ حَقِيقَةَ النَّارِ، وَلَا حَقِيقَةُ النَّارِ حَقِيقَةَ الْهَوَاءِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَسَائِلُ عَقْلِيَّةٌ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ مَنْشَأِ النِّزَاعِ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ. وَالنُّظَّارُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ (¬6) - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ الْجِسْمَ يُشَارُ إِلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، أَوْ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا. ¬

(¬1) ب، أ: مُثْبِتَتِهِ. (¬2) ع، أ: وَصِفَاتًا. (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) ب، أ: تَمْرًا. (¬6) أ: يَخْتَلِفُونَ.

حقيقة الملائكة

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُقَلَاءُ أَيْضًا: هَلْ يُمْكِنُ وُجُودُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ؛ فَقِيلَ: لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُمْتَنِعٌ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمُحْدَثَاتِ الْمُمْكِنَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ دُونَ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْمُمْكِنِ وَالْوَاجِبِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ (1 وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، 1) (¬1) (2 مَا عَلِمْتُ بِهِ قَائِلًا مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ إِلَّا مَنْ أَخَذَهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ 2) . (¬2) وَمُثْبِتُو ذَلِكَ يُسَمُّونَهَا الْمُجَرَّدَاتِ وَالْمُفَارَقَاتِ، وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا وُجُودُ هَذِهِ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي تُفَارِقُ بَدَنَهُ وَتَتَجَرَّدُ عَنْهُ. وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلَ فَالْمُتَفَلْسِفَةُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: هِيَ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ الْمُجَرَّدَاتُ وَهِيَ الْجَوَاهِرُ الْعَقْلِيَّةُ. [حقيقة الملائكة] وَأَمَّا أَهْلُ الْمِلَلِ وَمَنْ عَلِمَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ، فَيَعْلَمُونَ قَطْعًا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمُجَرَّدَاتِ الَّتِي يُثْبِتُهَا هَؤُلَاءِ، مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُورٍ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. (¬3) ¬

(¬1) : (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬2) : (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ. وَقَدْ ذَكَرْتُ مَكَانَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْمُسْنَدِ فِيمَا سَبَقَ 1/366 (ت [0 - 9] ) .

وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ - لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ - يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ - وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 26 - 29] . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ أَتَوْا إِبْرَاهِيمَ وَلُوطًا فِي صُورَةِ الْبَشَرِ حَتَّى قَدَّمَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ الْعِجْلَ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ (¬1) . وَأَتَاهُ (¬2) مَرَّةً فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ حَتَّى رَآهُ الصَّحَابَةُ (¬3) ، وَقَدْ رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ¬

(¬1) ، صَحِيحَ مُسْلِمٍ 4/1906 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ أُمِّ سَلَمَةَ) حَدِيثٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَفِي جُزْءٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَوَى هَذَا الْجُزْءَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ 4 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) وَنَصُّهَا - وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ -: " حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ، ثُمَّ قَامَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هَذَا؟ - أَوْ كَمَا قَالَ - قَالَ: قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَبَرِ جِبْرِيلَ - أَوْ كَمَا قَالَ -. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ". وَانْظُرْ: جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 12/44 - 45. وَفِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 8/167 عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُورَةِ دِحْيَةَ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ - وَانْظُرْ تَعْلِيقَهُ. وَانْظُرِ: الصَّفَدِيَّةَ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ 1/197 (¬2) ب، أ: وَأَتَى. (¬3) فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ 4/112 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ كَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ. . . وَفِي الْحَدِيثِ: ". . يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ ". وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ 1

صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ (¬1) :: مَرَّةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (¬2) . ¬

(¬1) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: " هَذَا أَعْدَلُ شَاهِدٍ لِدَعْوَى الْمُصَنِّفِ، وَإِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْإِسْلَامِيِّينَ إِنَّهُمْ مُجَرَّدَاتٌ، وَيُبْطِلُ قَوْلَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: جَاعِلُ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (سُورَةُ فَاطِرٍ: 1) ، فَيُشْعِرُ أَنَّهُ خَلَقَهُمُ اللَّهُ فِي طِبَاعِ الْأَجْسَامِ، ثَبَتَ لَهُمْ مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَجْسَامِ وَهُوَ الْأَجْنِحَةُ. وَلَا يُقَالُ هَاهُنَا بِالْمِثْلِ، كَمَا يُقَالُ فِي أَكْثَرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَيُبْطِلُهُ (فِي الْأَصْلِ: يُبْطِلُ) أَيْضًا قَوْلُ الشَّارِعِ فِي حَقِّهِمْ: سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ، سُكَّانُ الْأَرَضِينَ، سُكَّانُ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْلُ بِتَجْرِيدِ الْمَلَائِكَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، يَقُولُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعًا لِلْفَلَاسِفَةِ، وَكَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ يَأْبَى عَنْهُ كُلَّ الْإِبَاءِ، حَتَّى أَنَّ كَوْنَ الْمَلَائِكَةِ وَنُفُوسَ الْبَشَرِ الَّتِي هِيَ أَرْوَاحُهَا مِنْ مَقُولَةِ الْأَجْسَامِ اللَّطِيفَةِ لَا مِنَ الْمُجَرَّدَاتِ يَكَادُ يُعَدُّ مِنَ الضَّرُورَاتِ الدِّينِيَّةِ، غَايَتُهَا أَنَّ رُؤْيَتَهَا مَشْرُوطَةٌ بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَمُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهَا، وَمَتَى أَرَادَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رُؤْيَتَهَا رَأَيْنَا، وَمَتَى لَمْ يُرِدْ مَا رَأَيْنَا " (¬2) فِي الْبُخَارِيِّ 4/115 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ) حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ نَفْسُهُ فِي الْبُخَارِيِّ مَرَّتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ 6/141 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النَّجْمِ، بَابُ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) ، 6/141 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النَّجْمِ، بَابُ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) . وَفِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ 6/140 - 141 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النَّجْمِ) حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سُئِلَتْ فِيهِ هَلْ رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ؟ قَالَتْ فِي آخِرِ جَوَابِهَا: وَلَكِنْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. وَفِي نَفْسِ الْكِتَابِ، بَابٌ (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) 6/141 حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فَرَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ الْأُفُقَ. وَفِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. . الْحَدِيثَ. وَانْظُرِ الْبُخَارِيَّ 4/151 - 116 وَانْظُرِ الصَّفَدِيَّةَ 21/201 - 202.

وَالْمَلَائِكَةُ تَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَصْعَدُ (¬1) إِلَى السَّمَاءِ، كَمَا تَوَاتَرَتْ (¬2) بِذَلِكَ النُّصُوصُ. وَقَدْ أَنْزَلَهَا [اللَّهُ] (¬3) يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ لِنَصْرِ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ (¬4) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 9] ، وَقَالَ: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 26] ، وَقَالَ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 9] ، وَقَالَ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 80] ، وَقَالَ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (¬5) [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 71] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 50] ، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 93] . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ يُعْلَمُ بِبَعْضِهِ أَنَّ مَا وَصَفَ (اللَّهُ) بِهِ (¬6) الْمَلَائِكَةَ ¬

(¬1) ع: وَتَصْعَدُ. (¬2) ب، أ: نَزَلَتْ. (¬3) اللَّهُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ب، أ: وَالنَّصْرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ. (¬5) فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ: جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ب، أ: وَصَفَ بِهِ.

يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ (¬1) مَا يَقُولُهُ: هَؤُلَاءِ فِي الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ، سَوَاءٌ قَالُوا: إِنَّ الْعُقُولَ عَشْرَةٌ وَالنُّفُوسَ تِسْعَةٌ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ، أَوْ قَالُوا: غَيْرَ ذَلِكَ. (¬2) وَلَيْسَتِ الْمَلَائِكَةُ أَيْضًا الْقُوَى الْعَالِمَةَ (¬3) الَّتِي فِي النُّفُوسِ كَمَا قَدْ يَقُولُونَهُ، بَلْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬4) مَلَكٌ (¬5) مُنْفَصِلٌ عَنِ الرَّسُولِ يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَيَنْزِلُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (¬6) وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الْعَقْلُ الْفَعَّالُ، (¬7) أَوْ هُوَ مَا يُتَخَيَّلُ فِي (¬8) نَفْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الصُّوَرِ الْخَيَالِيَّةِ، وَكَلَامُ اللَّهِ مَا يُوجَدُ فِي نَفْسِهِ كَمَا يُوجَدُ فِي نَفْسِ النَّائِمِ (¬9) . ¬

(¬1) ب، أ: أَنَّهُ لَيْسَ. (¬2) يَذْكُرُ الْفَلَاسِفَةُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِمْ وَرَسَائِلِهِمْ أَنَّ الْعُقُولَ السَّمَاوِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ مَلَائِكَةٌ. انْظُرْ مَثَلًا: الْفَارَابِيَّ: السِّيَاسَاتِ الْمَدَنِيَّةَ، ص [0 - 9] ، ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1345 ; ابْنَ سِينَا: أَقْسَامَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ ص [0 - 9] 13، ضِمْنَ تِسْعِ رَسَائِلَ فِي الْحِكْمَةِ وَالطَّبِيعِيَّاتِ، الْقَاهِرَةَ، 1326/1908 ; رِسَالَةَ الزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ، ص 33، ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ جَامِعِ الْبَدَائِعِ، الْقَاهِرَةَ، 1330/1917. (¬3) ب، أ: الصَّالِحَةَ. (¬4) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬5) مَلَكٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬6) ع: إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. (¬7) انْظُرْ مَثَلًا: السِّيَاسَاتِ الْمَدَنِيَّةَ لِلْفَارَابِيِّ، ص [0 - 9] ; أَقْسَامَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ لِابْنِ سِينَا، ص [0 - 9] 14. (¬8) ب، أ: وَهُوَ مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ. . . (¬9) انْظُرْ مَثَلًا: الرِّسَالَةَ الْعَرْشِيَّةَ لِابْنِ سِينَا، ص 12، ضِمْنَ مَجْمُوعِ رَسَائِلِ الشَّيْخِ الرَّئِيسِ، ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1354.

وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ مِنْ لَهُ عِلْمٌ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ (¬1) أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ تَكْذِيبًا لِلرَّسُولِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَبْعَدُ عَنْ مُتَابَعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُفَّارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامُ عَلَى مَجَامِعِ مَا يُعْرَفُ بِهِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ هَذَا مِنْ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتِلَافِهِمْ. فَإِذَا عُرِفَ تَنَازُعُ النُّظَّارِ فِي حَقِيقَةِ الْجِسْمِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ، وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَلَا يَقْبَلُ سُبْحَانَهُ التَّفْرِيقَ وَالِانْفِصَالَ (¬2) وَلَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَهَذِهِ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةُ مِنَ التَّرْكِيبِ كُلُّهَا مُنْتَفِيَةٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ الْمُتَفَلْسِفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ تُزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَتَقُولُ: (¬3) إِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ كَانَ مُرَكَّبًا، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ لَيْسَتْ هِيَ مُجَرَّدَ الْوُجُودِ كَانَ مُرَكَّبًا. فَيَقُولُ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الْمُثْبِتُونَ لِلصِّفَاتِ: النِّزَاعُ لَيْسَ فِي لَفْظِ " الْمُرَكَّبِ "، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُرَكَّبٍ رَكَّبَهُ غَيْرُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَاقِلًا لَا يَقُولُ: (¬4) إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرَكَّبٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَقَدْ يُقَالُ: لَفْظُ " الْمُرَكَّبِ " عَلَى مَا كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُتَفَرِّقَةً فَجُمِعَ: إِمَّا جَمْعَ ¬

(¬1) ب، أ: كُلُّ مَنْ عَلِمَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. (¬2) ب، أ: وَالِاتِّصَالَ. (¬3) ع: وَيَقُولُونَ. (¬4) ب، أ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ فُلَانًا يَقُولُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

امْتِزَاجٍ، وَإِمَّا غَيْرَ امْتِزَاجٍ كَتَرْكِيبِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْأَبْنِيَةِ وَاللِّبَاسِ مِنْ أَجْزَائِهَا. وَمَعْلُومٌ نَفْيُ هَذَا التَّرْكِيبِ عَنِ اللَّهِ، وَلَا نَعْلَمُ عَاقِلًا يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُرَكَّبٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَكَذَلِكَ التَّرْكِيبُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ - وَهُوَ التَّرْكِيبُ الْجِسْمِيُّ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ (¬1) - وَهَذَا أَيْضًا مُنْتَفٍ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، قَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ هَذَا التَّرْكِيبَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - بَلْ أَكْثَرُهُمْ - يَنْفُونَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا نَعْنِي بِكَوْنِهِ جِسْمًا أَنَّهُ مَوْجُودٌ أَوْ أَنَّهُ (¬2) قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُشَارُ إِلَيْهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. لَكِنْ بِالْجُمْلَةِ هَذَا التَّرْكِيبُ وَهَذَا التَّجْسِيمُ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى (¬3) عَنْهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ ذَاتًا (¬4) مُسْتَلْزِمَةً لِصِفَاتِ الْكَمَالِ، لَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ وَحَيَاةٌ فَهَذَا لَا يُسَمَّى مُرَكَّبًا (¬5) فِيمَا يُعْرَفُ مِنَ اللُّغَاتِ. وَإِذَا سَمَّى مُسَمٍّ (¬6) هَذَا مُرَكَّبًا (¬7) لَمْ يَكُنِ النِّزَاعُ مَعَهُ فِي اللَّفْظِ، بَلْ فِي الْمَعْنَى الْعَقْلِيِّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى نَفْيِ هَذَا، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، بَلِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ تُوجِبُ إِثْبَاتَهُ. ¬

(¬1) عِبَارَةُ " عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ " فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) أَنَّهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ب، أ: تَنْزِيهُ الرَّبِّ. (¬4) ع، أ: ذَاتٌ. (¬5) ع: تَرْكِيبًا. (¬6) ع، أ: مُسَمًّى. (¬7) ع: تَرْكِيبًا.

وَلِهَذَا كَانَ جَمِيعُ الْعُقَلَاءِ مُضْطَرِّينَ إِلَى إِثْبَاتِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فَالْمُعْتَزِلِيُّ يُسَلِّمُ أَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَهُ جِسْمًا لَيْسَ هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا، وَمَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهِ قَادِرًا. وَالْمُتَفَلْسِفُ يَقُولُ إِنَّهُ عَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ وَعَقْلٌ، وَلَذِيذٌ وَمُتَلَذِّذٌ وَلَذَّةٌ، وَعَاشِقٌ وَمَعْشُوقٌ وَعِشْقٌ (¬1) ، وَمَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ كَوْنَهُ يُحِبُّ لَيْسَ (هُوَ) كَوْنُهُ يَعْلَمُ، وَكَوْنَهُ مَحْبُوبًا مَعْلُومًا لَيْسَ (هُوَ) مَعْنَى كَوْنِهِ (مُحِبًّا) عَالِمًا، (¬2) (وَالْمُتَفَلْسِفُ يَقُولُ: مَعْنَى " كَوْنِهِ " عَالِمًا) (¬3) هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ قَادِرًا مُؤَثِّرًا فَاعِلًا، وَذَلِكَ هُوَ نَفْسُ ذَاتِهِ، فَيَجْعَلُ الْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةُ وَهُوَ الْفِعْلُ، وَيَجْعَلُ الْقُدْرَةَ هِيَ (¬4) الْقَادِرُ، وَالْعِلْمَ هُوَ الْعَالِمُ، وَالْفِعْلَ هُوَ الْفَاعِلُ. (وَبَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ - وَهُوَ الطُّوسِيُّ - ذَكَرَ فِي " شَرْحِ كِتَابِ الْإِشَارَاتِ " أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَعْلُومُ (¬5) وَمَعْلُومٌ ¬

(¬1) انْظُرْ مَثَلًا " النَّجَاةَ " لِابْنِ سِينَا (3/243 - 245) حَيْثُ يَعْقِدُ فَصْلًا عُنْوَانُهُ " فَصْلٌ فِي أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِذَاتِهِ عَقْلٌ وَعَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ "، وَفَصْلًا آخَرَ (3/245 - 246) بِعُنْوَانِ: " فَصْلٌ فِي أَنَّهُ بِذَاتِهِ مَعْشُوقٌ وَعَاشِقٌ وَلَذِيذٌ وَمُلْتَذٌّ وَأَنَّ اللَّذَّةَ هِيَ إِدْرَاكُ الْخَيْرِ الْمُلَائِمِ ". (¬2) أ: وَمَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ كَوْنَهُ يُحِبُّ لَيْسَ كَوْنَهُ يَعْلَمُ، وَكَوْنَهُ مَحْبُوبًا مَعْلُومًا لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا ; ب: وَمَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ كَوْنَهُ يُحِبُّ لَيْسَ كَوْنُهُ مَحْبُوبًا وَكَوْنَهُ مَعْلُومًا لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) . (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَزِدْتُ (كَوْنِهِ) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ. (¬4) ب، أ: هُوَ. (¬5) يَقُولُ نَصِيرُ الدِّينِ الطُّوسِيُّ (شَرْحَ الْإِشَارَاتِ الْمَطْبُوعَ مَعَ الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ لِابْنِ سِينَا، تَحْقِيقَ الدُّكْتُورِ سُلَيْمَان دُنْيَا، ق [0 - 9] ، 4، ص [0 - 9] 14 - 715) : " الْعَاقِلُ كَمَا لَا يَحْتَاجُ فِي إِدْرَاكِ ذَاتِهِ لِذَاتِهِ إِلَى صُورَةِ ذَاتِهِ الَّتِي بِهَا هُوَ هُوَ، فَلَا يَحْتَاجُ أَيْضًا فِي إِدْرَاكِ مَا يَصْدُرُ عَنْ ذَاتِهِ لِذَاتِهِ إِلَى صُورَةٍ غَيْرِ صُورَةِ ذَلِكَ الصَّادِرِ الَّتِي بِهَا هُوَ هُوَ. وَاعْتَبِرْ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ تَعْقِلُ شَيْئًا بِصُورَةٍ تَتَصَوَّرُهَا أَوْ تَسْتَحْضِرُهَا، فَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْكَ، لَا بِانْفِرَادِكَ مُطْلَقًا، بَلْ بِمُشَارَكَةٍ مَا مِنْ غَيْرِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَنْتَ لَا تَعْقِلُ تِلْكَ الصُّورَةَ بِغَيْرِهَا، بَلْ كَمَا تَعْقِلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِهَا، كَذَلِكَ تَعْقِلُهَا أَيْضًا بِنَفْسِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَضَاعَفَ الصُّوَرَ فِيكَ، بَلْ رُبَّمَا تَتَضَاعَفُ اعْتِبَارَاتُكَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذَاتِكَ وَبِتِلْكَ الصُّورَةِ فَقَطْ عَلَى سَبِيلِ التَّرْكِيبِ. وَإِذَا كَانَ حَالُكَ مَعَ مَا يَصْدُرُ عَنْكَ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِكَ هَذِهِ الْحَالُ، فَمَا ظَنُّكَ بِحَالِ الْعَاقِلِ مَعَ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ مُدَاخَلَةِ غَيْرِهِ فِيهِ؟ وَلَا تَظُنَّ أَنَّ كَوْنَكَ مَحَلًّا لِتِلْكَ الصُّورَةِ شَرْطٌ فِي تَعَقُّلِكَ إِيَّاهَا، فَإِنَّكَ تَعْقِلُ ذَاتَكَ مَعَ أَنَّكَ لَسْتَ بِمَحَلٍّ لَهَا، بَلْ إِنَّمَا كَانَ كَوْنُكَ مَحَلًّا لِتِلْكَ الصُّورَةِ شَرْطًا فِي حُصُولِ تِلْكَ الصُّورَةِ لَكَ، الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي تَعَقُّلِكَ إِيَّاهَا، فَإِنْ حَصَلَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ لَكَ بِوَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ الْحُلُولِ فِيكَ، حَصَلَ التَّعَقُّلُ مِنْ غَيْرِ حُلُولٍ فِيكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُصُولَ الشَّيْءِ لِفَاعِلِهِ فِي كَوْنِهِ حُصُولًا لِغَيْرِهِ لَيْسَ دُونَ حُصُولِ الشَّيْءِ لِقَابِلِهِ. فَإِذَنِ؛ الْمَعْلُولَاتُ الذَّاتِيَّةُ لِلْعَاقِلِ الْفَاعِلِ لِذَاتِهِ حَاصِلَةٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحِلَّ فِيهِ، فَهُوَ عَاقِلٌ إِيَّاهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ هِيَ حَالَّةٌ فِيهِ ". وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ الدُّكْتُورِ سُلَيْمَان دُنْيَا لِلْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ " الْإِشَارَاتِ " ص [0 - 9] 15 - 116.

عمدة النفاة دليل التركيب

فَسَادُ) (¬1) هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، وَمُجَرَّدُ تَصَوُّرِهَا التَّامِّ يَكْفِي فِي الْعِلْمِ بِفَسَادِهَا. [عمدة النفاة دليل التركيب] وَهَؤُلَاءِ فَرُّوا مِنْ مَعْنَى التَّرْكِيبِ، (¬2) وَلَيْسَ لَهُمْ قَطُّ حُجَّةٌ عَلَى نَفْيِ مُسَمَّى التَّرْكِيبِ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي، بَلْ عُمْدَتُهُمْ أَنَّ الْمُرَكَّبَ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَجْزَائِهِ، وَأَجْزَاؤُهُ غَيْرُهُ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ. (وَرُبَّمَا قَالُوا: الصِّفَةُ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى مَحَلٍّ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى مَحَلٍّ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ 3) (¬3) بَلْ يَكُونُ مَعْلُولًا. وَهَذَا الْحُجَّةُ أَلْفَاظُهَا كُلُّهَا مُجْمَلَةٌ (¬4) فَلَفْظُ " الْوَاجِبِ بِنَفَسِهِ " يُرَادُ بِهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ب، أ: وَلَيْسَ فِرَارُهُمْ إِلَّا مِنْ مَعْنَى التَّرْكِيبِ. (¬3) (3 - 3) : فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ع: وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مُجْمَلَةٌ.

الَّذِي لَا فَاعِلَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ، وَيُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مُبَايِنٍ لَهُ، وَيُرَادُ بِهِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُبَايِنٍ لَهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَالصِّفَاتُ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ، (1 وَعَلَى الثَّالِثِ فَالذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِالصِّفَاتِ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَالصِّفَةُ وَحْدَهَا لَا يُقَالُ: إِنَّهَا وَاجِبَةُ الْوُجُودِ. وَيُرَادُ بِهِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ 1) . (¬1) وَالْبُرْهَانُ إِنَّمَا قَامَ عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَاتِ لَهَا فَاعِلٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ قَائِمٌ (¬2) بِنَفْسِهِ أَيْ غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ، وَالصِّفَةُ لَيْسَتْ هِيَ الْفَاعِلَ. وَقَوْلُهُ: " إِذَا كَانَتْ لَهُ ذَاتٌ وَصَفَاتٌ كَانَ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَجْزَائِهِ، وَأَجْزَاؤُهُ غَيْرُهُ ". فَلَفْظُ " الْغَيْرِ " مُجْمَلٌ، يُرَادُ بِالْغَيْرِ الْمُبَايِنِ، فَالْغَيْرَانِ (¬3) مَا جَازَ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ وُجُودٍ، وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَيُرَادُ بِالْغَيْرَيْنِ (¬4) مَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ مَا جَازَ (¬5) الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ الْجَهْلِ بِالْآخَرِ، وَهَذَا اصْطِلَاحُ طَوَائِفَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا السَّلَفُ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَلَفْظُ " الْغَيْرِ " عِنْدَهُمْ يُرَادُ بِهِ هَذَا وَيُرَادُ بِهِ هَذَا، وَلِهَذَا لَمْ يُطْلِقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ عِلْمُ اللَّهِ غَيْرُهُ، وَلَا أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ ¬

(¬1) (1 - 1) : فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) قَائِمٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) ع (فَقَطْ) : فَالْغَيْرُ. (¬4) ع، أ: بِالْغَيْرِ. (¬5) ع: وَمَا جَازَ.

لَيْسَ غَيْرَهُ، وَلَا يَقُولُونَ (لَا) هُوَ هُوَ وَلَا هُوَ غَيْرُهُ، (¬1) بَلْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ (¬2) الْمُجْمَلِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّلْبِيسِ، فَإِنَّ الْجَهْمِيَّةَ يَقُولُونَ: مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ وَكَلَامُهُ غَيْرُهُ فَيَكُونُ مَخْلُوقًا، فَقَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ: إِذَا أُرِيدَ بِالْغَيْرِ وَالسِّوَى مَا هُوَ مُبَايِنٌ لَهُ، فَلَا يَدْخُلُ عِلْمُهُ وَكَلَامُهُ فِي لَفْظِ الْغَيْرِ وَالسِّوَى، كَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» ". وَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِصِفَاتِهِ كَعِزَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، (¬3) فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْغَيْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَإِذَا أُرِيدَ بِالْغَيْرِ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِيَّاهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ الْعَالِمَ. وَالْكَلَامَ لَيْسَ هُوَ الْمُتَكَلِّمَ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ (الِافْتِقَارِ يُرَادُ بِهِ) افْتِقَارُ الْمَفْعُولِ إِلَى فَاعِلِهِ (¬4) وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُرَادُ بِهِ التَّلَازُمُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدُهُمَا إِلَّا مَعَ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُؤَثِّرًا فِي الْآخَرِ، كَالْأُمُورِ الْمُتَضَايِفَةِ: مِثْلِ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ. وَالْمُرَكَّبُ قَدْ عُرِفَ مَا فِيهِ مِنَ الِاشْتِرَاكِ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: لَوْ كَانَ عَالِمًا لَكَانَ مُرَكَّبًا مِنْ ذَاتٍ وَعِلْمٍ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ هَذَيْنِ كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ فَاجْتَمَعَا، وَلَا أَنَّهُ يَجُوزُ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، (¬5) بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا فَهُنَاكَ ذَاتٌ وَعِلْمٌ قَائِمٌ بِهَا. وَقَوْلُهُ: " وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَجْزَائِهِ " فَمَعْلُومٌ أَنَّ افْتِقَارَ الْمَجْمُوعِ إِلَى ¬

(¬1) أ: وَلَا يَقُولُونَ لَا هُوَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ وَسَقَطَتْ (لَا) مِنْ (ب) . وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ عَنْ (ع) . (¬2) اللَّفْظِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) انْظُرْ مَا سَبَقَ 2/495. (¬4) أ: وَكَذَلِكَ لَفْظُ الِافْتِقَارِ الْمَفْعُولِ إِلَى فَاعِلِهِ، وَسَقَطَ مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ كُلُّهُ مِنْ (ب) . (¬5) الْآخَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

أَبْعَاضِهِ لَيْسَ بِمَعْنَى أَنْ أَبْعَاضَهُ فَعَلَتْهُ (¬1) أَوْ وُجِدَتْ دُونَهُ وَأَثْرَتْ فِيهِ، بَلْ بِمَعْنَى (¬2) أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ الْمَجْمُوعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ نَفْسِهِ. وَإِذَا قِيلَ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ هَذَا (¬3) مُمْتَنِعًا، بَلْ هَذَا هُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّ نَفْسَ الْوَاجِبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ نَفْسِهِ. وَإِذَا قِيلَ: هُوَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَهُ (¬4) أَبْدَعَتْ وُجُوبَهُ (¬5) ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَهُ مَوْجُودَةٌ بِنَفْسِهَا لَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَوُجُودُهُ وَاجِبٌ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ بِحَالٍ. فَإِذَا قِيلَ مَثَلًا: الْعَشَرَةُ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْعَشَرَةِ (¬6) ، لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا افْتِقَارٌ لَهَا إِلَى غَيْرِهَا. وَإِذَا قِيلَ: هِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْوَاحِدِ الَّذِي هُوَ جُزْؤُهَا، لَمْ يَكُنِ افْتِقَارُهَا إِلَى بَعْضِهَا بِأَعْظَمَ (¬7) مِنِ افْتِقَارِهَا إِلَى الْمَجْمُوعِ الَّتِي هِيَ هُوَ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا بَلْ هُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ (8 الْمَجْمُوعُ إِلَّا بِالْمَجْمُوعِ، فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُوجَدُ 8) (¬8) الْمَجْمُوعُ إِلَّا بِوُجُودِ جُزْئِهِ. ¬

(¬1) ب، أ: أَنَّ بَعْضَهُ فَعَلَهُ. (¬2) ب، أ: الْمَعْنَى. (¬3) هَذَا: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬4) عِبَارَةُ " أَنَّ نَفْسَهُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ب (فَقَطْ) : وُجُودَهُ. (¬6) أ، ب: الْعُشْرُ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْعَشَرَةِ. (¬7) ب، أ: أَعْظَمَ. (¬8) : (8 - 8) سَاقِطٌ مِنْ (ع) .

وَالدَّلِيلُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَاتِ لَهَا مُبْدِعٌ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ خَارِجٌ عَنْهَا، أَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ الْمُبْدِعِ مُسْتَلْزِمًا لِصِفَاتِهِ، أَوْ لَا يُوجَدُ إِلَّا مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، فَهَذَا لَمْ تَنْفِهِ حُجَّةٌ أَصْلًا (¬1) ، وَلَا هَذَا التَّلَازُمُ - سَوَاءٌ سُمِّيَ فَقْرًا أَوْ لَمْ يُسَمَّ - مِمَّا يَنْفِي كَوْنَ الْمَجْمُوعِ وَاجِبًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ بِحَالٍ. وَأَيْضًا، فَتَسْمِيَةُ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمَوْصُوفِ جُزْءًا لَهُ لَيْسَ هُوَ مِنَ اللُّغَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَإِنَّمَا (¬2) هُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ، كَمَا سَمَّوُا (¬3) الْمَوْصُوفَ مُرَكَّبًا، (4 بِخِلَافِ تَسْمِيَةِ الْجُزْءِ صِفَةً، فَإِنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالنُّظَّارِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ كُلَّابٍ وَغَيْرِهِمَا 4) (¬4) ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الذَّاتَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِلصِّفَةِ لَا تُوجَدُ إِلَّا وَهِيَ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّفَةِ، وَهَذَا حَقٌّ. وَإِذَا تَنَزَّلَ إِلَى اصْطِلَاحِهِمُ الْمُحْدَثِ وَسَمَّى هَذَا جُزْءًا، فَالْمَجْمُوعُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ بَعْضُهُ. وَإِذْ قِيلَ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى بَعْضِهِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا إِلَّا دُونَ قَوْلِ الْقَائِلِ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ الْمَجْمُوعُ، وَإِذَا كَانَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى. وَإِذَا قِيلَ: جُزْؤُهُ (¬5) غَيْرُهُ، وَالْوَاجِبُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ. قِيلَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنَّ جُزْأَهُ مُبَايِنٌ لَهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَهَذَا بَاطِلٌ، فَلَيْسَ جُزْؤُهُ غَيْرَهُ (¬6) بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِنْ أَرَدْتَ ¬

(¬1) ب، أ: فَهَذَا لَمْ يَنْفِ حُجَّةً أَصْلًا. (¬2) ب، أ: إِنَّمَا. (¬3) ب: يُسَمُّونَ ; أ: يُسَمُّوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) : (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) أ، ب: أَجْزَاؤُهُ. (¬6) ع: غَيْرًا لَهُ.

أَنَّهُ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْعِلْمِ بِالْآخَرِ، كَمَا نَعْلَمُ (¬1) أَنَّهُ قَادِرٌ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ عَالِمٌ، وَنَعْلَمُ الذَّاتَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِصِفَاتِهَا، فَهُوَ غَيْرُهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ. وَقَدْ عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ مَعَانٍ هِيَ أَغْيَارٌ (¬2) بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِلَّا فَكَوْنُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَيْسَ هُوَ كَوْنُهُ عَالِمًا، وَكَوْنُهُ عَالِمًا لَيْسَ هُوَ (¬3) كَوْنَهُ حَيًّا، وَكَوْنُهُ حَيًّا لَيْسَ هُوَ (¬4) كَوْنَهُ قَادِرًا، وَمَنْ جَعَلَ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْأُخْرَى، وَجَعَلَ الصِّفَاتِ كُلَّهَا هِيَ الْمَوْصُوفُ، فَقَدِ انْتَهَى فِي السَّفْسَطَةِ إِلَى الْغَايَةِ، وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا كَمَنْ قَالَ: السَّوَادُ هُوَ الْبَيَاضُ، وَالسَّوَادُ وَالْبَيَاضُ هُوَ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَفَوُا الْمَعَانِيَ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا كُلُّهُمْ مُتَنَاقِضُونَ يَجْمَعُونَ فِي قَوْلِهِمْ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَقَدْ جَعَلُوا هَذَا أَسَاسَ التَّعْطِيلِ وَالتَّكْذِيبِ بِمَا عُلِمَ بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ. فَالَّذِينَ يَنْفُونَ عِلْمَهُ بِالْأَشْيَاءِ يَقُولُونَ: لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكَثُّرُ (¬5) . وَالَّذِينَ يَنْفُونَ عِلْمَهُ بِالْجُزَئِيَّاتِ يَقُولُونَ: لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّغَيُّرُ، فَيَذْكُرُونَ لَفْظَ " التَّكَثُّرِ " وَ " التَّغَيُّرِ " وَهُمَا لَفْظَانِ مُجْمَلَانِ: يَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ تَتَكَثَّرُ الْآلِهَةُ، أَوْ أَنَّ (¬6) الرَّبَّ يَتَغَيَّرُ وَيَسْتَحِيلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، كَمَا يَتَغَيَّرُ الْإِنْسَانُ إِمَّا بِمَرَضٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ، وَكَمَا تَتَغَيَّرُ الشَّمْسُ إِذَا اصْفَرَّ لَوْنُهَا، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ عِنْدَهُمْ (¬7) ¬

(¬1) ع: يُعْلَمُ. (¬2) ب، أ: أَعْيَانٌ. (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ع: التَّكْثِيرُ. (¬6) ب، أ: وَأَنَّ. (¬7) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

إِذَا أَحْدَثَ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْدَثًا سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، وَإِذَا سَمِعَ دُعَاءَ عِبَادِهِ (¬1) سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، وَإِذَا رَأَى مَا خَلَقَهُ سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، وَإِذَا كَلَّمَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، وَإِذَا رَضِيَ عَمَّنْ أَطَاعَهُ وَسَخِطَ عَلَى مَنْ عَصَاهُ سَمَّوْهُ تَغَيُّرًا، إِلَى أَمْثَالِ (¬2) هَذِهِ الْأُمُورِ. ثُمَّ إِنَّهُمْ يَنْفُونَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ (¬3) أَصْلًا، فَإِنَّ الْفَلَاسِفَةَ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، (لَكِنْ) مَنْ نَفَى مِنْهُمْ مَا (نَفَاهُ) (¬4) فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْيِهِ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ. وَلِهَذَا كَانَ الْحَاذِقُ (¬5) مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الْبَرَكَاتِ صَاحِبِ " الْمُعْتَبَرِ " وَغَيْرِهِمَا قَدْ خَالَفُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَبَيَّنُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ يَنْفِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ تُوجِبُ ثُبُوتَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَنْ نَفَى الْجِسْمَ وَأَرَادَ بِهِ نَفْيَ التَّرْكِيبِ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ (¬6) أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ فَقَدْ أَصَابَ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنْ مُنَازِعُوهُ يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي قُلْتَهُ لَيْسَ هُوَ مُسَمَّى الْجِسْمِ فِي اللُّغَةِ، وَلَا هُوَ أَيْضًا حَقِيقَةَ الْجِسْمِ الِاصْطِلَاحِيِّ، (7 فَإِنَّ الْجِسْمَ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا حَقِيقَةُ الْجِسْمِ الِاصْطِلَاحِيِّ 7) (¬7) . ¬

(¬1) ع: عَبْدَهُ. (¬2) ب، أ: مِثْلِ. (¬3) ع: بِغَيْرِ دَلِيلٍ. (¬4) أ: مَنْ نَفَى مِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; ب: وَمَنْ نَفَاهُ مِنْهُمْ. (¬5) ب (فَقَطْ) : الْحُذَّاقُ. (¬6) ب: الْفَرْدَةِ. (¬7) (7 - 7) : فِي (ع) فَقَطْ.

وَإِذَا كَانَ مُنَازِعُوهُ مَنْ (لَا) يَنْفِي (¬1) التَّرْكِيبَ مِنْ هَذَا وَهَذَا، فَالْفَرِيقَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَنْزِيهِ الرَّبِّ عَنْ ذَلِكَ، لَكِنَّ أَحَدَهُمَا يَقُولُ: نَفْيُ لَفْظِ (¬2) الْجِسْمِ لَا يُفِيدُ هَذَا التَّنْزِيهَ، وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ لَفْظُ التَّرْكِيبِ وَنَحْوُهُ (¬3) ، وَالْآخَرُ يَقُولُ: بَلْ (نَفْيُ) (¬4) لَفْظِ الْجِسْمِ يُفِيدُ هَذَا التَّنْزِيهَ. وَمَنْ قَالَ: هُوَ جِسْمٌ، فَالْمَشْهُورُ عَنْ نُظَّارِ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ: هُوَ جِسْمٌ، أَنَّهُ يُفَسِّرُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ أَوِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ، لَا بِمَعْنَى الْمُرَكَّبِ. وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ جِسْمٌ، وَأَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى، فَقَدْ أَصَابَ فِي الْمَعْنَى، لَكِنْ إِنَّمَا يُخَطِّئُهُ مَنْ يُخَطِّئُهُ فِي اللَّفْظِ. أَمَّا مَنْ يَقُولُ: الْجِسْمُ هُوَ الْمُرَكَّبُ، فَيَقُولُ: أَخْطَأْتَ (حَيْثُ) (¬5) اسْتَعْمَلْتَ لَفْظَ " الْجِسْمِ " فِي الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ أَوِ الْمَوْجُودِ. وَأَمَّا مَنْ (لَا) (¬6) يَقُولُ بِأَنَّ كُلَّ جِسْمٍ مُرَكَّبٍ، فَيَقُولُ: تَسْمِيَتُكَ لِكُلِّ مَوْجُودٍ أَوْ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ جِسْمًا لَيْسَ هُوَ مُوَافِقًا لِلُغَةِ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفَةِ، وَلَا تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَلَا قَالُوا (¬7) : إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، ¬

(¬1) ب، أ: مِمَّنْ يَنْفِي، وَالصَّوَابُ مَا فِي (ع) ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا مَنْ أَثْبَتَ الْجَوَاهِرَ الْفَرْدَةَ مِثْلُ الْأَشَاعِرَةِ، أَوِ الْمَادَّةَ وَالصُّورَةَ مِثْلُ الْفَلَاسِفَةِ فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا مُتَّفِقُونَ عَلَى تَنْزِيهِ الرَّبِّ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ. (¬2) لَفْظِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ب، أ: وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ لَفْظُ هَذَا التَّرْكِيبِ وَنَحْوُهُ ; ع: وَإِنَّمَا يُفِيدُ لَفْظَ التَّرْكِيبِ وَنَحْوَهُ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ع: وَقَالُوا.

بطلان القول بأن العرب أطلقوا اسم الجنس على المركب من الأجزاء من وجوه

فَأَنْتَ مُخْطِئٌ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَدْتَهُ صَحِيحًا. فَيَقُولُ: أَنَا تَكَلَّمْتُ (¬1) بِالِاصْطِلَاحِ الْكَلَامِيِّ، فَإِنَّ الْجِسْمَ عِنْدَ النُّظَّارِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ هُوَ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَنَازَعَهُمْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالُوا: لَيْسَ كُلُّ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مُرَكَّبٌ لَا (¬2) مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا، فَإِذَا أَقَامَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلًا عَقْلِيًّا عَلَى نَفْيِ تَرْكِيبِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ خَصِمَ مُنَازِعِيهِ، إِلَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ فَيَقُولُ لَهُ: لَيْسَ لَكَ أَنْ تُسَمِّيَهُ بِذَلِكَ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُتَّبِعُونَ لِلسَّلَفِ فَيَقُولُونَ: كُلُّكُمْ مُبْتَدِعُونَ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَيْثُ سَمَّيْتُمْ كُلَّ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ جِسْمًا، فَهَذَا اصْطِلَاحٌ لَا يُوَافِقُ اللُّغَةَ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ. قَالَ الْمُدَّعُونَ أَنَّ الْجِسْمَ هُوَ الْمُرَكِّبُ: بَلْ قَوْلُنَا مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ، وَالْجِسْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُؤَلَّفُ الْمُرَكَّبُ، وَالدَّلِيلُ (¬3) عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: هَذَا أَجْسَمُ مِنْ هَذَا عِنْدَ زِيَادَةِ الْأَجْزَاءِ، وَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَصْلِ، فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَ الْجِسْمِ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُرَكَّبُ، وَكُلَّمَا (¬4) زَادَ التَّرْكِيبُ قَالُوا: أَجْسَمُ. [بطلان القول بأن العرب أطلقوا اسم الجنس على المركب من الأجزاء من وجوه] فَيُقَالُ: لَهُمْ أَمَّا كَوْنُ الْعَرَبِ تَقُولُ لِمَا كَانَ أَغْلَظَ مِنْ غَيْرِهِ أَجْسَمُ فَهَذَا ¬

(¬1) ع: فَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَدْتَهُ صَحِيحًا، فَنَقُولُ: إِنَّمَا تَكَلَّمْتَ. . إِلَخْ. (¬2) لَا: فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) ب، أ: فَالدَّلِيلُ. (¬4) ب، أ: فَكُلَّمَا.

صَحِيحٌ، (مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْكَرُوا هَذَا) (¬1) . وَأَمَّا دَعْوَاكُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ هَذَا (¬2) لِأَنَّ الْجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمُفْرَدَةِ، وَكُلُّ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ فَهُوَ مُرَكَّبٌ فَيُسَمُّونَهُ جِسْمًا، فَهَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ (¬3) بِنَقْلِ الثِّقَاتِ عَنْهُمُ وَالِاسْتِعْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ كُلَّ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ جِسْمًا، وَلَا يَقُولُونَ لِلْهَوَاءِ اللَّطِيفِ جِسْمًا، (¬4) وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ " الْجِسْمِ " كَمَا يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْجَسَدِ، وَهَكَذَا نَقَلَ عَنْهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلِسَانِهِمْ كَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا، كَمَا (¬5) نَقْلَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي " صِحَاحِهِ " وَغَيْرُ الْجَوْهَرِيِّ، (¬6) فَلَفْظُ " الْجِسْمِ " عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْغِلَظِ وَالْكَثَافَةِ، لَا مَعْنَى كَوْنِهِ يُشَارُ إِلَيْهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا بِذَلِكَ كَوْنَهُ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ (¬7) أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، بَلْ لَمْ يَخْطُرْ هَذَا بِقُلُوبِهِمْ، بَلْ إِنَّمَا قَصَدُوا مَعْنَى الْكَثَافَةِ وَالْغِلَظِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْكَثَافَةِ وَالْغِلَظِ تَكُونُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ، (¬8) أَوْ بِسَبَبِ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ غَلِيظًا كَثِيفًا، كَمَا يَكُونُ حَارًّا وَبَارِدًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَرَارَتُهُ وَبُرُودَتُهُ (¬9) بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُرَكَّبًا مِنَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ب، أ: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ وُجُوهٍ. . . إِلَخْ. (¬4) ب (فَقَطْ) : جِسْمٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) كَمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) انْظُرْ مَا سَبَقَ 2/525 (ت 3، 4) . (¬7) ب (فَقَطْ) : الْفَرْدَةِ. (¬8) ب (فَقَطْ) : الْفَرْدَةِ. (¬9) وَبُرُودَتُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ، فَالْجِسْمُ لَهُ قَدْرٌ وَصِفَاتٌ، وَلَيْسَتْ صِفَاتُهُ لِأَجْلِ الْجَوَاهِرِ، فَكَذَلِكَ قَدْرُهُ. فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الْبُحُوثِ الْعَقْلِيَّةِ الدَّقِيقَةِ لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِ عَامَّةِ مَنْ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ " الْجِسْمِ " مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ فِي اللُّغَةِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَيَقْصِدُونَ مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مِمَّا يَخْفَى تَصَوُّرُهُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، وَيَقِفُ (¬1) الْعِلْمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى (¬2) عَلَى أَدِلَّةٍ دَقِيقَةٍ عَقْلِيَّةٍ، وَيَتَنَازَعُ فِيهَا الْعُقَلَاءُ، فَإِنَّ النَّاطِقِينَ بِهِ جَمِيعَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ، (وَمَا كَانَ دَقِيقًا لَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَكُونُ مُرَادَ النَّاطِقِينَ بِهِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مُتَنَازَعًا فِيهِ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ: اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى خَفِيٍّ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ، كَلَفْظِ " الْحَرَكَةِ " وَنَحْوِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَفْظَ " الْجِسْمِ " مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ) (¬3) ، مَعَ عَدَمِ تَصَوُّرِ أَكْثَرِهِمْ لِلتَّرْكِيبِ، وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِدَلِيلِ التَّرْكِيبِ، وَإِنْكَارِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ لِلتَّرْكِيبِ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ وَالْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعُهُ فِي اللُّغَةِ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النُّظَّارُ، وَمَعْرِفَتُهُ تَتَوَقَّفُ (¬4) عَلَى النَّظَرِ وَالْأَدِلَّةِ الْخَفِيَّةِ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَيَتَوَقَّفُ. (¬2) الْمَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ع، أ: تَقِفُ.

الْوَجْهُ (¬1) الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ لَوْ قَصَدُوا التَّرْكِيبَ (¬2) فَإِنَّمَا قَصَدُوهُ فِيمَا كَانَ غَلِيظًا كَثِيفًا، فَدَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ كُلَّ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ جِسْمًا، وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ دَعْوَتَانِ بَاطِلَتَانِ. وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَيْسَ بِجِسْمٍ، يَقُولُونَ: مَنْ قَالَ: إِنَّهُ جِسْمٌ وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ أَوْ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ (أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، أَوْ قَالَ: إِنَّهُ جَوْهَرٌ وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ) (¬3) فَهُوَ مُصِيبٌ فِي الْمَعْنَى، لَكِنْ أَخْطَأَ فِي اللَّفْظِ. وَأَمَّا إِذَا أَثْبَتَ (¬4) أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬5) وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي الْمَعْنَى، وَفِي تَكْفِيرِهِ نِزَاعٌ بَيْنَهُمْ. ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (¬6) قَدْ تَنَازَعُوا فِي مُسَمَّاهُ، فَقِيلَ: الْجَوْهَرُ الْوَاحِدُ بِشَرْطِ انْضِمَامِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ يَكُونُ جِسْمًا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا. (¬7) وَقِيلَ: بَلِ الْجَوْهَرَانِ فَصَاعِدًا. وَقِيلَ: بَلْ أَرْبَعَةٌ فَصَاعِدًا. وَقِيلَ: بَلْ سِتَّةٌ فَصَاعِدًا. وَقِيلَ: بَلْ ثَمَانِيَةٌ فَصَاعِدًا. وَقِيلَ: بَلْ سِتَّةَ عَشَرَ. وَقِيلَ: بَلِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ. وَقَدْ ذَكَرَ عَامَّةَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّنَ ن (¬8) وَاخْتِلَافِ الْمُصَلِّينَ " (¬9) . ¬

(¬1) الْوَجْهُ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ب: أَنَّهُمْ لَوْ قَصَدُوهُ ; أ: أَنَّهُمْ قَصَدُوا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ع) . (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ب، أ: ثَبَتَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ع: الْمُنْفَرِدَةِ. (¬6) ع: الْمُنْفَرِدَةِ. (¬7) انْظُرِ: الْبَاقِلَّانِيَّ: التَّمْهِيدَ، ص [0 - 9] 7، 191، 195 ; الْإِنْصَافَ، ص 15. (¬8) أ، ب: الْمُسْلِمِينَ. (¬9) فِي (ع) الْمُضِلِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَانْظُرِ: الْمَقَالَاتِ 2/4 - 6.

فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظِ مِنَ الْمُنَازَعَاتِ اللَّفْظِيَّةِ (¬1) اللُّغَوِيَّةِ وَالِاصْطِلَاحِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {المص - كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ - اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 1 - 3] ، وَقَوْلِهِ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 153] ، وَقَوْلِهِ: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 213] ، وَقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا - وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [سُورَةُ ¬

(¬1) اللَّفْظِيَّةِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

القاعدة الواجب اتباعها في مسألة الصفات

النِّسَاءِ: 59 - 61] ، وَقَوْلِهِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سُورَةُ طه: 123 - 126] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أَنْ لَا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا. [القاعدة الواجب اتباعها في مسألة الصفات] فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي هَذَا الْبَابِ، فَمَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَثْبَتْنَاهُ، وَمَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ نَفَيْنَاهُ، وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي وَرَدَ بِهَا النَّصُّ يُعْتَصَمُ بِهَا فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، فَنُثْبِتُ مَا أَثْبَتَتْهُ النُّصُوصُ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي. وَنَنْفِي مَا نَفَتْهُ (¬1) النُّصُوصُ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا مَنِ ابْتَدَعَهَا مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، مِثْلُ لَفْظِ " الْجِسْمِ " وَ " الْجَوْهَرِ " (¬2) وَ " الْمُتَحَيِّزِ " وَ " الْجِهَةِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا تُطْلَقُ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا حَتَّى يُنْظَرَ فِي مَقْصُودِ قَائِلِهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَرَادَ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَعْنًى صَحِيحًا مُوَافِقًا لِمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صُوِّبَ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ بِلَفْظِهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِأَلْفَاظِ النُّصُوصِ، لَا يُعْدَلُ (¬3) إِلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُبْتَدَعَةِ الْمُجْمَلَةِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ، مَعَ قَرَائِنَ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِهَا، وَالْحَاجَةُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ مَنْ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ مَعَهُ إِنْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا، وَأَمَّا إِنْ أُرِيدَ (¬4) بِهَا مَعْنًى بَاطِلٌ نُفِيَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ¬

(¬1) ع: تَنْفِيهِ. (¬2) أ، ب: مِثْلُ لَفْظِ الْجَوْهَرِ. (¬3) ع: نَعْدِلُ. (¬4) ع: إِنْ أَرَادَ.

وَإِنْ جُمِعَ بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ، أُثْبِتَ الْحَقُّ وَأُبْطِلَ الْبَاطِلُ. وَإِذَا اتَّفَقَ شَخْصَانِ عَلَى مَعْنًى وَتَنَازَعَا هَلْ يَدُلُّ ذَلِكَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، عُبِّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةِ يَتَّفِقَانِ عَلَى الْمُرَادِ بِهَا، وَكَانَ أَقْرَبُهُمَا إِلَى الصَّوَابِ مَنْ وَافَقَ اللُّغَةَ الْمَعْرُوفَةَ، كَتَنَازُعِهِمْ فِي لَفْظِ " الْمُرَكَّبِ " هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتٍ تَقُومُ بِهِ، وَفِي لَفْظِ " الْجِسْمِ " هَلْ مَدْلُولُهُ فِي اللُّغَةِ الْمُرَكَّبُ أَوِ الْجَسَدُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَأَمَّا لَفْظُ " الْمُتَحَيِّزِ " فَهُوَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَتَحَيَّزُ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 16] ، وَهَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُحِيطَ بِهِ حَيِّزٌ وُجُودِيٌّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ حَيِّزٍ إِلَى حَيِّزٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخَالِقَ جَلَّ جَلَالُهُ لَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فَلَا يَكُونُ مُتَحَيِّزًا بِهَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَأَمَّا أَهْلُ الْكَلَامِ فَاصْطِلَاحُهُمْ فِي الْمُتَحَيِّزِ أَعَمُّ مِنْ هَذَا، فَيَجْعَلُونَ كُلَّ جِسْمٍ مُتَحَيِّزًا، وَالْجِسْمُ عِنْدَهُمْ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ، فَتَكُونُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَا بَيْنَهُمَا (¬1) مُتَحَيِّزًا عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ مُتَحَيِّزًا فِي اللُّغَةِ. وَالْحَيِّزُ تَارَةً يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنًى مَوْجُودًا وَتَارَةً يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنًى مَعْدُومًا، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُسَمَّى الْحَيِّزِ وَمُسَمَّى الْمَكَانِ، فَيَقُولُونَ: الْمَكَانُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ (¬2) ، وَالْحَيِّزُ تَقْدِيرُ مَكَانٍ عِنْدَهُمْ. فَمَجْمُوعُ الْأَجْسَامِ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مَوْجُودٍ، فَلَا تَكُونُ فِي مَكَانٍ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ مُتَحَيِّزَةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ ¬

(¬1) عِبَارَةُ وَمَا بَيْنَهُمَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) ب، أ: مَوْجُودٌ.

يَتَنَاقَضُ (¬1) فَيَجْعَلُ الْحَيِّزَ تَارَةً مَوْجُودًا وَتَارَةً مَعْدُومًا، كَالرَّازِيِّ (¬2) وَغَيْرِهِ، كَمَا (قَدْ) (¬3) بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَمَنْ تَكَلَّمَ بِاصْطِلَاحِهِمْ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ مُتَحَيِّزٌ بِمَعْنَى (أَنَّهُ) (¬4) أَحَاطَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ فَهَذَا مُخْطِئٌ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَا ثَمَّ مَوْجُودٌ إِلَّا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ. وَإِذَا كَانَ الْخَالِقُ بَائِنًا عَنِ الْمَخْلُوقِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ فِي الْمَخْلُوقِ، وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. " وَإِنْ أَرَادَ بِالْحَيِّزِ أَمْرًا عَدَمِيًّا فَالْأَمْرُ الْعَدَمِيُّ لَا شَيْءَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ بَائِنٌ عَنْ (¬5) خَلْقِهِ، فَإِذَا سَمَّى الْعَدَمَ الَّذِي فَوْقَ الْعَالَمِ حَيِّزًا، وَقَالَ: يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَالَمِ لِئَلَّا يَكُونَ مُتَحَيِّزًا، فَهَذَا مَعْنًى بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَوْجُودٌ غَيْرُهُ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ أَنَّهُ بَائِنٌ عَنْ (¬6) خَلْقِهِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ. وَهُمَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ - كَمَا احْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رَدِّهِ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ - وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الْكِنَانِيُّ (¬7) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ ¬

(¬1) ب، أ: يُنَاقِضُ. (¬2) انْظُرْ مَا سَبَقَ 2/351 وَمَا بَعْدَهَا، وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نَصَّ كَلَامِ الرَّازِيِّ فِي كِتَابِهِ " مُحَصِّلِ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ " (ص [0 - 9] 5) وَذَكَرَ تَعْلِيقَ الطُّوسِيِّ فِي تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ثُمَّ عَلَّقَ عَلَى كَلَامِهِمَا. (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ع: مِنْ. (¬6) ع: مِنْ. (¬7) ع: الْكَتَّانِيُّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ الْكِنَانِيُّ الْمَكِّيُّ، كَانَ يُلَقَّبُ بِالْغُولِ لِدَمَامَتِهِ، سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَكَانَ مِنْ تَلَامِيذِ الشَّافِعِيِّ، وَنَاظَرَ بِشْرًا الْمَرِيسِيَّ أَمَامَ الْمَأْمُونِ وَلَهُ كِتَابُ الْحَيْدَةِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 240. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/363 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 1/334 ; الْأَعْلَامِ 4/154 - 155. وَانْظُرْ كِتَابَ " الْحَيْدَةِ " لَهُ، ص 27 - 28 ط. مَطْبَعَةِ الْإِمَامِ بِالْقَاهِرَةِ بِدُونِ تَارِيخٍ.

سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ وَالْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَبَيَّنُوا (¬1) أَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَلَمَّا خَلَقَهُمَا (¬2) فَإِمَّا (¬3) أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِيهِمَا (¬4) أَوْ دَخَلَتْ فِيهِ، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ بَائِنٌ عَنْهُمَا (¬5) وَقَرَّرُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لِخَلْقِهِ أَوْ مُدَاخِلًا لَهُ. وَالنُّفَاةُ يَدَّعُونَ وُجُودَ مَوْجُودٍ لَا يَكُونُ مُبَايِنًا لِغَيْرِهِ (¬6) وَلَا مُدَاخِلًا لَهُ، (¬7) وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي بِدَايَةِ الْعُقُولِ، لَكِنْ يَدَّعُونَ أَنَّ الْقَوْلَ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ هُوَ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ لَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ. ثُمَّ إِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا: لَوْ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ لَكَانَ جِسْمًا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ مَا يَلِي هَذَا الْجَانِبَ عَمَّا يَلِي هَذَا الْجَانِبَ. فَقَالَ لَهُمْ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ: مَعْلُومٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَنَّ إِثْبَاتَ مَوْجُودٍ فَوْقَ الْعَالَمِ لَيْسَ بِجِسْمٍ، أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ مِنْ إِثْبَاتِ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِمُبَايِنٍ لِلْعَالَمِ وَلَا بِمُدَاخِلٍ لَهُ، فَإِنْ جَازَ إِثْبَاتُ الثَّانِي فَإِثْبَاتُ الْأَوَّلِ أَوْلَى. وَإِذَا قُلْتُمْ: نَفْيُ هَذَا الثَّانِي مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْبَاطِلِ؛ قِيلَ لَكُمْ: (¬8) فَنَفْيُ الْأَوَّلِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ الْبَاطِلِ. ¬

(¬1) ع: وَيُثْبِتُونَ. (¬2) فَلَمَّا خَلَقَهُمَا: فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) ب، أ: إِمَّا. (¬4) ب، أ: فِيهَا. (¬5) ب، أ: عَنْهَا. (¬6) ب: لَا مُبَايِنَ لِغَيْرِهِ ; أ: لَا مُبَايِنًا لِغَيْرِهِ. (¬7) ب (فَقَطْ) : وَلَا مُدَاخِلٌ لَهُ. (¬8) لَكُمْ: فِي (ع) فَقَطْ.

وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ نَفْيَ الْأَوَّلِ مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ الْمَقْبُولِ ; فَنَفْيُ الثَّانِي أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ الْمَقْبُولِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ. وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي لَفْظِ " الْجِهَةِ " فَإِنَّ مُسَمَّى لَفْظِ الْجِهَةِ يُرَادُ بِهِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ (¬1) كَالْفَلَكِ الْأَعْلَى، وَيُرَادُ بِهِ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ كَمَا وَرَاءَ الْعَالَمِ. فَإِذَا أُرِيدَ الثَّانِي (أَمْكَنَ) (¬2) أَنْ يُقَالَ: كُلُّ جِسْمٍ فِي جِهَةٍ. وَإِذَا أُرِيدَ الْأَوَّلُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جِسْمٍ فِي جِسْمٍ آخَرَ. فَمَنْ قَالَ: الْبَارِي فِي جِهَةٍ، وَأَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا مَوْجُودًا، فَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ لَهُ، (وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ) (¬3) فِي جِهَةٍ بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَهُوَ مُخْطِئٌ. وَإِنْ أَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا عَدَمِيًّا، وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ، فَقَدْ أَصَابَ. وَلَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ مَوْجُودٌ غَيْرُهُ، فَلَا يَكُونُ سُبْحَانَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ. وَأَمَّا إِذَا فَسَّرْتَ (¬4) الْجِهَةَ بِالْأَمْرِ الْعَدَمِيِّ، فَالْعَدَمُ (¬5) لَا شَيْءَ. وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الِاسْتِفْسَارِ، وَبَيَانِ مَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ مِنْ مَعْنًى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ يُزِيلُ عَامَّةَ الشُّبَهِ. فَإِذَا قَالَ نَافِي الرُّؤْيَةِ: لَوْ رُؤِيَ لَكَانَ فِي جِهَةٍ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ، فَالرُّؤْيَةُ مُمْتَنِعَةٌ. ¬

(¬1) ع: مَوْجُودٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ع: وَإِذَا فَسَّرْتَ. . إِلَخْ. (¬5) ب (فَقَطْ) : فَالْعَدَمِيُّ.

قِيلَ لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا وُجُودِيًّا، فَالْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى مَمْنُوعَةٌ، وَإِنْ أَرَدْتَ بِهَا أَمْرًا عَدَمِيًّا فَالثَّانِيَةُ مَمْنُوعَةٌ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَتَكُونُ الْحُجَّةُ بَاطِلَةً. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا وُجُودِيًّا، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَرْئِيٍّ فِي جِهَةٍ وُجُودِيَّةٍ، فَإِنَّ سَطْحَ الْعَالَمِ الَّذِي هُوَ أَعْلَاهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ وُجُودِيَّةٍ، وَمَعَ هَذَا تَجُوزُ رُؤْيَتُهُ فَإِنَّهُ جِسْمٌ مِنَ الْأَجْسَامِ. فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ: كُلُّ مَرْئِيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ وُجُودِيَّةٍ، (1 إِنْ أَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا وُجُودِيًّا 1) . (¬1) وَإِنْ أَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا عَدَمِيًّا مُنِعَ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: الْبَارِي لَيْسَ فِي جِهَةٍ عَدَمِيَّةٍ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِ: إِنَّ الْبَارِي لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، حَيْثُ لَا مَوْجُودَ إِلَّا هُوَ، وَهَذَا بَاطِلٌ. وَإِنْ قَالَ: هَذَا يَسْتَلْزِمُ (¬2) أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَوْ مُتَحَيِّزًا، عَادَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ وَالْمُتَحَيِّزِ. (¬3) فَإِنْ قَالَ: هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الْمُمْتَنِعَةِ عَلَى الرَّبِّ، لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ هَذَا التَّلَازُمُ. وَإِنْ قَالَ: يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ مُشَارًا إِلَيْهِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ (¬4) ، وَتَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وَعُرِجَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) : (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬2) ب، أ: وَإِذَا قَالَ أَحَدٌ يَسْتَلْزِمُ. . إِلَخْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب، أ: الْمُتَحَيِّزِ. (¬4) ب: أَنْ يَكُونَ وَالرَّبُّ يُشَارُ إِلَيْهِ بِرَفْعِ الْأَيْدِي فِي الدُّعَاءِ ; أ: أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ يُشَارُ إِلَيْهِ بِرَفْعِ الْأَيْدِي إِلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ.

وَسُلَّمَ - إِلَيْهِ (¬1) ، وَتَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَنْزِلُ (¬2) مِنْهُ الْقُرْآنُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ اللَّوَازِمِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا. قِيلَ لَهُ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ هَذِهِ اللَّوَازِمِ. (¬3) فَإِنْ قَالَ: مَا اسْتَلْزَمَ هَذِهِ اللَّوَازِمَ فَهُوَ جِسْمٌ. قِيلَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ يُسَمَّى جِسْمًا فِي اللُّغَةِ أَوْ فِي الشَّرْعِ (¬4) ، فَهَذَا بَاطِلٌ. وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ يَكُونُ جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، أَوْ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ (¬5) ، فَهَذَا أَيْضًا مَمْنُوعٌ فِي الْعَقْلِ، فَإِنَّ مَا هُوَ جِسْمٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ - كَالْأَحْجَارِ (¬6) - لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ (¬7) مُرَكَّبٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ! ؟ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ الْبَحْثِ الْعَقْلِيِّ فِي تَرْكِيبِ الْجِسْمِ الِاصْطِلَاحِيِّ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَقَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ فِيهِ (¬8) أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْإِمَامِيَّ لَمْ يَذْكُرْ هُنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ مَا يَصِلُ بِهِ إِلَى آخِرِ الْبَحْثِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي كَلَامِهِ مَا يُنَاسِبُ ¬

(¬1) ب، أ: وَيَعْرُجُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ. (¬2) ع: وَتَنْزِلُ. (¬3) أ، ب: هَذَا اللَّازِمَ. (¬4) ب، أ: وَالشَّرْعِ. (¬5) أ، ب: الْجَوَاهِرِ الْمُرَكَّبَةِ. (¬6) ب، أ: كَالْأَجْسَامِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ع: لَا نُسَلِّمُ فِيهِ أَنَّهُ. (¬8) ب، أ: وَتَبَيَّنَ فِيهِ.

هَذَا الْمَوْضِعَ، وَمَنْ شَرَعَ فِي تَقْرِيرِ مَا ذَكَرَهُ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْمَمْنُوعَةِ (¬1) ، شُرِعَ مَعَهُ فِي نَقْضِهَا وَإِبْطَالِهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ فِي مَوْضِعٍ، وَبُيِّنَ أَنَّ مَا تَنْفِيهِ نُفَاةُ الصِّفَاتِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي (¬2) عُلُوِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِمَا ذَكَرُوهُ (¬3) كِتَابُ اللَّهِ وَلَا سُنَّةُ رَسُولِهِ (¬4) ، وَلَا قَالَ بِقَوْلِهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَلَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَمْ يَدُلَّ (¬5) عَلَيْهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ، بَلِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّرِيحَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ ضَلُّوا بِأَلْفَاظٍ مُتَشَابِهَةٍ ابْتَدَعُوهَا، وَمَعَانٍ عَقْلِيَّةٍ لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ حَقِّهَا وَبَاطِلِهَا. وَجَمِيعُ الْبِدَعِ: كَبِدَعِ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، لَهَا شُبَهٌ فِي نُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ، بِخِلَافِ بِدَعٍ (¬6) الْجَهْمِيَّةِ النُّفَاةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهَا دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ أَصْلًا، وَلِهَذَا كَانَتْ آخِرَ الْبِدَعِ حُدُوثًا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا حَدَثَتْ (أَطْلَقَ) السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ (¬7) الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِهَا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ تَعْطِيلُ الْخَالِقِ، وَلِهَذَا يَصِيرُ مُحَقِّقُوهُمْ إِلَى مِثْلِ قَوْلِ. (¬8) فِرْعَوْنَ مُقَدَّمِ الْمُعَطِّلَةِ، بَلْ وَيَنْتَصِرُونَ لَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ ¬

(¬1) ب، أ: الْمُسَوِّغَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب (فَقَطْ) : مِنْ. (¬3) ب: لَمْ يَنْطِقْ بِهِ ; أ: لَمْ يَنْطِقْ بِهَا. (¬4) ب، أ: كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ. (¬5) ب، أ: فَلَمْ يَدُلَّ. (¬6) ب، أ: بِدْعَةِ. (¬7) ب: وَلَمَا أَحْدَثَتِ السَّلَفُ وَالْأُمَّةُ ; أ: وَلَمَا أَحْدَثَتِ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ. (¬8) قَوْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

وَهَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةُ يَنْفُونَ نَفْيًا مُفَصَّلًا، وَيُثْبِتُونَ شَيْئًا مُجْمَلًا يَجْمَعُونَ فِيهِ (¬1) بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَأَمَّا الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ (وَسَلَامُهُ) (¬2) عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَيُثْبِتُونَ إِثْبَاتًا مُفَصَّلًا وَيَنْفُونَ نَفْيًا مُجْمَلًا: يُثْبِتُونَ (لِلَّهِ) (¬3) الصِّفَاتِ عَلَى (وَجْهِ) (¬4) التَّفْصِيلِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ التَّمْثِيلِ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ التَّوْرَاةَ مَمْلُوءَةٌ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ الَّتِي تُسَمِّيهَا النُّفَاةُ تَجْسِيمًا، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْيَهُودِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا قَالُوا: أَنْتُمْ مُجَسِّمُونَ. (¬5) بَلْ كَانَ أَحْبَارُ الْيَهُودِ إِذَا ذَكَرُوا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ أَقَرَّهُمُ الرَّسُولُ عَلَى ذَلِكَ (¬6) وَذَكَرَ مَا يُصَدِّقُهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْحَبْرِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ إِمْسَاكَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْمَذْكُورَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الزُّمَرِ: 67] . وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُوَافِقُ حَدِيثَ الْحَبْرِ فِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا. (¬7) ¬

(¬1) ب، أ: وَيَجْمَعُونَ فِيهِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) ب، أ: أَنْتُمْ تُجَسِّمُونَ. (¬6) عَلَى ذَلِكَ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) رَوَى الْبُخَارِيُّ 6/126 (كِتَابَ التَّفْسِيرِ، سُورَةَ الزُّمَرِ) وَمُسْلِمٌ 4/2147 - 2148 (أَوَّلَ كِتَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ حَبْرُ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) . وَالْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/48 - 49 (كِتَابَ التَّفْسِيرِ، سُورَةَ الزُّمَرِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامَ 3590، 4087، 4368، 4369 وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِمَعْنَاهُ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَانْظُرْ مُسْلِمٍ 4/2147 - 2148 ; الدُّرَّ الْمَنْثُورَ 5/334 - 336 ; الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) : الْأَحَادِيثَ رَقْمَ 2267، 2990.

استطراد في مناقشة نفاة الصفات

وَلَوْ قُدِّرَ بِأَنَّ النَّفْيَ حَقٌّ (¬1) ، فَالرُّسُلُ لَمْ تُخْبِرْ بِهِ وَلَمْ تُوجِبْ عَلَى النَّاسِ اعْتِقَادَهُ، (فَمَنِ اعْتَقَدَهُ وَأَوْجَبَهُ) (¬2) فَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ (مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ) أَنَّ دِينَهُ (¬3) مُخَالِفٌ لِدِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (*) (¬4) [استطراد في مناقشة نفاة الصفات] (فَصْلٌ) وَمِمَّا يُبَيِّنُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ (¬5) أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، لَكِنْ قَدْ يُنَازِعُونَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ: هَلِ النَّقْصُ إِثْبَاتُهَا أَوْ نَفْيُهَا؟ وَفِي طَرِيقِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ. فَهَذَا الْمُصَنِّفُ الْإِمَامِيُّ اعْتَمَدَ عَلَى طَرِيقِ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي تَنْزِيهِ الرَّبِّ عَنِ النَّقَائِصِ عَلَى نَفْيِ كَوْنِهِ جِسْمًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ¬

(¬1) ب، أ: فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّفْيَ حَقٌّ. (¬2) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي (ب) ، (أ) بَدَلًا مِنْهُ: وَوَاجِبُهُ. (¬3) ب: فَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ دِينَهُمْ ; أ: فَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ دِينَهُ. (¬4) الْكَلَامُ الَّذِي يَلِي عِبَارَةَ: مُخَالِفٌ لِدِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ الْقَوْسِ كُلُّهُ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَهُوَ كَذَلِكَ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . مَعَ مَا سَبَقَ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ ص 526. وَيَسْتَمِرُّ السَّقْطُ حَتَّى ص 562. (¬5) فِي الْأَصْلِ (ع) : وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ.

هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا هِيَ مَأْثُورَةٌ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهَا يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ، لَكِنْ يَدَّعُونَ أَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ. فَقَالَ لَهُمُ الْقَادِحُونَ فِي طَرِيقِهِمْ: هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ كَوْنَهُ جِسْمًا، فَإِنَّهُ مَا مِنْ صِفَةٍ يَقُولُ الْقَائِلُ: إِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ التَّجْسِيمَ (¬1) ، إِلَّا وَالْقَوْلُ فِيمَا أَثْبَتَهُ كَالْقَوْلِ فِيمَا نَفَاهُ. وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ شَيْئًا، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَنْفِيَ الْمَوْجُودَ الْقَدِيمَ الْوَاجِبَ بِنَفْسِهِ، وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ صِفَةٍ قَالَ فِيهَا: إِنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا لِجِسْمٍ، أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا أَثْبَتَهُ. وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ صِفَةَ نَقْصٍ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَزِّهَ اللَّهَ تَعَالَى عَنِ الْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَالنَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْأَجْسَامِ ; قِيلَ لَهُ: وَمَا تُثْبِتُهُ أَنْتَ مِنَ الْأَسْمَاءِ أَوِ الْأَحْكَامِ أَوِ الصِّفَاتِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْأَجْسَامِ. وَلِهَذَا كَانَ مَنْ رَدَّ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ عَلَى الْوَاصِفِينَ لِلَّهِ بِالْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ كَلَامُهُمْ مُتَنَاقِضٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَمِدِ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِيمَا يُنْكِرُونَهُ عَلَى الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ - مِمَّنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ كَالْبُخْلِ وَالْفَقْرِ وَاللُّغُوبِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ - عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ. ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَسْلُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَ حَتَّى مِنَ الصِّفَاتِيَّةِ يَقُولُونَ: ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّجْسِيمَ.

إِنَّ كَوْنَ الرَّبِّ مُنَزَّهًا عَنِ النَّقْصِ مُتَّصِفًا بِالْكَمَالِ مِمَّا لَا نَعْرِفُهُ بِالْعَقْلِ بَلْ بِالسَّمْعِ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي اسْتَنَدَ إِلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ لَا يَبْقَى عِنْدَهُمْ طَرِيقٌ عَقْلِيٌّ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ، وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ إِنَّمَا يَنْفَعُ فِي الْجُمَلِ دُونَ التَّفَاصِيلِ الَّتِي هِيَ (¬1) مَحَلُّ نِزَاعٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْإِجْمَاعِ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ، ثُمَّ الْإِجْمَاعُ يَسْتَنِدُونَ فِيهِ إِلَى بَعْضِ النُّصُوصِ، وَدَلَالَةُ النُّصُوصِ عَلَى صِفَاتِ الْكَمَالِ أَظْهَرُ وَأَكْثَرُ وَأَقْطَعُ مِنْ دَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً. وَإِذَا عُرِفَ ضَعْفُ أَصُولِ النُّفَاةِ لِلصِّفَاتِ فِيمَا يُنَزِّهُونَ عَنْهُ الرَّبَّ، فَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ طَافُوا عَلَى أَبْوَابِ الْمَذَاهِبِ، وَفَازُوا بِأَخَسِّ الْمَطَالِبِ، فَعُمْدَتُهُمْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ عَلَى عَقْلِيَّاتٍ بَاطِلَةٍ، وَفِي السَّمْعِيَّاتِ عَلَى سَمْعِيَّاتٍ بَاطِلَةٍ. وَلِهَذَا كَانُوا مِنْ أَضْعَفِ النَّاسِ حُجَّةً وَأَضْيَقِهِمْ مَحَجَّةً، وَكَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ مُتَّهَمِينَ بِالزَّنْدَقَةِ وَالِانْحِلَالِ، كَمَا يُتَّهَمُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْبَابَ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ مِثْلِ التَّرْكِيبِ وَالِانْقِسَامِ وَالتَّجْزِئَةِ وَالتَّبْعِيضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْقَائِلُ إِذَا قَالَ: إِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَيْسَ بِمُنْقَسِمٍ وَلَا مُتَجَزِّئٍ وَلَا مُتَبَعِّضٍ وَلَا مُرَكَّبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا إِذَا أُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ، فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ بِنَفْسِهِ أَوْ رَكَّبَهُ غَيْرُهُ، وَلَا أَنَّهُ مُرَكَّبٌ يَقْبَلُ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: الَّذِي هِيَ. وَالْكَلَامُ هُنَا عَنِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ وَعِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ وَالنُّفَاةِ.

التَّفْرِيقَ وَالتَّجْزِئَةَ وَالتَّبْعِيضَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْأَجْسَامِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ خَلَقَ الْحَيَوَانَ وَالنَّبَاتَ فَأَنْشَأَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، لَمْ تَكُنْ يَدُ الْإِنْسَانِ وَرِجْلُهُ وَرَأْسُهُ مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعَ بَيْنَهَا (¬1) ، بَلْ خَلَقَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ جُمْلَةً، لَكِنْ يُمْكِنُ تَفْرِيقُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ وَالتَّجْزِئَةَ وَالتَّبْعِيضَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. فَهَذَانِ مَعْنَيَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، لَا أَعْلَمُ مُسْلِمًا لَهُ قَوْلٌ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرْكِيبِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَبِالِانْقِسَامِ وَالتَّجْزِئَةِ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، فَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُشَارَ إِلَيْهَا، كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْأَفْلَاكِ وَالْهَوَاءِ وَالنَّارِ وَالتُّرَابِ، لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً (¬2) لَا هَذَا التَّرْكِيبَ وَلَا هَذَا التَّرْكِيبَ، وَكَيْفَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟ ! فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمَخْلُوقَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ، الَّذِي هُوَ عَالٍ عَلَى غَيْرِهِ كَعُلُوِّ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، إِذَا كَانَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ - وَهِيَ الْجَوَاهِرُ الْمُنْفَرِدَةُ - عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا، وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، كَانَ مَنْعُهُمْ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُرَكَّبًا مِنْ هَذَا وَهَذَا أَوْلَى. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا، فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ - كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ - يَنْفُونَ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى هَذَا التَّرْكِيبَ. وَلَكِنْ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: بَيْنَهُمَا. (¬2) فِي الْأَصْلِ: لَيْسَ مُرَكَّبًا.

كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِ الْكَلَامِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جِسْمٌ، فَإِذَا كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، فَقَدْ يَقُولُ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَبِهَذَا. وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُونَ هَذَا التَّرْكِيبَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، فَهُمْ فِي الْخَالِقِ أَشَدُّ إِنْكَارًا. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ الْمَخْلُوقَ مُرَكَّبٌ هَذَا التَّرْكِيبُ، فَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ فِي نَفْيِ ذَلِكَ عَنِ الرَّبِّ إِلَى بُرْهَانٍ عَقْلِيٍّ يُبَيِّنُ امْتِنَاعَ مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مُنَازِعِيهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِثُبُوتِ مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي جَعَلُوهُ تَرْكِيبًا، يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا بُرْهَانَ لَهُمْ عَلَى نَفْيِهِ، بَلِ الْمُقَدِّمَاتُ الَّتِي وَافَقُونَا عَلَيْهَا مِنْ إِثْبَاتِ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الشَّاهِدِ، يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الْغَائِبِ، كَمَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْغَائِبِ بِالشَّاهِدِ. وَبَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي هَذَا مُنَازَعَاتٌ عَقْلِيَّةٌ وَلَفْظِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ، قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ، مَعَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَتَانِ، وَتَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْ ذَلِكَ تَبَيَّنَ بِالْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ، كَمَا بُيِّنَ مِنْ غَيْرِ سُلُوكِ الشُّبُهَاتِ الْفَاسِدَةِ. وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ بِالِانْقِسَامِ أَوِ التَّرْكِيبِ أَنْ يَتَمَيَّزَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، مِثْلُ تَمَيُّزِ عِلْمِهِ عَنْ قُدْرَتِهِ، أَوْ تَمَيُّزِ ذَاتِهِ عَنْ صِفَاتِهِ، أَوْ تَمَيُّزِ مَا يُرَى مِنْهُ عَمَّا لَا يُرَى، كَمَا قَالَهُ السَّلَفُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 103] ، قَالُوا: لَا تُحِيطُ بِهِ. وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} قَالَ: أَلَسْتَ تَرَى

السَّمَاءَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَفَكُلَّهَا تَرَى؟ قَالَ: لَا (¬1) ; فَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، أَيْ لَا يُحَاطُ بِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَهَذَا الِامْتِيَازُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: امْتِيَازٌ فِي عِلْمِ الْعَالِمِ مِنَّا بِأَنْ نَعْلَمَ شَيْئًا وَلَا نَعْلَمَ الْآخَرَ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يُمْكِنُ الْعَاقِلُ أَنْ يُنَازِعَ فِيهِ بَعْدَ فَهْمِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ فِيهِ نِزَاعًا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَالِمٌ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ قَادِرٌ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ (مُرِيدٌ) ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. (¬2) فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ شَيْئًا وَلَا يَعْلَمُ الْآخَرَ، فَالِامْتِيَازُ فِي عِلْمِ النَّاسِ بَيْنَ مَا يُعْلَمُ وَمَا لَا يُعْلَمُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَاقِلًا الْمُنَازَعَةُ فِيهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا، أَوْ يَتَكَلَّمَ الْإِنْسَانُ بِمَا لَا يَتَصَوَّرُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِ. فَهَذَا الْوَجْهُ مِنَ الِامْتِيَازِ مُتَّفَقٌ عَلَى إِثْبَاتِهِ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَّفَقٌ عَلَى نَفْيِهِ. وَأَمَّا الِامْتِيَازُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ تَفَرُّقٍ وَانْفِصَالٍ، كَتَمَيُّزِ الْعِلْمِ عَنِ الْقُدْرَةِ، وَتَمَيُّزِ الذَّاتِ عَنِ الصِّفَةِ، وَتَمَيُّزِ السَّمْعِ عَنِ الْبَصَرِ، وَتَمَيُّزِ مَا يُرَى مِنْهُ عَمَّا لَا يُرَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَثُبُوتِ صِفَاتٍ لَهُ وَتَنَوُّعِهَا، فَهَذَا مِمَّا تَنْفِيهِ الْجَهْمِيَّةُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ، وَهُوَ مِمَّا أَنْكَرَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ نَفْيَهُمْ لَهُ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَدِّهِ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ (¬3) ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَكِنْ (لَيْسَ) (¬4) فِي أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ قَالَ: إِنَّ ¬

(¬1) انْظُرْ مَا سَبَقَ 2/316 - 320، وَانْظُرْ ص 320 (ت [0 - 9] ) . (¬2) فِي الْأَصْلِ: قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَضَفْتُ كَلِمَةَ (مُرِيدٌ) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ. (¬3) انْظُرْ مَثَلًا رِسَالَةَ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ص [0 - 9] 1 - 32. (¬4) فِي الْأَصْلِ: وَلَكِنْ فِي أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَزِيَادَةُ " لَيْسَ " يَقْتَضِيهَا السِّيَاقُ.

الرَّبَّ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ وَلَا مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ. وَقَدْ تَنَازَعَ النُّظَّارُ فِي الْأَجْسَامِ الْمَشْهُودَةِ: هَلْ هِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ أَوْ مِنْ أَجْزَاءٍ، أَوْ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَخْلُوقَ لَيْسَ مُرَكَّبًا لَا مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا، فَالْخَالِقُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُرَكَّبًا. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَخْلُوقَ مُرَكَّبٌ، فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَنْفِيَ التَّرْكِيبَ عَنِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَأَدِلَّتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ. وَإِمَّا أَنْ يُثْبِتَ تَرْكِيبَهُ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَهُوَ قَوْلٌ سَخِيفٌ. فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ - النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ - ضَعِيفٌ لِضَعْفِ الْأَصْلِ الَّذِي اشْتَرَكُوا فِيهِ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مَحَارَاتِ كَثِيرٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ. مِثَالُ ذَلِكَ الثَّمَرَةُ، كَالتُّفَّاحَةِ وَالْأُتْرُجَّةِ (¬1) لَهَا لَوْنٌ وَطَعْمٌ وَرِيحٌ، وَهَذِهِ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهَا، وَلَهَا أَيْضًا حَرَكَةٌ. فَمِنَ النُّظَّارِ مَنْ قَالَ: صِفَاتُهَا لَيْسَتْ أُمُورًا زَائِدَةً عَلَى ذَاتِهَا، وَيَجْعَلُ لَفْظَ " التُّفَّاحَةِ " يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ صِفَاتُهَا زَائِدَةٌ عَلَى ذَاتِهَا. وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ، فَإِنْ عَنَى بِذَاتِهَا مَا يَتَصَوَّرُهُ الذِّهْنُ مِنَ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ صِفَاتِهَا زَائِدَةٌ عَلَى هَذِهِ الذَّاتِ. وَإِنْ عَنَى بِذَاتِهَا الذَّاتَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْخَارِجِ، فَتِلْكَ مُتَّصِفَةٌ بِالصِّفَاتِ، لَا تَكُونُ ذَاتًا مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مُتَّصِفَةً بِصِفَاتِهَا اللَّازِمَةِ لَهَا. ¬

(¬1) فِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ " (نَشْرَ مَجْمَعِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ) : " الْأُتْرُجُّ شَجَرٌ يَعْلُو، نَاعِمُ الْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَالثَّمَرِ، وَثَمَرُهُ كَاللَّيْمُونِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ ذَهَبِيُّ اللَّوْنِ، ذَكِيُّ الرَّائِحَةِ، حَامِضُ الْمَاءِ ". وَفِي اللِّسَانِ: " وَاحِدَتُهُ تُرُنْجَةٌ وَأُتْرُجَّةٌ. . وَفِي الْحَدِيثِ: نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ الْمُتَرَّجِ، هُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْحُمْرَةِ صَبْغًا مُشْبَعًا ".

فَتَقْدِيرُهَا فِي الْخَارِجِ مُنْفَكَّةً عَنِ الصِّفَاتِ - حَتَّى يُقَالَ: هَلِ الصِّفَاتُ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا أَوْ لَيْسَتْ زَائِدَةً - تَقْدِيرٌ مُمْتَنِعٌ، وَالتَّقْدِيرُ الْمُمْتَنِعُ قَدْ يَلْزَمُهُ حُكْمٌ مُمْتَنِعٌ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ النُّظَّارِ كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ (¬1) وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَ الْأَعْرَاضِ فِي الْخَارِجِ، حَتَّى أَنْكَرُوا وُجُودَ الْحَرَكَةِ. وَالْأَشْبَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ قَوْلُهُمْ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَعْقَلُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ (¬2) وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَصَمُّ - وَإِنْ كَانَ مُعْتَزِلِيًّا - فَإِنَّهُ مِنْ فُضَلَاءِ النَّاسِ وَعُلَمَائِهِمْ، وَلَهُ تَفْسِيرٌ. وَمِنْ تَلَامِيذِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ ¬

(¬1) فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ 3/427: " عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ، أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ الْمُعْتَزِلِيُّ، صَاحِبُ الْمَقَالَاتِ فِي الْأُصُولِ. ذَكَرَهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْهَمْدَانِيُّ فِي طَبَقَاتِهِمْ، وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ وَأَوْرَعِهِمْ وَأَفْقَهِهِمْ وَلَهُ تَفْسِيرٌ عَجِيبٌ. وَمِنْ تَلَامِذَتِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنُ عُلَيَّةَ، قُلْتُ: وَهُوَ مِنْ طَبَقَةِ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ وَأَقْدَمُ مِنْهُ ". وَذَكَرَ عَنْهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 1/311 أَنَّهُ يُخَالِفُ إِجْمَاعَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالْقُدْرَةِ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالسَّيْفِ، كَمَا يَذْكُرُ رَأْيَهُ فِي الْإِنْسَانِ 2/25: بِأَنَّهُ " هُوَ الَّذِي يُرَى وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا رُوحَ لَهُ وَهُوَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَنَفَى إِلَّا مَا كَانَ مَحْسُوسًا مُدْرَكًا " وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ 2/28: " لَيْسَ أَعْقِلُ إِلَّا الْجَسَدَ الطَّوِيلَ الْعَرِيضَ الْعَمِيقَ الَّذِي أَرَاهُ وَأُشَاهِدُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: النَّفْسُ هِيَ هَذَا الْبَدَنُ بِعَيْنِهِ لَا غَيْرَ، وَإِنَّمَا جَرَى عَلَيْهَا هَذَا الذِّكْرُ عَلَى جِهَةِ الْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ لِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ لَا عَلَى أَنَّهَا مَعْنَى غَيْرِ الْبَدَنِ " وَذَكَرَ عَنْهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (نِهَايَةَ الْإِقْدَامِ، ص [0 - 9] 81) أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ الْإِمَامَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الشَّرْعِ بَلْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُعَامَلَاتِ النَّاسِ. وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَآرَاءَهُ فِي: الْمُنْيَةِ وَالْأَمَلِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ لِابْنِ الْمُرْتَضِي، ص 32 - 33 ; ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1316 ; فَضْلِ الِاعْتِزَالِ، ص [0 - 9] 67 - 268. (¬2) قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ 2 " وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونِ وَالْأَفْعَالِ، فَقَالَ الْأَصَمُّ: لَا أُثْبِتُ إِلَّا الْجِسْمَ الطَّوِيلَ الْعَرِيضَ الْعَمِيقَ وَلَمْ يُثْبِتْ حَرَكَةَ غَيْرِ الْجِسْمِ، وَلَا يُثْبِتُ سُكُونًا غَيْرَهُ، وَلَا فِعْلًا غَيْرَهُ، وَلَا قِيَامًا غَيْرَهُ، وَلَا قُعُودًا غَيْرَهُ، وَلَا افْتِرَاقًا وَلَا اجْتِمَاعًا، وَلَا حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا، وَلَا لَوْنًا غَيْرَهُ، وَلَا صَوْتًا وَلَا طَعْمًا غَيْرَهُ، وَلَا رَائِحَةً غَيْرَهُ. فَأَمَّا بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَصَمَّ قَدْ عَلِمَ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونَ وَالْأَلْوَانَ ضَرُورَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا غَيْرُ الْجِسْمِ، فَإِنَّهُ يُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُثْبِتُ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ وَسَائِرَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ الْجِسْمِ، وَلَا يُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُثْبِتُ حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا وَلَا قِيَامًا وَلَا قُعُودًا وَلَا فِعْلًا. فَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَصَمَّ كَانَ لَا يَعْلَمُ الْأَعْرَاضَ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ يُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُثْبِتُ حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا وَلَا قِيَامًا وَلَا قُعُودًا وَلَا اجْتِمَاعًا وَلَا افْتِرَاقًا عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي سَائِرِ الْأَعْرَاضِ ". وَفِي أُصُولِ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص 36 - 37: " الْخِلَافُ فِي إِثْبَاتِ الْأَعْرَاضِ مَعَ الْأَصَمِّ وَمَعَ طَوَائِفَ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ وَالسَّمْنِيَّةِ نَفَوْهَا كُلَّهَا وَزَعَمُوا أَنَّ الْمُتَحَرِّكَ مُتَحَرِّكٌ لَا بِحَرَكَةٍ، وَالْأَسْوَدَ أَسْوَدُ لَا لِسَوَادٍ يَقُومُ بِهِ، وَنَفَوْا جَمِيعَ الْأَعْرَاضِ ". وَانْظُرْ أَيْضًا: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1 ; فَضَائِحَ الْبَاطِنِيَّةِ لِلْغَزَالِيِّ (تَحْقِيقَ د. عَبْدِ الرَّحْمَن بَدَوِي) ، ص 170 - 171. .

إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَلِإِبْرَاهِيمَ مُنَاظَرَاتٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. (¬1) وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ مِنْ أَذْكِيَاءِ النَّاسِ وَأَحَدِّهِمْ أَذْهَانًا، وَإِذَا ضَلُّوا فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَضِلُّوا فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى الصِّبْيَانِ. وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْأَطِبَّاءَ وَأَهْلَ الْهَنْدَسَةِ مِنْ أَذْكِيَاءِ النَّاسِ، وَلَهُمْ عُلُومٌ صَحِيحَةٌ طِبِّيَّةٌ وَحِسَابِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ ضَلَّ مِنْهُمْ طَوَائِفُ فِي الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ، فَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَضِلُّوا فِي الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ فِي الطِّبِّ وَالْحِسَابِ. ¬

(¬1) فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ 1 - 35: " إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ جَهْمِيٌّ هَالِكٌ كَانَ يُنَاظِرُ وَيَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ. . وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أُخَالِفُ ابْنَ عُلَيَّةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنِّي أَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى، وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كَلَامًا سَمِعَهُ مُوسَى. وَلَهُ كِتَابٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَالِكٍ نَقَضَهُ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَبْهَرَيِّ. . وَأَرَّخَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَفَاتَهُ فِي " الْمُنْتَظِمِ " فِي سَنَةِ 18. قَالَ: وَهُوَ ابْنُ 67 سَنَةً ". وَانْظُرْ أَيْضًا: النُّجُومَ الزَّاهِرَةِ 2/228. (حَيْثُ ذُكِرَ فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ 218) . وَقَارِنِ الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص 201. وَانْظُرْ فَضْلَ الِاعْتِزَالِ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ، ص 75، 80، 267، 316.

فَمَنْ حَكَى عَنْ مِثْلِ أَرِسْطُو أَوْ جَالِينُوسَ أَوْ غَيْرِهِمَا قَوْلًا فِي الطَّبِيعِيَّاتِ (¬1) ظَاهِرَ الْبُطْلَانِ، عُلِمَ أَنَّهُ غَلِطَ فِي النَّقْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ عَلَيْهِ. بَلْ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيُّ مَعَ إِلْحَادِهِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ، وَنُصْرَتِهِ لِقَوْلِ دِيمُقْرَاطِيسَ وَالْحَرْنَانِيِّينَ (¬2) الْقَائِلِينَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ - مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَضْعَفِ أَقْوَالِ الْعَالِمِ وَفِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَشَرْحِ الْأَصْبَهَانِيَّةِ وَالْكَلَامِ عَلَى مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّهَا قُوًى نَفْسَانِيَّةٌ الْمُسَمَّاةُ بِالصَّفَدِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَالرَّجُلُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالطِّبِّ (¬3) حَتَّى قِيلَ لَهُ: جَالِينُوسُ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ ذَكَرَ عَنْهُ فِي الطِّبِّ قَوْلًا يَظْهَرُ فَسَادُهُ لِمُبْتَدِئِ الْأَطِبَّاءِ، كَانَ غَالِطًا عَلَيْهِ. ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: فِي الطَّبِيعَاتِ. (¬2) فِي الْأَصْلِ: حَرْنَانِينَ. (¬3) فِي هَامِشِ (ع) لَخَّصَ مُسْتَجِي زَادَهْ كَلَامَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الرَّازِيِّ حَتَّى هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ كَتَبَ التَّعْلِيقَ التَّالِيَ: " قُلْتُ: وَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى تَأْلِيفٍ لِابْنِ الْخَطِيبِ الْمُشْتَهِرِ بِالْإِمَامِ الرَّازِيِّ يُقَالُ لَهُ " الْمَطَالِبُ الْعَالِيَةُ " أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ دَلِيلٌ يَدُلُّ بِصَرِيحِهِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ، ثُمَّ أَخَذَ يُعَدِّدُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ مَظِنَّةُ ذَلِكَ - أَعْنِي حُدُوثَ الْعَالَمِ - فَرَكِبَ عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ عَلَى نَفْيِ الدَّلَالَةِ فِي تِلْكَ الْمَظَانِّ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ أَيْضًا دَلِيلٌ يَدُلُّ بِصَرِيحِهِ عَلَى ذَلِكَ فَذَهَبَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى قَوْلِ دِيمُقْرَاطِيسَ مِنْ إِثْبَاتِ الْأَجْزَاءِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ أَجْزَاءُ الْعَالَمِ، فَالْعَالَمُ قَدِيمٌ بِذَوَاتِهَا وَحَادِثٌ بِصِفَاتِهَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِقِدَمِ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ مُخَالِفٌ لِلضَّرُورِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مِنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِينَ وَإِنَّمَا ذَهَبَ (إِلَيْهِ) طَوَائِفُ ثَلَاثٌ: الْبَاطِنِيَّةُ، وَمَنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الْمَشَّائِينَ، وَمَنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ دِيمُقْرَاطِيسِيَّةٍ - وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَقَدْ كَتَبْتُ فِي هَذَا الْبَابِ رِسَالَةً بَيَّنْتُ فِيهَا فَسَادَ قَوْلِ ابْنِ الْخَطِيبِ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِفِرَقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ كَانَ الْمَشْهُورُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الرَّازِيَّ، ثُمَّ اطَّلَعْتُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْخَطِيبِ أَيْضًا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ، حَتَّى ادَّعَى أَنَّ مَنْ نَفَى ذَلِكَ - أَعْنِي حُدُوثَ الْعَالَمِ - أَوْ تَرَدَّدَ وَتَذَبْذَبَ فِيهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَلَعَلَّ الشَّارِحَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قُدِّسَ سِرُّهُ - لَمْ يَطَّلِعْ (عَلَى) هَذَا الْقَوْلِ مِنِ ابْنِ الْخَطِيبِ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوِ اطَّلَعَ لَمْ يَقْصُرْ (فِي الْأَصْلِ: يَقْتَصِرْ) نُصْرَةَ مَذْهَبِ دِيمُقَرَاطِيسَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ الرَّازِيِّ، بَلْ ذَكَرَ مَعَهُ أَيْضًا ابْنَ الْخَطِيبِ الَّذِي اشْتُهِرَ عِنْدَ النَّاسِ بِالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ، وَأَلَّفَ تَفْسِيرًا يُقَالُ لَهُ " التَّفْسِيرُ الْكَبِيرُ " وَفِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ يَخَافُ مِنَ الْكُفْرِ، لَكِنَّ قَوْمَهُ أَهَالِيَ الرَّيِّ شَدِيدُو الِاعْتِقَادِ فِيهِ (لَكِنْ. . إِلَخْ غَيْرُ وَاضِحَةٍ بِالْأَصْلِ) فَحَمَلُوا كَلَامَهُ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ كَأَنَّ جِبْرَئِيلَ أَوْحَى إِلَيْهِ لِعِظَمَةِ الرَّجُلِ عِنْدَهُمْ، مَعَ أَنَّ الرَّجُلَ بَعِيدٌ عَنْ صِنَاعَةِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِهِ وَقَوَاعِدِهِ، مَعَ أَنَّ التَّفْسِيرَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْحَدِيثِ، لَا بِالْفَلْسَفَةِ. وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَلْسَفَةُ وَالْفَلْسَفِيَّاتُ، فَأَرَادَ تَطْبِيقَ الْقُرْآنِ عَلَى قَوَاعِدِ الْفَلْسَفَةِ، مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَعَامَّةَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ لِإِبْطَالِ أُصُولِ الْفَلْسَفَةِ - سِيَّمَا فَلْسَفَةِ الْيُونَانِيِّينَ (الَّذِينَ) يُقَالُ لَهُمُ الْمَشَّاءُونَ (فَقَوْلُهُمْ) مَبْنِيٌّ عَلَى إِبْطَالِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ قِدَمِهِ، وَقَدْ خَالَفَ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، إِذْ أَصُولُ غَالِبِهِمْ لَا تَأْبَى عَنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ ".

وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ وَأَمْثَالُهُ لَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِلثَّمَرَةِ طَعْمًا وَلَوْنًا وَرِيحًا، وَهَذَا مِنَ الْمُرَادِ بِالْأَعْرَاضِ فِي اصْطِلَاحِ النُّظَّارِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْأَعْرَاضَ؟ بَلْ إِذَا قَالُوا: إِنَّ الْأَعْرَاضَ لَيْسَتْ صِفَاتٍ (¬1) زَائِدَةً عَلَى الْجِسْمِ بِمَعْنَى أَنَّ الْجِسْمَ اسْمٌ لِلَذَّاتِ الَّتِي قَامَتْ بِهَا الْأَعْرَاضُ، فَالْعَرَضُ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ، وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ. ثُمَّ رَأَيْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ (¬2) الْبَصْرِيَّ - وَهُوَ أَحَذَقُ مُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ - قَدْ ذَكَرَ (فِي) " تَصْفِيحِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَجْوِبَةِ " (¬3) هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ هُوَ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: صَفَاتًا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) فِي الْأَصْلِ: أَبَا الْحَسَنِ. (¬3) فِي الْأَصْلِ: قَدْ ذَكَرَ تَصْفِيحَ الْأَدِلَّةِ وَالْأَجْوِبَةِ، وَزِدْتُ (فِي) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ 1/397. وَانْظُرْ فَضْلَ الِاعْتِزَالِ، ص 387 ; سِزْكِينَ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 6 - 87. وَذَكَرَ الْكِتَابَ ابْنُ الْمُرْتَضَى فِي كِتَابِهِ الْمُنْيَةِ وَالْأَمَلِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ ص 70، د. حَيْدَرَ آبَادَ، 1316 ; مُعْجَمَ الْمُؤَلِّفِينَ 11/20.

هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ، فَاخْتَارَ هُوَ هَذَا، وَأَثْبَتَ الْأَحْوَالَ الَّتِي يُسَمِّيهَا (¬1) غَيْرُهُ أَعْرَاضًا زَائِدَةً، وَعَادَ جُمْهُورُ النِّزَاعِ إِلَى أُمُورٍ لَفْظِيَّةٍ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّا نَحْنُ نُمَيِّزُ بَيْنَ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ بِحَوَاسِّنَا، فَنَجِدُ الطَّعْمَ بِالْفَمِ، وَنَرَى اللَّوْنَ بِالْعَيْنِ، وَنَشُمُّ الرَّائِحَةَ بِالْأَنْفِ، كَمَا نَسْمَعُ الصَّوْتَ بِالْأُذُنِ، فَهُنَا الْآلَاتُ الَّتِي تُحَسُّ بِهَا هَذِهِ الْأَعْرَاضُ مُخْتَلِفَةٌ فِينَا، يَظْهَرُ اخْتِلَافُهَا فِي أَنْفُسِهَا لِاخْتِلَافِ الْآلَاتِ الَّتِي تُدْرِكُهَا، بِخِلَافِ مَا يَقُومُ بِأَنْفُسِنَا مِنْ عِلْمٍ وَإِرَادَةٍ وَحُبٍّ، فَإِنَّا لَا نُمَيِّزُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا بِحَوَاسَّ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَدِلَّةُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ مُخْتَلِفَةً، فَالْأَدِلَّةُ قَدْ تَكُونُ أُمُورًا مُنْفَصِلَةً عَنِ الْمُسْتَدِلِّ. فَهَذَا مِمَّا يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَاتِ الْمُدْرَكَةِ بِالْحِسِّ وَالصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالْعَقْلِ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ اتِّصَافَ الْأُتْرُجَّةِ وَالتُّفَّاحَةِ بِصِفَاتِهَا الْمُتَنَوِّعَةِ هُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ سَوَاءٌ وَجَدْنَا ذَلِكَ أَوْ لَمْ نَجِدْهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ طَعْمَهَا نَفْسَهُ لَيْسَ هُوَ لَوْنَهَا، وَلَوْنَهَا لَيْسَ هُوَ رِيحَهَا، وَهَذِهِ كُلُّهَا صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهَا مُتَنَوِّعَةٌ بِحَقَائِقِهَا، وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهَا الْمَوْصُوفُ بِهَا وَاحِدًا. ثُمَّ الصِّفَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَيَاةُ: كَالطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ، وَنَوْعٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَيَاةُ: كَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَحُكْمُهُ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهُ، فَلَا يَتَّصِفُ بِاللَّوْنِ وَالرِّيحِ وَالطَّعْمِ إِلَّا مَا قَامَ بِهِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: يَنْفِيهَا، وَصُوِّبَتْ فِي الْهَامِشِ بِكَلِمَةٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا إِلَّا (مِيهَا) وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ كَمَا أَثْبَتُّ.

وَأَمَّا هَذَا الثَّانِي فَقَدْ تَنَازَعَ فِيهِ النُّظَّارُ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ قَادِرٌ مُرِيدٌ، وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ لَمْ تَقُمْ بِعَقِبِهِ وَلَا بِظَهْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ بِقَلْبِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَعْرَاضُ الْمَشْرُوطَةُ بِالْحَيَاةِ يَتَعَدَّى حُكْمُهَا مَحَلَّهَا، فَإِذَا قَامَتْ بِجُزْءٍ مِنَ الْجُمْلَةِ وُصِفَ بِهَا سَائِرُ الْجُمْلَةِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْمَوْصُوفُ بِذَلِكَ جُزْءٌ مُنْفَرِدٌ فِي الْقَلْبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ حُكْمُهَا لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا، وَإِنَّهُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ وَقُدْرَةٌ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي قِيَامِ هَذِهِ الْأَعْرَاضِ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ الْبِنْيَةُ الْمَخْصُوصَةُ، كَمَا يَقُولُهُ: الْأَشْعَرِيُّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ بَنَوْا هَذَا عَلَى ثُبُوتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَهُوَ أَسَاسٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِهِ بَاطِلٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. ثُمَّ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمَشَّائِينَ مَنِ ادَّعَى أَنَّ مَحَلَّ الْعِلْمِ مِنَ الْإِنْسَانِ مَا لَا يَنْقَسِمُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَسْكُنُ، وَلَا يَصْعَدُ وَلَا يَنْزِلُ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَدَنِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْعَالَمِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلَا يَقْرُبُ مِنْ شَيْءٍ وَلَا يَبْعُدُ مِنْهُ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ وَإِنَّمَا تَعْلَمُ الْكُلِّيَّاتِ، كَمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ. وَكَانَ أَعْظَمُ مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ مَا لَا يَنْقَسِمُ، فَالْعِلْمُ بِهِ لَا يَنْقَسِمُ، لِأَنَّ الْعِلْمَ مُطَابِقٌ لِلْمَعْلُومِ،

فَمَحَلُّ الْعِلْمِ لَا يَنْقَسِمُ، لِأَنَّ مَا يَنْقَسِمُ لَا يَحِلُّ فِي مُنْقَسِمٍ. (¬1) \ 1975. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ بَعْضُ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْغَلَطِ، مَعَ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ الْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ. وَقَوَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ عَارَضَهُمْ كَأَبِي حَامِدٍ وَالرَّازِيِّ لَمْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِجَوَابٍ شَافٍ، بَلْ أَبُو حَامِدٍ قَدْ يُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَمَنْشَأُ النِّزَاعِ إِثْبَاتُ مَا لَا يَنْقَسِمُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ. فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي الْوُجُودِ مَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ. فَإِذَا قَالُوا: النُّقْطَةُ؟ قِيلَ لَهُمْ: النُّقْطَةُ وَالْخَطُّ وَالسَّطْحُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ: قَدْ يُرَادُ بِهَا هَذِهِ الْمَقَادِيرُ مُجَرَّدَةً عَنْ مَوْصُوفَاتِهَا، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا مَا اتُّصِفَ بِهَا (مِنَ) (¬2) الْمُقَدَّرَاتِ فِي الْخَارِجِ. فَإِذَا أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَلَا وُجُودَ لَهَا إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ عَدَدٌ مُجَرَّدٌ عَنِ الْمَعْدُودِ، وَلَا مِقْدَارٌ مُجَرَّدٌ عَنِ الْمُقَدَّرِ (¬3) : لَا نُقْطَةٌ وَلَا خَطٌّ وَلَا سَطْحٌ وَلَا وَاحِدٌ وَلَا اثْنَانِ وَلَا ثَلَاثَةٌ بَلِ الْمَوْجُودَاتُ ¬

(¬1) انْظُرْ كِتَابَ الشِّفَاءِ لِابْنِ سِينَا، الْفَنَّ السَّادِسِ مِنَ الطَّبِيعِيَّاتِ 1 وَمَا بَعْدَهَا، ط بَرَاغْ، تِشِيكُوسُلُوفَاكْيَا، 1956 ص [0 - 9] 87 وَمَا بَعْدَهَا، ط. الْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ، تَحْقِيقَ جُورْج قَنَوَاتِي، سَعِيد زَايِد، الْقَاهِرَةَ، 1395 (¬2) (مِنَ) : لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ وَزِدْتُهَا لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ. (¬3) فِي الْأَصْلِ: مُقَدَّرًا مُجَرَّدًا عَنِ الْمُقَدَّرِ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

الْمَعْدُودَاتُ كَالدِّرْهَمِ وَالْحَبَّةِ وَالْإِنْسَانِ، وَالْمُقَدَّرَاتِ كَالْأَرْضِ الَّتِي لَهَا طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ، فَمَا مِنْ سَطْحٍ إِلَّا وَلَهُ حَقِيقَةٌ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ السُّطُوحِ، كَمَا يَتَمَيَّزُ التُّرَابُ عَنِ الْمَاءِ، وَكَمَا يَتَمَيَّزُ سُطُوحُ كُلِّ جِسْمٍ عَنْ سُطُوحِ الْآخَرِ. وَإِنْ قَالُوا: مَا لَا يَنْقَسِمُ هِيَ الْعُقُولُ الْمُجَرَّدَةُ الَّتِي تُثْبِتُهَا الْفَلَاسِفَةُ. كَانَ دُونَ إِثْبَاتِ هَذِهِ خَرْطُ الْقَتَادِ (¬1) ، فَلَا يُتَحَقَّقُ مِنْهَا إِلَّا مَا يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ، لَا مَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ. وَالْمَلَائِكَةُ الَّتِي وَصَفَتْهَا الرُّسُلُ وَأَمَرُوا بِالْإِيمَانِ بِهَا، بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْمُجَرَّدَاتِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفُرْقَانِ، مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى الْعُمْيَانِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. وَإِنْ أَرَادُوا بِمَا لَا يَنْقَسِمُ وَاجِبَ الْوُجُودِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ. قِيلَ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِذَلِكَ نَفْيَ صِفَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ وَقُدْرَةٌ تَقُومُ بِهِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ جُمْهُورَ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرَ أَهْلِ الْمِلَلِ، بَلْ وَسَائِرَ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ يُخَالِفُونَكُمْ فِي هَذَا. وَهَذَا أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنْتُمْ - وَكُلُّ عَاقِلٍ - قَدْ يُعْلَمُ بَعْضُ صِفَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمَعْلُومُ هُوَ غَيْرُ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ، فَكَيْفَ يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ؟ وَأَدِلَّةُ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ كَثِيرَةٌ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا، فَلِمَ قُلْتُمْ بِإِمْكَانِ وُجُودِ مِثْلِ هَذَا فِي الْخَارِجِ، فَضْلًا عَنْ تَحْقِيقِ وَجُودِهِ؟ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: حَرْظُ الْعَتَادِ.

وَقَدْ عُرِفَ فَسَادُ حُجَّتِكُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَإِنْ سَمَّيْتُمْ ذَلِكَ تَوْحِيدًا، فَحِينَئِذٍ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى يُحْتَجَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِهِ كَذَلِكَ، وَالْعَالِمَ بِهِ كَذَلِكَ. وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُودِ مَا لَا يَنْقَسِمُ - بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ - بِأَنْ قَالُوا: الْوُجُودُ فِي الْخَارِجِ: إِمَّا بَسِيطٌ وَإِمَّا مُرَكَّبٌ، وَالْمُرَكَّبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَسِيطٍ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي الْوُجُودِ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذَا الْبَسِيطِ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ الْأَجْسَامُ الْبَسِيطَةُ، وَهُوَ مَا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَالْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْهَوَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي الْوُجُودِ مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْهُ، بَلْ لَا مَوْجُودَ إِلَّا مَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ. وَإِذَا قَالُوا: فَذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ الْبَسِيطُ. قِيلَ لَهُمْ: وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْضًا مِنْ غَيْرِهِ، لَا يُعْلَمُ مُفْرَدًا أَلْبَتَّةَ، كَمَا لَا يُوجَدُ مُفْرَدًا أَلْبَتَّةَ. ثُمَّ يُقَالُ: مِنَ الْمَعْلُومُ أَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ يَنْقَسِمُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَذْكُرُونَهُ وَيَتَمَيَّزُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَالْحَيَاةُ وَالْحِسُّ سَارٍ فِي بَدَنِهِ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ تَقُومَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ بِالرُّوحِ، كَمَا قَامَتِ الْحَيَاةُ وَالْحِسُّ بِالْبَدَنِ، وَإِنْ كَانَ الْبَدَنُ مُنْقَسِمًا عِنْدَكُمْ؟ وَإِنْ قُلْتُمُ: الْحَيَاةُ وَالْحِسُّ مُنْقَسِمٌ عِنْدَكُمْ؟ قِيلَ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ كَوْنُ الْبَعْضِ حَيًّا حَسَّاسًا مَعَ مُفَارَقَةِ الْبَعْضِ.

قِيلَ: هَذَا لَا يَطَّرِدُ، بَلْ قَدْ يَذْهَبُ بَعْضُهُ وَتَبْقَى الْحَيَاةُ وَالْحِسُّ فِي بَعْضِهِ، وَقَدْ تَذْهَبُ الْحَيَاةُ وَالْحِسُّ عَنْ بَعْضِهِ بِذَهَابِ ذَلِكَ عَنِ الْبَعْضِ، كَمَا فِي الْقَلْبِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْحَيَاةُ وَالْحِسُّ يَتَّسِعُ بِاتِّسَاعِ مَحَلِّهِ، وَالْأَرْوَاحُ مُتَنَوِّعَةٌ، وَمَا يَقُومُ بِهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِهَا، فَمَا عَظُمَ مِنَ الْمَوْصُوفَاتِ عَظُمَتْ صِفَاتُهَا، وَمَا كَانَ دُونَهَا كَانَتْ صِفَاتُهُ دُونَهُ. وَأَيْضًا، فَالْوَهْمُ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ جُسْمَانِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْجِسْمِ، مَعَ أَنَّهَا تُدْرِكُ فِي الْمَحْسُوسِ مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ، كَالصَّدَاقَةِ وَالْعَدَاوَةِ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ بِانْقِسَامِ مَحَلِّهِ عِنْدَهُمْ. وَأَيْضًا، فَقُوَّةُ الْإِبْصَارِ الَّتِي فِي الْعَيْنِ قَائِمَةٌ بِجِسْمٍ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُمْ، مَعَ أَنَّهَا لَا تَنْقَسِمُ بِانْقِسَامِ مَحَلِّهَا، بَلِ الِاتِّصَالُ شَرْطٌ فِيهَا، فَلَوْ فَسَدَ بَعْضُ مَحَلِّهَا فَسَدَتْ، وَلَا يَبْقَى بَعْضُهَا مَعَ فَسَادِ أَيِّ بَعْضٍ كَانَ، فَمَا كَانَ الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ قِيَامُ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ بِبَعْضِ الرُّوحِ - إِذَا قِيلَ: يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ - مَشْرُوطًا بِقِيَامِهِ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الِاتِّصَالُ شَرْطًا فِي هَذَا الِاتِّصَافِ؟ (¬1) كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْحَيَاةِ وَالْحِسِّ فِي بَعْضِ الْبَدَنِ، لَا تَقُومُ بِهِ الْحَيَاةُ وَالْحِسُّ إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا نَوْعًا مِنَ الِاتِّصَالِ. وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي (كَثِيرٍ مِنْ) (¬2) هَذِهِ الْأُمُورِ يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ عَلَى رُوحِ الْإِنْسَانِ، الَّتِي تُسَمَّى النَّفْسَ النَّاطِقَةَ، وَعَلَى اتِّصَافِهَا بِصِفَاتِهَا، فَبِهَذَا ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: فِي هَذِهِ الِاتِّصَافِ. (¬2) بَعْدَ حَرْفِ (فِي) تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ، وَلَمْ تَظْهَرِ الْكَلِمَاتُ السَّاقِطَةُ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَرَجَّحْتُ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَا أَثْبَتُّهُ.

يَسْتَعِينُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْكَلَامِ فِي الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَبِذَلِكَ يَسْتَعِينُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّبَهَاتِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ. وَالنَّاسُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي رُوحِ الْإِنْسَانِ: هَلْ هِيَ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، أَوْ جَوْهَرٌ لَا يَقْبَلُ الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ وَالْقُرْبَ وَالْبُعْدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ؟ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ، كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؟ (¬1) وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُهَا عَرَضًا مِنْ أَعْرَاضِ الْبَدَنِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ. وَقَدْ دَخَلَ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ هُوَ إِلَّا هَذِهِ الْجُمَلَ الْمُشَاهَدَةَ، وَهِيَ الْبَدَنُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا الرِّيحُ الَّتِي تَتَرَدَّدُ فِي مَخَارِيقِ الْبَدَنِ ; وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا الدَّمُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا الْبُخَارُ اللَّطِيفُ الَّذِي يَجْرِي فِي مَجَارِي الدَّمِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالرُّوحِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ ; وَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ النُّظَّارِ. وَقَدْ يَنْظُرُ الْإِنْسَانُ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمُصَنَّفَةِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ، وَيَجِدُ فِي الْمُصَنَّفِ أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً، وَالْقَوْلُ الصَّوَابُ لَا يَجِدُهُ فِيهَا. وَمَنْ تَبَحَّرَ فِي الْمَعَارِفِ تَبَيَّنَ لَهُ خُلَاصَةُ الْأُمُورِ، وَتَحْقِيقُهَا: هُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ، لَكِنَّ إِطَالَةَ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ، لَا يُنَاسِبُ هَذَا ¬

(¬1) انْظُرْ رِسَالَةً فِي الْعَقْلِ وَالرُّوحِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، الْمَنْشُورَةَ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ مَجْمُوعَةِ الرَّسَائِلِ الْمُنِيرِيَّةِ، ط. الْقَاهِرَةِ، 1343. وَنُشِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ 4/216 - 231.

تنازع الناس في الأسماء التي تسمى الله بها وتسمى بها عباده

الْكِتَابَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا تُشَنِّعُ بِهِ الرَّافِضَةُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ ضَعِيفِ الْأَقْوَالِ هُمْ بِهِ أَخْلَقُ، وَالضَّلَالُ بِهِمْ أَعْلَقُ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ جُمَلٍ يُهْتَدَى بِهَا إِلَى الصَّوَابِ. وَبَابُ التَّوْحِيدِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِمَّا عَظُمَ فِيهِ ضَلَالُ مَنْ عَدَلَ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ إِلَى مَا يَظُنُّهُ مِنَ الْمَعْقُولِ، وَلَيْسَتِ الْمَعْقُولَاتُ الصَّرِيحَةُ إِلَّا بَعْضَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ، يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ خَبَرَ هَذَا وَهَذَا. [تنازع الناس فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَسَمَّى اللَّهُ بِهَا وَتَسَمَّى بِهَا عِبَادُهُ] (فَصْلٌ) ] (¬1) وَهَذَا الْمَوْضِعُ أَشْكَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ لَفْظًا وَمَعْنًى. أَمَّا اللَّفْظُ فَتَنَازَعُوا فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَسَمَّى اللَّهُ بِهَا وَتَسَمَّى بِهَا (¬2) عِبَادُهُ كَالْمَوْجُودِ وَالْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: (¬3) هِيَ مَقُولَةٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ (¬4) حَذَرًا مِنْ إِثْبَاتِ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُمَا إِذَا اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ لَزِمَ أَنْ يَمْتَازَ الْوَاجِبُ عَنِ الْمُمْكِنِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَيَكُونَ مُرَكَّبًا. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالشَّهْرَسْتَانِيِّ وَالرَّازِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا، وَكَالْآمِدِيِّ مَعَ تَوَقُّفِهِ أَحْيَانًا (¬5) . وَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا هَذَا الْقَوْلَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا (¬6) ذَلِكَ ¬

(¬1) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الْمَوْجُودُ فِي (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وَقَدْ بَدَأَ ص 566. (¬2) ب، أ: وَيُسَمِّي بِهَا. (¬3) ب، أ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ ; ع: فَقَالَ (وَسَقَطَتْ: بَعْضُهُمْ) . (¬4) اللَّفْظِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) أَحْيَانًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ب: ذَكَرَا ; أ: ذَكَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

لِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ بِالْأَحْوَالِ، وَيَقُولَانِ: وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُ حَقِيقَتِهِ، فَظَنُّوا أَنَّ مَنْ قَالَ: وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُ حَقِيقَتِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ (¬1) لَفْظَ الْوُجُودِ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَوَاطِئًا لَكَانَ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ [فَيَمْتَازُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِخُصُوصِ حَقِيقَتِهِ، وَالْمُشْتَرَكُ لَيْسَ هُوَ الْمُمَيِّزَ، فَلَا يَكُونُ الْوُجُودُ الْمُشْتَرَكُ] (¬2) هُوَ الْحَقِيقَةُ الْمُمَيِّزَةُ. وَالرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَنَحْوُهُمَا ظَنُّوا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إِلَّا هَذَا الْقَوْلُ وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ اللَّفْظَ مُتَوَاطِئٌ (3 وَيَقُولُ: وُجُودُهُ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي هَاشِمٍ وَأَتْبَاعِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، أَوْ قَوْلُ ابْنِ سِينَا بِأَنَّهُ مُتَوَاطِئٌ 3) (¬3) [أَوْ مُشَكِّكٌ] (¬4) مَعَ أَنَّهُ (¬5) الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ [بِسَلْبِ كُلِّ أَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ عَنْهُ] (¬6) . وَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَغُلَاةِ الْجَهْمِيَّةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَبْدِ مَجَازٌ فِي الرَّبِّ. [قَالُوا: هَذَا فِي اسْمِ الْحَيِّ] (¬7) وَنَحْوِهِ، [حَتَّى فِي اسْمِ الشَّيْءِ كَانَ الْجَهْمُ وَأَتْبَاعُهُ لَا يُسَمُّونَهُ شَيْئًا (¬8) ، وَقِيلَ عَنْهُ إِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ إِلَّا بِالْقَادِرِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَلَا ¬

(¬1) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) : (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ: وَمُشْكِلٌ ; ب: وَمُشَكِّكٌ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ن) ، (م) . وَانْظُرْ تَعْرِيفَ الْمُتَوَاطِئِ وَالْمُشَكِّكِ فِي " التَّعْرِيفَاتِ " لِلْجُرْجَانِيِّ. (¬5) ب، أ: مَعَ أَنَّ. (¬6) ب، أ: يَسْلُبُ كُلَّ أَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ عَنْهُ وَسَقَطَتِ الْعِبَارَةُ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ (الْمَقَالَاتِ 1/312) مَا تَفَرَّدَ بِهِ جَهْمٌ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَمِنْ ذَلِكَ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ لَهُ بِالْأَشْيَاءِ ".

فَاعِلٍ، فَلَا يُسَمِّيهِ بِاسْمٍ يُسَمَّى بِهِ الْعَبْدُ (¬1) ] (¬2) . وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاشِئُ (¬3) إِلَى ضِدِّ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهَا حَقِيقَةٌ لِلرَّبِّ مُجَازٌ لِلْعَبْدِ (¬4) . وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَعَانِي، فَلَا يَدُلُّ عَلِيمٌ عَلَى عِلْمٍ، وَلَا قَدِيرٌ عَلَى قُدْرَةٍ، بَلْ هِيَ أَعْلَامٌ ¬

(¬1) قَالَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/79) عَنِ الْجَهْمِ: " وَافَقَ الْمُعْتَزِلَةَ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ الْأَزَلِيَّةِ وَزَادَ عَلَيْهِمْ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْبَارِي تَعَالَى بِصِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا خَلْقُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَشْبِيهًا، فَنَفَى كَوْنَهُ حَيًّا عَالِمًا، وَأَثْبَتَ كَوْنَهُ قَادِرًا فَاعِلًا خَالِقًا، لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِالْقُدْرَةِ وَالْفِعْلِ وَالْخَلْقِ ". (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ النَّاشِئُ الْأَنْبَارِيُّ، كَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ شَرْشِيرَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 293 قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/334) : " كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَنْبَارِ وَنَزَلَ بَغْدَادَ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مِصْرَ وَمَاتَ بِهَا، وَكَانَ مُتَكَلِّمًا شَاعِرًا مُتَرَسِّلًا وَلَهُ قَصِيدَةٌ أَرْبَعَةُ آلَافِ بَيْتٍ فِي الْكَلَامِ. قَالَ ابْنُ النَّدِيمِ: يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ ثَنَوِيًّا فَسَقَطَ مِنْ طَبَقَةِ أَصْحَابِهِ الْمُتَكَلِّمِينَ. قُلْتُ: وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ ابْنِ النَّدِيمِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ كِبَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ سَبَبُ تَلْقِيبِهِ بِالنَّاشِئِ أَنَّهُ دَخَلَ وَهُوَ فَتًى مَجْلِسًا فَنَاظَرَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَطَعَ خَصْمَهُ فَقَامَ شَيْخٌ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَقَالَ: لَا أَعْدَمَنَا اللَّهُ مِثْلَ هَذَا النَّاشِئِ، فَبَقِيَ عَلَمًا عَلَيْهِ. وَلَهُ رَدٌّ عَلَى دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ رَدَّهُ عَلَيْهِ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ". وَأَمَّا ابْنُ النَّدِيمِ فَذَكَرَهُ ضِمْنَ رُؤَسَاءِ الْمَنَانِيَّةِ (نِسْبَةً إِلَى مَانِي) الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُونَ الزَّنْدَقَةَ، فَقَالَ (338) : " وَمِمَّنْ تَشَهَّرَ أَخِيرًا أَبُو عِيسَى الْوَرَّاقُ وَأَبُو الْعَبَّاسِ النَّاشِئُ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/277 - 279 ; إِنْبَاهِ الرُّوَاةِ 2/128 - 129 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 1/92 - 93 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/214 - 215 ; الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 2/95 ; الْأَعْلَامِ 4/261. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي: التَّقْرِيبِ لِحَدِّ الْمَنْطِقِ وَالْمَدْخَلِ إِلَيْهِ، ص 43، تَحْقِيقَ د. إِحْسَان عَبَّاس، بَيْرُوتَ 1959. وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ الْمُحَقِّقِ (ص ط) ; وَانْظُرْ أَيْضًا: الْمُنْيَةَ وَالْأَمَلَ لِابْنِ الْمُرْتَضَى، ص 54، فَضْلَ الِاعْتِزَالِ، ص 299. (¬4) ع: مَجَازٌ فِي الْعَبْدِ.

مَحْضَةٌ (¬1) . وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهَا تُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ (¬2) . وَأَصْلُ غَلَطِ هَؤُلَاءِ شَيْئَانِ: إِمَّا نَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْغُلُوُّ فِي نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَإِمَّا ظَنُّ ثُبُوتِ الْكُلِّيَّاتِ الْمُشْتَرِكَةِ فِي الْخَارِجِ. فَالْأَوَّلُ هُوَ مَأْخَذُ الْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ. قَالُوا: إِذَا قُلْنَا عَلِيمٌ يَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ، وَقَدِيرٌ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَةٍ لَزِمَ مِنْ إِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ، وَهَذَا مَأْخَذُ ابْنِ حَزْمٍ، فَإِنَّهُ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ (¬3) مَعَ تَعْظِيمِهِ لِلْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَدَعْوَاهُ أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ: فِي ذَلِكَ هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَغَلَطُهُ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَخَذَ أَشْيَاءَ (¬4) مِنْ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُ خَطَأَهُمْ (¬5) ، وَنَقَلَ الْمَنْطِقَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مَتَّى التُّرْجُمَانِ (¬6) . وَكَذَلِكَ قَالُوا: إِذَا قُلْنَا: مَوْجُودٌ وَمَوْجُودٌ، وَحَيٌّ وَحَيٌّ لَزِمَ التَّشْبِيهُ، فَهَذَا أَصْلُ غَلَطِ هَؤُلَاءِ. ¬

(¬1) يَقُولُ ابْنُ حَزْمٍ (الْفِصَلَ 2/296) : " إِنَّنَا لَا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا قَدِيرٌ عَالِمٌ - إِذَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ اللَّهَ تَعَالَى - إِلَّا مَا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا اللَّهُ فَقَطْ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ لَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ صِفَةٍ أَصْلًا، لَكِنْ إِذَا قُلْنَا: اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَيَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنَّ هَاهُنَا لَهُ تَعَالَى مَعْلُومَاتٌ، وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ أَنَّ لَهُ عِلْمًا هُوَ غَيْرُهُ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي: يَقْدِرُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ ". (¬2) ب، أ: أَنَّهَا تُقَالُ. . إِلَخْ، وَالْعِبَارَةُ فِي (ع) مُضْطَرِبَةٌ. (¬3) انْظُرِ الْفِصَلَ 2/283 وَمَا بَعْدَهَا. (¬4) ب، أ، ن، م: شَيْئًا. (¬5) ب: وَلَمْ يَتَّفِقْ مَنْ بَيَّنَ لَهُ خَطَأَهُمْ ; أ، م: وَلَمْ يَتَّفِقْ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُ خَطَأَهُمْ ; ن: وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُمْ خَطَأَهُمْ ; ع: وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُ خَطَاوَهُمْ. (¬6) ب: وَنَقَلَ الْمَنْطِقَ الْأُسْتَاذُ عَنْ مَتَّى التُّرْجُمَانِ ; أ: وَنَقَلَ الْمَنْطِقَ الْإِسْنَادَ عَنْ مَتَّى التُّرْجُمَانِ ; ن، م: وَنَقَلَ الْمَنْطِقَ بِالْإِسْنَادِ عَنْ مَتَّى. وَمَتَّى التُّرْجُمَانُ هُوَ أَبُو بِشْرٍ مَتَّى بْنُ يُونُسَ (أَوِ ابْنُ يُونَانَ) الْمَنْطِقِيُّ النَّصْرَانِيُّ، نَزَلَ بَغْدَادَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ 328 وَإِلَيْهِ انْتَهَتْ رِيَاسَةُ الْمَنْطِقِيِّينَ فِي عَصْرِهِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمُصَنَّفَاتِهِ فِي: تَارِيخِ الْحُكَمَاءِ لِابْنِ الْقِفْطِيِّ، ص [0 - 9] 23 ; تَارِيخِ حُكَمَاءِ الْإِسْلَامِ لِظَهِيرِ الدِّينِ الْبَيْهَقِيِّ، ص 28 - 29 ; طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ 2/227 ; الْفِهْرِسْتَ لِابْنِ النَّدِيمِ ص 263 - 264. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ مَا نَسَبَهُ هُنَا إِلَى ابْنِ حَزْمٍ، انْظُرْ مَثَلًا: الرَّدَّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ، ص 131 - 132. وَيَقُولُ الدُّكْتُورِ إِحْسَان عَبَّاس (مُقَدِّمَةَ التَّقْرِيبِ لِحَدِّ الْمَنْطِقِ لِابْنِ حَزْمٍ، ص ح - ط) إِنَّ عِبَارَةَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ هَذِهِ هَدَتْهُ إِلَى بَيَانِ مَعْنَى مَا يَذْكُرُهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: " قَالَ الشَّيْخُ: هَذِهِ عِبَارَاتُ الْمُتَرْجِمِينَ وَفِيهَا تَخْلِيطٌ. . . إِلَخْ " إِذْ جَعَلَهُ كَلَامَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَعْتَقِدُ أَنَّ كَلِمَةَ " الشَّيْخِ " رُبَّمَا كَانَتْ تُشِيرُ إِلَى مَتَّى الْمَنْطِقِيِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا عَنْ مَتَّى فِي النُّسْخَةِ الَّتِي نُشِرَ عَنْهَا الْكِتَابُ.

وَأَمَّا الْأَصْلُ الثَّانِي فَمِنْهُ غَلَطُ الرَّازِيِّ (¬1) وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ إِذَا (¬2) كَانَ هَذَا مَوْجُودًا وَهَذَا مَوْجُودًا، وَالْوُجُودُ شَامِلٌ لَهُمَا، كَانَ بَيْنَهُمَا وُجُودٌ مُشْتَرَكٌ كُلِّيٌّ فِي الْخَارِجِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُمَيِّزٍ يُمَيِّزُ هَذَا عَنْ هَذَا، وَالْمُمَيِّزُ إِنَّمَا هُوَ الْحَقِيقَةُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ وُجُودٌ مُشْتَرَكٌ وَحَقِيقَةٌ مُمَيِّزَةٌ. ثُمَّ إِنَّ (¬3) هَؤُلَاءِ يَتَنَاقَضُونَ فَيَجْعَلُونَ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ (¬4) إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ أَوْ قَدِيمٍ (¬5) وَمُحْدَثِ، كَمَا تَنْقَسِمُ سَائِرُ الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ. لَا كَمَا تَنْقَسِمُ الْأَلْفَاظُ الْمُشْتَرَكَةُ كَلَفْظِ " سُهَيْلٍ " الْقَوْلِ عَلَى [سُهَيْلٍ] (¬6) الْكَوْكَبِ وَعَلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّ تِلْكَ لَا يُقَالُ فِيهَا: إِنَّ هَذَا يَنْقَسِمُ إِلَى كَذَا ¬

(¬1) ب، أ: الدِّينِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب (فَقَطْ) : إِنَّ. (¬3) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ب، أ: مُنْقَسِمًا ; ن: جِسْمٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب، أ: وَقَدِيمٍ. (¬6) سُهَيْلٍ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

وَكَذَا، وَلَكِنْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَهَذَا أَمْرٌ لُغَوِيٌّ لَا تَقْسِيمٌ عَقْلِيٌّ. وَهُنَاكَ تَقْسِيمٌ عَقْلِيٌّ: تَقْسِيمُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ الْعَامِّ، مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْأَقْسَامِ. وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَخْلُصُ مِنْ هَذَا بِأَنْ يَجْعَلَ (¬1) لَفْظَ الْوُجُودِ مُشَكِّكًا لِكَوْنِ (¬2) الْوُجُودِ الْوَاجِبِ أَكْمَلَ، كَمَا يُقَالُ: فِي لَفْظِ " السَّوَادِ " وَ " الْبَيَاضِ " الْمَقُولِ عَلَى سَوَادِ الْقَارِ وَسَوَادِ الْحَدَقَةِ وَبَيَاضِ الثَّلْجِ وَبَيَاضِ الْعَاجِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ قَدْ تَكُونُ مُتَفَاضِلَةً فِي مَوَارِدِهَا، بَلْ أَكْثَرُهَا كَذَلِكَ، وَتَخْصِيصُ هَذَا الْقِسْمِ بِلَفْظِ الْمُشَكِّكِ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ. وَلِهَذَا كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمُتَوَاطِئِ (¬3) لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَمْ يَضَعِ اللَّفْظَ الْعَامَّ بِإِزَاءِ التَّفَاوُتِ الْحَاصِلِ لِأَحَدِهِمَا، بَلْ بِإِزَاءِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالنِّزَاعُ فِي هَذَا لَفْظِيٌّ، فَالْمُتَوَاطِئَةُ الْعَامَّةُ تَتَنَاوَلُ الْمُشَكِّكَةَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاطِئَةُ الَّتِي تَتَسَاوَى مَعَانِيهَا فَهِيَ قَسِيمُ الْمُشَكِّكَةِ، وَإِذْ جُعِلَتِ الْمُتَوَاطِئَةُ نَوْعَيْنِ: مُتَوَاطِئًا (¬4) عَامًّا وَخَاصًّا، كَمَا جُعِلَ الْإِمْكَانُ نَوْعَيْنِ: عَامًّا وَخَاصًّا، زَالَ اللَّبْسُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ قَوْلَ جُمْهُورِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: جَعَلَ. (¬2) ب، أ: كَكَوْنِ. (¬3) ع، ن: التَّوَاطِي. (¬4) ع، ن، م: تَوَاطِئًا.

أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَامَّةٌ كُلِّيَّةٌ - (1 سَوَاءٌ سُمِّيَتْ مُتَوَاطِئَةً أَوْ مُشَكِّكَةً 1) (¬1) - لَيْسَتْ أَلْفَاظًا (¬2) مُشْتَرِكَةً اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا فَقَطْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ، إِلَّا مَنْ شَذَّ (¬3) . وَأَمَّا الشُّبَهُ الَّتِي أَوْقَعَتْ هَؤُلَاءِ (¬4) ، فَجَوَابُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: تَمْثِيلٍ وَتَخْيِيلٍ (¬5) . أَمَّا التَّمْثِيلُ فَأَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ فِي لَفْظِ " الْوُجُودِ " كَالْقَوْلِ فِي لَفْظِ " الْحَقِيقَةِ " وَ " الْمَاهِيَّةِ " وَ " النَّفْسِ " وَ " الذَّاتِ "، وَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُقَالُ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ، بَلْ تُقَالُ عَلَى كُلِّ مَوْجُودٍ. فَهُمْ إِذَا قَالُوا: يَشْتَرِكَانِ فِي الْوُجُودِ، وَيَمْتَازُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِحَقِيقَتِهِ. (6 قِيلَ لَهُمُ: الْقَوْلُ فِي لَفْظِ " الْحَقِيقَةِ " كَالْقَوْلِ فِي لَفْظِ " الْوُجُودِ "، فَإِنَّ هَذَا لَهُ حَقِيقَةٌ وَهَذَا لَهُ حَقِيقَةٌ، كَمَا أَنَّ لِهَذَا وُجُودًا وَلِهَذَا وَجُودًا، وَأَحَدُهُمَا يَمْتَازُ عَنِ الْآخَرِ بِوُجُودِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ، كَمَا هُوَ مُمْتَازٌ عَنْهُ بِحَقِيقَتِهِ 6) (¬6) الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ (¬7) فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، وَيَمْتَازُ كُلُّ ¬

(¬1) (1 - 1) سَقَطَتْ " سُمِّيَتْ " مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن) : سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ مُتَوَاطِئَةً أَوْ كَانَتْ مُشْكِلَةً. (¬2) أَلْفَاظًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) عِبَارَةُ " إِلَّا مَنْ شَذَّ " لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬4) ب، أ: وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِهَؤُلَاءِ ; ن، م: وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْقَعَتْ هَؤُلَاءِ. (¬5) ب، أ، م: وَتَحْلِيلٌ. (¬6) : (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَهُوَ فِي (ع) ، (ن) ، (م) وَلَكِنَّ بَعْضَ كَلِمَاتِهِ فِي (ن) ، (م) مُحَرَّفَةٌ. (¬7) ن، م، أ: مُشْتَرِكَانِ.

[وَاحِدٍ] (¬1) مِنْهُمَا بِحَقِيقَتِهِ الَّتِي تَخُصُّهُ (¬2) ، (* كَمَا لَوْ قِيلَ: هُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْحَقِيقَةِ وَيَمْتَازُ كُلٌّ مِنْهُمَا *) (¬3) بِوُجُودِهِ الَّذِي يَخُصُّهُ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الْغَلَطُ لِأَنَّهُ أُخِذَ الْوُجُودُ مُطْلَقًا لَا مُخْتَصًّا، وَأُخِذَتِ الْحَقِيقَةُ مُخْتَصَّةً لَا مُطْلَقَةً، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ (¬4) مُطْلَقًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ (¬5) مُخْتَصًّا، فَإِذَا أُخِذَا مُطْلَقَيْنِ تَسَاوَيَا فِي الْعُمُومِ، وَإِذَا أُخِذَا مُخْتَصَّيْنِ تَسَاوَيَا فِي الْخُصُوصِ، وَأَمَّا (¬6) أَخْذُ أَحَدِهِمَا عَامًّا وَالْآخِرِ مُخْتَصًّا فَلَيْسَ هَذَا بِأَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ. وَأَمَّا حَلُّ الشُّبْهَةِ فَهُوَ أَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا (¬7) [أَنَّهُ] (¬8) إِذَا قِيلَ إِنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، يَكُونُ فِي الْخَارِجِ وُجُودٌ مُشْتَرَكٌ هُوَ نَفْسُهُ فِي هَذَا، وَهُوَ نَفْسُهُ فِي هَذَا، فَيَكُونُ نَفْسَ الْمُشْتَرَكِ فِيهِمَا، وَالْمُشْتَرَكُ لَا يُمَيَّزُ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُمَيِّزٍ. وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: يَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، أَيْ يَشْتَبِهَانِ فِي ذَلِكَ (¬9) وَيَتَّفِقَانِ فِيهِ، فَهَذَا (¬10) مَوْجُودٌ وَهَذَا مَوْجُودٌ، وَلَمْ يُشْرَكْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي نَفْسِ وُجُودِهِ أَلْبَتَّةَ. ¬

(¬1) وَاحِدٍ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ب، أ: بِحَقِيقَةٍ تَخُصُّهُ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ سَاقِطٌ مَنَّ (ب) ، (أ) . (¬4) ب (فَقَطْ) : يُؤْخَذَ. (¬5) ب (فَقَطْ) : يُؤْخَذَ. (¬6) ب، أ، ن، م: أَمَّا. (¬7) ع: فَإِنَّهُمْ تَوَهَّمُوا. (¬8) أَنَّهُ فِي (ع) فَقَطْ. (¬9) ع: أَيْ يَشْتَبِهَانِ فِيهِ. (¬10) ع: وَهَذَا.

وَإِذَا قِيلَ: يَشْتَرِكَانِ فِي الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الْكُلِّيِّ، فَذَاكَ الْمُطْلَقُ الْكُلِّيُّ لَا يَكُونُ مُطْلَقًا كُلِّيًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ مُطْلَقٌ كُلِّيٌّ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ، بَلْ هَذَا لَهُ حِصَّةٌ مِنْهُ، وَهَذَا لَهُ حِصَّةٌ مِنْهُ، وَكُلٌّ مِنَ الْحِصَّتَيْنِ (¬1) مُمْتَازَةٌ عَنِ الْأُخْرَى. وَمَنْ قَالَ: الْمُطْلَقُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَيَّنِ، (* وَالْمَوْجُودُ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْمَوْجُودِ (¬2) ، وَالْإِنْسَانُ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ: إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ *) (¬3) يُوصَفُ بِهِ، فَيَكُونُ صِفَةً لَهُ، وَمَعَ كَوْنِهِ صِفَةً لَهُ، فَمَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ (¬4) لَا تُوجَدُ عَيْنُهُ لِآخَرَ (¬5) ، فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ تَسْمِيَةَ الصِّفَةِ جُزْءَ الْمَوْصُوفِ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ نَفْسَ مَا فِي الْمُعَيَّنِ مِنْ وُجُودٍ أَوْ إِنْسَانٍ هُوَ فِي ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، فَهَذَا مُكَابَرَةٌ. وَإِنْ قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّوْعَ فِي الْآخَرِ عَادَ الْكَلَامُ فِي النَّوْعِ، فَإِنَّ النَّوْعَ أَيْضًا كُلِّيٌّ (¬6) . وَالْكُلِّيَّاتُ الْخَمْسَةُ: كُلِّيَّاتُ الْجِنْسِ، وَالنَّوْعِ، وَالْفَصْلِ، وَالْخَاصَّةِ، وَالْعَرَضِ الْعَامِّ ; وَالْقَوْلُ فِيهَا وَاحِدٌ، فَلَيْسَ فِيهَا مَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ كُلِّيًّا مُطْلَقًا، وَلَا تَكُونُ كُلِّيَّةً مُطْلَقَةً إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. ¬

(¬1) ب، أ: الْحَقِيقَتَيْنِ. (¬2) ب (فَقَطْ) : وَالْوُجُودُ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْوُجُودِ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ن، م: لَا يُوجَدُ عَنْهُ الْآخَرُ. (¬6) ب، أ: وَإِنْ قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ النَّوْعَ الْآخَرَ عَادَمَ الْكَلَامُ فِي النَّوْعِ أَيْضًا كُلِّيٌّ، وَفِيهِ سَقْطٌ وَتَحْرِيفٌ.

وَمَا يُدَّعَى فِيهَا مِنْ عُمُومٍ وَكُلِّيَّةٍ أَوْ مِنْ تَرْكِيبٍ كَتَرْكِيبِ النَّوْعِ مِنَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ، هِيَ أُمُورٌ عَقْلِيَّةٌ ذِهْنِيَّةٌ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ يَعُمُّ هَذَا وَهَذَا، [وَلَا فِي الْخَارِجِ إِنْسَانٌ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا] (¬1) ، بَلِ الْإِنْسَانُ مَوْصُوفٌ بِهَذَا وَهَذَا [وَهَذَا] (¬2) بِصِفَةٍ يُوجَدُ نَظِيرُهَا فِي كُلِّ إِنْسَانٍ، وَبِصِفَةٍ يُوجَدُ نَظِيرُهَا فِي كُلِّ حَيَوَانٍ، وَبِصِفَةٍ يُوجَدُ نَظِيرُهَا فِي كُلِّ نَامٍ. وَأَمَّا نَفْسُ الصِّفَةِ الَّتِي قَامَتْ بِهِ (¬3) ، وَنَفْسُ الْمَوْصُوفِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الصِّفَةُ، فَلَا اشْتِرَاكَ فِيهِ أَصْلًا وَلَا عُمُومَ، وَلَا هُوَ (¬4) مُرَكَّبٌ مِنْ عَامٍّ وَخَاصٍّ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَنْشَأُ زَلَلِ كَثِيرٍ مِنَ الْمَنْطِقِيِّينَ فِي الْكُلِّيَّاتِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَالِ. وَبِسَبَبِ ذَلِكَ (¬5) غَلِطَ مَنْ غَلِطَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ (¬6) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا، (7 فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ أَيْضًا رَأَوْا أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَتَّفِقُ بِصِفَاتٍ وَتَخْتَلِفُ بِصِفَاتٍ 7) (¬7) ، وَالْمُشْتَرَكُ عَيْنُ الْمُمَيَّزِ (¬8) ، فَصَارُوا حِزْبَيْنِ: حِزْبًا أَثْبَتَ هَذِهِ الْأُمُورَ فِي الْخَارِجِ، لَكِنَّهُ قَالَ: لَا مَوْجُودَةٌ وَلَا مَعْدُومَةٌ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً لَكَانَتْ أَعْيَانًا مَوْجُودَةً أَوْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) وَهَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬3) ن، م: بِهَا. (¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ب، أ: وَسَبَبُ ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ب، أ: فِي الْهَيْئَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) (7 - 7) : الْكَلَامُ فِي (ن) ، (م) فِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ نَاقِصٌ وَمُضْطَرِبٌ. (¬8) ب، أ: وَالْمُشْتَرَكُ غَيْرُ الْمُمَيَّزِ.

صِفَاتٍ لِلْأَعْيَانِ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا اشْتِرَاكٌ وَعُمُومٌ، [فَإِنَّ صِفَةَ الْمَوْصُوفِ الْمَوْجُودَةَ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَآخَرُونَ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مُخْتَصٌّ بِصِفَةٍ فَقَالُوا: لَا عُمُومَ] (¬1) وَلَا اشْتِرَاكَ إِلَّا فِي الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْعَامَّةَ الْمُشْتَرَكَ فِيهَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْأَذْهَانِ، وَهِيَ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةُ، فَعُمُومُهَا بِمَنْزِلَةِ عُمُومِ الْأَلْفَاظِ، فَالْخَطُّ يُطَابِقُ اللَّفْظَ، وَاللَّفْظُ يُطَابِقُ الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى عَامٌّ، وَعُمُومُ اللَّفْظِ يُطَابِقُ عُمُومَ الْمَعْنَى، وَعُمُومُ الْخَطِّ يُطَابِقُ عُمُومَ اللَّفْظِ. وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ يَكُونُ مِنْ عَوَارِضِ [الْأَلْفَاظِ، وَتَنَازَعُوا هَلْ يَكُونُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي؟ فَقِيلَ: يَكُونُ أَيْضًا (¬2) مِنْ عَوَارِضِ] (¬3) الْمَعَانِي، كَقَوْلِهِمْ مَطَرٌ عَامٌّ، وَعَدْلٌ عَامٌّ، وَخِصْبٌ عَامٌّ. وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ مَجَازٌ ; لِأَنَّ الْمَطَرَ الَّذِي حَلَّ بِهَذِهِ الْبُقْعَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَطَرُ الَّذِي حَلَّ بِهَذِهِ الْبُقْعَةِ، وَكَذَلِكَ الْخِصْبُ وَالْعَدْلُ (¬4) . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَعْنَى الْمَطَرِ الْقَائِمِ بِقَلْبِ الْمُتَكَلِّمِ عَامٌّ كَعُمُومِ (¬5) اللَّفْظِ سَوَاءٌ، بَلِ اللَّفْظُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَكَيْفَ يَكُونُ اللَّفْظُ عَامًّا دُونَ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ؟ فَأَمَّا (¬6) الْمَعَانِي الْخَارِجِيَّةُ (¬7) فَلَيْسَ فِيهَا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب، أ: أَيْضًا يَكُونُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب: وَكَذَا الْعَدْلُ. وَفِي (أ) الْعِبَارَةُ مُضْطَرِبَةٌ هَكَذَا: بِهَذِهِ الْبُقْعَةِ وَالْعَدْلُ. (¬5) ن، م: لِعُمُومِ. (¬6) ب، أ، ن، م: وَأَمَّا. (¬7) ب، أ: الْخَارِجَةُ.

شَيْءٌ بِعَيْنِهِ عَامٌّ، وَإِنَّمَا الْعُمُومُ لِلنَّوْعِ: كَعُمُومِ الْحَيَوَانِيَّةِ لِلْحَيَوَانِ، وَالْإِنْسَانِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ. فَمَسْأَلَةُ الْكُلِّيَّاتِ وَالْأَحْوَالِ وَعُرُوضِ الْعُمُومِ (¬1) لِغَيْرِ الْأَلْفَاظِ مَنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ; وَمَنْ فَهِمَ الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ هُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي هَذَا وَهَذَا. وَإِذَا قَالَ: نَوْعُهُ مَوْجُودٌ، أَوِ الْكُلِّيُّ (¬2) الطَّبِيعِيُّ مَوْجُودٌ، أَوِ الْحَقِيقَةُ مَوْجُودَةٌ، أَوِ الْإِنْسَانِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَوْجُودَةٌ، وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ، فَالْمُرَادُ بِهِ (¬3) أَنَّهُ وَجَدَ فِي هَذَا نَظِيرَ مَا وَجَدَ فِي هَذَا أَوْ شِبْهِهِ (¬4) وَمِثْلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْمُتَمَاثِلَانِ يَجْمَعُهُمَا (¬5) نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ النَّوْعُ هُوَ الَّذِي بِعَيْنِهِ يَعُمُّ هَذَا وَيَعُمُّ هَذَا، لَا يَكُونُ عَامًّا مُطْلَقًا كُلِّيًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ. وَأَنْتَ إِذَا قُلْتَ: الْإِنْسَانِيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَالْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، كَانَ صَحِيحًا: بِمَعْنَى أَنَّ مَا تَصَوَّرَهُ الذِّهْنُ كُلِّيًّا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ، لَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْخَارِجِ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا ; كَمَا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: زِيدٌ فِي الْخَارِجِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا اللَّفْظَ وَلَا الْمَعْنَى الْقَائِمَ فِي الذِّهْنِ، بَلِ الْمُرَادُ الْمَقْصُودُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ. ¬

(¬1) ن: وَعُمُومِ الْعُرُوضِ. (¬2) ب، أ، ن: وَالْكُلِّيُّ. (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ب، أ، ن، م: وَشِبْهِهِ. (¬5) ن، م: وَالْمُتَمَاثِلَاتُ يَجْمَعُهَا.

وَمِنْ هُنَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَةِ (¬1) الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى، وَنِزَاعُهُمْ شَبِيهٌ (¬2) بِهَذَا النِّزَاعِ، وَأَنْتَ (¬3) إِذَا نَظَرْتَ فِي [الْمَاءِ أَوِ] الْمِرْآةِ (¬4) فَقُلْتَ: هَذِهِ الشَّمْسُ أَوْ هَذَا الْقَمَرُ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ مُرَادُكَ أَنَّ نَفْسَ مَا فِي السَّمَاءِ حَصَلَ فِي الْمَاءِ أَوِ الْمِرْآةِ (¬5) ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ شُوهِدَ فِي الْمِرْآةِ، وَظَهَرَ فِي الْمِرْآةِ، وَتَجَلَّى فِي الْمِرْآةِ. فَإِذَا قُلْتَ: الْكُلِّيَّاتُ فِي الْخَارِجِ [فَصَحِيحٌ] (¬6) ، أَوِ الْإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي الْخَارِجِ فَصَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُقَيَّدًا مَخْصُوصًا لَا يُشْرِكُهُ فِي نَفْسِ [الْأَمْرِ] (¬7) شَيْءٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ (¬8) . وَبِهَذَا يَنْحَلُّ كَثِيرٌ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي اشْتَبَهَتْ عَلَى [كَثِيرٍ مِنَ] (¬9) الْمَنْطِقِيِّينَ وَغَلِطُوا فِيهَا، مِثْلُ زَعْمِهِمْ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْخَارِجِ غَيْرُ الْوُجُودِ (¬10) ، فَإِنَّكَ تَتَصَوَّرُ الْمُثَلَّثَ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ وُجُودَهُ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقَ بَيْنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَاللَّازِمَةِ الْعَرْضِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِهِمْ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْفَرْقَ ثَابِتٌ بَيْنَ مَا هُوَ فِي الذِّهْنِ وَمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ، فَإِذَا ¬

(¬1) مَسْأَلَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬2) أ: وَنَازَعَهُمْ مُثْبِتِيهِ ; ب: وَنَازَعَهُمْ مُثْبِتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب، أ: فَأَنْتَ. (¬4) ب، أ: فِي الْمَاءِ وَالْمِرْآةِ ; ن، م: فِي الْمِرْآةِ. (¬5) ب، أ، ن، م: فِي الْمَاءِ وَالْمِرْآةِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) الْأَمْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: الْخَارِجَةِ. (¬9) كَثِيرٍ مِنَ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬10) ع: غَيْرُ الْمَوْجُودَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

جُعِلَتِ الْمَاهِيَّةُ اسْمًا لِمَا فِي الذِّهْنِ، وَالْوُجُودُ اسْمًا لِمَا فِي الْخَارِجِ (1 فَالْفَرْقُ ثَابِتٌ، كَمَا لَوْ جُعِلَ الْوُجُودُ اسْمًا لِمَا فِي الذِّهْنِ وَالْمَاهِيَّةُ اسْمًا لِمَا فِي الْخَارِجِ 1) (¬1) . لَكِنْ لَمَّا كَانَ (¬2) لَفْظُ الْمَاهِيَّةِ مَأْخُوذًا مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ: " مَا هُوَ؟ "، وَجَوَابُ هَذَا هُوَ الْمَقُولُ فِي جَوَابِ: " مَا هُوَ " (¬3) ، وَذَلِكَ كَلَامٌ يَتَصَوَّرُ مَعْنَاهُ الْمُجِيبُ، عُبِّرَ بِالْمَاهِيَّةِ (¬4) عَنِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ، وَأَمَّا الْوُجُودُ فَهُوَ تَحَقُّقُ (¬5) الشَّيْءِ فِي الْخَارِجِ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى هَذَا، بَلْ زَعَمُوا أَنَّ مَاهِيَّاتِ (¬6) الْأَشْيَاءِ ثَابِتَةٌ فِي الْخَارِجِ وَأَنَّهَا غَيْرُ الْأَعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ وَهَذَا غَلَطٌ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْمُثَلَّثَ الَّذِي تَعْرِفُهُ قَبْلَ أَنْ تَعْرِفَ وُجُودَهُ فِي الْخَارِجِ، هُوَ الْمُثَلَّثُ الْمُتَصَوَّرُ (¬7) فِي الذِّهْنِ الَّذِي لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْمُمْتَنَعِ أَنْ تَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْمُثَلَّثِ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ وُجُودَهُ [فِي الْخَارِجِ، فَمَا فِي الْخَارِجِ لَا تَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ حَتَّى تَعْلَمَ وَجُودَهُ] (¬8) ، وَمَا عُلِمَتْ (¬9) حَقِيقَتُهُ قَبْلَ وُجُودِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ بَعْدُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ. ¬

(¬1) : (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَسَقَطَتْ مِنْ (ع) عِبَارَةُ " لَمَّا كَانَ ". وَالْكَلَامُ تَامٌّ فِي (ن) ، (أ) ، (م) . (¬3) ب، أ: وَجَوَابُ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ مَا هُوَ ; ن، م: وَجَوَابُ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي جَوَابِ مَا هُوَ. (¬4) ب، أ: غَيْرُ الْمَاهِيَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م، ع: تَحْقِيقَ. (¬6) ن، م، ع: مَاهِيَّةَ. (¬7) الْمُتَصَوَّرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) أ: وَعُلِمَتْ ; ب: وَلَوْ عُلِمَتْ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ لَنَا عَدَدًا مُجَرَّدًا فِي الْخَارِجِ، أَوْ مِقْدَارًا (¬1) مُجَرَّدًا فِي الْخَارِجِ، وَكُلُّ هَذَا غَلَطٌ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا هُنَا عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ النَّظَرِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالْكَلَامِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ، ضَلُّوا فِي مَسْأَلَةِ وُجُودِ الْخَالِقِ، الَّتِي هِيَ رَأْسُ كُلِّ مَعْرِفَةٍ، وَالْتَبَسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِهِمْ لِأَجْلِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ. وَقَدْ كَتَبْنَا فِي مَسْأَلَةِ " الْكُلِّيَّاتِ " كَلَامًا مَبْسُوطًا مُخْتَصًّا بِذَلِكَ (¬2) ، لِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَقُوَّةِ الْمَنْفَعَةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ بِذَلِكَ (¬3) . وَبِهَذَا يُتَبَيَّنُ (¬4) غَلَطُ النُّفَاةِ فِي لَفْظِ التَّشْبِيهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: الَّذِي يَجِبُ نَفْيُهُ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى: اتِّصَافُهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَتَّصِفُ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْخَالِقِ، أَوْ أَنْ (¬5) يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ يُمَاثِلُ فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا إِذَا قِيلَ حَيٌّ وَحَيٌّ، وَعَالِمٌ وَعَالِمٌ، وَقَادِرٌ وَقَادِرٌ، أَوْ قِيلَ: لِهَذَا قُدْرَةٌ وَلِهَذَا قُدْرَةٌ، وَلِهَذَا عِلْمٌ وَلِهَذَا عِلْمٌ، كَانَ نَفْسَ عِلْمِ الرَّبِّ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ الْعَبْدُ، وَنَفْسَ عِلْمِ الْعَبْدِ لَا يَتَّصِفُ بِهِ الرَّبُّ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ، [بَلْ وَلَا يُمَاثِلُ هَذَا هَذَا] (¬6) ، ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: مُقَدَّرًا. (¬2) ذَكَرَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِي رِسَالَةِ " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ " (تَحْقِيقَ د. صَلَاحِ الدِّينِ الْمُنْجِدِ) ، ص 24 أَنَّ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ: " قَاعِدَةٌ فِي الْكُلِّيَّاتِ، مُجَلَّدٌ لَطِيفٌ "، وَذَكَرَهَا أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ "، ص 41. (¬3) بِذَلِكَ: لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬4) ب، أ: تُبُيِّنَ. (¬5) ب، أ، ن، م: وَأَنْ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ.

وَإِذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ (¬1) فِي مُسَمَّى الْعِلْمِ، وَالْعَالِمَانِ فِي مُسَمَّى الْعَالِمِ (¬2) ، فَمِثْلُ هَذَا التَّشْبِيهِ لَيْسَ هُوَ الْمَنْفِيَّ (¬3) لَا بِشَرْعٍ وَلَا بِعَقْلٍ، وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَفْيِ وُجُودِ الصَّانِعِ. ثُمَّ الْمَوْجُودُ وَالْمَعْدُومُ قَدْ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ وَهَذَا مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ (¬4) ، وَلَيْسَ فِي إِثْبَاتِ هَذَا مَحْذُورٌ، فَإِنَّ الْمَحْذُورَ إِثْبَاتُ شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَقَوْلُنَا: إِثْبَاتُ الْخَصَائِصِ إِنَّمَا يُرَادُ إِثْبَاتُ مِثْلِ تِلْكَ الْخَاصَّةِ، وَإِلَّا فَإِثْبَاتُ عَيْنِهَا مُمْتَنِعٌ مُطْلَقًا. فَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخْتَصُّ بِهِ الرَّبُّ، مِثْلُ الْإِلَهِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَثْبُتُ (¬5) لِلْعَبْدِ بِحَالٍ ; وَمِنْ هُنَا ضَلَّ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا. وَالثَّانِي: مَا يُوصَفُ بِهِ الْعَبْدُ فِي الْجُمْلَةِ، كَالْحَيِّ وَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعَبْدِ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ لِلرَّبِّ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَهُ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ لَهُ (¬6) لَلَزِمَ أَنْ يَجُوزَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. ¬

(¬1) ب، أ: الْعِلْمَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ع: الْعِلْمِ. (¬3) ب، أ: الْمَنْعَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب: فِي هَذَا وَهَذَا مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ ; أ: فِي هَذَا مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ وَهَذَا مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ ; ن، م: فِي أَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مَكْذُوبٌ وَهَذَا مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ. (¬5) ع: لَا يَثْبُتُ فِيهِ. (¬6) ع: لَوْ ثَبَتَ لَهُ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ ; أ: لَوْ ثَبَتَ مَا ثَبَتَ لَهُ ; ب، ن: لَوْ ثَبَتَ مِثْلُ مَا ثَبَتَ لَهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) .

وَإِذَا قِيلَ: فَهَذَا يَلْزَمُ (¬1) فِيمَا اتَّفَقَا فِيهِ، كَالْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ. قِيلَ: هَذِهِ الْأُمُورُ لَهَا ثَلَاثَةُ (¬2) اعْتِبَارَاتٍ: أَحَدُهَا: مَا يَخْتَصُّ بِهِ الرَّبُّ، فَهَذَا مَا يَجِبُ لَهُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ نَصِيبٌ. وَالثَّانِي: مَا يَخْتَصُّ بِالْعَبْدِ، كَعِلْمِ الْعَبْدِ وَقُدْرَتِهِ وَحَيَاتِهِ، فَهَذَا إِذَا جَازَ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ وَالْعَدَمُ (¬3) لَمْ يَتَعَلَّقْ ذَلِكَ بِعِلْمِ الرَّبِّ وَقُدْرَتِهِ وَحَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ. وَالثَّالِثُ: الْمُطْلَقُ الْكُلِّيُّ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، فَهَذَا الْمُطْلَقُ مَا كَانَ وَاجِبًا لَهُ كَانَ وَاجِبًا فِيهِمَا، وَمَا كَانَ جَائِزًا عَلَيْهِ كَانَ جَائِزًا عَلَيْهِمَا، وَمَا كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِمَا. فَالْوَاجِبُ أَنْ [يُقَالُ] (¬4) : هَذِهِ صِفَةُ كَمَالٍ حَيْثُ كَانَتْ، فَالْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ (¬5) وَالْقُدْرَةُ صِفَةُ كَمَالٍ لِكُلِّ مَوْصُوفٍ، وَالْجَائِزُ عَلَيْهِمَا اقْتِرَانُهُمَا (¬6) بِصِفَةٍ أُخْرَى كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ. فَهَذِهِ الصِّفَاتُ يَجُوزُ أَنْ تُقَارِنَ هَذِهِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَانَعٌ مِنْ جِهَةِ الْمَحَلِّ لَا مِنْ جِهَةِ الصِّفَةِ. وَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِمَا (¬7) فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَقُومَ هَذِهِ الصِّفَاتُ إِلَّا بِمَوْصُوفٍ ¬

(¬1) ن، م: فَهَلْ لَزِمَ. (¬2) فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ: ثَلَاثُ. (¬3) ب، أ: وَالْقِدَمُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) يُقَالُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) وَالْعِلْمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ب، أ، ن، م: وَالْجَائِزُ عَلَيْهَا اقْتِرَانُهَا، وَالْمَقْصُودُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِنْسَانُ. (¬7) ب، ن، م: عَلَيْهَا ; وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ع) ، (أ) .

عود إلى الكلام على لفظي المشبهة والحشوية

[قَائِمٍ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَيْهَا (¬1) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ صِفَاتُ اللَّهِ بِأَنْفُسِهَا بَلْ بِمَوْصُوفٍ] (¬2) ، وَكَذَلِكَ صِفَاتُ الْعِبَادِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ بِأَنْفُسِهَا بَلْ بِمَوْصُوفٍ. [عود إلى الكلام على لفظي المشبهة والحشوية] وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَقَوْلُ هَذَا الْمُصَنِّفِ وَأَشْبَاهِهِ: " قَوْلُ الْمُشَبِّهَةِ ": إِنْ أَرَادَ بِالْمُشَبِّهَةِ مَنْ أَثْبَتَ مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا يُسَمَّى بِهِ الرَّبُّ وَالْعَبْدُ فَطَائِفَتُهُ (¬3) وَجَمِيعُ النَّاسِ مُشَبِّهَةٌ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَنْ جَعَلَ صِفَاتِ الرَّبِّ مِثْلَ صِفَاتِ الْعَبْدِ: فَهَؤُلَاءِ مُبْطِلُونَ ضَالُّونَ، وَهُمْ فِي الشِّيعَةِ (¬4) أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِهِ مَنْ يُثْبِتُ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ (¬5) كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالِاسْتِوَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُ أَوَّلًا: لَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ (¬6) مِنَ التَّشْبِيهِ مَا امْتَازُوا بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لَيْسَتْ كَصِفَاتِ الْخَلْقِ، وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَمَّا يَخْتَصُّ بِالْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْحُدُوثِ وَالنَّقْصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ [هَذَا] تَشْبِيهًا (¬7) لِكَوْنِ الْعِبَادِ لَهُمْ مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، كَانَ جَمِيعُ الصِّفَاتِيَّةِ ¬

(¬1) ب، أ: يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا، وَسَقَطَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ب، أ: فَطَائِفَةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب: وَهُمْ فِيهِمْ ; ع: وَهَؤُلَاءِ فِي الشِّيعَةِ ; أ: وَهُمْ فِي (وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ الشِّيعَةِ) . (¬5) ب، أ: الْجُزْئِيَّةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن: لَيْسَ هَذَا فِي ; ع: لَيْسَ فِي هَذَا. (¬7) ب، أ، ن، م: وَإِنْ كَانَ تَشْبِيهًا.

الرد على قول: سموا مشبهة لأنهم يقولون إنه جسم من وجوه

مُشَبِّهَةً، بَلْ (¬1) وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْفَلَاسِفَةُ أَيْضًا مُشَبِّهَةً لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَيَقُولُونَ: مَوْجُودٌ وَحَقِيقَةٌ وَذَاتٌ وَنَفْسٌ، وَالْفَلَاسِفَةُ تَقُولُ: عَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ وَعَقْلٌ، وَلَذِيذٌ وَمُلْتَذٌّ (¬2) وَلَذَّةٌ، وَعَاشِقٌ وَمَعْشُوقٌ وَعِشْقٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ. [الرد على قول: سُمُّوا مُشَبِّهَةً لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ جِسْمٌ من وجوه] وَإِنْ قَالَ: سُمُّوا مُشَبِّهَةً لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ جِسْمٌ، وَالْأَجْسَامُ مُتَمَاثِلَةٌ، بِخِلَافِ مَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ: هُوَ جِسْمٌ. قِيلَ أَوَّلًا هَذَا بَاطِلٌ (¬3) لِأَنَّكَ ذَكَرْتَ الْكَرَّامِيَّةَ قِسْمًا غَيْرَهُمْ وَالْكَرَّامِيَّةُ تَقُولُ إِنَّهُ جِسْمٌ وَقِيلَ لَكَ ثَانِيًا: لَا يُطْلِقُ لَفْظَ الْجِسْمِ (¬4) إِلَّا أَئِمَّتُكَ الْإِمَامِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. وَقِيلَ لَكَ ثَالِثًا: فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ، وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ (¬5) : إِنَّهَا لَيْسَتْ مُتَمَاثِلَةً، وَالْقَائِلُونَ بِتَمَاثُلِهَا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ لَيْسَتْ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى تَمَاثُلِهَا أَصْلًا، كَمَا [قَدْ] بُسِطَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ (¬6) . ¬

(¬1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) ب، ا: وَمُتَلَذِّذٌ (¬3) ن: هَذَا مُمْتَنِعٌ. وَالْكَلَامُ فِي (م) مُضْطَرِبٌ. (¬4) ع: لَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الْجِسْمِ ; ن، م: لَا يُبْطِلُ لَفْظَ الْجِسْمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب، أ، ن: تَقُولُ. (¬6) ب: لَيْسَتْ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى تَمَاثُلِهَا كَمَا مَرَّ بَسْطُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ ; أ: لَيْسَتْ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى تَمَاثُلِهَا كَمَا أُقِرَّ بَسْطُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ ; ن: لَيْسَتْ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى تَمَاثُلِهَا أَصْلًا كَمَا بُسِطَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ ; ع: لَيْسَتْ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا كَمَا قَدْ بُسِطَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ ; م: مِثْلُ (ن) وَلَكِنْ لَمْ تَسْقُطْ " قَدْ " مِنْهَا.

وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ فُضَلَاؤُهُمْ، حَتَّى الْآمِدِيُّ فِي [كِتَابِ] " أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ " (¬1) اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ (¬2) لَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى تَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ إِلَّا تَمَاثُلَ الْجَوَاهِرِ، وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى تَمَاثُلِ الْجَوَاهِرِ، وَالْأَشْعَرِيُّ فِي " الْإِبَانَةِ " جَعَلَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّتِي أَبْطَلَهَا (¬3) . وَسَوَاءٌ كَانَ تَمَاثُلُهَا حَقًّا أَوْ بَاطِلًا فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ جِسْمٌ كَهِشَامِ [بْنِ الْحَكَمِ] (¬4) وَابْنِ كَرَّامٍ لَا (¬5) يَقُولُ بِتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ حَقِيقَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مِثْلَ شَيْءٍ (¬6) مِنَ الْحَقَائِقِ، فَهُمْ أَيْضًا يُنْكِرُونَ التَّشْبِيهَ، فَإِذَا وَصَفُوا [بِهِ] (¬7) لِاعْتِقَادِ الْوَاصِفِ أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُمْ، أَمْكَنَ كُلَّ طَائِفَةٍ أَنْ يَصِفُوا الْأُخْرَى بِالتَّشْبِيهِ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ لَازِمٌ لَهَا، فَالْمُعْتَزِلَةُ وَالشِّيعَةُ تُوَافِقُهُمْ [عَلَى] أَنَّ أَخَصَّ وَصْفِ الرَّبِّ (¬8) هُوَ الْقِدَمُ، وَأَنَّ مَا شَارَكَهُ فِي الْقِدَمِ فَهُوَ مِثْلُهُ، فَإِذَا أَثْبَتْنَا (¬9) صِفَةً قَدِيمَةً لَزِمَ التَّشْبِيهُ، وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ صِفَةً قَدِيمَةً فَهُوَ مُشَبِّهٌ، وَهُمْ يُسَمُّونَ جَمِيعَ مَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ مُشَبِّهًا بِنَاءً عَلَى هَذَا. ¬

(¬1) كِتَابِ: فِي (ع) فَقَطْ. وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ الثَّعْلَبِيُّ، سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/250. (¬2) ب، أ، ن، م: بِأَنَّهُمْ. (¬3) انْظُرِ " الْإِبَانَةَ "، ص [0 - 9] 7 - 38. (¬4) بْنِ الْحَكَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ب: لَيْسَتْ كَشَيْءٍ ; أ: لَيْسَتْ شَيْءٌ (وَسَقَطَتْ: مِثْلَ) . (¬7) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ب، أ: تُوَافِقُهُمْ أَنَّ أَحْصَبَ وَالرَّبَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَسَقَطَتْ " عَلَى " مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ب، أ: فَإِذَا أَثْبَتْنَا ; ن، م: وَإِذَا أَثْبَتْنَا.

أحمد بن حنبل ومحنة خلق القرآن

فَإِنْ قَالَ هَذَا (¬1) الْإِمَامِيُّ: فَأَنَا أَلْتَزِمُ هَذَا. قِيلَ لَهُ: تَنَاقَضْتَ، لِأَنَّكَ أَخْرَجْتَ الْأَشْعَرِيَّةَ وَالْكَرَّامِيَّةَ عَنِ الْمُشَبِّهَةِ فِي اصْطِلَاحِكَ، فَأَنْتَ تَتَكَلَّمُ بِأَلْفَاظٍ لَا تَفْهَمُ مَعْنَاهَا (¬2) وَلَا مَوَارِدَ اسْتِعْمَالِهَا، وَإِنَّمَا تَقُومُ بِنَفْسِكَ صُورَةٌ تَبْنِي [عَلَيْهَا] (¬3) . وَكَأَنَّكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَنَيْتَ بِالْحَشْوِيَّةِ الْمُشَبِّهَةِ (¬4) مَنْ بِبَغْدَادَ وَالْعِرَاقِ مِنَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، أَوِ الْحَنْبَلِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَهَذَا مِنْ جَهْلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْحَنْبَلِيَّةِ قَوْلٌ انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ [طَوَائِفِ] (¬5) أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بَلْ كُلُّ مَا يَقُولُونَهُ قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ مَا لَا يُوجَدُ فِيهِمْ. وَمَذْهَبُ (¬6) أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَذْهَبٌ قَدِيمٌ [مَعْرُوفٌ] (¬7) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ، فَإِنَّهُ مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَلَقَّوْهُ عَنْ نَبِيِّهِمْ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ كَانَ مُبْتَدِعًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ، وَمُتَنَازِعُونَ فِي إِجْمَاعِ مَنْ بَعْدِهِمْ. [أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ومحنة خلق القرآن] وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اشْتُهِرَ بِإِمَامَةِ السُّنَّةِ (¬8) وَالصَّبْرِ فِي ¬

(¬1) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (م) . (¬2) ب، أ، ن، م: فَإِنَّكَ تَتَكَلَّمُ بِأَلْفَاظٍ لَا يُفْهَمُ (ن: لَا تُفْهَمُ) مَعَانِيهَا. (¬3) عَلَيْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ع: بِالْمُشَبِّهَةِ الْحَشْوِيَّةِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬6) ب، أ: وَمِنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) مَعْرُوفٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) ب: بِأُمَّةِ السُّنَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; ن: بِإِمَامَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (أ) ، (م) .

الْمِحْنَةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِقَوْلٍ أَوِ ابْتَدَعَ قَوْلًا، بَلْ لِأَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً مَعْرُوفَةً قَبْلَهُ عَلِمَهَا وَدَعَا إِلَيْهَا وَصَبَرَ عَلَى مَنِ امْتَحَنَهُ لِيُفَارِقَهَا (¬1) ، وَكَانَ الْأَئِمَّةُ قَبْلَهُ (¬2) قَدْ مَاتُوا قَبْلَ الْمِحْنَةِ، فَلَمَّا وَقَعَتْ مِحْنَةُ الْجَهْمِيَّةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ (¬3) - عَلَى عَهْدِ الْمَأْمُونِ وَأَخِيهِ الْمُعْتَصِمِ ثُمَّ الْوَاثِقِ - وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَى التَّجَهُّمِ وَإِبْطَالِ صِفَاتِ اللَّهِ ¬

(¬1) ب: عَلَى مَا امْتُحِنَ بِهِ لِيُفَارِقَهَا ; أ: عَلَى مَا امْتَحَنَهُ لِيُفَارِقَهَا. (¬2) ب، أ: قَبْلَ. (¬3) ع: فِي أَوَّلِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ. وَفِي (ع) فَوْقَ عِبَارَةِ " فِي أَوَّلِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ " إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ حَيْثُ كُتِبَ التَّعْلِيقُ التَّالِي: " قُلْتُ: وَالْعَجَبُ أَنَّ الشَّارِحَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ مَعَ تَبَحُّرِهِ وَتَتَبُّعِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ أَخْطَأَ بِهَذَا، إِذِ التَّجَهُّمُ كَانَ أَقْدَمَ مِنْ هَذَا التَّارِيخِ بِكَثِيرٍ. وَكَانَ مِنْ وِلَادَةِ إِمَامِنَا أَبِي حَنِيفَةَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَوَفَاتِهِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَقَدِ اشْتُهِرَ مَذْهَبُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ التِّرْمِذِيِّ فِي عَهْدِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتَصَدَّى الْمُنَاظَرَةَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ مُتَّبِعِي جَهْمٍ وَالْمُوَافِقَةُ مَعَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَظَنِّي أَنَّهُ فَشَا هَذَا الْمَذْهَبُ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الْأُولَى، فَمَذْهَبُ الْخَوَارِجِ وَالِاعْتِزَالِ ظَهَرَا وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي الْحَيَاةِ، مِثْلُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، حَتَّى تَصَدَّى لِرَدِّ الْخَوَارِجِ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَتَصَدَّى لِرَدِّ الِاعْتِزَالِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. فَبَعْدَ مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ فَشَا هَذَا الْمَذْهَبُ، لَعَلَّ ذَلِكَ سَنَةَ سِتِّينَ، إِذْ ظَهَرَ لَهُ أَشْيَاعٌ وَأَتْبَاعٌ حَتَّى تَصَدَّى الْمُنَاظَرَةَ وَالْمُوَافَقَةُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ مُتَّبِعِيهِ، حَتَّى ذُكِرَ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ وَاحِدَةً مِنَ النِّسْوَةِ مِنْ شِيعَتِهِ تَصَدَّتْ لِإِلْزَامِ الْإِمَامِ ادِّعَاءَ الِاسْتِقَامَةِ لِمَذْهَبِ جَهْمٍ وَفَسَادَ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ، فَأَظْهَرَتْ تَشْنِيعَاتٍ قَبِيحَةً عَلَى وَجْهِ الْإِمَامِ، وَنُسِبَتْ إِيَّاهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى الْعَظَائِمِ. وَغَايَةُ الْكَلَامِ مِنْ طَرَفِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ مُوَافِقَةٌ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ لَهُمْ، مَعَ مَا يُخَالِفُهُمْ مُخَالَفَةً بَيِّنَةً فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَكَذَا يُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ، إِذِ الْجَهْمِيَّةُ عَلَى الْجَبْرِ الْمَحْضِ وَعَلَى نَفْيِ الْعِلَلِ وَالْأَغْرَاضِ فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى ". قُلْتُ: وَابْنُ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ حَدَثَتْ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ وَإِنَّ أَوَّلَ الْجَهْمِيَّةِ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ (الْمَقْتُولُ نَحْوَ سَنَةِ 118) وَإِنَّمَا صَارَ لِلْجَهْمِيَّةِ ظُهُورٌ وَشَوْكَةٌ فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ. وَانْظُرْ كَلَامَهُ فِي " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " 5/244 - 245.

تَعَالَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الرَّافِضَةِ، وَكَانُوا قَدْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ مَنْ أَدْخَلُوهُ مِنْ [وُلَاةِ الْأُمُورِ (¬1) ، فَلَمْ يُوَافِقْهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، حَتَّى تَهَدَّدُوا (¬2) بَعْضَهُمْ بِالْقَتْلِ، وَقَيَّدُوا بَعْضَهُمْ، وَعَاقَبُوهُمْ (وَأَخَذُوهُمْ) (¬3) بِالرَّهْبَةِ وَالرَّغْبَةِ، وَثَبَتَ] (¬4) الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (¬5) عَلَى ذَلِكَ [الْأَمْرِ] (¬6) حَتَّى حَبَسُوهُ مُدَّةً، ثُمَّ طَلَبُوا أَصْحَابَهُمْ لِمُنَاظَرَتِهِ، فَانْقَطَعُوا مَعَهُ فِي الْمُنَاظَرَةِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَلَمْ يَأْتُوا (¬7) بِمَا يُوجِبُ مُوَافَقَتَهُ لَهُمْ، [بَلْ] بَيَّنَ خَطَأَهُمْ (¬8) فِيمَا ذَكَرُوهُ (¬9) مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَكَانُوا قَدْ طَلَبُوا لَهُ (¬10) أَئِمَّةَ الْكَلَامِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهِمْ، مِثْلِ أَبِي عِيسَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بُرْغُوثٍ صَاحِبِ حُسَيْنٍ النَّجَّارِ (¬11) وَأَمْثَالِهِ، وَلَمْ تَكُنِ الْمُنَاظَرَةُ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَطْ، بَلْ كَانَتْ ¬

(¬1) ب، أ: الْأَمْرِ. (¬2) ب، أ: هَدَّدُوا. (¬3) وَأَخَذُوهُمْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) إِلَّا كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةً هِيَ: مِنْ وَلِيٍّ فَلَمْ يُوَافِقْهُمْ. (¬5) ب، أ: وَثَبَتَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ; ع: وَثَبَتَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ ; ن، م: الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. (¬6) الْأَمْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (ن) ، (م) . (¬7) ب، أ: وَلَمَّا لَمْ يَأْتُوا ; ن: وَلَمَّا يَأْتُوا، م: وَلَمَّا وَلَمَّا يَأْتُوا. (¬8) ب، أ، ن، م: وَبَيَّنَ خَطَأَهُمْ. (¬9) ب، أ: فِيمَا ذَكَرُوا ; ن: فِيمَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬11) ن، م: أَبِي عِيسَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ بُرْغُوثٍ. . إِلَخْ وَهُوَ خَطَأٌ. وَلَمْ أَجِدْ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ مَرَاجِعَ شَيْئًا عَنْ تَارِيخِ مَوْلِدِهِ وَوَفَاتِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَتْ كُتُبُ الْفِرَقِ الْكَثِيرَ عَنْ آرَائِهِ وَمَذْهَبِهِ. فَالْأَشْعَرِيُّ يَذْكُرُ آرَاءَهُ (الْمَقَالَاتِ 1/316) وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُتَوَلِّدَةَ فِعْلُ اللَّهُ بِإِيجَابِ الطَّبْعِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي التَّوْحِيدِ بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا فِي بَابِ الْإِرَادَةِ وَالْجُودِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُخَالِفُهُمْ فِي الْقَدَرِ وَيَقُولُ بِالْإِرْجَاءِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ غَيْرَ عَاجِزٍ عَنِ الْكَلَامِ وَلَكِنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُحْدَثٌ وَمَخْلُوقٌ. وَانْظُرْ عَنْ آرَائِهِ وَمَذْهَبِهِ أَيْضًا: الْمَقَالَاتِ 2/198، 207 - 208 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/81 - 82 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 126 - 127 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ ص 62 ; الْفِصَلَ لِابْنِ حَزْمٍ 3/33 ; الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، ص 98 ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَادَّةَ " الْبُرْغُوثِيَّةِ " ; الْمُنْيَةَ وَالْأَمَلَ لِابْنِ الْمُرْتَضَى، ص 27. watt (.) free will، pp -) 111، 110 128 - 129. London، 1948.

مَعَ جِنْسِ الْجَهْمِيَّةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ [وَالنَّجَّارِيَّةِ] (¬1) وَالضِّرَارِيَّةِ وَأَنْوَاعِ الْمُرْجِئَةِ، فَكُلُّ مُعْتَزِلِيٍّ جَهْمِيٌّ وَلَيْسَ كُلُّ جَهْمِيٍّ مُعْتَزِلِيًّا، [لَكِنْ جَهْمٌ أَشَدُّ تَعْطِيلًا؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ تَنْفِي الصِّفَاتِ دُونَ الْأَسْمَاءِ] (¬2) . وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ كَانَ مِنَ الْمُرْجِئَةِ، لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، بَلْ كَانَ مِنْ كِبَارِ (¬3) . ¬

(¬1) وَالنَّجَّارِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) دُونَ الْأَسْمَاءِ: فِي (ع) فَقَطْ. وَسَقَطَ مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِشْرُ بْنُ غِيَاثِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَرِيسِيُّ، الْعَدَوِيُّ بِالْوَلَاءِ، كَانَ جَدُّهُ مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقِيلَ إِنَّ أَبَاهُ كَانَ يَهُودِيًّا قَصَّارًا صَبَّاغًا بِالْكُوفَةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فَبَرَعَ، وَأَتْقَنَ عِلْمَ الْكَلَامِ، ثُمَّ جَرَّدَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَاظَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُدْرِكِ الْجَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ إِنَّمَا أَخَذَ مَقَالَتَهُ وَاحْتَجَّ لَهَا وَدَعَا إِلَيْهَا ". وَهُوَ رَأْسُ طَائِفَةِ الْمَرِيسِيَّةِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ وَأَنَّ التَّصْدِيقَ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ جَمِيعًا، وَقَالَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ إِنَّ مَذْهَبَ الْمَرِيسِيِّ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَذْهَبِ النَّجَّارِ وَبُرْغُوثٍ وَأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا كَوْنَهُ تَعَالَى مُرِيدًا لَمْ يَزَلْ لِكُلِّ مَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَحْدُثُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَإِيمَانٍ وَكُفْرٍ وَطَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ. وَقَدْ تُوُفِّيَ بِشْرٌ سَنَةَ 218 وَقِيلَ: 219، وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَتِهِ فَقِيلَ إِنَّهُ يُنْسَبُ إِلَى قَرْيَةَ مَرِيسٍ بِصَعِيدِ مِصْرَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمَذْهَبَهُ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 2/29 - 31 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/251 - 252 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 7/56 - 67 ; الْأَعْلَامِ 2/27 - 28 ; الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 124 ; التَّبْصِيرِ فِي الدِّينِ، ص 61 ; الْخِطَطِ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/350 ; الْفِصَلِ لِابْنِ حَزْمٍ 3/33، 4/80 ; دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَقَالَةِ كَارَادِي فُو عَنْ " بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ ". وَانْظُرْ كِتَابَ " الرَّدِّ عَلَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ " لِلدَّارِمِيِّ ; تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ 4/27 - 28 ; سِزْكِينَ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص 65 - 66 وَكَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) : " وَقَدْ شَاعَ عَنْهُ أَنَّهُ (كَانَ) يَلْعَنُ الْمُعْتَزِلَةَ لِقَوْلِهِمْ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ ".

وَظَهَرَ لِلْخَلِيفَةِ الْمُعْتَصِمِ أَمْرَهُمْ، وَعَزَمَ عَلَى رَفْعِ الْمِحْنَةِ، حَتَّى أَلَحَّ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ (¬1) يُشِيرُ عَلَيْهِ: إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَضْرِبْهُ [وَإِلَّا] انْكَسَرَ (¬2) نَامُوسُ الْخِلَافَةِ، فَضَرَبَهُ (¬3) ، فَعَظُمَتِ الشَّنَاعَةُ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَأَطْلَقُوهُ. ثُمَّ صَارَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ سَبَبًا فِي الْبَحْثِ عَنْ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ، وَمَا فِيهَا مِنَ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ وَالشُّبُهَاتِ مِنْ جَانِبَيِ الْمُثْبِتَةِ وَالنُّفَاةِ لِلصِّفَاتِ (¬4) ، وَصَنَّفَ (¬5) النَّاسُ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٍ. وَأَحْمَدُ (¬6) وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ (¬7) السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مَا زَالُوا يَعْرِفُونَ فَسَادَ ¬

(¬1) ن، م:. . دَاوُدَ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ بْنِ جَرِيرِ بْنِ مَالِكٍ الْإِيَادِيِّ الْقَاضِي، وُلِدَ سَنَةَ 160 وَقَدِمَ بِهِ أَبُوهُ وَهُوَ حَدَثٌ مِنْ بَلْدَتِهِمْ قِنَّسْرِينَ إِلَى دِمَشْقَ فَطَلَبَ الْعِلْمَ وَصَحِبَ هَيَّاجِ بْنِ الْعَلَاءِ السُّلَمِيِّ مِنْ أَصْحَابِ وَاصِلِ بْنِ عَطَاءٍ فَصَارَ إِلَى الِاعْتِزَالِ. اتَّصَلَ بِالْمَأْمُونِ وَالْمُعْتَصِمِ وَالْوَاثِقِ وَكَانَ مُقَرَّبًا عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى امْتِحَانِ النَّاسِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَتُوُفِّيَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ سَنَةَ 240 بِبَغْدَادَ مَفْلُوجًا. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/63 - 75 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 4/141 - 156 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 1/171 ; الْمُنْيَةِ وَالْأَمَلِ لِابْنِ الْمُرْتَضَى، ص [0 - 9] 8 - 36 ; الْأَعْلَامِ 1/120. (¬2) ن، م: بِأَنَّكَ إِنْ لَمْ تَضْرِبْهُ انْكَسَرَ. (¬3) انْظُرْ خَبَرَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَعَ الْمُعْتَصِمِ فِي " مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، الْبَابُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ " ص 397 - 420، وَفِيهِ (ص 405 - 406) أَنَّ الْمُعْتَصِمَ رَقَّ فِي أَمْرِ أَحْمَدَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: إِنْ تَرَكْتَهُ قِيلَ إِنَّكَ تَرَكْتَ مَذْهَبَ الْمَأْمُونِ وَسَخِطْتَ قَوْلَهُ، فَهَاجَهُ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبِهِ. (¬4) لِلصِّفَاتِ: زِيَادَةٌ فِي (م) . وَفِي (ن) : الْمُثْبِتَةِ وَالصِّفَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب، أ: وَصَنَّفَتِ. (¬6) ع: وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬7) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (م) .

مَذْهَبِ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَلَكِنْ بِسَبَبِ الْمِحْنَةِ كَثُرَ الْكَلَامُ، وَرَفَعَ اللَّهُ قَدْرَ هَذَا الْإِمَامِ، فَصَارَ إِمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ (¬1) ، وَعَلَمًا مِنْ أَعْلَامِهَا، [لِقِيَامِهِ بِإِعْلَامِهَا] (¬2) وَإِظْهَارِهَا، وَاطِّلَاعِهِ عَلَى نُصُوصِهَا وَآثَارِهَا، وَبَيَانِهِ لِخَفِيِّ أَسْرَارِهَا (¬3) ، لَا لِأَنَّهُ أَحْدَثَ مَقَالَةً أَوِ ابْتَدَعَ رَأْيًا (¬4) . وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَغْرِبِ (¬5) : الْمَذْهَبُ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَالظُّهُورُ لِأَحْمَدَ ; يَعْنِي أَنَّ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُصُولِ (¬6) مَذْهَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَتَخْصِيصُ (¬7) الْكَلَامِ مِنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ وَالِاعْتِزَالِ، كَتَخْصِيصِهِ (¬8) بِالْكَلَامِ مَعَهُ فِي مَسَائِلِ الْخَوَارِجِ الْحَرُورِيَّةِ، بَلْ فِي نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَالْخِطَابُ بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ فِيمَا أَخْبَرَ [بِهِ] (¬9) ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ [بِهِ] (¬10) ، قَدْ شَمِلَ جَمِيعَ الْعِبَادِ، وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَأَسْعَدُهُمْ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ وَأَتْبَعُهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ (¬11) ، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ فِي الْحَنْبَلِيَّةِ - أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ طَوَائِفِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السَّلَفِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) ب، أ: وَبَيَانِ خَفِيِّ أَسْرَارِهَا ; ن، م: وَبَيَانِ حُسْنِ أَسْرَارِهَا. (¬4) ب، أ: لَا أَنَّهُ أَحْدَثَ مَقَالَةً وَلَا ابْتَدَعَ رَأْيًا ; ن، م: لَا لِأَنَّهُ أَحْدَثَ مَقَالَةً وَلَا ابْتَدَعَ رَأْيًا. (¬5) ب، أ: الْغَرْبِ. (¬6) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) بِقَوْلِهِ: " يَعْنِي فِي الْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ وَالِاعْتِقَادَاتِ ". (¬7) ب، أ: فَتَخْصِيصُهُ ; ن: فَتَخَصُّصُ. (¬8) ن: الْمُتَخَصِّصَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) بِهِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬10) بِهِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬11) ب، أ: عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَاسْقُهُمْ وَأَطْوَعُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

أَهْلِ السُّنَّةِ - مَنْ قَالَ أَقْوَالًا بَاطِلَةً، لَمْ يَبْطُلْ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ، بَلْ يُرَدُّ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْبَاطِلَ، وَتُنْصَرُ السُّنَّةُ بِالدَّلَائِلِ (¬1) . وَلَكِنَّ الرَّافِضِيَّ أَخَذَ يَنْكُتُ (¬2) عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ بِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ يُجَرِّحُهَا بِهِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، ظَانًّا أَنَّ طَائِفَتَهُ هِيَ السَّلِيمَةُ مِنَ الْجَرْحِ (¬3) . وَقَدِ اتَّفَقَ عُقَلَاءُ (¬4) الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي [طَائِفَةٍ مِنْ] (¬5) طَوَائِفِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَكْثَرُ جَهْلًا وَضَلَالًا وَكَذِبًا وَبِدَعًا، وَأَقْرَبُ إِلَى كُلِّ شَرٍّ، وَأَبْعَدُ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ مِنْ طَائِفَتِهِ. وَلِهَذَا لَمَّا صَنَّفَ الْأَشْعَرِيُّ كِتَابَهُ فِي " الْمَقَالَاتِ " ذَكَرَ أَوَّلًا مَقَالَتَهُمْ، وَخَتَمَ بِمَقَالَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ بِكُلِّ مَا ذَكَرَ مِنْ أَقْوَالِ (¬6) أَهْلِ السُّنَّةِ [وَالْحَدِيثِ] (¬7) يَقُولُ، وَإِلَيْهِ يَذْهَبُ (¬8) . وَتَسْمِيَةُ هَذَا الرَّافِضِيِّ - وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ مُعَطِّلَةِ الصِّفَاتِ - لِأَهْلِ الْإِثْبَاتِ مُشَبِّهَةً كَتَسْمِيَتِهِمْ لِمَنْ أَثْبَتَ خِلَافَةَ [الْخُلَفَاءِ] (¬9) الثَّلَاثَةَ نَاصِبِيًّا (¬10) بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا اعْتَقَدُوا (¬11) أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِعَلِيٍّ إِلَّا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ ¬

(¬1) ن، م: بِالدَّلِيلِ. (¬2) ن، م: يُنْكِرُ. (¬3) ن، م: مِنَ الْجُرُوحِ. (¬4) ن: عُلَمَاءُ. (¬5) طَائِفَةٍ مِنْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬6) ن: مِنْ قَوْلِ ; م: مِنْ أُصُولِ. (¬7) وَالْحَدِيثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) انْظُرِ الْمَقَالَاتِ 1/65 وَمَا بَعْدَهَا، 320 - 225. (¬9) الْخُلَفَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) انْظُرْ مَا سَبَقَ فِي شَرْحِ مَعْنَى كَلِمَةِ " نَاصِبِيَّةٍ " 2/53 (ت 1) . (¬11) ب، أ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ لَمَّا اعْتَقَدُوا. . . إِلَخْ.

هَؤُلَاءِ، جَعَلُوا كُلَّ مَنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ هَؤُلَاءِ نَاصِبِيًّا، كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْقَدَمَيْنِ (¬1) مُتَمَاثِلَانِ، أَوْ أَنَّ الْجِسْمَيْنِ مُتَمَاثِلَانِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالُوا: إِنَّ مُثْبِتَةَ الصِّفَاتِ مُشَبِّهَةٌ. فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ هَذَا (¬2) : إِنْ كَانَ مُرَادُكَ بِالنَّصْبِ وَالتَّشْبِيهِ بُغْضَ عَلِيٍّ وَأَهْلِ الْبَيْتِ، وَجَعْلَ صِفَاتِ الرَّبِّ مِثْلَ صِفَاتِ الْعَبْدِ (¬3) ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَيْسُوا نَاصِبِيَّةً وَلَا مُشَبِّهَةً. وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ (¬4) بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يُوَالُونَ الْخُلَفَاءَ (¬5) ، وَيُثْبِتُونَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَسَمِّ هَذَا بِمَا شِئْتَ، إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. وَالْمَدْحُ وَالذَّمُّ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ إِذَا كَانَ لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، كَلَفْظِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ. ثُمَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَمْدَحَ أَوْ يَذُمَّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ دُخُولَ الْمَمْدُوحِ وَالْمَذْمُومِ فِي تِلْكَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي عَلَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهَا الْمَدْحَ وَالذَّمَّ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الِاسْمُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَدُخُولُ الدَّاخِلِ فِيهِ مِمَّا يُنَازَعُ فِيهِ الْمَدْخَلُ، بَطَلَتْ كُلٌّ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَكَانَ (¬6) هَذَا الْكَلَامُ مِمَّا لَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ. ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: الْقَدِيمَيْنِ. (¬2) ب: ذَلِكَ، وَسَقَطَتْ " هَذَا " مِنْ (أ) . (¬3) ب، أ، ن، م: صِفَاتِ الْعَبْدِ مِثْلَ صِفَاتِ الرَّبِّ. (¬4) ن، م: وَإِنْ أَنْتَ تُرِيدُ. . (¬5) ن، م: الْخُلَفَاءَ الثَّلَاثَةَ. (¬6) ب، أ، ن، م: فَكَانَ.

وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ " نَاصِبِيَّةٍ " (¬1) وَلَا " مُشَبِّهَةٍ " وَلَا " حَشْوِيَّةٍ " وَلَا فِيهِ أَيْضًا لَفْظُ " رَافِضَةٍ ". وَنَحْنُ إِذَا قُلْنَا " رَافِضَةً " نَذْكُرُهُ لِلتَّعْرِيفِ، لِأَنَّ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمَ يَدْخُلُ فِيهِ أَنْوَاعٌ مَذْمُومَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَكْذِيبِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ، وَمُعَادَاةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ - بَلْ خِيَارِ أَوْلِيَائِهِ - وَمُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ، كَمَا تُبَيِّنُ وُجُوهُ الذَّمِّ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعُمَّهُمْ مَعْنًى مَذْمُومٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِحَالٍ كَمَا يَعُمُّ الرَّافِضَةَ. نَعَمْ يُوجَدُ فِي بَعْضِهِمْ مَا هُوَ مَذْمُومٌ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ذَمُّهُمْ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مَذْمُومٌ لِذَنْبٍ رَكِبَهُ، لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ (¬2) ذَمُّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ الْقَائِمِينَ (¬3) بِوَاجِبَاتِهِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ (¬4) أَنْ يُقَالَ: أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ جِسْمٌ أَوْ لَيْسَ بِجِسْمٍ، فَهَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَقْلِيَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّاسَ فَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ، وَوَقْفٍ، وَتَفْصِيلٍ (¬5) ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ. وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ أَبُو عِيسَى بُرْغُوثٌ لِأَحْمَدَ هَذَا فِي مُنَاظَرَتِهِ إِيَّاهُ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قُلْتَ إِنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جِسْمًا ; لِأَنَّ ¬

(¬1) ب، أ: نَاصِبَةٍ. (¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ب، أ: الْقَائِلِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب، أ: الثَّالِثُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَبَدَأَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، ص 594. (¬5) ن: وَتَفْضِيلٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الْقُرْآنَ صِفَةٌ وَعَرَضٌ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِفِعْلٍ، وَالصِّفَاتُ وَالْأَعْرَاضُ وَالْأَفْعَالُ لَا تَقُومُ إِلَّا بِالْأَجْسَامِ، أَجَابَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَحَدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُدْرَى مَقْصُودُ صَاحِبِهِ بِهِ، فَلَا نُطْلِقُهُ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا. أَمَّا (¬1) مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬2) وَسَلَفَ الْأُمَّةِ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِذَلِكَ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، فَلَا قَالُوا (¬3) : هُوَ جِسْمٌ، وَلَا قَالُوا: [هُوَ] (¬4) لَيْسَ بِجِسْمٍ. وَلَمَّا سَلَكَ مَنْ سَلَكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، وَدَخَلُوا فِي هَذَا الْكَلَامِ، ذَمَّ السَّلَفُ (¬5) الْكَلَامَ وَأَهْلَهُ، حَتَّى قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الدِّينِ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ (¬6) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَيُقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ (¬7) ، وَقَالَ: لَقَدِ اطَّلَعْتُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ عَلَى شَيْءٍ مَا ظَنَنْتُ مُسْلِمًا يَقُولُهُ، ¬

(¬1) ب، أ: إِلَّا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب، أ: فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ. (¬3) ب: فَمَا قَالُوا ; أ: فَلَمَّا قَالُوا ; ن، م: وَلَا قَالُوا. (¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مَنَّ (ن) ، (م) . (¬5) السَّلَفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِنَصِّهَا هَذَا فِي كِتَابِ " ذَمِّ الْكَلَامِ " لِلْهَرَوِيِّ الْأَنْصَارِيِّ وَنَقَلَهَا عَنْهُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ " صَوْنِ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ عَنْ فَنِّ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ "، ص 60، وَسَبَقَ وُرُودُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ قَبْلُ 2/142. وَلَكِنْ جَاءَ فِيهَا: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ، وَانْظُرْ (ت 2) . (¬7) سَبَقَ وُرُودُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ 2/142 وَذُكِرَتْ فِي (ت 3) مَكَانِهَا فِي الْمَرْجِعِ السَّابِقِ. وَوَرَدَتْ فِيهِ أَيْضًا، ص 35. وَهِيَ وَارِدَةٌ كَذَلِكَ فِي " تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، ص 82 - 83.

وَلَأَنْ يُبْتَلَى الْعَبْدُ بِكُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ (¬1) مَا خَلَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُبْتَلَى بِالْكَلَامِ (¬2) . وَقَدْ صُنِّفَتْ (¬3) فِي ذَمِّهِمْ مُصَنَّفَاتٌ مِثْلُ كِتَابِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ (¬4) ، وَكِتَابِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيِّ (¬5) وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُجْمَلٌ يُدْخِلُ فِيهِ نَافِيهِ (¬6) مَعَانِيَ يَجِبُ إِثْبَاتُهَا لِلَّهِ، وَيُدْخِلُ فِيهِ مُثْبِتُهُ (¬7) مَا يُنَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يُدْرَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ [بِهِ لَمْ يُنْفَ وَلَمْ يُثْبَتْ، وَإِذَا فُسِّرَ] (¬8) مُرَادُهُ قُبِلَ الْحَقُّ وَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبَارَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَرُدَّ الْبَاطِلُ، وَإِنْ تَكَلُّمَ بِلَفْظٍ لَمْ يَرِدْ عَنِ الشَّارِعِ ¬

(¬1) م: وَلَأَنْ يَبْتَلِي اللَّهُ الْعَبْدَ بِكُلِّ مَا نَهَاهُ عَنْهُ. (¬2) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ " جَامِعِ بَيَانِ الْعَلَمِ وَفَضْلِهِ "، 2/95: " وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَوْمَ نَاظَرَهُ حَفْصٌ الْفَرْدُ قَالَ لِي: يَا أَبَا مُوسَى لَأَنْ يَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَبْدَ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ، لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ حَفْصٍ كَلَامًا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَحْكِيَهُ ". وَنَقَلَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ عَنْهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْمَرْجِعِ السَّابِقِ، ص [0 - 9] 36. كَمَا نَقَلَ بَعْضَ هَذَا الْكَلَامِ (ص [0 - 9] 6) عَنِ الْأَنْصَارِيِّ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِهِ " ذَمِّ الْكَلَامِ ". وَوَرَدَ جُزْءٌ مِنْ عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ، ص 82. (¬3) ب، أ، م: صُنِّفَ. وَفِي (ن) : وَهُوَ صُنِّفَ. (¬4) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/469 وَذَكَرَ سِزْكِينُ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 84 مِنْ كُتُبِهِ كِتَابَ " الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكَلَامِ " وَقَالَ إِنَّ نُسْخَةً خَطِّيَّةً مِنْهُ فِي الظَّاهِرِيَّةِ بِدِمَشْقَ. (¬5) هُوَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَرَوِيُّ الْأَنْصَارِيُّ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/435. وَالْكِتَابُ الَّذِي يَقْصِدُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا كِتَابُ " ذَمِّ الْكَلَامِ وَأَهْلِهِ " وَقَدْ لَخَّصَهُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِ " صَوْنِ الْمَنْطِقِ. . . ص [0 - 9] 3 - 81 ". وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي مَكْتَبَةِ الظَّاهِرِيَّةِ رَقْمَ 337 حَدِيثٌ وَصُوِّرَتِ الْمَخْطُوطَةُ فِي مَعْهَدِ الْمَخْطُوطَاتِ بِالْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ (رَقْمِ 97 تَوْحِيدٌ) . (¬6) ب، أ، ن، م: مَا فِيهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ب، أ: مُثْبِتَتُهُ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَسَقَطَتْ وَلَمْ يَنْفِ مِنْ (م) .

لِلْحَاجَةِ إِلَى إِفْهَامِ الْمُخَاطَبِ بِلُغَتِهِ مَعَ ظُهُورِ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ [بَأْسٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ] (¬1) تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ لِلْحَاجَةِ إِلَى الْإِفْهَامِ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ قَدْ تَعَوَّدَ عِبَارَةً مُعَيَّنَةً إِنْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا لَمْ يَفْهَمْ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ (¬2) صِحَّةُ الْقَوْلِ وَفَسَادُهُ، وَرُبَّمَا نَسَبَ الْمُخَاطِبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا يَقُولُ. وَأَكْثَرُ الْخَائِضِينَ فِي الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ: تَرَى أَحَدَهُمْ يَذْكُرُ لَهُ (¬3) الْمَعَانِيَ الصَّحِيحَةَ بِالنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَقْبَلُونَهَا لِظَنِّهِمْ أَنَّ فِي عِبَارَتِهِمْ مِنَ الْمَعَانِي مَا لَيْسَ فِي تِلْكَ، فَإِذَا أَخَذَ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَصِيغَ (¬4) بِلُغَتِهِمْ، وَبُيِّنَ بِهِ (¬5) بُطْلَانُ قَوْلِهِمُ الْمُنَاقِضِ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، خَضَعُوا لِذَلِكَ (¬6) وَأَذْعَنُوا لَهُ، كَالتُّرْكِيِّ وَالْبَرْبَرِيِّ [وَالرُّومِيِّ] (¬7) وَالْفَارِسِيِّ الَّذِي يُخَاطِبُهُ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَيُفَسِّرُهُ فَلَا يَفْهَمُهُ حَتَّى يُتَرْجِمَ لَهُ شَيْئًا بِلُغَتِهِ (¬8) فَيَعْظُمَ سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ، وَيَقْبَلَ الْحَقَّ وَيَرْجِعَ عَنْ بَاطِلِهِ، لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ أَكْمَلُ الْمَعَانِي وَأَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا، لَكِنْ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى كَمَالِ الْمَعْرِفَةِ لِهَذَا وَلِهَذَا، كَالتُّرْجُمَانِ الَّذِي [يُرِيدُ أَنْ] يَكُونَ حَاذِقًا فِي فَهْمِ اللُّغَتَيْنِ (¬9) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ: سَقَطَتِ الْعِبَارَةُ كُلُّهَا مِنْ (ب) وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " وَلَمْ يَظْهَرْ " مِنْ (أ) . (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) ب، أ: وَسِعَ ; ن: وَضُيِّعَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) . (¬5) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ع: خَضَعُوا لَهُ. (¬7) وَالرُّومِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ب: الَّذِي تُخَاطِبُهُ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَتَفْسِيرِهِ فَلَا يَفْهَمُ حَتَّى تُتَرْجِمَ لَهُ شَيْئًا بِلُغَتِهِ ; أ: الَّذِي يُخَاطِبُهُ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَتَفْسِيرِهِ فَلَا يَفْهَمُ حَتَّى يُتَرْجِمَ لَهُ شَيْئًا بِلُغَتِهِ ; ن، م: الَّذِي يُخَاطِبُهُ بِالْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَتَفْسِيرِهِ وَلَا يَفْهَمُهُ حَتَّى يُتَرْجِمَ لَهُ شَيْئًا بِلُغَتِهِ. (¬9) ن، م: الَّذِي يَكُونُ حَاذِقًا فِي فَهْمِ اللُّغَتَيْنِ.

وَهَذَا الْإِمَامِيُّ يُنَاظِرُ فِي ذَلِكَ أَئِمَّتَهُ كَهِشَامِ [بْنِ الْحَكَمِ] (¬1) وَأَمْثَالِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْطَعَهُمْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، كَمَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْطَعَ الْخَوَارِجَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُجَسِّمَةِ مِنَ الْفَسَادِ مَا فِيهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَّا أَهْلُ السُّنَّةِ. وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِثَالًا (¬2) فَنَقُولُ: أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا وَيُرَى فِي الْآخِرَةِ، [لَمْ يَتَنَازَعْ أَهْلُ السُّنَّةِ إِلَّا فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَعَ أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بِعَيْنِهِ فِي الدُّنْيَا مُطْلَقًا] (¬3) ] ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ (¬4) يُرَى فِي الدُّنْيَا، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَرُدُّونَ عَلَى هَذَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِثْلُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬5) مُنِعَ مِنْهَا، فَمَنْ هُوَ دُونَهُ أَوْلَى، وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ» " [رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ] (¬6) ، وَبِطُرُقٍ عَقْلِيَّةٍ: كَبَيَانِهِمْ عَجْزَ الْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا عَنِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) ابْنِ الْحَكَمِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) عِبَارَةُ " نَذْكُرُ مِثَالًا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب، أ: إِنَّهُ. (¬5) عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَكَلِمَةُ " مُتَعَدِّدَةٍ ": فِي (ع) فَقَطْ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَنِ الْحَدِيثِ 2/520. وَقَدْ وَجَدْتُهُ مَرْوِيًّا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي الْمُسْنَدِ 5/324. وَنَصُّهُ: " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَا: ثَنَا بَقِيَّةُ. . عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لَا تَعْقِلُوا، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلَا حَجْرَاءَ، فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ - قَالَ يَزِيدُ: رَبُّكُمْ - فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَأَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَتَّى تَمُوتُوا - قَالَ يَزِيدُ: تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا ". وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ص 138 (ط. الْمَطْبَعَةِ السَّلَفِيَّةِ، مَكَّةَ، 1349) وَمَرْوِيٌّ فِيهِ (ص 138 - 139) عَنْ أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ " التَّوْحِيدِ " ص 121 - 122.

وَأَمَّا هَذَا وَأَمْثَالُهُ فَلَيْسَتْ لَهُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ (¬1) حُجَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ وَلَا شَرْعِيَّةٌ، فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ لَوْ رُئِيَ لَكَانَ فِي جِهَةٍ وَلَكَانَ جِسْمًا (¬2) ، وَهَؤُلَاءِ [يَقُولُونَ: إِنَّهُ يُرَى فِي الدُّنْيَا، بَلْ] (¬3) يَقُولُونَ: إِنَّهُ فِي جِهَةٍ (¬4) وَهُوَ جِسْمٌ. فَإِنْ أَخَذُوا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ الْجِهَةِ وَنَفْيِ الْجِسْمِ، كَانَ مُنْتَهَاهُمْ مَعَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ (¬5) ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ. فَإِنِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ، كَانَ مُنْتَهَاهُمْ مَعَهُمْ إِلَى أَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ، وَمَا قَامَتْ بِهِ الْأَعْرَاضُ مُحْدَثٌ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ، وَهُوَ قَدِيمٌ وَالْأَعْرَاضُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ تَقُومُ بِالْقَدِيمِ. فَإِنْ قَالُوا: الْجِسْمُ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَرَكَةِ أَوِ السُّكُونِ (¬6) ، وَمَا لَا يَخْلُو ¬

(¬1) ن: عَلَى هَذَا. (¬2) ب، أ، ن، م: أَوْ لَكَانَ جِسْمًا. (¬3) ع (فَقَطْ) : وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يُرَى فِي الدُّنْيَا، بَلْ يَقُولُونَ. . . إِلَخْ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَا أَثْبَتُّهُ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ. (¬4) ب، أ، ن، م: هُوَ فِي جِهَةٍ. (¬5) ب: إِلَى أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ ; أ: إِلَى أَنْ تَقُومَ بِهِ الصِّفَاتُ، وَهُوَ خَطَأٌ ; ن، م: إِلَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ الصِّفَاتُ. (¬6) ب، أ، ن، م: وَالسُّكُونِ.

عَنْهُمَا فَهُوَ مُحْدَثٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، فَهَذَا مُنْتَهَى مَا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الشِّيعَةِ. قَالَ لَهُمْ أُولَئِكَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُوَا عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ [الْوُجُودِيَّيْنِ] (¬1) ، بَلْ يَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنِ الْحَرَكَةِ، لِأَنَّ السُّكُونَ عَدَمُ الْحَرَكَةِ [مُطْلَقًا (¬2) ، وَعَدَمُ الْحَرَكَةِ] (¬3) عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَقْبَلَهَا، فَيَجُوزُ ثُبُوتُ (¬4) جِسْمٍ قَدِيمٍ سَاكِنٍ لَا يَتَحَرَّكُ. وَقَالُوا لَهُمْ (¬5) : لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، وَطَعَنُوا فِي أَدِلَّةِ نَفْيِ ذَلِكَ بِالْمَطَاعِنِ الْمَعْرُوفَةِ، حَتَّى حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ (¬6) كَالرَّازِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْآمِدِيِّ وَأَبِي الثَّنَاءِ الْأُرْمَوِيِّ (¬7) وَغَيْرِهِمْ طَعَنُوا فِي ذَلِكَ (* كُلِّهِ، وَطَعَنَ الرَّازِيُّ فِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ وَإِنْ كَانَ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ *) (¬8) فِي ¬

(¬1) الْوُجُودِيَّيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب، أ: عَدَمُ الْحَرَكَةِ إِمَّا مُطْلَقًا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: إِثْبَاتُ. (¬5) ب، أ، ن، م: أَوْ قَالُوا لَهُمْ. (¬6) ب، أ: الْمُسْلِمِينَ. (¬7) أَبُو الثَّنَاءِ سِرَاجُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدُ الْأُرْمَوِيُّ، صَاحِبُ التَّحْصِيلِ مُخْتَصَرِ الْمَحْصُولِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَاللُّبَابِ مُخْتَصَرِ الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَالْبَيَانِ وَالْمَطَالِعِ فِي الْمَنْطِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ شَرَحَ الْوَجِيزَ فِي الْفِقْهِ لِلرَّافِعِيِّ، كَانَ الْأُرْمَوِيُّ شَافِعِيًّا قَرَأَ بِالْمَوْصِلِ عَلَى كَمَالِ الدِّينِ بْنِ يُونُسَ، وَوُلِدَ الْأُرْمَوِيُّ سَنَةَ 594 وَتُوُفِّيَ بِمَدِينَةِ قُونِيَةَ سَنَةَ 682. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 8/371 ; مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ وَمِصْبَاحِ السِّيَادَةِ لِطَاشْ كُبْرَى زَادَهْ 1/245، ط. حَيْدَرَ آبَادَ ; الْأَعْلَامِ 8/41 - 42. وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 1/323 أَنَّ الْأُرْمَوِيَّ صَاحِبَ " لُبَابِ الْأَرْبَعِينَ " قَدِ اعْتَرَضَ عَلَى إِنْكَارِ الرَّازِيِّ لِلْقَوْلِ بِحَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَمِنْ كِتَابِ " لُبَابِ الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ " تُوجَدُ مُصَوَّرَةٌ فِي مَعْهَدِ الْمَخْطُوطَاتِ بِالْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ، رَقْمِ 201 تَوْحِيدٌ. (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

مَوَاضِعَ (¬1) . وَالْآمِدِيُّ طَعَنَ (¬2) فِي طُرُقِ النَّاسِ إِلَّا طَرِيقَةً ارْتَضَاهَا (¬3) ، وَهِيَ (¬4) أَضْعَفُ مِنْ غَيْرِهَا طَعَنَ فِيهَا غَيْرُهُ. فَهَذَانِ مَقَامَانِ مِنَ الْمَقَامَاتِ الْعَقْلِيَّةِ لَا يَقْدِرُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَغْلِبُوا فِيهَا شُيُوخَهُمُ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَإِذَا كَانُوا لَا يَنْفُونَ (¬5) رُؤْيَتَهُ فِي الدُّنْيَا (¬6) إِلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ إِلَّا عَلَى مَنْ يَقُولُ (¬7) : إِنَّهُ يُرَى وَيُصَافَحُ وَأَمْثَالَ ¬

(¬1) سَبَقَ أَنْ تَعَرَّضَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِالتَّفْصِيلِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ (انْظُرْ ص 150 وَمَا بَعْدَهَا) لِلْكَلَامِ عَنْ إِمْكَانِ الْقَوْلِ بِحَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، وَذَكَرَ (ص 178) أَنَّ الْقَوْلَ بِدَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ هُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ. كَمَا تَعَرَّضَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ لِهَذِهِ الْمُشْكِلَةِ فِي كِتَابِهِ " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " 1/321 وَمَا بَعْدَهَا، وَذَكَرَ فِيهِ تَنَاقُضَ الرَّازِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كُتُبِهِ الْمُخْتَلِفَةِ مِثْلِ " الْأَرْبَعِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ " وَ " الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ "، وَقَالَ (1/379) إِنَّ الْأُرْمَوِيَّ اسْتَفَادَ مُعَارَضَتَهُ لِلرَّازِيِّ مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ نَفْسِهِ فِي " الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ ". (¬2) عِبَارَةُ " وَالْآمِدِيُّ طَعَنَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ مُحَمَّد خَلِيل هَرَّاس فِي كِتَابِهِ " ابْنُ تَيْمِيَّةَ السَّلَفِيُّ "، ص 141 (ط. طَنْطَا 1372/1952) أَنَّ الْآمِدِيَّ فِي كِتَابِهِ " أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ " 1/476، (مَخْطُوطٌ بِدَارِ الْكُتُبِ رَقْمَ 1954 كَلَامٌ) : " عَارَضَ الرَّازِيَّ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ لُزُومِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِجَمِيعِ الطَّوَائِفِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَادِثِ الَّذِي يَقْصِدُ نَفْيَ قِيَامِهِ بِذَاتِهِ تَعَالَى هُوَ الْمَوْجُودُ بَعْدَ عَدَمٍ، وَأَمَّا مَا لَا يُوصَفُ بِالْوُجُودِ كَالْأَعْدَامِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَالْأَحْوَالِ - عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا - وَكَذَلِكَ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ فَهَذِهِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْحَادِثِ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُتَجَدِّدِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَجَدُّدِ الْإِضَافَاتِ وَالْأَحْوَالِ فِي ذَاتِ الْبَارِي أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ ". وَأَشَارَ الْأُسْتَاذُ هَرَّاسٌ إِلَى أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَدَّ عَلَى كَلَامِ الْآمِدِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمُوَافَقَةِ " (عَلَى هَامِشِ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ 2/119 - 122) . انْظُرْ دَرْءَ. . 2/232 - 251. (¬4) ب، أ: هِيَ. (¬5) ن، م: لَا يَقَدِرُونَ يَنْفُونَ. (¬6) ب، أ: فِي الصِّفَاتِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ن، م: حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ.

ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ مَعَ أَنَّ هَذَا [مِنْ] (¬1) أَشْنَعِ الْمَقَالَاتِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ (¬2) قَائِلٌ [مَعْدُودٌ] (¬3) مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ. وَبَيَانُ هَذَا: بِالْوَجْهِ الْخَامِسِ (¬4) [وَهُوَ] (¬5) أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ حَكَاهَا النَّاسُ عَنْ شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ أَكْثَرُهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ غُلَاةِ النُّسَّاكِ، وَدَاوُدَ الْجَوَارِبِيِّ (¬6) . (* قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي " الْمَقَالَاتِ " (¬7) : وَقَالَ دَاوُدُ الْجَوَارِبِيُّ (¬8) *) (¬9) وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، وَأَنَّهُ جُثَّةٌ وَأَعْضَاءٌ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ (¬10) : لَحْمٌ (¬11) وَدَمٌ وَشَعْرٌ وَعَظْمٌ، لَهُ ¬

(¬1) مِنْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ن، م: لَهَا. (¬3) مَعْدُودٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ب، أ، ن، م: الرَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَبَدَأَ الْكَلَامَ عَنِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ ص 612. (¬5) وَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) ب، أ: وَدَاوُدَ الْجَوَاهِرِيِّ ; ن: وَدَاوُدَ الْحِوَارِيِّ ; م: وَدَاوُدَ الْحَوَارِبِيِّ. وَكَذَا فِي هَذِهِ النُّسَخِ فِيمَا بَعْدُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ (لِسَانَ الْمِيزَانِ 2/427) : " رَأْسٌ فِي الرَّافِضَةِ وَالتَّجْسِيمِ مِنْ مَرَامِي جَهْمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَوْفٍ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ يَقُولُ: الْحَوَارِبِيُّ وَالْمَرِيسِيُّ كَافِرَانِ ". وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ دَاوُدَ لَا تُعْلَمُ لَهُ رِوَايَةٌ لِحَدِيثٍ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّينِ عَبْد الْحَمِيد فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمَقَالَاتِ 1/258 عَنِ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْأَنْسَابِ " أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ مَا نَصُّهُ: " وَعَنْهُ أَخَذَ دَاوُدُ الْجَوَارِبِيُّ قَوْلَهُ إِنَّ مَعْبُودَهُ لَهُ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْفَرْجِ وَاللِّحْيَةِ " وَنَقَلَ نَفْسَ الْعِبَارَةِ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي اللُّبَابِ 2/291. وَانْظُرْ عَنْ دَاوُدَ الْجَوَارِبِيِّ وَمَذْهَبِهِ فِي التَّجْسِيمِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/167 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 140 ; التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 71 ; الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، ص 54 ; تَلْبِيسَ إِبْلِيسَ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، ص 87 ; أُصُولَ الدِّينِ لِابْنِ طَاهِرٍ، ص 74. (¬7) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/258 - 259، وَسَنُقَابِلُ كَلَامَ ابْنَ تَيْمِيَّةَ عَلَيْهِ. (¬8) ن: الْحِوَارِيُّ، م: الْحَوَارِبِيُّ. (¬9) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) وَرَدَ نَصٌّ آخَرُ مُشَابِهٌ فِي الْمَقَالَاتِ 1/214 فِيهِ: " أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ وَإِنَّ لَهُ جَمَّةً وَأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ ". (¬11) ب (فَقَطْ) : لَهُ لَحْمٌ.

جَوَارِحُ (¬1) وَأَعْضَاءٌ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ (¬2) وَلِسَانٍ (¬3) وَرَأْسٍ وَعَيْنَيْنِ (¬4) وَهُوَ مَعَ هَذَا (¬5) لَا يُشْبِهُ غَيْرَهُ وَلَا يُشْبِهُهُ غَيْرُهُ (¬6) . وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ الْجَوَارِبِيِّ (¬7) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّهُ (¬8) أَجْوَفُ مِنْ فِيهِ إِلَى صَدْرِهِ وَمُصْمَتٌ مَا سِوَى ذَلِكَ ". " وَقَالَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيُّ: إِنَّ اللَّهَ عَلَى صُورَةِ [الْإِنْسَانِ] (¬9) ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ لَحْمًا وَدَمًا، وَإِنَّهُ نُورٌ سَاطِعٌ يَتَلَأْلَأُ بَيَاضًا (¬10) ، وَإِنَّهُ ذُو حَوَاسَّ خَمْسٍ كَحَوَاسِّ الْإِنْسَانِ: سَمْعُهُ غَيْرُ بَصَرِهِ (¬11) ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ حَوَاسِّهِ: لَهُ يَدٌ وَرِجْلٌ [وَأُذُنٌ] (¬12) وَعَيْنٌ وَأَنْفٌ وَفَمٌ، وَإِنَّ لَهُ وَفْرَةً سَوْدَاءَ ". قُلْتُ: أَمَّا دَاوُدُ الْجَوَارِبِيُّ فَقَدْ عُرِفَ عَنْهُ الْقَوْلُ الْمُنْكَرُ الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ. وَأَمَّا مُقَاتِلٌ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ حَالِهِ. وَالْأَشْعَرِيُّ يَنْقُلُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَفِيهِمُ انْحِرَافٌ عَلَى (¬13) مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ¬

(¬1) ب، ن، م: وَلَهُ جَوَارِحُ. (¬2) وَرِجْلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) ن، م: وَأَسْنَانٍ. (¬4) ع، ن، م: وَعَيْنٍ. (¬5) ب، أ: وَمَعَ هَذَا. (¬6) عِبَارَةُ " وَلَا يُشْبِهُهُ غَيْرُهُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. وَفِي " الْمَقَالَاتِ " 1/259: وَلَا يُشْبِهُهُ. (¬7) ب، أ: دَاوُدَ الْجَوَاهِرِيِّ ; ن: دَاوُدَ الْحِوَارِيِّ ; ع: دَاوُدَ ; م: الْحَوَارِبِيِّ. (¬8) إِنَّهُ: لَيْسَتْ فِي " الْمَقَالَاتِ ". (¬9) الْإِنْسَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) بَيَاضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬11) ب، أ: سَمْعُهُ غَيْرُهُ وَبَصَرُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬12) وَأُذُنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . (¬13) ب، أ، ن، م: عَنْ.

فَلَعَلَّهُمْ زَادُوا فِي النَّقْلِ عَنْهُ، أَوْ نَقْلُوا عَنْهُ، أَوْ نَقَلُوا عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، وَإِلَّا فَمَا أَظُنُّهُ يَصِلُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ (¬1) . وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَرَادَ التَّفْسِيرَ فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى مُقَاتِلٍ، وَمَنْ أَرَادَ الْفِقْهَ فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ (¬2) . وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْحَدِيثِ - بِخِلَافِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ (¬3) فَإِنَّهُ ثِقَةٌ - لَكِنْ لَا رَيْبَ (¬4) فِي عِلْمِهِ بِالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ وَاطِّلَاعِهِ (¬5) ، كَمَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ النَّاسُ خَالَفُوهُ فِي أَشْيَاءَ ¬

(¬1) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) بِقَوْلِهِ: " قُلْتُ: لَكِنَّ الْخَطِيبَ الْبَغْدَادِيَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ: هَذَانِ رَجُلَانِ خَبِيثَانِ: أَعْنِي جَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ وَمُقَاتِلَ بْنَ سُلَيْمَانَ، أَفْرَطَ جَهْمٌ فِي التَّنْزِيهِ فَجَعَلَهُ تَعَالَى لَا مِنْ قَبِيلِ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي فَوَقَعَ فِي التَّعْطِيلِ، وَأَفْرَطَ مُقَاتِلٌ فِي التَّشْبِيهِ حَتَّى جَعَلَ لَهُ تَعَالَى لَحْمًا وَدَمًا وَشَعْرًا وَعَظْمًا، انْتَهَى. فَالَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَأْنِ مُقَاتِلٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَأْنِ مُقَاتِلٍ ". (¬2) فِي وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 4/341 فِي تَرْجَمَةِ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: " حُكِيَ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ: عَلَى مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ فِي التَّفْسِيرِ، وَعَلَى زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي الشِّعْرِ، وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكَلَامِ ". (¬3) ب، أ: مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ عَالِمُ خُرَاسَانَ الْحَافِظُ أَبُو بِسِطَامٍ - وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَبُو مَعَانٍ - مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ الْبَلْخِيُّ الْخَزَّازُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: " كَانَ إِمَامًا صَادِقًا نَاسِكًا خَيِّرًا كَبِيرَ الْقَدْرِ صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، هَرَبَ فِي أَيَّامِ خُرُوجِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ إِلَى كَابُلَ وَدَعَا خَلْقًا إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا. وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/174 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/374 ; تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ، ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 10 - 111 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 53 - 354. (¬4) ن، م: ثِقَةٌ، وَلَا رَيْبَ. (¬5) أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ، الْأَزْدِيُّ بِالْوَلَاءِ، الْبَلْخِيُّ، الْخُرَاسَانِيُّ، الْمَرْوَزِيُّ. أَصْلُهُ مِنْ بَلْخٍ، وَانْتَقَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَدَخَلَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا. ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ ابْنِ حَيَّانَ (تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ 1/174) فَقَالَ: " فَأَمَّا مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُفَسِّرُ فَكَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ لُطِّخَ بِالتَّجْسِيمِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ بَحْرًا مِنَ التَّفْسِيرِ ". وَقَدْ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ 150. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 54 - 355 ; تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ، ق [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 11، طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/373 ; تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 10/279 - 285 ; مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/196 - 197 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 13/160 - 169 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 4/341 - 343 ; الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ، ص [0 - 9] 79 (ذَكَرَهُ ضِمْنَ الزَّيْدِيَّةِ فَقَالَ: مِنَ الزَّيْدِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْقُرَّاءِ) ; الْأَعْلَامِ 8 (وَنُقِلَ عَنْ مَخْطُوطَةِ " قَبُولِ الْأَخْبَارِ " لِلْبَلْخِيِّ عَنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُذِبَ عَلَى مُقَاتِلٍ فِي التَّفْسِيرِ) ; سِزْكِينَ م [0 - 9] ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 5 - 87. وَأَمَّا عَنْ مَذْهَبِهِ فِي التَّجْسِيمِ وَالْإِرْجَاءِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ 5: " وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْمُرْجِئَةِ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ سَيِّئَةٌ جَلَّتْ أَوْ قَلَّتْ أَصْلًا، وَلَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ حَسَنَةٌ أَصْلًا. وَكَانَ مُقَاتِلٌ هَذَا مَعَ جَهْمٍ بِخُرَاسَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يُخَالِفُهُ فِي التَّجْسِيمِ. . وَكَانَ مُقَاتِلٌ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ وَلَحْمٌ وَدَمٌ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ. وَانْظُرْ عَنْ مَذْهَبِهِ أَيْضًا: الْمَقَالَاتِ لِلْأَشْعَرِيِّ 1/213 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/167 ; الِانْتِصَارَ لِلْخَيَّاطِ، ص 54.

وَأَنْكَرُوهَا عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِي فِقْهِهِ وَفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ، وَقَدْ نَقَلُوا عَنْهُ أَشْيَاءَ يَقْصِدُونَ بِهَا الشَّنَاعَةَ عَلَيْهِ، وَهِيَ كَذِبٌ عَلَيْهِ قَطْعًا، مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْخِنْزِيرِ الْبَرِّيِّ وَنَحْوِهَا، وَمَا يَبْعُدُ (¬1) أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَهَذَا الْإِمَامِيُّ (¬2) نَقَلَ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ عَنْ دَاوُدَ الطَّائِيِّ، وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ، أَوْ مِنْ نَقْلِهِ [هُوَ] (¬3) عَنْهُ، فَإِنَّ دَاوُدَ الطَّائِيَّ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا زَاهِدًا عَابِدًا ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: وَمَا أَبْعَدَ. (¬2) ع: وَهَذَا الرَّافِضِيُّ. (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

فَقِيهًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَشَرِيكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى (¬1) وَكَانَ قَدْ تَفَقَّهَ ثُمَّ انْقَطَعَ لِلْعِبَادَةِ، وَأَخْبَارُهُ وَسِيرَتُهُ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ (¬2) الْعُلَمَاءِ (¬3) ، وَلَمْ يَقُلِ الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا الْقَائِلُ لِذَلِكَ دَاوُدُ الْجَوَارِبِيُّ، فَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى شُيُوخِهِ الْجَوَارِبِيُّ بِالطَّائِيِّ (¬4) ، إِنْ لَمْ يَكُنِ (¬5) الْغَلَطُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي أُحْضِرَتْ [إِلَيَّ] ، وَدَاوُدُ الْجَوَارِبِيُّ أَظُنُّهُ (¬6) ¬

(¬1) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الثَّوْرِيِّ (2) وَشَرِيكِ بْنِ أَبِي لَيْلَى (2/471) . . (¬2) ب، أ: عَنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) أَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ نُصَيْرٍ الطَّائِيُّ الْكُوفِيُّ الزَّاهِدُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ (الْعِبَرَ 1/238) " كَانَ أَحَدَ مَنْ بَرَعَ فِي الْفِقْهِ ثُمَّ اعْتَزَلَ. رَوَى عَنْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ وَجَمَاعَةٍ، وَكَانَ عَدِيمَ النَّظِيرِ زُهْدًا وَصَلَاحًا ". وَرَجَّحَ الذَّهَبِيُّ أَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُ سَنَةَ 162 وَأَغْلَبُ الْمَرَاجِعِ تَجْعَلُهَا 160 أَوْ 165. وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/367 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 8/347 - 355 ; حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 7/335 - 367 ; وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/29 - 31 ; تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ لِابْنِ حَجَرٍ (ط. دَارِ الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ) ص 234، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى لِلشَّعْرَانِيِّ 1/65 ; الْأَعْلَامِ 3/11. (¬4) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ عَنْ دَاوُدَ الطَّائِيِّ بِقَوْلِهِ: " قُلْتُ: نُقِلَ عَنْهُ - يَعْنِي دَاوُدَ الطَّائِيِّ - أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي اجْتَهَدَ وَسَعَى فِي الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ وَمَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ مَعْذُورٌ عِنْدَ اللَّهِ يُرْجَى لَهُ الْعَفْوُ، وَهُوَ خَارِقٌ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقَدْ مَالَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَالْقَاضِي بَيْضَاوِيٌّ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِالطَّوَالِعِ، وَمِمَّنْ (فِي الْأَصْلِ: مَنْ) ذَهَبَ إِلَى هَذَا مِنْ قُدَمَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ قَاضِي بَصْرَةَ الْمُسَمَّى بِالْعَنْبَرِيِّ مَعَ مُخَالَفَةِ تَلَامِذَتِهِ لَهُ. وَمِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ دَاوُدُ الطَّائِيُّ أَنَّ دَلِيلَ الشَّرْعِ اثْنَانِ فَقَطِ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَكَانَ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ وَالْإِجْمَاعَ أَنْ يَكُونَا حُجَّةً شَرْعِيَّةً وَهُوَ (مُخَالِفٌ) لِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَابْنُ حَزْمٍ الْأَنْدَلُسِيِّ مِمَّنْ تَبِعَهُ فِي إِنْكَارِ الْقِيَاسِ وَالْإِجْمَاعِ. وَأَبُو حَيَّانَ صَاحِبُ " الْبَحْرِ " وَ " النَّهْرِ " مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ أَيْضًا مِنْ شِيعَةِ دَاوُدَ ". وَظَاهِرٌ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ مُسْتَجِي زَادَهْ يَخْلِطُ بَيْنَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ. (¬5) ن، م: أَوْ لَمْ يَكُنِ. . (¬6) أ: فِي النُّسْخَةِ الَّتِي أُحْضِرَتْ إِلَى دَاوُدَ الْحِوَارِيِّ وَأَظُنُّهُ. . . إِلَخْ ; ب: فِي النُّسْخَةِ الَّتِي أُحْضِرَتْ إِلَى دَاوُدَ الْجَوَاهِرِيِّ وَأَظُنُّهُ. . إِلَخْ ; ن: فِي النُّسْخَةِ الَّتِي أُحْضِرَتْ إِلَى دَاوُدَ الْحِوَارِيِّ وَأَظُنُّهُ. . ; م: فِي النُّسْخَةِ الَّتِي أُحْضِرَتْ إِلَى دَاوُدَ الْجَوَارِبِيِّ وَأَظُنُّهُ. . .

كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ هَذَا، وَقِصَّتُهُ مَعْرُوفَةٌ (¬1) . قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬2) : " وَفِي الْأُمَّةِ (¬3) قَوْمٌ يَنْتَحِلُونَ النُّسُكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (¬4) الْحُلُولُ فِي الْأَجْسَامِ (¬5) ، وَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا يَسْتَحْسِنُونَهُ قَالُوا: لَا نَدْرِي، لَعَلَّهُ، رُبَّمَا هُوَ (¬6) . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَرَى اللَّهَ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ الْأَعْمَالِ (¬7) ، فَمَنْ كَانَ عَمَلُهُ أَحْسَنَ رَأَى مَعْبُودَهُ أَحْسَنَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَانَقَةَ وَالْمُلَامَسَةَ وَالْمُجَالَسَةَ فِي الدُّنْيَا (¬8) ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذُو أَعْضَاءٍ وَجَوَارِحَ وَأَبْعَاضٍ: لَحْمٍ وَدَمٍ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ، لَهُ مَا لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْجَوَارِحِ. وَكَانَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِأَبِي شُعَيْبٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يُسَرُّ وَيَفْرَحُ بِطَاعَةِ أَوْلِيَائِهِ، وَيَغْتَمُّ وَيَحْزَنُ إِذَا عَصَوْهُ. ¬

(¬1) م: مَشْهُورَةٌ. (¬2) فِي الْمَقَالَاتِ 1/319، وَسَنُقَابِلُ النَّصَّ التَّالِيَ عَلَيْهِ. (¬3) ب: فِي الْإِبَانَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ ; أ: وَفِي الْآيَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) الْمَقَالَاتِ: اللَّهِ سُبْحَانَهُ ; ب، أ، م: اللَّهِ ; ن: عَنِ اللَّهِ. (¬5) م: الْأَجْسَادِ. (¬6) لَعَلَّهُ رُبَّمَا هُوَ: كَذَا فِي (ع) ، (أ) ، (ن) ، (م) ; وَفِي (ب) لَعَلَّهُ رَبَّنَا هُوَ ; وَفِي الْمَقَالَاتِ: لَعَلَّهُ رَبَّنَا. (¬7) ب: عَلَى حَسَبِ الْأَعْمَالِ ; أ: عَلَى الْأَعْمَالِ (بِسُقُوطِ: قَدْرِ) ; ن، م: إِنَّهُ يُرَى فِي الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ الْأَعْمَالِ. (¬8) فِي " الْمَقَالَاتِ " بَعْدَ كَلِمَةِ " الدُّنْيَا ": وَجَوَّزُوا مَعَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمْ - أَنْ نَلْمِسَهُ.

وَفِي النُّسَّاكِ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَبْلُغُ بِهِمْ إِلَى مَنْزِلَةٍ (¬1) تَزُولُ عَنْهُمُ الْعِبَادَاتُ، وَتَكُونُ الْأَشْيَاءُ الْمَحْظُورَاتُ عَلَى غَيْرِهِمْ - مِنَ الزِّنَا وَغَيْرِهِ - مُبَاحَاتٍ لَهُمْ. وَفِيهِمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَبْلُغُ بِهِمْ إِلَى أَنْ يَرَوُا اللَّهَ (¬2) ، وَيَأْكُلُوا (¬3) مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَيُعَانِقُوا (¬4) الْحُورَ الْعِينَ فِي الدُّنْيَا وَيُحَارِبُوا الشَّيَاطِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَبْلُغُ بِهِمْ [إِلَى] (¬5) أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ". [قُلْتُ: هَذِهِ الْمَقَالَاتُ الَّتِي (¬6) حَكَاهَا الْأَشْعَرِيُّ - وَذَكَرُوا أَعْظَمَ مِنْهَا - مَوْجُودَةٌ فِي النَّاسِ قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ. وَفِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِحُلُولِهِ فِي الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ، وَيَقُولُ إِنَّهُ بِمُشَاهَدَةِ الْأَمْرَدِ يُشَاهِدُ مَعْبُودَهُ أَوْ صِفَاتِ مَعْبُودِهِ أَوْ مَظَاهِرَ جَمَالِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَسْجُدُ لِلْأَمْرَدِ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ الْعَامِّ، لَكِنَّهُ يَتَعَبَّدُ بِمَظَاهِرِ الْجَمَالِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ اللَّذَّةِ لَهُ، فَيَتَّخِذُ إِلَهَهُ هَوَاهُ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْفَقْرِ وَالتَّصَوُّفِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ يَرَى اللَّهَ مُطْلَقًا وَلَا يُعَيِّنُ الصُّورَةَ الْجَمِيلَةَ. بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فِي صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمَوَاضِعَ الْمُخْضَرَّةَ خَطَا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا اخْضَرَّتْ مِنْ وَطْئِهِ عَلَيْهَا، وَفِي ¬

(¬1) ع، ن، م: مَنْزِلٍ. (¬2) الْمَقَالَاتِ: تَبْلُغُ بِهِمْ أَنْ يَرَوُا اللَّهَ سُبْحَانَهُ. (¬3) ع: وَيَأْكُلُونَ. وَانْظُرِ الْمَقَالَاتِ (ط. رُيْتَرَ) 1/289 (ت 4) . (¬4) ع: وَيُعَانِقُونَ. (¬5) إِلَى: فِي (ع) ، " الْمَقَالَاتِ ". (¬6) فِي الْأَصْلِ (ع) : الَّذِي.

ذَلِكَ حِكَايَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ يَطُولُ وَصْفُهَا، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ وَحِلِّ الْمُحَرَّمَاتِ - أَوْ بَعْضِهَا - لِلْكَامِلِينَ فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ فَهَذَا أَكْثَرُ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْقَرَامِطَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَغَيْرِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَلِهَذَا يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلُ فَيُقَالُ: فُلَانٌ يَسْتَحِلُّ دَمِي كَاسْتِحْلَالِ الْفَلَاسِفَةِ مَحْظُورَاتِ الشَّرَائِعِ. وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى التَّصَوُّفِ وَالْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُفَضِّلُ نَفْسَهُ أَوْ مَتْبُوعَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، مَوْجُودٌ كَثِيرٌ فِي الْبَاطِنِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ] (¬1) . فَفِي الْجُمْلَةِ هَذِهِ مَقَالَاتٌ مُنْكَرَةٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ وَأَشْنَعُ مِنْهَا - مَوْجُودَةٌ (¬2) فِي الشِّيعَةِ. وَكَثِيرٌ مِنَ النُّسَّاكِ يَظُنُّونَ (¬3) أَنَّهُمْ يَرَوْنَ اللَّهَ فِي الدُّنْيَا بِأَعْيُنِهِمْ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ (¬4) يَحْصُلُ لِأَحَدِهِمْ فِي قَلْبِهِ بِسَبَبِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ مِنَ الْأَنْوَارِ (¬5) مَا يَغِيبُ [بِهِ] (¬6) عَنْ حِسِّهِ الظَّاهِرِ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ [هُوَ] شَيْءٌ (¬7) يَرَاهُ بِعَيْنِهِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي قَلْبِهِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تُخَاطِبُهُ تِلْكَ الصُّورَةُ (¬8) الَّتِي يَرَاهَا خِطَابَ الرُّبُوبِيَّةِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ب، أ: مَوْجُودٌ. (¬3) ب: يَزْعُمُونَ وَيَظُنُّونَ ; أ: يَزْعُمُونَ يَظُنُّونَ. (¬4) ب، أ: أَنْ. (¬5) ن، م: مِنَ الْأُمُورِ. (¬6) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ب، أ: أَنَّ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ. وَسَقَطَتْ " هُوَ " مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ع: تِلْكَ الصُّوَرُ.

وَيُخَاطِبُهَا أَيْضًا بِذَلِكَ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي نَفْسِهِ، كَمَا يَحْصُلُ لِلنَّائِمِ إِذَا رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةٍ بِحَسَبِ حَالِهِ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ تَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا وَقَبْلِهِ، وَيَقَعُ الْغَلَطُ مِنْهُمْ حَيْثُ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ. [وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيْطَانُ، وَيَرَى نُورًا أَوْ عَرْشًا أَوْ نُورًا عَلَى الْعَرْشِ وَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَنَا نَبِيُّكَ، وَهَذَا قَدْ وَقَعَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَخَاطُبِهِ الْهَوَاتِفُ بِخِطَابٍ عَلَى لِسَانِ الْإِلَهِيَّةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْمُخَاطِبُ لَهُ جِنِّيًّا، كَمَا قَدْ وَقَعَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ. لَكِنَّ بَسْطَ (الْكَلَامِ) (¬1) عَلَى مَا يُرَى وَيُسْمَعُ وَمَا هُوَ فِي النَّفْسِ وَالْخَارِجِ، وَتَمْيِيزِ حَقِّهِ مِنْ بَاطِلِهِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] (¬2) . وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ أَهْلِ الْحَالِ (¬3) وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَ اللَّهَ عِيَانًا فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ يَخْطُوَا خَطَوَاتٍ (¬4) . [وَقَدْ يَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُفْرِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: كُلُّ رِزْقٍ لَا يَرْزُقُنِيهِ الشَّيْخُ فُلَانٍ لَا أُرِيدُهُ، وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّ شَيْخَهُمْ هُوَ شَيْخُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ الْغُلَاةِ فِي الشُّيُوخِ، لَكِنْ يُوجَدُ فِي جِنْسِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الشِّيعَةِ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالْغُلَاةِ مِنَ ¬

(¬1) الْكَلَامِ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأَصْلِ (ع) ، وَبِزِيَادَتِهَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) ع: وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ أَهْلِ الْخَيَالِ ; ن، م: وَكَثِيرٌ مِنْ جُهَّالِ أَهْلِ الْحَالِ. (¬4) عِبَارَةُ " وَأَنَّهُ يَخْطُو خَطَوَاتٍ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

النُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ غُلُوًّا وَكُفْرًا مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ، فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ مَقَالَةٌ خَبِيثَةٌ إِلَّا وَفِي جِنْسِ الشِّيعَةِ مَا هُوَ أَخْبَثُ مِنْهَا] (¬1) . وَأَهْلُ الْوَحْدَةِ (¬2) الْقَائِلُونَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، كَأَصْحَابِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ (¬3) (¬4) يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ اللَّهَ دَائِمًا، فَإِنَّ [عِنْدَهُمْ] (¬5) مُشَاهَدَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، إِذْ كَانَتْ ذَاتُهُ (¬6) الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ السَّارِيَ فِي الْكَائِنَاتِ. فَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَأَمْثَالُهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّاسِ، وَلَكِنَّ الْمَقَالَاتِ الْمَوْجُودَةَ فِي الشِّيعَةِ أَشْنَعُ وَأَقْبَحُ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْغَالِيَةِ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَلِهَذَا كَانَ النُّصَيْرِيَّةُ يُعَظِّمُونَ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ [الْوُجُودِ] (¬7) . وَكَانَ التِّلِمْسَانِيُّ (¬8) شَيْخُ الْقَائِلِينَ بِالْوَحْدَةِ [الَّذِي شَرَحَ " مَوَاقِفَ " ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ع (فَقَطْ) : وَأَهْلُ الْحُلُولِ وَالْوَحْدَةِ. (¬3) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُمَا 1/378. وَابْنِ الْفَارِضِ (¬4) أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُرْشِدِ بْنِ عَلِيٍّ، شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ الْفَارِضِ، الْحَمَوِيُّ الْأَصْلِ، الْمِصْرِيُّ الْمَوْلِدِ وَالدَّارِ وَالْوَفَاةِ، يُلَقَّبُ بِسُلْطَانِ الْعَاشِقِينَ. وُلِدَ سَنَةَ 576 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 632. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/126 - 127 ; مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/266 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 5/149 - 153 ; لِسَانِ الْمِيزَانِ 4/317 - 319 ; الْأَعْلَامِ 5/216 - 217. وَانْظُرْ لِلْأُسْتَاذِ مُحَمَّد مُصْطَفَى حِلْمِي كِتَابَ " ابْنِ الْفَارِضِ وَالْحُبِّ الْإِلَهِيِّ "، الْقَاهِرَةَ، 1364/1945، وَكِتَابَ " سُلْطَانِ الْعَاشِقِينَ "، سِلْسِلَةَ أَعْلَامِ الْعَرَبِ، مَارِسَ 1963. (¬5) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب، أ: وَإِذَا كَانَتْ ذَاتُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ع: الْقَائِلِينَ بِالْوَحْدَةِ ; ن، م: الْقَائِلَ بِالْوَحْدَةِ. (¬8) عَفِيفُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُومِيُّ التِّلِمْسَانِيُّ سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/378. وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا: فَوَاتَ الْوَفَيَاتِ 1/363 - 366 (وَفِيهِ: " قَالَ قُطْبُ الدِّينِ الْيُونِينِيُّ: رَأَيْتُ جَمَاعَةً يَنْسُبُونَهُ إِلَى رِقَّةٍ فِي الدِّينِ وَالْمَيْلِ إِلَى مَذْهَبِ النُّصَيْرِيَّةِ) ; الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 13/326، النُّجُومَ الزَّاهِرَةَ 8/29 - 31 ; الْأَعْلَامَ 3/193 (وَذَكَرَ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ " شَرْحَ مَوَاقِفِ النِّفَّزِيِّ " وَالصَّوَابُ: النِّفَّرِيُّ) .

التعليق على ما ذكره الرافضي من رمد الله وبكائه وغير ذلك

النِّفَّرِيِّ (¬1) . وَصَنَّفَ غَيْرَ ذَلِكَ] (¬2) قَدْ ذَهَبَ إِلَى النُّصَيْرِيَّةِ وَصَنَّفَ لَهُمْ كِتَابًا وَهُمْ يُعَظِّمُونَهُ جِدًّا، وَحَدَّثَنِي نَقِيبُ الْأَشْرَافِ عَنْهُ (¬3) أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَنْتَ نُصَيْرِيٌّ؟ قَالَ: نُصَيْرٌ جُزْءٌ مِنِّي (¬4) ; والنُّصَيْرِيَّةُ يُعَظِّمُونَهُ غَايَةَ التَّعْظِيمِ. [التعليق على ما ذكره الرافضي من رمد الله وبكائه وغير ذلك] وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ [هَذَا الْإِمَامِيُّ] (¬5) مِنْ رَمَدِهِ وَعِيَادَةِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ وَبُكَائِهِ عَلَى طُوفَانِ نُوحٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] ; (¬6) فَهَذَا قَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَنْقُلُونَهُ (¬7) عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا مَنْقُولًا عَمَّنْ أَعْرِفُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (¬8) ، فَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ قَالَهُ ¬

(¬1) ع: النَّغْزِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْحَسَنِ النِّفَّرِيِّ نِسْبَةً إِلَى بَلْدَةِ النِّفَّرِ مِنْ أَعْمَالِ الْكُوفَةِ. تَرْجَمَ لَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي " الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى " 1/174 - 175 فَقَالَ: " كَانَ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَلَامٌ عَالٍ فِي طَرِيقِ الْقَوْمِ، وَهُوَ صَاحِبُ " الْمَوَاقِفِ " نَقَلَ عَنْهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَتُوُفِّيَ النِّفَّرِيُّ سَنَةَ 354. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْمُقَدِّمَةِ الْإِنْجِلِيزِيَّةِ لِكِتَابِ " الْمَوَاقِفِ " بِقَلَمِ الْأُسْتَاذِ أَرْبِرِي، ط. دَارِ الْكِتَابِ 1934 ; الْمُشْتَبَهِ لِلذَّهَبِيِّ 2/64، ط. عِيسَى الْحَلَبِيِّ، 1381/1962 ; الْأَعْلَامِ 7 - 56 (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) ن، م: عَنْهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن، م: خَيْرٌ مِنِّي. (¬5) ب، أ: مَا ذَكَرَ، وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " هَذَا الْإِمَامِيُّ ": مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . وَسَبَقَ ذِكْرُ الْكَلَامِ التَّالِي بِمَعْنَاهُ فِي (ك) 1/84 (م) ، وَهَذَا الْكِتَابِ 2/500. (¬6) عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) ن: يَتَلَقَّوْنَهُ. (¬8) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ هُنَا بِقَوْلِهِ: " قُلْتُ تَأْيِيدًا لِلْمُصَنِّفِ: إِنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ صَاحِبَ " الْمِلَلِ " ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ قَوْلُ الْيَهُودِ ".

التعليق على قول الرافضي: يفضل عنه العرش من كل جانب أربع أصابع

بَعْضُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَلَا يُنْكَرُ وُقُوعُ مِثْلِ ذَلِكَ (¬1) ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ: " «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ (¬2) حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ (¬3) لَدَخَلْتُمُوهُ» " (¬4) . لَكِنْ مُشَابَهَةُ ب (فَقَطْ) : لِمُشَابِهَةِ. الرَّافِضَةِ لِلْيَهُودِ وَوُجُودُ (¬5) مِثْلِ هَذَا فِيهِمْ أَظْهَرُ مِنْ وُجُودِهِ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ [وَالْجَمَاعَةِ] (¬6) . [التعليق على قول الرافضي: يَفْضُلُ عَنْهُ الْعَرْشِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعَ أَصَابِعَ] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬7) : إِنَّهُ يَفْضُلُ عَنْهُ الْعَرْشُ (¬8) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ; ¬

(¬1) ع: فَإِنْ كَانَ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ. (¬2) ب، أ: النَّعْلِ بِالنَّعْلِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ (النِّهَايَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، مَادَّةَ: قَذَذَ) : " الْقُذَذُ رِيشُ السَّهْمِ وَاحِدَتُهَا قُذَّةٌ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، أَيْ كَمَا تُقَدَّرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ صَاحِبَتِهَا وَتُقْطَعُ ". (¬3) ب أ: جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ. (¬4) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/169 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) . وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ: 9 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) ; مُسْلِمٍ (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ اتِّبَاعِ سُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1422 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/84، 89، 94. وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ، 2/327، 450، 511، 527. وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ: " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ " (¬5) ب، أ: وُجُودُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) وَالْجَمَاعَةِ: لَيْسَتْ فِي (ع) ، (ن) ، (م) . (¬7) فِي (ك) 1/84 (م) ، وَهَذَا الْكِتَابِ 2/400. (¬8) ب، أ، ن، م: يَفْضُلُ عَنْهُ مِنَ الْعَرْشِ، وَسَبَقَ أَنْ رَجَّحْتُ (2/500) مَا جَاءَ فِي ك: وَأَنَّهُ يَفْضُلُ مِنَ الْعَرْشِ.

(1 فَهَذَا لَا أَعْرِفُ قَائِلًا لَهُ وَلَا نَاقِلًا، وَلَكِنْ رُوِيَ فِي 1) (¬1) حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ (¬2) أَنَّهُ: مَا يَفْضُلُ مِنَ الْعَرْشِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، يُرْوَى بِالنَّفْيِ وَيُرْوَى بِالْإِثْبَاتِ، وَالْحَدِيثُ قَدْ طَعَنَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ، [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ ذَكَرَ لَهُ شَوَاهِدَ وَقَوَّاهُ (¬3) . وَلَفْظُ النَّفْيِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ يَرِدُ (¬4) لِعُمُومِ النَّفْيِ كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا فِي السَّمَاءِ مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ] (¬5) قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ» (¬6) "، أَيْ مَا فِيهَا مَوْضِعٌ. ¬

(¬1) (1 - 1) : هَذِهِ الْعِبَارَاتُ مُضْطَرِبَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ذَكَرَتْ كُتُبُ الرِّجَالِ رَجُلَيْنِ بِهَذَا الِاسْمِ: الْأَوَّلُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ الْكُوفِيُّ الْهَمْدَانِيُّ (انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/121 ; الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج [0 - 9] ، ق [0 - 9] ، ص [0 - 9] 5 ; تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ، ص [0 - 9] 12 ; الْخُلَاصَةَ لِلْخَزْرَجِيِّ، ص [0 - 9] 66) ; وَالثَّانِي: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَلِيفَةَ أَوْ عَكْسُهُ (انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ، ص 412 ; الْخُلَاصَةِ ص 166) . وَلَمْ أَعْرِفْ أَيُّهَمَا الْمَقْصُودُ. (¬3) لَمْ أَعْرِفْ مَكَانَ هَذَا الْحَدِيثِ. (¬4) ع: يُرَادُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) أَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ فِي " الدُّرِّ الْمَنْثُورِ " (5/292 - 296) فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 164 - 166) أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً مُتَقَارِبَةَ الْأَلْفَاظِ أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكُلَّهَا تَذْكُرُ امْتِلَاءَ السَّمَاءِ بِالْمَلَائِكَةِ الْمُسَبِّحِينَ السَّاجِدِينَ. . وَالنَّصُّ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَتْ فِيهِ عِبَارَةُ " مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ " هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَصُّهُ - وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ - " وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ. أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ لِلَّهِ سَاجِدًا. . . الْحَدِيثَ ". قَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّ التِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَهُ وَحَسَّنَهُ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ. وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/380 - 381 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ. . إِلَخْ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. . " ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/173 ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1402 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ) .

وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: مَا فِي السَّمَاءِ قَدْرُ كَفٍّ سَحَابًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَفَّ تُقَدَّرُ (¬1) بِهَا الْمَمْسُوحَاتِ كَمَا يُقَدَّرُ بِالذِّرَاعِ، وَأَصْغَرُ الْمَمْسُوحَاتِ الَّتِي يُقَدِّرُهَا الْإِنْسَانُ مِنْ أَعْضَائِهِ كَفُّهُ (¬2) ، فَصَارَ هَذَا مَثَلًا لِأَقَلِّ شَيْءٍ. فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ مَا يَفْضُلُ مِنَ الْعَرْشِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، كَانَ الْمَعْنَى: مَا يَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ مِنَ الْعَرْشِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَدْ] (¬3) قَالَهُ فَلَيْسَ عَلَيْنَا مِنْهُ، [وَإِنْ كَانَ [قَدْ] (¬4) قَالَهُ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ] (¬5) ] ، وَإِنْ (¬6) كَانَ قَالَهُ بِالنَّفْيِ لَمْ يَكُنْ قَالَهُ بِالْإِثْبَاتِ ; [وَالَّذِينَ قَالُوهُ بِالْإِثْبَاتِ] (¬7) ذَكَرُوا فِيهِ مَا يُنَاسِبُ أُصُولَهُمْ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ - سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا - لَا يَقْدَحُ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا يَضُرُّهُمْ، لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا لَيْسَ هُوَ قَوْلَ جَمَاعَتِهِمْ، بَلْ غَايَتُهُ ¬

(¬1) ب، أ: يُقَدَّرُ بِهِ. (¬2) ب، أ: وَأَصْغَرُ الْمَمْسُوحَاتِ الَّتِي يُقَدِّرُ بِهَا الْإِنْسَانُ مِنْ أَعْضَائِهِ كَفٌّ. (¬3) قَدْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) قَدْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب، أ: فَإِنْ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

أَنَّهُ [قَدْ] (¬1) قَالَتْهُ طَائِفَةٌ وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَمَا كَانَ (¬2) بَاطِلًا رَدَّهُ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا يَرُدُّونَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ كَثِيرًا مِنَ الْبَاطِلِ، فَمَا يَكُونُ هَذَا ضَارٌّ لِدِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي أَقْوَالِ الْإِمَامِيَّةِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ مَا يُعْرَفُ مِثْلُ هَذَا فِيهِ، لَوْ كَانَ قَدْ قَالَهُ [بَعْضُ] (¬3) أَهْلِ السُّنَّةِ. (فَصْلٌ) قَالَ الْإِمَامِيُّ (¬4) : " وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ بِشَكْلِ أَمْرَدَ (¬5) رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ بِبَغْدَادَ وَضَعَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ مَعْلَفًا يَضَعُ كُلَّ (¬6) لَيْلَةِ جُمُعَةٍ فِيهِ شَعِيرًا وَتِبْنًا، لِتَجْوِيزِ أَنْ يَنْزِلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حِمَارِهِ عَلَى ذَلِكَ السَّطْحِ، فَيَشْتَغِلَ الْحِمَارُ بِالْأَكْلِ وَيَشْتَغِلَ الرَّبُّ بِالنِّدَاءِ: هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ (¬7) تَعَالَى اللَّهُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْعَقَائِدِ الرَّدِيَّةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى (¬8) . وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُنْقَطِعِينَ الْمُبَارَكِينَ (¬9) مِنْ شُيُوخِ الْحَشْوِيَّةِ أَنَّهُ اجْتَازَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ نَفَّاطٌ (¬10) وَمَعَهُ أَمْرَدُ حَسَنُ الصُّورَةِ قَطَطُ ¬

(¬1) قَدْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ن، م: وَإِذَا كَانَ. (¬3) بَعْضُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ع: الرَّافِضِيُّ. وَالْكَلَامُ التَّالِي وَرَدَ مِنْ قَبْلُ فِي (ك) 1/84 (م) - 85 (م) . (¬5) ك 1/84 (م) : إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ عَلَى شَكْلِ أَمْرَدَ حَسَنِ الْوَجْهِ. (¬6) ن، م: يَضَعُ فِي كُلِّ. . (¬7) ك:. . بِالنِّدَاءِ وَقَالَ هَلْ مِنْ تَائِبٍ مُسْتَغْفِرٍ يَسْتَغْفِرُ وَأَنَا أَتُوبُ عَلَيْهِ وَأَغْفِرُ لَهُ؟ . (¬8) ب: الرَّدِيئَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ; ك: الرَّدِيَّةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (¬9) ب: التَّارِكِينَ لِلدُّنْيَا ; أ: النَّازِلِينَ ; ك: التَّارِكِينَ. (¬10) ع: اجْتَازَ بَعْضَ الْأَيَّامِ بِنَفَّاطٍ.

الشَّعْرِ عَلَى الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِفُونَ رَبَّهُمْ بِهَا، فَأَلَحَّ الشَّيْخُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَكَرَّرَهُ وَأَكْثَرَ تَصْوِيبَهُ إِلَيْهِ (¬1) فَتَوَهَّمَ فِيهِ النَّفَّاطَ فَجَاءَ إِلَيْهِ (¬2) لَيْلًا وَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ رَأَيْتُكَ تُلِحُّ بِالنَّظَرِ (¬3) إِلَى هَذَا الْغُلَامِ وَقَدْ أَتَيْتُكَ بِهِ (¬4) ، فَإِنْ كَانَ لَكَ فِيهِ نِيَّةٌ فَأَنْتَ الْحَاكِمُ (¬5) . فَحَرَدَ الشَّيْخُ عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّمَا كَرَّرْتُ النَّظَرَ إِلَيْهِ لِأَنَّ مَذْهَبِي أَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ عَلَى صُورَتِهِ (¬6) فَتَوَهَّمْتُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَالَ لَهُ النَّفَّاطُ: مَا أَنَا عَلَيْهِ مِنَ [النَّفَّاطَةِ] (¬7) أَجْوَدُ مِمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ مَعَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ". فَيُقَالُ: هَذِهِ الْحِكَايَةُ وَأَمْثَالُهَا دَائِرَةٌ (¬8) بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَذِبًا مَحْضًا مِمَّنِ افْتَرَاهَا عَلَى بَعْضِ شُيُوخِ أَهْلِ بَغْدَادَ (¬9) ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وَقَعَتْ لِجَاهِلٍ مَغْمُورٍ (¬10) لَيْسَ بِصَاحِبِ قَوْلٍ وَلَا مَذْهَبٍ، وَأَدْنَى الْعَامَّةِ أَعْقَلُ مِنْهُ وَأَفْقَهُ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ أَهْلَ السُّنَّةِ شَيْئًا، لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ ¬

(¬1) إِلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) ك 1/85 (م) : وَجَاءَ إِلَيْهِ. (¬3) ن، م: تُلِحُّ النَّظَرَ. (¬4) ك: وَقَدْ أَتَيْتُ بِهِ إِلَيْكَ ; م: وَقَدْ حَبَيْتُكَ بِهِ. (¬5) ن، م: الْحَاكِمُ فِيهِ. (¬6) ك، ب: عَلَى صُورَةِ هَذَا الْغُلَامِ. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " عَلَى صُورَتِهِ " مِنْ (أ) . (¬7) النَّفَّاطَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) ع: هِيَ دَائِرَةٌ. (¬9) ب، أ، ن، م: عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ وَبَعْضِ الشُّيُوخِ. (¬10) ب: مَعْذُورًا ; أ: مَعْفُورٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ذِي عِلْمٍ (¬1) أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ بِالسُّنَّةِ مَنْ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا الْهَذَيَانِ، الَّذِي لَا يَنْطَلِي عَلَى صَبِيٍّ مِنَ الصِّبْيَانِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعَجَائِبَ الْمَحْكِيَّةَ عَنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا، مَعَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَاقِعَةٌ. وَأَمَّا هَذِهِ الْحِكَايَةُ فَحَدَّثَنِي طَائِفَةٌ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ بَغْدَادَ (¬2) أَنَّهَا كَذِبٌ مَحْضٌ عَلَيْهِمْ، وَضَعَهَا إِمَّا (¬3) هَذَا الْمُصَنِّفُ، أَوْ مَنْ حَكَاهَا لَهُ لِلشَّنَاعَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ، فَإِنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ لَهُمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَالذِّهْنِ مَا لَا يُرَوَّجُ عَلَيْهِمْ مَعَهُ (¬4) مِثْلُ هَذَا. وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَرَوِهِ أَحَدٌ لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ (¬5) ، وَلَا رَوَى أَحَدٌ [مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ] (¬6) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، [وَلَا أَنَّهُ يَنْزِلُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ] (¬7) إِلَى الْأَرْضِ (¬8) ، وَلَا أَنَّهُ يَنْزِلُ فِي شَكْلِ ¬

(¬1) ب، أ: لِذِي عِلْمٍ. (¬2) ع: فَحَدَّثَنِي ثِقَاتٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ. (¬3) إِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) مَعَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬5) وَلَا ضَعِيفٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬8) ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " 1/26 - 27 وَالشَّوْكَانِيُّ فِي " الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ "، ص 446 - 447 وَابْنُ عِرَاقٍ الْكِنَانِيُّ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " 1/138 حَدِيثًا جَاءَ فِيهِ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَى دَارِ الدُّنْيَا فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ فَيَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْ نُورٍ. . . إِلَخْ ". قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: " رَوَاهُ الْجُوزَقَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعَانِ وَقَالَ: كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ مُرَكَّبٌ عَلَى الشُّيُوخِ، وَضَعَهُ أَبُو السَّعَادَاتِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ كَذَّابٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَالَ فِي " الْمِيزَانِ ": إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ وَمَتْنٌ مُخْتَلَقٌ ". وَرَوَى السُّيُوطِيُّ فِي " ذَيْلِ اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " ص 2 (ط. حَجَرٍ، الْهِنْدَ، 1303) حَدِيثًا آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ مَرْفُوعًا: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَيْهِ رِدَاءٌ مَكْتُوبٌ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، يَقِفُ فِي قِبْلَةِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مُقْبِلًا عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ، لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ تِلْكَ السَّاعَةَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ صَعِدَ السَّمَاءَ ". قَالَ السُّيُوطِيُّ: " أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِهِ " وَقَالَ: كَتَبَ الْخَطِيبُ هَذَا عَنِ الْأَهْوَازِيِّ مُتَعَجِّبًا مِنْ نَكَارَتِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ ".

أَمْرَدَ (¬1) بَلْ لَا يُوجَدُ فِي الْآثَارِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْهَذَيَانِ، بَلْ وَلَا فِي [شَيْءٍ ¬

(¬1) أَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ ": 1/28 - 31 عِدَّةَ أَحَادِيثَ عَنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي صُورَةِ شَابٍّ أَوَّلُهَا (1/28 - 29) عَنْ أُمِّ الطُّفَيْلِ مَرْفُوعًا " رَأَيْتُ رَبِّي فِي الْمَنَامِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ؛ شَابًّا مُوَقَّرًا، رِجْلَاهُ فِي خُضْرَةٍ، لَهُ نَعْلَانِ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى وَجْهِهِ فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ " وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الشَّوْكَانِيُّ فِي " الْفَوَائِدِ " ص 447) ، وَثَانِيهَا (1/29) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ شَابٍّ لَهُ وَفْرَةٌ " وَحَدِيثًا ثَالِثًا (1: " عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ عَلَى صُورَةِ شَابٍّ جَالِسٍ عَلَى كُرْسِيٍّ، رِجْلُهُ فِي خُضْرَةٍ مِنْ نُورٍ يَتَلَأْلَأُ "، وَحَدِيثًا رَابِعًا (1 جَاءَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ عَلَيْهِ تَاجٌ. . إِلَخْ، وَحَدِيثًا خَامِسًا " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: رَأَيْتُ رَبِّي تَعَالَى فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ خَضْرَاءُ "، وَحَدِيثًا سَادِسًا (1/31) : " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ دُونَهُ سِتْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ قَدَمَاهُ مِنْ خُضْرَةٍ " وَأَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهَا وَعَدَّهَا مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَاوَلَ تَأْوِيلَهَا عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا إِنَّمَا كَانَتْ فِي الْمَنَامِ أَوْ أَنَّ الرَّسُولَ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ. وَقَالَ ابْنُ الدَّيْبَعِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِهِ " تَمْيِيزِ الطَّيِّبِ مِنَ الْخَبِيثِ فِيمَا يَدُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ "، ص [0 - 9] 9 (ط. صُبَيْحٍ، 1347) : " حَدِيثُ رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ دَائِرٌ عَلَى أَلْسِنَةِ عَوَامِّ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ الْمَوْضُوعُ مُفْتَرًى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا قَالَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ". وَانْظُرْ: تَذْكِرَةَ الْمَوْضُوعَاتِ لِلْفَتَّنِيِّ، ص [0 - 9] 2 ; مَوْضُوعَاتِ الْقَارِي، ص [0 - 9] 4 ; تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ 1/145.

مِنَ] (¬1) الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِيهِ هَذَا فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كَذِبٌ، مِثْلُ حَدِيثِ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ، وَأَنَّ [اللَّهَ] يَنْزِلُ (¬2) عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَيُعَانِقُ الرُّكْبَانَ وَيُصَافِحُ الْمُشَاةَ (¬3) ، وَحَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي الطَّوَافِ، وَحَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي بَطْحَاءِ مَكَّةَ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَحَادِيثُ مَكْذُوبَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَالَّذِينَ وَضَعُوهَا مِنْهُمْ طَائِفَةٌ وَضَعُوهَا عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ لِيُقَالَ: إِنَّهُمْ يَنْقُلُونَ مِثْلَ هَذَا، (* كَمَا وَضَعُوا [مِثْلَ] (¬4) حَدِيثِ عَرَقِ الْخَيْلِ عَلَيْهِمْ (¬5) ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْجُهَّالِ وَالضُّلَّالِ وَضَعُوا مِثْلَ هَذَا *) (¬6) الْكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا وَضَعَتِ الرَّوَافِضُ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْكَذِبِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْإِمَامِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ فِيهَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ ¬

(¬1) شَيْءٍ مِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَأَنَّهُ يَنْزِلُ. (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ 2/528 (ت [0 - 9] ) . وَانْظُرْ: تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ 1/138 - 139. (¬4) مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) عَلَيْهِمْ: فِي (ن) فَقَطْ. وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ فِي (اللَّآلِئِ) 1/3 هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ عَنِ الْحَاكِمِ: " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مِمَّ رَبُّنَا؟ قَالَ: مِنْ مَاءٍ مُرُورٍ، لَا مِنْ أَرْضٍ وَلَا مِنْ سَمَاءٍ، خَلَقَ خَيْلًا فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ، فَخَلَقَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَرَقِ ". ثُمَّ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ قَوْلَ الْحَاكِمِ: " مَوْضُوعٌ، اتُّهِمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَلَا يَضَعُ مِثْلَ هَذَا مُسْلِمٌ " وَأَضَافَ السُّيُوطِيُّ: " قُلْتُ: وَلَا عَاقِلَ "، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ الذَّهَبِيِّ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ (وَانْظُرْ مَا جَاءَ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ 6/692 عَنْ أَبِي شُجَاعٍ) وَذَكَرَ ابْنُ عِرَاقٍ هَذَا الْحَدِيثَ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " 1/134. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

بِالْحَدِيثِ (¬1) عَلَى كَذِبِهِ، وَمِنَ الْكَذِبِ (¬2) الَّذِي لَا يَخْفَى أَنَّهُ كَذِبٌ إِلَّا عَلَى مُفْرِطٍ فِي الْجَهْلِ، مَا قَدْ ذَكَرَهُ فِي " مِنْهَاجِ النَّدَامَةِ ". وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ بِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ بِعَيْنِهِ فِي الدُّنْيَا: لَا نَبِيَّ وَلَا غَيْرَ نَبِيٍّ، وَلَمْ يَتَنَازَعِ النَّاسُ فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي نَبِيِّنَا [مُحَمَّدٍ] (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً (¬4) ، مَعَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْمِعْرَاجِ الْمَعْرُوفَةَ (¬5) لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ رَآهُ أَصْلًا، وَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ [ضَعِيفٍ] (¬6) مَوْضُوعٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ " إِبْطَالِ التَّأْوِيلِ "، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ [مُتَّفِقُونَ] (¬7) عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ [كَذِبٌ] (¬8) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬9) قَالَ: «قُلْتُ ¬

(¬1) ع: أَهْلُ الْحَدِيثِ. (¬2) الْكَذِبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) مُحَمَّدٍ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) انْظُرْ مَا سَبَقَ 2/315 وَمَا بَعْدَهَا. (¬5) ب، أ: مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَعْرُوفَةَ. (¬6) ضَعِيفٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مُتَّفِقُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) كَذِبٌ: فِي (ع) فَقَطْ. وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا لَمْ يُذْكَرْ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي اللَّآلِئِ: (1/12 - 13) وَالشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَوَائِدِ، ص 441 وَنَصُّهُ (كَمَا فِي اللَّآلِئِ) : " عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَسْرَيْتُ فَرَأَيْتُ رَبِّي بَيْنَهُ وَبَيْنِي حِجَابٌ بَارِزٌ مِنْ نَارٍ، فَرَأَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى رَأَيْتُ تَاجًا مَخْصُوصًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ ". وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ أَقْوَالَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَالذَّهَبِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنِ الْحَدِيثِ، وَكُلُّهَا عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عِرَاقٍ فِي: تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ 1/137 وَقَالَ: " وَفِيهِ قَاسِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَلْطِيُّ ". (¬9) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: " نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» (¬1) . وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّؤْيَةِ إِلَّا مَا (¬2) فِي الْحَدِيثِ. وَمَا يَرْوِيهِ بَعْضُ الْعَامَّةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَنَّ عَائِشَةَ سَأَلَتْهُ فَقَالَ: لَمْ أَرَهُ، كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ ; وَلِهَذَا اعْتَمَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ فِي الرُّؤْيَةِ، (¬3) وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ (¬4) . وَأَمَّا أَحَادِيثُ النُّزُولِ (¬5) إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا (¬6) كُلَّ لَيْلَةٍ فَهِيَ الْأَحَادِيثُ الْمَعْرُوفَةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬7) ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ دُنُوِّهِ عَشِيَّةَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 1/161 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ، وَفِي قَوْلِهِ: رَأَيْتُ نُورًا) . وَقَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحُ مُسْلِمٍ 3/12) : " وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ، فَهُوَ بِتَنْوِينِ (نُورٌ) وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِي (أَنَّى) وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَفَتْحِهَا، وَ (أَرَاهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ; هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ، وَمَعْنَاهُ: حِجَابُهُ نُورٌ فَكَيْفَ أَرَاهُ؟ ! قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الضَّمِيرُ فِي (أَرَاهُ) عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النُّورَ مَنَعَنِي مِنَ الرُّؤْيَةِ، كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِغْشَاءِ الْأَنْوَارِ وَالْأَبْصَارِ وَمَنْعِهَا مِنْ إِدْرَاكِ مَا حَالَتْ بَيْنَ الرَّائِي وَبَيْنَهُ ". وَانْظُرْ أَيْضًا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ: 12 - 13. (¬2) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ن: فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ذُكِرَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الدَّارِمِيِّ فِي كِتَابِهِ " الرَّدِّ عَلَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ " (ط. الْفِقِي) ، ص 57 - 58. (¬5) ب، أ، ن، م: حَدِيثُ النُّزُولِ. (¬6) ب، أ، ن، م: سَمَاءِ الدُّنْيَا. (¬7) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ النُّزُولِ 2/323 (ت 6) .

عَرَفَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (¬1) ، وَأَمَّا النُّزُولُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَفِيهِ حَدِيثٌ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ (¬2) . ثُمَّ إِنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَنْزِلُ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ، كَمَا نُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (¬3) وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا، وَنَقَلُوهُ ¬

(¬1) رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 2/982 - 983 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابٌ فِي فَضْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ". قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ (التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ 2/327) : " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَزَادَ فِي جَامِعِهِ فِيهِ: اشْهَدُوا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ". وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ (التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ 2/323) حَدِيثًا آخَرَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا مِنْ أَيَّامٍ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ: يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ. . . الْحَدِيثَ " وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ. وَانْظُرْ أَحَادِيثَ أُخْرَى فِي النُّزُولِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ 2/327 - 328 ; الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ لِلدَّارِمِيِّ، ص 35. (¬2) رَوَى الدَّارِمِيُّ (الرَّدَّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، ص [0 - 9] 4 - 35) وَابْنُ خُزَيْمَةَ (التَّوْحِيدَ، ص [0 - 9] ) - وَاللَّفْظُ لَهُ - " عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ إِلَّا لِإِنْسَانٍ فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ أَوْ مُشْرِكٍ بِاللَّهِ " قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ " ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، ثَنَاهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ". وَانْظُرْ أَحَادِيثَ أُخْرَى فِي نُزُولِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/444 - 445 (كِتَابِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ) ; التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ 2/241 - 243 ; الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ) 10/166 - 167 (رَقْمِ 6642) وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ رَحِمَهُ اللَّهُ. (¬3) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/462.

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى مُسَدَّدٍ (¬1) [يَقُولُ] (¬2) : " وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ (¬3) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ يَنْزِلُ، وَلَا تُمَثَّلُ صِفَاتُهُ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ ". وَقَدْ تَنَازَعُوا فِي النُّزُولِ هَلْ هُوَ [صِفَةُ] (¬4) فِعْلٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الرَّبِّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ (¬5) أَوْ فِعْلُ مَنْ يَقُومُ بِهِ، عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (¬6) وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفُ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُهُمْ فِي الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ هَلْ هُوَ فِعْلٌ (¬7) مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ¬

(¬1) ب: أَبِي مَدَرٍ ; أ: إِلَى مَدَرٍ ; وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَنَصَّ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَةِ " شَرْحِ حَدِيثِ النُّزُولِ "، ص [0 - 9] 4، عَلَى أَنَّهُ مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، وَقَالَ ص (49) إِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ طَعَنَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ انْظُرْ: ص 49 وَمَا بَعْدَهَا، ط. مَطْبَعَةِ الْإِمَامِ 1366/1947. وَمُسَدَّدٌ هَذَا هُوَ أَبُو الْحَسَنِ مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدِ بْنِ مُسَرْبَلٍ الْأَسَدِيُّ الْبَصْرِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (تَقْرِيبَ التَّهْذِيبِ، ص [0 - 9] 42) : " ثِقَةٌ حَافِظٌ، يُقَالُ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الْمُسْنَدَ بِالْبَصْرَةِ. . . وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُسَدَّدٌ لَقَبُهُ: وَتُوُفِّيَ مُسَدَّدٌ سَنَةَ 228. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/341 - 345 (أَوْرَدَ ابْنُ أَبِي يَعْلَى فِي هَذِهِ الصَّفَحَاتِ نَصَّ رِسَالَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِلَيْهِ) ; تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/421 - 422 ; طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/307 ; الْأَعْلَامِ 8/108. (¬2) يَقُولُ: فِي (ع) فَقَطْ. وَالْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ لَيْسَتْ فِي الرِّسَالَةِ فِي تَرْجَمَةِ مُسَدَّدٍ فِي " طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ ". (¬3) ن: عَلَى أَنَّهُ. (¬4) صِفَةُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) ب، أ: فِي الْمَخْلُوقِ. (¬6) وَأَحْمَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ب، أ: يَفْعَلُ.

يَفْعَلُهُ بِالْعَرْشِ كَتَقْرِيبِهِ إِلَيْهِ، أَوْ فِعْلٌ يَقُومُ بِذَاتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنُ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (¬1) وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ (¬2) وَأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ (¬3) وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ (¬4) وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَالثَّانِي قَوْلُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ (¬5) وَجُمْهُورِهِمْ كَابْنِ الْمُبَارَكِ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ (¬6) وَالْأَوْزَاعِيِّ (¬7) وَالْبُخَارِيِّ وَحَرْبِ الْكِرْمَانِيِّ (¬8) وَابْنِ خُزَيْمَةَ (¬9) وَيَحْيَى بْنِ عَمَّارٍ السِّجِسْتَانِيِّ (¬10) وَعُثْمَانِ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ (¬11) وَابْنِ حَامِدٍ (¬12) وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ (¬13) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ (¬14) [وَأَبِي] إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ (¬15) ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ وَالتَّمِيمِيِّينَ 2/322. (¬2) أَبُو سُلَيْمَانَ أحَمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُسْتِيُّ الْخَطَّابِيُّ سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/313. (¬3) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/365. (¬4) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ 1/142 - 143. (¬5) ب، أ: أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. (¬6) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُمَا 2/143، 144. (¬7) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/462. (¬8) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/433. (¬9) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/365. (¬10) أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ السِّجِسْتَانِيِّ، الْوَاعِظُ نَزِيلُ هَرَاةَ، كَانَ بَارِعًا فِي التَّفْسِيرِ وَالسُّنَّةِ، تُوُفِّيَ 422. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الْعِبَرِ لِلذَّهَبِيِّ 3/151 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/326. (¬11) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/433، 2/364. (¬12) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/433. (¬13) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/434. (¬14) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/435. (¬15) ب، أ: وَإِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/433، 2/610.

قول ابن المطهر إن قول الكرامية بالجهة يعني الحدوث والاحتياج إلى جهة ورد ابن تيمية

وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعًا لِبَسْطِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَذَا مِمَّا يَعْلَمُ الْعُقَلَاءُ أَنَّهُ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ قَالَهُ لَا جَاهِلٌ وَلَا عَالِمٌ، بَلِ الْكَذِبُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ. [قول ابن المطهر إن قول الكرامية بالجهة يعني الحدوث والاحتياج إلى جهة ورد ابن تيمية] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ الْمُصَنِّفُ: (¬1) " وَقَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ: إِنَّ اللَّهَ (¬2) فِي جِهَةٍ فَوْقُ ; وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ فِي جِهَةٍ (¬3) [فَهُوَ مُحْدَثٌ] (¬4) وَمُحْتَاجٌ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ ". فَيُقَالُ لَهُ أَوَّلًا: لَا الْكَرَّامِيَّةُ وَلَا غَيْرُهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فِي جِهَةٍ مَوْجُودَةٍ تُحِيطُ بِهِ (¬5) أَوْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا، بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ (¬6) عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ: سُمِّيَ جِهَةً أَوْ لَمْ يُسَمَّ (¬7) . نَعَمْ قَدْ يَقُولُونَ: " هُوَ فِي جِهَةٍ " وَيَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ، فَهَذَا مَذْهَبُ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ (¬8) ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الشِّيعَةِ وَقُدَمَائِهِمْ (¬9) كَمَا ¬

(¬1) فِي (ك) مِنْهَاجُ الْكَرَامَةِ 1/85 (م) . (¬2) ك: اللَّهَ تَعَالَى. (¬3) ك (فَقَطْ) : كُلَّ مَا هُوَ فِي جِهَةٍ فَوْقُ. (¬4) فَهُوَ مُحْدَثٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ب، أ: يُحِيطُ بِهَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ب، أ: عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَغْنٍ ; ن، م: عَلَى أَنَّهُ غَنِيٌّ. (¬7) ب، أ: سُمِّيَ جِهَةً أَوْ لَمْ يُسَمَّ جِهَةً ; ن: سَوَاءٌ سُمِّيَ جِهَةً أَوْ لَمْ يُسَمَّ. (¬8) ب أ: يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ فَوْقُ، قِيلَ لَهُ: هَذَا مَذْهَبُ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. (¬9) وَقُدَمَائِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَأَنْتَ لَمْ تَذَكُرْ حُجَّةً عَلَى إِبْطَالِهِ، فَمَنْ شَنَّعَ عَلَى النَّاسِ بِمَذَاهِبِهِمْ (¬1) ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُشِيرَ إِلَى إِبْطَالِهِ (¬2) ، وَجُمْهُورُ الْخَلْقِ (¬3) عَلَى أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَا يَلْفِظُ بِلَفْظِ " الْجِهَةِ " فَهُمْ يَعْتَقِدُونَ بِقُلُوبِهِمْ [وَيَقُولُونَ] (¬4) بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّ (¬5) رَبَّهُمْ فَوْقُ، وَيَقُولُونَ إِنَّ هَذَا أَمْرٌ فُطِرُوا عَلَيْهِ وَجُبِلُوا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهَمَذَانِيُّ (¬6) لِبَعْضِ ¬

(¬1) ب: فَمَنْ شَنَّعَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ ; أ: فَمَنْ شَنَّعَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ. (¬2) ب، أ: إِلَى بُطْلَانِهِ. (¬3) ب، أ: وَجُمْهُورُ الْخَلَفِ. (¬4) وَيَقُولُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ن، م: أَبُو الْفَضْلِ الْهَمْدَانِيُّ ; ب، أ: أَبُو جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِيُّ. وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي " الْعِبَرِ " 4/85 فِي وَفَيَاتِ سَنَةِ 531: " أَبَا جَعْفَرٍ الْهَمَذَانِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظَ الصَّدُوقَ. رَحَلَ وَرَوَى عَنِ ابْنِ النَّقُّورِ وَأَبِي صَالِحٍ الْمُؤَذِّنِ وَالْفَضْلِ بْنِ الْمُحِبِّ وَطَبَقَتِهِمْ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: مَا أَعْرِفُ أَنَّ فِي عَصْرِهِ أَحَدًا سَمِعَ أَكْثَرَ مِنْهُ. تُوُفِّيَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ " وَنَقَلَ هَذَا الْكَلَامَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي " شَذَرَاتِ الذَّهَبِ " 4/97 وَزَادَ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ نَاصِرُ الدِّينِ: كَانَ حَافِظًا مِنَ الْمُكْثِرِينَ "، كَمَا نَقَلَ بَعْضَهُ الْيَافِعِيُّ فِي " مِرْآةِ الْجِنَانِ " 3/259، وَلَكِنَّهُمَا جَعَلَا نِسْبَتَهُ: الْهَمْدَانِيَّ، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. وَفِي " الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ " ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ الْعِبَارَةَ كَمَا يَلِي: " كَمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِيُّ لِأَبِي الْمَعَالِي. . . إِلَخْ ". وَقَدْ وَرَدَ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ " لِلسُّبْكِيِّ وَفِي تَرْجَمَةِ الْجُوَيْنِيِّ فِي كِتَابِ " مُخْتَصَرِ الْعُلُوِّ لِلْعَلِيِّ الْغَفَّارِ " لِلذَّهَبِيِّ (ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ، دِمَشْقَ، 1/1401 \ 1981 (بِتَحْقِيقِ الْأَلْبَانِيِّ) مَا يُثْبِتُ أَنَّ الْحِوَارَ التَّالِيَ دَارَ بَيْنَ الْجُوَيْنِيِّ وَبَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ الْهَمَذَانِيِّ ; فَفِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ "، 5/190: ". . . عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الْحَافِظِ الْهَمَذَانِيِّ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْهَمَذَانِيُّ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيَّ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فَقَالَ: كَانَ اللَّهُ وَلَا عَرْشَ، وَجَعَلَ يَتَخَبَّطُ فِي الْكَلَامِ، فَقُلْتُ: قَدْ عَلِمْنَا مَا أَشَرْتَ إِلَيْهِ فَهَلْ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ مِنْ حِيلَةٍ؟ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَمَا تَعْنِي بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ؟ قُلْتُ: مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ يَا رَبَّاهُ إِلَّا قَبْلَ أَنْ يَتَحَرَّكَ لِسَانُهُ قَامَ مِنْ بَاطِنِهِ قَصْدٌ لَا يَتَلَفَّتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً يَقْصِدُ الْفَوْقِيَّةَ. فَهَلْ لِهَذَا الْقَصْدِ الضَّرُورِيِّ عِنْدَكَ مِنْ حِيلَةٍ؟ فَبَيِّنْهَا نَتَخَلَّصْ مِنَ الْفَوْقِ وَالتَّحْتِ. وَبَكَيْتُ وَبَكَى الْخَلْقُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى السَّرِيرِ وَصَاحَ بِالْحَيْرَةِ وَخَرَقَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ قِيَامَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَنَزَلَ وَلَمْ يُجِبْنِي إِلَّا بِتَأْفِيفِ الدَّهْشَةِ وَالْحَيْرَةِ، وَسَمِعْتُ بَعْدَ هَذَا مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُونَ: سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: حَيَّرَنِي الْهَمَذَانِيُّ، انْتَهَى ". وَانْظُرْ: مُخْتَصَرَ الْعُلُوِّ لِلْعَلِيِّ الْغَفَّارِ، ص 276 - 277.

مَنْ أَخَذَ يُنْكِرُ الِاسْتِوَاءَ وَيَقُولُونَ (¬1) : لَوِ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ لَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (¬2) مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ الِاسْتِوَاءَ عُلِمَ بِالسَّمْعِ، وَلَوْ لَمْ يُرَدْ بِهِ لَمْ نَعْرِفْهُ، وَأَنْتَ قَدْ تَتَأَوَّلُهُ، فَدَعْنَا مِنْ هَذَا وَأَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي نَجِدُهَا فِي قُلُوبِنَا، فَإِنَّهُ مَا قَالَ عَارِفٌ قَطُّ: يَا اللَّهُ، إِلَّا وَقَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِلِسَانِهِ (¬3) ، يَجِدُ فِي قَلْبِهِ مَعْنًى يَطْلُبُ الْعُلُوَّ لَا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ حِيلَةٍ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ قُلُوبِنَا؟ فَلَطَمَ الْمُتَكَلِّمُ رَأْسَهُ (¬4) وَقَالَ: حَيَّرَنِي الْهَمْدَانِيُّ، [حَيَّرَنِي الْهَمْدَانِيُّ، حَيَّرَنِي الْهَمْدَانِيُّ] (¬5) . وَمَضْمُونُ كَلَامِهِ (¬6) أَنَّ دَلِيلَكَ عَلَى النَّفْيِ لَوْ صَحَّ فَهُوَ (¬7) نَظَرِيٌّ، وَنَحْنُ نَجِدُ عِنْدَنَا عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِهَذَا (¬8) ، فَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ إِلَى هَذَا الْعِلْمِ (¬9) وَإِلَى ¬

(¬1) ب، أ: وَيَقُولُ. (¬2) ع، ن، م: أَبُو الْفَضْلِ. (¬3) ب، أ، ن، م: يَنْطِقُ لِسَانُهُ. (¬4) ب: رَأَيْتُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْكَلِمَةُ فِي (أ) غَيْرُ وَاضِحَةٍ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) . (¬6) ب، أ: وَمَعْنَى كَلَامِهِ. (¬7) عِبَارَةُ " لَوْ صَحَّ فَهُوَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (أ) ، (ب) . (¬8) ع: وَنَحْنُ عِنْدُنَا عِلْمٌ ضَرُورِيٌّ بِهَذَا. (¬9) ن: إِلَى الْعِلْمِ بِالْإِثْبَاتِ ; م: إِلَى هَذَا الْإِثْبَاتِ.

هَذَا الْقَصْدِ، فَهَلْ عِنْدَكَ [مِنْ] حِيلَةٍ (¬1) فِي دَفْعِ هَذَا الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَالْقَصْدِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي يَلْزَمُنَا لُزُومًا لَا يُمْكِنُنَا دَفْعُهُ عَنْ أَنْفُسِنَا ; ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَرِّرْ نَقِيضَهُ. وَأَمَّا دَفْعُ الضَّرُورِيَّاتِ بِالنَّظَرِيَّاتِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ، لِأَنَّ النَّظَرِيَّاتِ (¬2) غَايَتُهَا أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهَا بِمُقَدِّمَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ. فَالضَّرُورِيَّاتُ أَصْلُ النَّظَرِيَّاتِ، فَلَوْ قَدَحَ فِي الضَّرُورِيَّاتِ بِالنَّظَرِيَّاتِ لَكَانَ ذَلِكَ قَدْحًا فِي أَصْلِ النَّظَرِيَّاتِ، فَتَبْطُلُ الضَّرُورِيَّاتُ وَالنَّظَرِيَّاتُ، (3 فَيَلْزَمُنَا بُطْلَانُ قَدْحِهِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ 3) (¬3) ، إِذْ كَانَ قَدْحُ الْفَرْعِ فِي أَصْلِهِ يَقْتَضِي فَسَادَهُ فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا فَسَدَ بَطَلَ قَدَحُهُ، (* فَيَكُونُ قَدَحُهُ بَاطِلًا عَلَى [تَقْدِيرِ] صِحَّتِهِ (¬4) وَعَلَى تَقْدِيرِ فَسَادِهِ *) (¬5) ، فَإِنَّ صِحَّتَهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِصِحَّةِ أَصْلِهِ، فَإِذَا صَحَّ كَانَ أَصْلُهُ صَحِيحًا، وَفَسَادُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ أَصْلِهِ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الْفَسَادُ مِنْهُ، وَلَوْ قَدَحَ فِي أَصْلِهِ لَلَزِمَ فَسَادُهُ، وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا لَمْ يُقْبَلْ قَدْحُهُ، فَلَا يُقْبَلُ قَدْحُهُ بِحَالٍ. (* وَهَذَا [لِأَنَّ] (¬6) الدَّلِيلَ النَّظَرِيَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ وَعَلَى تَأْلِيفِهَا قَدْ يَكُونُ فَسَادُهُ مِنْ فَسَادِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ، وَمِنْ فَسَادِ الْأُخْرَى، وَمِنْ فَسَادِ النَّظْمِ، فَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ بَاطِلًا أَنْ يَبْطُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ، بِخِلَافِ الْمُقَدِّمَاتِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ وَاحِدٌ مِنْهَا بَاطِلًا بَطَلَ الدَّلِيلُ *) (¬7) . ¬

(¬1) ع: فَهَلْ عِنْدَكَ عِلْمٌ ; ب، أ، ن، م: فَهَلْ عِنْدَكَ حِيلَةٌ. (¬2) ن: الضَّرُورِيَّاتِ. (¬3) : (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ن: عَلَى صِحَّةِ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) لِأَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

وَأَيْضًا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَرَّرُوا ذَلِكَ (¬1) بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ، كَقَوْلِهِمْ: كُلُّ مَوْجُودَيْنِ إِمَّا مُتَبَايِنَانِ وَإِمَّا مُتَدَاخِلَانِ (¬2) ، وَقَالُوا: إِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، وَقَالُوا: إِثْبَاتُ مَوْجُودٍ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ وَالْعَقْلِ. وَأَيْضًا، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقُرْآنَ نَطَقَ (¬3) بِالْعُلُوِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ [جِدًّا] (¬4) ، حَتَّى قَدْ قِيلَ (¬5) إِنَّهَا نَحْوُ (¬6) ثَلَاثِمِائَةِ مَوْضِعٍ، وَالسُّنَنُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكَلَامُ السَّلَفِ الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ بِالتَّوَاتُرِ يَقْتَضِي اتِّفَاقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ (¬7) مَنْ يُنْكِرُهُ. وَمَنْ يُرِيدُ التَّشْنِيعَ عَلَى النَّاسِ، وَدَفْعَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ حُجَّةً. وَلْنَفْرِضْ أَنَّهُ لَا يُنَاظِرُهُ إِلَّا أَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ (¬8) ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا إِلَّا قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ فِي جِهَةٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ وَمُحْتَاجٌ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ ". فَيُقَالُ لَهُ: لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ وَلَمْ تَذْكُرْ مَا بِهِ يُعْلَمُ ذَلِكَ (¬9) ، فَإِنَّ قَوْلَكَ: مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ، إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا كَانَتِ الْجِهَةُ أَمْرًا وُجُودِيًّا وَكَانَتْ لَازِمَةً لَهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا، فَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْبَارِي لَا يَقُومُ ¬

(¬1) ب، أ: قَرَّرُوا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ع، أ: إِمَّا مُتَبَايِنَيْنِ وَإِمَّا مُتَدَاخِلَيْنِ ; ن، م: إِمَّا مُتَبَايِنَيْنِ أَوْ مُتَدَاخِلَيْنِ. (¬3) ب، أ، ن، م: يَنْطِقُ. (¬4) جِدًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ع، م: حَتَّى قِيلَ. (¬6) نَحْوُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ب، أ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ. وَسَقَطَتْ " يَكُنْ " مِنْ (ع) . (¬8) أَصْحَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬9) ب: مَا بِهِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ ; أ: مَا بِهِ يَعْلَمُوا ذَلِكَ.

إِلَّا بِمَحَلٍّ يَحُلُّ فِيهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ ذَلِكَ وَهِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْهُ، فَقَدْ جَعَلَهُ مُحْتَاجًا إِلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ. وَأَيْضًا لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ: إِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَى غَيْرِ مَخْلُوقَاتِهِ. وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّ اللَّهَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعَرْشِ، مَعَ أَنَّهُ خَالِقُ الْعَرْشِ، وَالْمَخْلُوقُ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْخَالِقِ، لَا يَفْتَقِرُ الْخَالِقُ إِلَى الْمَخْلُوقِ، وَبِقُدْرَتِهِ قَامَ الْعَرْشُ وَسَائِرُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنِ الْعَرْشِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ. فَمَنْ فَهِمَ عَنِ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ طَوَائِفِ الْإِثْبَاتِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعَرْشِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَيْهِمْ، كَيْفَ وَهَمَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْعَرْشِ؟ فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ قَبْلَ الْعَرْشِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْعَرْشِ. وَإِذَا كَانَ اللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ خَلَقَ الْعَالَمَ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَالِيَهُ مُحْتَاجًا إِلَى سَافِلِهِ، فَالْهَوَاءُ فَوْقَ الْأَرْضِ وَلَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، وَكَذَلِكَ السَّحَابُ فَوْقَهَا وَلَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، وَكَذَلِكَ السَّمَاوَاتُ فَوْقَ السَّحَابِ وَالْهَوَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةً إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مُحْتَاجًا إِلَى مَخْلُوقَاتِهِ (¬1) لِكَوْنِهِ فَوْقَهَا عَالِيًا عَلَيْهَا؟ ! ¬

(¬1) نَقَلَ مُسْتَجِي زَادَهْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الَّذِي يَبْدَأُ بِقَوْلِهِ: فَمَنْ فَهِمَ عَنِ الْكَرَّامِيَّةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ كَتَبَ التَّعْلِيقَ التَّالِيَ: " قُلْتُ أَنَا: وَلَا شَكَّ أَنَّ سَلَفَنَا الصَّالِحِينَ مِثْلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمُتَّبِعِي التَّابِعِينَ أَتْقَى النَّاسِ وَأَوْرَعُهُمْ، وَأَشَدُّهُمُ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ وَاقْتِدَاءً بِهِ، وَأَعْرَفُهُمْ لِمُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ بِذَاتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُونَ مِثْلُ إِمَامِنَا أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ مُجْمِعُونَ وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى فَوْقَ عَرْشِهِ بِذَاتِهِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّأْوِيلِ وَالِاسْتِيلَاءِ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ رَجُلٍ خَبِيثٍ جَاءَ فِي عَصْرِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَشَاعَتْ فِتْنَةُ الْجَهْمِيَّةِ بَعْدَ هَذَا الْخَبِيثِ فِي النَّاسِ، حَتَّى يُنْقَلُ عَنْ هَذَا الْخَبِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي لَوْ مَحَوْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) عَنِ الْقُرْآنِ. فَانْظُرْ إِلَى جَسَارَةِ هَذَا الْخَبِيثِ وَغُلُوِّهِ فِي التَّنْزِيهِ! وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَرْوِي عَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشَ أَخْلَفَ رَجُلَيْنِ خَبِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَيْثُ إِنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّهُ تَعَالَى مِنْ قَبِيلِ الْأَجْسَامِ، وَالْآخَرُ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ حَيْثُ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ قَبِيلِ لَا شَيْءَ ".

وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَأَنَّ الْقُوَّةَ الَّتِي فِي الْعَرْشِ وَفِي حَمَلَةِ الْعَرْشِ هُوَ خَالِقُهَا، بَلْ نَقُولُ: إِنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِ (¬1) الْمَلَائِكَةِ الْحَامِلِينَ لِلْعَرْشِ (¬2) ; فَإِذَا كَانَ هُوَ الْخَالِقُ لِهَذَا كُلِّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إِلَى غَيْرِهِ. وَلَوِ احْتَجَّ عَلَيْهِ سَلَفُهُ مِثْلُ يُونُسَ [بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] الْقُمِّيِّ (¬3) وَأَمْثَالِهِ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْعَرْشَ يَحْمِلُهُ بِمِثْلِ هَذَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ (¬4) عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَمْ نَقُلْ إِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ مَا زَالَ غَنِيًّا عَنِ الْعَرْشِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَإِذَا جَعَلْنَاهُ قَادِرًا عَلَى هَذَا، كَانَ ذَلِكَ وَصْفًا لَهُ بِكَمَالِ الِاقْتِدَارِ، لَا بِالْحَاجَةِ إِلَى الْأَغْيَارِ. ¬

(¬1) ن، م: لِأَفْعَالِ. (¬2) لِلْعَرْشِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: عَلِيِّ بْنِ يُونُسَ الْقُمِّيِّ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَوْ مِنَ النَّاسِخِ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُمِّيِّ 1/71، 2/235 وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْأَخِيرِ نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنِ " الْمَقَالَاتِ " لِلْأَشْعَرِيِّ كَلَامَهُ عَنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ لَفْظَ " الْجِهَةِ " يُرَادُ بِهِ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَأَمْرٌ مَعْدُومٌ ; فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ كُلِّهِ، لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ فِي جِهَةٍ مَوْجُودَةٍ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ (¬1) بِالْجِهَةِ (* الْعَرْشُ، وَيُرَادُ بِكَوْنِهِ فِيهَا أَنَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا قَدْ (¬2) قِيلَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ فِي السَّمَاءِ، أَيْ عَلَى السَّمَاءِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِذَا كَانَ فَوْقَ الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جِهَةٌ وُجُودِيَّةٌ يَكُنْ فِيهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهَا. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْجِهَةِ *) (¬3) مَا فَوْقَ الْعَالَمِ، فَذَاكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا هُوَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ (¬4) حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ أَوْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا لَفْظَ الْجِهَةِ بِالِاشْتِرَاكِ وَتَوَهَّمُوا وَأَوْهَمُوا أَنَّهُ (¬5) إِذَا كَانَ فِي جِهَةٍ كَانَ فِي [كُلِّ] (¬6) شَيْءٍ غَيْرِهِ، كَمَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ فِي بَيْتِهِ [وَكَمَا يَكُونُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ فِي السَّمَاءِ] (¬7) ، ثُمَّ رَتَّبُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَهَذِهِ مُقَدِّمَاتٌ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " كُلُّ مَا هُوَ فِي جِهَةٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ " لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ دَلِيلًا، وَغَايَتُهُ (¬8) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ [اللَّهَ] (¬9) لَوْ كَانَ فِي جِهَةٍ لَكَانَ جِسْمًا، وَكُلُّ جِسْمٍ ¬

(¬1) ن، م: يُرِيدُ. (¬2) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) ب، أ: وُجُودِيٌّ. (¬5) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬8) ن، م، ع: وَغَايَتُهُمْ. (¬9) ن، م، أ، ب: مِنْ أَنَّهُ.

مُحْدَثٌ، لِأَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ [وَمَا لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ] (¬1) فَهُوَ حَادِثٌ. وَكُلُّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ فِيهَا نِزَاعٌ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: قَدْ يَكُونُ فِي الْجِهَةِ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ ; فَإِذَا قِيلَ لَهُ: هَذَا خِلَافُ الْمَعْقُولِ، قَالَ: هَذَا أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، فَإِنْ قَبِلَ الْعَقْلُ ذَاكَ قَبِلَ هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنْ رَدَّ هَذَا رَدَّ ذَاكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِذَا رَدَّ ذَاكَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْجِهَةِ، [فَثَبَتَ أَنَّهُ فِي الْجِهَةِ] (¬2) عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ جِسْمٍ مُحْدَثٌ، كَسَلَفِهِ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْكَلَامُ مَعَهُمْ. وَهَؤُلَاءِ لَا يُسَلِّمُونَ [لَهُ] (¬3) أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ، بَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ خُلُوُّ الْجِسْمِ عَنِ الْحَرَكَةِ وَكُلِّ حَادِثٍ، كَمَا يُجَوِّزُ مُنَازِعُوهُمْ خُلُوَّ الصَّانِعِ مِنَ الْفِعْلِ إِلَى أَنْ فَعَلَ (¬4) . وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ (¬5) يُنَازِعُهُمْ (¬6) فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ مَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَادِثِ (¬7) فَهُوَ حَادِثٌ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: إِلَى أَنْ يَفْعَلَ. (¬5) ب، أ: مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ. (¬6) ب (فَقَطْ) : يُنَازِعُونَهُمْ. (¬7) ن، م: الْحَوَادِثِ.

وَكُلُّ مَقَامٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ تَعْجِزُ شُيُوخُ الرَّافِضَةِ [الْمُوَافِقِينَ] لِلْمُعْتَزِلَةِ (¬1) عَنْ تَقْرِيرِ قَوْلِهِمْ فِيهِ عَلَى إِخْوَانِهِمُ الْقُدَمَاءِ مِنَ [الرَّافِضَةِ] (¬2) فَضْلًا، عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الطَّوَائِفِ. تَمَّ الْجُزْءُ الثَّانِي بِحَمْدِ اللَّهِ وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّالِثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَوَّلُهُ: (فَصْلٌ) : قَالَ الرَّافِضِيُّ: وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعَبْدِ. ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: شُيُوخُ الرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. (¬2) مِنَ الرَّافِضَةِ: فِي (ع) فَقَطْ.

فصل قول الرافضي إن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العباد والرد عليه

[فصل قول الرافضي إن اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ " (¬2) . فَيُقَالُ لَهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ دَقِيقِ الْكَلَامِ، وَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا الْقَائِلُونَ (¬3) بِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا (¬4) [بَلْ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ شُيُوخِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ شُيُوخُ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ (¬5) ، (فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَذْكُرُهُ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ) (¬6) ، كَابْنِ النُّعْمَانِ وَالْمُوسَوِيِّ الْمُلَقَّبِ بِالْمُرْتَضَى وَأَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ (¬7) وَغَيْرِهِمْ، هُوَ (¬8) مَأْخُوذٌ مِنْ ¬

(¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ: كَذَا فِي (ع) وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) مِنْهَاجِ الْكَرَامَةِ، ص 85 (م) (¬2) ب: الْعَبْدُ ; م: عَلَى مِثْلِ مَقْدُورَاتِ الْعِبَادِ، وَفِي (أ) سَقَطَتْ عِبَارَةُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعِبَادِ ; وَفِي (ك) فِي 85 (م) : عَلَى مِثْلِ مَقْدُورِ الْعَبْدِ، وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَيْنِ مَقْدُورِ الْعَبْدِ، وَلَيْسَتْ " تَعَالَى " فِي ك. (¬3) ع: وَلَا الْقَائِلِينَ (¬4) الْكَلَامُ بَعْدَ عِبَارَةِ (مُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا) وَإِلَى بِدَايَةِ الْفَصْلِ التَّالِي سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَفِي (م) عِبَارَةٌ وَاحِدَةٌ بَدَلًا مِنْ كُلِّ الْكَلَامِ التَّالِي وَهِيَ: بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ (¬5) ع: الْعَدْلُ وَالتَّوْحِيدُ (¬6) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) ابْنُ النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْبَغْدَادِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالشَّيْخِ الْمُفِيدِ. وَالْمُرْتَضَى هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالطُّوسِيُّ هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ شَيْخُ الْإِمَامِيَّةِ وَرَئِيسُ الطَّائِفَةِ وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الثَّلَاثَةِ 1/58، 2/83 (¬8) هُوَ: كَذَا فِي (أ) وَفِي (ب) : وَهُوَ ; و " هُوَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْمِسْطَرَةِ وَبَعْضُهُ قَدْ تَصَرَّفُوا فِيهِ. وَكَذَلِكَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ (¬1) تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هُوَ مَنْقُولٌ مِنْ تَفَاسِيرِ الْمُعْتَزِلَةِ كَالْأَصَمِّ (¬2) وَالْجُبَّائِيِّ (¬3) وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَمَذَانِيِّ (¬4) وَالرُّمَّانِيِّ (¬5) وَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (¬6) وَغَيْرِهِمْ، لَا يُنْقَلُ عَنْ قُدَمَاءِ الْإِمَامِيَّةِ مِنْ هَذَا حَرْفٌ وَاحِدٌ، لَا فِي الْأُصُولِ الْعَقْلِيَّةِ وَلَا فِي ¬

(¬1) مِنْ: كَذَا فِي (ع) وَفِي (ب) ، (أ) : فِي. (¬2) ب، أ: كَالِاسْمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ الْأَصَمُّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ ضِمْنَ الطَّبَقَةِ السَّادِسَةِ مِنْ طَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي كِتَابِهِ: (فَضْلُ الِاعْتِزَالِ وَطَبَقَاتُ الْمُعْتَزِلَةِ) ص 267 - 268، تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ فُؤَاد سَيِّد، طَبْعَةُ الدَّارِ التُّونِسِيَّةِ لِلنَّشْرِ، تُونِسُ 1393 1974 وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْأَصَمِّ وَالْكَلَامُ عَلَى آرَائِهِ 2/569. (¬3) يُطْلَقُ اسْمُ الْجُبَّائِيِّ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَالْفِرْقَةُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ هِيَ الْجُبَّائِيَّةُ، سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ 1/395، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى ابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدٍ، وَالْفِرْقَةُ الَّتِي تَنْتَسِبُ إِلَيْهِ هِيَ الْبَهْشَمِيَّةُ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ 1/270، 2/124، وَذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ أَبَا عَلِيٍّ ضِمْنَ الطَّبَقَةِ الثَّامِنَةِ فِي الْمَرْجِعِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ، ص 287 - 296، وَذَكَرَ ابْنَهُ أَبَا هَاشِمٍ فِي الطَّبَقَةِ التَّاسِعَةِ، ص 304 - 308. (¬4) هُوَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْهَمَذَانِيُّ الْأَسَدَآبَادِيُّ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 415، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/15، وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي كِتَابِ " فَضْلِ الِاعْتِزَالِ " ص 121 - 127، وَانْظُرْ كِتَابَ (قَاضِي الْقُضَاةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَمَذَانِيِّ) تَأْلِيفَ الدُّكْتُورِ عَبْدِ الْكَرِيمِ عُثْمَان (رَحِمَهُ اللَّهُ) ، ط. دَارَ الْعَرَبِيَّةِ، بَيْرُوتَ 1386 1967. (¬5) أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّمَّانِيُّ، مِنْ مُفَسِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ، وَمِنْ كِبَارِ النُّحَاةِ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 296 وَتُوُفِّيَ بِهَا 384، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْمُنْيَةِ وَالْأَمَلِ لِابْنِ الْمُرْتَضَى، ص 65 - 66، فَضْلِ الِاعْتِزَالِ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ، ص 333 ; بُغْيَةِ الْوُعَاةِ لِلسُّيُوطِيِّ، 344 - 345 ط الْخَانْجِيِّ، 1326، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/461، تَارِيخِ بَغْدَادَ 12/16 - 17، الْأَعْلَامِ 5/134. (¬6) هُوَ أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي كِتَابِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ مَرَّتَيْنِ ص 299، 323: وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُرْتَضَى الْيَمَانِيُّ فِي ((الْمُنْيَةِ وَالْأَمَلِ)) ص 53، وَقَالَ عَنْهُ: ((صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَالْعِلْمِ الْكَبِيرِ)) وَقَدْ وُلِدَ الْأَصْفَهَانِيُّ عَامَ 254 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 322، وَلَهُ شِعْرٌ، وَوَلِيَ أَصْفَهَانَ وَبِلَادَ فَارِسَ لِلْمُقْتَدِرِ الْعَبَّاسِيِّ، وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الْأَعْلَامِ 6/273، مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 9/97 لِسَانِ الْمِيزَانِ 5/89 ; بُغْيَةِ الْوُعَاةِ لِلسُّيُوطِيِّ ص 23، وَقَدْ عَلَّقَ مُسْتَجَى زَادَهْ عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: ((وَعِنْدِي تَفْسِيرٌ يُقَالُ لَهُ تَفْسِيرُ (الْكَلِمَةُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ) يُنْقَلُ عَنِ الْأَصَمِّ وَالْجُبَّائِيِّ، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ يَنْقُلُ فِي تَفْسِيرِهِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ أَشْيَاءَ وَيَسْتَحْسِنُ أَكْثَرَهَا وَيُرَوِّجُهَا وَيُؤَيِّدُهَا حَتَّى إِنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى كَلِمَاتٍ هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ عَنْ إِجْمَاعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَاسْتَحْسَنَهَا الْإِمَامُ وَأَيَّدَهَا، وَقَدْ بَيَّنْتُ فَسَادَهَا وَبُطْلَانَهَا وَكَوْنَهَا خَارِقَةً لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي حَاشِيَتِي عَلَى تَفْسِيرِ الْقَاضِي)) .

فصل كلام الرافضي في القضاء والقدر أن الله عز وجل يفعل القبائح

تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَقُدَمَاؤُهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ اجْتِمَاعًا بِالْأَئِمَّةِ مِنْ مُتَأَخَّرِيهِمْ، يَجْتَمِعُونَ بِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ فَقُدَمَاؤُهُمْ كُلُّهُمْ ضُلَّالٌ، وَإِنْ كَانَ ضَلَالًا (¬1) فَمُتَأَخِّرُوهُمْ هُمُ الضُّلَّالُ] (¬2) . [فصل كلام الرافضي في القضاء والقدر أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ] [فَصْلٌ] قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ (¬4) يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ، وَأَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَالْكُفْرِ وَأَنْوَاعِ الْفَسَادِ وَاقِعَةٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلَّهِ فِي أَفْعَالِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ (¬5) لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ (¬6) شَيْئًا، ¬

(¬1) ع: وَإِنْ كَانُوا ضُلَّالًا. (¬2) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: الْإِمَامِيُّ. وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 5 (م) . (¬4) عَزَّ وَجَلَّ: فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي (ك) : إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى. (¬5) ك: وَلَا يَفْعَلُ. (¬6) ن، م: الْعَبْدِ.

وَأَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْمَعَاصِيَ مِنَ الْكَافِرِ وَلَا يُرِيدُ مِنْهُ الطَّاعَةَ وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً ". فَيُقَالُ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ غَيْرُ مَرَّةٍ أَنَّ مَسَائِلَ الْقَدَرِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيرِ (¬1) لَيْسَتْ مَلْزُومَةً (¬2) لِمَسَائِلِ الْإِمَامَةِ وَلَا لَازِمَةً، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُقِرُّ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَيَقُولُ (¬3) مَا قَالَهُ فِي الْقَدَرِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِالْعَكْسِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ (¬4) مُرْتَبِطًا بِالْآخَرِ أَصْلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ (¬5) عَنِ الْإِمَامِيَّةِ: هَلْ أَفْعَالُ الْعِبَادِ خَلْقُ اللَّهِ [تَعَالَى] ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ (¬6) ، وَكَذَلِكَ الزَّيْدِيَّةُ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬7) : " وَاخْتَلَفَتِ الزَّيْدِيَّةُ فِي [خَلْقِ] الْأَفْعَالِ (¬8) وَهُمْ فِرْقَتَانِ: فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَفْعَالَ (¬9) الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ، خَلَقَهَا وَأَبْدَعَهَا وَاخْتَرَعَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، فَهِيَ (¬10) مُحْدَثَةٌ لَهُ مُخْتَرَعَةٌ. وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ ¬

(¬1) ب، أ، ع، م: وَالتَّجْوِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ب، أ: مُسْتَلْزِمَةً. (¬3) ب، أ: وَيَقُولُونَ. (¬4) ع: وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ، م: وَلَيْسَ أَحَدُ التَّأْثِيرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) النَّقْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَفِي (م) : الْعَقْلُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: خَلْقٌ لِلَّهِ عَلَى قَوْلَيْنِ. (¬7) فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ (ط رِيتَرْ، اسْتَانْبُولَ، 1929) 1/72. (¬8) ن، م: فِي الْأَفْعَالِ ; الْمَقَالَاتِ: فِي خَلْقِ الْأَعْمَالِ. (¬9) الْمَقَالَاتِ: أَعْمَالَ. (¬10) ع: وَهِيَ.

مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ (¬1) وَلَا مُحْدَثَةٍ، وَأَنَّهَا كَسْبٌ (¬2) لِلْعِبَادِ (¬3) أَحْدَثُوهَا وَاخْتَرَعُوهَا [وَابْتَدَعُوهَا] (¬4) وَفَعَلُوهَا ". قُلْتُ: بَلْ غَالِبُ الشِّيعَةِ الْأُولَى كَانُوا مُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ إِنْكَارُهُ فِي مُتَأَخِّرِيهِمْ كَإِنْكَارِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ غَالِبَ مُتَقَدِّمِيهِمْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ لَا يَكَادُ يُحْصَى، وَأَمَّا الْمُقِرُّونَ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ [الثَّلَاثَةِ] (¬5) مَعَ كَوْنِهِمْ قَدَرِيَّةً فَكَثِيرُونَ فِي (¬6) الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ. (¬7) فَعَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ تُقِرُّ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ (¬8) ، وَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْقَدَرِيَّةِ كَانَ يُنْكِرُ خِلَافَةَ الْخُلَفَاءِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ هَذَا لَمَّا صَارَ بَعْضُ النَّاسِ رَافِضِيًّا قَدَرِيًّا جَهْمِيًّا، فَجَمَعَ أُصُولَ الْبِدَعِ كَصَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَمْثَالِهِ. وَالزَّيْدِيَّةُ الْمُقِرُّونَ (¬9) بِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ هُمْ (¬10) مِنَ الشِّيعَةِ، وَفِيهِمْ قَدَرِيَّةٌ وَغَيْرُ قَدَرِيَّةٍ، وَالزَّيْدِيَّةُ خَيْرٌ مِنِ الْإِمَامِيَّةِ، وَأَشْبَهَهُمْ بِالْإِمَامِيَّةِ هُمْ (¬11) ¬

(¬1) لِلَّهِ: كَذَا فِي (ع) ، (أ) ، و ((الْمَقَالَاتِ)) وَفِي (ن) ، (م) : لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي (ب) : لَهُ. (¬2) الْمَقَالَاتِ: وَلَا مُحْدَثَةٌ لَهُ مُخْتَرَعَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ كَسْبٌ. (¬3) لِلْعِبَادِ: كَذَا فِي (ع) ، (ن) ، (م) وَالْمَقَالَاتِ: وَفِي: أ: الْعَبْدُ، ب: الْعَبِيدُ. (¬4) وَابْتَدَعُوهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي الْمَقَالَاتِ: وَأَبْدَعُوهَا. وَفِي (م) : أَحْدَثُوهَا وَاخْتَرَعُوهَا وَفَعَلُوهَا وَأَبْدَعُوهَا. (¬5) الثَّلَاثَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬6) ب، أ: مِنْ. (¬7) وَغَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، وَفِي (م) : وَغَيْرُهُمْ. (¬8) ب، أ: يُقِرُّونَ بِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ: م: مُقِرُّونَ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ. (¬9) ب (فَقَطْ) : مُقِرُّونَ. (¬10) ب، أ: وَهُمْ. (¬11) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (م) .

الْجَارُودِيَّةُ أَتْبَاعُ أَبِي الْجَارُودِ (¬1) الَّذِينَ يَزْعُمُونَ (¬2) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ [بِالْوَصْفِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ، فَكَانَ هُوَ الْإِمَامُ مِنْ بَعْدِهِ] (¬3) ، وَأَنَّ النَّاسَ ضَلُّوا وَكَفَرُوا بِتَرْكِهِمُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ الْحَسَنُ هُوَ الْإِمَامُ، ثُمَّ الْحُسَيْنُ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنَ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ هِيَ شُورَى فِي وَلَدِهِمَا، فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ يَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ، وَكَانَ عَالِمًا (¬4) فَاضِلًا، فَهُوَ الْإِمَامُ (¬5) ¬

(¬1) ب، أ، ن، م: ابْنُ الْجَارُودِ ; ع: ابْنُ أَبِي الْجَارُودِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ، وَهُوَ أَبُو الْجَارُودِ زِيَادُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْمُنْذِرِ الْهَمَذَانِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ الْعَبْدِيُّ وَيُكَنَّى أَبَا النَّجْمِ وَيُقَالُ لَهُ أَحْيَانًا النَّهْدِيُّ وَالثَّقَفِيُّ الْكُوفِيُّ تُوُفِّيَ مَا بَيْنَ سَنَةِ 150، 160 هـ، وَهُوَ رَأْسُ فِرْقَةِ الْجَارُودِيَّةِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ. وَيَذْكُرُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ أَنَّ جَعْفَرَ الصَّادِقَ سَمَّاهُ سُرْحُوبًا، وَفَسَّرَ الْبَاقِرُ ذَلِكَ بِأَنَّ سُرْحُوبًا شَيْطَانٌ أَعْمَى يَسْكُنُ الْبَحْرَ، وَكَانَ أَبُو الْجَارُودِ - كَمَا يَقُولُ النُّوبَخْتِيُّ - أَعْمَى الْبَصَرِ أَعْمَى الْقَلْبِ. وَيَزْعُمُ الْجَارُودِيَّةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ بِالْوَصْفِ دُونَ التَّسْمِيَةِ، فَكَانَ الْإِمَامَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ النَّاسَ ضَلُّوا وَكَفَرُوا بِتَرْكِهِمُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْإِمَامُ بَعْدَ عَلِيٍّ عِنْدَهُمْ هُوَ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَيْنُ، ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامَةَ شُورَى فِي أَوْلَادِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَقَالَ الْجَارُودِيَّةُ بِالْمَهْدِيَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ عَلَمَ أَوْلَادِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَعِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْظُرْ عَنِ الْجَارُودِ وَالْجَارُودِيَّةِ: فِرَقَ الشِّيعَةِ لِلنُّوبَخْتِيِّ (ط. الْحَيْدَرِيَّةِ، النَّجَفِ، 1379/1959) ص 75 - 78؛ مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/66 - 67؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/140 - 141؛ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 22 - 24؛ نَشْأَةَ الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيِّ لِعَلِيِّ سَامِي النَّشَّارِ 2/177 - 181. (¬2) ب، أ: الَّذِينَ زَعَمُوا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) عَالِمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي (أ) : وَكَانَ فَصْلًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب، أ: فَهُوَ إِمَامٌ.

وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ (¬1) مِنَ الزَّيْدِيَّةِ: السُّلَيْمَانِيَّةُ أَصْحَابُ (¬2) سُلَيْمَانَ بْنِ جَرِيرٍ، يَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِمَامَةَ شُورَى، وَأَنَّهَا تَصْلُحُ (¬3) بِعَقْدِ رَجُلَيْنِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهَا قَدْ تَصْلُحُ فِي الْمَفْضُولِ (¬4) ، وَإِنْ كَانَ الْفَاضِلُ أَفْضَلَ فِي كُلِّ حَالٍ، وَيُثْبِتُونَ إِمَامَةَ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ خَطَأً لَا يُفَسَّقُ صَاحِبُهَا لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ (¬5) . وَالثَّالِثَةُ: (¬6) الْبُتْرِيَّةُ أَصْحَابُ كُثَيِّرٍ النَّوَّاءِ، قِيلَ: (¬7) سُمُّوا بُتْرِيَّةً ; لِأَنَّ كُثَيِّرًا (¬8) كَانَ يُلَقَّبُ بِالْأَبْتَرِ. يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ النَّاسِ (¬9) بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ، وَأَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَيْسَتْ بِخَطَأٍ ; لِأَنَّ عَلِيًّا تَرَكَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَيَقِفُونَ فِي عُثْمَانَ وَقَتْلِهِ، وَلَا يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِ بِإِكْفَارٍ، كَمَا يُحْكَى عَنِ السُّلَيْمَانِيَّةِ. وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ أَمْثَلُ الشِّيعَةِ، [وَيُسَمَّوْنَ ¬

(¬1) م، ن: الثَّالِثَةُ. (¬2) م فَقَطْ: هُمُ السُّلَيْمَانِيَّةُ أَتْبَاعُ. . . (¬3) م فَقَطْ: وَأَنَّ الْإِمَامَةَ تَصْلُحُ. . . (¬4) ب، أ: لِلْمَفْضُولِ. (¬5) السُّلَيْمَانِيَّةُ أَوِ الْجَرِيرِيَّةُ أَصْحَابُ سُلَيْمَانَ بْنِ جَرِيرٍ الرَّقِّيِّ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي أَيَّامِ الْمَنْصُورِ، وَمِنْ آرَائِهِمْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَنَّ سُلَيْمَانَ طَعَنَ فِي عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْأَحْدَاثِ الَّتِي أَحْدَثَهَا وَأَكْفَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَكْفَرَ عَائِشَةَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِإِقْدَامِهِمْ عَلَى قِتَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَطَعَنَ سُلَيْمَانُ فِي الْإِمَامِيَّةِ الرَّافِضَةِ فِي أُمُورٍ. انْظُرْ عَنْ سُلَيْمَانَ وَالسُّلَيْمَانِيَّةِ أَوِ الْجَرِيرِيَّةِ: فِرَقَ الشِّيعَةِ لِلنُّوبَخْتِيِّ، ص 30، 85 - 87، مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/68، 70، 71 - 72، 73 ; الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 24، الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/141 - 142، نَشْأَةَ الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيِّ 2/186 - 188. (¬6) م فَقَطْ: وَالرَّابِعَةُ. (¬7) ب، أ: الْكُثَيِّرِيَّةُ أَصْحَابُ كُثَيِّرٍ التَّوَصُّلِ ; ن، م: الْبُتْرِيَّةُ: أَصْحَابُ النَّوَاقِيلِ. (¬8) ب (فَقَطْ) : سُمُّوا أَبْتَرِيَّةً لِأَنَّ كُثَيِّرًا مِنْهُمْ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) ع فَقَطْ: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَفْضَلَ النَّاسِ.

أَيْضًا الصَّالِحِيَّةَ ; لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ (¬1) إِلَى الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ الْفَقِيهِ] (¬2) . وَهَؤُلَاءِ الزَّيْدِيَّةِ فِيهِمْ مَنْ هُوَ فِي الْقَدَرِ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ عَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: نَقْلُهُ عَنِ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي نَقْلٌ بَاطِلٌ، بَلْ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتَةِ (¬3) لِلْقَدَرِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ يَقُولُونَ (¬4) : " إِنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ (¬5) حَقِيقَةً، وَأَنَّ لَهُ قُدْرَةً حَقِيقِيَّةً وَاسْتِطَاعَةً حَقِيقِيَّةً، وَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ تَأْثِيرَ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ، بَلْ يُقِرُّونَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ (¬6) مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ السَّحَابَ بِالرِّيَاحِ، وَيُنَزِّلُ الْمَاءَ بِالسَّحَابِ، وَيُنْبِتُ النَّبَاتَ بِالْمَاءِ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُوَى وَالطَّبَائِعَ (¬7) الْمَوْجُودَةَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، بَلْ يُقِرُّونَ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا (¬8) لَفْظًا وَمَعْنًى، حَتَّى جَاءَ لَفْظُ " الْأَثَرِ " فِي (* مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} ¬

(¬1) ع فَقَطْ: يَنْتَسِبُونَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَالْبُتْرِيَّةُ هُمْ أَصْحَابُ كُثَيْرٍ النِّوَاءِ الْأَبْتَرِ، وَيَتَّفِقُونَ مَعَ الصَّالِحِيَّةِ فِي مَذْهَبِهِمْ، وَانْظُرْ عَنِ الْبُتْرِيَّةِ وَالصَّالِحِيَّةِ: فِرَقَ الشِّيعَةِ ص 34 - 35، 77 - 78 مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/68 - 69 الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 24 - 25، الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/142 - 143 نَشْأَةَ الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيِّ 2/182 - 168. (¬3) ع: الْمُثْبِتُونَ. (¬4) ع: يَقُولُ، ن: تَقُولُ. وَفِي (م) الْيَاءُ غَيْرُ الْمُعْجَمَةِ. (¬5) لِفِعْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) أ: بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْعَقْلُ: ب: بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ. (¬7) ب: قُوَى الطَّبَائِعِ، أ: الْقُوَى الطَّبَائِعَ. (¬8) م: بَلْ يَقُولُونَ إِنَّ لَهَا أَثَرًا، ن: بَلْ يُقِرُّونَ إِنَّ لَهَا أَثَرًا.

[سُورَةُ يس: 12] ، وَإِنْ كَانَ التَّأْثِيرُ هُنَاكَ أَعَمَّ مِنْهُ فِي الْآيَةِ، لَكِنْ يَقُولُونَ: هَذَا التَّأْثِيرُ هُوَ تَأْثِيرُ الْأَسْبَابِ فِي مُسَبِّبَاتِهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى *) (¬1) خَالِقُ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ، وَمَعَ أَنَّهُ خَالِقُ السَّبَبِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ آخَرَ يُشَارِكُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعَارِضٍ يُمَانِعُهُ، فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ إِلَّا بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ (¬2) السَّبَبَ الْآخَرَ وَيُزِيلُ الْمَوَانِعَ (¬3) . وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي حَكَاهُ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُثْبِتَةِ لِلْقَدَرِ كَالْأَشْعَرِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، حَيْثُ لَا يُثْبِتُونَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ قُوَى وَلَا طَبَائِعَ (¬4) ، وَيَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ فَعَلَ عِنْدَهَا لَا بِهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْفِعْلِ. وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ: إِنَّ اللَّهَ فَاعِلُ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَإِنَّ عَمَلَ (¬5) الْعَبْدِ لَيْسَ فِعْلًا لِلْعَبْدِ بَلْ كَسْبًا لَهُ (¬6) ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ فَقَطْ (¬7) وَجُمْهُورُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬2) ب: فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ لَا بِهِ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى ; أ: فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ إِلَّا بِهِ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى ; ن: فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ ; م: فَلَا يَتِمُّ الْأَثَرُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ. (¬3) م فَقَطْ: الْمَانِعَ. (¬4) ب، أ: قُوَى الطَّبَائِعِ. (¬5) ن، م: فِعْلَ. (¬6) ب: بَلْ كَسْبٌ لَهُ، م: بَلْ وَلَا كَسْبًا لَهُ. (¬7) ن: فِعْلٌ لِلَّهِ فَقَطْ، وَقَدْ لَخَّصَ مُسْتَجَى زَادَهْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ: وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي حَكَاهُ هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُثْبِتَةِ لِلْقَدَرِ، إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ عَلَّقَ بِقَوْلِهِ: قُلْتُ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ عَلَى الْإِيجَادِ وَالتَّأْثِيرِ لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَبِذَلِكَ يَنْسُبُهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَقِّ إِلَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، حَتَّى قَالُوا: إِنَّ الْمَجُوسَ إِنَّمَا يُثْبِتُونَ شَرِيكًا وَاحِدًا فَقَطْ وَهُوَ أَهْرَمَانُ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ تَعَالَى شُرَكَاءَ لَا تُحْصَى مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْحَيَوَانَاتِ لِقَوْلِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ إِيجَادَ أَفْعَالِهِمُ الِاخْتِيَارِيَّةِ.

النَّاسِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّ (¬1) الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً (¬2) . وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ مِنْ (¬3) نَفْيِ الْغَرَضِ الَّذِي هُوَ الْحِكْمَةُ، وَكَوْنِ اللَّهِ لَا يَفْعَلُ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا (¬4) هُوَ قَوْلُ قَلِيلٍ مِنْهُمْ، كَالْأَشْعَرِيِّ، وَطَائِفَةٌ تُوَافِقُهُ فِي مَوْضِعٍ، وَيَتَنَاقَضُونَ فِي قَوْلِهِمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (¬5) . وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ يُثْبِتُونَ الْحِكْمَةَ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ لِنَفْعِ عِبَادِهِ وَمَصْلَحَتِهِمْ، وَلَكِنْ لَا يَقُولُونَ بِمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: [بِأَنَّ مَا حَسُنَ مِنْهُ حَسُنَ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَا قَبُحَ مِنْ خَلْقِهِ قَبُحَ مِنْهُ] (¬6) فَلَا هَذَا وَلَا هَذَا. [وَأَمَّا لَفْظُ " الْغَرَضِ " فَتُطْلِقُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، (¬7) وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَفْعَلُ لِغَرَضٍ أَيْ حِكْمَةٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: " يَفْعَلُ " (¬8) لِحِكْمَةٍ وَلَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ " الْغَرَضِ "] (¬9) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَأَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْمَعَاصِيَ مِنَ الْكَافِرِ، وَلَا يُرِيدُ مِنْهُ الطَّاعَةَ " فَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يُوَافِقُونَ الْقَدَرِيَّةَ، فَيَجْعَلُونَ ¬

(¬1) ب، أ: وَأَنَّ. (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ: حَقِيقَةً. جَاءَتْ فِي (ب) ، (أ) عِبَارَةُ: وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (¬3) ن، م: عَنْ. (¬4) م فَقَطْ: أَنَّ ذَلِكَ. (¬5) ن، م: يُوَافِقُونَهُ فِي مَوْضِعٍ، وَيُنَاقِضُونَ قَوْلَهُمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. (¬6) أ: بِأَنَّ مَا حَسُنَ مِنْهُ حَسُنَ مِنْ خَلْقِهِ وَمَا قَبُحَ مِنْ خَلْقِهِ قَبُحَ مِنْ خَلْقِهِ، ب: بِأَنَّ مَا حَسُنَ مِنْ خَلْقِهِ حَسُنَ مِنْهُ وَمَا قَبُحَ مِنْ خَلْقِهِ قَبُحَ مِنْهُ، وَسَقَطَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ع: وَبَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ. (¬8) يَفْعَلُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْمَشِيئَةَ وَالْإِرَادَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا نَوْعًا وَاحِدًا (¬1) ، وَيَجْعَلُونَ الْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا وَالْغَضَبَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَطَائِفَةٍ مِمَّنْ يُوَافِقُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَأَمَّا جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ (¬2) ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْمَعَاصِيَ فَهُوَ لَا يُحِبُّهَا وَلَا يَرْضَاهَا، بَلْ يُبْغِضُهَا وَيَسْخَطُهَا وَيَنْهَى عَنْهَا، وَهَؤُلَاءِ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَبَيْنَ مَحَبَّتِهِ. وَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ قَاطِبَةً. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْأَشْعَرِيَّ خَالَفَهُمْ فَجَعَلَ (¬3) الْإِرَادَةَ هِيَ الْمَحَبَّةُ (¬4) ، فَيَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَكُلُّ مَا شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ خَلَقَهُ. وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَمْرِهِ (¬5) ، فَمَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ يُحِبُّهُ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ (¬6) عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ لَوْ قَالَ: (¬7) ¬

(¬1) وَهُمُ الَّذِينَ يُوَافِقُونَ الْقَدَرِيَّةَ. . . وَالْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا نَوْعًا وَاحِدًا: بَدَلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ جَاءَ فِي (ن) ، (م) : وَهُمُ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْإِرَادَةَ نَوْعًا وَاحِدًا. (¬2) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (م) . (¬3) م: وَأَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ خِلَافُهُمْ فَجَعَلَ، ن: وَأَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ خَالَفَتئْهُمْ فَجَعَلَ. (¬4) عَلَّقَ مُسْتَجَى زَادَهْ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: " وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْكُفْرَ وَيَرْضَاهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَهُ - تَجَاوَزَ اللَّهُ [عَنْهُ]- آرَاءً مُتَبَايِنَةً فَيُصَرِّحُ فِي تَأْلِيفٍ لَهُ بِعَقِيدَةٍ وَفِي تَأْلِيفٍ آخَرَ بِعَقِيدَةٍ مُتَبَايِنَةٍ لَهَا فَصَرَّحَ فِي الْإِرْشَادِ: أَنَّا نَدِينُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لِلْعَبْدِ لَيْسَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ تَأْثِيرٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَحْضُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَادِهِ وَصَرَّحَ فِي الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً وَتَأْثِيرًا فِيهَا، حَتَّى أَنَّ شَارِحَ " الْمَقَاصِدِ " أَنْكَرَ وُقُوعَ ذَلِكَ عَنِ الْإِمَامِ احْتِجَاجًا بِكَلَامِهِ فِي " الْإِرْشَادِ " وَلَعَلَّهُ لَمْ يَرَ الرِّسَالَةَ النِّظَامِيَّةَ (¬5) ب، أ: فَهِيَ مُنْفَعِلَةٌ مِنْ أَمْرِهِ، ن، م: فَمُتَعَلِّقَةٌ بِأَمْرِهِ (¬6) ب، أ، ن: الْعُلَمَاءُ. (¬7) ب، أ: إِذَا قَالَ.

" وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ " لَمْ يَحْنَثْ إِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ (¬1) وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا وَلَوْ قَالَ (¬2) إِنْ أَحَبَّ اللَّهَ حَنِثَ إِذَا كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا. وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْإِرَادَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَوْعَانِ: إِرَادَةٌ خُلُقِيَّةٌ (¬3) قَدَرِيَّةٌ كَوْنِيَّةٌ، وَإِرَادَةٌ دِينِيَّةٌ [أَمْرِيَّةٌ] شَرْعِيَّةٌ (¬4) فَالْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ الدِّينِيَّةُ هِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَالْكَوْنِيَّةُ هِيَ [الْمَشِيئَةُ] (¬5) الشَّامِلَةُ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ، كَقَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] وَقَوْلِهِ عَنْ نُوحٍ {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سُورَةُ هُودٍ: 34] . فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ (¬6) تَعَلَّقَتْ بِالْإِضْلَالِ وَالْإِغْوَاءِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَشِيئَةُ فَإِنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ. [وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] أَيْ مَا شَاءَ خَلَقَهُ (¬7) لَا مَا يَأْمُرُ بِهِ] (¬8) . وَقَدْ يُرِيدُ (¬9) بِالْإِرَادَةِ الْمَحَبَّةَ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يَفْعَلُ الْفَاحِشَةَ: هَذَا فِعْلُ (¬10) مَا ¬

(¬1) أ، ن: وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ هَذَا كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَفَعَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ. (¬2) بَدَلًا مِنْ " وَلَوْ قَالَ " جَاءَ فِي (م) : وَإِنْ كَانَ. (¬3) خُلُقِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (م) . وَفِي (ن) : نَوْعِيَّةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: وَإِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ دِينِيَّةٌ. (¬5) الْمَشِيئَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب، أ، م: فَهَذِهِ الْآيَةُ خَطَأٌ. (¬7) ع (فَقَطْ) : أَيْ مَا يَشَاءُ خَلَقَهُ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ب (فَقَطْ) : وَقَدْ يُرَادُ ; ن، م: فَقَدْ يُرِيدُ. (¬10) ن: يَفْعَلُ ; م: الْفِعْلُ.

لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يُرِيدُ الْمَشِيئَةَ كَمَا يَقُولُونَ لِمَا لَمْ يَكُنْ: [هَذَا لَمْ] يُرِدْهُ اللَّهُ (¬1) . وَأَمَّا الدِّينِيَّةُ فَقَوْلُ اللَّهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 185] . وَقَوْلُهُ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا - يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 26، 28] . وَقَوْلُهُ: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] . وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . (¬2) فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي يَجِبُ مُرَادُهَا (¬3) ، كَمَا فِي قَوْلِهِ {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 120] وَقَوْلُ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّاسِ لِمَنْ يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ: هَذَا يَفْعَلُ (¬4) مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ، أَيْ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَلَا يَأْمُرُ بِهِ. وَهَذَا التَّقْسِيمُ فِي الْإِرَادَةِ قَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَذَكَرُوا أَنَّ ¬

(¬1) ن: لَمْ يَكُنْ يُرِدْهُ اللَّهُ ; وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ الْجَلَالَةِ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي (ب) ، (أ) : " وَقَوْلُهُ: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) أَيْ مَا شَاءَ خَلَقَهُ ". أَقْحَمَهُ النَّاسِخُ سَهْوًا. وَقَدْ نَبَّهَ مُحَقِّقُ نُسْخَةِ (ب) عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: وَلَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْآيَةِ هُنَا فَإِنَّهَا ذُكِرَتْ قَبْلُ فِي الْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ فَلَعَلَّهَا هُنَا مُكَرَّرَةٌ مِنَ النَّاسِخِ (¬3) ن: لَيْسَتْ هِيَ بِحَيْثُ يَجِبُ مُرَادُهَا ; م: لَيْسَتْ هِيَ بِحَسَبِ مُرَادِهَا. (¬4) ب، أ: فَعَلَ.

الْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا لَيْسَتْ هِيَ الْإِرَادَةُ الشَّامِلَةُ لِكُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ [وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ] وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ (¬1) كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ طَائِفَةً أُخْرَى يَجْعَلُونَ الْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا هِيَ الْإِرَادَةُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَأَيْضًا فَالْفَرْقُ ثَابِتٌ بَيْنَ إِرَادَةِ الْمُرِيدِ (¬2) أَنْ يَفْعَلَ، وَبَيْنَ إِرَادَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ (¬3) ، وَالْأَمْرُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ الثَّانِيَةَ (¬4) دُونَ الْأُولَى ; فَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَمَرَ الْعِبَادَ بِأَمْرٍ (¬5) ، فَقَدْ يُرِيدُ إِعَانَةَ الْمَأْمُورِ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ (¬6) وَقَدْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُرِيدًا مِنْهُ فِعْلَهُ (¬7) . وَتَحْقِيقُ هَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ فَصْلَ النِّزَاعِ فِي أَمْرِ اللَّهِ: هَلْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِإِرَادَتِهِ أَمْ لَا؟ فَلَمَّا زَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشَاءَ مَا يَأْمُرُ بِهِ فَيُرِيدَهُ، وَزَعَمُوا أَنَّ مَا نَهَى عَنْهُ مَا شَاءَ وُجُودَهُ وَلَا أَرَادَهُ قَابَلَهُمْ كَثِيرٌ (¬8) مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ (¬9) مِمَّنِ اتَّبَعَ أَبَا الْحَسَنِ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ [وَغَيْرِهِمْ (¬10) ] مِنْ أَصْحَابِ ¬

(¬1) وَأَحْمَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن) ، (م) : أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا ; وَفِي (ع) اخْتَلَفَ تَرْتِيبُ الْأَسْمَاءِ. (¬2) ب، أ: بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالْمُرِيدِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ب، أ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ع، م: الثَّابِتَةَ. (¬5) م (فَقَطْ) : إِذَا أَقَرَّ الْعِبَادُ بِأَمْرٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن: عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَهُ بِهِ ; م: عَلَى فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ. (¬7) ع: وَإِنْ كَانَ مُرِيدًا فِعْلَهُ مِنْهُ ; م: وَإِنْ كَانَ مُرِيدًا مِنْهُ لِفِعْلِهِ. (¬8) ب: مَا شَاءَ وُجُودَهُ لِإِرَادَةِ مَا قَابَلَهُ وَكَثِيرٍ. . ; أ: مَا شَاءَ وُجُودَهُ لِإِرَادَةٍ قَابِلَةٍ وَكَثِيرٍ. . . ; ن، م: فَمَا شَاءَ وُجُودَهُ وَلَا إِرَادَةُ قَابِلِهِمْ كَثِيرٌ. (¬9) لِلْقَدَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬10) ب، أ: وَغَيْرِهِ. وَهِيَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ (¬1) ، كَالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ. وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى وَاجِبٍ لَيَفْعَلَنَّهُ (¬2) وَقَالَ: " إِنْ شَاءَ اللَّهُ " [فَإِنَّهُ] لَا يَحْنَثُ (¬3) ، وَبِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ (¬4) ، بَلْ نَسَخَ ذَلِكَ قَبْلَ فِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْسُونَ صَلَاةً لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ. وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِمَا لَا يَشَاءُ أَنْ يَخْلُقَهُ، لَكِنْ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ فَيُرِيدُ مِنَ الْعَبْدِ أَنْ يَفْعَلَهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُ (¬5) هُوَ أَنْ يَخْلُقَهُ فَيُعِينُ الْعَبْدَ عَلَيْهِ، [وَهَذَا كَالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ] (¬6) ، وَلَوْ حَلَفَ الْحَالِفُ: " لَيَفْعَلَنَّ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ " لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا. وَلَوْ قَالَ: " إِنْ أَحَبَّ اللَّهُ " (¬7) حَنِثَ، كَمَا لَوْ قَالَ: [إِنْ أَمَرَ اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ] لَأَفْعَلَنَّهُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ (¬8) ، [فَقَدْ يُرِيدُ بِالْإِرَادَةِ الْمَحَبَّةَ، كَمَا يَقُولُونَ لِمَنْ يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ: يَفْعَلُ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ (¬9) ، وَقَدْ يُرِيدُ الْمَشِيئَةَ كَمَا يَقُولُونَ لِمَا لَمْ يَكُنْ: هَذَا لَمْ يُرِدْهُ اللَّهُ تَعَالَى (¬10) ، فَإِنْ أَرَادَ هَذَا حَنِثَ 0 ¬

(¬1) ب، أ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ، ن: إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ ; م: إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ. (¬2) ب، أ: لِيَفْعَلْهُ. (¬3) ب، أ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَحْنَثُ ; ن: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ ; م: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَجِبْ. (¬4) ن، م: وَبِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَلَمْ يُرِدْهُ. (¬5) ع، م: لَا يُرِيدُ. (¬6) وَهَذَا كَالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ: هَذِهِ الْكَلِمَاتُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ع: وَإِنْ قَالَ إِنْ أَحَبَّ اللَّهُ ; م: وَلَوْ كَانَ إِنْ أَحَبَّ اللَّهُ. (¬8) إِنْ أَمَرَ اللَّهُ وَلَوْ قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، م: لَا أَفْعَلُهُ إِنْ أَرَادَ اللَّهُ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ يُوجَدُ سَقْطٌ فِي (ن) ، (م) حَتَّى كَلِمَةِ " فَصْلٍ " وَتُوجَدُ عِبَارَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ هِيَ: " وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ". (¬10) اللَّهُ تَعَالَى: فِي (ع) فَقَطْ.

فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يستلزم أشياء شنيعة منها أن يكون الله أظلم من كل ظالم والرد عليه

وَأَمَّا أَمْرُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيُرِيدُهُ مِنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: أَنْ قَصَدَ إِبْرَاهِيمُ الِامْتِثَالَ وَعَزَمَ (¬1) عَلَى الطَّاعَةِ، فَأَظْهَرَ (¬2) الْأَمْرَ امْتِحَانًا لَهُ وَابْتِلَاءً، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ نَادَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْخَمْسِينَ] (¬3) . [فصل كلام للرافضي في مسألة القدر يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً مِنْهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَظْلَمَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ والرد عليه] [فَصْلٌ] قَالَ الْمُصَنِّفُ (¬4) الرَّافِضِيُّ (¬5) : " وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَشْيَاءَ شَنِيعَةً مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَظْلَمَ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ، لِأَنَّهُ يُعَاقِبُ الْكَافِرَ عَلَى كُفْرِهِ وَهُوَ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِ قُدْرَةً عَلَى الْإِيمَانِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ الظُّلْمَ لَوْ عَذَّبَهُ عَلَى لَوْنِهِ وَطُولِهِ وَقِصَرِهِ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ فِيهَا، كَذَا (¬6) يَكُونُ ظَالِمًا لَوْ عَذَّبَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الَّتِي فَعَلَهَا فِيهِ ". فَيُقَالُ: الظُّلْمُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْجُمْهُورِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَيْنِ: (¬7) أَحَدُهُمَا: أَنَّ الظُّلْمَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ غَيْرُ مَقْدُورٍ، كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ (¬8) ، وَغَيْرُ ¬

(¬1) ع: وَعَزْمَهُ. (¬2) ب، أ: وَأَظْهَرَ. (¬3) وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْخَمْسِينَ: فِي (ع) فَقَطْ. وَمَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْمُصَنِّفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ن، م: الْإِمَامِيُّ. وَالْعِبَارَاتُ التَّالِيَةُ فِي (ك) 1/85 (م) - 86 (م) . (¬6) ب، أ: كَذَلِكَ. (¬7) ع، أ: قَوْلَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) م (فَقَطْ) : وَابْنُ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

هَؤُلَاءِ: (¬1) يَقُولُونَ: (¬2) إِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَذِبِ (¬3) وَالظُّلْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ (¬4) الْقَبَائِحِ، وَلَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: وَالدَّلَالَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الظُّلْمِ وَالْقَبِيحِ (¬5) مِنْهُ [أَنَّ الظُّلْمَ وَالْقَبِيحَ] (¬6) مَا شَرَعَ اللَّهُ وُجُوبَ ذَمِّ فَاعِلِهِ، وَذَمَّ الْفَاعِلَ لِمَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ، وَلَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مُتَصَرِّفًا فِيمَا غَيْرُهُ أَمْلَكُ بِهِ وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْهُ، فَوَجَبَ اسْتِحَالَةُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ [إِنَّهُ] (¬7) لَمْ يَكُنْ آمِرًا لَنَا (¬8) بِذَمِّهِ، وَلَا كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ دُخُولُ أَفْعَالِهِ تَحْتَ تَكْلِيفٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ (¬9) ، وَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ تَصَرُّفًا فِي شَيْءِ غَيْرِهِ أَمْلَكَ بِهِ (¬10) ، فَثَبَتَ [بِذَلِكَ] (¬11) اسْتِحَالَةُ تَصَوُّرِهِ فِي حَقِّهِ. وَحَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الذَّمَّ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَمَنْ عَصَى الْآمِرَ (¬12) [الَّذِي فَوْقَهُ] (¬13) ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْمُرَهُ أَحَدٌ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ. ¬

(¬1) ب، أ: وَغَيْرُهُمْ. (¬2) ب، أ: وَلَا يَقُولُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، م: وَيَقُولُونَ إِنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْكَذِبِ. (¬4) أَنْوَاعِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬5) ع: وَالْقُبْحِ. (¬6) وَالْقَبِيحَ: فِي (ع) ، (م) فَقَطْ. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " أَنَّ الظُّلْمَ وَالْقَبِيحَ " مِنْ (ن) . (¬7) إِنَّهُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬8) ب، أ: لَمْ يَكُنْ أَمَرَ النَّاسَ ; ن، م: لَمْ يَكُنْ لَنَا آمِرًا. (¬9) لِنَفْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬10) ن: مِنْهُ. (¬11) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬12) ب (فَقَطْ) : أَمْرَ. (¬13) الَّذِي فَوْقَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَهَذَا الْقَوْلُ يُرْوَى عَنْ (¬1) إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ (¬2) ، قَالَ: مَا خَاصَمْتُ بِعَقْلِي كُلِّهِ إِلَّا الْقَدَرِيَّةَ، قُلْتُ: لَهُمْ (¬3) أَخْبِرُونِي مَا الظُّلْمُ؟ قَالُوا: (¬4) أَنْ يَتَصَرَّفَ الْإِنْسَانُ فِي مَا لَيْسَ لَهُ. قُلْتُ: فَلِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ. وَهُمْ (¬5) لَا يُسَلِّمُونَ أَنَّهُ لَوْ عَذَّبَهُ بِسَبَبِ لَوْنِهِ وَطُولِهِ وَقِصَرِهِ كَانَ ظَالِمًا حَتَّى يُحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْقِيَاسِ، بَلْ يُجَوِّزُونَ التَّعْذِيبَ لَا بِجُرْمٍ (¬6) سَابِقٍ وَلَا لِغَرَضٍ لَاحِقٍ. وَهَذَا الْمُشَنِّعُ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الظُّلْمَ مَقْدُورٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهُ. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ [مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ وَنُفَاتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ الْمُثْبِتَةِ لِلْقَدَرِ، كَالْكَرَامِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي خَازِمِ (¬7) . (¬8) وَغَيْرِهِ وَهَذَا] (¬9) كَتَعْذِيبِ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [سُورَةُ طه 112] . ¬

(¬1) ب، أ: يَرُدُّ عَلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أَبُو وَاثِلَةَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةٍ الْمُزَنِيُّ، سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/304. (¬3) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) فَقَطْ. (¬4) ع: قَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م: وَهَؤُلَاءِ. (¬6) ع: بِلَا ظُلْمٍ ; م: بِلَا جُرْمٍ. (¬7) ب، أ، ع،: أَبِي حَازِمٍ. وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَّاءِ. سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/143، 2/286 (¬8) بْنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْذِيبِ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَغَيْرِ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ الْعُقُولِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ (¬1) فِي جِسْمِهِ مَرَضٌ (¬2) أَوْ عَيْبُ خُلُقٍ فِيهِ لَمْ يَحْسُنْ (¬3) ذَمُّهُ وَلَا عِقَابُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ ظَلَمَ ابْنُهُ أَحَدًا لَحَسُنَ (¬4) عُقُوبَتُهُ عَلَى ذَلِكَ. وَيَقُولُونَ: الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ عَلَى الذُّنُوبِ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الظَّالِمَ لِغَيْرِهِ لَوِ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ لَاحْتَجَّ ظَالِمُهُ بِالْقَدَرِ أَيْضًا (¬5) ، فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لِهَذَا فَهُوَ حُجَّةٌ لِهَذَا، وَإِلَّا فَلَا. (¬6) وَالْأَوَّلُونَ أَيْضًا يَمْنَعُونَ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ، فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَذَوِي الْعُقُولِ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْقَبَائِحِ وَالْمَظَالِمِ مَنْ هُوَ مُتَنَاقِضُ الْقَوْلِ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنْتَ عِنْدَ الطَّاعَةِ قَدَرِيٌّ، وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ جَبْرِيٌّ، أَيُّ مَذْهَبٍ وَافَقَ هَوَاكَ تَمَذْهَبْتَ بِهِ. وَلَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لِفَاعِلِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَظَالِمِ لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَلُومَ (¬7) أَحَدٌ أَحَدًا، وَلَا يُعَاقِبَ أَحَدٌ أَحَدًا، فَكَانَ (¬8) لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ فِي دَمِ غَيْرِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ مَا يَشْتَهِيهِ (¬9) مِنَ الْمَظَالِمِ وَالْقَبَائِحِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ (¬10) . ¬

(¬1) لَهُ ابْنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (م) ، (ن) : لَهُ أَثَرٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب، أ: بَرَصٌ. (¬3) ب، أ: يُسْتَحْسَنُ. (¬4) ب، أ: يَحْسُنُ. (¬5) ب، أ: أَيْضًا بِالْقَدَرِ. (¬6) عِبَارَةُ: " وَإِلَّا فَلَا " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ. (¬7) ن: أَنْ يَلْزَمَ ; م: أَنْ يَلْزَمَهُ. (¬8) ن، م، ب: وَكَانَ. (¬9) م: مَا شَاءَ. (¬10) ع، م: مُقَدَّرٌ عَلَيَّ ; ن: مَقْدُورٌ عَلَيَّ.

وَالْمُحْتَجُّونَ عَلَى الْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ أَعْظَمُ بِدْعَةً وَأَنْكَرُ قَوْلًا وَأَقْبَحُ طَرِيقًا مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِلْقَدَرِ، فَالْمُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمُ الْمُعَظِّمُونَ لِلْأَمْرِ (¬1) وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، خَيْرٌ مِنَ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْقَدَرَ حُجَّةً لِمَنْ تَرَكَ الْمَأْمُورَ وَفَعَلَ الْمَحْظُورَ، كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ (¬2) فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُدَّعِينَ لِلْحَقِيقَةِ (¬3) الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْقَدَرَ (¬4) ، وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ وَلَا فِعْلِ مَحْظُورٍ (¬5) بِكَوْنِ ذَلِكَ مُقَدَّرًا (¬6) عَلَيْهِ، بَلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ. وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي شَرٌّ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ، وَهُمْ أَعْدَاءُ الْمِلَلِ. وَأَكْثَرُ مَا أَوْقَعَ النَّاسَ فِي التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ احْتِجَاجُ هَؤُلَاءِ بِهِ. وَلِهَذَا اتُّهِمَ بِمَذْهَبِ الْقَدَرِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَمْ يَكُونُوا قَدَرِيَّةً، بَلْ كَانُوا (¬7) لَا يَقْبَلُونَ الِاحْتِجَاجَ عَلَى الْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ (¬8) ، كَمَا قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَدَرِيًّا، فَقَالَ: النَّاسُ (¬9) كُلُّ مَنْ شَدَّدَ عَلَيْهِمُ الْمَعَاصِي، قَالُوا هَذَا قَدَرِيٌّ (¬10) وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ بِهَذَا السَّبَبِ (¬11) نُسِبَ إِلَى ¬

(¬1) ن، م: الْمُعَطِّلُونَ الْأَمْرَ، ع: الْمُعْصِمُونَ لِلْأَمْرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) لِلْحَقِيقَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ب، أ: لِلْقَدَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب، أ: فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَلَا فِعْلِ الْمَحْظُورِ. (¬6) ب، أ، م: مَقْدُورًا. (¬7) ن، م، ع: وَلَكِنْ كَانُوا. (¬8) ع: عَلَى الْمَعَاصِي لِلْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ. (¬9) النَّاسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ. (¬10) ن، م: هُوَ قَدَرِيٌّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 158، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَوْ بَرِئَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنَ الْقَدَرِ، مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْهُ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي فَضْلِ الِاعْتِزَالِ وَطَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ، ص [0 - 9] 8، 335، تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 9/303 - 307 الْأَعْلَامَ 7/61. (¬11) ب، أ: وَقَدْ قِيلَ لِهَذَا السَّبَبِ.

الْحَسَنِ (¬1) الْقَدَرُ، لِكَوْنِهِ كَانَ شَدِيدَ الْإِنْكَارِ لِلْمَعَاصِي نَاهِيًا عَنْهَا، وَلِذَلِكَ نَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ، وَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ قُدِّرَ عَلَيْهِمْ مَا فَعَلُوهُ (¬2) . فَيُقَالُ لِهَذَا (¬3) : وَإِنْكَارُ هَذَا الْمُنْكِرِ أَيْضًا بِقَدَرِ اللَّهِ، فَنَقَضْتَ قَوْلَكَ بِقَوْلِكَ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُ بَعْضُ مَشَايِخِهِمْ: أَنَا كَافِرٌ بِرَبٍّ يُعْصَى، وَيَقُولُ: لَوْ قَتَلْتُ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَمْ أَكُنْ مُخْطِئًا (¬4) وَيَقُولُ بَعْضُ شُعَرَائِهِمْ: أَصْبَحْتُ مُنْفَعِلًا لِمَا يَخْتَارُهُ مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طَاعَاتُ (¬5) . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ احْتِجَاجَ آدَمَ عَلَى مُوسَى بِالْقَدَرِ كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَهَذَا (¬6) جَهْلٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ أَمْرًا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَنَهْيًا عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَذَمًّا لِمَنْ ذَمَّهُ اللَّهُ، وَإِنَّمَا بُعِثُوا بِالْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ (¬7) ، وَالنَّهْيِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يُسَوِّغُ أَحَدٌ مِنْهُمْ (¬8) أَنْ يَعْصِيَ عَاصٍ لِلَّهِ مُحْتَجًّا بِالْقَدَرِ؟ وَلِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ، وَالتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِإِبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَلَكِنْ كَانَ مَلَامُ مُوسَى لِآدَمَ [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ] (¬9) لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ (¬10) ¬

(¬1) وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. (¬2) مَا فَعَلُوهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) . (¬3) أ: فَيُقَالُ هَذَا الْمُنْكَرَ، ب: فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُنْكَرِ. (¬4) ن، م، ع: مَا كُنْتُ مُخْطِئًا. (¬5) ع فَقَطْ: طَاعَاتِي. (¬6) ب: وَهُوَ. وَسَقَطَتْ مِنْ (أ) . (¬7) ن، م، ع: بِطَاعَةِ اللَّهِ. (¬8) ب، أ: وَاحِدٌ مِنْهُمْ. (¬9) عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ. (¬10) ب، أ: لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ، م: بِسَبَبِ الْمُصِيبَةِ.

الَّتِي لَحِقَتْهُمْ بِسَبَبِ أَكْلِهِ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ (¬1) : لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ (¬2) مِنَ الْجَنَّةِ؟ . وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْقَدَرِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، لَا عِنْدَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي (¬3) ، فَيَصْبِرُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَيَسْتَغْفِرُ مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [سُورَةُ غَافِرٍ 55] وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الْأَيَّةِ [سُورَةُ الْحَدِيدِ 22] وَقَالَ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 11] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬4) : هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. و [لِهَذَا] قَالَ (¬5) غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ [وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ] لَا يَبْلُغُ (¬6) الرَّجُلُ (¬7) حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. فَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ، وَالرِّضَا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَصَائِبِ وَالتَّسْلِيمِ لِذَلِكَ، هُوَ مِنْ حَقِيقَةِ (¬8) الْإِيمَانِ. وَأَمَّا الذُّنُوبُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ فِيهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ¬

(¬1) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) وَنَفْسَكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ن، م: وَالْمَعَايِبِ. (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: وَقَالَ. (¬6) ن، م: مِنَ السَّلَفِ: لَا يَبْلُغُ ; ب، أ: مِنَ السَّلَفِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يَبْلُغُ. . . (¬7) ن، م: الْعَبْدُ. (¬8) ب، أ: لِذَلِكَ هُوَ حَقِيقَةُ ; م: لِذَلِكَ مِنْ حَقِيقَةِ.

تَعَالَى (¬1) ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَهَا، وَإِذَا فَعَلَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا، كَمَا فَعَلَ (¬2) آدَمُ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: (¬3) اثْنَانِ أَذْنَبَا ذَنْبًا: آدَمُ وَإِبْلِيسُ (¬4) فَآدَمُ تَابَ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ [وَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ] ، وَإِبْلِيسُ (¬5) أَصَرَّ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ، فَمَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ أَشْبَهَ أَبَاهُ آدَمَ، وَمَنْ أَصَرَّ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ أَشْبَهَ إِبْلِيسَ. وَإِذَا كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ (¬6) وَبَيْنَ غَيْرِهِ مُسْتَقِرًّا فِي بَدَائِهِ (¬7) الْعُقُولِ، حَصَلَ الْمَقْصُودُ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا فِي بَدَائِهِ (¬8) الْعُقُولِ أَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ تُكْسِبُ نَفْسَ الْإِنْسَانِ صِفَاتٍ مَحْمُودَةً وَصِفَاتٍ مَذْمُومَةً، بِخِلَافِ لَوْنِهِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ، فَإِنَّهَا لَا تُكْسِبُهُ ذَلِكَ. فَالْعِلْمُ النَّافِعُ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالصَّلَاةُ الْحَسَنَةُ، وَصِدْقُ الْحَدِيثِ، وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ: تُورِثُ الْقَلْبَ صِفَاتٍ مَحْمُودَةً. كَمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلْحَسَنَةِ لَنُورًا فِي الْقَلْبِ، وَضِيَاءً فِي الْوَجْهِ، وَسِعَةً فِي الرِّزْقِ، وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ. وَإِنَّ لِلسَّيِّئَةِ لَسَوَادًا فِي الْوَجْهِ، وَظُلْمَةً (¬9) فِي الْقَلْبِ، وَوَهَنًا فِي الْبَدَنِ، وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ، وَبُغْضًا فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ. ¬

(¬1) بِالْقَدَرِ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى. (¬2) ع: فَعَلَهُ. (¬3) ن، م:. . . آدَمُ قَالَ بَعْضَ السَّلَفِ. (¬4) ب، أ: إِبْلِيسُ وَآدَمُ. (¬5) ن: تَابَ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِبْلِيسُ؛ م: تَابَ وَإِبْلِيسُ؛ ب، أ: تَابَ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ وَهَدَاهُ، وَإِبْلِيسُ. (¬6) ب، أ، ن: بَيْنَ تَعْذِيبِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ. (¬7) ب، أ، ن: بَدَايَةِ. (¬8) ب، أ، ن: بَدَايَةِ. (¬9) ع: وَظُلْمًا.

فَفِعْلُ الْحَسَنَةِ لَهُ آثَارٌ مَحْمُودَةٌ مَوْجُودَةٌ (¬1) فِي النَّفْسِ وَفِي الْخَارِجِ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ (¬2) السَّيِّئَاتِ. وَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْحَسَنَاتِ سَبَبًا لِهَذَا، [وَالسَّيِّئَاتِ سَبَبًا لِهَذَا، كَمَا جَعَلَ أَكْلَ السُّمِّ سَبَبًا لِلْمَرَضِ وَالْمَوْتِ. وَأَسْبَابُ الشَّرِّ لَهَا أَسْبَابٌ تُدْفَعُ بِمُقْتَضَاهَا] (¬3) ، فَالتَّوْبَةُ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ تُمْحَى بِهَا السَّيِّئَاتُ، وَالْمَصَائِبُ فِي الدُّنْيَا تُكَفَّرُ بِهَا السَّيِّئَاتُ، كَمَا أَنَّ السُّمَّ تَارَةً يَدْفَعُ مُوجِبَهُ بِالدَّوَاءِ، وَتَارَةً يُورِثُ مَرَضًا يَسِيرًا، ثُمَّ تَحْصُلُ الْعَافِيَةُ. وَإِذَا قِيلَ: خَلْقُ الْفِعْلِ مَعَ حُصُولِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ (¬4) ظُلْمٌ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: خَلْقُ أَكْلِ (¬5) السُّمِّ ثُمَّ حُصُولِ الْمَوْتِ بِهِ ظُلْمٌ. وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ هَذَا الْفَاعِلِ لِأَثَرِ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ، كَاسْتِحْقَاقِهِ لِأَثَرِهِ إِذَا ظَلَمَ الْعِبَادَ (¬6) . وَهَذَا الْآنَ يَنْزِعُ (¬7) إِلَى مَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، فَإِنَّ النَّاسَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ يَكُونُ سَبَبًا لِمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ وَحُصُولِ مَا يُلَائِمُهُ، وَسَبَبًا لِحُصُولِ مَضَرَّتِهِ، وَحُصُولِ مَا يُنَافِيهِ، قَدْ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ قَدْ يَكُونُ صِفَةَ كَمَالٍ وَصِفَةَ نَقْصٍ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي كَوْنِهِ [يَكُونُ] (¬8) سَبَبًا لِلْعِقَابِ وَالذَّمِّ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. ¬

(¬1) مَوْجُودَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) فِعْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) ع: تَدْفَعُ مُقْتَضَاهَا، وَالْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) م: ثُمَّ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ. (¬5) ن: آكِلِ، م: كُلِّ، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ن، م: الْعَبْدَ. (¬7) ب، أ: وَهَذَا إِلَّا أَنْ يَنْزِعَ. (¬8) يَكُونُ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَبَيْنَ أَصْحَابِ (¬1) مَالِكٍ، وَبَيْنَ أَصْحَابِ (¬2) الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا النِّزَاعُ (¬3) يَرْجِعُ إِلَى الْمُلَاءَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ (¬4) ، وَالْمُنَفِّعَةِ وَالْمُضِرَّةِ، فَإِنَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ مِمَّا يَضُرُّ الْعَبْدَ وَلَا يُلَائِمُهُ، فَلَا يَخْرُجُ الْحُسْنُ (¬5) وَالْقُبْحُ عَنْ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ، فَالْحَسَنُ مَا حَصَّلَ الْمَحْبُوبَ الْمَطْلُوبَ الْمُرَادَ لِذَاتِهِ (¬6) ، وَالْقَبِيحُ مَا حَصَّلَ الْمَكْرُوهَ الْبَغِيضَ، فَإِذَا كَانَ الْحَسَنُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَحْبُوبِ، وَالْقَبِيحُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَكْرُوهِ، بِمَنْزِلَةِ النَّافِعِ وَالضَّارِّ، وَالطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ، وَلِهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الْأَحْوَالِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ نَافِعًا إِذَا صَادَفَ حَاجَةً، وَيَكُونُ ضَارًّا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَذَلِكَ الْفِعْلُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ يَكُونُ قَبِيحًا تَارَةً وَيَكُونُ حَسَنًا أُخْرَى. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَخْتَلِفُ، سَوَاءً كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْفَاعِلُ (¬7) بِغَيْرِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ، أَوْ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا فِي سَائِرِ مَا هُوَ نَافِعٌ وَضَارٌّ وَمَحْبُوبٌ وَمَكْرُوهٌ. وَقَدْ دَلَّتِ الدَّلَائِلَ الْيَقِينِيَّةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ فَاللَّهُ خَالِقُهُ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ ¬

(¬1) ب، أ: وَأَصْحَابِ. (¬2) ب، أ: وَأَصْحَابِ. (¬3) ن، م، ب، أ: النَّوْعُ. (¬4) ب، أ، ع: وَالْمُنَافَاةِ. (¬5) ب، أ: لِلْحُسْنِ. (¬6) ع (فَقَطْ) : الْمُرَادَ لَهُ. (¬7) ع (فَقَطْ) : سَوَاءً الْفَاعِلُ الْعَبْدُ.

لَمْ يَكُنْ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُمْكِنَاتِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ (¬1) الْعَبْدَ إِذَا فَعَلَ الْفِعْلَ فَنَفْسُ الْفِعْلِ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا بُدَّ لَهُ (¬2) مِنْ سَبَبٍ. وَإِذَا قِيلَ: حَدَثَ بِالْإِرَادَةِ، فَالْإِرَادَةُ أَيْضًا حَادِثَةٌ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ سَبَبٍ. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ (¬3) : الْفِعْلُ مُمْكِنٌ فَلَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ. وَعَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِهِمْ (¬4) فَلَا (¬5) يَتَرَجَّحُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ. وَكَوْنُ الْعَبْدِ فَاعِلًا لَهُ حَادِثٌ مُمْكِنٌ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ مُرَجِّحٍ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ حَادِثٍ وَحَادِثٍ. (* [وَالْمُرَجِّحُ لِوُجُودِ الْمُمْكِنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَامًّا مُسْتَلْزِمًا (¬6) وُجُودَ الْمُمْكِنِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ مَعَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ يُمْكِنُ وُجُودَ الْفِعْلِ تَارَةً وَعَدَمِهِ أُخْرَى، لَكَانَ مُمْكِنًا بَعْدَ حُصُولِ الْمُرَجِّحِ، يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجَّحٍ، وَهَذَا الْمُرَجَّحُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَامًّا مُسْتَلْزِمًا وُجُودَ الْفِعْلِ، (وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ) (¬7) مَعَهُ يُمْكِنُ (¬8) وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَزِمَ أَنْ لَا يُوجَدَ الْفِعْلُ بِحَالٍ، وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ الْبَاطِلُ. ¬

(¬1) ب، أ، م: أَنَّ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَفِي (ن) : وَلَا بُدَّ لَهُ. (¬3) ب، أ: وَإِنَّ سَبَبَ قَلْبِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬4) ب، أ: وَعَلَى طَرِيقَةِ أَحَدِهِمْ، ن، م: وَطَرِيقَةُ بَعْضِهِمْ. (¬5) ع: لَا. (¬6) ع: يَسْتَلْزِمُ. (¬7) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬8) ب، أ: بَلْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فَعُلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ إِلَّا إِذَا وُجِدَ مُرَجِّحٌ تَامٌّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ، وَذَلِكَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ هُوَ الدَّاعِي التَّامُّ (وَالْقُدْرَةُ) (¬1) وَهَذَا مِمَّا سَلَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ؛ سَلَّمُوا أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ الدَّاعِي التَّامُّ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ لَزِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَأَنَّ الدَّاعِيَ وَالْقُدْرَةَ خَلْقٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬2) الَّذِينَ يَقُولُونَ: (إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ:) (¬3) إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ بِالْأَسْبَابِ، وَأَنَّهُ خَلَقَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً (¬4) يُكَوِّنُ بِهَا فِعْلُهُ، وَأَنَّ (¬5) الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً، فَقَوْلُهُمْ فِي خُلُقِ فِعْلِ الْعَبْدِ بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (¬6) كَقَوْلِهِمْ فِي خَلْقِ سَائِرِ الْحَوَادِثِ بِأَسْبَابِهَا، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْأَسْبَابَ وَالْقُوَى الَّتِي فِي الْأَجْسَامِ وَيُنْكِرُ تَأْثِيرَ الْقُدْرَةِ (الَّتِي لِلْعَبْدِ) (¬7) الَّتِي بِهَا يُكَوِّنُ الْفِعْلَ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ أَصْلًا فِي فِعْلِهِ (¬8) ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ جَهْمٌ وَأَتْبَاعُهُ (¬9) ، وَالْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَلَيْسَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ قَوْلَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَلَا جُمْهُورِهِمْ، بَلْ أَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُثْبِتُ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ¬

(¬1) وَالْقُدْرَةُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ع: أَئِمَّةُ السُّنَّةِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ب، أ: وَاللَّهُ خَلَقَ الْعَبْدَ وَقَدَّرَهُ. . . إِلَخْ. (¬5) ب، أ: فَإِنَّ. (¬6) ب، أ: بِإِرَادَةٍ وَقُدْرَةٍ. (¬7) الَّتِي لِلْعَبْدِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬8) ع فَقَطْ: أَصْلًا فِي فِعْلِهِ أَصْلًا. (¬9) ب، أ: كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَا يَقُولُهُ جَهْمٌ وَأَتْبَاعُهُ.

حِكْمَةً أَوْ رَحْمَةً، وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ فِعْلٌ أَوْ قُدْرَةٌ مُؤَثِّرَةٌ. وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْجَذْمَى وَيَقُولُ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ يَفْعَلُ (مَثَلَ) (¬1) هَذَا؟ إِنْكَارًا لِأَنْ تَكُونَ لَهُ رَحْمَةً يَتَّصِفُ بِهَا، وَزَعْمًا مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا مَشِيئَةٌ مَحْضَةٌ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِحِكْمَةٍ، بَلْ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ لِحِكْمَةٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ لِحِكْمَةٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ " لَامُ " كَيْ، لَا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَلَا فِي أَمْرِ اللَّهِ. (¬2) وَهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ هُمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ فِي (¬3) طَرَفَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ (¬4) . وَقَوْلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورِهَا لَيْسَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَلَا قَوْلَ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ يَقُولُ بِقَوْلِ جَهْمٍ، فَالْكَلَامُ (¬5) إِنَّمَا هُوَ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ. وَهَذَا الِاسْمُ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ ¬

(¬1) مِثْلَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬2) ب، أ: وَلَا فِي أَمْرِهِ. (¬3) ب، أ: مِنْ. (¬4) كَتَبَ مُسْتَجَى زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) : وَهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ هُمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ الْقَدَرِيَّةُ فِي طَرَفَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ، لِأَنَّ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَفْعَالَ الْعِبَادِ بِقُدْرَتِهِمْ وَإِيجَادِهِمْ لَا مَدْخَلَ لِقُدْرَتِهِ وَخَلْقِهِ فِيهَا، وَعِنْدَ الْمُجْبِرَةِ أَنَّهَا بِمَحْضِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَادِهِ وَخَلْقِهِ لَا مَدْخَلَ لِقَدَرِ الْعَبْدِ وَإِيجَادِهِ فِيهَا. قُلْتُ: إِلَّا أَنَّهُ فُرِّقَ بَيْنَ قَوْلِ جَهْمٍ وَبَيْنَ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ بِأَنَّهُ وَإِنْ قَالَ بِقُدْرَةٍ غَيْرِ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْعَبْدِ إِلَّا أَنَّ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَهَا، كَالنَّارِ الَّتِي يَخْلُقُ عِنْدَهَا الْإِحْرَاقَ، كَذَلِكَ الْقُدْرَةُ الْمُتَحَقِّقَةُ فِي الْعَبْدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ، فَالنَّارُ وَالْقُدْرَةُ هُمَا سَبَبَانِ مَادِّيَّانِ لِأَثَرِهِمَا مِنَ الْإِحْرَاقِ وَالْفِعْلِ، لَا سَبَبَانِ حَقِيقِيَّانِ لَهُمَا، وَالْمُؤَثِّرُ الْحَقِيقِيُّ وَالسَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. (¬5) ب، أ: وَالْكَلَامُ.

وَالتَّصَوُّفِ، وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَجُمْهُورُ طَوَائِفِهِمْ، لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا إِلَّا بَعْضُ الشِّيعَةِ، وَأَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ الْوَسَطِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَا قَوْلَ جَهْمٍ وَأَتْبَاعِهِ الْجَبْرِيَّةِ، فَمَنْ قَالَ إِنَّ شَيْئًا مِنَ الْحَوَادِثِ أَفْعَالَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسَّنَةَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ] (¬1) *) (¬2) . وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ مَنْ قَالَ: إِنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ أَوْ أَفْعَالَ (¬3) الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ سَمَاءَ اللَّهِ وَأَرْضَهُ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ مَا يَخْلُقُ (¬4) لِحِكْمَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ مَا قَدْ يَحْصُلُ بِهِ (¬5) ضَرَرٌ عَارِضٌ لِبَعْضِ النَّاسِ، كَالْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ وَأَسْبَابِ ذَلِكَ، فَخَلْقُ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُهُ (¬6) مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةً، (* وَإِذَا كَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ سَفَهًا، وَإِذَا كَانَ الْعِقَابُ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيِّ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا. فَهَذَا الْحَادِثُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّبِّ لَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ *) (¬7) يَحْسُنُ (¬8) لِأَجْلِ تِلْكَ الْحِكْمَةِ وَبِالنِّسْبَةِ (¬9) إِلَى الْعَبْدِ عَدْلٌ، لِأَنَّهُ عُوقِبَ عَلَى فِعْلِهِ، فَمَا ظَلَمَهُ اللَّهُ وَلَكِنْ هُوَ ظَلَمَ نَفْسَهُ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ (وَالْمُرَجِّحُ لِوُجُودِ الْمُمْكِنِ (ص [0 - 9] 0) . . . . . السَّلَفُ وَالْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ (ص 33) : سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: وَأَفْعَالَ. (¬4) ن، م، ب، أ: مَا يَخْلُقُهُ. (¬5) م (فَقَطْ) : مَا يَحْصُلُ مِنْهُ. (¬6) ب (فَقَطْ) : أَسْبَابٌ. (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬8) ب، أ، ن: تَحْسُنُ، وَفِي (م) الْكَلِمَةُ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ. (¬9) ب، أ: بِالنِّسْبَةِ.

وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ هُوَ الَّذِي عَاقَبَهُ عَلَى ظُلْمِهِ، لَوْ (¬1) عَاقَبَهُ وَلِيُّ أَمْرٍ عَلَى عُدْوَانِهِ عَلَى النَّاسِ فَقَطَعَ (¬2) يَدَ السَّارِقِ، أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلًا (¬3) مِنْ هَذَا الْوَالِي؟ وَكَوْنُ الْوَالِي مَأْمُورًا بِذَلِكَ يُبَيِّنُ (¬4) أَنَّهُ عَادِلٌ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إِذَا أَمَرَ الْغَاصِبَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ إِلَى مَالِكِهِ، وَضَمِنَ التَّالِفَ بِمِثْلِهِ، أَنَّهُ يَكُونُ حَاكِمًا بِالْعَدْلِ، وَمَا زَالَ الْعَدْلُ مَعْرُوفًا فِي الْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ. وَلَوْ قَالَ هَذَا الْمُعَاقَبُ: أَنَا قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ هَذَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا (¬5) حُجَّةً لَهُ، وَلَا مَانِعًا لِحُكْمِ الْوَالِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا. فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْدَلُ الْعَادِلِينَ إِذَا اقْتَصَّ (¬6) لِلْمَظْلُومِ مِنْ ظَالِمِهِ فِي الْآخِرَةِ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْهُ، فَإِنْ (¬7) قَالَ الظَّالِمُ: هَذَا كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيَّ، لَمْ يَكُنْ هَذَا عُذْرًا صَحِيحًا وَلَا مُسْقِطًا لِحَقِّ الْمَظْلُومِ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ فَذَاكَ (¬8) لِحِكْمَةٍ أُخْرَى لَهُ فِي الْفِعْلِ، فَخَلْقُهُ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِمَا [لَهُ] (¬9) فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَالْفِعْلُ الْقَبِيحُ الْمَخْلُوقُ قَبِيحٌ مِنْ فَاعِلِهِ (¬10) ، لِمَا عَلَيْهِ ¬

(¬1) ب، أ: وَلَوْ. (¬2) ن، م: فَيَقْطَعُ. (¬3) ع: أَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَدْلًا ; ن، م: أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلٌ. (¬4) ن: يَتَبَيَّنُ، أ، ع: تَبَيَّنَ. (¬5) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ب، أ: إِذَا اقْتَضَى. (¬7) ب، أ: فَإِذَا. (¬8) ب، أ: فَذَلِكَ. (¬9) لَهُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬10) ن، م: وَالْفِعْلُ الْقَبِيحُ مِنَ الْمَخْلُوقِ هُوَ قَبِيحٌ مِنْ فَاعِلِهِ.

فِيهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ، كَمَا أَنَّ أَمْرَ الْوَالِي بِعُقُوبَةِ الظَّالِمِ يَسُرُّ الْوَالِي لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ (¬1) ، وَهُوَ عَدْلُهُ وَأَمْرُهُ بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ يَضُرُّ الْمُعَاقَبَ لِمَا عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْأَلَمِ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا الْوَالِيَ كَانَ سَبَبًا فِي حُصُولِ ذَلِكَ الظُّلْمِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يُلَامُ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ عُذْرًا لِلظَّالِمِ، مِثْلَ حَاكِمٍ شَهِدَ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ (¬2) بِمَالٍ لِغَرِيمٍ (¬3) ، فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ أَوْ عُقُوبَتِهِ، حَتَّى أَلْجَأَهُ ذَلِكَ إِلَى أَخْذِ مَالٍ آخَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ أَيْضًا يُعَاقِبُهُ [فِيهِ] (¬4) ، فَإِذَا قَالَ: أَنْتَ (¬5) حَبَسَتْنِي وَكُنْتَ عَاجِزًا عَنِ الْوَفَاءِ، وَلَا (¬6) طَرِيقَ لِي إِلَى الْخَلَاصِ إِلَّا أَخْذَ مَالِ هَذَا، لَكَانَ حَبْسُهُ الْأَوَّلُ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَعُقُوبَتُهُ ثَانِيًا عَلَى أَخْذِ مَالِ [الْغَيْرِ] (¬7) ضَرَرًا عَلَيْهِ وَالْوَالِي يَقُولُ: أَنَا حَكَمْتُ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ، فَلَا ذَنَبَ لِي فِي ذَلِكَ، وَغَايَتِي أَنِّي أَخْطَأْتُ، وَالْحَاكِمُ إِذَا أَخْطَأَ لَهُ أَجْرٌ. وَقَدْ يَفْعَلُ كُلٌّ مِنَ الرَّجُلَيْنِ بِالْآخَرِ (¬8) مِنَ الضَّرَرِ مَا يَكُونُ فِيهِ (¬9) مَعْذُورًا، وَالْآخَرُ مُعَاقَبًا، بَلْ (¬10) مَظْلُومًا لَكِنْ بِتَأْوِيلٍ. ¬

(¬1) ن، م: لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ. (¬2) الْبَيِّنَةُ هُنَا الشَّاهِدَانِ، قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي غَرِيبِ الْقُرْآنِ: وَالْبَيِّنَةُ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَقْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَحْسُوسَةً، وَسُمِّيَ الشَّاهِدَانِ بَيِّنَةً لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ. (¬3) ن، م: لِلْغَرِيمِ. (¬4) فِيهِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) أَنْتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ع: لَا، وَسَقَطَتْ مِنْ (أ) . (¬7) ن، م، ع: عَلَى أَخْذِ الْمَالِ. (¬8) بِالْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬9) ع: مَا لَا يَكُونُ فِيهِ. أ، ب: مَا يَكُونُ. (¬10) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

وَهَذِهِ الْأَمْثَالُ لَيْسَتْ مِثْلَ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ: لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ الِاخْتِيَارَ فِي الْمُخْتَارِ، وَالرِّضَا فِي الرَّاضِي، وَالْمَحَبَّةَ فِي الْمُحِبِّ. وَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ. وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ: جَبَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ، كَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّبَيْدِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: الْجَبْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ عَاجِزٍ، كَمَا يَجْبُرُ الْأَبُ ابْنَتَهُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهَا. وَاللَّهُ خَالِقُ الْإِرَادَةِ وَالْمُرَادِ، فَيُقَالُ: جَبَلَ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَلَا يُقَالُ: جَبَرَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ] (¬1) . (¬2) . (¬3) . وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جِهَةُ خَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ غَيْرُ جِهَةِ أَمْرِهِ وَتَشْرِيعِهِ، فَإِنَّ أَمْرَهُ وَتَشْرِيعَهُ، مَقْصُودُهُ بَيَانُ مَا يَنْفَعُ الْعِبَادَ إِذَا فَعَلُوهُ وَمَا يَضُرُّهُمْ، بِمَنْزِلَةِ أَمْرِ الطَّبِيبِ لِلْمَرِيضِ بِمَا يَنْفَعُهُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ بِمَصِيرِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ، وَأَمَرَ بِمَا يُوصِلُ إِلَى السَّعَادَةِ، وَنَهَى عَمَّا يُوصِلُ إِلَى الشَّقَاوَةِ. ¬

(¬1) فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: زِيَادَةٌ (ع) فَقَطْ (¬2) قَالَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: " إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ " فَقَالَ: أَخُلُقَيْنِ تَخَلَّقْتُ بِهِمَا أَمْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتُ عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: " بَلْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا " فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ (¬3) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مُسْلِمٍ 1/48 - 49 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى) ؛ سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1401 (كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ الْحِلْمِ) الْمُسْنَدَ ط الْحَلَبِيِّ 3/23، 4/206. سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/483 (كِتَابُ الْأَدَبِ بَابُ فِي قُبْلَةِ الرَّجُلِ) . وَالْحَدِيثُ فِيهَا عَنْ أُمِّ أَبَانٍ بِنْتِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/247 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّأَنِّي وَالْعَجَلَةِ) .

وَخَلْقُهُ وَتَقْدِيرُهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَبِجُمْلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَهُوَ يَفْعَلُ لِمَا فِيهِ حِكْمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُمُومِ خَلْقِهِ، (¬1) وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مَضَرَّةٌ لِبَعْضِ النَّاسِ، كَمَا أَنَّهُ يُنَزِّلُ الْمَطَرَ لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالنِّعْمَةِ الْعَامَّةِ وَالْحِكْمَةِ (¬2) وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ تَضَرُّرُ (¬3) بَعْضِ النَّاسِ بِسُقُوطِ مَنْزِلِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ (¬4) سَفَرِهِ وَتَعْطِيلِ مَعِيشَتِهِ وَكَذَلِكَ يُرْسِلُ نَبِيَّهُ [مُحَمَّدًا] صَلَّى (¬5) اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِي إِرْسَالِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ سُقُوطُ رِيَاسَةِ قَوْمٍ وَتَأَلُّمِهِمْ بِذَلِكَ. فَإِذَا قُدِّرَ عَلَى الْكَافِرِ كُفْرُهُ، قَدَّرَهُ اللَّهُ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَعَاقَبَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا (¬6) ، وَلِمَا لَهُ فِي عُقُوبَتِهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. وَقِيَاسُ أَفْعَالِ اللَّهِ عَلَى أَفْعَالِ الْعِبَادِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَمَرَ عَبْدَهُ بِأَمْرٍ أَمَرَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَلِغَرَضِ السَّيِّدِ فَإِذَا أَثَابَهُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَيْسَ لَهُ حِكْمَةٌ يَطْلُبُهَا إِلَّا حُصُولَ ذَلِكَ [الْمَأْمُورِ بِهِ] (¬7) وَلَيْسَ هُوَ الْخَالِقُ لِفِعْلِ الْمَأْمُورِ. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يُعَوِّضِ الْمَأْمُورَ، أَوْ لَمْ (¬8) يَقُمْ بِحَقِّ عَبْدِهِ الَّذِي يَقْضِي حَوَائِجَهُ كَانَ ظَالِمًا كَالَّذِي يَأْخُذُ سِلْعَةً وَلَا يُعْطِي (¬9) ثَمَنَهَا، أَوْ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَةَ الْأَجِيرِ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ. ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَمَكَانَهُ فِيهَا كَلِمَةُ " كَالْمَطَرِ ". (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَمَكَانُهُ فِيهَا كَلِمَةُ كَالْمَطَرِ. (¬3) ن: يَتَضَرَّرُ، م: ضَرَرُ. (¬4) ن، م، ع: مِنْ. (¬5) ن، م: يُرْسِلُ نَبِيَّهُ صَلَّى. . .، ب: رِسَالَةُ نَبِيِّهِ صَلَّى، أ: بِرِسَالَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى. . . (¬6) ب، أ، م: مَقْدُورًا. (¬7) الْمَأْمُورِ بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ب، أ: وَلَمْ. (¬9) ب، أ: وَلَمْ يُعْطِ.

وَاللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الْعِبَادِ، إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ فَهُوَ مُحْسِنٌ إِلَى عِبَادِهِ بِالْأَمْرِ لَهُمْ، مُحْسِنٌ (¬1) لَهُمْ بِإِعَانَتِهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَالِمًا صَالِحًا أَمَرَ النَّاسَ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، ثُمَّ أَعَانَ بَعْضَ النَّاسِ (¬2) عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَلَمْ يُعِنْ آخَرِينَ، لَكَانَ مُحْسِنًا إِلَى هَؤُلَاءِ إِحْسَانًا تَامًّا، وَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لِمَنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَيْهِ. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ عَاقَبَ الْمُذْنِبَ (¬3) الْعُقُوبَةَ الَّتِي يَقْتَضِيهَا عَدْلُهُ وَحِكْمَتُهُ (¬4) ، لَكَانَ [أَيْضًا] مَحْمُودًا عَلَى هَذَا وَهَذَا، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ حِكْمَةِ [أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ] ، وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ (¬5) ؟ ! . فَأَمْرُهُ (¬6) لَهُمْ إِرْشَادٌ وَتَعْلِيمٌ وَتَعْرِيفٌ (¬7) بِالْخَيْرِ، فَإِنْ أَعَانَهُمْ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ كَانَ قَدْ أَتَمَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَهُوَ مَشْكُورٌ عَلَى هَذَا وَهَذَا، وَإِنْ لَمْ يُعِنْهُ وَخَذَلَهُ حَتَّى فَعَلَ الذَّنْبَ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةَ تَأَلُّمِ هَذَا، فَإِنَّمَا تَأَلَّمَ بِأَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُورِثَهُ نَعِيمًا أَوْ أَلَمًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْإِيرَاثُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، فَجَعَلَهُ الْمُخْتَارَ (¬8) مُخْتَارًا مِنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَتَرْتِيبِ آثَارِ الِاخْتِيَارِ عَلَيْهِ مِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. ¬

(¬1) أ، ع: مُحْسِنًا، وَفِي (م) ، (ن) : بِالْأَمْرِ لَهُمْ وَبِإِعَانَتِهِمْ. ن: وَبِإِعَانَتِهِ. (¬2) ن، م: ثُمَّ أَعَانَ بَعْضَهُمْ. (¬3) ن، م: الْمُذْنِبِينَ. (¬4) ب، أ: وَحُكْمُهُ. (¬5) ن، م: لَكَانَ مَحْمُودًا عَلَى فِعْلِ هَذَا وَهَذَا، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ حِكْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ. (¬6) ب، أ: وَأَمْرُهُ. (¬7) ب، أ: وَتَعْرِيفُهُمْ. (¬8) ب، أ: لِلْمُخْتَارِ.

لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي نَفْسِ الْحِكْمَةِ الْكُلِّيَّةِ (¬1) فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ، فَهَذِهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ مَعْرِفَتُهَا، وَيَكْفِيهِمُ التَّسْلِيمُ لِمَا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا. وَمِنَ الْمَعْلُومِ (¬2) مَا لَوْ عَلِمَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَضَرَّهُمْ عِلْمُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ. وَلَيْسَ اطِّلَاعُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى حُكْمِ (¬3) اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ نَافِعًا لَهُمْ بَلْ قَدْ يَكُونُ ضَارًّا. قَالَ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 101] . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (¬4) : مَسْأَلَةُ غَايَاتِ أَفْعَالِ اللَّهِ وَنِهَايَةِ حِكْمَتِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ، لَعَلَّهَا أَجْلُ الْمَسَائِلِ الْإِلَهِيَّةِ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى مَسَائِلِ الْقَدَرِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا تَنْبِيهًا لَطِيفًا عَلَى امْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ خَلْقُ الْفِعْلِ (¬5) ظُلْمًا، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الظُّلْمَ مُمْتَنِعٌ مِنَ اللَّهِ، أَوْ قِيلَ (¬6) : إِنَّهُ مَقْدُورٌ، فَإِنَّ الظُّلْمَ الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ أَنْ يُعَاقَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى عَمَلِ غَيْرِهِ، فَأَمَّا عُقُوبَتُهُ عَلَى فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَهُوَ مِنْ كَمَالِ عَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي بَابِ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيرِ (¬7) بَيْنَ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ ¬

(¬1) ب، أ: الْكَمِّيَّةِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب (فَقَطْ) : الْعُلُومُ. (¬3) ب، أ: حِكْمَةِ (¬4) ب، أ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (¬5) الْفِعْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬6) قِيلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) ب، أ، ع: وَالتَّجْوِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

يَقِيسُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فِي عَدْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ، وَبَيْنَ مَذْهَبِ الْجَبْرِيَّةِ الَّذِينَ لَا يَجْعَلُونَ لِأَفْعَالِ (¬1) اللَّهِ حِكْمَةً (¬2) ، وَلَا يُنَزِّهُونَهُ عَنْ ظُلْمٍ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَيْنَ مَا يُقَالُ: هُوَ عَدْلٌ وَإِحْسَانٌ، وَبَيْنَ مَا يُقَالُ هُوَ ظُلْمٌ. وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَوِيَتْ بِهَا شَنَاعَاتُ (¬3) الْقَدَرِيَّةِ، حَتَّى غَلَوْا فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، وَدِينُ اللَّهِ عَدْلٌ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَبَيْنَ عُقُوبَتِهِ عَلَى اللَّوْنِ وَالطُّولِ (¬4) ، كَمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَ الْمُعَاقَبُ بَعْضَ النَّاسِ، فَإِنَّ الْكُفْرَ وَإِنْ كَانَ خُلِقَ فِيهِ إِرَادَتُهُ وَقُدْرَتُهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ الَّذِي فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كُلِّهِ (¬5) مَخْلُوقًا، كَمَا يُعَاقِبُهُ (¬6) غَيْرُهُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ كُلِّهِ مَخْلُوقًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِ قُدْرَةً عَلَى الْإِيمَانِ " فَهَذَا قَالَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، فَكُلُّ (¬7) مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ (¬8) عَاجِزًا عَنْهُ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ (¬9) يَقُولُونَ لَا يُكَلَّفُ ¬

(¬1) ب، أ: أَفْعَالِ. (¬2) ب (فَقَطْ) : لِحِكْمَةٍ. (¬3) ب، أ: سَاعَاتُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب، أ: اللَّوْنِ وَالْقِصَرِ وَالطُّولِ. (¬5) ب، أ، م: وَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ. (¬6) ب، أ: كَمَا يُعَاقَبُ. (¬7) ع: وَكُلُّ. (¬8) ب، أ، ن، م: وَلَكِنْ لَا يَكُونُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

الْعَبْدُ (¬1) مَا يَعْجَزُ عَنْهُ، وَلَكِنْ يُكَلَّفُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (¬2) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ (¬3) . وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ. و [لَيْسَ] هَذَا (¬4) قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬5) يُثْبِتُونَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهَذِهِ قَدْ تَكُونُ قَبْلَهُ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْفِعْلُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ، لَا يُجَوِّزُونَ (¬6) أَنْ يُوجَدَ الْفِعْلُ بِقُدْرَةٍ مَعْدُومَةٍ [وَلَا بِإِرَادَةٍ مَعْدُومَةٍ] (¬7) ، كَمَا لَا يُوجَدُ بِفَاعِلٍ مَعْدُومٍ. وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، وَمَنْ قَابَلَهُمْ مِنَ الْمُثْبِتَةِ يَقُولُونَ: لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ. وَقَوْلُ [الْأَئِمَّةِ] وَالْجُمْهُورِ (¬8) هُوَ الْوَسَطُ: أَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ، وَقَدْ تَكُونُ مَعَ ذَلِكَ قَبْلَهُ (¬9) [كَقُدْرَةِ الْمَأْمُورِ الْعَاصِي] (¬10) ، فَإِنَّ تِلْكَ الْقُدْرَةَ تَكُونُ مُتَقَدِّمَةً (¬11) عَلَى الْفِعْلِ بِحَيْثُ تَكُونُ لِمَنْ لَمْ يُطِعْ (¬12) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ¬

(¬1) الْعَبْدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) ع: وَلَكِنْ يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ن، م: وَلَكِنْ لَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. (¬3) م فَقَطْ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ. (¬4) ن، م: وَهَذَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) عِبَارَةُ ((بَلْ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ)) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬6) ن، م، ع: لَا يَجُوزُ. (¬7) وَلَا بِإِرَادَةٍ مَعْدُومَةٍ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ. (¬9) ن، م: وَقَدْ تَكُونُ قَبْلَ ذَلِكَ. (¬10) عِبَارَةُ ((كَقُدْرَةِ الْمَأْمُورِ الْعَاصِي)) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) ب، أ: مُقَدَّمَةً ; ن: مُقَدَّرَةً. (¬12) ن، م: عَلَى الْفِعْلِ تَكُونُ لِمَنْ يُطِيعُ.

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 97] فَأَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، فَلَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ إِلَّا مَنْ حَجَّ لَمْ يَكُنِ الْحَجُّ قَدْ وَجَبَ إِلَّا عَلَى مَنْ حَجَّ، وَلَمْ يُعَاقَبْ أَحَدٌ (¬1) عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ. وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ 16] ، فَأَوْجَبَ التَّقْوَى بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَلَوْ كَانَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّقْوَى لَمْ يَكُنْ قَدْ أَوْجَبَ التَّقْوَى إِلَّا عَلَى مَنِ اتَّقَى، وَلَا يُعَاقِبُ مَنْ لَمْ يَتَّقِ (¬2) ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّ الْقَدَرِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ (¬3) وَالشِّيعَةَ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، لِتَكُونَ صَالِحَةً لِلضِّدَّيْنِ: الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَأَمَّا حِينَ الْفِعْلِ (¬4) [فَلَا يَكُونُ إِلَّا الْفِعْلُ، فَزَعَمُوا أَوْ مَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ حِينَئِذٍ] (¬5) لَا يَكُونُ قَادِرًا ; لِأَنَّ الْقَادِرَ لَا بُدَّ أَنْ (¬6) يَقْدِرَ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَحِينَ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى التَّرْكِ فَلَا يَكُونُ قَادِرًا. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا حِينَ الْفِعْلِ، ثُمَّ أَئِمَّتُهُمْ قَالُوا: وَيَكُونُ أَيْضًا قَادِرًا قَبْلَ الْفِعْلِ. وَقَالَتْ (¬7) طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ ¬

(¬1) ب، أ: وَلَمْ يُعَاقِبْ أَحَدًا. (¬2) م فَقَطْ: وَلَمْ يُعَاقِبِ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَتَّقِ. (¬3) ن، م، ع: الْقَدَرِيَّةَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ. (¬4) ب، أ: وَأَمَّا مِنْ حِينِ الْفِعْلِ. (¬5) ب، أ: وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ، وَسَقَطَتِ الْعِبَارَاتُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنْ (ن) ، (م) إِلَّا كَلِمَاتٍ قَلِيلَةً فِي (م) . (¬6) ع: لَا بُدَّ وَأَنْ. (¬7) ب، أ، ن: وَقَالَ.

قَادِرًا إِلَّا حِينَ الْفِعْلِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ عِنْدَهُمْ (¬1) فَإِنَّ الْقُدْرَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهُ لَا تُوجَدُ بِدُونِهِ، إِذْ لَوْ صَلَحَتْ لِلضِّدَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ أَمْكَنَ وُجُودَهَا مَعَ عَدَمِ (¬2) أَحَدِ الضِّدَّيْنِ، وَالْمُقَارِنُ لِلشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ (¬3) لَا يُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ، فَإِنَّ وُجُودَ (¬4) الْمَلْزُومُ بِدُونِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ، وَمَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ [فَهُوَ] بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ (¬5) الْفَاسِدِ، وَهُوَ أَنَّ إِقْدَارَ اللَّهِ الْمُؤْمِنَ (¬6) وَالْكَافِرَ وَالْبَرَّ وَالْفَاجِرَ سَوَاءٌ، فَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَصَّ الْمُؤْمِنَ (¬7) الْمُطِيعَ بِإِعَانَةٍ حَصَّلَ بِهَا الْإِيمَانَ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ إِعَانَتَهُ لِلْمُطِيعِ (¬8) وَالْعَاصِي سَوَاءٌ، وَلَكِنَّ هَذَا بِنَفْسِهِ رَجَّحَ الطَّاعَةَ ; وَهَذَا بِنَفْسِهِ رَجَّحَ الْمَعْصِيَةَ. كَالْوَالِدِ الَّذِي أَعْطَى (¬9) كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ ابْنَيْهِ (¬10) سَيْفًا، فَهَذَا جَاهَدَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا قَطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ، أَوْ أَعْطَاهُمَا مَالًا، فَهَذَا أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ. وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ عَلَى عَبْدِهِ الْمُطِيعِ [الْمُؤْمِنِ] (¬11) نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ خَصَّهُ بِهَا دُونَ ¬

(¬1) عِنْدَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) عَدَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) فَقَطْ. (¬3) ب، أ: الْمُسْتَلْزِمُ لَهُ. (¬4) م فَقَطْ: فَإِنْ وُجِدَ. (¬5) ن: وَهَذَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ، م: وَهَذَا قَالَتْهُ الْقَدَرِيَّةُ عَلَى أَصْلِهِمْ. (¬6) ع: وَهُوَ إِقْدَارُ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ. (¬7) الْمُؤْمِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬8) ب، أ: إِعَانَةَ الْمُطِيعِ. (¬9) ب، أ: يُعْطِي. (¬10) م فَقَطْ: كُلًّا مِنْ وَلَدَيْهِ. (¬11) الْمُؤْمِنِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (أ) .

الْكَافِرِ، وَأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى الطَّاعَةِ إِعَانَةً لَمْ يُعِنْ بِهَا الْكَافِرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 7] ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ حَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ. فَالْقَدَرِيَّةُ تَقُولُ: (¬1) هَذَا التَّحْبِيبُ وَالتَّزْيِينُ عَامٌّ فِي كُلِّ الْخَلْقِ (¬2) ، أَوْ هُوَ (¬3) بِمَعْنَى الْبَيَانِ وَإِظْهَارِ دَلَائِلِ الْحَقِّ. وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ: (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) ، وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا رَاشِدِينَ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] . وَقَالَ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 122] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 53] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 17] . ¬

(¬1) ب، أ، م: يَقُولُونَ. (¬2) ب، أ: وَالتَّزْيِينُ عَلَى كُلِّ الْخَلْقِ. (¬3) ن، م: إِذْ هُوَ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ (¬1) يَقُولُوا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} . وَالدُّعَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ غَيْرِ حَاصِلٍ يَكُونُ (¬2) مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ الْمَطْلُوبَةُ غَيْرُ الْهُدَى الَّذِي هُوَ بَيَانُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْلِيغِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سُورَةُ النُّورِ: 21] . وَقَالَ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 41] . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُبَيِّنُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اخْتِصَاصَهُ (¬3) عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْهُدَى وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِذَا (¬4) قُدِّرَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِعْلِ مِنَ الْفَاعِلِ كَمَا هِيَ مِنَ التَّارِكِ، كَانَ ¬

(¬1) ب: بِأَنْ وَسَقَطَتْ مِنْ (أ) . (¬2) ب، أ: غَيْرِ حَاصِلٍ بَلْ يَكُونُ. (¬3) ب: يُبَيِّنُ اخْتِصَاصَ، أ: يُبَيِّنُ اخْتِصَاصَهُ، ن: تُبَيِّنُ تَعَالَى اخْتِصَاصَ ; م: يُبَيِّنُ اللَّهُ اخْتِصَاصَ. (¬4) ب، أ: فَإِذَا.

اخْتِصَاصُ الْفَاعِلِ بِالْفِعْلِ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ (¬1) الْمِثْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ. وَهُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ إِثْبَاتَ الصَّانِعِ، فَإِنْ قَدَحُوا فِي ذَلِكَ انْسَدَّ عَلَيْهِمْ طَرِيقُ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ. وَغَايَتُهُمْ أَنْ قَالُوا: الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَالْجَائِعِ وَالْخَائِفِ. وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الْأَسْبَابِ (¬2) الْمُوجِبَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَمْتَنِعُ الرُّجْحَانُ. وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقَائِلِ: يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، إِنْ كَانَ لِقَوْلِهِ " يُرَجِّحُ " مَعْنَى زَائِدٌ عَلَى وُجُودِ الْفِعْلِ (¬3) فَذَاكَ هُوَ السَّبَبُ الْمُرَجِّحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى زَائِدٌ، كَانَ حَالُ الْفِعْلِ قَبْلَ وُجُودِ الْفِعْلِ (¬4) كَحَالِهِ (¬5) عِنْدَ الْفِعْلِ (¬6) ، ثُمَّ الْفِعْلُ حَصَلَ فِي إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى (¬7) بِلَا مُرَجِّحٍ، وَهَذَا (¬8) مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ. فَلَمَّا كَانَ أَصْلُ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ فَاعِلَ الطَّاعَاتِ وَتَارِكَهَا كِلَاهُمَا فِي الْإِعَانَةِ وَالْإِقْدَارِ سَوَاءٌ، امْتَنَعَ عَلَى أَصْلِهِمْ (¬9) أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ قُدْرَةٌ تَخُصُّهُ (¬10) ; ¬

(¬1) ب، أ: تَرْجِيحَ أَحَدِ. (¬2) ع، أ، ب: فَإِنَّهُ مَعَ الْأَسْبَابِ. (¬3) ع، أ، ب، فَإِنَّهُ مَعَ الْأَسْبَابِ (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، وَالْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ فِي (ع) فِيهَا. . كَانَ حَالُ الْفِعْلِ قَبْلَ وُجُودِ الْفِعْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ب، أ: لِحَالِهِ. (¬6) م فَقَطْ: كَحَالِهِ بَعْدَ وُجُودِ الْفِعْلِ. (¬7) ب: أَحَدُ الْحَالَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ; أ: إِحْدَى الْحَالَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ; م: أَحَدُ الْحَالَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، ع: إِحْدَى الْحَالَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى. (¬8) ب، أ: فَهَذَا. (¬9) م فَقَطْ: امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ. (¬10) ب: أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ مَعَ الْفِعْلِ قُدْرَةً تَخُصُّهُ ; أ: أَنْ يَكُونَ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ قُدْرَةً تَخُصُّهُ.

لِأَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي تَخُصُّ الْفِعْلَ لَا تَكُونُ لِلتَّارِكِ وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلْفَاعِلِ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِحَالِ وُجُودِ الْفِعْلِ. ثُمَّ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْفِعْلِ، قَالُوا: لَا تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَحَالَ وُجُودِ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ التُّرْكُ. فَلِهَذَا قَالُوا: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ (¬1) وُجُودَ الْأَثَرِ مَعَ عَدَمِ (¬2) بَعْضِ شُرُوطِهِ الْوُجُودِيَّةِ مُمْتَنِعٌ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ مِنَ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْفِعْلِ، فَنَقِيضُ قَوْلِهِمْ حَقٌّ، وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ (¬3) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ قُدْرَةٌ، لَكِنْ صَارَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ هُنَا (¬4) حِزْبَيْنِ؛ حِزْبًا قَالُوا: لَا تَكُونُ الْقُدْرَةُ إِلَّا مَعَهُ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعٌ وَاحِدٌ [لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ (¬5) ] ، وَظَنًّا مِنْ بَعْضِهِمْ (¬6) أَنَّ الْقُدْرَةَ عَرَضٌ فَلَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ. وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مُصَحِّحٌ لِلْفِعْلِ يُمْكِنُ مَعَهُ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَهَذِهِ تَحْصُلُ (¬7) لِلْمُطِيعِ وَالْعَاصِي وَتَكُونُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَهَذِهِ تَبْقَى (¬8) إِلَى حِينِ ¬

(¬1) ن، م، ع: فَإِنَّ. (¬2) عَدَمِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ع فَقَطْ: وَظَنًّا مِنْهُمْ. (¬7) ب، أ: تَصْلُحُ. (¬8) ب، أ: وَهَذَا يَبْقَى.

الْفِعْلِ: إِمَّا بِبَقَائِهَا (¬1) عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ (¬2) ، وَإِمَّا بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَعْرَاضَ لَا تَبْقَى، وَهَذِهِ قَدْ تَصْلُحُ (¬3) لِلضِّدَّيْنِ. وَأَمْرُ اللَّهِ لِعِبَادِهِ مَشْرُوطٌ بِهَذِهِ الطَّاقَةِ، فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ مَنْ لَيْسَتْ مَعَهُ هَذِهِ الطَّاقَةُ، وَضِدُّ هَذِهِ الْعَجْزُ، وَهَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 25] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 42] ، وَقَوْلُهُ فِي الْكَفَّارَةِ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 4] فَإِنَّ هَذَا نَفْيٌ لِاسْتِطَاعَةِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَا يَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا (¬4) ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» " (¬5) ، فَإِنَّمَا نَفَى اسْتِطَاعَةً لَا فِعْلَ مَعَهَا. ¬

(¬1) ب، م: إِمَّا بِنَفْسِهَا ; أ، ن: إِمَّا بِنَفْيِهَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن، م: عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْأَعْرَاضَ تَبْقَى. (¬3) ب، أ، م: وَهَذَا قَدْ يَصْلُحُ. (¬4) ن، م: فَجَالِسًا. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/48

وَأَيْضًا فَالِاسْتِطَاعَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الشَّرْعِ أَخَصُّ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي يَمْتَنِعُ (¬1) الْفِعْلُ مَعَ عَدَمِهَا، فَإِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَدْ تَكُونُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مَعَ عَدَمِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْجَزْ عَنْهُ (¬2) ، فَالشَّارِعُ يُيَسِّرُ (¬3) عَلَى عِبَادِهِ، وَيُرِيدُ بِهِمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِهِمُ الْعُسْرَ، وَمَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ (¬4) فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وَالْمَرِيضُ قَدْ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ مَعَ زِيَادَةِ مَرَضِهِ وَتَأَخُّرِ بُرْئِهِ، فَهَذَا فِي الشَّرْعِ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِأَجْلِ حُصُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يُسَمِّيهِ [بَعْضُ] النَّاسِ مُسْتَطِيعًا (¬5) . فَالشَّارِعُ لَا يَنْظُرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَى مُجَرَّدِ إِمْكَانِ الْفِعْلِ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَى لَوَازِمِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا مَعَ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اسْتِطَاعَةٌ شَرْعِيَّةٌ، كَالَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَحُجَّ مَعَ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ يُصَلِّيَ قَائِمًا مَعَ زِيَادَةِ مَرَضِهِ، أَوْ يَصُومَ الشَّهْرَيْنِ مَعَ انْقِطَاعِهِ عَنْ مَعِيشَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (¬6) فَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ قَدِ اعْتَبَرَ فِي الْمُكْنَةِ عَدَمَ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ، فَكَيْفَ يُكَلِّفُ مَعَ الْعَجْزِ؟ ! . وَلَكِنَّ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ بَقَائِهَا إِلَى حِينِ الْفِعْلِ لَا تَكْفِي فِي وُجُودِ الْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَتْ كَافِيَةً لَكَانَ التَّارِكُ كَالْفَاعِلِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِحْدَاثِ إِعَانَةٍ ¬

(¬1) ن، م: تَمْنَعُ. (¬2) ب، أ: قَدْ تَكُونُ مَا يُتَصَوَّرُ بِالْعَقْلِ مَعَ عَدَمِهَا فَإِنْ لَمْ يُعْجَزْ عَنْهُ ; ع: قَدْ تَكُونُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ بِالْفِعْلِ مَعَ عَدَمِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْجَزْ عَنْهُ ; ن، م: قَدْ تَكُونُ مَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مَعَ عَدَمِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْجَزْ عَنْهُ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ. (¬3) ن، م: فَإِنَّ الشَّارِعَ مُيَسِّرٌ. (¬4) أ، ب، ع: عَلَيْكُمْ. (¬5) ن، م: وَإِنْ كَانَ قَدْ يُسَمِّيهِ النَّاسُ مُسْتَطِيعًا ; ع: وَإِنْ كَانَ يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ مُطِيعًا. (¬6) وَنَحْوِ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

أُخْرَى تُقَارِنُ هَذِهِ (¬1) ، مِثْلَ جَعْلِ الْفَاعِلِ مُرِيدًا، فَإِنَّ الْفِعْلَ لَا يَتِمُّ (¬2) إِلَّا بِقُدْرَةٍ وَإِرَادَةٍ. وَالِاسْتِطَاعَةُ الْمُقَارِنَةُ لِلْفِعْلِ تَدْخُلُ فِيهَا الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ، بِخِلَافِ الْمَشْرُوطَةِ فِي التَّكْلِيفِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِرَادَةُ، وَاللَّهُ تَعَالَى (¬3) يَأْمُرُ بِالْفِعْلِ مَنْ لَا يُرِيدُهُ، لَكِنْ لَا يَأْمُرُ بِهِ مَنْ لَوْ (¬4) أَرَادَهُ لَعَجَزَ عَنْهُ (¬5) . وَهَذَا الْفُرْقَانُ هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَهَكَذَا أَمْرُ النَّاسِ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ (¬6) يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ الْعَبْدُ، لَكِنْ لَا يَأْمُرُهُ بِمَا يَعْجَزُ عَنْهُ الْعَبْدُ. وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُوَّةُ التَّامَّةُ (¬7) لَزِمَ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُسْتَلْزِمُ لِلْفِعْلِ مُقَارِنًا لَهُ، لَا يَكْفِي تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يُقَارِنْهُ، فَإِنَّهُ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ لِلْفِعْلِ، وَالْعِلَّةُ التَّامَّةُ تُقَارِنُ الْمَعْلُولَ، لَا تَتَقَدَّمُهُ. وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ شَرْطٌ فِي وُجُودِ الْفِعْلِ [وَكَوْنَ الْفَاعِلِ قَادِرًا] ، وَالشَّرْطُ فِي وُجُودِ الشَّيْءِ [الَّذِي بِهِ الْقَادِرُ يَكُونُ قَادِرًا] لَا يَكُونُ [الشَّيْءُ] مَعَ عَدَمِهِ بَلْ مَعَ وُجُودِهِ (¬8) ، [وَإِلَّا فَيَكُونُ الْفَاعِلُ (¬9) فَاعِلًا حِينَ لَا يَكُونُ قَادِرًا، أَوْ غَيْرُ (¬10) الْقَادِرِ لَا يَكُونُ قَادِرًا] (¬11) . ¬

(¬1) ب، أ: هَذَا. (¬2) لَا يَتِمُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) ب، أ: فَاللَّهُ تَعَالَى ; ن، م: وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ. (¬4) لَوْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬5) ب (فَقَطْ) : فَعَجَزَ عَنْهُ. (¬6) ب، أ: فَالْإِنْسَانُ ; ن، م: وَالْإِنْسَانُ. (¬7) م (فَقَطْ) : وَالْإِرَادَةُ التَّامَّةُ. (¬8) ن، م: شَرْطٌ فِي وُجُودِ الْفِعْلِ، وَالشَّرْطُ فِي وُجُودِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِهِ بَلْ مَعَ وُجُودِهِ. (¬9) ب، أ: وَلَا يَكُونُ الْفَاعِلُ. (¬10) أ، ب: وَغَيْرُ. (¬11) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، الَّذِي يَذْكُرُهُ مِثْلَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا: لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِكَوْنِ الْفَاعِلِ فَاعِلًا هُوَ كَوْنُهُ قَادِرًا، وَوَجَدْنَا كُلَّ مُصَحِّحٍ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَالْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْمُصَحِّحِ لَهُ. (* أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِكَوْنِ الْقَادِرِ الْعَالِمِ كَوْنُهُ حَيًّا، اسْتَحَالَ كَوْنُهُ عَالِمًا قَادِرًا مَعَ [عَدَمِ] (¬1) كَوْنِهِ حَيًّا وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ *) (¬2) الْمُصَحِّحُ لِكَوْنِ الْمُتَلَوِّنِ مُتَلَوِّنًا (¬3) وَكَوْنُهُ مُتَحَرِّكًا كَوْنُهُ جَوْهَرًا، اسْتَحَالَ كَوْنُهُ مُتَلَوِّنًا وَمُتَحَرِّكًا (¬4) وَلَيْسَ بِجَوْهَرٍ. وَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي حَالٍ لَيْسَ هُوَ فِيهَا قَادِرًا. قَالُوا: وَهَذَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَهَذَا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَكِنْ لَا يُنْفَى وُجُودُهَا قَبْلَ الْفِعْلِ (¬5) ، فَإِنَّ الْمُصَحِّحَ يَصِحُّ وُجُودُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ (¬6) وَبِدُونِ ذَلِكَ، كَمَا يَصِحُّ وُجُودُ الْحَيَاةِ بِدُونِ الْعِلْمِ، وَالْجَوْهَرِ بِدُونِ الْحَرَكَةِ. وَهَذَا مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ فِي مَسْأَلَةِ (¬7) حُدُوثِ الْعَالَمِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا قَالُوا: الْعِلَّةُ الْقَدِيمَةُ تُحْدِثُ الدَّوْرَةَ الثَّانِيَةَ بِشَرْطِ انْقِضَاءِ الْأُولَى. قِيلَ لَهُمْ: لَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُحْدَثِ مِنَ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ، وَكَوْنِ الْفَاعِلِ قَادِرًا (¬8) ¬

(¬1) عَدَمِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬3) ن، م: الْمُتَكَوِّنِ مُتَكَوِّنًا. (¬4) ب: مُتَحَرِّكًا مُتَلَوِّنًا ; ن: مُتَكَوِّنًا وَمُتَحَرِّكًا ; م: مُكَوَّنًا وَمُتَحَرِّكًا. (¬5) ب، أ، م، ن: قَبْلَ ذَلِكَ. (¬6) ن، م: الشَّرْطُ. (¬7) ع: مَسَائِلِ. (¬8) ب: وَكَوْنِهِ قَادِرًا ; أ: وَكَوْنِ قَادِرًا.

تَامَّ الْقُدْرَةِ مُرِيدًا تَامَّ الْإِرَادَةِ، فَلَا يَكْفِي فِي الْإِحْدَاثِ مُجَرَّدُ وُجُودِ شَيْءٍ مُتَقَدِّمٍ (¬1) عَلَى الْإِحْدَاثِ، فَكَيْفَ يَكْفِي مُجَرَّدُ عَدَمِ شَيْءٍ يَتَقَدَّمُ عَدَمُهُ عَلَى الْإِحْدَاثِ؟ بَلْ لَا بُدَّ حِينَ الْإِحْدَاثِ مِنَ الْمُؤَثِّرِ التَّامِّ، ثُمَّ كَذَلِكَ عِنْدَ حُدُوثِ الْمُؤَثِّرِ التَّامِّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُؤَثِّرٍ تَامٍّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا عِلَّةً تَامَّةً أَزَلِيَّةً يُقَارِنُهَا مَعْلُولُهَا، لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا مُحْدِثٍ أَصْلًا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يَتَّصِفُ بِمَا بِهِ يَفْعَلُ الْحَوَادِثَ الْمَخْلُوقَةَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْقَائِمَةِ بِهِ الْحَاصِلَةِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، (¬2) كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ (¬3) ، وَتَقْسِيمُهَا إِلَى نَوْعَيْنِ، يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ وَالِاضْطِرَابَ الْحَاصِلَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، فَإِنَّ (¬4) مَنْ قَالَ: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، يَقُولُ: كُلُّ كَافِرٍ وَفَاسِقٍ قَدْ كُلِّفَ مَا لَا يُطِيقُ (¬5) . وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ قَوْلَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّتِهِمْ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ، وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ صِيَامَ الشَّهْرَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، كَفَرَ أَوْ لَمْ يَكْفُرْ، وَأَوْجَبَ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْقَادِرِينَ دُونَ الْعَاجِزِينَ، فَعَلُوا أَوْ لَمْ يَفْعَلُوا. وَمَا لَا يُطَاقُ يُفَسَّرُ بِشَيْئَيْنِ: يُفَسَّرُ بِمَا لَا يُطَاقُ (¬6) لِلْعَجْزِ عَنْهُ ; فَهَذَا لَمْ يُكَلِّفْهُ ¬

(¬1) ب، أ: مُقَدَّمٍ. (¬2) م (فَقَطْ) : مِنَ الْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ. (¬3) ع: الْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ. (¬4) ب، أ: وَأَنَّ. (¬5) ع، ن، م: مَا لَا يُطَاقُ. (¬6) ب، أ: يُفَسَّرُ بِشَيْئَيْنِ مَا لَا يُطَاقُ.

اللَّهُ أَحَدًا. وَيُفَسَّرُ بِمَا لَا يُطَاقُ (¬1) لِلِاشْتِغَالِ بِضِدِّهِ ; فَهَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّكْلِيفُ (¬2) كَمَا فِي أَمْرِ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، فَلَا يَأْمُرُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْأَعْمَى بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ، وَيَأْمُرُهُ إِذَا كَانَ قَاعِدًا أَنْ يَقُومَ، وَيُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا بِالضَّرُورَةِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى نُكَتِهَا بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ (¬3) . وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ (¬4) : " لَمْ يَخْلُقْ فِيهِ قُدْرَةً عَلَى الْإِيمَانِ " (¬5) لَيْسَ [هُوَ] (¬6) قَوْلَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ يَقُولُونَ خَلَقَ لَهُ (¬7) الْقُدْرَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي التَّكْلِيفِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، كَمَا فِي الْعِبَادِ (¬8) إِذَا أَمَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَمَا يُوجَدُ مِنْ (¬9) الْقُدْرَةِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ، فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ لِعِبَادِهِ، بَلْ تَكْلِيفُ اللَّهِ أَيْسَرُ، وَرَفْعُهُ (¬10) لِلْحَرَجِ أَعْظَمُ. وَالنَّاسُ يُكَلِّفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَعْظَمَ مِمَّا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ مَنْ يَخْدِمُ الْمُلُوكَ وَالرُّؤَسَاءَ وَيَسْعَى فِي طَاعَتِهِمْ، وَجَدَ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ لِلَّهِ (¬11) . ¬

(¬1) ب، أ: أَحَدًا وَمَا لَا يُطَاقُ. (¬2) ن: وَقَعَ بِالتَّكْلِيفِ ; م: وَقَعَ بِهِ التَّكْلِيفُ. (¬3) بِهَذَا الْمَوْضِعِ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) وَفِي (م) : عِنْدَ الْمَوْضِعِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب، أ: وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ ; م: فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ. (¬5) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَفِي (ن) ، (م) : لِلْإِيمَانِ. (¬6) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬8) ع، م: الْعِبَادَاتِ. (¬9) ن، م: كَمَا يُوجَدُ فِي ; ع: فَمَا يُوجَدُ فِي. (¬10) ع، أ، ب: وَدَفْعُهُ. (¬11) ب، أ: فِي عِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إفحام الأنبياء وانقطاع حجتهم والرد عليه

[فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَمِنْهَا إِفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَانْقِطَاعُ حُجَّتِهِمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ إِذَا قَالَ لِلْكَافِرِ: آمِنْ بِي وَصَدِّقْنِي، يَقُولُ (¬2) قُلْ لِلَّذِي بَعْثَكَ يَخْلُقُ فِيَّ الْإِيمَانَ أَوِ الْقُدْرَةَ (¬3) الْمُؤَثِّرَةَ فِيهِ حَتَّى أَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِيمَانِ وَأُومِنَ بِكَ (¬4) ، وَإِلَّا فَكَيْفَ تُكَلِّفُنِي الْإِيمَانَ وَلَا قُدْرَةَ لِي عَلَيْهِ؟ بَلْ خَلَقَ فِيَّ الْكُفْرَ (¬5) ، وَأَنَا لَا أَتَمَكَّنُ مِنْ مُقَاهَرَةِ (¬6) اللَّهِ تَعَالَى، فَيَنْقَطِعُ النَّبِيُّ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ جَوَابِهِ ". فَيُقَالُ: هَذَا مَقَامٌ يَكْثُرُ فِيهِ خَوْضُ النُّفُوسِ (¬7) ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ إِذَا أُمِرَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلَّلَ بِالْقَدَرِ، وَقَالَ: حَتَّى يُقَدِّرَ اللَّهُ لِي (¬8) ذَلِكَ، أَوْ يُقَدِّرُنِي اللَّهُ (¬9) عَلَى ذَلِكَ، أَوْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ ذَلِكَ (¬10) ، وَكَذَلِكَ إِذَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ قَالَ: اللَّهُ قَضَى (¬11) عَلَيَّ بِذَلِكَ، أَيُّ حِيلَةٍ لِي فِي هَذَا؟ وَنَحْوِ (¬12) هَذَا الْكَلَامِ. ¬

(¬1) م، ن: الْإِمَامِيُّ. وَالْعِبَارَاتُ التَّالِيَةُ فِي ك 86 (م) . (¬2) ب، أ، ن: يَقُولُ لَهُ. (¬3) م: وَالْقُدْرَةَ. (¬4) بِكَ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) ك: بَلْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيَّ الْكُفْرَ. (¬6) ن: مَا أُمَكَّنُ مِنْ مُعَارَفَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ب، أ، ن، م: يَكْثُرُ خَوْضُ النُّفُوسِ فِيهِ. (¬8) لِي: زِيَادَةٌ فِي (م) ، (ن) . (¬9) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (م) . (¬10) ن، م: أَوْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ. (¬11) ن، م: قَضَى اللَّهُ. (¬12) ب، أ: أَيُّ خِيلَةٍ لِي وَنَحْوِ. . . .

وَالِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ دَاحِضَةٌ (¬1) بِاتِّفَاقِ كُلِّ ذِي عَقْلٍ وَدِينٍ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ، وَالْمُحْتَجُّ بِهِ لَا يَقْبَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِثْلَ هَذِهِ الْحُجَّةِ إِذَا احْتَجَّ بِهَا فِي (¬2) ظُلْمٍ ظَلَمَهُ إِيَّاهُ، أَوْ تَرَكَ (¬3) مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِهِ، بَلْ يَطْلُبُ مِنْهُ (¬4) مَا لَهُ عَلَيْهِ، وَيُعَاقِبُهُ عَلَى عُدْوَانِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ (¬5) مِنْ جِنْسِ شُبَهِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي الْعُلُومِ، فَكَمَا أَنَّكَ تَعْلَمُ فَسَادَهَا بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْرِضُ كَثِيرًا لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ (¬6) حَتَّى قَدْ يَشُكُّ فِي وُجُودِ نَفْسِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَارِفِ (¬7) الضَّرُورِيَّةِ، فَكَذَلِكَ هَذَا يَعْرِضُ فِي الْأَعْمَالِ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهَا شُبْهَةٌ (¬8) فِي إِسْقَاطِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ الْوَاجِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِبَاحَةِ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَعْلَمُ الْقُلُوبُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ بَاطِلَةٌ، وَلِهَذَا لَا يَقْبَلُهَا أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ (¬9) عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَلَا يَحْتَجُّ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحُجَّةِ بِمَا فَعَلَهُ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ عِلْمٌ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ هُوَ الْمَصْلَحَةُ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ (¬10) وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي فِعْلُهُ، لَمْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعَهُ عِلْمٌ بِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ (¬11) لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ، أَوْ لَيْسَ بِمَصْلَحَةٍ أَوْ لَيْسَ هُوَ مَأْمُورًا بِهِ، لَمْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ، بَلْ إِذَا كَانَ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ. ¬

(¬1) دَاحِضَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) ن، م: عَلَى. (¬3) ب، أ: وَتَرَكَ. (¬4) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬5) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬6) ن: وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرًا تَعْرِضُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ. وَالْعِبَارَةُ مُحَرَّفَةٌ فِي (م) . (¬7) ب (فَقَطْ) : الْمَعَارِضُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن، م: أَنَّ هَذَا شُبْهَةٌ. (¬9) مِنْ أَحَدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬10) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬11) ن: أَنَّ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ ; م: أَنَّ الَّذِي لَا يَفْعَلُهُ.

وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 148] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ - قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 148، 149] ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَعْلَمُونَ بِفِطْرَتِهِمْ وَعُقُولِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ دَاحِضَةٌ بَاطِلَةٌ (¬1) . فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ ظَلَمَ الْآخَرَ فِي مَالِهِ، أَوْ فَجَرَ بِامْرَأَتِهِ (¬2) أَوْ قَتَلَ وَلَدَهُ، أَوْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الظُّلْمِ فَنَهَاهُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ هَذِهِ الْحُجَّةَ، وَلَا هُوَ يَقْبَلُهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهَا الْمُحْتَجُّ دَفْعًا لِلَّوْمِ بِلَا وَجْهٍ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: هَلْ (¬3) عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا بِأَنَّ هَذَا الشِّرْكَ وَالتَّحْرِيمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ (¬4) يَنْبَغِي فِعْلُهُ، إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، فَإِنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَكُمْ، بِذَلِكَ إِنْ تَظُنُّونَ ذَلِكَ إِلَّا ظَنًّا، وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ: تُحْرِزُونَ (¬5) وَتَفْتَرُونَ، فَعُمْدَتُكُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ظَنُّكُمْ وَخَرْصُكُمْ، لَيْسَ عُمْدَتُكُمْ (¬6) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَوْنَ اللَّهِ شَاءَ ذَلِكَ وَقَدَّرَهُ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ لَا يَكُونُ (¬7) عُمْدَةً لِأَحَدٍ فِي الْفِعْلِ، وَلَا حُجَّةً لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا ¬

(¬1) ب، أ: وَبَاطِلَةٌ. (¬2) ب، أ: لَوْ ظَلَمَ الْآخَرَ أَوْ حَرِجَ فِي مَالِهِ أَوْ فَرَجَ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: قُلْ هَلْ. . . . (¬4) مَصْلَحَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬5) تُحْرِزُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . وَحَرَزَ الشَّيْءَ يَحْرِزُهُ (بِضَمِّ زَايِ الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا) : قَدَّرَهُ بِالْحَدْسِ. (¬6) ب، أ: لَيْسَ فِي عُمْدَتِكُمْ. (¬7) ب، أ: فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ لَا تَكُونُ، م، ن: فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْقَدَرِ وَالْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ.

عُذْرًا لِأَحَدٍ (¬1) ، إِذِ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي الْقَدَرِ (¬2) ، فَلَوْ كَانَ هَذَا حُجَّةً وَعُمْدَةً، لَمْ يَحْصُلْ فَرْقٌ بَيْنَ الْعَادِلِ وَالظَّالِمِ، وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ، وَالْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ النَّاسَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَا يُفْسِدُهُمْ، وَمَا يَنْفَعُهُمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ. وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُحْتَجُّونَ (¬3) بِالْقَدَرِ عَلَى تَرْكِ مَا أَرْسَلَ [اللَّهُ] بِهِ رُسُلَهُ (¬4) مِنْ تَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، لَوْ (¬5) احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي إِسْقَاطِ (¬6) حُقُوقِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ لَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ، بَلْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَذُمُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُعَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، [وَيُقَاتِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا] (¬7) عَلَى فِعْلِ مَا يَرَوْنَهُ (¬8) تَرْكًا لِحَقِّهِمْ أَوْ ظُلْمًا، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ إِلَى حَقِّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَطَاعَةِ أَمْرِهِ احْتَجُّوا بِالْقَدَرِ، فَصَارُوا يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى تَرْكِ حَقِّ رَبِّهِمْ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ بِمَا لَا يَقْبَلُونَهُ مِمَّنْ تَرَكَ حَقَّهُمْ (¬9) وَخَالَفَ أَمْرَهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاذِ [بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬10) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (¬11) «يَا مُعَاذُ " أَتُدْرِي (¬12) مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ حَقُّهُ عَلَى ¬

(¬1) م (فَقَطْ) : وَلَا عُمْدَةً لِأَحَدٍ. (¬2) ع: إِذَا كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُشْتَرِكِينَ فِي الْقَدَرِ. (¬3) ن، م: إِنَّمَا يَحْتَجُّونَ. (¬4) ن: مَا يُرْسِلُ بِهِ رُسُلَهُ ; م: مَا أَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلَهُ. (¬5) ن، م: وَلَوْ. (¬6) ب، أ: سُقُوطِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ب: مَنْ يُرِيدُ ; أ: مَا يُرِيدُ. (¬9) م (فَقَطْ) : مِمَّنْ تَرَكَ بَعْضَهُمْ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬12) ب، أ: قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَتُدْرِي ; ن: قَالَ لَهُ: أَتُدْرِي.

عِبَادِهِ (¬1) أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. أَتُدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ [حَقُّهُمْ عَلَيْهِ] أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» " (¬2) . فَالِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ حَالُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَ وَيَتْرُكُونَ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. وَهُمْ إِنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي تَرْكِ حَقِّ رَبِّهِمْ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، لَا فِي تَرْكِ مَا يَرَوْنَهُ حَقًّا لَهُمْ [وَلَا فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِمْ] (¬3) . وَلِهَذَا تَجِدُ [كَثِيرًا مِنْ] (¬4) الْمُحْتَجِّينَ بِهِ (¬5) وَالْمُسْتَنِدِينَ إِلَيْهِ مِنَ النُّسَّاكِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ، وَالْعَامَّةِ وَالْجُنْدِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، يَفِرُّونَ إِلَيْهِ عِنْدَ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ عِلْمٌ وَهُدًى لَمْ يَحْتَجُّوا بِالْقَدَرِ أَصْلًا، بَلْ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْهُدَى وَالْعِلْمِ (¬6) . ¬

(¬1) ن، م: حَقُّهُ عَلَيْهِمْ. (¬2) م، ن: إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ. وَالْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/105 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ) وَأَوَّلُهُ: بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: " يَا مُعَاذُ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: " هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ. . . . الْحَدِيثُ. وَهُوَ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 9/114 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) ; مُسْلِمٍ 1/58 - 59 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا) ; سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 4/135 - 136 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ افْتِرَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) ; سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1435 - 1436 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ مَا يُرْجَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/260 - 261 (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) . (¬3) وَلَا فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِمْ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ن) . (¬4) كَثِيرًا مِنْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: الْعِلْمِ وَالْهُدَى.

وَهَذَا أَصْلٌ شَرِيفٌ مَنِ اعْتَنَى بِهِ عَلِمَ (¬1) مَنْشَأَ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ (¬2) . وَلِهَذَا تَجِدُ الْمَشَايِخَ وَالصَّالِحِينَ (¬3) الْمُتَّبِعِينَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَثِيرًا مَا يُوصُونَ أَتْبَاعَهُمْ بِاتِّبَاعِ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ لِأَنَّهُ كَثِيرًا (¬4) مَا يَعْرِضُ لَهُمْ إِرَادَاتٌ فِي أَشْيَاءَ وَمَحَبَّةٌ لَهَا، فَيَتَّبِعُونَ فِيهَا أَهْوَاءَهُمْ ظَانِّينَ أَنَّهَا دِينُ اللَّهِ (¬5) ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا الظَّنُّ وَالذَّوْقُ وَالْوَجْدُ (¬6) الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَإِرَادَتِهَا، فَيَحْتَجُّونَ تَارَةً بِالْقَدَرِ (¬7) ، وَتَارَةً بِالظَّنِّ وَالْخَرْصِ، وَهُمْ مُتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِذَا اتَّبَعُوا الْعِلْمَ، وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجُوا عَنِ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَاتَّبَعُوا مَا مَا جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ، وَهُوَ الْهُدَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [سُورَةُ طه: 123] . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ وَالزُّخْرُفِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 20] فَبَيَّنَ (¬8) أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. ¬

(¬1) ع، ن: مَنِ اعْتَنَى بِهِ عَرَفَ، م: مَنِ اعْتَمَدَ بِهِ عَرَفَ. (¬2) ع: وَالُغَىُّ بَيْنَ النَّاسِ. (¬3) ع: الْمَشَايِخَ الصَّالِحِينَ. (¬4) ب: يُوصُونَ أَتْبَاعَهُمْ بِالْعِلْمِ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ كَثِيرًا، أ: يُوصُونَ أَتْبَاعَهُمُ بِالْعِلْمِ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ كَثِيرًا، م: يُوصَفُونَ أَتْبَاعُهُمْ بِاتِّبَاعِ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا، ن: يُوصَفُونَ أَتْبَاعُهُمْ بِاتِّبَاعِ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ لِأَنَّهُ كَثِيرًا (¬5) م فَقَطْ: أَهْوَاءَهُمْ مِيرَاثُهُمْ دِينُ اللَّهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ب: وَالْوِجْدَانُ، أ: وَالْوَاجِدُ (¬7) ن: بِالْقُدْرَةِ. (¬8) ب، أ: ن: فَتَبَيَّنَ.

وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 149] [أَيْ] (¬1) بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 165] ، ثُمَّ أَثْبَتَ الْقَدَرَ بِقَوْلِهِ: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 149] ، فَأَثْبَتَ الْحُجَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَبَيَّنَ الْمَشِيئَةَ الْقَدَرِيَّةَ، وَكِلَاهُمَا حَقٌّ. وَقَالَ فِي النَّحْلِ: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 35] ، بَيَّنَ (¬2) سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ تَكْذِيبٌ لِلرُّسُلِ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ لَيْسَ حُجَّةً لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حُجَّةً (¬3) لَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى تَكْذِيبِ كُلِّ صِدْقٍ وَفِعْلِ كُلِّ ظُلْمٍ، فَفِي فِطْرَةِ (¬4) بَنِي آدَمَ أَنَّهُ لَيْسَ حُجَّةً صَحِيحَةً، بَلْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ احْتَجَّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَاتِّبَاعِ الظَّنِّ (¬5) ، كَفِعْلِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ بِهَذِهِ الْمُدَافَعَةِ، بَلِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ لِلَّهِ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَا أَحَدَ أَغْيَرُ ¬

(¬1) أَيْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب، أ: فَبَيَّنَ. (¬3) ب، أ: فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ لَيْسَ حُجَّةً لَهُمْ فَلَوْ كَانَ حُجَّةً، م، ن: فِيمَا جَاءُوا بِهِ لَيْسَ حُجَّةً لَهُمْ فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حُجَّةً. (¬4) م، ن: فِطَرِ. (¬5) م، ن: بَلْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ يَحْتَجُّ بِهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ، ع: بَلْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَاتِّبَاعِ الظَّنِّ.

مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» ". (¬1) . فَبَيَّنَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ أَنْ يُمْدَحَ (¬2) وَأَنْ يَعْذُرَ وَيُبْغِضَ الْفَوَاحِشَ، فَيُحِبُّ أَنْ يُمْدَحَ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَأَنْ لَا يُوصَفَ بِالظُّلْمِ (¬3) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مَنْ تَقَدَّمَ (¬4) إِلَى أَتْبَاعِهِ بِأَنِ افْعَلُوا كَذَا وَلَا تَفْعَلُوا كَذَا (¬5) وَبَيَّنَ لَهُمْ وَأَزَاحَ عِلَّتَهُمْ، ثُمَّ تَعَدَّوْا حُدُودَهُ وَأَفْسَدُوا أُمُورَهُ (¬6) كَانَ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ وَيَنْتَقِمَ مِنْهُمْ. فَإِذَا قَالُوا: أَلَيْسَ اللَّهُ قَدَّرَ عَلَيْنَا هَذَا؟ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلْنَا هَذَا. قِيلَ لَهُمْ: أَنْتُمْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ، وَلَا عِنْدَكُمْ مَا تَعْتَذِرُونَ بِهِ، يُبَيِّنُ (¬7) أَنَّ مَا فَعَلْتُمُوهُ كَانَ حَسَنًا أَوْ كُنْتُمْ مَعْذُورِينَ فِيهِ، فَهَذَا الْكَلَامُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْكُمْ، وَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَيَانِ وَالْإِعْذَارِ. ¬

(¬1) الْحَدِيثَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ وَفِي أَوَّلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 6/57 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ؛ تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، بَابُ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) 7/35 (كِتَابُ النِّكَاحِ بَابُ الْغَيْرَةِ) 9/120 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) ، مُسْلِمٍ 4/2113 - 2114 (كِتَابُ التَّوْبَةِ بَابُ غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى) ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 5/200 - 201 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ بَابُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) ، الْمُسْنَدَ ط الْمَعَارِفِ 5/219 - 220، 6/56 - 57، 59 سُنَنَ الدَّارِمِي 2/149 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابٌ فِي الْغَيْرَةِ) ، وَسَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 60. (¬2) ب، أ: يُحِبُّ الْمَدْحَ. (¬3) ن، م: بِالظُّلْمِ وَيُبْغِضُ الْفَوَاحِشَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ب، أ: قَدَّمَ. (¬5) كَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) ، (م) . (¬6) م: أَمْرَهُ ; ن: أَوَامِرَهُ، ب، أ: أُمُورَهُمْ. (¬7) ن: تَبَيَّنَ.

وَلَوْ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ أَعْطَى قَوْمًا مَالًا لِيُوصِلُوهُ إِلَى بَلَدٍ (¬1) آخَرَ (¬2) فَسَافَرُوا بِهِ وَتَرَكُوهُ فِي الْبَرِّيَّةِ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَبَاتُوا فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُ، وَكَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ قَدْ أَرْسَلَ جُنْدًا [لَهُ] (¬3) يَغْزُونَ بَعْضَ الْأَعْدَاءِ، فَاجْتَازُوا تِلْكَ، الطَّرِيقَ فَرَأَوْا ذَلِكَ الْمَالَ فَظَنُّوهُ لُقَطَةً لَيْسَ لَهُ أَحَدٌ فَأَخَذُوهُ وَذَهَبُوا، لَكَانَ يَحْسُنُ مِنْهُ أَنْ يُعَاقِبَ الْأَوَّلِينَ عَلَى تَفْرِيطِهِمْ (¬4) وَتَضْيِيعِهِمْ حِفْظَ مَا أَمَرَهُمْ بِحِفْظِهِ (¬5) . وَلَوْ قَالُوا لَهُ: أَنْتَ لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّكَ تَبْعَثُ خَلْفَنَا جُنْدًا حَتَّى نَحْتَرِزَ الْمَالَ مِنْهُمْ. قَالَ لَهُمْ (¬6) : هَذَا لَا يَجِبُ عَلَيَّ، وَلَوْ فَعَلْتُهُ لَكَانَ زِيَادَةَ إِعَانَةٍ لَكُمْ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحْفَظُوا ذَلِكَ، كَمَا تُحْفَظُ (¬7) الْوَدَائِعَ وَالْأَمَانَاتِ. وَكَانَتْ حُجَّتُهُ عَلَيْهِمْ قَائِمَةً، وَلَمْ يَكُنْ إِنْ عَاقَبَهُمْ ظَالِمًا (¬8) وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعِنْهُمْ بِالْإِعْلَامِ بِذَلِكَ الْجُنْدِ، لَكِنَّ عَمَلَ الْمَصْلَحَةِ فِي إِرْسَالِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ. وَاللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى حَكِيمٌ (¬9) عَدْلٌ فِي [كُلِّ] مَا يَفْعَلُهُ (¬10) ، وَلَا ¬

(¬1) م (فَقَطْ) مَحَلِّهِ. (¬2) آخَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ب، أ: لِتَفْرِيطِهِمْ. (¬5) ب، أ: مَا أَمَرَهُمْ بِهِ. (¬6) ع: وَلَوْ قَالُوا لَهُ لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّكَ تَبْعَثُ خَلْفَنَا جُنْدًا حَتَّى نَحْتَرِزَ، لَقَالَ لَهُمْ ; م، ن وَلَوْ قَالُوا لَهُ أَنْتَ، (م: إِنَّكَ) ، لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّكَ تُرْسِلُ خَلْفَنَا جُنْدًا حَتَّى نَحْتَرِزَ لَقَالَ لَهُمْ ; ب، أ: وَلَوْ قَالُوا لَهُ: أَنْتَ لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّكَ تَبْعَثُ بَعْدَنَا جُنْدًا حَتَّى نَحْتَرِزَ، (ب: يَحْتَرِزَ) ، الْمَالَ مِنْهُمْ قَالَ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ. (¬7) ب: كَمَا تَحْفَظُونَ، أ: كَمَا تَحْفَظُوا. (¬8) ب: وَلَمْ يَكُنْ يُدْعَى فِيهِمْ ظَالِمًا ; أ: وَلَمْ يَكُنْ إِذْ عَافِيهِمْ ظَالِمًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ب، أ: حَكَمٌ. (¬10) ب، أ: كُلِّ مَا جَعَلَهُ ; ن، م: فِيمَا يَفْعَلُهُ.

يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. فَإِذَا أَمَرَ النَّاسَ بِحِفْظِ الْحُدُودِ وَإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ لِمَصْلَحَتِهِمْ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَتَعْرِيفِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ. وَإِذَا خَلَقَ أُمُورًا أُخْرَى، فَإِذَا فَرَّطُوا وَاعْتَدَوْا بِسَبَبِ خَلْقِهِ لِأُمُورٍ أُخْرَى (¬1) أَوْجَبَتِ (¬2) الضَّرَرَ الْحَاصِلَ مِنْ تَفْرِيطِهِمْ وَعُدْوَانِهِمْ، وَكَانَ لَهُ فِي خَلْقِ الْمَخْلُوقِ الثَّانِي حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ أُخْرَى (¬3) ، كَانَ عَادِلًا حَكِيمًا (¬4) فِي خَلْقِ هَذَا وَخَلْقِ هَذَا، وَالْأَمْرِ بِهَذَا وَالْأَمْرِ بِهَذَا. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمُدَّ الْأَوَّلِينَ بِزِيَادَةٍ يَحْتَرِسُونَ (¬5) بِهَا مِنَ التَّفْرِيطِ وَالْعُدْوَانِ، لَا سِيَّمَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَوْ خَلَقَهَا لَلَزِمَ مِنْهَا تَفْوِيتُ مَصْلَحَةٍ أَرْجَحَ مِنْهَا (¬6) ، فَإِنَّ الضِّدَّيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ أَحَدٌ بِالْقَدَرِ إِلَّا حُجَّةَ تَعْلِيلٍ، لِعَدَمِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ الَّذِي بَيَّنَهُ الْعِلْمُ (¬7) ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ حَيٌّ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ الْحَارِثُ وَهَمَّامٌ» " (¬8) فَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْعَامِلُ، وَالْهَمَّامُ الْكَثِيرُ الْهَمِّ، وَالْهَمُّ مَبْدَأُ ¬

(¬1) ب، أ: الْأُمُورَ الْأُخْرَى. (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) وَفِي (م) فَقَطْ: مِنْ تَفْرِيطِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ. (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) وَفِي (م) فَقَطْ: مِنْ تَفْرِيطِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ. (¬4) ب، أ: حَكَمًا. (¬5) م فَقَطْ: يَحْتَرِزُونَ. (¬6) مِنْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬7) م، ن: مِنْهُ الْعِلْمُ. (¬8) ع: وَالْهَمَّامُ. وَالْحَدِيثُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/394 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي تَغْيِيرِ الْأَسْمَاءِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةٌ. وَالْحَدِيثُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 4/345.

الْإِرَادَةِ [وَالْقَصْدِ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ حَارِثٌ هَمَّامٌ، وَهُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِالْإِرَادَةِ] (¬1) وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْحِسِّ وَالشُّعُورِ، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ مَسْبُوقَةٌ بِالشُّعُورِ بِالْمُرَادِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إِرَادَةٌ وَلَا حُبٌّ وَلَا شَوْقٌ وَلَا اخْتِيَارٌ وَلَا طَلَبٌ إِلَّا بَعْدَ الشُّعُورِ، وَمَا هُوَ [مِنْ] جِنْسِهِ (¬2) ، كَالْحِسِّ وَالْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَنَحْوِ هَذِهِ الْأُمُورِ. فَهَذَا الْإِدْرَاكُ وَالشُّعُورُ هُوَ (¬3) مُقَدِّمَةُ الْإِرَادَةِ وَالْحُبِّ وَالطَّلَبِ. وَالْحَيُّ مَفْطُورٌ عَلَى حُبِّ مَا يُلَائِمُهُ وَيَنْفَعُهُ (¬4) ، وَبِغَضِّ مَا يَكْرَهُهُ وَيَضُرُّهُ، فَإِذَا تَصَوَّرَ الشَّيْءَ الْمُلَائِمَ النَّافِعَ أَرَادَهُ وَأَحَبَّهُ (¬5) وَإِذَا (¬6) تَصَوَّرَ الشَّيْءَ الضَّارَّ أَبْغَضَهُ وَنَفَرَ عَنْهُ، لَكِنَّ ذَلِكَ التَّصَوُّرَ قَدْ يَكُونُ عِلْمًا، وَقَدْ يَكُونُ ظَنًّا وَخَرْصًا، فَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مُرَادَهُ هُوَ النَّافِعُ، وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ، وَهُوَ الَّذِي يُلَائِمُهُ، كَانَ عَلَى الْهُدَى وَالْحَقِّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ (¬7) ، كَانَ مُتَّبِعًا لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى نَفْسُهُ، فَإِذَا جَاءَهُ الْعِلْمُ وَالْبَيَانُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَصْلَحَةً، أَخَذَ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ حُجَّةَ لَدَدٍ وَتَعْرِيجٍ (¬8) عَنِ الْحَقِّ (¬9) ، لَا حُجَّةَ اعْتِمَادٍ عَلَى الْحَقِّ وَالْعِلْمِ، فَلَا يَحْتَجُّ أَحَدٌ فِي بَاطِنِهِ أَوْ ظَاهِرِهِ بِالْقَدَرِ، إِلَّا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ (¬10) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن: وَمَا هُوَ جِنْسُهُ، م: وَمَا هُوَ حَقُّهُ. (¬3) أ، ع: هِيَ، ن: وَهِيَ. (¬4) م، ع، أ، ب: مَا يَنْفَعُهُ وَيُلَائِمُهُ. (¬5) ع: أَرَادَهُ وَحَبَّهُ. (¬6) ب، أ: وَإِنْ. (¬7) ن: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بِذَاكَ عِلْمٌ. (¬8) ب (فَقَطْ) : لَدَدٍ وَتَفْرِيجٍ. (¬9) عَنِ الْحَقِّ: سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬10) ب، أ: لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ الْحَقُّ ; ن، م: لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَنِ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى الرُّسُلِ مُقِرًّا بِأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ لَيْسَ مَعَهُ بِهِ عِلْمٌ، [وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ] (¬1) ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مُبْطِلًا فِي كَلَامِهِ، وَمَنِ احْتَجَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَتْ حُجَّتُهُ دَاحِضَةً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ الْعِلْمَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ الْحَقَّ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ الْحَقَّ وَيَدَعَ هَوَاهُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِالْقَدَرِ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ. وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ انْقِطَاعًا لَوْ كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ سَائِغًا (¬2) ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلًا بُطْلَانًا ضَرُورِيًّا مُسْتَقِرًّا (¬3) فِي [جَمِيعِ] (¬4) الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا السُّؤَالُ مُتَوَجِّهًا، وَذَلِكَ (¬5) أَنَّهُ (¬6) مِنَ الْمُسْتَقِرِّ فِي فِطَرِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ أَنَّهُ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ (¬7) لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَنْ طَلَبَ دِينًا لَهُ (¬8) عَلَى آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أُعْطِيكَ (¬9) حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ فِيَّ الْعَطَاءَ، وَمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِأَمْرٍ (¬10) لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَفْعَلُهُ حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ فِيَّ فِعْلَهُ، وَمَنِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: سَابِقًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ع: مُتَقَرِّرًا. (¬4) جَمِيعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ب (فَقَطْ) : وَلِذَلِكَ. (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَحْرِيفٌ فِي (ن) ، (م) . (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَحْرِيفٌ فِي (ن) ، (م) . (¬8) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬9) ب، أ: مَا أُعْطِيكَ. (¬10) ب (فَقَطْ) : بِشَيْءٍ.

ابْتَاعَ شَيْئًا وَطَلَبَ (¬1) مِنْهُ الثَّمَنَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَقْضِيهِ حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ فِيَّ الْقَضَاءَ أَوِ الْقُدْرَةَ (¬2) عَلَى هَذَا. وَهَذَا أَمْرٌ جَبَلَ [اللَّهُ] عَلَيْهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ (¬3) ، مُسَلِّمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، مُقِرُّهُمْ بِالْقَدَرِ وَمُنَكَّرُهُمْ لَهُ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ مِنْهُمُ الِاعْتِرَاضَ بِمِثْلِ هَذَا، مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِالْقَدَرِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ (¬4) مَعْرُوفَ الْفَسَادِ فِي بَدَائِهِ (¬5) الْعُقُولِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى الرَّسُولِ. الثَّانِي: أَنَّ الرَّسُولَ (¬6) يَقُولُ لَهُ: أَنَا نَذِيرٌ لَكَ إِنْ فَعَلْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ نَجَوْتَ وَسَعِدْتَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْهُ عُوقِبْتَ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَعِدَ عَلَى الصَّفَا وَنَادَى: " «يَا صَبَاحَاهُ " (¬7) فَأَجَابُوهُ، فَقَالَ: " أَرَأَيْتُمْ (¬8) لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ عَدُوًّا مُصَبِّحُكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» " (¬9) وَقَالَ: " «أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ» " (¬10) . ¬

(¬1) ن، م: فَطَلَبَ. (¬2) ع، م: وَالْقُدْرَةَ. (¬3) ن، أ، ب: جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ. وَجَاءَتْ نَفْسُ الْعِبَارَةِ فِي (م) وَلَكِنْ سَقَطَتْ مِنْهَا كَلِمَةُ (كُلُّهُمْ) . (¬4) م (فَقَطْ) الْأَمْرُ. (¬5) ن، م، أ، ب: بِدَايَةِ. (¬6) ب، أ: الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬7) ع: يَا صَاحِبَاهُ. (¬8) م فَقَطْ: أَرَأَيْتَكُمْ. (¬9) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 6/111 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ الشُّعَرَاءِ، 6/122 \ (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ سَبَأٍ 6/179 - 180 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 5/121 \ كِتَابُ التَّفْسِيرِ وَمِنْ سُورَةِ تَبَّتْ) ، الْمُسْنَدَ ط الْمَعَارِفِ 4/186 - 286. (¬10) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/101 - 102 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ الِانْتِهَاءِ عَنِ الْمَعَاصِي) ، وَأَوَّلُهُ: مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنِي وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَا النِّجَاءُ. . . . . الْحَدِيثُ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 9/93 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ) ، مُسْلِمٍ 4/1788 - 1789 كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ شَفَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَنْذَرَ بِعَدُوٍّ يَقْصِدُهُ لَمْ يَقُلْ لِنَذِيرِهِ: قُلْ لِلَّهِ يَخْلُقُ فِيَّ قُدْرَةً عَلَى الْفِرَارِ حَتَّى أَفِرَّ، بَلْ يَجْتَهِدُ فِي الْفِرَارِ، وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْفِرَارِ. فَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُكَذِّبٌ لِلرُّسُلِ، إِذْ لَيْسَ فِي الْفِطْرَةِ مَعَ تَصْدِيقِ النَّذِيرِ الِاعْتِلَالُ بِمِثْلِ هَذَا. وَإِذَا كَانَ هَذَا تَكْذِيبًا حَاقَ بِهِ مَا حَاقَ بِالْمُكَذِّبِينَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا لَيْسَ لِي أَنْ أَقُولَ لِرَبِّي [مِثْلَ] (¬1) هَذَا الْكَلَامِ، بَلْ عَلَيَّ أَنَّ أُبَلِّغَ رِسَالَاتِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيَّ مَا حُمِّلْتُ وَعَلَيْكَ مَا حُمِّلْتَ، وَلَيْسَ عَلَيَّ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، وَقَدْ قُمْتُ بِهِ (¬2) . الرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ لِي وَلَا لِغَيْرِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: لِمَ لَمْ [تَجْعَلْ] (¬3) فِي هَذَا كَذَا وَفِي هَذَا كَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ عَلَى قَوْلَيْنِ: مَنْ يَقُولُ (¬4) : إِنَّهُ لَا حِكْمَةَ إِلَّا مَحْضُ الْمَشِيئَةِ، يَقُولُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. وَمَنْ يَقُولُ: [إِنَّ] لَهُ حِكْمَةً (¬5) ، يَقُولُ: لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا إِلَّا لِحِكْمَةٍ، وَلَمْ يَتْرُكْهُ (¬6) إِلَّا لِانْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ فِيهِ. ¬

(¬1) مِثْلَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: وَقَدْ تَمَّتْ بِهِ. (¬3) تَجْعَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب، أ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ب، أ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَنَّ لَهُ حِكْمَةً، ن، م: وَمَنْ يَقُولُ لَهُ حِكْمَةٌ. (¬6) ن، م: وَلَا تَرَكَهُ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ (¬1) مِثْلَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 23] . الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يَقُولَ: إِعَانَتُكَ عَلَى الْفِعْلِ هُوَ مِنْ أَفْعَالِهِ هُوَ، فَمَا فَعَلَهُ فَلِحِكْمَةٍ، وَمَا لَمْ يَفْعَلْهُ فَلِانْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ الطَّاعَةِ فَمِنْ أَفْعَالِكَ الَّتِي تَعُودُ مَصْلَحَتُهَا عَلَيْكَ (¬2) ، فَإِنْ أَعَانَكَ كَانَ فَضْلًا [عَلَيْكَ] مِنْهُ (¬3) وَإِنْ خَذَلَكَ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ، فَتَكْلِيفُكَ لَيْسَ لِحَاجَةٍ (¬4) لَهُ إِلَى ذَلِكَ لِيَحْتَاجَ إِلَى إِعَانَتِكَ، كَمَا يَأْمُرُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِمَصْلَحَتِهِ. فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ قَادِرٍ أَعَانَهُ حَتَّى يَحْصُلَ مُرَادُ الْآمِرِ الَّذِي يَعُودُ إِلَيْهِ نَفْعُهُ، بَلِ التَّكْلِيفُ إِرْشَادٌ وَهُدًى وَتَعْرِيفٌ لِلْعِبَادِ بِمَا (¬5) يَنْفَعُهُمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَنْفَعُهُ وَهَذَا الْفِعْلَ يَضُرُّهُ، وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ (¬6) إِلَى ذَلِكَ الَّذِي يَنْفَعُهُ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَفْعَلُ الَّذِي أَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَنْفَعُنِي (¬7) حَتَّى يُخْلُقَ فِيَّ الْفِعْلُ، بَلْ مِثْلُ هَذَا يَخْضَعُ وَيُذَلُّ لِلَّهِ حَتَّى يُعِينَهُ عَلَى فِعْلِ مَا يَنْفَعُهُ، كَمَا لَوْ قِيلَ: هَذَا الْعَدُوُّ قَدْ قَصَدَكَ (¬8) ، أَوْ هَذَا السَّبْعُ، أَوْ هَذَا السَّيْلُ (¬9) الْمُنْحَدِرُ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ: لَا أَهْرُبُ وَأَتَخَلَّصُ ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬2) ب، أ، ن: إِلَيْكَ. (¬3) ن: كَانَ ذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ. وَعَلَيْكَ فِي (ع) فَقَطْ. (¬4) ن، م: بِحَاجَةٍ. (¬5) بِمَا فِي (م) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَا. (¬6) يَحْتَاجُ فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مُحْتَاجٌ. (¬7) ب، أ: يَنْفَعُهُ. (¬8) ع: هَذَا عَدُوٌّ وَقَدْ قَصَدَكَ. (¬9) ن، م: وَهَذَا السَّبْعُ، أَوِ السَّيْلُ.

[مِنْهُ] (¬1) حَتَّى يَخْلُقَ [اللَّهُ] (¬2) فِيَّ الْهَرَبَ، بَلْ يَحْرِصُ عَلَى الْهَرَبِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْإِعَانَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَفِرُّ مِنْهُ إِذَا عَجَزَ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ لِبَاسٍ (¬3) ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ: لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ وَلَا أَلْبَسُ حَتَّى يَخْلُقَ اللَّهُ (¬4) فِي ذَلِكَ، بَلْ يُرِيدُ ذَلِكَ وَيَسْعَى فِيهِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَيْسِيرَهُ [عَلَيْهِ] (¬5) . فَالْفِطْرَةُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهَا، وَأَنَّهَا تَسْتَعِينُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ. هَذَا [هُوَ] مُوجَبُ الْفِطْرَةِ (¬6) الَّتِي فَطَرَ [اللَّهُ] (¬7) عَلَيْهَا عِبَادَهُ، وَإِيجَابَهَا ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ إِمَّا أَنْ يَقُولَهُ مَنْ يُرِيدُ الطَّاعَةَ، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَنْفَعُهُ، أَوْ مَنْ لَا يُرِيدُهَا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تَنْفَعُهُ، وَكِلَاهُمَا يَمْتَنِعُ [مِنْهُ] (¬8) أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَنْ أَرَادَ الطَّاعَةَ وَعَلِمَ أَنَّهَا تَنْفَعُهُ أَطَاعَ قَطْعًا إِذَا (¬9) لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا، فَإِنَّ نَفْسَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ ¬

(¬1) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) لَفْظُ الْجَلَالَةِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬3) ع، ن، م وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ. (¬4) لَفْظُ الْجَلَالَةِ سَاقِطٌ مِنْ (ع) ، (أ) ، (ب) . (¬5) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب، أ: تَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا مُوجَبُ الْفِطْرَةِ ; ن، م: تَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ. هَذَا مُوجَبُ الْفِطْرَةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ع) . (¬7) لَفْظُ الْجَلَالَةِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ع: فَإِذَا.

لِلطَّاعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ (¬1) تُوجِبُ الطَّاعَةَ، [فَإِنَّهَا مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي التَّامِّ تُوجِبُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ] (¬2) فَإِذَا كَانَتِ الطَّاعَةُ بِالتَّكَلُّمِ (¬3) بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ [إِرَادَةً جَازِمَةً] فَعَلَهُ قَطْعًا [لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي التَّامِّ] ، وَمَنْ (¬4) لَمْ يَفْعَلْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ، وَإِنْ كَانَ (¬5) لَا يُرِيدُ الطَّاعَةَ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَطْلُبَ مِنَ الرَّسُولِ (¬6) أَنْ يَخْلُقَهَا اللَّهُ فِيهِ فَإِنَّهُ، إِذَا طَلَبَ مِنَ الرَّسُولِ (¬7) أَنْ يَخْلُقَهَا اللَّهُ فِيهِ كَانَ مُرِيدًا لَهَا (¬8) ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَّا مُرِيدٌ، وَلَا يَكُونُ مُرِيدًا لِلطَّاعَةِ الْمَقْدُورَةِ (¬9) إِلَّا وَيَفْعَلُهَا. وَهَذَا يَظْهَرُ بِالْوَجْهِ السَّابِعِ: (¬10) وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: أَنْتَ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الْإِيمَانِ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَرَدْتَهُ فَعَلْتَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تُؤْمِنْ لِعَدَمِ إِرَادَتِكَ لَهُ، لَا لِعَجْزِكَ وَعَدَمِ قُدْرَتِكَ عَلَيْهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَمْرِ تَكُونُ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْفِعْلِ فِي الْمُطِيعِ وَالْعَاصِي، [وَتَكُونُ مَوْجُودَةً مَعَ الْأَمْرِ فِي الْمُطِيعِ] (¬11) بِخِلَافِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمُطِيعِ، فَإِنَّهَا لَا تُوجَدُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ. ¬

(¬1) ن: فَإِنَّ نَفْسَ الْإِرَادَةِ لِلطَّاعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ ; م: فَإِنَّ نَفْسَ الْإِرَادَةِ لِلطَّاعَةِ مَعَ الْقُوَّةِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) ، (ن) . (¬3) ن، م: التَّكَلُّمُ. (¬4) ن، م: فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَعَلَهُ ن: فَعَلَيْهِ قَطْعًا وَمَنْ. (¬5) ب، أ: أَنَّهُ لَا يُرِيدُهُ فَإِنْ كَانَ إِلَخْ. (¬6) ب، أ: أَنْ يَكُونَ بِطَلَبٍ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬7) ب، أ: مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬8) لَهَا: لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬9) ب، أ: الْمَقْدُورِ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) ب، أ: وَهَذَا يَظْهَرُ. الْوَجْهُ السَّابِعُ ; ن: وَهَذَا يَظْهَرُ فَالْجَوَابُ السَّابِعُ، م: وَهَذَا يَظْهَرُ بِالْجَوَابِ السَّابِعِ. (¬11) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَدْ بَيَّنَّا (¬1) أَنَّ مَنْ جَعَلَ الْقُدْرَةَ نَوْعًا وَاحِدًا: إِمَّا مُقَارِنًا لِلْفِعْلِ (¬2) ، وَإِمَّا سَابِقًا عَلَيْهِ، فَقَدْ (¬3) أَخْطَأَ. هَذَا إِذَا عُنِيَ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ مَجْمُوعُ مَا يَسْتَلْزِمُ الْفِعْلَ، كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَرِدْ بِالْقُدْرَةِ إِلَّا الْمُصَحِّحَ فَهِيَ نَوْعٌ وَاحِدٌ. فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْقُدْرَةِ: هَلْ هِيَ مَعَ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهُ؟ عِدَّةَ أَقْوَالٍ (¬4) : أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلْفِعْلِ، وَتِلْكَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَهُ، وَقَدْ يَبْنُونَهُ عَلَى (¬5) أَنَّ الْقُدْرَةَ عَرْضٌ، وَالْعَرْضُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ. وَالثَّانِي: [أَنَّهَا] (¬6) لَا تَكُونُ إِلَّا قَبْلَهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الْمُصَحِّحَةُ فَقَطْ، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُقَارِنَةً. الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَكُونُ قَبْلَهُ وَمَعَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: الْقُدْرَةُ نَوْعَانِ: مُصَحِّحَةٌ، وَمُسْتَلْزِمَةٌ. فَالْمُصَحِّحَةُ قَبْلَهُ وَالْمُسْتَلْزِمَةُ مَعَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْقُدْرَةُ هِيَ الْمُصَحِّحَةُ فَقَطْ، وَهِيَ تَكُونُ مَعَهُ وَقَبْلَهُ. وَأَمَّا الِاسْتِلْزَامُ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِوُجُودِ الْإِرَادَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا بِنَفْسِ (¬7) ¬

(¬1) ع: وَقَدْ ثَبَتَ. (¬2) ع: لِلْفَاعِلِ. (¬3) فَقَدْ: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ. (¬4) ب: أَقْوَالًا، أ: قَوْلَانِ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " عِدَّةَ ". (¬5) ب، أ: وَقَدْ سَبَقَ أَيْضًا. (¬6) أَنَّهَا فِي (ع) فَقَطْ. (¬7) ب، أ: نَفْسِ.

مَا يُسَمَّى قُدْرَةً وَالْإِرَادَةُ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ مُسَمَّى الْقُدْرَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ [هُوَ] الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْقُرْآنِ (¬1) ، بَلْ وَلُغَاتِ سَائِرِ الْأُمَمِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ. وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ: أَنْتَ قَادِرٌ مُتَمَكِّنٌ خَلَقَ فِيكَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَلَكِنْ أَنْتَ لَا تُرِيدُ الْإِيمَانَ، فَإِنْ قَالَ [لَهُ:] قُلْ (¬2) لَهُ يَجْعَلُنِي مُرِيدًا لِلْإِيمَانِ. قَالَ [لَهُ] : (¬3) إِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ مِنْهُ ذَلِكَ فَأَنْتَ مُرِيدٌ لِلْإِيمَانِ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ ذَلِكَ فَأَنْتَ كَاذِبٌ فِي قَوْلِكَ، قُلْ لَهُ: يَجْعَلُنِي مُرِيدًا لِلْإِيمَانِ. فَإِنْ قَالَ: فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي (¬4) بِمَا لَمْ يَجْعَلْنِي مُرِيدًا لَهُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا طَلَبًا لِلْإِرَادَةِ، بَلْ [كَانَ] (¬5) هَذَا مُخَاصَمَةً، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ جَوَابُهُ، [بَلْ] وَلَا (¬6) فِي تَرْكِ جَوَابِهِ انْقِطَاعٌ، فَإِنَّ الْقَدَرَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ (¬7) . [الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ دَعَاهُ غَيْرُهُ إِلَى فِعْلٍ وَأَمْرَهُ بِهِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَإِرَادَتِهِمْ (¬8) وَأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا شَاءَهُ، (أَوْ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ، بَلْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا لَا يَشَاؤُهُ) (¬9) ، وَهُمْ يُحْدِثُونَ إِرَادَاتِ أَنْفُسِهِمْ بِلَا إِرَادَتِهِ. (¬10) ¬

(¬1) ب، أ: وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُوَافِقُ لِلُغَةِ الْقُرْآنِ. (¬2) لَهُ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬3) أ، ب: قُلْ لَهُ ; ن، م: قَالَ. (¬4) أ، ب: يَأْمُرُنِي. (¬5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَلَا ; ع، ن، م، لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ جَوَابُهُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ. (¬7) بَعْدَ عِبَارَةِ ((يَحْتَجَّ بِهِ)) يُوجَدُ سَقْطٌ فِي نُسْخَتَيْ (م) ، (ن) ، وَسَنُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬8) ب، أ: وَإِرَادَتِهِمْ. (¬9) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬10) ب، أ: أَوْ هُمْ يَجْذِبُونَ إِرَادَةَ أَنْفُسِهِمْ بِلَا إِرَادَتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فَإِنْ كَانَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يُقِرُّ بِأَنَّ كُلَّ ظَالِمٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ (¬1) قَدْ خُلِقَتْ إِرَادَتُهُ لِلظُّلْمِ فَظَلَمَهُ (¬2) ، وَهُوَ لَا يَعْذُرُ الظَّالِمَ فِي ذَلِكَ. فَيُقَالُ لَهُ: أَنْتَ مُقِرٌّ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ (¬3) لِمَنْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ، فَلَا يَسُوغُ لَكَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَإِنْ كَانَ (¬4) مُنْكِرًا لِلْقَدَرِ امْتَنَعَ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا، فَثَبَتَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ لِإِفْحَامِ الرُّسُلِ لَا يَسُوغُ (¬5) لَا (¬6) عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَلَا عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْمُدَّعِي لَيْسَ لَهُ مَذْهَبٌ يَعْتَقِدُهُ بَلْ هُوَ سَاذَجٌ. قِيلَ لَهُ: هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، فَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ (الْحَقُّ) (¬7) قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلٌ. فَثَبَتَ بُطْلَانُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِاتِّفَاقِ الطَّائِفَتَيْنِ: الْمُثْبِتَةِ وَالنُّفَاةِ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالْعَذَابِ لِمَنْ كَذَّبَ وَعَصَى، كَمَا قَالَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِفِرْعَوْنَ: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [سُورَةُ طه: 48] . وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قَالَ: هُوَ خُلِقَ فِي الْكُفْرِ وَلَمْ يُخْلَقْ فِي إِرَادَةِ الْإِيمَانِ. ¬

(¬1) ع: وَلِغَيْرِهِ. (¬2) ب (فَقَطْ) : فَظَلَمَ. (¬3) ع: حُجَّةً. (¬4) ب، أ: فَلَا يَسُوغُ ذَلِكَ الِاحْتِجَاجُ وَإِنْ كَانَ. . . إِلَخْ. (¬5) ب، أ: لَا يَجُوزُ. (¬6) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) الْحَقُّ: فِي (ع) فَقَطْ.

قِيلَ لَهُ: هَذَا لَا يُنَاقِضُ وُقُوعَ الْعَذَابِ بِمَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْلُقْ فِيكَ الْإِيمَانَ فَأَنْتَ مِمَّنْ يُعَاقِبُهُ، وَإِنْ جَعَلَكَ مُؤْمِنًا فَأَنْتَ مِمَّنْ يُسْعِدُهُ (¬1) وَنَحْنُ رُسُلٌ مُبَلِّغُونَ لَكَ مُنْذِرُونَ لَكَ، فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ الرَّسُولِ (¬2) وَبُلِّغَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، وَإِنَّمَا الْمُكَلَّفُ يُخَاصِمُ رَبَّهُ حَيْثُ أَمَرَهُ بِمَا لَمْ يُعِنْهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ وَلَا يَضُرُّهُ (¬3) ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ هَذَا السُّؤَالُ وَارِدٌ عَلَى (هَذَا) الْمُصَنِّفِ (¬4) وَعَلَى غَيْرِهِ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أَبَا الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيَّ (¬5) حَيْثُ قَالَ إِنَّهُ مَعَ وُجُودِ الدَّاعِي وَالْقُدْرَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْمَقْدُورِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الدَّاعِيَ فِي الْعَبْدِ. وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ وَمُتَّبِعِيهِ فِي الْقَدَرِ (¬6) وَهُوَ قَوْلُ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَإِرَادَتَهُ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِخَلْقِهِ (¬7) فِعْلَ الْعَبْدِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً (وَمُحْدِثٌ لِفِعْلِهِ) (¬8) ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ فَاعِلًا لَهُ (¬9) مُحْدِثًا لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ ¬

(¬1) ب، أ: أَسْعَدُهُ. (¬2) ب، أ: الرِّسَالَةِ. (¬3) ع: وَلَا يَضُرُّهُ شَيْئًا. (¬4) ب، أ: عَلَى الْمُصَنِّفِ. (¬5) وَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّيِّبُ الْبَصْرِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 436 هـ، سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهُ 1/395، 2/125، 283. (¬6) فِي الْقَدَرِ: لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬7) ب، أ: لِحَقِيقَةٍ. (¬8) وَمُحْدِثٌ لِفِعْلِهِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬9) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيِّ وَأَبِي الْمَعَالِي وَالْجُوَيْنِيِّ الْمُلَقَّبِ بِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (¬1) . وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُ مُحَقِّقِي الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ (¬2) جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّتِهِمْ بَقِيَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الدَّاعِيَ يَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ بِلَا مَشِيئَةٍ مِنَ اللَّهِ وَلَا قُدْرَةٍ، وَبَيْنَ الْجَهْمِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنْ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي فِعْلِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ فَاعِلًا لِفِعْلِهِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ إِمَامُ الْمُجْبِرَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ (¬3) ، وَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمْ (¬4) كَسْبًا لَا يُعْقَلُ، كَمَا أَثْبَتَهُ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَإِذَا كَانَ (¬5) هَذَا النِّزَاعُ فِي هَذَا الْأَصْلِ بَيْنَ الْقَدَرِيَّةِ النُّفَاةِ لِكَوْنِ اللَّهِ يُعِينُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الطَّاعَةِ وَيَجْعَلُ فِيهِمْ دَاعِيًا إِلَيْهَا وَيَخْتَصُّهُمْ (¬6) بِذَلِكَ دُونَ الْكَافِرِينَ، وَبَيْنَ الْمُجْبِرَةِ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعِبَادَ لَا يَفْعَلُونَ (¬7) شَيْئًا وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ، أَوْ لَهُمْ قُدْرَةٌ لَا يَفْعَلُونَ بِهَا شَيْئًا وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي شَيْءٍ فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشِّيعَةِ يَقُولُونَ بِقَوْلِ الْمُجْبِرَةِ. وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ الْقَائِلُونَ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَقُولُونَ لَا بِهَذَا ¬

(¬1) ب، أ: وَغَيْرِهِمْ. (¬2) ع: وَقَوْلُ. (¬3) وَمَنِ اتَّبَعَهُ: لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬4) ع: بَعْضُهُمْ. (¬5) ب، أ: وَإِنْ كَانَ. (¬6) ب، أ: وَيَخُصُّهُمْ. (¬7) ع: لَمْ يَفْعَلُوا.

وَلَا بِهَذَا. فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْقَائِلِينَ بِخِلَافَةِ (¬1) الثَّلَاثَةِ هُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّ مَنْ أَخْطَأَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ فِي شَيْءٍ فَخَطَأُ الشِّيعَةِ أَعْظَمُ مِنْ خَطَئِهِمْ (¬2) . وَهَذَا السُّؤَالُ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ يُسَوِّغُ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدَرِ وَيُقِيمُ عُذْرَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ إِذَا عَصَى بِكَوْنِ هَذَا مُقَدَّرًا عَلَيَّ (¬3) ، وَيَرَى أَنَّ شُهُودَ هَذَا هُوَ شُهُودُ الْحَقِيقَةِ، أَيِ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ. وَهَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ فِي النَّاسِ، وَفِيهِمْ (¬4) مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنَ الْخَاصَّةِ الْعَارِفِينَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ فَنُوا فِي [تَوْحِيدِ] (¬5) الرُّبُوبِيَّةِ، وَيَقُولُ (¬6) إِنَّ الْعَارِفَ إِذَا فَنِيَ (¬7) فِي شُهُودِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لَمْ يَسْتَحْسِنْ حَسَنَةً وَلَمْ يَسْتَقْبِحْ سَيِّئَةً، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ (¬8) : مَنْ شَهِدَ الْإِرَادَةَ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمُ: الْخِضْرُ (¬9) إِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ لِأَنَّهُ شَهِدَ الْإِرَادَةَ، وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ فِي مُتَأَخِّرِي الشُّيُوخِ وَالنُّسَّاكِ (¬10) [وَالصُّوفِيَّةِ] (¬11) وَالْفُقَرَاءِ، بَلْ وَفِي (¬12) الْفُقَهَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْعَامَّةِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ¬

(¬1) ع: بِإِمَامَةِ. (¬2) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) ، وَبَدَأَ فِي ص 72. (¬3) ب: بِأَنَّ هَذَا مُقَدَّرٌ عَلَيَّ، م: بِأَنَّ هَذَا مُقَدَّرًا عَلَيَّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن، م: وَمِنْهُمْ. (¬5) تَوْحِيدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب، أ: وَيَقُولُونَ. (¬7) إِذَا فَنِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ن: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ. (¬9) ب، أ: الْخِضْرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬10) أ، ب: الشُّيُوخِ النُّسَّاكِ. (¬11) وَالصُّوفِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬12) ب، أ، م، ن: بَلْ فِي.

وَيُنْكِرُونَ الْقَدَرَ، وَبِمِثْلِ هَؤُلَاءِ طَالَ لِسَانُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَفَعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَاءَ [الْمَعَاصِيَ] هُوَ قَدْ قَصَدَ (¬1) تَعْظِيمَ الْأَمْرِ وَتَنْزِيهَ اللَّهِ عَنِ الظُّلْمِ وَإِقَامَةَ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ، لَكِنْ ضَاقَ عَطَنُهُ فَلَمْ يُحْسِنِ الْجَمْعَ بَيْنَ قُدْرَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ وَمَشِيئَتِهِ (¬2) الْعَامَّةِ وَخَلْقِهِ الشَّامِلِ، وَبَيْنَ عَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ (¬3) ، فَجَعَلَ لِلَّهِ الْحَمْدَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَمَامَ الْمُلْكِ. وَالَّذِينَ أَثْبَتُوا قُدْرَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ وَخَلْقَهُ وَعَارَضُوا بِذَلِكَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ (¬4) ، شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَا قَالَ هَذَا الْمُصَنِّفُ. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي إِفْحَامَ الرُّسُلِ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَرُدُّ مِنْ أَقْوَالِ هَذَا وَغَيْرِهِ مَا كَانَ بَاطِلًا. وَأَمَّا الْحَقُّ فَعَلَيْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ مِنْ كُلِّ قَائِلٍ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّ بِدْعَةً بِبِدْعَةٍ، وَلَا يُقَابِلَ بَاطِلًا بِبَاطِلٍ، وَالْمُنْكِرُونَ لِلْقَدَرِ وَإِنْ كَانُوا فِي بِدْعَةٍ فَالْمُحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى الْأَمْرِ أَعْظَمُ بِدْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ فَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُونَ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ (¬5) الَّذِينَ قَالُوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ. وَقَدْ كَانَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ] (¬6) جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْأَمْرِ فَلَا تُعْرَفُ لَهُمْ طَائِفَةٌ ¬

(¬1) م، ن: وَقَدْ قَصَدَ. (¬2) أ، ب، ع: وَبَيْنَ مَشِيئَتِهِ. (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬5) الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام

مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ مَعْرُوفَةٌ، وَإِنَّمَا كَثُرُوا فِي الْمُتَأَخِّرِينَ، وَسَمَّوْا هَذَا حَقِيقَةً، وَجَعَلُوا الْحَقِيقَةَ تُعَارِضُ الشَّرِيعَةَ، وَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ الدِّينِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ تَحْقِيقَ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ كَالْإِخْلَاصِ وَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْمَحَبَّةِ لِلَّهِ، وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ الَّتِي يُؤْمَنُ بِهَا وَلَا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي لَكِنْ يُسَلَّمُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمَصَائِبِ. فَالْعَارِفُ يَشْهَدُ الْقَدَرَ فِي الْمَصَائِبِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ وَيَسْتَغْفِرُ وَيَتُوبُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَايِبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 55] ، فَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَصَائِبِ وَيَسْتَغْفِرَ مِنَ الْمَعَايِبِ. [حَدِيثُ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ] وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى» " وَفِي لَفْظٍ «أَنَّ مُوسَى قَالَ: " يَا رَبِّ أَرِنِي (¬1) آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِهِ، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ (¬2) أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمُ (¬3) : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ، وَكَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، فَبِكَمْ تَجِدُ فِيهَا مَكْتُوبًا: " {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} " قَبْلَ أَنْ ¬

(¬1) ع: أَرِنَا. (¬2) يَا آدَمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬3) آدَمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) .

أُخْلَقَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعِينَ سَنَةً (¬1) قَالَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ".» (¬2) . فَهَذَا الْحَدِيثُ ظَنَّ فِيهِ (¬3) طَوَائِفُ أَنَّ آدَمَ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى الذَّنْبِ، وَأَنَّهُ حَجَّ مُوسَى بِذَلِكَ، فَطَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ التَّحْقِيقَ وَالْعِرْفَانَ يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الذُّنُوبِ مُسْتَدِلِّينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ: الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا سَائِغٌ (¬4) فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا، [وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ: هُوَ حُجَّةٌ لِلْخَاصَّةِ الْمُشَاهِدِينَ لِلْقَدَرِ دُونَ الْعَامَّةِ] (¬5) ، وَطَائِفَةٌ كَذَّبَتْ هَذَا الْحَدِيثَ (¬6) كَالْجُبَّائِيِّ وَغَيْرِهِ، وَطَائِفَةٌ تَأَوَّلَتْهُ تَأْوِيلَاتٍ فَاسِدَةٍ (¬7) مِثْلَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّمَا حَجَّهُ لِأَنَّهُ كَانَ ¬

(¬1) ب: فَكَمْ تَجِدُ فِيهَا مَكْتُوبًا فَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. قَالَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، أ: فَبِكَمْ تَجِدُ فِيهَا مَكْتُوبًا فَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ; ع: فَبِكَمْ تَجِدُ فِيهَا مَكْتُوبٌ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ; ن، م: فَكَمْ تَجِدُ فِيهَا مَكْتُوبًا وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ. قَالَ: بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/148 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ بَابُ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) مُسْلِمٍ 4/2042 - 2044 (كِتَابُ الْقَدَرِ بَابُ حِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى) ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ (الْمُقَدِّمَةُ بَابٌ فِي الْقَدَرِ، 1/31 - 32 الْمُسْنَدَ ط الْمَعَارِفِ 13، 177، 14/23، 56، 245، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/311، 312 (كِتَابُ السُّنَّةِ بَابٌ فِي الْقَدَرِ) . (¬3) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (أ) . (¬4) ب: الِاسْتِدْلَالُ بِهِ سَائِغٌ، أ: الِاسْتِدْلَالُ بِهِ شَائِعٌ ; ن: الِاحْتِجَاجُ بِهِ سَائِغٌ ; م: الِاحْتِجَاجُ سَائِغٌ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) ، (ن) . (¬6) م، ن: وَطَائِفَةٌ كَذَّبَتْ بِهِ ; ع: وَطَائِفَةٌ كَذَّبَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ. (¬7) ب، أ: تَأْوِيلًا فَاسِدًا، وَنَقَلَ مُسْتَجَى زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) ، كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ ((وَطَائِفَةٌ كَذَّبَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ)) وَيَنْتَهِي عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ عَلَّقَ قَائِلًا: قُلْتُ: وَذَلِكَ دَأْبُ الْقَدَرِيَّةِ إِذَا وَرَدَ حَدِيثٌ يُخَالِفُ قَوَاعِدَهُمُ الَّتِي اخْتَرَعُوهَا يَرُدُّونَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ وَيُنْكِرُونَ وُرُودَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ: الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، أَوْ يُؤَوِّلُونَهُ. وَمَنْشَأُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ، فَشَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَ أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَيَّدَهُمْ وَنَصَرَهُمْ حَيْثُ لَا يَرُدُّونَ حَدِيثًا ثَبَتَ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِاسْتِبْعَادِ عُقُولِهِمُ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَا شَذَّ مِنَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ، لَكِنَّ الْأَشَاعِرَةَ وَالْحَنَابِلَةَ سُدَاهُمْ وَلُحْمَتُهُمْ قَبُولُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِتِينَ عَنْ إِنْكَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِعُقُولِهِمْ وَقِيَاسَاتِهِمْ.

قَدْ تَابَ (¬1) ، وَقَوْلٌ آخَرُ: كَانَ أَبَاهُ (¬2) وَالِابْنُ لَا يَلُومُ أَبَاهُ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: كَانَ الذَّنْبُ فِي شَرِيعَةٍ (¬3) وَاللَّوْمُ فِي أُخْرَى. وَهَكَذَا كُلُّهُ تَعْرِيجٌ عَنْ مَقْصُودِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا تَضَمَّنَ التَّسْلِيمَ لِلْقَدَرِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، فَإِنَّ مُوسَى لَمْ يَلُمْ آدَمَ لِحَقِّ اللَّهِ الَّذِي فِي الذَّنْبِ، وَإِنَّمَا (¬4) لَامَهُ لِأَجْلِ مَا لَحِقَ الذَّرِّيَّةَ مِنَ الْمُصِيبَةِ ; وَلِهَذَا قَالَ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. وَقَالَ: لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ وَهَذَا (¬5) رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَمِيعِهَا. وَهُوَ حَقٌّ (¬6) ، فَإِنَّ آدَمَ كَانَ قَدْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ، وَمُوسَى أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْ ¬

(¬1) ن: إِنَّهَا حُجَّةٌ لِأَنَّهُ كَانَ تَابَ ; م: إِنَّهَا حُجَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ تَابَ ; ب، أ: إِنَّهَا حُجَّةٌ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَابَ. (¬2) ب، أ: وَالْقَوْلُ الْآخَرُ إِنَّهُ كَانَ أَبَاهُ ; م: وَقَوْلٌ آخَرُ لِأَنَّهُ كَانَ أَبَاهُ. (¬3) ب، أ: وَقَالَ الْآخَرُونَ الذَّنْبَ كَانَ فِي شَرِيعَتِهِ، م: وَقَوْلٌ آخَرُ كَانَ الذَّنْبُ فِي شَرِيعَتِهِ، ن: وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ كَانَ الذَّنْبُ فِي شَرِيعَتِهِ. (¬4) م: لِحَقِّ اللَّهِ فِي الذَّنْبِ إِنَّمَا ; ن: بِحَقِّ اللَّهِ فِي الذَّنْبِ إِنَّمَا ; ع: لِخَلْقِ اللَّهِ الَّذِي فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا. وَفِي رِسَالَةِ الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ (مَجْمُوعَةَ الرَّسَائِلِ الْكُبْرَى 2/100، مَجْمُوعَةَ فَتَاوَى الرِّيَاضِ 8/262 - 272) يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: ((الصَّوَابُ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَمُوسَى أَنَّ مُوسَى لَمْ يَلُمْ آدَمَ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ وَذُرِّيَّتَهُ بِمَا فَعَلَ، لَا لِأَجْلِ أَنَّ تَارِكَ الْأَمْرِ مُذْنِبٌ عَاصِي)) . (¬5) أ، ب: هَكَذَا. (¬6) ع: فَهُوَ حَقٌّ.

أَنْ يَلُومَ تَائِبًا، وَهُوَ أَيْضًا قَدْ تَابَ حَيْثُ قَالَ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 16] وَقَالَ: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 143] ، وَقَالَ: {فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 155، 156] ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّينَ كَثِيرٌ، فَتَخْصِيصُ (¬1) آدَمَ بِاللَّوْنِ دُونَ النَّاسِ لَا وَجْهَ لَهُ. وَأَيْضًا فَآدَمُ وَمُوسَى أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ يَحْتَجَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الذَّنْبِ بِالْقَدَرِ وَيَقْبَلَهُ الْآخَرُ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مَقْبُولًا لَكَانَ لِإِبْلِيسَ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ أَيْضًا (¬2) ، وَلِقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ. وَإِنْ كَانَ مَنِ احْتَجَّ عَلَى مُوسَى بِالْقَدَرِ لِرُكُوبِ الذَّنْبِ قَدْ حَجَّهُ، فَفِرْعَوْنُ أَيْضًا يَحُجُّهُ بِذَلِكَ (¬3) . وَإِنْ كَانَ آدَمُ إِنَّمَا حَجَّ مُوسَى لِأَنَّهُ رَفَعَ اللَّوْمَ (¬4) عَنِ الْمُذْنِبِ (¬5) لِأَجْلِ الْقَدَرِ فَيَحْتَجُّ بِذَلِكَ (¬6) عَلَيْهِ إِبْلِيسُ مِنَ امْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا إِنَّمَا هُوَ احْتِجَاجٌ عَلَى اللَّهِ (¬7) ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ الْقَدَرِيَّةُ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ (¬8) يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى النَّارِ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ. ¬

(¬1) ن، م: فَتَخَصُّصُ. (¬2) أ، ب: وَأَيْضًا. (¬3) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ب (فَقَطْ) : دَفَعَ اللَّوْمَ. (¬5) أ، ب: عَنِ الذَّنْبِ. (¬6) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) أ، ب: وَفِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا احْتَجَّ عَلَى اللَّهِ، وَالْعِبَارَةُ فِي (م) غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ. (¬8) أ، ب: يُجَرُّونَ.

وَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ تَتَنَاوَلُ هَؤُلَاءِ أَعْظَمَ مِنْ تَنَاوُلِهَا الْمُنْكِرِينَ لِلْقَدَرِ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَتَنْزِيهًا عَنِ الظُّلْمِ، وَلِهَذَا يَقْرِنُونَ (¬1) الْقَدَرِيَّةَ بِالْمُرْجِئَةِ لِأَنَّ الْمُرْجِئَةَ تُضْعِفُ أَمْرَ الْإِيمَانِ وَالْوَعِيدِ (¬2) ، وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ تُضْعِفُ أَمْرَ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَوَعِيدِهِ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا كَانَ مَلْعُونًا فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ كَمَا رُوِيَ: لُعِنَتِ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا. وَالْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَاطِلِ (¬3) ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: الْمُكَذِّبُونَ بِهِ، وَالدَّافِعُونَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ [بِهِ] (¬4) ، وَالطَّاعِنُونَ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ بِجَمْعِهِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالْقَدَرِ، وَهَؤُلَاءِ شَرُّ الطَّوَائِفِ وَيُحْكَى (¬5) فِي ذَلِكَ مُنَاظَرَةٌ عَنْ إِبْلِيسَ وَالدَّافِعُونَ بِهِ لِلْأَمْرِ (¬6) بَعْدَهُمْ فِي الشَّرِّ، وَالْمُكَذِّبُونَ بِهِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ. وَأَنْتَ إِذَا رَأَيْتَ تَغْلِيظَ السَّلَفِ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ فَإِنَّمَا ذَاكَ لِأَنَّ الدَّافِعِينَ لِلْأَمْرِ لَمْ يَكُونُوا يَتَظَاهَرُونَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ كَثِيرِينَ، وَإِلَّا فَهُمْ شَرٌّ مِنْهُمْ، كَمَا أَنَّ الرَّوَافِضَ شَرٌّ مِنَ الْخَوَارِجِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ أَجْرَأُ عَلَى السَّيْفِ وَالْقِتَالِ مِنْهُمْ، فَلِإِظْهَارِ الْقَوْلِ وَمُقَاتَلَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ (¬7) جَاءَ فِيهِمْ مَا لَا يَجِيءُ فِيمَنْ هُمْ (¬8) مِنْ جِنْسِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ. ¬

(¬1) أ، ب: يُقَرِّبُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) أ، ب:. . . . . . . . بِالْمُرْجِئَةِ بِضَعْفِ أَمْرِ الْإِيمَانِ وَالْوَعِيدِ. (¬3) ع، أ: وَالْخَائِضُونَ بِالْقَدَرِ فِي الْبَاطِلِ. (¬4) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬5) أ، ب: وَحَكَى. (¬6) أ، ب: وَالدَّافِعُونَ وَلِلْأَمْرِ بِهِ ; ن، م: فَالدَّافِعُونَ بِهِ لِلْأَمْرِ. (¬7) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: فِيمَنْ هُوَ، م: فِي غَيْرِهِمْ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ آدَمَ احْتَجَّ عَلَى مُوسَى بِالْقَدَرِ مِنْ جِهَةِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُ وَلَحِقَتِ الذَّرِّيَّةَ، وَالْمُصِيبَةُ تُورِثُ نَوْعًا مِنَ الْجَزَعِ يَقْتَضِي لَوْمَ مَنْ كَانَ سَبَبَهَا، فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ وَسَبَبَهَا كَانَ مَقْدُورًا مَكْتُوبًا، وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى قَدَرِ اللَّهِ وَيُسَلِّمَ لِأَمْرِ اللَّهِ (¬1) فَإِنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا أَمَرَهُ (¬2) اللَّهُ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 11] قَالَتْ (¬3) طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ كَابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. [فَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ وَأَمْثَالُ] هَذَا الْكَلَامِ يُقَالُ لِمَنِ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ (¬4) عَلَى الْمَعَاصِي، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ بَاطِلَةٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ مَعَ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ. وَبُطْلَانُ هَذِهِ الْحُجَّةِ لَا يَقْتَضِي التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي آدَمَ مَفْطُورُونَ عَلَى احْتِيَاجِهِمْ إِلَى جَلْبِ (¬5) الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ، لَا يَعِيشُونَ وَلَا يَصْلُحُ لَهُمْ دِينٌ وَلَا دُنْيَا إِلَّا بِذَلِكَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتَمِرُوا (¬6) وَإِنَّمَا فِيهِ تَحْصِيلُ (¬7) مَنَافِعِهِمْ وَدَفْعُ مَضَارِّهِمْ، سَوَاءٌ بُعِثَ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ أَوْ لَمْ يُبْعَثْ، لَكِنْ عِلْمَهُمْ بِالْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ بِحَسَبِ عُقُولِهِمْ وَقُصُودِهِمْ، وَالرُّسُلُ (¬8) صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ¬

(¬1) ع، ن، م: لِأَمْرِهِ. (¬2) ع، م: مَا أَمَرَ. (¬3) ع، ن، م: قَالَ. (¬4) ن، م: وَيُسَلِّمُ، وَهَذَا الْكَلَامُ يُقَالُ لِمَنْ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ. (¬5) ن، م: طَلَبِ. (¬6) ب: يَتَآمَرُوا، م: يَأْمُرُوا. (¬7) أ، ب: مُحَصَّلُ. (¬8) أ، ب: وَقُصُورِهِمْ فَالرُّسُلُ. . . إِلَخْ.

بُعِثُوا بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ أَكْمَلُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَالْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ انْعَكَسَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِمْ، فَصَارُوا يَتَّبِعُونَ الْمَفَاسِدَ وَيُعَطِّلُونَ الْمَصَالِحَ، فَهُمْ شَرُّ النَّاسِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ يَجْتَلِبُونَهَا، وَأُمُورٍ يَجْتَنِبُونَهَا، وَأَنْ يَتَدَافَعُوا جَمِيعًا مَا يَضُرُّهُمْ (¬1) مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَلَوْ ظَلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي دَمِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ وَحُرْمَتِهِ (¬2) فَطَلَبَ الْمَظْلُومُ الِاقْتِصَاصَ وَالْعُقُوبَةَ، لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ احْتِجَاجَهُ بِالْقَدَرِ. وَلَوْ قَالَ: اعْذُرُونِي فَإِنَّ هَذَا كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيَّ. لَقَالُوا لَهُ (¬3) : وَأَنْتَ لَوْ فُعِلَ بِكَ هَذَا (¬4) فَاحْتَجَّ عَلَيْكَ ظَالِمُكَ بِالْقَدَرِ لِمَ تَقْبَلْ مِنْهُ. وَقَبُولُ هَذِهِ الْحُجَّةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ الَّذِي لَا صَلَاحَ مَعَهُ، وَإِذَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ مَرْدُودًا فِي فِطَرِ جَمِيعِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ، مَعَ أَنَّ جَمَاهِيرَ النَّاسِ مُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ، عُلِمَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَدَرِ لَا يُنَافِي دَفْعَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الِاحْتِجَاجِ بِهِ. وَلَمَّا كَانَ الْجَدَلُ (¬5) يَنْقَسِمُ إِلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَالْكَلَامُ يَنْقَسِمُ إِلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ (¬6) ، وَكَانَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ الْجِنْسَ إِذَا انْقَسَمَ إِلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَشْرَفُ مِنَ الْآخَرِ، خَصُّوا الْأَشْرَفَ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ (¬7) وَعَبَّرُوا عَنِ الْآخَرِ ¬

(¬1) ع: وَإِنْ تَدَافَعُوا جَمِيعًا مَا يَضُرُّهُمْ ; م، ن: وَأَنْ يَتَدَافَعُوا مَا يَضُرُّهُمْ جَمِيعًا. (¬2) ب: فِي دَمِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ حَرَمِهِ ; أ: فِي دَمِهِ وَمَالِهِ وَحُرْمَتِهِ ; م: فِي ذِمَّتِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ وَحُرْمَتِهِ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: ذَلِكَ. (¬5) ن، م: الْجِدَالُ. (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬7) أ، ب: بِالِاسْمِ الْخَاصِّ.

بِالِاسْمِ الْعَامِّ (¬1) ، كَمَا فِي لَفْظِ الْجَائِزِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ (¬2) ، وَالْمُبَاحِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَذَوِي الْأَرْحَامِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَلَفْظِ الْحَيَوَانِ (¬3) الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، فَيُطْلِقُونَ (¬4) لَفْظَ الْحَيَوَانِ عَلَى (¬5) غَيْرِ النَّاطِقِ لِاخْتِصَاصِ النَّاطِقِ بِاسْمِ الْإِنْسَانِ. وَعَمِلُوا فِي لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْجَدَلِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ (¬6) : فُلَانٌ صَاحِبُ كَلَامٍ وَمُتَكَلِّمٌ (¬7) إِذَا كَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ (¬8) بِلَا عِلْمٍ، وَلِهَذَا ذَمَّ السَّلَفُ أَهْلَ الْكَلَامِ. وَكَذَلِكَ الْجَدَلُ إِذَا لَمْ يَكُنِ (¬9) الْكَلَامُ بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَكْ إِلَّا جَدَلًا مَحْضًا. وَالِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " «طَرَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ: " أَلَا تَقُومَانِ تُصَلِّيَانِ؟ " (¬10) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ يَبْعَثُنَا بَعَثَنَا. قَالَ فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} » (¬11) [سُورَةُ الْكَهْفِ: 54] فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَاعْتَلَّ عَلِيٌّ ¬

(¬1) م فَقَطْ: بِاسْمِهِ الْعَامِّ. (¬2) م فَقَطْ: كَمَا فِي اسْمِ الْجَائِزِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ. (¬3) أ، ب: وَلَفْظِ الْجَوَازِ. (¬4) أ، ب: وَيُطْلِقُونَ. (¬5) ن، م: عَنْ. (¬6) ب: غَلَبُوا فِي لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْجَدَلِ فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ ; أ: عَلَوْا فِي لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْجَدَلِ فَكَذَلِكَ يَقُولُونَ ; م، ن: وَكَذَلِكَ فَعَلُوا فِي لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْجَدَلِ فَيَقُولُونَ. (¬7) ع: وَيَتَكَلَّمُ. (¬8) م (فَقَطْ) : قَدْ تَكَلَّمَ. (¬9) ب: أَهْلَ الْكَلَامِ وَالْجَدَلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنِ. . . ; م: أَهْلَ الْكَلَامِ وَكَذَلِكَ أَهْلَ الْجَدَلِ إِذَا لَمْ يَكُنِ. . . (¬10) ن: فَتُصَلِّيَانِ. (¬11) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/88 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْكَهْفِ، 2/50 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ. . .) ، الْمُسْنَدَ (ط الْمَعَارِفِ) 2/89، 172.

فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعته

[رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) بِالْقَدَرِ، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَيْقَظَنَا (¬2) . (¬3) ، فَقَالَ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا. [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعتهِ] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬4) : " وَمِنْهَا تَجْوِيزُ أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى طَاعَتِهِ (¬5) ، وَيُثِيبُ إِبْلِيسَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، لِأَنَّهُ يَفْعَلُ لَا لِغَرَضٍ، فَيَكُونُ فَاعِلُ الطَّاعَةِ سَفِيهًا لِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ بِالتَّعَبِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَإِخْرَاجِ مَالِهِ فِي عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالرَّبْطِ وَالصَّدَقَاتِ، مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ لَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ عِوَضَ ذَلِكَ مَا يَلْتَذُّ بِهِ وَيَشْتَهِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي قَدْ يُثِيبُهُ، فَاخْتِيَارُ الْأَوَّلِ يَكُونُ (¬6) سَفَهًا عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ. وَالْمَصِيرُ إِلَى الْمَذْهَبِ يُؤَدِّي إِلَى خَرَابِ الْعَالَمِ وَاضْطِرَابِ أُمُورِ الشَّرِيعَةِ (¬7) الْمُحَمَّدِيَّةِ وَغَيْرِهَا " (¬8) . وَالْجَوَابُ (¬9) مِنْ (¬10) وُجُوهٍ: أَحَدُهَا (¬11) : أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: وَأَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَيْقَظَنَا (¬3) عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْجَدَلِ الَّذِي لَيْسَ بِحَقٍّ (¬4) الرَّافِضِيُّ: فِي (ع) فَقَطْ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 1/86 (م) . (¬5) فِي (ك) : وَمِنْهَا تَجْوِيزُ أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَيُعَاقِبُ عَلَى طَاعَتِهِمْ وَيُعَاقِبُ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلَهُ عَلَى طَاعَتِهِ. (¬6) م: فَاخْتِيَارُ الْأَوَّلِ قَدْ يَكُونُ ; ن: وَاخْتِيَارُ الْأَوَّلِ يَكُونُ. (¬7) أ، ب: الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ. (¬8) وَغَيْرِهَا: لَيْسَتْ فِي (ك) ، وَفِي (م) : وَغَيْرِهِ. (¬9) م: فَيُقَالُ الْجَوَابُ ; ن: فَيُقَالُ وَالْجَوَابُ. (¬10) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬11) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ يُعَذِّبُ أَنْبِيَاءَهُ (¬1) وَلَا أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ عَذَابُ أَنْبِيَائِهِ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُثِيبُهُمْ لَا مَحَالَةَ (¬2) [لَا يَقَعُ مِنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ] (¬3) ، لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ وَأَخْبَرَ بِهِ، وَهُوَ صَادِقُ الْمِيعَادِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ. ثُمَّ مِنْ (¬4) مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّمَا عُلِمَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهِ الصَّادِقِ (¬5) ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ السَّمْعِيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ قَدْ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْخَبَرِ وَيُعْلَمُ بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ. وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ قَدْ نَبَّهَ عَلَيْهَا وَأَرْشَدَ إِلَيْهَا، كَمَا إِذَا عُلِمَتْ حِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ وَعَدْلُهُ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إِكْرَامَ مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالصِّفَاتِ الْمُنَاسِبَةِ لِذَلِكَ، [كَمَا] قَالَتْ: خَدِيجَةُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ] قَبْلَ (¬6) أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ: وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا (¬7) ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلَ الْكَلَ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ (¬8) . ¬

(¬1) أ، ب: فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمُ: اللَّهُ يُعَذِّبُ نَبِيًّا. (¬2) أ، ب: عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُمْ لَا مَحَالَةَ ; ن: عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُثِيبَهُمْ لَا مَحَالَةَ، م: عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُثِيبَهُمْ عَلَى مَحَالِهِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ب: بِالضَّرُورَةِ إِذْ مِنْ. . . . إِلَخْ، أ: بِالضَّرُورَةِ مِنْ. . إِلَخْ. (¬5) ن، م: خَبَرِ الصَّادِقِ. (¬6) أ، ب: كَمَا قَالَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَبْلَ. . . . . . ; ن: قَالَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ ; م: قَالَتْ خَدِيجَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ. . . . ; ع: كَمَا قَالَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ. . . . .، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ. (¬7) أَبَدًا: فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬8) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأَوَّلُهُ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ. . . . .، الْحَدِيثَ. وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/3 - 4 (كِتَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ، بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ) ، وَتَكَرَّرَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، انْظُرْ فَتْحَ الْبَارِي ط السَّلَفِيَّةِ: الْأَرْقَامَ: 3392، 4953، 4955، 4956، 4957، 6982، وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي مُسْلِمٍ 1/139 - 142 (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، الْمُسْنَدَ ط الْحَلَبِيِّ 6/223، 233.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 21] وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ (¬1) يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يَحْسَبُ (¬2) ذَلِكَ وَيَظُنُّهُ، وَإِنَّمَا يُنْكَرُ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَوْ حَسِبَ (¬3) مَا هُوَ خَطَأٌ بَاطِلٌ يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ، لَا مَنْ ظَنَّ ظَنًّا مَا (¬4) لَيْسَ بِخَطَأٍ وَلَا بَاطِلٍ. فَعُلِمَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَهْلِ الطَّاعَةِ [وَبَيْنَ] أَهْلِ (¬5) الْمَعْصِيَةِ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْحُكْمِ السَّيِّئِ (¬6) الَّذِي يُنَزَّهُ اللَّهُ عَنْهُ. وَمَثَّلَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (¬7) : {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [سُورَةُ ص: 28] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى (¬8) : {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ - مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْقَلَمِ: 35، 36] ، وَفِي الْجُمْلَةِ التَّسْوِيَةُ (¬9) بَيْنَ الْأَبْرَارِ ¬

(¬1) أ، ب: إِنْكَارِي. (¬2) ن، م: عَلَى مَنْ يَقُولُ يَحْسَبُ. (¬3) أَوْ حَسِبَ: فِي (ع) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَحَسِبَ. (¬4) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ع، ن، م: وَأَهْلِ. (¬6) أ، ب: مِنْ أَظْلَمِ الشَّيْءِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّسْوِيَةُ.

وَالْفُجَّارِ، وَالْمُحْسِنِينَ وَالظَّالِمِينَ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ، وَأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ حُكْمٌ بَاطِلٌ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُنَافِي عَدْلَهُ وَحِكْمَتَهُ (¬1) وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا يُنْكِرُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ (¬2) فَهُوَ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [سُورَةُ الْقَمَرِ: 43] ، وَقَوْلِهِ: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الْآيَةَ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 11] ، وَقَوْلِهِ: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 111] ، وَقَوْلِهِ: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] ، وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [سُورَةُ النُّورِ: 43] ، وَقَوْلِهِ: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 43] . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ (¬3) : " وَمِنْهَا تَجْوِيزُ تَعْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِثَابَةِ الشَّيَاطِينِ "، إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ لَا يُنَازَعُ فِي الْقُدْرَةِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّا هَلْ (¬4) نَشُكُّ: هَلْ يَفْعَلُهُ (¬5) أَوْ لَا يَفْعَلُهُ؟ فَمَعْلُومٌ أَنَّا لَا نَشُكُّ فِي ذَلِكَ، بَلْ نَعْلَمُ انْتِفَاءَهُ، وَعِلْمُنَا بِانْتِفَائِهِ (¬6) مُسْتَلْزِمٌ لِانْتِفَائِهِ (¬7) . ¬

(¬1) ع: وَحُكْمَهُ. (¬2) أ، ب: الْمَخْلُوقَاتُ. (¬3) أَنَّ قَوْلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) هَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: فَعَلَهُ. (¬6) أ، ب: انْتِفَاءَهُ، م: لِانْتِفَائِهِ. (¬7) فِي (أ) ، (ب) : بَعْدَ كَلِمَةِ " لِانْتِفَائِهِ "، تُوجَدُ عِبَارَةُ: " وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا ". وَمَكَانُ هَذِهِ الْجِلْمَةِ بَعْدَ سَطْرٍ آخَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاسِخَ كَتَبَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سَهْوًا.

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُ لَا لِحِكْمَةٍ يَلْزَمُهُ تَجْوِيزُ وُقُوعِ ذَلِكَ [مِنْهُ] (¬1) وَإِمْكَانُ وُقُوعِهِ مِنْهُ (¬2) وَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ. وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ (¬3) ، لَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، بَلْ عِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَمُقَدَّسٌ عَنْهُ، وَلَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ (¬4) أَنْ تَكُونَ الطَّاعَةُ سَفَهًا، فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ سَفَهًا إِذَا كَانَ وَجُودُهَا كَعَدَمِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ وُجُودَهَا نَافِعٌ وَعَدَمَهَا مُضِرٌّ، وَإِنْ كَانُوا مُتَنَازِعِينَ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ (¬5) الرَّبُّ خِلَافَ ذَلِكَ، فَإِنَّ نِزَاعَهُمْ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْوُقُوعِ. الْوَجْهُ الثَّالِثِ: أَنْ يُقَالَ: لَوْ قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزُ الْوُقُوعِ لَمْ تَكُنِ الطَّاعَةُ سَفَهًا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةَ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (¬6) يُجَوِّزُونَ الْغُفْرَانَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ يُجَوِّزُونَ تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ سَفَهًا، بَلْ هَذَا الِاجْتِنَابُ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ. الْوَجْهُ الرَّابِعِ: أَنْ يُقَالَ: فِعْلُ النَّوَافِلِ لَيْسَ سَفَهًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُثِيبَ اللَّهُ (¬7) الْعَبْدَ بِدُونِ ذَلِكَ لِأَسْبَابٍ (¬8) أُخَرَ فَالشَّيْءُ الَّذِي عُلِمَ نَفْعُهُ ¬

(¬1) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) عِبَارَةُ وَإِمْكَانُ وُقُوعِهِ مِنْهُ، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: وَهُمْ لَا يُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ ; ن: وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِهِ ; م: وَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِهِ. (¬4) أ، ب: لَمْ يَلْزَمْ. (¬5) ن: يَجْعَلَ. (¬6) وَالْجَمَاعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م، ع: أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ. (¬8) ن: تِلْكَ لِأَسْبَابٍ ; م: تِلْكَ الْأَسْبَابِ.

فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لا يتمكن أحد من تصديق أحد من الأنبياء

يَكُونُ فِعْلُهُ حِكْمَةً مَحْمُودَةً، وَإِنْ جَوَّزَ الْمُجَوِّزُ أَنْ يَحْصُلَ النَّفْعُ بِدُونِ ذَلِكَ: كَاكْتِسَابِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَطَالِبِ بِالْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ فِي الْعَادَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ سَفَهًا، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُحَصِّلَ الْمَالَ بِغَيْرِ (¬1) سَعْيٍ كَالْمِيرَاثِ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ يَفْعَلُ لَا لِغَرَضٍ " (¬2) قَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَبَيَّنَّا أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: (¬3) إِنَّهُ يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ وَهُوَ مُرَادُ هَذَا بِالْغَرَضِ، [وَبَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ يَفْعَلُ لِغَرَضٍ] (¬4) ، وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ: إِنَّهُ يَفْعَلُ لَا لِحِكْمَةٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فَقَدْ يَعْلَمُ مَا يَشَاؤُهُ (¬5) مِمَّا لَا يَشَاؤُهُ: إِمَّا بِاطِّرَادِ الْعَادَةِ، وَإِمَّا بِإِخْبَارِ الصَّادِقِ، وَإِمَّا بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ يَجْعَلُهُ فِي قُلُوبِنَا، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ. [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ تَصْدِيقِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬6) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ تَصْدِيقِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إِلَى ذَلِكَ وَالدَّلِيلَ عَلَيْهِ إِنَّمَا يَتِمُّ (¬7) بِمُقَدِّمَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] فَعَلَ الْمُعْجِزَ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬8) لِأَجْلِ التَّصْدِيقِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ ¬

(¬1) بِغَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) م فَقَطْ: لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا لِغَرَضٍ. (¬3) أ، ب: أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ. . . إِلَخْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) ع، ن، م: مَا شَاءَهُ. (¬6) الرَّافِضِيُّ فِي (ع) فَقَطْ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 1/86 (م) 87 (م) . (¬7) إِنَّمَا يَتِمُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (م) . (¬8) اللَّهَ تَعَالَى. . . . . . . . النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَا فِي (ع) ، (ك) إِلَّا أَنَّهُ فِي (ك) : النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي (ن) : أَنَّ اللَّهَ فَعَلَ الْمُعْجِزَةَ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ، م، أ، ب: أَنَّ اللَّهَ فَعَلَ الْمُعْجِزَةَ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ.

كُلَّ مَنْ صَدَّقَهُ (¬1) اللَّهَ فَهُوَ صَادِقٌ، وَكِلْتَا (¬2) الْمُقَدِّمَتَيْنِ لَا تَتِمُّ عَلَى قَوْلِهِمْ، لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَحَالَ أَنْ يَفْعَلَ لِغَرَضٍ (¬3) اسْتَحَالَ أَنْ يُظْهِرَ الْمُعْجِزَ (¬4) لِأَجْلِ التَّصْدِيقِ، وَإِذَا كَانَ فَاعِلًا لِلْقَبِيحِ وَلِأَنْوَاعِ الْإِضْلَالِ وَالْمَعَاصِي (¬5) وَالْكَذِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُصَدَّقَ الْكَذَّابُ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى صِدْقِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا الْمُنْذِرِينَ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْأَدْيَانِ ". الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ. [أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ] (¬6) : إِنَّهُ قَدْ (¬7) تَقَدَّمَ أَنَّ أَكْثَرَ (¬8) الْقَائِلِينَ بِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ، بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ يَقُولُونَ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ (¬9) كَانَ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّوَابُ فَهُوَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ نَفْيُهُ هُوَ الصَّوَابُ فَهُوَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ [أَيْضًا] (¬10) ، فَعَلَى ¬

(¬1) ن، م: صَدَّقَ. (¬2) وَكِلْتَا: كَذَا فِي (ك) 1/87 (م) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَكِلَا وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ع: لَا لِغَرَضٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) أ، ب: أَنْ يُظْهِرَ الْمُعْجِزَةَ ; م: أَنْ يَفْعَلَ الْمُعْجِزَةَ. (¬5) أ، ب، ع: الضَّلَالِ وَالْمَعَاصِي ; ن، م: الْمَعَاصِي وَالْإِضْلَالِ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ك) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أَكْثَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬9) ن، م: أَحَدُهَا فَإِنَّهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) أ، ب: كَانَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَيْضًا، وَسَقَطَتْ أَيْضًا مِنْ (ن) ، (م) .

التَّقْدِيرَيْنِ [لَا] (¬1) يَخْرُجُ الْحَقُّ عَنْ قَوْلِهِمْ، بَلْ قَدْ يُوجَدُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ النِّزَاعُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي هَذَا الْأَصْلِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى إِثْبَاتِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ [الثَّلَاثَةِ] (¬2) ، وَعَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَنِزَاعُ أَصْحَابِ (¬3) أَحْمَدَ فِي هَذَا الْأَصْلِ مَعْرُوفٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ كَابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي أَبِي خَازِمٍ (¬4) وَغَيْرِهِمَا يُثْبِتُونَ الْمُعْجِزَاتِ بِأَنَّ الرَّبَّ حَكِيمٌ لَا يَجُوزُ فِي حِكْمَتِهِ (¬5) إِظْهَارُ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى يَدِ الْكَذَّابِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ (¬6) وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَلَعَلَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُونَ بِإِثْبَاتِ الْحِكْمَةِ فِي أَفْعَالِهِ أَيْضًا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ (¬7) أَنَّ تَصْدِيقَ الرَّسُولِ (¬8) لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُعْجِزَاتِ، بَلِ الطُّرُقُ الدَّالَّةُ (¬9) عَلَى صِدْقِهِ طُرُقٌ (¬10) مُتَعَدِّدَةٌ غَيْرُ طَرِيقِ الْمُعْجِزَاتِ. كَمَا [قَدْ] (¬11) بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَمَنْ ¬

(¬1) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) الثَّلَاثَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬3) أَصْحَابِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) فِي كُلِّ النُّسَخِ: أَبِي حَازِمٍ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي خَازِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْفَرَّاءِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 527: 1/143، 2/286. (¬5) أ، ب، م: فِي حُكْمِهِ ; ن: فِي إِظْهَارِ حِكْمَتِهِ. (¬6) وَهُوَ أَبُو الْخَطَّابِ مَحْفُوظُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَلْوَذَانِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 510 وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/144. (¬7) م فَقَطْ: لَا يُعْلَمُ. (¬8) ن، م: النَّبِيِّ. (¬9) ب: بَلْ طَرِيقُ الدَّلَالَةِ، أ: بَلِ الطَّرِيقُ الدَّلَالَةُ. (¬10) طُرُقٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬11) قَدْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

قَالَ: إِنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَّا ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، (¬1) فَإِنَّ النَّافِيَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ كَمَا عَلَى الْمُثْبِتِ الدَّلِيلُ، (¬2) وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى النَّفْيِ. الْوَجْهُ الثَّالِثِ: أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ مَا ذُكِرَ، بَلْ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ (¬3) عَلَى الصِّدْقِ دَلَالَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ، فَإِنَّ اقْتِرَانَ الْمُعْجِزَةِ (¬4) بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ يُوجِبُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِأَنَّ اللَّهَ أَظْهَرَهَا لِصِدْقِهِ، كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ لِمَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ: إِنْ كُنْتَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى هَؤُلَاءِ فَانْقُضْ عَادَتَكَ وَقُمْ وَاقْعُدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمَلِكُ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ تَصْدِيقِهِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ (¬5) لَوْ لَمْ تَدُلَّ الْمُعْجِزَةُ (¬6) عَلَى الصِّدْقِ لَلَزِمَ عَجْزُ الْبَارِئِ عَنْ تَصْدِيقِ رَسُولِهِ، وَالْعَجْزُ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى التَّصْدِيقِ إِلَّا بِالْمُعْجِزَةِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا، وَالْأُولَى طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَيْضًا، وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْمَعَالِي وَمَنِ اتَّبَعَهُ وَكِلَاهُمَا طَرِيقَةٌ لِلْأَشْعَرِيِّ (¬7) وَعَلَى هَذَا فَإِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ (¬8) عَلَى يَدِ الْكَذَّابِ الْمُدَّعِي لِلنُّبُوَّةِ: هَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ أَمْ لَا؟ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: إِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَّقَهُ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ع: الْمُعْجِزِ. (¬4) ع، م: الْمُعْجِزِ. (¬5) ن: أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ ; م: أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ يَقُولُ. (¬6) ن، م: لَوْ لَمْ يَدُلَّ الْمُعْجِزُ. (¬7) ع، ن، م: طَرِيقَةُ الْأَشْعَرِيِّ. (¬8) م فَقَطْ: الْمُعْجِزِ.

اللَّهُ (¬1) فَهُوَ صَادِقٌ، إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُعْجِزُ (¬2) بِمَنْزِلَةِ التَّصْدِيقِ بِالْقَوْلِ، وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ. فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ إِنْشَاءِ الرِّسَالَةِ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَحْتَمِلُ (¬3) التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ: أَرْسَلْتُكَ أَوْ وَكَّلْتُكَ أَوْ نَحْوِ (¬4) ذَلِكَ إِنْشَاءٌ، وَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى إِنْشَاءِ الرِّسَالَةِ (¬5) لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا لِغَرَضٍ، ولَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ، فَإِنَّ الْإِنْشَاءَ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (¬6) وَنَحْوِ ذَلِكَ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَحَالَ أَنْ يَفْعَلَ لِغَرَضٍ اسْتَحَالَ أَنْ يُظْهِرَ الْمُعْجِزَ (¬7) لِأَجْلِ التَّصْدِيقِ، يُجِيبُ عَنْهُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِأَجْلِ شَيْءٍ بِأَنَّهُ (¬8) قَدْ يَفْعَلُ الْمُتَلَازِمَيْنِ كَمَا يَفْعَلُ سَائِرَ الْأَدِلَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِمَدْلُولَاتِهَا، فَيَفْعَلُ (¬9) الْمَخْلُوقَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬10) ، وَهُوَ قَدْ أَرَادَ خَلْقَهَا وَأَرَادَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَلْزِمَةً لِمَدْلُولِهَا دَالَّةً عَلَيْهِ لِمَنْ نَظَرَ فِيهَا، كَذَلِكَ خَلَقَ الْمُعْجِزَةَ هُنَا فَأَرَادَ خَلْقَهَا (¬11) وَأَرَادَ أَنْ تَكُونَ ¬

(¬1) لَفْظُ الْجَلَالَةِ سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬2) ب: إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَتِ الْمُعْجِزَةُ ; أ، م: إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْمُعْجِزُ. (¬3) أ، ب: وَالْإِنْسَانُ لَا يَجْهَلُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬4) ع، ن، م: وَنَحْوِ. (¬5) أ، ب: وَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الْإِنْشَاءِ لِلرِّسَالَةِ ; ن: فَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى إِنْشَاءِ إِرْسَالِهِ ; م: فَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى إِنْشَاءِ رِسَالَةٍ. (¬6) ب: كَالْإِنْشَاءِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ; أ: فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. (¬7) أ، ب: اسْتَحَالَ أَنْ يُظْهِرَ الْمُعْجِزَةَ ; م: اسْتَحَالَ أَنْ يَفْعَلَ الْمُعْجِزَ. (¬8) ن: يُجِيبُ عَنْهُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِأَجَلِ آخَرَ، فَإِنَّهُ م: يَجِبُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِأَجَلِ آخَرَ بِأَنَّهُ. (¬9) أ، ب: لِمَدْلُولِهَا فَفَعَلَ. (¬10) ع: وَمَشِيئَتِهِ وَعِلْمِهِ. (¬11) أ، ب: كَذَلِكَ هُنَا خَلَقَ الْمُعْجِزَةَ وَأَرَادَ خَلْقَهَا ; م: كَذَلِكَ هُنَا خَلَقَ الْمُعْجِزَةَ قَدْ أَرَادَ خَلْقَهَا، ن: كَذَا هَاهُنَا خَلَقَ الْمُعْجِزَةَ وَأَرَادَ خَلْقَهَا.

مُسْتَلْزِمَةً لِمَدْلُولِهَا الَّذِي هُوَ صِدْقُ الرَّسُولِ، دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ نَظَرَ فِيهَا (¬1) ، وَإِذَا أَرَادَ خَلْقَهَا وَأَرَادَ هَذَا التَّلَازُمَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الصِّدْقِ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أَحَدَ الْمَرَادَيْنِ (¬2) لِأَجْلِ الْآخَرِ، إِذِ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِإِرَادَتِهِمَا (¬3) جَمِيعًا. فَإِنْ قِيلَ: الْمُعْجِزُ لَا يُدْلِ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ لِلْعِلْمِ (¬4) بِأَنَّ فَاعِلَهُ أَرَادَ بِهِ التَّصْدِيقَ. قِيلَ: هَذَا مَوْضِعُ النِّزَاعِ. وَنَحْنُ لَيْسَ مَقْصُودُنَا نَصْرَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ يَفْعَلُ لَا لِحِكْمَةٍ، بَلْ هَذَا الْقَوْلُ مَرْجُوحٌ (¬5) عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ (¬6) أَنْ نُبَيِّنَ حُجَّةَ الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ، وَأَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ خَيْرٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِذَا كَانَ فَاعِلًا لِلْقَبِيحِ جَازَ أَنْ يُصَدَّقَ الْكَذَّابُ "، هَذِهِ حُجَّةٌ ثَانِيَةٌ (¬7) ، وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا هُوَ قَبِيحٌ مِنْهُ، وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، يَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ قَبِيحٌ (¬8) مِنْهُمْ لَا مِنْهُ كَمَا أَنَّهُ ضَارٌّ لَهُمْ (¬9) لَا لَهُ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ فَاعِلُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ: ¬

(¬1) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن: وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ أَحَدُ الْمَرَادَيْنِ ; م: وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. (¬3) م: إِذًا الْمَقْصُودُ وَيَحْصُلُ بِإِزَائِهِمَا. (¬4) أ، ب: الْعِلْمُ. (¬5) ع: بَلْ هَذَا مَرْجُوحٌ ; ن: بَلْ هَذَا الْقَوْلُ مَرْجُوعٌ ; م: بَلْ هَذَا الْقَوْلُ بِمَرْجُوحٍ. (¬6) أ، ب: وَالْمَقْصُودُ. (¬7) ب: هَذِهِ الْحُجَّةُ ثَانِيَةٌ ; أ: هَذِهِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةٌ ; ن: وَهَذِهِ حُجَّةٌ ثَابِتَةٌ ; م: وَهَذِهِ حُجَّةٌ ثَانِيَةٌ. (¬8) أ، ب: الْقَبِيحَ. (¬9) أ، ب، ن، م: كَمَا أَنَّهُ صَارَ لَهُمْ.

[إِنَّ] (¬1) ذَلِكَ الْفِعْلَ مَفْعُولٌ لَهُ وَهُوَ فِعْلٌ لِلْعَبْدِ (¬2) ، وَأَمَّا نَفْسُ خَرْقِ الْعَادَةِ فَلَيْسَتْ فِعْلًا لِلْعِبَادِ (¬3) حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهَا قَبِيحَةٌ مِنْهُمْ، فَلَوْ قُدِّرَ (¬4) فِعْلُ ذَلِكَ لَكَانَ (¬5) قَبِيحًا مِنْهُ لَا مِنَ الْعَبْدِ، وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ. فَمَنْ قَالَ: إِذَا خَلَقَ اللَّهُ مَا هُوَ ضَارٌّ لِلْعِبَادِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ مَا هُوَ ضَارٌّ (¬6) كَانَ قَوْلُهُ بَاطِلًا. كَذَلِكَ إِذَا جَازَ أَنْ يَخْلُقَ فِعْلَ الْعَبْدِ [الَّذِي] (¬7) هُوَ قَبِيحٌ مِنَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ (¬8) خَلْقُهُ قَبِيحًا مِنْهُ، لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَنْ يَخْلُقَ مَا هُوَ قَبِيحٌ مِنْهُ لَا فِعْلَ لِلْعَبْدِ فِيهِ. وَتَصْدِيقُ الْكَذَّابِ إِنَّمَا يَكُونُ بِإِخْبَارِ (¬9) أَنَّهُ صَادِقٌ، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (¬10) يَجْرِي مَجْرَى الْقَوْلِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ صِفَةُ نَقْصٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ بِالْعَقْلِ (¬11) وَبِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِعْلُ قَبِيحٍ، بَلْ كُلُّ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فَهُوَ حَسَنٌ إِذَا فَعَلَهُ، يَقُولُ: إِنَّ مَا يَسْتَلْزِمُ سَلْبَ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَإِثْبَاتَ النَّقْصِ لَهُ، فَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ: كَالْعَجْزِ وَالْجَهْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْكَذِبُ صِفَةُ نَقْصٍ ¬

(¬1) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ. (¬3) ع، أ،: لِلْعَبْدِ، م: لِعِبَادِهِ. (¬4) قُدِّرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: كَانَ. (¬6) ن: مَا هُوَ ضَارًّا، م: مَا هُوَ ضَارٌّ لَهُمْ. (¬7) الَّذِي سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ، ب، لَيْسَ. (¬9) ن، م: بِإِخْبَارِهِ. (¬10) ن، م: سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ. (¬11) أ، ب: بِالنَّقْلِ ; م: بِالْفِعْلِ.

بِالضَّرُورَةِ، وَالصِّدْقُ صِفَةُ كَمَالٍ، وَتَصْدِيقُ (¬1) الْكَذَّابِ (¬2) نَوْعٌ مِنَ الْكَذِبِ، [كَمَا أَنَّ تَكْذِيبَ الصَّادِقِ نَوْعٌ مِنَ الْكَذِبِ] (¬3) ، وَإِذَا كَانَ الْكَذِبُ صِفَةَ نَقْصٍ امْتَنَعَ مِنَ اللَّهِ مَا هُوَ نَقْصٌ. وَهَذَا الْمَقَامُ (¬4) لَهُ بَسْطٌ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬5) ، [وَنَحْنُ لَا نَقْصِدُ تَصْوِيبَ قَوْلِ كُلِّ (¬6) مَنِ انْتَسَبَ إِلَى السُّنَّةِ بَلْ نُبَيِّنُ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَمْ يَتَّفِقُوا قَطُّ عَلَى خَطَأٍ، وَلَمْ تَنْفَرِدِ الشِّيعَةُ عَنْهُمْ قَطُّ (¬7) بِصَوَابٍ، بَلْ كُلُّ مَا خَالَفَتْ فِيهِ الشِّيعَةُ جَمِيعَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَالشِّيعَةُ فِيهِ مُخْطِئُونَ، كَمَا أَنَّ مَا خَالَفَتْ فِيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ فِيهِ ضَالُّونَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ يُخْطِئُ. وَمَنْ وَافَقَ (¬8) جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لِحِكْمَةٍ وَلَا لِسَبَبٍ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، وَلَا يُحِبُّ بَعْضَ الْأَفْعَالِ وَيُبْغِضُ بَعْضَهَا، فَقَوْلُهُ فَاسِدٌ (¬9) مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ السَّلَفِ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَعْجَزُونَ عَنْ بَيَانِ امْتِنَاعِ كَثِيرٍ مِنَ النَّقَائِصِ عَلَيْهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إِنَّ تَنْزِيهَهُ عَنِ النَّقْصِ لَا يُعْلَمُ (¬10) بِالْعَقْلِ بَلْ بِالسَّمْعِ. ¬

(¬1) أ: وَالتَّصْدِيقُ. (¬2) ن، م، ب: الْكَاذِبِ ; أ: لِلْكَاذِبِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْمَقَامُ: سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬5) الْكَلَامُ بَعْدَ كَلِمَةِ الْمَوْضِعِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ فِي مَوْضِعِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬6) كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) قَطُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬8) أ: وَمَنْ وَافَقَهُمْ ; ب: وَمِمَّنْ وَافَقَهُمْ. (¬9) فَاسِدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬10) أ، ب: لَمْ يُعْلَمْ.

فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: لِمَ قُلْتُمْ إِنَّ الْكَذِبَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ؟ . قَالُوا: لِأَنَّهُ نَقْصٌ، وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ مُحَالٌ. فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنَّ تَنْزِيهَهُ عِنْدَكُمْ عَنِ النَّقْصِ (¬1) لَمْ يُعْلَمْ إِلَّا بِالْإِجْمَاعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنِ الْكَذِبِ، فَإِنْ صَحَّ الِاحْتِجَاجُ عَلَى هَذَا بِالْإِجْمَاعِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّطْوِيلِ. وَأَيْضًا فَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعْنَى، وَهَذَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَجُوزُ (¬2) أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَلَا يَعْنِيَ بِهِ شَيْئًا. وَقَالَ: خِلَافًا لِلْحَشْوِيَّةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ: هَلْ (¬3) يَجُوزُ أَنْ يُنْزِلَ كَلَامًا لَا يَعْلَمُ الْعِبَادُ مَعْنَاهُ، لَا أَنَّهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ لَا يَعْنِي بِهِ شَيْئًا. ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا نِزَاعٌ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا عَبَثٌ، وَالْعَبَثُ (¬4) عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا الْمُحْتَجُّ يُجَوِّزُ عَلَى اللَّهِ فِعْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لَا يُنَزِّهُهُ عَنْ فِعْلٍ، فَهَذَا (¬5) وَأَمْثَالُهُ مِنْ تَنَاقُضِ الْمُوَافِقِينَ لِقَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ فِي الْقَدَرِ كَثِيرٌ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَلَا جُمْهُورِهِمْ] (¬6) ، [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] (¬7) . ¬

(¬1) أ، ب: عِنْدَكُمْ أَنَّ تَنْزِيهَهُ عَنِ النَّقْصِ. (¬2) أ، ب: كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ. . . . . . (¬3) أ، ب: وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي هَلْ. (¬4) أ، ب: بِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ، وَالْعَيْبُ. . . إِلَخْ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬5) أ، ب: عَنْ فِعْلِ هَذَا. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَأَشَرْتُ إِلَى بِدَايَةِ السَّقْطِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ قَبْلُ. (¬7) وَاللَّهُ أَعْلَمُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ.

فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لا يصح أن يوصف الله أنه غفور حليم عفو

[فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ عَفُوٌّ] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬1) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ أَنَّهُ (¬2) . (¬3) (¬4) ; لِأَنَّ الْوَصْفَ بِهَذِهِ (¬5) إِنَّمَا يَثْبُتُ لَوْ كَانَ اللَّهُ مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ فِي حَقِّ الْفُسَّاقِ، بِحَيْثُ إِذَا أَسْقَطَهُ (¬6) عَنْهُمْ كَانَ غَفُورًا عَفُوًّا رَحِيمًا (¬7) . وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ الْعِقَابُ لَوْ كَانَ الْعِصْيَانُ مِنَ الْعَبْدِ لَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى " (¬8) . فَيُقَالُ: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:. أَحَدُهَا: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ (¬9) : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَصْفَ بِهَذِهِ (¬10) إِنَّمَا يَثْبُتُ لَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا، بَلِ الْوَصْفُ بِهَذِهِ (¬11) يَثْبُتُ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعِقَابِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّ تَخْصِيصَ الِاسْتِحْقَاقِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، فَإِذَا (¬12) كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُعَذِّبَ الْعُصَاةَ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، صَحَّ مِنْهُ مَغْفِرَتُهُ وَحِلْمُهُ وَعَفْوُهُ (¬13) . ¬

(¬1) الرَّافِضِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ع: أَنْ يُوصَفَ الرَّبُّ أَنَّهُ ; ك: أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ (¬3) غَفُورٌ حَلِيمٌ عَفُوٌّ (¬4) ك: بِأَنَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ عَفُوٌّ رَحِيمٌ. (¬5) ك: بِهَذِهِ الصِّفَاتِ. (¬6) ع: إِذَا سَقَطَ، ب: إِذَا أَسْقَطَ. (¬7) ن، م: حَلِيمًا. (¬8) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ب) (ع) . (¬9) ع، ن: يَقُولُ. (¬10) أ، ب: بِهَذَا. (¬11) أ، ب: بِهَذَا. (¬12) ع، ن، م: وَإِذَا. (¬13) ع: مَغْفِرَتُهُ وَعَفْوُهُ وَحِلْمُهُ ; م: مَغْفِرَتُهُ وَحِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ وَعُقُوبَتُهُ ; ن: مَغْفِرَتُهُ وَحِكْمَتُهُ وَعَفْوُهُ.

الثَّانِي: [أَنْ يُقَالَ] (¬1) : إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: " يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ " يَعْنِي بِهِ أَنَّ عِقَابَهُ لِلْعُصَاةِ عَدْلٌ مِنْهُ، أَوْ يَعْنِي بِهِ (¬2) أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ لِلْعُصَاةِ عَدْلٌ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ عَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ إِحْسَانًا مِنْهُ وَفَضْلًا. وَهَذَا يَقُولُ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لَهُمْ مَخْلُوقَةٌ لَهُ (¬3) ، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لَهُ كَسْبٌ لَهُمْ مُتَّفِقُونَ (¬4) ، عَلَى أَنَّ الْعِقَابَ عَدْلٌ مِنْهُ، [وَإِنْ عُنِيَ بِهِ كَوْنُهُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ] (¬5) . الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْعَفْوُ إِمَّا أَنْ يُوصَفَ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْعِقَابُ قَبِيحًا عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُوصَفَ بِهَا إِلَّا إِذَا كَانَ الْعِقَابُ سَائِغًا غَيْرَ قَبِيحٍ (¬6) . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ غَفَّارًا لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، لِأَنَّ عِقَابَ هَؤُلَاءِ قَبِيحٌ، وَالْمَغْفِرَةُ لَهُمْ وَاجِبَةٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ رَحِيمًا بِمَنْ (¬7) . يَسْتَحِقُّ الرَّحْمَةَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ غَفُورًا رَحِيمًا لِمَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ. وَلَمَّا كَانَ قَدْ ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ (¬8) أَنَّهُ غَفَّارٌ لِلتَّائِبِينَ (¬9) رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ، ¬

(¬1) أَنْ يُقَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) أ: وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا أَفْعَالُ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ ; ب: فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ لِلَّهِ مَخْلُوقَةٌ. (¬4) ن، م: فَهُمْ مُتَّفِقُونَ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬6) ن: سَائِغًا عِنْدَهُ قَبِيحٌ ; م: شَائِعًا عِنْدَهُ (وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ: قَبِيحٍ) . (¬7) أ، ب: لِمَنْ (¬8) ب: وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ أَثْبَتَ، أ: وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ ثَبَتَ. (¬9) ن، م: لِلتَّوَّابِينَ.

فصل كلام الرافضي عن تكليف ما لا يطاق عند أهل السنة والرد عليه من وجوه

عُلِمَ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، (¬1) وَإِنْ كَانَ الْعِقَابُ مِنْهُ مُمْتَنِعًا بِتَقْدِيرِ (¬2) أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ (¬3) كَمَا فِي مَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ لِمَنْ لَا يَحْسُنُ عِقَابُهُ عِنْدَهُمْ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْعِصْيَانَ مِنَ الْعَبْدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ فَاعِلُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَبِمَعْنَى أَنَّهُ كَاسِبُهُ لَا فَاعِلُهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ (¬4) يَسْتَحِقُّ الْإِنْسَانُ (¬5) أَنْ يُعَاقِبَ الظَّالِمَ (¬6) أَوْلَى بِذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ خَالِقًا لِذَلِكَ فَذَاكَ أَمْرٌ يَعُودُ إِلَيْهِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِالْحِكْمَةِ، وَذَلِكَ لَمْ (¬7) يَصْدُرْ إِلَّا لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ مَنْ لَا يُعَلِّلُ بِالْحِكْمَةِ، [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ: (¬8) . [فصل كلام الرافضي عن تكليف ما لا يطاق عند أهل السنة والرد عليه من وجوه] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬9) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ (¬10) تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لِلْكَافِرِ (¬11) بِالْإِيمَانِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَبِيحٌ عَقْلًا، ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (ع) ، (م) . (¬2) ن: فَبِتَقْدِيرِ. (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ع) ، (م) . (¬4) ن، م: وَبِهَذَا الْقَوْلِ. (¬5) ن، م: الْآدَمِيُّ. (¬6) أ، ب: عِقَابُ الظَّالِمِ ; ن، م: لِعِقَابِ الظَّالِمِ.، فَاسْتِحْقَاقُ اللَّهِ أَنْ يُعَاقِبَ الظَّالِمَ أ، ب: عِقَابُ الظَّالِمِ ; ن، م: لِعِقَابِ الظَّالِمِ. (¬7) أ، ب: وَذَاكَ لَا. (¬8) زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ. (¬9) الرَّافِضِيُّ: فِي (ع) فَقَطْ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 87 (م) . (¬10) ك: يَلْزَمُ مِنْهُ. (¬11) ب: لِأَنَّهُ كَلَّفَ الْكَافِرَ ; لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ الْكَافِرِ ; ك: لِأَنَّهُ يُكَلِّفُ الْكَافِرَ.

وَالسَّمْعُ قَدْ مُنِعَ مِنْهُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 286] ". وَالْجَوَابُ عَنْهُ (¬1) مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ لَهُمْ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْفِعْلِ، وَعَلَى هَذَا فَالْكَافِرُ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِيمَانِ أَبَدًا، وَمَا ذَكَرَهُ (¬2) وَارِدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوْعَانِ: فَالْقُدْرَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي التَّكْلِيفِ تَكُونُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَبِدُونِ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَبْقَى (¬3) إِلَى حِينِ الْفِعْلِ. وَالْقُدْرَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلْفِعْلِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً عِنْدَ وُجُودِهِ. وَأَصْلُ قَوْلِهِمْ إِنَّ اللَّهَ خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةٍ يَهْتَدُونَ بِهَا (¬4) لَمْ يُعْطِهَا الْكَافِرَ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا حِينَ الْفِعْلِ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَادِرًا إِلَّا قَبْلَ الْفِعْلِ، وَأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ سَوَاءٌ، وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ قُدْرَتِهِ (¬5) . حَالَ الْفِعْلِ فَإِذَا كَانَ قَادِرًا قَبْلَ الْفِعْلِ وَبَقِيَتِ الْقُدْرَةُ إِلَى حِينِ الْفِعْلِ لَمْ يَنْقُضْ (¬6) هَذَا أَصْلَهُمْ، لَكِنَّ مُجَرَّدَ الْقُدْرَةِ الصَّالِحَةِ لِلضِّدَّيْنِ (¬7) يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، فَلَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ مِمَّا (¬8) يَخُصُّهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَكُونُ ¬

(¬1) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (م) : الْجَوَابُ عَنْهُ. (¬2) ع: وَمَا ذَكَرُوهُ. (¬3) ع: وَتَبْقَى. (¬4) ن، م: يُهْتَدَى بِهَا. (¬5) أ، ب، م: قُدْرَةٍ (¬6) أ، م، ن: لَمْ يُنْقِصْ ; ع: لَمْ يَنْتَقِصْ (¬7) م فَقَطْ: لِلْعَبْدَيْنِ. (¬8) أ، ب: مَا.

مُؤْمِنًا، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ إِرَادَتُهُ لِلْإِيمَانِ (¬1) ، وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ يُدْخِلُونَهَا فِي جُمْلَةِ الْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْفِعْلِ، وَهُوَ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ، وَقَدْ بُيِّنَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا (¬2) الْمَوْضِعِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَحِينَئِذٍ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْكَافِرَ يَقْدِرُ عَلَى الْإِيمَانِ يُبْطِلُ هَذَا الْإِيرَادَ، وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ (¬3) فَإِنَّهُمْ يَلْتَزِمُونَهُ، وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ كَانَ هُوَ الصَّوَابُ فَهُوَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬4) وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. الْوَجْهُ الثَّانِي (¬5) : أَنْ يُقَالَ: تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا: (¬6) مَا لَا يُطَاقُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ، كَتَكْلِيفِ الزَّمَنِ الْمَشْيَ وَتَكْلِيفِ الْإِنْسَانِ الطَّيَرَانَ وَنَحْوِ ذَلِكَ (¬7) فَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرِيعَةِ عِنْدَ [جَمَاهِيرِ] (¬8) أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ: وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَقْتَضِي لُزُومَ (¬9) وُقُوعِ هَذَا. وَالثَّانِي: مَا لَا يُطَاقُ لِلِاشْتِغَالِ بِضِدِّهِ، كَاشْتِغَالِ الْكَافِرِ بِالْكُفْرِ (¬10) ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي صَدَّهُ عَنِ الْإِيمَانِ، وَكَالْقَاعِدِ فِي حَالِ قُعُودِهِ، فَإِنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْقُعُودِ (¬11) ¬

(¬1) ن، م: وَهَذَا يَدْخُلُ فِي إِرَادَتِهِ لِلْإِيمَانِ، أ، ب: وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ إِرَادَةُ الْإِيمَانِ. (¬2) أ، ب: وَقَدْ سَبَقَ هَذَا. (¬3) ن (فَقَطْ) : الْأَكْثَرِينَ. (¬4) ن، م: فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ كَانَ هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م: الثَّالِثُ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) أ، ب: مَا لَا يُطَاقُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ ; ن: مَا لَا يُطَاقُ فِي تَقْسِيمِ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا. (¬7) وَنَحْوِ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬8) جَمَاهِيرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ع: وَلَيْسَ فِيمَا مَضَى يَقْتَضِي لُزُومَ ; م: وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ لُزُومُ مَا يَقْتَضِي. (¬10) ن، م: بِكُفْرِهِ. (¬11) ن، م: بِقُعُودِهِ.

يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا. وَالْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ لِأَحَدِ الضِّدَّيْنِ تُنَافِي إِرَادَةَ الضِّدِّ (¬1) الْآخَرِ، وَتَكْلِيفُ الْكَافِرِ الْإِيمَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِقَبِيحٍ عَقْلًا [عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ] (¬2) ، بَلِ الْعُقَلَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَمْرِ الْإِنْسَانِ وَنَهْيِهِ بِمَا (¬3) لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَالَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِاشْتِغَالِهِ بِضِدِّهِ، إِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ الضِّدَّ (¬4) وَيَفْعَلَ الضِّدَّ الْمَأْمُورَ بِهِ. وَإِنَّمَا النِّزَاعُ هَلْ يُسَمَّى هَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لِكَوْنِهِ تَكْلِيفًا بِمَا (¬5) انْتَفَتْ فِيهِ الْقُدْرَةُ الْمُقَارِنَةُ لِلْفِعْلِ، فَمِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مَنْ يُدْخِلُ هَذَا فِي تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، كَمَا يَقُولُهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا، وَيَقُولُونَ: مَا لَا يُطَاقُ عَلَى وَجْهَيْنِ: مِنْهُ مَا لَا يُطَاقُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ، وَمَا لَا يُطَاقُ (¬6) لِلِاشْتِغَالِ بِضِدِّهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَذَا لَا يَدْخُلُ فِيمَا لَا يُطَاقُ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ السَّلَفِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمُسْتَطِيعِ الْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ إِذَا لَمْ يَحُجَّ إِنَّهُ كُلِّفَ بِمَا لَا يُطِيقُ (¬7) ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أُمِرَ بِالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَتَرَكَ ذَلِكَ كَسَلًا أَنَّهُ كُلِّفَ (¬8) مَا لَا يُطِيقُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 101] لَمْ يَرِدْ ¬

(¬1) ن: ضِدِّهِ. (¬2) ن، م: وَمِثْلُ هَذَا لَا تُسَلِّمُ أَنَّهُ قَبِيحٌ عَقْلًا، وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ ". (¬3) ن: مِمَّا. (¬4) ع: إِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَتْرُكَ الضِّدَّ ; ن، م: فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ الضِّدَّ. (¬5) ع، ن، م، أ: لِمَا. (¬6) ع: وَمِنْهُ مَا لَا يُطَاقُ. (¬7) أ، ب: كُلِّفَ مَا لَا يُطِيقُ ; ن، م: بِمَا لَا يُطِيقُ. (¬8) ن، م: يُكَلَّفُ.

بِهِ هَذَا، فَإِنَّ جَمِيعَ النَّاسِ قَبْلَ الْفِعْلِ لَيْسَ مَعَهُمُ الْقُدْرَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْفِعْلِ، فَلَا يُخْتَصُّ بِذَلِكَ الْعُصَاةُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ سَمَاعَ الْحَقِّ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لَا تَسْتَطِيعُ أَنْفُسُهُمْ [مَعَهَا] سَمَاعَهُ (¬1) . لِبُغْضِهِمْ لِذَلِكَ (¬2) لَا لِعَجْزِهِمْ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ الْحَاسِدَ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِحْسَانَ إِلَى الْمَحْسُودِ لِبُغْضِهِ لَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ (¬3) . وَعَدَمُ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةِ لَا يَمْنَعُ (¬4) الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ الْإِنْسَانَ بِمَا يَكْرَهُهُ، وَيَنْهَاهُ عَمَّا يُحِبُّهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 216] ، وَقَالَ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 40] ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَهُ (¬5) ، وَعَلَى تَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَكُونَ (¬6) الْعَبْدُ مُرِيدًا لَهُ، وَلَا مِنْ شَرْطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ كَارِهًا لَهُ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ (¬7) ، وَالْمَشْرُوطُ فِي التَّكْلِيفِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ لَا أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لَهُ، لَكِنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا إِذَا كَانَ مُرِيدًا لَهُ، فَالْإِرَادَةُ (¬8) شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ لَا فِي وُجُوبِهِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: (¬9) أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ إِذَا فُسِّرَ بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ ¬

(¬1) أ، ب لَا تَسْتَطِيعُ أَنْفُسَهُمْ سَمْعَهُ ; ن: لَا تَسْتَطِيعُ أَنْفُسُهُمْ لِسَمَاعِهَا ; م: لَا تَسْتَطِيعُ أَنْفُسُهُمْ مَعَهُمْ سَمَاعًا (¬2) ن، ع: ذَلِكَ. (¬3) أ، ب: لَا يَعْجَزُ عَنْهُ. (¬4) أ، ب، ن، ع: لَا تَمْنَعُ. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) . (¬5) أ، ب: إِذَا أَرَادَ. (¬6) ن، م: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَأْمُورِ أَنَّهُ يَكُونُ. (¬7) ع: عَلَى الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ. (¬8) أ، ب: مُرِيدًا لَهُ وَالْإِرَادَةُ ; ع: مُرِيدًا فَالْإِرَادَةُ. (¬9) ن، م: الرَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

فصل كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية عند أهل السنة والرد عليه

قُدْرَةٌ عَلَيْهِ تُقَارِنُ مَقْدُورَهَا كَانَ دَعْوَى (¬1) امْتِنَاعِهِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مَوْرِدَ النِّزَاعِ فَيَحْتَاجُ نَفْيُهُ إِلَى دَلِيلٍ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ (¬2) : أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ لِلْقَدَرِ (¬3) مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ، بَلْ مِنْ غَالِيَّتِهِمْ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ، كَتَكْلِيفِ أَبِي لَهَبٍ الْإِيمَانَ مَعَ تَكْلِيفِ تَصْدِيقِ خَبَرِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا لَكِنَّ (¬4) هَذَا الْقَدَرِيَّ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى إِبْطَالِ ذَلِكَ وَلَا عَلَى جَوَابِ مُعَارَضَتِهِ، بَلِ اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهُوَ قَبِيحٌ عَقْلًا. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِي تَحْسِينٍ وَلَا تَقْبِيحٍ، فَإِنْ لَمْ يُكْمِلِ الْبَحْثَ فِي هَذِهِ اللَّوَازِمِ (¬5) لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ لِلْقَدَرِ، أَوْ عَلَى الْمُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (¬6) [فصل كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية عند أهل السنة والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬7) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُنَا (¬8) ¬

(¬1) أ، ب: مَعْنَى. (¬2) ن، م: الْخَامِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) لِلْقَدَرِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) ع: لَيْسَ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬5) م فَقَطْ: فِيمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ اللَّوَازِمِ. (¬6) زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) الرَّافِضِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 87 (م) 88 (م) . (¬8) ن، م: أَفْعَالُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الِاخْتِيَارِيَّةُ [الْوَاقِعَةُ] (¬1) بِحَسَبِ قُصُودِنَا (¬2) وَدَوَاعِينَا، مِثْلَ حَرَكَتِنَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً، وَحَرَكَةَ الْبَطْشِ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ (¬3) فِي الصَّنَائِعِ الْمَطْلُوبَةِ لَنَا، كَالْأَفْعَالِ الِاضْطِرَارِيَّةِ مِثْلَ حَرَكَةِ النَّبْضِ وَحَرَكَةِ الْوَاقِعِ مِنْ شَاهِقٍ (¬4) بِإِيقَاعِ غَيْرِهِ، لَكِنَّ الضَّرُورَةَ قَاضِيَةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَحْكُمُ بِأَنَّا [قَادِرُونَ عَلَى الْحَرَكَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ] (¬5) وَغَيْرُ قَادِرِينَ عَلَى الْحَرَكَةِ إِلَى السَّمَاءِ [مِنَ الطَّيَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] (¬6) . قَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ: حِمَارُ بِشْرٍ أَعْقَلُ مِنْ بِشْرٍ ; لِأَنَّ حِمَارَ بِشْرٍ لَوْ أَتَيْتَ بِهِ إِلَى جَدْوَلٍ صَغِيرٍ وَضَرَبْتَهُ لِلْعُبُورِ (¬7) فَإِنَّهُ يَطْفِرُهُ (¬8) وَلَوْ أَتَيْتَ بِهِ إِلَى جَدْوَلٍ كَبِيرٍ لَمْ يَطْفِرْهُ (¬9) ; لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ (¬10) بَيْنَ مَا يَقْدِرُ عَلَى طَفْرِهِ (¬11) وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (¬12) وَبِشْرٌ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ الْمَقْدُورِ [عَلَيْهِ] (¬13) ¬

(¬1) الْوَاقِعَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ك: تَصَوُّرِنَا. (¬3) ن، م: بِالرِّجْلِ وَالْيَدِ. (¬4) أ، ب: النَّبْضِ وَالْوُقُوعِ مِنْ شَاهِقٍ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬7) ب (فَقَطْ) : لِعُبُورِهِ. (¬8) ع، ن: يُظْفِرُهُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬9) ع، ن: يُظْفِرُهُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬10) ك: لِأَنَّهُ فَرَّقَ. (¬11) ع، ن: ظَفَرِهِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬12) م فَقَطْ: وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى ظَفَرِهِ. (¬13) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) ، وَفِي (ك) : وَغَيْرِ الْمَقْدُورِ، وَعَلَّقَ مُسْتَجَى زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) عَلَى هَذَا الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بِشْرَ الْمَرِيسِيَّ لَمْ يُوَافِقِ الْمُعْتَزِلَةَ فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لِلْعِبَادِ بِأَنَّهَا بِخَلْقِهِمْ وَإِيجَادِهِمْ، بَلْ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ مِثْلَ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ مِثْلَ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَالشَّائِعُ مِنْهُ أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِأُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ جَمِيعًا سِوَى هَذَا الْقَوْلِ، وَمِثْلُهُ ضِرَارٌ الَّذِي هُوَ رَئِيسُ الضِّرَارِيَّةِ أَنَّهُ عَلَى أُصُولِ أَهْلِ الْحَقِّ إِلَّا أَنَّهُ يُنْكِرُ عَذَابَ الْقَبْرِ مِثْلَ أَكْثَرِ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ، فَنُسِبَ إِلَى الِاعْتِزَالِ بِسَبَبِ هَذَا الْقَوْلِ مِثْلَ بِشْرٍ نُسِبَ إِلَى الِاعْتِزَالِ بِسَبَبِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، مَعَ أَنَّ رَئِيسَ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ وَهُوَ أَبُو الْهُذَيْلِ يَطْعَنُهُ وَيَذُمُّهُ لِمُخَالَفَتِهِ مَذْهَبَهُ. ".

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُ إِمَامٍ مَعْرُوفٍ وَلَا طَائِفَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬1) ، بَلْ وَلَا مِنْ طَوَائِفِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، إِلَّا مَا يُحْكَى (¬2) عَنِ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَغُلَاةِ الْمُثْبِتَةِ أَنَّهُمْ سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ، وَقَالُوا: إِنَّ حَرَكَتَهُ كَحَرَكَةِ الْأَشْجَارِ بِالرِّيَاحِ، إِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُمْ (¬3) . وَأَشَدُّ الطَّوَائِفِ قُرْبًا مِنْ هَؤُلَاءِ هُوَ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ (¬4) أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً مُحْدَثَةً وَاخْتِيَارًا، وَيَقُولُ إِنَّ الْفِعْلَ كَسْبٌ لِلْعَبْدِ، لَكِنَّهُ يَقُولُ: لَا تَأْثِيرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِي إِيجَادِ الْمَقْدُورِ. فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَسْبَ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْأَشْعَرِيُّ غَيْرُ مَعْقُولٍ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً (¬5) ، وَلَهُ قُدْرَةٌ وَاخْتِيَارٌ، وَقُدْرَتُهُ مُؤَثِّرَةٌ فِي مَقْدُورِهَا، كَمَا تُؤَثِّرُ الْقُوَى وَالطَّبَائِعُ (¬6) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ. ¬

(¬1) أ، ب: مِنَ الطَّوَائِفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. (¬2) ن: مَا حُكِيَ. (¬3) عَنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) الْفُقَهَاءِ مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬5) م فَقَطْ: جَمِيعَهُ. (¬6) ب (فَقَطْ) : الْقُوَى الطَّبَائِعُ.

فَمَا ذَكَرَهُ لَا يَلْزَمُ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدْ قُلْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَقُولُ الْخَطَأَ، لَكِنْ لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى خَطَأٍ، كَمَا تَتَّفِقُ الْإِمَامِيَّةُ عَلَى خَطَأٍ، بَلْ كُلُّ مَسْأَلَةٍ خَالَفَتْ فِيهَا الْإِمَامِيَّةُ أَهْلَ (¬1) السُّنَّةِ فَالصَّوَابُ فِيهَا مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَأَمَّا مَا تَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَتَنَازَعَتْ فِيهِ الْإِمَامِيَّةُ، فَذَاكَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِأَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا بِالْإِمَامِيَّةِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُدْرَةٌ وَإِرَادَةٌ وَفِعْلٌ، وَهُوَ فَاعِلٌ حَقِيقَةً، وَاللَّهُ خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128] ، وَقَالَ [تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ] (¬2) : {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 40] ، وَقَالَ [تَعَالَى] (¬3) : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] (¬4) وَقَالَ [تَعَالَى] (¬5) : {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 73] وَقَالَ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا - إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا - وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 19، 21] فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ الْمُسْلِمَ مُسْلِمًا، وَالْمُقِيمَ لِلصَّلَاةِ مُقِيمَ الصَّلَاةِ، وَالْإِمَامَ الْهَادِي إِمَامًا هَادِيًا. ¬

(¬1) ع، ن: لِأَهْلِ. (¬2) تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) سَقَطَتْ آيَةُ 24 مِنْ سُورَةِ السَّجْدَةِ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) تَعَالَى زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَقَالَ عَنِ الْمَسِيحِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) : {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 31، 32] ، فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ بَرًّا بِوَالِدَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ جَبَّارًا شَقِيًّا. وَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ اللَّهَ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬2) خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. وَقَالَ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 41] . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (¬3) : {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ التَّكْوِيرِ: 28، 29] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 29، 30] ، وَقَوْلُهُ (¬4) : {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ - فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 54، 55] فَأَثْبَتَ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ [تَعَالَى] (¬5) . (¬6) . وَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ مَشِيئَةِ الْعَبْدِ، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ (¬7) . وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْعِبَادَ يَفْعَلُونَ وَيَصْنَعُونَ وَيَعْمَلُونَ وَيُؤْمِنُونَ وَيَكْفُرُونَ ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) : عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬2) عَزَّ وَجَلَّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬3) أ، ب: وَقَالَ تَعَالَى. (¬4) أ، ب: وَقَالَ. (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَيَتَّقُونَ وَيَفْسُقُونَ وَيَصْدُقُونَ وَيَكْذِبُونَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ (¬1) ، وَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُمُ اسْتِطَاعَةً وَقُوَّةً فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَأَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورُهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ (¬2) هَذَا كُلِّهِ. وَالْخَلْقُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ كَوْنِ أَفْعَالِ (¬3) الْعِبَادِ مَخْلُوقَةً مَفْعُولَةً لِلرَّبِّ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ (¬4) نَفْسُ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ فِعْلٍ يَفْعَلُ فِعْلًا، فَإِنَّهَا فِعْلٌ لِلْعَبْدِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَلَيْسَتْ فِعْلًا لِلرَّبِّ [تَعَالَى] (¬5) بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، بَلْ هِيَ مُفَعْوِلَةٌ لَهُ، وَالرَّبُّ تَعَالَى لَا يَتَّصِفُ بِمَفْعُولَاتِهِ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الشَّنَاعَاتِ لَزِمَتْ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ فِعْلِ الرَّبِّ وَمَفْعُولِهِ، وَيَقُولُ مَعَ ذَلِكَ إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ فِعْلٌ لِلَّهِ (¬6) ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْجَهْمُ [بْنُ صَفْوَانَ] (¬7) وَمُوَافِقُوهُ، وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ (¬8) وَلِهَذَا ضَاقَ بِهَؤُلَاءِ (¬9) الْبَحْثُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَزِمَتْ مَنْ لَا يُثْبِتُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ (¬10) أَسْبَابًا وَقُوًى وَطَبَائِعَ، وَيَقُولُ (¬11) : إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ عِنْدَهَا لَا بِهَا، فَلَزِمَهُ (¬12) أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ بَيْنَ الْقَادِرِ ¬

(¬1) كَثِيرَةٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: خَلَقَ. (¬3) أَفْعَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) ب (فَقَطْ) : تَكُونَ. (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ب (فَقَطْ) : فِعْلُ اللَّهِ. (¬7) بْنُ صَفْوَانَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) ع: وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، ن، م: وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ. (¬9) أ، ب: لِهَؤُلَاءِ. (¬10) ع (فَقَطْ) : لِلْمَخْلُوقَاتِ. (¬11) أ، ب: وَيَقُولُونَ. (¬12) أ، ب: فَلَزِمَ.

وَالْعَاجِزُ، وَإِنْ أَثْبَتَ قُدْرَةً وَقَالَ إِنَّهَا مُقْتَرِنَةٌ بِالْكَسْبِ، قِيلَ لَهُ (¬1) : لَمْ تُثْبِتْ فَرْقًا مَعْقُولًا بَيْنَ مَا تُثْبِتُهُ مِنَ الْكَسْبِ وَتَنْفِيهِ مِنَ الْفِعْلِ (¬2) ، وَلَا بَيْنَ الْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ، إِذَا كَانَ مُجَرَّدُ الِاقْتِرَانِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْقُدْرَةِ، فَإِنَّ [فِعْلَ] (¬3) الْعَبْدِ يُقَارِنُ حَيَاتَهُ وَعِلْمَهُ (¬4) وَإِرَادَتَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقُدْرَةِ تَأْثِيرٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الِاقْتِرَانِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ [قَوْلُ] (¬5) مَنْ قَالَ: إِنَّ (¬6) الْقُدْرَةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي صِفَةِ الْفِعْلِ لَا فِي أَصْلِهِ، كَمَا يَقُولُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ أَثْبَتَ تَأْثِيرًا بِدُونِ خَلْقِ الرَّبِّ، لَزِمَ (¬7) أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْحَوَادِثِ لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ [تَعَالَى] (¬8) ، وَإِنْ جَعَلَ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِخَلْقِ الرَّبِّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالصِّفَةِ. وَأَمَّا أَئِمَّةُ أَهْلِ (¬9) السُّنَّةِ وَجُمْهُورِهِمْ فَيَقُولُونَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 57] (¬10) ، وَقَالَ: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 164] ، وَقَالَ: ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) ع، ن، م: بَيْنَ مَا أَثْبَتَّهُ مِنَ الْكَسْبِ وَنَفَيْتَهُ مِنَ الْفِعْلِ. (¬3) فِعْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ع: وَعَمَلَهُ. (¬5) قَوْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬6) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ب (فَقَطْ) : فَإِنَّهُ أَثْبَتَ تَأْثِيرًا بِدُونِ خَلْقِ الرَّبِّ فَلَزِمَ. . . إِلَخْ. (¬8) ع (فَقَطْ) : لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُ الْحَوَادِثِ لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَسَقَطَتْ تَعَالَى مِنْ (ن) . (¬9) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ جَاءَتِ الْآيَةُ مُحَرَّفَةً هَكَذَا: فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا. . . إِلَخْ.

{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 16] ، وَقَالَ: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 26] وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْدُثُ (¬1) الْحَوَادِثَ بِالْأَسْبَابِ. وَكَذَلِكَ [دَلَّ] الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى إِثْبَاتِ الْقُوَى وَالطَّبَائِعِ (¬2) الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] ، وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 15] ، وَقَالَ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [سُورَةُ الرُّومِ: 54] . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: " إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ (¬3) يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ " فَقَالَ: أَخُلُقَيْنِ تَخَلَّقْتُ بِهِمَا (¬4) أَمْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتُ عَلَيْهِمَا؟ فَقَالَ: " بَلْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا " فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ» (¬5) . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهِ. وَهَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً (¬6) وَيَقُولُونَ: إِنَّ تَأْثِيرَهَا فِي مَقْدُورِهَا كَتَأْثِيرِ ¬

(¬1) ن، م: أَحْدَثُ. (¬2) ن، م: وَكَذَلِكَ دَلَّ (سَقَطَتْ دَلَّ مِنْ (ن)) الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مِثْلِ إِثْبَاتِ الْقُوَى وَالطَّبَائِعِ. (¬3) أ، ب: خَصْلَتَيْنِ. (¬4) ع: فِيهِمَا، م: بِهَذَا. (¬5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 36 وَجَاءَ فِيهِ هُنَاكَ: إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ. . . إِلَخْ. (¬6) م فَقَطْ: الْقُدْرَةَ.

[سَائِرِ] الْأَسْبَابِ فِي مُسَبِّبَاتِهَا (¬1) . وَالسَّبَبُ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِالْمُسَبِّبِ (¬2) بَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى مَا يُعَاوِنُهُ، فَكَذَلِكَ (¬3) قُدْرَةُ الْعَبْدِ لَيْسَتْ مُسْتَقِلَّةً بِالْمَقْدُورِ. وَأَيْضًا فَالسَّبَبُ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ وَيَعُوقُهُ، وَكَذَلِكَ قُدْرَةُ الْعَبْدِ (¬4) وَاللَّهُ تَعَالَى خَالِقُ السَّبَبِ وَمَا يُعِينُهُ وَصَارِفٌ عَنْهُ مَا يُعَارِضُهُ وَيَعُوقُهُ، وَكَذَلِكَ قُدْرَةُ الْعَبْدِ (¬5) وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْإِمَامِيُّ مِنَ الْفَرْقِ الضَّرُورِيِّ (¬6) بَيْنَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بِحَسَبِ قُصُودِنَا (¬7) وَدَوَاعِينَا وَبَيْنَ الْأَفْعَالِ الِاضْطِرَارِيَّةِ، مِثْلَ حَرَكَةِ النَّبْضِ وَحَرَكَةِ الْوَاقِعِ مِنْ شَاهِقٍ بِإِيقَاعِ غَيْرِهِ حَقٌّ (¬8) يَقُولُهُ [جَمِيعُ] (¬9) أَهْلِ السُّنَّةِ وَجَمَاعَةِ أَتْبَاعِهِمْ، لَمْ يُنَازِعْ (¬10) فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ (¬11) لِسَانُ صِدْقٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَالْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (¬12) وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ فِي الدِّينِ وَخُلَفَاءُ الْمُرْسَلِينَ (¬13) . ¬

(¬1) أ، ب: كَتَأْثِيرِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ فِي مُسَبِّبَاتِهَا، ن، م: كَتَأْثِيرِ الْأَسْبَابِ فِي مُسَبِّبَاتِهَا. (¬2) ن: لِلْمُسَبِّبِ. (¬3) ن، م، ع: وَكَذَلِكَ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ، وَفِي (ب) :. . . . . السَّبَبُ وَمَا يَمْنَعُهُ، (أ) : السَّبَبُ وَمَا يَضَعُهُ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ (ن) ، (ع) . (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ، وَفِي (ب) :. . . . . السَّبَبُ وَمَا يَمْنَعُهُ، (أ) : السَّبَبُ وَمَا يَضَعُهُ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ (ن) ، (ع) . (¬6) ع: الصُّورِيِّ. (¬7) أ، ب: تَصَوُّرِنَا. (¬8) ع (فَقَطْ) : حَتَّى، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬9) جَمِيعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬10) ع: يَقُولُهُ جَمِيعُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَجَمَاهِيرِ أَتْبَاعِهِمْ لَمْ يَتَنَازَعْ. . ن: يَقُولُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَجَمَاهِيرِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ لَمْ يُنَازَعْ، م: يَقُولُهُ جَمْعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجَمَاهِيرِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ لَمْ يُنَازَعْ. (¬11) ع: فِي الْإِسْلَامِ. (¬12) سَقَطَ مِنْ (أ) ، (ب) : " بْنِ حَنْبَلٍ "، و " بْنِ رَاهَوَيْهِ "، وَتَكَرَّرَ فِي (ن) ، (م) اسْمُ الشَّافِعِيِّ مَرَّتَيْنِ. (¬13) أ، ب: الَّذِينَ لَهُمُ اجْتِهَادٌ فِي الدِّينِ وَخَلَفٌ لِلْمُرْسَلِينَ.

وَإِذَا كَانَ فِي الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مِنْ يَلْزَمُهُ بُطْلَانُ (¬1) الْفَرْقِ كَانَ قَوْلُهُ بَاطِلًا، وَمَعَ هَذَا فَقَوْلُ (¬2) نُفَاةِ الْقَدَرِ أَبْطَلُ مِنْهُ، فَهَذَا (¬3) الْقَدَرِيُّ رَدَّ بَاطِلًا بِمَا هُوَ أَبْطَلُ مِنْهُ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ (¬4) لَا يُوَافِقُونَهُ لَا عَلَى هَذَا وَلَا عَلَى هَذَا، لَكِنْ يَقُولُونَ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ قَوْلَهُ أَبْطَلُ (¬5) . وَذَلِكَ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ حَادِثَةٌ كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْحَوَادِثِ، وَهِيَ مُمْكِنَةٌ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْمُمْكِنَاتِ فَمَا مِنْ دَلِيلٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْحَوَادِثِ وَالْمُمْكِنَاتِ (¬6) مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ إِلَّا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ ضَرُورِيَّةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُقَلَاءِ، وَكَذَلِكَ الْمُمْكِنُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ تَامٍّ، فَإِذَا كَانَ فِعْلُ الْعَبْدِ (¬7) حَادِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ (¬8) فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ (¬9) وَإِذَا قِيلَ (¬10) : الْمُحْدِثُ هُوَ الْعَبْدُ، فَيَكُونُ الْعَبْدُ صَارَ مُحْدِثًا لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، هُوَ أَيْضًا أَمْرٌ حَادِثٌ (¬11) فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، إِذْ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ ¬

(¬1) ن، م: إِبْطَالُ. (¬2) أ، ب: قَوْلُ. (¬3) ن، م: وَهَذَا. (¬4) أ، ب: وَأَهْلُ الشِّيعَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) أ، ب: بَاطِلٌ. (¬6) ن: الْحَوَادِثِ مُمْكِنَةٌ ; م: الْحَوَادِثُ (وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ: الْمُمْكِنَاتِ) . (¬7) الْعَبْدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬8) سَاقِطَةٌ مَنْ (أ) ، (ب) . (¬9) سَاقِطَةٌ مَنْ (أ) ، (ب) . (¬10) أ، ب، م: فَإِذَا قِيلَ. (¬11) ع (فَقَطْ) :. . . هُوَ الْعَبْدُ. فَكَوْنُ الْعَبْدِ مُحْدِثًا لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ أَيْضًا أَمْرٌ حَادِثٌ. وَفِي (أ) ، (ب) :. . . فَهُوَ أَيْضًا أَمُرٌ حَادِثٌ.

لَمْ يَزَلْ مُحْدِثًا لَهُ لَزِمَ دَوَامُ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْحَادِثِ، وَإِذَا كَانَ إِحْدَاثُهُ (¬1) لَهُ حَادِثًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ. وَإِذَا قِيلَ: الْمُحْدِثُ إِرَادَةُ الْعَبْدِ. قِيلَ: فَإِرَادَتُهُ أَيْضًا حَادِثَةٌ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ. وَإِنْ قِيلَ: حَدَثَتْ (¬2) بِإِرَادَةٍ مِنَ الْعَبْدِ (¬3) . قِيلَ: تِلْكَ الْإِرَادَةُ (* أَيْضًا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ، فَأَيُّ مُحْدِثٍ فَرَضْتَهُ فِي الْعَبْدِ (¬4) إِنْ كَانَ حَادِثًا فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْحَادِثِ الْأَوَّلِ *) (¬5) ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا كَانَ هَذَا مُمْتَنِعًا، لِأَنَّ مَا يَقُومُ بِالْعَبْدِ لَا يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا. وَإِنْ قُلْتَ: هُوَ وَصْفٌ لِلْعَبْدِ (¬6) وَهِيَ قُدْرَتُهُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهِ مَثَلًا، لَمْ يَنْفَعْكَ (¬7) هَذَا لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: فَإِذَا كَانَتْ (¬8) . [هَذِهِ] (¬9) الْقُدْرَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ حُدُوثِ الْفِعْلِ وَحِينَ حُدُوثِهِ، فَلَا بُدَّ (¬10) مِنْ سَبَبٍ آخَرَ حَادِثٍ يَنْضَمُّ إِلَيْهَا (¬11) ، وَإِلَّا لَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (¬12) بِلَا مُرَجِّحٍ، وَحُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَ (¬13) حَالُ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ ¬

(¬1) ب: إِعَادَتُهُ، أ: إِجَادَتُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: حَدَثَ. (¬3) ع: بِإِرَادَةِ الْعَبْدِ. (¬4) ع: فِي الْعَبْدِ فَرَضْتَهُ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: وَصْفُ الْعَبْدِ. (¬7) ب: لَمْ يَتَعَقَّلْ، أ: لَمْ يَنْفَعِلْ وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬8) أ، ب: إِذَا كَانَتْ (¬9) هَذِهِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬10) أ، ب: فَلَا بُدَّ لَهُ. (¬11) ن، م: يُضَمُّ إِلَيْهَا. (¬12) عَلَى الْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬13) ب: فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ، أ: قَالَ إِذَا كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

يَفْعَلُ وَحَالُهُ حِينَ الْفِعْلِ سَوَاءً لَا مَزِيَّةَ (¬1) لِأَحَدِ الْحَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (¬2) ، وَكَانَ تَخْصِيصُ هَذِهِ الْحَالِ بِكَوْنِهِ فَاعِلًا فِيهَا دُونَ الْأُخْرَى تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ (¬3) بِدُونِ (¬4) مُرَجِّحٍ. وَهَكَذَا إِذَا قِيلَ: فِعْلُهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَالْمُمْكِنُ لَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ، وَالْمُرَجِّحُ إِذَا (¬5) . كَانَ مِنَ الْعَبْدِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَسْتَلْزِمَ وُجُودُهُ وُجُودَ الْفِعْلِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَامًّا. وَلِأَجْلِ هَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةٍ دُونَ الْكَافِرِينَ (¬6) بِأَنْ هَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ، وَلَوْ كَانَتْ نِعْمَتُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ نِعْمَتِهِ عَلَى الْكَافِرِينَ لَمْ يَكُنِ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 7] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 17] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 212] ، وَقَالَ تَعَالَى: ¬

(¬1) ن: وَلَا مَزِيَّةَ، م: أَوْ لَا مَزِيَّةَ. (¬2) ن، م: عَلَى الْأُخْرَى. (¬3) ن، م: الْمِثْلَيْنِ. (¬4) م: بِلَا. (¬5) ن، م، ع: إِنْ (¬6) ن، م، ع: الْكُفَّارِ.

{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 22] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] . وَالْقَدَرِيَّةُ جَعَلُوا نِعْمَتَهُ الدِّينِيَّةَ (¬1) عَلَى الصِّنْفَيْنِ سَوَاءً، وَقَالُوا: إِنَّ الْعَبْدَ أُعْطِيَ (¬2) قُدْرَةً تَصْلُحُ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَصْدُرُ عَنْهُ أَحَدُهُمَا بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ طَرَفَيْ مَقْدُورِهِ (¬3) عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجَّحٍ وَادَّعَوْا هَذَا فِي قُدْرَةِ الرَّبِّ وَقُدْرَةِ الْعَبْدِ. وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى هَذَا فِي قُدْرَةِ الرَّبِّ (¬4) كَثِيرٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الرَّبَّ لَا يَقُومُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، [بَلْ وَوَافَقَهُمْ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ] (¬5) ، وَصَارَ الرَّازِيُّ (¬6) وَأَمْثَالُهُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ (¬7) بِتِلْكَ الْحُجَّةِ يَتَنَاقَضُونَ، فَإِذَا نَاظَرُوهُمْ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ احْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَتَرَجَّحُ وُجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ، سَوَاءٌ صَدَرَ عَنْ قَادِرٍ مُخْتَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، (¬8) تَكَلَّمُوا فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ، وَقِيلَ لَهُمْ: الْحَادِثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ حَادِثٍ حَادِثٍ: (¬9) أَجَابُوا بِجَوَابِ (¬10) الْقَدَرِيَّةِ، فَقَالُوا: ¬

(¬1) الدِّينِيَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: يُعْطَى. (¬3) أ، ب: أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ. (¬4) ع: الْعَبْدِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: وَصَارَ الرَّافِضِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) أ (فَقَطْ) : عَلَى الْقُدْرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) وَإِذَا ن: أَوْ غَيْرِهِ إِذَا ; م: أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا. (¬9) سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬10) أ، ب: جَوَابَ.

الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ يُرَجِّحُ أَحَدَ طَرَفَيْ مَقْدُورِهِ (¬1) بِلَا مُرَجِّحٍ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْقَادِرِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ، وَقَدْ يُفَرِّقُونَ (¬2) بَيْنَ فِعْلِ الرَّبِّ وَفِعْلِ الْعَبْدِ بِأَنَّ الرَّبَّ يُرَجِّحُ بِمَشِيئَتِهِ (¬3) الْقَدِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ إِرَادَتَهُ حَادِثَةٌ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَكِنْ قَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْإِرَادَةَ الْقَدِيمَةَ الْأَزَلِيَّةَ هِيَ الْمُرَجِّحَةُ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ قَوْلُهُمْ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ نِسْبَتُهَا إِلَى جَمِيعِ مَا يُقَدَّرُ وَقْتًا لِلْحَوَادِثِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَنِسْبَتُهَا إِلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ، وَإِذَا قُدِّرَ حَالُ الْفَاعِلِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَحِينَ الْفِعْلِ سَوَاءً، ثُمَّ قُدِّرَ اخْتِصَاصُ أَحَدِ الْحَالَيْنِ بِالْفِعْلِ لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَهَذَا مُنْتَهَى نَظَرِ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ. وَلِهَذَا كَانَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ كَلَامَهُمْ كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مُتَرَدِّدِينَ (¬4) بَيْنَ عِلَّةِ الدَّهْرِيَّةِ وَقَادِرِ الْقَدَرِيَّةِ وَمُرِيدِ الْكُلَّابِيَّةِ، (¬5) لَا يَجْعَلُونَ الرَّبَّ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (¬6) . وَلَمَّا كَانَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ بِهَذِهِ الْحَالِ [لَا يَجْعَلُونَ الرَّبَّ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ] (¬7) جَعَلَتْ (¬8) الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ (¬9) هَذَا (¬10) عُمْدَتَهُمْ فِي امْتِنَاعِ حُدُوثِ الْعَالَمِ ¬

(¬1) أ، ب: أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ. (¬2) أ، ب: الْقَدَرِيَّةُ وَفَرَّقُوا. (¬3) ن: مَشِيئَتُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ب: وَلِهَذَا كَانَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إِلَّا كَلَامَ الرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مُتَرَدِّدًا، وَلِهَذَا كَانَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إِلَّا كَلَامَ الرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مُتَرَدِّدٌ. (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (ع) فَقَطْ. (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (ع) فَقَطْ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬8) ع: جَعَلَتْهُ. (¬9) ع: وَأَمْثَالِهِمْ. (¬10) أ، ب: هَذِهِ.

وَوُجُوبِ قِدَمِهِ، وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ (¬1) عَلَى مَذْهَبِهِمْ، فَإِنَّ غَايَةَ هَذَا أَنْ يَسْتَلْزِمَ دَوَامَ فَاعِلِيَّةِ الرَّبِّ تَعَالَى، لَا يَدُلُّ (¬2) عَلَى قِدَمِ الْفَلَكِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ أَعْيَانِ الْعَالَمِ. وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ قَالُوا: هَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّسَلْسُلَ، [وَالتَّسَلْسُلُ مُحَالٌ] (¬3) . وَمُرَادُهُمُ التَّسَلْسُلُ فِي تَمَامِ التَّأْثِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا التَّسَلْسُلُ فِي الْآثَارِ فَهُوَ قَوْلُهُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّسَلْسُلَ الْمُمْتَنِعَ (¬4) هُنَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّوْرِ الْمُمْتَنِعِ (¬5) ، فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ: لَا يَفْعَلُ (¬6) هَذَا الْحَادِثَ حَتَّى يَحْدُثَ مَا بِهِ بِهِ: (¬7) يَصِيرُ فَاعِلًا لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَادِثًا مَعَ حُدُوثِهِ، وَكَذَلِكَ الثَّانِيَ، صَارَ هَذَا تَسَلْسُلًا فِي تَمَامِ التَّأْثِيرِ (¬8) وَإِذَا قِيلَ: لَا يُحْدِثُ شَيْئًا حَتَّى يُحْدِثَ شَيْئًا كَانَ هَذَا دَوْرًا مُمْتَنِعًا، فَهُوَ تَسَلْسُلٌ إِذَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ فِي الْحَوَادِثِ، وَدَوْرٌ (¬9) إِذَا عُيِّنَ الْحَادِثُ. وَهِيَ (¬10) حُجَّةٌ إِلْزَامِيَّةٌ لِأُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : عَلَى ذَلِكَ. (¬2) ب (فَقَطْ) : وَلَا يَدُلُّ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " مُحَالٌ " مِنْ (م) . (¬4) ب (فَقَطْ) : مُمْتَنِعٌ. (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ع: لَا تَفْعَلُ. (¬7) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ع (فَقَطْ) : فِي دَوَامِ التَّأْثِيرِ. (¬9) ع: إِذَا أُطْلِقَ الْجَوَابُ وَدَوْرٌ. (¬10) ع: وَهُوَ.

[وَدَوَامُهَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَلَا يَفْعَلَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ مُمْكِنًا لَهُ] (¬1) يَسْتَلْزِمُ (¬2) التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، أَوِ التَّسَلْسُلِ [الْمُتَّفَقِ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَالدَّوْرِ الْمُمْتَنِعِ] (¬3) ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ (¬4) وَالتَّسَلْسُلُ الْمُتَّفَقُ عَلَى امْتِنَاعِهِ هُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ [وَفِي تَمَامِ التَّأْثِيرِ] (¬5) ، فَأَمَّا التَّسَلْسُلُ فِي الْآثَارِ فَهُوَ مَوْرِدُ النِّزَاعِ. وَأُولَئِكَ يُبْطِلُونَ الْقِسْمَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا لَا يَتَنَاهَى يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّفَاوُتُ. وَجَمَاهِيرُ الْفَلَاسِفَةِ مَعَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمِلَلِ (¬6) فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ الْقِسْمَ الثَّانِيَ. وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ: (¬7) إِنْ كَانَ التَّسَلْسُلُ [فِي الْآثَارِ] (¬8) مُمْتَنِعًا بَطَلَ قَوْلُكُمْ، وَإِذَا بَطَلَ الْقَوْلُ بَطَلَتْ حُجَّتُهُ بِالضَّرُورَةِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ الْبَاطِلَ لَا تَقُومُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ. وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا بَطَلَتْ حُجَّتُكُمْ [لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَاتُهُ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ أَوْ فَعَّالًا بِمَشِيئَتِهِ، فِعْلًا بَعْدَ فِعْلٍ مِنْ غَيْرِ قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْمَفْعُولَاتِ] (¬9) ، فَالْحُجَّةُ بَاطِلَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ تَسَلْسُلُ (¬10) الْآثَارِ مُمْكِنًا أَمْكَنَ حُدُوثُ الْأَفْلَاكِ بِأَسْبَابٍ قَبْلَهَا حَادِثَةٍ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (أ) ، (ب) : مَنْ جَعَلَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ. . إِلَخْ، وَفِي (ن) ، (م) بَدَلُ السَّقْطِ: وَإِلَّا إِذَا قِيلَ لَكُمْ قَوْلُكُمْ. . . إِلَخْ. (¬2) ن، م: مُسْتَلْزِمُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، م. وَفِي (ع) : أَوِ التَّسَلْسُلِ الْمُتَّفِقُونَ. . . إِلَخْ. (¬4) ن، م: وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: أَهْلِ الْكَلَامِ. (¬7) ن، م: الْفَلَاسِفَةِ. (¬8) فِي الْآثَارِ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬10) ن، م: وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ تَسَلْسُلُ. . . إِلَخْ.

وَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَخْبَرَتْ بِأَنَّ (¬1) اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَأَنَّ عَرْشَهُ كَانَ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا عُلِمَ (¬2) بِالِاضْطِرَارِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ (¬3) ، وَأَدِلَّتُكُمْ لَيْسَ فِيهَا مَا يُوجِبُ قِدَمَ السَّمَاوَاتِ فَقَوْلُكُمْ بِقِدَمِهَا لَيْسَ فِيهِ (¬4) حُجَّةٌ عَقْلِيَّةٌ، فَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلرُّسُلِ بِلَا سَبَبٍ. وَأَيْضًا فَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ يُبْطِلُ قَوْلَكُمْ، فَإِنَّ الْأَفْلَاكَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْعَالَمِ مُسْتَلْزِمٌ (¬5) لِلْحَوَادِثِ، فَلَوْ كَانَ قَدِيمًا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنْ مُوجِبٍ لَهُ قَدِيمٌ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُوجِبُ مُسْتَلْزِمًا (¬6) لِمُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ، إِذْ لَوْ جَازَ تَأَخُّرُ مُوجِبِهِ عَنْهُ [لَمْ تَكُنْ (¬7) عِلَّةً تَامَّةً لِاسْتِلْزَامِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ مَعْلُولَهَا وَإِذَا لَمْ تَكُنْ (¬8) عِلَّةً تَامَّةً امْتَنَعَ أَنْ يُقَارِنَهُ مُوجِبُهُ لِامْتِنَاعِ قِدَمِ الْمَعْلُولِ بِدُونِ عِلَّةٍ تَامَّةٍ. وَأَيْضًا فَلَوْ جَازَ تَأَخُّرُ مُوجِبِهِ] (¬9) مَعَ جَوَازِ مُقَارَنَتِهِ لَهُ فِي الْأَزَلِ لَافْتَقَرَ تَخْصِيصُهُ (¬10) بِأَحَدِهِمَا إِلَى مُرَجِّحٍ غَيْرِ الْمُوجِبِ بِذَاتِهِ (¬11) ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مُرَجِّحٌ غَيْرُهُ فَامْتَنَعَ ¬

(¬1) ن، م: وَالرُّسُلُ خَبَّرَتْ بِأَنَّ، وَفِي (ب) : أَخْبَرَتْ أَنَّ. (¬2) ع: مِمَّا يُعْلَمُ. (¬3) أ، ب: مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. (¬4) ن، م، ع: لَيْسَ لَهُ. (¬5) أ، ب، م: مُسْتَلْزِمَةٌ. (¬6) ن: قَدِيمٌ فَكَوْنُ الْمُوجِبُ مُسْتَلْزِمًا، م: فَيَكُونُ الرَّبُّ مُسْتَلْزِمًا. (¬7) أ، ب: لَمْ يَكُنْ. (¬8) أ، ب: لَمْ يَكُنْ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) بَعْدَ كَلِمَةِ تَخْصِيصِهِ جَاءَ سَطْرَانِ فِي نُسْخَتَيْ (أ) ، (ب) كَلِمَاتُهُمَا هِيَ نَفْسُ كَلِمَاتِ الْجُمَلِ السَّاقِطَةِ مِنَ النُّسَخِ كُلِّهَا وَالْمَوْجُودَةِ فِي نُسْخَةِ (ع) وَالْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي تَعْلِيقٍ سَابِقٍ مَعَ بَعْضِ الِاخْتِلَافِ الْيَسِيرِ، وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي غَيْرِ مَكَانِهَا الصَّحِيحِ. (¬11) أ، ب: غَيْرِ الْوَاجِبِ بِذَاتِهِ.

وُجُودُ الْأَفْلَاكِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ مَشْهُودَةٌ عَيَانًا، وَهُمْ يُسَلِّمُونَ هَذَا، وَيَقُولُونَ بِأَنَّهَا مَعْلُولٌ عِلَّةٌ قَدِيمَةٌ، وَهُوَ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ مُوجِبُهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْلُومًا بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ وَهُمْ يُوَافِقُونَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ أَصْلُ قَوْلِهِمْ، قِيلَ لَهُمْ: فَمَا يَسْتَلْزِمُ الْحَوَادِثَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ ; لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ (¬1) ، وَمَا يَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا لَا تَكُونُ أَجْزَاؤُهُ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً، فَلَا تَكُونُ صَادِرَةً عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ، [فَامْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ الْحَوَادِثُ صَادِرَةً عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ] (¬2) ، وَامْتَنَعَ صُدُورُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ بِدُونِ الْحَوَادِثِ اللَّازِمَةِ لَهُ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْفَلَكُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: كَانَ خَالِيًا عَنِ الْحَوَادِثِ فِي الْأَزَلِ ثُمَّ حَدَّثَتْ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ حِينَئِذٍ: فَلَا بُدَّ (¬3) لِتِلْكَ الْحَوَادِثِ مِنْ سَبَبٍ، فَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ، أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي الْفَلَكِ، وَبَطَلَتْ حُجَّتُهُمْ، وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ سَبَبٍ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ وَدَوَامُ الْحَوَادِثِ، وَأَنَّ الْفَلَكَ وَكُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ لَمْ يَزَلْ مُقَارِنًا لِلْحَوَادِثِ (¬4) ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ قَارَنَ الْحَوَادِثَ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا. ¬

(¬1) ع: لِأَنَّ الْحَوَادِثَ لَا تَحْدُثُ إِلَّا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬3) ن، ع: لِأَنَّهُ يُقَالُ: فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ. (¬4) ن، م، ع: لِلْحَادِثِ.

وَالنَّاسُ قَدْ تَنَازَعُوا فِيمَا يَسْتَلْزِمُ الْحَوَادِثَ، وَهُوَ مَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ (¬1) وَمَا لَا بُدَّ أَنْ تُقَارِنَهُ الْحَوَادِثُ، هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا أَوْ لَا يَجِبُ حُدُوثُهُ بَلْ يَجُوزُ قِدَمُهُ، سَوَاءً كَانَ هُوَ الْوَاجِبُ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ، أَوْ كَانَ مُمْكِنًا، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ الْغَنِيِّ عَمَّا سِوَاهُ وَبَيْنَ الْمُمْكِنِ الْفَقِيرِ (¬2) إِلَى غَيْرِهِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَالْأَوَّلُ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ مِنْ طَوَائِفِ النُّظَّارِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ بِامْتِنَاعِ دَوَامِ فَاعِلِيَّةِ الرَّبِّ (¬3) وَامْتِنَاعِ فِعْلِ الرَّبُّ وَتَكَلُّمِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (¬4) فِي الْأَزَلِ وَأَنَّ (¬5) ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَهَؤُلَاءِ مُتَنَازِعُونَ فِي إِمْكَانِ (¬6) دَوَامِ فَاعِلِيَّتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَ [الْقَوْلُ] الثَّانِي (¬7) : قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِدَمِ مَا سِوَى اللَّهِ: إِمَّا الْأَفْلَاكُ وَإِمَّا الْعُقُولُ وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، وَيَجْعَلُونَ الرَّبَّ [سُبْحَانَهُ] (¬8) مُوجِبًا بِذَاتِهِ، لَا يُمْكِنُهُ إِحْدَاثَ شَيْءٍ وَلَا تَغْيِيرَ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْحَوَادِثَ لَمْ تَصْدُرْ عَنْهُ، بَلْ [صَدَرَتْ] وَحَدَثَتْ (¬9) بِلَا مُحْدِثٍ. وَ [الْقَوْلُ] الثَّالِثُ: (¬10) قَوْلُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمِلَلِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ ¬

(¬1) ن: وَهَؤُلَاءِ خَلَوْا عَنِ الْحَوَادِثِ، م: وَهُوَ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ. (¬2) ن: الْمُتَمَكِّنِ الْمُفْتَقِرِ، م: الْمُمْكِنِ الْمُفْتَقِرِ. (¬3) م: دَوَامِ عَلَيْهِ الرَّبِّ، أ، ب: دَوَامِهَا عَلَيْهِ. (¬4) ع (فَقَطْ) : بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ. (¬5) ن، م: فَإِنَّ. (¬6) م: فِي إِنْكَارِ. (¬7) ن، م: وَالثَّانِي. (¬8) سُبْحَانَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: بَلْ حَدَثَتْ. (¬10) ن، م: وَالثَّالِثُ.

كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، مَعَ دَوَامِ قَادِرِيَّةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، بَلْ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا أَفْعَالًا تَقُومُ بِنَفْسِهِ (¬1) . وَأَقْوَالُ أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ (¬2) وَأَسَاطِينِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو تُوَافِقُ (¬3) قَوْلَ هَؤُلَاءِ، بِخِلَافِ أَرِسْطُو (¬4) وَأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ قَالُوا بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ (¬5) ، فَإِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ (¬6) . وَأَيْضًا فَإِنَّ كَوْنَ الْمَفْعُولِ الْمُعَيَّنِ لَازِمًا لِلْفِعْلِ قَدِيمًا بِقِدَمِهِ دَائِمًا بِدَوَامِهِ (¬7) مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ الْفَاعِلَ غَيْرُ مُخْتَارٍ فَكَيْفَ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ؟ . ¬

(¬1) ع: أَفْعَالًا لَا تَقُومُ بِنَفْسِهِ، م: فِعَالًا بَعْدُ تَقُومُ بِنَفْسِهِ. (¬2) أ، ب: وَأَقْوَالُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْفَلَاسِفَةِ، ن، م: وَأَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ. (¬3) ب، ع: يُوَافِقُونَ، ن: يُوَافِقُ، أ: يُوَافِقُوا. (¬4) ع: قَبْلَ أَرِسْطُو. (¬5) ن، م، ع: الْفَلَكِ. (¬6) ن: وَبِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَكَتَبَ مُسْتَجَى زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَلِي: ((وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْكَلَامِ الْمُسَمَّى " بِنِهَايَةِ الْإِقْدَامِ " عَنِ الْحُكَمَاءِ الْأَقْدَمِينَ قَبْلَ أَرِسْطُو أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ أَحْدَثَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالشَّرَائِعِ. وَهَؤُلَاءِ مِثْلَ سُقْرَاطَ وَتَالِيثَ الْمَلَطِيِّ وَأَفْلَاطُونَ وَأَنْدُقِيسَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَسَاطِينِ الْحِكْمَةِ. وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ فِي " الْأَبْكَارِ "، وَحَكَى الْإِمَامُ فِي الْأَرْبَعِينَ عَنْ سُقْرَاطَ سَبَبَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى وَانْحِلَالِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَأَنْ تَمُورَ السَّمَاوَاتُ مَوْرًا، وَتَسِيرَ الْجِبَالُ سَيْرًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَرِسْطُو وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ بَيْنِ الْحُكَمَاءِ لَهُ الْغُلُوُّ التَّامُّ وَالْمُبَالَغَةُ الْأَكِيدَةُ فِي إِنْكَارِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ قِدَمِهَا مَعَ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا النُّبُوَّاتِ وَالشَّرَائِعَ، مَعَ أَنَّهُ أَصْعَبُ مِنْ خَرْطِ الْقَتَادِ مَعَ ادِّعَاءِ قِدَمِ الْعَالَمِ. وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ هَاهُنَا، حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: إِنَّ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعَهُ لَمْ يَقُولُوا بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَإِنَّمَا اخْتَرَعَ ذَلِكَ ابْنُ سِينَا، وَمَا قَالَهُ هُنَاكَ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَمَا قَالَهُ هَاهُنَا هُوَ الْوَاقِعُ)) . قُلْتُ: وَكَلَامُ مُسْتَجَى زَادَهْ عَنِ الشَّارِحِ (وَيَقْصِدُ بِهِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ) غَيْرُ صَحِيحٍ. فَابْنُ تَيْمِيَّةَ لَا يَقُولُ إِلَّا أَنَّ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعَهُ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. (¬7) أ، ب: كَائِنًا بِدَوَامِهِ.

وَمَا (¬1) يَذْكُرُونَهُ مِنْ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ بِالذَّاتِ دُونَ الزَّمَانِ لَا يُعْقَلُ وَلَا يُوجَدُ (¬2) إِلَّا فِيمَا يَكُونُ شَرْطًا، فَإِنَّ الشَّرْطَ قَدْ يُقَارِنُ الْمَشْرُوطَ، أَمَّا الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ فِعْلُ فَاعِلٍ لِلْمَعْلُولِ فَهَذِهِ لَا يُعْقَلُ (¬3) فِيهَا مُقَارَنَتُهَا لِلْمَعْلُولِ فِي الزَّمَانِ. وَهُمْ يُمَثِّلُونَ تَقَدُّمَ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ بِالذَّاتِ دُونَ الزَّمَانِ بِتَقَدُّمِ حَرَكَةِ الْيَدِ عَلَى حَرَكَةِ الْخَاتَمِ، وَتَقَدُّمِ الْحَرَكَةِ عَلَى الصَّوْتِ (¬4) وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجَمِيعُ مَا يُمَثِّلُونَ بِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لَا فَاعِلًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا بِالزَّمَانِ، وَأَمَّا فَاعِلٌ غَيْرُ مُتَقَدِّمٍ فَلَا يُعْقَلُ قَطُّ (¬5) . وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِ [هَذِهِ] (¬6) الْأُمُورِ، فَإِنَّهَا أَضَلُّ مَقَالَاتِ (¬7) أَهْلِ الْأَرْضِ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا (¬8) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَصْلِ الْقَدَرِيَّةِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْحَيَوَانِ تَحْدُثُ بِلَا فَاعِلٍ، كَمَا أَنَّ أَصْلَ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ (¬9) أَنَّ حَرَكَةَ الْفَلَكِ وَجَمِيعِ الْحَوَادِثِ تَحْدُثُ (¬10) بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَافَقَ ¬

(¬1) ن، م: وَمِمَّا. (¬2) أ، ب: دُونَ الزَّمَانِ لَا يُوجَدُ. (¬3) أ: فِعْلُ فَاعِلِ الْمَعْلُولِ فَهَلْ لَا يُعْقَلُ، م: فِعْلُ فَاعِلِ الْمَعْلُولِ فَهَذِهِ لَا يُعْقَلُ، ب: فِعْلُ فَاعِلِ الْمَعْلُولِ فَهِيَ لَا يُعْقَلُ. (¬4) ع: وَتَقْدِيمِ الْحَرَكَةِ عَلَى الصَّوْتِ ; أ، ب: وَتَقَدُّمِ حَرَكَةِ الصَّوْتِ ; ن، م: وَتَقَدُّمِ الْحَرَكَةِ عَلَى الصَّوَابِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَا أَثْبَتَهُ هُوَ الصَّوَابُ. (¬5) ن: وَلَا يَفْعَلُ قَطُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) هَذِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب، ن، م: أُصُولِ مَقَالَاتِ. (¬8) الْمَوْضِعِ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ع) : وَقَدْ بَسَطْنَا عَلَيْهِ الْكَلَامَ. . . إِلَخْ. (¬9) أ، ب، ن: الدَّهْرِيَّةِ الْفَلَاسِفَةِ. (¬10) ب: مُحْدَثَةٌ، أ: مُحْدَثٌ.

الْقَدَرِيَّةَ (¬1) مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا تَقُومُ بِهِ الْأَفْعَالُ، وَقَالُوا (¬2) : إِنَّ الْفِعْلَ هُوَ الْمَفْعُولُ وَالْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ، كَمَا تَقُولُهُ الْأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ (¬3) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي فِعْلِ الرَّبِّ (¬4) مَا لَزِمَ الْقَدَرِيَّةَ. وَلِهَذَا عَامَّةُ شَنَاعَاتِ هَذَا الرَّافِضِيِّ (¬5) هِيَ (¬6) عَلَى هَؤُلَاءِ. وَهَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مِنْ طَوَائِفِ (¬7) الْمُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ (¬8) ، وَقَدْ وَافَقَهُمْ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الشِّيعَةِ الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ (¬9) أَقَلُّ خَطَأً (¬10) مِنْ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ، بَلْ أَصْلُ خَطَئِهِمْ (¬11) مُوَافَقَتُهُمْ لِلْقَدَرِيَّةِ فِي بَعْضِ خَطَئِهِمْ (¬12) ، وَأَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَطَأِ (¬13) ، وَكَذَلِكَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالتَّصَوُّفِ لَا يُقِرُّونَ (¬14) بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْخَطَأِ (¬15) ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَعَلَى أَنَّ الْعَبْدَ قَادِرٌ مُخْتَارٌ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (¬16) ، وَاللَّهُ خَالِقُ ذَلِكَ ¬

(¬1) أ، ب: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ وَافَقَ الْقَدَرِيَّةَ. (¬2) أ، ب، ن، م: وَقَالَ. (¬3) أ، ب: كَمَا يَقُولُهُ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، م: كَمَا يَقُولُهُ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. (¬4) أ، ب: فِي فِعْلِ الذَّمِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) الْقَدَرِيِّ أ، ب، ن، م: هَذَا الْقَدَرِيِّ الرَّافِضِيِّ. (¬6) هِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) طَوَائِفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي (ن) ، (م) : الطَّوَائِفِ. (¬8) ع: لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، أ، ب: لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. (¬9) ن، م، ع: بِكُلِّ حَالٍ. (¬10) ع: خَطَاءً. (¬11) ع: خَطَايَهُمْ، أ، م، ن: خَطَأَهُمْ. (¬12) ع: خَطَايَهُمْ. (¬13) ع: الْخَطَاءِ. (¬14) ن، م: وَالصُّوفِيَّةِ وَالتَّفْسِيرِ لَا يُقِرُّونَ أ، ب: وَالتَّفْسِيرِ وَالتَّصَوُّفِ لَا يَقُولُونَ. (¬15) ع: لِلْخَطَاءِ. (¬16) م: بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ.

فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أنه لا فرق بين الإحسان والإساءة لأنهما صادران من الله والرد عليه

كُلِّهِ، وَعَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالِاضْطِرَارِيَّةِ، وَعَلَى أَنَّ الرَّبَّ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا عَلَى الْأَفْعَالِ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَأَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، فَيُثْبِتُونَ عِلْمَهُ الْمُحِيطَ، وَمَشِيئَتَهُ النَّافِذَةَ، وَقُدْرَتَهُ الْكَامِلَةَ، وَخَلْقَهُ لِكُلِّ شَيْءٍ. وَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ إِلَى فَهْمِ قَوْلِهِمْ، عَلِمَ أَنَّهُمْ جَمَعُوا مَحَاسِنَ الْأَقْوَالِ، وَأَنَّهُمْ وَصَفُوا اللَّهَ بِغَايَةِ الْكَمَالِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ الْمُسْتَمْسِكُونَ (¬2) بِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ الْقَوْلُ السَّدِيدُ السَّلِيمُ مِنَ التَّنَاقُضِ (¬3) الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ (¬4) وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ. [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أنه لا فرق بين الإحسان والإساءة لأنهما صادران من الله والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬5) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَبْقَى (¬6) عِنْدَنَا فَرْقٌ بَيْنَ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا غَايَةَ الْإِحْسَانِ طُولَ عُمُرِهِ، و [بَيْنَ] مَنْ أَسَاءَ (¬7) إِلَيْنَا غَايَةَ الْإِسَاءَةِ طُولَ عُمُرِهِ، وَلَمْ يَحْسُنْ مِنَّا ¬

(¬1) ن، م، ع وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ. (¬2) ع، ن، م: الْمُتَمَسِّكُونَ. (¬3) ن: وَالسَّلِيمُ مِنَ الْمُتَنَاقِضِ. (¬4) ن، م: رَسُولَهُ. (¬5) الرَّافِضِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . الْإِمَامِيُّ الْقَدَرِيُّ النَّصُّ التَّالِي فِي (ك) مِنْهَاجُ الْكَرَامَةِ ص [0 - 9] 8 (م) . (¬6) أ، ب: وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى ع: وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَبْقَى، ك: وَمِنْهَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَبْقَى. (¬7) أ، ب، ن، م: وَمَنْ أَسَاءَ.

شُكْرُ الْأَوَّلِ وَذَمُّ الثَّانِي، لِأَنَّ الْفِعْلَيْنِ صَادِرَانِ مِنَ اللَّهِ [تَعَالَى] عِنْدَهُمْ (¬1) ". فَيُقَالُ: هَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ اشْتِرَاكَ الْفِعْلَيْنِ فِي كَوْنِ الرَّبِّ خَلَقَهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ (¬2) أَنَّ الْأُمُورَ الْمُخْتَلِفَةَ تَشْتَرِكُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ (¬3) لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَا سِوَى اللَّهِ مُشْتَرِكٌ (¬4) فِي أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ، وَأَنَّهُ رَبُّهُ وَمَلِيكُهُ. ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ (¬5) أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ بَيْنَهَا مِنَ الِافْتِرَاقِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا الْخَلَّاقُ، فَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، [وَقَالَ] (¬6) : {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ - وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 19، 20] وَاللَّهُ خَالِقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَا تَسْتَوِي الْجَنَّةُ وَ [لَا] النَّارُ (¬7) ، (8 وَاللَّهُ خَالِقُ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَلَا يَسْتَوِي الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (8 - 8) (¬8) 8) ، وَاللَّهُ خَالِقُ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ وَلَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَاللَّهُ خَالِقُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَالْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ، وَالْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، وَلَا يَسْتَوِي هَذَا وَهَذَا، وَاللَّهُ خَالِقُ مَا يَنْفَعُ وَمَا يَضُرُّ، وَمَا يُوجِبُ اللَّذَّةَ وَمَا يُوجِبُ الْأَلَمَ، وَلَا يَسْتَوِي هَذَا وَهَذَا، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ خَالِقُ الْأَطْعِمَةِ ¬

(¬1) أ، ب: صَادِرَانِ مِنَ اللَّهِ، م: صَادِرَانِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، ك: صَادِرَانِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْهُمَا عِنْدَهُمْ. (¬2) ن: تَصْرِيحِ الْمَعْقُولِ ; م: بِصَرِيحِ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) الْمَعْقُولِ. (¬3) أ، ب: يَشْتَرِكُ فِيهَا أُمُورٌ كَثِيرَةٌ. (¬4) ن، م: يَشْتَرِكُ. (¬5) ع: وَمِنَ الْمَعْلُومِ، م: ثُمَّ إِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ. (¬6) وَقَالَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب، م، ن: الْجَنَّةُ وَالنَّارُ. (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (م) .

الطَّيِّبَةِ وَالْخَبِيثَةِ، ثُمَّ إِنَّ الطَّيِّبَ يُحَبُّ وَيُشْتَهَى، وَيُمْدَحُ وَيُبْتَغَى، وَالْخَبِيثُ يُذَمُّ وَيُبْغَضُ (¬1) وَيُجْتَنَبُ، وَاللَّهُ خَالِقُ هَذَا وَهَذَا، وَاللَّهُ خَالِقُ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ (¬2) ، وَخَالِقُ [الشَّيَاطِينِ وَ] الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَغَيْرِهَا (¬3) مِنَ الْفَوَاسِقِ، فَهَذَا (¬4) مَحْمُودٌ مُعْظَمٌ، وَهَذَا فَاسِقٌ يُقْتَلُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَالِقٌ (¬5) فِي هَذَا طَبِيعَةً كَرِيمَةً تَقْتَضِي الْخَيْرَ وَالْإِحْسَانَ، وَفِي هَذَا طَبِيعَةً خَبِيثَةً تُوجِبُ الشَّرَّ وَالْعُدْوَانَ، مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ فِي الْحُبِّ وَالْبُغْضِ، وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ (¬6) . وَإِذَا (¬7) كَانَ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ مُتَطَابِقَيْنِ عَلَى أَنَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلنَّاسِ وَمَصْلَحَةً لَهُمْ يُحَبُّ وَيُمْدَحُ [وَيُطْلَبُ] (¬8) ، وَإِنْ كَانَ جَمَادًا أَوْ حَيَوَانًا بَهِيمِيًّا (¬9) ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَنْ جَعَلَهُ مُحْسِنًا لِلنَّاسِ يُحَصِّلُ لَهُمْ بِهِ مَنَافِعَ وَمَصَالِحَ أَحَقَّ بِأَنْ يُحَبَّ وَيُمْدَحَ وَيُثْنَى عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي جَانِبِ الشَّرِّ. وَالْقَدَرِيُّ يَقُولُ: لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مَحْمُودًا وَمَشْكُورًا عَلَى إِحْسَانِهِ، وَمَذْمُومًا عَلَى إِسَاءَتِهِ، إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَهُ مُحْسِنًا إِلَيْنَا وَلَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا إِذَا فَعَلَ الْخَيْرَ، وَلَا ابْتَلَانَا بِهِ إِذَا فَعَلَ الشَّرَّ، وَهَذَا حَقِيقَةُ مَا قَالَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ الْقَدَرِيُّ (¬10) . ¬

(¬1) ن، م: يُبْغَضُ وَيُذَمُّ. (¬2) ن، م: الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ. (¬3) ن، م: وَخَالِقُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَغَيْرِهَا. (¬4) ن، م، ع: وَهَذَا. (¬5) ع: وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ، ن، م: وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقٌ. (¬6) وَنَحْوِ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: فَإِذَا. (¬8) وَيُطْلَبُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ع: وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا بَهِيمًا أ، ب: وَإِنْ كَانَ حِمَارًا أَوْ حَيَوَانًا بَهِيمًا. (¬10) ن، م: الْقَدَرِيُّ الرَّافِضِيُّ.

وَمَعْلُومٌ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ شَرْعًا وَعَقْلًا، فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ أَنَّهُ حَيْثُ يُشْكَرُ الْعَبْدُ لَا يُشْكَرُ الرَّبُّ وَحَيْثُ يُشْكَرُ الرَّبُّ لَا يُشْكَرُ الْعَبْدُ. وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ (¬1) لَا يَكُونُ لِلَّهِ عَلَيْنَا مِنَّةٌ فِي تَعْلِيمِ الرَّسُولِ وَتَبْلِيغِهِ إِلَيْنَا رِسَالَاتِ (¬2) رَبِّهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 164] وَعَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيِّ يَكُونُ إِرْسَالُ اللَّهِ [لَهُ] (¬3) مِنْ جِنْسِ إِرْسَالِ مَخْلُوقٍ إِلَى مَخْلُوقٍ (¬4) ، فَذَاكَ تَفَضَّلَ بِنَفْسِ الْإِرْسَالِ لَا بِأَنْ جَعَلَ الرُّسُلَ تَتْلُوا وَتُعَلِّمُ وَتُزَكِّي، بَلْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مُنْتَسِبَةٌ (¬5) عِنْدَهُمْ فِيهَا لِلرَّسُولِ (¬6) الَّذِي خَلَقَهَا [عِنْدَهُمْ] دُونَ الْمُرْسِلِ الَّذِي (¬7) لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا مِنْهَا. وَالْقَدَرِيُّ يَقُولُ الرَّسُولُ نَطَقَ بِنَفْسِهِ، لَمْ يُنْطِقْهُ اللَّهُ وَلَا أَنْطَقَ اللَّهُ شَيْئًا، بَلْ جَعَلَ فِيهِ قُدْرَةً عَلَى أَنْ يَنْطِقَ وَأَنْ لَا يَنْطِقَ، وَهُوَ يُحْدِثُ أَحَدَهُمَا مَعَ اسْتِوَاءِ الْحَالِ قَبْلَ الْإِحْدَاثِ وَبَعْدَهُ، بِدُونِ مَعُونَةِ اللَّهِ لَهُ عَلَى إِحْدَاثِ النُّطْقِ وَتَيْسِيرِهِ لَهُ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيِّ لَا يَكُونُ لِلَّهِ نِعْمَةٌ عَلَى عِبَادِهِ بِاسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ، ¬

(¬1) ن، م: أَنْ. (¬2) أ، ب: رِسَالَةَ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ع: مَخْلُوقٍ لِمَخْلُوقٍ، ن، م: الْمَخْلُوقِ لِمَخْلُوقٍ. (¬5) ن، م: الْمُثَبَتَةُ، أ: الْمُنْتَسِبَةُ، ع: الْمُشَبَّهَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ب: لِلْمُرْسَلِ، أ: لِلرُّسُلِ، م: الرَّسُولَ. (¬7) ن، م: الَّذِي خَلَقَهَا دُونَ الرُّسُلِ الَّتِي.

وَتَعْلِيمِ الْعُلَمَاءِ لَهُمْ، وَأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَدْلِ وُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَكُونُ اللَّهُ مُبْتَلِيًا لَهُمْ إِذَا ظَلَمَهُمْ وُلَاةُ [الْأُمُورِ] (¬1) . وَفِي الْأَثَرِ [الْمَعْرُوفِ] (¬2) : " «يَقُولُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬3) : " أَنَا اللَّهُ (¬4) مَالِكُ الْمُلُوكِ، قُلُوبُ الْمُلُوكِ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِي، مَنْ أَطَاعَنِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ رَحْمَةً، وَمَنْ عَصَانِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ نِقْمَةً، فَلَا تَشْتَغِلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ وَأَطِيعُونِي أَعْطِفْ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكُمْ» (¬5) . وَعِنْدَ الْقَدَرِيِّ لَا يَقْدِرُ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُلُوكَ لَا (¬6) عَادِلِينَ وَلَا جَائِرِينَ، وَلَا مُحْسِنِينَ وَلَا مُسِيئِينَ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدًا مُحْسِنًا إِلَى أَحَدٍ، وَلَا مُسِيئًا إِلَى أَحَدٍ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ [يُنْعِمَ] (¬7) عَلَى أَحَدٍ بِمَنْ (¬8) يُحْسِنُ إِلَيْهِ وَيُكْرِمُهُ، وَلَا يَقْدِرُ [عَلَى] (¬9) أَنْ يَبْتَلِيَهُ بِمَنْ يُعَذِّبُهُ وَيُهِينُهُ ". وَعَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيِّ لَمْ يَبْعَثِ (اللَّهُ) عِبَادًا لَهُ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ وَلَا جَعَلَهُمْ فَاعِلِينَ، بَلْ أَعْطَاهُمْ قُدْرَةً، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُرْسِلِ الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (¬10) . ¬

(¬1) ب: وَلَاةُ الْمَأْمُورِ، ع، ن، م: الْوُلَاةُ. (¬2) الْمَعْرُوفُ زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬3) عَزَّ وَجَلَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ع) اللَّهُ تَعَالَى. (¬4) م: أَنَا الْمَلِكُ. (¬5) أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الْقُدْسِيَّ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْمَدَنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِتْحَافَاتِ السَّنِيَّةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْقُدْسِيَّةِ ص [0 - 9] 6 - 77 ط حَيْدَرَ آبَادَ سَنَةَ 1358 هـ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. (¬6) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (أ) (ب) . (¬7) يُنْعِمَ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) يُحْسِنَ. (¬8) أ، ب، ن، م: مِمَّنْ. (¬9) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) سَاقِطٌ مِنْ (أ) (ب) (ع) وَفِي (ن) : وَعَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيِّ لَمْ يَبْعَثْ عِبَادًا لَهُ. . . إِلَخْ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيِّ (¬1) لَا يَسْتَحِقُّ [اللَّهُ] أَنْ يُشْكَرَ بِحَالٍ (¬2) ، فَإِنَّ الشُّكْرَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى النِّعَمِ، وَالنِّعَمُ إِمَّا دِينِيَّةٌ وَإِمَّا دُنْيَوِيَّةٌ وَإِمَّا أُخْرَوِيَّةٌ، فَالنِّعَمُ الدُّنْيَوِيَّةُ هِيَ عِنْدَهُ وَاجِبَةٌ عَلَى اللَّهِ، وَكَذَلِكَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِيَّةِ كَالْإِرْسَالِ وَخَلْقِ الْقُدْرَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَهُوَ عِنْدَهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدًا مُؤْمِنًا وَلَا مُهْتَدِيًا وَلَا صَالِحًا وَلَا بَرًّا وَلَا تَقِيًّا، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْكَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا وَلَا يُقْدِرُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ (¬3) وَأَمَّا النِّعَمُ الْأُخْرَوِيَّةُ فَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ (¬4) [عَلَيْهِ] (¬5) عِنْدَهُ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُوَفِّيَ الْأَجِيرَ أَجْرَهُ (¬6) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُ (¬7) مِنْ بَابِ الْعَدْلِ الْمُسْتَحَقِّ لَا مِنْ بَابِ الْفَضْلِ (¬8) وَالْإِحْسَانِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ عَلَى فَضْلٍ وَلَا إِحْسَانٍ. وَمِنْ هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِ كَيْفَ يَعِيبُ أَهْلَ الْإِيمَانِ (¬9) الَّذِينَ يَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ [حَالٍ وَ] نِعْمَةٍ (¬10) ، وَيَشْكُرُونَ مَنْ أَجْرَى اللَّهُ الْخَيْرَ عَلَى يَدَيْهِ، ¬

(¬1) أ، ب، ن: الْقَدَرِيَّةِ، م: الْقَدَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ع: لَا يَسْتَحِقُّ اللَّهُ أَنْ يُشْكَرَ اللَّهُ بِحَالٍ ; ن: لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْكَرَ مُحَالٌ، م: يَلْزَمُ أَنْ لَا يُشْكَرَ لِحَالٍ. (¬3) أ، ب: وَلَمْ يُقْدِرْ عَلَيْهَا عَبِيدَهُ، م: وَلَمْ يُقْدِرْ عَلَيْهَا عِنْدَهُ. (¬4) أ، ب: وَجَبَ. (¬5) عَلَيْهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) بَعْدَ كَلِمَةِ أَجْرِهِ تُوجَدُ فِي (أ) ، (ب) عِبَارَةُ: فَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَهِيَ عِبَارَةٌ مُكَرَّرَةٌ. (¬7) أ، ب: وَمَعْلُومٌ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا. (¬8) ن: التَّفْضِيلِ، م: التَّفَضُّلِ. (¬9) أ، ب: قَوْلِهِ يَعِيبُ أَهْلَ الْإِيمَانِ، ع: قَوْلِهِ كَيْفَ يُعَذِّبُ أَهْلَ الْإِيمَانِ. (¬10) ن، م، ع: عَلَى كُلِّ نِعْمَةٍ.

فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ (¬1) ، وَمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ مُقَابَلَتِهِ بِالْعَدْلِ (¬2) ، وَأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ أَفْضَلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي عُقُوبَتِهِ حَقٌّ لِلَّهِ، وَيَرَى أَحَدُهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِإِحْسَانِ الْأَوَّلِ (¬3) لِيَشْكُرَهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ ابْتَلَاهُ بِإِسَاءَةِ هَذَا إِلَيْهِ كَمَا يَبْتَلِيهِ بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ لِيَصْبِرَ وَيَسْتَغْفِرَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَيَرْضَى بِقَضَائِهِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَقْضِي اللَّهُ لِمُؤْمِنٍ (¬4) قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ (¬5) فَصَبَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ» " (¬6) ¬

(¬1) أ، ب: فَإِنَّ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ، وَفِي (ع) سَقَطَتْ عِبَارَةُ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ، وَفِي (م) قَالَهُ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ. . .، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ع: وَمَنْ أُسِيءَ إِلَيْهِمْ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ مُقَاتَلَتِهِ بِالْعَدْلِ، م: وَمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ يَعْتَقِدُونَ جَزَاءً وَمُقَابَلَتَهُ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: بِالْإِحْسَانِ الْأَوَّلِ. (¬4) ع، ن: لِلْمُؤْمِنِ، م: الْمُؤْمِنَ. (¬5) ب: إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ، أ: إِنْ أَصَابَتْهُ شَرًّا، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬6) أ، ب: إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَالْحَدِيثُ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 4/2295 كِتَابِ الزُّهْدِ، بَابِ الْمُؤْمِنُ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ 4/332، 333، 6/15، 16، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، عَجِبْتُ مِنْ أَمْرِ (لِأَمْرِ) الْمُؤْمِنِ، وَفِي الْمَوْضِعِ الْأَخِيرِ: عَجِبْتُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ. عَلَى أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 3 117 وَلَفْظُهُ: عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْضِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، 3/184، وَلَفْظُهُ: عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْضِي لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ. وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ عَنِ الْحَدِيثِ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ 4/28 إِنَّهُ صَحِيحٌ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 83] (¬1) ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 5] فَإِرْسَالُهُ الشَّيَاطِينَ وَبَعْثُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْتَدِينَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَهُوَ (¬2) أَمْرٌ شَرْعِيٌّ أَمَرَهُمْ بِهِ، كَمَا أَرْسَلَ (¬3) رُسُلَهُ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، وَكَمَا بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ (¬4) ؟ أَمْ هُوَ تَقْدِيرٌ وَتَسْلِيطٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّطُ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا (¬5) عَاصِيًا لِدِينِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ (¬6) . ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الْأَرْضِ مُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ، وَهُمْ مَعَ هَذَا (¬7) يَمْدَحُونَ الْمُحْسِنَ وَيَذُمُّونَ الْمُسِيءَ فُطِرُوا عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا، فَيُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ، وَأَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَسَلَّطَ هَذَا وَيَسَّرَ هَذَا، وَيَمْدَحُونَ هَذَا وَيَذُمُّونَ هَذَا، وَأَهْلُ الْإِثْبَاتِ الْمُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ يَمْدَحُونَ الْمُحْسِنَ وَيَذُمُّونَ الْمُسِيءَ، (¬8) ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْفِعْلَيْنِ. فَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ (¬9) أَنْ لَا يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا - لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ (¬10) ¬

(¬1) هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: هُوَ. (¬3) أ، ب: أَمَرَ. (¬4) وَيُزَكِّيهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) : وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ. (¬5) ن، م: مُتَعَدِّيًا. (¬6) ع: أَوْ شَرْعِهِ. (¬7) أ، ب: وَمَعَ هَذَا. (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) تَعَالَى زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬9) ع: فَقَوْلُهُمْ إِنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ، م: وَقَوْلُهُ يَلْزَمُهُمْ. (¬10) ع: لُزُومًا لَا يَلْزَمُ.

فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر المعصية إما من العبد أو من الله أو منهما

وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ يَكُونَ: (¬1) اللَّهُ جَعَلَ هَذَا مُسْتَحِقًّا لِلْمَدْحِ وَالثَّوَابِ، وَهَذَا مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ فَإِذَا كَانَ قَدْ جَعَلَ هَذَا مُسْتَحِقًّا وَهَذَا مُسْتَحِقًّا، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُمْدَحَ هَذَا وَيُذَمَّ هَذَا (¬2) ، لَكِنَّ خَلْقَهُ لِهَذَيْنِ الزَّوْجَيْنِ كَخَلْقِهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِكْمَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي خَلْقِ (¬3) الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَعَلَى رَأْيِ الْقَدَرِيِّ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ وَالشُّكْرَ إِلَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ مُحْسِنًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ إِلَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ مُسِيئًا (¬4) ، بَلْ مَنْ لَا يَقْدِرُ [اللَّهُ] أَنْ (¬5) يَجْعَلَهُ مُحْسِنًا وَلَا مُسِيئًا فَعِنْدَهُ (¬6) لَا مَدْحَ وَلَا ذَمَّ إِلَّا بِشَرْطِ عَجْزِ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬7) وَقُصُورِ مَشِيئَتِهِ وَخَلْقِهِ، وَحُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِدُونِ مُحْدِثٍ. [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر الْمَعْصِيَةُ إِمَّا مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْهُمَا] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬8) : " وَمِنْهَا التَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا الْإِمَامُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْكَاظِمُ (¬9) ، وَقَدْ سَأَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَقَالَ: الْمَعْصِيَةُ مِمَّنْ؟ فَقَالَ الْكَاظِمُ (¬10) : الْمَعْصِيَةُ إِمَّا ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) ع: لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يُذَمَّ هَذَا وَيُمْدَحَ هَذَا. (¬3) أ، ب: فِي حَقِّ. (¬4) أ، ب: مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُسِيئًا (¬5) ن، م: مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ. (¬6) أ، ب: فَعِنْدَهُمْ. (¬7) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) الرَّافِضِيُّ: فِي (ع) فَقَطْ. وَالنَّصُّ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 8 (م) . (¬9) ك: مَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْكَاظِمُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬10) ك: الْكَاظِمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنَ اللَّهِ (¬1) أَوْ مِنْهُمَا (¬2) ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ أَعْدَلُ وَأَنْصَفُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَ عَبْدَهُ وَيُؤَاخِذَهُ (¬3) بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنْهُمَا فَهُوَ شَرِيكُهُ، وَالْقَوِيُّ أَوْلَى بِإِنْصَافِ عَبْدِهِ الضَّعِيفِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْعَبْدِ (¬4) وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ وَقَعَ الْأَمْرُ (¬5) وَإِلَيْهِ تَوَجَّهَ (¬6) الْمَدْحُ وَالذَّمُّ. وَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَوَجَبَ لَهُ (¬7) الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ (¬8) فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: " {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَذِهِ الْحِكَايَةُ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا فَلَا تُعْرَفُ صِحَّتُهَا، فَإِنَّ الْمَنْقُولَاتِ (¬9) إِنَّمَا تُعْرَفُ صِحَّتُهَا بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْكَذِبِ فِي هَذَا الْبَابِ، كَيْفَ وَالْكَذِبُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ (¬10) مِنَ الْمُقِرِّينَ بِالْقَدَرِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَبِمَذْهَبِهِ، وَكَلَامُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى ¬

(¬1) ك: أَوْ مِنْ رَبِّهِ ; ن، م: وَإِمَّا مِنَ اللَّهِ. (¬2) ن، م: وَإِمَّا مِنْهُمَا. (¬3) ك: وَيَأْخُذَهُ. (¬4) ن، م: وَقَعَتْ مِنَ الْعَبْدِ. (¬5) ك: وَقَعَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ. (¬6) أ، ب، ع: وَإِلَيْهِ يَتَوَجَّهُ، ن: وَعَلَيْهِ تَوَجَّهَ. (¬7) أ، ب، ع: وَوَجَبَتْ لَهُ، م: فَوَجَبَتْ لَهُ. (¬8) ع، ن، م: وَالنَّارُ. (¬9) أ، ب: فَالْمَنْقُولَاتُ. (¬10) ع: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

الْقَدَرِيَّةِ (¬1) مَعْرُوفٌ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ (¬2) وَقَدْ بَسَطَ (¬3) الْحِجَجَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَبْسُطْهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَتْبَاعُهُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ (¬4) مَذْهَبُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ، وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا (¬5) مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا يُمْكِنُهُ (¬6) أَنْ يَحْكِيَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْهُ، بَلْ هُمْ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ يُفْتَى بِقَوْلِهِمْ مَذْمُومُونَ مُعَيَّبُونَ مِنْ (¬7) أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ (¬8) ، فَكَيْفَ يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْتَصْوَبَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ؟ وَأَيْضًا فَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَالنَّقْلُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ (¬9) ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ. وَقُدَمَاءُ الشِّيعَةِ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا شَاعَ فِيهِمْ رَدُّ (¬10) الْقَدَرِ مِنْ حِينِ اتَّصَلُوا بِالْمُعْتَزِلَةِ فِي دَوْلَةِ بَنِي بُوَيْهٍ (¬11) . ¬

(¬1) ع: وَبِكَلَامِهِ فِي الْقَدَرِيَّةِ. (¬2) كَتَبَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَامِشِ (ع) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَلِي: كِتَابُ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنَّهُ لَيْسَ بِتَأْلِيفٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ أَلَّفَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرُهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْعُظَمَاءُ الْأَقْدَمُونَ مِثْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ، وَهَذَا ابْنُ تَيْمِيَةَ صَاحِبُ الْإِحَاطَةِ التَّامَّةِ، وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِمَا صَرَّحَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَقْدَمُونَ مَعَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ تَيْمِيَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ وَأَبْطَلَ قَوْلَ أَهْلِ الِاعْتِزَالِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَقْدَمِينَ هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ إِمَامُ الْحَنَفِيَّةِ. (¬3) أ، ب، م: وَبَسَطَ. (¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬5) ب (فَقَطْ) : بِهَذَا. (¬6) ب فَقَطْ: فَلَا يُمْكِنُ. (¬7) ب مَعْدُودُونَ مِنْ، أ: مَعْيُوبُونَ مِنْ، م: مُتْعَبُونَ مِنْ. (¬8) أ، ب: وَالضَّلَالِ. (¬9) أ، ب: عَنْهُمْ بِذَلِكَ، ن: فَذَلِكَ عَنْهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) ع: إِنْكَارُ. (¬11) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا الْمَحَلُّ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَلَمْ أَرَ مِنْ بَاحِثٍ مَعَ الْإِمَامِيَّةِ مِثْلَ ابْنِ تَيْمِيَةَ، شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ، حَيْثُ أَحَاطَ بِمَقَالَاتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ وَمِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ وَقُدَمَائِهِمْ، وَمُتَأَخِّرِيهِمْ إِحَاطَةً تَامَّةً، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَصَدَّرَ لِرَدِّ الْإِمَامِيَّةِ رَدًّا عَنِيفًا، إِلَّا أَنَّهُ أَيْنَ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ الْحَبْرِ الْمُحِيطِ بِمَذَاهِبِهِمْ وَفِرَقِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ رَاجِلًا فِي مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ لَكَانَ هُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْإِحَاطَةِ وَالْإِتْقَانِ إِلَّا أَنَّ الْكَمَالَ لِلَّهِ تَعَالَى لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ أَيْنَ مِثْلُهُ فِي التَّتَبُّعِ وَالْإِحَاطَةِ.

وَأَيْضًا، فَهَذَا الْكَلَامُ الْمَحْكِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُهُ أَصَاغِرُ الْقَدَرِيَّةِ وَصِبْيَانُهُمْ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حِينِ حَدَثَتِ الْقَدَرِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَبْلَ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِنَحْوِ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوقٌ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ (¬1) وَالْقَدَرِيَّةُ حَدَثُوا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ، بَلْ حَدَثُوا فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الْأُولَى مِنْ زَمَنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ (¬2) . [وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ كَذِبٌ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إِنَّمَا اجْتَمَعَ بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ سَأَلَهُ (¬3) أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا اجْتَمَعَ بِهِ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ مِنْ أَقْرَانِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو حَنِيفَةَ (مِمَّنْ) (¬4) يَأْخُذُ عَنْهُ مَعَ شُهْرَتِهِ بِالْعِلْمِ، فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُ مِنْ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ] (¬5) ؟ ¬

(¬1) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ مُوسَى الْكَاظِمِ 2/460. (¬2) يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 5/244: وَالْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ حَدَثُوا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 7: ثُمَّ حَدَثَ فِي زَمَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ الْقَدَرِيَّةِ فِي الْقَدَرِ وَالِاسْتِطَاعَةِ مِنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَغَيْلَانَ الدِّمَشْقِيِّ وَالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ. وَقَدْ خَرَجَ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ وَقُتِلَ بَعْدَ سَنَةِ ثَمَانِينَ. (¬3) ع: مِمَّنْ يَسْأَلُهُ. (¬4) مِمَّنْ: فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَهُوَ فِي (ع) ، (أ) ، (ب) ، وَفِي آخِرِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (أ) ، (ب) كَلِمَةُ انْتَهَى وَهِيَ لَيْسَتْ فِي (ع) ، وَعَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي (ع) بِتَعْلِيقٍ جَاءَ فِيهِ فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ جَعْفَرَ الصَّادِقَ لَمَّا اجْتَمَعَ بِأَبِي حَنِيفَةَ نَهَاهُ عَنِ الْقِيَاسِ، فَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُثْنِيًا عَلَيْهِ وَقَبُولًا لِهَذَا الْكَلَامِ: " ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ "، مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مِمَّنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ وَصِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِسَنَدِهَا الْمَسْرُودَةِ عَلَى جَعْفَرٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْفُرُوعِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَمَدَارُ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ مِنَ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْخَبِيثَةِ، وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ عُظَمَاءُ الْأُمَّةِ وَكُبَرَاءُ الْمِلَّةِ عَلَى ذَمِّ الْقِيَاسِ فِي الْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ، وَالْحِكَايَةُ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا مُسْتَجِي زَادَهْ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 3/196 - 197 وَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَتَعَلَّمُ مِنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَلَا يَمْنَعُ إِنْ صَحَّتِ الْحِكَايَةُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَفَادَ مِنْهُ بَعْضَ الْعِلْمِ. وَانْظُرْ كِتَابَ " الْإِمَامُ الصَّادِقُ " لِمُحَمَّدٍ أَبِي زَهْرَةَ، ص \ 252 - 255 - 291 - 293 ط. دَارِ الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ بِدُونِ تَارِيخٍ.

وَمَا ذَكَرَهُ (¬1) فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هُوَ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَ عَبْدَهُ وَيُؤَاخِذَهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، هُوَ أَصْلُ كَلَامِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِي يَعْرِفُهُ عَامَّتُهُمْ وَخَاصَّتُهُمْ، وَهُوَ أَسَاسُ مَذْهَبِهِمْ وَشِعَارُهُ (¬2) ; وَلِهَذَا سَمَّوْا أَنْفُسَهُمُ الْعَدْلِيَّةَ، فَإِضَافَةُ هَذَا إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ لَوْ كَانَ حَقًّا لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةٌ [لَهُ] وَلَا مَدْحٌ (¬3) ، إِذَا كَانَ صِبْيَانُ الْقَدَرِيَّةِ يَعْرِفُونَهُ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كَذِبًا مُخْتَلَقًا عَلَيْهِ؟ وَيُقَالُ: ثَانِيًا: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا التَّقْسِيمُ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ (¬4) . وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: " الْمَعْصِيَةُ مِمَّنْ؟ " لَفْظٌ ¬

(¬1) ن، م: وَمَا ذُكِرَ. (¬2) أ، ب: وَشِعَارُهُمْ. (¬3) ن، م: لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَلَا مَدْحٌ ; ع: لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ لَهُ وَلَا فَضِيلَةٌ. (¬4) ن، م: بِمُخْتَصَرٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

مُجْمَلٌ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ وَالطَّاعَةَ عَمَلٌ وَعَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ (¬1) ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْعَبْدِ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَتْ قَائِمَةً بِاللَّهِ [تَبَارَكَ وَتَعَالَى] (¬2) بِلَا رَيْبٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ يُقَالُ: هُوَ مِنَ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهُ بَائِنًا عَنْهُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ قَامَ بِهِ وَاتَّصَفَ بِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] (¬3) : {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 13] (¬4) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 53] . وَاللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّهُ خَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا كَانَ فِعْلُهُ حَسَنًا مُتْقَنًا، كَمَا قَالَ: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 7] وَقَالَ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 88] فَلِهَذَا لَا يُضَافُ إِلَيْهِ الشَّرُّ مُفْرَدًا، بَلْ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ، وَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إِلَى السَّبَبِ، وَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ فَاعِلُهُ. فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِ [اللَّهِ تَعَالَى] (¬5) {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 62] وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [سُورَةُ الْفَلَقِ: 1، 2] وَالثَّالِثُ كَقَوْلِهِ فِيمَا حَكَاهُ عَنِ الْجِنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 10] وَ [قَدْ] ¬

(¬1) أ، ب: بِغَيْرِ، وَفِي (ع) وَالطَّاعَةُ عَرَضٌ. . . إِلَخْ. (¬2) تَبَارَكَ وَتَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) آيَةُ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬5) ن، م، ع: كَقَوْلِهِ.

قَالَ ن، م: قَالَ. فِي أُمِّ الْقُرْآنِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 6، 7] فَذَكَرَ أَنَّهُ فَاعِلُ النِّعْمَةِ، وَحَذَفَ فَاعِلَ الْغَضَبِ، وَأَضَافَ الضَّلَالَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ الْخَلِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬1) {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 80] ، وَلِهَذَا كَانَ لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، فَسَمَّى (¬2) نَفْسَهُ بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الْمُقْتَضِيَةِ لِلْخَيْرِ. وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الشَّرُّ فِي الْمَفْعُولَاتِ، كَقَوْلِهِ: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 98] (¬3) ، وَقَوْلِهِ فِي آخِرِ سُورَةِ (¬4) الْأَنْعَامِ: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 165] (* وَقَوْلِهِ فِي الْأَعْرَافِ: (¬5) {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 167] . *) (¬6) وَقَوْلِهِ: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 49، 50] وَقَوْلِهِ: {حم - تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 13] . وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَخْلُقُهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا شَرٌّ (¬7) بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ النَّاسِ ¬

(¬1) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬2) ع: فَيُسَمَّى. (¬3) ع: كَقَوْلِهِ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (¬4) سُورَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬5) ن، م: وَفِي الْأَعْرَافِ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: الشَّرُّ.

فَلَهُ فِيهَا (¬1) حِكْمَةٌ، هُوَ بِخَلْقِهِ لَهَا (¬2) حُمَيْدٌ مَجِيدٌ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، فَلَيْسَتْ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ شَرًّا وَلَا مَذْمُومَةً، فَلَا يُضَافُ إِلَيْهِ مَا يُشْعِرُ بِنَقِيضِ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ (¬3) الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَالصُّوَرِ الْمُسْتَقْبَحَةِ وَالْأَجْسَامِ الْخَبِيثَةِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَذِرَاتِ (¬4) لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ. فَإِذَا قِيلَ: هَذِهِ الْعَذِرَةُ وَهَذِهِ الرَّوَائِحُ الْخَبِيثَةُ مِنَ اللَّهِ، أَوْهَمَ ذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْهُ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: الْقَبَائِحُ مِنَ اللَّهِ [أَوِ الْمَعَاصِي مِنَ اللَّهِ] (¬5) ، قَدْ يُوهِمُ ذَلِكَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ ذَاتِهِ، كَمَا تَخْرُجُ مِنْ ذَاتِ الْعَبْدِ، وَكَمَا يَخْرُجُ الْكَلَامُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ يُوهِمُ [ذَلِكَ] أَنَّهَا (¬6) مِنْهُ قَبِيحَةٌ وَسَيِّئَةٌ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. بَلْ جَمِيعُ خَلْقِهِ خَلْقُهُ لَهُ حَسَنٌ عَلَى قَوْلَيْ (¬7) التَّفْوِيضِ وَالتَّعْلِيلِ. وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ لِلطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ وَالرَّوَائِحِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَعْرَاضِ: هَذَا الطَّعْمُ الْحُلْوُ وَالْمُرُّ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ هَذَا النَّبَاتِ، وَهَذِهِ الرَّوَائِحُ الطَّيِّبَةُ أَوِ الْخَبِيثَةُ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ (¬8) ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُوهِمُ إِذَا قِيلَ: ¬

(¬1) أ، ب، م: لَهُ فِيهَا. (¬2) أ، ب: هُوَ يَخْلُقُهَا لَهَا، ن: هُوَ يَخْلُقُهُ لَهَا ; م: فَهُوَ يَخْلُقُهُ لَهَا. (¬3) ن، م: خَلَقَ. (¬4) ن، م: وَالْعَذِرَةِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن: وَيُوهِمُ أَنَّهَا، م: وَتُوهِمُ أَنَّهَا. (¬7) ع، م: بَلْ جَمِيعُ خَلْقِهِ لَهُ حَسَنٌ عَلَى قَوْلِ. . . إِلَخْ، وَفِي (ن) : بَلْ جَمِيعُ خَلْقِهِ خَلْقُهُ لَهُ حَسَنٌ عَلَى قَوْلِ. . . إِلَخْ. (¬8) ن: أَوْ مِنْ هَذَا الْعَيْنِ ; م: أَوِ الْغَيْرَةِ.

إِنَّهَا مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا، وَاللَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (¬1) ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ (¬2) ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْمُفَوِّضَةِ: أَقُولُ (¬3) فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ (¬4) فِي الْكَلَالَةِ، وَقَالَ عُمَرُ نَحْوَ ذَلِكَ. وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَشَرَعَهُ وَأَحَبَّهُ (¬5) وَرَضِيَهُ، وَالْخَطَأُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يُحِبَّهُ وَلَمْ يَشْرَعْهُ، بَلْ هُوَ مِمَّا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لِنَفْسِي فَفَعَلْتُهُ بِأَمْرِ الشَّيْطَانِ، فَهُوَ مِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ. وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي مِنَ الْعَبْدِ، بِمَعْنَى أَنَّهَا قَائِمَةٌ بِهِ وَحَاصِلَةٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِهَا الْمُتَحَرِّكُ بِهَا، الَّذِي يَعُودُ حُكْمُهَا عَلَيْهِ (¬6) ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لِمَا اتَّصَفَ بِهِ الْمَحَلُّ وَخَرَجَ مِنْهُ (¬7) : هَذَا مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِيَارٌ، كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ الرِّيحُ (¬8) مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهَذِهِ الثَّمَرَةُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَهَذَا الزَّرْعُ مِنْ ¬

(¬1) ن، م: وَلَا يُحِبُّ الْفَحْشَاءَ. (¬2) ع، م: وَهَذَا كَقَوْلِ. (¬3) ع: لَمَّا سُئِلَ أَقُولُ ; أ، ب: لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْفَرِيضَةِ أَقُولُ، م: لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْمُفَوِّضَةِ لَمَّا أَقُولُ. (¬4) ع: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬5) أ، ب: وَأَوْجَبَهُ. (¬6) ع: الَّذِي حُكْمُهَا يَعُودُ عَلَيْهِ. (¬7) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: هَذَا الرِّيحُ، ن، م: هَذِهِ الرَّوَائِحُ.

هَذِهِ الْأَرْضِ، فَلَأَنْ يُقَالُ مَا صَدَرَ مِنَ الْحَيِّ (¬1) بِاخْتِيَارِهِ: هَذَا مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهَا قَائِمَةً بِغَيْرِهِ وَجَعَلَهَا عَمَلًا لَهُ وَكَسْبًا وَصِفَةً (¬2) ، وَهُوَ خَلَقَهَا بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَقُدْرَةِ نَفْسِهِ بِوَاسِطَةِ خَلْقِهِ لِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ وَقُدْرَتِهِ (¬3) ، كَمَا يَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا، فَيَخْلُقُ السَّحَابَ بِالرِّيحِ، [وَالْمَطَرَ بِالسَّحَابِ] (¬4) ، وَالنَّبَاتَ بِالْمَطَرِ. وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إِلَى خَالِقِهَا بِاعْتِبَارٍ، وَإِلَى أَسْبَابِهَا بِاعْتِبَارٍ، فَهِيَ مِنَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ جَمِيعَ حَرَكَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَصِفَاتِهَا مِنْهُ، وَهِيَ مِنَ الْعَبْدِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ، كَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ مِنَ الْمُتَحَرِّكِ الْمُتَّصِفِ بِهَا وَإِنْ كَانَ جَمَادًا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ حَيَوَانًا (¬5) ؟ وَحِينَئِذٍ فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَ الْعَبْدِ (¬6) لِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْإِضَافَةِ، كَمَا [أَنَّا] (¬7) إِذَا قُلْنَا: هَذَا الْوَلَدُ مِنْ هَذِهِ (¬8) الْمَرْأَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا وَلَدَتْهُ، وَمِنَ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهُ (¬9) لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ. وَإِذَا قُلْنَا هَذِهِ الثَّمَرَةُ مِنْ (¬10) الشَّجَرَةِ، وَهَذَا الزَّرْعُ مِنَ الْأَرْضِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ حَدَثَ فِيهَا، وَمِنَ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْهَا (¬11) ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ. ¬

(¬1) أ: لِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ حَيٍّ، ب: لِمَا صَدَرَ مِنْ حَيٍّ، ن، م: لِمَا صَدَرَ مِنَ الْحَقِّ. (¬2) وَصِفَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ وَقُدْرَتِهِ، م: لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ وَمَشِيئَتِهِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ع: فَكَيْفَ بِالْحَيَوَانِ ; ن: فَكَيْفَ إِذَا كَانَ حَيَوَانِيًّا. (¬6) أ، ب: فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الرَّبِّ ; ن: فَلَا نُشْرِكُهُ بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَ الْعَبْدِ. (¬7) أَنَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) هَذِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬9) ع، ن، م: بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ. (¬10) هَذِهِ هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬11) مِنْهَا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [سُورَةُ الطُّورِ: 35] فَالْمَشْهُورُ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ رَبٍّ؟ وَقِيلَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ عُنْصُرٍ؟ وَكَذَلِكَ قَالَ مُوسَى (¬1) . لَمَّا قَتَلَ الْقِبْطِيَّ: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 15] . وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 79] مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 78] . فَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا (¬2) النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ ; وَلِهَذَا قَالَ: مَا أَصَابَكَ، وَلَمْ يَقُلْ: مَا أَصَبْتَ. كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 120] ، وَقَوْلِهِ: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 50] فَبَيَّنَ أَنَّ النِّعَمَ وَالْمَصَائِبَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَالنِّعْمَةُ مِنَ اللَّهِ ابْتِدَاءً وَالْمُصِيبَةُ بِسَبَبٍ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ مَعَاصِيهِ (¬3) . كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [سُورَةُ الشُّورَى: 30] ، وَقَالَ فِي الْآيَةِ] (¬4) الْأُخْرَى: (¬5) ¬

(¬1) ن، م: لَمَّا قَالَ مُوسَى (¬2) ن، م، ع: وَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ هُنَا الْمُرَادُ بِهَا. (¬3) أ، ب: وَهِيَ مُعَاقَبَةٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . (¬5) الْأُخْرَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 165] ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ مُحْسِنٌ عَدْلٌ، كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، فَهُوَ مُحْسِنٌ إِلَى الْعَبْدِ بِلَا سَبَبٍ مِنْهُ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا، وَلَا يُعَاقِبُهُ إِلَّا بِذَنْبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَلَقَ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا لِحِكْمَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ حَكِيمٌ عَادِلٌ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. وَإِذَا كَانَ غَيْرُ اللَّهِ يُعَاقِبُ عَبْدَهُ (¬1) عَلَى ظُلْمِهِ وَإِنْ كَانَ (¬2) مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ، فَاللَّهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَدْ (¬3) يَفْعَلُ مَصْلَحَةً اقْتَضَتْهَا حِكْمَتُهُ، لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِتَعْذِيبِ حَيَوَانٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ (¬4) ، فَاللَّهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هِيَ مِنَ اللَّهِ خَلْقًا لَهَا (¬5) فِي غَيْرِهِ وَجَعْلًا لَهَا عَمَلًا لِغَيْرِهِ، وَهِيَ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلًا [لَهُ] قَائِمًا بِهِ وَكَسْبًا يَجُرُّ بِهِ مَنْفَعَةً إِلَيْهِ (¬6) أَوْ يَدْفَعُ بِهِ مَضَرَّةً، وَكَوْنُ الْعَبْدِ هُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ الْفِعْلُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ حُكْمُهُ الْخَاصُّ انْتِفَاعًا بِهِ أَوْ تَضَرُّرًا (¬7) ، جِهَةً لَا تَصْلُحُ لِلَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا تَقُومُ ¬

(¬1) ع، ن، م: الْعَبْدَ. (¬2) ن، م: فَإِنْ كَانَ. (¬3) ن، م: وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ قَدْ، أ، ب: وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ، وَسَقَطَتْ قَدْ. (¬4) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬5) ن، م: خَلْقُهُ لَهَا. (¬6) ع: وَهِيَ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلًا قَامَ بِهِ وَكَسْبًا يَجُرُّ إِلَيْهِ بَعْدُ مَنْفَعَةً، ن، م: وَهِيَ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلًا قَامَ بِهِ وَكَسْبًا يَجُرُّ بِهِ إِلَيْهِ مَنْفَعَةً. (¬7) ن، م: مِنِ انْتِفَاعٍ بِهِ أَوْ تَضَرُّرٍ.

بِهِ أَفْعَالُ الْعِبَادِ، وَلَا يَتَّصِفُ بِهَا، وَلَا تَعُودُ إِلَيْهِ أَحْكَامُهَا، الَّتِي تَعُودُ إِلَى مَوْصُوفَاتِهَا. وَكَوْنُ الرَّبِّ هُوَ الَّذِي خَلَقَهَا وَجَعَلَهَا عَمَلًا لِغَيْرِهِ بِخَلْقِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ وَمَشِيئَتِهِ (¬1) وَفِعْلِهِ جِهَةً لَا تَصْلُحُ لِلْعَبْدِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ، وَهِيَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَإِذَا قِيلَ هِيَ فِعْلُ (¬2) اللَّهِ فَالْمُرَادُ أَنَّهَا (¬3) مُفَعْوِلَةٌ لَهُ، [لَا أَنَّهَا] (¬4) هِيَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْمَخْلُوقِ، وَهُمْ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ [الْإِمَامِ] (¬5) أَحْمَدَ (¬6) وَهُوَ قَوْلُ [ابْنَيْهِ يَعْنِي ابْنَيِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى] (¬7) : الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ (¬8) وَ [الْقَاضِي] أَبِي الْحُسَيْنِ (¬9) وَغَيْرِهِمَا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَظْلِمَ عَبْدَهُ وَيُؤَاخِذَهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، [فَنَحْنُ] (¬10) نَقُولُ بِمُوجِبِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَظْلِمْ عَبْدَهُ وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ ¬

(¬1) ن، م: يَخْلُقُ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ وَقُدْرَتَهُ. (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) ع، أ: بِهَا. (¬4) لَا أَنَّهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) الْإِمَامِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬6) عَلَّقَ مُسْتَجِي زَادَهْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِهِ: قُلْتُ كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " وَهُمْ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ " الْأَشْعَرِيَّ وَمَنْ تَابَعَهُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: التَّكْوِينُ عَيْنُ الْمُكَوَّنِ وَالْخَلْقُ عَيْنُ الْمَخْلُوقِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي (ن) ، (م) : وَهُوَ قَوْلُ ابْنَيِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ. . . إِلَخْ. (¬8) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ. (¬9) ن، م: وَأَبِي الْحُسَيْنِ. (¬10) فَنَحْنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .

إِلَّا بِمَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ وَقُوَّتِهِ (¬1) لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ. وَأَمَّا كَوْنُ الرَّبِّ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْعَبْدِ هُوَ الْمَلُومُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ يَلُومُهُ عَلَى ظُلْمِهِ وَعُدْوَانِهِ، مَعَ إِقْرَارِهِ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. وَجَمَاهِيرُ الْأُمَمِ مُقِرَّةٌ بِالْقَدَرِ، وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يَذُمُّونَ الظَّالِمِينَ (¬2) وَيُعَاقِبُونَهُمْ لِدَفْعِ ظُلْمِهِمْ وَعُدْوَانِهِمْ، كَمَا أَنَّهُمْ (¬3) يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ (¬4) الْحَيَوَانَاتِ الْمُضِرَّةِ وَالنَّبَاتَاتِ الْمُضِرَّةِ (¬5) وَهُمْ مَعَ هَذَا يَسْعَوْنَ فِي دَفْعِ ضَرَرِهَا وَشَرِّهَا. وَهُمْ أَيْضًا مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكَاذِبَ وَالظَّالِمَ مَذْمُومٌ بِكَذِبِهِ وَظُلْمِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ سَيِّئٌ (¬6) فِيهِ، وَأَنَّ نَفْسَهُ (¬7) الْمُتَّصِفَةَ بِذَلِكَ خَبِيثَةٌ ظَالِمَةٌ لَا تَسْتَحِقُّ الْإِكْرَامَ الَّذِي يُنَاسِبُ أَهْلَ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ. وَلَيْسَ فِي [فِطَرِ] (¬8) النَّاسِ أَنْ يَجْعَلُوا مُقَابَلَةَ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ ظُلْمًا لَهُ، وَإِنْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالْقَدَرِ، فَاللَّهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنْسَبَ إِلَى الظُّلْمِ لِذَلِكَ (¬9) ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحِكْمَةِ وَالتَّعْلِيلِ [مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ] (¬10) . وَأَمَّا عَلَى ¬

(¬1) ع: وَقُدْرَتِهِ. (¬2) أ، ب: الظَّلَمَةَ ; ن: الظَّالِمَ. (¬3) أَنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: خَلَقَ. (¬5) ع: الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ الْمُضِرَّةِ. (¬6) أ، ب: مُسِيءٌ، ن، م: شَيْءٌ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬7) ع: وَأَنَّ وَصْفَهُ نَفْسَهُ. (¬8) فِطَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬9) ن: بِذَلِكَ. (¬10) مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

طَرِيقَةِ أَهْلِ الْمَشِيئَةِ وَالتَّفْوِيضِ فَالظُّلْمُ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ لِذَاتِهِ ; لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، أَوْ تَعَدَّى مَا حُدَّ لَهُ، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِكُلِّ حَالٍ (¬1) فَالرَّبُّ تَعَالَى لَا يُمَثَّلُ بِالْخَلْقِ (¬2) لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، بَلْ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فَمَا ثَبَتَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَمَا تَنَزَّهَ عَنْهُ مِنَ النَّقْصِ فَهُوَ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ، وَمَا كَانَ سَائِغًا لِلْقَادِرِ الْغَنِيِّ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ سَائِغًا لَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِمَّنْ يُتَضَرَّرُ مِنْهُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ (¬3) ، فَإِنَّ الْعِبَادَ لَنْ يَبْلُغُوا ضُرَّهُ فَيَضُرُّوهُ وَلَنْ يَبْلُغُوا نَفْعَهُ فَيَنْفَعُوهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ عَادِلٌ لَيْسَ ظَالِمًا (¬4) ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ ظُلْمًا مِنَ الْعَبْدِ يَكُونُ ظُلْمًا مِنَ الرَّبِّ، وَلَا مَا كَانَ قَبِيحًا مِنَ الْعَبْدِ يَكُونُ قَبِيحًا مِنَ الرَّبِّ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. تَحْقِيقُ (¬5) ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ لَلَزِمَ أَنْ يَقْبُحَ مِنْهُ أُمُورٌ فَعَلَهَا فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنِ الْعِبَادِ إِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْآمِرُ وَتَوَعَّدَهُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَفْعَلُهُ (¬6) بَلْ يَعْصِيهَ فَيَسْتَحِقُّ (¬7) الْعِقَابَ، كَانَ (¬8) ذَلِكَ مِنْهُ عَبَثًا وَقَبِيحًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ لِلْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ. ¬

(¬1) أ، ب: وَهُمْ مُمْتَنِعَانِ فِي حَقِّ اللَّهِ بِكُلِّ حَالٍ. (¬2) ع: بِالْمَخْلُوقِ. (¬3) ن: وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِنْ مَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ ; م: وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَبُحَ مِمَّا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقُبْحُ يَكُونُ قَبِيحًا مِنْهُ. (¬4) ن، م، ع: لَيْسَ بِظَالِمٍ. (¬5) ن، م، ع: تَحَقُّقُ. (¬6) ن، م: فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْعِبَادِ إِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرِهِ وَتَوَعَّدَهُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْآمِرُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَفْعَلُهُ. (¬7) أ، ب: وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ. (¬8) ن، م: لَكَانَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مُرَادِي (¬1) مَصْلَحَةُ الْمَأْمُورِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ بَلْ مَفْسَدَةٌ، لَكَانَ ذَلِكَ قَبِيحًا [مِنْهُ] (¬2) . وَكَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا لِمُرَادٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَا يَحْصُلُ، لَكَانَ (¬3) ذَلِكَ قَبِيحًا مِنْهُ. وَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّ [اللَّهَ] خَلَقَ (¬4) الْكُفَّارَ لِيَنْفَعَهُمْ وَيُكْرِمَهُمْ (¬5) وَأَرَادَ ذَلِكَ بِخَلْقِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ لَا يَنْتَفِعُونَ، وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ مِنَ الْعِبَادِ لَوْ رَأَى عَبِيدَهُ أَوْ إِمَاءَهُ (¬6) يَزْنُونَ وَيَظْلِمُونَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ، لَكَانَ مَذْمُومًا مُسِيئًا، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا مُسِيئًا. وَالْقَدَرِيُّ يَقُولُ: هُوَ أَرَادَ بِخَلْقِهِ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَيُثِيبَهُمْ، فَخَلَقَهُمْ لِلنَّفْعِ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ (¬7) لَا يَنْتَفِعُونَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَبِيحٌ مِنَ الْخَلْقِ وَلَا يَقْبُحُ مِنَ الْخَالِقِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَخْلُوقَ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ عَبِيدِهِ مِنَ الْقَبَائِحِ، فَمَنْعُهُ لَهُمْ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُعَرِّضَهُمْ لِلثَّوَابِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ إِلَّا الْعِقَابُ، كَالرَّجُلِ الَّذِي يُعْطِي وَلَدَهُ أَوْ غُلَامَهُ مَالًا لِيَرْبَحَ فِيهِ (¬8) ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ سُمًّا يَأْكُلُهُ (¬9) ، فَمَنْعُهُ لَهُ مِنَ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ. ¬

(¬1) ن: مِنْ مُرَادِي. (¬2) مِنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬3) أ، ب: كَانَ. (¬4) ع، ن: إِنَّهُ خَلَقَ. (¬5) ن: وَيُلْزِمَهُمْ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬6) ع، ن، م: وَإِمَاءً. (¬7) ع، ن: بِأَنَّهُمْ. (¬8) ب فَقَطْ: مَالًا يَرْبَحُ فِيهِ. (¬9) أ، ب: يَشْتَرِي شَيْئًا يَأْكُلُهُ.

وَكَذَلِكَ إِذَا أَعْطَى غَيْرَهُ سَيْفًا لِيُقَاتِلَ بِهِ الْكُفَّارَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ بِهِ إِلَّا الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ، لَكَانَ ذَلِكَ قَبِيحًا مِنْهُ. وَإِنْ قَالَ: قَصَدْتُ تَعْرِيضَ هَذَا لِلثَّوَابِ، وَاللَّهُ لَا يَقْبُحُ ذَلِكَ مِنْهُ (¬1) ، وَهَذَا (¬2) حَالُ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةُ مُشَبِّهَةُ الْأَفْعَالِ: قَاسُوا أَفْعَالَ اللَّهِ عَلَى أَفْعَالِ خَلْقِهِ، وَعَدْلَهُ عَلَى عَدْلِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ. [الْوَجْهُ] (¬3) الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْعَبْدِ كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ مِنَ الْعَبْدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الطَّاعَةُ مِنْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ فَعَلَهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فَاعِلًا لَهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ. كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128] ، وَقَالَ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 40] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] . وَلِأَنَّ كَوْنَهُ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، وَالْعَبْدُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْفَاعِلُ لِكَوْنِهِ فَاعِلًا ; لِأَنَّ كَوْنَهُ فَاعِلًا (¬4) إِنْ كَانَ حَدَثَ بِنَفْسِ كَوْنِهِ فَاعِلًا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ حَدَثَ (¬5) بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. ¬

(¬1) أ، ب، م: وَاللَّهُ لَا يَقْبُحُ مِنْهُ ذَلِكَ. (¬2) ع، ن، م: وَهَذِهِ. (¬3) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ع: لِأَنْ يَكُونَهُ فَاعِلًا. (¬5) ع: يَحْدُثُ.

فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أن الكافر يكون مطيعا بكفره لأنه فعل مراد الله تعالى

وَإِنْ كَانَ بِفَاعِلِيَّةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ حَدَثَتْ بِالْأُولَى (¬1) لَزِمَ الدَّوْرُ الْقَبْلِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ حَدَثَتْ (¬2) بِغَيْرِهَا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ فِي الْأُمُورِ الْمُتَنَاهِيَةِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ ; فَعُلِمَ أَنَّ كَوْنَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مِنَ الْعَبْدِ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْمَدْحَ وَالذَّمَّ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فَقِيرًا إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَا يَسْتَغْنِي عَنِ اللَّهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ (¬3) ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقَ جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَأَنْ يَكُونَ نَفْسُ فِعْلِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْمُمْكِنَاتِ الْمُسْتَنِدَةِ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ. [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أن الْكَافِرَ يَكُونُ مُطِيعًا بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬4) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ مُطِيعًا بِكُفْرِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْهُ الْكُفْرَ، وَقَدْ فَعَلَهُ وَلَمْ يَفْعَلِ الْإِيمَانَ الَّذِي كَرِهَهُ اللَّهُ مِنْهُ (¬5) فَيَكُونُ قَدْ أَطَاعَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُرَادَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا كَرِهَهُ (¬6) ، وَيَكُونُ النَّبِيُّ عَاصِيًا لِأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْإِيمَانِ الَّذِي يَكْرَهُهُ اللَّهُ [مِنْهُ] (¬7) وَيَنْهَاهُ عَنِ الْكُفْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنْهُ " (¬8) . ¬

(¬1) ن، م: حَدَثَتْ بِالْأَوَّلِ. (¬2) ع، ن، م: وَإِنْ حَدَثَتْ. (¬3) ع: لَا يَسْتَغْنِي عَنْ شَيْءٍ قَطُّ. (¬4) الرَّافِضِيُّ فِي (ع) فَقَطْ. وَالنَّصُّ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 8 (م) 189 (م) . (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬6) ن، م: مَا يَكْرَهُهُ. (¬7) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) م: يُرِيدُهُ اللَّهُ ; ك: يُرِيدُهُ مِنْهُ.

الْجَوَابُ [مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ] : أَنَّ هَذَا (¬1) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّاعَةَ: هَلْ هِيَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ؟ أَوْ مُوَافَقَةُ الْإِرَادَةِ؟ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ أَمْ لَا؟ وَأَنَّ نَفْسَ الطَّلَبِ وَالِاسْتِدْعَاءِ هَلْ هُوَ الْإِرَادَةُ أَوْ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا؟ وَمِنَ الْمَعْلُومِ (¬2) أَنَّ كَثِيرًا مِنْ نُظَّارِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ (¬3) لِلْقَدَرِ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ لَا مُوَافَقَةُ الْإِرَادَةِ، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْقَدَرِيُّ لَمْ يُبَيِّنْ صِحَّةَ قَوْلِهِ وَلَا فَسَادَ قَوْلِ مُنَازِعِيهِ، بَلْ أَخَذَ ذَلِكَ دَعْوَى مُجَرَّدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْإِرَادَةِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ مُنَازِعُوهُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، كَفَى فِي هَذَا الْمَقَامِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ بِمَا تَقَدَّمَ (¬4) مِنْ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَإِنَّمَا يَخْلُقُهَا بِإِرَادَتِهِ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْكُفْرِ (¬5) وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، فَعُلِمَ بِأَنَّهُ قَدْ (¬6) يَخْلُقُ بِإِرَادَتِهِ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (¬7) وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ (¬8) حَقَّهُ فِي غَدٍ (¬9) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَخَرَجَ الْغَدُ وَلَمْ يَقْضِهِ، مَعَ ¬

(¬1) ن، م: الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا، ع: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا. (¬2) ع: وَمَعْلُومٌ. (¬3) أ، ب: مِنْ نُظَّارِ الْإِثْبَاتِ ; ن، م: مِنَ النُّظَّارِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ. (¬4) أ، ب: بِمَا قُدِّمَ. (¬5) م: لَمْ يَأْمُرْ بِإِرَادَةِ الْكُفْرِ. (¬6) قَدْ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ. (¬8) أ، ب: لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيَقْضِيهِ. (¬9) ن، م: حَقَّهُ غَدًا.

قُدْرَتِهِ عَلَى الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَطَالَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ (¬1) ، لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لَحَنِثَ (¬2) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ (¬3) الْحَلِفِ عَلَى فِعْلٍ مَأْمُورٍ إِذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [سُورَةُ يُونُسَ: 99] مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يَشَأْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ ضَلَالَهُ (¬4) وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ (¬5) بِالضَّلَالِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: طَرِيقَةُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ (¬6) وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَوْعَانِ: إِرَادَةٌ (¬7) تَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ، وَإِرَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ. فَالْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَمْرِ أَنْ يُرِيدَ مِنَ الْعَبْدِ فِعْلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ (¬8) وَأَمَّا إِرَادَةُ الْخَلْقِ فَأَنْ يُرِيدَ مَا يَفْعَلُهُ هُوَ. فَإِرَادَةُ الْأَمْرِ هِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَهِيَ الْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ. وَالثَّانِيَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ (¬9) بِالْخَلْقِ هِيَ الْمَشِيئَةُ وَهِيَ الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ الْقَدَرِيَّةُ. ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: يَحْنَثُ. (¬3) سَائِرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: إِضْلَالَهُ. (¬5) أ، ب، ع: لَمْ يَأْمُرْ. (¬6) أ، ب: الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ. (¬7) ع، ن، م: نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا إِرَادَةٌ. (¬8) ع: مَا أَمَرَ بِهِ ; أ، ب: مَا أَمَرَهُ. (¬9) ب فَقَطْ: وَالْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ.

فَالْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 185] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 26] إِلَى قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 28] ، وَقَوْلِهِ: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] وَقَوْلِهِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . وَالثَّانِيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] وَقَوْلِ نُوحٍ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 34] . وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَمِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ لِمَنْ يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ (¬1) : هَذَا يَفْعَلُ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ. وَإِذَا (¬2) كَانَ كَذَلِكَ فَالْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ لَيْسَ مُرَادًا لِلرَّبِّ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَالطَّاعَةُ مُوَافَقَةُ تِلْكَ الْإِرَادَةِ أَوْ مُوَافَقَةٌ لِلْأَمْرِ (¬3) الْمُسْتَلْزِمِ لِتِلْكَ الْإِرَادَةِ، فَأَمَّا مُوَافَقَةُ مُجَرَّدِ النَّوْعِ الثَّانِي فَلَا يَكُونُ بِهِ مُطِيعًا، وَحِينَئِذٍ فَالنَّبِيُّ يَقُولُ [لَهُ] (¬4) : بَلِ الرَّبُّ يُبْغِضُ كُفْرَكَ (¬5) وَلَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ لَكَ ¬

(¬1) ن: قَوْلُهُمْ: لَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ الْقَبَائِحَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ، ب: فَإِذَا. (¬3) ب: مُوَافَقَةٌ لِتِلْكَ الْإِرَادَةِ أَوْ مُوَافَقَةٌ لِلْأَمْرِ، أ: مُوَافَقَةٌ لِتِلْكَ الْإِرَادَةِ أَوْ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ. (¬4) لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْكُفْرَ.

أَنْ تَفْعَلَهُ وَلَا يُرِيدُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَالنَّبِيُّ يَأْمُرُهُ بِالْإِيمَانِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ لَهُ (¬1) وَيُرِيدُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ يُقَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (¬2) مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ: وَهُوَ (¬3) أَنَّ الْحُبَّ وَالرِّضَا هَلْ هُوَ الْإِرَادَةُ أَوْ هُوَ صِفَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْإِرَادَةِ؟ فَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ [الْإِمَامِ] (¬4) أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا يَجْعَلُونَهُمَا (¬5) جِنْسًا وَاحِدًا. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ لَا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَلَا يُرِيدُهُ (¬6) ، وَالْمُثْبِتَةُ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ يُرِيدُ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَدْ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ. وَأُولَئِكَ يَتَأَوَّلُونَ الْآيَاتِ الْمُثْبِتَةَ لِإِرَادَةِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] ، وَ [قَوْلِهِ] (¬7) : {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 34] . وَهَؤُلَاءِ يَتَأَوَّلُونَ الْآيَاتِ النَّافِيَةَ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ بِهَا (¬8) ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 205] ، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 7] ، وَقَوْلِهِ (¬9) : {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 108] . ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، (م) . (¬2) الْمَسْأَلَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) أ، ب، م: هُوَ. (¬4) الْإِمَامِ: زِيَادَةٌ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، أ، ب: يَجْعَلُونَهَا. (¬6) ن، م: وَلَا يُرِيدُهُ. (¬7) قَوْلِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: وَرِضَاهُ لَهَا. (¬9) وَقَوْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَأُمًّا جَمَاهِيرُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، [وَهُوَ قَوْلُ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ، مِثْلِ ابْنِ كِلَابٍ كَمَا ذَكَرَهُ (¬1) أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ] مَا (¬2) ، فَإِنَّ النُّصُوصَ (¬3) قَدْ صَرَّحَتْ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَلَا يُحِبُّ ذَلِكَ، مَعَ كَوْنِ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى (¬4) لَا يَرْضَاهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (¬5) أَوْ لَا يَرْضَاهَا وَلَا يُحِبُّهَا (¬6) دِينًا بِمَعْنَى: لَا يُرِيدُهَا - يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ: لَا يَرْضَى الْإِيمَانَ أَيْ مِنَ الْكَافِرِ (¬7) أَوْ لَا يُرِيدُهُ غَيْرَ دِينٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَكْرَهُ الْمَعَاصِيَ بِقَوْلِهِ: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 38] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» " (¬8) . ¬

(¬1) أ، ب: الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مِثْلُ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ. (¬2) بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: فَالنُّصُوصُ. (¬4) بِمَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: لَا يَرْضَاهَا لِلْمُؤْمِنِينَ. (¬6) ع: أَوْ لَا يُحِبُّهَا وَلَا يَرْضَاهَا، ن: وَلَا يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا، م: أَوْ لَا يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا. (¬7) ب: يُقَالُ يَرْضَى الْإِيمَانَ مِنَ الْكَافَّةِ، أ: يُقَالُ يَرْضَى الْإِيمَانَ أَيْ مِنَ الْكَافِرِ ; ع: يُقَالُ لَا يَرْضَى الْإِيمَانَ مِنَ الْكَافِرِ. (¬8) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 2 124 كِتَابِ الزَّكَاةِ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا 3 120 كِتَابِ الِاسْتِقْرَاضِ، بَابِ مَا يَنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، مُسْلِمٍ 3 1341 كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ، بَابِ النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 4 246، 249، 254، وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ، 16 144، رَقْمِ 8316. 16 292 - 293 رَقْمِ 7803، الْمُوَطَّأِ 2 990 كِتَابِ الْكَلَامِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ. وَأَوَّلُهُ فِي الْمُوَطَّأِ: إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا. . . الْحَدِيثَ.

وَالْأُمَّةُ (¬1) مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْمَأْمُورَاتِ، وَيُحِبُّ الْمَأْمُورَاتِ، دُونَ الْمَنْهِيَّاتِ، وَأَنَّهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالصَّابِرِينَ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَأَنَّهُ يَمْقُتُ الْكَافِرِينَ وَيَغْضَبُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ» ". (¬2) وَقَالَ: " «مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ» ". (¬3) ، وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ» " (¬4) ، ¬

(¬1) م: فَالْأُمَّةُ ; ن: فَالْآيَةُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ وَاخْتِلَافٍ فِي أَوَّلِهِ، فَجَاءَ أَحْيَانًا بِلَفْظِ: لَا أَحَدٌ أَحَبَّ، وَأَحْيَانًا " لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ ". عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ 60 - 61. (¬3) أ، ب: أَنَّهُ يَرَى عَبْدَهُ يَزْنِي بِأَمَتِهِ، وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ 7 35 كِتَابِ النِّكَاحِ بَابِ الْغَيْرَةِ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَزْنِي، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا. وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْهَا مُطَوَّلًا وَأَوَّلُهُ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُ: فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ. الْحَدِيثَ وَهُوَ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْبُخَارِيِّ 2 34 كِتَابِ الْكُسُوفِ بَابِ الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ مُسْلِمٍ 2 618 كِتَابِ الْكُسُوفِ بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3 108 كِتَابِ الْكُسُوفِ بَابِ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 6 164. (¬4) جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ. وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ 4 2062 - 2063 كِتَابِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ. بَابٍ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ 8 87 كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بَابِ لِلَّهِ مِائَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ، الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 13 244 رَقْمِ 7493 وَتَكَرَّرَ فِي أَرْقَامِ: 7612، 8131، 9509، 10486، 10539، 10696، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 1269 كِتَابِ الدُّعَاءِ، بَابِ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2 83 كِتَابِ الْوَتْرِ بَابِ اسْتِحْبَابِ الْوَتْرِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ. وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1 282 كِتَابِ الْوَتْرِ بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوَتْرِ لَيْسَ بِحَتْمٍ. سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3 187، كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ بَابِ الْأَمْرِ بِالْوَتْرِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهُ 1 370 كِتَابِ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوَتْرِ. الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 2 124، 164 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى. وَجَاءَ حَدِيثٌ ثَالِثٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 8 177 بِلَفْظِ: وَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ. وَتَكَرَّرَ 9 216

" « [إِنَّ] اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» " (¬1) ، وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» " (¬2) . وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» " (¬3) ، " «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ¬

(¬1) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: مُسْلِمٍ 1 93 كِتَابِ الْإِيمَانِ بَابِ تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَبَيَانِهِ، وَأَوَّلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 4 133، 134، 151. (¬2) أ، ب: كَمَا تُؤْتَى عَزَائِمُهُ. وَالْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 8 170 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . وَالْحَدِيثُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 3 162 وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَأَوْرَدَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2 146 وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: (حم) أَحْمَدُ (حب) ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، (هب) الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ. (¬3) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2 65 ت [0 - 9] .

ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ» " (¬1) . وَقَالَ: " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ [الْمُؤْمِنِ] (¬2) مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا، فَاضْطَجَعَ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَلَمَّا أَفَاقَ إِذَا أ، ب: فَإِذَا. بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا [الرَّجُلِ] (¬3) بِرَاحِلَتِهِ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصِّحَاحِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَهُوَ مُسْتَفِيضٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ (¬4) ، وَكَذَلِكَ أَمْثَالُهُ. وَإِذَا (¬5) كَانَ كَذَلِكَ فَالطَّاعَاتُ يُرِيدُهَا مِنَ الْعِبَادِ الْإِرَادَةَ (* الْمُتَضَمِّنَةَ ¬

(¬1) هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ فِي ص 159 وَنَصُّهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا، يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ. وَذَكَرْتُ فِيمَا سَبَقَ أَنِ الْحَدِيثَ جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 16 144، 292 - 293 وَجَاءَ الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمُسْنَدِ. (¬2) الْمُؤْمِنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬3) الرَّجُلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ 8 68 كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بَابِ التَّوْبَةِ، مُسْلِمٍ 4 2102 - 2105 كِتَابِ التَّوْبَةِ بَابٍ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْفَرَحِ بِهَا، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 5 225 ط. الْحَلَبِيِّ 4 275 جَامِعِ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 3 65 - 67. (¬5) م، ن: فَإِذَا.

لِمَحَبَّتِهِ لَهَا وَرِضَاهُ بِهَا إِذَا وَقَعَتْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا، وَالْمَعَاصِي يُبْغِضُهَا وَيَمْقُتُهَا وَيَكْرَهُ مِنَ الْعِبَادِ *) (¬1) أَنْ يَفْعَلُوهَا وَإِنْ أَرَادَ (¬2) أَنْ يَخْلُقَهَا هُوَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ (¬3) وَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَرِهَهَا (¬4) لِلْعَبْدِ لِكَوْنِهَا تَضُرُّ الْعَبْدَ [وَيُبْغِضُهَا أَيْضًا] (¬5) - أَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَخْلُقَهَا هُوَ لِمَا لَهُ فِيهَا (¬6) مِنَ الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَحْسُنُ مِنْ أَحَدِ الْمَخْلُوقِينَ وَيَقْبُحُ مِنَ الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ حَالِ الْفَاعِلِينَ الْفَاعِلِينَ: (¬7) ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ أَنَّهُ مَا قَبُحَ مِنَ الْعَبْدِ قَبُحَ (¬8) مِنَ الرَّبِّ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِلْمَخْلُوقِ مَعَ الْخَالِقِ (¬9) وَإِذَا كَانَ الْمَخْلُوقُ قَدْ (¬10) يُرِيدُ مَا لَا يُحِبُّهُ، كَإِرَادَةِ الْمَرِيضِ لِشُرْبِ (¬11) الدَّوَاءِ الَّذِي يُبْغِضُهُ (¬12) ، وَيُحِبُّ مَا لَا يُرِيدُهُ كَمَحَبَّةِ الْمَرِيضِ الطَّعَامَ الَّذِي يَضُرُّهُ، [وَمَحَبَّةِ الصَّائِمِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَمَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ لِلشَّهَوَاتِ الَّتِي يَكْرَهُهَا بِعَقْلِهِ وَدِينِهِ] (¬13) . فَقَدْ عَقَلَ ثُبُوتَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِمُسْتَلْزِمٍ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) أ، ب: مَنْ يَفْعَلُهَا إِنْ شَاءَ. (¬3) ن، م: ذَلِكَ بِهَا. (¬4) ن فَقَطْ: وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إِذَا كَرِهَهَا. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ع) وَأُبْغِضُهَا أَيْضًا. (¬6) أ، ب: لِمَا لَهُ فِيهِ، ع: لِمَا فِيهَا. (¬7) سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬8) أ، ب: أَنَّ مَا قَبُحَ مِنَ الْعَبْدِ يَقْبُحُ. (¬9) ن، م، ع: إِلَى الْخَالِقِ وَحُرِّفَتْ (نِسْبَةَ) فِي (ن) إِلَى يُشْبِهُ. (¬10) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬11) أ، ب: لِيَشْرَبَ. (¬12) م: يَكْرَهُهُ وَلَا يُرِيدُهُ. (¬13) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (أ) ، (ب) : الشَّهَوَاتِ، وَفِي (ع) حُرِّفَتْ بِعَقْلِهِ إِلَى بِفِعْلِهِ.

لِلْآخَرِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ: (¬1) . فَكَيْفَ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِي حَقِّ الْخَالِقِ تَعَالَى؟ وَقَدْ يُقَالُ: كُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ مُرَادَةٌ مَحْبُوبَةٌ (¬2) ، لَكِنَّ فِيهَا مَا يُرَادُ لِنَفْسِهِ، فَهُوَ مُرَادٌ بِالذَّاتِ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ (¬3) مَرَضِيٌّ لَهُ، وَفِيهَا (¬4) مَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُرَادٌ بِالْعَرَضِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى الْمُرَادِ الْمَحْبُوبِ لِذَاتِهِ. فَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ الْعَافِيَةَ لِنَفْسِهَا (¬5) وَيُرِيدُ شُرْبَ الدَّوَاءِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَيْهَا، وَهُوَ (¬6) يُرِيدُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوبًا (¬7) فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ يَنْقَسِمُ إِلَى مُرَادٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْمَحْبُوبُ لِنَفْسِهِ، وَإِلَى مُرَادٍ لِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا قَدْ لَا يُحَبُّ لِنَفْسِهِ، أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ (¬8) مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَالْإِرَادَةُ نَوْعَانِ: فَمَا كَانَ مَحْبُوبًا فَهُوَ مُرَادٌ لِنَفْسِهِ، وَمَا كَانَ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ مَحْبُوبٍ فَهُوَ (¬9) مُرَادٌ لِغَيْرِهِ. وَعَلَى هَذَا تَنْبَنِي مَسْأَلَةُ مَحَبَّةِ الرَّبِّ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬10) نَفْسَهُ وَمَحَبَّتِهِ لِعِبَادِهِ، فَإِنَّ الَّذِينَ جَعَلُوا الْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا هُوَ ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (ع) : فِي الْمَخْلُوقِ. (¬2) مَحْبُوبَةٌ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬3) م: لِلرَّبِّ، ن: بِالرَّبِّ. (¬4) ن، م: وَمِنْهَا. (¬5) ن، م: لِنَفْسِهِ، أ: بِنَفْسِهَا. (¬6) ب فَقَطْ: فَهُوَ. (¬7) ن، م: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحْبُوبَةً. (¬8) أ، ب، ع: وَالْمَشِيئَةِ. (¬9) ن، م: فَهَذَا. (¬10) عَزَّ وَجَلَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

الْإِرَادَةُ (¬1) الْعَامَّةُ، قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ لَا يُحِبُّ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا يُحَبُّ، وَتَأَوَّلُوا مَحَبَّتَهُ [تَعَالَى] (¬2) لِعِبَادِهِ بِإِرَادَتِهِ (¬3) ثَوَابَهُمْ وَمَحَبَّتَهُمْ لَهُ بِإِرَادَةِ طَاعَتِهِمْ (¬4) لَهُ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَ [مِنْهُمْ] طَائِفَةٌ (¬5) كَثِيرَةٌ قَالُوا: هُوَ مَحْبُوبٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ، وَلَكِنَّ مَحَبَّتَهُ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى مَشِيئَتِهِ. وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ [وَأَئِمَّةُ] أَهْلِ (¬6) الْحَدِيثِ [وَأَئِمَّةُ] (¬7) التَّصَوُّفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، فَأَقَرُّوا بِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ، بَلْ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ إِلَّا هُوَ. وَهَذَا (¬8) حَقِيقَةُ الْأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ (¬9) وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهَ مَعْبُودًا لِذَاتِهِ، وَلَا أَثْبَتَ التَّلَذُّذَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَلَا أَنَّهُ أَحَبُّ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مِنْ أَقْوَالِ الْخَارِجِينَ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِكَوْنِ اللَّهِ هُوَ الْمَعْبُودُ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ قُتِلَ مَنْ أَظْهَرُهُ، وَهُوَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ يَوْمَ الْأَضْحَى، قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِرِضَا عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: " ضَحُّوا أَيُّهَا ¬

(¬1) أ، ب، ع: الْمَشِيئَةُ. (¬2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: بِإِرَادَةِ. (¬4) ن، م، ع: طَاعَتِهِ. (¬5) ن، م: وَطَائِفَةٌ. (¬6) وَأَئِمَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَ " أَهْلِ " سَاقِطَةٌ مِنَ (أ) ، (ب) . (¬7) وَأَئِمَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (م) . (¬8) ع: وَهَذِهِ. (¬9) ن، م: وَالْأُلُوهِيَّةِ.

النَّاسُ، تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا " ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ؟ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ» ". (¬1) . وَقَدْ رُوِيَ فِي السُّنَنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ (¬2) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ [فِي دُعَائِهِ] (¬3) : " «وَأَسْأَلُكَ (¬4) لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ» " (¬5) . وَرَوَى [الْإِمَامُ] أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ [وَغَيْرُهُمَا] عَنْ (¬6) عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ [يَقُولُ فِي] دُعَائِهِ (¬7) : " «أَسْأَلُكَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ: 1 163 كِتَابِ الْإِيمَانِ بَابِ إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. الْحَدِيثُ رَقْمُ 298، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4 92 كِتَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، 4 349 كِتَابِ التَّفْسِيرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ يُونُسَ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1 67 الْمُقَدِّمَةِ بَابِ فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ. (¬2) ع: مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ. (¬3) فِي دُعَائِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ع) : فِي الدُّعَاءِ. (¬4) ن، م، ع: أَسْأَلُكَ. (¬5) انْظُرِ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَعْلِيقِ \ 2 فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ. (¬6) ن، م: وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ عَنْ. (¬7) ن، م: كَانَ يَدْعُو، ع: كَانَ يَدْعُو وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ.

لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، مِنْ ع، م: فِي. غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» " (¬1) . وَأَمَّا الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَنَّهُ مَحْبُوبٌ، وَأَنَّ مَحَبَّتَهُ لِغَيْرِهِ بِمَعْنَى (¬2) مَشِيئَتِهِ، فَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ كُلَّ مَا خَلَقَهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَخْرُجُونَ إِلَى مَذَاهِبِ الْإِبَاحَةِ (¬3) ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [وَيَرْضَى ذَلِكَ] (¬4) ، وَأَنَّ الْعَارِفَ إِذَا شَهِدَ هَذَا الْمَقَامَ (¬5) لَمْ يَسْتَحْسِنْ حَسَنَةً وَلَمْ يَسْتَقْبِحْ سَيِّئَةً لِشُهُودِهِ الْقَيُّومِيَّةَ الْعَامَّةَ، وَخَلْقَ الرَّبِّ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا [طَائِفَةٌ مِنَ الشُّيُوخِ الْغَالِطِينَ] (¬6) مِنْ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ وَالنُّظَّارِ (¬7) ، وَهُوَ غَلَطٌ عَظِيمٌ. وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَ [اتِّفَاقُ] سَلَفِ (¬8) الْأُمَّةِ يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ طَوِيلَيْنِ: الْأَوَّلُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3 46 - 47 كِتَابِ السَّهْوِ، بَابِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الذَّكْرِ، نَوْعٌ مِنْهُ. وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ. الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4 264 وَالْحَدِيثُ الثَّانِي بِمَعْنَى الْأَوَّلِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 5 191. (¬2) ن، م: يَعْنِي. (¬3) ن، م: الْإِبَاحِيَّةِ. (¬4) وَيَرْضَى ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: عِنْدَ الْحَاكِمِ، ع: هَذَا الْحُكْمَ، أ: هَذَا الْحَاكِمَ، وَمَا أَثْبَتَهُ عَنْ (ب) هُوَ الصَّوَابُ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م، ع: وَالنَّظَرِ. (¬8) أ، ب: وَسَلَفِ.

وَأَوْلِيَاءَهُ، وَيُحِبُّ مَا أَمَرَ بِهِ، وَلَا يُحِبُّ الشَّيَاطِينَ وَلَا مَا نَهَى عَنْهُ، وَإِنْ [كَانَ] (¬1) كُلُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ الْجُنَيْدِ [بْنِ مُحَمَّدٍ] (¬2) وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْفَرْقِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يُفَرِّقُوا فِي الْمَخْلُوقَاتِ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ وَمَا لَا يُحِبُّهُ، فَأَشْكَلَ هَذَا عَلَيْهِمْ لِمَا رَأَوْا أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ بِمَشِيئَتِهِ، وَلَمْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيمَا خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ مَا لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ، وَكَانَ مَا قَالَهُ الْجُنَيْدُ وَأَمْثَالُهُ (¬3) هُوَ الصَّوَابُ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: الْإِرَادَةُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا [بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَهُوَ] (¬4) أَنْ يُرِيدَ الْفَاعِلُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا، فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِفِعْلِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا (¬5) فَهَذِهِ إِرَادَةٌ (¬6) لِفِعْلِ الْغَيْرِ. وَكِلَا النَّوْعَيْنِ مَعْقُولٌ (¬7) فِي النَّاسِ، لَكِنَّ الَّذِينَ قَالُوا: [إِنَّ] (¬8) الْأَمْرَ لَا (¬9) يَتَضَمَّنُ الْإِرَادَةَ، لَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا النَّوْعَ (¬10) الْأَوَّلَ مِنَ الْإِرَادَةِ، وَالَّذِينَ ¬

(¬1) كَانَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) بْنِ مُحَمَّدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: وَأَصْحَابُهُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) فِعْلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: فَهَذَا الْإِرَادَةُ، ن، م: وَهَذِهِ إِرَادَةٌ. (¬7) أ، ب: مَفْعُولٌ. (¬8) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) ن، م: الْأَنْوَاعَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ، لَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا النَّوْعَ الثَّانِيَ. وَهَؤُلَاءِ (¬1) الْقَدَرِيَّةُ يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ خَلْقَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُقُهَا عِنْدَهُمْ وَأُولَئِكَ الْمُقَابِلُونَ لَهُمْ (¬2) يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمُ الْإِرَادَةُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بِمَعْنَى إِرَادَةِ أَنْ يَخْلُقَ، فَمَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَهُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُرِيدٌ لَهُ، فَعِنْدَهُمْ هُوَ مُرِيدٌ لِكُلِّ مَا خَلَقَ وَإِنْ كَانَ كُفْرًا، وَلَمْ يُرِدْ مَا لَمْ يَخْلُقْهُ (¬3) وَإِنْ كَانَ إِيمَانًا. وَهَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ إِثْبَاتُ النَّوْعَيْنِ، كَمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ ; وَلِهَذَا قَالَ جَعْفَرٌ: " أَرَادَ بِهِمْ وَأَرَادَ مِنْهُمْ "، فَالْوَاحِدُ مِنَ النَّاسِ يَأْمُرُ غَيْرَهُ وَيَنْهَاهُ مُرِيدًا لِنُصْحِهِ، وَبَيَانًا لِمَا يَنْفَعُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَكُونُ مَصْلَحَتِي فِي أَنْ آمُرَ بِهِ غَيْرِي وَأَنْصَحَهُ يَكُونُ مَصْلَحَتِي (¬4) فِي أَنْ أُعَاوِنَهُ [أَنَا] (¬5) عَلَيْهِ، بَلْ تَكُونُ (¬6) مَصْلَحَتِي إِرَادَةَ مَا يُضَادُّهُ. كَالرَّجُلِ الَّذِي يَسْتَشِيرُهُ (¬7) غَيْرُهُ فِي خِطْبَةِ امْرَأَةٍ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الْمَأْمُورِ، وَالْآمِرُ يَرَى (¬8) أَنَّ مَصْلَحَتَهُ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا هُوَ دُونَهُ، فَجِهَةُ أَمْرِهِ لِغَيْرِهِ نُصْحًا - غَيْرُ جِهَةِ فِعْلِهِ لِنَفْسِهِ. ¬

(¬1) أ، ب، ع: فَهَؤُلَاءِ. (¬2) أ، ب، ن: الْقَائِلُونَ لَهُمْ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬3) أ، ب: مَا لَمْ يَخْلُقْ. (¬4) ن: وَتَكُونُ مَصْلَحَتِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) أَنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) ب فَقَطْ: بَلْ قَدْ تَكُونُ. (¬7) يَسْتَشِيرُهُ: كَذَا فِي (ع) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَسْتَشِيرُ. (¬8) أ: وَإِلَّا يَرَى، ب: وَإِلَّا فَهُوَ يَرَى.

وَإِذَا أَمْكَنَ الْفَرْقُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ فَهُوَ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْلَى بِالْإِمْكَانِ. فَهُوَ (¬1) سُبْحَانَهُ أَمَرَ الْخَلْقَ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ، وَلَكِنْ (¬2) مِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ فِعْلَهُ، فَأَرَادَ هُوَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَخْلُقَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَيَجْعَلَهُ فَاعِلًا لَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَ فِعْلَهُ. فَجِهَةُ خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ - غَيْرُ جِهَةِ أَمْرِهِ لِلْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ لِمَا هُوَ (¬3) مَصْلَحَةٌ لِلْعَبْدِ أَوْ مَفْسَدَةٌ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا أَمَرَ فِرْعَوْنَ وَأَبَا لَهَبٍ وَغَيْرِهِمَا بِالْإِيمَانِ، كَانَ قَدْ بَيَّنَ (¬4) لَهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَيُصْلِحُهُمْ (¬5) إِذَا فَعَلُوهُ وَلَا يَلْزَمُ (¬6) إِذَا أَمَرَهُمْ أَنْ يُعِينَهُمْ، بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي خَلْقِهِ لَهُمْ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَإِعَانَتِهِمْ عَلَيْهِ وَجْهُ مَفْسَدَةٍ، مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلٌ لَهُ، فَإِنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَخْلُقُ لِحِكْمَةٍ لَهُ (¬7) ، وَلَا يَلْزَمُ (¬8) إِذَا كَانَ الْفِعْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ مَصْلَحَةً لِلْمَأْمُورِ إِذَا فَعَلَهُ، أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَةً لِلْآمِرِ إِذَا فَعَلَهُ [هُوَ] (¬9) ، أَوْ جَعَلَ الْمَأْمُورَ فَاعِلًا لَهُ (¬10) ، فَأَيْنَ جِهَةُ الْخَلْقِ مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ؟ ¬

(¬1) ن، م: وَهُوَ. (¬2) ن: وَلْيَكُنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) أ: عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ الظَّاهِرِ، ب: وَعَلَى وَجْهِ بَيَانٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬4) أ، ب، ن: تَبَيَّنَ. (¬5) ن: مَا يُصْلِحُهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ. (¬6) ب فَقَطْ: وَلَا يَلْزَمُهُ. (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬8) ن، م: فَلَا يَلْزَمُ. (¬9) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) .

وَالْقَدَرِيَّةُ تَضْرِبُ مَثَلًا فِيمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ (¬1) ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ (¬2) أَنْ يَفْعَلَ مَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ أَقْرَبَ إِلَى فِعْلِهِ، كَالْبِشْرِ وَالطَّلَاقَةِ وَتَهْيِئَةِ الْمَقَاعِدِ وَالْمَسَانِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ أَمَرَ غَيْرَهُ (¬3) لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ، كَأَمْرِ الْمَلِكِ جُنْدَهُ (¬4) بِمَا يُؤَيِّدُ مُلْكَهُ، وَأَمْرِ السَّيِّدِ (¬5) عَبْدَهُ بِمَا يُصْلِحُ مَالَهُ (¬6) ، وَأَمْرِ الْإِنْسَانِ شَرِيكَهُ (¬7) بِمَا يُصْلِحُ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ يَرَى الْإِعَانَةَ (¬8) لِلْمَأْمُورِ مَصْلَحَةً [لَهُ] (¬9) ، كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ [إِذَا] (¬10) أَعَانَ الْمَأْمُورَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ عَلَى إِعَانَتِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ (¬11) الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، فَأَمَّا إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْآمِرَ (¬12) إِنَّمَا أَمَرَ الْمَأْمُورَ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ لَا لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِهِ كَالنَّاصِحِ الْمُشِيرِ (¬13) وَقُدِّرَ أَنَّهُ إِذَا (¬14) أَعَانَهُ ¬

(¬1) ن: أَمَرَ عَبْدَهُ بِأَمْرِهِ، م: أَمَرَ عِنْدَهُ بِأَمْرِهِ، ع: أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرِهِ. (¬2) أ: لَا بُدَّ، ب: فَلَا بُدَّ. (¬3) م: عَبْدَهُ. (¬4) ن، م: عَبْدَهُ. (¬5) ن، م: الْآمْرِ. (¬6) ن، م، ع: مُلْكَهُ. (¬7) ن، م، ع: شُرَكَاءَهُ. (¬8) ن، م: إِعَانَةً. (¬9) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ع: وَإِذَا. (¬11) ع: وَأَنَّهُ فِي عَوْنِ. (¬12) أ، ب: فَإِذَا كَانَ الْآمِرُ. (¬13) أ: كَالنَّاصِحِ لِلْمُشِيرِ، ب: كَالنَّاصِحِ لِلْمُسْتَشِيرِ. (¬14) إِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ (¬1) ، لِأَنَّ فِي حُصُولِ مَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ مَضَرَّةً عَلَى الْآمِرِ] (¬2) كَمَنْ يَأْمُرُ (¬3) مَظْلُومًا أَنْ يَهْرَبَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَهُوَ لَوْ أَعَانَهُ حَصَلَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، مِثْلَ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى وَقَالَ (¬4) لِمُوسَى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 20] فَهَذَا مَصْلَحَتُهُ فِي أَنْ يَأْمُرَ مُوسَى بِالْخُرُوجِ لَا فِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ لَوْ أَعَانَهُ لَضَرَّهُ قَوْمُهُ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ (¬5) كَالَّذِي يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، أَوْ شِرَاءِ سِلْعَةٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا أَوِ اسْتِئْجَارِ مَكَانٍ يُرِيدُ اسْتِئْجَارَهُ، أَوْ مُصَالَحَةِ قَوْمٍ يَنْتَفِعُ بِهِمْ وَهُمْ أَعْدَاءُ الْآمِرِ يَتَقَوَّوْنَ بِمُصَالَحَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا يَفْعَلُ مَا يُعِينُ الْمَأْمُورَ، وَإِنْ (¬6) كَانَ نَاصِحًا لَهُ [بِالْأَمْرِ] (¬7) مُرِيدًا لِذَلِكَ. فَفِي الْجُمْلَةِ أَمْرُ الْمَأْمُورِ بِالْفِعْلِ لِكَوْنِ (¬8) الْفِعْلِ مَصْلَحَةً لَهُ - غَيْرُ كَوْنِ الْآمِرِ يُعِينُهُ عَلَيْهِ إِنْ (¬9) كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِعَانَةِ [لَهُ] (¬10) . ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَمَكَانَ هَذِهِ السُّطُورِ عِبَارَةُ (لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ) . (¬3) ن: أَمَرَ. (¬4) أ، ب: قَالَ، ن، م: فَقَالَ. (¬5) بَعْدَ كَلِمَةِ " كَثِيرٌ " تُوجَدُ عِبَارَاتٌ فِي (ن) ، (م) مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ الَّذِي سَقَطَ مِنْهُمَا. (¬6) ن: فَإِنْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) بِالْأَمْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ع: كَوْنَ. (¬9) ع: وَإِنْ. (¬10) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) .

فَإِذَا (¬1) قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَأَرَادَ مَصْلَحَتَهُمْ عِبَارَةُ (¬2) بِالْأَمْرِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعِينَهُمْ هُوَ عَلَى مَا أَمَرَهُمْ [بِهِ] (¬3) ، لَا سِيَّمَا وَعِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ (¬4) لَا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ أَحَدًا عَلَى مَا بِهِ يَصِيرُ فَاعِلًا، فَإِنَّهُ إِنْ (¬5) لَمْ يُعَلِّلْ أَفْعَالَهُ بِالْحِكْمَةِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ مُرَادٍ عَنْ مُرَادٍ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لِفِعْلِهِ لِمِيَّةٌ (¬6) ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْفَرْقَ. وَإِنْ عُلِّلَتْ أَفْعَالُهُ بِالْحِكْمَةِ، وَقِيلَ إِنَّ اللِّمِيَّةَ (¬7) ثَابِتَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَا نَعْلَمُهَا فَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَهُ حِكْمَةٌ فِي الْأَمْرِ، أَنْ (¬8) يَكُونَ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ [بِهِ] (¬9) حِكْمَةٌ، بَلْ قَدْ تَكُونُ الْحِكْمَةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ (¬10) فِي الْمَخْلُوقِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ (¬11) وَالْمَصْلَحَةِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ وَالْمَصْلَحَةُ لِلْآمِرِ أَنْ لَا يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِمْكَانُ (¬12) ذَلِكَ فِي حَقِّ الرَّبِّ أَوْلَى وَأَحْرَى. ¬

(¬1) ن، م: إِذَا، ع: وَإِذَا. (¬2) وَأَرَادَ مَصْلَحَتَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ، ع: لَا سِيَّمَا وَعِنْدَ الْقُدْرَةِ. (¬5) ن، م، ع: إِذَا. (¬6) ن، م: كَمِّيَّةٌ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمَعْنَى: لِفِعْلِهِ سَبَبٌ، أَيْ: لِمَ فَعَلَهُ. (¬7) ن: الْكَمِّيَّةَ ; م: الْحِكْمَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن، م، ع: بِأَنْ. (¬9) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬10) ع: وَأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ ; م: فَإِذَا أَمْكَنَ. (¬11) أ، ب: أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ. (¬12) ع: وَإِنْ كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فَاللَّهُ تَعَالَى (¬1) أَمَرَ الْكُفَّارَ بِمَا هُوَ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ لَوْ فَعَلُوهُ، وَهُوَ لَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ، كَمَا لَمْ يَخْلُقْ غَيْرَهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَكُونُ مِنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ أَنْ لَا يَخْلُقُهَا. وَالْمَخْلُوقُ إِذَا رَأَى أَنَّ مَصْلَحَةَ بَعْضِ رَعِيَّتِهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ (¬2) الرَّمْيَ وَأَسْبَابَ الْمُلْكِ لِيَنَالَ (¬3) الْمُلْكَ، وَرَأَى هُوَ أَنَّ مَصْلَحَةَ وَلَدِهِ أَنْ لَا يَتَقَوَّى ذَلِكَ الشَّخْصُ (¬4) لِئَلَّا يَأْخُذَ [ذَلِكَ] (¬5) الْمُلْكَ مِنْ وَلَدِهِ، أَوْ يَعْدُوَ (¬6) عَلَيْهِ، أَمْكَنَ أَنْ يَأْمُرَ ذَلِكَ (¬7) [الشَّخْصَ] (¬8) بِمَا هُوَ مَصْلَحَةٌ لَهُ (¬9) وَيَفْعَلُ هُوَ مَا هُوَ مَصْلَحَةُ وَلَدِهِ (¬10) وَرَعِيَّتِهِ. وَالْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ بِحَسَبِ مَا يُلَائِمُ النُّفُوسَ وَيُنَافِيهَا، فَالْمُلَائِمُ لِلْمَأْمُورِ مَا (¬11) أَمَرَهُ بِهِ النَّاصِحُ لَهُ، وَالْمُلَائِمُ لِلْآمِرِ أَنْ لَا يَحْصُلَ لِذَلِكَ مُرَادُهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِ الْآمِرِ وَمُرَادَاتِهِ. وَهَذَا نَظَرٌ شَرِيفٌ، وَإِنَّمَا يُحَقِّقُهُ مَنْ عَلِمَ جِهَةَ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ ¬

(¬1) ن، م، ع: وَاللَّهُ تَعَالَى. (¬2) ن: أَنْ يَعْلَمَ. (¬3) ن: لِسَانَ، م: لَسَارَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن: أَنْ لَا تَقْوَى مَصْلَحَةُ ذَلِكَ الشَّخْصِ، م، ع: أَنْ لَا يَقْوَى ذَلِكَ الشَّخْصُ. (¬5) ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬6) م: أَوْ يَعْدُ. (¬7) أ، ب: عَلَيْهِ أَمَرَ ذَلِكَ. (¬8) الشَّخْصَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬9) أ: بِمَا هُوَ مَصْلَحَةٌ، ب: بِمَا هُوَ مَصْلَحَتُهُ. (¬10) ع: مُصْلِحَةٌ لَهُ بِحَسَبِ مَصْلَحَةِ وَلَدِهِ. (¬11) ن: وَمَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

[وَأَمْرِهِ] (¬1) ، وَاتِّصَافِهِ سُبْحَانَهُ بِالْمَحَبَّةِ وَالْفَرَحِ بِبَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُ حُصُولُ الْمَحْبُوبِ (¬2) ، إِلَّا بِدَفْعِ ضِدِّهِ وَوُجُودِ لَازِمِهِ، لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ، وَامْتِنَاعِ وُجُودِ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ. وَلِهَذَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَحْمُودًا عَلَى كُلِّ حَالٍ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. فَكُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ (¬3) فَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا يَعْلَمُ وَيَذْكُرُ فَهُو مَحْمُودٌ عَلَيْهِ، لَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي ذَاتِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ (¬4) ، وَلَهُ (¬5) الْحَمْدُ عَلَى خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ فَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ نَوْعُ ضَرَرٍ لِبَعْضِ النَّاسِ لِمَا لَهُ فِي (¬6) ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَيْهِ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالْبَيَانِ. وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْحَمْدُ مَلْءَ السَّمَاوَاتِ (¬7) وَمَلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمَلْءَ مَا شَاءَ مِنْ (¬8) شَيْءٍ بَعْدُ. فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَخْلُوقٌ [لَهُ] (¬9) ، وَكُلُّ مَا يَشَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ [لَهُ] (¬10) ، لَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ مَا خَلَقَهُ. ¬

(¬1) وَأَمْرِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: لَا يَكُونُ حُصُولُ مَحْبُوبٍ. (¬3) ن، م: مَا هُوَ فِي الْوُجُودِ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬5) أ، ب، ع: لَهُ. (¬6) ن: فَقَطْ لِمَا فِيهِ فِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن: السَّمَاءِ. (¬8) ع: مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ. (¬9) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَسَقَطَتْ لَهُ مِنْ (ن) ، (م) .

وَالْأَمْثِلَةُ الَّتِي تُذْكَرُ (¬1) فِي الْمَخْلُوقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ نَظِيرِهَا فِي حَقِّ الرَّبِّ، فَالْمَقْصُودُ [هُنَا] (¬2) أَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ الْحَكِيمِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ وَلَا يُعِينَهُ [عَلَيْهِ] (¬3) ، فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِإِمْكَانِ (¬4) ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مَعَ حِكْمَتِهِ، فَمَنْ أَمَرَهُ وَأَعَانَهُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ كَانَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِهِ تَعَلَّقَ بِهِ خَلْقُهُ وَأَمْرُهُ، فَشَاءَهُ خَلْقًا وَمَحَبَّةً، فَكَانَ (¬5) مُرَادًا لِجِهَةِ الْخَلْقِ وَمُرَادًا لِجِهَةِ الْأَمْرِ. وَمَنْ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ، كَانَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ خَلْقُهُ (¬6) ، لِعَدَمِ الْحِكْمَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَعَلُّقِ الْخَلْقِ بِهِ، وَلِحُصُولِ الْحِكْمَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِخَلْقِ ضِدِّهِ. وَخَلْقُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يُنَافِي خَلْقَ الضِّدِّ الْآخَرِ، فَإِنَّ خَلْقَ الْمَرَضِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذُلُّ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَدُعَاؤُهُ لِرَبِّهِ، وَتَوْبَتُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَتَكْفِيرُهُ خَطَايَاهُ، وَيَرِقُّ [بِهِ] (¬7) قَلْبُهُ، وَيَذْهَبُ عَنْهُ الْكِبْرِيَاءُ وَالْعَظَمَةُ وَالْعُدْوَانُ، يُضَادُّ خَلْقَ الصِّحَّةِ الَّتِي لَا يَحْصُلُ مَعَهَا هَذِهِ الْمَصَالِحُ. وَكَذَلِكَ خَلْقُ ظُلْمِ الظَّالِمِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ لِلْمَظْلُومِ مِنْ جِنْسِ مَا يَحْصُلُ بِالْمَرَضِ، يُضَادُّ خَلْقَ عَدْلِهِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ هَذِهِ الْمَصَالِحُ، وَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ [هُوَ] فِي (¬8) أَنْ يَعْدِلَ. ¬

(¬1) ن، م: ذُكِرَتْ. (¬2) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬3) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: لِإِمْكَانِ. (¬5) فَكَانَ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَانَ. (¬6) أ: قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ خَلْقُهُ، ب: قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرُهُ دُونَ خَلْقِهِ. (¬7) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ع: وَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي، ن، م: وَإِنْ كَانَ مَصْلَحَةً فِي.

وَتَفْصِيلُ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ يَعْجَزُ عَنْ مَعْرِفَتِهَا عُقُولُ الْبَشَرِ. وَالْقَدَرِيَّةُ دَخَلُوا فِي التَّعْلِيلِ عَلَى طَرِيقَةٍ فَاسِدَةٍ مَثَّلُوا اللَّهَ فِيهَا بِخَلْقِهِ، وَلَمْ يُثْبِتُوا (¬1) حِكْمَةً تَعُودُ إِلَيْهِ فَسَلَبُوهُ قُدْرَتَهُ وَحِكْمَتَهُ (¬2) وَمَحَبَّتَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَقَابَلَهُمْ خُصُومُهُمْ [الْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ] (¬3) بِبُطْلَانِ التَّعْلِيلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. كَمَا تَنَازَعُوا فِي مَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، فَأُولَئِكَ أَثْبَتُوهُ عَلَى طَرِيقَةٍ سَوَّوْا فِيهَا بَيْنَ اللَّهِ وَخَلْقِهِ (¬4) ، وَأَثْبَتُوا حُسْنًا وَقُبْحًا لَا يَتَضَمَّنُ مَحْبُوبًا وَلَا مَكْرُوهًا، وَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، كَمَا أَثْبَتُوا تَعْلِيلًا لَا يَعُودُ إِلَى الْفَاعِلِ حُكْمُهُ. وَخُصُومُهُمْ سَوَّوْا بَيْنَ [جَمِيعِ] (¬5) الْأَفْعَالِ، وَلَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ مَحْبُوبًا وَلَا مَكْرُوهًا، وَزَعَمُوا أَنَّ الْحُسْنَ لَوْ كَانَ صِفَةً ذَاتِيَّةً لِلْفِعْلِ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُهُ. وَغَلِطُوا، فَإِنَّ الصِّفَةَ الذَّاتِيَّةَ لِلْمَوْصُوفِ قَدْ يُرَادُ بِهَا اللَّازِمَةُ لَهُ (¬6) وَالْمَنْطِقِيُّونَ يُقَسِّمُونَ اللَّازِمَ إِلَى ذَاتِيٍّ وَعَرَضِيٍّ، وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ خَطَأً. وَقَدْ يُرَادُ بِالصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ مَا تَكُونُ ثُبُوتِيَّةً قَائِمَةً بِالْمَوْصُوفِ، احْتِرَازًا عَنِ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الْإِضَافِيَّةِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اضْطَرَبُوا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَزَعَمَ (¬7) نُفَاةُ الْحُسْنِ ¬

(¬1) ع: وَلَمْ يُبَيِّنُوا. (¬2) ن فَقَطْ: فَسَلَبُوهُ حِكْمَتَهُ وَقُدْرَتَهُ وَحِكْمَتَهُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن: وَبَيْنَ خَلْقِهِ. (¬5) جَمِيعِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: اللَّازِمُ لَهُ. (¬7) وَزَعَمُوا، ب: وَزَعَمَ، م: فَوَهِمَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ صِفَةً ثُبُوتِيَّةً لِلْأَفْعَالِ وَلَا مُسْتَلْزِمَةً صِفَةً ثُبُوتِيَّةً لِلْأَفْعَالِ، بَلْ هِيَ مِنَ الصِّفَاتِ النِّسْبِيَّةِ الْإِضَافِيَّةِ، فَالْحُسْنُ هُوَ الْمَقُولُ فِيهِ: افْعَلْهُ أَوْ لَا بَأْسَ بِفِعْلِهِ، وَالْقَبِيحُ هُوَ الْمَقُولُ فِيهِ: لَا تَفْعَلْهُ (¬1) . قَالُوا: وَلَيْسَ لِمُتَعَلِّقِ الْقَوْلِ مِنَ الْقَوْلِ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ، وَذَكَرُوا عَنْ مُنَازِعِيهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْأَحْكَامُ صِفَاتٌ ذَاتِيَّةٌ (¬2) لِلْأَفْعَالِ، وَنَقَضُوا ذَلِكَ بِجَوَازِ تَبَدُّلِ أَحْكَامِ الْفِعْلِ مَعَ كَوْنِ الْجِنْسِ (¬3) وَاحِدًا. وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَحْكَامَ لِلْأَفْعَالِ لَيْسَتْ مِنَ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ، بَلْ [هِيَ] (¬4) مِنَ الْعَارِضَةِ لِلْأَفْعَالِ بِحَسَبِ مُلَاءَمَتِهَا وَمُنَافَرَتِهَا، فَالْحُسْنُ وَالْقُبْحُ بِمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ مَحْبُوبًا وَمَكْرُوهًا وَنَافِعًا وَضَارًّا، وَمُلَائِمًا وَمُنَافِرًا. وَهَذِهِ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ لِلْمَوْصُوفِ، لَكِنَّهَا تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ أَحْوَالِهِ فَلَيْسَتْ لَازِمَةً لَهُ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَ فِيهَا صِفَاتٌ تَقْتَضِي الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: لَيْسَ فِي الْأَجْسَامِ صِفَاتٌ تَقْتَضِي التَّسْخِينَ وَالتَّبْرِيدَ وَالْإِشْبَاعَ وَالْإِرْوَاءَ، فَسَلْبُ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْآثَارِ، كَسَلْبِ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْآثَارِ. وَأَمَّا جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ طَبَائِعَ الْأَعْيَانِ وَصِفَاتِهَا، فَهَكَذَا (¬5) ، يُثْبِتُونَ مَا فِي الْأَفْعَالِ مِنْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ بِاعْتِبَارِ مُلَاءَمَتِهَا وَمُنَافَرَتِهَا، كَمَا ¬

(¬1) أ، ن: لَا يَفْعَلُهُ، م: لَا تَفْعَلْ. (¬2) أ، ب: أَزَلِيَّةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ع: الْحَسَنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) هِيَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) م: فَكَذَلِكَ، ب: فَإِنَّهُمْ.

فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر يلزم نسبة السفه إلى الله تعالى لأنه يأمر الكافر بالإيمان ولا يريده منه

قَالَ تَعَالَى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 107] ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ فِي نَفْسِهِ مَعْرُوفٌ وَمُنْكَرٌ، وَالْمَطْعُومُ طَيِّبٌ وَخَبِيثٌ. وَلَوْ كَانَ لَا صِفَةَ لِلْأَعْيَانِ وَالْأَفْعَالِ إِلَّا بِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لَكَانَ التَّقْدِيرُ: يَأْمُرُهُمْ بِمَا يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا يَنْهَاهُمْ، وَيُحِلُّ لَهُمْ مَا يُحِلُّ لَهُمْ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 32] وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 28] وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ (¬1) . [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر يَلْزَمُ نِسْبَةُ السَّفَهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَأْمُرُ الْكَافِرَ بِالْإِيمَانِ وَلَا يُرِيدُهُ مِنْهُ] (فَصْلٌ) . قَالَ [الرَّافِضِيُّ] الْإِمَامِيُّ (¬2) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ نِسْبَةُ السَّفَهِ (¬3) إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَأْمُرُ الْكَافِرَ بِالْإِيمَانِ وَلَا يُرِيدُهُ مِنْهُ، وَيَنْهَاهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ أَرَادَهَا مِنْهُ (¬4) ، وَكُلُّ عَاقِلٍ يَنْسِبُ مَنْ يَأْمُرُ (¬5) بِمَا لَا يُرِيدُ (¬6) وَيَنْهَى عَمَّا يُرِيدُ (¬7) إِلَى السَّفَهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ". ¬

(¬1) أ، ب: كَثِيرٌ. (¬2) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ع) : قَالَ الْإِمَامِيُّ الرَّافِضِيُّ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 89 (م) . (¬3) ك: السَّفَهِ وَالْحُمْقِ. (¬4) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬5) ع: يَأْمُرُهُ. (¬6) ع، ن، م: بِمَا لَا يُرِيدُهُ. (¬7) ع، ن، م: بِمَا لَا يُرِيدُهُ.

فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: [إِنَّ] (¬1) الْإِرَادَةَ، نَوْعَانِ: إِرَادَةُ الْخَلْقِ وَإِرَادَةُ الْأَمْرِ (¬2) فَإِرَادَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُرِيدَ مِنَ الْمَأْمُورِ (¬3) فِعْلَ مَا أَمَرَ بِهِ، وَإِرَادَةُ الْخَلْقِ أَنْ يُرِيدَ هُوَ خَلْقَ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا. وَالْأَمْرُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْكَافِرَ بِمَا أَرَادَهُ مِنْهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَهُوَ مَا (¬4) يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَنَهَاهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَمْ يُرِدْهَا مِنْهُ، [أَيْ لَمْ يُحِبَّهَا وَلَمْ يَرْضَهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ] (¬5) ، فَإِنَّهُ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 108] وَإِرَادَةُ (¬6) الْخَلْقِ هِيَ الْمَشِيئَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِوُقُوعِ الْمُرَادِ، فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْمَوْجُودِ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ، فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا يُرِيدُهُ، فَإِذَا (¬7) اجْتَمَعَتِ الْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَجَبَ وُجُودُ الْمُرَادِ، وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِعْلًا (¬8) لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ هَذَا (¬9) لَا يَلْزَمُ أَنْ يُعِينَهُ عَلَيْهِ. ¬

(¬1) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: الْأَمْرُ كَمَا تَقَدَّمَ. (¬3) ن، م: مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ. (¬4) ن، م: مِمَّا. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م، ع: فَإِرَادَةُ. (¬7) أ، ب: مَا يُرِيدُ وَإِذَا. (¬8) ع: فَلَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) أ، ب: فَهَذَا.

وَأَمَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ فَظَنُّوا أَنَّ الْإِرَادَةَ نَوْعٌ وَاحِدٌ، [وَأَنَّهَا (¬1) هِيَ الْمَشِيئَةُ] (¬2) فَقَالُوا: يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ (¬3) . ثُمَّ هَؤُلَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَقِسْمٌ قَالُوا: يَأْمُرُ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ، أَيْ لَمْ يَشَأْ وُجُودَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِسْمٌ قَالُوا: بَلِ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا هِيَ الْإِرَادَةُ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ، فَهُوَ يَأْمُرُ بِمَا لَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يُحِبَّهُ وَلَمْ يَرْضَهُ، وَمَا وَقَعَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ عِنْدَ (¬4) هَؤُلَاءِ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ (¬5) ، كَمَا أَرَادَهُ وَشَاءَهُ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ (¬6) : لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ دِينًا، كَمَا لَا يُرِيدُهُ دِينًا [وَلَا يَشَاؤُهُ دِينًا] (¬7) ، وَلَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ مِمَّنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ، [كَمَا لَمْ يُرِدْهُ مِمَّنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ، وَلَمْ يَشَأْهُ مِمَّنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ] (¬8) وَهَذَا قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَحَكَاهُ هُوَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، وَحُكِيَ عَنْهُ كَالْقَوْلِ (¬9) الْأَوَّلِ. وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ هُمُ الْقَدَرِيَّةُ (¬10) مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ ¬

(¬1) أ، ب: وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيفٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: بِمَا لَا يُرِيدُ. (¬4) ن، م: فَعِنْدَ. (¬5) أ، ب: يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ. (¬6) ن، م: وَلَكِنْ لَا يَقُولُونَ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) م: مِثْلَ الْقَوْلِ. (¬10) ن، م: هُمُ الْقَدَرِيَّةُ، وَسَقَطَتْ " هُمْ " مِنْ (أ) ، (ب) .

يَجْعَلُونَ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ، ثُمَّ قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ النُّفَاةُ: وَالْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْمَعَاصِي لَا يُحِبُّهَا وَلَا يَرْضَاهَا (¬1) بِالنَّصِّ وَإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، فَلَا يُرِيدُهَا وَلَا يَشَاؤُهَا (¬2) . وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتَةُ: هُوَ شَاءَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ، فَيَكُونُ قَدْ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ وَأَرَادَهُ. وَأَمَّا جُمْهُورُ النَّاسِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ (¬3) وَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، كَمَا يُوجَدُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي النَّاسِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُرِيدُ شُرْبَ الدَّوَاءِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْكَرِيهَةِ الَّتِي يُبْغِضُهَا وَلَا يُحِبُّهَا، وَيُحِبُّ أَكْلَ (¬4) الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَشْتَهِيهَا، كَاشْتِهَاءِ الْمَرِيضِ لِمَا حُمِيَ عَنْهُ (¬5) ، وَاشْتِهَاءِ الصَّائِمِ الْمَاءَ الْبَارِدَ مَعَ عَطَشِهِ وَلَا يُرِيدُ فِعْلَ ذَلِكَ (¬6) ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يُحِبُّ مَا لَا يُرِيدُهُ وَيُرِيدُ مَا لَا يُحِبُّهُ (¬7) ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ قَدْ يُرَادُ لِغَيْرِهِ، فَيُرِيدُ الْأَشْيَاءَ الْمَكْرُوهَةَ لِمَا فِي عَاقِبَتِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَحْبُوبَةِ (¬8) وَيَكْرَهُ فِعْلَ بَعْضِ مَا يُحِبُّهُ (¬9) لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مَا يُبْغِضُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْحِكْمَةُ (¬10) فِيمَا يَخْلُقُهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ¬

(¬1) ن، م، ع: لَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ. (¬2) ن، م، ع: فَلَا يُرِيدُهُ وَلَا يَشَاؤُهُ. (¬3) وَالْإِرَادَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬4) ن: كُلَّ، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) . (¬5) أ، ب: الْمَرِيضِ الْمَاءَ إِذَا حُمِيَ عَنْهُ، ن، ع: الْمَرِيضِ لِمَا حُمِيَ مِنْهُ. (¬6) أ، ب: وَلَا يُرِيدُ فِعْلَهُ. (¬7) ن، م: مَا لَا يُرِيدُ وَيُرِيدُ مَا لَا يُحِبُّ. (¬8) ن: كَمَا فِي عَاقِبَتِهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمَحْبُوبَةِ، م: لِمَا فِي عَاقِبَتِهَا الْمَحْمُودَةِ مِنَ الْأُمُورِ الْمَحْبُوبَةِ. (¬9) ن، م: مَا لَا يُحِبُّهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) ن، م: حِكْمَةٌ.

وَالْمُحْسِنِينَ وَالتَّوَّابِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِ الْفَاقِدِ لِرَاحِلَتِهِ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي مُهْلِكَةٍ إِذَا وَجَدَهَا بَعْدَ الْإِيَاسِ (¬1) مِنْهَا كَمَا اسْتَفَاضَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، كَقَوْلِهِ: " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ (¬2) بِأَرْضٍ دَوِّيَّةٍ (¬3) مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا، فَنَامَ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِذَا بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» " (¬4) . وَالْمُتَفَلْسِفَةُ (¬5) يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ الْبَهْجَةِ وَاللَّذَّةِ (¬6) وَالْعِشْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَنِ الْفَرَحِ وَالْمَحَبَّةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ وُجُودَ [بَعْضِ] الْأَشْيَاءِ (¬7) لِإِفْضَائِهَا إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ لَا يَفْعَلُ بَعْضَ مَا يُحِبُّهُ لِكَوْنِهِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَا يَكْرَهُهُ وَيُبْغِضُهُ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِنْ كُلِّ نُطْفَةٍ رَجُلًا يَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا بِهِ (¬8) يُحِبُّهُ وَيُحِبُّ إِيمَانَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ (¬9) مِنَ الْحِكْمَةِ، وَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ. ¬

(¬1) ن، م، ع: الْيَأْسِ. (¬2) ن، ع: دَابَّتَهُ. (¬3) دَوِّيَّةٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (م) : دُونَهُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬4) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2 430، 3 162. (¬5) ع: وَالْمُتَفَلْسِفُونَ. (¬6) أ: بِلَفْظِ الْمَحَبَّةِ وَاللَّذَّةِ، ب: بِلَفْظِ اللَّذَّةِ. (¬7) ع: يُرِيدُ وُجُودَ الْأَشْيَاءِ، ن: يُرِيدُ وُجُودَ أَشْيَاءَ، م: يُرِيدُ الْأَشْيَاءَ. (¬8) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬9) أ، ب، م: لِمَا فِيهِ.

وَإِذَا قِيلَ: فَهَلَّا يَفْعَلُ هَذَا وَيَمْنَعُ مَا يُبْغِضُهُ. قِيلَ: مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا لِغَيْرِهِ، وَاللَّذَّةُ (¬1) الْحَاصِلَةُ بِالْأَكْلِ لَا تَحْصُلُ هِيَ وَلَا نَوْعُهَا (¬2) بِالشُّرْبِ (¬3) وَالسَّمَاعِ وَالشَّمِّ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ لَذَّةٌ أُخْرَى. وَوُجُودُ لَذَّةِ الْأَكْلِ فِي الْفَمِ تُنَافِي حُصُولَ لَذَّةِ الشُّرْبِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَتَلَذُّذُ الْعَبْدِ بِسَمَاعِ بَعْضِ (¬4) الْأَصْوَاتِ يَمْنَعُ تَلَذُّذَهُ بِسَمَاعِ صَوْتٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِلْعَبْدِ وَلَذِيذٌ لَهُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ فِي آنٍ (¬5) وَاحِدٍ، بَلْ لَا يُمْكِنُ حُصُولُ (¬6) أَحَدِ الضِّدَّيْنِ إِلَّا بِتَفْوِيتِ الْآخَرِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ (¬7) مَخْلُوقٍ إِلَّا لَهُ لَوَازِمُ وَأَضْدَادٌ، فَلَا يُوجَدُ إِلَّا بِوُجُودِ لَوَازِمِهِ وَمَعَ عَدَمِ أَضْدَادِهِ (¬8) وَالرَّبُّ تَعَالَى إِذَا كَانَ يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يُسَافِرَ لِلْحَجِّ وَيُسَافِرَ لِلْجِهَادِ، فَأَيُّهُمَا فَعَلَهُ (¬9) كَانَ مَحْبُوبًا لَهُ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ (¬10) أَنْ يُسَافِرَ الْعَبْدُ إِلَى الشَّرْقِ وَإِلَى الْغَرْبِ (¬11) ، بَلْ لَا يُمْكِنُ (¬12) حُصُولُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوبَيْنِ جَمِيعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَحْصُلُ ¬

(¬1) أ، ب: فَاللَّذَّةُ. (¬2) أ، ب: هِيَ وَأَنْوَاعُهَا. (¬3) ع: بِالشَّرَابِ. (¬4) ن: تِلْكَ. (¬5) ن: لَوْنٍ، م: أَوَانٍ. (¬6) حُصُولُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬7) شَيْءٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ن: وَمَنْعِ عَدَمِ أَضْدَادِهِ، م: وَمَنْعِ أَضْدَادِهِ. (¬9) أ، ب: فَعَلَ. (¬10) م: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، أ: فِي وَاحِدَةٍ، ب: فِي آنٍ وَاحِدٍ. (¬11) ع، ن: إِلَى الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ. (¬12) ن، م، ع: فَلَا يُمْكِنُ، أ: بَلْ يُمْكِنُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

أَحَدُهُمَا إِلَّا بِتَفْوِيتِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا مُعَيَّنًا، وَالْجِهَادُ تَطَوُّعًا (¬1) ، كَانَ الْحَجُّ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ (¬2) ، وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا، فَالْجِهَادُ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ، فَهُوَ [سُبْحَانَهُ] (¬3) يُحِبُّ هَذَا الْمَحْبُوبَ الْمُتَضَمِّنَ تَفْوِيتَ ذَلِكَ الْمَحْبُوبِ. وَذَلِكَ [أَنَّهُ] (¬4) لَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ بِدُونِ تَفْوِيتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ (¬5) لَكَانَ أَيْضًا مَحْبُوبًا، وَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ بِتَفْوِيتِ مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ لَكَانَ مَحْبُوبًا مِنْ وَجْهٍ مَكْرُوهًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (¬6) أَعْلَى مِنْهُ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا لَمْ يُقَدِّرْ طَاعَةَ بَعْضِ النَّاسِ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ (¬7) يَأْمُرْ هَذَا بِأَدْنَى (¬8) الْمَحْبُوبَيْنِ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لَكِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ مُحَالٌ لِذَاتِهِ. وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: هَلَّا أَقْدَرَ (¬9) هَذَا الْعَبْدَ أَنْ يُسَافِرَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَى الْغَرْبِ لِلْحَجِّ وَإِلَى (¬10) الشَّرْقِ لِلْجِهَادِ؟ فَيُقَالُ: لِأَنَّ (¬11) كَوْنَ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ مُحَالٌ لِذَاتِهِ (¬12) ، فَلَا ¬

(¬1) ن، م، ع: تَطَوُّعٌ. (¬2) أ، ب: أَحَبَّ إِلَيْهِ تَعَالَى. (¬3) سُبْحَانَهُ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أَنَّهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬5) الْمَحْبُوبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬6) آخَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: لَوْ لَمْ. (¬8) ب: بِأَحَدِ، أ: بِإِحْدَى. (¬9) أ: هَلْ أَقْدَرَ. (¬10) ن: أَوْ إِلَى، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬11) لِأَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬12) بَعْدَ كَلِمَةِ " لِذَاتِهِ " وَرَدَتْ عِبَارَاتٌ فِي غَيْرِ مَكَانِهَا فِي (أ) ، (ب) ، وَسَتَتَكَرَّرُ بَعْدَ قَلِيلٍ فِي مَوْضِعِهَا الصَّحِيحِ.

يُمْكِنُ هَذَانِ السَّفَرَانِ (¬1) فِي آنٍ (¬2) وَاحِدٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ مُقَدَّرٌ، بَلْ هَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ يَتَصَوَّرُهُ (¬3) الذِّهْنُ كَتَصَوُّرِهِ (¬4) لِنَظِيرِهِ فِي الْخَارِجِ، لِيَحْكُمَ (¬5) عَلَيْهِ بِالِامْتِنَاعِ فِي الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَمَا يُمْكِنُ الذِّهْنُ أَنَّ يَتَصَوَّرَ هَذَا [فِي] (¬6) الْخَارِجِ، وَلَكِنَّ الذِّهْنَ يَتَصَوَّرُ [اجْتِمَاعَ] (¬7) اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، كَالْحَلَاوَةِ الْبَيْضَاءِ [وَالْبَيَاضِ] (¬8) ، ثُمَّ يَقْدِرُ الذِّهْنُ فِي نَفْسِهِ (¬9) : هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ السَّوَادُ وَالْبَيَاضُ فِي مَحَلٍّ [وَاحِدٍ] (¬10) ، كَاجْتِمَاعِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ (¬11) ، فَيَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الِاجْتِمَاعَ مُمْتَنِعٌ فِي الْخَارِجِ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ زِيدًا قَدْ يَكُونُ (¬12) فِي الشَّرْقِ وَعَمْرًا فِي الْغَرْبِ (¬13) ، وَيُقَدِّرُ فِي ذِهْنِهِ: هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ نَفْسُهُ فِي هَذَيْنِ الْمَكَانَيْنِ، كَمَا كَانَ هُوَ وَعَمْرٌو؟ فَيَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ. فَهَذَا (¬14) وَنَحْوُهُ كَلَامُ مَنْ جَعَلَ الْإِرَادَةَ نَوْعَيْنِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدِ نَوْعَيْهَا ¬

(¬1) السَّفَرَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: أَوَانٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: يَتَصَوَّرُ، ب: يُقَدِّرُهُ. (¬4) أ، ب: لِتَصَوُّرِهِ. (¬5) أ، ب: فَيَحْكُمَ. (¬6) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) اجْتِمَاعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) وَالْبَيَاضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، م: فِي الذِّهْنِ فِي نَفْسِهِ. (¬10) وَاحِدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬11) ن، م، ع: الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ. (¬12) قَدْ يَكُونُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬13) ع: فِي الْمَشْرِقِ وَعَمْرًا فِي الْمَغْرِبِ. (¬14) ن، م: وَهَذَا.

وَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا. وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُ الْجَمِيعَ نَوْعًا وَاحِدًا فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِنْ جَعَلَ الْحُبَّ وَالرِّضَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَزِمَتْهُ (¬1) تِلْكَ الْمَحَاذِيرُ الشَّنِيعَةُ، وَإِنْ جَعَلَ الْحُبَّ وَالرِّضَا نَوْعًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ، وَقَالَ (¬2) : إِنَّهُ قَدْ يُحِبُّ وَيَرْضَى مَا لَا يُرِيدُهُ بِحَالٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَقْصُودُهُ بِقَوْلِهِ: " لَا يُرِيدُهُ " (¬3) أَيْ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَوُجُودَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ. فَهَذَا يَجْعَلُ الْإِرَادَةَ هِيَ الْمَشِيئَةَ لِأَنْ يَخْلُقَ. وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ اصْطِلَاحَ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَهُوَ خِلَافُ (¬4) اسْتِعْمَالِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ النِّزَاعُ مَعَهُ لَفْظِيًّا. وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّوَابِ فِي الْمُنَازَعَاتِ اللَّفْظِيَّةِ مَنْ كَانَ لَفْظُهُ مُوَافِقًا لِلَفْظِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقُرْآنَ (¬5) جَعَلَ هَذَا النَّوْعَ مُرَادًا، فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِطْلَاقِ (¬6) الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ (¬7) أَنَّ الْإِرَادَةَ نَوْعَانِ، وَأَنَّهُ يَأْمُرُ [بِمَا يَشَاؤُهُ (¬8) فَيَأْمُرُ] (¬9) بِمَا لَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَهُ هُوَ، وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا يُحِبُّهُ لِعِبَادِهِ (¬10) وَيَرْضَاهُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ. ¬

(¬1) أ، ب: لَزِمَهُ (¬2) ن، م: فَيُقَالُ. (¬3) ب فَقَطْ: بِقَوْلِهِ مَا لَا يُرِيدُ. (¬4) ن، م: بِخِلَافِ. (¬5) أ، ب: أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ كَلِمَةِ الْقُرْآنِ يُوجَدُ نَقْصٌ فِي أَوْرَاقٍ مُصَوَّرَةٍ (م) إِذْ فُقِدَتْ وَرَقَةٌ مِنْهَا، وَلِذَلِكَ سَتَتَوَقَّفُ الْمُقَابَلَةُ حَتَّى أَوَّلِ الْوَرَقَةِ التَّالِيَةِ. (¬6) أ، ب: لِإِطْلَاقِ. (¬7) أ، ب: بَلْ يُبَيِّنُ. (¬8) أ، ب: بِمَا يَشَاءُ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬10) أ: لِعَبْدِهِ ; ب: لِعَبِيدِهِ.

وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ (¬1) : " وَاللَّهِ لِأَفْعَلَنَّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ أَوْ مَا يُحِبُّهُ [اللَّهُ] لِي (¬2) إِنْ شَاءَ اللَّهُ " وَلَمْ يَفْعَلْ، لَمْ يَحْنَثْ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَلَوْ قَالَ: " وَاللَّهِ لِأَفْعَلَنَّ مَا أَوْجَبَ (¬3) اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ " حَنِثَ إِنْ (¬4) لَمْ يَفْعَلْهُ بِلَا نِزَاعٍ نَعْلَمُهُ (¬5) . وَعَلَى هَذَا فَقَدَ ظَهَرَ بُطْلَانُ حُجَّةِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: كُلُّ عَاقِلٍ يَنْسِبُ مَنْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ وَيَنْهَى عَمَّا يُرِيدُ إِلَى السَّفَهِ. قِيلَ لَهُ: إِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ لَمْ (¬6) يُرِدْ أَنْ يَفْعَلَهُ لَهُ: هَلْ يَكُونُ سَفِيهًا (¬7) أَمْ لَا؟ وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ مَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَمْرٍ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَفْعَلَ هُوَ ذَلِكَ الْأَمْرَ (¬8) وَلَا يُعِينُهُ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا، بَلْ أَوَامِرُ الْحُكَمَاءِ وَالْعُقَلَاءِ (¬9) كُلُّهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَالطَّبِيبُ إِذَا أَمَرَ الْمَرِيضَ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعَاوِنَهُ عَلَى شُرْبِهِ، وَالْمُفْتِي إِذَا أَمَرَ الْمُسْتَفْتِي بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعَاوِنَهُ، وَالْمُشِيرُ إِذَا أَمَرَ الْمُسْتَشِيرَ بِتِجَارَةٍ أَوْ فِلَاحَةٍ [أَوْ نِكَاحٍ] (¬10) ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ هُوَ ذَلِكَ (¬11) . ¬

(¬1) ع، ن: الرَّجُلُ. (¬2) ن: وَمَا يُحِبُّهُ لِي، أ، ب: أَوْ مَا يُحِبُّهُ لِي (¬3) ن: مَا أَوْجَبَهُ. (¬4) ن، ع: إِذَا. (¬5) أ: هَلَّا نِزَاعٌ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ن: بِلَا نِزَاعٍ. (¬6) أ، ب: وَلَمْ. (¬7) ع: سَفَهًا. (¬8) أ: وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ ذَلِكَ الْأَمْرَ ; ب: وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الْأَمْرَ. (¬9) ع، ن: الْعُقَلَاءِ وَالْحُكَمَاءِ. (¬10) أَوْ نِكَاحٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬11) أ، ب: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.

وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا فَأَمَرَهُ بِهِ، وَالْآمِرُ لَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَفْسَدَةِ لَهُ، لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا (¬1) . فَظَهَرَ بُطْلَانُ مَا ذَكَرَهُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ. وَكَذَلِكَ مَنْ نَهَى غَيْرَهُ عَمَّا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا، فَإِنَّهُ [قَدْ] (¬2) يَكُونُ مَفْسَدَةً لِذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلنَّاهِي. فَالْمَرِيضُ الَّذِي يَشْرَبُ الْمُسَهِّلَاتِ إِذَا نَهَى ابْنَهُ (¬3) الصَّغِيرَ عَنْ شُرْبِهَا لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا. وَالْحَاوِي (¬4) الَّذِي يُرِيدُ إِمْسَاكَ الْحَيَّةِ إِذَا نَهَى ابْنَهُ عَنْ إِمْسَاكِهَا لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا، وَالسَّابِحُ فِي الْبَحْرِ إِذَا نَهَى الْعَاجِزَ عَنِ السِّبَاحَةِ لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا، وَالْمَلِكُ الَّذِي خَرَجَ لِقِتَالِ عَدُوِّهِ إِذَا نَهَى نِسَاءَهُ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا، وَنَظَائِرُ هَذَا لَا تُحْصَى (¬5) . [وَلَوْ نَهَى النَّاهِي غَيْرَهُ عَنْ فِعْلِ مَا يَضُرُّهُ فِعْلُهُ نُصْحًا لَهُ، إِذْ لَوْ كَانَ مَصْلَحَةُ النَّاهِي (¬6) أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ بِهِ؛ حُمِدَ عَلَى فِعْلِهِ، وَحُمِدَ عَلَى نُصْحِهِ، كَمَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَنْهَوْنَ مَنْ يَنْصَحُونَهُ عَنْ فِعْلِ أَشْيَاءَ، وَقَدْ يَطْلُبُونَ فِعْلَهَا مِنْهُمْ لِمَصْلَحَتِهِمْ. ¬

(¬1) ن، ع: سَفَهًا. (¬2) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ابْنَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ع: وَالْحَوَى، أ، ب: وَالْحِوَاءُ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ، وَالْحَاوِي: صَاحِبُ الْحَيَّاتِ، وَهُوَ فَاعِلٌ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِ الْحَيَّاتِ حَايٍ فَهُوَ فَاعِلٌ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ، وَمَنْ قَالَ حَوَّاءٌ فَهُوَ عَلَى بِنَاءِ فَعَّالٍ. (¬5) بَعْدَ عِبَارَةِ لَا تُحْصَى يُوجَدُ سَقْطٌ فِي (ن) سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ فِي مَوْضِعِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬6) أ، ب: إِذَا كَانَ مَصْلَحَةً لِلنَّاهِي.

لَكِنَّ الْمَثَلَ الْمُطَابِقَ لِفِعْلِ الرَّبِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ مِثْلِ (¬1) هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَأَنْشَدَ: وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاكَ الْفِعْلُ عِنْدِي ... فَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْكَ ذَاكَا لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ يُمْكِنُ فِي الْمَخْلُوقِ أَمْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا لَا يُرِيدُ أَنْ (¬2) يُعِينَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورَ، وَنَهْيُهُ عَمَّا يُرِيدُ النَّاهِي أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ لِمَصْلَحَتِهِ] (¬3) . فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقَدَرِيَّ وَأَمْثَالَهُ تَكَلَّمُوا بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ. فَإِذَا قَالُوا: مَنْ أَمَرَ بِمَا لَا يُرِيدُ كَانَ سَفِيهًا، أَوْهَمُوا النَّاسَ أَنَّهُ أَمَرَ بِمَا لَا يُرِيدُ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَفْعَلَهُ. وَاللَّهُ لَمْ يَأْمُرِ الْعِبَادَ بِمَا لَمْ يَرْضَ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ، [وَلَمْ يُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ] (¬4) ، وَلَمْ يُرِدْ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا أَمَرَ بَعْضَهُمْ بِمَا لَمْ يُرِدْ هُوَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ وَ [لَمْ] يَجْعَلْهُمْ فَاعِلِينَ لَهُ (¬5) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْآمِرَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَأْمُورَ فَاعِلًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ، بَلْ هَذَا (¬6) مُمْتَنِعٌ عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ. وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَهُ أَلَّا يَفْعَلَهُ. فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُثْبِتُ الْمَشِيئَةَ دُونَ الْحِكْمَةِ الْغَائِيَّةِ، يَقُولُ: هَذَا كَسَائِرِ (¬7) الْمُمْكِنَاتِ ¬

(¬1) ع: نَحْوِ. (¬2) أ، ب: وَأَنْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ع) فَقَطْ. (¬5) ن، ع: وَيَجْعَلُهُمْ فَاعِلِينَ لَهُ. (¬6) أ، ب: هُوَ. (¬7) ن: فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ كَسَائِرِ.

إِنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَمَنْ أَثْبَتَ الْحِكْمَةَ قَالَ: لَهُ فِي أَنْ لَا يُحْدِثَ هَذَا حِكْمَةً، كَمَا لَهُ فِي سَائِرِ مَا لَمْ يُحْدِثْهُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي إِحْدَاثِ هَذَا مَفْسَدَةٌ لِغَيْرِ هَذَا الْمَأْمُورِ أَعْظَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ (¬1) ، وَقَدْ يَكُونُ فِي فِعْلِ هَذَا الْمَأْمُورِ تَفْوِيتُ مَصْلَحَةٍ أَعْظَمَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ، وَالْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي يُقَدِّمُ أَعْلَى (¬2) الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَيَدْفَعُ أَعْظَمَ الْمَفْسَدَتَيْنِ. وَلَيْسَ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْلَمُوا تَفْصِيلَ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ يَكْفِيهِمُ الْعِلْمُ الْعَامُّ وَالْإِيمَانُ التَّامُّ (¬3) . وَمَنْ جَعَلَ الْإِرَادَةَ نَوْعًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ [قَوْلُهُ] (¬4) مَرْجُوحًا، فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ نُفَاةِ الْقَدَرِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ (¬5) الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ وَالْمَحَبَّةَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَكُونُ مَا لَا يَشَاؤُهُ (¬6) [وَيَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ] (¬7) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُولُ: السَّفَهُ إِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأَغْرَاضُ، وَالْأَغْرَاضُ (¬8) مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَاجَةِ إِلَى الْغَيْرِ وَلِلنَّقْصِ (¬9) بِدُونِهَا، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ مُمْتَنِعٌ، وَهِيَ فِي حَقِّ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلتَّسَلْسُلِ وَقِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ هَذَا الْخَصْمِ. فَإِذَا كَانَتِ الْمُعْتَزِلَةُ - وَالشِّيعَةُ الْمُوَافِقُونَ لَهُمْ - يُسَلِّمُونَ هَذِهِ الْأُصُولَ ¬

(¬1) ن: أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَهُ. (¬2) ن: أَغْلَى. (¬3) أ: الْعِلْمُ التَّامُّ وَالْإِيمَانُ التَّامُّ ; ع: الْعِلْمُ الْعَامُّ وَالْإِيمَانُ الْعَامُّ. (¬4) قَوْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) ن، ع: الَّذِينَ جَعَلُوا. (¬6) ن: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَا لَا يَشَاؤُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬8) ن، ع، أ: الْأَعْرَاضُ وَالْأَعْرَاضُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬9) ن، ع: وَالنَّقْصُ.

انْقَطَعُوا، وَذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ (¬1) إِذَا قَالُوا: يَفْعَلُ لِغَرَضٍ. قِيلَ لَهُمْ: نِسْبَةُ وُجُودِ الْغَرَضِ (¬2) وَعَدَمُهُ إِلَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ وُجُودُ الْغَرَضِ (¬3) أَوْلَى بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: هُمَا عَلَى السَّوَاءِ، امْتَنَعَ مَعَ هَذَا أَنْ يَفْعَلَ لِمَا وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ. وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنَ السُّفَهَاءِ فِينَا، وَهَذَا هُوَ الْعَبَثُ فِينَا. فَإِنْ قَالُوا: فَعَلَ لِنَفْعِ الْعِبَادِ. قِيلَ: الْوَاحِدُ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا يَنْفَعُ غَيْرَهُ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا. أَمَّا الْتِذَاذُهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ (¬4) ، كَمَا يُوجَدُ فِي النُّفُوسِ الْكَرِيمَةِ (¬5) الَّتِي إِنَّمَا تَلْتَذُّ (¬6) وَتَبْتَهِجُ بِالْإِحْسَانِ إِلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا مَصْلَحَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهَا. وَأَمَّا دَفْعُ أَلَمِ الرِّقَّةِ (¬7) عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ إِذَا رَأَى جَائِعًا بَرْدَانَ تَأَلَّمَ لَهُ فَيُعْطِيهِ، فَيَزُولُ الْأَلَمُ عَنْ نَفْسِهِ. وَزَوَالُ الْأَلَمِ مَنْفَعَةٌ [لَهُ] (¬8) وَمَصْلَحَةٌ، دَعْ مَا سِوَى هَذَا مِنْ رَجَاءِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَالْمُكَافَأَةِ، أَوِ الْأَجْرِ مِنَ اللَّهِ [تَعَالَى] (¬9) فَتِلْكَ مَطَالِبُ مُنْفَصِلَةٌ (¬10) ، وَلَكِنْ هَذَانِ أَمْرَانِ مَوْجُودَانِ فِي نَفْسِ الْفَاعِلِ، فَمَنْ نَفَعَ غَيْرَهُ، وَكَانَ (¬11) وُجُودُ النَّفْعِ وَعَدَمُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءً مِنْ ¬

(¬1) ن: بِأَنَّهُمْ أ، ب: أَنَّهُمْ. (¬2) أ: الْعَرَضِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬3) أ: الْعَرَضِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. (¬4) إِلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) الْكَرِيمَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا يَلْتَذُّ، ع: لَهُ تَلْتَذُّ، ن: أَنَّهَا تَلْتَذُّ. (¬7) ن: الرَّقَبَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬9) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) . (¬10) أ: مُتَّصِلَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬11) ن: وَلَوْ كَانَ.

فصل من نفى قيام الأمور الاختيارية بذات الرب تعالى لا بد أن يقول أقوالا متناقضة فاسدة

كُلِّ وَجْهٍ، كَانَ هَذَا مِنْ أَسَفِهِ السُّفَهَاءِ لَوْ وُجِدَ (¬1) ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا؟ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَفْعَلَ الْمُخْتَارُ شَيْئًا حَتَّى يَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ، فَيَكُونَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَتَرْجِيحُ الْأَحَبِّ لَذَّةً وَمَنْفَعَةً. فَهَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةُ الَّذِينَ يُعَلِّلُونَ بِالْغَرَضِ (¬2) هُمُ (¬3) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ غَرَضًا (¬4) ، وَلَا يَكُونُ (¬5) إِلَّا مُمْتَنِعًا أَوْ سَفَهًا، وَإِنْ أَثْبَتُوا (¬6) غَرَضًا قَائِمًا بِهِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَهُمْ يُحِيلُونَ ذَلِكَ. ثُمَّ الْغَرَضُ إِنْ كَانَ لِغَرَضٍ آخَرَ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَهُمْ يُحِيلُونَهُ فِي الْمَاضِي. وَلَهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَوْلَانِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ آخَرَ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ لَا لِغَرَضٍ. فَهَذِهِ الْأُصُولُ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا - هُمْ وَالْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ - هِيَ حُجَّةٌ لِأُولَئِكَ عَلَيْهِمْ (¬7) . [فصل مَنْ نَفَى قِيَامَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً فَاسِدَةً] [ (فَصْلٌ) (¬8) وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ نَفَى قِيَامَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً فَاسِدَةً. وَلَمَّا (¬9) كَانَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُعْتَزِلَةُ ¬

(¬1) أ، ب: أَسَفَهِ النَّاسِ إِذَا وُجِدَ. (¬2) ن: يُعَلِّلُونَ بِالْقَدَرِ بِالْغَرَضِ. (¬3) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ: عَرَضًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ع: أَوْ لَا يَكُونُ. (¬6) ب فَقَطْ: إِنْ أَثْبَتُوا. (¬7) أ، ب: عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬8) عِنْدَ كَلِمَةِ " فَصْلٌ " يُوجَدُ سَقْطٌ طَوِيلٌ فِي نُسْخَةٍ (ن) سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬9) ب فَقَطْ: وَلِذَا.

قَدِ اشْتَرَكُوا فِي أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَنَازَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيلِ أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ (¬1) ، كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ يَسْتَلْزِمُ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَهُ وَتَنَاقُضَهُ. فَمُثْبِتَةُ التَّعْلِيلِ تَقُولُ: مَنْ فَعَلَ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ كَانَ سَفِيهًا. وَهَذَا إِنَّمَا يُعْلَمُ فِيمَنْ (¬2) فَعَلَ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْبَارِئَ فَعَلَ لَا لِحِكْمَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَنْ (¬3) فَعَلَ لَا لِحِكْمَةٍ سَفِيهًا (¬4) لَزِمَهُ (¬5) إِثْبَاتُ السَّفَهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا تَنَاقَضُوا، فَإِنَّ مَا أَثْبَتُوهُ مِنْ فِعْلِهِ لِحِكْمَةٍ لَا تَعُودُ إِلَيْهِ لَا يُعْقَلُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حَكِيمًا. وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ فِي صِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ (¬6) وَقُدْرَتِهِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ قَدِيمًا، لِمَا فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِقَدَمِهِ. وَقَالُوا: الْمُتَكَلِّمُ لَا يَعْقِلُ (¬7) إِلَّا مَنْ تَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، دُونَ مَنْ يَكُونُ الْكَلَامُ لَازِمًا لِذَاتِهِ لَا يَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬8) . فَيُقَالُ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ لَا يُعْقَلُ مُتَكَلِّمٌ إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ. أَمَّا مُتَكَلِّمٌ لَا يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ، أَوْ مُرِيدٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْإِرَادَةُ، أَوْ عَالِمٌ لَا يَقُومُ بِهِ الْعِلْمُ فَهَذَا لَا يُعْقَلُ، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ. ¬

(¬1) أ: وَأَحْرَامِهِ، ب: وَآخِرِ أَمْرِهِ. (¬2) أ، ب: مِمَّنْ. (¬3) ب فَقَطْ: مِنْهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) سَفِيهًا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: لَزِمَ. (¬6) أفَقَطْ: قَالُوا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ. (¬7) ب: لَا يَعْقِلُ الْمُتَكَلِّمُ ; وَسَقَطَتْ " لَا يَعْقِلُ " مِنْ (أ) . (¬8) ع: بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

بَلْ قَوْلُهُمْ فِي الْكَلَامِ يَتَضَمَّنُ أَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ لَا يَكُونُ مُتَكَلِّمًا ; لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ (¬1) هُوَ الَّذِي أَحْدَثَ فِي غَيْرِهِ الْكَلَامَ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْقُولِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي رِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: أَنَّهَا لَا تَقُومُ بِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ (¬2) ، فَجَعَلُوهُ مَوْصُوفًا بِأُمُورٍ لَا تَقُومُ بِهِ، بَلْ هِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ (¬3) ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْقُولِ، ثُمَّ هُوَ تَنَاقُضٌ، فَإِنَّهُ (¬4) يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُوصَفَ بِكُلِّ مَا يُحْدِثُهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ (¬5) ، حَتَّى يُوصَفَ بِكُلِّ كَلَامٍ خَلَقَهُ، فَيَكُونَ ذَلِكَ كَلَامَهُ. فَإِذَا أَنْطَقَ (¬6) مَا يُنْطِقُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَانَ ذَلِكَ كَلَامَهُ لَا كَلَامَ مَنْ يُنْطِقُهُ (¬7) وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كَلَامَهُمْ أَنَّهُ يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ، يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْحِكْمَةِ أَرْجَحَ عِنْدَهُ مِنْ عَدَمِهَا، أَوْ أَنَّهَا (¬8) تَقُومُ بِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ اللَّوَازِمِ الَّتِي لَا يُعْقَلُ مَنْ يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ إِلَّا مَنْ يَتَّصِفُ بِهَا. وَإِلَّا فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ نِسْبَةَ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ، وَامْتَنَعَ (¬9) أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَرْجَحَ عِنْدَهُ مِنْ بَعْضٍ، امْتَنَعَ (¬10) أَنْ يَفْعَلَ بَعْضَهَا لِأَجْلِ بَعْضٍ. ثُمَّ الْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ لَمَّا رَأَتْ فَسَادَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ، وَقَدْ شَارَكُوهُمْ (¬11) ¬

(¬1) أ، ب: وَالْمُتَكَلِّمُ. (¬2) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) ب فَقَطْ: وَإِنَّهُ. (¬5) ع: الْمُحْدَثَاتِ. (¬6) أ، ب: نَطَقَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) أ، ب: مَنْ يَنْطِقُ. (¬8) أ، ب: وَأَنَّهَا. (¬9) أ، ب: امْتَنَعَ. (¬10) ب فَقَطْ: وَامْتَنَعَ. (¬11) أفَقَطْ: شَارَكُوا.

فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ، قَالُوا: يَمْتَنِعُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا لِأَجْلِ شَيْءٍ أَصْلًا، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ بَعْضٍ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يُحِبَّ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ يُرِيدَ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، بَلْ كُلُّ مَا حَدَثَ فَهُوَ مُرَادٌ لَهُ مَحْبُوبٌ مَرْضِيٌّ، سَوَاءٌ كَانَ كُفْرًا أَوْ إِيمَانًا، أَوْ حَسَنَاتٍ أَوْ سَيِّئَاتٍ، أَوْ نَبِيًّا أَوْ شَيْطَانًا. وَكُلُّ مَا لَمْ يَحْدُثْ فَهُوَ لَيْسَ (¬1) مَحْبُوبًا لَهُ وَلَا مَرْضِيًّا لَهُ وَلَا مُرَادًا، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَشَأْهُ، فَعِنْدَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَأَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ وَأَرَادَهُ، وَمَا لَمْ يَشَأْهُ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَلَا يُرِيدُهُ. وَأُولَئِكَ الْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: كُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ يَشَاؤُهُ وَيُرِيدُهُ، كَمَا أَنَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ لَا يَشَاؤُهُ (¬2) وَلَا يُرِيدُهُ كَمَا لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ، بَلْ يَكُونُ فِي مِلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ، وَيَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ. ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ الْمُجْبِرَةَ (¬3) إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 205] ، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 7] ، قَالُوا: مَعْنَاهُ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يُرِيدُهُ وَلَا يَشَاؤُهُ مِمَّنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَشَاؤُهُ وَلَا يُرِيدُهُ دِينًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَشَاءُ أَنْ يُثِيبَ صَاحِبَهُ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ كَمَا يَشَاؤُهُ لَكِنْ لَا يُحِبُّ أَنْ يُثِيبَ صَاحِبَهُ، كَمَا لَا يَشَاءُ أَنْ يُثِيبَهُ، وَعِنْدَهُمْ يَشَاءُ تَنْعِيمَ أَقْوَامٍ وَتَعْذِيبَ آخَرَيْنِ لَا بِسَبَبٍ وَلَا لِحِكْمَةٍ (¬4) ، وَلَيْسَ فِي بَعْضِ ¬

(¬1) ع: فَلَيْسَ. (¬2) ع: فَإِنَّهُ يَشَاؤُهُ. (¬3) ع: الْجَبْرِيَّةَ. (¬4) أ: كَمَا لَا يَشَاءُ أَنْ يُثِيبَهُ عِنْدَهُمْ نَفْعًا يُنَعِّمُ أَقْوَامًا وَيُعَذِّبُ آخَرِينَ لَا بِسَبَبٍ وَلَا بِحِكْمَةٍ، ب: لَا يَشَاءُ أَنْ يُثِيبَهُ عِنْدَهُمْ، بَلْ يُنَعِّمُ أَقْوَامًا وَيُعَذِّبُ آخَرِينَ لَا بِسَبَبٍ وَلَا بِحِكْمَةٍ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ع) .

الْمَخْلُوقَاتِ قُوًى وَلَا طَبَائِعُ كَانَ بِهَا الْحَادِثُ، وَلَا فِيهَا حِكْمَةٌ لِأَجْلِهَا كَانَ الْحَادِثُ، وَلَا أَمَرَ بِشَيْءٍ لِمَعْنًى، وَلَا نَهَى عَنْهُ لِمَعْنًى، وَلَا اصْطَفَى أَحَدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ لِمَعْنًى فِيهِ (¬1) ، وَلَا أَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ لِمَعْنًى أَوْجَبَ كَوْنَ هَذَا طَيِّبًا وَهَذَا خَبِيثًا، وَلَا أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ لِحِفْظِ (¬2) أَمْوَالِ النَّاسِ، وَلَا أَمَرَ بِعُقُوبَةِ قَطَّاعِ الطَّرِيقِ الْمُعْتَدِينَ لِدَفْعِ ظُلْمِ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَلَا أَنْزَلَ الْمَطَرَ لِشُرْبِ الْحَيَوَانِ وَلِإِنْبَاتِ (¬3) النَّبَاتِ. وَهَكَذَا يَقُولُونَ فِي سَائِرِ مَا خَلَقَهُ، لَكِنْ يَقُولُونَ إِنَّهُ إِذَا وَجَدَ مَعَ شَيْءٍ مَنْفَعَةً أَوْ مَضَرَّةً، فَإِنَّهُ خَلَقَ هَذَا مَعَ هَذَا لَا لِأَجْلِهِ وَلَا بِهِ. وَكَذَلِكَ وَجَدَهُ (¬4) الْمَأْمُورُ مُقَارِنًا لِهَذَا لَا بِهِ وَلَا لِأَجْلِهِ. وَالِاقْتِرَانُ أَجْرَى بِهِ الْعَادَةَ مِنْ غَيْرِ حِكْمَةٍ وَلَا سَبَبٍ، وَلِهَذَا لَمْ تَكُنِ الْأَعْمَالُ عِنْدَهُمْ إِلَّا مُجَرَّدَ عَلَامَاتٍ مَحْضَةٍ وَأَمَارَاتٍ، لِأَجْلِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ الِاقْتِرَانِ، لَا لِحِكْمَةٍ وَلَا لِسَبَبٍ (¬5) ، وَفِي كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مِنَ التَّنَاقُضِ مَا لَا يَكَادُ يُحْصَى. وَلَكِنَّ هَذَا الْإِمَامِيَّ الْقَدَرِيَّ لَمَّا أَخَذَ يَذْكُرُ تَنَاقُضَ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ مُطْلَقًا، بُيِّنَ لَهُ (¬6) أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ كُلَّهُمْ يَعْجَزُونَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى (¬7) مُقَابِلِيهِمْ مِنَ الْمُجْبِرَةِ، كَمَا تَعْجَزُ الرَّافِضَةُ (¬8) عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مُقَابِلِيهِمْ ¬

(¬1) فِيهِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬2) أ: بِحِفْظِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب فَقَطْ: وَإِنْبَاتِ. (¬4) أ، ب: وَجَدَ. (¬5) ب فَقَطْ: وَلَا سَبَبَ. (¬6) أ، ب: تَبَيَّنَ لَهُ. (¬7) ع: عَنْ. (¬8) أ، ب: كَمَا يَعْجَزُ الرَّافِضِيُّ.

مِنَ الْخَوَارِجِ وَالنَّوَاصِبِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقِيمُوا الْحُجَّةَ عَلَى أَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ وَالِاعْتِدَالِ الْمُتَّبِعِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ] (¬1) . وَلِهَذَا نَبَّهْنَا عَلَى [بَعْضِ] (¬2) مَا فِي أَقْوَالِهِمْ مِنَ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ (¬3) الَّذِي لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ (¬4) . وَالْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ (¬5) الْإِثْبَاتِ انْتَدَبُوا لِبَيَانِ تُنَاقِضِهِمْ فِي أُصُولِهِمْ (¬6) وَأَوْعَبُوا (¬7) فِي بَيَانِ تَنَاقُضِ أَقْوَالِهِمْ (¬8) . وَحِكَايَةُ الْأَشْعَرِيِّ مَعَ الْجُبَّائِيِّ فِي الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ مَشْهُورَةٌ، فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَفْعَلَ بِكُلِّ عَبْدٍ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ (¬9) فِي دِينِهِ. وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَالْبَغْدَادِيُّونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يُوجِبُونَهُ أَيْضًا، وَالْبَصْرِيُّونَ لَا يُوجِبُونَهُ. فَقَالَ لَهُ: إِذَا خَلَقَ اللَّهُ ثَلَاثَةَ إِخْوَةٍ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ صَغِيرًا، وَبَلَغَ الْآخَرَانِ: أَحَدُهُمَا آمَنَ، وَالْآخَرُ كَفَرَ، فَأَدْخَلَ الْمُؤْمِنَ الْجَنَّةَ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ، وَأَدْخَلَ الصَّغِيرَ الْجَنَّةَ وَجَعَلَ مَنْزِلَتَهُ تَحْتَهُ. قَالَ لَهُ الصَّغِيرُ: يَا رَبِّ ارْفَعْنِي إِلَى دَرَجَةِ أَخِي. قَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَهُ ; إِنَّهُ آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ (¬10) ، ¬

(¬1) وَالسُّنَّةِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) ، وَهُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الطَّوِيلُ فِي نُسْخَةٍ (ن) . (¬2) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) أ، ب، ع: مِنَ الْفَسَادِ. (¬4) أ، ب: يُضْبَطُ. (¬5) أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬6) أ، ب: أَصْلِهِمْ. (¬7) أ: وَأَذْعَنُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَعَبَ الشَّيْءَ وَعْبًا وَأَوْعَبَهُ وَاسْتَوْعَبَهُ، أَخَذَهُ أَجْمَعَ. (¬8) أ، ب: الْأَقْوَالِ. (¬9) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) أ، ب: وَعَمِلَ صَالِحًا.

وَأَنْتَ صَغِيرٌ (¬1) لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَهُ. قَالَ: يَا رَبِّ أَنْتَ (¬2) أَمَتَّنِي، فَلَوْ [كُنْتَ] أَبْقَيْتَنِي كُنْتُ أَعْمَلُ (¬3) مِثْلَ عَمَلِهِ (¬4) . فَقَالَ: عَمِلْتُ مَصْلَحَتَكَ ; لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ لَوْ بَلَغْتَ لَكَفَرْتَ، فَلِهَذَا اخْتَرَمْتُكَ. فَصَاحَ الثَّالِثُ مِنْ أَطْبَاقِ النَّارِ، وَقَالَ يَا رَبِّ هَلَّا اخْتَرَمْتَنِي (¬5) قَبْلَ الْبُلُوغِ كَمَا اخْتَرَمْتَ أَخِي الصَّغِيرَ؟ فَإِنَّ هَذَا كَانَ مَصْلَحَةً (¬6) فِي حَقِّي أَيْضًا. فَيُقَالُ (¬7) : إِنَّهُ لَمَّا أَوْرَدَ عَلَيْهِ هَذَا انْقَطَعَ (¬8) . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ الْعَدْلَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَأَنْ يَفْعَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ أَصْلَحُ (¬9) ، وَهُنَا (¬10) قَدْ فَعَلَ [بِأَحَدِهِمَا مَا هُوَ] (¬11) الْأَصْلَحُ عِنْدَهُمْ دُونَ الْآخَرِ. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَطَلَ تَشْبِيهُهُمْ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ، وَقَالَ لَهُمْ هَؤُلَاءِ: ¬

(¬1) عِبَارَةُ " وَأَنْتَ صَغِيرٌ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) ن: فَأَنْتَ. (¬3) ن: فَلَوْ أَبْقَيْتَنِي لَكُنْتُ أَعْمَلُ. (¬4) أ، ب: أَعْمَلُ مِثْلَهُ. (¬5) أ: لِمَ لَا اخْتَرَمْتَنِي ; ب: لِمَ مَا اخْتَرَمْتَنِي. (¬6) ن: لِمَصْلَحَةٍ. (¬7) أ: فَقَالَ ; ب: يُقَالُ. (¬8) رَوَى هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ السُّبْكِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْأَشْعَرِيِّ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3 356 وَقَالَ فِي آخِرِهَا: قُلْتُ: هَذِهِ مُنَاظَرَةٌ شَهِيرَةٌ، وَقَدْ حَكَاهَا شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ، وَانْظُرْ كِتَابَ الْأَشْعَرِيِّ لِلدُّكْتُورِ حَمُّودَة غَرَابَة رَحِمَهُ اللَّهُ، ص [0 - 9] 5 - 66 ط، مَطْبَعَةِ الرِّسَالَةِ، الْقَاهِرَةِ، 1953. (¬9) ع: بِكُلٍّ مِنْهُمُ الْأَصْلَحَ أ، ب: لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَصْلَحَ. (¬10) ع: وَهَذَا. (¬11) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)

نَحْنُ وَأَنْتُمْ قَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ لَا يُقَاسُ (¬1) عَلَى فِعْلِ (¬2) خَلْقِهِ، وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ نُثْبِتُ فَاعِلًا يَفْعَلُ شَيْئًا مُنْفَصِلًا عَنْ نَفْسِهِ، بِدُونِ شَيْءٍ حَادِثٍ فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ فِي الشَّاهِدِ (¬3) ، (* وَنُثْبِتُ (¬4) فَاعِلًا لَمْ يَزَلْ غَيْرَ فَاعِلٍ حَتَّى فَعَلَ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ فِي الشَّاهِدِ *) (¬5) . وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَ مِنَ الْغَرَضِ مَا ثَبَتَ فَاعِلًا لَمْ يَزَلْ غَيْرَ فَاعِلٍ حَتَّى فَعَلَ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ فِي الشَّاهِدِ. وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَ مِنَ الْغَرَضِ مَا لَا يُعْقَلُ فِي الشَّاهِدِ، وَتَدَّعُونَ بِذَلِكَ أَنَّكُمْ (¬6) تَنْفُونَ عَنْهُ (¬7) السَّفَهَ وَتَجْعَلُونَهُ حَكِيمًا، وَالَّذِي تَذْكُرُونَهُ هُوَ السَّفَهُ (¬8) الْمَعْقُولُ فِي الشَّاهِدِ الْمُخَالِفِ لِلْحِكْمَةِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُكُمْ (¬9) : إِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَنْسِبُ مَنْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ وَيَنْهَى عَمَّا يُرِيدُهُ - إِلَى السَّفَهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. فَيُقَالُ لَكُمْ (¬10) : إِنْ كَانَ هَذَا الْفَاعِلُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّ الْخَالِقَ كَذَلِكَ، مَعَ مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؟ وَالْمَخْلُوقُ مُحْتَاجٌ إِلَى ¬

(¬1) أ، ب: لَا يَنْقَاسُ. (¬2) أ، ب، ن: بِفِعْلِ. (¬3) أ، ب: فِي الْمُشَاهَدَةِ. (¬4) ع، ن: وَيُثْبِتُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن: أَنَّكُمْ بِذَلِكَ. (¬7) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ب فَقَطْ: كَذَلِكَ وَقُلْتُمْ. (¬10) أ، ب: قِيلَ لَكُمْ، ع: يُقَالُ لَكُمْ.

جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى [مُنَزَّهٌ] (¬1) عَنْ ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ مَنْهِيٌّ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. فَهَذِهِ (¬2) الْقَضِيَّةُ إِنْ أَخَذْتُمُوهَا كُلِّيَّةً يَدْخُلُ فِيهَا الْخَالِقُ، مَنَعَنَا الْإِجْمَاعُ (¬3) الْمَحْكِيُّ عَنِ الْعُقَلَاءِ. وَإِنْ أَخَذْتُمُوهَا فِي الْمَخْلُوقِ لِتَقِيسُوا بِهِ الْخَالِقَ، كَانَ هَذَا قِيَاسًا فَاسِدًا، فَلَا يَصِحُّ مَعَكُمْ هَذَا الْقِيَاسُ، لَا عَلَى أَنَّهُ قِيَاسُ شُمُولٍ وَلَا عَلَى أَنَّهُ قِيَاسُ تَمْثِيلٍ. وَقَدْ أَجَابَهُمُ الْأَشْعَرِيُّ بِجَوَابٍ آخَرَ (¬4) ، فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَمْرَ الْإِنْسَانِ بِمَا لَا يُرِيدُهُ (¬5) سَفَهٌ (¬6) مُطْلَقًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ حِكْمَةً، إِذَا كَانَ مَقْصُودُهُ امْتِحَانَ الْمَأْمُورِ لِيُبَيِّنَ (¬7) عُذْرَهُ عِنْدَ النَّاسِ فِي عِقَابِهِ، مِثْلَ مَنْ يَكُونُ لَهُ عَبْدٌ يَعْصِيهِ فَيُعَاقِبُهُ، فَيُلَامُ عَلَى عُقُوبَتِهِ، فَيَعْتَذِرُ (¬8) بِأَنَّ هَذَا يَعْصِينِي، فَيُطْلَبُ (¬9) مِنْهُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ، فَيَأْمُرُ أَمْرَ امْتِحَانٍ، وَهُوَ [هُنَا] (¬10) لَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ، بَلْ يُرِيدُ أَنْ يَعْصِيَهُ لِيَظْهَرَ عُذْرُهُ فِي عِقَابِهِ. وَأَثْبَتَ بِهَذَا أَيْضًا كَلَامَ النَّفْسِ الَّذِي يُثْبِتُهُ، وَأَنَّ الطَّلَبَ الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ ¬

(¬1) مُنَزَّهٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن: وَهَذِهِ. (¬3) ن: مَنَعَنَا الِاجْتِمَاعُ، أ: مَنَعَتْنَا بِالْإِجْمَاعِ، ب: مَنَعْنَا بِالْإِجْمَاعِ. (¬4) آخَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: بِمَا لَا يُرِيدُ. (¬6) أ، ب: سَفَهًا. (¬7) ن: لِيَتَبَيَّنَ. (¬8) ن: فَيَتَعَذَّرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ن: وَيُطْلَبُ. (¬10) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

لَيْسَ هُوَ الْإِرَادَةَ وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهَا، كَمَا أَثْبَتَ مَعْنَى الْخَبَرِ: أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ بِإِخْبَارِ الْكَاذِبِ، فَاعْتَمَدَ عَلَى أَمْرِ الْمُمْتَحِنِ وَخَبَرِ الْكَاذِبِ. لَكِنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ لَمْ يَرْضَوْا بِهَذَا الْجَوَابِ، فَإِنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هُوَ أَمْرًا، وَإِنَّمَا هُوَ إِظْهَارُ أَمْرٍ. وَكَذَلِكَ خَبَرُ الْكَاذِبِ هُوَ قَالَ بِلِسَانِهِ (¬1) مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، فَخَبَرُ الْكَاذِبِ لَيْسَ خَبَرًا عَمَّا فِي نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ إِظْهَارُ الْخَبَرِ [عَمَّا] (¬2) فِي نَفْسِهِ، فَصَارَ (¬3) أَمْرُ الْمُمْتَحِنِ كَأَمْرِ الْهَازِلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ هَزْلَهُ (¬4) ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ. وَلِهَذَا إِذَا عَرَفَ الْمَأْمُورُ حَقِيقَةَ (¬5) أَمْرِ الْمُمْتَحِنِ [لِيُعَاقِبَهُ] (¬6) ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ إِلَّا أَنْ يَعْصِيَهُ، فَإِنَّهُ يُطِيعُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَالْمُمْتَحِنُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ قَصْدُهُ أَنْ يَعْصِيَهُ الْمَأْمُورُ لِيُعَاقِبَهُ، مِثْلُ هَذَا الْمِثَالِ (¬7) . وَنَوْعٌ مُرَادُهُ طَاعَةُ الْمَأْمُورِ وَانْقِيَادُهُ (¬8) لِأَمْرِهِ، لَا نَفْسُ (¬9) الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، كَأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (¬10) لِلْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ، وَكَانَ الْمُرَادُ طَاعَةَ إِبْرَاهِيمَ وَبَذْلَ ذَبْحِ ابْنِهِ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ (¬11) ، وَأَنْ يَكُونَ ¬

(¬1) أ، ب: هُوَ قَالَ يُثْبِتُ أَنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) عَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) أ، ب، ع: وَصَارَ. (¬4) عِبَارَةُ الَّذِي لَمْ يَعْلَمِ الْمَأْمُورُ هَزْلَهُ، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي (ع) : أَمْرِ الْمُمْتَحِنِ الْهَازِلِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمِ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ هَازِلٌ. (¬5) ن: حَقِيقَتَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) لِيُعَاقِبَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) . (¬7) ن: لِيُعَاقِبَهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ. (¬8) أ، ب: وَإِنْفَاذُهُ. (¬9) أ، ب: لَا لِنَفْسِ. (¬10) ن: كَأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أ، ب: كَأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. (¬11) ع: فِي مَحَبَّتِهِ أ، ب: فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.

فصل كلام الرافضي على الرضا بقضاء الله وقدره والرد عليه

طَاعَةُ اللَّهِ وَمَحْبُوبُهُ وَمُرَادُهُ (¬1) أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الِابْنِ، فَلَمَّا حَصَلَ هَذَا الْمُرَادُ، فَدَاهُ اللَّهُ بِالذِّبْحِ الْعَظِيمِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ - وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ - قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ - وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 103، 107] . وَتَصَوُّرُ هَذِهِ الْمَعَانِي نَافِعٌ جِدًّا فِي هَذَا الْبَابِ، الَّذِي كَثُرَ فِيهِ الِاضْطِرَابُ (¬2) . [فصل كلام الرافضي على الرضا بقضاء الله وقدره والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الْإِمَامِيُّ الْقَدَرِيُّ (¬3) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ (¬4) وَاجِبٌ، فَلَوْ كَانَ الْكُفْرُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ (¬5) وَجَبَ عَلَيْنَا الرِّضَا بِهِ (¬6) ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الرِّضَا بِالْكُفْرِ ". وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: جَوَابُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ الرِّضَا (¬7) ¬

(¬1) أ: وَأَنْ تَكُونَ طَاعَةُ اللَّهِ مَحْبُوبَهُ مُرَادٍ، ب: وَأَنْ تَكُونَ طَاعَةُ اللَّهِ مَحْبُوبَةً مُرَادَةً. (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " الِاضْطِرَابِ "، فِي (أ) ، (ب) وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬3) ع: قَالَ الرَّافِضِيُّ الْإِمَامِيُّ الْقَدَرِيُّ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 9 (م) . (¬4) ن: بِقَدَرِهِ وَقَضَائِهِ، ك: بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ. (¬5) أ، ب، ع: بِقَضَاءِ اللَّهِ، ك: بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ. (¬6) أ، ب: وَجَبَ عَلَيْنَا الرِّضَا، ع، ن: وَاجِبٌ عَلَيْنَا الرِّضَا بِهِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬7) ن، ع: فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرِّضَا.

وَاجِبٌ بِكُلِّ الْمَقْضِيَّاتِ (¬1) ، [وَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ] (¬2) . وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الرِّضَا بِالْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَالذُّلِّ [وَنَحْوِهَا] (¬3) ، هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الرِّضَا بِذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِأَنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَى أَهْلِ الرِّضَا بِقَوْلِهِ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 8] ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ الصَّبْرَ (¬4) ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِهِ فِي غَيْرِ آيَةٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالرِّضَا بِالْمَقْدُورِ، وَلَكِنْ أَمَرَ بِالرِّضَا بِالْمَشْرُوعِ. فَالْمَأْمُورُ بِهِ يَجِبُ الرِّضَا بِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 59] . وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ وَاجِبٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ رِضَاهُ بِاللَّهِ (¬5) رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، وَلِمَا رُوِيَ: " «مَنْ لَمْ يَرْضَ (¬6) بِقَضَائِي، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلْوَائِي (¬7) ، فَلْيَتَّخِذْ رَبًّا سِوَائِي» (¬8) ". ¬

(¬1) أ: لِكُلِّ الْمُقْتَضَيَاتِ، ب: لِكُلِّ الْمُقْتَضَيَاتِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬3) وَنَحْوِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) أ، ب، ع: وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الصَّبْرَ. (¬5) ع: لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا بِاللَّهِ. (¬6) أ، ب: يُؤْمِنْ. (¬7) أ: وَيَصْبِرْ عَلَى بَلْوَائِي، ن: وَيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، ع: وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي. (¬8) ن: فَلْيَتَّخِذْ رَبًّا سِوَايَ ; ع: فَلْيَتَّخِذْ لَهُ رَبًّا سِوَائِي.

لَكِنَّ هَذَا لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ; لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ (¬1) ثُبُوتُهُ عَنِ اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬2) . وَأَمَّا الرِّضَا بِاللَّهِ [رَبًّا] (¬3) ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬4) نَبِيًّا فَهُوَ وَاجِبٌ. وَهَذَا هُوَ الرِّضَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَأَمَّا الرِّضَا بِكُلِّ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ وَيُقَدِّرُهُ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، بَلْ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِأُمُورٍ مَعَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ، كَقَوْلِهِ: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ:] ، وَقَوْلِهِ (¬5) : {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 108] . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ [عَلَى هَذَا] (¬6) فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ فِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَكَيْفَ تَحَزَّبَ النَّاسُ فِيهِ أَحْزَابًا، حِزْبٌ زَعَمُوا (¬7) أَنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ لِأَنَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ، وَحِزْبٌ يُنْكِرُونَ قَضَاءَ اللَّهِ وَقَدَرَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَهُمُ الرِّضَا بِهِ، وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ بَنَتْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ (¬8) الرِّضَا بِكُلِّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَكْرَهُ [وَيُبْغِضُ] (¬9) وَيَمْقُتُ كَثِيرًا مِنَ الْحَوَادِثِ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَكْرَهَهَا وَنَبْغَضَهَا. ¬

(¬1) ن: حُجَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ. (¬2) عَزَّ وَجَلَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) رَبًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) وَقَوْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) عَلَى هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) أ، ب: أَحْزَابًا وَزَعَمُوا. (¬8) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬9) وَيُبْغِضُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: الرِّضَا يُشْرَعُ بِمَا يَرْضَى اللَّهُ بِهِ، وَاللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ: {لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 205] ، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ:] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 108] ، وَهَذَا أَمْرٌ مَوْجُودٌ مِنْ أَقْوَالِ الْعِبَادِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ، فَإِذَا لَمْ يَرْضَهُ كَيْفَ يَأْمُرُ الْعَبْدَ بِأَنْ (¬1) يَرْضَاهُ؟ بَلِ الْوَاجِبُ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْخَطُ مَا يَسْخَطُهُ اللَّهُ (¬2) ، وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُهُ (¬3) اللَّهُ، وَيَرْضَى بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 28] فَذَمَّ (¬4) مَنِ اتَّبَعَ مَسَاخِطَهُ (¬5) وَكَرِهَ مَرَاضِيَهُ، وَلَمْ يَذُمَّ مَنْ كَرِهَ مَسَاخِطَهُ وَاتَّبَعَ مَرَاضِيَهُ. فَإِذَا قَالَ: فَكَيْفَ (¬6) يَكُونُ اللَّهُ سَاخِطًا مُبْغِضًا (¬7) لِمَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ؟ قِيلَ: نَعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ (¬8) . أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْأَكْثَرِينَ [فَلِأَنَّ الْمَقْضِيَّ شَيْءٌ كَوَّنَهُ (¬9) ، وَعِنْدَهُمُ الْبُغْضُ مُغَايِرٌ لِلْإِرَادَةِ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْأَقَلِّينَ] (¬10) فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: ¬

(¬1) أ، ب، ع: أَنْ. (¬2) ن: يَسْخَطُ بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ. (¬3) ن، ع: مَا أَبْغَضَهُ. (¬4) أ، ب: وَقَدْ ذَمَّ. (¬5) ن: مَسَاخِطَ اللَّهِ. (¬6) أ، ب: كَيْفَ. (¬7) مُبْغِضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬8) أ، ب: نَعَمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (¬9) أ، ع: شَيْئًا كَوَّنَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

سُخْطُهُ لَهُ وَبُغْضُهُ (¬1) هُوَ إِرَادَتُهُ عُقُوبَةَ (¬2) فَاعِلِهِ، فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِعُقُوبَةِ فَاعِلِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَمَأْمُورُونَ بِأَنْ نَكْرَهَ مَا يَنْهَى عَنْهُ (¬3) . لَكِنَّ الْجَوَابَ عَلَى هَذَا [الْقَوْلِ] (¬4) يَعُودُ إِلَى (¬5) الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ نَفْسَ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، قَدْ أَمَرَ الْعَبْدَ بِأَنْ يَكْرَهَهُ وَيُبْغِضَهُ وَيَسْخَطَهُ (¬6) ، فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَيْسَ كُلُّ مَقْدُورٍ مَقْضِيٍّ مَأْمُورًا يَرْضَى بِهِ (¬7) . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَأَنَّ مَا يَضُرُّ النَّاسَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْعُقُوبَاتِ يَخْلُقُهَا لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ (¬8) وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَفْعَلُ مَا يَكْرَهُهُ، كَشُرْبِهِ (¬9) الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ لِمَا [لَهُ] (¬10) فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا كَالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، فَشُرْبُ الدَّوَاءِ مَكْرُوهٌ مِنْ وَجْهٍ مَحْبُوبٌ مِنْ وَجْهٍ، فَالْعَبْدُ يُوَافِقُ رَبَّهُ فَيَكْرَهُ (¬11) ¬

(¬1) ن: سَخِطَهُ اللَّهُ وَبَغِضَهُ، م: بِسُخْطِ اللَّهِ وَبُغْضِهِ، وَعِنْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَعُودُ إِلَى الْمُقَابَلَةِ مَعَ نُسْخَةِ (م) بَعْدَ الصَّفْحَةِ الْمَفْقُودَةِ مِنَ الْمُصَوَّرَةِ وَهِيَ ص 83. (¬2) أ، ب: الْإِرَادَةُ لِعُقُوبَةِ، م: إِرَادَةُ عُقُوبَةِ. (¬3) أ، ب: مَا نُهِيَ عَنْهُ. (¬4) الْقَوْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: عَلَى. (¬6) أ: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَكْرَهَهُ وَيُبْغِضَهُ وَيَسْخَطَهُ، ب: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ نَكْرَهَهُ وَنُبْغِضَهُ وَنَسْخَطَهُ. (¬7) أ: لَيْسَ كُلُّ مَقْدُورٍ مَقْضِيٍّ بِرِضَاهُ، ب: لَيْسَ كُلُّ مَقْدُورٍ مَقْضِيٍّ نَرْضَاهُ، ع: لَيْسَ كُلُّ مَقْدُورٍ مَرْضِيٍّ يَرْضَى بِهِ. (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي (ن) ، (م) وَأَنَّ مَا (م: وَأَمَّا مَا) ، يَضُرُّ الْإِنْسَانَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْعُقُوبَاتِ يَفْعَلُهُ لِمَا لَهُ فِيهَا مِنَ الْحِكْمَةِ. (¬9) ع، م: كَشُرْبِ. (¬10) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (أ) ، (ب) . (¬11) ن، م: وَيَكْرَهُ.

الذُّنُوبَ وَيَمْقُتُهَا وَيُبْغِضُهَا ; لِأَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُهَا وَيَمْقُتُهَا، وَيَرْضَى بِالْحِكْمَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ لِأَجْلِهَا، فَهِيَ مِنْ جِهَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ لَهَا مَكْرُوهَةٌ مَسْخُوطَةٌ، وَمِنْ جِهَةِ خَلْقِ الرَّبِّ لَهَا مَحْبُوبَةٌ مَرْضِيَّةٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ. وَالْعَبْدُ فَعَلَهَا وَهِيَ ضَارَّةٌ لَهُ مُوجِبَةٌ لَهُ الْعَذَابَ، فَنَحْنُ نُنْكِرُهَا وَنَكْرَهُهَا وَنَنْهَى عَنْهَا كَمَا أَمَرَنَا (¬1) اللَّهُ بِذَلِكَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضًا [سُبْحَانَهُ] (¬2) ، يَسْخَطُهَا وَيُبْغِضُهَا، وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَحْدَثَهَا لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، فَنَرْضَى (¬3) بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. فَمَتَى لَحَظْنَا أَنَّ اللَّهَ قَضَاهَا وَقَدَّرَهَا رَضِينَا عَنِ اللَّهِ وَسَلَّمْنَا لِحُكْمِهِ (¬4) . وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْعَبْدِ يَفْعَلُهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ نَكْرَهَ ذَلِكَ وَنَنْهَى عَنْهُ وَنَجْتَهِدَ (¬5) فِي دَفْعِهِ (¬6) بِحَسَبِ إِمْكَانِنَا، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنَّا. وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرْسَلَ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (¬7) ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ فِي إِرْسَالِهِمْ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي دَفْعِهِمْ وَقِتَالِهِمْ. وَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَا يُنَافِي الْآخَرَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْفَأْرَةَ وَالْحَيَّةَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَأَمَرَنَا بِقَتْلِ ذَلِكَ، فَنَحْنُ نَرْضَى عَنِ اللَّهِ إِذْ خَلَقَ ذَلِكَ، وَنَعْلَمُ أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةً، وَنَقْتُلُهُمْ (¬8) كَمَا أَمَرَنَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيَرْضَاهُ. ¬

(¬1) ن، م، ع: كَمَا أَمَرَ. (¬2) أ، ب: هُوَ سُبْحَانَهُ، ن، م: هُوَ أَيْضًا. (¬3) ن، م: وَيَرْضَى، ع: فَتَرْضَى. (¬4) أ، ب: لِحِكْمَتِهِ. (¬5) ن: أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيَجْتَهِدَ، وَالْكَلِمَاتُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) وَفِي (أ) : أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ وَيَنْهَى عَنْهُ وَنَجْتَهِدَ. (¬6) أ، ب: فِي ذَلِكَ. (¬7) ن: الْكُفَّارَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ م: الْكُفَّارَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. (¬8) ب: وَنَقْتُلُهَا، م: وَنَقْتُلُهُنَّ.

وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِجَوَابٍ آخَرَ: وَهُوَ أَنَّا نَرْضَى بِالْقَضَاءِ لَا بِالْمَقْضِيِّ. وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ [بِجَوَابٍ آخَرَ] : أَنَّا نَرْضَى بِهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا (¬1) خَلْقًا، وَنَسْخَطُهَا مِنْ جِهَةِ (¬2) كَوْنِهَا كَسْبًا. وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ، لَكِنَّ إِثْبَاتَ الْكَسْبِ إِذَا لَمْ يَجْعَلِ الْعَبْدَ فَاعِلًا - فِيهِ كَلَامٌ قَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬3) . فَالَّذِينَ جَعَلُوا الْعَبْدَ كَاسِبًا غَيْرَ فَاعِلٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْجَهْمِ [بْنِ صَفْوَانَ] (¬4) وَحُسَيْنٍ النَّجَّارِ، وَأَبِي الْحَسَنِ [الْأَشْعَرِيِّ] وَغَيْرِهِمْ (¬5) ، كَلَامُهُمْ مُتَنَاقِضٌ ; وَلِهَذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا فِي بَيَانِ هَذَا الْكَسْبِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِعْلِ كَلَامًا مَعْقُولًا، بَلْ تَارَةً يَقُولُونَ: هُوَ (¬6) الْمَقْدُورُ بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ، وَتَارَةً يَقُولُونَ: مَا قَامَ بِمَحَلِّ الْقُدْرَةِ أَوْ بِمَحَلِّ الْقُدْرَةِ (¬7) الْحَادِثَةِ. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: مَا الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ؟ قَالُوا: مَا قَامَتْ بِمَحَلِّ الْكَسْبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (¬8) مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي ¬

(¬1) ن: فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّا نَرْضَى بِهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا ; وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ نَرْضَى بِهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا، ع: وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّا نَرْضَى مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا. (¬2) ن: مِنْ حَيْثُ. (¬3) ن، م: فِيهِ كَلَامٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. (¬4) بْنِ صَفْوَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب: كَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ، ع: وَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ، ن: وَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬6) ن، م: هَذَا. (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬8) ن، م: وَنَحْوِهِ.

فصل من كلام الرافضي عن القدر عند أهل السنة " ومنها أنه يلزم أن نستعيذ بإبليس من الله تعالى " والرد عليه

تَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ. ثُمَّ يَقُولُونَ: مَعْلُومٌ (¬1) بِالِاضْطِرَارِ الْفَرْقُ بَيْنَ حَرَكَةِ الْمُخْتَارِ وَحَرَكَةِ الْمُرْتَعِشِ. وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْفَرْقَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَعُودَ إِلَى كَوْنِ أَحَدِهِمَا مُرَادًا دُونَ الْآخَرِ، إِذْ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُرِيدَ فِعْلَ غَيْرِهِ، فَرَجَعَ الْفَرْقُ إِلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدِهِمَا قُدْرَةً يَحْصُلُ بِهَا الْفِعْلُ دُونَ الْآخَرِ، وَالْفِعْلُ هُوَ الْكَسْبُ، لَا يُعْقَلُ شَيْئَانِ فِي الْمَحَلِّ، أَحَدُهُمَا فِعْلٌ، وَالْآخَرُ كَسْبٌ. [فصل من كلام الرافضي عن القدر عند أهل السنة " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ نَسْتَعِيذَ بِإِبْلِيسَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى " والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] : (¬2) " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ (¬3) أَنْ نَسْتَعِيذَ (¬4) بِإِبْلِيسَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَحْسُنُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 98] لِأَنَّهُمْ نَزَّهُوا إِبْلِيسَ (* وَالْكَافِرَ مِنَ (¬5) الْمَعَاصِي، وَأَضَافُوهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَيَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِينَ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ *) (¬6) عَلَيْهِمْ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ". فَيُقَالُ: هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ (¬7) ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: ¬

(¬1) ن، م: الدَّوْرَ وَمَعْلُومٌ. (¬2) الرَّافِضِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ، ص [0 - 9] 9 (م) . (¬3) أ، ب: يَلْزَمُهُ ; ن: يَسْتَلْزِمُ. (¬4) ن، أ: يَسْتَعِيذَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: عَنِ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬7) أ، ب: مُتَنَاقِضٌ.

أَحَدُهَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِإِبْلِيسَ فِعْلٌ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ (¬1) فِعْلٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلٌ امْتَنَعَ أَنْ يُسْتَعَاذَ بِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُعِيذُ أَحَدًا وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا. وَإِنْ كَانَ لَهُ فِعْلٌ بَطَلَ تَنْزِيهُهُ عَنِ الْمَعَاصِي، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ سَاقِطٌ عَلَى قَوْلِ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ وَنُفَاتِهِ، وَهُوَ إِيرَادُ مَنْ غَفَلَ عَنِ الْقَوْلَيْنِ، وَكَذَلِكَ (¬2) بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ لِإِبْلِيسَ فِعْلٌ، فَلَا يَكُونُ مِنْهُ (¬3) شَرٌّ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ غَيْرَهُ شَرٌّ مِنْهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ (¬4) يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (¬5) شَرٌّ مِنْ إِبْلِيسَ (¬6) . فَدَعْوَى هَذَا أَنَّ هَؤُلَاءِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ (¬7) اللَّهُ شَرًّا عَلَيْهِمْ مِنْ إِبْلِيسَ - دَعْوَى بَاطِلَةٌ، إِذْ غَايَةُ مَا يَقُولُهُ الْقَائِلُ هُوَ الْجَبْرُ الْمَحْضُ (¬8) ، كَمَا يُحْكَى عَنِ الْجَهْمِ وَشِيعَتِهِ، وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ (¬9) لِإِبْلِيسَ وَلَا غَيْرِهِ قُدْرَةٌ وَلَا مَشِيئَةٌ وَلَا فِعْلٌ، بَلْ تَكُونُ حَرَكَتُهُ كَحَرَكَةِ الْهَوَاءِ (¬10) ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لَا خَيْرٌ وَلَا شَرٌّ، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِهَذَا كُلِّهِ، فَكَيْفَ يُقَالُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (¬11) إِنَّ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ شَرٌّ مِنْهُ. ¬

(¬1) أ، ب: لِإِبْلِيسَ. (¬2) أ، ب: وَذَلِكَ. (¬3) أ، ب: لَهُ. (¬4) أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬6) أ، ب: شَرٌّ مِنْهُ. (¬7) أ، ب: فَدَعْوَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونَ. (¬8) أ: الْقَائِلُ هُوَ الْخَبَرُ الْمَحْضُ، ن: الْقَائِلُ الْخَيْرُ الْمَحْضُ، م: الْقَائِلُ بِالْجَبْرِ الْمُحَقَّقِ، ع: الْقَائِلُ بِالْجَبْرِ الْمَحْضِ. (¬9) ن: أَنْ لَا يَكُونُوا، م: لَا يَكُونَ. (¬10) أ: الْهَوَى ; ب: الْهَوِيِّ. (¬11) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا تَحْسُنُ الِاسْتِعَاذَةُ بِإِبْلِيسَ لَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيذَهُمْ مِنَ اللَّهِ، سَوَاءٌ كَانَ اللَّهُ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَهَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةُ، كَالْمُصَنِّفِ وَأَمْثَالِهِ هُمْ (¬1) مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ إِبْلِيسَ يَفْعَلُ مَا لَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ (¬2) ، وَيَفْعَلُ بِدُونِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَيَكُونُ فِي مُلْكِ اللَّهِ مَا لَا يَشَاؤُهُ (¬3) ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ (* عَلَى أَنْ يُحَرِّكَ إِبْلِيسَ وَلَا غَيْرَهُ مِنَ الْأَحْيَاءِ، وَلَا يَنْقُلَهُمْ مِنْ عَمَلٍ إِلَى عَمَلٍ: لَا مِنْ خَيْرٍ إِلَى شَرٍّ، وَلَا مِنْ شَرٍّ إِلَى خَيْرٍ، فَهُمْ مُسَلِّمُونَ (¬4) مَعَ هَذَا *) (¬5) الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالتَّسْلِيطِ الَّذِي أَثْبَتُوهُ لِإِبْلِيسَ (¬6) مِنْ دُونِ اللَّهِ - أَنَّ إِبْلِيسَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُجِيرَ (¬7) عَلَى اللَّهِ، وَلَا يُعِيذَ أَحَدًا مِنْهُ، فَامْتَنَعَ عَلَى هَذَا أَنْ يُسْتَعَاذَ بِهِ، وَلَوْ قَدَرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - مَا أَلْزَمُوهُ مِنْ كَوْنِ غَيْرِ إِبْلِيسَ شَرًّا مِنْهُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِ (¬8) قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَكَانَ الْمُسْتَعِيذُ بِهِ، بَلْ بِسَائِرِ الْمَخْلُوقِينَ مَخْذُولًا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 22] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [سُورَةُ ¬

(¬1) هُمْ زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: يُقَدِّرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. (¬3) ن، م: مَا لَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ. (¬4) ن: يُسَلِّمُونَ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) ن، م: وَلِإِبْلِيسَ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ع، أ: يُجْبِرَ. (¬8) ب فَقَطْ: رَفْعِ.

الْمُؤْمِنُونَ: 88، 89] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 41] . [الْوَجْهُ] (¬1) الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ [فِي سُجُودِهِ] (¬2) : " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» ". (¬3) . [وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا فِي الْوَتْرِ أَيْضًا] (¬4) فَإِذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَعَاذَ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى اسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ، فَأَيُّ امْتِنَاعٍ أَنْ (¬5) يُسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ؟ الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ دُعَاءُ الْعَبْدِ ¬

(¬1) الْوَجْهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) فِي سُجُودِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: مُسْلِمٍ 1 352 كِتَابِ الصَّلَاةِ، بَابِ مَا يُقَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَوَّلُهُ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1 322 كِتَابِ الصَّلَاةِ، بَابٍ فِي الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5 187 كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بَابٍ رَقْمُ 78، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1 273 كِتَابِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ بَابِ مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوَتْرِ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 6 58، 201. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: فَأَيُّ امْتِنَاعٍ مِنْ أَنْ، م: فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنْ.

لِرَبِّهِ وَاسْتِعَاذَتُهُ بِهِ سَبَبًا لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ وَدَفْعِ الْمَرْهُوبِ، كَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا، فَهُمْ إِذَا اسْتَعَاذُوا بِاللَّهِ (¬1) مِنَ الشَّيْطَانِ، كَانَ نَفْسُ اسْتِعَاذَتِهِمْ بِهِ سَبَبًا (¬2) لِأَنْ يُعِيذَهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَقَدْ يُوجَدُ فِي بَعْضِ (¬3) الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الظَّلَمَةِ الْقَادِرِينَ (¬4) مَنْ يَأْمُرُ بِضَرَرِ (¬5) غَيْرِهِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَإِذَا اسْتَجَارَ بِهِ مُسْتَجِيرٌ وَذَلَّ لَهُ؛ دَفَعَ عَنْهُ ذَلِكَ الظَّالِمُ الَّذِي أَمَرَهُ هُوَ بِظُلْمِهِ. وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَهُوَ الْمُنَزَّهُ عَنِ الظُّلْمِ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، [وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ] (¬6) مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ شَرِّ أَسْبَابِ الشَّرِّ الَّتِي قَضَاهَا بِحِكْمَتِهِ؟ الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ بَاطِلٌ عَلَى طَرِيقَةِ الطَّائِفَتَيْنِ. أَمَّا مَنْ لَا يَقُولُ بِالْحِكْمَةِ وَالْعِلَّةِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ إِبْلِيسَ الضَّارَّ لِعِبَادِهِ، وَجَعَلَ اسْتِعَاذَةَ الْعِبَادِ (¬7) بِهِ مِنْهُ طَرِيقًا إِلَى دَفْعِ ضَرَرِهِ، كَمَا جَعَلَ إِطْفَاءَ النَّارِ طَرِيقًا إِلَى دَفْعِ حَرِيقِهَا، وَكَمَا جَعَلَ التِّرْيَاقَ طَرِيقًا إِلَى دَفْعِ ضَرَرِ السُّمِّ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ النَّافِعَ وَالضَّارَّ (¬8) ، وَأَمَرَ الْعِبَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلُوا مَا يَنْفَعُهُمْ، وَيَدْفَعُوا بِهِ مَا يَضُرُّهُمْ. ثُمَّ إِنْ أَعَانَهُمْ عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ كَانَ مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمَ ¬

(¬1) ن، م، ع: بِهِ. (¬2) عِبَارَةُ بِهِ سَبَبًا، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬4) ب فَقَطْ: الْغَادِرِينَ. (¬5) ن، م: بِضَرْبِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: الْعَائِذِ. (¬8) ن: الضَّارَّ وَالنَّافِعَ.

مَا يُرِيدُ، إِذْ لَا مَالِكَ فَوْقَهُ، وَلَا آمِرَ لَهُ، وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَعْصِ أَمْرًا مُطَاعًا. وَأَمَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْحِكْمَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: خَلَقَ اللَّهُ إِبْلِيسَ كَمَا خَلَقَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَالنَّارَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، لِمَا فِي خَلْقِهِ ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ. وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنَّا بِكُلِّ مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ اسْتِعَاذَتُنَا بِهِ [مِنْهُ] ، فَهُوَ الْحَكِيمُ (¬1) (2 فِي خَلْقِ إِبْلِيسَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي أَمْرِنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ [مِنْهُ] (¬2) ، وَهُوَ الْحَكِيمُ (¬3) 2) إِذْ (¬4) جَعَلَنَا نَسْتَعِيذُ بِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي إِعَاذَتِنَا مِنْهُ، وَهُوَ الْحَكِيمُ بِنَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، الْمُحْسِنُ إِلَيْنَا الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْنَا، إِذْ هُوَ أَرْحَمُ بِنَا مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا (¬5) إِذْ هُوَ (¬6) الْخَالِقُ لِتِلْكَ الرَّحْمَةِ، فَخَالِقُ الرَّحْمَةِ أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ مِنَ الرُّحَمَاءِ. الْوَجْهُ (¬7) السَّادِسُ: قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُمْ نَزَّهُوا إِبْلِيسَ وَالْكَافِرَ (¬8) مِنَ الْمَعَاصِي، وَأَضَافُوهَا إِلَى اللَّهِ، [إِلَى آخِرِهِ] " (¬9) - فِرْيَةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعَاصِيَ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِالْمَعْصِيَةِ، الْمَذْمُومِ عَلَيْهَا ¬

(¬1) ن، م: اسْتِعَاذَتُنَا وَهُوَ الْحَكِيمُ. (¬2) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬4) ن، م، ع: إِنْ. (¬5) ع: مِنَ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ. (¬6) أ، ب: هُوَ. (¬7) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ، ب: وَالْكُفَّارَ وَسَبَقَ النَّصُّ وَفِيهِ: وَالْكَافِرَ. (¬9) إِلَى آخِرِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

الْمُعَاقَبِ عَلَيْهَا. وَالْأَفْعَالُ يَتَّصِفُ (¬1) بِهَا (* مَنْ قَامَتْ بِهِ لَا مَنْ خَلَقَهَا، وَإِذَا كَانَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِرَادَةِ، كَالطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ، يُوصَفُ بِهَا *) (¬2) مَحَالُّهَا لَا خَالِقُهَا فِي مَحَالِّهَا، فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ؟ وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا خَلَقَ الْفَوَاسِقَ: كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَجَعَلَ هَذِهِ الْفَوَاسِقَ فَوَاسَقَ، هَلْ يَكُونُ هُوَ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفًا بِذَلِكَ؟ وَإِذَا خَلَقَ الْخَبَائِثَ: كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ، وَجَعَلَ الْخَبِيثَ خَبِيثًا، هَلْ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ؟ وَأَيْنَ (¬3) إِضَافَةُ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا الَّتِي قَامَتْ بِهِ، مِنْ إِضَافَةِ الْمَخْلُوقِ إِلَى خَالِقِهِ؟ فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْفُرْقَانَ (¬4) فَقَدْ سُلِبَ خَاصِّيَّةَ الْإِنْسَانِ. [الْوَجْهُ] (¬5) السَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَسْتَعِيذَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَعَذَابِ (¬6) الْقَبْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي هِيَ مَخْلُوقَاتُهُ (¬7) بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَسْتَعِيذَ (¬8) مِمَّا خَلَقَهُ مِنَ الشَّرِّ (¬9) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [سُورَةُ الْفَلَقِ: 1، 2] ، وَلَا فَرْقَ [فِي ذَلِكَ] (¬10) بَيْنَ إِبْلِيسَ وَغَيْرِهِ. ¬

(¬1) ن، م: تُوصَفُ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) ن: وَلِأَنَّ، م: لِأَنَّ. (¬4) أ، ب: هَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ. (¬5) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: وَمِنْ عَذَابِ. (¬7) عِبَارَةُ: الَّتِي هِيَ مَخْلُوقَاتُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (م) الَّتِي هِيَ مَخْلُوقَاتٌ. (¬8) أ، ب: الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ نَسْتَعِيذَ. (¬9) أ، ب: مِنَ الْبَشَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) فِي ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فصل من كلام الرافضي قوله: لا يبقى وثوق بوعد الله ووعيده

[فصل من كلام الرافضي قوله: لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] : (¬1) " وَمِنْهَا أَنَّهُ (¬2) لَا يَبْقَى وُثُوقٌ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا جَوَّزُوا اسْتِنَادَ (¬3) الْكَذِبِ فِي الْعَالَمِ إِلَيْهِ، جَازَ أَنْ يُكَذَّبَ فِي إِخْبَارَاتِهِ كُلِّهَا، فَتَنْتَفِي فَائِدَةُ بَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ (¬4) ، بَلْ (¬5) وَجَازَ مِنْهُ إِرْسَالُ الْكَذَّابِ (¬6) ، فَلَا يَبْقَى لَنَا طَرِيقٌ إِلَى تَمْيِيزِ الصَّادِقِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْكَاذِبِ ". وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا (¬7) : أَنَّهُ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ فَرَّقَ (¬8) بَيْنَ مَا خَلَقَهُ صِفَةً لِغَيْرِهِ، وَبَيْنَ مَا اتَّصَفَ هُوَ [بِهِ] (¬9) فِي نَفْسِهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ إِضَافَةِ الْمَخْلُوقِ إِلَى خَالِقِهِ، وَإِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا. وَهَذَا الْفَرْقُ مَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، فَإِنَّهُ إِذَا خَلَقَ (¬10) لِغَيْرِهِ حَرَكَةً لَمْ يَكُنْ ¬

(¬1) الرَّافِضِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 9 (م) . (¬2) ن، ع، أ، ب: أَنَّ. (¬3) ن، م: إِسْنَادَ. (¬4) أ، ب، ع: الْبَعْثَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ. (¬5) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬6) ك: الْكَذَّابِينَ. (¬7) أَحَدُهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، وَفِي (ب) : الْأَوَّلُ. (¬8) ن: أَنَّهُ لَا فَرْقَ ; م: أَنْ لَا فَرْقَ، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ. (¬9) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) : بِهِ هُوَ. (¬10) ع: فَإِذَا خَلَقَ، ب: فَإِنَّهُ إِذْ خَلَقَ.

هُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِهَا (¬1) ، وَإِذَا خَلَقَ لِلرَّعْدِ صَوْتًا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ الصَّوْتِ، وَإِذَا خَلَقَ الْأَلْوَانَ فِي النَّبَاتَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَّصِفَ بِتِلْكَ الْأَلْوَانِ، وَإِذَا خَلَقَ فِي غَيْرِهِ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَحَيَاةً لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتُ فِي غَيْرِهِ صِفَاتٍ لَهُ، وَإِذَا خَلَقَ فِي غَيْرِهِ عَمًى وَصَمَمًا وَبَكَمًا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَوْصُوفَ بِذَلِكَ الْعَمَى (¬2) وَالْبَكَمِ وَالصَّمَمِ، وَإِذَا خَلَقَ فِي غَيْرِهِ خُبْثًا أَوْ فُسُوقًا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ الْخُبْثِ وَالْفُسُوقِ، وَإِذَا خَلَقَ فِي غَيْرِهِ كَذِبًا وَكُفْرًا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ الْكَذِبِ وَبِذَلِكَ الْكُفْرِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا قَدَّرَ أَنَّهُ (¬3) خَلَقَ فِيهِ طَوَافًا وَسَعْيًا وَرَمْيَ جِمَارٍ وَصِيَامًا وَرُكُوعًا وَسُجُودًا، لَمْ يَكُنْ هُوَ الطَّائِفَ السَّاعِيَ الرَّاكِعَ السَّاجِدَ الرَّامِيَ بِتِلْكَ الْحِجَارَةِ (¬4) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 17] مَعْنَاهُ: مَا أَصَبْتَ إِذْ حَذَفْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَصَابَ، فَالْمُضَافُ إِلَيْهِ الْحَذْفُ بِالْيَدِ، وَالْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْإِيصَالُ إِلَى الْعَدُوِّ وَإِصَابَتُهُمْ بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ الرَّامِيَ [وَالرَّمْيَ] (¬5) ، قَالُوا (¬6) : كَانَ هُوَ الرَّامِيَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لِكَوْنِهِ خَالِقًا لِرَمْيِهِ لَاطَّرَدَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ، فَكَانَ يَقُولُ: ¬

(¬1) بِهَا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ب: هُوَ الْمَوْصُوفَ بِالْعَمَى، أ: هَذَا الْمَوْصُوفَ الْعَمَى (¬3) عِبَارَةُ " قَدَّرَ أَنَّهُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي (أ) : قَدْ خَلَقَ فِيهِ، وَفِي (ع) : قَدَّرَ أَنَّهُ إِذَا. (¬4) ن، م: وَالسَّاعِيَ وَالرَّاكِعَ وَالسَّاجِدَ وَالرَّامِيَ بِتِلْكَ الْجِمَارِ. (¬5) وَالرَّمْيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) قَالُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) .

وَمَا مَشَيْتَ [إِذَا مَشَيْتَ] (¬1) وَلَكِنَّ اللَّهَ مَشَى، وَمَا لَطَمْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ لَطَمَ، وَمَا طَعَنْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ طَعَنَ، وَمَا ضَرَبْتَ بِالسَّيْفِ وَلَكِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ، وَمَا رَكِبْتَ الْفَرَسَ (¬2) وَلَكِنَّ اللَّهَ رَكِبَ، وَمَا صُمْتَ، وَمَا صَلَّيْتَ، وَمَا حَجَجْتَ (¬3) ، وَلَكِنَّ اللَّهَ صَامَ وَصَلَّى وَحَجَّ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ (¬4) بُطْلَانُ هَذَا كُلِّهِ، وَهَذَا (¬5) مِنْ غُلُوِّ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ. وَلِهَذَا يُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬6) أَنَّهُمْ (¬7) كَانُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ لَمَّا حُصِرَ (¬8) ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تَرْمُونَنِي؟ (¬9) فَقَالُوا: مَا رَمَيْنَاكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَاكَ. فَقَالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ رَمَانِي لَأَصَابَنِي، وَلَكِنْ أَنْتُمْ تَرْمُونَنِي وَتُخْطِئُونَنِي. وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ النُّفَاةُ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. كَمَا احْتَجَّ بَعْضُ الْمُثْبِتَةِ (¬10) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 17] وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ. فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ فِي ¬

(¬1) عِبَارَةُ إِذَا مَشَيْتَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬2) ن، م: الْفَرَسَ إِذْ رَكِبْتَ. (¬3) ن، م: وَلَا صَلَّيْتَ وَلَا حَجَجْتَ. (¬4) بِالضَّرُورَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) وَهَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، ب. (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أَنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ن، م: لَمَّا حُصِرَ بِالْحِجَارَةِ. (¬9) أ، ب: لِمَاذَا تَرْمُونَنِي وَتُخْطِئُونَنِي. (¬10) أ: كَمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُثْبِتَةُ ; ب: كَمَا احْتَجَّ الْمُثْبِتَةُ.

عَبْدٍ (¬1) فِعْلًا، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ صَوَابًا مِنَ الْعَبْدِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا خَلَقَ فِي الْجِسْمِ طَعْمًا أَوْ رِيحًا، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ [ذَلِكَ] (¬2) طَيِّبًا، وَإِذَا خَلَقَ لِلْعَبْدِ عَيْنَيْنِ (¬3) وَلِسَانًا، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا نَاطِقًا. فَاسْتِنَادُ الْكَذِبِ الَّذِي فِي النَّاسِ، كَاسْتِنَادِ جَمِيعِ مَا يَكُونُ فِي الْمَخْلُوقِينَ (¬4) مِنَ الصِّفَاتِ الْقَبِيحَةِ وَالْأَحْوَالِ الْمَذْمُومَةِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَذْمُومٌ، وَلَا أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ. وَلَكِنَّ لَفْظَ " الِاسْتِنَادِ " لَفْظٌ مُجْمَلٌ. أَتُرَاهُ [أَنَّهُ] (¬5) إِذَا اسْتَنَدَ إِلَيْهِ الْعَجْزُ الْمَخْلُوقُ فِي النَّاسِ لِكَوْنِهِ خَالِقَهُ، يَكُونُ هُوَ عَاجِزًا؟ فَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ فَسَادَ هَذِهِ الْحُجَّةِ (¬6) . [الْوَجْهُ] (¬7) الثَّانِي: أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ أَنَّهُ يَخْلُقُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَذِبِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ (¬8) صَاحِبَهَا يَكْذِبُ، وَيَخْلُقُ الْقُدْرَةَ عَلَى الظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ صَاحِبَهَا يَظْلِمُ وَيُفْحِشُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا (¬9) يَجْرِي تَمْكِينُهُ مِنَ الْقَبَائِحِ وَإِعَانَتُهُ عَلَيْهَا مَجْرَى فِعْلِهِ لَهَا، فَمَنْ أَعَانَ غَيْرَهُ عَلَى الْكَذِبِ بِإِعْطَاءِ أُمُورٍ (¬10) يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْكَذِبِ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْكَذِبِ (¬11) فِي الْقُبْحِ، ¬

(¬1) أ، ب، م: عَبْدِهِ. (¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ع) . (¬3) أ: عَيْنَانِ، ن، م، ع: عَيْنًا. (¬4) أ، ب: الْمَخْلُوقَاتِ. (¬5) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: هَذِهِ الْحُجَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬7) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ، ب: أَنَّ. (¬9) مِنَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) ن: أَعَانَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْكَذِبِ وَأَعْطَاهُ أُمُورًا (¬11) ن، م: الْكَذَّابِ.

فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعِينَ عَلَى إِثْمٍ وَ [لَا] عُدْوَانٍ (¬1) ، كَمَا نَهَى (¬2) اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مَا قَبُحَ مِنْهُ قَبُحَ مِنَّا، فَيَلْزَمُ أَنْ يُجَوِّزُوا عَلَيْهِ إِذَا أَعَانَ عَلَى الْكَذِبِ أَنْ يَكْذِبَ، وَيَلْزَمُهُمُ (¬3) الْمَحْذُورُ. فَإِنْ قَالُوا: إِنَّمَا أَعْطَاهُ الْقُدْرَةَ لِيُطِيعَ لَا لِيَعْصِيَ. قِيلَ: إِذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ يَعْصِي كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُعْطِي (¬4) الرَّجُلَ سَيْفًا لِيُقَاتِلَ بِهِ الْكُفَّارَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ نَبِيًّا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي حَقِّنَا، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْغَرَضَ (¬5) لَا يَحْصُلُ بِهِ كَانَ سَفِيهًا فِينَا، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. فَعُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ فِي أَفْعَالِهِ مُخَالِفٌ لِأَفْعَالِ عِبَادِهِ (¬6) ، وَإِنْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِعِلَّةٍ يُمْكِنُ اسْتِقَامَتُهَا. قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ لَهُ حِكْمَةٌ، كَمَا لِلْإِعَانَةِ عَلَيْهِ بِالْقُدْرَةِ حِكْمَةٌ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ نَشُكُّ فِي وُقُوعِهِ، بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ أَشْيَاءَ مَعَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَهِيَ مُمْكِنَةٌ. فَنَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْلِبُ الْبِحَارَ أَدْهَانًا، وَلَا الْجِبَالَ يَوَاقِيتَ، وَلَا يَمْسَخُ جَمِيعَ الْآدَمِيِّينَ (¬7) ثَعَالِبَ، وَلَا يَجْعَلُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ عُودَيْ رَيْحَانٍ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تُحْصَى. وَعِلْمُنَا بِأَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْكَذِبِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ - أَعْظَمُ مِنْ عِلْمِنَا بِهَذَا. ¬

(¬1) ن، م: وَعُدْوَانٍ. (¬2) ن، م: كَمَا نَهَانَا. (¬3) ن، م: وَيَلْزَمُ. (¬4) ن، ع: أَنْ أَعْطَى، م: أَنْ يُعْطَى. (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: الْعِبَادِ. (¬7) أ، ب: الْعَالَمِينَ.

[الْوَجْهُ] (¬1) الرَّابِعُ: أَنَّا نَقُولُ: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ (¬2) بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ (¬3) لِمَوْجُودٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَكُلَّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ (¬4) عَنْهُ مَوْجُودٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّنْزِيهِ عَنْهُ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ (¬5) أَنَّ الْحَيَاةَ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ صِفَاتُ كَمَالٍ، فَالرَّبُّ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَا مِنَ الْعِبَادِ. وَكَذَلِكَ الصِّدْقُ هُوَ صِفَةُ كَمَالٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالِاتِّصَافِ بِهِ مِنْ كُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 87] . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: " «إِنَّ أَصْدَقَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ» " (¬6) . [الْوَجْهُ] (¬7) الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: [قَدِ] (¬8) اتَّفَقَ السَّلَفُ وَأَتْبَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بَلْ قَائِمٌ بِهِ. ثُمَّ تَنَازَعُوا: هَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ؟ ¬

(¬1) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: يُوصَفُ. (¬3) ن: يَثْبُتُ. (¬4) أ، ب: يُنَزَّهُ. (¬5) ن، م: وَنَعْلَمُ. (¬6) فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3 53 كِتَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، بَابِ كَيْفَ الْخُطْبَةُ. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضِلُّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ. . . الْحَدِيثَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ 1 18 الْمُقَدِّمَةِ، بَابِ اجْتِنَابِ الْبِدَعِ وَالْجَدَلِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا هُمَا ثِنْتَانِ: الْكَلَامُ وَالْهُدَى، فَأَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ. (¬7) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

عَلَى قَوْلَيْنِ [مَعْرُوفَيْنِ] . فَالْأَوَّلُ (¬1) : قَوْلُ السَّلَفِ وَالْجُمْهُورِ. وَالثَّانِي: قَوْلُ ابْنِ كِلَابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ (¬2) . ثُمَّ تَنَازَعَ أَتْبَاعُ ابْنِ كِلَابٍ هَلِ الْقَدِيمُ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ (* وَقُدْرَتِهِ مَعْنًى قَائِمٌ [بِذَاتِهِ] (¬3) ، أَوْ حُرُوفٌ (¬4) ، أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ أَزَلِيَّةٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. [كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ] (¬5) . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ امْتَنَعَ أَنْ يَقُومَ بِهِ غَيْرُ *) (¬6) مَا اتَّصَفَ بِهِ، وَالصِّدْقُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْعِلْمُ أَوْ مَعْنًى يَسْتَلْزِمُهُ الْعِلْمُ (¬7) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ عِلْمَهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَلَوَازِمُ الْعِلْمِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، فَيَكُونُ الصِّدْقُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ (¬8) ، فَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُهُ بِنَقِيضِهِ، فَإِنَّ لَازِمَ الذَّاتِ الْقَدِيمَةِ الْوَاجِبَةِ بِنَفْسِهَا يَمْتَنِعُ (¬9) عَدَمُهُ كَمَا يَمْتَنِعُ عَدَمُهَا، فَإِنَّ عَدَمَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَلْزُومِ. وَأَيْضًا فَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ حِينَئِذٍ مِثْلُ الْبَصَرِ وَالْعَمَى، وَالسَّمْعِ وَالصَّمَمِ، وَالْكَلَامِ وَالْخَرَسِ، وَكَمَا وَجَبَ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْبَصَرِ دُونَ الْعَمَى، وَبِالسَّمْعِ دُونَ الصَّمَمِ، وَبِالْكَلَامِ دُونَ الْخَرَسِ (¬10) ، وَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَتَّصِفَ (¬11) بِالصِّدْقِ دُونَ الْكَذِبِ. ¬

(¬1) ن، م: عَلَى قَوْلَيْنِ، الْأَوَّلُ. (¬2) ن، م: تَابَعَهُ. (¬3) بِذَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) عِبَارَةُ أَوْ حُرُوفٌ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ، وَفِي (ن) : قَائِمٌ حُرُوفٌ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬7) الْعِلْمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " وَلَوَازِمُ الْعِلْمِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ " مِنْ (ع) . (¬9) أ، ب: مُمْتَنِعٌ. (¬10) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬11) وَكَمَا وَجَبَ أَنْ يَتَّصِفَ ب: فَوَجَبَ أَنْ يَتَّصِفَ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الْكَلَامُ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَهَؤُلَاءِ عَامَّتُهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ لِحِكْمَةٍ وَيَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ. وَأَدِلَّةُ هَؤُلَاءِ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ فِعْلِ (¬1) الْقَبَائِحِ أَعْظَمُ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَقْوَى، فَإِنَّ كُلَّ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ فِعْلٍ قَبِيحٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ فِعْلٍ قَبِيحٍ يَقُومُ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، فَإِنَّ كَوْنَ مَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْقَبَائِحِ نَقْصًا هُوَ أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِ فِعْلِ الْمُسْتَقْبَحَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ نَقْصًا، فَإِذَا امْتَنَعَ هَذَا فَذَاكَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ. [الْوَجْهُ] : السَّادِسُ (¬2) أَنْ يُقَالَ: الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى امْتِنَاعِ اتِّصَافِهِ سُبْحَانَهُ بِالنَّقَائِصِ وَالْقَبَائِحِ وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْهَا. وَالْكَلَامُ قَائِمٌ بِالْمُتَكَلِّمِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَذِبٍ ; لِأَنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ بِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْقَبِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ. وَهَذَا طَرِيقٌ يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ لِتَنْزِيهِهِ عَنِ الْكَذِبِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَلَامَهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ عِنْدَهُمْ. فَإِذَا قَالَ لَهُمْ [هَؤُلَاءِ] (¬3) الْمُثْبِتَةُ: الدَّلِيلُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنِ الِاتِّصَافِ فِي نَفْسِهِ بِالْقَبَائِحِ وَعَنْ فِعْلِهِ لَهَا، وَالْفِعْلُ مَا قَامَ بِالْفَاعِلِ، وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ فَهُوَ مَفْعُولٌ لَهُ، لَا فِعْلَ لَهُ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَذْكُرُوا دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ وُقُوعِ ذَلِكَ فِي مَفْعُولَاتِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَانَتْ (¬4) حُجَّةُ هَؤُلَاءِ حُجَّةً ظَاهِرَةً عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. ¬

(¬1) فِعْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: فَذَاكَ أَوْلَى، السَّادِسُ. . . . . (¬3) هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: كَانَ.

[الْوَجْهُ] (¬1) السَّابِعُ: أَنَّ كَلَامَهُ الْقَائِمَ بِذَاتِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ كَمَالٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِفَ (¬2) بِهَا، سَوَاءٌ قَالُوا (¬3) : إِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، أَوْ هُوَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةٌ. أَوْ قَالُوا: (¬4) إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ [وَقُدْرَتِهِ] ، أَوْ إِنَّهُ تَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، أَوْ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ. فَعَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا هُوَ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَالْكَذِبُ صِفَةُ نَقْصٍ كَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ وَالْعَمَى (¬5) ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ (¬6) عَنْ قِيَامِ النَّقَائِصِ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ يَخْلُقُ خَلْقَهُ مُتَّصِفِينَ بِالنَّقَائِصِ، فَيَخْلُقُ الْعَمَى وَالصَّمَمَ وَالْبَكَمَ وَلَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ (¬7) يَخْلُقُ الْكَذِبَ فِي الْكَاذِبِ وَلَا يَقُومُ بِهِ الْكَذِبُ (¬8) . [الْوَجْهُ] (¬9) الثَّامِنُ أَنْ [يُقَالَ] (¬10) : هَذَا السُّؤَالُ وَارِدٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي غَيْرِهِ كَلَامًا يَكُونُ هُوَ كَلَامَهُ، مَعَ كَوْنِهِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ. وَالْكَلَامُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ الْعِبَادُ هُوَ عِنْدَهُمْ ¬

(¬1) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: يُوصَفَ. (¬3) أ، ب: قَالَ. (¬4) ن، م: بِمَشِيئَتِهِ وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ، ع: بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَوْ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ. (¬5) وَالْعَمَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ. (¬7) أ، ب: فَلِذَلِكَ، ن، م: وَكَذَلِكَ. (¬8) ن، م، ع: كَذِبٌ. (¬9) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) يُقَالُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الرد على قول الرافضي: وجاز منه إرسال الكذاب والرد عليه

لَيْسَ مَخْلُوقًا لَهُ وَلَا هُوَ كَلَامُهُ، فَإِذَا (¬1) كَانَ هَذَا صِدْقًا وَهَذَا صِدْقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ هَذَا بِكَلَامِهِ. [الرد على قول الرافضي: وجاز منه إرسال الكذاب والرد عليه] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَجَازَ [مِنْهُ] (¬2) إِرْسَالُ الْكَذَّابِ " فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ يُرْسِلُ الْكَذَّابَ، كَإِرْسَالِ الشَّيَاطِينِ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 83] ، وَ [يَبْعَثُهُمْ] كَمَا فِي قَوْلِهِ (¬3) تَعَالَى: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 5] ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مَقْرُونًا بِمَا يُبَيِّنُ كَذِبَهُمْ، كَمَا فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ. وَلَكِنْ لَيْسَ (¬4) فِي مُجَرَّدِ إِرْسَالِ الْكَذَّابِ مَا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّادِقِ، كَمَا أَنَّهُ يُرْسِلُ الظَّالِمَ، وَلَيْسَ فِي إِرْسَالِهِ مَا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَادِلِ، وَيُرْسِلُ الْجَاهِلَ وَالْفَاجِرَ (¬5) وَالْأَعْمَى وَالْأَصَمَّ، وَلَيْسَ فِي إِرْسَالِ هَؤُلَاءِ مَا يَمْنَعُ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ. وَلَفْظُ " الْإِرْسَالِ " يَتَنَاوَلُ إِرْسَالَ الرِّيَاحِ وَإِرْسَالَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هُمْ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَخْلُقَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ وَإِعْطَاءَهُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَذِبِ، كَمَا خَلَقَ مُسَيْلِمَةَ [الْكَذَّابَ] (¬6) وَالْعَنْسِيَّ. فَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) ن، م: فَإِنْ. (¬2) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) ، (أ) . (¬3) ن، م: وَكَمَا فِي قَوْلِهِ. (¬4) أ، ب: وَلَيْسَ. (¬5) م، أ، ب: وَيُرْسِلُ الْعَاجِزَ، ن: يُرْسِلُ الْعَاجِزَ وَالْجَاهِلَ. (¬6) الْكَذَّابَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

خَلْقُهُ لِهَذَا جَائِزًا، مَعَ أَنَّهُ مَيَّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّادِقِ. كَذَلِكَ خَلَقَ الْكَذَّابَ بِكَذِبِهِ (¬1) . الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا خَلَقَ مَنْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَهُوَ كَاذِبٌ، فَإِنْ قَالُوا: يَجُوزُ إِظْهَارُ أَعْلَامِ الصِّدْقِ عَلَيْهِ، كَانَ هَذَا مَمْنُوعًا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ بِلَا عِلْمٍ عَلَى الصِّدْقِ ضَارًّا (¬2) ، فَإِنَّ الشَّخْصَ لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ طَبِيبٌ أَوْ صَانِعٌ (¬3) بِلَا دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، فَكَيْفَ بِمُدَّعِي (¬4) النُّبُوَّةِ؟ وَإِنْ قَالُوا: (¬5) إِذَا جَوَّزْتُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ الْكَذِبَ فِي الْكَذَّابِ، فَجَوِّزُوا عَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ عَلَى يَدَيْهِ أَعْلَامَ الصِّدْقِ. قِيلَ: هَذَا مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ أَدِلَّةَ الصِّدْقِ تَسْتَلْزِمُ الصِّدْقَ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَدْلُولِ، فَإِظْهَارُ أَعْلَامِ الصِّدْقِ عَلَى [يَدِ] الْكَذَّابِ (¬6) مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ، فَلَا يُمْكِنُ بِحَالٍ. وَإِنْ قَالُوا: فَجَوِّزُوا أَنْ يَظْهَرَ عَلَى يَدَيْهِ خَارِقٌ. قُلْنَا: نَعَمْ، فَنَحْنُ (¬7) نُجَوِّزُ أَنْ يَظْهَرَ الْخَارِقُ عَلَى [يَدِ مَنْ] يَدَّعِي (¬8) ¬

(¬1) أ: الْكَذَّابَ بِهِ، ب: الْكَذِبَ بِهِ. (¬2) ن، م: ضَارَّةً. (¬3) ن: صَايِعٌ. (¬4) أ، ب: يَدَّعِي، ن: مُدَّعِي، م: مَنْ يَدَّعِي. (¬5) أ، ب: وَإِذَا قِيلَ، م: فَإِذَا قَالُوا. (¬6) ن، ع: عَلَى الْكَذَّابِ، م: لِلْكَذَّابِ. (¬7) ن، م، ع: وَنَحْنُ. (¬8) ن: عَلَى مُدَّعِي، ع: عَلَى يَدِ مُدَّعِي، أ، ب: عَلَى يَدَيْ مَنْ يَدَّعِي.

فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يلزم تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي

الْإِلَهِيَّةَ كَالدَّجَّالِ ; لِأَنَّ (¬1) ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، لِظُهُورِ (¬2) كَذِبِهِ فِي دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ، وَالْمُمْتَنَعُ ظُهُورُ دَلِيلِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذَّابِ. فَإِنْ قَالُوا: فَجُوِّزُوا ظُهُورَ الْخَوَارِقِ (¬3) عَلَى [يَدِ] مُدَّعِي (¬4) النُّبُوَّةِ مَعَ كَذِبِهِ. قُلْنَا: [نَعَمْ] (¬5) ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، مِثْلَ مَا يُظْهِرُ السَّحَرَةُ وَالْكُهَّانُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْمَقْرُونَةِ بِمَا يَمْنَعُ صِدْقَهُمْ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ (¬6) . [الْوَجْهُ] الرَّابِعُ: (¬7) أَنَّ دَلِيلَ النُّبُوَّةِ وَأَعْلَامَهَا (¬8) وَمَا بِهِ يُعْرَفُ صِدْقُ النَّبِيِّ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً (¬9) فِي الْخَوَارِقِ، بَلْ طُرُقُ مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا أَنَّ طُرُقَ مَعْرِفَةِ الْكَذِبِ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ (¬10) . [فصل من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ عَنِ الْمَعَاصِي] (فَصْلٌ) قَالَ [الرَّافِضِيُّ] (¬11) : " وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ تَعْطِيلُ الْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ عَنِ ¬

(¬1) أ، ب: فَإِنَّ. (¬2) أ: فِي ظُهُورِ، ب: مَعَ ظُهُورِ. (¬3) ن، م، ع: الْخَارِقِ. (¬4) ن: عَلَى مَنْ يَدَّعِي، أ، ب: عَلَى يَدَيِ الْمُدَّعِي، م: عَلَى يَدِ مَنْ يَدَّعِي. (¬5) نَعَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: فِي مَوَاضِعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬7) ن: الرَّابِعُ، م: فَصْلٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م: دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ وَعَلَائِمَهَا. (¬9) ن، م: مُنْحَصِرَةً. (¬10) أ، ب: فِي مَوْضِعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬11) الرَّافِضِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 0 (م) .

الْمَعَاصِي، فَإِنَّ الزِّنَا إِذَا كَانَ وَاقِعًا بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالسَّرِقَةُ إِذَا صَدَرَتْ عَنِ اللَّهِ، وَإِرَادَتُهُ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ (¬1) [لَمْ يَجُزْ] (¬2) لِلسُّلْطَانِ (¬3) الْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ يَصُدُّ السَّارِقَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ، وَيَبْعَثُهُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ. وَلَوْ صَدَّ الْوَاحِدُ مِنَّا غَيْرَهُ عَنْ (¬4) مُرَادِهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ، اسْتَحَقَّ مِنْهُ اللَّوْمَ. وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُرِيدًا لِلنَّقِيضَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُرَادَةٌ لِلَّهِ، وَالزَّجْرُ عَنْهَا مُرَادٌ لَهُ أَيْضًا ". فَيُقَالُ: فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مَا يُبَيِّنُ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا، لَكِنْ نُوَضِّحُ جَوَابَ هَذَا [إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] (¬5) مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَا وَقَعَ، دُونَ مَا لَمْ يَكُنْ [بَعْدُ] (¬6) . وَمَا وَقَعَ لَا يَقْدِرُ (¬7) أَحَدٌ أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ بِالْحُدُودِ وَالزَّوَاجِرِ (¬8) مَا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. فَقَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ يَصُدُّ السَّارِقَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ " (¬9) [كَذِبٌ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا ¬

(¬1) ك: مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ الْمُؤَثِّرَةُ. (¬2) لَمْ يَجُزْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: لِسُلْطَانٍ. (¬4) ك: مِنْ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) بَعْدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: لَمْ يَقْدِرْ. (¬8) ن، م: بِالْحُدُودِ الزَّوَاجِرِ. (¬9) بَعْدَ عِبَارَةِ " عَنْ مُرَادِ اللَّهِ " يُوجَدُ سَقْطٌ طَوِيلٌ فِي نُسْخَتَيْ (ن) (م) سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ عِنْدَ مَوْضِعِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

يَصُدُّهُ عَمَّا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ وَمَا لَمْ يَقَعْ لَمْ يُرِدْهُ اللَّهُ. وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ: لَيَسْرِقَنَّ هَذَا الْمَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَمْ يَسْرِقْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ سَرِقَتَهُ. وَلَكِنَّ الْقَدَرِيَّةَ عِنْدَهُمُ الْإِرَادَةُ (¬1) لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ السَّرِقَةَ إِذَا كَانَتْ مُرَادَةً كَانَتْ مَأْمُورًا بِهَا. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ، وَعُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِهِمْ، أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِالسَّرِقَةِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ مَا وَقَعَ مِنْهَا مُرَادٌ، يَقُولُ: إِنَّهُ مُرَادٌ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، فَلَا يَقُولُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ إِلَّا كَافِرٌ. لَكِنَّ هَذَا قَدْ (¬2) يُقَالُ لِلْمُبَاحِيَّةِ الْمُحْتَجِّينَ (¬3) بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى أَنْ يُعَارِضَ الْإِنْسَانَ فِيمَا يَظُنُّهُ مُقَدَّرًا عَلَيْهِ (¬4) مِنَ الْمَعَاصِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يُعَاوِنَهُ عَلَى ذَلِكَ مُعَاوَنَةً، لِمَا ظَنَّ أَنَّهُ مُرَادٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ (¬5) - وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا وَمَعْصِيَةً - فَهُمْ لَمْ يَصُدُّوا عَنْ مُرَادِ اللَّهِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّدَّ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ لَيْسَ وَاقِعًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَدْ تَقَدَّمَ (¬6) أَنَّ تَنَاهِيَ النَّاسِ عَنِ الْمَعَاصِي، وَالْقَبَائِحِ، وَالظُّلْمِ، وَدَفْعِ الظَّالِمِ (¬7) ، وَأَخْذِ حَقِّ الْمَظْلُومِ مِنْهُ، وَرَدِّ احْتِجَاجِ ¬

(¬1) أ، ب: الْإِرَادَةُ عِنْدَهُمْ. (¬2) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬3) أ، ب: لِلْمُبَاحَثَةِ لِلْمُحْتَجِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمَقْصُودُ بِهِمْ أَهْلُ الْإِبَاحَةِ الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي وَيُبِيحُونَ الْمُحَرَّمَاتِ. (¬4) ع: مَقْدُورًا عَلَيْهِ. (¬5) أ: أَنَّهُ مُرِيدٌ وَهَذَا الْفِعْلُ، ب: أَنَّهُ مُرِيدٌ هَذَا الْفِعْلَ. (¬6) ع: أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ. (¬7) ع: النَّاسَ عَنِ الْقَبَائِحِ وَالْمَظَالِمِ وَدَفْعِ الْمَظَالِمَ.

مَنِ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَدَرِ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ جَمِيعِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ مَعَ إِقْرَارِ جَمَاهِيرِهِمْ (¬1) بِالْقَدَرِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَلَاحُ حَالِهِمْ وَلَا بَقَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا مَكَّنُوا كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ مِنْ مَفَاسِدِهِمْ وَيَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا (¬2) أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي إِذَا طَرَدُوا قَوْلَهُمْ كَانُوا أَكْفَرَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ شَرٌّ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ (¬3) . الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْأُمُورَ الْمَقْدُورَةَ بِالِاتِّفَاقِ إِذَا كَانَ فِيهَا فَسَادٌ يَحْسُنُ رَدُّهَا وَإِزَالَتُهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا (¬4) ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِالِاتِّفَاقِ مُرَادٌ لِلَّهِ، وَمَعَ هَذَا يَحْسُنُ مِنَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَمْنَعَ وُجُودَهُ بِالِاحْتِمَاءِ وَاجْتِنَابِ أَسْبَابِهِ، وَيَحْسُنُ مِنْهُ السَّعْيُ فِي إِزَالَتِهِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَفِي هَذَا (¬5) إِزَالَةُ مُرَادِ اللَّهِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ قَطْعَ السَّارِقِ يَمْنَعُ مُرَادَ اللَّهِ كَانَ شُرْبُ الدَّوَاءِ لِزَوَالِ الْمَرَضِ مَانِعًا (¬6) لِمُرَادِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ دَفْعُ (¬7) السَّيْلِ الْآتِي مِنْ صَبَبٍ، وَالنَّارِ الَّتِي تُرِيدُ أَنْ تَحْرِقَ الدُّورَ، وَإِقَامَةُ الْجِدَارِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، كَمَا أَقَامَ الْخَضِرُ ذَلِكَ الْجِدَارَ. وَكَذَلِكَ إِزَالَةُ الْجُوعِ الْحَاصِلِ بِالْأَكْلِ وَإِزَالَةُ الْبَرْدِ الْحَاصِلِ (¬8) بِالِاسْتِدْفَاءِ، وَإِزَالَةُ الْحَرِّ بِالظِّلِّ. ¬

(¬1) أ، ب: جَمِيعِهِمْ. (¬2) ع: وَبَيَّنَّا. (¬3) أ، ب: بِالْقَدَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬4) أ، ب: يَحْسُنُ رَدُّهُ وَإِزَالَتُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ. (¬5) أ، ب: وَفِي هَذِهِ. (¬6) ع: مَنْعًا. (¬7) دَفْعُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬8) الْحَاصِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

وَقَدْ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: " هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» ". (¬1) . فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَرُدُّ قَدَرَ اللَّهِ بِقَدَرِ اللَّهِ إِمَّا دَفْعًا وَإِمَّا رَفْعًا، إِمَّا دَفْعًا لِمَا انْعَقَدَ سَبَبٌ لِوُجُودِهِ، وَإِمَّا رَفْعًا لِمَا وُجِدَ كَرَفْعِ الْمَرَضِ وَدَفْعِهِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ الرَّعْدِ 11]] قِيلَ: مُعَقِّبَاتٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَهُ (¬2) وَقِيلَ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي وَرَدَ وَلَمْ يَحْصُلْ (¬3) يَحْفَظُونَهُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ (¬4) وَحِفْظُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُرِيدًا لِلنَّقِيضَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُرَادَةٌ لِلَّهِ، وَالزَّجْرُ عَنْهَا مُرَادُ اللَّهِ. كَلَامٌ سَاقِطٌ فَإِنَّ النَّقِيضَيْنِ مَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ، أَوْ مَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَهُمَا الْمُتَضَادَّانِ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3 270 كِتَابِ الطِّبِّ بَابِ مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالْأَدْوِيَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، 3 308 كِتَابُ الْقَدَرِ بَابُ مَا جَاءَ لَا تَرُدُّ الرُّقَى وَلَا الدَّوَاءُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا. وَانْظُرْ تَعْلِيقَ التِّرْمِذِيِّ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2 1137 كِتَابَ الطِّبِّ، بَابَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً. الْمُسْنَدَ ط الْحَلَبِيِّ 3 421، الْمُسْتَدْرَكَ لِلْحَاكِمِ بِمَعْنَاهُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 1 32، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ لَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ع: وَلَمْ يَصِلْ. (¬4) أ: إِلَيْهِمْ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وَالزَّجْرُ لَيْسَ عَمَّا وَقَعَ وَأُرِيدَ، بَلْ هُوَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْمَاضِي وَزَجْرٌ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالزَّجْرُ الْوَاقِعُ بِإِرَادَتِهِ إِنْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ (¬1) لَمْ يَحْصُلِ الْمَزْجُورُ عَنْهُ فَلَمْ يُرِدْهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الزَّجْرَ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا تَامًّا بَلْ يَكُونُ الْمُرَادُ فِعْلَ هَذَا الزَّاجِرِ (¬2) وَفِعْلَ ذَاكَ، كَمَا يُرَادُ ضَرْبُ هَذَا لِهَذَا بِهَذَا السَّيْفِ (¬3) وَحَيَاةُ هَذَا، وَكَمَا يُرَادُ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ (¬4) الَّذِي قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ، وَيُرَادُ مَعَهُ الْحَيَاةُ. فَإِرَادَةُ (¬5) السَّبَبِ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِإِرَادَةِ الْمُسَبِّبِ، إِلَّا إِذَا كَانَ السَّبَبُ تَامًّا مُوجَبًا. (¬6) وَالزَّجْرُ سَبَبٌ لِلِانْزِجَارِ وَالِامْتِنَاعِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ، كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ، وَكَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهِ سَبَبٌ لِوُقُوعِهِ، ثُمَّ قَدْ يَقَعُ الْمُسَبَّبُ (¬7) وَقَدْ لَا يَقَعُ، فَإِنْ وَقَعَ كَانَا مُرَادَيْنِ، وَإِلَّا كَانَ الْمُرَادُ مَا وَقَعَ خَاصَّةً (¬8) . الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِرَادَةَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ لِمَا خَلَقَ، فَهَذَا مُتَنَاوِلٌ (¬9) لِكُلِّ حَادِثٍ دُونَ مَا لَا (¬10) يَحْدُثُ، وَنَوْعٌ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ لِمَا أَمَرَ بِهِ فَهَذَا إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ (¬11) بِالطَّاعَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا ¬

(¬1) أ: بِإِرَادَةِ أَنْ يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ. (¬2) أ، ب: الزَّجْرِ. (¬3) ع: لِهَذَا بِالسَّيْفِ. (¬4) أ: الْمَرَضُ لِلْخَوْفِ. (¬5) أ، ب: وَإِرَادَةُ. (¬6) أ، ب: مَوْجُودًا. (¬7) أ: السَّبَبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ع: خَاصَّةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬9) ع: فَهَذِهِ مُتَنَاوِلَةٌ. (¬10) ع: مَا لَمْ. (¬11) ع: فَهَذِهِ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ.

وَقَعَ مِنَ الْمَعَاصِي فَهُوَ مُرَادٌ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَكُلُّ مَا وَقَعَ فَقَدْ شَاءَ كَوْنَهُ، وَالزَّجْرُ عَنْهَا مُرَادٌ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنَّهُ يُحِبُّ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَرْضَاهُ وَيُثِيبُ فَاعِلَهُ، بِخِلَافِ الْمُنْكَرِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَلَا يُثِيبُ فَاعِلَهُ، ثُمَّ الزَّجْرُ إِنَّمَا يَكُونُ عَمَّا لَمْ يَقَعْ، وَالْعُقُوبَةُ تَكُونُ عَلَى مَا (¬1) وَقَعَ، فَإِذَا وَقَعَتْ سَرِقَةٌ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ (¬2) فِيهَا فَإِقَامَةُ الْحَدِّ مَأْمُورٌ بِهِ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُرِيدُهُ إِرَادَةَ أَمْرٍ لَا إِرَادَةَ خَلْقٍ، فَإِنْ أَعَانَ عَلَيْهِ كَانَ قَدْ أَرَادَهُ خَلْقًا، وَكَانَ حِينَئِذٍ إِقَامَةُ الْحَدِّ مُرَادَةً شَرْعًا وَقَدَرًا، خَلْقًا وَأَمْرًا، قَدْ شَاءَهَا وَأَحَبَّهَا (¬3) . وَإِنْ لَمْ يَقَعْ كَانَ مَا وَقَعَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ قَدْ شَاءَهُ خَلْقًا وَلَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يُحِبَّهُ شَرْعًا. وَيُذْكَرُ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ فَقَالَ لِعُمَرَ: سَرَقْتُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَقَالَ لَهُ: وَأَنَا (¬4) أَقْطَعُ يَدَكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ. وَهَكَذَا يُقَالُ لِمَنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ وَأَعَانَ الْعِبَادَ عَلَى عُقُوبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا يُعِينُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ: إِنَّ الْجَمِيعَ (¬5) وَاقِعٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ لَكِنْ مَا أَمَرَ بِهِ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُرِيدُهُ شَرْعًا وَدِينًا كَمَا شَاءَهُ خَلْقًا وَكَوْنًا بِخِلَافِ مَا نَهَى عَنْهُ. ¬

(¬1) ع: عَمَّا. (¬2) أ: الْحُدُودِ. (¬3) أ: مُرَادَةً شَرْعًا وَقَدَرًا خَلْقًا، وَمُرَادًا قَدْ شَاءَهَا وَأَحَبَّهَا، ب: مُرَادَةً شَرْعًا، وَقَدْ أَرَادَهَا خَلْقًا وَأَمْرًا، وَقَدْ شَاءَهَا وَأَحَبَّهَا. (¬4) ع: فَقَالَ أَنَا. (¬5) ب فَقَطْ: الْكُفَّارِ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ.

فصل كلام الرافضي على دلالة العقل عنده على الأفعال الاختيارية والرد عليه

[فصل كلام الرافضي على دلالة العقل عنده على الأفعال الاختيارية والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ (¬2) الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، أَمَّا الْمَعْقُولُ (¬3) فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِاسْتِنَادِ أَفْعَالِنَا الِاخْتِيَارِيَّةِ (¬4) إِلَيْنَا، وَوُقُوعِهَا بِحَسَبِ إِرَادَتِنَا، فَإِذَا أَرَدْنَا الْحَرَكَةَ (¬5) يَمْنَةً لَمْ تَقَعْ يَسْرَةً وَبِالْعَكْسِ، وَالشَّكُّ فِي ذَلِكَ عَيْنُ (¬6) السَّفْسَطَةِ. فَيُقَالُ: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَائِلُونَ بِهَذَا، وَأَنَّ أَفْعَالَ الْإِنْسَانِ الِاخْتِيَارِيَّةَ مُسْتَنِدَةٌ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ فَاعِلٌ لَهَا وَمُحْدِثٌ لَهَا. وَإِنَّمَا يُنَازِعُ (¬7) فِي هَذَا مِنْ يَقُولُ إِنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْعَبْدِ، وَلَا لِقُدْرَتِهِ تَأْثِيرٌ فِيهَا، وَلَا أَحْدَثَهَا الْعَبْدُ. وَهَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْإِثْبَاتِ. وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬8) لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ فَإِنَّ (¬9) اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَصَفَ الْعَبْدَ بِأَنَّهُ يَعْمَلُ وَيَفْعَلُ. ¬

(¬1) الرَّافِضِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ع) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ، ص [0 - 9] 0 (م) . (¬2) ك: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ. (¬3) أ: فَالْمَعْقُولُ. (¬4) أ، ب: الضَّرُورِيَّةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) أ: فَإِذَا أَرَادَ بِالْحَرَكَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) أ: غَيْرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) أ، ب: تَنَازَعَ. (¬8) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: بِأَنَّ.

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: بَلِ النُّفَاةُ خَالَفُوا الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ (¬1) فَإِنَّ كَوْنَ الْعَبْدِ مُرِيدًا فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا (¬2) أَمْرٌ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُحْدِثٌ (¬3) وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونُ لَهُ مُحْدِثٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُحْدِثٌ لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا مُحْدِثٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مُحْدِثٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعَبْدَ أَوِ الرَّبَّ تَعَالَى أَوْ غَيْرَهُمَا. فَإِنْ كَانَ هُوَ (¬4) الْعَبْدَ فَالْقَوْلُ فِي إِحْدَاثِهِ لِتِلْكَ الْفَاعِلِيَّةِ كَالْقَوْلِ فِي إِحْدَاثِ أَحْدَاثِهَا، وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَهُوَ هُنَا بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَقُومَ بِهِ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ اللَّهِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْعَبْدِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مُرِيدًا فَاعِلًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ بِهَذَا الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ فَيَقُولُونَ (¬5) : إِنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ وَاللَّهُ خَلَقَهُ فَاعِلًا (¬6) وَالْعَبْدُ مُرِيدٌ مُخْتَارٌ وَاللَّهُ جَعَلَهُ مُرِيدًا مُخْتَارًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ 29، 30] وَقَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ التَّكْوِيرِ 28، 29] . ¬

(¬1) ع: الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ. (¬2) فَاعِلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) لَهُ مُحْدِثٌ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬5) ع: بِهَذَا الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَبِذَلِكَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ فَيَقُولُونَ. (¬6) أ: وَاللَّهُ خَالِقُهُ فَاعِلٌ، ب: وَاللَّهُ خَالِقُ فِعْلِهِ.

فَأَثْبَتَ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ، وَجَعَلَهَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (¬1) {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 40] . وَقَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 37] . وَقَالَ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ (¬2) : {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ 128] . وَقَالَ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 73] . وَقَالَ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ 41] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَدَلِيلُهُمْ (¬3) اقْتَضَى مَشِيئَةَ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ (¬4) وَهَذَا الدَّلِيلُ اقْتَضَى أَنَّ هَذِهِ الْمَشِيئَةَ وَالِاخْتِيَارَ حَصَلَتْ بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ فَكِلَا (¬5) الْأَمْرَيْنِ حَقٌّ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَا مَشِيئَةَ لَهُ وَلَا اخْتِيَارَ، أَوْ قَالَ: إِنَّهُ لَا قُدْرَةَ [لَهُ] (¬6) أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْفِعْلَ أَوْ لَا (¬7) أَثَرَ لِقُدْرَتِهِ فِيهِ وَلَمْ يُحْدِثْ تَصَرُّفَاتِهِ (¬8) فَقَدْ أَنْكَرَ مُوجِبَ الضَّرُورَةِ الْأُولَى. ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ: لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬3) عِنْدَ كَلِمَةِ " فَدَلِيلُهُمْ " يَنْتَهِي السَّقْطُ الطَّوِيلُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، ص [0 - 9] 29 (¬4) ع: فَعَلَ بِالِاخْتِيَارِ. (¬5) أ، ب: وَكِلَا. (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م، ع: وَلَا. (¬8) ب فَقَطْ: وَلَمْ تُحْدِثْ تَصَرُّفًا بِهِ.

وَمَنْ قَالَ: إِنَّ إِرَادَتَهُ وَفِعْلَهُ حَدَثَتْ بِغَيْرِ سَبَبٍ اقْتَضَى حُدُوثَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْعَبْدَ أَحْدَثَ ذَلِكَ وَحَالُهُ عِنْدَ إِحْدَاثِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ إِحْدَاثِهِ، بَلْ خَصَّ أَحَدَ الزَّمَانَيْنِ بِالْإِحْدَاثِ مِنْ غَيْرِ (¬1) سَبَبٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَهُ، وَأَنَّهُ صَارَ مُرِيدًا فَاعِلًا مُحْدِثًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (¬2) ، مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ جَعَلَهُ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا فَاعِلٍ. وَإِذَا قَالُوا: الْإِرَادَةُ لَا تُعَلَّلُ كَانَ [هَذَا] (¬3) كَلَامًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا: إِنِ الْبَارِئَ يُحْدِثُ إِرَادَةً لَا فِي مَحَلٍّ بِلَا سَبَبٍ اقْتَضَى حُدُوثَهَا وَلَا إِرَادَةٍ فَارْتَكَبُوا (¬4) ثَلَاثَ مُحَالَاتٍ: حُدُوثَ حَادِثٍ (¬5) بِلَا إِرَادَةٍ مِنَ اللَّهِ، وَحُدُوثَ حَادِثٍ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَقِيَامَ الصِّفَةِ بِنَفْسِهَا لَا فِي مَحَلٍّ. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: كَوْنُهُ مُرِيدًا أَمْرٌ مُمْكِنٌ، وَالْمُمْكِنُ (¬6) لَا يَتَرَجَّحُ [وُجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ] (¬7) أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ تَامٍّ. وَهَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ الرَّازِيُّ عَلَيْهِمْ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ تَنَاقَضٌ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ (¬8) . ¬

(¬1) م: مِنْ دُونِ. (¬2) كَذَلِكَ، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬3) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: فَأَثْبَتُوا. (¬5) أ، ب: حَوَادِثَ. (¬6) وَالْمُمْكِنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ: فِي نَفْسِهِ يُنَاقِضُ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ، ب: يُنَاقِضُ مَسْأَلَةَ حُدُوثِ الْعَالَمِ، ع: فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ تَنَاقُضٌ فِي نَفْسِ حُدُوثِ الْعَالَمِ.

وَالْحُجَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا هَذَا الْإِمَامِيُّ مَذْكُورَةٌ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ (¬1) وَهِيَ صَحِيحَةٌ كَمَا أَنَّ الْأُخْرَى صَحِيحَةٌ فَيَجِبُ الْقَوْلُ (¬2) بِهِمَا جَمِيعًا، [مَعَ أَنَّ جُمْهُورَ (¬3) الْقَدَرِيَّةِ يَقُولُونَ: الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُحْدِثًا لِأَفْعَالِهِ نَظَرِيٌّ لَا ضَرُورِيٌّ، وَهَؤُلَاءِ يُخَالِفُونَ أَبَا الْحُسَيْنِ. وَأَبُو الْحُسَيْنِ يَقُولُ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ الْفِعْلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّاعِي وَالْقُدْرَةِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْفِعْلُ، وَهُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، وَلِهَذَا يُعَبِّرُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَحْوِ ذَلِكَ كَأَبِي الْمَعَالِي وَالرَّازِيِّ وَغَيْرِهِمَا. لَكِنْ إِذَا قِيلَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِالْأَسْبَابِ. وَمَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ يَقُولُ: خَلَقَ الْفِعْلَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِلْقُدْرَةِ أَثَرًا فِي مَقْدُورِهَا كَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ] (¬4) . فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ اللَّهُ مُحْدِثًا لَهَا وَالْعَبْدُ مُحْدِثًا لَهَا. قِيلَ: إِحْدَاثُ اللَّهِ لَهَا بِمَعْنَى أَنْ خَلَقَهَا [مُنْفَصِلَةً عَنْهُ قَائِمَةً بِالْعَبْدِ] (¬5) فَجَعَلَ الْعَبْدَ فَاعِلًا لَهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ (¬6) الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ [تَعَالَى] ، ¬

(¬1) ن: مَأْخُوذَةٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، م: مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَبِي الْحُسَيْنِ. (¬2) ن، م: فَصَحَّ الْقَوْلُ. (¬3) عِنْدَ عِبَارَةِ مَعَ أَنَّ جُمْهُورَ الْقَدَرِيَّةِ، يُوجَدُ سَقْطٌ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) . (¬4) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَإِحْدَاثُ الْعَبْدِ لَهَا (¬1) بِمَعْنَى أَنَّهُ حَدَثَ مِنْهُ هَذَا الْفِعْلُ [الْقَائِمُ بِهِ] (¬2) بِالْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ فِيهِ. وَكُلٌّ مِنَ الْإِحْدَاثَيْنِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ وَجِهَةُ الْإِضَافَةِ مُخْتَلِفَةٌ [فَمَا أَحْدَثَهُ الرَّبُّ فَهُوَ مُبَايِنٌ لَهُ قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ وَفِعْلُ الْعَبْدِ الَّذِي أَحْدَثَهُ قَائِمٌ بِهِ] (¬3) فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ فَاعِلًا لِلْفِعْلِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ حَتَّى يَجْعَلَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ فَيُحْدِثَ (¬4) قُدْرَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ وَالْفِعْلَ الَّذِي كَانَ بِذَلِكَ وَإِذَا جَعَلَهُ اللَّهُ فَاعِلًا وَجَبَ (¬5) وُجُودُ ذَلِكَ. فَخَلْقُ الرَّبِّ لِفِعْلِ الْعَبْدِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْفِعْلِ، وَكَوْنَ الْعَبْدِ فَاعِلًا لَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الرَّبِّ خَالِقًا لَهُ، بَلْ جَمِيعُ الْحَوَادِثِ بِأَسْبَابِهَا هِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ (¬6) . [فَإِنْ قِيلَ: هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ هِيَ فِعْلٌ لِلرَّبِّ وَفِعْلٌ لِلْعَبْدِ. قِيلَ: مَنْ قَالَ هِيَ فِعْلٌ لَهُمَا بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ فِعْلَ الرَّبِّ هُوَ مَا انْفَصَلَ عَنْهُ، وَقَالَ: إِنَّهَا فِعْلٌ لَهُمَا كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسَّرَ كَلَامُهُ بِشَيْءٍ يُعْقَلُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهَا مَفْعُولَةٌ لِلرَّبِّ ¬

(¬1) ن، م: الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ بِغَيْرِ إِحْدَاثِ الْعَبْدِ لَهَا. (¬2) الْقَائِمُ بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ع: فَتَحْدُثَ. (¬5) أ، ب: وَإِذَا جَعَلَهُ الْفَاعِلَ. (¬6) بَعْدَ عِبَارَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ يُوجَدُ سَقْطٌ طَوِيلٌ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

لَا فِعْلَ لَهُ إِذَا فَعَلَهُ مَا قَامَ بِهِ وَالْفِعْلُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْمَفْعُولِ، فَيَقُولُونَ إِنَّهَا مَفْعُولَةٌ لِلرَّبِّ لَا فِعْلَ لَهُ (¬1) وَإِنَّهَا فِعْلٌ لِلْعَبْدِ. كَمَا يَقُولُونَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ: إِنَّهَا قُدْرَةٌ لِلْعَبْدِ مَقْدُورَةٌ لِلرَّبِّ لَا إِنَّهَا نَفْسُ قُدْرَةِ الرَّبِّ. وَكَذَلِكَ إِرَادَةُ الْعَبْدِ هِيَ إِرَادَةٌ لِلْعَبْدِ مُرَادَةٌ لِلرَّبِّ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ صِفَاتِ الْعَبْدِ هِيَ صِفَاتٌ لَهُ وَهِيَ (¬2) مَفْعُولَةٌ لِلرَّبِّ مَخْلُوقَةٌ لَهُ لَيْسَتْ بِصِفَاتٍ لَهُ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَضَافَ كَثِيرًا مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَيْهِ وَأَضَافَهُ إِلَى بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ، إِمَّا أَنْ يُضِيفَ عَيْنَهُ أَوْ نَظِيرَهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [سُورَةُ الزُّمَرِ 42]] . وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 60] . مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ 11] . وَقَوْلِهِ: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 61] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الرِّيحِ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 25] . ¬

(¬1) عِبَارَةُ " لَا فِعْلَ لَهُ "، سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) ع: هِيَ صِفَاتُ الْعَبْدِ وَهِيَ.

وَقَالَ: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ 137] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ 9] . وَقَالَ: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ 16] . وَقَالَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [سُورَةُ يُوسُفَ 3] . وَقَالَ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [سُورَةُ النَّمْلِ 76] . وَقَالَ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ 127] . أَيْ: مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ. وَقَالَ: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 5] ، فَأَضَافَ الْإِنْبَاتَ (¬1) إِلَيْهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [سُورَةُ الْحِجْرِ 19] . وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ - يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [سُورَةُ النَّحْلِ 10، 11] . وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} [سُورَةُ يُونُسَ 24] . ¬

(¬1) أ: النَّبَاتَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا} [سُورَةُ الْكَهْفِ 7] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ 6] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 4] . وَقَالَ تَعَالَى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 2] . وَقَالَ: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 193] . وَقَالَ: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 105] . وَقَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 18] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 21] ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 16] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 23] ، فَهُمْ نَطَقُوا وَهُوَ أَنْطَقَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ. فَإِذَا كَانَ [تَبَارَكَ وَتَعَالَى] (¬1) قَدْ جَعَلَ فِي الْجَمَادَاتِ قُوًى تَفْعَلُ، وَقَدْ أَضَافَ الْفِعْلَ إِلَيْهَا وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِأَفْعَالِهَا، فَلَأَنْ لَا ¬

(¬1) تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَتْ فِي (ع) .

يُمْنَعُ إِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَهُ - بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ لَا تُنَازِعُ فِي أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ مَا فِي الْجَمَادَاتِ مِنَ الْقُوَى وَالْحَرَكَاتِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ (¬1) أَنَّ الْأَرْضَ تُنْبِتُ، وَأَنَّ السَّحَابَ يَحْمِلُ الْمَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 2] . وَالرِّيحُ تَنْقُلُ السَّحَابَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 57] ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الرِّيحَ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَاءَ طَغَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: 11] . بَلْ قَدْ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ سُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَتَسْبِيحِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 18] . وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَمْنَعُ حَمْلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهَا مَخْلُوقَةً دَالَّةً عَلَى الْخَالِقِ وَأَنَّ الْمُرَادَ شَهَادَتُهَا بِلِسَانِ الْحَالِ فَإِنَّ هَذَا عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 10] . وَقَالَ: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ - وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} [سُورَةُ ص: 18، 19] . ¬

(¬1) ع: وَاللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ.

فَأَخْبَرَ أَنَّ الْجِبَالَ تَئَوِّبُ مَعَهُ وَالطَّيْرَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَخَّرَهَا تُسَبِّحُ. وَقَالَ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [سُورَةُ النُّورِ: 41] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 44] . وَقَالَ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 15] . وَقَالَ: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 74] . وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى سُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَتَسْبِيحِهَا مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬1) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ جَعْلِ ذَلِكَ فِعْلًا لِهَذِهِ الْأَعْيَانِ فِي الْقُرْآنِ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَ الرَّبِّ تَعَالَى خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُكُمْ إِذَا جَعَلْنَا اللَّهَ فَاعِلًا وَجَبَ وُجُودُ ذَلِكَ الْفِعْلِ (¬2) وَخَلْقُ الْفِعْلِ يَسْتَلْزِمُ وَجُودَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ يَقْتَضِي الْجَبْرَ، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ. ¬

(¬1) وَهُوَ فِي " رِسَالَةٌ فِي قُنُوتِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لِلَّهِ تَعَالَى " وَهِيَ الَّتِي حَقَّقْتُهَا وَنَشَرْتُهَا فِي الْمَجْمُوعَةِ الْأُولَى مِنْ " جَامِعِ الرَّسَائِلِ " ص [0 - 9]- 45 ط الْمَدَنِيِّ الْقَاهِرَةِ، 1389 1969. (¬2) الْفِعْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

قِيلَ: لَفْظُ الْجَبْرِ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَاللَّفْظُ إِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حُرْمَةٌ إِذَا ثَبَتَ عَنِ الْمَعْصُومِ، وَهِيَ أَلْفَاظُ النُّصُوصِ، فَتِلْكَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَ مَعَانِيَهَا، وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُحْدَثَةُ مِثْلُ لَفْظِ الْجَبْرِ فَهُوَ مِثْلُ لَفْظِ الْجِهَةِ وَالْحَيِّزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ مِثْلَ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُثْبَتُ وَلَا يُنْفَى مُطْلَقًا، فَلَا يُقَالُ مُطْلَقًا: جَبَرَ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يُجْبِرْ، فَإِنَّهُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ. وَمِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ (¬1) مَنْ أَطْلَقَ نَفْيَهُ، كَالزُّبَيْدِيِّ صَاحِبِ الزُّهْرِيِّ، وَهَذَا نَظَرٌ إِلَى الْمَعْنَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْجَبْرِ وَالْإِجْبَارِ عَلَى مَا يُفْعَلُ بِدُونِ إِرَادَةِ الْمَجْبُورِ بَلْ مَعَ كَرَاهَتِهِ كَمَا يُجْبِرُ الْأَبُ ابْنَتَهُ عَلَى النِّكَاحِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَخْلُقُ فِعْلَ الْعَبْدِ الِاخْتِيَارِيَّ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، بَلْ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ مُرِيدًا مُخْتَارًا، وَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهَ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ: اللَّهُ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ (¬2) مِنْ أَنْ يُجْبِرَ، إِنَّمَا يُجْبِرُ غَيْرَهُ مَنْ لَا (¬3) يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِ مُخْتَارًا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ الْعَبْدَ مُخْتَارًا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِجْبَارِهِ. ¬

(¬1) ع: السُّنَّةِ. (¬2) وَأَجَلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .

وَلِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالزُّبَيْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا: نَقُولُ جَبَلَ وَلَا نَقُولُ جَبَرَ، لِأَنَّ الْجَبْلَ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: إِنَّ فِيكَ خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ. فَقَالَ: أَخُلُقَيْنِ تَخَلَّقْتُ بِهِمَا أَمْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتُ عَلَيْهِمَا؟ فَقَالَ: بَلْ خُلُقَيْنِ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ» (¬1) . فَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ الْجَبْرِ (¬2) نَفْسُ فِعْلِ مَا يَشَاؤُهُ، وَإِنْ خَلَقَ اخْتِيَارَ الْعَبْدِ؛ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرْظِيُّ: الْجَبَّارُ هُوَ الَّذِي جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَهُ (¬3) . وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنْهُ: اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ، وَسَامِكَ الْمَسْمُوكَاتِ، جَبَّارَ (¬4) الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا (¬5) شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا. فَإِذَا أُرِيدَ بِالْجَبْرِ هَذَا فَهَذَا حَقٌّ (¬6) وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَوَّلُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَكِنَّ الْإِطْلَاقَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْأَوَّلُ، فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ، فَإِذَا قَالَ السَّائِلُ: أَنَا أُرِيدُ بِالْجَبْرِ الْمَعْنَى الثَّانِيَ، وَهُوَ أَنَّ نَفْسَ جَعْلِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ (¬7) فَاعِلًا قَادِرًا ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 6 (¬2) ع: فَقَدْ يُرَادُ بِالْجَبْرِ. (¬3) أ، ب: عَلَى مَا أَرَادَ. (¬4) ع: جَابِرَ. (¬5) ع: فِطْرَاتِهَا. (¬6) أ، ب: فَالْجَبْرُ حَقٌّ. (¬7) أ، ب: الْعَبْدَ.

يَسْتَلْزِمُ الْجَبْرَ، وَنَفْسَ كَوْنِ الدَّاعِي وَالْقُدْرَةِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْفِعْلِ " جَبَرَ ". قِيلَ: هَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ، وَلَا دَلِيلَ لَكَ عَلَى إِبْطَالِهِ، وَحُذَّاقُ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَأَمْثَالِهِ يُسَلِّمُونَ هَذَا فَيُسَلِّمُونَ أَنَّ مَعَ وُجُودِ الدَّاعِي وَالْقُدْرَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ. وَصَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ قَدْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فَلَا يُمْكِنُهُ مَعَ هَذَا إِنْكَارُ الْجَبْرِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَلِهَذَا (¬1) نُسِبَ أَبُو الْحُسَيْنِ إِلَى التَّنَاقُضِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ وَأَمْثَالَهُ مِنْ حُذَّاقِ الْمُعْتَزِلَةِ إِذَا سَلَّمُوا أَنَّهُ مَعَ الدَّاعِي وَالْقُدْرَةِ، يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَسَلَّمُوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الدَّاعِيَ وَالْقُدْرَةَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ (¬2) اللَّهُ خَالِقَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. فَحُذَّاقُ الْمُعْتَزِلَةِ سَلَّمُوا الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَمَنَعُوا النَّتِيجَةَ، وَالطُّوسَيُّ الَّذِي قَدْ عَظَّمَهُ هَذَا الْإِمَامِيُّ ذَكَرَ فِي تَلْخِيصِ الْمُحَصَّلِ لَمَّا ذَكَرَ احْتِجَاجَ الرَّازِيِّ: بِأَنَّ الْفِعْلَ يَجِبُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ وَيَمْتَنِعُ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَبَطَلَ (¬3) قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْكُلِّيَّةِ (¬4) يَعْنِي الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ ¬

(¬1) أ، ب: وَبِهَذَا. (¬2) يَكُونَ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ب فَقَطْ: فَقَدْ بَطَلَ. (¬4) يَقُولُ الرَّازِيُّ فِي " الْمُحَصِّلِ " ص 141: وَزَعَمَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْعَبْدَ مُوجِدٌ لِأَفْعَالِهِ لَا عَلَى نَعْتِ الْإِيجَابِ بَلْ عَلَى صِفَةِ الِاخْتِيَارِ. لَنَا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَبْدَ حَالَ الْفِعْلِ إِمَّا أَنْ يُمْكِنَهُ التَّرْكُ أَوْ لَا يُمْكِنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّرْكُ فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ، فَإِمَّا أَنْ لَا يَفْتَقِرَ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ إِلَى مُرَجِّحٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ تَجْوِيزٌ لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ عَلَى الْآخَرِ لَا لِمُرَجِّحٍ، أَوْ يَفْتَقِرُ ذَلِكَ الْمُرَجِّحَ، إِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ عَادَ التَّقْسِيمُ، وَإِلَّا يَتَسَلْسَلُ، بَلْ يَنْتَهِي لَا مَحَالَةَ إِلَى مُرَجِّحٍ لَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِهِ، ثُمَّ عِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ لَا يَتَحَصَّلَ ذَلِكَ الْفِعْلُ فَلْنَفْرِضْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ الْفِعْلُ تَارَةً، وَلَا يَحْصُلُ أُخْرَى، مَعَ أَنَّ نِسْبَةَ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ إِلَى الْوَقْتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، فَاخْتِصَاصُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ بِالْحُصُولِ، وَوَقْتِ الْآخَرِ بِعَدَمِ الْحُصُولِ، يَكُونُ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ الْمُتَسَاوِي عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ لَا يَحْصُلَ فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْمُرَجِّحُ وَجَبَ الْفِعْلُ، وَمَتَى لَمْ يَحْصُلِ امْتَنَعَ، فَلَمْ يَكُنِ الْعَبْدُ مُسْتَقِلًّا بِالِاخْتِيَارِ، فَهَذَا كَلَامٌ قَاطِعٌ.

الْجَوَازِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، فَاعْتَرَضَ (¬1) عَلَيْهِ الطُّوسِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ (¬2) فِيمَا مَرَّ أَنَّ الْمُخْتَارَ مُتَمَكِّنٌ (¬3) مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ عَلَى الْآخَرِ، (¬4) بِلَا مُرَجِّحٍ وَهُنَا حُكْمٌ بِأَنَّ ذَلِكَ (¬5) مُحَالٌ، (¬6) ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ (¬7) وَامْتِنَاعِ عَدَمِ حُصُولِ الْأَثَرِ (¬8) ، قَالَ: فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ (¬9) : وَذَلِكَ غَيْرُ وَارِدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ ¬

(¬1) أ: الْمُعْتَرِضُ، ب: اعْتَرَضَ. (¬2) أ، ب: فَقَالَ إِنَّهُ ذَكَرَ. (¬3) أ، ب: مُمْكِنٌ (¬4) عَلَى الْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: ذَاكَ. (¬6) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكَلَامَ فِي " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ " لِلطُّوسِيِّ مَعَ طُولِ بَحْثِي عَنْهُ، وَلَكِنَّ الطُّوسِيَّ يُقَرِّرُ أَنَّ الرَّازِيَّ مُتَنَاقِضٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ص [0 - 9] 22 عِنْدَ تَعْلِيقِهِ عَلَى كَلَامِ الرَّازِّيِّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ، إِذْ يَقُولُ: وَقَوْلُهُ: الْمُخَصَّصُ لَيْسَ الْقُدْرَةَ، مُنَاقِضٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِيمَا مَرَّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُخْتَارَ يُمْكِنُهُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. (¬7) أ، ب: الْمُرَجِّحِ. (¬8) ع: الْمُؤَثِّرِ. (¬9) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكَلَامَ لِلطُّوسِيِّ فِي " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ "، وَلَعَلَّهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ لَهُ، وَانْظُرْ: كِتَابَ (فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ وَآرَاؤُهُ الْكَلَامِيَّةُ وَالْفَلْسَفِيَّةُ) ، لِلْأُسْتَاذِ مُحَمَّدِ صَالِحٍ الزَّرْكَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ ص [0 - 9] 29 - 536 ط. دَارِ الْفِكْرِ، بَيْرُوتَ، بِدُونِ تَارِيخٍ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّهُ رَجُلُ الْمُعْتَزِلَةِ (¬1) وَقَالَ هُنَا (¬2) : إِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ يُوجِبَانِ وُجُودَ الْمَقْدُورِ فَكَيْفَ بَطَلَ قَوْلُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعْنَى الِاخْتِيَارِ هُوَ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقُدْرَةِ وَحْدَهَا وَوُجُوبُ وُقُوعِ أَحَدِهِمَا بِحَسَبِ الْإِرَادَةِ، فَمَتَى حَصَلَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ (¬3) وَهُوَ الْإِرَادَةُ وَجَبَ الْفِعْلُ وَمَتَى لَمْ يَحْصُلِ امْتَنَعَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُنَافٍ لِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْقُدْرَةِ وَحْدَهَا، فَإِذًا اللُّزُومُ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ قَاطِعٍ فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ. قُلْتُ: الْقَوْلُ الَّذِي قَطَعَ بُطْلَانَهُ الرَّازِيُّ هُوَ الْقَوْلُ (¬4) الْمَشْهُورُ عَنْهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّاعِي بَلِ الْقَادِرُ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ (¬5) عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ فَيُحْدِثُ الدَّاعِي لَهُ الْفِعْلَ كَالْإِرَادَةِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ قَادِرًا مَعَ اسْتِوَاءِ الْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُجُودِ ذَلِكَ وَعَدَمِهِ. وَالدَّاعِي قَدْ يُفَسَّرُ بِالْعِلْمِ أَوِ الِاعْتِقَادِ أَوِ الظَّنِّ (¬6) وَقَدْ يُفَسَّرُ بِالْإِرَادَةِ وَقَدْ يُفَسَّرُ بِالْمَجْمُوعِ وَقَدْ يُفَسَّرُ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمُرَادُ مِمَّا يَقْتَضِي إِرَادَتَهُ. وَالرَّازِيُّ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ مُتَنَاقِضٌ فَإِنَّ الرَّازِيَّ ذَكَرَ فِي الْأَقْوَالِ ¬

(¬1) ع: إِنَّهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ. (¬2) ع: وَهُنَا قَالَ. (¬3) ع: فَمَتَى حَصَلَ حَصَلَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ. (¬4) الْقَوْلُ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ: أَحَدَ مَقْدُورَاتِهِ. (¬6) ع: وَالِاعْتِقَادِ وَالظَّنِّ.

قَوْلَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفِعْلَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّاعِي، فَإِذَا حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ وَانْضَمَّ إِلَيْهَا الدَّاعِي صَارَ مَجْمُوعُهُمَا عِلَّةً لِوُجُوبِ الْفِعْلِ. قَالَ (¬1) : وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفَلَاسِفَةِ وَاخْتِيَارُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْغُلُوَّ فِي الِاعْتِزَالِ، حَتَّى ادَّعَى أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مُوجِدٌ لِأَفْعَالِهِ ضَرُورِيٌّ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْفِعْلَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّاعِي، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ يَمْتَنِعُ وُقُوعُهُ، فَحَالَ الْمَرْجُوحِيَّةِ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَرْجُوحُ وَجَبَ الرَّاجِحُ لِأَنَّهُ لَا خُرُوجَ عَنِ النَّقِيضَيْنِ وَهَذَا عَيْنُ الْقَوْلِ بِالْجَبْرِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ (¬2) وَاجِبُ الْوُقُوعِ عِنْدَ حُصُولِ الْمُرَجِّحِ، وَمُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ، فَثَبَتَ أَنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ كَانَ عَظِيمَ الْغُلُوِّ فِي الْقَوْلِ بِالْجَبْرِ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ أَنَّهُ عَظِيمُ الْغُلُوِّ فِي الِاعْتِزَالِ. قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ هُوَ (¬3) قَوْلُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّتِهِمْ (¬4) وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ أَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي خَازِمٍ (¬5) ابْنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَقَوْلُ الْكَرَّامِيَّةِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ فِعْلِ الْعَبْدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى (¬6) قَوْلِ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْأَسْبَابِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ تَأْثِيرٌ فِي الْفِعْلِ. ¬

(¬1) لَمْ أَتَمَكَّنْ مِنَ الْعُثُورِ عَلَى النَّصِّ التَّالِي مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ فِيمَا هُوَ مَطْبُوعٌ مِنْ كُتُبِهِ. (¬2) أ، ب: لِأَنَّ الْمُرَادَ. (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ع: وَأَئِمَّتِهَا. (¬5) فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ: أَبِي حَازِمٍ، وَهُوَ حَازِمٌ. (¬6) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا تَأْثِيرَ لَهَا كَالْأَشْعَرِيِّ، فَإِذَا فَسَّرَ الْوُجُوبَ بِالْوُجُوبِ الْعَادِيِّ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ، وَإِنْ فَسَّرَ (¬1) بِالْعَقْلِيِّ امْتَنَعَ. وَأَمَّا لَفْظُ الْجَبْرِ فَالنِّزَاعُ فِيهِ لَفْظِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ هُوَ فِي اللُّغَةِ ظَاهِرًا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلِهَذَا أَنْكَرَ السَّلَفُ إِطْلَاقَهُ، فَإِذَا قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ: هَذَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُخْتَارًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمُخْتَارِ إِلَّا كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَأَنَّهُ إِذَا شَاءَ فَعَلَ هَذَا وَإِذَا شَاءَ فَعَلَ هَذَا. قِيلَ لَهُمْ: هَذَا مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ يُقَالُ: هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ فَإِنَّهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ فَاعِلًا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا مَعَ كَوْنِهِ فَاعِلًا، وَكَذَلِكَ حَالُ كَوْنِهِ تَارِكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى كَوْنِهِ فَاعِلًا مَعَ كَوْنِهِ تَارِكًا، فَإِنَّ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ ضِدَّانِ، وَاجْتِمَاعُهُمَا مُمْتَنِعٌ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ عَلَى مُمْتَنِعٍ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَنَا قَادِرٌ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، أَيْ يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ فِي حَالِ عَدَمِ التَّرْكِ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَتْرُكَ فِي حَالِ عَدَمِ الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: الْقَادِرُ (¬2) إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشَاءَ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ مَعًا، بَلْ حَالَ مَشِيئَتِهِ لِلْفِعْلِ لَا يَكُونُ مُرِيدًا لِلتَّرْكِ (3 وَحَالَ مَشِيئَتِهِ لِلتَّرْكِ لَا يَكُونُ مُرِيدًا لِلْفِعْلِ (¬3) 3) . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقَادِرُ الَّذِي (¬4) إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ حَالَ كَوْنِهِ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: فَسَّرَهُ. (¬2) الْقَادِرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) .

شَاءَ الْفِعْلَ (¬1) مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَحَالَ وُجُودِ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلتَّرْكِ مَعَ الْفِعْلِ، وَأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى وُجُودِ التَّرْكِ مَعَ الْفِعْلِ، بَلْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ (¬2) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْفِعْلِ تَارِكًا لَهُ، فَيَكُونُ قَادِرًا عَلَى التَّرْكِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي مِنْ وُجُودِ الْفِعْلِ، لَا حَالَ وُجُودِ الْفِعْلِ. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: (¬3) هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ وَاجِبًا لَا مُمْكِنًا، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ (¬4) وَاجِبًا بِغَيْرِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ، فَهَذَا حَقٌّ كَمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مَوْجُودًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْدُومًا، وَفِي حَالِ وُجُودِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا. وَكُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ (¬5) ، فَوَجَبَ وُجُودُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهُ لِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ لَهُ، مَعَ أَنَّ مَا شَاءَهُ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ مَفْعُولٌ لَهُ، وَكَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ يُمْكِنُ (¬6) أَنْ يُوجَدَ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يُوجَدَ، فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ صَارَ مَوْجُودًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا مَعَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا، (* وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْدَمَ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَلَيْسَ فِي الْأَشْيَاءِ مَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ يُمْكِنُ وُجُودُهُ بَدَلًا عَنْ عَدَمِهِ وَعَدَمُهُ بَدَلٌ عَنْ وُجُودِهِ ¬

(¬1) ع: شَاءَ لِلْفِعْلِ. (¬2) ب فَقَطْ عَلَى التَّرْكِ. (¬3) ب فَقَطْ: قَائِلٌ. (¬4) أ: فَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَصِيرُ، ب: فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَصِيرُ. (¬5) ع: فَإِنَّ مَا شَاءَ كَانَ. (¬6) أفَقَطْ: قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ.

فَإِذَا وُجِدَ كَانَ وُجُودُهُ مَا دَامَ مَوْجُودًا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ، وَإِذَا سُمِّيَ مُمْكِنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَمَفْعُولٌ وَحَادِثٌ فَهُوَ صَحِيحٌ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ حَالَ وُجُودِهِ يُمْكِنُ عَدَمُهُ مَعَ وُجُودِهِ *) (¬1) فَإِنَّهُ إِذَا أُرِيدَ (¬2) أَنَّهُ حَالَ وُجُودِهِ يُمْكِنُ عَدَمُهُ مَعَ وُجُودِهِ فَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَإِنْ أَرَادَ (¬3) أَنَّهُ يُمْكِنُ عَدَمُهُ بَعْدَ هَذَا الْوُجُودِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُنَاقِضُ وُجُوبَ وَجُودِهِ بِغَيْرِهِ مَا دَامَ مَوْجُودًا وَهَذَا مَوْجُودٌ (¬4) بِالْقَادِرِ لَا بِنَفَسِهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ (¬5) فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا بِمَعْنَى كَوْنِهِ (¬6) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا حَالَ وُجُودِهِ. وَمَنْ فَهِمَ هَذَا انْحَلَّتْ عَنْهُ إِشْكَالَاتٌ كَثِيرَةٌ أُشْكِلَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ، بَلْ وَفِي إِثْبَاتِ كَوْنِ الرَّبِّ قَادِرًا مُخْتَارًا مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَالْقَدَرُ يَتَعَلَّقُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: (¬7) الْقَدَرُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْقَدَرَ فَقَدْ أَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى (¬8) وَأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَلِهَذَا جَعَلَ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَخَصَّ وَصْفِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قُدْرَتَهُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ. ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي (ع) فَقَطْ. (¬2) ع: فَإِذَا أُرِيدَ. (¬3) ب فَقَطْ: وَإِنْ أُرِيدَ. (¬4) أ، ب: وَهَذَا وُجُودٌ. (¬5) ب: فَهُوَ. (¬6) ع: لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ. (¬7) ع: أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬8) تَبَارَكَ وَتَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَأَيْضًا فَقَوْلُ الْقَائِلِ: الْقَادِرُ (¬1) هُوَ الَّذِي إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ إِنْ شَاءَ وُجُودَ الْفِعْلِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي وَإِنْ شَاءَ التَّرْكَ فِيهِ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا جَمِيعًا، فَأَمَّا حَالَ الْفِعْلِ فَيَمْتَنِعُ التُّرْكُ، وَحَالَ التُّرْكِ فَيَمْتَنِعُ الْفِعْلُ، وَحِينَئِذٍ فَالْفِعْلُ وَاجِبٌ حَالَ وُجُودِهِ لَا فِي الْحَالِ الَّتِي يَكُونُ (¬2) مُخَيَّرًا فِيهَا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَحَالَ التَّخْيِيرِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَحَالَ وُجُوبِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا. نَعَمْ قَدْ يَكُونُ حَالَ الْفِعْلِ شَائِيًا لِلتَّرْكِ بَعْدَ الْفِعْلِ، وَهَذَا تَرْكٌ ثَانٍ لَيْسَ (¬3) هُوَ تَرْكُ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي حَالِ وُجُودِهِ، فَالْقَادِرُ قَطُّ لَا يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي حَالِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا (4 إِلَّا بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي وَإِلَّا فَفِي حَالِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا لَا (¬4) 4) يَكُونُ (¬5) مُخَيَّرًا بَيْنَ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ مَعَ وُجُودِهِ، وَحَالَمَا يَكُونُ الْفَاعِلُ فَاعِلًا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّرْكُ مَقْدُورًا لَهُ، لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا يَكُونُ مَقْدُورًا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الضِّدَّيْنِ قُدْرَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَيْسَتْ قُدْرَةً عَلَى جَمْعِهِمَا، (¬6) وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَسْوِيدِ الثَّوْبِ وَتَبْيِيضِهِ وَيُسَافِرُ إِلَى الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَيَذْهَبُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذِهِ الْأُخْتَ وَهَذِهِ الْأُخْتَ (¬7) . ¬

(¬1) أ: الْقَدَرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ع: الَّتِي كَانَ. (¬3) أ: وَهَذَا تَرْكٌ بِأَنْ لَيْسَ، ب: وَهَذَا التَّرْكُ لَيْسَ. (¬4) (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ب فَقَطْ: فَلَا يَكُونُ. (¬6) ع: عَلَى جَمِيعِهَا. (¬7) ع: وَهَذِهِ الْأُخْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَعِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْتَهِي السَّقْطُ الطَّوِيلُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ فِي ص [0 - 9] 40.

فصل كلام الرافضي على دلالة النقل على الأفعال الاختيارية والرد عليه

[فصل كلام الرافضي على دلالة النقل على الأفعال الاختيارية والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : وَأَمَّا الْمَنْقُولُ فَالْقُرْآنُ (¬2) مَمْلُوءٌ مِنِ اسْتِنَادِ (¬3) أَفْعَالِ الْبَشَرِ إِلَيْهِمْ (¬4) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (¬5) . {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [سُورَةُ النَّجْمِ 37] (¬6) [ {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [سُورَةُ مَرْيَمَ 37] {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 164] (¬7) {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ 32] {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [سُورَةُ غَافِرٍ 17] {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ 28] {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [سُورَةُ طه 15] {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ النَّمْلِ 90]] (¬8) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 160] {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 30] (¬9) {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ¬

(¬1) أ، ب: قَالَ الْإِمَامِيُّ وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ، ص [0 - 9] 0 (م) ، 91 (م) . (¬2) ك: فَإِنَّ الْقُرْآنَ. (¬3) ب فَقَطْ: إِسْنَادِ. (¬4) ع: الْفِعْلِ إِلَى الْبَشَرِ. (¬5) تَعَالَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬6) أ، ب، ع: الَّذِي وَفَّى. . الْآيَةَ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ب) ، (ك) وَسَقَطَ مِنَ النُّسَخِ الْأُخْرَى. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ك) فَقَطْ. (¬9) آيَةُ سُورَةِ فَاطِرٍ فِي (ك) ، (ب) فَقَطْ.

{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 160] (¬1) {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [سُورَةُ الطُّورِ: 21] {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 46] {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 10] {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [سُورَةُ الشُّورَى: 30] إِلَخْ (¬2) . فَيُقَالُ: الْجَوَابُ (3 مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا 3) (¬3) أَنْ يُقَالَ (¬4) : كُلُّ هَذَا حَقٌّ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ قَائِلُونَ [بِذَلِكَ وَهُمْ قَائِلُونَ] (¬5) إِنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ (¬6) أَهْلِ الْإِثْبَاتِ كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ. (7 الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ 7) : (¬7) : وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِمَا يَدُلُّ (¬8) عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ حَادِثَةٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ [وَقُدْرَتِهِ] (¬9) وَخَلْقِهِ، فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضٍ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ كَلَامَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ وَتَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَسْطُرٍ مِنْ كَلَامِهِ انْظُرْ (ك) ، ص 91 (م) . (¬3) (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) ن: أَنْ يَقُولَ. وَسَقَطَتِ الْعِبَارَةُ مِنْ (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م، ع: مِنْ مُتَكَلِّمِي. (¬7) (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬8) ن، ع: مِمَّا يَدُلُّ، أ: مِمَّا دَلَّ، ب: بِمَا دَلَّ. (¬9) وَقُدْرَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 112] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 23، 24] وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ (¬1) عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ: لَأُصَلِّيَنَّ الظَّهْرَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ: لَأَقْضِيَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيَّ، وَصَاحِبُهُ مُطَالِبُهُ، أَوْ: لَأَرُدَنَّ هَذِهِ الْوَدِيعَةَ (¬2) ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَلَوْ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لَحَنِثَ (¬3) . وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128] . وَقَالَ تَعَالَى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 26] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 24] . ¬

(¬1) ن، م، ع: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ. (¬2) هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: يَحْنَثُ

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ - وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [سُورَةُ يس: 8، 9] (* (¬1) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 73] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 73] . وَقَالَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] . وَقَالَ عَنْ آلِ فِرْعَوْنَ {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 41] . وَقَالَ عَنِ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 40] . وَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ - وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [سُورَةُ يس: 41، 42] وَالْفُلْكُ مِنْ مَصْنُوعَاتِ بَنِي آدَمَ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 96] ¬

(¬1) بَعْدَ آيَتَيْ سُورَةِ يس يُوجَدُ سَقْطٌ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) سَأُشِيرُ إِلَى مَوْضِعِهِ عِنْدَ نِهَايَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَإِنَّ طَائِفَةً مِنَ الْمُثْبِتَةِ (¬1) لِلْقَدَرِ قَالُوا: إِنَّ " مَا " هَاهُنَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَإِنَّ الْمُرَادَ: خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمْ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. وَالصَّوَابُ أَنَّ " مَا " هَاهُنَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَأَنَّ الْمُرَادَ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ (¬2) وَالْأَصْنَامَ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا. كَمَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ (¬3) : " «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ» ". (¬4) وَأَنَّهُ (¬5) قَالَ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 95، 96] فَذَمَّهُمْ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ مَا يَنْحِتُونَهُ (¬6) مِنَ الْأَصْنَامِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَابِدَ وَالْمَعْبُودَ وَالْمَنْحُوتَ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَلَوْ أُرِيدَ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ¬

(¬1) ع: مِنَ الْمُثْبِتِينَ. (¬2) أ، ب: وَأَنَّ الْمُرَادَ: خَلَقَكُمْ. (¬3) قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (2 - 116) وَنَقَلَ عَنِ السُّيُوطِيِّ قَوْلَهُ: خ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ ك الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَانِعُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنَعَتِهِ. وَعَلَّقَ الْأَلْبَانِيُّ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَاكِمِ وَابْنِ مَنْدَهْ وَغَيْرِهِمَا: " خَالِقُ "، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ، وَأَشَارَ إِلَى كَلَامِهِ عَنْهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (1637) : ابْنُ مَنْدَهْ. الْمَحَامِلِيُّ. عد. وَالْحَدِيثُ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ ص 137 ضِمْنَ كِتَابِ عَقَائِدِ السَّلَفِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ ط الشَّعْبِ 7 - 22، وَالسُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ 5 - 279، وَالْحَدِيثُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ ص 26 ط مَطْبَعَةِ السَّعَادَةِ، سَنَةَ 1358 هـ، الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1 - 31، 32 وَقَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. (¬5) أ، ب: فَإِنَّهُ. (¬6) أ، ب: مَا يَتَّخِذُونَهُ.

وَأَعْمَالَكُمْ كُلَّهَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا مُنَاسِبًا، فَإِنَّهُ قَدْ ذَمَّهُمْ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ كَوْنِهِ خَالِقًا لِأَعْمَالِهِمْ مَا يُنَاسِبُ الذَّمَّ بَلْ هُوَ إِلَى الْعُذْرِ أَقْرَبُ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ لِأَعْمَالِ (¬1) الْعِبَادِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا خَلَقَ الْمَعْمُولَ الَّذِي عَمِلُوهُ وَهُوَ الصَّنَمُ الْمَنْحُوتُ فَقَدْ خَلَقَ التَّأْلِيفَ الْقَائِمَ بِهِ، وَذَلِكَ مُسَبَّبٌ مِنْ (¬2) عَمَلِ ابْنِ آدَمَ وَخَالِقُ الْمُسَبَّبِ (¬3) خَالِقُ السَّبَبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [سُورَةُ يس: 42] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّفُنَ إِنَّمَا يَنْجُرُ (¬4) خَشَبَهَا وَيَرْكَبُهَا بَنُو آدَمَ، فَالْفُلْكُ مَعْمُولَةٌ لَهُمْ (¬5) كَمَا هِيَ (¬6) الْأَصْنَامُ مَعْمُولَةٌ لَهُمْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَصْنَعُونَهُ مِنَ الثِّيَابِ (¬7) وَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَبْنِيَةِ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْفُلْكَ الْمَشْحُونَ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ وَمِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ - عُلِمَ أَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ لَمْ يَخْلُقْ إِلَّا الْخَشَبَ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سُفُنًا وَغَيْرَ سُفُنٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُجَرَّدَ خَلْقِ الْمَادَّةِ لَا يُوجِبُ خَلْقَ الصُّورَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِأَفْعَالِ بَنِي آدَمَ إِنْ لَمْ يَكُنْ خَالِقًا (¬8) لِلصُّورَةِ. ¬

(¬1) ع: أَعْمَالِ. (¬2) ع: عَنْ. (¬3) ع: خَالِقٌ لِسَبَبِهِ. (¬4) ع: يَنْحِتُ. (¬5) ع: لَهُ. (¬6) ب فَقَطْ: كَمَا أَنَّ. (¬7) ع، أ: النَّبَاتِ. (¬8) ع: خَلْقًا.

وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 80] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 81] (¬1) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَلْقَ الْبُيُوتِ الْمَبْنِيَّةِ وَالسَّرَابِيلِ الْمَصْنُوعَةِ هُوَ كَخَلْقِ السُّفُنِ الْمَنْجُورَةِ (¬2) ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ (¬3) أَنَّ الْفُلْكَ صَنْعَةُ بَنِي آدَمَ مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّهُ خَلَقَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} . وَأَيْضًا فَفِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ (¬4) وَأَنَّهُ هُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 30] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 213] ، وَقَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 7] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْهِدَايَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، مِثْلَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ وَالتَّمْكِينِ (¬5) مِنَ الْفِعْلِ وَإِزَاحَةِ الْعِلَلِ، بَلْ أَرَادَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُؤْمِنُ. ¬

(¬1) فِي (ع) الْآيَاتُ كُلُّهَا مُتَّصِلَةٌ. (¬2) ع: الْمَنْحُوتَةِ. (¬3) اللَّهُ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ذِكْرِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . تَفْصِيلِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الَّتِي بِقُلُوبِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ (¬5) أ: وَالْمُتَمَكِّنِ، ب: وَالتَّمَكُّنِ.

كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي مِثْلِ (¬1) قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 87] وَقَوْلِهِ: {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ - وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 117، 118] . وَمِنْهُ قَوْلُنَا (¬2) فِي الصَّلَاةِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 6، 7] فَإِنَّ الْهِدَايَةَ الْمُشْتَرَكَةَ حَاصِلَةٌ لَا تَحْتَاجُ أَنْ تُسْأَلَ (¬3) ، وَإِنَّمَا تُسْأَلُ الْهِدَايَةُ الَّتِي خَصَّ بِهَا الْمُهْتَدِينَ، وَمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى زِيَادَةِ الْهُدَى وَالتَّثْبِيتِ وَقَالَ (¬4) : كَانَ ذَلِكَ جَزَاءً - كَانَ مُتَنَاقِضًا. فَإِنَّهُ يُقَالُ: هَذَا الْمَطْلُوبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا (¬5) بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ (6 وَإِنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ 6) (¬6) فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ الْفِعْلَ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْعَبْدُ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَكَذَلِكَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ إِضْلَالٍ وَهُدًى وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ يَتَأَوَّلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَعَامَّةُ تَأْوِيلَاتِهِمْ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَمْ يُرِدْهَا بِكَلَامِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ مِمَّا يُثَابُ الْفَاعِلُ عَلَيْهِ وَإِنْ جَوَّزُوا أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ الْعَبْدَ عَلَى مَا يُنْعِمُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ (¬7) ¬

(¬1) ع: الْقُرْآنُ وَمِثْلُهُ. (¬2) ع: قَوْلُهُ. (¬3) أ: حَاصِلَةٌ أَنْ تُسْأَلَ، ب: حَاصِلَةٌ دُونَ أَنْ تُسْأَلَ. (¬4) ع: أَوِ التَّثْبِيتِ أَوْ قَالَ. (¬5) أ، ب: خَالِصًا. (¬6) (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: عَلَى مَا يُنْعِمُ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ.

مِنْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ جَازَ أَنْ يُنْعِمَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِاخْتِيَارِهِ الطَّاعَةَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى مَا يُجْعَلُ الْعَبْدُ فَاعِلًا لَهُ بَطَلَ أَنْ يُرِيدَ (¬1) هُدًى أَوْ ضَلَالَةً يُثَابُ عَلَيْهَا أَوْ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَا أَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَهُ مِنْ جَعْلِ الْأَغْلَالِ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَجَعْلِهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ مِمَّا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ. (¬2) وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 37] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ أَضَلَّهُ (¬3) اللَّهُ لَا يَهْتَدِي. وَفِي الْجُمْلَةِ فَفِي الْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُقَلِّبُ قُلُوبَ الْعِبَادِ (¬4) فَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ بِالْهُدَى عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، مَا يَتَعَذَّرُ اسْتِقْصَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ (¬5) . وَكَذَلِكَ فِيهِ مَا يُبَيِّنُ عُمُومَ (¬6) خَلْقِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 16] وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِيهِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَفِيهِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ وَصْفُهُ. وَإِذَا قِيلَ: هَذِهِ مُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ (¬7) الْقَدَرِيَّةِ لِأَنَّهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ عِنْدَهُمْ. ¬

(¬1) ع: أَنْ يَزِيدَ. (¬2) أ، ب: وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ، ع: وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ مِمَّا يُعَاقَبُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) ع: أَنَّهُ مَنْ يُضِلُّهُ، ب: أَنَّ مَنْ أَضَلَّهُ. (¬4) أ، ب: يُقَلِّبُ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَارَ. (¬5) ع: فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. (¬6) ع: مَا يُبَيِّنُ أَنَّ عُمُومَ. (¬7) أ: عَنْ.

فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " القادر يمتنع أن يرجح مقدوره " والرد عليه

كَانَ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا مُقَابَلٌ بِتَأْوِيلَاتِ الْجَبْرِيَّةِ لِمَا احْتَجُّوا بِهِ، وَبِقَوْلِهِمْ هَذَا مُتَشَابِهٌ وَهُوَ (¬1) لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا مُجَرَّدَ النُّصُوصِ، فَذَكَرْنَا النُّصُوصَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ. الثَّانِي: أَنْ نُبَيِّنَ فَسَادَ تَأْوِيلَاتِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَفِي تَأْوِيلَاتِهِمْ مِنْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَمُخَالَفَةِ اللُّغَةِ وَتَنَاقُضِ الْمَعَانِي وَمُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا - مَا يُبَيِّنُ بَعْضُهُ بُطْلَانَ تَحْرِيفَاتِهِمْ، وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مُحْكَمٌ يُنَاقِضُ هَذَا حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ هَذَا مُتَشَابِهٌ وَذَلِكَ مُحْكَمٌ، بَلِ الْقُرْآنُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَمَنْ فَتَحَ هَذَا الْبَابَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَبَاتٌ، فَإِنَّ خَصْمَهُ يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ، فَلَا يَبْقَى فِي يَدِهِ (¬2) حُجَّةٌ سَلِيمَةٌ عَنِ الْمُعَارَضَةِ بِمِثْلِهَا، كَيْفَ وَعَامَّةُ تَأْوِيلَاتِهِمْ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَمْ يُرِدْهَا بِكَلَامِهِ] (*) (¬3) . [فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " الْقَادِرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَجِّحَ مَقْدُورَهُ " والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : قَالَ الْخَصْمُ: الْقَادِرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَجِّحَ مَقْدُورَهُ (¬5) مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَمَعَ التَّرْجِيحِ (¬6) يَجِبُ الْفِعْلُ فَلَا قُدْرَةَ ¬

(¬1) أ، ب: وَهَذَا. (¬2) ع: فَلَا يَبْقَى بِيَدِهِ. (¬3) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الطَّوِيلُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ فِي ص [0 - 9] 59. (¬4) أ، ب، ن، م: الْإِمَامِيُّ. (¬5) أ، ب، ع: الْقَادِرُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَجِّحَ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (م) ، (ك) . (¬6) ك: وَمَعَ الْمُرَجِّحِ.

وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ شَرِيكًا لِلَّهِ (¬1) ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 96] . قَالَ: (¬2) وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ الْمُعَارَضَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ تَعَالَى (¬3) قَادِرٌ، فَإِنِ افْتَقَرَتِ الْقُدْرَةُ إِلَى الْمُرَجِّحِ، وَكَانَ الْمُرَجِّحُ مُوجِبًا لِلْأَثَرِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ (¬4) مُوجَبًا لَا مُخْتَارًا، فَيَلْزَمُ (¬5) الْكُفْرُ. وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي (¬6) : أَيُّ شَرِكَةٍ هُنَا وَاللَّهُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى قَهْرِ الْعَبْدِ وَإِعْدَامِهِ، وَمِثْلُ (¬7) هَذَا أَنَّ السُّلْطَانَ إِذَا وَلَّى شَخْصًا بَعْضَ الْبِلَادِ (¬8) فَنَهْبَ وَظَلَمَ وَقَهَرَ (¬9) فَإِنَّ السُّلْطَانَ مُتَمَكِّنٌ (¬10) مِنْ قَتْلِهِ وَالِانْتِقَامِ مِنْهُ وَاسْتِعَادَةِ مَا أَخَذَهُ (¬11) ، وَلَيْسَ (¬12) يَكُونُ شَرِيكًا لِلسُّلْطَانِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ (¬13) أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَنْحِتُونَهَا وَيَعْبُدُونَهَا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 95، 96] . ¬

(¬1) ن، م: شَرِيكًا، ك: شَرِيكًا لِلَّهِ تَعَالَى. (¬2) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي (ك) ، ص 91 (م) ، 92 (م) . (¬3) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬4) ك: اللَّهُ تَعَالَى. (¬5) ن، م: فَلَزِمَ. (¬6) ك: وَعَنِ الثَّانِي. (¬7) ك: ص 92 م: وَمِثَالُ. (¬8) ع: وَمِثْلُ هَذَا إِذَا وَلَّى السُّلْطَانُ شَخْصًا بِبَعْضِ الْبِلَادِ. (¬9) ك: وَقَهَرَ وَظَلَمَ. (¬10) ك: يَتَمَكَّنُ. (¬11) ن، م، ع: مَا أَخَذَ. (¬12) ك: فَلَيْسَ. (¬13) ك: وَعَنِ الثَّالِثِ.

فَيُقَالُ: لَمْ يَذْكُرْ (¬1) إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا، وَلَمْ يَذْكُرْ تَقْرِيرَ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهِهَا، وَمَعَ هَذَا فَالْأَدِلَّةُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا لَهُمْ (¬2) لَيْسَ عَنْهَا جَوَابٌ صَحِيحٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ لَا يَقُولُ [إِنَّهُ] (¬3) إِذَا وَجَبَ الْفِعْلُ فَلَا قُدْرَةَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْإِثْبَاتِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُدْرَةٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ (¬4) أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى غُلَاةِ الْمُثْبِتِينَ (¬5) لِلْقَدَرِ كَالْأَشْعَرِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُدْرَةٌ. وَهَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ يَقُولُ بِالْجَبْرِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ (¬6) لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ، وَإِنْ كَانُوا مُتَنَازِعِينَ هَلْ هِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي مَقْدُورِهَا (¬7) ، أَوْ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ، أَوْ لَا تَأْثِيرَ لَهَا. [قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ (¬8) : إِنَّ الْفِعْلَ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْقُدْرَةِ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّاعِي، فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ لَا ¬

(¬1) أ: مَنْ لَمْ يَذْكُرْ، ب: هُوَ لَمْ يَذْكُرْ. مِنْ أَدِلَّةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ (¬2) أ، ب: عَنْهُمْ. (¬3) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) عَامَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬5) ن، م: الْمُثْبِتَةِ. (¬6) ن: فَإِنَّ، م: بِأَنَّ. (¬7) بَعْدَ عِبَارَةِ " مُؤَثِّرَةٍ فِي مَقْدُورِهَا " يُوجَدُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) كَلَامٌ طَوِيلٌ مُكَرَّرٌ سَبَقَ إِيرَادُهُ فِي 2 - 46 وَيَنْتَهِي هَذَا الْكَلَامُ الْمُكَرَّرُ بِالْعِبَارَةِ التَّالِيَةِ وَهِيَ " أَوْ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ أَوْ تَأْثِيرِ " ثُمَّ يُوجَدُ بَعْدَهَا سَقْطٌ فِي النُّسْخَتَيْنِ سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬8) ع: بَلْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يَقُولُونَ.

يُرَجِّحُ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ، بَلْ بِدَاعٍ يُقْرَنُ مَعَ الْقُدْرَةِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَا يُرَجِّحُ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ، بَلْ بِإِرَادَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ: لَا يُرَجِّحُ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ، (1 بَلْ بِدَاعٍ مَعَ الْقُدْرَةِ. 1) (¬1) وَقَدْ قَالَ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ (¬2) بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى] (¬3) . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ الْوَسَطَ فِي ذَلِكَ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا مِنْ جِنْسِ تَأْثِيرِ (¬4) الْأَسْبَابِ فِي مُسَبَّبَاتِهَا لَيْسَ لَهَا تَأْثِيرُ الْخَلْقِ وَالْإِبْدَاعِ وَلَا وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا. وَتَوْجِيهُ هَذَا الدَّلِيلِ (¬5) أَنَّ الْقَادِرَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَجِّحَ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ (¬6) إِلَّا بِمُرَجِّحٍ [وَذَلِكَ أَنَّهُ (¬7) إِذَا كَانَ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ نِسْبَتُهُمَا إِلَى الْقَادِرِ سَوَاءٌ كَانَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي بَدَائِهِ (¬8) الْعُقُولِ. وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَتَبَيَّنَ فِيهِ (¬9) خَطَأُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَادِرَ ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ: أَبُو حَازِمٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: تَأْثِيرٌ مِثْلُ تَأْثِيرِ. (¬5) أ: وَيُوجِبُهُ هَذَا الدَّلِيلُ، ب: وَيُوجِبُ هَذَا الدَّلِيلَ. (¬6) ن، م: أَنْ يُرَجِّحَ مَقْدُورَهُ. (¬7) ع: لِأَنَّهُ. (¬8) أ، ع: بِدَايَةِ. (¬9) ع: وَبُيِّنَ فِيهِ.

يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمَقْدُورَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ] (¬1) وَذَلِكَ الْمُرَجِّحُ لَا يَكُونُ مِنَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي فِعْلِ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَجِّحُ لَهُ قُدْرَةُ الْعَبْدِ، فَالْقَادِرُ لَا يُرَجِّحُ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَجِّحُ [مِنَ اللَّهِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ] (¬2) يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ (¬3) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُرَجِّحًا تَامًّا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ بَعْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ يَجُوزُ (¬4) وُجُودُ الْفِعْلِ وَعَدَمُهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْمُرَجِّحِ كَانَ مُمْكِنًا، وَالْمُمْكِنُ لَا يَتَرَجَّحُ وَجُودُهُ عَلَى عَدَمِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ تَامٍّ يَجِبُ عِنْدَهُ وُجُودُ الْفِعْلِ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَحْصُلُ فِعْلُهُ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ يَجِبُ وُجُودُ (¬5) الْفِعْلِ - كَانَ فِعْلُهُ كَسَائِرِ الْحَوَادِثِ الَّتِي تَحْدُثُ بِأَسْبَابٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ وُجُودُ الْحَادِثِ عِنْدَهَا. وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِ الرَّبِّ [تَبَارَكَ وَتَعَالَى] خَالِقًا (¬6) لِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِي الْعَبْدِ الْقُدْرَةَ التَّامَّةَ وَالْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ، وَعِنْدَ وُجُودِهِمَا (¬7) يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ (¬8) هَذَا سَبَبٌ تَامٌّ لِلْفِعْلِ، فَإِذَا وُجِدَ السَّبَبُ التَّامُّ وَجَبَ وُجُودُ الْمُسَبَّبِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) ن (فَقَطْ) يَجِدُ وُجُودَ الْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م، ع: يُمْكِنُ. (¬5) وُجُودُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬6) ن، م: كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى، ع: كَوْنِ الرَّبِّ خَالِقًا. (¬7) أ: الْقُدْرَةَ التَّامَّةَ وَالْقُدْرَةَ الْجَازِمَةَ عِنْدَ وُجُودِهَا، أ: الْقُدْرَةَ التَّامَّةَ وَالْقُدْرَةَ التَّامَّةَ عِنْدَ وُجُودِهَا. (¬8) أ: يَجِبُ لِأَنَّ، ب: يَجِبُ الْفِعْلُ لِأَنَّ.

وَاللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ لِلْمُسَبَّبِ (¬1) أَيْضًا، كَمَا أَنَّهُ إِذَا خَلَقَ النَّارَ فِي الثَّوْبِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ (¬2) مِنْ وُجُودِ الْحَرِيقِ عُقَيْبَ (¬3) ذَلِكَ، وَالْكُلُّ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا مُعَارَضَةُ ذَلِكَ (¬4) بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ (¬5) مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا بُرْهَانٌ عَقْلِيٌّ يَقِينِيٌّ، وَالْيَقِينِيَّاتُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَعَارِضٌ يُبْطِلُهَا، وَقُدِّرَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِالْمُوجَبِ بِالذَّاتِ، (¬6) فَهَذَا لَا يَنْقَطِعُ بِمَا ذَكَرْتُهُ، لَا سِيَّمَا وَعِنْدَهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ الَّتِي تُعْلَمُ بِدُونِ السَّمْعِ، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ جَوَابٍ عَقْلِيٍّ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قُدْرَةُ الرَّبِّ * (¬7) [لَا يَفْعَلُ بِهَا إِلَّا مَعَ وُجُودِ مَشِيئَتِهِ، فَإِنَّ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ فَعَلَهُ. قَالَ تَعَالَى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [سُورَةُ الْقِيَامَةِ: 4] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 65] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قَالَ ¬

(¬1) ن، م: خَالِقُ الْمُسَبَّبِ. (¬2) ن، م: فَلَا بُدَّ. (¬3) أ، ب: عَقِبَ، ن، م: عِنْدَ. (¬4) أ، ب: وَأَمَّا مُعَارَضَتُهُ. (¬5) ن، م: عَنْ هَذَا. (¬6) أ، ب: مَنْ يَقُولُ بِالذَّاتِ. (¬7) بَعْدَ عِبَارَةِ قُدْرَةِ الرَّبِّ يُوجَدُ سَقْطٌ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) .

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ "، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَالَ: " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ "، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ: " هَاتَانِ أَهْوَنُ» " (¬1) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [سُورَةُ يُونُسَ: 99] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سُورَةُ هُودٍ: 118] ، وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] وَمِثْلُ هَذَا مُتَعَدِّدٌ فِي الْقُرْآنِ. وَإِذَا كَانَ لَوْ شَاءَهُ لَفَعَلَهُ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ لَوْ وُجِدَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ قَادِرًا لَوَقَعَ كُلُّ مَقْدُورٍ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنَ الْإِرَادَةِ. وَحِينَئِذٍ قَوْلُ الْقَائِلِ: فَقُدْرَةُ الرَّبِّ] (*) (¬2) تَفْتَقِرُ إِلَى مُرَجِّحٍ، لَكِنَّ الْمُرَجِّحَ هُوَ إِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِرَادَةُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ إِرَادَةِ الْعَبْدِ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَجِّحُ إِرَادَةُ اللَّهِ، كَانَ فَاعِلًا بِاخْتِيَارِهِ لَا مُوجِبًا بِذَاتِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ الْكُفْرُ. الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: مَا تَعْنِي بِقَوْلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ؟ أَتَعْنِي بِهِ (¬3) أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْأَثَرِ بِلَا قُدْرَةٍ وَلَا إِرَادَةٍ (¬4) ، أَوْ تَعْنِي ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ 2 - 290 (¬2) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ فِي (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: بِذَلِكَ. (¬4) أ، ب: بِلَا قُدْرَةٍ وَإِرَادَةٍ.

بِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ وَاجِبًا عِنْدَ وُجُودِ (¬1) الْمُرَجِّحِ الَّذِي هُوَ الْإِرَادَةُ مَثَلًا مَعَ الْقُدْرَةِ. فَإِذَا (¬2) عَنَيْتَ الْأَوَّلَ لَمْ يُسَلَّمِ التَّلَازُمُ، (¬3) فَإِنَّ الْفَرْضَ (¬4) أَنَّهُ قَادِرٌ، وَأَنَّهُ مُرَجَّحٌ [بِمُرَجِّحٍ] (¬5) فَهُنَا شَيْئَانِ: قُدْرَةٌ وَأَمْرٌ آخَرُ، وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ بِالْإِرَادَةِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ مُرَجَّحٌ بِلَا قُدْرَةٍ وَلَا إِرَادَةٍ. وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ يَجِبُ وُجُودُ الْأَثَرِ إِذَا حَصَلَتِ الْإِرَادَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ فَهَذَا حَقٌّ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ سَمَّى مُسَمٍّ هَذَا مُوجَبًا بِالذَّاتِ كَانَ نِزَاعًا لَفْظِيًّا، وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ وُجُودَهُ وَجَبَ وُجُودُهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَمَا لَمْ يَشَأْ وَجُودَهُ امْتَنَعَ وُجُودُهُ لِعَدَمِ مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، (¬6) فَالْأَوَّلُ وَاجِبٌ بِالْمَشِيئَةِ، وَالثَّانِي مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ الْمَشِيئَةِ، وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ (¬7) فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ. وَالرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: (¬8) إِنَّهُ هُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ، فَإِذَا أَرَادَ حُدُوثَ مَقْدُورٍ (¬9) ، فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ وَجُودُهُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَجِبَ، فَإِنْ وَجَبَ حَصَلَ ¬

(¬1) ن، م: أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْأَثَرِ بِلَا قُدْرَةِ الْأَثَرِ وَاجِبًا عِنْدَ وُجُودِ. . .، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م، ع: فَإِنْ. (¬3) ع: لَا نُسَلِّمُ التَّلَازُمَ، أ، ب: لَمْ نُسَلِّمِ الْتِزَامَهُ. (¬4) ن، م، أ: الْغَرَضَ. (¬5) بِمُرَجِّحٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) وَقُدْرَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬7) ن، م: مَا لَمْ يَكُنْ وَيَكُونُ مَا لَمْ يَشَأْ. (¬8) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ع: وُجُودَ مَقْدُورٍ، أ: بِحُدُوثِ مَقْدُورٍ.

الْمَطْلُوبُ وَتَبَيَّنَ وُجُوبُ (¬1) الْأَثَرِ عِنْدَ الْمُرَجِّحِ، سَوَاءٌ (¬2) سَمَّيْتَ هَذَا مُوجَبًا بِالذَّاتِ أَوْ لَمْ تُسَمِّهِ (¬3) ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وُجُودُهُ كَانَ وَجُودُهُ مُمْكِنًا قَابِلًا لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، (4 فَوُجُودُهُ دُونَ عَدَمِهِ مُمْكِنٌ 4) (¬4) فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ، وَهَكَذَا هَلُمَّ (¬5) جَرًّا، كُلُّ مَا قُدِّرَ قَابِلًا لِلْوُجُودِ وَلَمْ يَجِبْ (¬6) وُجُودُهُ كَانَ وَجُودُهُ (* مُمْكِنًا مُحْتَمِلًا لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، فَلَا يُوجَدُ حَتَّى يَحْصُلَ الْمُرَجِّحُ التَّامُّ الْمُوجَبُ بِالذَّاتِ (¬7) لَوُجُودِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ مَا وُجِدَ فَقَدْ وَجَبَ وَجُودُهُ *) (¬8) بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ (¬9) . كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَقُولُونَ: عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ صَارَ الْفِعْلُ أَوْلَى بِهِ، وَلَا تَنْتَهِي الْأَوْلَوِيَّةُ (¬10) إِلَى حَدِّ الْوُجُوبِ [كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَحْمُودٌ الْخُوَارَزْمِيُّ الزَّمَخْشَرِيُّ وَنَحْوُهُ] (¬11) ¬

(¬1) م: وُجُودُ. (¬2) أ، ن، م، ع: وَسَوَاءٌ. (¬3) أ، ب: وَلَمْ تُسَمِّ. (¬4) (4 - 4) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي أ: دُونَ عَدَمِهِ مُمْكِنٌ. (¬5) أ، ب، ع: وَهَلُمَّ. (¬6) ن، م: لَمْ يَجِبْ. (¬7) بِالذَّاتِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬9) ن، م: الْقَدَرِيَّةِ (¬10) أ، ب: الْأُلُوهِيَّةُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬11) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (أ) : الْخُوَارَزْمِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَنَحْوُهُ. وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ جَارُ اللَّهِ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْخُوَارَزْمِيُّ الزَّمَخْشَرِيُّ، مِنْ أَئِمَّةِ مُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ، وَمِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي التَّفْسِيرِ، وُلِدَ سَنَةَ 476 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 538. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 4 - 254، 260، لِسَانِ الْمِيزَانِ 6/4 شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4 - 118، 121، الْعِبَرِ 4 - 106، الْأَعْلَامِ 8 - 55

وَهُوَ (¬1) بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى حَدِّ الْوُجُوبِ كَانَ مُمْكِنًا فَيَحْتَاجُ إِلَى مُرَجِّحٍ، فَمَا ثَمَّ إِلَّا وَاجِبٌ أَوْ مُمْكِنٌ، وَالْمُمْكِنُ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ. وَطَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ [وِالْجَهْمِيَّةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الْحُسَيْنِ (¬2) وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَطَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ] (¬3) يَقُولُونَ: الْقَادِرُ يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، فَيَجْعَلُونَ الْإِرَادَةَ حَادِثَةً بِلَا مُرَجِّحٍ لِحُدُوثِهَا، وَيَجْعَلُونَ إِرَادَةَ اللَّهِ حَادِثَةً لَا فِي مَحَلٍّ، وَيَجْعَلُونَ الْفِعْلَ مَعَهَا مُمْكِنًا لَا وَاجِبًا، وَهَذَا مِنْ أُصُولِهِمُ الَّتِي اضْطَرَبُوا فِيهَا فِي مَسْأَلَةِ فِعْلِ اللَّهِ، وَحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَفِي مَسْأَلَةِ فِعْلِ (¬4) الْعَبْدِ وَالْقَدَرِ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: لَفْظُ الْمُوجَبِ (¬5) بِالذَّاتِ لَفْظٌ فِيهِ إِجْمَالٌ، فَإِنْ عُنِيَ بِهِ مَا يَعْنِيهِ الْفَلَاسِفَةُ (¬6) مِنْ أَنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ مُسْتَلْزِمَةٌ (¬7) لِلْعَالَمِ فَهَذَا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا، وَلَوْ كَانَ الْعَالَمُ مَعْلُولًا لَازِمًا لِعِلَّةٍ أَزَلِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَوَادِثُ، فَإِنَّ الْحَوَادِثَ لَا تَحْدُثُ (¬8) عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ أَزَلِيَّةٍ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَحْسُوسِ. ¬

(¬1) ن، م: وَهَذَا. (¬2) ع: أَبِي الْحَسَنِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: وَفِي حُدُوثِ فِعْلِ. (¬5) ن، م: فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَفْظُ الْوَاجِبِ. (¬6) أ، ب: مَا يَعْنِي بِهِ الْفَلَاسِفَةُ. (¬7) أ، ب: مُسْتَلْزِمٌ. (¬8) ن، م: لَا تَخْلُو.

وَسَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الصِّفَاتِ، كَمَا يَقُولُهُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ، أَوْ قِيلَ: إِنَّهُ ذَاتٌ (¬1) مَوْصُوفَةٌ بِالصِّفَاتِ لَكِنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ لِمَعْلُولِهَا - فَإِنَّهُ بَاطِلٌ أَيْضًا (¬2) . وَإِنْ (¬3) فُسِّرَ الْمُوجَبَ بِالذَّاتِ بِأَنَّهُ يُوجِبُ (¬4) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كُلَّ وَاحِدٍ [وَاحِدٌ] (¬5) مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَهُ فِيهِ (¬6) ، فَهَذَا دِينُ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. فَإِذَا قَالُوا: إِنَّهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ يُوجِبُ (¬7) أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَغَيْرَهَا (¬8) مِنَ الْحَوَادِثِ [فَهُوَ] (¬9) مُوَافِقٌ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا لِلْمَعْنَى الَّذِي قَالَتْهُ الدَّهْرِيَّةُ. الْوَجْهُ السَّادِسُ أَنْ يُقَالَ: (¬10) مَا ذَكَرْتَهُ أَنْتَ مِنَ الْحُجَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهُوَ اسْتِنَادُ أَفْعَالِنَا الِاخْتِيَارِيَّةِ إِلَيْنَا، وَوُقُوعُهَا بِحَسَبِ اخْتِيَارِنَا - مَعَارَضٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِنَا مِثْلَ الْأَلْوَانِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُحَصِّلُ اللَّوْنَ الَّذِي يُرِيدُ حُصُولَهُ فِي الثَّوْبِ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى طَبِيعَتِهِ وَصَنْعَتِهِ، (¬11) وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ اللَّوْنُ مَفْعُولًا لَهُ. ¬

(¬1) ع: إِنَّ ذَاتَهُ. (¬2) فِي كُلِّ النُّسَخِ: لَكِنَّهُ بَاطِلٌ أَيْضًا، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ لِتَسْتَقِيمَ الْعِبَارَةُ. (¬3) أ، ب: فَإِنْ. (¬4) أ، ب، ن، م: مُوجَبٌ. (¬5) وَاحِدٌ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬6) فِيهِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: مُوجِبُ. (¬8) أ، ب: أَوْ غَيْرَهَا. (¬9) فَهُوَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬10) ن، م: الدَّهْرِيَّةُ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ. (¬11) ع: إِلَى طَبِيعَتِهِ وَصِبْغَتِهِ، ن: إِلَى صَنِيعَتِهِ، م: إِلَى صَنْعَتِهِ.

فصل الكلام على قول الرافضي أي شركة هنا والرد عليه

وَأَيْضًا فَمَا يَنْبُتُ مِنَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ قَدْ يَحْصُلُ بِحَسَبِ (¬1) اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى ازْدِرَاعِهِ (¬2) ، وَلَيْسَ الْإِنْبَاتُ مِنْ فِعْلِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَا اسْتَنَدَ إِلَى الْعَبْدِ وَوَقَعَ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ كَانَ مَفْعُولًا لَهُ، وَهَذِهِ الْمُعَارَضَةُ (¬3) أَصَحُّ مِنْ تِلْكَ، فَإِنَّهَا مُعَارَضَةٌ عَقْلِيَّةٌ بِنَفْسِ أَلْفَاظِ الدَّلِيلِ، (4 وَتِلْكَ لَيْسَتْ مُعَارَضَةٌ عَقْلِيَّةٌ (¬4) وَلَا هِيَ بِنَفْسِ أَلْفَاظِ الدَّلِيلِ 4) (¬5) . [الْوَجْهُ (¬6) السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْإِمَامِيُّ وَأَمْثَالُهُ مُتَنَاقِضُونَ، فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ مَعَ الدَّاعِي وَالْقُدْرَةِ (7 يَجِبُ الْفِعْلُ، وَهُنَا قَالَ: إِنَّهُ مَعَ الدَّاعِي وَالْقُدْرَةِ 7) (¬7) لَا يُجِبِ الْفِعْلُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْمَ يَتَكَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَا يَرَوْنَهُ (¬8) نَاصِرًا لِقَوْلِهِمْ، لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى حَقٍّ يَعْلَمُونَهُ، وَلَا يَعْرِفُونَ حَقًّا (¬9) يَقْصِدُونَ نَصْرَهُ. [فصل الكلام على قول الرافضي أي شركة هنا والرد عليه] فَصْلٌ] (¬10) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَيُّ شَرِكَةٍ هُنَا؟ (¬11) . فَيُقَالُ: إِذَا كَانَتِ الْحَوَادِثُ حَادِثَةً (¬12) بِغَيْرِ فِعْلِ اللَّهِ وَلَا قُدْرَتِهِ (¬13) فَهَذِهِ ¬

(¬1) ع: بِسَبَبِ. (¬2) ن: إِلَى ذِرَاعِهِ، م: اذْرَادِعِهِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬3) أ، ب: الْمُعَارَضَاتُ. (¬4) ن: فِعْلِيَّةٌ. (¬5) (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: بِمَا يَرَوْنَهُ. (¬9) أ: خَفَاءً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) ن: أَيُّ شَرِكَةٍ هَاهُنَا، م: أَيُّ شِرْكٍ هَاهُنَا. وُفِي (ب) : أَيُّ شَرِكَةٍ هُنَا إِلَى آخِرِهِ. (¬12) ن، م: حَدَثَتْ. (¬13) أ، ب: وَقُدْرَتِهِ.

مُشَارَكَةٌ لِلَّهِ (¬1) صَرِيحَةٌ [وَلِهَذَا شُبِّهَ هَؤُلَاءِ بِالْمَجُوسِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ فَاعِلَ الشَّرِّ غَيْرَ فَاعِلِ الْخَيْرِ، فَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ شَرِيكًا آخَرَ] (¬2) وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّمْثِيلِ بِالسُّلْطَانِ يُقَرِّرُ الْمُشَارَكَةَ، فَإِنَّ [نُوَّابَ] (¬3) السُّلْطَانِ شُرَكَاءُ لَهُ [فِي مُلْكِهِ] (¬4) ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمْ، لَيْسَ هُوَ خَالِقَهُمْ وَلَا رَبَّهُمْ، [بَلْ وَلَا خَالِقَ قُدْرَتِهِمْ] (¬5) بَلْ هُمْ مُعَاوِنُونَ لَهُ عَلَى تَدْبِيرِ الْمُلْكِ بِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْ قُدْرَتِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ عَاجِزًا عَنِ الْمُلْكِ. فَمَنْ جَعَلَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَعَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ أَفْعَالِ نُوَّابِ السُّلْطَانِ مَعَهُ فَهَذَا (¬6) صَرِيحُ الشِّرْكِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَرْتَضِيهِ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ؛ لِأَنَّهُ (¬7) شِرْكٌ فِي الرُّبُوبِيَّةِ لَا فِي الْأُلُوهِيَّةِ، فَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهَا (¬8) مَمْلُوكَةٌ لِلَّهِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا (¬9) هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ مَا يَمْلِكُهُ (¬10) الْعَبْدُ مِنْ أَفْعَالِهِ مِلْكًا لِلَّهِ (¬11) ¬

(¬1) لِلَّهِ: لَيْسَتْ فِي (ع) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) نُوَّابَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) فِي مُلْكِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: مَعَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ نُوَّابِ السُّلْطَانِ مَعَهُ، ن: مَعَ اللَّهِ بِمَنْزِلٍ أَوْ قَالَ: نُوَّابُ السُّلْطَانِ مَعَهُ، م: مَعَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ أَفْعَالِهِ بِوَاسِطَةِ السُّلْطَانِ مَعَهُ. (¬7) ن، م: لَكِنَّهُ. (¬8) أ، ب: يَعْرِفُونَ أَنَّهَا، م: يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا. (¬9) ن، م: لَكَ لَبَّيْكَ إِلَّا شَرِيكًا. (¬10) أ، ب: مَا مَلَكَهُ، ع: مَا يَمْلِكُ. (¬11) أ: مِلْكًا لَهُ، ب: مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى، فِعْلًا لِلَّهِ، م: فِعْلًا مِنْهُ.

وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] : (¬1) الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ نِظَامُ التَّوْحِيدِ، فَمَنْ (¬2) وَحَّدَ اللَّهَ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ تَمَّ تَوْحِيدُهُ، وَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَكَذَّبَ بِالْقَدَرِ نَقَّصَ تَكْذِيبُهُ تَوْحِيدَهُ (¬3) . وَقَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ يَتَضَمَّنُ (¬4) الْإِشْرَاكَ وَالتَّعْطِيلَ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِخْرَاجَ بَعْضِ الْحَوَادِثِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا فَاعِلٌ، وَيَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ فَاعِلٍ مُسْتَقِلٍّ غَيْرِ اللَّهِ. وَهَاتَانِ شُعْبَتَانِ مِنْ شُعَبِ (¬5) الْكُفْرِ، فَإِنَّ أَصْلَ كُلِّ كُفْرٍ التَّعْطِيلُ أَوِ الشِّرْكُ (¬6) ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ صَارَ مُرِيدًا فَاعِلًا بِإِرَادَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِدُونِ مُحْدِثٍ أَحْدَثَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِلْفِعْلِ وَلَا فَاعِلًا لَهُ، (7 ثُمَّ صَارَ مُرِيدًا لِلْفِعْلِ فَاعِلًا لَهُ 7) (¬7) . وَهَذَا الْأَمْرُ (¬8) حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ حَادِثٌ بِلَا إِحْدَاثِ أَحَدٍ، وَهَذَا أَصْلُ التَّعْطِيلِ، فَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَحْدُثَ حَادِثٌ بِلَا إِحْدَاثِ أَحَدٍ، وَأَنْ يَتَرَجَّحَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ عَلَى عَدَمِهِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَأَنْ يَتَخَصَّصَ أَحَدُ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُخَصِّصٍ - كَانَ هَذَا تَعْطِيلًا لِجِنْسِ الْحَوَادِثِ وَالْمُمْكِنَاتِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ع) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬2) ن، م: وَمَنْ. (¬3) أ، ب: نَقَضَ تَوْحِيدَهُ تَكْذِيبُهُ، ع: نَقَّصَ تَوْحِيدَهُ تَكْذِيبُهُ، م: بَعَّضَ تَكْذِيبُهُ تَوْحِيدَهُ. (¬4) ن، م، ع: مُتَضَمِّنٌ. (¬5) ن، م: شُعْبَةِ. (¬6) ن، أ، ب: التَّعْطِيلُ وَالشِّرْكُ. (¬7) (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ن، م، ع: أَمْرٌ.

أَنْ يَكُونَ (¬1) لَهَا فَاعِلٌ، وَاللَّهُ فَاعِلُهَا بِلَا شَكٍّ، فَهُوَ (¬2) تَعْطِيلٌ لَهُ (¬3) أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِمَخْلُوقَاتِهِ. وَأَمَّا الشِّرْكُ فَلِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْعَبْدُ مُسْتَقِلٌّ بِإِحْدَاثِ هَذَا الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَهُ مُحْدِثًا لَهُ، كَأَعْوَانِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ أَفْعَالًا بِدُونِ أَنْ يَكُونَ الْمُلُوكُ جَعَلَتْهُمْ فَاعِلَيْنِ لَهَا، وَهَذَا إِثْبَاتُ شُرَكَاءَ مَعَ اللَّهِ يَخْلُقُونَ كَبَعْضِ (¬4) مَخْلُوقَاتِهِ. وَهَذَانِ الْمَحْذُورَانِ - التَّعْطِيلُ وَالْإِشْرَاكُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ - لَازِمَانِ (¬5) لِكُلِّ مَنْ أَثْبَتَ فَاعِلًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ اللَّهِ، كَالْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ (¬6) حَرَكَةً اخْتِيَارِيَّةً، بِسَبَبِهَا تَحْدُثُ الْحَوَادِثُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَدَثَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ مَا يُوجِبُ حَرَكَتَهُ، وَلَا كَانَ فَوْقَهُ مُتَجَدِّدٌ (¬7) يَقْتَضِي حَرَكَتَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حَرَكَةَ الْفَلَكِ حِينَئِذٍ بِاخْتِيَارِهِ تَكُونُ كَحَرَكَةِ الْإِنْسَانِ بِاخْتِيَارِهِ. فَيُقَالُ: مَصِيرُ الْفَلَكِ مُتَحَرِّكًا بِاخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ (¬8) أَمْرٌ مُمْكِنٌ لَا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، فَلَا بُدَّ [لَهُ] (¬9) مِنْ مُرَجِّحٍ تَامٍّ، وَمَا مِنْ وَقْتٍ إِلَّا وَهُوَ يَتَحَرَّكُ فِيهِ ¬

(¬1) ع: وَأَنْ يَكُونَ. (¬2) ن، م: وَهُوَ. (¬3) أ: بِهِ، ب: لِلَّهِ. (¬4) أ، ع: لِبَعْضِ ب: بَعْضِ. (¬5) م: لَازِمًا، ن، ع، أ، ب: لَازِمٌ. (¬6) ن: مُتَحَرِّكَةٌ. (¬7) أ: مَحْدُودٌ، ب: مُحَدَّدٌ، ن، م: مُتَحَدِّدٌ. (¬8) ن: بِقُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ. (¬9) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

بِاخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَلَا بُدَّ لِكَوْنِهِ مُتَحَرِّكًا مِنْ أَمْرٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ (¬1) بِلَا مُحْدِثٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُوجَبُ بِذَاتِهِ هُوَ الْمُرَجِّحُ أَوِ الْفَاعِلُ (¬2) : سَوَاءٌ كَانَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَهِيَ (¬3) مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنَ الْعَقْلِ أَوِ الْعُقُولِ (¬4) . قِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُوجَبَ بِذَاتِهِ عَلَى حَالٍ (¬5) وَاحِدَةٍ عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَادِثُ صَادِرًا عَنْهُ، وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَرَكَةِ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، (¬6) فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ [ذَلِكَ الْحَادِثُ] ثَابِتًا (¬7) فِي الْأَزَلِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ عِلَّةً تَامَّةً فِي الْأَزَلِ، (8 فَعُلِمَ امْتِنَاعُ صُدُورِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ عَنْ عِلَّةٍ تَامَّةٍ فِي الْأَزَلِ 8) (¬8) . وَأَيْضًا فَمُرَجِّحُ الْحَوَادِثِ إِنْ كَانَ مُرَجِّحًا تَامًّا (¬9) فِي الْأَزَلِ لَزِمَهُ الْمَفْعُولُ، وَلَمْ يَحْدُثْ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَجِّحًا تَامًّا (¬10) فِي الْأَزَلِ، فَقَدْ صَارَ مُرَجِّحًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ جَعْلَهُ مُرَجِّحًا، فَيَكُونُ الْمُرَجِّحُ لَهُ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ إِرَادَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَتِلْكَ (¬11) الْأُمُورُ لَمْ تَكُنْ ¬

(¬1) أ، ب: حَوَادِثَ. (¬2) ن، م: وَالْفَاعِلُ. (¬3) ن، م: وَهُوَ. (¬4) ن: الْفِعْلِ أَوِ الْقَوْلِ ; م: الْفِعْلِ أَوِ الْعَقْلِ، أ، ب: الْفِعْلِ أَوِ الْمَفْعُولِ. (¬5) ن، م: حَالَةٍ. (¬6) أ، ب: صَارَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ. (¬7) ن، م: مُمْتَنِعٌ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا، ع: فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا. (¬8) (8 - 8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَهِيَ فِي (ن) ، (م) إِلَّا أَنْ فِيهِمَا " عَنْ عِلَّةٍ ثَابِتَةٍ ". (¬9) أ، ب: ثَابِتًا. (¬10) أ، ب: ثَابِتًا. (¬11) أ، ب: فَتِلْكَ.

مُرَجِّحًا تَامًّا فِي الْأَزَلِ، وَإِلَّا لَبَطَلَتِ (¬1) الْحَوَادِثُ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ صَدَرَ عَنِ الْمُرَجِّحِ فِي الْأَزَلِ شَيْءٌ [مُقَارِنٌ لَهُ] (¬2) فَامْتَنَعَ قِدَمُ الْفَلَكِ. وَأَيْضًا صَارَ مُرَجِّحًا لِمَا يُرَجِّحُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَوَجَبَ إِضَافَةُ الْحَوَادِثِ إِلَيْهِ؛ لِوُجُوبِ إِضَافَةِ الْحَوَادِثِ (¬3) إِلَى الْمُرَجِّحِ التَّامِّ، فَثَبَتَ أَنَّ فَوْقَ الْأَفْلَاكِ مُؤَثِّرًا يَتَجَدَّدُ تَأْثِيرُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَهَؤُلَاءِ إِذَا لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ كَانُوا مُعَطِّلِينَ لِحَرَكَةِ الْفَلَكِ وَالْحَوَادِثِ (¬4) أَنْ يَكُونَ لَهَا فَاعِلٌ، وَهَذَا التَّعْطِيلُ أَعْظَمُ مِنْ تَعْطِيلِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ [أَنْ يَكُونَ لَهَا مُحْدِثٌ] (¬5) . وَأَيْضًا فَقَدْ جَعَلُوا الْفَلَكَ [يَفْعَلُ] (¬6) بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ، كَمَا جَعَلَتِ الْقَدَرِيَّةُ الْحَيَوَانَ يَفْعَلُ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ حَرَكَةٍ قُدْرَةً (¬7) مُقَارِنَةً لِلْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْفَلَكَ عِنْدَهُمْ تَحْدُثُ عَنْهُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الْأُولَى، فَشَرْطُ الثَّانِيَةِ انْقِضَاءُ الْأُولَى، كَالَّذِي يَقْطَعُ (¬8) مَسَافَةً شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَلَكِنَّ ذَاكَ الَّذِي يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ إِنَّمَا قَطَعَ الثَّانِيَةَ بِقُدْرَةٍ وَإِرَادَةٍ قَامَتْ بِهِ وَحَرَكَاتٍ قَطَعَ بِهَا الثَّانِيَةَ، فَالْفَاعِلُ تَجَدَّدَ لَهُ مِنَ الْإِرَادَةِ وَالْقُوَّةِ مَا قَطَعَ بِهِ الْمَسَافَةَ الثَّانِيَةَ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لِلْفَلَكِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ¬

(¬1) أ: فَبَطَلَتْ، ب: بَطَلَتْ. (¬2) مُقَارِنٌ لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م، ع: الْحَادِثِ. (¬4) ب فَقَطْ: وَلِلْحَوَادِثِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) يَفْعَلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) أ، ب: عِنْدَ ذَلِكَ حَرَكَةً وَقُدْرَةً. (¬8) ن، م: قَطَعَ.

شرك الفلاسفة وتعطيلهم أعظم بكثير من شرك القدرية وتعطيلهم

الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ مَا يَتَحَرَّكُ بِهِ، (¬1) لَكِنَّ الْمُجَدِّدَ لَهُ [ذَلِكَ] (¬2) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ لَا وَاجِبٌ، فَالْحَوَادِثُ (¬3) فِيهِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَحْدَثَ (¬4) الثَّانِيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ التَّامُّ مَوْجُودًا عِنْدَ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ لَهُ كَمَالُ التَّأْثِيرِ [فِي] (¬5) الثَّانِي بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ لِذَلِكَ الْكَمَالِ مِنْ فَاعِلٍ، وَهَؤُلَاءِ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مَا تَقَدَّمَ (¬6) فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ فَاعِلٌ يُحْدِثُ مَا بِهِ يَتَحَرَّكُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ مَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ غَيْرِهِ. [شرك الفلاسفة وَتَعْطِيلُهُمْ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ شِرْكِ الْقَدَرِيَّةِ وَتَعْطِيلِهِمْ] وَشِرْكُ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَتَعْطِيلُهُمْ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ شِرْكِ الْقَدَرِيَّةِ وَتَعْطِيلِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ (¬7) الْفَلَكَ هُوَ الْمُحْدِثُ لِلْحَوَادِثِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا، فَلَمْ يَجْعَلُوا لِلَّهِ شَيْئًا أَحْدَثَهُ، (¬8) بِخِلَافِ الْقَدَرِيَّةِ فَإِنَّهُمْ أَخْرَجُوا عَنْ إِحْدَاثِهِ أَفْعَالَ الْحَيَوَانِ وَمَا تَوَلَّدَ عَنْهَا. فَقَدْ لَزِمَهُمُ التَّعْطِيلُ مِنْ إِثْبَاتِ حَوَادِثَ بِلَا مُحْدِثٍ وَتَعْطِيلِ الرَّبِّ عَنْ (¬9) إِحْدَاثِ شَيْءٍ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَإِثْبَاتِ شَرِيكٍ فَعَلَ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ. ¬

(¬1) أ، ب: وَالْقُوَّةِ مَا يَتَحَوَّلُ بِهِ. (¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: وَالْحَوَادِثُ. (¬4) إِذَا حَدَثَ، ب: ذَا حَدَثٍ، ن، م: لَمَّا أَحْدَثَ. (¬5) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م، ع: وَهَؤُلَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ. (¬7) ن، م: جَعَلُوا. (¬8) أَحْدَثَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ع) : فَلَمْ يَجْعَلُوا اللَّهَ أَحْدَثَهُ. (¬9) ن، م: عَلَى.

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ [وَغَيْرِهِمْ] (¬1) قَوْلَهُمْ: إِنَّ الرَّبَّ مَا زَالَ عَاطِلًا عَنِ الْفِعْلِ حَتَّى أَحْدَثَ الْعَالَمَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: مَا زَالَ وَلَا يَزَالُ مُعَطَّلًا عَنِ الْإِحْدَاثِ، بَلْ عَنِ الْفِعْلِ، فَإِنَّ مَا لَزِمَ ذَاتَهُ كَالْعَقْلِ (¬2) وَالْفَلَكِ لَيْسَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فِعْلًا لَهُ؛ إِذِ الْفِعْلُ لَا يُفْعَلُ (¬3) إِلَّا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَأَمَّا مَا لَزِمَ الذَّاتَ (¬4) فَهُوَ مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ بِمَنْزِلَةِ لَوْنِ (¬5) الْإِنْسَانِ وَطُولِهِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَهُ، بِخِلَافِ حَرَكَاتِهِ (¬6) فَإِنَّهَا فِعْلٌ لَهُ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَحَرِّكًا كَمَا يُقَالُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ (¬7) : إِنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَتَحَوَّلُ (¬8) مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَإِنَّ الْقَلْبَ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا (¬9) - فَكَوْنُ (¬10) الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ فِي نَفْسِهِ يَقُومُ بِهِ فِعْلُهُ (¬11) يَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مَعْقُولٍ، (¬12) بِخِلَافِ مَا لَزِمَهُ لَازِمٌ يُقَارِنُهُ فِي الْأَزَلِ، فَهَذَا لَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُثْبِتُونَ لِلرَّبِّ فِعْلًا أَصْلًا، فَهُمْ مُعَطِّلَةٌ حَقًّا ¬

(¬1) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) أ، ن: كَالْفِعْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: لَا يَعْقِلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: الْإِرَادَاتَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: كَوْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ع: تَحَرُّكَاتِهِ. (¬7) ن، م: فِي نَفْسِهِ. (¬8) أ، ب، ن، م: تَتَحَرَّكُ. (¬9) ن، م: عَلْيًا. (¬10) ب فَقَطْ: يَكُونُ. (¬11) ب فَقَطْ: فَعَلَ. (¬12) أ: مَفْعُولٍ، ب: مَفْعُولًا.

وَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ إِنَّمَا أَثْبَتُوا (¬1) الْعِلَّةَ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا (¬2) عِلَّةً غَائِيَّةً، (¬3) كَحَرَكَةِ الْفَلَكِ، فَإِنَّ حَرَكَةَ الْفَلَكِ عِنْدَهُمْ بِالِاخْتِيَارِ كَحَرَكَةِ الْإِنْسَانِ، وَالْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادٍ، فَيَكُونُ هُوَ مَطْلُوبَهَا. [وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ (¬4) بِالْعِلَّةِ الْأُولَى كَحَرَكَةِ الْمُؤْتَمِّ بِإِمَامِهِ وَالْمُقْتَدِي (¬5) بِقُدْوَتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى تَشْبِيهِهِ بِحَرَكَةِ الْمَعْشُوقِ لِلْعَاشِقِ، لَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ ذَاتَ اللَّهِ مُحَرِّكَةٌ لِلْفَلَكِ، إِنَّمَا مُرَادُهُمْ أَنَّ مُرَادَ الْفَلَكِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ] (¬6) . فَقَالُوا: إِنَّ الْعِلَّةَ الْأُولَى وَهِيَ (¬7) الَّتِي يَتَحَرَّكُ الْفَلَكُ لِأَجْلِهَا (¬8) عِلَّةٌ لَهُ تُحَرِّكُهُ (¬9) كَمَا تَحَرَّكَ الْعَاشِقُ لِلْمَعْشُوقِ (¬10) بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ الَّذِي اشْتَهَى طَعَامًا (¬11) ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهِ أَوْ رَأَى مَنْ يُحِبُّهُ، فَسَعَى إِلَيْهِ - فَذَاكَ (¬12) الْمَحْبُوبُ هُوَ الْمُحَرِّكُ؛ لِكَوْنِ الْمُتَحَرِّكِ أَحَبَّهُ، لَا لِكَوْنِهِ أَبْدَعَ الْحَرَكَةَ وَلَا فَعَلَهَا. ¬

(¬1) ع: أَثْبَتَ، أ، ب: يُثْبِتُونَ. (¬2) أ، ب: أَنَّهَا. (¬3) ن: عَامَّةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) أ، ب: بِالتَّشْبِيهِ. (¬5) أ، ب: وَالْجُنْدِيِّ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) وَهِيَ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: هِيَ. (¬8) بَعْدَ كَلِمَةِ " لِأَجْلِهَا " تُوجَدُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) عِبَارَاتٌ جَاءَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. (¬9) أ، ب: مُحَرِّكَةٌ. (¬10) أ، ب: كَمَا يُحَرِّكُ الْمَعْشُوقَ الْعَاشِقُ ; ع: كَمَا تَحَرَّكَ الْمَعْشُوقُ لِلْعَاشِقِ. (¬11) م: طَعَامًا وَشَرَابًا. (¬12) ن، م: فَكَذَلِكَ ; ع: فَذَلِكَ.

وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ (¬1) قَدْ أَثْبَتُوا لِحَرَكَةِ الْفَلَكِ مُحْدِثًا أَحْدَثَهَا غَيْرَ الْفَلَكِ، كَمَا [لَمْ] (¬2) تُثْبِتِ الْقَدَرِيَّةُ لِأَفْعَالِ الْحَيَوَانِ مُحْدِثًا أَحْدَثَهَا (¬3) غَيْرَ الْحَيَوَانِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْفَلَكُ عِنْدَهُمْ حَيَوَانًا كَبِيرًا، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ (¬4) بِالْعِلَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ (¬5) الْعِلَّةَ الْأُولَى مَعْبُودَةٌ لَهُ مَحْبُوبَةٌ لَهُ. وَلِهَذَا قَالُوا: إِنَّ الْفَلْسَفَةَ هِيَ التَّشَبُّهُ بِالْإِلَهِ (¬6) عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ. فَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ عِنْدَهُمُ الرَّبُّ: لَا إِلَهًا لِلْعَالَمِ (¬7) وَلَا رَبًّا لِلْعَالَمِينَ [بَلْ (¬8) غَايَةُ مَا يُثْبِتُونَهُ أَنَّهُ (¬9) يَكُونُ شَرْطًا فِي وُجُودِ الْعَالَمِ] (¬10) وَأَنَّ كَمَالَ الْمَخْلُوقِ فِي أَنْ يَكُونَ مُتَشَبِّهًا بِهِ، (¬11) فَهَذَا هُوَ الْأُلُوهِيَّةُ عِنْدَهُمْ، وَذَلِكَ هُوَ الرُّبُوبِيَّةُ (¬12) ؛ وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ شَرًّا مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ أَبْعَدُ عَنِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مِنْهُمْ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬13) . ¬

(¬1) أ: فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ، ب: فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُوا، ن، م: فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُونَ. (¬2) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) : لَا. (¬3) أَحْدَثَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: لِلتَّشْبِيهِ. (¬5) أ، ب: لَا لِأَنَّ. . . إِلَخْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) أ، ب: إِنَّ الْفَلَاسِفَةَ هِيَ الْمُثْبِتَةُ لِلْإِلَهِ، ن: هِيَ النِّسْبَةُ بِالْآيَةِ، م: هِيَ النِّسْبَةُ تَالَالَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن، م: لَيْسَ لِلرَّبِّ عِنْدَهُمْ إِلَّا إِلَهًا لِلْعَالَمِ، ع: لَيْسَ عِنْدَهُمْ لَا إِلَهًا لِلْعَالَمِ. (¬8) بَلْ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬9) أ، ب: أَنْ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) ن: أَنْ يَكُونَ مُتَشَابِهٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬12) أ، ب: وَهَذَا هُوَ الْإِلَهُ عِنْدَهُمْ، وَذَاكَ هُوَ الرُّبُوبِيَّةُ، ن، م: وَهَذَا هُوَ إِلَهٌ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا هُوَ الرُّبُوبِيَّةُ. (¬13) أ، ب: كَمَا بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةَ قَدَرِيَّةٌ فِي جَمِيعِ حَوَادِثِ الْعَالَمِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَضَلِّ بَنِي آدَمَ؛ وَلِهَذَا يُضِيفُونَ الْحَوَادِثَ إِلَى الطَّبَائِعِ الَّتِي فِي الْأَجْسَامِ، فَإِنَّهَا (¬1) بِمَنْزِلَةِ الْقُوَى الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ، فَيَجْعَلُونَ كُلَّ مُحْدِثٍ فَاعِلًا مُسْتَقِلًّا، كَالْحَيَوَانِ عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ، وَلَا يُثْبِتُونَ مُحْدِثًا لِلْحَوَادِثِ (¬2) . وَحَقِيقَةُ قَوْلِ الْقَوْمِ (¬3) الْجُحُودُ لِكَوْنِ اللَّهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، (¬4) (4 فَلَا يُثْبِتُونَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ رَبَّ الْعَالَمِينَ 4) (¬5) ، بَلْ غَايَتُهُمْ (¬6) أَنْ يَجْعَلُوهُ (¬7) شَرْطًا فِي وُجُودِ الْعَالَمِ، وَفِي التَّحْقِيقِ هُمْ مُعَطِّلَةٌ لِكَوْنِ اللَّهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْفَلَكَ وَاجِبُ الْوُجُودِ [بِنَفْسِهِ] (¬8) مِنْهُمْ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا عِلَّةً (¬9) إِمَّا غَائِيَّةً عِنْدَ قُدَمَائِهِمْ، وَإِمَّا فَاعِلِيَّةً عِنْدَ مُتَأَخِّرِيهِمْ، وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا حَقِيقَةَ لِمَا أَثْبَتُوهُ (¬10) ؛ وَلِهَذَا أَنْكَرَهُ الطَّبَائِعِيُّونَ (¬11) مِنْهُمْ. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْفَلَكَ يَتَحَرَّكُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقًا لِحَرَكَتِهِ، فَلَا دَلِيلَ عَلَى (¬12) أَنَّ الْمُحَرِّكَ لَهُ عِلَّةٌ (¬13) مَعْشُوقَةٌ يَتَشَبَّهُ بِهَا، بَلْ يَجُوزُ ¬

(¬1) ن، م: وَأَنَّهَا. (¬2) ن، م: وَلَا يُثْبِتُونَ مُحْدِثَ الْحَوَادِثِ. (¬3) أ: قَوْلِ الْقَائِلِ، ب: قَوْلِهِمْ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) (4 - 4) : ساقط من أ، ب (¬6) ن، م: بَلْ غَايَتُهُ. (¬7) أ: أَنْ يَجْعَلُونَ. (¬8) بِنَفْسِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: يُثْبِتُونَ الْعِلَّةَ. (¬10) أ: لَمَا يُثْبِتُوهُ، ب: لِمَا يُثْبِتُونَهُ. (¬11) أ: وَلِهَذَا أَنْكَرَ الطَّبَائِعِيُّونَ، ب: وَلِهَذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَائِعِيُّونَ. (¬12) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬13) عِلَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

أَنْ يَكُونَ الْمُتَحَرِّكُ هُوَ الْمُحَرِّكُ، كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَتَبَيَّنَ (¬1) الْكَلَامُ عَلَى [بُطْلَانِ] مَا ذَكَرَهُ (¬2) أَرِسْطُو فِي الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِاللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] . (¬3) وَمَنْ دَخَلَ فِي أَهْلِ الْمِلَلِ [مِنْهُمْ] (¬4) كَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ كَالْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا وَنَحْوِهِمَا مِنْ مَلَاحِدَةِ (¬5) الْمُسْلِمِينَ، وَمُوسَى بْنِ مَيْمُونٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مَلَاحِدَةِ الْيَهُودِ، وَمَتَّى وَيَحْيَى بْنِ عَدِيٍّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ مَلَاحِدَةِ النَّصَارَى - فَهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ مَلَاحِدَةِ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَهُمْ أَصَحُّ عَقْلًا (¬6) وَنَظَرًا فِي الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ مِنَ الْمَشَّائِينَ كَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَإِنْ كَانَ لِأُولَئِكَ مِنْ تَفْصِيلِ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالرِّيَاضِيَّةِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ سَبَقُوا هَؤُلَاءِ إِلَيْهَا (¬7) . فَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْأُمُورَ الْإِلَهِيَّةَ أُولَئِكَ أَجْهَلُ بِهَا وَأَضَلُّ فِيهَا، (¬8) فَإِنَّ هَؤُلَاءِ حَصَلَ لَهُمْ نَوْعٌ مَا مِنْ نُورِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَعُقُولِهِمْ (¬9) وَهُدَاهُمْ، فَصَارُوا بِهِ أَقَلَّ ظُلْمَةً مِنْ أُولَئِكَ؛ وَلِهَذَا عَدَلَ ابْنُ سِينَا عَنْ طَرِيقَةِ سَلَفِهِ فِي إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَسَلَكَ الطَّرِيقَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَهُ [فِي تَقْسِيمِ الْوُجُودِ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَأَنَّ الْمُمْكِنَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْوَاجِبِ. ¬

(¬1) ع، ن: وَبُيِّنَ. (¬2) أ، ن، م: عَلَى مَا ذَكَرَهُ، ع: عَلَى مَا قَالَهُ. (¬3) عَزَّ وَجَلَّ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ: وَأَمْثَالِهِمْ عَنْ مَلَاحِدَةِ، ب: وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ مَلَاحِدَةِ، ع: وَأَمْثَالِهِمَا مَلَاحِدَةِ. (¬6) أ: الْمِلَلِ فَهُمْ أَقْبَحُ عَقْلًا، ب: الْمِلَلِ أَقْبَحُ عَقْلًا. (¬7) أ: سَبَقُوا بِهَا هَؤُلَاءِ إِلَيْهَا، ب: سَبَقُوا بِهَا هَؤُلَاءِ. (¬8) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: وَعَقْلِهِمْ.

وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ لَهُ] (¬1) وَلِمَنِ اتَّبَعَهُ كَالسُّهْرَوَرْدِيِّ (¬2) الْمَقْتُولِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، [وَأَبِي حَامِدٍ] وَالرَّازِيِّ (¬3) وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ (¬4) مِنْ مُتَأَخِّرِي [أَهْلِ] الْكَلَامِ، (¬5) الَّذِينَ خَلَطُوا الْفَلْسَفَةَ بِالْكَلَامِ. [وَهَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ خَلَطُوا الْفَلْسَفَةَ بِالْكَلَامِ] (¬6) : (* كَثُرَ (¬7) اضْطِرَابُهُمْ وَشُكُوكُهُمْ وَحَيْرَتُهُمْ بِحَسَبِ مَا ازْدَادُوا بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ هَؤُلَاءِ (¬8) الْمُتَفَلْسِفَةِ الَّذِينَ خَلَطُوا الْفَلْسَفَةَ بِالْكَلَامِ *) (¬9) فَأُولَئِكَ قَلَّتْ ظُلْمَتُهُمْ بِمَا دَخَلُوا فِيهِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَهَؤُلَاءِ كَثُرَتْ ظُلْمَتُهُمْ بِمَا دَخَلُوا فِيهِ مِنْ كَلَامِ أُولَئِكَ الْمُتَفَلْسِفَةِ. هَذَا مَعَ أَنَّ فِي الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنَ الِاضْطِرَابِ وَالشَّكِّ فِي أَشْيَاءَ، وَالْخُرُوجِ عَنِ الْحَقِّ فِي مَوَاضِعَ، وَاتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ (¬10) فِي مَوَاضِعَ، وَالتَّقْصِيرِ فِي الْحَقِّ فِي مَوَاضِعَ - مَا ذَمَّهُمْ لِأَجْلِهِ عُلَمَاءُ الْمِلَّةِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ، (¬11) فَإِنَّهُمْ قَصَّرُوا فِي (¬12) مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَعَدَلُوا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) أ: كَالشَّهْرَسْتَانِيِّ، ع: كَالسَّهْرَزْمَدِيِّ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالرَّازِيِّ، ع: مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَأَبُو حَامِدٍ وَالرَّازِيِّ، أ، ب: مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَأَبِي حَامِدٍ الرَّازِيِّ. (¬4) ن، م: وَغَيْرِهِمَا. (¬5) ن: مِنْ مُتَأَخِّرَةِ الْكَلَامِ، ع، م: مِنْ مُتَأَخِّرَةِ أَهْلِ الْكَلَامِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬7) أ، ب: أَكْثَرُ. (¬8) ن: مَا أَرَادُوا بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ، أ: مَا أَرَادُوا بِهِ ظُلْمَةَ هَؤُلَاءِ، ب: مَا ازْدَادُوا بِهِ ظُلْمَةً مِنْ هَؤُلَاءِ. (¬9) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬10) أ، ب: الْهَوَى. (¬11) أ، ب: عُلَمَاءُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ، ن: عُلَمَاءُ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ. (¬12) أ، ب: عَنْ.

عَنْهَا إِلَى طُرُقٍ (¬1) أُخْرَى مُبْتَدَعَةٍ فِيهَا مِنَ الْبَاطِلِ مَا لِأَجْلِهِ خَرَجُوا عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ [بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ] (¬2) ، وَدَخَلُوا فِي بَعْضِ الْبَاطِلِ الْمُبْتَدَعِ، (¬3) وَأَخْرَجُوا مِنَ (¬4) التَّوْحِيدِ مَا هُوَ مِنْهُ كَتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ، وَإِثْبَاتِ حَقَائِقِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَمْ يَعْرِفُوا مِنَ التَّوْحِيدِ إِلَّا تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ (¬5) . وَهَذَا التَّوْحِيدُ كَانَ يُقِرُّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سُورَةُ لُقْمَانَ: 25] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} الْآيَاتِ (¬6) [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 86، 87] . وَقَالَ عَنْهُمْ {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 106] . قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: يَقُولُ لَهُمْ (¬7) مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَيَقُولُونَ: اللَّهُ، وَهُمْ مَعَ هَذَا (¬8) يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ. وَإِنَّمَا التَّوْحِيدُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ هُوَ تَوْحِيدُ الْأُلُوهِيَّةِ، الْمُتَضَمِّنُ ¬

(¬1) ن، م: طَرِيقٍ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ ن، م. (¬3) أ، ب: الْمُبْدَعِ. (¬4) ن، م: عَنْ. (¬5) وَرَبُّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: فَالطَّائِفَةُ مِنَ السَّلَفِ تَقُولُ لَهُمْ. (¬8) أ، ب: ذَلِكَ.

لِتَوْحِيدِ (¬1) الرُّبُوبِيَّةِ، بِأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، (¬2) فَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَلَا يُخَافُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يُدْعَى (¬3) إِلَّا اللَّهُ، وَيَكُونُ اللَّهُ أَحَبَّ إِلَى الْعَبْدِ (¬4) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَيُحِبُّونَ لِلَّهِ، وَيُبْغِضُونَ لِلَّهِ، وَيَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ (¬5) . وَالْعِبَادَةُ تَجْمَعُ غَايَةَ الْحُبِّ وَغَايَةَ الذُّلِّ، (¬6) فَيُحِبُّونَ اللَّهَ بِأَكْمَلِ مَحَبَّةٍ، وَيَذِلُّونَ لَهُ (¬7) أَكْمَلَ ذُلٍّ، وَلَا يَعْدِلُونَ بِهِ، وَلَا يَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا، وَلَا يَتَّخِذُونَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ. كَمَا قَدْ بَيَّنَ الْقُرْآنُ هَذَا التَّوْحِيدَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ قُطْبُ رَحَى الْقُرْآنِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ [الْقُرْآنُ] (¬8) وَهُوَ يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ فِي الْعِلْمِ وَالْقَوْلِ، وَالتَّوْحِيدَ فِي الْإِرَادَةِ وَالْعَمَلِ. فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سُورَةُ الْإِخْلَاصِ] . وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ. وَالْقُرْآنُ ثُلُثُهُ تَوْحِيدٌ، وَثُلُثُهُ قَصَصٌ، وَثُلُثُهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَالْكَلَامُ إِمَّا إِنْشَاءٌ وَإِمَّا إِخْبَارٌ، وَالْإِخْبَارُ إِمَّا عَنِ الْخَالِقِ وَإِمَّا عَنِ ¬

(¬1) أ، ب: تَوْحِيدَ. (¬2) أ، ب: بِأَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ع: بِأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ. (¬3) أ، ب، م: وَلَا يَدْعُوا. (¬4) ن، م: أَحَبَّ إِلَيْهِمْ. (¬5) ع: عَلَى اللَّهِ. (¬6) أ، ب: وَمَا بِهِ الذُّلُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬8) ن، م: رَحَى الْحَيَوَانِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ.

الْمَخْلُوقِ، فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءٌ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِبَاحَةٌ وَهُوَ الْإِنْشَاءُ، وَجُزْءٌ إِخْبَارٌ عَنِ الْمَخْلُوقِينَ (¬1) ، وَجُزْءٌ إِخْبَارٌ عَنِ الْخَالِقِ، فَ " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} " صِفَةُ الرَّحْمَنِ [مَحْضًا] (¬2) . [وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى تَحْقِيقِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» (¬3) فِي مُجَلَّدٍ (¬4) ، وَفِي تَفْسِيرِهَا فِي مُجَلَّدٍ آخَرَ (¬5) ] (¬6) . وَ [أَمَّا] التَّوْحِيدُ فِي [الْعِبَادَةِ وَ] الْإِرَادَةِ وَالْعَمَلِ (¬7) فَكَمَا فِي سُورَةِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ - لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ - وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ - وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ - وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ - لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [سُورَةُ. ¬

(¬1) ع: عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ، ن، م: عَنِ الْمَخْلُوقِ. (¬2) مَحْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْبُخَارِيِّ 6 - 189 كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، بَابُ فَضْلِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 9 - 114 - 115 كِتَابُ الْتَوْحِيدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مُسْلِمٍ 556 - 557 كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ فَضْلِ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2 - 97، 98 كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابٌ فِي سُورَةِ الصَّمَدِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4 - 240، 243 كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَفِي سُورَةِ إِذَا زُلْزِلَتْ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 - 1244 كِتَابُ الْأَدَبِ بَابُ ثَوَابِ الْقُرْآنِ، الْمُسْنَدِ، ط الْمَعَارِفِ 18 - 152، 153. (¬4) لِابْنِ تَيْمِيَّةَ كِتَابُ جَوَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فِي تَفْسِيرِ أَنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَقَدْ طُبِعَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ؛ فَطُبِعَ فِي الْمَطْبَعَةِ الْخَيْرِيَّةِ، سَنَةَ 1325، وَأُعِيدَ نَشْرُهُ فِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ 17 - 5، 213. (¬5) وَهُوَ كِتَابُ " تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ " وَنُشِرَ مَرَّتَيْنِ فِي الْقَاهِرَةِ، ثُمَّ فِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ 17 - 214، 503. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: وَالتَّوْحِيدُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْعَمَلِ، ع: وَأَمَّا التَّوْحِيدُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ.

الْكَافِرُونَ] . فَالتَّوْحِيدُ [الْأَوَّلُ] (¬1) يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ نُعُوتِ الْكَمَالِ لِلَّهِ بِإِثْبَاتِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَ [الثَّانِي] : يَتَضَمَّنُ (¬2) إِخْلَاصَ الدِّينِ لَهُ كَمَا قَالَ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 5] فَالْأَوَّلُ بَرَاءَةٌ مِنَ التَّعْطِيلِ، وَالثَّانِي بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ (¬3) وَأَصْلُ الشِّرْكِ (¬4) : إِمَّا التَّعْطِيلُ (¬5) مِثْلَ تَعْطِيلِ (¬6) فِرْعَوْنِ مُوسَى، وَالَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ خَصْمِ إِبْرَاهِيمَ، (¬7) وَالدَّجَّالِ مَسِيحِ الضَّلَالِ خَصْمِ مَسِيحِ الْهُدَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬8) ، وَإِمَّا الْإِشْرَاكُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْأُمَمِ أَكْثَرُ مِنَ التَّعْطِيلِ، وَأَهْلُهُ خُصُومُ جُمْهُورِ (¬9) الْأَنْبِيَاءِ. وَفِي خُصُومِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَطَّلَةٌ وَمُشْرِكَةٌ، لَكِنَّ التَّعْطِيلَ الْمَحْضَ [لِلذَّاتِ] (¬10) قَلِيلٌ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَهُوَ تَعْطِيلُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَعْطِيلِ الذَّاتِ، فَإِنَّهُمْ يَصِفُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِمَا يُوجِبُ (¬11) أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ. ¬

(¬1) الْأَوَّلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَيَتَضَمَّنُ. (¬3) ن، م: الْإِشْرَاكِ. (¬4) ن، م: الْكُفْرِ. (¬5) أ، ب: إِمَّا تَعْطِيلٌ. (¬6) ن، م: مِثْلَ كُفْرِ. (¬7) خَصْمِ إِبْرَاهِيمَ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: جَمِيعِ. (¬10) لِلذَّاتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) أ، ب: يَجِبُ، ع: وَجَبَ.

ثُمَّ إِنَّهُ [كُلُّ] مَنْ كَانَ (¬1) إِلَى الرَّسُولِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2) وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ أَقْرَبَ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى كَمَالِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ وَالْعَقْلِ وَالْعِرْفَانِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَنْهُمْ أَبْعَدَ كَانَ عَنْ ذَلِكَ أَبْعَدَ، (¬3) فَمُتَأَخِرُّو مُتَكَلِّمَةِ الْإِثْبَاتِ الَّذِينَ (¬4) خَلَطُوا الْكَلَامَ بِالْفَلْسَفَةِ كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَنَحْوِهِمَا هُمْ [دُونَ أَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ وَأَمْثَالِهِ فِي تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَمْثَالُهُ دُونَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ (¬5) وَأَمْثَالِهِ] (¬6) فِي ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ دُونَ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فِي ذَلِكَ، وَالْأَشْعَرِيُّ فِي ذَلِكَ دُونَ أَبِي مُحَمَّدِ (¬7) بْنِ كُلَّابٍ، وَابْنُ كُلَّابٍ دُونَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ. وَمُتَكَلِّمَةُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ هُمْ خَيْرٌ فِي التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ [الْكَمَالِ] (¬8) مِنَ الْقَدَرِيَّةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ (¬9) لِأَنَّ أَهْلَ الْإِثْبَاتِ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ كَمَالَ الْقُدْرَةِ وَكَمَالَ الْمَشِيئَةِ وَكَمَالَ الْخَلْقِ وَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ ¬

(¬1) ب: ثُمَّ إِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ، ن، م: ثُمَّ إِنَّهُ مَنْ كَانَ. (¬2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ع: وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَنْ ذَلِكَ أَبْعَدَ كَانَ عَنْ ذَلِكَ أَبْعَدَ. أ، ن: وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَنْ ذَلِكَ أَبْعَدَ، م: وَمَنْ كَانَ عَنْ ذَلِكَ أَبْعَدَ فَهُوَ أَبْعَدُ. (¬4) ب: الَّذِي. (¬5) ع: بْنِ أَبِي الطَّيِّبِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ع: دُونَ مُحَمَّدِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م: وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ. (¬9) ن، م: وَنَحْوِهِمْ.

بِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ وَحْدَهُ (¬1) خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْرَاضِ؛ وَلِهَذَا جَعَلُوا أَخَصَّ صِفَةِ الرَّبِّ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاخْتِرَاعِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاخْتِرَاعِ مِنْ جُمْلَةِ خَصَائِصِهِ، لَيْسَتْ هِيَ وَحْدَهَا أَخَصَّ (¬2) صِفَاتِهِ. وَأُولَئِكَ يُخْرِجُونَ أَفْعَالَ (¬3) الْحَيَوَانِ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لَهُ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ (¬4) تَعْطِيلُ هَذِهِ الْحَوَادِثِ عَنْ خَالِقٍ لَهَا، وَإِثْبَاتُ شُرَكَاءَ لِلَّهِ يَفْعَلُونَهَا [وَكَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرَةِ الْقَدَرِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعِبَادَ خَالِقُونَ لَهَا، وَلَمْ يَكُنْ سَلَفُهُمْ يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ (¬5) ] (¬6) . وَأَيْضًا فَمُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ [الْإِثْبَاتِ] (¬7) يُثْبِتُونَ لِلَّهِ صِفَاتَ الْكَمَالِ كَالْحَيَاةِ (¬8) وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلَامِ (¬9) وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ. وَهَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ (¬10) ذَلِكَ لَكِنْ قَصَّرُوا فِي بَعْضِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَقَصَّرُوا فِي التَّوْحِيدِ، فَظَنُّوا أَنَّ كَمَالَ التَّوْحِيدِ هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَمْ يَصْعَدُوا إِلَى تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ. ¬

(¬1) ن، م: فَيَقُولُونَ اللَّهُ وَحْدَهُ. (¬2) أ، ب: لَيْسَ هِيَ وَحْدَهَا أَخَصَّ، ن، م: لَيْسَتْ وَحْدَهَا هِيَ أَخَصَّ. (¬3) أ، ب: أَحْوَالَ. (¬4) ع: مَخْلُوقَةً لِلَّهِ وَتَحْقِيقُ قَوْلِهِمْ. (¬5) أ، ب: وَلَكِنَّ سَلَفَهُمْ يَحْتَرِزُونَ أ: يَحْتُرُونَ، عَنْ ذَلِكَ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) الْإِثْبَاتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ، ب: الْحَيَاةَ. (¬9) ن: وَالْكَمَالِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) أ، ب، م، ع: يَنْفُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَكَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ هُنَا عَلَى الْأَشَاعِرَةِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا بَعْضَ الصِّفَاتِ وَلَكِنْ قَصَّرُوا فِي بَعْضِ صِفَاتِ الْكَمَالِ. . . إِلَخْ.

وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ كَلَامِهِمْ أَخَذُوهُ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ مُقَصِّرُونَ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُوَفُّوا تَوْحِيدَ (¬1) الرُّبُوبِيَّةِ حَقَّهُ، فَكَيْفَ بِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ. وَمَعَ هَذَا فَأَئِمَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ وَشُيُوخُهُمْ وَأَئِمَّةُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَنَحْوُهُمْ خَيْرٌ فِي تَقْرِيرِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ مِنْ مُتَفَلْسِفَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ خَلَطُوا ذَلِكَ بِتَوْحِيدِ الْفَلَاسِفَةِ كَابْنِ سِينَا (¬2) وَأَمْثَالِهِ، وَهُوَ أَبْعَدُ الْكَلَامِ عَنِ التَّحْقِيقِ فِي التَّوْحِيدِ، وَإِنْ كَانَ خَيْرًا مِنْ كَلَامِ قُدَمَائِهِمْ أَرِسْطُو وَذَوِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ غَايَتَهُمْ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا (¬3) وَاجِبَ الْوُجُودِ، وَهَذَا حَقٌّ لَمْ يُنَازِعْ (¬4) فِيهِ لَا مُعَطِّلٌ وَلَا مُشْرِكٌ، (¬5) بَلِ النَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ وَاجِبٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ، قَالَ: إِنَّ هَذَا الْعَالَمَ حَدَثَ (¬6) بِنَفْسِهِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ: [إِنَّ] هَذَا (¬7) لَمْ تَقُلْهُ طَائِفَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ تَقْدِيرًا كَمَا تُقَدَّرُ الشُّبَهُ (¬8) السُّوفِسْطَائِيَّةُ لِيُبْحَثَ عَنْهَا، (¬9) وَهَذَا مِمَّا يَخْطِرُ (¬10) فِي قُلُوبِ ¬

(¬1) أ، ب: بِتَوْحِيدِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: الْفَلَاسِفَةِ، كَلَامَ ابْنِ سِينَا. (¬3) أ، ب: يُثْبِتُونَ. (¬4) ن، م: لَمْ يَتَنَازَعْ. (¬5) ن: إِلَّا مُعَطِّلٌ وَلَا مَشْكُوكٌ م: إِلَّا مُعَطِّلٌ وَلَا مَسْلُوكٌ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: حَادِثٌ. (¬7) ع: يَقُولُ إِنَّ هَذَا، ن، م: يَقُولُونَ هَذَا. (¬8) ن، م: شُبَهُ. (¬9) ن: لِمُنْتَحِبٍ فِيهَا، م: لِمُسْتَحِتٍّ فِيهَا، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ، أ، ب: فَيُبْحَثُ عَنْهَا. (¬10) أ، ب: خَطَرَ.

بَعْضِ النَّاسِ، كَمَا يَخْطِرُ أَمْثَالُهُ مِنَ السَّفْسَطَةِ، لَا أَنَّهُ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ لِطَائِفَةٍ [مَعْرُوفَةٍ] (¬1) يَذُبُّونَ عَنْهُ، فَإِنَّ ظُهُورَ فَسَادِهِ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ، إِذْ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا مُحْدِثٍ مِنْ أَظْهَرِ الْأُمُورِ امْتِنَاعًا، وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ أَبْيَنِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ. ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمَّا قَرَّرُوا وَاجِبًا [بِذَاتِهِ] (¬2) أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ وَاحِدًا وَحْدَهُ، لَا يُوجَدُ (¬3) إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَهُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ [فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ] الْوُجُودَ (¬4) الْمُطْلَقَ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ [لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ] (¬5) أَوْ مُقَيَّدًا (¬6) بِالسُّلُوبِ وَالْإِضَافَاتِ، كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ [وَهَذَا أَدْخَلُ فِي التَّعْطِيلِ مِنَ الْأَوَّلِ] (¬7) . وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا هُوَ مَحْضُ التَّوْحِيدِ (¬8) مُضَاهَاةً لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ شَارَكُوهُمْ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَسَمَّوْا ذَلِكَ تَوْحِيدًا، فَصَارُوا يَتَبَاهَوْنَ فِي التَّعْطِيلِ الَّذِي سَمَّوْهُ (¬9) تَوْحِيدًا أَيُّهُمْ فِيهِ أَحْذَقُ (¬10) حَتَّى فُرُوعُهُمْ تُبَاهَوْا بِذَلِكَ، (¬11) ¬

(¬1) مَعْرُوفَةٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) بِذَاتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ب فَقَطْ: لَا يُوَحِّدُ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ. (¬4) ن، م: لَيْسَ حَقِيقَةً وَالْوُجُودُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب، م: أَوْ مُقَيَّدٌ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَمَكَانُهُ الْجُمْلَةُ السَّاقِطَةُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهِيَ: لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) أ، ب، ع: وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا مَحْضُ التَّوْحِيدِ، م: وَجَعَلُوا هَذَا مَحْضَ التَّوْحِيدِ. (¬9) ن، م: يُسَمُّونَهُ. (¬10) ن، م: أَيُّهُمْ أَحْذَقُ فِيهِ. (¬11) أ، ب، ع: تُبَاهَوْا فِي ذَلِكَ.

كَتَبَاهِيهِمْ: كَابْنِ سَبْعِينَ وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَتْبَاعِ الْفَلَاسِفَةِ، وَابْنِ التُّومَرْتِ (¬1) وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَتْبَاعِ الْجَهْمِيَّةِ، [فَهَذَا يَقُولُ بِالْوُجُودِ الْمُطْلَقِ] (¬2) وَهَذَا يَقُولُ (¬3) بِالْوُجُودِ الْمُطْلَقِ، وَأَتْبَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا يُبَاهُونَ [أَتْبَاعَ] الْآخَرِينَ (¬4) فِي الْحِذْقِ فِي هَذَا التَّعْطِيلِ. كَمَا [قَدِ] اجْتَمَعَ بِي (¬5) طَوَائِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَخَاطَبْتُهُمْ فِي ذَلِكَ وَصَنَّفْتُ لَهُمْ مُصَنَّفَاتٍ فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَمَعْرِفَةِ تَوْحِيدِهِمْ وَبَيَانِ فَسَادِهِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ كَلَامَهُمْ، فَقَالُوا لِي: إِنْ لَمْ [تُبَيِّنْ وَ] تَكْشِفْ (¬6) لَنَا (¬7) حَقِيقَةَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي قَالُوهُ، ثُمَّ تُبَيِّنْ فَسَادَهُ وَإِلَّا لَمْ ¬

(¬1) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تُومَرْتَ الْمَصْمُودِيُّ الْبَرْبَرِيُّ، الْمُلَقَّبُ بِالْمَهْدِيِّ، أَوْ بِمَهْدَيِّ الْمُوَحِّدِينَ، مُؤَسِّسُ دَوْلَةِ الْمُوَحِّدِينَ الَّتِي قَامَتْ عَلَى أَنْقَاضِ دَوْلَةِ الْمُرَابِطِينَ، اخْتُلِفَ فِي سَنَةِ مَوْلِدِهِ، وَلَكِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 524 وَعُمْرُهُ يَتَرَاوَحُ مَا بَيْنَ 51 عَامًا، 55 عَامًا، مِنْ كُتُبِهِ كِتَابُ " أَعَزِّ مَا يُطْلَبُ "، وَقَدْ نَشَرَهُ جُولْد تِسِيهَر (الْجَزَائِرَ 1903) وَكِتَابُ " كَنْزِ الْعُلُومِ "، وَهُوَ مَخْطُوطٌ، وَ " الْمُرْشِدَةُ " وَهِيَ رِسَالَةٌ صَغِيرَةٌ طُبِعَتْ عِدَّةَ مَرَّاتٍ آخِرُهَا ضِمْنَ كِتَابِ " نُصُوصٍ فَلْسَفِيَّةٍ مَهْدَاةٍ إِلَى الدُّكْتُورِ إِبْرَاهِيمْ مَدْكُورْ " ط الْقَاهِرَةِ 1967 م. انْظُرْ عَنْ حَيَاةِ ابْنِ التُّومَرْتِ وَمَذْهَبِهِ: بِحْثًا لِلْأُسْتَاذِ عَبْدِ اللَّهِ كَنُونْ ضِمْنَ كِتَابِ " نُصُوصٍ فَلْسَفِيَّةٍ "، الْمُشَارِ إِلَيْهِ ص 99 - 115 كِتَابَ تَارِيخِ فَلْسَفَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْقَارَّةِ الْأَفْرِيقِيَّةِ، لِلدُّكْتُورِ يَحْيَى هُوَيْدِي، 1 - 223، 243، وَانْظُرْ أَيْضًا: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 4 - 137، 146 الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 10 - 201، 205، الْأَعْلَامَ 7 - 104، 105. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ب فَقَطْ: وَهَذَا لَا يَقُولُ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ "، عَنِ ابْنِ التُّومَرْتِ: " وَلِهَذَا كَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِ مُوَافِقًا لِحَقِيقَةِ قَوْلِ ابْنِ سَبْعِينَ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُودِ الْمُطْلَقِ ". (¬4) ن، م: يُبَاهُونَ الْآخَرِينَ، أ: يُبَاهِي أَتْبَاعَ الْآخَرِينَ، ب: تُبَاهِي أَتْبَاعَ الْآخَرِينَ. (¬5) أ: كَمَا قَدْ أَجْمَعَ فِي. . .، ب: كَمَا قَدِ اجْتَمَعْتُ فِي. . .، ن: كَمَا اجْتَمَعَ بِي. (¬6) ن، م: إِنْ لَمْ تَكْشِفْ. (¬7) لَنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

أدلة الوحدانية عند الفلاسفة

نَقْبَلْ (¬1) مَا يُقَالُ مِنْ رَدِّهِ، فَكَشَفْتُ لَهُمْ حَقَائِقَ مَقَاصِدِهِمْ، فَاعْتَرَفُوا بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ بَيَّنْتُ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ وَالْإِلْحَادِ، حَتَّى رَجَعُوا وَصَارُوا يُصَنِّفُونَ فِي كَشْفِ بَاطِلِ سَلَفِهِمُ الْمُلْحِدِينَ، الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُمْ أَئِمَّةَ التَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ، وَالْعِرْفَانِ وَالْيَقِينِ. [أدلة الوحدانية عند الفلاسفة] وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ [فِي تَوْحِيدِهِمْ] (¬2) الَّذِي هُوَ تَعْطِيلٌ [مَحْضٌ] فِي الْحَقِيقَةِ (¬3) حُجَّتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ (¬4) لَوْ كَانَ وَاجِبَانِ (¬5) لَاشْتَرَكَا فِي الْوُجُوبِ وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ، وَمَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ غَيْرُ مَا بِهِ الِامْتِيَازُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبُ الْوُجُودِ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَجْزَائِهِ [وَأَجْزَاؤُهُ غَيْرُهُ] (¬6) وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ (¬7) وَاجِبًا بِنَفْسِهِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُمَا إِذَا اتَّفَقَا فِي الْوُجُوبِ (¬8) ، وَامْتَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ مَعْلُولًا لِلْمُخْتَصِّ، كَمَا إِذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ، وَامْتَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِشَخْصِهِ، فَالْمُشْتَرَكُ مَعْلُولٌ لِلْمُخْتَصِّ (¬9) [وَهَذَا بَاطِلٌ هُنَا. ¬

(¬1) أ، ب: يَقْبَلْ، وَفِي بَاقِي النُّسَخِ الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) فِي تَوْحِيدِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَعْطِيلٌ، ع: الَّذِي هُوَ تَعْطِيلٌ فِي الْحَقِيقَةِ. (¬4) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ع: وَاجِبًا. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: لَمْ يَكُنْ. (¬8) م: فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) ع: مَعْلُولُ الْمُخْتَصِّ.

وَذَلِكَ] (¬1) لِأَنَّ كُلًّا مِنَ (¬2) الْمُشْتَرَكِ وَالْمُخْتَصِّ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَارِضًا [لِلْآخَرِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ عَارِضًا] (¬3) لِلْوَاجِبِ أَوْ مَعْرُوضًا لَهُ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يَكُونُ الْوُجُوبُ (¬4) صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْوَاجِبِ، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَازِمًا لِلْآخَرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ عِلَّةً لِلْمُخْتَصِّ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَتِ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْمَعْلُولُ، فَيَلْزَمُ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الْمُشْتَرَكُ [وُجِدَ الْمُخْتَصُّ وَالْمُشْتَرَكُ] (¬5) فِي هَذَا وَهَذَا، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا يَخْتَصُّ بِهَذَا فِي هَذَا، وَمَا يَخْتَصُّ بِهَذَا فِي هَذَا، وَهَذَا مُحَالٌ يَرْفَعُ الِاخْتِصَاصَ. وَهَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِينَا فِي إِشَارَاتِهِ (¬6) هُوَ وَشَارِحُو الْإِشَارَاتِ كَالرَّازِيِّ (¬7) وَالطُّوسِيِّ (¬8) وَغَيْرِهِمَا. وَهَاتَانِ الْحُجَّتَانِ مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْفَارَابِيُّ (¬9) وَالسُّهْرَوَرْدِيُّ (¬10) وَغَيْرُهُمَا مِنَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) عِبَارَةِ " كُلًّا مِنْ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْوُجُوبُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) انْظُرِ " الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ " لِابْنِ سِينَا 3، 4 - 456، 457. (¬7) انْظُرْ: " شَرْحِ الْإِشَارَاتِ " لِلرَّازِيِّ، هَامِشُ ص 301 هَامِشُ ص 303 ط الْمَطْبَعَةِ الْعَامِرَةِ، اسْتَانْبُولَ 1290 هـ. (¬8) انْظُرْ هَامِشَ الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ شَرْحَ الطُّوسِيِّ 3، 4 - 456، 457. (¬9) انْظُرْ: " آرَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْفَاضِلَةِ " لِلْفَارَابِيِّ، ص 4 - 6، ط مَكْتَبَةِ الْحُسَيْنِ التِّجَارِيَّةَ، الْقَاهِرَةَ 1368، 1948. (¬10) انْظُرْ كِتَابَ " حِكْمَةِ الْإِشْرَاقِ " لِلسُّهْرَوَرْدِيِّ ص 125 - 127 ضِمْنَ مَجْمُوعَةٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، تَحْقِيقُ هِنْرِي كَرْبِينَ ط إِيرَانَ 1331، 1952.

الْفَلَاسِفَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا بِمَعْنَاهُمَا أَبُو حَامِدٍ الْغَزَّالِيُّ فِي " تَهَافُتِ الْفَلَاسِفَةِ " (¬1) . وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُمَا الرَّازِيُّ (¬2) وَالْآمِدِيُّ (¬3) بِمَنْعِ كَوْنِ الْوُجُوبِ صِفَةً ثُبُوتِيَّةً، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي نَرْضَاهَا. لَكِنَّ الْجَوَابَ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْمُعَارَضَةُ وَذَلِكَ أَنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوُجُودَيْنِ يَمْتَازُ عَنِ الْآخَرِ بِخَاصَّتِهِ، (¬4) فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ (¬5) الْوَاجِبُ مُرَكَّبًا مِمَّا بِهِ الِاشْتِرَاكُ، وَمِمَّا بِهِ الِامْتِيَازُ، وَأَيْضًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ مَعْلُولًا، وَالْمُعَارَضَةُ أَيْضًا بِالْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ تَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَالْوَاجِبُ يَمْتَازُ عَنِ الْمُمْكِنِ بِمَا يَخُصُّهُ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ الْوَاجِبَةُ مُرَكَّبَةً مِنَ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُخْتَصِّ، وَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ الْوَاجِبَةُ مَعْلُولَةً، وَالْمُعَارَضَةُ بِلَفْظِ الْمَاهِيَةِ، فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ إِلَى آخِرِهِ. وَالثَّانِي حَلُّ الشُّبْهَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْجُودَيْنِ (¬6) فِي الْخَارِجِ سَوَاءٌ كَانَا وَاجِبَيْنِ أَوْ مُمْكِنَيْنِ، وَسَوَاءٌ قُدِّرَ التَّقْسِيمُ فِي مَوْجُودَيْنِ، أَوْ جَوْهَرَيْنِ أَوْ جِسْمَيْنِ أَوْ حَيَوَانَيْنِ أَوْ إِنْسَانَيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - لَمْ يُشْرِكْ ¬

(¬1) انْظُرْ: " تَهَافُتِ الْفَلَاسِفَةِ " لِلْغَزَّالِيِّ، ص 158 - 160 تَحْقِيقُ الدُّكْتُورِ سُلَيْمَانْ دُنْيَا، الطَّبْعَةَ الثَّالِثَةَ، دَارَ الْمَعَارِفِ، الْقَاهِرَةَ 1958. (¬2) انْظُرِ: " الْمَبَاحِثِ الْمَشْرِقِيَّةِ لِلرَّازِيِّ " 2 - 451، 456، ط حَيْدَرَ آبَادَ، 1343 هـ. (¬3) انْظُرْ: " غَايَةِ الْمَرَامِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ " لِلْآمِدِيِّ، تَحْقِيقُ الدُّكْتُورِ حَسَنْ مَحْمُودْ عَبْدِ اللَّطِيفِ ص [0 - 9] 53 - 155 ط. الْقَاهِرَةَ 1391، 1971. (¬4) م: بِخَاصِّيَّةٍ. (¬5) ن، م: أَنَّ كَوْنَ. (¬6) أ، ب: الْوُجُودِيَّيْنِ.

أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (¬1) فِي الْخَارِجِ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ، لَا فِي وُجُوبِهِ، وَلَا فِي وُجُودِهِ، وَلَا فِي مَاهِيَتِهِ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا شَابَهَهُ فِي ذَلِكَ. وَالْمُطْلَقُ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا (¬2) مُشْتَرَكًا فِيهِ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، وَهُوَ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ عَامٍّ مُشْتَرَكٍ فِيهِ، بَلْ إِذَا قِيلَ: الْوَاجِبَانِ إِذَا اشْتَرَكَا (¬3) فِي الْوُجُوبِ (¬4) فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْتَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا (¬5) عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ، فَهُوَ (¬6) مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: إِذَا اشْتَرَكَا فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْتَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ (¬7) بِمَا يَخُصُّهُ، فَالْحَقِيقَةُ تُوجَدُ عَامَّةً وَخَاصَّةً كَمَا أَنَّ الْوُجُوبَ (¬8) يُوجَدُ عَامًّا وَخَاصًّا، فَالْعَامُّ لَا يَكُونُ عَامًّا مُشْتَرَكًا فِيهِ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا خَاصًّا لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ، فَمَا فِيهِ الِاشْتِرَاكُ لَا امْتِيَازَ فِيهِ، وَمَا فِيهِ الِامْتِيَازُ لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فِيهِ مُشْتَرَكٌ وَمُمَيَّزٌ (¬9) لَكِنْ فِيهِ وَصْفٌ يُشَابِهُ الْآخَرَ فِيهِ (¬10) وَوَصْفٌ لَا يُشَابِهُهُ فِيهِ. وَغَلَطُ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْإِلَهِيَّاتِ مِنْ جِنْسِ غَلَطِهِمْ (¬11) فِي الْمَنْطِقِ فِي ¬

(¬1) ن: لَمْ يُشِرْ إِلَى أَحَدِهِمَا الْآخَرُ، م: لَمْ يُشَارِكْ إِلَى أَحَدِهِمَا الْآخَرُ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬2) أ: شَابَهَهُ فِي ذَلِكَ الْمُطْلَقِ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا، ب: شَابَهَهُ فِي ذَلِكَ الْمُطْلَقِ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ، وَلَا يَكُونُ كُلِّيًّا. (¬3) أ: الْوَاجِبَانِ يَشْتَرِكَا. ب: الْوَاجِبَانِ يَشْتَرِكَانِ. (¬4) م: فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) أ، ب: أَنْ يَمْتَازَ أَحَدُهُمَا. (¬6) ن، م: وَهُوَ. (¬7) عَنِ الْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬8) ع: الْوَاجِبَ. (¬9) أ، ب: وَاحِدٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِ وَمُمَيَّزٌ. (¬10) ن: وَصْفٌ شَابَهَ فِي الْآخَرِ، م: وَصْفٌ مُشَابِهٌ فِيهِ الْآخَرَ، أ، ب: وَصْفٌ يُشَابِهُ الْآخَرَ. (¬11) ع: هَؤُلَاءِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ مِنْ جِنْسِ غَلَطِهِمْ، ن، م: فِي هَذِهِ إِلَهِيَّاتٌ مِنْ غَلَطِهِمْ.

الْكُلِّيَّاتِ: الْجِنْسِ، وَالنَّوْعِ، وَالْفَصْلِ، وَالْخَاصَّةِ، وَالْعَرَضِ الْعَامِّ - حَيْثُ تَوَهَّمُوا أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْخَارِجِ كُلِّيٌّ (¬1) مُشْتَرَكٌ فِيهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْكُلِّيَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُخْتَصًّا لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ، وَالِاشْتِرَاكُ وَالْعُمُومُ وَالْكُلِّيَّةُ إِنَّمَا تَعْرِضُ لَهُ إِذَا كَانَ ذِهْنِيًّا لَا خَارِجِيًّا. وَهُمْ قَسَّمُوا الْكُلِّيَّ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: طَبِيعِيٌّ، وَمَنْطِقِيٌّ، وَعَقْلِيٌّ. فَالطَّبِيعِيُّ: هُوَ الْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطٍ، كَالْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ جَمِيعِ قُيُودِهِ. وَالْمَنْطِقِيُّ: كَوْنُهُ عَامًّا وَخَاصًّا، وَكُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا، فَنَفْسُ وَصْفِهِ بِذَلِكَ مَنْطِقِيٌّ ; لِأَنَّ الْمَنْطِقَ (¬2) يَبْحَثُ فِي الْقَضَايَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا كُلِّيَّةً وَجُزْئِيَّةً. وَالْعَقْلِيُّ: هُوَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ الْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ عَامًّا وَمُطْلَقًا، وَهَذَا لَا يُوجَدُ (* إِلَّا فِي الذِّهْنِ عِنْدَهُمْ، إِلَّا مَا يُحْكَى عَنْ شِيعَةِ أَفْلَاطُونَ مِنْ إِثْبَاتِ الْمُثُلِ الْأَفْلَاطُونِيَّةِ، وَلَا رَيْبَ فِي بُطْلَانِ هَذَا، فَإِنَّ الْخَارِجَ لَا يُوجَدُ *) (¬3) فِيهِ عَامٌّ. وَأَمَّا الْمَنْطِقِيُّ: فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الذِّهْنِ. وَأَمَّا الطَّبِيعِيُّ: فَقَدْ يَقُولُونَ إِنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ، فَإِذَا قُلْنَا: هَذَا الْإِنْسَانُ، فَفِيهِ الْإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ لَكِنْ يُقَالُ: هُوَ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ لَكِنْ (¬4) بِقَيْدِ التَّعْيِينِ وَالتَّخْصِيصِ لَا بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ، وَلَا مُطْلَقًا لَا ¬

(¬1) ن، م: كُلٌّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) أ، ب، ن، م: لِأَنَّ الْمَنْطِقِيَّ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬4) لَكِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

بِشَرْطٍ، فَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ مُطْلَقٌ لَا بِشَرْطٍ وَلَا مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، بَلْ إِنَّمَا فِيهِ الْمُعَيَّنُ الْمُخَصَّصُ، فَالَّذِي (¬1) يُقَدِّرُهُ الذِّهْنُ مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ التَّقْيِيدِ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ بِشَرْطِ التَّقْيِيدِ. وَهَؤُلَاءِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مَا فِي الْأَذْهَانِ بِمَا فِي الْأَعْيَانِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَّا مِنْ غَلَطِ الْمَنْطِقِيِّينَ مَا هُوَ سَبَبُ الضَّلَالِ فِي الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ كَاعْتِقَادِ الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْعَقْلِ أُمُورًا مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. [وَهَؤُلَاءِ الْمَنْطِقِيُّونَ الْإِلَهِيُّونَ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ الْكُلِّيَّاتِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، فَيُوجَدُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ مَا يَظْهَرُ بِهِ خَطَأُ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ، فَإِنَّ اللَّهَ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ وَفَسَادِ الْفِطْرَةِ عَارِضٌ، فَقَلَّ مَنْ يُوجَدُ لَهُ (¬2) كَلَامٌ فَاسِدٌ إِلَّا وَفِي كَلَامِهِ مَا يُبَيِّنُ فَسَادَ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ وَيَظْهَرُ بِهِ تَنَاقُضُهُ.] (¬3) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى تَوْحِيدِ هَؤُلَاءِ (¬4) الْفَلَاسِفَةِ. وَهَؤُلَاءِ أَصَابَهُمْ فِي لَفْظِ الْوَاجِبِ مَا أَصَابَ الْمُعْتَزِلَةَ فِي لَفْظِ الْقَدِيمِ، فَقَالُوا: الْوَاجِبُ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا، فَلَا يَكُونُ لَهُ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ، كَمَا قَالَ أُولَئِكَ: لَا يَكُونُ الْقَدِيمُ إِلَّا وَاحِدًا، فَلَا يَكُونُ لَهُ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ (¬5) . وَبِهَذَا وَغَيْرِهِ ظَهَرَ الزَّلَلُ فِي كَلَامِ مُتَأَخِّرِي الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ خَلَطُوا الْكَلَامَ ¬

(¬1) ن، م: وَالَّذِي. (¬2) أ: فِيهِ، ب: مِنْهُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) ن، م: وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى هَؤُلَاءِ. (¬5) بَعْدَ كَلِمَةِ " ثُبُوتِيَّةٌ " يُوجَدُ فِي نُسْخَتَيْ (ن) ، (م) كَلَامٌ مُعَادٌ.

الكلام على دليل التمانع عند المتكلمين

بِالْفَلْسَفَةِ كَمَا ظَهَرَ أَيْضًا الْغَلَطُ فِي كَلَامِ مَنْ خَلَطَ التَّصَوُّفَ بِالْفَلْسَفَةِ، كَصَاحِبِ " مِشْكَاةِ الْأَنْوَارِ " وَ " الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا " (¬1) وَأَمْثَالِ ذَلِكَ (¬2) مِمَّا قَدْ بُسِطَ (¬3) الْكَلَامُ عَلَيْهَا (¬4) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. [الكلام على دليل التمانع عند المتكلمين] حَتَّى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى تَقْرِيرِ مُتَقَدِّمِيهِمْ لِدَلِيلِ التَّوْحِيدِ، وَهُوَ دَلِيلُ التَّمَانُعِ وَاسْتَشْكَلُوهُ. وَأُولَئِكَ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا [الدَّلِيلَ هُوَ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} . وَلَيْسَ الْأَمْرُ.] (¬5) كَذَلِكَ بَلْ أُولَئِكَ قَصَّرُوا فِي مَعْرِفَةِ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَهَؤُلَاءِ قَصَّرُوا فِي مَعْرِفَةِ كَلَامِ (¬6) أُولَئِكَ الْمُقَصِّرِينَ، فَلَمَّا قَصَّرُوا (¬7) فِي مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) عَدَلُوا (¬9) إِلَى مَا أَوْرَثَهُمُ الشَّكَّ وَالْحَيْرَةَ وَالضَّلَالَ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، لَكِنْ نُنَبِّهُ (¬10) عَلَيْهِ هُنَا. وَذَلِكَ أَنَّ دَلِيلَ التَّمَانُعِ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا إِذَا أَرَادَ أَمْرًا (¬11) وَأَرَادَ الْآخَرُ خِلَافَهُ، مِثْلَ أَنْ ¬

(¬1) وَهُوَ الْغَزَّالِيُّ. (¬2) أ، ب: وَغَيْرِ ذَلِكَ. (¬3) ع: بَسَطْنَا. (¬4) أ، ب: عَلَيْهِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) كَلَامِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ: فِيمَا قَصَّرُوا ب: كَمَا قَصَّرُوا. (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: وَعَدَلُوا. (¬10) م: وَلَكِنْ نُنَبِّهُ، ع: لَكِنْ نَبَّهْنَا. (¬11) أ: صَانِعَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا، ب: صَانِعَانِ أَرَادَ أَحَدَهُمَا أَمْرًا.

يُرِيدَ أَحَدُهُمَا إِطْلَاعَ (¬1) الشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقِهَا، وَيُرِيدَ الْآخَرُ إِطْلَاعَهَا مِنْ مَغْرِبِهَا [أَوْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى] (¬2) . امْتَنَعَ أَنْ يَحْصُلَ مُرَادُهُمَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَيَلْزَمُ إِمَّا (¬3) أَنْ لَا يَحْصُلَ مُرَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا رَبًّا (¬4) (5 وَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ 5) (¬5) فَيَكُونُ الَّذِي حَصَلَ مُرَادُهُ هُوَ الرَّبُّ دُونَ الْآخَرِ. وَقَدْ يُقَرَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ (¬6) : إِذَا أَرَادَ مَا لَا يَخْلُو الْمَحَلُّ عَنْهُمَا، مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمَا تَحْرِيكَ جِسْمٍ وَيُرِيدَ الْآخَرُ تَسْكِينَهُ، امْتَنَعَ حُصُولُ مُرَادِهِمَا، (7 وَامْتَنَعَ عَدَمُ مُرَادِهِمَا 7) (¬7) جَمِيعًا ; لِأَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَحْصُلَ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَكُونُ هُوَ الرَّبَّ. وَعَلَى هَذَا سُؤَالٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَتَّفِقَ الْإِرَادَتَانِ فَلَا يُفْضِي إِلَى الِاخْتِلَافِ. وَقَدْ أَجَابَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ عَارَضَهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ (¬8) كَمَا قَدْ (¬9) بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَمْ يَهْتَدِ هَؤُلَاءِ إِلَى تَقْرِيرِ الْقُدَمَاءِ، كَالْأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَغَيْرِهِمْ. ¬

(¬1) أ، ب: طُلُوعَ. (¬2) أَوْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ع) : إِطْلَاعَهَا مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى (¬3) إِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬4) أفَقَطْ: مِنْهَا رَبًّا دُونَ الْآخَرِ. (¬5) (5 - 5) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م: ذَلِكَ مَا يُقَالُ. (¬7) (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬8) ن، م: عَارَضَهُ فِيهَا غَيْرُهُ. (¬9) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ع) .

فَإِنَّ هَؤُلَاءِ عَلِمُوا أَنَّ وُجُوبَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِرَادَةِ يَسْتَلْزِمُ عَجْزَ كُلٍّ مِنْهُمَا، [كَمَا أَنَّ تَمَانُعَهُمَا يَسْتَلْزِمُ عَجْزَ كُلٍّ مِنْهُمَا] ، (¬1) فَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ هَذَا التَّقْرِيرِ (¬2) ; لِأَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ (¬3) فَرْضَ اثْنَيْنِ يَقْتَضِي عَجْزَ كُلٍّ مِنْهُمَا. فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُمْكِنُهُ مُخَالَفَةُ الْآخَرِ، كَانَ ذَلِكَ أَظْهَرَ فِي عَجْزِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ بَيَّنَ ذَلِكَ، كَمَا بَيَّنُوا (¬4) أَيْضًا امْتِنَاعَ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: إِذَا فُرِضَ رَبَّانِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرًا بِنَفْسِهِ أَوْ لَا يَكُونَ قَادِرًا إِلَّا بِالْآخَرِ. [فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا إِلَّا بِالْآخَرِ] (¬5) ، كَانَ هَذَا مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ مُقْتَضِيًا لِلدَّوْرِ فِي الْعِلَلِ وَالْفَاعِلِينَ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ (* كُلٌّ مِنْهُمَا جَعَلَ الْآخَرَ قَادِرًا، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فَاعِلًا حَتَّى يَكُونَ الْآخَرُ (¬6) قَادِرًا، فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا جَعَلَ الْآخَرَ قَادِرًا فَقَدْ جَعَلَهُ فَاعِلًا، وَلَا يَكُونُ *) (¬7) كُلٌّ مِنْهُمَا جَعَلَ الْآخَرَ رَبًّا (¬8) ; لِأَنَّ الرَّبَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا (¬9) ، فَيَكُونُ هَذَا جَعَلَ هَذَا قَادِرًا فَاعِلًا رَبًّا وَكَذَلِكَ الْآخَرُ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب، ن، م: التَّقْدِيرِ. (¬3) ن، م: لِأَنَّ مَقْصُودَهُ كَانَ أَنَّهُ كَانَ. (¬4) ن، م: ذَلِكَ فَأَثْبَتُوا. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) الْآخَرُ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ع: وَيَكُونُ مِنْهُمَا جَعَلَ الْآخَرَ رَبًّا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ب فَقَطْ: قَادِرًا رَبًّا.

وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي الرَّبَّيْنِ الْوَاجِبَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا الْقَدِيمَيْنِ ; لِأَنَّ هَذَا (¬1) لَا يَكُونُ قَادِرًا (¬2) رَبًّا فَاعِلًا حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْآخَرُ. فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا مَوْجُودًا حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ مَوْجُودًا. وَهَذَا مُمْتَنِعٌ بِالضَّرُورَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلُ بِالْإِشَارَةِ (¬3) إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الدَّوْرَ الْقَبْلِيَّ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، كَالدَّوْرِ فِي الْفَاعِلِينَ وَالْعِلَلِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الشَّيْئَيْنِ عِلَّةً لِلْآخَرِ وَفَاعِلًا لَهُ، أَوْ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ وَالْفَاعِلِ. فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَكُونُ قَادِرًا أَوْ فَاعِلًا إِلَّا بِالْآخَرِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا عِلَّةً فَاعِلَةً، أَوْ عِلَّةً (¬4) لِتَمَامِ مَا بِهِ يَصِيرُ (¬5) الْآخَرُ قَادِرًا فَاعِلًا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بِالضَّرُورَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، فَلَزِمَ أَنَّ الرَّبَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا بِنَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ قَادِرًا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ إِرَادَةُ خِلَافِ مَا يُرِيدُ الْآخَرُ (¬6) أَمْكَنَ اخْتِلَافُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُرِيدَ إِلَّا مَا يُرِيدُهُ الْآخَرُ (¬7) لَزِمَ الْعَجْزُ. فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُرِيدَ وَيَفْعَلَ إِلَّا مَا يُرِيدُهُ الْآخَرُ وَيَفْعَلُ (¬8) ، لَزِمَ عَجْزُ كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ هَذَا (¬9) أَيْضًا مُمْتَنِعٌ لِنَفْسِهِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ [هَذَا لَا يَقْدِرُ حَتَّى يَقْدِرَ هَذَا، كَانَ] (¬10) ذَلِكَ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ. [فَإِذَا كَانَ هَذَا ¬

(¬1) أ، ب: هُنَا. (¬2) قَادِرًا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) . (¬3) ع: كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إِذَا قِيلَ بِالْإِشَارَةِ. . . . .، ن: كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا قِيلَ بِالْإِشَارَةِ. . . . (¬4) ن، م: وَعِلَّةً. (¬5) ع، م: مَا يَصِيرُ بِهِ. (¬6) أ، ب: إِرَادَةُ غَيْرِ مُرَادِ الْآخَرِ. (¬7) أ، ب: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِلَّا مَا يُرِيدُ الْآخَرُ. (¬8) ن، م: وَيَفْعَلُهُ. (¬9) ن، م: هُوَ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

لَا يَكُونُ مُمْكِنًا إِلَّا بِتَمْكِينِ الْآخَرِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: لَا يَكُونُ قَادِرًا إِلَّا بِإِقْدَارِ الْآخَرِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمَانِعُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الِانْفِرَادِ هُوَ الْآخَرُ، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعًا مَمْنُوعًا، وَهَذَا (¬1) لَا يَكُونُ مَانِعًا إِلَّا إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَنْعِ وَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنَ الْفِعْلِ، فَقُدْرَتُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا أَوْلَى، فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَكُونُ فَاعِلًا (¬2) حَتَّى يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ، وَإِذَا (¬3) كَانَ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْهُ، فَامْتَنَعَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعًا مَمْنُوعًا، (¬4) وَذَلِكَ لَازِمٌ لِوُجُوبِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْفِعْلِ، فَعُلِمَ امْتِنَاعُ وُجُوبِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْفِعْلِ، وَثَبَتَ إِمْكَانُ اخْتِلَافِهِمَا] (¬5) فَمَتَى فُرِضَ لُزُومُ اتِّفَاقِهِمَا (¬6) كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ (¬7) هَذَا فِي الْمَخْلُوقِينَ ; لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَهُمْ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ غَيْرِهِمَا. فَإِذَا قِيلَ: لَا يَقْدِرُ هَذَا حَتَّى يَقْدِرَ هَذَا، كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثَالِثٌ (¬8) يَجْعَلُهُمَا قَادِرَيْنِ، وَمِنْ هُنَا أَمْكَنَ الْمَخْلُوقُ أَنْ يُعَاوِنَ الْمَخْلُوقَ، وَامْتَنَعَتِ الْمُعَاوَنَةُ عَلَى خَالِقَيْنِ (¬9) ; لِأَنَّ الْمَخْلُوقَيْنِ الْمُتَعَاوِنَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُدْرَةٌ ¬

(¬1) ع: وَهُوَ. (¬2) ع: مَانِعًا. (¬3) أ، ب: فَإِذَا. (¬4) ع: مَانِعًا وَمَمْنُوعًا. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن: أَفْعَالِهِمَا، م: أَحَدِهِمَا. (¬7) أ: يَكُنْ، ب: يَكُونُ. (¬8) ع: كَانَ يُمْكِنُ هُنَاكَ ثَالِثٌ، م: كَانَ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثَالِثٌ، أ: كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَالِثًا، ب: كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَالِثٌ. (¬9) أ، ب: الْخَالِقَيْنِ.

مِنْ غَيْرِ الْآخَرِ أَعَانَهُ بِهَا وَجَعَلَهُ بِهَا قَادِرًا ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ قَبْلَ إِعَانَةِ الْآخَرِ لَهُ قُدْرَةٌ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا زَادَتْ قُوَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِقُوَّةِ الْآخَرِ، بِمَنْزِلَةِ الْيَدَيْنِ اللَّتَيْنِ ضُمَّتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ لَهَا (¬1) قُوَّةٌ، وَبِالِاجْتِمَاعِ زَادَتْ قُوَّتُهُمَا ; لِأَنَّ هَذَا زَادَ ذَلِكَ تَقْوِيَةً وَذَاكَ زَادَ هَذَا تَقْوِيَةً (¬2) فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعْطِيًا لِلْآخَرِ وَآخِذًا مِنْهُ فَزَادَتْ (¬3) الْقُوَّةُ بِالِاجْتِمَاعِ. وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي الْخَالِقَيْنِ؛ [فَإِنَّ قُدْرَةَ الْخَالِقِ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَفَادَةً مِنْ غَيْرِهِ] (¬4) ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِنْ كَانَ قَادِرًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ أَمْكَنَهُ (¬5) أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي فِعْلِهِ مُعَاوَنَةُ الْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَفْعَلَ مَا يُرِيدُهُ الْآخَرُ (¬6) أَوْ مَا يُرِيدُ خِلَافَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ امْتَنَعَ أَنْ يَحْصُلَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لَهُمَا قُوَّةٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الدَّوْرِ ; لِأَنَّ هَذَا لَا يَقْدِرُ حَتَّى يَقْدِرَ ذَاكَ، وَلَا يَقْدِرُ ذَاكَ حَتَّى يَقْدِرَ هَذَا، وَلَيْسَ هُنَا ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا يَجْعَلُهُمَا قَادِرَيْنِ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمَا. وَالْمَخْلُوقَانِ اللَّذَانِ لَا قُدْرَةَ (¬7) لَهُمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَا يَحْصُلُ (¬8) لَهُمَا قُدْرَةٌ عِنْدَ ¬

(¬1) أ، ب: لَهُ. (¬2) أ، ب: لِأَنَّ هَذَا زَادَ ذَلِكَ بِقُوَّتِهِ وَذَاكَ زَادَ هَذَا بِقُوَّتِهِ، ن، م: لِأَنَّ هَذَا زَادَ ذَاكَ وَذَاكَ زَادَ هَذَا بِقُوَّتِهِ. (¬3) ن: وَزَادَتْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: قَادِرًا عِنْدَ الْآخَرِ إِذَا أَمْكَنَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) أ، ع، ن، م: مَا لَا يُرِيدُهُ الْآخَرُ. (¬7) ن، م: لَا مَقْدِرَةَ. (¬8) ن، م: وَلَا يَحْصُلُ.

الِاجْتِمَاعِ إِلَّا مِنْ غَيْرِهِمَا. وَالْخَالِقَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا ثَالِثٌ يُعْطِيهِمَا قُدْرَةً، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا قَادِرَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ. (* وَإِذَا قِيلَ: أَحَدُهُمَا يَقْدِرُ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ (¬1) لَمْ يَكُنْ قَادِرًا إِلَّا بِمُوَافَقَتِهِ، وَإِذَا قِيلَ: يَقْدِرُ عَلَى *) (¬2) مَا لَا يُخَالِفُهُ الْآخَرُ فِيهِ (¬3) كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعًا لِلْآخَرِ مِنْ مَقْدُورِهِ فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَادِرًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْعَ هَذَا لِذَاكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، وَمَنْعَ ذَاكَ لِهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، فَيَلْزَمُ (¬4) أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرًا حَالَ التَّمَانُعِ، وَهُوَ حَالُ الْمُخَالَفَةِ، فَيَكُونَانِ قَادِرَيْنِ عِنْدَ الِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ. وَأَيْضًا فَلَا يَكُونُ هَذَا مَمْنُوعًا حَتَّى يَمْنَعَهُ الْآخَرُ وَبِالْعَكْسِ (¬5) ، فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعًا [إِلَّا بِمَنْعِ الْآخَرِ.] (¬6) . وَأَيْضًا فَيَكُونُ هَذَا مَانِعًا لِذَاكَ، وَذَاكَ مَانِعًا لِهَذَا، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعًا مَمْنُوعًا، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَهَذِهِ الْوُجُوهُ وَغَيْرُهَا (¬7) مِمَّا يُبَيِّنُ (¬8) امْتِنَاعَ رَبَّيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعَاوِنٌ لِلْآخَرِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعٌ لِلْآخَرِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرًا مُسْتَقِلًّا، ¬

(¬1) ن، م: يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْآخَرُ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) فِيهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬4) ن، م: فَلَزِمَ. (¬5) وَبِالْعَكْسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬7) بَعْدَ كَلِمَةِ " وَغَيْرُهَا " تُوجَدُ وَرَقَةٌ كَامِلَةٌ لَمْ تُصَوَّرْ مِنْ (م) وَهِيَ ظ 88، ص [0 - 9] 9. (¬8) أ: وَغَيْرُهَا يُبَيِّنُ، ب: وَغَيْرُهَا تُبَيِّنُ.

وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ اخْتِلَافُهُمَا، وَإِذَا اخْتَلَفَا لَزِمَ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَلَزِمَ عَجْزُهُمَا وَلَزِمَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ (¬1) مِنْهُمَا مَانِعًا مَمْنُوعًا. فَتَبَيَّنَ امْتِنَاعُ رَبَّيْنِ، سَوَاءٌ فُرِضَا مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ. وَأَمَّا إِذَا فُرِضَا مُسْتَقِلَّيْنِ، وَفُرِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا بِخَلْقِ الْعَالَمِ فَهَذَا أَظْهَرُ امْتِنَاعًا ; لِأَنَّ اسْتِقْلَالَ أَحَدِهِمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْآخَرُ (¬2) مُسْتَقِلًّا بِهِ؟ فَتَقْدِيرُ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَعَلَهُ كُلَّهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَعَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ مَرَّتَيْنِ. وَلِهَذَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرَانِ تَامَّانِ مُسْتَقِلَّانِ يَجْتَمِعَانِ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ. فَإِنَّ مِثَالَ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: هَذَا خَاطَ الثَّوْبَ وَحْدَهُ، وَهَذَا خَاطَ ذَلِكَ (¬3) الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ وَحْدَهُ، أَوْ أَنْ (¬4) نَقُولَ: هَذَا أَكَلَ جَمِيعَ الطَّعَامِ وَنَقُولَ: هَذَا أَكَلَ جَمِيعَ ذَاكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ. (¬5) . وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُعْرَفُ امْتِنَاعُهُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ بَعْدَ تَصَوُّرِهِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَتَصَوَّرُ هَذَا تَصَوُّرًا جَيِّدًا، بَلْ يَسْبِقُ إِلَى ذِهْنِهِ الْمُشْتَرِكَانِ مِنَ النَّاسِ فِي فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَالْمُشْتَرِكَانِ لَا يَفْعَلُ (¬6) أَحَدُهُمَا جَمِيعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا كَانَتْ قُدْرَتُهُ حَاصِلَةً بِالِاشْتِرَاكِ، بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ زَادَتْ قُدْرَتُهُ وَكَانَ كُلٌّ ¬

(¬1) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬2) الْآخَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬3) أ، ب: ذَاكَ. (¬4) أ، ب، م: وَأَنْ. (¬5) ن: وَيَقُولُ ذَاكَ أَكَلَ جَمِيعَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ. (¬6) ن، ع: لَمْ يَفْعَلْ.

مِنْهُمَا يُمْكِنُهُ حَالَ الِانْفِرَادِ (¬1) أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ وَيُرِيدَ خِلَافَ مَا يُرِيدُ الْآخَرُ، وَإِذَا أَرَادَ خِلَافَهُ فَإِنْ تَقَاوَمَتْ قُدْرَتُهُمَا تَمَانَعَا فَلَمْ يَفْعَلَا شَيْئًا، وَإِنْ قَوِيَ أَحَدُهُمَا قَهَرَ الْآخَرَ، وَإِنْ (¬2) لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا قُدْرَةٌ حَالَ الِانْفِرَادِ، لَمْ تَحْصُلْ لَهُ حَالَ الِاجْتِمَاعِ إِلَّا مِنْ غَيْرِهِمَا، مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ وُجُودٌ، بَلِ الْمَعْرُوفُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَالَ الِانْفِرَادِ قُدْرَةٌ مَا (¬3) فَتَكْمُلُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَأَيْضًا فَالْمُشْتَرِكَانِ فِي الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ (¬4) لَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ، لَا يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ (¬5) بِعَيْنِهِ مُشْتَرَكًا (¬6) فِيهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ هَذَا فَعَلَهُ وَالْآخَرُ فَعَلَهُ، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ كَمَا تَقَدَّمَ. فَلَوْ كَانَ رَبَّانِ لَكَانَ مَخْلُوقُ كُلِّ وَاحِدٍ (¬7) مِنْهُمَا مُتَمَيِّزًا عَنْ مَخْلُوقِ الْآخَرِ (¬8) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 91] فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ وُجُوبَ امْتِيَازِ الْمَفْعُولَيْنِ، وَوُجُوبَ قَهْرِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ. فَهَذِهِ الطُّرُقُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا يُبَيِّنُ (¬9) بِهَا أَئِمَّةُ النُّظَّارِ (¬10) تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهِيَ طُرُقٌ صَحِيحَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَمْ يَهْتَدِ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى مَعْرِفَةِ تَوْجِيهِهَا وَتَقْرِيرِهَا. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَالَ الِانْفِرَادِ. (¬2) ن، ع: وَإِذَا. (¬3) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ: فَالْمُشْتَرِكُ كَانَ حَالَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ، ب: فَالْمُشْتَرِكَانِ حَالَ الْفِعْلِ فِي الْمَفْعُولِ. (¬5) أ: وَاحِدٌ (¬6) مُشْتَرِكَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ع) . (¬7) وَاحِدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ع) . (¬8) أ، ب: مُمَيَّزًا عَنْ خَلْقِ الْآخَرِ. (¬9) أ: تُبَيِّنُ بِهِ، ب: تُبَيِّنُ بِهَا، ن: بَيَّنَ بِهِ. (¬10) ن: الْمُتَكَلِّمِينَ.

ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ظَنُّوا أَنَّهَا هِيَ (¬1) طُرُقُ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. بَلِ الْقُرْآنُ قَرَّرَ (¬2) فِيهِ تَوْحِيدَ الْإِلَهِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَقَرَّرَهُ أَكْمَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 91] فَهَذِهِ الْآيَةُ ذَكَرَ فِيهَا بُرْهَانَيْنِ يَقِينِيَّيْنِ عَلَى امْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ [آخَرُ] (¬3) بِقَوْلِهِ: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَا عَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَرَكَ ذِكْرَ هَذَا لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ (¬4) وَأَنَّ ذِكْرَهُ تَطْوِيلٌ (¬5) بِلَا فَائِدَةٍ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ وَطَرِيقَةُ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ الْبَلِيغِ، بَلْ وَطَرِيقَةُ (¬6) عَامَّةِ النَّاسِ فِي الْخِطَابِ، يَذْكُرُونَ الْمُقَدِّمَةَ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَيَتْرُكُونَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ. مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: لِمَ قُلْتُمْ إِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ؟ فَيُقَالُ ; لِأَنَّهُ قَدْ (¬7) صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ ¬

(¬1) هِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن: نُورٌ. (¬3) آخَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ن: وَتَرَكَ عِلْمَ ذِكْرِ هَؤُلَاءِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) أ: وَإِنْ ذَكَرَهُ تَطْوِيلًا، ب: فَكَانَ ذِكْرُهُ تَطْوِيلًا. (¬6) أ، ب، ن: بَلْ طَرِيقَةُ (¬7) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) .

حَرَامٌ "، (¬1) وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا فَلَا يُحْتَاجُ أَنْ نَذْكُرَ هَذَا. (¬2) وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 22] [أَيْ: وَمَا فَسَدَتَا، فَلَيْسَ فِيهِمَا آلِهَةٌ (¬3) إِلَّا اللَّهُ] (¬4) ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُبَيَّنَ بِالْخِطَابِ (¬5) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخِطَابِ (¬6) الْبَيَانُ، وَبَيَانُ الْبَيِّنِ قَدْ يَكُونُ مِنْ نَوْعِ الْعِيِّ، وَبَيَانُ الدَّلِيلِ قَدْ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى مُقَدِّمَةٍ وَاحِدَةٍ (¬7) وَقَدْ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى مُقَدِّمَتَيْنِ، وَإِلَى ثَلَاثٍ وَأَكْثَرَ، فَيَذْكُرُ الْمُسْتَدِلُّ (¬8) مَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ (9 دُونَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ 9) (¬9) . وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ نَظَرِيٍّ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَكْثَرَ وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ، وَإِذَا اكْتُفِيَ بِوَاحِدَةٍ قَالُوا: حُذِفَتِ ¬

(¬1) ن: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ، ع، أ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَحْيَانًا فِي كُتُبِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ". وَالْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: مُسْلِمٍ 3 - 1587 كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3 - 447 كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُسْكِرِ. سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3 - 192 كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 - 1223 كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ بَابُ كُلِّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامَ 4644، 4645، 4830، 4831، 4863، 5730، 5731، 5820، 6179، 6218. (¬2) ن، أ: فَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يُذْكَرَ هَذَا، ب: وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يُذْكَرَ هَذَا. (¬3) أ، ب: إِلَهٌ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَبَيَّنَ بِالْخِطَابِ. (¬6) ن، ع: بِالْخِطَابِ. (¬7) وَاحِدَةٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ: فَهَذَا الْمُسْتَدِلُّ. (¬9) (9 - 9) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الْأُخْرَى، وَيُسَمُّونَهُ قِيَاسَ الضَّمِيرِ، وَإِنْ كَانَ (¬1) ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا قَالُوا: هَذِهِ (¬2) قِيَاسَاتٌ لَا قِيَاسٌ وَاحِدٌ فَهَذَا مُجَرَّدُ وَضْعٍ وَدَعْوَى، لَا يَسْتَنِدُ إِلَى أَصْلٍ عَقْلِيٍّ وَلَا عَادَةٍ عَامَّةٍ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْطِقِ (¬3) وَغَيْرِهِ] (¬4) . فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 91] وَهَذَا اللَّازِمُ مُنْتَفٍ، فَانْتَفَى الْمَلْزُومُ، وَهُوَ ثُبُوتُ إِلَهٍ مَعَ اللَّهِ. وَبَيَانُ التَّلَازُمِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا بِخَلْقِ الْعَالَمِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (¬5) مُسْتَقِلٌّ بِخَلْقِ الْعَالَمِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ (¬6) فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ لِكُلِّ عَاقِلٍ، وَأَنَّ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَامْتَنَعَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لِلْآخَرِ مُعَاوِنًا لَهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ عَجْزَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْعَاجِزُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَلَا يَكُونُ لَا رَبًّا (¬7) وَلَا إِلَهًا ; لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا إِلَّا بِإِعَانَةِ الْآخَرِ، لَزِمَ عَجْزُهُ حَالَ الِانْفِرَادِ، وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا حَالَ الِاجْتِمَاعِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ دَوْرٌ قَبْلِيٌّ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ قَادِرًا حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ قَادِرًا، أَوْ حَتَّى يُعِينَهُ الْآخَرُ وَذَاكَ (¬8) ، لَا يَجْعَلُهُ قَادِرًا وَلَا ¬

(¬1) أ، ب: وَإِنْ ذَكَرَ. (¬2) أ: هَذَا. (¬3) أ، ب: وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي مَوْضِعِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْطِقِ وَغَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬5) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب، ن: كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ. (¬7) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬8) ن: وَذَلِكَ.

يُعِينُهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ قَادِرًا، وَهُوَ لَا يَكُونُ قَادِرًا حَتَّى يَجْعَلَهُ ذَاكَ أَوْ يُعِينُهُ، فَامْتَنَعَ إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَاجًا إِلَى إِعَانَةِ الْآخَرِ فِي الْفِعْلِ، أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَادِرًا، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ (¬1) مِنْهُمَا فِعْلٌ (¬2) حَالَ الِانْفِرَادِ وَحَالَ الِاجْتِمَاعِ (¬3) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ (¬4) مِنْهُمَا قَادِرًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَلَا بُدَّ إِذَا فُرِضَ مَعَهُ إِلَهٌ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرًا عِنْدَ انْفِرَادِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِعْلُ أَحَدِهِمَا إِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِفِعْلِ الْآخَرِ، بِحَيْثُ (¬5) لَا يَفْعَلُ شَيْئًا حَتَّى يَفْعَلَ الْآخَرُ فِيهِ شَيْئًا، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَادِرًا عَلَى الِانْفِرَادِ، وَعَادَ احْتِيَاجُهُمَا (¬6) فِي أَصْلِ الْفِعْلِ إِلَى التَّعَاوُنِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بِالضَّرُورَةِ. فَلَا بُدَّ أَنْ يُمْكِنَ أَحَدَهُمَا أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَفْعُولُ هَذَا مُتَمَيِّزًا (¬7) عَنْ مَفْعُولِ هَذَا، وَمَفْعُولُ هَذَا مُتَمَيِّزًا (¬8) عَنْ مَفْعُولِ هَذَا، فَيَذْهَبُ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ، هَذَا بِمَخْلُوقَاتِهِ وَهَذَا بِمَخْلُوقَاتِهِ. (¬9) . فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَخْلُوقَاتِهِ (¬10) وَهَذَا غَيْرُ ¬

(¬1) وَاحِدٍ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ع) . (¬2) فِعْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) ب فَقَطْ: وَحَالَ الِاجْتِمَاعِ فِعْلٌ. (¬4) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ع) . (¬5) أ: كَيْفَ، ب: كَأَنْ. (¬6) ع: احْتِجَاجُهُمَا. (¬7) ن: مُمَيَّزًا. (¬8) ن، أ، ب: مُمَيَّزًا. (¬9) ن: هَذَا بِمَخْلُوقِهِ وَهَذَا بِمَخْلُوقِهِ. (¬10) ن: بِمَخْلُوقِهِ.

وَاقِعٍ (¬1) ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا إِذَا فَعَلَ الْمُتَعَاوِنَانِ شَيْئًا كَانَ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا الَّذِي يَقُومُ بِهِ مُتَمَيِّزًا عَنْ فِعْلِ الْآخَرِ، وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ عَنْهُ فِي الْخَارِجِ، فَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَسْتَقِلَّ بِشَيْءٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ فِيهِ مِنْ مُعَاوِنٍ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ يَنْقَسِمُ إِلَى مُبَاشِرٍ وَغَيْرِ مُبَاشِرٍ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنْ فِعْلَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَحَلِّ قُدْرَتِهِ، فَلَيْسَ لَهُ مَفْعُولٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، (¬2) ثُمَّ إِذَا اخْتَلَطَ مَفْعُولُ هَذَا بِمَفْعُولِ هَذَا كَالْحَامِلَيْنِ لِلْخَشَبَةِ (¬3) كَانَ كُلٌّ مِنْهَا مُفْتَقِرًا إِلَى الْآخَرِ حَالَ الِاجْتِمَاعِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا قُدْرَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا (¬4) حَالَ الِانْفِرَادِ وَحَالَ الِاجْتِمَاعِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ (¬5) بِهَا فِعْلًا مُنْفَرِدًا بِهِ عَنِ الْآخَرِ وَيَمْتَازَ بِهِ عَنِ الْآخَرِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِهِ مُتَمَيِّزٌ (¬6) عَنْ فِعْلِ الْآخَرِ، فَلَا (¬7) يُتَصَوَّرُ إِلَهَانِ حَتَّى يَكُونَ مَفْعُولُ هَذَا مُتَمَيِّزًا عَنْ مَفْعُولِ ذَاكَ (¬8) فَيَذْهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَانْتَفَى الْمَلْزُومُ. ¬

(¬1) أ: وَهَذَا لَيْسَ وَاقِعٍ ; ب: وَهَذَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ. (¬2) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) عِبَارَةُ " كَالْحَامِلَيْنِ لِلْخَشَبَةِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَهِيَ فِي (أ) إِلَّا أَنَّ كَلِمَةَ كَالْحَامِلَيْنِ غَيْرُ كَامِلَةٍ. (¬4) أ، ب: تَخْتَصُّ بِهِ. (¬5) ن: أَنْ يَفْعَلَهُ. (¬6) ن: يَتَمَيَّزُ، أ: مُتَمَيِّزًا (¬7) ن: وَلَا. (¬8) ع: هَذَا.

وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 91] فَإِنَّهُ (¬1) يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ ; لِأَنَّهُمَا إِذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ، كَانَ مَفْعُولُ (¬2) كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزًا عَنْ مَفْعُولِ الْآخَرِ، وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، (¬3) وَلِأَنَّهُمَا (¬4) إِذَا كَانَا مُتَكَافِئَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ لَمْ يَفْعَلَا شَيْئًا لَا حَالَ الِاتِّفَاقِ وَلَا حَالَ الِاخْتِلَافِ، سَوَاءٌ كَانَ الِاتِّفَاقُ لَازِمًا لَهُمَا أَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ هُوَ اللَّازِمُ، أَوْ جَازَ الِاتِّفَاقُ وَجَازَ الِاخْتِلَافُ. لِأَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ لَازِمٌ لَهُمَا فَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُرِيدُ وَلَا يَفْعَلُ حَتَّى يُرِيدَ الْآخَرُ وَيَفْعَلَ، وَلَيْسَ تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ تَقَدُّمِ الْآخَرِ؛ لِتَسَاوِيهِمَا، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ إِرَادَةَ هَذَا وَفِعْلَهُ مُقَارِنٌ لِإِرَادَةِ الْآخَرِ وَفِعْلِهِ، فَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُرِيدَ وَيَفْعَلَ إِلَّا مَعَ الْآخَرِ، فَتَكُونَ إِرَادَتُهُ وَفِعْلُهُ مَشْرُوطَةً بِإِرَادَةِ الْآخَرِ وَفِعْلِهِ، فَيَكُونُ بِدُونِ ذَلِكَ عَاجِزًا عَنِ الْإِرَادَةِ وَالْفِعْلِ، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَاجِزًا حَالَ الِانْفِرَادِ، وَيَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَا قَادِرَيْنِ حَالَ الِاجْتِمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِذَا (¬5) كَانَ الِاخْتِلَافُ لَازِمًا لَهُمَا امْتَنَعَ مَعَ تَسَاوِيهِمَا أَنْ يَفْعَلَا شَيْئًا ; لِأَنَّ هَذَا يَمْنَعُ هَذَا وَهَذَا يَمْنَعُ هَذَا لِتَكَافُؤِ الْقُدْرَتَيْنِ، فَلَا يَفْعَلَانِ شَيْئًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ امْتِنَاعَ أَحَدِهِمَا مَشْرُوطٌ بِمَنْعِ الْآخَرِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مَمْنُوعًا ¬

(¬1) أ: فَإِنَّمَا، ب، ع: فَإِنَّهُمَا. (¬2) ن: فِعْلُ. (¬3) عِبَارَةُ " كَمَا تَقَدَّمَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ب: لِأَنَّهُمَا. (¬5) ن، ع: وَإِنْ.

حَتَّى يَمْنَعَهُ ذَاكَ، (¬1) وَلَا يَكُونُ ذَاكَ مَمْنُوعًا حَتَّى يَمْنَعَهُ هَذَا، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعًا مَمْنُوعًا وَهَذَا مُمْتَنِعٌ. وَلِأَنَّ زَوَالَ قُدْرَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَالَ التَّمَانُعِ إِنَّمَا هِيَ بِقُدْرَةِ الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَتْ قُدْرَةُ هَذَا لَا تَزُولُ حَتَّى تُزِيلَهَا قُدْرَةُ ذَاكَ، وَقُدْرَةُ ذَاكَ لَا تَزُولُ حَتَّى تُزِيلَهَا قُدْرَةُ هَذَا، (¬2) فَلَا تَزُولُ وَاحِدَةٌ مِنَ الْقُدْرَتَيْنِ فَيَكُونَانِ قَادِرَيْنِ. وَكَوْنُهُمَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْفِعْلِ مُطِيقَيْنِ (¬3) ، فِي حَالِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَمْنُوعًا بِالْآخَرِ عَنِ الْفِعْلِ عَاجِزًا عَنْهُ بِمَنْعِ (¬4) الْآخَرِ لَهُ مُحَالٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَأَمَّا إِذَا قُدِّرَ إِمْكَانُ اتِّفَاقِهِمَا وَإِمْكَانُ اخْتِلَافِهِمَا، كَانَ تَخْصِيصُ (¬5) الِاتِّفَاقِ بِدُونِ الِاخْتِلَافِ وَتَخْصِيصُ الِاخْتِلَافِ بِدُونِ الِاتِّفَاقِ مُحْتَاجًا (¬6) إِلَى مَنْ يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا مُرَجِّحَ (¬7) إِلَّا هُمَا، وَتَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ مُحَالٌ، وَتَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ هُوَ اتِّفَاقٌ فَيَفْتَقِرُ تَخْصِيصُهُ إِلَى مُرَجِّحٍ آخَرَ، فَيَلْزَمُ (¬8) التَّسَلْسُلُ فِي الْعِلَلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَأَيْضًا فَاتِّفَاقُهُمَا فِي نَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي نَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ، سَوَاءٌ قُدِّرَ لَازِمًا أَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ; لِأَنَّهُمَا إِذَا اتَّفَقَا لَمْ يُمْكِنْ أَحَدَهُمَا حَالَ الِاتِّفَاقِ أَنْ يَفْعَلَ إِلَّا ¬

(¬1) ع: ذَلِكَ. (¬2) أ: حَتَّى يُزِيلَهَا هَذَا. (¬3) ن، ع: مُطْلَقَيْنِ. (¬4) أ، ب: فَمَنَعَ، ن: يَمْنَعُ. (¬5) أ: كَانَ يُخَصَّصُ، ب: فَإِنَّ تَخْصِيصَ. (¬6) ب فَقَطْ: مُحْتَاجٌ. (¬7) ن: وَلَا يَرْجِعُ. (¬8) ن: وَيَلْزَمُ.

أَنْ يَفْعَلَ الْآخَرُ مَعَهُ، (¬1) فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ الِاتِّفَاقِ عَاجِزًا عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ (¬2) . وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ الِاتِّفَاقِ عَاجِزًا عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ كَانَ عَاجِزًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ (¬3) ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ (¬4) عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، كَانَ عَاجِزًا أَيْضًا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَالنَّاسُ الْمُتَشَارِكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ (¬5) لَا بُدَّ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنِ الْآخَرِ بِفِعْلٍ حَالَ الِاشْتِرَاكِ، فَإِنَّ الْحَرَكَةَ الَّتِي يَفْعَلُهَا أَحَدُهُمَا يَسْتَقِلُّ بِهَا دُونَ الْآخَرِ حَالَ تَمَكُّنِهِ، وَكَذَلِكَ يُمْكِنُهُ (¬6) حَالَ الِانْفِرَادِ أَنْ يُؤَثِّرَ أَثَرًا دُونَ الْآخَرِ (¬7) فَيَمْتَنِعُ اتِّفَاقُ اثْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فِي مَخْلُوقٍ أَوْ خَالِقٍ سَوَاءٌ كَانَ الِاتِّفَاقُ لَازِمًا أَوْ مُمْكِنًا. [وَإِنْ قُدِّرَ فِي الْمَخْلُوقَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ قَادِرَيْنِ إِلَّا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ فَذَلِكَ ; لِأَنَّ هُنَاكَ ثَالِثًا غَيْرَهُمَا (¬8) يَجْعَلُ لَهُمَا قُوَّةً عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَهُنَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْخَالِقِ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ فَوْقَهُ مَنْ يَجْعَلُهُ قَادِرًا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُمَا مَنْ يَجْعَلُ لَهُمَا قُوَّةً عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ دُونَ الِانْفِرَادِ، إِذْ كُلُّ مَا سِوَاهُمَا مَخْلُوقٌ (¬9) ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ الْخَالِقَ قَادِرًا.] (¬10) . ¬

(¬1) أ، ب: إِلَّا بِفِعْلِ الْآخَرِ. (¬2) ن: شَيْءٌ مُسْتَقِلٌّ. (¬3) ع: عَنِ الِانْفِرَادِ بِهِ. (¬4) ع: عَنِ الِانْفِرَادِ. (¬5) ن: الْمُشَارِكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا. (¬6) عِبَارَةُ " وَكَذَلِكَ يُمْكِنُهُ "، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) . (¬7) ع: أَنْ يُؤَثِّرُوا دُونَ الْآخَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ع: لِأَنَّهُ هُنَاكَ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا، أ: لِأَنَّ هُنَاكَ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا. (¬9) أ: وَإِنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، ب: وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُمَا مَخْلُوقٌ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

وَأَمَّا امْتِنَاعُ اخْتِلَافِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فَهُوَ أَظْهَرُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ يَحْصُلُ التَّمَانُعُ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي كَيْفَمَا عَبَّرْتَ عَنْهَا تَجِدْهَا مَعَانِيَ صَحِيحَةً: يَمْتَنِعُ وُجُودُ اثْنَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرًا عِنْدَ انْفِرَادِهِ، وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَادِرًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ كَانَ (¬1) لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِعْلٌ وَمَفْعُولٌ يَخْتَصُّ بِهِ مُنْفَرِدًا عَنِ الْآخَرِ، فَلَا يَكُونَانِ مُتَّفِقَيْنِ فِي كُلِّ فِعْلٍ وَكُلِّ (¬2) مَفْعُولٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّفِقَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ أَصْلًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْحَادِثَ لَا يَكُونُ مَا يَقُومُ بِأَحَدِهِمَا نَفْسُ مَا يَقُومُ بِالْآخَرِ (¬3) ، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ. وَالْمَخْلُوقُ الْمُنْفَصِلُ لَا يَكُونُ نَفْسُ أَثَرِ هَذَا فِيهِ هُوَ نَفْسُ أَثَرِ الْآخَرِ فِيهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَثَرَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُفْتَقِرًا إِلَى الْآخَرِ، فَلَا يَكُونُ قَادِرًا عِنْدَ الِانْفِرَادِ (¬4) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مَفْعُولُ هَذَا لَيْسَ هُوَ مَفْعُولَ الْآخَرِ وَلَا بِلَازِمٍ (¬5) لَهُ، فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ اتِّفَاقٌ فِي مَفْعُولٍ وَاحِدٍ أَصْلًا. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَهَابِ كُلِّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ، لَكِنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ (¬6) هَذَا أَنَّ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ (¬7) مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْآخَرِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا يُحْدِثُهُمَا (¬8) كَمَا فِي ¬

(¬1) أ، ب: عِنْدَ انْفِرَادِهِ وَكَانَ. (¬2) ن: وَلَا كُلِّ. (¬3) بِالْآخَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . (¬4) بَعْدَ كَلِمَةِ الِانْفِرَادِ تُوجَدُ عِدَّةُ أَسْطُرٍ مُعَادَةٌ فِي نُسْخَةِ (ن) . (¬5) ن: وَلَا يُلَازِمُ لَهُ، أ: وَلَا مُلَازِمَ لَهُ، ب: وَلَا مُلَازِمًا لَهُ. (¬6) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) يُحْدِثُهُمَا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي (ن) مُحْدِثُهُمَا.

الْأَجِيرَيْنِ لِمُعَلِّمٍ وَاحِدٍ، وَالْمُفْتِيَيْنِ الرَّاجِعَيْنِ إِلَى النُّصُوصِ، وَالْمُتَشَاوِرَيْنِ الرَّاجِعَيْنِ (¬1) إِلَى أَمْرٍ يُوجِبُ اجْتِمَاعَهُمَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ ثَالِثٌ يَجْمَعُهُمَا. وَأَمَّا الْخَالِقَانِ فَلَا شَيْءَ فَوْقَهُمَا. وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُمَا (¬2) يَفْعَلَانِ مَا هُوَ (¬3) الْمَصْلَحَةُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَكُلُّ (¬4) هَذِهِ الْمُحْدَثَاتُ تَابِعَةٌ لَهُمَا وَعَنْهُمَا (¬5) ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِعِلْمِهِمَا (¬6) وَقُدْرَتِهِمَا، بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يُحْدِثُ أُمُورًا بِدُونِهِ فَيُعَاوِنُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ لَهُ. وَإِذَا قِيلَ: عَلِمَا (¬7) مَا سَيَكُونُ، فَالْعِلْمُ بِالْحَادِثِ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ الْحَادِثِ، وَالْحَادِثُ (8 تَابِعٌ لِإِرَادَةِ مُحْدِثِهِ 8) (¬8) ، وَالْإِرَادَةُ تَابِعَةٌ لَهُمَا (¬9) . وَأَمَّا الْخَالِقَانِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ إِرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ لَوَازِمِ نَفْسِهِ أَوْ تَكُونَ نَفْسُهُ مُسْتَقِلَّةً بِإِرَادَتِهِ. وَحِينَئِذٍ (¬10) لَا تَكُونُ إِرَادَتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى شَرْطِ إِرَادَةِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهَا إِذَا تَوَقَّفَتْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِالْإِرَادَةِ (¬11) وَلَا كَانَتْ ¬

(¬1) الرَّاجِعَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن: أَيُّهُمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: مَا فِيهِ. (¬4) ع: وَكَّلُّ. (¬5) ن: الْمَخْلُوقَاتُ تَابِعَةٌ لِمَا عَنْهُمَا. (¬6) ع: وَلَا يَكُونُ الشَّيْءُ إِلَّا بِعِلْمِهِمَا، ن: وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِفِعْلِهِمَا. (¬7) أ، ب: الْعِلْمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) (8 - 8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: تَابِعٌ لَهُمَا. (¬10) وَحِينَئِذٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬11) ع: بِالْإِرَادَاتِ.

مِنْ لَوَازِمَ نَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا لَا يُرِيدُ وَيَفْعَلُ إِلَّا مَعَ إِرَادَةِ الْآخَرِ وَفِعْلِهِ كَانَتْ إِرَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَفِعْلِهِ جُزْءًا مِنَ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ الْآخَرِ مُرِيدًا فَاعِلًا. وَهَذَا دَوْرٌ فِي جُزْءِ الْعِلَّةِ. وَالدَّوْرُ فِي جُزْءِ الْمُقْتَضِي مُمْتَنِعٌ كَالدَّوْرِ فِي نَفْسِ الْمُقْتَضِي، وَإِذَا (¬1) جُوِّزَ فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ أَنْ يَتَلَازَمَا فَلِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ التَّامَّ لَهُمَا غَيْرُهُمَا (¬2) فَلَوْ كَانَتِ الْإِرَادَتَانِ وَالْفِعْلَانِ مُتَلَازِمَيْنِ (¬3) لَكَانَ الْمُقْتَضِي التَّامُّ لَهُمَا غَيْرَ هَذَا وَغَيْرَ هَذَا. وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، إِذْ لَا شَيْءَ فَوْقَهُمَا يَجْعَلُهُمَا كَذَلِكَ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ كُلُّ (¬4) وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرِيدًا وَلَا فَاعِلًا. وَهَذِهِ كُلُّهَا أُمُورٌ مَعْقُولَةٌ مُحَقَّقَةٌ مُبَرْهَنَةٌ، كُلَّمَا تَصَوَّرَهَا الْمُتَصَوِّرُ تَصَوُّرًا صَحِيحًا عَلِمَ صِحَّتَهَا وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَتَبَيَّنَ (¬5) أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ إِلَهَانِ مُتَكَافِئَانِ (¬6) فِي الْقُدْرَةِ لَمْ يَفْعَلَا شَيْئًا لَا حَالَ الِاتِّفَاقِ وَلَا حَالَ الِاخْتِلَافِ، فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ إِذَا قُدِّرَ إِلَهَانِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقْدَرَ مِنَ الْآخَرِ، وَالْأَقْدَرُ عَالٍ عَلَى مَنْ دُونَهُ فِي الْقُدْرَةِ بِالضَّرُورَةِ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ آلِهَةٌ لَوَجَبَ عُلُوُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، (7 وَلَوْ عَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ 7) (¬7) لَمْ ¬

(¬1) ن: فَإِذَا، ب: وَإِنَّمَا. (¬2) ن: وَالْبُنُوَّةِ أَنْ يَتَلَازَمَا فَلِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ بِهِ لَهُمَا غَيْرُهُمَا، أ: وَالْبُنُوَّةِ مُتَلَازِمَيْنِ فَلِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ التَّامَّ لَهُمَا غَيْرُهُمَا، ب: وَالْبُنُوَّةِ وَكُلِّ مُتَلَازِمَيْنِ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ التَّامَّ لَهُمَا غَيْرُهُمَا (¬3) ن: فَلَوْ كَانَتِ الْإِرَادَةُ، فَإِنَّ الْفِعْلَ مُتَلَازِمَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) كُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب: فَتَعَيَّنَ. (¬6) أ: إِلَهًا لَكَانَ مُتْكَافِيًا، ب: إِلَهَانِ وَكَانَا مُتَكَافِئَيْنِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬7) (7 - 7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

يَكُنِ (¬1) الْمُسْتَقِلُّ بِالْفِعْلِ إِلَّا الْعَالِيَ (¬2) وَحْدَهُ، فَإِنَّ الْمَقْهُورَ (¬3) إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فِي فِعْلِهِ إِلَى إِعَانَةِ الْأَوَّلِ (¬4) كَانَ عَاجِزًا بِدُونِ الْإِعَانَةِ، وَكَانَتْ قُدْرَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا (¬5) لَمْ يَكُنْ إِلَهًا بِنَفْسِهِ. وَاللَّهُ تَعَالَى (¬6) لَمْ يَجْعَلْ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ إِلَهًا (¬7) ، (8 فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْهُورُ (¬8) إِلَهًا 8) (¬9) ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْهُورُ يَسْتَقِلُّ بِفِعْلٍ (¬10) بِدُونِ الْإِعَانَةِ مِنَ الْعَالِي (¬11) لَمْ يُمْكِنِ الْعَالِي (¬12) إِذًا أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِهِ، فَيَكُونُ الْعَالِي عَاجِزًا عَنْ مَنْعِ الْمَقْهُورِ، فَلَا يَكُونُ عَالِيًا، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ عَالٍ. هَذَا خُلْفٌ، وَهُوَ (¬13) جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَعَ عُلُوِّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لَا يَكُونُ الْمَغْلُوبُ إِلَهًا بِوَجْهٍ، بَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا مَعَ إِعَانَةِ الْآخَرِ لَهُ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا مُنْفَرِدًا غَنِيًّا عَنِ الْآخَرِ، إِذْ كَانَ الْغَنِيُّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَعْلُو غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَدِّرُ (¬14) أَنْ ¬

(¬1) أ: لَمْ يَكُنْ ; ب: وَلَمْ يَكُنْ. (¬2) ن: الْأَعْلَى. (¬3) أ: فَإِنَّ فُلَانَ الْمَقْهُورَ، ب: فَإِنَّ الثَّانِيَ الْمَقْهُورَ. (¬4) ن: إِذْ كَانَ وَحْدَهُ يَحْتَاجُ فِعْلُهُ إِلَى إِعَانَةِ الْأَوَّلِ. (¬5) عِنْدَ عِبَارَةِ " وَمَا كَانَ هَكَذَا "، تَعُودُ نُسْخَةُ (م) . (¬6) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: لَمْ يَجْعَلْ إِلَهًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ. (¬8) الْمَقْهُورُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬9) (8 - 8) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬10) أ: وَإِنْ كَانَ الْمَقْهُورُ مُسْتَقِلٌّ بِفِعْلٍ، ب: وَإِنْ كَانَ الْمَقْهُورُ مُسْتَقِلًّا يَفْعَلُ. (¬11) ن، ع: بِدُونِ إِعَانَةِ الْعَالِي، م: دُونَ إِرَادَةِ الْعَالِي. (¬12) أ: لَمْ يَكُنِ الْعَالِي، ب: لَمْ يَكُنْ لِلْعَالِي. (¬13) أ، ب: وَهَذَا. (¬14) ن، م: إِذْ لَوْ كَانَ الْغَنِيُّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَعْلُو غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَدِّرُ، أ: إِذَا كَانَ الْغَنِيُّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَعْلُو غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَدِّرُ، ب: إِذَا الْغَنِيُّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يُقَدِّرُ.

يَعْلُوَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، [وَمَتَى قَدَّرَ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِ (¬1) كَانَ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ (¬2) مُحْتَاجًا إِلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ عُلُوِّهِ عَلَيْهِ، وَانْكِفَافِهِ عَنْ ذَلِكَ الْعُلُوِّ، وَمَنْ غَلَبَهُ غَيْرُهُ (¬3) لَا يَكُونُ عَزِيزًا مَنِيعًا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَدْفَعُ عَنْ غَيْرِهِ؟ . وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَزَّ يَعَزُّ بِالْفَتْحِ (¬4) إِذَا قَوِيَ وَصَلُبَ (¬5) ، وَعَزَّ يَعِزُّ بِالْكَسْرِ (¬6) إِذَا امْتَنَعَ، وَعَزَّ يَعُزُّ بِالضَّمِّ (¬7) إِذَا غَلَبَ، فَإِذَا (¬8) قَوِيَتِ الْحَرَكَةُ قَوِيَ الْمَعْنَى، وَالضَّمُّ أَقْوَى مِنَ الْكَسْرِ، وَالْكَسْرُ أَقْوَى مِنَ الْفَتْحِ. فَإِذَا كَانَ مَغْلُوبًا (¬9) لَمْ يَكُنْ مَنِيعًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَنِيعًا (¬10) لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَمَنْ لَا يَكُونُ قَوِيًّا لَا يَكُونُ (¬11) رَبًّا فَاعِلًا. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ لَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا تَبَيَّنَ (¬12) أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ. وَهَذَا (¬13) بَعْضُ تَقْرِيرِ الْبُرْهَانَيْنِ (¬14) اللَّذَيْنِ فِي الْقُرْآنِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّكَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (أ) : وَمَتَى إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَفِي (ب) : وَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، وَفِي (م) : وَلَا يُقَدِّرُ أَنْ يَعْلُوَ عَلَيْهِ. (¬2) أ، ب: فَقِيرًا إِلَيْهِ. (¬3) ن، م: وَانْكِفَافِهِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الِامْتِنَاعِ وَمَنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) بِالْفَتْحِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: وَغَلَبَ. (¬6) بِالْكَسْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) بِالضَّمِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م، ع: إِذَا. (¬9) ن، م مَعْلُومًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) ن، م: مُمْتَنِعًا. (¬11) أ، ب: لَمْ يَكُنْ. (¬12) ن، ع: كَمَا بَيَّنَ. (¬13) ع: فَهَذَا. (¬14) ن: الزَّمَانَيْنِ.

لَا تَجِدُ فِي الْوُجُودِ شَرِيكَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُمَا ثَالِثٌ يَرْجِعَانِ إِلَيْهِ، فَإِذَا قُدِّرَ مَلِكَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي الْمُلْكِ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا (¬1) يَرْجِعَانِ إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا. بَلْ إِذَا قُدِّرَ طَبَّاخَانِ (¬2) لِقِدْرٍ وَاحِدَةٍ (¬3) مُتَكَافِئَانِ فِي الْعَمَلِ، لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، وَلَا فَوْقَهُمَا ثَالِثٌ يَرْجِعَانِ إِلَيْهِ، لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ (¬4) . وَكَذَلِكَ الْبَانِيَانِ لِدَارٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْغَارِسَانِ لِشَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ آمِرَيْنِ بِمَأْمُورٍ وَاحِدٍ (¬5) كَالطَّبِيبَيْنِ وَالْمُفْتِيَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطَانِ لِثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمُشَارَكَاتِ اتِّفَاقُ اثْنَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ، وَأَنْ يَكُونَ (¬6) لَهُمَا ثَالِثٌ فَوْقَهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ (¬7) مِنْهُمَا إِذَا كَانَ مَشْرُوطًا بِفِعْلِ الْآخَرِ لَمْ يَرِدْ هَذَا وَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى يُرِيدَ هَذَا وَيَأْمُرَ وَيَفْعَلَ الْآخَرُ (¬8) كَذَلِكَ، فَلَا يُرِيدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا يَأْمُرُ وَلَا يَفْعَلُ، فَلَا (¬9) يَفْعَلَانِ شَيْئًا. فَاشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ لَيْسَ فَوْقَهُمَا ثَالِثٌ مُمْتَنِعٌ، وَإِذَا اشْتَرَكَ شَرِيكَانِ ¬

(¬1) ن، م: وَلَا لَهُمَا ثَالِثٌ. (¬2) م: طَيَّافَانَ، ب: صَانِعَانِ، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (أ) . (¬3) ن، م: وَاحِدٍ. (¬4) ن، م، أ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. (¬5) م: آمِرٍ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، ن: آمِرَيْنِ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، أ: آمِرَيْنِ بِمَا هُوَ وَاحِدٌ، ب: آمِرَيْنِ لِمَأْمُورٍ وَاحِدٍ. (¬6) ب فَقَطْ: أَوْ يَكُونَ. (¬7) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) الْآخَرُ: كَذَا فِي (أ) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَالْآخَرُ. (¬9) ع: وَلَا.

شَرْعِيَّانِ (¬1) كَانَ مَا يَفْعَلَانِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ رَاجِعًا إِلَى أَمْرِ (¬2) الشَّارِعِ الَّذِي هُوَ (¬3) فَوْقَهُمَا، أَوْ رَاجِعًا (¬4) إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالتِّجَارَةِ الَّتِي اشْتَرَكَا فِيهَا، فَعَلَيْهِمَا أَنْ يُرِيدَا (¬5) ذَلِكَ، فَإِنْ (¬6) تَنَازَعَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا الشَّارِعُ أَوْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ الَّذِينَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَرْجِعَا إِلَيْهِمْ (¬7) وَعَلَى ذَلِكَ تَشَارَكَا وَتَشَارَطَا. وَأَمَّا إِنْ (¬8) لَمْ يَرْجِعَا إِلَى ثَالِثٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ (¬9) أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ اشْتِرَاكُهُمَا، لَكِنْ قَدْ يَرْجِعُ هَذَا إِلَى هَذَا تَارَةً، وَهَذَا إِلَى هَذَا تَارَةً كَالْمُتَعَارِضَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ (¬10) مِنْهُمَا حَالَ رُجُوعِ الْآخَرِ إِلَيْهِ (¬11) هُوَ الْأَصْلُ، وَالْآخَرُ فَرْعٌ لَهُ. وَلِهَذَا وَجَبَ نَصْبُ الْإِمَارَةِ فِي أَقْصَرِ مُدَّةٍ وَأَقَلِّ اجْتِمَاعٍ، كَمَا قَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ أَنْ يَكُونُوا (¬12) فِي سَفَرٍ حَتَّى يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» ". رَوَاهُ الْإِمَامُ (¬13) أَحْمَدُ (¬14) فَإِنَّ الرَّأْسَ (¬15) ضَرُورِيٌّ فِي الِاجْتِمَاعِ. ¬

(¬1) أ: شَرِيكَيْنِ عَنَانٍ ; ب: شَرِيكَانِ شَرِكَةَ عَنَانٍ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ شَرْعِيَّانِ مِنْ (ع) . (¬2) أَمْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، ع: وَرَاجِعًا، م: وَرَاجِعَانِ. (¬5) ب فَقَطْ: أَنْ يُدِيرَا، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ. (¬6) ن، م، ع: فَإِذَا. (¬7) ن فَقَطْ: إِلَيْهِمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م، ع: إِذَا. (¬9) ن، م، ع: وَلَا يَكُونُ. (¬10) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬11) ن، م: لَهُ. (¬12) ن: لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ، م: لِثَلَاثَةٍ أَنْ يَكُونُونَ، ع: لِثَلَاثَةٍ يَكُونُوا. (¬13) الْإِمَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬14) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1 - 527 - 528. (¬15) ن: التَّرَأُّسَ، م: التَّأَمُّرَ.

فَلَا بُدَّ (¬1) لِلنَّاسِ مِنْ رَأْسٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْسٌ امْتَنَعَ الِاجْتِمَاعُ، فَإِذَا كَانَ لَهُمَا رَأْسَانِ مُتَكَافِئَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي رِيَاسَةِ جَمَاعَةٍ بَطَلَ الِاجْتِمَاعُ. وَهَذَا مِمَّا هُوَ مُسْتَقِرٌّ (¬2) فِي فِطَرِ النَّاسِ كُلِّهِمْ. فَإِذَا كَانَ وُلَاةُ الْأَمْرِ اثْنَيْنِ، فَلَابُدَ أَنْ يَتَنَاوَبَا (¬3) فِي الْأَمْرِ بِحَيْثُ يُطِيعُ هَذَا هَذَا (¬4) تَارَةً، وَهَذَا هَذَا (¬5) تَارَةً، كَمَا يُوجَدُ فِي أَعْوَانِ الْمُلُوكِ وَوُزَرَائِهِمْ، إِذَا بَدَأَ هَذَا بِأَمْرٍ (¬6) أَعَانَهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ (¬7) لَمْ يَتَّفِقَا رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى مَنْ فَوْقَهُمَا، وَإِلَّا فَالْأَمْرُ الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنِ اثْنَيْنِ مَعًا إِلَّا أَنْ يَكُونَا تَابِعَيْنِ فِيهِ لِثَالِثٍ. فَالتَّمَانُعُ حَاصِلٌ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ الْمُتَكَافِئَيْنِ، سَوَاءٌ قُدِّرَ (¬8) اتِّفَاقُهُمَا أَوِ اخْتِلَافُهُمَا، وَلَكِنَّ التَّمَانُعَ مَعَ الِاخْتِلَافِ أَظْهَرُ، وَكَذَلِكَ هُمَا يَتَمَانَعَانِ (¬9) مَعَ الِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُمْكِنُهُ (¬10) أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى يَفْعَلَ الْآخَرُ، (10 وَذَاكَ لَا يُمْكِنُهُ حَتَّى يَفْعَلَ الْآخَرُ 10) (¬11) وَلَيْسَ لَهُمَا ثَالِثٌ يُحَرِّكُهُمَا إِلَى الْفِعْلِ، وَلَيْسَ تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ تَقَدُّمِ الْآخَرِ، وَوُقُوعُ الْفِعْلِ مِنْهُمَا مَعَ كَوْنِ (¬12) فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ (¬13) ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ إِلَّا ¬

(¬1) ن، م: لَا بُدَّ. (¬2) ع: مِمَّا اسْتَقَرَّ. (¬3) ن، م: يَتَقَارَبَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) أ، ب: لِهَذَا. (¬5) أ، ب: لِهَذَا. (¬6) ن، م: إِذَا ابْتَدَا، ن: اقْتَدَا أَحَدُهُمَا بِأَمْرٍ. (¬7) ع، م: وَإِذَا، ن: وَإِنْ. (¬8) قُدِّرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ: مُمَانِعَانِ، ب: مُتَمَانِعَانِ. (¬10) أ، ب: لَا يُمْكِنُ. (¬11) (10 - 10) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬12) كَوْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬13) عَلَيْهِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

بِالْآخَرِ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقْدِرُ حَتَّى يُعِينَهُ الْآخَرُ، وَهَذَا لَا يَقْدِرُ حَتَّى يُعِينَهُ الْآخَرُ، فَتَكُونُ إِعَانَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا سَابِقَةً (¬1) مَسْبُوقَةً [وَقُدْرَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا سَابِقَةً مَسْبُوقَةً.] (¬2) إِذْ كَانَ لَا إِعَانَةَ لِهَذَا إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، (¬3) وَلَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا بِإِعَانَةِ ذَاكَ، وَلَا إِعَانَةَ لِذَاكَ إِلَّا بِقُدْرَتِهِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا بِإِعَانَةِ هَذَا، (* فَتَكُونُ إِعَانَةُ هَذَا مَوْقُوفَةً عَلَى قُدْرَتِهِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى إِعَانَةِ ذَاكَ، الْمَوْقُوفَةِ عَلَى قُدْرَةِ هَذَا *) (¬4) ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ قَبْلَ قَبْلَ قَبْلَ نَفْسِهِ وَعِلَّةَ عِلَّةِ عِلَّةِ نَفْسِهِ. فَتَبَيَّنَ امْتِنَاعُ اجْتِمَاعِ رَبَّيْنِ مُتَوَافِقَيْنِ أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ، وَأَنَّهُ إِذَا فُرِضَ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ (¬5) لَزِمَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ، وَأَنْ يَعْلُوَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَأَحَدُ الْبُرْهَانَيْنِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْآخَرِ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ إِلَهٍ آخَرَ، لَيْسَ اللَّازِمُ أَحَدُهُمَا، فَإِنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ الِاشْتِرَاكُ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ وَمَفْعُولٍ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَعَلَى سَبِيلِ التَّعَاوُنِ، لَزِمَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ. وَلَمَّا امْتَنَعَ اجْتِمَاعُ رَبَّيْنِ (¬6) مُتَكَافِئَيْنِ لَزِمَ عُلُوُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ ; لِأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ (¬7) ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْهُورَ لَيْسَتْ قُدْرَتُهُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ مَرْبُوبًا لَا رَبًّا. ¬

(¬1) ن: سَتَافِيَةً، م: مُنَافِيَةً، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: إِلَّا بِقُدْرَةِ هَذَا. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ع) ، وَالْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ فِي (م) : عَلَى إِعَانَةِ هَذَا. (¬5) ن، م، ع: آلِهَةٌ. (¬6) ن، م: اثْنَيْنِ. (¬7) ن: مُرْتَبِطٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، م: مُرْتَبِطٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.

وَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِهَذَا التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ (¬1) نَفْيُ خَالِقَيْنِ، لَمْ يَكُنْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ تُنَازِعُ (¬2) فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ لَهُمْ (¬3) : {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 17] فَكَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ (¬4) آلِهَتَهُمْ لَا تَخْلُقُ. وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ [تَعَالَى هَذَا] (¬5) التَّقْرِيرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ - قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ - قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ - بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ - مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} عَالِمِ {الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 84 - 92] وَلَمْ يَكُنْ إِشْرَاكُهُمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوهُمْ خَالِقِينَ، بَلْ أَنْ جَعَلُوهُمْ وَسَائِطَ فِي الْعِبَادَةِ فَاتَّخَذُوهُمْ شُفَعَاءَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: (¬6) {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي ¬

(¬1) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: تَتَنَازَعُ. (¬3) ن، م، ع: وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى. (¬4) أ، ب: فَكَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) عَنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ع) .

السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 18] . فَالَّذِينَ أَثْبَتُوا فَاعِلًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ اللَّهِ كَالْفَلَكِ وَالْآدَمِيِّينَ وَجَعَلُوا هَذِهِ الْحَرَكَاتِ الْحَادِثَةَ (¬1) لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ - فِيهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّعْطِيلِ مَا لَيْسَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَإِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ وَأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 42] فَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: [إِنَّهُمْ] (¬2) وَسَائِلُ وَوَسَائِطُ وَشُفَعَاءُ، لَمْ يَكُونُوا (¬3) يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يَخْلُقُونَ كَخَلْقِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 56، 57] . فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا يُدْعَى مِنْ دُونِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ يُبْتَغَى بِهِ (¬4) الْوَسِيلَةُ إِلَى اللَّهِ وَالتَّقَرُّبُ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ الْحَقُّ الَّذِي كُلُّ مَا سِوَاهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ رَبُّهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا مِنْهُ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إِلَهُهُ لَا مُنْتَهَى لِإِرَادَتِهِ (¬5) دُونَهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ (¬6) الْمَعْبُودَ لَفَسَدَ ¬

(¬1) ن: الْجَارِيَةَ. (¬2) إِنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن، م: مَا كَانُوا. (¬4) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬5) أ، ب: وَمِنْ جِهَتِهِ وَأَنَّ إَلِهَهُ لَا يَنْتَهِي لِإِرَادَتِهِ، ن، م: وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إِلَهٌ لَا مُنْتَهَى لِإِرَادَتِهِ. (¬6) ن، م: هَذَا.

الْعَالَمُ، إِذْ لَوْ (¬1) كَانَتِ الْإِرَادَاتُ لَيْسَ لَهَا مُرَادٌ لِذَاتِهِ (¬2) وَالْمُرَادُ إِمَّا لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ لِغَيْرِهِ (¬3) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُرَادًا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى مُرَادٍ لِنَفْسِهِ. فَكَمَا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ التَّسَلْسُلُ فِي الْعِلَلِ الْفَاعِلِيَّةِ، فَيَمْتَنِعُ (¬4) التَّسَلْسُلُ فِي الْعِلَلِ الْغَائِيَّةِ. وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَثْبَتَ قُدَمَاءُ الْفَلَاسِفَةِ - أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ - الْأَوَّلَ (¬5) لَكِنَّهُمْ أَثْبَتُوهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ (¬6) عِلَّةً غَائِيَّةً فَقَطْ، لَكِنَّ أُولَئِكَ جَعَلُوهُ عِلَّةً غَائِيَّةً بِمَعْنَى التَّشَبُّهِ بِهِ (¬7) ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: الْفَلْسَفَةُ هِيَ التَّشَبُّهُ (¬8) بِالْإِلَهِ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، لَمْ يَجْعَلُوهُ مَعْبُودًا مَحْبُوبًا لِذَاتِهِ كَمَا جَاءَتِ الرُّسُلُ بِذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ تَعَبَّدَ وَتَصَوَّفَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ يَقَعُونَ فِي دَعْوَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ (¬9) ، وَهُمْ فِي نَوْعٍ مِنَ الْفِرْعَوْنِيَّةِ، بَلْ قَدْ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ فِرْعَوْنَ وَيُفَضِّلُونَهُ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬10) كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ. ¬

(¬1) لَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: لَيْسَتْ لَهُ مُرَادَةٌ لِذَاتِهِ، ن، م: لَيْسَ لَهَا مُرَادًا لِذَاتِهِ. (¬3) عِبَارَةُ " وَالْمُرَادُ لِغَيْرِهِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: يَمْتَنِعُ. (¬5) ب فَقَطْ: الْإِلَهَ. (¬6) أ، ب: لِكَوْنِهِ. (¬7) أ، ب: التَّشْبِيهِ بِهِ. (¬8) أ: كَمَا يَقُولُونَ الْفَلَاسِفَةُ هُوَ التَّشْبِيهُ، ب: كَمَا يَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ هُوَ التَّشْبِيهُ، ع: كَمَا يَقُولُونَ: الْفَلْسَفَةُ مِنَ التَّشْبِيهِ. (¬9) ن، م، ع: الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ. (¬10) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .

وَالْوَاجِبُ إِثْبَاتُ الْأَمْرَيْنِ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا كَانَتِ الْحَرَكَاتُ الْإِرَادِيَّةُ لَا تَقُومُ إِلَّا بِمُرَادٍ لِذَاتِهِ، (1 وَبِدُونِ ذَلِكَ يَفْسُدُ (¬1) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِذَاتِهِ إِلَّا اللَّهُ 1) (¬2) ، كَمَا لَا يَكُونُ مَوْجُودًا بِذَاتِهِ إِلَّا اللَّهُ - عُلِمَ (¬3) أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهِ لَفَسَدَتَا. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا بَيَانُ أَنَّهُ (¬4) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (¬5) ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ غَيْرُهُ لَفَسَدَتَا. وَتِلْكَ الْآيَةُ (¬6) قَالَ فِيهَا: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 91] . وَوَجْهُ بَيَانِ لُزُومِ الْفَسَادِ أَنَّهُ إِذَا (¬7) قُدِّرَ مُدَبِّرَانِ، (8 مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ 8) (¬8) يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَا غَيْرَ مُتَكَافَئَيْنِ؛ لِكَوْنِ الْمَقْهُورِ مَرْبُوبًا لَا رَبًّا وَإِذَا كَانَا مُتَكَافِئَيْنِ امْتَنَعَ التَّدْبِيرُ مِنْهُمَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِلَافِ، فَيَفْسُدُ الْعَالَمُ بِعَدَمِ (¬9) التَّدْبِيرِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ، وَلَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا (¬10) مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِ الرُّبُوبِيَّةِ لِاثْنَيْنِ (¬11) ، وَيَلْزَمُ مِنِ امْتِنَاعِهِمَا (¬12) امْتِنَاعُ ¬

(¬1) أ: وَبِذَلِكَ يَفْسُدُ، ب: وَبِذَلِكَ يَقْصِدُ، م: وَبِذَلِكَ يَفْتِكُ. (¬2) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬3) أ، ب: فَعُلِمَ. (¬4) ب، ع: أَنْ. (¬5) ن، م: إِلَّا هُوَ. (¬6) الْآيَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ب فَقَطْ: فِيمَا إِذَا. (¬8) (8 - 8) : سَاقِطٌ مِنْ (ع) . (¬9) ن، م: لِعَدَمِ. (¬10) ن، م: فَهَذَا. (¬11) أ: لَا يَتَبَيَّنُ، ب: لِغَيْرِ اللَّهِ. (¬12) أ: وَيَلْزَمُ امْتِنَاعُهَا، ب: وَيَلْزَمُ مِنِ امْتِنَاعِهَا.

الْإِلَهِيَّةِ (¬1) فَإِنَّ مَا لَا يَفْعَلُ شَيْئًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَبًّا (¬2) يُعْبَدُ وَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ؛ وَلِهَذَا بَيَّنَ اللَّهُ امْتِنَاعَ الْإِلَهِيَّةِ (¬3) لِغَيْرِهِ تَارَةً بِبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَالِقٍ، وَتَارَةً (¬4) أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ لَنَا (¬5) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 4] . وَذَلِكَ لِأَنَّ (¬6) عِبَادَةَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى (¬7) قَدْ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ (¬8) ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 45] وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ امْتِنَاعِ الْأُلُوهِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْفَسَادِ النَّاشِئِ عَنْ (¬9) عِبَادَةِ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ لَا صَلَاحَ لِلْخَلْقِ إِلَّا بِالْمَعْبُودِ الْمُرَادِ لِذَاتِهِ، مِنْ جِهَةِ غَايَةِ أَفْعَالِهِمْ وَنِهَايَةِ حَرَكَاتِهِمْ، وَمَا سِوَى اللَّهِ ¬

(¬1) ن، م: الْأُلُوهِيَّةِ. (¬2) يَكُونُ رَبًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ع) . (¬3) ن، م: الْأُلُوهِيَّةِ. (¬4) أ، ب: بِخَالِقٍ وَتَارَةً بِأَنَّهُ، ن: بِخَالِقٍ زِيَادَةٌ أَنَّهُ، م: بِخَالِقٍ وَتَارَةً زِيَادَةٌ أَنَّهُ. (¬5) لَنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: بِأَنَّ. (¬7) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) ن، م: مِنَ الْمَصْلَحَةِ. (¬9) ن: وَالنَّاشِئِ عَنْ ; م: وَالنَّاشِئِ مِنْ.

لَا يَصْلُحُ، فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا مَعْبُودٌ غَيْرُهُ لَفَسَدَتَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ الْمَحْبُوبُ لِذَاتِهِ، كَمَا أَنَّهُ هُوَ الرَّبُّ خَالِقٌ بِمَشِيئَتِهِ. [وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ» : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ ] (¬1) ؛ وَلِهَذَا قَالَ: اللَّهُ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَقَدَّمَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى اسْمِ (¬2) الرَّبِّ فِي أَوَّلِهَا حَيْثُ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَالْمَعْبُودُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْمَطْلُوبُ الْمَحْبُوبُ لِذَاتِهِ، وَهُوَ الْغَايَةُ وَالْمُعِينُ (¬3) ، وَهُوَ الْبَارِئُ الْمُبْدِعُ الْخَالِقُ، وَمِنْهُ ابْتِدَاءُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْغَايَاتُ تُحَصَّلُ بِالْبِدَايَاتِ، وَالْبِدَايَاتُ (¬4) بِطَلَبِ (¬5) الْغَايَاتِ، فَالْإِلَهِيَّةُ هِيَ الْغَايَةُ (¬6) ، وَبِهَا تَتَعَلَّقُ حِكْمَتُهُ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ لِذَاتِهِ أَنْ يُعْبَدَ (¬7) وَيُحَبَّ وَيُحْمَدَ وَيُمَجَّدَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَحْمَدُ نَفْسَهُ، وَيُثْنِي عَلَى نَفْسِهِ، وَيُمَجِّدُ نَفْسَهُ، وَلَا أَحَدَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ حَامِدًا وَمَحْمُودًا. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّطْرُ الثَّانِي مِنَ الْبَيْتِ فِي (ع) ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 5 - 42، 43 كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ 8 - 35 كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ، مُسْلِمٍ 4 - 1768، 1769 كِتَابَ الشِّعْرِ، الْأَحَادِيثَ 1 - 6، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 - 1236، كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ الشِّعْرِ، الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 13 - 110، 17/141، 19/18، 120 (¬2) ن: اسْمَهُ اللَّهَ عَلَى اسْمِهِ. م: اسْمَ اللَّهِ عَلَى اسْمِهِ. (¬3) أ، ب: وَالْمَعْنَى. (¬4) وَالْبِدَايَاتُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، ع: تَطْلُبُ. (¬6) ن، م: وَالْإِلَهِيَّةُ هِيَ الْعَالِيَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) أَنْ يُعْبَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (أ) : أَنْ نَعْبُدَهُ.

التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون

وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مِنْ جَعَلَ عِبَادَ اللَّهِ (¬1) كَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ (¬2) فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ. [التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ] وَأَمَّا جَوَابُهُ (¬3) عَنِ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (¬4) : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 59 - 96] بِأَنَّ (¬5) الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَصْنَامُ، فَلَا نُنَازِعُهُ (¬6) فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَصْنَامُ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. وَ " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمُرَادُ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ فَهُوَ ضَعِيفٌ (¬7) ، فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ قَالَ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 95 - 96] فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْحُوتِ وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ. وَالتَّقْدِيرُ (¬8) وَاللَّهُ خَلَقَ الْعَابِدَ وَالْمَعْبُودَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاللَّهُ خَلْقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي ذَمَّهَمْ عَلَى الشِّرْكِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ إِقَامَةُ عُذْرٍ لَهُمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وَاوُ ¬

(¬1) أ، ب: عِبَادَةَ اللَّهِ. (¬2) أ، ب: الْمَلِكِ. (¬3) أ، ب: وَأَمَّا الْجَوَابُ، وَالْكَلَامُ هُنَا عَنِ الرَّافِضِيِّ ابْنِ الْمُطَهَّرِ. (¬4) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: فَإِنَّ. (¬6) م: فَلَا مُنَازَعَةَ. (¬7) ن، م: وَهُوَ ضَعِيفٌ. (¬8) ن، م: فَالتَّقْدِيرُ.

الْحَالِ. وَالْحَالُ هُنَا شِبْهُ الظَّرْفِ، كِلَاهُمَا قَدْ يَتَضَمَّنُ (¬1) مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَمَا يُقَالُ: أَتَذُمُّ فَلَانًا (¬2) وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَتُسِيءُ إِلَيْهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (¬3) إِلَيْكَ؟ فَتَقَرَّرَ بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ ذَمَّهُ وَنَهْيَهُ عَمَّا أَنْكَرْتَهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ مَا يَنْحِتُونَ، فَذَكَرَ (¬4) قَوْلَهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} مُتَضَمِّنًا مَا يُوجِبُ ذَمَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَنَهْيَهُمْ عَنْهُ، وَذَلِكَ كَوْنُ اللَّهِ تَعَالَى خَلَقَ مَعْمُولَهُمْ، وَلَوْ أُرِيدَ وَاللَّهُ خَلْقَكُمْ وَعَمَلَكُمُ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ وَغَيْرُهُ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُنَاسِبُ ذَمَّهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيَانِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَفْعَالِ عِبَادِهِ مَا يُوجِبُ ذَمَّهُمْ عَلَى الشِّرْكِ] (¬5) . لَكِنْ يُقَالُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ ; لِأَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهُ خَلْقَكُمْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ، وَالْأَصْنَامُ كَانُوا يَنْحِتُونَهَا، فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خَلْقَهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ وَالْعَمَلِ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ذِكْرُ كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْمَعْمُولُ الْمَنْحُوتُ. لَكِنَّ الْمَخْلُوقَ مَا لَمْ يُعْمَلْ وَلَمْ يُنْحَتْ. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَلْقَهَا بَعْدَ (¬6) الْعَمَلِ وَالنَّحْتِ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّحْتَ الَّذِي فِيهَا هُوَ أَثَرُهُمْ وَعَمَلُهُمْ (¬7) . ¬

(¬1) أ، ب: وَكِلَاهُمَا يَتَضَمَّنُ. (¬2) أ، ب: أَيُذَمُّ فُلَانٌ. (¬3) ع: يُحْسِنُ. (¬4) أ، ب: وَذَكَرَ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: بِهَذَا. (¬7) أ: النَّحْتُ الَّذِي هُوَ أَثَرُهُمْ وَعِلْمُهُمْ، ب: النَّحْتُ هُوَ أَثَرُهُمْ وَعَمَلُهُمْ، م، ن، ع: النَّحْتُ الَّذِي فِيهَا أَثَرُهُمْ وَعَمَلُهُمْ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

وَعِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ عَنْ فِعْلِ الْعَبْدِ فِعْلُهُ لَا فِعْلَ اللَّهِ، فَيَكُونُ هَذَا النَّحْتُ وَالتَّصْوِيرُ فِعْلُهُمْ لَا فِعْلَ اللَّهِ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا بِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْوِيرِ وَالنَّحْتِ، ثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقُ مَا تَوَلَّدَ عَنْ (¬1) فِعْلِهِمْ [وَالْمُتَوَلِّدُ لَازِمٌ لِلْفِعْلِ (¬2) الْمُبَاشِرِ وَمَلْزُومٌ لَهُ، وَخَلْقُ أَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ يَسْتَلْزِمُ خَلْقَ الْآخَرِ، فَدَلَّتِ (¬3) الْآيَةُ أَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمُ الْقَائِمَةِ بِهِمْ، وَخَالِقُ مَا تَوَلَّدَ عَنْهَا، وَخَالِقُ الْأَعْيَانِ الَّتِي قَامَ بِهَا الْمُتَوَلِّدُ (¬4) ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُتَلَازِمَيْنِ عَنِ (¬5) الرَّبِّ وَالْآخَرُ عَنْ (¬6) غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ افْتِقَارُهُ إِلَى غَيْرِهِ.] (¬7) . وَأَيْضًا فَنَفْسُ حَرَكَاتِهِمْ تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (¬8) : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ} ، فَإِنَّ أَعْرَاضَهُمْ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى أَسْمَائِهِمْ، فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ بِجَمِيعِ أَعْرَاضِهِ، وَحَرَكَاتُهُ مِنْ أَعْرَاضِهِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَ أَعْمَالَهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ} وَمَا تَوَلَّدَ (¬9) عَنْهَا ¬

(¬1) أ، ب: مِنْ. (¬2) أ، ب: لِفِعْلِ. (¬3) ع: فَثَبَتَ أَنَّ. (¬4) ب فَقَطْ: التَّوَلُّدُ. (¬5) ع: مِنْ. (¬6) ع: مِنْ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: وَأَمَّا نَفْسُ حَرَكَاتِهِمْ فَدَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ. (¬9) ن، م: وَخَلَقَ مَا تَوَلَّدَ.

مِنَ النَّحْتِ وَالتَّصْوِيرِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَعْمَلُونَ} فَثَبَتَ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ خَالِقُ هَذَا وَهَذَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. مَعَ أَنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى خَلْقِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ كَثِيرَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا (¬1) [لَكِنَّ خَلْقَهُ لِلْمَصْنُوعَاتِ (¬2) مِثْلَ الْفُلْكِ وَالْأَبْنِيَةِ وَاللِّبَاسِ هُوَ نَظِيرُ خَلْقِ الْمَنْحُوتَاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ - وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [سُورَةُ يس: 41، 42] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 81]] (¬3) . ¬

(¬1) ن، م، ع: عَلَيْهِ. (¬2) أ، ب: الْمَصْنُوعَاتِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ع) بَعْدَ ذَلِكَ عِبَارَةُ: " وَاللَّهُ أَعْلَمُ "، وَهُنَا تَنْتَهِي نُسْخَةُ (ع) ، وَكُتِبَ بَعْدَ عِبَارَةِ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ " مَا يَلِي: آخِرُ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي نَقْضِ كَلَامِ الشِّيَعِ الْقَدَرِيَّةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، أَنْهَاهُ كِتَابَةً الْعَبْدُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ الْبَعْلِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَكُتِبَ فِي سَابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي حِجَّةٍ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى خَاتِمَتَهَا بِخَيْرٍ فِي عَافِيَةٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ.

فصل كلام الرافضي على إثبات الأشاعرة لرؤية الله تعالى والرد عليه

[فصل كلام الرافضي على إثبات الأشاعرة لرؤية الله تعالى والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : وَذَهَبَتِ (¬2) الْأَشَاعِرَةُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى (¬3) بِالْعَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ مُجَرَّدٌ مِنَ الْجِهَاتِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (¬4) : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 103] وَخَالَفُوا الضَّرُورَةَ مِنْ أَنَّ الْمُدْرَكَ (¬5) بِالْعَيْنِ يَكُونُ مُقَابِلًا أَوْ فِي حُكْمِهِ، وَخَالَفُوا جَمِيعَ الْعُقَلَاءِ فِي ذَلِكَ، وَذَهَبُوا إِلَى تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَيْدِينَا جِبَالٌ شَاهِقَةٌ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ لَا (¬6) نُشَاهِدُهَا، وَأَصْوَاتٌ (¬7) هَائِلَةٌ لَا نَسْمَعُهَا، وَعَسَاكِرُ مُخْتَلِفَةٌ مُتَحَارِبَةٌ بِأَنْوَاعِ الْأَسْلِحَةِ، بِحَيْثُ تُمَاسُّ (¬8) أَجْسَامُنَا أَجْسَامَهُمْ (¬9) ، لَا (¬10) نُشَاهِدُ صُوَرَهُمْ وَلَا حَرَكَاتِهِمْ (¬11) ، وَلَا نَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمُ الْهَائِلَةَ، وَأَنْ نُشَاهِدَ ¬

(¬1) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 2 (م) . (¬2) ن، م: وَذَهَبَ. (¬3) ك: اللَّهُ تَعَالَى مَرْئِيٌّ. (¬4) ن: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى، م: وَقَالَ تَعَالَى. (¬5) أ: الضَّرُورَةَ فَقَالُوا: إِنَّ الْمُدْرَكَ، ب: الضَّرُورَةَ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ. (¬6) ب فَقَطْ: وَلَا. (¬7) ن: وَأَلْوَانٌ وَأَصْوَاتٌ. (¬8) أ، ب: يَمَسُّ، ك: يُمَاسُّ. (¬9) ن، أ، ب: أَجْسَادَهُمْ. (¬10) ب فَقَطْ: وَلَا. (¬11) أ، م، ن: وَحَرَكَاتِهِمْ.

جِسْمًا أَصْغَرَ الْأَجْسَامِ كَالذَّرَّةِ فِي الْمَشْرِقِ وَنَحْنُ فِي الْمَغْرِبِ، مَعَ كَثْرَةِ الْحَائِلِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا، وَهَذَا هُوَ السَّفْسَطَةُ (¬1) . فَيُقَالُ لَهُ: (¬2) الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: أَمَّا (¬3) إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَبْصَارِ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ قَوْلُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، وَجَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ تَوَاتَرَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَجُمْهُورُ الْقَائِلِينَ بِالرُّؤْيَةِ يَقُولُونَ: يُرَى عِيَانًا مُوَاجَهَةً، كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْعَقْلِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ - عَزَّ وَجَلَّ (¬4) - يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ (¬5) لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ.» " وَفِي لَفْظٍ (¬6) : " «كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ صَحْوًا» "، وَفِي لَفْظٍ: " «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ صَحْوًا لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ (¬7) رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» (¬8) . ¬

(¬1) ك: وَهَذَا عَيْنُ السَّفْسَطَةِ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ: إِنَّ. (¬4) عَزَّ وَجَلَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) وَالْقَمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) م: وَفِي رِوَايَةٍ. (¬7) م: سَتَرَوْنَ. (¬8) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ 2/325.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَقْدِيرُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلرُّؤْيَةِ (¬1) أَخْطَأُوا فِي بَعْضِ أَحْكَامِهَا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّا لَا نَدَّعِي الْعِصْمَةَ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا نَدَّعِي أَنَّهُمْ لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالرَّافِضَةُ (¬2) فَالصَّوَابُ فِيهَا مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَحَيْثُ تُصِيبُ الرَّافِضَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى الصَّوَابِ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلِلرَّوَافِضِ خَطَأٌ (¬3) لَا يُوَافِقُهُمْ أَحَدٌ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ لِلرَّافِضَةِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُوَافِقُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ انْفَرَدُوا بِهَا عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (¬4) إِلَّا وَهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهَا (¬5) كَإِمَامَةِ الْإِثْنَيْ عَشَرَ (¬6) وَعِصْمَتِهِمْ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يُرَى (¬7) بِلَا مُقَابَلَةٍ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنِ اللَّهَ لَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ، فَلَمَّا كَانُوا مُثْبِتِينَ لِلرُّؤْيَةِ نَافِينَ لِلْعُلُوِّ احْتَاجُوا إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ قَوْلَهُمْ كُلِّهِمْ (¬8) بَلْ وَلَا قَوْلَ أَئِمَّتِهِمْ، بَلْ أَئِمَّةُ الْقَوْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ بِذَاتِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا نَفَاهُ ¬

(¬1) لِلرُّؤْيَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: اخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالرَّافِضَةُ. (¬3) أ: وَلِلرَّافِضَةِ خَطَأٌ، ب: وَلَيْسَ لِلرَّافِضَةِ خَطَأٌ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ب فَقَطْ: فِيهِ. (¬6) أ، ب: اثْنَيْ عَشَرَ. (¬7) ن، م: إِنَّهُ يُرَى. (¬8) أ، ب: قَوْلَ كُلِّهِمْ.

لِمُوَافَقَتِهِ (¬1) الْمُعْتَزِلَةَ فِي نَفْيِ ذَلِكَ وَنَفْيِ مَلْزُومَاتِهِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا وَافَقُوهُمْ عَلَى صِحَّةِ الدَّلِيلِ الَّذِي اسْتَدَلَّتْ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ، وَهُوَ أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو عَنِ (* الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَمَا لَا يَخْلُو عَنْهُمَا فَهُوَ حَادِثٌ، لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. قَالُوا: فَيَلْزَمُ حُدُوثُ كُلِّ جِسْمٍ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ *) (¬2) الْبَارِئُ جِسْمًا ; لِأَنَّهُ قَدِيمٌ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْجِهَةِ إِلَّا جِسْمٌ (¬3) ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلًا لِلرَّائِي ; لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ جِسْمَيْنِ (¬4) . وَلَا رَيْبَ أَنَّ جُمْهُورَ (¬5) الْعُقَلَاءِ مِنْ مُثْبِتِي الرُّؤْيَةِ وَنُفَاتِهَا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَعْلُومٌ الْفَسَادَ بِالضَّرُورَةِ؛ وَلِهَذَا يَذْكُرُ الرَّازِيُّ أَنَّ جَمِيعَ فِرَقِ الْأُمَّةِ تُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ. لَكِنْ هُمْ يَقُولُونَ لِهَذَا الْمُشَنِّعِ عَلَيْهِمْ: نَحْنُ أَثْبَتْنَا الرُّؤْيَةَ وَنَفَيْنَا الْجِهَةَ، فَلَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرْتَهُ (¬6) ، فَإِنْ أَمْكَنَ رُؤْيَةُ الْمَرْئِيِّ (¬7) لَا فِي جِهَةٍ مِنَ الرَّائِي صَحَّ قَوْلُنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَ خَطَؤُنَا فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ: إِمَّا فِي نَفْيِ (¬8) الرُّؤْيَةِ وَإِمَّا فِي نَفْيِ مُبَايَنَةِ اللَّهِ لِخَلْقِهِ وَعُلُوِّهِ عَلَيْهِمْ. ¬

(¬1) أ، ن، م: لِمُوَافَقَتِهِمْ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) أ، ب: الْجِسْمُ. (¬4) ن: إِلَّا مِنْ جِسْمَيْنِ، م: لَا يَكُونُ بَيْنَ جِسْمَيْنِ. (¬5) جُمْهُورَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: فَلَزِمَ مَا ذَكَرْتَهُ. (¬7) أ، ب: الرَّائِي، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) أ، ب: ثُبُوتِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وَإِذَا لَزِمَ الْخَطَأُ فِي إِحْدَاهُمَا، لَمْ يَتَعَيَّنِ الْخَطَأُ فِي نَفْيِ الرُّؤْيَةِ، بَلْ يَجُوزُ (¬1) أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ فِي نَفْيِ الْعُلُوِّ وَالْمُبَايَنَةِ، وَلَيْسَتْ مُوَافَقَتُنَا لَكَ حُجَّةً (¬2) لَكَ، فَلَيْسَ تُنَاقُضُنَا دَلِيلًا عَلَى صَوَابِ قَوْلِكَ فِي نَفْيِ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، بَلِ الرُّؤْيَةُ ثَابِتَةٌ بِالنُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ (¬3) وَإِجِمَاعِ السَّلَفِ، مَعَ دَلَالَةِ الْعَقْلِ عَلَيْهَا. وَحِينَئِذٍ فَلَازَمُ الْحَقِّ حَقٌّ. وَنَحْنُ إِذَا أَثْبَتْنَا هَذَا الْحَقَّ وَنَفَيْنَا بَعْضَ لَوَازِمِهِ، كَانَ هَذَا (¬4) التَّنَاقُضُ أَهْوَنَ مِنْ نَفْيِ الْحَقِّ (¬5) وَلَوَازِمِهِ. وَأَنْتُمْ نَفَيْتُمُ الرُّؤْيَةَ وَنَفَيْتُمُ الْعُلُوَّ وَالْمُبَايَنَةَ، فَكَانَ (¬6) قَوْلُكُمْ أَبْعَدَ عَنِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِنَا، وَقَوْلُنَا أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِكُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِنَا تَنَاقُضٌ فَالتَّنَاقُضُ فِي قَوْلِكُمْ أَكْثَرُ وَمُخَالَفَتُكُمْ (¬7) لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ (8 أَظْهَرُ، وَهَذَا بَيِّنٌ؛ فَإِنَّ مَا فِي النُّصُوصِ الْإِلَهِيَّةِ وَنُصُوصِ سَلَفِ الْأُمَّةِ 8) (¬8) مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةِ (¬9) وَعُلُوِّ اللَّهِ مُتَوَاتِرٌ (¬10) مُسْتَفِيضٌ. وَالنُّفَاةُ لَا يَسْتَنِدُونَ لَا إِلَى كِتَابٍ وَلَا إِلَى سُنَّةٍ وَلَا إِلَى ¬

(¬1) أ، ب: يَحْسَبُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ: لَكَ هُنَاكَ حُجَّةً، ب: لَكَ هُنَا حُجَّةً. (¬3) ن، م: بِالنَّصِّ الْمُسْتَفِيضِ. (¬4) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) ن فَقَطْ: الْخَلْقِ. (¬6) ن، م: كَانَ. (¬7) ب فَقَطْ: مَعَ مُخَالَفَتِكُمْ. (¬8) (8 - 8) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) م: مِنْ إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ. (¬10) أ، ب: وَعُلُوِّ اللَّهِ عَلَى الْعَرْشِ مُتَوَاتِرٌ.

إِجْمَاعٍ (¬1) بَلْ عَارَضُوا بِرَأْيِهِمُ الْفَاسِدِ (¬2) مَا تَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتْبَاعِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ (¬3) . وَأَمَّا التَّنَاقُضُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ النُّفَاةَ لِلرُّؤْيَةِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ (¬4) وَلَا مُبَايِنٌ لَهُ، وَلَا يَقْرُبُ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا يَقْرُبُ مِنْهُ (¬5) شَيْءٌ، وَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ، وَلَا يَحْجِبُ عَنْ رُؤْيَتِهِ (¬6) شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ (¬7) ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْءٌ، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ (¬8) : هَذَا مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ، وَهَذَا صِفَةُ الْمَعْلُومِ الْمَعْدُومِ الْمُمْتَنِعِ وُجُودُهُ. قَالُوا: هَذَا النَّفْيُ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: إِذَا عُرِضَ عَلَى الْعَقْلِ مَوْجُودٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ كَانَ الْعَقْلُ قَابِلًا لِهَذَا لَا يُنْكِرُهُ. فَإِذَا قِيلَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّهُ يُرَى بِلَا مُوَاجَهَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُمْكِنٌ، بَطَلَ قَوْلُهُمْ. وَإِنْ قِيلَ: هَذَا مِمَّا يَمْنَعُهُ الْعَقْلُ. قِيلَ: مَنْعُ الْعَقْلِ لِمَا جَعَلْتُمُوهُ مَوْجُودًا وَاجِبًا (¬9) أَعْظَمُ. ¬

(¬1) ن، م: لَا يَسْتَنِدُونَ إِلَى كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ. (¬2) أ: بِرِوَايَتِهِمُ الْفَاسِدَةِ، ب: بِرَوِيَّتِهِمُ الْفَاسِدَةِ. (¬3) ن، م: عَنْ رُسُلِ اللَّهِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. (¬4) عِبَارَةُ " وَلَا خَارِجَهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: إِلَيْهِ. (¬6) ن فَقَطْ: رُبُوبِيَّتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) دُونَ شَيْءٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: مَوْجُودًا أَوْ وَاجِبًا.

فَإِنْ (¬1) قُلْتُمْ: إِنْكَارُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ. قِيلَ لَكُمْ: وَإِنْكَارُ هَذَا حِينَئِذٍ (¬2) أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ (¬3) هَذَا الْإِنْكَارُ مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ. قِيلَ لَكُمْ: وَذَلِكَ الْإِنْكَارُ مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: حُكْمُ الْوَهْمِ الْبَاطِلِ أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ بِحُكْمِ الْمَحْسُوسِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا قُلْتُمْ: إِنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى غَيْرُ مَحْسُوسٍ يُمْكِنُ أَنْ تَقْبَلُوا فِيهِ الْحُكْمَ الَّذِي يَمْتَنِعُ فِي الْمَحْسُوسِ (¬4) وَهُوَ امْتِنَاعُ الرُّؤْيَةِ بِدُونِ (¬5) الْمُقَابَلَةِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهُ مَحْسُوسٌ أَيْ يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ (¬6) فِيهِ حُكْمُ الْوَهْمِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ (¬7) رُؤْيَتُهُ. وَإِنْ قُلْتُمْ: إِذَا كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ فَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ. قِيلَ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِالْمَحْسُوسِ الْحِسَّ الْمُعْتَادَ فَالرُّؤْيَةُ الَّتِي يُثْبِتُهَا ¬

(¬1) أ، ب: وَإِنْ. (¬2) حِينَئِذٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) بَلْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬4) أ: مَحْسُوسٌ لَمْ يَكُنِ الْإِحْسَاسُ لَمْ يَبْطُلْ، ب: مَحْسُوسٌ لَمْ يُمْكِنِ الْإِحْسَاسُ لَمْ يَبْطُلْ. (¬5) ن، م: دُونِ. (¬6) ن: مُمْكِنٌ أَنْ تَقْبَلُوا فِيهِ الْحُكْمَ الَّذِي يَمْنَعُ فِيهِ الْمَحْسُوسُ، أ: لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَقْبَلُوا فِيهِ الْحُكْمَ الَّذِي يَمْتَنِعُ فِي الْمَحْسُوسِ، ب: لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَقْبَلَ فِيهِ الْحُكْمُ الَّذِي فِي الْمَحْسُوسِ. (¬7) أ: فَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ، ب: فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ.

مُثْبِتَةُ الرُّؤْيَةِ (¬1) بِلَا مُقَابَلَةٍ لَيْسَتْ هِيَ الرُّؤْيَةُ الْمُعْتَادَةُ، بَلْ (¬2) هِيَ رُؤْيَةٌ لَا نَعْلَمُ صِفَتَهَا، كَمَا أَثْبَتُّمْ وُجُودَ مَوْجُودٍ (¬3) لَا نَعْلَمُ صِفَتَهُ، فَكُلُّ مَا تُلْزِمُونَهُمْ بِهِ مِنَ الشَّنَاعَاتِ وَالْمُنَاقِضَاتِ يَلْزَمُكُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ. الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الْمَحْضَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْعُلُوِّ وَالْمُبَايَنَةِ وَإِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ أَثْبَتَ أَحَدَهُمَا وَنَفَى الْآخَرَ أَقْرَبُ إِلَى الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ (* مِمَّنْ نَفَاهُمَا جَمِيعًا (¬4) . فَالْأَشْعَرِيَّةُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الرُّؤْيَةَ وَنَفَوُا الْجِهَةَ أَقْرَبُ إِلَى الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ *) (¬5) مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ الَّذِينَ نَفَوْهُمَا. أَمَّا كَوْنُهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الشَّرْعِ فَلِأَنَّ (¬6) الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْمَنْقُولَةَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى الْعُلُوِّ وَعَلَى الرُّؤْيَةِ (¬7) أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَلَيْسَ مَعَ نُفَاةِ الرُّؤْيَةِ وَالْعُلُوِّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُذْكَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَزْعُمُونَ أَنَّ عُمْدَتَهُمُ (¬8) الْعَقْلُ. فَنَقُولُ: قَوْلُ (¬9) الْأَشْعَرِيَّةِ الْمُتَنَاقِضِينَ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَذَلِكَ ¬

(¬1) ن: فَالرُّؤْيَةُ الَّتِي مُثْبَتَةٌ، م: فَالرُّؤْيَةُ الَّتِي يُثْبِتُهَا مُثْبِتُهَا. (¬2) ن: مِثْلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: كَمَا أَثْبَتُّمْ مَوْجُودًا، م: كَمَا أَنْتُمْ مَوْجُودًا. (¬4) ن: مِنْ نُفَاتِهِمَا جَمِيعًا. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: فَإِنَّ. (¬7) أ، ب: الْعُلُوِّ وَالرُّؤْيَةِ. (¬8) أ، ب: أَنَّ عِلَّتَهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ن، م: وَقَوْلُ.

أَنَّا إِذَا عَرَضْنَا عَلَى الْعَقْلِ وُجُودَ مَوْجُودٍ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَلَا يَقْرُبُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا هُوَ دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا تُرْفَعُ إِلَيْهِ الْأَيْدِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ - كَانَتِ الْفِطْرَةُ مُنْكِرَةٌ لِذَلِكَ. وَالْعُقَلَاءُ جَمِيعُهُمُ الَّذِينَ لَمْ تَتَغَيَّرْ فِطْرَتُهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَلَا يُقِرُّ بِذَلِكَ إِلَّا مَنْ لُقِّنَ أَقْوَالَ النُّفَاةِ وَحَجَّتَهُمْ (¬1) وَإِلَّا فَالْفِطَرُ (¬2) السَّلِيمَةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ إِنْكَارِ خَرْقِ الْعَادَاتِ ; لِأَنَّ (¬3) الْعَادَاتِ يَجُوزُ انْخِرَاقُهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَمُوَافَقَةِ عُقَلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَنَقُولُ: إِنْ كَانَ قَوْلُ النُّفَاةِ حَقًّا مَقْبُولًا (¬4) فِي الْعَقْلِ فَإِثْبَاتُ وُجُودِ الرَّبِّ عَلَى الْعَرْشِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ وَأَوْلَى بِالْقَبُولِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، فَرُؤْيَةُ مَا هُوَ فَوْقَ الْإِنْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِسْمًا أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ وَأَوْلَى (¬5) بِالْقَبُولِ. مِنْ إِثْبَاتِ قَوْلِ النُّفَاةِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِ (¬6) النُّفَاةِ، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمُعْتَادِ، فَتَجْوِيزُ انْخِرَاقِ الْعَادَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ النُّفَاةِ (¬7) ، فَإِنَّ قَوْلَ النُّفَاةِ مُمْتَنِعٌ فِي فِطَرِ الْعُقَلَاءِ لَا يُمْكِنُ جَوَازُهُ، وَأَمَّا انْخِرَاقُ الْعَادَةِ (¬8) فَجَائِزٌ. ¬

(¬1) أ، ب: وَلَا يُقِرُّونَ إِلَّا (ثُمَّ بَيَاضٌ فِي النُّسْخَتَيْنِ) الْأَقْوَلَ النُّفَاةَ وَحُجَّتَهُمْ، وَلَا يُقِرُّ بِذَلِكَ إِلَّا مِنْ لَعَنَ أَقْوَالَ النُّفَاةِ وَحَجَّتَهُمْ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬2) ن، م: فَالْفِطْرَةُ. (¬3) ن، م: فَإِنَّ. (¬4) عِبَارَةُ فِي الْعَقْلِ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي (م) حَقًّا مَوْجُودًا فِي الْعَقْلِ. (¬5) ن، م: جَسْمًا أَوْلَى. (¬6) أ، ب: أَقْوَالِ. (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: الْعَادَاتِ.

الْجَوَابُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ تَقُولُ (¬1) : إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ بِحَضْرَتِنَا مَا لَا نَرَاهُ وَلَا نَسْمَعُهُ مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَصْوَاتِ، وَأَنْ يُرِيَنَا مَا بَعُدَ مِنَّا، لَا يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا وَاقِعٌ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ يَشُكُّونَ فِي وُقُوعِهِ، بَلْ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ وَاقِعًا (¬2) الْآنَ، وَتَجْوِيزُ الْوُقُوعِ غَيْرُ الشَّكِّ فِي الْوُقُوعِ. وَعِبَارَةُ هَذَا النَّاقِلِ تَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْآنَ مَوْجُودًا وَنَحْنُ لَا نَرَاهُ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَلَكِنَّ هَذَا قِيلَ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ. قِيلَ [لَهُمْ] (¬3) : إِذَا جَوَّزْتُمُ الرُّؤْيَةَ فِي غَيْرِ جِهَةٍ، فَجَوِّزُوا هَذَا. فَقَالُوا: نَعَمْ نُجَوِّزُ. كَمَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: رُؤْيَةُ اللَّهِ جَائِزَةٌ فِي الدُّنْيَا، أَيْ: هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرِنَا نَفْسَهُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَعَ هَذَا أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ لَا يَرَى اللَّهَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا مَا تُنُوزِعَ فِيهِ مِنْ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ، وَمَنْ شَكَّ مِنْهُمْ فِي وُقُوعِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا فَلِجَهْلِهِ (¬4) بِالْأَدِلَّةِ النَّافِيَةِ لِذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ فِي وُقُوعِ الرُّؤْيَةِ بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَيْنِ؛ لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ قَاطِبَةً (¬5) أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بِعَيْنَيْهِ (¬6) فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (¬7) وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ السَّلَفِ عَلَى هَذَا ¬

(¬1) ن، م: يَقُولُونَ. (¬2) أ، ب: لَيْسَ بِوَاقِعٍ. (¬3) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: فَلِجَهْلِهِمْ. (¬5) قَاطِبَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) بِعَيْنَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: وَذَكَرَ أَحْمَدُ.

[النَّفْيِ] (¬1) وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَنَازَعُوا إِلَّا فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (¬2) وَغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى (¬3) رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ» ". مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ 2 - 516، 612. وَقَدْ سَأَلَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬4) الرُّؤْيَةَ فَمُنِعَهَا، فَلَا يَكُونُ آحَادُ النَّاسِ أَفْضَلُ مِنْ مُوسَى. وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ كُلُّ مَا قَالَ قَائِلٌ: " إِنَّهُ مُمْكِنٌ مَقْدُورٌ " يُشَكُّ فِي وُقُوعِهِ. فَالْأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ (¬5) مِنْ أَتْبَاعِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (¬6) وَأَحْمَدَ - وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِجَوَازِ أُمُورٍ مُمْتَنِعَةٍ فِي الْعَادَةِ فِي الرُّؤْيَةِ - فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا حِجَابَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ إِلَّا عَدَمُ خَلْقِ الرُّؤْيَةِ فِي الْعَيْنِ (¬7) ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي سَائِرِ الْمَرْئِيَّاتِ. فَكَانُوا يَنْفُونَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَيْنِ قُوَّةٌ امْتَازَتْ بِهَا فَحَصَلَتْ بِهَا الرُّؤْيَةُ، وَيَمْنَعُونَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَمُسَبِّبَاتِهَا مُلَازَمَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ (¬8) ¬

(¬1) النَّفْيِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَسَلَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (¬3) أ، ب: لَمْ يَرَ. (¬4) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: يَشُكُّ فِي وُقُوعِهِ الْأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، م: فَشَكَّ فِي وُقُوعِهِ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. (¬6) ن، م: مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. (¬7) أ، ب: بِالْعَيْنِ. (¬8) ن، م: وَبَيْنَ.

الْمَوَانِعِ وَمَمْنُوعَاتِهَا مُمَانَعَةٌ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَادَةً مَحْضَةً (¬1) اسْتَنَدَتْ إِلَى مَحْضِ الْمَشِيئَةِ، وَيُجَوِّزُونَ خَرْقَهَا بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ. فَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّا نَعْلَمُ انْتِفَاءَ كَثِيرٍ مِمَّا يُعْلَمُ (¬2) إِمْكَانُهُ كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ الْبَحْرَ لَمْ يَنْقَلِبْ دَمًا، وَلَا الْجِبَالَ يَاقُوتًا، وَلَا الْحَيَوَانَاتِ أَشْجَارًا، بَلْ يَجْعَلُونَ الْعِلْمَ بِمِثْلِ هَذَا مِنَ الْعَقْلِ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ (¬3) الْعَاقِلُ عَنِ الْمَجْنُونِ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَتَنَاقَضُونَ [وَفِي قَوْلِهِمْ مَا هُوَ بَاطِلٌ عَقْلًا وَنَقْلًا] (¬4) فَأَقْوَالُهُمْ فِي الْقَدَرِ وَالصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةِ (¬5) خَيْرٌ مِنْ أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ وَمُوَافِقِيهِمْ مِنَ الشِّيعَةِ (¬6) وَإِنْ كَانَ الصَّوَابُ هُوَ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَهُوَ (¬7) قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ كِبَارِ أَصْحَابِهِمْ (¬8) [وَالنُّصُوصُ الْمَأْثُورَةُ فِي ذَلِكَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] (¬9) . وَالْبَيَانُ التَّامُّ هُوَ (¬10) مَا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬11) ؛ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ ¬

(¬1) مَحْضَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن: نَعْلَمُ. (¬3) أ، ب، م: يُمَيَّزُ بِهِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (أ) ، (ب) يَتَنَاقَضُونَ فِي قَوْلِهِمْ، وَزِدْتُ الْوَاوَ حَتَّى يَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ. (¬5) أ، ب: وَالرُّبُوبِيَّةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) مِنَ الشِّيعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) ن، م: الصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَهُوَ. (¬8) أ، ب: وَجُمْهُورِ الْأَكَابِرِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬11) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

فصل كلام الرافضي على مقالة الأشاعرة في كلام الله تعالى والرد عليه

الْخَلْقِ بِالْحَقِّ وَأَنْصَحُ الْخَلْقِ لِلْخَلْقِ (¬1) ، وَأَفْصَحُ الْخَلْقِ فِي بَيَانِ الْحَقِّ، فَمَا بَيَّنَهُ (¬2) مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَعُلُوِّهِ وَرُؤْيَتِهِ هُوَ الْغَايَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، [وَاللَّهُ الْمُوَفِّقِ لِلصَّوَابِ] (¬3) . [فصل كلام الرافضي على مقالة الأشاعرة في كلام الله تعالى والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : وَذَهَبَتِ الْأَشَاعِرَةُ (¬5) إِلَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا وَنَهَانَا فِي الْأَزَلِ (¬6) - وَلَا مَخْلُوقَ عِنْدَهُ - قَائِلًا: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 1] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 278] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 1] (¬7) ، وَلَوْ جَلَسَ شَخْصٌ فِي مَكَانٍ خَالٍ (¬8) وَلَا غُلَامَ عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا سَالِمُ قُمْ، يَا غَانِمُ كُلْ، يَا نَجَاحُ (¬9) ادْخُلْ، قِيلَ: (¬10) لِمَنْ تُنَادِي؟ قَالَ: لِعَبِيدٍ أُرِيدَ أَنْ (¬11) أَشْتَرِيَهُمْ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً (¬12) ، نَسَبَهُ كُلُّ عَاقِلٍ ¬

(¬1) عِبَارَةُ وَأَنْصَحُ الْخَلْقِ لِلْخَلْقِ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَسَقَطَتْ لِلْخَلْقِ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن: فِيمَا بَيَّنَهُ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 92 (م) 93 (م) . (¬5) أ، ب، ن: الْأَشَاعِرَةُ أَيْضًا، ك: وَذَهَبُوا. (¬6) ك: إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى آمِرٌ وَنَاهٍ فِي الْأَزَلِ. (¬7) فِي (أ) ، (ب) جَاءَتْ آيَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ قَبْلَ آيَتَيْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَالْبَقَرَةِ. (¬8) ك: شَخْصٌ فِي مَنْزِلِهِ. (¬9) م: كُلْ مَا تَحْتَاجُ، ك: كَلْ وَيَا نَجَاحُ. (¬10) ن: قَالَ، م: فَقِيلَ. (¬11) أُرِيدَ أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) وَزِدْتُهَا مِنْ (ك) . (¬12) م: أَسِيرُ بِهِمْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

إِلَى السَّفَهِ وَالْحُمْقِ فَكَيْفَ يَحْسُنُ مِنْهُمْ أَنْ يَنْسُبُوا إِلَى اللَّهِ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ؟ (¬1) ". وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ: هَذَا قَوْلُ الْكُلَّابِيَّةِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: (2 كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَهَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَقَوْلُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ، وَلَا بُطْلَانَ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ إِذَا كَانَ بَاطِلًا فَأَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا يَقُولُونَ بِهِ، لَا مَنْ يَقُولُ 2) (¬2) : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، كَالْمُعْتَزِلَةِ، وَلَا (¬3) مَنْ يَقُولُ: هُوَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، كَالْكَرَّامِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ وَالسَّلَفِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ (¬4) الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَيْسَ فِي ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا (¬5) حُصُولُ مَقْصُودِ الرَّافِضِيِّ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: (¬6) أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الشِّيعَةِ يَقُولُونَ: " الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ " وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَحِينَئِذٍ فَهَذَا قَوْلٌ مِنْ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: بِغَيْرِهِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ. ¬

(¬1) م: فَكَيْفَ لِحَيَوَانٍ أَنْ يَنْسُبُوا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ فِي الْأَزَلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ك ص [0 - 9] 2 (م) ص 93 (م) فَكَيْفَ يَحْسُنُ مِنْهُمْ أَنْ يَنْسُبُوا اللَّهَ تَعَالَى إِلَيْهِ فِي الْأَزَلِ. (¬2) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَسَقَطَتْ كَلِمَاتٌ قَلِيلَةٌ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مِنْ (م) . (¬3) ب فَقَطْ: كَالْمُعْتَزِلَةِ لَا. (¬4) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، وَفِي (ب) هَؤُلَاءِ. (¬6) ن، م: نَقُولُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ (¬1) الْكُلَّابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ إِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِمُوَافَقَتِهِمُ الْمُعْتَزِلَةَ فِي الْأَصْلِ الَّذِي اضْطَرَّهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ وَافَقُوهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى صِحَّةِ دَلِيلِ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ، فَلَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِحُدُوثِ مَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ. ثُمَّ قَالُوا: وَمَا يَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ لَا يَخْلُو مِنْهَا. فَإِذَا قِيلَ: الْجِسْمُ لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، فَإِنَّ الْجِسْمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا. قَالُوا: وَالسُّكُونُ الْأَزَلِيُّ يَمْتَنِعُ زَوَالُهُ ; لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ أَزَلِيٌّ (¬2) وَكُلُّ مَوْجُودٍ أَزَلِيٍّ يَمْتَنِعُ زَوَالُهُ، وَكُلُّ جِسْمٍ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ، فَإِذَا جَازَ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَهُوَ (¬3) أَزَلِيٌّ وَجَبَ (¬4) أَنْ تَكُونَ حَرَكَتُهُ أَزَلِيَّةٌ، لِامْتِنَاعِ زَوَالِ السُّكُونِ الْأَزَلِيِّ (¬5) وَلَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ حَرَكَتُهُ أَزَلِيَّةً (¬6) لَزِمَ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبَارِيَ لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ ; لِأَنَّهَا (¬7) لَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا ; لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ، وَمَا لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَقَدْ عَلِمُوا بِالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ أَنَّ الْكَلَامَ يَقُومُ بِالْمُتَكَلِّمِ، كَمَا يَقُومُ الْعِلْمُ ¬

(¬1) إِنْ كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) : إِنْ. (¬2) أَزَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن: فَهُوَ. (¬4) م: لَزِمَ. (¬5) أ، ب: الْأَوَّلِ. (¬6) أ، ب: وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ. (¬7) أ: لَكِنَّهَا، ب: لِكَوْنِهِ.

بِالْعَالِمِ وَالْقُدْرَةُ بِالْقَادِرِ، وَالْحَرَكَةُ بِالْمُتَحَرِّكِ، وَأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي غَيْرِهِ لَيْسَ كَلَامًا لَهُ، بَلْ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الَّذِي خَلَقَهُ فِيهِ. فَإِنَّ الصِّفَةَ إِذَا قَامَتْ بِمَحَلٍّ عَادَ حُكْمُهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَلَمْ يَعُدْ (¬1) عَلَى غَيْرِهِ، وَاشْتُقَّ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْهُ اسْمٌ (¬2) وَلَمْ يُشْتَقَّ لِغَيْرِهِ. فَلَوْ (¬3) كَانَ الْكَلَامُ الْمَخْلُوقُ فِي غَيْرِهِ كَلَامًا لَهُ، لَزِمَ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ بَاطِلَةٍ: [ثُبُوتُ حُكْمِ الصِّفَةِ وَالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ وَالِاسْمِ عَنِ اللَّهِ لَازِمَانِ عَقْلِيَّانِ وَلَازِمَانِ سَمْعِيَّانِ يَلْزَمَانِ] (¬4) بِكَوْنِ (¬5) الْكَلَامِ (¬6) صِفَةً لِذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا لِلَّهِ، فَيَكُونُ هُوَ الْمُنَادِي بِمَا يَقُومُ بِهِ (¬7) فَتَكُونُ الشَّجَرَةُ الَّتِي خَلَقَ فِيهَا (¬8) نِدَاءَ مُوسَى هِيَ الْقَائِلَةُ " إِنَّنِي (¬9) أَنَا اللَّهُ، لَا يَكُونُ اللَّهُ هُوَ الْمُنَادِي بِذَلِكَ، وَيَلْزَمُ أَنْ تُسَمَّى هِيَ مُتَكَلِّمَةً مُنَادِيَةً لِمُوسَى، وَيُلْزَمَ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا وَلَا مُنَادِيًا وَلَا مُنَاجِيًا (¬10) . ¬

(¬1) ب، م: وَلَمْ تَعُدْ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (أ) . (¬2) اسْمٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: وَلَوْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ب فَقَطْ: كَوْنَ. (¬6) ن، م: أَرْبَعَةَ أُمُورٍ بَاطِلَةٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) م: خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا. (¬9) إِنَّنِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) ن، م: لِمُوسَى وَلَا يَكُونُ اللَّهُ مُنَادِيًا وَلَا مُنَاجِيًا.

وَهَذَا خِلَافُ مَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، [وَهَذَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] (¬1) . وَقَالُوا أَيْضًا: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا فِي الْأَزَلِ لَزِمَ اتِّصَافُهُ بِنَقِيضِ الْكَلَامِ مِنَ السُّكُوتِ أَوِ الْخَرَسِ (¬2) وَقَالُوا أَيْضًا (¬3) : لَوْ كَانَ كَلَامُهُ مَخْلُوقًا لَكَانَ إِنْ خَلَقَهُ فِي مَحَلٍّ كَانَ كَلَامًا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ، وَإِنْ خَلَقَهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَزِمَ أَنْ تَقُومَ الصِّفَةُ وَالْعَرَضُ بِنَفْسِهَا، وَإِنْ خَلَقَهُ فِي نَفْسِهِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ مَحَلًّا لِلْمَخْلُوقَاتِ. (4 وَهَذِهِ اللَّوَازِمُ الثَّلَاثَةُ بَاطِلَةٌ تُبْطِلُ كَوْنَهُ مَخْلُوقًا 4) (¬4) ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ (¬5) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِالْمُتَكَلِّمِ، وَقَدْ وَافَقُوا الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ لَا تَقُومُ بِالْقَدِيمِ (¬6) ، لَزِمَ مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ قَدِيمًا. قَالُوا: وَقِدَمُ الْأَصْوَاتِ مُمْتَنِعٌ ; لِأَنَّ الصَّوْتَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ مَعْنًى لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْنًى وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: مِنَ السُّكُوتِ وَالْخَرَسِ. (¬3) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) (4 - 4) مَكَانَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (ن) ، (م) : إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ. (¬5) ن، م: الْمَبْسُوطُ. (¬6) ن: بِالْقِدَمِ.

فَهَذَا أَصْلُ قَوْلِهِمْ، فَهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ وَافَقْنَاكُمْ عَلَى امْتِنَاعِ أَنْ يَقُومَ (¬1) بِالرَّبِّ مَا هُوَ مُرَادٌ لَهُ مَقْدُورٌ، وَخَالَفْنَاكُمْ فِي كَوْنِ كَلَامِهِ مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَلَزِمَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ مُنَاقَضَتِنَا (¬2) ، فَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ مُمْكِنًا لَمْ نَكُنْ مُتَنَاقِضِينَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لَزِمَ خَطَؤُنَا (¬3) فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنِ الْخَطَأُ فِيمَا خَالَفْنَاكُمْ فِيهِ، بَلْ قَدْ نَكُونُ مُخْطِئِينَ (¬4) فِيمَا وَافَقْنَاكُمْ فِيهِ (¬5) مِنْ كَوْنِ الرَّبِّ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ، مَعَ أَنَّ إِثْبَاتَ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ (¬6) أَهْلِ الْحَدِيثِ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ لَعَلَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الطَّوَائِفِ. وَإِنْ لَزِمَ خَطَؤُنَا (¬7) فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا لَا يَلْزَمُ صَوَابُكُمْ أَنْتُمْ (¬8) ، بَلْ نَحْنُ إِذَا اضْطُرِرْنَا إِلَى مُوَافَقَةِ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، كَانَتْ مُوَافَقَتُنَا لِمَنْ يَقُولُ: إِنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ (¬9) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ خَيْرًا مِنْ مُوَافَقَتِنَا لِمَنْ يَقُولُ: إِنَّ كَلَامَهُ إِنَّمَا هُوَ مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ، فَإِنَّ فَسَادَ ¬

(¬1) ن، م: أَنْ يَقُولَ. (¬2) أ، ب: مِنْ تَنَاقِضِنَا. (¬3) أ: خَطَاؤُنَا، ن، م: خَطَأَنَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) أ: تَكُونُوا مُخْطِئِينَ. (¬5) ن، م: عَلَيْهِ. (¬6) أ: مَعَ إِثْبَاتِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ. ب: مَعَ ثُبُوتِ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ جُمْهُورِ. (¬7) ن، م: وَإِذَا لَزِمَ خَطَأَنَا ; أ: وَإِنْ لَزِمَ خَطَأَنَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م: لَمْ يَلْزَمْ صَوَابُكُمْ. (¬9) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

هَذَا الْقَوْلِ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ (¬1) أَظْهَرُ مِنْ فَسَادِ الْقَوْلِ بِكَوْنِهِ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ وَهُمْ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ قَالَ: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (¬2) بِكَلَامٍ (¬3) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ مَوْجُودًا فِيهِ، كَمَا تَقُولُهُ الْكَرَّامِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (¬4) : لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ، كَمَا تَقُولُهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ (¬5) السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ (¬6) ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬7) . وَالْكُلَّابِيَّةُ (¬8) يَقُولُونَ: لَوِ اضْطَرَرْنَا إِلَى مُوَافَقَةِ مَنْ يَقُولُ: كَلَامُهُ مَخْلُوقٌ وَمَنْ يَقُولُ: كَلَامُهُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَجِنْسُ الْكَلَامِ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ (¬9) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، كَانَ كَلَامُ (¬10) هَؤُلَاءِ أَخْفَى فَسَادًا مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَوْلُ ¬

(¬1) ن، م: فِي الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ. (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) بِكَلَامٍ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: قَالَ. (¬5) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: كَابْنِ الْمُبَارَكِ. (¬7) ن، م: وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ، وَبَعْدَهَا بَيَاضٌ فِي النُّسْخَتَيْنِ. (¬8) ن: فَالْكُلَّابِيَّةُ، م: فَالْكَلَامِيَّةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) أ: قَائِمٌ فِي ذَاتِهِ، ب: قَائِمٌ بِذَاتِهِ. (¬10) ن، م: قَوْلُ.

الْمُعْتَزِلَةِ أَظْهَرُ فَسَادًا، فَإِنَّ الْحُجَّةَ النَّافِيَةَ لِهَذَا وَهُوَ أَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ (¬1) لَا يَخْلُو مِنْهُ وَمِنْ (¬2) ضِدِّهِ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ اعْتَرَفَ بِضَعْفِهَا حُذَّاقُ الطَّوَائِفِ وَاعْتَرَفَ مُنْصِفُوهُمْ (¬3) أَنَّهُ لَا يَقُومُ لَهُمْ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ - بَلْ وَلَا سَمْعِيٌّ - عَلَى نَفْيِ قِيَامِ (¬4) الْحَوَادِثِ بِهِ، إِلَّا مَا يَنْفِي الصِّفَاتِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ (¬5) إِلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، قَوْلُ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ؟ . وَبِالْجُمْلَةِ فَكَوْنُ الرَّبِّ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: عَلَى أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ (¬6) الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَأَنَّ كَلَامَهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 109] وَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سُورَةُ لُقْمَانَ: 27] . وَقَدْ قَالَ: غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ (¬7) يُرَادُ بِهِ الدَّلَالَةُ ¬

(¬1) ن، م: لِهَذَا، وَهَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ لِلشَّيْءِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب: أَوْ مِنْ. (¬3) أ، ب: مُتَصَوِّفُهُمْ. (¬4) ن: وَلَا سَمْعِيٌّ عَقْلِيٌّ يُغْنِي قِيَامَ، م: وَلَا سَمْعِيٌّ عَقْلِيٌّ يَعْنِي قِيَامَ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬5) يَصِيرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) أ: لَا يَقُومُ بِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ، ب: يَقُومُ بِهِ. (¬7) أ: إِنَّ مِثْلَ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ، ب: إِنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ.

عَلَى أَنَّ كَلَامَ (¬1) اللَّهِ لَا يَنْقَضِي وَلَا يَنْفَدُ، بَلْ لَا نِهَايَةَ لَهُ (¬2) وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ (¬3) بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ (¬4) فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا فِي الْمَاضِي فَلَهُمْ قَوْلَانِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَهَا بِدَايَةٌ فِي الْمَاضِي (¬5) ، وَأَئِمَّتُهُمْ يَقُولُونَ: لَا بِدَايَةَ لَهَا فِي الْمَاضِي (¬6) [كَمَا لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ] (¬7) وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا مِنَ الْكَلِمَاتِ. وَالْكَلَامُ صِفَةُ كَمَالٍ (¬8) ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، بَلْ لَا يُعْقَلُ مُتَكَلِّمٌ إِلَّا كَذَلِكَ. وَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ صِفَةُ كَمَالٍ إِلَّا إِذَا قَامَ بِالْمُتَكَلِّمِ. وَأَمَّا الْأُمُورُ الْمُنْفَصِلَةُ عَنِ الذَّاتِ فَلَا يَتَّصِفُ بِهَا أَلْبَتَّةَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ صِفَةَ كَمَالٍ أَوْ نَقْصٍ. قَالُوا: وَلَمْ نَعْرِفْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ لَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْأَصْلَ، وَلَا قَالَ: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ كَلِمَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا قَالُوا: مَا يَسْتَلْزِمُ امْتِنَاعَ هَذَا. ¬

(¬1) ن، م: كَلِمَاتِ. (¬2) ن، م: لَهَا. (¬3) ن، م: مُتَكَلِّمٌ، ب: لَا يَتَكَلَّمُ. (¬4) ن، م: لَهَا. (¬5) أ: لَا نِهَايَةَ لَهَا بِذَاتِهِ، ب: لَا نِهَايَةَ لَهُ بِذَاتِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) أ: لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الْمَاضِي، ب: لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْمَاضِي، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ب) : كَمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. (¬8) ن، م: صِفَةٌ لِلَّهِ.

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أَهْلُ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ الْمُبْتَدَعِ الْمَذْمُومِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَحْدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ نَفْيَ صِفَاتِ اللَّهِ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَرُؤْيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ (¬1) لَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ قَالُوا: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ مَخْلُوقٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ اللَّهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا (¬2) قُلْنَا ذَلِكَ ; لِأَنَّا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، وَإِنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى حُدُوثِهَا بِقِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهَا، وَأَنَّ مَا لَا يَنْفَكُّ (¬3) عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. فَلَوْ قُلْنَا: إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ وَالْكَلَامُ، لَزِمَ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ أَعْرَاضٌ (¬4) حَادِثَةٌ. فَقَالَ لَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ: أَحْدَثْتُمْ بِدَعًا تَزْعُمُونَ (¬5) أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَ بِهَا الْإِسْلَامَ، فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرْتُمْ (¬6) وَلَا لِعَدُوِّهِ كَسَرْتُمْ، بَلْ سَلَّطْتُمْ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، فَالْعَالِمُونَ (¬7) بِنُصُوصِ الْمُرْسَلِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهَا، وَأَنَّكُمْ أَهْلُ بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ، وَالْعَالِمُونَ بِالْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ مَا يُخَالِفُ الْمَعْقُولَ، وَأَنَّكُمْ أَهْلُ خَطَأٍ وَجَهَالَةٍ. ¬

(¬1) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: وَقَالَ إِنَّمَا. (¬3) أ: وَأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ، م: وَإِنَّمَا تَنْفَكُّ، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ. (¬4) أ، ب: الْأَعْرَاضُ. (¬5) أ: أَحْدَثُ (ثُمَّ بَيَاضٌ) تَزْعُمُونَ. ب: أَحْدَثْتُمْ مَقَالَةً تَزْعُمُونَ، م: أَحْدَثْتُمْ بِدَعًا زَعَمْتُمْ. (¬6) أ: فَلَا الْإِسْلَامَ لَهَا نَصَرْتُمْ، ب: فَلَا الْإِسْلَامَ بِهَا نَصَرْتُمْ. (¬7) أ، ب: فَالْقَائِلُونَ.

وَالْفَلَاسِفَةُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ (¬1) بِهَذِهِ الطَّرِيقِ تَسَلَّطُوا (¬2) عَلَيْكُمْ بِهَا، وَرَأَوْا أَنَّكُمْ خَالَفْتُمْ (¬3) صَرِيحَ الْعَقْلِ. وَالْفَلَاسِفَةُ أَجْهَلُ مِنْكُمْ بِالشَّرْعِ [وَالْعَقْلِ فِي الْإِلَهِيَّاتِ، لَكِنْ لَمَّا ظَنُّوا أَنَّ مَا جِئْتُمْ بِهِ هُوَ الشَّرْعُ، وَقَدْ رَأَوْهُ يُخَالِفُ الْعَقْلَ - صَارُوا أَبْعَدَ عَنِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مِنْكُمْ] (¬4) لَكِنْ (¬5) عَارَضُوكُمْ بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ - بَلْ وَشَرْعِيَّةٍ - ظَهَرَ (¬6) بِهَا عَجْزُكُمْ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ بَيَانِ حَقِيقَةِ الصَّوَابِ. وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا زَادَهُمْ ضَلَالًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَتَسَلُّطًا عَلَيْكُمْ، وَلَوْ سَلَكْتُمْ مَعَهُمْ طَرِيقَ (¬7) الْعَارِفِينَ بِحَقِيقَةِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، لَكَانَ ذَلِكَ أَنْصَرُ لَكُمْ وَأَتْبَعُ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَاهَدَ الْكُفَّارَ بِنَوْعٍ مِنَ الْكَذِبِ وَالْعُدْوَانِ، وَأَوْهَمَهُمْ (¬9) أَنَّ هَذَا يَدْخُلُ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، فَصَارَ مَا عَرَفَهُ أُولَئِكَ مِنْ كَذِبِ هَؤُلَاءِ وَعُدْوَانِهِمْ مِمَّا يُوجِبُ الْقَدْحَ فِيمَا ادَّعَوْهُ مِنْ إِيمَانِهِمْ، وَلَمَّا رَأَى أُولَئِكَ فِي الْمُلْكِ (¬10) وَالرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ، مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمُخَادَعَةِ وَالْمَحَالِ - سَلَكُوا ¬

(¬1) عَلَيْهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . (¬2) أ، ب: سُلِّطُوا. (¬3) أ: تُخَالِفُوا، ب: تُخَالِفُونَ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب: وَلَكِنْ. (¬6) ن، م: وَظَهَرَ. (¬7) أ، ب: طَرِيقَةَ. (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: وَأَوْهَمَتْهُمْ. (¬10) ن: وَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ فِي الْمُلْكِ، م: وَلَمَّا رَأَوْا فِي الْمُلْكِ.

طَرِيقًا أَبْلَغَ فِي الْمُخَادَعَةِ (¬1) وَالْمَحَالِ مِنْ طُرُقِ أُولَئِكَ الْمُبْتَدِعِينَ الضَّالِّينَ (¬2) ، فَسُلِّطُوا عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى خُرُوجِهِمْ عَنِ الدِّينِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 165] وَقَالَ: (¬3) : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 155] وَقَالَ: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} ] (¬4) [آلِ عِمْرَانَ: 166] . فَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ مَحْضٌ يَتَصَادَقُ عَلَيْهِ صَرِيحُ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحُ الْمَنْقُولِ، وَالْأَقْوَالُ الْمُخَالِفَةُ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهَا (¬5) مُجْتَهِدِينَ مَغْفُورًا لَهُمْ خَطَؤُهُمْ، فَلَا يَمْلِكُونَ (¬6) نَصْرَهَا بِالْأَدِلَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَلَا الْجَوَابَ عَمَّا يَقْدَحُ فِيهَا بِالْأَجْوِبَةِ الْعِلْمِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ (¬7) الصَّحِيحَةَ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ، وَالْأَجْوِبَةُ الصَّحِيحَةُ الْمُفْسِدَةُ (¬8) لِحُجَّةِ الْخَصْمِ لَا تُفْسِدُهَا إِلَّا إِذَا كَانَتْ بَاطِلَةً، فَإِنَّ مَا هُوَ بَاطِلٌ (¬9) لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ، وَمَا هُوَ حَقٌّ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ. ¬

(¬1) ن، م: سَلَكُوا طُرُقًا فِي الْمُخَادَعَةِ. (¬2) أ، ب: الظَّالِمِينَ. (¬3) ب فَقَطْ: وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ن: أَصْحَابِنَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: فَلَا يُمْكِنُهُمْ. (¬7) الْعَقْلِيَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬8) ن، م: الْمُفِيدَةُ. (¬9) أ، ب: فَإِنَّ مَا بَطَلَ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ: قَوْلًا أَصَابَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ، وَأَخْطَأَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَتَّى تَنَاقَضَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ، بِحَيْثُ جَمَعَ فِيهِ (¬1) بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ، يَقُولُ [لِمَنْ يُنَاقِضُهُ بِمُقْدِمَةٍ جَدَلِيَّةٍ سَلَّمَهَا لَهُ] (¬2) : تَنَاقُضِي (¬3) إِنَّمَا (¬4) يَدُلُّ عَلَى خَطَئِي فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إِمَّا الْقَوْلُ الَّذِي سَلَّمْتُهُ لَكَ، وَإِمَّا الْقَوْلُ الَّذِي أَلْزَمْتَنِي بِالْتِزَامِهِ (¬5) وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِكَ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ الصَّوَابُ. فَالْأَشْعَرِيَّةُ (¬6) الْعَارِفُونَ بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَبِأَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَبِمَا دَلَّ (¬7) عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ إِذَا قِيلَ لَهُمُ: الْقَوْلُ بِقِدَمِ الْقُرْآنِ مُمْتَنِعٌ، أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: هُنَا قَوْلَانِ آخَرَانِ لِمَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنَ الْقَوْلَيْنِ لَازِمٌ (¬8) إِلَّا وَلَازِمُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ أَعْظَمُ فَسَادًا. فَالْعَاقِلُ لَا يَكُونُ مُسْتَجِيرًا مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ، بَلْ إِذَا انْتَقَلَ يَنْتَقِلُ مِنْ قَوْلٍ مَرْجُوحٍ (¬9) إِلَى رَاجِحٍ، وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ (¬10) يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ¬

(¬1) ن، م: بِهِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَسَقَطَتْ لِمَنْ مِنْ (أ) . (¬3) أ، ب: سَأَقْضِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب فَقَطْ: أَنَّ مَا. (¬5) أ، ب: أَلْزَمْتَنِي الْتِزَامَهُ. (¬6) ن، م: وَالْأَشْعَرِيَّةُ. (¬7) ن، م، أ: وَمَا دَلَّ. (¬8) م، أ: وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدٌ مِنَ الْقَوْلَيْنِ لَازِمٌ. (¬9) ن: بَلْ إِذَا انْتَقَلَ مِنْ مَرْجُوحٍ، م: بَلْ إِذَا انْتَقَلَ انْتَقَلَ مِنْ مَرْجُوحٍ. (¬10) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، لَا حُجَّةَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ عَلَيْهِمْ، إِلَّا حُجَّةَ نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَهِيَ حُجَّةٌ دَاحِضَةٌ، وَلَا حُجَّةَ لِلْكُلَّابِيَّةِ عَلَيْهِمْ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ (¬1) دَوَامَ الْحَوَادِثِ ; لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ (¬2) ضِدِّهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَابِلِيَّةَ لِلْحَوَادِثِ تَكُونُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ. وَهَذِهِ الْحُجَجُ (¬3) مِمَّا قَدِ الْتَزَمَ هَؤُلَاءِ مَا هُوَ (¬4) أَضْعَفُ مِنْهَا كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعِهِ (¬5) ، وَاعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِضَعْفِ (¬6) جَمِيعِ هَذِهِ (¬7) الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا السَّمْعِيَّاتُ فَهِيَ مَعَ الْمُثْبِتَةِ لَا مَعَ النُّفَاةِ. وَالْقَوْلُ بِدَوَامِ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَأَنَّ الْكَلَامَ لَازِمٌ لِذَاتِ الرَّبِّ، مَعَهُ مِنَ الْحُجَجِ (¬8) مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنِ اسْتِقْصَائِهَا، وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ صَحَّ أَمْكَنَ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ. وَالرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: إِنَّ جَمِيعَ طَوَائِفِ (¬9) الْعُقَلَاءِ يَلْزَمُهُمُ الْقَوْلُ بِقِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى نِهَايَاتِ عُقُولِ الْعُقَلَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، [وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ سَلَفِ الْأُمَّةِ] (¬10) فِي كِتَابِ " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " (¬11) وَغَيْرِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) ن، م: مُسْتَلْزَمٌ. (¬2) ب فَقَطْ: أَوْ عَنْ. (¬3) ب فَقَطْ: وَهَذِهِ الْحُجَّةُ. (¬4) مَا هُوَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: فِي مَوْضِعِهِ. (¬6) أ: تَضْعِيفَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ن، م: فِي الْحُجَجِ. (¬9) أ، ب: الطَّوَائِفِ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) أ: دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، ب: رَدِّ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ ; ن: رِدْءُ يُعَارِضُ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ، م: ذَكَرَهُ تَعَارُضِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا ذُكِرَ مِنَ الْحُجَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السُّكُونَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ (¬1) ، (2 وَعَلَى أَنَّ اللَّهَ يَصِيرُ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَتَكُونُ الْحَوَادِثُ غَيْرَ دَائِمَةٍ 2) (¬2) ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ فَسَادَ (¬3) هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَيْسَ ظَاهِرًا، لَا سِيَّمَا وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ صِحَّتُهُمَا (¬4) أَوْ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا، وَأَيُّهُمَا صَحَّ (¬5) أَمْكَنَ مَعَهُ الْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. قَالَ (¬6) الْأَشْعَرِيَّةُ: وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ فَنَحْنُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ كَلَامَهُ يَقُومُ بِهِ، فَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، قُلْنَا بِبَعْضِ الْحَقِّ وَتَنَاقَضْنَا، فَكَانَ (¬7) هَذَا خَيْرًا مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ إِلَّا مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِمَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: الْخِطَابُ لِمَعْدُومٍ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ بِشَرْطِ وُجُودِهِ أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ لَا يَقُومُ بِهِ كَلَامُهُ، وَمِنْ كَوْنِ الرَّبِّ مَسْلُوبَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَا يَتَكَلَّمُ، وَمِنْ أَنْ (¬8) يَخْلُقُ كَلَامًا فِي غَيْرِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَيْسَ كَلَامًا لِمَنْ خَلَقَهُ فِيهِ (¬9) بَلْ لِخَالِقِهِ، وَهُوَ إِذَا خَلَقَ فِي غَيْرِهِ حَرَكَةً كَانَتِ الْحَرَكَةُ حَرَكَةً لِلْمَحَلِّ الْمَخْلُوقَةِ فِيهِ (¬10) لَا لِلْخَالِقِ لَهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ ¬

(¬1) أ: عَلَى كَوْنِ السُّكُونِ أَمْرًا وُجُودِيًّا، ب: عَلَى كَوْنِ السُّكُوتِ أَمْرًا وُجُودِيًّا. (¬2) (2 - 2) فِي (أ) ، (ب) بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُومُ بِهِ مَا يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَتَكُونُ كَلِمَاتُهُ إِذَا كَانَتْ بِمَشِيئَتِهِ غَيْرَ دَائِمَةٍ. (¬3) أ، ب: أَنَّ نَقِيضَ. (¬4) أ، م: صِحَّتُهَا. (¬5) أ، ب: وَأَيُّهُمَا يَصِحُّ. (¬6) ن، م: وَقَالَتْ. (¬7) أ، ب: وَكَانَ. (¬8) أ، ب: وَمِنْ أَيْنَ. (¬9) أ، ب: لِمَنْ خَلَقَ فِيهِ. (¬10) ن، م: حَرَكَةَ الْمَحَلِّ الْمَخْلُوقِ فِيهِ.

الْأَعْرَاضِ، فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ عَرَضٍ فِي جِسْمٍ (¬1) إِلَّا كَانَ صِفَةً لِذَلِكَ الْجِسْمِ لَا لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا خِطَابُ مَنْ لَمْ يُوجَدْ (¬2) بِشَرْطِ وُجُودِهِ، فَإِنَّ الْمُوصِيَ قَدْ يُوصِي بِأَشْيَاءَ وَيَقُولُ: أَنَا آمُرُ الْوَصِيَّ بَعْدَ مَوْتِي أَنْ يَعْمَلَ كَذَا وَيَعْمَلَ كَذَا، فَإِذَا بَلَغَ وَلَدِي فُلَانٌ (¬3) يَكُونُ هُوَ الْوَصِيُّ وَأَنَا آمُرُهُ بِكَذَا وَكَذَا، بَلْ يَقِفُ وَقْفًا يَبْقَى سِنِينَ، وَيَأْمُرُ النَّاظِرَ الَّذِي يَخْلُفُهُ بَعْدُ بِأَشْيَاءَ (¬4) . وَأَمَّا الْقَائِلُ: يَا " سَالِمُ " وَيَا " غَانِمُ " فَإِنْ قَصَدَ بِهِ خِطَابَ حَاضِرٍ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، فَهَذَا قَبِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ (¬5) ، وَأَمَّا إِنْ (¬6) قَصَدَ بِهِ خِطَابَ مَنْ سَيَكُونُ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخْبَرَنِي الصَّادِقُ أَنَّ أَمَتِي تَلِدُ غُلَامًا وَيُسَمَّى غَانِمًا، فَإِذَا وَلَدَتْهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَدْ جَعَلْتُهُ وَصِيًّا عَلَى أَوْلَادِي وَأَنَا آمُرُكَ يَا غَانِمُ بِكَذَا وَكَذَا (¬7) لَمْ يَكُنْ هَذَا مُمْتَنِعًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ (¬8) الْخِطَابَ هُنَا هُوَ لِحَاضِرٍ فِي الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ مَفْقُودًا فِي الْعَيْنِ، وَالْإِنْسَانُ يُخَاطِبُ مَنْ يَسْتَحْضِرُهُ فِي نَفْسِهِ، وَيَتَذَكَّرُ (¬9) أَشْخَاصًا قَدْ أَمَرَهُمْ بِأَشْيَاءَ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ أَمَا قَلْتُ لَكَ كَذَا. ¬

(¬1) ن، م: سَائِرُ الْمَخْلُوقَاتِ فَمَا خَلَقَ اللَّهُ عَرَضًا فِي جِسْمٍ. (¬2) أ: مَنْ لَمْ يُرِيدْهُ، ب: مَنْ لَمْ يَرَهُ. (¬3) فُلَانٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن: النَّاظِرَ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ بِأَشْيَاءَ، م: النَّاظِرَ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدَنَا شَيْئًا. (¬5) أ: فَهَذَا فَسْخٌ بِالْأَعْيَانِ ; ب: فَهَذَا نَسْخٌ بِالْأَعْيَانِ. (¬6) ن، م: وَإِنْ. (¬7) وَكَذَا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: أَنَّ. (¬9) ن، م: وَيَذْكُرُ.

وَالشِّيعَةُ وَالسُّنِّيَّةُ يَرْوُونَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِكَرْبَلَاءَ قَالَ: صَبَرًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، صَبْرًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يُخَاطِبُ الْحُسَيْنَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيُقْتَلُ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ الْحُسَيْنُ بِكَرْبَلَاءَ وَيُطْلَبُ قَتْلُهُ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الدَّجَّالَ وَخُرُوجَهُ وَأَنَّهُ قَالَ: " «يَا عِبَادَ اللَّهِ اثْبُتُوا» " (¬1) وَبَعْدُ لَمْ يُوجَدْ عِبَادُ اللَّهِ أُولَئِكَ. وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ فِي صَلَاتِهِمْ: " السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " وَلَيْسَ هُوَ حَاضِرًا عِنْدَهُمْ وَلَكِنَّهُ حَاضِرٌ فِي قُلُوبِهِمْ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةُ يس: 82] وَهَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ هُوَ خِطَابٌ يَكُونُ (¬2) لِمَنْ يَعْلَمُهُ الرَّبُّ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ شِرْعَةِ التَّكْوِينِ فَقَدْ خَالَفَ مَفْهُومَ الْخِطَابِ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ يَسْتَدْعِي اسْتِعْمَالَ الْخِطَابِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّ هَذَا مِنَ اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ خِطَابَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى مَا يَخْطِرُ لَهُ. ¬

(¬1) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 - 1356، 1359 كِتَابَ الْفِتَنِ بَابَ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَأَوَّلُهُ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّجَّالَ الْغَدَاةَ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: وَمَا شَأْنُكُمْ؟ . . . الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ اثْبُتُوا، وَوَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنِ الدَّجَّالِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 - 1359، 1363 الْكِتَابُ وَالْبَابُ السَّابِقَانِ فِي ص 1360. (¬2) ن، م: تَكْوِينٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

بَلِ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، بَلْ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَقَدْ عُلِمَتِ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي خِطَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَنَحْنُ لَيْسَ مَقْصُودُنَا هَنَا نَصْرَ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ قَدِيمٌ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَالَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ طَوَائِفُ، فَصَارُوا حِزْبَيْنِ: حِزْبًا يَقُولُ: الْقَدِيمُ هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ، وَحِزْبًا يَقُولُ: هُوَ حُرُوفٌ، أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ. وَقَدْ صَارَ إِلَى كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ طَوَائِفُ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ وَلَا هَذَا الْقَوْلُ قَوْلَ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، بَلِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ (¬1) (* بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمَنْقُولَةِ عَنْهُمْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا السَّلَفُ *) (¬2) ، لَكِنِ اشْتَهَرَ النِّزَاعُ فِيهَا فِي الْمِحْنَةِ الْمَشْهُورَةِ لَمَّا امْتُحِنَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ الَّذِي ثَبَّتَهُ اللَّهُ فِي الْمِحْنَةِ وَأَقَامَهُ لِنَصْرِ السُّنَّةِ هُوَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (2 بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى 2) (¬3) - وَكَلَامُهُ وَكَلَامُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ (¬4) مَوْجُودٌ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي ¬

(¬1) ن، م: يَتَكَلَّمُ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ السَّلَفِ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) : بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬4) فِي ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

أَصْحَابِهِ (¬1) وَافَقُوا ابْنَ كُلَّابٍ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ، فَأَئِمَّةُ (¬2) أَصْحَابِهِ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ، وَأَنَّ كَلَامَهُ قَدِيمٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَلَهُمْ قَوْلَانِ: هَلْ يُوصَفُ اللَّهُ بِالسُّكُوتِ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ، [أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالسُّكُوتِ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ؟] (¬3) ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا. وَأَكْثَرُ أَئِمَّتِهِمْ وَجُمْهُورِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا، إِنَّمَا يُوصَفُ بِالسُّكُوتِ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» ". (¬4) . وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ، لَكِنْ لَمْ يُقِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ الصَّوْتَ الْمُعَيَّنَ قَدِيمٌ. ¬

(¬1) أ، ب: وَإِنْ كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. (¬2) ن فَقَطْ: وَأَئِمَّةُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَإِثْبَاتُهُ يَقْتَضِيهِ الْكَلَامُ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/134 كِتَابُ اللِّبَاسِ بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْفِرَاءِ، وَنَصُّهُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ فَقَالَ: الْحَلَالُ. . . الْحَدِيثُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَى سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَوْلَهُ: وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 - 1117 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ، بَابُ أَكَلِ الْجُبْنِ وَالسَّمْنِ، وَذَكَرَهُ التَّبْرِيزِيُّ فِي مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ 2 - 451 وَنَقَلَ الْأَلْبَانِيُّ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ.

فصل زعم الرافضي بأن أهل السنة ينكرون عصمة الأنبياء وكلامه على مقالتهم في الإمامة والرد عليه

يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ الصَّوْتَ الْمُعَيَّنَ قَدِيمٌ [فصل زعم الرافضي بأن أهل السنة ينكرون عصمة الأنبياء وكلامه على مقالتهم في الإمامة والرد عليه] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : وَذَهَبَ جَمِيعُ مَنْ عَدَا (¬3) الْإِمَامِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ (¬4) غَيْرُ مَعْصُومِينَ، فَجَوَّزُوا بَعْثَةَ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ وَالسَّهْوُ وَالْخَطَأُ وَالسَّرِقَةُ، فَأَيُّ وُثُوقٍ يَبْقَى لِلْعَامَّةِ فِي أَقْوَالِهِمْ (¬5) ، وَكَيْفَ (¬6) يَحْصُلُ الِانْقِيَادُ إِلَيْهِمْ (¬7) ، وَكَيْفَ يَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ خَطَأً؟ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأَئِمَّةَ مَحْصُورِينَ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ بَلْ كُلُّ مَنْ بَايَعَ (¬8) قُرَشِيًّا انْعَقَدَتْ إِمَامَتُهُ عِنْدَهُمْ، وَوَجَبَ (¬9) طَاعَتُهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ إِذَا كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ (¬10) عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالنِّفَاقِ (¬11) . ¬

(¬1) عِنْدَ كَلِمَةِ فَصْلٌ تَبْدَأُ نُسْخَةُ (وَ) = نُسْخَةُ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ. (¬2) الْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 93 (م) . (¬3) ب: جَمْعُ مَا عَدَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ك: وَالْأَئِمَّةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. (¬5) ك: فِي أَقَاوِيلِهِمْ. (¬6) ك: فَكَيْفَ. (¬7) أ، ب: لَهُمْ. (¬8) أ، ن، م، وَ: بَلْ كُلُّ مِنْ تَابَعَ، ك: بَلْ قَالُوا: كُلُّ مَنْ بَايَعَ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬9) ن، وَ، أ، ب: وَوَجَبَتْ. (¬10) وَإِنْ كَانَ فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ، وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬11) ن، م: مِنَ الْفُسُوقِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ. وَ: مِنَ الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ

فَيُقَالُ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرْتَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ مِنْ نَفْيِ (¬1) الْعِصْمَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَجْوِيزِ الْكَذِبِ وَالسَّرِقَةِ (¬2) وَالْأَمْرِ بِالْخَطَأِ عَلَيْهِمْ فَهَذَا (¬3) كَذِبٌ عَلَى الْجُمْهُورِ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ خَطَأٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ مَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - (¬4) مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ يَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ (¬5) بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَخْبَرُوا بِهِ وَجَبَ تَصْدِيقُهُمْ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ وَنَهَوْهُمْ عَنْهُ (¬6) وَجَبَتْ طَاعَتُهُمْ فِيهِ (¬7) عِنْدَ جَمِيعِ فِرَقِ الْأُمَّةِ، إِلَّا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) مَعْصُومٌ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ لَا فِيمَا يَأْمُرُ هُوَ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ. وَهَؤُلَاءِ ضُلَّالٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (¬9) . وَقَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ [مَنْ قَالَ: قُولًا خَطَأً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي الْمُسْلِمِينَ] (¬10) ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ خَطَأُ الرَّافِضَةِ ¬

(¬1) ن، م، وَ: فِي نَفْيِ. (¬2) أ، ب: السَّرِقَةِ وَالْكَذِبِ. (¬3) فَهَذَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) عَزَّ وَجَلَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: فَهُمْ مُطَاعُونَ فِيهِ. (¬6) ن، م: وَمَا أَمَرُوا بِهِ وَنَهَوْا عَنْهُ، وَ: وَمَا أَمَرُوا بِهِ وَنَهَوْا عَنْهُ. (¬7) أ، ب: فَهُمْ مُطَاعُونَ فِيهِ. (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

عَيْبًا فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُعْرَفُ فِي الطَّوَائِفِ أَكْثَرُ خَطَأً وَكَذِبًا مِنْهُمْ، وَذَلِكَ (¬1) لَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُمْ (¬2) وُجُودُ مُخْطِئٍ آخَرَ (¬3) غَيْرِ الرَّافِضَةِ. وَأَكْثَرُ النَّاسِ - أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - لَا يُجَوِّزُونَ عَلَيْهِمُ الْكَبَائِرَ، وَالْجُمْهُورُ الَّذِي يُجَوِّزُونَ الصَّغَائِرَ -[هُمْ وَمَنْ يُجَوِّزُ الْكَبَائِرَ -] (¬4) يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا، بَلْ يَحْصُلُ لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا مِنَ الْمَنْزِلَةِ (¬5) أَعْظَمُ مِمَّا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. وَبِالْجُمْلَةِ (¬6) فَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَجِبُ طَاعَةُ الرَّسُولِ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ خَطَأً، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يَجِبُ طَاعَتُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا صَوَابًا. فَقَوْلُهُ: " كَيْفَ يَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْمُرُونَ (¬7) بِهِ خَطَأً " قَوْلٌ لَا يُلْزِمُ أَحَدًا مِنَ الْأُمَّةِ (¬8) . وَلِلنَّاسِ فِي تَجْوِيزِ الْخَطَأِ عَلَيْهِمْ فِي الِاجْتِهَادِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُطَاعُونَ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ، لَا فِيمَا غَيَّرَهُ اللَّهُ وَنَهَى عَنْهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالطَّاعَةِ فِيهِ. ¬

(¬1) ن، م: وَكَذَلِكَ. (¬2) أ: شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُمْ، ب: شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّهُمْ، م: وَكَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُمْ. (¬3) آخَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م، وَ: وَفِي الْجُمْلَةِ. (¬7) مَا يَأْمُرُونَ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ، ب: مِنَ الْأَئِمَّةِ.

وَأَمَّا عِصْمَةُ الْأَئِمَّةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهَا إِلَّا كَمَا قَالَ الْإِمَامِيَّةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ. وَنَاهِيكَ (¬1) بِقَوْلٍ (¬2) لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَيْهِ إِلَّا الْمَلَاحِدَةُ الْمُنَافِقُونَ، الَّذِينَ شُيُوخُهُمُ الْكِبَارُ أَكْفَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ! (¬3) وَهَذَا دَأْبُ الرَّافِضَةِ دَائِمًا (¬4) يَتَجَاوَزُونَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ فِي الْأَقْوَالِ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ (¬5) وَالْقِتَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَهَلْ يُوجَدُ أَضَلُّ (¬6) مِنْ قَوْمٍ يُعَادُونَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَيُوَالُونَ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ؟ (¬7) وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ - لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ - اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ - إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ - كَتَبَ ¬

(¬1) وَنَاهِيكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أفَقَطْ: يَقُولُ. (¬3) وَالْمُشْرِكِينَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) م: وَإِنَّمَا. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (وَ) . (¬5) م: فِي الْأَقْوَالِ أَدْنَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ، وَ: فِي الْأَقْوَالِ وَفِي الْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ. (¬6) أ، ب: وَمَنْ أَضَلُّ مِنْ. (¬7) أ، ب: الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارَ.

اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ - لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 14 - 22] . فَهَذِهِ الْآيَاتُ نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي الرَّافِضَةِ، حَتَّى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الرَّوَافِضِ إِلَّا مَنْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ النِّفَاقِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَرْبَعٌ مَنْ كُنْ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةً مِنْهُنَّ كَانَتْ (¬1) فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَثَ كَذِبَ، وَإِذَااؤْتُمِنُ خَانَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬2) . {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ - وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 80 - 81] (¬3) . ¬

(¬1) كَانَتْ: كَذَا فِي (ن) ، (وَ) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَانَ، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مَعَ كَلِمَاتٍ قَبْلَهَا مِنْ (م) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 1 - 12 كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابَ عَلَامَةِ النِّفَاقِ 4 - 102 كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ، مُسْلِمٍ 1 - 78 كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4 - 305، 306 كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ. (¬3) ن، م، أ، ب: كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ - تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 78 - 80] وَهُمْ غَالِبًا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، بَلْ دِيَارُهُمْ أَكْثَرُ الْبِلَادِ مُنْكَرًا مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ (¬1) وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الْكُفَّارَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَلَيْسُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا مَعَ الْكُفَّارِ (¬2) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 14] . وَلِهَذَا هُمْ عِنْدَ جَمَاهِيرِ (¬3) الْمُسْلِمِينَ نَوْعٌ آخَرُ حَتَّى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَاتَلُوهُمْ بِالْجَبَلِ الَّذِي كَانُوا عَاصِينَ فِيهِ (¬4) بِسَاحِلِ الشَّامِ، يَسْفِكُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ وَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ اسْتِحْلَالًا لِذَلِكَ وَتَدَيُّنًا بِهِ، فَقَاتَلَهُمْ صِنْفٌ مِنَ التُّرْكُمَانِ فَصَارُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ مُسْلِمُونَ، فَيَقُولُونَ: لَا أَنْتُمْ جِنْسٌ (¬5) آخَرُ. فَهُمْ بِسَلَامَةِ قُلُوبِهِمْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ جِنْسٌ آخَرُ (¬6) خَارِجُونَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ [لِامْتِيَازِهِمْ عَنْهُمْ] (¬7) . ¬

(¬1) ن، م، وَ: مِنْ ظُلْمٍ وَفَوَاحِشَ. (¬2) ن: لَيْسُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مَعَ الْكُفَّارِ، م: لَيْسُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مَعَ الْكُفَّارِ، وَلَيْسُوا مَعَ الْكُفَّارِ وَلَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. (¬3) أ، ب: جَمَاعَةِ. (¬4) ن: الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا عَاصِينَ، م: الَّذِينَ كَانُوا عَاصِينَ فِيهَا. (¬5) أ، ب: صِنْفٌ. (¬6) آخَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (وَ) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 14] وَهَذَا حَالُ (¬1) الرَّافِضَةِ، وَكَذَلِكَ (¬2) {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الْآَيَةَ سُورَةَ الْمُجَادَلَةِ: 16 - 22] وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُوَادُّ (¬3) الْكُفَّارَ مِنْ وَسَطِ قَلْبِهِ (¬4) أَكْثَرَ مِنْ مُوَادَّتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ (¬5) التُّرْكُ وَالْكُفَّارُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ (¬6) فَقَاتَلُوا (¬7) الْمُسْلِمِينَ وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ بِبِلَادِ (¬8) خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَغَيْرِهَا، كَانَتِ الرَّافِضَةُ مُعَاوَنَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِ (¬9) الْمُسْلِمِينَ، (10 وَوَزِيرُ بَغْدَادَ الْمَعْرُوفُ بِالْعَلْقَمِيِّ (¬10) هُوَ وَأَمْثَالُهُ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ مُعَاوَنَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ 10) (¬11) ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ كَانُوا بِالشَّامِ بِحَلَبَ وَغَيْرِهَا (¬12) مِنَ الرَّافِضَةِ كَانُوا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مُعَاوَنَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ النَّصَارَى ¬

(¬1) أ، ب: وَهَذِهِ حَالَةُ، وَ: وَهَذِهِ حَالُ. (¬2) أ، ب: وَلِذَلِكَ. (¬3) ن، م: يُوَادُّونَ. (¬4) ن: مِنْ وَسَطِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) أ، ب: أَخْرَجَ. (¬6) ن، م، وَ: الشَّرْقِ. (¬7) أ، ب: وَقَتَلُوا. (¬8) ن، م: بِبَلَدِ. (¬9) قِتَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) ن، م: الْعَلْقَمِيُّ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ، ص [0 - 9] 4 عَنِ الْعَلْقَمِيِّ. (¬11) (10 - 10) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬12) أ، ب: بِالشَّامِ وَحَلَبَ وَغَيْرِهِمَا.

الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ (¬1) بِالشَّامِ، كَانَتِ الرَّافِضَةُ مِنْ أَعْظَمِ أَعْوَانِهِمْ (¬2) . وَكَذَلِكَ إِذَا صَارَ الْيَهُودُ (¬3) دَوْلَةً بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ تَكُونُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَعْظَمِ أَعْوَانِهِمْ (¬4) فَهُمْ (¬5) دَائِمًا يُوَالُونَ الْكُفَّارَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَيُعَاوِنُونَهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَمُعَادَاتِهِمْ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا (¬6) ادَّعَى عِصْمَةَ الْأَئِمَّةِ دَعْوَى لَمْ يُقِمْ عَلَيْهَا حُجَّةً (¬7) ، إِلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخْلِ الْعَالَمَ مِنْ أَئِمَّةٍ مَعْصُومِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَاللُّطْفِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ الْمُتَيَقَّنِ (¬8) : أَنَّ هَذَا الْمُنْتَظَرَ الْغَائِبَ الْمَفْقُودَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَاللُّطْفِ، سَوَاءٌ كَانَ مَيِّتًا كَمَا يَقُولُهُ الْجُمْهُورُ أَوْ كَانَ حَيًّا كَمَا تَظُنُّهُ الْإِمَامِيَّةُ. وَكَذَلِكَ أَجْدَادُهُ الْمُتَقَدِّمُونَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَاللُّطْفِ الْحَاصِلَةِ (¬9) مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ ذِي سُلْطَانٍ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ (¬10) ، وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ سَعَادَتُهُمْ، وَلَمْ يَحْصُلْ بَعْدَهُ ¬

(¬1) أ، ب: قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ. (¬2) أ، ب: الْمُعَاوِنِينَ لَهُمْ. (¬3) ن، م، وَ: لِيَهُودِيٍّ. (¬4) ن، م، وَ: أَعْوَانُهُ. (¬5) ن، م: وَهُمْ. (¬6) ن، م: ثُمَّ إِنَّهُ، وَ: ثُمَّ هَذَا. (¬7) وَ: ادَّعَى عِصْمَةَ الْأَئِمَّةِ فَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهَا حُجَّةً، ن، م: ادَّعَى عِصْمَةَ الْأَئِمَّةِ دَعْوَى وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهَا حُجَّةً. (¬8) وَ: الْمُتَبَيَّنِ. (¬9) ن: الْحَاصِلِ. (¬10) ن: الَّذِينَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ، م: الَّذِي عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ.

أَحَدٌ لَهُ سُلْطَانٌ تُدَّعَى لَهُ الْعِصْمَةُ إِلَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1) زَمَنَ خِلَافَتِهِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ حَالَ اللُّطْفِ وَالْمَصْلَحَةِ الَّتِي (¬2) كَانَ الْمُؤْمِنُونَ فِيهَا زَمَنَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَعْظَمَ مِنَ اللُّطْفِ وَالْمَصْلَحَةِ (¬3) الَّذِي كَانَ [فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ] (¬4) زَمَنَ الْقِتَالِ وَالْفِتْنَةِ وَالِافْتِرَاقِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَدَّعِي الْإِمَامِيَّةُ فِيهِ أَنَّهُ مَعْصُومٌ وَحَصَلَ لَهُ سُلْطَانٌ بِمُبَايَعَةِ ذِي الشَّوْكَةِ (¬5) إِلَّا عَلِيٌّ وَحْدَهُ، وَكَانَ مَصْلَحَةُ الْمُكَلَّفِينَ وَاللُّطْفُ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَقَلَّ مِنْهُ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ - عُلِمَ (¬6) بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ اللُّطْفِ وَالْمَصْلَحَةِ الْحَاصِلَةِ بِالْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ بَاطِلٌ (¬7) قَطْعًا. وَهُوَ (¬8) مِنْ جِنْسِ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ الَّذِي يُدَّعَى فِي رِجَالٍ (¬9) الْغَيْبِ بِجَبَلِ لُبْنَانَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْجِبَالِ (¬10) مِثْلَ جَبَلِ قَاسِيُونَ بِدِمَشْقَ، وَمَغَارَةِ الدَّمِ، وَجَبَلِ الْفَتْحِ بِمِصْرَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجِبَالِ وَالْغِيرَانِ (¬11) ، فَإِنَّ ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَاللُّطْفَ الَّذِي. (¬3) أ، ب: الْمَصْلَحَةِ وَاللُّطْفِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬5) ن: بِمُتَابَعَةِ ذَوِي الشَّوْكَةِ، م: بِمُبَايَعَةِ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) ذَوِي الشَّوْكَةِ، وَ: بِمُبَايَعَتِهِ ذَوِي الشَّوْكَةِ. (¬6) أ، ب، ن: فَعُلِمَ. (¬7) أ، ب: بَاطِلَةٌ. (¬8) وَهُوَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب، ن، م: بِرِجَالِ. (¬10) مِنَ الْجِبَالِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الْغَارُ كَالْكَهْفِ فِي الْجَبَلِ، وَالْجَمْعُ الْغِيرَانُ.

هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَسْكُنُهَا الْجِنُّ وَيَكُونُ بِهَا الشَّيَاطِينُ، وَيَتَرَاءَوْنَ أَحْيَانًا لِبَعْضِ النَّاسِ، وَيَغِيبُونَ عَنِ الْأَبْصَارِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، فَيَظُنُّ الْجُهَّالُ أَنَّهُمْ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ وَإِنَّمَا هُمْ رِجَالٌ مِنَ الْجِنِّ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 6] . وَهَؤُلَاءِ يُؤْمِنُ بِهِمْ وَبِمَنْ يَنْتَحِلُهُمْ مِنَ الْمَشَايِخِ طَوَائِفُ ضَالُّونَ (¬1) لَكِنَّ الْمَشَايِخَ الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَ رِجَالَ الْغَيْبِ لَا يَحْصُلُ بِهِمْ مِنَ الْفَسَادِ مَا يَحْصُلُ بِالَّذِينِ يَدَّعُونَ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ، بَلِ الْمَفْسَدَةُ وَالشَّرُّ الْحَاصِلُ فِي هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ، فَإِنَّهُمْ يَدَّعُونَ الدَّعْوَةَ (¬2) إِلَى إِمَامٍ مَعْصُومٍ وَلَا يُوجَدُ لَهُمْ أَئِمَّةُ ذَوُو سَيْفٍ يَسْتَعِينُونَ بِهِمْ إِلَّا كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ مُنَافِقٌ أَوْ جَاهِلٌ (¬3) ، لَا تَخْرُجُ رُءُوسُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ. وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ شَرٌّ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ وَمُنْتَهَى (¬4) دَعَوْتِهِمْ إِلَى رِجَالٍ مَلَاحِدَةٍ مُنَافِقِينَ فُسَّاقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ شَرٌّ فِي الْبَاطِنِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَالدَّاعُونَ إِلَى الْمَعْصُومِ لَا يَدْعُونَ إِلَى سُلْطَانٍ مَعْصُومٍ، بَلْ إِلَى سُلْطَانٍ كَفُورٍ أَوْ ظَلُومٍ. وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِهِمْ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي ¬

(¬1) ن، م: صَالِحُونَ. (¬2) الدَّعْوَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: أَوْ جَاهِلٌ أَوْ مُنَافِقٌ. (¬4) ن، م، وَ: وَتَنْتَهِي.

فصل التعليق على كلامه عن الإمامة " ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين "

الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] . فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ التَّنَازُعِ بِالرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، وَلَوْ كَانَ لِلنَّاسِ مَعْصُومٌ غَيْرُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) لَأَمَرَهُمْ بِالرَّدِّ إِلَيْهِ (¬2) ، فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْصُومَ إِلَّا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) [فصل التعليق على كلامه عن الإمامة " وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأَئِمَّةَ مَحْصُورِينَ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ "] فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَجْعَلُوا الْأَئِمَّةَ مَحْصُورِينَ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ " فَهَذَا حَقٌّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] وَلَمْ يُوَقِّتْهُمْ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ. وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ الْمُسْتَفِيضَةِ لَمْ يُوَقِّتْ وُلَاةَ الْأُمُورِ فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: " «إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ» ". (¬4) ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م، وَ: لَوَجَبَ الرَّدُّ إِلَيْهِ. (¬3) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1 - 448 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ بَابُ كَرَاهِيَةِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، 3 - 1467 كِتَابُ الْإِمَارَةِ بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ. سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 - 955 كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 5 - 161، 171، وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

وَفِي صَحِيحِ (¬1) مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ: أَنَّهَا «سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى أَوْ بِعَرَفَاتٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: " لَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ أَسْوَدُ (¬2) مُجَدَّعٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا» ". (¬3) وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (¬4) قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» " (¬5) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ» ". (¬6) ¬

(¬1) صَحِيحِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ أَسْوَدُ. (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي مُسْلِمٍ 2 - 944 كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، 3 - 1468 كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ ـ حَسِبْتُهَا قَالَتْ: أَسْوَدُ ـ. الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3 - 125 كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ مَا جَاءَ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2 - 955 كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ طَاعَةِ الْإِمَامِ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ، 4/70، 5/381، 6/402، 403. (¬4) بْنِ مَالِكٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1 - 136 كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى، 9 - 62 كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةٌ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، 2 - 955 كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ طَاعَةِ الْإِمَامِ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 3 - 114، 171. (¬6) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: مُسْلِمٍ 3 - 1452 كِتَابُ الْإِمَارَةِ بَابُ النَّاسِ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ. . . الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ 7 - 35.

(1 وَفِي الْبُخَارِيِّ: " «مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ» " 1) (¬1) . (* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ (¬2) : " «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ". [ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيفَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا - أَوْ قَالَ: خَفِيَتْ عَلَيَّ - فَقُلْتُ لِأَبِي: مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» " (¬3) وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: قَالَ: " «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً» ".] (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِي (م) : وَفِي رِوَايَةٍ. . . وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ، 4 - 179 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ 9 - 62 كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الْأُمَرَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ. (¬2) م: وَسَلَّمَ فَقَالَ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9 - 81 كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَنَصُّهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. جَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ لِمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي: مُسْلِمٍ 3 - 1452 كِتَابُ الْإِمَارَةِ بَابُ النَّاسِ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ، الْحَدِيثُ رَقْمُ 5، وَفِيهِ: فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4 - 150 كِتَابُ الْمَهْدِيِّ، الْحَدِيثُ الْأَوَّلَ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 5 - 90، 92، 93. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (م) ، وَيُوجَدُ بَعْدَهُ فِي (ن) عِبَارَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. قَدْ حَذَفْتُهَا لِوُرُودِهَا مِنْ قَبْلُ فِي الْعِبَارَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي نُسْخَةِ (م) ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ جَاءَتْ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا فِي: مُسْلِمٍ 3 - 1453 كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ النَّاسِ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ، الْأَحَادِيثُ رَقْمُ 7، 8، 9 سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ كِتَابُ الْمَهْدِيِّ، الْحَدِيثَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 5/96، 98، 99، 100، 101.

أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» " (¬1) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَبَ إِلَيَّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ جُمُعَةٍ (¬2) عَشِيَّةَ رَجْمِ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: " لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ". (¬3) . *) (¬4) ] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬5) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬6) - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» " (¬7) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3 - 1452 الْمَوْضِعُ السَّابِقِ، الْحَدِيثُ رَقْمَ 6، الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 5 - 97، 98، 101. (¬2) زِدْتُ كَلِمَةَ جُمُعَةٍ وَهِيَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ. (¬3) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3 - 1453 فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ، الْحَدِيثُ رَقْمُ 10، وَلَهُ بَقِيَّةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ. (¬4) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (وَ) ، وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ وَالَّذِي يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4 - 178 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، مُسْلِمٍ 3 - 1451 كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ النَّاسِ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ، الْحَدِيثَانِ رَقْمُ 1، 2، الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ، 13 - 30 رَقْمُ 7304، 16. 105 رَقْمُ 8226، 17/147 رَقْمُ 9121 وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ وَبِلَفْظِ: خِيَارُهُمْ تَبَعٌ لِخِيَارِهِمْ، وَشِرَارُهُمْ تَبَعٌ لِشِرَارِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 13 - 282 رَقْمُ 7547، وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ وَبِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي: الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 1 - 164، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ 2 - 126، 127 أَبُو هُرَيْرَةَ 18 - 171، ط الْحَلَبِيِّ 4/101 عَنْ مُعَاوِيَةَ.

فصل تابع رد ابن تيمية على كلام ابن المطهر عن الإمامة عند أهل السنة

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» ".] (¬1) . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬2) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ» ". (¬3) [خَرَّجَهُ فِي بَابِ الْأُمَرَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ] (¬4) [فصل تابع رد ابن تيميَّة على كلام ابن المطهر عن الإمامة عند أهل السنة] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْهُمْ (¬5) " كُلُّ مَنْ بَايَعَ قُرَشِيًّا انْعَقَدَتْ إِمَامَتُهُ وَوَجَبَتْ طَاعَتُهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ إِذَا كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى (¬6) عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْفِسْقِ (¬7) وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ ". ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1451 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ النَّاسِ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ) الْحَدِيثُ رَقَمُ 3، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/331، 379، 383 (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/179 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ) ، 9/62 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الْأُمَرَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/242 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ الْإِمَارَةِ فِي قُرَيْشٍ) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) عَنْهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) (وَإِنْ كَانَ) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) ن، م: فِي الْفُسُوقِ ; وَ: فِي الْفِسْقِ.

فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلَيْسَ مَذْهَبُهُمْ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مُبَايَعَةِ وَاحِدٍ قُرَشِيٍّ (¬1) تَنْعَقِدُ بَيْعَتُهُ، وَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِ (¬2) النَّاسِ طَاعَتُهُ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬3) وَالْجَمَاعَةِ بَلْ قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬4) : مَنْ بَايَعَ رَجُلًا بِغَيْرِ (¬5) مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا ". الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.] (¬6) . ¬

(¬1) وَبِمُجَرَّدِ مُبَايَعَتِهِ وَاحِدًا قُرَشِيًّا. (¬2) (جَمِيعِ) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَ: قَوْلَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ. (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، و: عَنْ غَيْرِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) وَهَذَا جُزْءٌ مِنْ أَثَرٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي صَحِيحِهِ 8/168 - 170 (كِتَابُ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، بَابُ رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إِذَا زَنَتْ) ، وَأَوَّلُهُ. . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا. . . إِلَخْ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ 3/156: (التَّغِرَّةُ مَصْدَرُ غَرَرْتُهُ إِذَا أَلْقَيْتَهُ فِي الْغَرَرِ وَهِيَ مِنَ التَّغْرِيرِ كَالتَّعِلَّةِ وَالتَّعْلِيلِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَيْعَةَ حَقُّهَا أَنْ تَقَعَ صَادِرَةً عَنِ الْمَشْهُورَةِ وَالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ رَجُلَانِ دُونَ الْجَمَاعَةِ فَبَايَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَذَلِكَ تَظَاهُرٌ مِنْهُمَا بِشَقِّ الْعَصَا وَاطِّرَاحِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ عُقِدَ لِأَحَدٍ بَيْعَةٌ فَلَا يَكُونُ الْمَعْقُودُ لَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلِيَكُونَا مَعْزُولَيْنِ مِنَ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَتَّفِقُ عَلَى تَمْيِيزِ الْإِمَامِ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ إِنْ عُقِدَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدِ ارْتَكَبَ تِلْكَ الْفَعْلَةَ الشَّنِيعَةَ الَّتِي أَحْفَظَتِ الْجَمَاعَةَ مِنَ التَّهَاوُنِ بِهِمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ رَأْيِهِمْ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُقْتَلَا) وَجَاءَ الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/323 - 327.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ طَاعَةَ (¬1) الْإِمَامِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، بَلْ لَا يُوجِبُونَ طَاعَتَهُ إِلَّا فِيمَا تَسُوغُ طَاعَتُهُ فِيهِ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا يُجَوِّزُونَ طَاعَتَهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ إِمَامًا عَادِلًا (¬2) ، وَإِذَا (¬3) أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَأَطَاعُوهُ: مِثْلَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِإِقَامَةِ (¬4) الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا أَطَاعُوا اللَّهَ، وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ إِذَا أَمَرَ بِمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ لَمْ تَحْرُمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَلَا يَسْقُطْ وُجُوبُهَا لِأَجْلِ أَمْرِ ذَلِكَ الْفَاسِقِ بِهَا، كَمَا أَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ بِحَقٍّ لَمْ يَجُزْ تَكْذِيبُهُ وَلَا يَسْقُطْ وُجُوبُ اتِّبَاعِ الْحَقِّ لِكَوْنِهِ قَدْ قَالَهُ فَاسْقٌ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُطِيعُونَ وُلَاةَ الْأُمُورِ مُطْلَقًا، إِنَّمَا يُطِيعُونَهُمْ فِي ضِمْنِ طَاعَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) . كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] ، فَأَمَرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ مُطْلَقًا وَأَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ ; لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 80] ، وَجَعَلَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ دَاخِلَةً فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬6) وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ طَاعَةً ثَالِثَةً ; لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ لَا يُطَاعُ طَاعَةً مُطْلَقَةً إِنَّمَا (¬7) يُطَاعُ فِي الْمَعْرُوفِ. ¬

(¬1) أ، ب: لَا يُجَوِّزُونَ. (¬2) ن، م، وَ: عَدْلًا. (¬3) أ، ب: فَإِذَا. (¬4) أ، ب: بِإِقَامِ. (¬5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م، و: لَا يُطَاعُ مُطْلَقًا إِنَّمَا.

كَمَا قَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» ". (¬1) . وَقَالَ: " «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» " (¬2) وَ " «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» " (¬3) ، وَقَالَ: " «وَمَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ» " (¬4) . ¬

(¬1) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَخُلَاصَةُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَوْقَدَ لَهُمْ نَارًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا، فَاخْتَلَفُوا وَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/161 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ بَعْثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي خُزَيْمَةَ) 9/63 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ، 9/88 (كِتَابُ الْآحَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ) ، مُسْلِمٍ 3/1469 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ: فِي الطَّاعَةِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/142 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، جَزَاءُ مَنْ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَأَطَاعَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ، 2/46، 98، 221 (¬2) أ، ب: فِي الْمَعْصِيَةِ، وَأَوْرَدَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، 1/11 - 112 حَدِيثٌ رَقْمُ 180، وَقَالَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/426، 427، 436 وَكَذَا الطَّيَالِسِيُّ 850 عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مِرَايَةَ الْعِجْلِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: فَذَكَرَهُ قُلْتُ: وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ رِجَالُ الشَّيْخَيْنِ غَيْرَ أَبِي مِرَايَةَ هَذَا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَأَوْرَدَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي جَامِعِ الزَّوَائِدِ 5/226 وَقَالَ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَرِجَالُ الْبَزَّارِ رِجَالُ الصَّحِيحِ. (¬3) أَوْرَدَهُ التِّبْرِيزِيُّ فِي مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ 2/323 عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، وَقَالَ: رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَجَاءَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/66 بِلَفٍّ مُقَارِبٍ، وَجَاءَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُسْنَدِ. (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/432، 5/66 - 67؛ الْمُسْتَدْرَكِ 3/443 وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَانْظُرْ سِلْسِلَةَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ 1/109، 111 الْحَدِيثَ رَقْمَ 179. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/955 - 956 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) ، وَفِي التَّعْلِيقِ فِي الزَّوَائِدِ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/67. وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُقَارِبٌ لِمَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُتَقَدِّمِ، وَلَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 5/259، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَلَفْظُهُ: مَنْ أَمَرَكُمْ مِنَ الْوُلَاةِ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تُطِيعُوهُ.

وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى شِيعَةِ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬1) أَنَّهُ تَجِبُ طَاعَةُ غَيْرِ الرَّسُولِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬2) مُطْلَقًا فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ، أَفْسَدُ مِنْ قَوْلِ مَنْ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى شِيعَةِ عُثْمَانَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬3) مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ (¬4) أَنَّهُ يَجِبُ طَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ أُولَئِكَ كَانُوا يُطِيعُونَ ذَا السُّلْطَانِ وَهُوَ مَوْجُودٌ (¬5) وَهَؤُلَاءِ يُوجِبُونَ طَاعَةَ مَعْصُومٍ مَفْقُودٍ. وَأَيْضًا فَأُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا يَدَّعُونَ فِي أَئِمَّتِهِمُ الْعِصْمَةَ الَّتِي تَدَّعِيهَا الرَّافِضَةُ، بَلْ كَانُوا يَجْعَلُونَهُمْ كَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَئِمَّةِ الْعَدْلِ الَّذِينَ يُقَلِّدُونَ فِيمَا لَمْ تَعْرِفْ (¬6) حَقِيقَةَ أَمْرِهِ، أَوْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ مِنْهُمُ الْحَسَنَاتِ وَيَتَجَاوَزُ لَهُمْ عَنِ السَّيِّئَاتِ. وَهَذَا أَهْوَنُ مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ لَا يُخْطِئُونَ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى النَّصْبِ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ وَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) ن، م، وَ: عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬5) ن، م، و: ذَا سُلْطَانٍ مَوْجُودٍ. (¬6) أ: يُقَلِّدُونَ فِيهَا لَمْ تَعْرِفْ، ب: يُقَلِّدُونَ فِيهَا مِمَّنْ لَمْ تَعْرِفْ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ ; ن، م: يُقَلِّدُونَ فِيمَا تَعْرِفُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

فِيهِمْ خُرُوجٌ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فَخُرُوجُ الْإِمَامِيَّةِ عَنِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ أَكْثَرُ وَأَشَدُّ. فَكَيْفَ بِقَوْلِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ الْمُوَافِقِ (¬1) لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِطَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، دُونَ مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ (¬2) النَّاسَ قَدْ تَنَازَعُوا فِي وَلِيِّ الْأَمْرِ الْفَاسِقِ وَالْجَاهِلِ: هَلْ يُطَاعُ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ (¬3) مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَيُنَفَّذُ حُكْمُهُ وَقَسْمُهُ إِذَا وَافَقَ الْعَدْلَ؟ أَوْ لَا يُطَاعُ فِي شَيْءٍ، وَلَا يُنَفَّذُ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِهِ وَقَسْمِهِ؟ أَوْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيْنَ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ مِنَ الْفُرُوعِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَضْعَفُهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ: هُوَ رَدُّ جَمِيعِ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ وَقَسْمِهِ، وَأَصَحُّهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ: أَنْ يُطَاعَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ مُطْلَقًا وَيُنَفَّذَ حُكْمُهُ وَقَسْمُهُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ عَدْلًا مُطْلَقًا، حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ الْجَاهِلَ وَالظَّالِمَ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ بِالْعَدْلِ (¬4) وَقَسْمُهُ (¬5) بِالْعَدْلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (¬6) ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ عَزْلُهُ إِذَا فَسَقَ إِلَّا بِقِتَالٍ وَفِتْنَةٍ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ ¬

(¬1) أ، و: فَكَيْفَ تَقُولُ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ الْمُوَافِقُونَ، ن: فَكَيْفَ تَقُولُ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ الْمُوَافِقَ، ب: فَكَيْفَ بِقَوْلِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ الْمُوَافِقِينَ. (¬2) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: فِيمَا أَمَرَ بِهِ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ أ، ب (¬5) أ، ب: وَقِسْمَتُهُ. (¬6) أ، ب، م: وَغَيْرِهِ.

يُمْكِنُ عَزْلُهُ بِدُونِ ذَلِكَ وَهُوَ فَرْقٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ إِذَا وَلَّاهُ ذُو الشَّوْكَةِ لَا يُمْكِنُ عَزْلُهُ إِلَّا بِفِتْنَةٍ، وَمَتَى كَانَ السَّعْيُ فِي عَزْلِهِ مَفْسَدَةً أَعْظَمَ مِنْ مَفْسَدَةِ بَقَائِهِ، لَمْ يَجُزِ الْإِتْيَانُ بِأَعْظَمِ الْفَسَادَيْنِ (¬1) لِدَفْعِ أَدْنَاهُمَا، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ. وَلِهَذَا كَانَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَقِتَالَهُمْ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ (¬2) ظُلْمٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْقِتَالِ وَالْفِتْنَةِ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الْحَاصِلِ بِظُلْمِهِمْ بِدُونِ قِتَالٍ (¬3) وَلَا فِتْنَةٍ فَلَا يُدْفَعُ أَعْظَمُ الْفَسَادَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا (¬4) وَلَعَلَّهُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ طَائِفَةً خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ، إِلَّا وَكَانَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الْفَسَادِ مَا هُوَ (¬5) أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي أَزَالَتْهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ كُلِّ ظَالِمٍ وَكُلِّ بَاغٍ كَيْفَمَا كَانَ، وَلَا أَمَرَ بِقِتَالِ الْبَاغِينَ ابْتِدَاءً (¬6) بَلْ قَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] فَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ (¬7) ، ابْتِدَاءً، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقِتَالِ وُلَاةِ الْأَمْرِ (¬8) ابْتِدَاءً؟ . ¬

(¬1) ن، م: الْفَاسِدَيْنِ. (¬2) ن، م: وَإِنْ كَانَ قَتْلُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م، و: اقْتِتَالٍ. (¬4) أ، ب: الْأَدْنَى. (¬5) مَا هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن: بِاقْتِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ابْتِدَاءً، م: بِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ابْتِدَاءً. (¬7) و: الْبَاغِينَ. (¬8) أ، ب: الْأُمُورِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (¬1) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَيَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ: لَا مَا صَلُّوا» ". (¬2) فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قِتَالِهِمْ مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ أُمُورًا مُنْكَرَةً، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ كَمَا يَرَاهُ مَنْ يُقَاتِلُ وُلَاةَ الْأَمْرِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬3) قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ» " (¬4) . فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْأُمَرَاءَ يَظْلِمُونَ وَيَفْعَلُونَ أُمُورًا مُنْكَرَةً، وَمَعَ هَذَا فَأُمِرْنَا أَنْ (¬5) نُؤْتِيَهُمُ الْحَقَّ الَّذِي لَهُمْ، وَنَسْأَلَ اللَّهَ الْحَقَّ الَّذِي لَنَا، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي أَخْذِ الْحَقِّ بِالْقِتَالِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِ الْحَقِّ الَّذِي لَهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (¬6) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/116 وَعَلَّقْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/118 وَعَلَّقْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ. (¬5) أ، ب: أُمِرْنَا ; و: فَأُمِرَ بِأَنْ. (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ (¬1) فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ (¬2) مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ (¬3) مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً» ". (¬4) وَفِي لَفْظٍ: " «فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ (¬5) مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ مَاتَ مَيْتَةً (¬6) جَاهِلِيَّةً» ". وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ (¬7) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) [لَمَّا ذَكَرَ] (¬9) أَنَّهُمْ «لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ. قَالَ حُذَيْفَةُ: كَيْفَ أَصْنَعُ (¬10) يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» ". (¬11) فَهَذَا أَمْرٌ بِالطَّاعَةِ مَعَ ظُلْمِ الْأَمِيرِ. ¬

(¬1) أ، ب: يُنْكِرُهُ. (¬2) ن، م، و: فَإِنَّ. (¬3) أ، ب: فَمَاتَ مَاتَ. (¬4) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/113 وَعَلَّقْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ. (¬5) أ، ب: مَنْ خَرَجَ ; ن: فَإِنَّهُ مَنْ يَخْرُجُ ; م: فَمَنْ خَرَجَ. (¬6) ن، م: شِبْرًا مَاتَ مَيْتَةً ; و: شِبْرًا فَمَاتَ مَيْتَةً. (¬7) مَضَى الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيمَا سَبَقَ، 1/113 (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) لَمَّا ذَكَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) و: نَصْنَعُ. (¬11) الْحَدِيثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1476 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ مُلَازِمَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) ، وَلَفْظُهُ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ. وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/135 - 136 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا) ، قَرِيبٌ فِي مَعْنَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ بِعِبَارَاتٍ أُخْرَى، وَفِيهِ: إِنْ كَانَ لِلَّهِ خَلِيفَةٌ فِي الْأَرْضِ فَضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَأَطِعْهُ، وَإِلَّا فَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ. . . الْحَدِيثَ.

وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) " «مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا عَنْ طَاعَةٍ» ". (¬2) وَهَذَا نَهْيٌ عَنِ الْخُرُوجِ عَنِ السُّلْطَانِ وَإِنْ عَصَى. وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عُبَادَةَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ» ، قَالَ (¬3) : «إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بِرِهَانٌ» " وَفِي رِوَايَةٍ: «وَأَنْ نَقُولَ - أَوْ نَقُومَ - بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» (¬4) ". فَهَذَا ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/116، وَأَوَّلُهُ: خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ. (¬3) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/118، وَجَاءَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بِرِهَانٌ. فَهِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 9/47 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا) ، مُسْلِمٍ 3/1470 - 1471 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/314

أَمْرٌ (¬1) بِالطَّاعَةِ مَعَ اسْتِئْثَارِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ ظُلْمٌ مِنْهُ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنَازَعَةِ الْأَمْرِ أَهْلَهُ، وَذَلِكَ نَهْيٌ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ أَهْلَهُ هُمْ أُولُو الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمِرَ بِطَاعَتِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَأْمُرُونَ بِهِ، وَلَيْسَ (¬2) الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى (¬3) وَلَا سُلْطَانَ لَهُ، وَلَا الْمُتَوَلِّيَ الْعَادِلَ (¬4) ; لِأَنَّهُ (¬5) قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَسْتَأْثِرُونَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ (¬6) عَنْ مُنَازَعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْثِرًا، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّا إِذَا قَدَّرْنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعَدْلُ فِي كُلِّ مُتَوَلٍّ (¬7) فَلَا يُطَاعُ إِلَّا مَنْ كَانَ ذَا عَدْلٍ، لَا مَنْ كَانَ ظَالِمًا. فَمَعْلُومٌ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدْلِ فِي الْوُلَاةِ لَيْسَ بِأَعْظَمَ (¬8) مِنِ اشْتِرَاطِهِ فِي الشُّهُودِ (¬9) فَإِنَّ الشَّاهِدَ قَدْ (¬10) يُخْبِرُ بِمَا لَا (¬11) يَعْلَمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا عَدْلٍ لَمْ يُعْرَفْ صِدْقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَأَمَّا وَلِيُّ الْأَمْرِ فَهُوَ يَأْمُرُ بِأَمْرٍ (¬12) يَعْلَمُ حُكْمَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَعْلَمُ هَلْ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ أَوْ مَعْصِيَةٌ. ¬

(¬1) ن، م، و: فَقَدْ أَمَرَ. (¬2) ن، و: بِهِ لَيْسَ. (¬3) ن، م: يَتَوَلَّى. (¬4) ن، م، و: الْعَدْلَ. (¬5) أ، ب: فَإِنَّهُ. (¬6) و: أَنَّهُ قَدْ نَهَى. (¬7) و: فِي الْمُتَوَلَّى. (¬8) أ، ب، و: لَيْسَ أَعْظَمَ. (¬9) ن، م، و: فِي الشُّهَدَاءِ. (¬10) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬11) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬12) ن، م، و: بِعَمَلٍ.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6] فَأَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ (¬1) إِذَا جَاءَ الْفَاسِقُ بِنَبَأٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الظُّلْمَ لَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ وَلَا مِنَ الْأَمْرِ بِهَا. وَهَذَا مِمَّا يُوَافِقُ عَلَيْهِ الْإِمَامِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ (¬2) فَالْفِسْقُ عِنْدَهُمْ لَا يُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ [كُلَّهَا] (¬3) (* بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفِسْقَ يُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ كُلَّهَا *) (¬4) ، وَلَوْ حَبِطَتْ حَسَنَاتُهُ كُلُّهَا (¬5) لَحَبِطَ إِيمَانُهُ، وَلَوْ حَبِطَ إِيمَانُهُ لَكَانَ (¬6) كَافِرًا مُرْتَدًّا فَوَجَبَ (¬7) قَتْلُهُ. وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (¬8) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاذِفَ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الْأَيَّةَ [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] يَدُلُّ (¬9) عَلَى وُجُودِ الْإِيمَانِ وَالْأُخُوَّةِ مَعَ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ. ¬

(¬1) بِالتَّبَيُّنِ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ بِالتَّبْيِينِ. (¬2) فِي النَّارِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) كُلَّهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) ن، م: وَلَوْ حَبِطَتِ الْحَسَنَاتُ كُلُّهَا، و: وَلَوْ حَبِطَ الْحَسَنَاتُ كُلُّهَا. (¬6) ن، م: كَانَ. (¬7) أ، ب: فَيَجِبُ. (¬8) وَالْإِجْمَاعِ: سَاقِطَةٌ مِنَ (م) ، (و) . (¬9) ن، م: فَدَلَّ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ (¬1) الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ كَانَتْ (¬2) عِنْدَهُ لِأَخِيهِ مَظْلَمَةٌ مِنْ عِرْضٍ (¬3) أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ (¬4) الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أَخَذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ» ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬5) . فَثَبَتَ أَنَّ الظَّالِمَ يَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ فَيَسْتَوْفِي (¬6) الْمَظْلُومُ مِنْهَا حَقَّهُ. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ (¬7) قَالَ: " «مَا تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا دِينَارَ. قَالَ: " الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ حَسَنَاتٌ أَمْثَالُ (¬8) الْجِبَالِ وَقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَأَخَذَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا (¬9) ، فَيُعْطَى (¬10) هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِذَا فَنِيَتْ ¬

(¬1) الْحَدِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) و، م: كَانَ. (¬3) ن، م، و: عِرْضِهِ. (¬4) م: فَلْيَحِلَّ مِنْهُ، أ، ب، ن: فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهُ. (¬5) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/129 - 130 (كِتَابُ الْمَظَالِمِ وَالْغَصْبِ، بَابُ مَنْ كَانَتْ لَهُ مُظْلِمَةٌ عِنْدَ الرَّجُلِ فَحَلَّلَهَا لَهُ) ، 9/111 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ الْقِصَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/37 (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/435، 506. (¬6) ن، م: يَسْتَوْفِي، أ، ب: لِيَسْتَوْفِيَ. (¬7) أَنَّهُ: زِيَادَةٌ فِي (و) . (¬8) أ، ب: مِثْلُ. (¬9) م فَقَطْ: وَسَرَقَ هَذَا. (¬10) أ، ب: فَقَبَضَ.

حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى (¬1) مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (¬2) وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سُورَةُ هُودٍ: 114] ، (* فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ إِسَاءَتِهِ يَفْعَلُ حَسَنَاتٍ تَمْحُو إِسَاءَاتِهِ (¬3) وَإِلَّا لَوْ كَانَتِ السَّيِّئَاتُ قَدْ زَالَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِتَوْبَةٍ وَنَحْوِهَا (¬4) لَمْ تَكُنِ الْحَسَنَاتُ قَدْ أَذْهَبَتْهَا، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ [هُنَا (¬5) ] *) (¬6) : أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْفِسْقَ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ النَّبَأِ (¬7) وَالْفِسْقُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ كُلِّ حَسَنَةٍ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَشْهَدُ إِلَّا ذَوُو الْعَدْلِ، ثُمَّ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّاهِرُ، فَإِذَا اشْتُرِطَ الْعَدْلُ فِي الْوِلَايَةِ، فَلِأَنْ يَكْفِيَ فِي ذَلِكَ الظَّاهِرِ أَوْلَى. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوِلَايَةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُشْتَرَطُ فِي ¬

(¬1) ن، و: تُقْضَى. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 4/1997 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/36 (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 15 179، 16 176، 17 27 - 28. (¬3) أ، ب: الْحَسَنَاتُ تَمْحُو سَيِّئَاتِهِ. (¬4) أ، ب: أَوْ نَحْوِهَا. (¬5) هُنَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬7) ن: النِّبَاءِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) فَفِسْقُ الْمُخْبِرِ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ خَبَرِهِ.

الشَّهَادَةِ (¬1) يُبَيِّنُ ذَلِكَ (¬2) أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ (¬3) وَجَمِيعُ النَّاسِ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَكُونَ نُوَّابَ الْإِمَامِ غَيْرَ مَعْصُومِينَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِعِصْمَتِهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمُحَارَبَةِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ (¬4) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (¬5) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6] (¬6) وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬7) كَانَ كَثِيرٌ مِنْ نُوَّابِهِ يَخُونُهُ (¬8) ، وَفِيهِمْ مَنْ هَرَبَ عَنْهُ، وَلَهُ مَعَ نُوَّابِهِ سِيَرٌ مَعْلُومَةٌ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَوْنِ الْإِمَامِ مَعْصُومًا مَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ الظَّاهِرِ وَوُجُودَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ، وَأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعِصْمَةِ فِي الْأَئِمَّةِ شَرْطٌ لَيْسَ بِمَقْدُورٍ وَلَا مَأْمُورٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ (¬9) مَنْفَعَةٌ، لَا فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا. ¬

(¬1) ن، م: فِي الْعَدَالَةِ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) أ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ، ب: يُوَضِّحُ ذَلِكَ. (¬3) ن، م: الْإِمَامَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) أ، ب: أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ. (¬5) و: فَأَنْزِلُ فِيهِ، أ، ب: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. (¬6) انْظُرْ خَبَرَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَتَفْسِيرَ الْآيَةِ: تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. بُولَاقٍ) ، 26/78 - 79؛ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ (ط. الشَّعْبِ) 7/350 - 352؛ الْمَسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/279، وَالْحَدِيثُ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ ضِرَارٍ الْخُزَاعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، سِيرَةُ ابْنِ هِشَامٍ 3/308 - 309 (¬7) ن، م: وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬8) م: يَخُونُونَهُ. (¬9) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

فصل كلام الرافضي على قول أهل السنة بالقياس وأخذهم بالرأي والرد عليه

مِثْلُ كَثِيرٍ مِنَ النُّسَّاكِ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ فِي الشَّيْخِ أَنْ يَعْلَمَ أُمُورًا لَا يَكَادُ يَعْلَمُهَا أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، فَيَصِفُونَ الشَّيْخَ بِصِفَاتٍ مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ الْمَعْصُومِ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ. ثُمَّ مُنْتَهَى (¬1) هَؤُلَاءِ اتِّبَاعُ (¬2) شَيْخٍ جَاهِلٍ أَوْ ظَالِمٍ (¬3) ، وَاتِّبَاعُ هَؤُلَاءِ لِمُتَوَلٍّ ظَالِمٍ أَوْ (¬4) جَاهِلٍ مِثْلِ الَّذِي جَاعَ وَقَالَ: لَا يَأْكُلُ (¬5) مِنْ طَعَامِ الْبَلَدِ (¬6) حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (¬7) ، فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَصَارَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إِلَّا عَلَفُ الْبَهَائِمِ، فَبَيْنَا هُوَ يَدْعُو إِلَى مَثَلِ طَعَامِ الْجَنَّةِ، انْتَهَى أَمْرُهُ إِلَى عَلَفِ الدَّوَابِّ كَالْكَلَأِ النَّابِتِ فِي (¬8) الْمُبَاحَاتِ. وَهَكَذَا مَنْ غَلَا فِي الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْعَدْلِ الشَّرْعِيِّ، يَنْتَهِي أَمْرُهُ إِلَى الرَّغْبَةِ الْفَاسِدَةِ وَانْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ، كَمَا قَدْ رُؤِيَ ذَلِكَ وَجُرِّبَ. [فصل كلام الرافضي على قول أهل السنة بالقياس وأخذهم بالرأي والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬9) : وَذَهَبَ الْجَمِيعُ مِنْهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ وَالْأَخْذِ بِالرَّأْيِ، فَأَدْخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، ¬

(¬1) أ: مُنْتَهَى، ب: فَمُنْتَهَى. (¬2) و: هَذَا الِاتِّبَاعُ. (¬3) أ، ب: ظَالِمٍ أَوْ جَاهِلٍ. (¬4) أَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: لَا آكُلُ. (¬6) ن، م: الْبَلْدَةِ. (¬7) ن: طَعَامِ الْبَلْدَةِ، م، و: طَعَامِ الْجَنَّةِ. (¬8) ن: مِنَ. (¬9) فِي (ك) ص 93 (م) .

وَحَرَّفُوا أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ، وَأَحْدَثُوا (¬1) مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) وَلَا زَمَنِ صَحَابَتِهِ (¬3) ، وَأَهْمَلُوا أَقَاوِيلَ (¬4) الصَّحَابَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى تَرْكِ الْقِيَاسِ، وَقَالُوا: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ ". فَيُقَالُ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ دَعْوَاهُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِإِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ، فَقَدْ عُرِفَ فِيهِمْ طَوَائِفُ لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ، كَالْمُعْتَزِلَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ (¬5) ، وَكَالظَّاهِرِيَّةِ كَدَاوُدَ وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ. وَأَيْضًا فَفِي الشِّيعَةِ (¬6) مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ كَالزَّيْدِيَّةِ. فَصَارَ النِّزَاعُ فِيهِ بَيْنَ الشِّيعَةِ كَمَا هُوَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: الْقِيَاسُ وَلَوْ قِيلَ (¬7) : إِنَّهُ ضَعِيفٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ فِي الْعِلْمِ مَبْلَغَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ (¬8) عِلْمٌ ¬

(¬1) أ، ب: وَاتَّخَذُوا. (¬2) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬3) أ، ب: وَلَا زَمَنِ الصَّحَابَةِ، م: وَلَا زَمَنِ أَصْحَابِهِ، و: وَلَا مِنْ زَمَانِ صَحَابَتِهِ، ك: وَلَا فِي زَمَنِ صَحَابَتِهِ. (¬4) ب: تَأْوِيلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) أ، ب: كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْبَغْدَادِيِّينَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ن، م: وَفِي الشِّيعَةِ، و: وَأَيْضًا فِي الشِّيعَةِ. (¬7) قِيلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ أ، ب (¬8) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

وَإِنْصَافٌ يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمِثْلَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَعْلَمُ وَأَفْقَهُ مِنَ الْعَسْكَرِيَّيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا (¬1) . وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ مَنْقُولٌ: عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّصَّ الثَّابِتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدَّمٌ عَلَى (¬2) الْقِيَاسِ بِلَا رَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصٌّ وَلَمْ يَقُلْ (¬3) بِالْقِيَاسِ كَانَ جَاهِلًا، فَالْقِيَاسُ (¬4) الَّذِي يُفِيدُ الظَّنَّ خَيْرٌ مِنَ الْجَهْلِ الَّذِي لَا عِلْمَ مَعَهُ وَلَا ظَنَّ، فَإِنْ قَالَ هَؤُلَاءِ: كُلُّ مَا يَقُولُونَهُ هُوَ ثَابِتٌ (¬5) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ (¬6) هَذَا أَضْعَفُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَا (¬7) يَقُولُهُ الْمُجْتَهِدُ فَإِنَّهُ قَوْلُ (¬8) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ هَذَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، وَقَوْلُهُمْ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِضَةِ (¬9) فَإِنَّ قَوْلَ أُولَئِكَ كَذِبٌ صَرِيحٌ. وَأَيْضًا فَهَذَا كَقَوْلِ مَنْ يَقُولُ (¬10) : عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (¬11) مُتَلَقًّى عَنْ ¬

(¬1) أ، ب: وَأَمْثَالِهِمْ. (¬2) أ، ب: عَنْ. (¬3) ن، م: فَلَا يَقُولُ، و: وَلَا يَقُولُ. (¬4) أ، ب: وَالْقِيَاسُ. (¬5) أ، ب: هَؤُلَاءِ كَمَا يَقُولُونَهُ ثَابِتٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: كَمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن، م: هُوَ قَوْلُ. (¬9) ن: الرَّأْيِ وَقَوْلُ الرَّافِضَةِ، م: الرَّأْيِ وَقَوْلُهُ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِضَةِ. (¬10) ن، م: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ، أ، ب: فَهَذَا كَقَوْلِ مَنْ قَالَ. (¬11) ن، م: السُّنَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ (¬1) مُتَلَقًّى (¬2) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ فِي غَيْرِ (¬3) مَجَارِي الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا (¬4) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ (¬5) أَوِ الشَّيْخِ الْعَارِفِ (¬6) هُوَ إِلْهَامٌ مِنَ اللَّهِ وَوَحْيٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ. فَإِنْ قَالَ: هَؤُلَاءِ تَنَازَعُوا. قِيلَ: وَأُولَئِكَ تَنَازَعُوا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى دَعْوَى بَاطِلَةٌ إِلَّا أَمْكَنَ مُعَارَضَتُهُمْ بِمِثْلِهَا [أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا] (¬7) ، وَلَا يَقُولُونَ حَقًّا (¬8) إِلَّا كَانَ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ [مَنْ يَقُولُ] (¬9) مِثْلَ ذَلِكَ الْحَقِّ أَوْ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْبِدْعَةَ مَعَ السُّنَّةِ كَالْكُفْرِ مَعَ الْإِيمَانِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 33] . الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الَّذِينَ أَدْخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَحَرَّفُوا ¬

(¬1) وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن: مُلْتَقًى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م، و: الصَّحَابِيُّ مِنْ غَيْرِ. (¬4) ن، و، أ: تَوْفِيقًا، وَهُوَ خَطَأٌ، وَفِي (م) الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ عَنْ (ب) . (¬5) أ، و: مَنْ يَقُولُ الْمُجْتَهِدُ، ب: مَنْ يَقُولُ مَا قَالَهُ الْمُجْتَهِدُ. (¬6) الْعَارِفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ: وَلَا يَقُولُ، ب: وَلَا بِقَوْلِ حَقٍّ. (¬9) مَنْ يَقُولُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ لَيْسُوا فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ أَدْخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَكْذِبْهُ غَيْرُهُمْ، وَرَدُّوا مِنَ الصِّدْقِ مَا لَمْ يَرُدَّهُ غَيْرُهُمْ، وَحَرَّفُوا الْقُرْآنَ (¬2) تَحْرِيفًا لَمْ يُحَرِّفْهُ غَيْرُهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (¬3) : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] (¬4) نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لَمَّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 19] عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 22] الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [سُورَةُ يس: 12] عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (¬5) {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 33] (¬6) هُمْ (¬7) آلُ أَبِي طَالِبٍ (¬8) وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عِمْرَانُ، {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 12] طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 60] : ¬

(¬1) ن، م، و: عَلَى النَّبِيِّ. (¬2) و: مِنَ الْقُرْآنِ. (¬3) ن، م: مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى. (¬4) ن، م، و:. . وَالَّذِينَ آمَنُوا. . الْآيَةَ. (¬5) أ، ب: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬6) أ، ب: (وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) . (¬7) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ن: آلُ طَالِبٍ، وَهُوَ خَطَأٌ.

هُمْ (¬1) بَنُو أُمَيَّةَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 67] عَائِشَةُ، وَ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 65] لَئِنْ أَشْرَكْتَ (¬2) بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ فِي الْوِلَايَةِ. وَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ وَجَدْتُهُ فِي كُتُبِهِمْ. ثُمَّ مِنْ هَذَا دَخَلَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ فِي تَأْوِيلِ (¬3) الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، فَهُمْ أَئِمَّةُ التَّأْوِيلِ الَّذِي هُوَ تَحْرِيفُ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَمَنْ تَدَبَّرَ مَا عِنْدَهُمْ وَجَدَ فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ فِي الْمَنْقُولَاتِ (¬4) وَالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ مِنْهَا (¬5) وَالتَّحْرِيفِ لِمَعَانِيهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي صِنْفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَهُمْ قَطْعًا أَدْخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ (¬6) مَا لَيْسَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَحَرَّفُوا (كِتَابَهُ تَحْرِيفًا لَمْ يَصِلْ غَيْرُهُمْ إِلَى قَرِيبٍ مِنْهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ (¬7) : قَوْلُهُ: " وَأَحْدَثُوا مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ (¬8) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا زَمَنِ صَحَابَتِهِ، وَأَهْمَلُوا أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ ". فَيُقَالُ لَهُ: (¬9) مَتَى كَانَ مُخَالَفَةُ الصَّحَابَةِ وَالْعُدُولُ عَنْ أَقَاوِيلِهِمْ (¬10) مُنْكَرًا ¬

(¬1) هُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: أَيْ: إِنْ أَشْرَكْتَ. (¬3) ن، م، و: تَأْوِيلَاتِ. (¬4) أ، ب: مِنَ الْكُفْرِ فِي الْمَنْقُولِ. (¬5) ن، م: فِيهَا. (¬6) أ، ب: فِي الدِّينِ. (¬7) ن، م، و: الْخَامِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) أ، ب: رَسُولِ اللَّهِ. (¬9) أ، ب، و: لَهُمْ. (¬10) ن، م، و: أَقْوَالِهِمْ.

عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ؟ وَهَؤُلَاءِ مُتَّفِقُونَ (¬1) عَلَى مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ وَمُوَالَاتِهِمْ وَتَفْضِيلِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْقُرُونِ وَعَلَى (¬2) أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ، وَعَلَى (¬3) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمُ الْخُرُوجُ عَنْ إِجْمَاعِهِمْ (¬4) ، بَلْ عَامَّةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ عَنْ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يَطْعَنُ عَلَيْهِمْ بِمُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَيَنْسِبُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ؟ . فَإِنْ كَانَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حُجَّةً فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ قَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ يَجْعَلُونَهُ حُجَّةً وَقَدْ خَالَفُوهُ. قِيلَ: أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ (¬5) أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا الْإِمَامِيَّةُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، مَعَ مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ (¬6) فِي الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ - بَنُو هَاشِمٍ - (¬7) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ¬

(¬1) أ: وَلَا مُتَّفِقُونَ، ب: وَلَا هُمْ مُتَّفِقُونَ. (¬2) ب فَقَطْ: وَلَا عَلَى. (¬3) ب فَقَطْ: وَلَا عَلَى. (¬4) كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ هُنَا عَلَى أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَفَهِمَ مُحَقِّقُ نُسْخَةِ (ب) أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا عَلَى الشِّيعَةِ، فَغَيَّرَ فِي النَّصِّ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُ. (¬5) ب فَقَطْ: أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ. (¬6) ن: وَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ ; م: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ. (¬7) بَنِي هَاشِمٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ، ب: رَسُولِ اللَّهِ.

وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (¬1) مَنْ يَقُولُ بِإِمَامَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ (¬2) وَلَا بِعِصْمَةِ أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا بِكُفْرِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، بَلْ وَلَا مَنْ (¬3) يَطْعَنُ فِي إِمَامَتِهِمْ، بَلْ وَلَا مَنْ يُنْكِرُ الصِّفَاتِ، وَلَا مَنْ (¬4) يُكَذِّبُ بِالْقَدْرِ. فَالْإِمَامِيَّةُ بِلَا رَيْبٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ (¬5) الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَالِفْ لَا إِجْمَاعَ (¬6) الصَّحَابَةِ وَلَا إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ؟ . الْوَجْهُ الْخَامِسُ (¬7) : أَنَّ قَوْلَهُ: " أَحْدَثُوا مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً لَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يُحْدِثُوا هَذِهِ الْمَذَاهِبَ مَعَ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ لَمْ يَكُونُوا فِي (¬8) عَصْرٍ وَاحِدٍ، بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ تُوُفِّيَ سُنَّةَ (¬9) خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَمَالِكٌ سَنَةَ (¬10) تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَالشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: اثْنَيْ عَشَرَ. (¬3) مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) إِجْمَاعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬6) أ، ب: عَلَى مَنْ لَا يُخَالِفُ إِجْمَاعَ. (¬7) ن، م، و: السَّادِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) أ، ب: عَلَى. (¬9) ن، م: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ. (¬10) ن، م: وَمَالِكٌ تُوَفِّي سَنَةَ.

مَنْ يُقَلِّدُ الْآخَرَ وَلَا مَنْ يَأْمُرُ بِاتِّبَاعِ النَّاسِ لَهُ، بَلْ (¬1) كُلٌّ مِنْهُمْ يَدْعُو إِلَى مُتَابَعَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِذَا قَالَ: غَيْرُهُ قَوْلًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عِنْدَهُ (¬2) رَدَّهُ وَلَا يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ تَقْلِيدَهُ. وَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ اتَّبَعَهُمُ النَّاسُ، فَهَذَا لَمْ يَحْصُلْ بِمُوَطَّأَةٍ، بَلِ اتَّفَقَ أَنَّ قَوْمًا اتَّبَعُوا هَذَا، [وَقَوْمًا اتَّبَعُوا هَذَا] (¬3) كَالْحُجَّاجِ الَّذِينَ طَلَبُوا مَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ فَرَأَى قَوْمٌ هَذَا دَلِيلًا خَبِيرًا (¬4) فَاتَّبَعُوهُ، وَكَذَلِكَ الْآخَرُونَ (¬5) . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ اتِّفَاقُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى بَاطِلٍ، بَلْ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ (¬6) يُنْكِرُونَ مَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ (¬7) مِنَ الْخَطَأِ، فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ كُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَا قَالَهُ، بَلْ جُمْهُورُهُمْ (¬8) لَا يَأْمُرُونَ الْعَامِّيَّ بِتَقْلِيدِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ الْعِصْمَةَ لِلْأُمَّةِ، فَمِنْ تَمَامِ الْعِصْمَةِ أَنْ يَجْعَلَ ¬

(¬1) ن: بَلْ كَثِيرٌ. (¬2) عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: خَيِّرًا. (¬5) أ، ب: آخَرُونَ. (¬6) مِنْهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) و: مَا عِنْدَهُمْ. (¬8) أ، و، ن: بَلْ وَجُمْهُورُهُمْ.

عَدَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنْ أَخْطَأَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فِي (¬1) شَيْءٍ كَانَ الْآخَرُ قَدْ أَصَابَ فِيهِ حَتَّى لَا يَضِيعَ الْحَقُّ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ مِنَ الْخَطَأِ مَسَائِلُ، كَبَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَوْرَدَهَا، كَانَ الصَّوَابُ فِي قَوْلِ الْآخَرِ، فَلَمْ يَتَّفِقْ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى ضَلَالَةٍ أَصْلًا. وَأَمَّا خَطَأُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الدِّينِ، فَقَدْ قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ كَخَطَأِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَكُلُّ مَا خَالَفُوا فِيهِ أَهْلَ السُّنَّةِ كُلُّهُمْ فَهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ كَمَا أَخْطَأَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ الْمُسْلِمِينَ. الْوَجْهُ السَّادِسُ (¬2) : أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: " إِنَّ هَذِهِ الْمَذَاهِبَ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الصَّحَابَةِ إِنْ أَرَادَ أَنَّ الْأَقْوَالَ الَّتِي لَهُمْ (¬3) لَمْ تُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ (¬4) ، بَلْ (¬5) تَرَكُوا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ (¬6) وَابْتَدَعُوا خِلَافَ ذَلِكَ، فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ. فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ، بَلْ هُمْ -[وَسَائِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ] (¬7) مُتَّبِعُونَ لِلصَّحَابَةِ فِي أَقْوَالِهِمْ (¬8) ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬9) خَالَفَ الصَّحَابَةَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَقَاوِيلِهِمْ، فَالْبَاقُونَ يُوَافِقُونَهُمْ وَيُثْبِتُونَ خَطَأَ مَنْ يُخَالِفُهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ نَفْسَ أَصْحَابِهَا لَمْ ¬

(¬1) أ، ب: إِذَا أَخْطَأَ الْوَاحِدُ فِي. (¬2) ن، م، و: السَّابِعُ. (¬3) عِبَارَةُ الَّتِي لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، و: وَعَنِ الصَّحَابَةِ، م: وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، ب: أَوْ عَنِ الصَّحَابَةِ. (¬5) ب فَقَطْ: بِأَنْ. (¬6) ن، م: وَأَصْحَابِهِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) و: أَقَاوِيلِهِمْ. (¬9) ن، م: أَنَّ بَعْضَهُمْ.

يَكُونُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (¬1) فَهَذَا لَا (¬2) مَحْذُورَ فِيهِ. فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ قَرْنٍ يَأْتِي يَكُونُ بَعْدَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: (¬3) قَوْلُهُ: " وَأَهْمَلُوا أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ " كَذِبٌ مِنْهُ، بَلْ كُتُبُ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ مَشْحُونَةٌ بِنَقْلِ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهَا مَا لَيْسَ عِنْدَ الْأُخْرَى. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ (¬4) بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ: مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمَعَ الْآثَارَ وَمَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْهَا، فَأُضِيفَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، كَمَا تُضَافُ كُتُبُ الْحَدِيثِ إِلَى مَنْ جَمَعَهَا، كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ، وَكَمَا تُضَافُ الْقِرَاءَاتُ إِلَى مَنِ اخْتَارَهَا كَنَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ. وَغَالِبُ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ مَنْقُولٌ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَا لَيْسَ مَنْقُولًا عَمَّنْ (¬5) ، قَبْلَهُ لَكِنَّهُ (¬6) اسْتَنْبَطَهُ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ. ثُمَّ قَدْ (¬7) جَاءَ بَعْدَهُ مَنْ تَعَقَّبَ أَقْوَالَهُ (¬8) فَبَيَّنَ مِنْهَا مَا كَانَ خَطَأً عِنْدَهُ (¬9) ، كُلُّ ذَلِكَ حِفْظًا لِهَذَا الدِّينِ، حَتَّى يَكُونَ أَهْلُهُ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ: ¬

(¬1) ن، م: الْزَمَنِ. (¬2) أ، ب: فَهُوَ لَا. (¬3) ن، و: الْوَجْهُ الثَّامِنُ، م: الثَّامِنُ. (¬4) أ، ب: فَإِنْ أَرَدْتُ. (¬5) ب فَقَطْ: قَبْلَهُمْ. (¬6) أ، ب: لَكِنْ. (¬7) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: بَعْدَهُمْ مَنْ تَعَقَّبَ قَوْلَهُمْ، ن، م: بَعْدَهُ مَنْ نَقَضَ أَقْوَالَهُ. (¬9) ن، م: مَا كَانَ فِيهَا غَلَطًا عِنْدَهُ، و: مَا كَانَ غَلَطًا عِنْدَهُ.

{يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] ، فَمَتَى وَقَعَ مِنْ أَحَدِهِمْ مُنْكَرٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَلَيْسَ الْعُلَمَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 78، 79] . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ [ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ] (¬1) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ (¬2) لِأَصْحَابِهِ عَامَ الْخَنْدَقِ: " «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ; فَأَدْرَكَتْهُمْ صَلَاةُ الْعَصْرِ (¬3) فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ، فَصَلُّوا فِي الطَّرِيقِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلُّوا الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَمَا عَنَّفَ وَاحِدَةً (¬4) مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ» ". (¬5) فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَفِي (أ) ، (ب) : عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ. (¬2) ن، م، و: أَنَّهُ. (¬3) أ، ب: فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ. (¬4) ن، م: وَاحِدًا. (¬5) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ 5/112 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَحْزَابِ) ، 2/15 (كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ، بَابُ صَلَاةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ رَاكِبًا وَإِيمَاءً) ، مُسْلِمٍ 3/1391 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ الْمُبَادَرَةِ بِالْغَزْوِ) ، وَفِيهِ: أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.

الْمُجْتَهِدِينَ يَتَنَازَعُونَ فِي فَهْمِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ آثِمًا (¬2) . الْوَجْهُ الثَّامِنُ (¬3) : أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِنَّ إِجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ (¬4) الْأَرْبَعَةِ حُجَّةٌ مَعْصُومَةٌ، وَلَا قَالَ: إِنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ (¬5) فِيهَا وَإِنَّ مَا خَرَجَ عَنْهَا بَاطِلٌ، بَلْ إِذَا قَالَ: مَنْ لَيْسَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمَنْ قَبْلَهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ قَوْلًا يُخَالِفُ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (¬6) ، رُدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ (¬7) ، وَكَانَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ الْقَوْلُ (¬8) الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ (¬9) : قَوْلُهُ: " الصَّحَابَةُ نَصُّوا عَلَى تَرْكِ (¬10) الْقِيَاسِ ". يُقَالُ لَهُ: (¬11) الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ الْقِيَاسَ قَالُوا: قَدْ ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِالرَّأْيِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ وَقَاسُوا، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُمْ ذَمُّ مَا ¬

(¬1) ن، م، و: كَلَامِ الرَّسُولِ. (¬2) عِبَارَةُ: وَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمْ آثِمًا، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (م) : وَلَيْسَ فِيهِ آثِمٌ وَفِي (و) : وَلَيْسَ إِثْمٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ. (¬3) ن، م، و: التَّاسِعُ. (¬4) أ، ب: الْفُقَهَاءِ. (¬5) ن، م: مَحْصُورٌ. (¬6) ن، م، و: يُخَالِفُ الْأَرْبَعَةَ. (¬7) ن، م، و: وَالرَّسُولِ. (¬8) الْقَوْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م، و: الْعَاشِرُ. (¬10) تَرْكِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬11) ن: فَقَالَ لَهُ، م، و: يُقَالُ.

ذَمُّوهُ مِنَ الْقِيَاسِ. قَالُوا: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ صَحِيحٌ، فَالْمَذْمُومُ الْقِيَاسُ الْمُعَارِضُ لِلنَّصِّ، كَقِيَاسِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وَقِيَاسُ إِبْلِيسَ الَّذِي عَارَضَ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ (¬1) بِالسُّجُودِ لِآدَمَ (¬2) ، وَقِيَاسُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: أَتَأْكَلُونَ (¬3) مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَهُ (¬4) اللَّهُ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 121] . وَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ الَّذِي لَا يَكُونُ الْفَرْعُ فِيهِ (¬5) مُشَارِكًا لِلْأَصْلِ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ، فَالْقِيَاسُ يُذَمُّ إِمَّا لِفَوَاتِ شَرْطِهِ؛ وَهُوَ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ، وَإِمَّا لِوُجُودِ مَانِعِهِ؛ وَهُوَ النَّصُ الَّذِي يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا يَفُوتُ الشَّرْطُ إِلَّا وَالْمَانِعُ مَوْجُودٌ، وَلَا يُوجِدُ الْمَانِعُ (¬6) إِلَّا وَالشَّرْطُ مَفْقُودٌ. فَأَمَّا الْقِيَاسُ الَّذِي يَسْتَوِي (¬7) فِيهِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ، فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي يُتَّبَعُ. (¬8) وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِيهِ فَاسِدٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ قَاسُوا أَقْيِسَةً فَاسِدَةً، ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) لِآدَمَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، وَفِي (أ) : لَازِمٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) أ، ب: تَأْكُلُونَ. (¬4) ن، م، و: مَا قَتَلَ. (¬5) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) ن: الْمَنْعُ. (¬7) ن: يُوجَدُ. (¬8) أ، ب: الَّذِي لَا يُتَّبَعُ.

بَعْضُهَا بَاطِلٌ بِالنَّصِّ، وَبَعْضُهَا مِمَّا اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى بُطْلَانِهِ (¬1) ، لَكِنَّ بُطْلَانَ كَثِيرٍ مِنَ الْقِيَاسِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ جَمِيعِهِ، كَمَا أَنَّ وُجُودَ الْكَذِبِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يُوجِبُ كَذِبَ جَمِيعِهِ. وَمَدَارُ الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الصُّورَتَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي مُوجَبِ الْحُكْمِ وَمُقْتَضَاهُ (¬2) ، فَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا بِلَا شَكٍّ، وَلَكِنْ قَدْ يَظُنُّ الْقَايِسُ مَا لَيْسَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مَنَاطًا فَيَغْلَطُ، وَلِهَذَا كَانَ عُمْدَةُ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْقَايِسِينَ عَلَى بَيَانِ تَأْثِيرِ الْمُشْتَرِكِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ جَوَابَ سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْوَصْفُ الْمُشْتَرِكُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، حَتَّى يَلْحَقَ هَذَا الْفَرْعُ بِهِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ لَا تَثْبُتُ صِحَّتُهُ حَتَّى تَكُونَ الصُّورَتَانِ مُشْتَرِكَتَيْنِ (¬3) فِي الْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَلْزِمِ (¬4) لِلْحُكْمِ إِمَّا فِي الْعِلَّةِ نَفْسِهَا، وَإِمَّا فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ: تَارَةً بِإِبْدَاءِ الْجَامِعِ، وَتَارَةً بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ، فَإِذَا عُرِفَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَرْقٌ يُؤَثِّرُ، عُلِمَ اسْتِوَاؤُهُمَا (¬5) فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الْجَامِعِ. وَهُمْ يُثْبِتُونَ قِيَاسَ الطَّرْدِ، وَهُوَ إِثْبَاتٌ مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ. (* وَقِيَاسُ الْعَكْسِ وَهُوَ نَفْيُ حُكْمِ الْأَصْلِ عَنِ الْفَرْعِ، لِافْتِرَاقِهِمَا فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ *) (¬6) فَهَذَا (¬7) يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ ¬

(¬1) ن، م، و: بَعْضُهَا بِالنَّصِّ وَبَعْضُهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. (¬2) ن، م، و: وَمُقْتَضِيهِ. (¬3) و: مَسْتُورَتَيْنِ. (¬4) ن، م: الْمُلْتَزِمِ. (¬5) ن، م: اشْتِرَاكُهُمَا. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬7) أ، ب: هَذَا، ن، م: وَهَذَا.

فصل كلام الرافضي على أمور فقهية شنيعة يقول بها أهل السنة في زعمه والرد عليه

مُنْتَفِيَةٌ فِي الْفَرْعِ، وَذَاكَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُثْبَتَةِ فِي الْفَرْعِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬1) . [فصل كلام الرافضي على أمور فقهية شنيعة يقول بها أهل السنة في زعمه والرد عليه] فَصْلٌ. (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَذَهَبُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَى أُمُورٍ شَنِيعَةٍ: كَإِبَاحَةِ الْبِنْتِ الْمَخْلُوقَةِ مِنَ الزِّنَا، وَسُقُوطِ الْحَدِّ عَمَّنْ نَكَحَ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ بِنْتَهُ (¬4) مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَالنَّسَبِ بِوَاسِطَةِ عَقْدٍ يَعْقِدُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بُطْلَانَهُ، وَعَمَّنْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَزَنَى بِأُمِّهِ أَوْ بِنْتِهِ (¬5) ، وَعَنِ اللَّائِطِ مَعَ أَنَّهُ أَفْحَشُ مِنَ الزِّنَا وَأَقْبَحُ، وَإِلْحَاقِ نَسَبِ الْمَشْرِقِيَّةِ بِالْمَغْرِبِيِّ، فَإِذَا (¬6) زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ وَهِيَ فِي الْمَشْرِقِ بِرَجُلٍ هُوَ وَأَبُوهَا فِي الْمَغْرِبِ وَلَمْ يَفْتَرِقَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا (¬7) حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ (¬8) سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتِ الْبِنْتُ فِي الْمَشْرِقِ (¬9) ، الْتَحَقَ الْوَلَدُ بِالرَّجُلِ (¬10) وَهُوَ وَأَبُوهَا (¬11) فِي الْمَغْرِبِ، ¬

(¬1) أ، ب: الْمَوْضِعُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (¬2) عِنْدَ كَلِمَةِ فَصْلٍ تَبْدَأُ نُسْخَةُ (ص) ؛ نُسْخَةُ جَامِعَةِ الْإِمَامِ رَقْمُ 5026. (¬3) الرَّافِضِيُّ سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 93 (م) ، 94 (م) . (¬4) ن، م، أ، و: وَأُخْتَهُ وَبِنْتَهُ، ك: وَأُخْتَهُ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ص) ، (ب) . (¬5) ك: أَوْ بِنْتِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَالنَّسَبِ. (¬6) ن، أ: وَإِذَا. (¬7) ك: لَيْلًا نَهَارًا. (¬8) مُدَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) . (¬9) أ، ب، ص: بِالْمَشْرِقِ. (¬10) ن، م، و، أ: أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالرَّجُلِ، ك: الْتَحَقَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِالرَّجُلِ. (¬11) ك: الَّذِي هُوَ وَأَبُوهَا.

مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ سِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ، بَلْ لَوْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَقَيَّدَهُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ حَفَظَةً مُدَّةَ خَمْسِينَ سَنَةً (¬1) ، ثُمَّ وَصَلَ إِلَى بَلَدِ (¬2) الْمَرْأَةِ فَرَأَى جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنْ أَوْلَادِهَا (¬3) وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهَا (¬4) إِلَى عِدَّةِ بُطُونٍ، الْتَحَقُوا كُلُّهُمْ بِالرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَقْرَبْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ وَلَا غَيْرَهَا أَلْبَتَّةَ. وَإِبَاحَةِ النَّبِيذِ مَعَ مُشَارَكَتِهِ الْخَمْرَ (¬5) فِي الْإِسْكَارِ وَالْوُضُوءِ بِهِ، وَالصَّلَاةِ فِي جِلْدِ الْكَلْبِ، وَعَلَى الْعَذِرَةِ (¬6) الْيَابِسَةِ. وَحَكَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ، وَعِنْدَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ (¬7) الْحَنَفِيَّةِ، صِفَةَ صَلَاةِ الْحَنَفِيِّ (¬8) ، فَدَخَلَ دَارًا مَغْصُوبَةً وَتَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ، وَكَبَّرَ وَقَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ (¬9) [مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَقَرَأَ: {مُدْهَامَّتَانِ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 64] لَا غَيْرَ بِالْفَارِسِيَّةِ] (¬10) ثُمَّ طَأْطَأَ ¬

(¬1) ن، م: خَمْسِ سِنِينَ، و: خَمْسَةِ سِنِينَ. (¬2) أ، ب، ص: بِلَادِ. (¬3) أ، ب، ص: مِنْ وَلَدِهَا. (¬4) أ، ص، و: وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ. (¬5) ن، م: لِلْخَمْرِ. (¬6) ك: وَالسُّجُودِ عَلَى الْعَذِرَةِ. (¬7) أ، ب، ص: الْفُقَهَاءِ. (¬8) أ، ب، ص: الْحَنَفِيَّةِ. (¬9) ك: وَكَبَّرَ بِالْفَارِسِيَّةِ. (¬10) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

رَأْسَهُ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ، وَسَجَدَ كَذَلِكَ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ بِقَدْرِ حَدِّ السَّيْفِ، ثُمَّ سَجَدَ، وَقَامَ فَفَعَلَ كَذَلِكَ (¬1) ثَانِيَةً، ثُمَّ أَحْدَثَ فِي مَقَامِ التَّسْلِيمِ، فَتَبَرَّأَ (¬2) الْمَلِكُ - وَكَانَ حَنَفِيًّا - مِنْ هَذَا (¬3) الْمَذْهَبِ. وَأَبَاحُوا الْمَغْصُوبَ لَوْ غَيَّرَ (¬4) الْغَاصِبُ الصِّفَةَ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّ سَارِقًا دَخَلَ بِدَارِ شَخْصٍ (¬5) لَهُ فِيهِ (¬6) دَوَابُّ وَرَحًى وَطَعَامٌ، فَطَحَنَ السَّارِقُ الطَّعَامَ بِالدَّوَابِّ وَالْأَرْحِيَةِ (¬7) مَلَكَ ذَلِكَ الطَّحِينَ بِذَلِكَ (¬8) ، فَلَوْ جَاءَ الْمَالِكُ وَنَازَعَهُ كَانَ الْمَالِكُ ظَالِمًا، وَالسَّارِقُ مَظْلُومًا (¬9) ، فَلَوْ تَقَاتَلَا فَإِنْ قُتِلَ الْمَالِكُ كَانَ هَدَرًا (¬10) وَإِنْ قُتِلَ السَّارِقُ كَانَ شَهِيدًا. وَأَوْجَبُوا الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي إِذَا كَذَّبَ الشُّهُودَ (¬11) ، وَأَسْقَطُوهُ (¬12) إِذَا صَدَّقَهُمْ، فَأُسْقِطَ (¬13) الْحَدُّ مَعَ اجْتِمَاعِ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا ¬

(¬1) ن، م: فَفَعَلَ ذَلِكَ. (¬2) ن، م، و: ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَبَرَّأَ، أ: ثُمَّ أَحْدَثَ قَالَ، ك: ثُمَّ أَحْدَثَ بِمَقَامِ التَّسْلِيمِ فَتَبَرَّأَ. (¬3) ن: مِنْ ذَلِكَ، أ: لِمَنْ هَذَا. (¬4) أ، ب، ص: الْمَغْصُوبَ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ لَوْ غَيَّرَ. (¬5) ص، ب: مَدَارَ شَخْصٍ، ن، و: مَدَارَ الشَّخْصِ، م: دَارَ الشَّخْصِ. (¬6) ن، م: فِيهَا. (¬7) ك: السَّارِقُ طَعَامَ صَاحِبِ الدَّارِ بِدَوَابِّهِ وَأَرْحِيَتِهِ. (¬8) ك: مَلَكَ الطَّحْنَ بِذَلِكَ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ (مَلَكَ) مِنْ (ص) . (¬9) ن، م: وَكَانَ السَّارِقُ مَظْلُومًا، و: وَإِنَّ السَّارِقَ مَظْلُومًا. (¬10) ن، م: فَلَوْ قُتِلَ الْمَالِكُ كَانَ ظَالِمًا. (¬11) ص، أ: إِذَا كَذَّبُوا الشُّهُودَ. (¬12) وَأَسْقَطُوهُ: كَذَا فِي (ك) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ وَأَسْقَطَهُ. (¬13) ك: فَأَسْقَطُوا.

ذَرِيعَةٌ إِلَى إِسْقَاطِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَصَدَّقَ (¬1) الشُّهُودَ يَسْقُطْ (¬2) عَنْهُ الْحَدُّ وَإِبَاحَةِ (¬3) أَكْلَ الْكَلْبِ وَاللِّوَاطَ بِالْعَبِيدِ، (¬4) وَإِبَاحَةِ الْمَلَاهِي كَالشِّطْرَنْجِ وَالْغِنَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ [الَّتِي لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ] (¬5) . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا] : (¬6) أَنَّهُ [فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا هُوَ كَذِبٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا سَائِرُهَا] (¬7) فَلَيْسَ (¬8) فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةٌ إِلَّا وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهَا بَعْضُهُمْ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ خَطَأً فَالصَّوَابُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَالصَّوَابُ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَيْضًا. فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْرُجُ الصَّوَابُ عَنْ قَوْلِ (¬9) أَهْلِ السُّنَّةِ. الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: الرَّافِضَةُ يُوجَدُ فِيهِمْ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ يَعْرِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ، مِنْهَا مَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ: مِثْلَ تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ (¬10) ، فَيُعَطِّلُونَ (¬11) الْمَسَاجِدَ الَّتِي أَمَرَ ¬

(¬1) ك: فَلْيُصَدِّقِ. (¬2) ن، م، و: فَيَسْقُطَ، ص، ك: لِيَسْقُطَ. (¬3) ص، و، أ: وَأَبَاحُوا. (¬4) و: وَالْعَبِيدِ، ص: بِالْعَبْدِ، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ك) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: أَنَّهُ لَيْسَ. (¬9) قَوْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) . (¬10) وَالْجَمَاعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) . (¬11) ص، أ: فَيُبْطِلُونَ.

اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ (¬1) وَيُعَمِّرُونَ الْمَشَاهِدَ الَّتِي حَرَّمَ (¬2) اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِنَاءَهَا، وَيَجْعَلُونَهَا بِمَنْزِلَةِ دُورِ الْأَوْثَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ زِيَارَتَهَا كَالْحَجِّ، كَمَا صَنَّفَ الْمُفِيدُ (كِتَابًا سَمَّاهُ " مَنَاسِكَ حَجِّ الْمَشَاهِدِ "، وَفِيهِ مِنَ الْكَذِبِ وَالشِّرْكِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ كَذِبِ النَّصَارَى وَشِرْكِهِمْ (¬3) ، وَمِنْهَا تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ (¬4) ، مُضَاهَاةً لِلْيَهُودِ، وَمِنْهَا وَتَحْرِيمُ (¬5) ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَحْرِيمُ نَوْعٍ مِنَ السَّمَكِ، وَتَحْرِيمُ بَعْضِهِمْ لَحْمَ الْجَمَلِ (¬6) ، وَاشْتِرَاطُ بَعْضِهِمْ فِي الطَّلَاقِ الشُّهُودَ [عَلَى الطَّلَاقِ] ، وَإِيجَابُهُمْ (¬7) أَخْذَ خُمُسِ مَكَاسِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَعْلُهُمُ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْبِنْتِ دُونَ الْعَمِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعَصَبَةِ (¬8) وَالْجَمْعُ الدَّائِمُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (¬9) ، وَمِثْلُ صَوْمِ (¬10) بَعْضِهِمْ بِالْعَدَدِ لَا بِالْهِلَالِ، يَصُومُونَ قَبْلَ الْهِلَالِ وَيُفْطِرُونَ قَبْلَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ (¬11) مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُعْلَمُ عِلْمًا يَقِينِيًّا (¬12) أَنَّهَا خِلَافُ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، الَّذِي ¬

(¬1) ن، م: وَالْجَمَاعَةِ. (¬2) ن، م: ذَمَّ. (¬3) أ، ب، ص: شِرْكِ النَّصَارَى وَكَذِبِهِمْ. (¬4) ن، م، و: تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. (¬5) ن، م: وَتَحْرِيمُ. (¬6) ن، م، و: الْإِبِلِ. (¬7) ن، م، و: فِي الطَّلَاقِ وَالشُّهُودِ، وَإِيجَابُهُمْ. (¬8) ن، م: الْعَصَبِيَّةِ. (¬9) ن، م، و: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ دَائِمًا. (¬10) ن، م، و: وَصَوْمُ. (¬11) ن، م، و: وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. (¬12) ص: تُعْلَمُ عِلْمًا يَقِينًا، أ: تُعْلَمُ عِلْمًا يَقِينِيًّا.

بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) وَأَنْزَلَ بِهِ (كِتَابَهُ. [وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ بَعْضِ أُمُورِهِمْ (¬2) الَّتِي هِيَ مِنْ أَظْهَرِ الْأُمُورَ إِنْكَارًا فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ] (¬3) وَلَهُمْ مَقَالَاتٌ (¬4) بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَهُمْ (¬5) عَلَيْهَا بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ: مِثْلُ إِحْلَالِ الْمُتْعَةِ وَأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَقَعُ وَإِنْ قُصِدَ إِيقَاعُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالْكِنَايَاتِ (¬6) وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ لَهَا مَأْخَذٌ عِنْدَ مَنْ قَالَهَا مِنَ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ أَنْفُسُهُمْ يُثْبِتُونَ خَطَأَهَا (¬7) ، فَلَا يَخْرُجُ بَيَانُ الصَّوَابِ عَنْهُمْ، كَمَا لَا يَخْرُجُ الصَّوَابُ عَنْهُمْ (¬8) ، فَالْمَخْلُوقَاتُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا يُحَرِّمُهَا جُمْهُورُهُمْ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَحَكَى ذَلِكَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ (¬9) . ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) ، (و) . (¬2) ص: ذِكْرَ بَعْضِ الْأُمُورِ، و: بَعْضَ ذِكْرِ أُمُورِهِمُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) و: مَفَارِيدُ، ن: مَقَادِيرُ، م: مَعَاذِيرُ. (¬5) أ، ب، ص: وَإِنْ وَافَقَهُمْ. (¬6) ن، م: بِالْكِتَابِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن: وَأَهْلُ السُّنَّةِ يُثْبِتُونَ خَطَأَهَا، م: وَأَهْلُ السُّنَّةِ يُبَيِّنُونَ خَطَأَهَا، و، ص، أ: فَأَهْلُ السُّنَّةِ نُفُوسُهُمْ يُثْبِتُونَ خَطَأَهَا. (¬8) ن، م، و: فَلَا يَخْرُجُ الْبَيَانُ عَنْهُمْ، كَمَا لَا تَخْرُجُ بَيَانُ الصَّوَابِ عَنْهُمْ. (¬9) ن: كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَحَكَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، م: كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَحَكَى ذَلِكَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، و: كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَحَكَى ذَلِكَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ.

وَأَحْمَدُ لَمْ يَكُنْ يَظُنُّ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ نِزَاعًا (¬1) حَتَّى أَفْتَى بِقَتْلِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالَّذِينَ قَالُوهَا كَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ رَأَوُا النَّسَبَ مُنْتَفِيًا لِعَدَمِ الْإِرْثِ (¬2) ، فَانْتَفَتْ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا، وَالتَّحْرِيمُ (¬3) مِنْ أَحْكَامِهِ، وَالَّذِينَ أَنْكَرُوهَا (¬4) قَالُوا: أَحْكَامُ الْأَنْسَابِ (¬5) تَخْتَلِفُ، فَيَثْبُتُ لِبَعْضِ الْأَنْسَابِ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَثْبُتُ لِبَعْضٍ، فَبَابُ التَّحْرِيمِ يَتَنَاوَلُ مَا شَمَلَهُ اللَّفْظُ وَلَوْ مَجَازًا حَتَّى تَحْرُمَ بِنْتُ الْبِنْتِ، بَلْ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، فَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْمَيِّتِ مِنْ وَلَدِهِ، فَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبَنِينَ دُونَ وَلَدِ الْبَنَاتِ. وَأَمَّا عَقْدُهُ عَلَى ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ جَعَلَ ذَلِكَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ لِوُجُودِ صُورَةِ الْعَقْدِ. وَأَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ شُبْهَةً، بَلْ قَالُوا: هَذَا مِمَّا يُوجِبُ تَغْلِيظَ الْحَدِّ عُقُوبَةً (¬6) لِكَوْنِهِ فَعَلَ مُحَرَّمَيْنِ: الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ (¬7) . ¬

(¬1) أ، ص: يَظُنُّ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ نِزَاعٌ، ن: يَظُنُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، م: يَظُنُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا، و: يَظُنُّ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ نِزَاعٌ. (¬2) عِنْدَ عِبَارَةِ (عَدَمِ الْإِرْثِ) تَبْدَأُ الْمُقَابَلَةُ مَعَ نُسْخَةِ ر؛ نُسْخَةُ جَامِعَةِ الرِّيَاضِ رَقْمُ 214 \ م. ت (الْفِيلْمُ رَقَمُ 29) الْجُزْءُ الثَّالِثُ. (¬3) عِنْدَ كَلِمَةِ " وَالتَّحْرِيمُ " تَبْدَأُ الْمُقَابَلَةُ مَعَ نُسْخَةِ هـ؛ نُسْخَةُ جَامِعَةِ الْإِمَامِ رَقْمُ 5264. (¬4) ن، م: أَنْكَرُوهُ. (¬5) ن، م، و: النَّسَبِ. (¬6) تَغْلِيظَ الْحَدِّ عُقُوبَةً: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (م) ، (و) ، (ص) ، (هـ) : تَغْلِيظَ الْعُقُوبَةِ، وَفِي (ر) : تَغْلِيظَ عُقُوبَتِهِ. (¬7) أ: فِعْلُ مُحَرَّمٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، ب: فَعَلَ مُحَرَّمًا بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ.

وَكَذَلِكَ اللِّوَاطُ، أَكْثَرُ السَّلَفِ يُوجِبُونَ قَتْلَ فَاعِلِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ (¬1) . يُقْتَلُ الْمَفْعُولُ بِهِ مُطْلَقًا إِذَا كَانَ بَالِغًا. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ حَدَّهُ حَدُّ الزَّانِي (¬2) .، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا. وَإِذَا قِيلَ: الْفَاعِلُ كَالزَّانِي فَقِيلَ: يُقْتَلُ الْمَفْعُولُ بِهِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ، وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ كَالْفَاعِلِ. وَسُقُوطُ الْحَدِّ مِنْ مُفْرَدَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا إِلْحَاقُ النَّسَبِ فِي تَزْوِيجِ الْمَشْرِقِيَّةِ بِالْمَغْرِبِيِّ فَهَذَا (¬3) . أَيْضًا مِنْ مَفَارِيدِ (¬4) . أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَصْلُهُ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنَّ النَّسَبَ عِنْدَهُ يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ. فَهُوَ يُقَسِّمُ (¬5) . الْمَقْصُودَ بِهِ، فَإِذَا ادَّعَتِ امْرَأَتَانِ وَلَدًا (¬6) . أَلْحَقَهُ بِهِمَا بِمَعْنَى: أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ مِيرَاثَهُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْهُمَا. وَكَذَلِكَ فِيمَا إِذَا طَلَّقَ الْمَرْأَةَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ وَطْئِهَا، فَجَعَلَ الْوَلَدَ لَهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَائِهِ. ¬

(¬1) الْقَوْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) أ، ب: الثَّانِي أَنَّ حَدَّهُ حَدُّ الزِّنَا (¬3) ن، م: فِي الْمُزَوَّجِ بِالْمَشْرِقِيَّةِ فَهَذَا، و: الْمُزَوَّجِ بِالْمَشْرِقِيَّةِ وَهُوَ بِالْمَغْرِبِ فَهَذَا (¬4) أ، ب: مُفْرَدَاتِ (¬5) أ، ب: يُقَيِّمُ (¬6) وَلَدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

وَحَقِيقَةُ مَذْهَبِهِ (¬1) . أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي الْحُكْمِ بِالنَّسَبِ ثُبُوتَ الْوِلَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلِ الْوَلَدُ عِنْدَهُ لِلزَّوْجِ الَّذِي هُوَ لِلْفِرَاشِ (¬2) . مَعَ قَطْعِهِ أَنَّهُ لَمْ يُحْبِلْهَا. وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ، وَلَمْ تُعْرَفِ الْمُطَلَّقَةُ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا أَحْمَدُ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا (¬3) .، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَتَوَقَّفَ فِي الْأَمْرِ فَلَمْ يَحْكُمْ أ، ب: (¬4) . بِشَيْءٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ لَهُ: (¬5) . الْأَمْرُ أَوْ يَصْطَلِحَا. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يُخَالِفُونَهُ وَيَقُولُونَ: إِذَا عُلِمَ انْتِفَاءُ الْوِلَادَةِ لَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُ النَّسَبِ وَلَا حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ بَعْضُ الْأَحْكَامِ مَعَ انْتِفَاءِ الْوِلَادَةِ. كَمَا يَقُولُ فِيمَا إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ: أَنْتَ ابْنِي، يَجْعَلُ ذَلِكَ كِنَايَةً فِي عِتْقِهِ لَا إِقْرَارًا بِنَسَبِهِ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ: هُوَ إِقْرَارٌ عُلِمَ كَذِبُهُ فِيهِ، فَلَا (¬6) : يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ. فَالشَّنَاعَةُ الَّتِي شَنَّعَ بِهَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَتْ حَقًّا، فَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ يُوَافِقُونَ عَلَيْهَا. وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا (¬7) . لَمْ تَضُرَّهُمْ شَيْئًا (¬8) . مَعَ ¬

(¬1) ن، م: وَحَقِيقَةُ مِثْلِ هَذِهِ (¬2) أ، ب: فِرَاشُهُ، ن، م، هـ، ص، ر: فِرَاشٌ (¬3) سَاقِطٌ مِنَ (أ) ، (ب) (¬4) وَالشَّافِعِيُّ يُوقِفُ الْأَمْرَ فَلَا يَحْكُمُ، ن، هـ، و، ص، ر: وَالشَّافِعِيُّ يُوقِفُ الْأَمْرَ وَلَمْ يَحْكُمْ (¬5) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) ، (ر) (¬6) ن، م، و: هَذَا الْإِقْرَارُ و: إِقْرَارٌ، عُلِمَ كَذِبُهُ فَلَا. (¬7) و: بَاطِلَةً (¬8) أ، ب: لَمْ يَضُرَّهُمْ شَيْءٌ، ن: لَمْ يُضِرْهُمْ شَيْئًا، م: لَمْ يَضُرَّهُمْ شَيْئًا

الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة يبيحون النبيذ

أَنَّهُ يُشَنِّعُ تَشْنِيعَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَاءِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَجْتَمِعْ بِامْرَأَتِهِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَقَلُّ النَّاسِ عَقْلًا، فَكَيْفَ بِمِثْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؟ وَلَكِنَّهُ يُثْبِتُ حُكْمَ النَّسَبِ بِدُونِ الْوِلَادَةِ، وَهُوَ أَصْلٌ انْفَرَدَ بِهِ وَخَالَفَهُ فِيهِ فِيهِ: (¬1) . الْجُمْهُورُ وَخَطَّئُوا مَنْ قَالَ بِهِ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُ النَّسَبَ إِذَا أَمْكَنَ وَطْءُ الزَّوْجِ لَهَا، كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إِلَّا إِذَا دَخَلَ بِهَا. وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ (¬2) . مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ حِلِّ الْأَنْبِذَةِ (¬3) . قَدْ عُلِمَ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ وَيُبَالِغُونَ فِيهِ حَتَّى يَحُدُّونَ الشَّارِبَ الْمُتَأَوِّلَ، وَلَهُمْ فِي فِسْقِهِ قَوْلَانِ: مَذْهَبُ (¬4) . مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَفْسُقُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَفْسُقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَقُولُ بِالتَّحْرِيمِ. وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْإِنْصَافِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، كَأَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَنَحْوِهِ. [الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة يبيحون النبيذ] وَقَوْلُ [هَذَا الرَّافِضِيِّ] (¬5) . " وَإِبَاحَةُ النَّبِيذِ مَعَ مُشَارَكَتِهِ الْخَمْرَ فِي ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) قَوْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ (¬3) ص: النَّبِيذِ (¬4) أ: فَمَذْهَبُ (¬5) ن، م: وَقَوْلُهُ: هـ، ص، ر: وَقَالَ الرَّافِضِيُّ

الْإِسْكَارِ " احْتِجَاجٌ مِنْهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ، فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا بَطَلَ إِنْكَارُهُ (¬1) . وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا بَطَلَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ. وَلَوِ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ (¬2) . حَرَامٌ» " (¬3) لَكَانَ أَجْوَدَ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يُنْكِرُونَهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا. وَإِنَّمَا أُخِذَ ذَلِكَ لِحَدِيثٍ لِحَدِيثٍ: (¬4) . رُوِيَ فِي هَذَا هَذَا: (¬5) . الْبَابِ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ م: (¬6) . وَفِيهِ: " «تَمْرَةٌ (¬7) . طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» ". وَالْجُمْهُورُ مِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفُ (¬8) . هَذَا الْحَدِيثَ (¬9) .، وَيَقُولُونَ: إِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مَنْسُوخٌ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: إِنْكَارُهُ لَهُ (¬2) هـ ص، ر: وَكُلُّ مُسْكِرٍ (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص [0 - 9] 40 (¬4) كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِحَدِيثٍ (¬5) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬6) الْبَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (¬7) أ، ب: ثَمَرَةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬8) ن، م، و: وَالْجُمْهُورُ يُضَعِّفُونَ، أ، ب: وَالْجُمْهُورُ مِنْهُمْ يُضَعِّفُ (¬9) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/54 (كِتَابُ الطَّهُورِ، بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ) ، وَنَصُّهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ: مَا فِي إِدَاوَتِكَ؟ قَالَ: نَبِيذٌ. قَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/59 - 60 (كِتَابُ الطَّهُورِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا تُعْرَفُ لَهُ رِوَايَةٌ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/135 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ وَسُنَنِهَا، بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/309 - 310 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ 6/146 - 147

بِآيَةِ الْوُضُوءِ وَآيَةِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَمْ يَصِرْ نَبِيذًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَاءُ (¬1) . بَاقِيًا لَمْ يَتَغَيَّرْ، أَوْ تَغَيَّرْ تَغَيُّرًا يَسِيرًا أَوْ تَغَيُّرًا كَثِيرًا، مَعَ كَوْنِهِ مَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ، كَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَمَاءِ الْحِمَّصِ وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي أَكْثَرِ (¬2) . الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَهُوَ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ مِنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ (¬3) . {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 43] (¬4) . نَكِرَةٌ (¬5) . فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَيَعُمُّ مَا تَغَيَّرَ بِإِلْقَاءِ هَذِهِ الطَّاهِرَاتِ (¬6) . فِيهِ، كَمَا يَعُمُّ مَا تَغَيَّرَ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ، أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ (¬7) ، إِذْ شُمُولُ اللَّفْظِ لَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الْبَحْرِ. وَقَدْ (¬8) . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قِيلَ لَهُ «أَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ [فَإِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطَشْنَا. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬9) " وَهُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ (¬10) ، فَمَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ، مَعَ ¬

(¬1) الْمَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) أ، ب: وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرُ (¬3) أ، ب: فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى (¬4) أ، ب: قَوْلَهُ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً، و: قَوْلَهُ مَاءً (¬5) ن، م: يُكْرَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬6) ن، م، و: الْأُمُورِ، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (أ) ، (ب) (¬7) ص فَقَطْ: صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ. (¬8) وَقَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَسَقَطَتْ مِنْ (و) عِبَارَةُ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬10) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/54 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/47 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَنَّهُ طَهُورٌ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَالْفِرَاسِيِّ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/44 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ مَاءِ الْبَحْرِ) 1/143 (كِتَابُ الْمِيَاهِ، بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ) ، 7/183 (كِتَابُ الصَّيْدِ، بَابُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ، 12/222 - 223، 17 64، 183.

الكلام على قول الرافضي بإباحة أهل السنة للصلاة في جلد الكلب

كَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْمُلُوحَةِ وَالْمَرَارَةِ وَالزُّهُومَةِ (¬1) . فَالْمُتَغَيِّرُ بِالطَّاهِرَاتِ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُ، لَكِنَّ ذَاكَ تَغَيُّرٌ أَصْلِيٌّ وَهَذَا طَارِئٌ. وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَعُودُ إِلَى اسْمِ الْمَاءِ، وَمَنِ اعْتَبَرَهُ جَعَلَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَنَحْوِهِ، وَلَكِنْ أُبِيحَ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنِ الْمُغَيِّرَاتِ (¬2) . وَالْأَصْلُ ثُبُوتُ الْأَحْكَامِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لَا عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا دَاخِلًا فِي اللَّفْظِ دَخَلَ الْآخَرُ (¬3) ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذِهِ دَلَالَةٌ لَفْظِيَّةٌ لَا قِيَاسِيَّةٌ، حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهَا الْمَشَقَّةُ وَعَدَمُهَا. [الكلام على قول الرافضي بإباحة أهل السنة للصلاة في جلد الكلب] وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي جِلْدِ الْكَلْبِ، فَإِنَّمَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ (¬4) . مَدْبُوغًا. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، لَيْسَ هَذَا (¬5) مِنْ مَفَارِيدِهِ، وَحُجَّتُهُمْ (¬6) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» ". (¬7) وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الشَّنَاعَاتِ (¬8) وَلَوْ قِيلَ ¬

(¬1) و: وَالزَّفْرَةِ (¬2) ن، هـ، ص، ر: الْمُتَغَيِّرَاتِ (¬3) ن: دَخَلَ فِي الْآخَرِ، م: دَخَلَ فِيهِ الْآخَرُ. (¬4) ن، م: تَجُوزُ إِذَا كَانَ، و: يَجُوزُ إِذَا كَانَ، ص، ر، هـ: يُجَوِّزُهُ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ (¬5) أ، ب: هُوَ، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ر) . (¬6) أ، ب: وَحُجَّتُهُ. (¬7) انْظُرْ كَلَامِي عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ سُطُورٍ قَلِيلَةٍ. (¬8) ن، م: لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ التَّشَانِيعِ، و، ص، هـ، ز: وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَسَائِلَ الشَّنَائِعِ.

: لِهَذَا الْمُنْكِرِ: هَاتِ دَلِيلًا قَاطِعًا قَاطِعًا: (¬1) عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ، لَمْ يَجِدْهُ، بَلْ لَوْ طُولِبَ بِدَلِيلٍ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَلْبِ لِيَرُدَّ بِهِ عَلَى مَالِكٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ [عَنْهُ فَإِنَّهُ يَكْرَهُهُ وَلَا يُحَرِّمُهُ] (¬2) لَمْ يَكُنْ هَذَا الرَّدُّ مِنْ صِنَاعَتِهِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جِلْدَ الْكَلْبِ - بَلْ وَسَائِرَ السِّبَاعِ - لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ. لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ] (¬3) أَنَّهُ «نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ» (¬4) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) : " «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» " ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ [مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ] (¬6) وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (¬7) ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ الْهُذَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/96 - 97 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي جُلُودِ النُّمُورِ وَالسِّبَاعِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/152 - 153 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/156 (كِتَابُ الْفَرْعِ وَالْعَتِيرَةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ السِّبَاعِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5 - 75 وَانْظُرْ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/155 (كِتَابُ الْفَرْعِ وَالْعَتِيرَةِ، بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ) ، حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ. . (¬5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (أ) ، (ب) : مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ. (¬7) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مُسْلِمٍ: 1/277 (كِتَابُ الْحَيْضِ، بَابُ طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ) ، وَلَفْظُهُ: إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ، وَانْظُرْ شَرْحَ النَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ 4/53 - 54 وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/93 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابٌ فِي أُهُبِ الْمَيْتَةِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/135 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/153 (كِتَابُ الْفَرْعِ وَالْعَتِيرَةِ، بَابُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1193 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ لُبْسِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/273 - 274 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ 4/144، 5/71. .

وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْكَلْبِ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةَ تَعْجَزُ عَنْ إِقَامَةِ دَلِيلٍ يَرُدُّونَ بِهِ عَلَى مَالِكٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (¬1) وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْعَذِرَةِ الْيَابِسَةِ بِلَا حَائِلٍ، فَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَكِنْ إِذَا أَصَابَتِ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ، فَذَهَبَتْ بِالشَّمْسِ أَوِ الرِّيحِ أَوِ الِاسْتِحَالَةِ، فَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ (¬2) . طَهَارَةُ الْأَرْضِ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا (¬3) . هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مَنْ لَا يُطَهِّرُهَا بِذَلِكَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِفَةِ (¬4) الصَّلَاةِ الَّتِي يُجِيزُهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَفَعَلَهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمُلُوكِ حَتَّى رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِ، فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ ; لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ (¬5) أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَهَذِهِ الصَّلَاةُ يُنْكِرُهَا جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَذْهَبِ مَالِكٍ (¬6) وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَالْمَلِكُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ، وَإِنَّمَا رَجَعَ إِلَى مَا ظَهَرَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (هـ) ، (ر) ، وَبَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (أ) ، (ب) لَا يَعْرِفُهَا هَذَا الْإِمَامِيُّ، وَفِي (هـ) ، (ص) ، (ر) لَا يَعْرِفُهَا هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةُ. (¬2) أ، ب، م: الْأَكْثَرِ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) صِفَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: لَا يُخْطِئُ. (¬6) أ، ب: كَمَالِكٍ.

الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة أباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة

وَأَعْدَلِهِمْ (¬1) وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قِيَامًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ لَا سِيَّمَا الرَّافِضَةُ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَمَرَ بِلَعْنَتِهِمْ وَلَعْنَةِ (¬2) أَمْثَالِهِمْ فِي بِلَادِهِ، وَكَانَ الْحَاكِمُ الْعُبَيْدِيُّ بِمِصْرَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ فَأَحْرَقَ كِتَابَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِهِ، وَنَصَرَ أَهْلَ السُّنَّةِ نَصْرًا مَعْرُوفًا عَنْهُ. (¬3) [الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة أباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة] قَوْلُهُ: " وَأَبَاحُوا الْمَغْصُوبَ لَوْ غَيَّرَ الْغَاصِبُ الصِّفَةَ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّ سَارِقًا دَخَلَ مَدَارًا لَشَخْصٍ (¬4) لَهُ (¬5) فِيهِ دَوَابٌّ وَرَحًى وَطَعَامٌ، فَطَحَنَ السَّارِقُ طَعَامَ صَاحِبِ الْمَدَارِ بِدَوَابِّهِ وَأَرْحِيَتِهِ، مَلَكَ (¬6) الطَّحِينَ بِذَلِكَ، فَلَوْ جَاءَ الْمَالِكُ وَنَازَعَهُ، كَانَ الْمَالِكُ ظَالِمًا وَالسَّارِقُ مَظْلُومًا، فَلَوْ تَقَاتَلَا فَإِنْ قُتِلَ الْمَالِكُ كَانَ هَدَرًا (¬7) وَإِنْ قُتِلَ السَّارِقُ كَانَ شَهِيدًا ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (¬8) لَيْسَتْ قَوْلَ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ (¬9) . ¬

(¬1) وَأَعْدَلِهِمْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب: وَكَانَ قَدْ أَمَرَ بِلَعْنِهِمْ وَلَعْنِ، وَسَقَطَتْ " قَدْ " مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) السُّلْطَانُ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ الْغَزْنَوِيُّ، فَاتِحُ الْهِنْدِ، امْتَدَّتْ سَلْطَنَتُهُ فِي عَهْدِ الْخَلِيفَةِ الْقَادِرِ بِاللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ مِنْ أَقَاصِي الْهِنْدِ إِلَى نَيْسَابُورَ، وُلِدَ سَنَةَ 361 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 421، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 12/19 - 31، الْكَامِلِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 9/138 - 319، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 4/262 - 269، الْأَعْلَامِ 8/47 - 48، وَانْظُرْ دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 6/253. . (¬4) م، أ: دَارًا لِشَخْصٍ. (¬5) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ص، ر: لَمَلَكَ. (¬7) ن، م، ص، هـ، ر، و: ظَالِمًا. (¬8) ن، م، ص، هـ، ر، و: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوَّلًا. (¬9) أ، ب: قَوْلَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، م: قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ

وَإِنَّمَا قَالَهَا مَنْ يُنَازِعُهُ فِيهَا جُمْهُورُهُمْ، وَيَرُدُّونَ قَوْلَهُ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَهِيَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ (¬1) ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَنَازِعُونَ (¬2) فِي الْغَاصِبِ إِذَا غَيَّرَ الْمَغْصُوبَ بِمَا أَزَالَ اسْمَهُ، كَطَحْنِ الْحَبِّ الْحَبِّ: (¬3) ، فَقِيلَ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ إِتْلَافِهِ فَيَجِبُ لِلْمَالِكِ (¬4) الْقِيمَةُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ، وَالزِّيَادَةُ لَهُ (¬5) وَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهُوَ قَوْلُ (¬6) الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: بَلْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالنَّقْصِ إِنْ نَقَصَ (¬7) ، وَبَيْنَ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ وَتَرْكِ الْعَيْنِ لِلْغَاصِبِ، [وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ] (¬8) ، وَإِذَا أَخَذَ الْعَيْنَ فَقِيلَ: يَكُونُ (¬9) الْغَاصِبُ شَرِيكًا بِمَا أَحْدَثَهُ فِيهِ مِنَ الصَّنْعَةِ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَحِينَئِذٍ فَالْقَوْلُ الَّذِي أَنْكَرَهُ خِلَافُ قَوْلِ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ. ثُمَّ إِنَّهُ كَذَبَ فِي نَقْلِهِ بِقَوْلِهِ (¬10) : " لَوْ تَقَاتَلَا كَانَ الْمَالِكُ ظَالِمًا "، فَإِنَّ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م، و: الْعُلَمَاءَ فَإِنَّهُمْ مُتَنَازِعُونَ. (¬3) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن: لِلْهَالِكِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن: لَهَا، وَسَقَطَتْ مِنْ (ر) . (¬6) ن، م، ص، هـ، ر، و: كَقَوْلِ. (¬7) ن، م: إِنْ نَقَصَتْ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬9) أ، ب: الْعَيْنَ فَقَدْ يَكُونُ، ن، م: الْعَيْنَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ. (¬10) أ، ب: لِقَوْلِهِ.

الْمَالِكَ إِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا لَا يَعْتَقِدُ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ، لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، وَلَمْ تَجُزْ مُقَاتَلَتُهُ، بَلْ إِذَا تَنَازَعَا تَرَافَعَا (¬1) إِلَى مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، إِذَا كَانَ اعْتِقَادُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُهُ، وَاعْتِقَادُ الْآخَرِ أَنَّهَا مِلْكُهُ. وَأَيْضًا فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ غَصَبَ الْحَبَّ ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ طَحَنَهُ، وَبَيْنَ مَنْ قَصَدَ بِطَحْنِهِ تَمَلُّكَهُ (¬2) ، فَإِنَّ مُعَاقَبَةَ هَذَا بِنَقِيضِ (¬3) قَصْدِهِ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي أَنْكَرَهَا كُلُّهَا مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، لَيْسَ فِيهَا لِغَيْرِهِ إِلَّا مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ (¬4) الزِّنَا لِلشَّافِعِيِّ. فَيُقَالُ لَهُ: الشِّيعَةُ تَقُولُ: إِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ إِذَا اضْطَرَّ الْإِنْسَانُ إِلَى اسْتِفْتَاءِ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ اسْتَفْتَى الْحَنَفِيَّةَ، وَيُرَجِّحُونَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُمْ لِنُفُورِهِمْ عَنِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَنْفِرُونَ عَمَّنْ كَانَ أَكْثَرَ تَمَسُّكًا بِالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ الشَّنَاعَاتُ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ تَكْثِيرُ التَّشْنِيعِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ تَنَاقُضًا مِنْهُمْ، وَكَانُوا قَدْ رَجَّحُوا مَذْهَبًا وَفَضَّلُوهُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ بَيَّنُوا فِيهِ (¬5) ¬

(¬1) أ، ب: رُفِعَا. (¬2) أ، و: تَمْلِيكَهُ. (¬3) أ: هَلْ بِنَقِيضِ، ب: يُعَامَلُ بِنَقِيضِ. (¬4) مَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ: ثُمَّ سَوُّا فِيهِ، ب: ثُمَّ نَسَبُوا إِلَيْهِ. .

التعليق على مزاعمه عن مقالة أهل السنة في الحدود

مِنَ الضَّعْفِ وَالنَّقْصِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ مِنْ غَيْرِهِ. وَمَا هَذَا التَّنَاقُضُ بَعِيدٌ مِنْهُمْ (¬1) ، فَإِنَّهُمْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ يَمْدَحُونَ وَيَذُمُّونَ بِلَا عِلْمٍ وَلَا عَدْلٍ، فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الرَّاجِحُ، كَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنِ اخْتِصَاصِهِ بِالْمَسَائِلِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا (¬2) لِغَيْرِهِ تَنَاقُضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الرَّاجِحَ كَانَ تَرْجِيحُهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ بَاطِلًا، فَيَلْزَمُ (¬3) بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَكُونَ (¬4) الشِّيعَةُ عَلَى الْبَاطِلِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ جَهْلٍ وَهَوًى، فَيَتَكَلَّمُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَا يُنَاسِبُ أَغْرَاضَهُمْ، سَوَاءً كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا. وَقَصْدُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ ذَمُّ جَمِيعِ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَيُنْكِرُونَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ (¬5) مَا يَظُنُّونَهُ مَذْمُومًا فِيهِ، سَوَاءٌ صَدَقُوا فِي النَّقْلِ أَوْ كَذَبُوا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الذَّمِّ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَ فِي مَذْهَبِهِمْ مِنَ الْمَعَايِبِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ مِنْ مَعَايِبِ غَيْرِهِمْ. [التعليق على مزاعمه عن مقالة أهل السنة في الحدود] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَأَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي إِذَا كَذَّبَ الشُّهُودَ، وَأَسْقَطَهُ إِذَا صَدَّقَهُمْ، فَأَسْقَطَ الْحَدَّ مَعَ اجْتِمَاعِ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا ذَرِيعَةٌ إِلَى إِسْقَاطِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَصَدَّقَ الشُّهُودَ يَسْقُطْ (¬6) عَنْدَ الْحَدِّ ". ¬

(¬1) أ: وَهَذَا التَّنَاقُضُ بَعِيدٌ مِنْهُمْ، ب: وَهَذَا التَّنَاقُضُ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْهُمْ. (¬2) ن: مِنْهَا. (¬3) أ، ب: فَلَزِمَ. (¬4) يَكُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: فَيَذْكُرُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، ن، و: فَيَذْكُرُونَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ، م: فَذَكَرُوا مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ. (¬6) أ، ص، ر، هـ، و، م: فَيُصَدِّقُ الشُّهُودَ فَيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَدُّ، ن: فَيَسْقُطُ الشُّهُودُ فَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا أَثْبَتْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.

الرد على مزاعمه عن إباحة أهل السنة لأكل الكلب واللواط والملاهي

فَيُقَالُ: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ فِيهَا الْجُمْهُورُ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ (¬1) وَمَأْخَذُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ سَقَطَ حُكْمُ الشَّهَادَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِالْإِقْرَارِ إِلَّا إِذَا كَانَ (¬2) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: الْإِقْرَارُ يُؤَكِّدُ حُكْمَ الشَّهَادَةِ وَلَا يُبْطِلُهَا (¬3) ; لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهَا لَا مُخَالِفٌ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ كَزِيَادَةِ عَدَدِ الشُّهُودِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَكَإِقْرَارِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَهُوَ قَوْلُهُمْ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ هُوَ الصَّوَابُ (¬4) فَهُوَ قَوْلُهُمْ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ، وَيَرُدُّونَ عَلَى مَنْ قَالَهَا بِحُجَجٍ وَأَدِلَّةٍ لَا تَعْرِفُهَا الْإِمَامِيَّةُ. [الرد على مزاعمه عن إباحة أهل السنة لأكل الكلب واللواط والملاهي] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَإِبَاحَةِ أَكْلِ الْكَلْبِ، وَاللِّوَاطِ بِالْعَبِيدِ، وَإِبَاحَةِ الْمَلَاهِي كَالشَّطْرَنْجِ وَالْغِنَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ ". فَيُقَالُ: نَقْلُ هَذَا عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَذِبٌ، وَكَذَلِكَ نَقْلُهُ عَنْ جُمْهُورِهِمْ. بَلْ فِيهِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُقِرِّينَ بِخِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، ¬

(¬1) ن، م، و: كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. . (¬2) ص: أَقَرَّ. (¬3) أ، ب: يُؤَكِّدُ عِلْمَ الشُّهُودِ وَلَا يُبْطِلُهَا. (¬4) ن، م: وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ صَوَابًا.

وَفِيهِ (¬1) مَا هُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ أَنْكَرَهُ جُمْهُورُهُمْ فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى ضَلَالَةٍ. ثُمَّ إِنَّ الْمَوْجُودَ فِي الشِّيعَةِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ الشَّنِيعَةِ (¬2) الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَعْظَمُ وَأَشْنَعُ (¬3) مِمَّا يُوجَدُ فِي أَيِّ طَائِفَةٍ فُرِضَتْ مِنْ طَوَائِفِ السُّنَّةِ، فَمَا مِنْ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ السُّنَّةِ (¬4) يُوجَدُ فِي قَوْلِهَا مَا هُوَ (¬5) ضَعِيفٌ إِلَّا وَيُوجَدُ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ وَأَشْنَعُ مِنْ أَقْوَالِ الشِّيعَةِ (¬6) . فَتَبَيَّنَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْكَذِبَ الَّذِي (¬7) يُوجَدُ فِيهِمْ، وَالتَّكْذِيبَ بِالْحَقِّ، وَفَرْطَ الْجَهْلِ، وَالتَّصْدِيقَ بِالْمُحَالَاتِ، وَقِلَّةَ الْعَقْلِ، وَالْغُلُوَّ فِي اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ (¬8) ، وَالتَّعَلُّقَ بِالْمَجْهُولَاتِ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي طَائِفَةٍ أُخْرَى. وَأَمَّا مَا حَكَاهُ مِنْ إِبَاحَةِ اللِّوَاطِ بِالْعَبِيدِ، فَهُوَ كَذِبٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ (¬9) السُّنَّةِ، وَأَظُنُّهُ قَصَدَ التَّشْنِيعَ بِهِ عَلَى مَالِكٍ، فَإِنِّي رَأَيْتُ مِنَ الْجُهَّالِ مَنْ يَحْكِي هَذَا عَنْ مَالِكٍ. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا يُحْكَى عَنْهُ فِي حُشُوشِ ¬

(¬1) ن، م: مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ ; وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ " الثَّلَاثَةِ " مِنْ (و) ، (ص) ، (ر) ، (هـ) . (¬2) النَّكِرَةِ الشَّنِيعَةِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) وَأَشْنَعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) . (¬4) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬5) ب فَقَطْ: فَمَا يُوجَدُ فِي قَوْلِنَا مَا هُوَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ن، م، و، هـ، ر، ص: إِلَّا يُوجَدُ مَا هُوَ أَضْعَفُ وَأَكْثَرُ فِي أَقْوَالِ الشِّيعَةِ. (¬7) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬8) أ، ب: الْهَوَى. (¬9) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) ، (ن) .

النِّسَاءِ (¬1) ، فَإِنَّهُ لَمَّا حُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِبَاحَةُ ذَلِكَ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، ظَنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ أَدْبَارَ الْمَمَالِيكِ كَذَلِكَ. وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْغَلَطِ عَلَى مَنْ هُوَ (¬2) دُونَ مَالِكٍ، فَكَيْفَ عَلَى مَالِكٍ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَشَرَفِ مَذْهَبِهِ وَكَمَالِ صِيَانَتِهِ عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَأَحْكَامِهِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَبْلَغِ الْمَذَاهِبِ إِقَامَةً لِلْحُدُودِ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْبِدَعِ (¬3) . وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ إِتْيَانَ الْمَمَالِيكِ أَنَّهُ يَكْفُرُ، كَمَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اسْتِحْلَالَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْلَالِ وَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ بِنْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ هِيَ مَوْطُوءَةُ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ، فَكَمَا أَنَّ مَمْلُوكَتَهُ إِذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِرَضَاعٍ أَوْ صَهْرٍ لَا تُبَاحُ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَمْلُوكُهُ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنَّ هَذَا الْجِنْسَ مُحَرَّمٌ (¬4) مُطْلَقًا لَا يُبَاحُ بِعَقْدِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْإِنَاثِ. وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ أَنَّ اللُّوطِيَّ (¬5) يُقْتَلُ رَجْمًا، ¬

(¬1) ن، م: مَا يُحْكَى عَنْهُ مِنْ إِبَاحَةِ أَدْبَارِ النِّسَاءِ. (¬2) أ، ب: مِمَّنْ هُوَ. (¬3) وَالْبِدَعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي 9/31: وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي حَدِّهِ حَدَّ اللِّوَاطِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ حَدَّهُ الرَّجْمُ بِكْرًا كَانَ أَوْ ثَيِّبًا، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرَ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ. (¬4) و: يَحْرُمُ. (¬5) أ، ب: اللَّائِطَ.

مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، سَوَاءً تَلَوَّطَ بِمَمْلُوكِهِ أَوْ غَيْرِ مَمْلُوكِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَهُمُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ. كَمَا فِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (¬1) . . وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ (¬2) .، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. فَمَنْ يَكُنْ مَذْهَبُهُ أَنَّ هَذَا أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا، كَيْفَ يُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَمْ يُبِحْهُ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ (¬3) بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَشْيَاءِ يَتَّفِقُونَ (¬4) . عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَيَتَنَازَعُونَ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى فَاعِلِهَا: هَلْ يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ بِمَا دُونَ الْحَدِّ كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الَّتِي هِيَ ابْنَتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَإِبَاحَةِ الْمَلَاهِي كَالشَّطْرَنْجِ وَالْغِنَاءِ ". فَيُقَالُ: مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ (¬5) . أَنَّ الشَّطْرَنْجَ حَرَامٌ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: 4/220 - 221 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) ، وَنَصُّهُ فِيهِ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3 - 9 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/856 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/258 - 259. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (¬2) أ، ب، ن، م، ر، هـ: الْمَنْصُورَةِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَفِي (و) : مَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي الْمَنْصُوصِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ (¬3) أ، ب: وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. (¬4) أ، ب: مُتَّفِقُونَ (¬5) ن، م، و: مَذْهَبُ جُمْهُورِهِمْ

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1) . أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشَّطْرَنْجِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (¬2) .؟ . وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْهَا مَعْرُوفٌ عَنْ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَتَنَازَعُوا فِي أَيِّهِمَا أَشَدُّ (¬3) . تَحْرِيمًا: الشَّطْرَنْجُ أَوَالنَّرْدُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: الشَّطْرَنْجُ أَشَدُّ مِنَ النَّرْدِ. وَهَذَا مَنْقُولٌ (¬4) . عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا لِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ بِالْفِكْرِ الَّذِي يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنَ النَّرْدِ. وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: النَّرْدُ أَشَدُّ، فَإِنَّ الْعِوَضَ يَدْخُلُ فِيهَا أَكْثَرَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَقُلْ (¬5) .: إِنَّ (¬6) . الشَّطْرَنْجَ حَلَالٌ، وَلَكِنْ قَالَ: النَّرْدُ حَرَامٌ وَالشَّطْرَنْجُ دُونَهَا، وَلَا يَتَبَيَّنُ لِي (¬7) . أَنَّهَا حَرَامٌ، فَتَوَقَّفَ فِي التَّحْرِيمِ. وَلِأَصْحَابِهِ فِي تَحْرِيمِهَا قَوْلَانِ (¬8) .: فَإِنْ كَانَ التَّحْلِيلُ هُوَ الرَّاجِحُ فَلَا ضَرَرَ، ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، (هـ) ، وَفِي (م) : كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ (¬2) أَوْرَدَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْخَبَرَ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ (52) مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: مَرَّ عَلِيٌّ عَلَى قَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشَّطْرَنْجِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ لِأَنْ يَمَسَّ صَاحِبُكُمْ جَمْرًا حَتَّى يُطْفَأَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا (¬3) ن، م، ص، ر، هـ، و: وَتَنَازَعُوا أَيُّمَا أَشَدُّ (¬4) ن، م، و: مَعْرُوفٌ (¬5) م، و: وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ، ن: وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ (¬6) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) لِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬8) ن، م، هـ، ر، ص: وَجْهَانِ

وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ هُوَ الرَّاجِحُ فَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْرُجُ الْحَقُّ عَنْهُمْ. قَوْلُهُ: " وَإِبَاحَةِ الْغِنَاءِ ". فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ (¬1) . الَّتِي هِيَ آلَاتُ اللَّهْوِ كَالْعُودِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ أَتْلَفَهَا مُتْلِفٌ عِنْدَهُمْ لَمْ يَضْمَنْ صُورَةَ التَّالِفِ، بَلْ يَحْرُمُ عِنْدَهُمُ اتِّخَاذُهَا. وَهَلْ يَضْمَنُ الْمَادَّةَ: عَلَى قَوْلَيْنِ (¬2) . مَشْهُورِينَ لَهُمْ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ أَوْعِيَةَ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ مَا يَقُومُ بِهِ الْمُحَرَّمُ (¬3) . مِنَ الْمَادَّةِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، كَمَا أَتْلَفَ مُوسَى الْعِجْلَ الْمُتَّخَذَ مِنَ الذَّهَبِ (¬4) . . وَكَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ يَحْرِقَ الثَّوْبَيْنِ الْمُعَصْفَرَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ» (¬5) ¬

(¬1) ب: الْمَلَاهِي. وَمَكَانَ الْكَلِمَةِ بَيَاضٌ فِي (أ) (¬2) ن، م: وَجْهَيْنِ (¬3) أ، ب: الْخَمْرُ (¬4) ر، هـ، ص: الَّذِي اتُّخِذَ مِنَ الذَّهَبِ، أ، ب: الَّذِي اتُّخِذَ مِنْ ذَهَبٍ، و: الْمُتَّخَذُ مِنْ ذَهَبٍ (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مُسْلِمٍ 3/1647 (كِتَابُ اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الرَّجُلِ الثَّوْبَ الْمُعَصْفَرَ) ، وَنَصُّهُ: رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: أَأَمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: بَلِ احْرَقْهُمَا. قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي شَرْحِهِ: مُعَصْفَرَيْنِ: أَيُّ مَصْبُوغَيْنِ بِعُصْفُرٍ، وَالْعُصْفُرُ صَبْغٌ أَصْفَرُ اللَّوْنِ. .

وَكَمَا أَمَرَهُمْ عَامَ خَيْبَرَ بِكَسْرِ الْقُدُورِ الَّتِي كَانَ (¬1) . فِيهَا لُحُومُ الْحُمُرِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِي إِرَاقَةِ (¬2) . مَا فِيهَا (¬3) .، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ. وَكَمَا أَمَرَ لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِشَقِّ الظُّرُوفِ وَكَسْرِ الدِّنَانِ (¬4) . . وَكَمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (¬5) . أَمَرَا بِتَحْرِيقِ الْمَكَانِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ. وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - فِي ¬

(¬1) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (و) (¬2) هـ، ر، ص: بِإِرَاقَةِ (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/130 - 131 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) ، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ عَنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَفِيهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا. قَالَ: أَوْ ذَاكَ. وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/136 (كِتَابُ الْمَظَالِمِ، بَابُ هَلْ تُكْسَرُ الدِّنَانُ الَّتِي فِيهَا الْخَمْرُ) ، مُسْلِمٍ 3/1427 - 1429 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1065 - 1066 (كِتَابُ الذَّبَائِحِ، بَابُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ) (¬4) فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/379 - 380 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ) ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي اشْتَرَيْتُ خَمْرًا لِأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي، قَالَ: أَهْرِقِ الْخَمْرَ وَاكْسِرِ الدِّنَانَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ. حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ، رَوَى الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ عِنْدَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/227 الْحَدِيثَ، وَانْظُرْ: الْبُخَارِيَّ 7/106 - 107 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ تَرْخِيصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ بَعْدَ النَّهْيِ) (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و)

إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ قَالُوا: هَذِهِ عُقُوبَاتٌ مَالِيَّةٌ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: لَمْ يَنْسَخْ ذَلِكَ (¬1) . شَيْءٌ، فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ (¬2) . إِلَّا بِنَصٍّ مُتَأَخِّرٍ عَنِ الْأَوَّلِ يُعَارِضُهُ، وَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (¬3) .، بَلِ الْعُقُوبَاتُ الْمَالِيَّةُ كَالْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ تُسْتَعْمَلُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّ إِتْلَافَ الْأَبْدَانِ وَالْأَعْضَاءِ أَعْظَمُ مِنْ إِتْلَافِ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا كَانَ جِنْسُ الْأَوَّلِ مَشْرُوعًا، فَجِنْسُ الثَّانِي بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَقَدْ تَنَازَعُوا أَيْضًا فِي الْقِصَاصِ فِي الْأَمْوَالِ: إِذَا خَرَقَ (¬4) . لَهُ ثَوْبًا هَلْ لَهُ أَنْ يَخْرِقَ (¬5) . نَظِيرَهُ مِنْ ثِيَابِهِ، فَيُتْلِفَ مَالَهُ كَمَا أَتْلَفَ مَالَهُ، عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. فَمَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّهُ فَسَادٌ (¬6) . وَمَنْ قَالَ: يَجُوزُ، قَالَ: إِتْلَافُ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ أَشَدُّ فَسَادًا، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ وَالِاقْتِصَاصِ، لِمَا فِيهِ مِنْ كَفِّ الْعُدْوَانِ، [وَشِفَاءِ نَفْسِ الْمَظْلُومِ] (¬7) . . وَمَنْ مَنَعَ قَالَ: النُّفُوسُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِصَاصُ لَمْ تُنْكَفِ النُّفُوسُ (¬8) . فَإِنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُؤَدِّي دِيَةً، أَقْدَمَ (¬9) . عَلَى الْقَتْلِ وَأَدَّى (¬10) . الدِّيَةِ. ¬

(¬1) ن: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ ذَلِكَ (¬2) أ، ب: شَيْءٌ وَلَا يَكُونُ (¬3) ب: بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، هـ: شَيْءٌ بِذَلِكَ (¬4) ن، م، و: حَرَقَ، أ، ب: أَحْرَقَ (¬5) أ، ب، ن، م، و: يُحْرِقَ (¬6) ص: إِفْسَادٌ (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَفِي (ص) ، (ر) : وَتَشَفِّي نَفْسِ الْمَظْلُومِ (¬8) هـ: النَّفْسُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِصَاصُ لَمْ تُنْكَفِ النُّفُوسُ ; ر: النُّفُوسُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِصَاصُ لَمْ تُنْكَفِ الْحُقُوقُ، أ، ب: النُّفُوسُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْقِصَاصُ ثُمَّ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ (¬9) ن، م، و: دِيَةً قَالَ: أُقْدِمُ (¬10) ن: الدِّيَةَ

بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنَ الْمُتْلِفِ نَظِيرَ مَا أَتْلَفَهُ، فَحَصَلَ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ الزَّجْرِ. وَأَمَّا إِتْلَافُ ذَلِكَ فَضَرَرُهُ (¬1) . عَلَى الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ مَالُهُ وَعِوَضُ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَقُولُ: بَلْ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ (¬2) . شِفَاءِ غَيْظِ الْمَظْلُومِ. وَأَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ (¬3) . مِنْهُ إِلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ فَهَذَا (¬4) . أَظْهَرُ جَوَازًا ; لِأَنَّ (¬5) . الْقِصَاصَ عَدْلٌ، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، فَإِذَا أَتْلَفَ مَالَهُ وَلَمْ يَكُنِ الِاقْتِصَاصُ (¬6) . مِنْهُ إِلَّا بِإِتْلَافِهِ، جَازَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ إِتْلَافِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ الَّذِي لِلْكُفَّارِ، إِذَا فَعَلُوا بِنَا مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ (¬7) . عَلَيْهِمْ إِلَّا بِهِ. وَفِي جَوَازِهِ بِدُونِ ذَلِكَ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ (¬8) . وَهُوَ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالْجَوَازُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. [وَالْمَقْصُودُ هُنَا] (¬9) . أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَمْ يُحْكَ عَنْهُمْ نِزَاعٌ فِي ذَلِكَ (¬10) .، إِلَّا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرُوا فِي النِّزَاعِ وَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ. وَأَمَّا ¬

(¬1) ن، م، أ: فَضَرُورَةٌ (¬2) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬3) ن، هـ، و، ر، ص: الِاقْتِصَاصُ (¬4) أ، ب: فَهُوَ (¬5) أ، ب: فَإِنَّ (¬6) ص: الْقِصَاصُ (¬7) أ، ب: نَقْدِرْ (¬8) مَعْرُوفٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬9) عِبَارَةُ " وَالْمَقْصُودُ هُنَا " مَكَانَهَا بَيَاضٌ فِي (ن) ، (م) (¬10) ن، م: فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ

فصل قول الرافضي " الوجه الثاني في وجوب اتباع مذهب الإمامية أنها الفرقة الناجية " والرد عليه

الْعِرَاقِيُّونَ وَقُدَمَاءُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِي ذَلِكَ نِزَاعًا. وَأَمَّا الْغِنَاءُ الْمُجَرَّدُ فَمُحَرَّمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْغِنَاءَ الْمُجَرَّدَ مُبَاحٌ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حَقًّا فَلَا ضَرَرَ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَلَمْ يَخْرُجِ الْحَقُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. [فصل قول الرافضي " الوجه الثاني في وجوب اتباع مذهب الإمامية أنها الفرقة الناجية " والرد عليه] فَصْلٌ (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) .: " الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الدَّلَالَةِ (¬3) . عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ: مَا قَالَهُ (¬4) . شَيْخُنَا الْإِمَامُ (¬5) . الْأَعْظَمُ خَوَاجَهْ نَصِيرُ الْمِلَّةِ وَالْحَقِّ (¬6) . وَالدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ، وَقَدْ سَأَلْتُهُ (¬7) . عَنِ الْمَذَاهِبِ فَقَالَ: بَحَثْنَا عَنْهَا وَعَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) . «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، مِنْهَا فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ (¬9) .، وَالْبَاقِي فِي النَّارِ» (¬10) . وَقَدْ عَيَّنَ ¬

(¬1) هـ، ر، ص: الْفَصْلُ السَّادِسُ (¬2) فِي (ك) ص [0 - 9] 4 (م) (¬3) ك: فِي الْأَدِلَّةِ (¬4) ك: فَمِنْهَا مَا قَالَهُ (¬5) الْإِمَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ص) (¬6) ك: الْحَقِّ وَالْمِلَّةِ (¬7) ك: وَقَدْ سُئِلَ (¬8) ك: عَلَيْهِ وَآلِهِ (¬9) ك: وَاحِدَةٌ مِنْهَا نَاجِيَةٌ (¬10) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/134 - 135 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ افْتِرَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/276 - 277 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ شَرَحَ السُّنَّةَ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1321 - 1322 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/241 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ فِي افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 16 169 وَصَحَّحَ الْمُحَقِّقُ الْحَدِيثَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/120، 3/145 وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْحَدِيثِ طَوِيلًا فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ج [0 - 9] رَقْمُ 203 وَسَيَتَكَلَّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى الْحَدِيثِ كَلَامًا مُفَصَّلًا بَعْدَ صَفَحَاتٍ. "

الْفِرْقَةَ (¬1) . النَّاجِيَةَ وَالْهَالِكَةَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ صَحِيحٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي قَوْلِهِ (¬2) .: «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ: مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ» .] (¬3) .، فَوَجَدْنَا الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ هِيَ فِرْقَةُ الْإِمَامِيَّةِ (¬4) . ; لِأَنَّهُمْ بَايِنُوا جَمِيعَ الْمَذَاهِبِ، وَجَمِيعُ الْمَذَاهِبِ قَدِ اشْتَرَكَتْ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ ". فَيُقَالُ: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ (¬5) أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْإِمَامِيَّ قَدْ كَفَّرَ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ مُوجَبٌ بِالذَّاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُوجَبًا بِذَاتِهِ لَا مُخْتَارًا (¬6) . فَيَلْزَمُ الْكُفْرُ. ¬

(¬1) ك: وَقَدْ عَيَّنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْفِرْقَةَ (¬2) ك: وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ك) ، (ب) وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ، وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 5/131 وَضَعَّفَهُ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: " الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ك (الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ) ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ " (¬4) ك: الْفِرْقَةُ الْإِمَامِيَّةُ (¬5) ن، م: قُلْتُ عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ. . (¬6) أ، ب: يَلْزَمُ أَنَّ اللَّهَ مُوجَبٌ بِذَاتِهِ لَا مُخْتَارًا أ: مُخْتَارًا

وَهَذَا الَّذِي قَدْ جَعَلَهُ شَيْخُهُ الْأَعْظَمُ (¬1) . وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ، هُوَ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ (¬2) . اللَّهَ مُوجَبٌ بِالذَّاتِ (¬3) .، وَيَقُولُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، كَمَا ذَكَرَ فِي (¬4) . كِتَابِ (¬5) " شَرْحِ الْإِشَارَاتِ " لَهُ (¬6) . فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ شَيْخُهُ هَذَا الَّذِي احْتَجَّ بِهِ كَافِرًا، وَالْكَافِرُ لَا يُقْبَلُ (¬7) . قَوْلُهُ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ اشْتَهَرَ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ أَنَّهُ كَانَ وَزِيرَ الْمَلَاحِدَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ بِالْأَلَمُوتِ (¬8) ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ التُّرْكُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ (¬9) . وَجَاءُوا إِلَى بَغْدَادَ - دَارِ الْخَلَّاقَةِ - كَانَ هَذَا مُنَجِّمًا مُشِيرًا لِمَلِكِ التُّرْكِ الْمُشْرِكِينَ هُولَاكُو (¬10) . أَشَارَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ الْخَلِيفَةِ، ¬

(¬1) الْأَعْظَمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) (¬2) أ، ب: إِنَّ (¬3) ن، م: بِذَاتِهِ (¬4) أ، ب: كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ (¬5) (كِتَابِ) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ "، صَفَحَاتٍ طَوِيلَةً مِنْ كِتَابِ شَرْحِ الْإِشَارَاتِ لِنَصِيرِ الدِّينِ الطُّوسِيِّ، وَعَلَّقَ عَلَيْهَا بِإِسْهَابٍ، انْظُرْ ج [0 - 9] 0، ص [0 - 9] 9 - 84، 111 - 117، 164 - 179. (¬7) و: لَا يُقْبَلُ لَهُ قَوْلٌ (¬8) أ، ب: بِالَالَوِيتِ، ص: بِالْأَوَّلِ، انْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ، ص [0 - 9] 3، وَحِصْنُ أَلَمُوتَ، أَوْ قَلْعَةُ أَلَمُوتَ أَيْ عُشُّ الْعُقَابِ، قَلْعَةٌ فِي جِبَالِ الدَّيْلَمِ فِي مِنْطَقَةِ طَالَقَانَ جَنُوبِ بَحْرِ قَزْوِينَ بَنَاهَا أَحَدُ مُلُوكِ الدَّيْلَمِ، وَقَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ صَبَاحٍ الْحِمْيَرِيُّ سَنَةَ 483 وَجَعَلَهَا مَرْكَزًا لِدَعْوَتِهِ، وَظَلَّتْ بَعْدَهُ مَرْكَزًا لِأَئِمَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ حَتَّى عَامِ 654 حِينَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا هُولَاكُو وَهَدَمَهَا مَعَ سَائِرِ قِلَاعِهِمْ، انْظُرْ: طَائِفَةَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، ص 62 - 90 تَارِيخَ الدَّعْوَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ لِمُصْطَفَى غَالِب، ص [0 - 9] 62 - 290 الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/175 بَيَانَ مَذْهَبِ الْبَاطِنِيَّةِ ص [0 - 9] 0. (¬9) ن، م: الْإِسْلَامِ (¬10) أ، ب: هَلَاكُو، م: هُولَا وَبَعْدَهَا بَيَاضٌ

وَقَتْلِ (¬1) . أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَاسْتِبْقَاءِ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ الَّذِينَ يَنْفَعُونَهُ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يُعْطِي مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ لِعُلَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَشُيُوخِهِمْ مِنَ الْبَخَشِيَّةِ (¬2) . السَّحَرَةِ (¬3) . وَأَمْثَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لَمَّا بَنَى الرَّصْدَ الَّذِي بِمَرَاغَةَ (¬4) عَلَى طَرِيقَةِ الصَّابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ، كَانَ أَبْخَسُ (¬5) . النَّاسِ نَصِيبًا مِنْهُ مَنْ كَانَ إِلَى (¬6) . أَهْلِ الْمِلَلِ أَقْرَبَ، وَأَوْفَرُهُمْ نَصِيبًا مَنْ كَانَ أَبْعَدَهُمْ عَنْ (¬7) . الْمِلَلِ، مِثْلَ الصَّابِئَةِ [الْمُشْرِكِينَ، وَمِثْلَ الْمُعَطِّلَةِ] (¬8) . وَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ، [وَإِنِ ارْتَزَقُوا بِالنُّجُومِ وَالطِّبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ] . (¬9) . . ¬

(¬1) أ، ب: وَبِقَتْلِ (¬2) هـ، ر: النَّجَشِيَّةِ، أ، ب، و: النَّخَشِيَّةِ، ن، م: الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ، وَمَا أَثْبَتَهُ عَنْ (ص) وَيَذْكُرُ بَارْتُولْدُ فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَنَّ (بَخَشَ) كَلِمَةٌ سِنْسِكْرِيتِيَّةُ الْأَصْلِ هِيَ بَهَشْكُو تَدُلُّ عَلَى كَهَنَةِ بُوذَا، وَهَذَا أَحَدُ مَعَانِيهَا وَيَتَكَلَّمُ A. K. Banarjee عَنْ Bhagavata وَهِيَ فَلْسَفَةٌ هِنْدِيَّةٌ قَدِيمَةٌ فِي الصَّفَحَاتِ 120 - 130 وَذَلِكَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ: History of Philosophy Eastern and Wastern، London;1952 فَلَعَلَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ الَّتِي كَانَتْ تَجْعَلُ بُوذَا مِحْوَرًا لِعِبَادَتِهَا هِيَ الْبَخَشِيَّةِ (¬3) ن، م، و: وَالسَّحَرَةِ (¬4) فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ لِيَاقُوتٍ الْحَمَوِيِّ: بَلْدَةٌ مَشْهُورَةٌ عَظِيمَةٌ، أَعْظَمُ وَأَشْهَرُ بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ، وَفِي تُرَاثِ الْعَرَبِ الْعِلْمِيِّ فِي الرِّيَاضِيَّاتِ وَالْفَلَكِ، لِلْأُسْتَاذِ قَدْرِي حَافِظ طُوقَان، ص [0 - 9] 08 أَنَّ نَصِيرَ الطُّوسِيَّ بَنَى لِهُولَاكُوَ مَرْصَدَ مَرَاغَةَ، الَّذِي بُدِئَ فِي تَأْسِيسِهِ سَنَةَ 657، وَقَدِ اشْتُهِرَ الْمَرْصَدُ بِآلَاتِهِ وَبِمَقْدِرَةٍ فِي الرَّصْدِ (¬5) ب، و، ر: أَخَسُّ، ن، م، هـ، أ: أَحْسَنُ. وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ص) (¬6) ن، م: مِنْ (¬7) ص، ر، هـ، و: أَبْعَدَ عَنْ (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَيُوجَدُ بَدَلًا مِنْهُ فِي (ن) ، كَلِمَةُ الْمَشْهُورِينَ

وَمِنَ الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعَنْ أَتْبَاعِهِ الِاسْتِهْتَارُ (¬1) . بِوَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَمُحَرَّمَاتِهِ، لَا يُحَافِظُونَ عَلَى الْفَرَائِضِ كَالصَّلَوَاتِ (¬2) .، وَلَا يَنْزِعُونَ (¬3) . عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ (¬4) . وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، حَتَّى أَنَّهُمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يُذْكَرُ عَنْهُمْ مِنْ إِضَاعَةِ الصَّلَوَاتِ، وَارْتِكَابِ (¬5) . الْفَوَاحِشِ، وَشُرْبِ الْخُمُورِ (¬6) . مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ وَظُهُورٌ إِلَّا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ دِينُهُمْ شَرٌّ مِنْ دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَلِهَذَا كَانَ (¬7) . كُلَّمَا قَوِيَ الْإِسْلَامُ فِي الْمُغْلِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التُّرْكِ ضَعُفَ أَمْرُ هَؤُلَاءِ لِفَرْطِ مُعَادَاتِهِمْ (¬8) . لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. وَلِهَذَا كَانُوا مِنْ أَنْقَصِ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ الْأَمِيرِ نَوْرُوزَ (¬9) . الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الشَّهِيدِ الَّذِي دَعَا مَلِكَ الْمُغْلِ غَازَانَ (¬10) . إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالْتَزَمَ لَهُ (¬11) . أَنْ يَنْصُرَهُ إِذَا أَسْلَمَ، وَقَتَلَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا مِنَ الْبَخَشِيَّةِ السَّحَرَةِ وَغَيْرِهِمْ، ¬

(¬1) ص: الِاسْتِهْزَاءُ (¬2) أ، ب: كَالصَّلَاةِ (¬3) ن، م، هـ، ص، ر: وَلَا يَزَعُونَ، و: وَلَا يُرْدَعُونَ (¬4) أ، ب: مِنَ الْخَمْرِ وَالْفَوَاحِشِ (¬5) وَارْتِكَابِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ (¬6) أ: وَشُرْبِ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ الْخُمُورِ، ب: وَفِعْلِ مَا (¬7) كَانَ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ (¬8) أ، ب: هَؤُلَاءِ لِمُعَادَاتِهِمْ (¬9) أ، ب: تُورُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬10) و: قَازَانَ (¬11) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

وَهَدَمَ الْبَذَخَانَاتِ، وَكَسَّرَ الْأَصْنَامَ وَمَزَّقَ سَدَنَتَهَا (¬1) . كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَأَلْزَمَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ، وَبِسَبَبِهِ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ فِي الْمُغْلِ وَأَتْبَاعِهِمْ (¬2) . . وَبِالْجُمْلَةِ (¬3) . فَأَمْرُ هَذَا الطُّوسِيِّ وَأَتْبَاعِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُعَرَّفَ وَيُوصَفَ. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (¬4) . وَيَشْتَغِلُ بِتَفْسِيرِ الْبَغَوِيِّ وَبِالْفِقْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ قَدْ تَابَ مِنَ الْإِلْحَادِ فَاللَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 53] . لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ هَذَا، إِنْ كَانَ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَابَ مِنَ الرَّفْضِ، بَلْ مِنَ الْإِلْحَادِ وَحْدَهُ. وَعَلَى ¬

(¬1) أ: شَمْلَتَهَا، ب: شَمْلَهَا (¬2) يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 13/351، فِي أَحْدَاثِ سَنَةِ 696 هـ: وَفِيهَا قَتَلَ قَازَانُ الْأَمِيرَ نَوْرُوزَ الَّذِي كَانَ إِسْلَامُهُ عَلَى يَدَيْهِ، كَانَ نَوْرُوزُ هَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَسْلَمَهُ وَدَعَاهُ لِلْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ مَعَ أَكْثَرِ التَّتَرِ، فَإِنَّ التَّتَرَ شَوَّشُوا خَاطِرَ قَازَانَ عَلَيْهِ وَاسْتَمَالُوهُ مِنْهُ وَعَنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ وَقَتَلَ جَمِيعَ مَنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَكَانَ نَوْرُوزُ هَذَا مِنْ خِيَارِ أُمَرَاءِ التَّتَرِ عِنْدَ قَازَانَ، وَكَانَ ذَا عِبَادَةٍ وَصِدْقٍ فِي إِسْلَامِهِ وَأَذْكَارِهِ وَتَطَوُّعَاتِهِ، وَقَصْدِهِ الْجَيِّدِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَفَا عَنْهُ، وَلَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَاتَّخَذُوا السُّبُحَ وَالْهَيَاكِلَ، وَحَضَرُوا الْجُمُعَ وَالْجَمَاعَاتِ وَقَرَءُوا الْقُرْآنَ، وَانْظُرْ عَنْ نَيْرُوزَ أَوْ نَوْرُوزَ أَيْضًا: الدَّلِيلُ الشَّافِي عَلَى الْمَنْهَلِ الصَّافِي، لِابْنِ تَغْرِي بَرْدِي، ص [0 - 9] 62 تَحْقِيقُ فَهِيم شَلْتُوت، نَشْرُ جَامِعَةِ أُمِّ الْقُرَى 1399 - 1979، السُّلُوكُ لِمَعْرِفَةِ دُوَلِ الْمُلُوكِ، ج 1 ق [0 - 9] ص 714، 837، 874 (¬3) وَبِالْجُمْلَةِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬4) الْخَمْسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) ، (و)

التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَجْتَمِعُ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ لَمَّا كَانَ مَنَجِّمًا لِلْمُغْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَالْإِلْحَادُ مَعْرُوفٌ مِنْ حَالِهِ إِذْ ذَاكَ. فَمَنْ يَقْدَحُ فِي مِثْلِ (¬1) . أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَيَطْعَنُ عَلَى مِثْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَيُعَيِّرُهُمْ بِغَلَطَاتِ بَعْضِهِمْ فِي مِثْلِ إِبَاحَةِ الشَّطْرَنْجِ وَالْغِنَاءِ، كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَحْتَجَّ لِمَذْهَبِهِ بِقَوْلِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ (¬2) . مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (¬3) . (* وَيَسْتَحِلُّونَ (¬4) . الْمُحَرَّمَاتِ الْمُجْمَعَ عَلَى تَحْرِيمِهَا، كَالْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ *) (¬5) ، فِي مِثْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، الَّذِينَ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ، (* وَخَرَقُوا سِيَاجَ الشَّرَائِعِ، وَاسْتَخَفُّوا بِحُرُمَاتِ الدِّينِ، [وَسَلَكُوا غَيْرَ طَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ] (¬6) .، فَهُمْ كَمَا قِيلَ فِيهِمْ: الدِّينُ يَشْكُو بَلِيَّةْ ... مِنْ فِرْقَةٍ فَلْسَفِيَّةْ لَا يَشْهَدُونَ صَلَاةً ... إِلَّا لِأَجْلِ التَّقِيَّةْ وَلَا تَرَى الشَّرْعَ إِلَّا ... سِيَاسَةً مَدَنِيَّةْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَيْهِ ... مَنَاهِجًا فَلْسَفِيَّةْ *) (¬7) ¬

(¬1) مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) زِيَادَةٌ فِي (هـ) ، (ر) (¬3) زِيَادَةٌ فِي (هـ) ، (ر) (¬4) ن، م، و: الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ر) (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .

وَلَكِنَّ هَذَا حَالُ الرَّافِضَةِ: دَائِمًا يُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ وَيُوَالُونَ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ. فَإِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ نِفَاقًا فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ هُمُ (¬1) . الْمَلَاحِدَةُ الْبَاطِنِيَّةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، فَمَنِ احْتَجَّ بِأَقْوَالِهِمْ فِي نُصْرَةِ (¬2) . قَوْلِهِ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَعْنِهِ عَلَى أَقْوَالِ (¬3) . أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ مُوَالَاةً لِأَهْلِ النِّفَاقِ، وَمُعَادَاةً لِأَهْلِ الْإِيمَانِ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ هَذَا الْمُصَنِّفَ (¬4) . الرَّافِضِيَّ [الْخَبِيثَ] (¬5) . الْكَذَّابَ الْمُفْتَرِيَ يَذْكُرُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَسَائِرَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ (¬6) . وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ بِالْعَظَائِمِ الَّتِي يَفْتَرِيهَا عَلَيْهِمْ (¬7) . هُوَ وَإِخْوَانُهُ، وَيَجِيءُ إِلَى مَنْ قَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بِمُحَادَّتِهِ ن، م: مُحَادَّتِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، و: مُحَادَّتِهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيَقُولُ (¬8) .: " قَالَ شَيْخُنَا الْأَعْظَمُ " وَيَقُولُ (¬9) .: " قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ "، مَعَ شَهَادَتِهِ بِالْكُفْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْثَالِهِ، وَمَعَ لَعْنَةِ طَائِفَتِهِ لِخِيَارِ (¬10) . الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ. ¬

(¬1) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) (¬2) أ، ب: فِي نَصْرِ (¬3) ن، م: قَوْلِ (¬4) الْمُصَنِّفَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) (¬5) الْخَبِيثَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) (¬6) الْأَوَّلِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) ، (و) ، (هـ) (¬7) عَلَيْهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬8) أ، ب: يَقُولُ عَنْهُ (¬9) وَيَقُولُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬10) أ، ب: وَمَعَ لَعْنِهِ طَائِفَةَ خِيَارِ

وَهَؤُلَاءِ دَاخِلُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 51 - 52] . فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ، إِذْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِبَعْضِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ، وَفِيهِمْ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْجِبْتِ وَهُوَ السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتِ (¬1) .: وَهُوَ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ (¬2) .، فَإِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ الْفَلْسَفَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِذَلِكَ (¬3) .، وَيَرَوْنَ الدُّعَاءَ وَالْعِبَادَةَ لِلْمَوْتَى، وَاتِّخَاذَ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ (¬4) .، وَيَجْعَلُونَ السَّفَرَ إِلَيْهَا حَجًّا لَهُ مَنَاسِكُ وَيَقُولُونَ: " مَنَاسِكُ حَجِّ الْمَشَاهِدِ ". وَحَدَّثَنِي الثِّقَاتُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَرَوْنَ (¬5) . الْحَجَّ إِلَيْهَا أَعْظَمَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَيَرَوْنَ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ أَعْظَمَ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْإِيمَانِ بِالطَّاغُوتِ. وَهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ يُقِرُّونَ بِكُفْرِهِ (¬6) . مِنَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَدَعْوَةِ الْكَوَاكِبِ، وَالْمُسَوِّغِينَ لِلشِّرْكِ: هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، فَإِنَّهُمْ فَضَّلُوا هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ ¬

(¬1) أ، ب: بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَالسِّحْرِ (¬2) أ، ب: وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (¬3) أ، ب: ذَلِكَ (¬4) أ، ب: عَلَى قُبُورِهِمْ (¬5) أ، ب: مَنْ يَرَى (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و)

الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ] (¬1) . وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ. وَلَيْسَ هَذَا بِبِدَعٍ (¬2) . مِنَ الرَّافِضَةِ (¬3) .، فَقَدْ عُرِفَ مِنْ مُوَالَاتِهِمْ (¬4) . لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ، وَمُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ (¬5) .، مَا يَعْرِفُهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، (* حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ مَا اقْتَتَلَ يَهُودِيٌّ وَمُسْلِمٌ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَمُسْلِمٌ، [وَلَا مُشْرِكٌ وَمُسْلِمٌ] (¬6) . إِلَّا كَانَ الرَّافِضِيُّ مَعَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ [وَالْمُشْرِكِ] (¬7) *) (¬8) . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ وَالنُّصَيْرِيَّةَ هُمْ مِنَ الطَّوَائِفِ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ التَّشَيُّعَ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ كُفَّارًا مُنْسَلِخِينَ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ. وَالنُّصَيْرِيَّةُ هُمْ مِنْ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِلَهِيَّةِ عَلِيٍّ، وَهَؤُلَاءِ أَكْفُرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ الْبَاطِنِيَّةُ أَكْفَرُ مِنْهُمْ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمُ التَّعْطِيلُ. أَمَّا أَصْحَابُ النَّامُوسِ الْأَكْبَرِ وَالْبَلَاغِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي هُوَ (¬9) آخَرُ الْمَرَاتِبِ عِنْدَهُمْ (¬10) . فَهُمْ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَالَمَ لَا فَاعِلَ لَهُ: لَا عِلَّةَ وَلَا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬2) أ، ب: فَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٌ، و: وَلَيْسَ هَذَا بِبَدِيعٍ (¬3) ن، م: مِنَ الضَّلَالَةِ (¬4) و: فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ مُوَالَاتِهِمْ (¬5) و: عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَفَسَادِهِمْ (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) وَالْمُشْرِكِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) (¬9) ن، م، هـ، و، ص، ر: الَّتِي هِيَ. (¬10) الْبَلَاغُ الْأَكْبَرُ اصْطِلَاحٌ إِسْمَاعِيلِيٌّ بَاطِنِيٌّ يَعْنُونَ بِهِ الْوُصُولَ بِمَنْ يَدْعُونَهُ إِلَى الْمَرْحَلَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي يَنْسَلِخُ فِيهَا عَنِ الْإِسْلَامِ تَمَامًا، وَقَدْ جَعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ سَبْعِ مَرَاتِبَ وَسَمَّوْهَا الْبَلَاغَ السَّابِعَ، وَجَعَلُوهَا أَحْيَانًا تِسْعَ مَرَاتِبَ. انْظُرْ: بَيَانَ مَذَاهِبِ الْبَاطِنِيَّةِ ص [0 - 9] ، 17، فَضَائِحَ الْبَاطِنِيَّةِ لِلْغَزَالِيِّ ص [0 - 9] 2، وَأَمَّا النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ فَذَكَرَ الدَّيْلَمِيُّ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْبَاطِنِيَّةِ ص [0 - 9] 3 أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ الْقَيْرَوَانِيَّ صَاحِبَ كِتَابِ الْبَلَاغِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ: وَكَانَ النَّامُوسُ الْأَعْظَمُ التَّلْبِيسَ عَلَى هَذَا الْعَالَمِ الْمَنْكُوسِ

خَالِقَ. وَيَقُولُونَ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ خِلَافٌ إِلَّا فِي (¬1) . وَاجِبِ الْوُجُودِ، فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَهُ، وَهُوَ شَيْءٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (¬2) . وَلَا سِيَّمَا (¬3) . هَذَا [الِاسْمُ (* الَّذِي] (¬4) . هُوَ اللَّهُ، [فَإِنَّ (¬5) *) (¬6) ] . مِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهُ عَلَى أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ وَيَطَؤُهُ. وَأَمَّا مَنْ هُوَ دُونَ هَؤُلَاءِ فَيَقُولُونَ بِالسَّابِقِ وَالتَّالِي (¬7) .، الَّذِينَ عَبَّرُوا بِهِمَا عَنِ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ، وَعَنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ عِنْدَ الْمَجُوسِ، وَرَكَّبُوا لَهُمْ مَذْهَبًا مِنْ مَذَاهِبِ الصَّابِئَةِ وَالْمَجُوسِ ظَاهِرُهُ التَّشَيُّعُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَجُوسَ وَالصَّائِبَةَ (* شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَكِنْ تَظَاهَرُوا بِالتَّشَيُّعِ *) (¬8) . . قَالُوا: لِأَنَّ الشِّيعَةَ أَسْرَعُ الطَّوَائِفِ اسْتِجَابَةً لَنَا، لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَلِمَا فِيهِمْ مِنَ الْجَهْلِ وَتَصْدِيقِ الْمَجْهُولَاتِ (¬9) . . ¬

(¬1) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) أ، ب، ص، هـ، ر، و: بِاسْمِ اللَّهِ (¬3) وَلَا سِيَّمَا: كَذَا فِي (ر) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَسِيَّمَا (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) (¬5) فَإِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) (¬7) ن: وَالثَّانِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) (¬9) أ، ب: وَالتَّصْدِيقِ بِالْمَجْهُولَاتِ

وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّتُهُمْ فِي الْبَاطِنِ فَلَاسِفَةً، كَالنَّصِيرِ الطُّوسِيِّ هَذَا، وَكَسِنَانٍ الْبَصْرِيِّ الَّذِي كَانَ بِحُصُونِهِمْ بِالشَّامِ، وَكَانَ يَقُولُ: قَدْ رَفَعْتُ عَنْهُمُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْحَجَّ وَالزَّكَاةَ (¬1) . . فَإِذَا كَانَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ (¬2) . إِنَّمَا يَتَظَاهَرُونَ فِي الْإِسْلَامِ بِالتَّشَيُّعِ، وَمِنْهُ دَخَلُوا، وَبِهِ ظَهَرُوا (¬3) .، وَأَهْلُهُ هُمُ الْمُهَاجِرُونَ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمْ أَنْصَارُهُمْ لَا أَنْصَارُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (¬4) . عُلِمَ أَنَّ شَهَادَةَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ لِلشِّيعَةِ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ شَهَادَةٌ مَرْدُودَةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. فَإِنَّ هَذَا الشَّاهِدَ: إِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا أَظْهَرَ التَّشَيُّعَ لِيُنْفِقَ بِهِ (¬5) . عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى تَعْظِيمِ التَّشَيُّعِ، وَشَهَادَتُهُ لَهُ شَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ، فَهُوَ كَشَهَادَةِ الْآدَمِيِّ (¬6) . لِنَفْسِهِ، لَكِنَّهُ (¬7) . فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْذِبُ، وَإِنَّمَا كَذَبَ فِيهَا (¬8) . كَمَا ¬

(¬1) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ سِنَانُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ الْبَصْرِيُّ، الْمُلَقَّبُ بِرَاشِدِ الدِّينِ وَبِشَيْخِ الْجَبَلِ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْعِمَادِ: شَذَرَاتُ الذَّهَبِ 4/294 - 295: مُقَدِّمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَصَاحِبُ الدَّعْوَةِ بِقِلَاعِ الشَّامِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ، قَدِمَ إِلَى الشَّامِ فِي أَيَّامِ نُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ، وَأَقَامَ فِي الْقِلَاعِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَجَرَتْ لَهُ مَعَ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ وَقَائِعُ وَقِصَصٌ، تُوَفِّي سَنَةَ 588 انْظُرْ عَنْهُ: النُّجُومَ الزَّاهِرَةَ 6/117، مِرْآةَ الزَّمَانِ 8/419 وَاسْمُهُ فِيهِ: سِنَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ طَائِفَةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ ص [0 - 9] 9 - 100، الْأَعْلَامَ 3 - 207 (¬2) أ، ب: فَإِذَا كَانَتِ النُّصَيْرِيَّةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ (¬3) ن فَقَطْ: وَعَلَيْهِ (¬4) سَاقِطٌ مِنْ أ، ب (¬5) أ، ب: لِيَتَقَوَّى بِهِ (¬6) الْآدَمِيِّ: كَذَا فِي (ن) ، (م) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْإِمَامِيِّ (¬7) أ، ب: لَكِنْ (¬8) أ، ب: فِيهِ

كَذَبَ (¬1) . فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الْبَاطِنِ وَيَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، كَانَ أَيْضًا شَاهِدًا لِنَفْسِهِ، لَكِنْ مَعَ جَهْلِهِ وَضَلَالِهِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَشَهَادَةُ (¬2) . الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ، سَوَاءً عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ، أَوِ اعْتَقَدَ صِدْقَ نَفْسِهِ. كَمَا فِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» ". (¬3) \ 62. . وَهَؤُلَاءِ خُصَمَاءُ أَظِنَّاءُ مُتَّهَمُونَ ذَوُو غِمْرٍ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَشَهَادَتُهُمْ مَرْدُودَةٌ بِكُلِّ طَرِيقٍ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا أَنْتُمْ قَوْمٌ لَا تَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ هَذِهِ ¬

(¬1) ن فَقَطْ: يَكْذِبُ (¬2) أ، ب: شَهَادَةُ (¬3) لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ قَرِيبَةً فِي مَعْنَاهَا مِنْهُ، مِنْهَا حَدِيثٌ مَرْوِيٌّ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ (ط. الْمَعَارِفِ) 10/224، 11/138، 163، وَلَفْظُهُ هُنَا: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى صَاحِبِهِ. 12 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الْحَدِيثِ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إِنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ. وَالْغِمْرُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، الْحِقْدُ وَالضِّغْنُ، وَجَاءَ حَدِيثٌ مُقَارِبٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/416 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ مِنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ) ، وَجَاءَ حَدِيثٌ ثَالِثٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/374 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، حَدِيثٌ رَقْمُ 2400) وَلَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ ضَعَّفَ الْحَدِيثَ، وَأَوْرَدَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ 2/792 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ) حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ عَنْهُ الْمُعَلِّقُ: " فِي الزَّوَائِدِ: فِي إِسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَكَانَ يُدَلِّسُ وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ". وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 6

الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَرْوِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَسَانِيدِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْحَدِيثُ نَفْسُهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَلْ قَدْ طَعَنَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَابْنِ حَزْمٍ (¬1) وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ أَهْلُ الْمَسَانِيدِ (¬2) . كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ (¬3) . . فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عَلَى أُصُولِكُمْ ثُبُوتُهُ حَتَّى تَحْتَجُّوا بِهِ؟ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَحْتَجُّوا (¬4) . فِي أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ (¬5) . وَإِضْلَالِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ - إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً - بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي لَا يَحْتَجُّونَ هُمْ بِهَا فِي الْفُرُوعِ الْعِلْمِيَّةِ؟ ! وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ أَعْظَمِ التَّنَاقُضِ (¬6) . وَالْجَهْلِ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ تَفْسِيرُهُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬7) . «سُئِلَ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، فَقَالَ: " مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي» ". وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ: " «هُمُ الْجَمَاعَةُ» ". وَكُلٌّ مِنَ التَّفْسِيرَيْنِ يُنَاقِضُ قَوْلَ الْإِمَامِيَّةِ، وَيَقْتَضِي أَنَّهُمْ ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْفَصْلِ 3/292 هَذَانِ حَدِيثَانِ حَدِيثُ " الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ "، وَحَدِيثُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ، لَا يَصِحَّانِ أَصْلًا مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَكَيْفَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ؟ (¬2) ب: الْأَسَانِيدِ، و: الْمَسَانِدِ (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص [0 - 9] 04 - 105 (¬4) و: تَحْتَجَّ (¬5) هـ، ر: فِي أَصْلِ الدِّينِ، ص، و: فِي أَصْلِ أُصُولِ الدِّينِ (¬6) أ، ب: وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ التَّنَاقُضِ (¬7) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب)

خَارِجُونَ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، فَإِنَّهُمْ خَارِجُونَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ: يُكَفِّرُونَ أَوْ يُفَسِّقُونَ (* أَئِمَّةَ (¬1) . الْجَمَاعَةِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، دَعْ مُعَاوِيَةَ وَمُلُوكَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَذَلِكَ يُكَفِّرُونَ أَوْ يُفَسِّقُونَ *) (¬2) . عُلَمَاءَ الْجَمَاعَةِ وَعُبَّادَهُمْ، كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (¬3) . وَإِسْحَقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ سِيَرِ الصَّحَابَةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، لَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ (¬4) . هَذَا إِنَّمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ (¬5) . الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالْمَنْقُولَاتِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِالرِّجَالِ (¬6) . الضُّعَفَاءِ وَالثِّقَاتِ، وَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ (¬7) . النَّاسِ جَهْلًا بِالْحَدِيثِ وَبُغْضًا لَهُ (¬8) .، وَمُعَادَاةً لِأَهْلِهِ، فَإِذَا كَانَ وَصْفُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ أَتْبَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ شِعَارُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - كَانَتِ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالسُّنَّةُ مَا كَانَ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬9) . هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَيْهِ (¬10) . ¬

(¬1) ن، و، هـ، ر، ص: لِأَئِمَّةِ (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) وَأَحْمَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬4) أ: لَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ ; ب: فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ (¬5) أ، ب: فَإِنَّ هَذَا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَهْلُ (¬6) أ، ب: بِأَخْبَارِ (¬7) و: أَشَدِّ (¬8) أ: بَعْضًا لَهُ، ب: بُغْضًا لَهُ (¬9) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬10) أ، ب: عَلَيْهَا.

فِي عَهْدِهِ، مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ أَوْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَهُ هُوَ وَالْجَمَاعَةُ هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ (¬1) . الَّذِينَ مَا (¬2) . فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، فَالَّذِينَ (¬3) . فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا خَارِجُونَ عَنِ الْجَمَاعَةِ (¬4) . قَدْ بَرَّأَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مِنْهُمْ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ (¬5) . أَنَّ هَذَا وَصْفُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لَا وَصْفُ الرَّافِضَةِ، وَأَنَّ هَذَا (¬6) . الْحَدِيثَ وَصَفَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَبِلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ كَانَ (¬7) . عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي» "، فَمَنْ خَرَجَ عَنْ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقَةِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، وَقَدِ ارْتَدَّ نَاسٌ بَعْدَهُ فَلَيْسُوا مِنَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَأَشْهَرُ النَّاسِ بِالرِّدَّةِ خُصُومُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَتْبَاعِهِ؛ كَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَتْبَاعِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ تَتَوَلَّاهُمُ الرَّافِضَةُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِهِمْ، مِثْلُ هَذَا الْإِمَامِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّ الصِّدِّيقَ قَاتَلَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ. ثُمَّ مِنْ (¬8) . أَظْهَرِ ¬

(¬1) أ: وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ، ب: وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَهُمُ الْمُجْتَمِعُونَ (¬2) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬3) أ، ب: وَالَّذِينَ (¬4) أ، ب: عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ (¬5) ن: عُلِمَ ذَلِكَ، م: عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ، هـ، و، ص، ر: عُلِمَ بِذَلِكَ (¬6) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬7) عِبَارَةُ " مَنْ كَانَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬8) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ أ، ب

النَّاسِ رِدَّةً الْغَالِيَةُ (¬1) . الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ عَلِيٌّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬2) . بِالنَّارِ لَمَّا ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَهُمُ السَّبَائِيَّةُ (¬3) . أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ الَّذِينَ أَظْهَرُوا سَبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَأَوَّلُ مَنْ ظَهَرَ عَنْهُ دَعْوَى النُّبُوَّةِ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ وَكَانَ مِنَ الشِّيعَةِ (¬4) \ 68. فَعُلِمَ أَنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ رِدَّةً هُمْ فِي الشِّيعَةِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ، وَلِهَذَا لَا يُعْرَفُ رِدَّةٌ أَسْوَأُ [حَالًا] مِنْ رِدَّةِ (¬5) . الْغَالِيَةِ كَالنُّصَيْرِيَّةِ، وَمِنْ [رِدَّةِ] الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ (¬6) . الْبَاطِنِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، وَأَشْهَرُ (¬7) . النَّاسِ بِقِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلَا يَكُونُ الْمُرْتَدُّونَ فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي خُصُومِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ هُمْ بِالرَّافِضَةِ أَوْلَى مِنْهُمْ بِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَهَذَا بَيِّنٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ (¬8) .، وَلَا يَسْتَرِيبُ (¬9) . أَحَدٌ أَنَّ جِنْسَ الْمُرْتَدِّينَ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ أَعْظَمُ وَأَفْحَشُ كُفْرًا مِنْ ¬

(¬1) الْغَالِيَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي (م) : عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬3) وَهُمُ السَّبَائِيَّةُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَالسَّبَائِيَّةُ (¬4) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ 2 (¬5) ن، م، هـ، ر، ص، و: لَا يُعْرَفُ أَسْوَأُ رِدَّةٍ مِنْ رِدَّةِ (¬6) ن، م: كَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ (¬7) أ، ب: وَأَهَمُّ (¬8) وَأَهْلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬9) أ: وَهَذَا لَا يَسْتَرِيبُ، ب: وَلِهَذَا لَا يَسْتَرِيبُ

جِنْسِ (¬1) . الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مُرْتَدٌّ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا هَذَا (¬2) . الطُّوسِيُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ هُمُ (¬3) . الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ كَذِبٌ فِي (¬4) . وَصْفِهَا، كَمَا هِيَ بَاطِلَةٌ فِي دِلَاتِهَا. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: " بَايِنُوا جَمِيعَ الْمَذَاهِبِ، وَجَمِيعُ الْمَذَاهِبِ قَدِ اشْتَرَكَتْ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ ". إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ بَايَنُوا جَمِيعَ الْمَذَاهِبِ فِيمَا اخْتَصُّوا بِهِ، فَهَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ أَيْضًا بَايَنُوا جَمِيعَ الْمَذَاهِبِ فِيمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ التَّكْفِيرِ (¬5) . بِالذُّنُوبِ، وَمِنْ تَكْفِيرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ إِسْقَاطِ طَاعَةِ الرَّسُولِ فِيمَا [لَمْ] (¬6) . يُخْبِرْ بِهِ عَنِ اللَّهِ، وَتَجْوِيزِ الظُّلْمِ عَلَيْهِ فِي قَسْمِهِ وَالْجَوْرِ فِي حُكْمِهِ، وَإِسْقَاطِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي تُخَالِفُ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، كَقَطْعِ السَّارِقِ (¬7) . مِنَ الْمَنْكِبِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي " الْمَقَالَاتِ " (¬8) .: " أَجْمَعَتِ (¬9) . الْخَوَارِجُ عَلَى إِكْفَارِ (¬10) . ¬

(¬1) جِنْسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (هـ) ، (ص) (¬2) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) (¬3) أ، ب: هِيَ (¬4) أ، ب: عَلَى (¬5) أ: الْمَذَاهِبِ فِيمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ التَّكْفِيرِ، ب: الْمَذَاهِبِ كَمَا بَايَنَتِ الْخَوَارِجُ فِيمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ التَّكْفِيرِ (¬6) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ص) (¬7) ب فَقَطْ: كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ (¬8) ج [0 - 9] ص [0 - 9] 56 (ط. النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ) (¬9) ن، ر، هـ: اجْتَمَعَتِ، ص: أَجْمَعَ (¬10) أ، ب: تَكْفِيرِ

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِذْ حَكَّمَ " (¬1) .، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ هَلْ كُفْرُهُ شِرْكٌ أَمْ لَا؟ ". قَالَ بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً 1/157: " وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ كَبِيرَةٍ (¬2) . كُفْرٌ إِلَّا النَّجَدَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَقُولُ بِذَلِكَ " (¬3) . . وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ عَذَابًا دَائِمًا، إِلَّا النَّجْدَاتِ أَصْحَابَ نَجْدَةَ ". وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ بَايَنُوا جَمِيعَ الطَّوَائِفِ (¬4) . فِيمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ وَلَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ وَلَا كُفَّارٍ، فَإِنَّ (¬5) . هَذَا قَوْلُهُمُ الَّذِي سُمُّوا بِهِ مُعْتَزِلَةً، فَمَنْ وَافَقَهُمْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ فَعَنْهُمْ أَخَذُوا. بَلِ الطَّوَائِفُ الْمُنْتَسِبُونَ (¬6) . إِلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ تُبَايِنُ كُلُّ طَائِفَةٍ (¬7) . مِنْهُمْ سَائِرَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِيمَا اخْتَصَّتْ بِهِ، فَالْكِلَابِيَّةُ بَايَنُوا سَائِرَ النَّاسِ فِي قَوْلِهِمْ (¬8) .: إِنَّ الْكَلَامَ مَعْنًى وَاحِدٌ، أَوْ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ (¬9) .: أَرْبَعَةٌ أَوْ ¬

(¬1) الْمَقَالَاتِ ": رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنْ حَكَّمَ (¬2) أ، ب: عَلَى أَنَّ الْكَبِيرَةَ (¬3) الْمَقَالَاتِ ": ذَلِكَ (¬4) و: النَّاسِ (¬5) فَإِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) أ، ب: الْمُنْتَسِبَةُ (¬7) ن، م، ص، هـ، ر، و: فِرْقَةٍ (¬8) أ، ب: فِي كَلَامِهِمْ (¬9) و، هـ، ص، ر: مَعْدُودَةٌ

خَمْسَةٌ تَقُومُ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ، هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ: إِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ (¬1) . كَانَ تَوْرَاةً، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الطَّوَائِفِ غَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ الْكَرَّامِيَّةُ بَايَنُوا سَائِرَ (¬2) . الطَّوَائِفِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ، فَمَنْ أَقَرَّ بِلِسَانِهِ كَانَ مُؤْمِنًا، وَإِنْ جَحَدَ بِقَلْبِهِ قَالُوا: وَهُوَ (¬3) . مُؤْمِنٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ ; فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُمْ. بَلْ طَوَائِفُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ لِكُلِّ طَائِفَةٍ قَوْلٌ لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الطَّوَائِفِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ مَسَائِلُ تَفَرَّدَ بِهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَثِيرَةٌ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمُ اخْتَصُّوا بِجَمِيعِ أَقْوَالِهِمْ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ فِي تَوْحِيدِهِمْ (¬4) . مُوَافِقُونَ لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَقُدَمَاؤُهُمْ كَانُوا مُجَسِّمَةً، وَكَذَلِكَ فِي الْقَدَرِ هُمْ مُوَافِقُونَ لِلْمُعْتَزِلَةِ، فَقُدَمَاؤُهُمْ (¬5) . كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُثْبِتُ الْقَدَرَ، وَإِنْكَارُ الْقَدَرِ فِي قُدَمَائِهِمْ أَشْهَرُ مِنْ إِنْكَارِ الصِّفَاتِ. وَخُرُوجُ أَهْلِ الذُّنُوبِ مِنَ النَّارِ، وَعَفْوُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ (¬6) . عَنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ لَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ. وَمُتَأَخِّرُوهُمْ مُوَافِقُونَ فِيهِ الْوَاقِفِيَّةَ (¬7) . الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا نَدْرِي هَلْ يَدْخُلُ ¬

(¬1) ر، ص: بِالْعِبْرَانِيَّةِ (¬2) أ، ب: جَمِيعَ (¬3) ب فَقَطْ: هُوَ (¬4) و: تَوْحِيدِهِمْ (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬6) عَزَّ وَجَلَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬7) ص، ر، هـ، و: الْوَاقِفَةَ

النَّارَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَمْ لَا؟ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ. وَإِنْ قَالُوا: إِنَّا (¬1) . نَجْزِمُ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ يَدْخُلُ النَّارَ، فَهَذَا (¬2) . قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. فَفِي الْجُمْلَةِ لَهُمْ أَقْوَالٌ اخْتَصُّوا بِهَا، وَأَقْوَالٌ شَارَكَهُمْ غَيْرُهُمْ فِيهَا، كَمَا أَنَّ الْخَوَارِجَ وَالْمُعْتَزِلَةَ وَغَيْرَهُمْ كَذَلِكَ. وَأَمَّا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَدِ اخْتَصُّوا (¬3) . بِاتِّبَاعِهِمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّوَافِضِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَاتُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي يَعْلَمُ أَهْلُ الْحَدِيثِ صِحَّتَهَا. فَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: هَذِهِ أَخْبَارُ آحَادٍ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَيَطْعَنُونَ فِي الصَّحَابَةِ وَنَقْلِهِمْ، وَبَاطِنُ أَمْرِهِمُ الطَّعْنُ فِي الرِّسَالَةِ. وَالْخَوَارِجُ يَقُولُ قَائِلُهُمْ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَيُجَوِّزُونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ (¬4) . يَظْلِمُ. وَلِهَذَا قَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) ن، م، و: بِأَنَّا (¬2) أ، ب: فَهُوَ (¬3) ن، م، هـ، ر، ص: فَاخْتَصُّوا (¬4) ص، ر، هـ: أَنْ

لِأَوَّلِهِمْ (¬1) . " «وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ» ؟ (¬2) . «لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» ". (¬3) . . فَهُمْ جُهَّالٌ فَارَقُوا السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ عَنْ (¬4) . جَهْلٍ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَأَصْلُ بِدْعَتِهِمْ عَنْ نِفَاقٍ، وَلِهَذَا فِيهِمْ مِنَ الزَّنْدَقَةِ مَا لَيْسَ فِي الْخَوَارِجِ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: فِي " الْمَقَالَاتِ " (¬5) : " هَذِهِ حِكَايَةُ (¬6) . . أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ. جُمْلَةُ مَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ " (¬7) .: الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ (¬8) . عِنْدِ اللَّهِ وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا يَرُدُّونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَأَنَّهُ إِلَهٌ " (¬9) . وَاحِدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ (¬10) حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ ¬

(¬1) لِأَوَّلِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) ، (ص) (¬2) أ، ب: وَيْلَكَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ فَمَنْ يَعْدِلُ؟ (¬3) الْحَدِيثُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْخَوَارِجِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/200 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، مُسْلِمٍ 2/744 - 745 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/65، 68، 73، 353، 354 - 355، وَانْظُرْ: سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/60 - 61 الْمُقَدِّمَةَ، بَابٌ مِنْ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ) ، جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 10/436 - 440 (¬4) أ، ب: عَلَى (¬5) ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 20 (¬6) ب فَقَطْ: هَذِهِ عَقِيدَةٌ، وَفِي " الْمَقَالَاتِ ": هَذِهِ حِكَايَةُ جُمْلَةِ قَوْلِ (¬7) الْمَقَالَاتِ ": جُمْلَةُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ (¬8) ن، م: وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ (¬9) الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِلَهٌ (¬10) ن، م: وَالنَّارَ.

آتِيَةٌ (¬1) . لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى " (¬2) . عَرْشِهِ كَمَا قَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سُورَةُ طه: 5] وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} \ 3) [سُورَةُ (ص) : 57] وَكَمَا قَالَ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 64] وَسَاقَ الْكَلَامَ إِلَى آخِرِهِ. فَإِنْ قَالَ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُبَايَنَةِ: أَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ كُلَّ أَهْلِ دَارٍ غَيْرِ دَارِهِمْ (¬3) .، كَمَا أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِهِمْ بِأَنَّ الدَّارَ إِذَا كَانَ الظَّاهِرُ فِيهَا مَذْهَبَ النَّصْبِ، مِثْلَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَحِلِّ شُرْبِ الْفُقَّاعِ، وَتَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ: كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ، وَحُكِمَ بِنَجَاسَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَائِعَاتِ. وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مَذْهَبَ الطَّائِفَةِ الْمُحِقَّةِ - يَعْنِي الْإِمَامِيَّةَ - حُكِمَ بِطَهَارَةِ (¬4) . مَا فِيهَا مِنَ الْمَائِعَاتِ، وَإِنْ كَانَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ ظَاهِرًا كَانَتْ دَارَ وَقْفٍ [فَيُنْظَرُ] : فَمَنْ (¬5) . كَانَ فِيهَا مِنْ طَائِفَتِهِمْ كَانَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ طَاهِرًا، وَمَنْ كَانَ (¬6) . مِنْ غَيْرِهِمْ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ. قِيلَ (¬7) .: هَذَا الْوَصْفُ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ الْخَوَارِجُ، وَالْخَوَارِجُ فِي ذَلِكَ أَقْوَى مِنْهُمْ ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ تَرَى السَّيْفَ، وَحُرُوبُهُمْ مَعَ الْجَمَاعَةِ مَشْهُورَةٌ، وَعِنْدَهُمْ كُلُّ دَارٍ غَيْرُ دَارِهِمْ فَهِيَ دَارُ كُفْرٍ. وَقَدْ نَازَعَ (¬8) . بَعْضُهُمْ ¬

(¬1) آتِيَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى (¬3) أ، ب: كُلَّ أَهْلِ دَارِهِمْ (¬4) ن: بِطَاهِرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) ن، م، ر: وَقْفٍ فَمَنْ، و: وَقْفٍ بِنَظَرِ مَنْ (¬6) ن، م: وَإِنْ كَانَ (¬7) ن، م: قُلْنَا (¬8) أ، ب: وَقَدْ تَنَازَعَ

فِي التَّكْفِيرِ الْعَامِّ (¬1) .، كَمَا نَازَعَ بَعْضُ الْإِمَامِيَّةِ فِي التَّكْفِيرِ الْعَامِّ (¬2) .، وَقَدْ وَافَقُوهُمْ (¬3) . فِي أَصْلِ التَّكْفِيرِ. وَأَمَّا السَّيْفُ فَإِنَّ الزَّيْدِيَّةَ تَرَى السَّيْفَ، وَالْإِمَامِيَّةَ لَا تَرَاهُ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬4) \ 123: وَأَجْمَعَتِ الرَّوَافِضُ (¬5) . عَلَى إِبْطَالِ الْخُرُوجِ وَإِنْكَارِ السَّيْفِ وَلَوْ قُتِلَتْ، حَتَّى يَظْهَرَ لَهَا الْإِمَامُ، وَحَتَّى يَأْمُرَهَا (¬6) . بِذَلِكَ. قُلْتُ: وَلِهَذَا لَا يَغْزُونَ الْكُفَّارَ وَلَا يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَمَاعَةِ، إِلَّا مَنْ يَلْتَزِمُ مَذْهَبَهُ مِنْهُمْ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبَايَنَةَ وَالْمُشَارَكَةَ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: مُبَايَنَتُهُمْ لِجَمِيعِ الْمَذَاهِبِ هُوَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ أَدَلُّ مِنْهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ (¬7) . ; فَإِنَّ مُجَرَّدَ انْفِرَادِ طَائِفَةٍ عَنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ، وَاشْتِرَاكُ أُولَئِكَ فِي قَوْلٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ. فَإِنْ قِيلَ (¬8) .: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ أُمَّتَهُ ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً (¬9) .، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تُفَارِقَ هَذِهِ الْوَاحِدَةُ سَائِرَ الِاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. ¬

(¬1) أ، ب: فِي تَكْفِيرِ الْعَامَّةِ (¬2) أ، ب: فِي تَكْفِيرِ الْعَامَّةِ (¬3) أ، ب، ص، هـ: وَافَقَهُمْ، ر: وَافَقَهُ (¬4) فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ: 1 (¬5) أ، ب: الرَّافِضَةُ (¬6) أ، ب: يَأْمُرَ، ص: يَأْمُرَهُمْ (¬7) ص: عَلَى صِحَّتِهِ (¬8) فَإِنْ قِيلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَمَكَانَهَا بَيَاضٌ (¬9) ص، هـ، ر: إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً

قُلْنَا: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى مُفَارَقَةِ الثِّنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ بَعْضِهَا بَعْضًا، كَمَا فَارَقَتْ هَذِهِ الْوَاحِدَةُ. فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاكِ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ، بَلْ لَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إِلَّا مُبَايَنَةُ الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِينَ (¬1) . كُلِّ طَائِفَةٍ لِلْأُخْرَى. وَحِينَئِذٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّ جِهَةَ الِافْتِرَاقِ جِهَةُ ذَمٍّ لَا جِهَةُ مَدْحٍ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ وَالِائْتِلَافِ، وَذَمَّ التَّفَرُّقَ (¬2) . وَالِاخْتِلَافَ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] وَقَالَ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} الْآيَةَ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 105] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ [وَالْفُرْقَةِ] (¬3) . . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 159] وَقَالَ: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الْبَقَرَةِ: 213] ، وَقَالَ: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 4 \] . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَعْظَمُ الطَّوَائِفِ مُفَارَقَةً لِلْجَمَاعَةِ وَافْتِرَاقًا فِي نَفْسِهَا (¬4) . . ¬

(¬1) ن، م: الِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ (¬2) ب فَقَطْ: التَّفْرِيقَ (¬3) وَالْفُرْقَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ 2/63: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو نَصْرٍ فِي الْإِبَانَةِ وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ وَاللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ (¬4) ن، م، و: فِي نَفْسِهِ

أَوْلَى الطَّوَائِفِ بِالذَّمِّ، وَأَقَلُّهَا افْتِرَاقًا وَمُفَارَقَةً لِلْجَمَاعَةِ أَقْرَبُهَا إِلَى الْحَقِّ. وَإِذَا كَانَتِ الْإِمَامِيَّةُ أَوْلَى بِمُفَارَقَةِ سَائِرِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ (¬1) . فَهُمْ أَبْعَدُ عَنْ (¬2) . الْحَقِّ لَا سِيَّمَا وَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَكْثَرُ اخْتِلَافًا مِنْ جَمِيعِ فِرَقِ الْأُمَّةِ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُمْ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً. وَهَذَا الْقَدْرُ فِيمَا (¬3) . نَقَلَهُ عَنْ هَذَا الطُّوسِيِّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: كَانَ (¬4) . يَقُولُ: الشِّيعَةُ تَبْلُغُ فِرَقُهُمْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً (¬5) .، أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَدْ صَنَّفَ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى النُّوبَخْتِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَعْدِيدِ فِرَقِ الشِّيعَةِ (¬6) وَأَمَّا أَهْلُ الْجَمَاعَةِ فَهُمْ أَقَلُّ اخْتِلَافًا فِي أُصُولِ دِينِهِمْ مِنْ سَائِرِ الطَّوَائِفِ، وَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ إِلَى ضِدِّهَا، فَهُمُ الْوَسَطُ فِي أَهْلِ (¬7) . الْإِسْلَامِ كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ هُمُ الْوَسَطُ فِي أَهْلِ الْمِلَلِ: هُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ (¬8) . بَيْنَ أَهْلِ التَّعْطِيلِ وَأَهْلِ التَّمْثِيلِ. ¬

(¬1) أ، ب: سَائِرِ الطَّوَائِفِ (¬2) ب فَقَطْ: مِنْ (¬3) و: كَمَا (¬4) أ، ب: وَقَدْ كَانَ (¬5) فِرْقَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬6) انْظُرْ: كِتَابَ فِرَقِ الشِّيعَةِ، تَأْلِيفَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى النُّوبَخْتِيِّ، تَعْلِيقَ مُحَمَّد صَادِق آلِ بَحْرِ الْعُلُومِ (ط. النَّجَفِ) ، بِدُونِ تَارِيخٍ. . (¬7) أ، ب: أَصْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬8) أ، ب: وَهُمْ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى

[وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» ". (¬1) . " وَحِينَئِذٍ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ خَيْرُ الْفِرَقِ] . (¬2) . وَفِي بَابِ الْقَدَرِ بَيْنَ أَهْلِ التَّكْذِيبِ بِهِ وَأَهْلِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَفِي بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ بَيْنَ الْوَعِيدِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَفِي بَابِ الصَّحَابَةِ بَيْنَ الْغُلَاةِ وَالْجُفَاةِ، فَلَا يَغْلُونَ فِي عَلِيٍّ غُلُوَّ الرَّافِضَةِ، وَلَا يُكَفِّرُونَهُ تَكْفِيرَ الْخَوَارِجِ، وَلَا يُكَفِّرُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَمَا تُكَفِّرُهُمُ الرَّوَافِضُ (¬3) . وَلَا يُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا كَمَا يُكَفِّرُهُمَا الْخَوَارِجُ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الشِّيعَةَ لَيْسَ لَهُمْ قَوْلٌ وَاحِدٌ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ (¬4) .، فَإِنَّ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا قَوْلٌ (¬5) . مِنْ أَقْوَالِ الْإِمَامِيَّةِ، وَمِنَ الْإِمَامِيَّةِ طَوَائِفُ تُخَالِفُ هَؤُلَاءِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ، كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ (¬6) . . وَجُمْهُورُ الشِّيعَةِ تُخَالِفُ الْإِمَامِيَّةَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ، ¬

(¬1) هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ ابْنُ الدَّيْبَعِ الشَّيْبَانِيُّ فِي تَمْيِيزِ الطَّيِّبِ مِنَ الْخَبِيثِ فِيمَا يَدُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ، ص [0 - 9] 3 ط. مُحَمَّد عَلِي صُبَيْحٍ، الْقَاهِرَةِ 1347) : " أَخْرَجَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي ذَيْلِ تَارِيخِهِ بَغْدَادَ بِسَنَدٍ مَجْهُولٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ مِنْ قَوْلِهِ "، وَزَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَجْلُونِيُّ فِي " كَشْفِ الْخَفَاءِ وَمُزِيلِ الْإِلْبَاسِ عَمَّا اشْتُهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ "، 1/391 (ط. الْقُدْسِيِّ، الْقَاهِرَةِ 1351) : قَالَ ابْنُ الْفَرَسِ: ضَعِيفٌ " (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ (أ) ، (ب) فَقَطْ (¬3) أ، ب، ص: الرَّافِضَةُ (¬4) أ، ب: مُتَّفِقُونَ عَلَيْهِ (¬5) قَوْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) حِكَايَتُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

فَالزَّيْدِيَّةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ (¬1) . مُتَّفِقُونَ عَلَى إِنْكَارِ إِمَامَةِ (¬2) . الِاثْنَيْ عَشَرَ. قَالَ النَّاقِلُونَ لِمَقَالَاتِ (¬3) . النَّاسِ (¬4) .: " الشِّيعَةُ " (¬5) . ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمُ الشِّيعَةُ (¬6) . ; لِأَنَّهُمْ شَايَعُوا عَلِيًّا وَقَدَّمُوهُ " (¬7) . عَلَى سَائِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (¬8) . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمُ الْغَالِيَةُ: سُمُّوا بِذَاكَ ; لِأَنَّهُمْ " (¬9) . غَلَوْا فِي عَلِيٍّ، وَقَالُوا فِيهِ قَوْلًا عَظِيمًا (¬10) ". " مِثْلَ اعْتِقَادِهِمْ (¬11) . إِلَاهِيَّتَهُ أَوْ نُبُوَّتَهُ، وَهَؤُلَاءِ أَصْنَافٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَالنُّصَيْرِيَّةُ مِنْهُمْ. وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ (¬12) . الشِّيعَةِ الرَّافِضَةِ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ (¬13) : " وَطَائِفَةٌ سُمُّوا الْمَقَالَاتِ: وَإِنَّمَا سُمُّوا. رَافِضَةً (¬14) . لِرَفْضِهِمْ إِمَامَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ " (¬15) . ". ¬

(¬1) ن، م، ص، هـ، ر، و: وَغَيْرُهُمَا (¬2) إِمَامَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) أ، ب: لِأَقْوَالِ (¬4) الْكَلَامُ التَّالِي هُوَ كَلَامُ الْأَشْعَرِيِّ فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/65 - 66 (¬5) الْمَقَالَاتِ ": الشِّيَعُ (¬6) أ، ب، ر، ص، هـ: شِيعَةٌ (¬7) الْمَقَالَاتِ ": عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَيُقَدِّمُونَهُ (¬8) أ، ب، ن، م، و: النَّبِيِّ (¬9) الْمَقَالَاتِ ": الْغَالِيَةُ وَإِنَّمَا سُمُّوا الْغَالِيَةَ لِأَنَّهُمْ (¬10) هُنَا يَنْتَهِي كَلَامُ الْأَشْعَرِيِّ فِي " الْمَقَالَاتِ (¬11) أ، ب: كَاعْتِقَادِهِمْ (¬12) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬13) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/87. (¬14) أ، ب: الرَّافِضَةَ (¬15) و: وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ

قُلْتُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ سُمُّوا رَافِضَةً لَمَّا رَفَضُوا زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا خَرَجَ بِالْكُوفَةِ أَيَّامَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا أَيْضًا الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ (¬1) . قَالُوا (¬2) : " وَإِنَّمَا سُمُّوا الزَّيْدِيَّةَ (¬3) . لِتَمَسُّكِهِمْ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَكَانَ زَيْدٌ (¬4) . بُويِعَ لَهُ بِالْكُوفَةِ (¬5) . فِي أَيَّامِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ الثَّقَفِيَّ، وَكَانَ زَيْدٌ يُفَضِّلُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى سَائِرِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ (¬6) . - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَلَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَيَرَى الْخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، فَلَمَّا ظَهَرَ بِالْكُوفَةِ (¬7) . فِي أَصَحَابِهِ الَّذِينَ بَايَعُوهُ وَسَمِعَ (¬8) . مِنْ بَعْضِهِمُ الطَّعْنَ عَلَى (¬9) . أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَنْكَرَ (¬10) . ذَلِكَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ، فَتَفَرَّقَ عَنْهُ الَّذِينَ بَايَعُوهُ (¬11) . فَقَالَ لَهُمْ (¬12) .: رَفَضْتُمُونِي؟ (* قَالُوا: نَعَمْ. (¬13) ". فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ ¬

(¬1) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/129 - 130 (¬2) الْكَلَامُ التَّالِي كَلَامُ الْأَشْعَرِيِّ فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/129 - 130 (¬3) الْمَقَالَاتِ: زَيْدِيَّةً (¬4) الْمَقَالَاتِ: زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ (¬5) ن، م: قَدْ بُويِعَ بِالْكُوفَةِ، و، أ، ب: بُويِعَ بِالْكُوفَةِ (¬6) الْمَقَالَاتِ، م: رَسُولِ اللَّهِ (¬7) الْمَقَالَاتِ: 1/130: فِي الْكُوفَةِ (¬8) الْمَقَالَاتِ: بَايَعُوهُ سَمِعَ (¬9) أ، ب: فِي (¬10) أ، ب: أَنْكَرَ (¬11) ن: تَابَعُوهُ (¬12) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬13) عِبَارَةُ " قَالُوا: نَعَمْ ". سَاقِطَةٌ مِنَ " الْمَقَالَاتِ

سُمُّوا رَافِضَةً (¬1) .، لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ (¬2) . لَهُمْ (¬3) . رَفَضْتُمُونِي *) (¬4) ، وَبَقِيَ فِي شِرْذِمَةٍ (¬5) . فَقَاتَلَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ فَقُتِلَ ". قَالُوا (¬6) : " وَالرَّافِضَةُ مُجْمِعُونَ " (¬7) . عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى اسْتِخْلَافِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِاسْمِهِ، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ وَأَعْلَنَهُ، وَأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ ضَلُّوا بِتَرْكِهِمُ (¬8) . الِاقْتِدَاءَ بِهِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِنَصٍّ وَتَوْقِيفٍ، وَأَنَّهَا قَرَابَةٌ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ فِي حَالِ التَّقِيَّةِ (¬9) . أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ: لَيْسَ بِإِمَامٍ، وَأَبْطَلُوا جَمِيعًا الِاجْتِهَادَ فِي الْأَحْكَامِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا أَفْضَلَ النَّاسِ، وَزَعَمُوا أَنَّ عَلِيًّا " (¬10) . كَانَ مُصِيبًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (¬11) .، إِلَّا الْكَامِلِيَّةَ - أَصْحَابَ أَبِي كَامِلٍ - فَإِنَّهُمْ أَكَفَرُوا (¬12) . النَّاسَ بِتَرْكِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَأَكْفَرُوا عَلِيًّا بِتَرْكِ الطَّلَبِ، وَأَنْكَرُوا الْخُرُوجَ (¬13) . عَلَى (¬14) . أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَقَالُوا: لَيْسَ يَجُوزُ ذَلِكَ دُونَ الْإِمَامِ ¬

(¬1) الْمَقَالَاتِ: الرَّافِضَةَ (¬2) بْنِ عَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنَ " الْمَقَالَاتِ "، و (¬3) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬5) أ، ب: وَهِيَ شِرْذِمَةٌ (¬6) الْكَلَامُ التَّالِي هُوَ لِلْأَشْعَرِيِّ فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/87 - 91 (¬7) الْمَقَالَاتِ ": وَهُمْ مُجْمِعُونَ (¬8) أ، ب: بِتَرْكِ (¬9) أ، ب: الْبَيْعَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬10) الْمَقَالَاتِ " 1/88، عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ (¬11) هـ، ر، ص: فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ أُمُورِ الدِّينِ (¬12) و، ص: كَفَّرُوا (¬13) أ: وَأَنْكَرَ الْخَوَارِجُ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬14) ب فَقَطْ: مَعَ، وَهُوَ خَطَأٌ

الْمَنْصُوصِ عَلَى إِمَامَتِهِ، وَهُمْ سِوَى الْكَامِلِيَّةِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ فِرْقَةً، وَهُمْ يَدْعُونَ الْإِمَامِيَّةَ لِقَوْلِهِمْ بِالنَّصِّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ. فَالْفِرْقَةُ الْأُولَى وَهُمُ الْقَطْعِيَّةُ (¬1) . وَإِنَّمَا سُمُّوا الْقَطْعِيَّةَ (¬2) . ; لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى مَوْتِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ (¬3) . بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُمْ وَجُمْهُورُ الشِّيعَةِ يَزْعُمُونَ (¬4) . أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ " (¬5) .، وَأَنَّ عَلِيًّا نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ الْحَسَنِ " (¬6) .، وَأَنَّ الْحَسَنَ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ الْحُسَيْنِ " (¬7) .، وَالْحُسَيْنُ " (¬8) . نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلِيُّ " (¬9) . بْنُ الْحُسَيْنِ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ " (¬10) .، وَمُحَمَّدٌ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (¬11) .، وَجَعْفَرُ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ مُوسَى " (¬12) .، وَمُوسَى نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ عَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ ¬

(¬1) أ، ب: وَالْفِرْقَةُ الْأُولَى هُمُ الْقَطْعِيَّةُ (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) : وَفِي " الْمَقَالَاتِ ": وَإِنَّمَا سُمُّوا قَطْعِيَّةً (¬3) ب فَقَطْ: لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا الْإِمَامَةَ عَلَى مَوْتِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " مَوْتِ " مِنْ (و) (¬4) أ، ب: وَهُمْ وَجَمِيعُ الشِّيعَةِ يَزْعُمُونَ، وَ " الْمَقَالَاتِ ": وَهُمْ جُمْهُورُ الشِّيعَةِ يَزْعُمُونَ، ن، م: وَجُمْهُورُ الشِّيعَةِ يَزْعُمُونَ (¬5) الْمَقَالَاتِ " 1/89: نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَاسْتَخْلَفَهُ بَعْدَهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ (¬6) الْمَقَالَاتِ ": نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (¬7) الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (¬8) الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ الْحُسَيْنَ (¬9) الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ عَلِيَّ (¬10) الْمَقَالَاتِ ": ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (¬11) أ، ب: سَقَطَتْ كَلِمَةُ إِمَامَةِ، ن: وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ جَعْفَرٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، " الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (¬12) الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ

نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ " (¬1) ، وَمُحَمَّدٌ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (¬2) .، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ (¬3) . نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنُ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْغَائِبُ " (¬4) . الْمُنْتَظَرُ عِنْدَهُمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا " (¬5) . . وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمُ الْكَيْسَانِيَّةُ " الْمَقَالَاتِ (¬6) . وَهُمْ إِحْدَى عَشْرَةَ فِرْقَةً (¬7) .، سُمُّوا كَيْسَانِيَّةً (¬8) . ; لِأَنَّ الْمُخْتَارَ الَّذِي خَرَجَ وَطَلَبَ بِدَمِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَدَعَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ يُقَالُ لَهُ ¬

(¬1) الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مُوسَى. (¬2) بْنِ مُحَمَّدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) بْنُ مُحَمَّدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) (¬4) الْمَقَالَاتِ ": وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِسَامَرَّاءَ، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ الْغَائِبُ (¬5) الْمَقَالَاتِ ": عَدْلًا بَعْدَ أَنْ مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا (¬6) ": وَهُمُ الْكَيْسَانِيَّةُ (¬7) أ، ب، و، هـ، ص، ر، ن: وَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ فِرْقَةً، م: وَهُمْ إِحْدَى عَشَرَ فِرْقَةً، " الْمَقَالَاتِ ": وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ فِرْقَةً (¬8) أ، ب: سُمُّوا كَيْسَانِيَّةً، " الْمَقَالَاتِ ": وَإِنَّمَا سُمُّوا كَيْسَانِيَّةً

كَيْسَانُ وَيُقَالُ: إِنَّهُ مَوْلَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1) . فَمِنَ الْكَيْسَانِيَّةِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ عَلِيًّا نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ " (¬2) . ; لِأَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ الرَّايَةَ (¬3) . بِالْبَصْرَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْحُسَيْنُ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ " (¬4) .، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيٌّ بِجِبَالِ رَضْوَى: أَسَدٌ " (¬5) . عَنْ يَمِينِهِ وَنَمِرٌ عَنْ شِمَالِهِ يَحْفَظَانِهِ، يَأْتِيهِ رِزْقُهُ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً إِلَى وَقْتِ خُرُوجِهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ صَبَرَ عَلَى هَذِهِ (¬6) . الْحَالِ أَنْ يَكُونَ مُغَيَّبًا عَنِ الْخَلْقِ أَنَّ لِلَّهِ فِيهِ تَدْبِيرًا (¬7) . لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ. قَالُوا: وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ " (¬8) . كُثَيِّرٌ الشَّاعِرُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ: أَلَا إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ ... وُلَاةَ الْحَقِّ (¬9) . أَرْبَعَةٌ سَوَاءُ ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَفِي " الْمَقَالَاتِ ": رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ. (¬2) الْمَقَالَاتِ " 1/90: وَالْفِرْقَةُ الْأُولَى مِنَ الْكَيْسَانِيَّةِ، وَهِيَ الثَّانِيَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ، يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ (¬3) أ، ب: رَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) الْمَقَالَاتِ ": وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَهِيَ الثَّانِيَةُ مِنَ الْكَيْسَانِيَّةِ، يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ (¬5) الْمَقَالَاتِ ": وَالْفِرْقَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ مِنَ الْكَيْسَانِيَّةِ، وَهِيَ الْكَرِبِيَّةُ، أَصْحَابُ أَبِي كَرِبٍ الضَّرِيرِ يَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيٌّ بِجِبَالِ رَضْوَى أَسَدٌ (¬6) أ، ب: هَذَا (¬7) أ، ب: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِيهِ تَدْبِيرٌ (¬8) الْمَقَالَاتِ ": وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ (¬9) ن: الْخَلْقِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

عَلِيٌّ وَالثَّلَاثَةُ مِنْ بَنِيهِ ... هُمُ الْأَسْبَاطُ لَيْسَ بِهِمْ خَفَاءُ فَسِبْطٌ سِبْطُ إِيمَانٍ وَبِرٍّ ... وَسِبْطٌ غَيَّبَتْهُ كَرْبَلَاءُ وَسِبْطٌ لَا يَذُوقُ الْمَوْتَ حَتَّى ... يَقُودَ الْخَيْلَ يَقْدُمُهَا اللِّوَاءُ تَغَيَّبَ (¬1) . لَا يُرَى فِيهِمْ (¬2) . زَمَانًا ... بِرَضْوَى عِنْدَهُ عَسَلٌ وَمَاءُ (¬3) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ ضَرُورَةً، فَقَوْلُ الْإِمَامِيَّةِ أَبْطَلُ مِنْ قَوْلِهِمْ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ ادَّعَوْا بَقَاءَ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَيًّا مَعْرُوفًا، وَأُولَئِكَ ادَّعَوْا بَقَاءَ مَنْ لَمْ يُوجَدْ بِحَالٍ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ (¬4) .: إِنَّ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ مَاتَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ اللَّهِ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ اللَّهِ (¬5) . أَوْصَى إِلَى أَخِيهِ الْحَسَنِ، وَإِنَّ الْحَسَنَ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِنَّ عَلِيًّا هَلَكَ وَلَمْ يُعَقِّبْ، فَهُمْ يَنْتَظِرُونَ رَجْعَةَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَمْلِكُ، فَهُمُ ¬

(¬1) ص: مَعِيبٌ (¬2) فِيهِمْ: كَذَا فِي (ص) ، " الْمَقَالَاتِ " 1/91 وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِنْهُمْ (¬3) وَرَدَتْ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي دِيوَانِ كُثَيِّرِ عَزَّةَ، وَشَرَحَ الدُّكْتُورُ إِحْسَان عَبَّاس (نَشْرُ دَارِ الثَّقَافَةِ، بَيْرُوتَ، لُبْنَانَ 1391 - 1971) فِي ص 521، وَالْأَبْيَاتُ لَيْسَتْ مُتَتَالِيَةً فِي الْقَصِيدَةِ الْمَنْشُورَةِ، وَفِيهَا بَعْضُ الِاخْتِلَافَاتِ عَنِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَذَكَرَ الدُّكْتُورُ إِحْسَانُ ص 522 أَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ قَدْ أَوْرَدَهَا أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْفَهَانِيِّ فِي الْأَغَانِي 7/238 - 239 لِلسَّيِّدِ الْحِمْيَرِيِّ وَقَالَ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ بِعَيْنِهَا تُرْوَى لِكُثَيِّرٍ، وَانْظُرِ الْمَصَادِرَ الَّتِي ذَكَرَ الدُّكْتُورُ إِحْسَانُ وُرُودَ الْأَبْيَاتِ فِيهَا هُنَاكَ. وَوُجِدَتْ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي الْأَغَانِي 7/245 - 246 (ط. دَارِ الْكُتُبِ) ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهَا الْبَيْتَ الْأَخِيرَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (¬4) الْكَلَامُ التَّالِي مُلَخَّصٌ مِنَ " الْمَقَالَاتِ " 1/92 وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَنْقُلْهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِالنَّصِّ (¬5) أ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبُو هَاشِمٍ، ب: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا هَاشِمٍ

الْيَوْمَ فِي التِّيهِ لَا إِمَامَ لَهُمْ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَعْمِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ (¬1) . الْإِمَامَ بَعْدَ أَبِي هَاشِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، [أَوْ أَبُوهُ عَلِيٌّ] (¬2) \ 92. (* قَالُوا: وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ مَاتَ بِأَرْضِ الشَّرَاةِ (¬3) . مُنْصَرَفَهُ مِنَ الشَّامِ *) (¬4) .، وَأَوْصَى هُنَاكَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَوْصَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ أَوْصَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ، ثُمَّ أَفْضَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ بِوَصِيَّةِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ. قَالَ (¬5) \ 94: ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُ (¬6) . هَؤُلَاءِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَنَصَّبَهُ إِمَامًا. ثُمَّ نَصَّ الْعَبَّاسُ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَنَصَّ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ سَاقُوا الْإِمَامَةَ إِلَى أَنِ انْتَهَوْا بِهَا (¬7) . إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الرَّاوَنْدِيَّةُ. ¬

(¬1) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَهِيَ عِبَارَةٌ لَيْسَتْ فِي " الْمَقَالَاتِ " 1 (¬3) أ، ب، ن: السَّرَاةِ، وَقَالَ مُحَقِّقُ " الْمَقَالَاتِ " نَقْلًا عَنْ مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: الشَّرَاةُ بِفَتْحِ الشِّينِ صُقْعٌ بِبِلَادِ الشَّامِ بَيْنَ دِمَشْقَ وَمَدِينَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْ بَعْضِ نَوَاحِيهِ الْقَرْيَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْحَمِيمَةِ الَّتِي كَانَ يَسْكُنُهَا وَلَدُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي أَيَّامِ بَنِي مَرْوَانَ (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) أ، ب، هـ، ر، ص: قَالُوا، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي " الْمَقَالَاتِ " 1 (¬6) بَعْضُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬7) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

وَافْتَرَقَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ فِي أَمْرِ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى مَقَالَتَيْنِ: فَزَعَمَتْ (¬1) . فَرِقَّةٌ مِنْهُمْ تُدْعَى الرِّزَامِيَّةَ أَصْحَابَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: رِزَامٌ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ قُتِلَ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ (¬2) . أُخْرَى: إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ لَمْ يَمُتْ " (¬3) .، وَيُحْكَى عَنْهُمُ الِاسْتِحْلَالُ " (¬4) . لِمَا لَمْ يُحَلَّلْ (¬5) . لَهُمْ أَسْلَافُهُمْ. وَمِنَ الْكَيْسَانِيَّةِ طَائِفَةٌ يَزْعُمُونَ " (¬6) . أَنَّ أَبَا هَاشِمٍ نَصَّبَ " (¬7) . عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَرْبٍ إِمَامًا، وَتَحَوَّلَتْ رُوحُ أَبِي هَاشِمٍ فِيهِ، ثُمَّ وَقَّفُوا عَلَى كَذِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَصَارُوا إِلَى الْمَدِينَةِ يَلْتَمِسُونَ إِمَامًا، فَلَقُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَأْتَمُّوا بِهِ، فَاتَّخَذُوهُ إِمَامًا، وَادَّعَوْا " (¬8) . لَهُ الْوَصِيَّةَ (¬9) . . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَاتَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَقُومَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ (¬10) . هُوَ الْمَهْدِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ، وَأَنَّهُ حَيٌّ بِجِبَالِ أَصْبَهَانَ. ¬

(¬1) فَزَعَمَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) ن، م: طَائِفَةٌ (¬3) الْمَقَالَاتِ ": وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا أَبُو مُسَيْلِمَةَ: إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ (¬4) الْمَقَالَاتِ ": اسْتِحْلَالٌ (¬5) أ، ب: لِمَا لَمْ يَحِلَّ (¬6) الْمَقَالَاتِ ": 1/94 - 95 وَالْفِرْقَةُ الْعَاشِرَةُ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَهِيَ الْحَرْبِيَّةُ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرْبٍ، وَهِيَ التَّاسِعَةُ مِنَ الْكَيْسَانِيَّةِ يَزْعُمُونَ (¬7) الْمَقَالَاتِ ": أَبَا هَاشِمٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ نَصَّبَ (¬8) الْمَقَالَاتِ " بِهِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ وَدَانُوا بِإِمَامَتِهِ وَادَّعَوْا (¬9) الْكَلَامُ الَّذِي يَلِي كَلِمَةَ الْوَصِيَّةِ تَلْخِيصٌ مِنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ لِمَا فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/95 - 96 (¬10) بَلْ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ص) ، (و) ، (هـ)

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا هَاشِمٍ (¬1) . أَوْصَى إِلَى بَيَانِ بْنِ سَمْعَانَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَوْصَى إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. فَهَذِهِ أَقْوَالُ مَنْ يَقُولُ بِوُصُولِ النَّصِّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ أَبِي هَاشِمٍ. وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ قَالَ: بَلِ النَّصُّ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى ابْنِهِ (¬2) . عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ثُمَّ إِلَى ابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ " (¬3) .، وَأَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَوْصَى إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ، فَهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِ إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْمَهْدِيُّ، وَالْمَهْدِيُّ - فِيمَا زَعَمُوا - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ " (¬4) . بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ حَيٌّ مُقِيمٌ بِنَاحِيَةِ الْحَاجِرِ (¬5) . وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ مُقِيمًا هُنَاكَ إِلَى أَوَانِ خُرُوجِهِ. وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ (¬6) . الْخَارِجُ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ (¬7) ". . وَزَعَمُوا أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ، وَأَنْكَرُوا إِمَامَةَ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ ¬

(¬1) أ: هِشَامٍ، ب: هَاشِمًا (¬2) أ، ب: لِابْنِهِ (¬3) الْمَقَالَاتِ " 1/96 يَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ (¬4) الْمَقَالَاتِ ": بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ (¬5) ن، م، و: الْحَسَاحِرِ، ر، هـ: الْحَسَاجِرِ، ص: الْحَسَا، وَقَالَ مُحَقِّقُ " الْمَقَالَاتِ ": الْحَاجِرُ مَوْضِعٌ قَبْلَ مَعْدِنِ النَّقْرَةِ، قَالَهُ يَاقُوتٌ، وَوَجَدْتُ فِي يَاقُوتٍ: النَّقْرَةُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: مَعْدِنُ النَّقْرَةِ (¬6) أ، ب: بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، ن، م، ر، هـ: بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، وَفِي " الْمَقَالَاتِ " الِاسْمُ كَمَا أَثْبَتَهُ هُنَا (¬7) سَاقِطٌ مِنَ " الْمَقَالَاتِ

وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَوْصَى إِلَى أَبِي مَنْصُورٍ. (* ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ *) (¬1) . (¬2) (¬3) . وَمِنْهُمْ مَنْ مَالَ إِلَى (¬4) . . تَثْبِيتِ أَمْرِ (¬5) . مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ (¬6) . . وَقَالُوا: إِنَّمَا أَوْصَى أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى أَبِي مَنْصُورٍ دُونَ بَنِي هَاشِمٍ، كَمَا أَوْصَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬7) . إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ دُونَ وَلَدِهِ، وَدُونَ وَلَدِ هَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬8) . ثُمَّ إِنَّ الْأَمْرَ بَعْدَ أَبِي مَنْصُورٍ رَاجِعٌ (¬9) . إِلَى وَلَدِ عَلِيٍّ، كَمَا رَجَعَ الْأَمْرُ بَعْدَ يُوشَعَ " (¬10) . إِلَى وَلَدِ هَارُونَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ (¬11) \ 97: إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ نَصَّ عَلَى ابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ جَعْفَرًا حَيٌّ لَمْ يَمُتْ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ، وَهُوَ الْقَائِمُ الْمَهْدِيُّ (¬12) . . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) ، (¬3) أ، ب: أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، " الْمَقَالَاتِ ": أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، وَهُوَ الْإِمَامُ بَعْدَهُ (¬4) أ، ب: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى. . .؛ " الْمَقَالَاتِ " 1/97: وَفِرْقَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا الْمُحَمَّدِيَّةُ مَالَتْ إِلَى. (¬5) عِبَارَةُ " تَثْبِيتِ أَمْرِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬6) أ: مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، ب: مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، ن، م، و، ص: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، ر، هـ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، " الْمَقَالَاتِ ": مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ (¬7) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي " الْمَقَالَاتِ ": صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (¬8) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬9) ن، م: رَجَعَ (¬10) الْمَقَالَاتِ ": بَعْدَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ (¬11) الْكَلَامُ التَّالِي تَلْخِيصٌ لِمَا فِي " الْمَقَالَاتِ " 1 (¬12) أ، ب: الْقَائِمُ بِالْمَهْدِيِّ

وَمِنَ الرَّافِضَةِ (¬1) \ 98. مَنْ يَقُولُ: إِنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ مَاتَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ جَعْفَرٍ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ إِسْمَاعِيلُ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَقَالُوا: لَا يَمُوتُ حَتَّى يَمْلِكَ ; لِأَنَّ أَبَاهُ قَدْ كَانَ يُخْبِرُ أَنَّهُ وَصِيُّهُ وَالْإِمَامُ بَعْدَهُ. وَمِنَ الرَّافِضَةِ الْقَرَامِطَةُ: يَزْعُمُونَ أَنَّ خِلَافَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّصَلَتْ بِالنَّصِّ إِلَى جَعْفَرٍ (¬2) .، كَمَا يَقُولُهُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ، وَأَنَّ جَعْفَرًا (¬3) . نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِ ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَزَعَمُوا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ حَيٌّ إِلَى الْيَوْمِ - يَعْنِي إِلَى أَوَائِلِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ] (¬4) . لَمْ يَمُتْ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى (¬5) . يَمْلِكَ الْأَرْضَ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْبِشَارَةُ بِهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَخْبَارٍ رَوَوْهَا عَنْ أَسْلَافِهِمْ، يُخْبِرُونَ فِيهَا (¬6) . أَنَّ سَابِعَ الْأَئِمَّةِ قَائِمُهُمْ. وَهَؤُلَاءِ (¬7) . يُقَالُ لَهُمْ: السَّبَعِيَّةُ كَمَا يُقَالُ لِأُولَئِكَ: الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ وَهَؤُلَاءِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُونَ (¬8) . مَقَالَاتَهُمْ فِي أَوَائِلِ الْأَمْرِ قَبْلَ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ، قَبْلَ ظُهُورِهِمْ بِالْمَغْرِبِ (¬9) . وَالْقَاهِرَةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ انْتَشَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ ¬

(¬1) الْكَلَامُ التَّالِي تَلْخِيصٌ لِمَا فِي " الْمَقَالَاتِ " 1 (¬2) ب فَقَطْ: إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (¬3) أ، ب: وَأَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (أ) ، (ب) ، (ر) ، (هـ) وَسَقَطَ مِنْ بَاقِي النُّسَخِ، وَفِي " الْمَقَالَاتِ " حَيٌّ إِلَى الْيَوْمِ، لَمْ يَمُتْ وَلَا يَمُوتُ (¬5) ن، م: حَيٌّ لَمْ يَمُتْ إِلَى الْيَوْمِ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى، ص: حَيٌّ إِلَى يَوْمِ (¬6) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬7) الْكَلَامُ ابْتِدَاءً مِنْ كَلِمَةِ وَهَؤُلَاءِ إِضَافَةٌ مِنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ (¬8) ن، م: الْمُصَنَّفُ (¬9) أ، ب: بِالْغَرْبِ

الرَّابِعَةِ وَبَعْدَهَا مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَظَهَرَ فِيهِمْ مِنَ الزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ لَا فِي الْغُلَاةِ وَلَا غَيْرِهِمْ. وَمِنْ بَقَايَا هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِخُرَاسَانَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ أَهْلُ بَيْتِ ابْنِ سِينَا مِنَ الْمُسْتَجِيبِينَ (¬1) . لِدَعْوَتِهِمْ زَمَنَ الْحَاكِمِ. وَكَذَلِكَ هَذَا الطُّوسِيُّ وَأَمْثَالُهُ (¬2) . مِنْ أَعْوَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ سِنَانٌ وَغَيْرُهُ. وَأَذْكِيَاؤُهُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَهُمْ وَجَهْلَهُمْ، وَلَكِنْ بِسَبَبِ خِدْمَتِهِمْ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ وَالشَّهَوَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، فَهُمْ يُعَاوِنُونَهُمْ كَمَا يُعَاوِنُ (¬3) . أَمْثَالَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ، لِتُنَالَ بِهِمُ الْأَغْرَاضُ. وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا فِي وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا فِي وَلَدِ (¬4) . مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، لَا فِي إِسْمَاعِيلَ وَابْنِهِ، وَلَا فِي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا فِي ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَكَانَ أَكْبَرَ مَنْ خَلَفَ مِنْ وَلَدِهِ. (¬5) \ 99: وَهَؤُلَاءِ يُقَالُ لَهُمْ: الْفَطَحِيَّةُ (¬6) . ; لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ أَفْطَحَ الرِّجْلَيْنِ، قَالُوا: وَهَؤُلَاءِ عَدَدٌ كَثِيرٌ. ¬

(¬1) أ، ب: وَكَانَ أَهْلُ بَيْتِ سَبَأٍ مِنَ الْمُسْتَحْسِنِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) أ، ب: وَغَيْرُهُ (¬3) أ، هـ، م، ر، يُعَانُ، ص: يُعَاوِنُونَ (¬4) وَلَدِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬5) انْظُرِ " الْمَقَالَاتِ " 1 (¬6) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْبَطَحِيَّةُ، " أَبْطَحَ "، وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْمَقَالَاتِ " 1/99 وَقَالَ مُحَقِّقُ " الْمَقَالَاتِ ": يُقَالُ رَجُلٌ أَفْطَحُ الرِّجْلِ وَرَجُلٌ أَفْدَعُ الرِّجْلِ، وَذَلِكَ إِذَا اعْوَجَّتْ رِجْلُهُ يَنْقَلِبُ قَدَمُهَا إِلَى إِنْسِيِّهَا، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ سَيْرُهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَرْتَفِعَ أَخْمَصُ قَدَمِهِ حَتَّى لَوْ وَطِئَ عُصْفُورًا مَا آذَاهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ تَعْوَجَّ مَفَاصِلُهُ، كَأَنَّهَا زَالَتْ عَنْ مَوَاضِعِهَا، وَفِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ: فَطَحَ فَطْحًا: صَارَ عَرِيضًا، يُقَالُ: فَطْحُ الرَّأْسِ فَهُوَ أَفْطَحُ، وَفَطَحَتِ الْقَدَمُ وَالْأَرْنَبَةُ فَهِيَ فَطْحَاءُ

وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يَقُولُ بِإِمَامَةِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِيهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (¬1) . حَيٌّ لَمْ يَمُتْ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَمْلِكَ مَشْرِقَ الْأَرْضِ وَمَغْرِبَهَا. وَهَذَا الصِّنْفُ يُدْعَوْنَ الْوَاقِفَةَ (¬2) ; لِأَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَلَمْ يُجَاوِزُوهُ، وَيُسَمَّوْنَ الْمَمْطُورَةَ ; لِأَنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَاظَرَهُمْ، فَقَالَ: أَنْتُمْ أَهْوَنُ عَلِيَّ (¬3) . مِنَ الْكِلَابِ الْمَمْطُورَةِ (¬4) .، فَلَزِمَهُمْ هَذَا اللَّقَبُ " (¬5) . . وَمِنْهُمْ قَوْمٌ وَقَفُوا (¬6) \ 101 فِي أَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، فَقَالُوا: لَا نَدْرِي أَمَاتَ أَمْ لَمْ يَمُتْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ نَصَّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنِهِ أَحْمَدَ (¬7) . . وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُنْتَظَرِ عِنْدَ الِاثْنَيْ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِيهِمَا: مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَأَنَّهُ حَيٌّ (¬2) أ، ب: الْوَاقِفِيَّةَ، وَالْمُثْبَتُ فِي سَائِرِ النُّسَخِ وَفِي " الْمَقَالَاتِ " 1/100 (¬3) أ، م، ص، هـ، و: أَنْتُمْ أَعْلَى، ب: أَنْتُمْ أَغْلَى، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ر) ، " الْمَقَالَاتِ " (¬4) ن، م: الْمَحْطُورَةُ (¬5) الْمَقَالَاتِ ": وَبَعْضُ مُخَالِفِي هَذِهِ الْفِرْقَةِ يَدْعُوهُمُ " الْمَمْطُورَةُ "، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ نَاظَرَ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُونُسُ مِنَ الْقَطْعِيَّةِ الَّذِينَ قَطَعُوا عَلَى مَوْتِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ يُونُسُ: أَنْتُمْ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنَ الْكِلَابِ الْمَمْطُورَةِ، فَلَزِمَهُمْ هَذَا النَّبْزُ (¬6) أ، ب، ص، هـ، ر: تَوَقَّفُوا، وَانْظُرِ " الْمَقَالَاتِ " 1 (¬7) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/101: أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ بْنِ جَعْفَرٍ

عَشْرِيَّةَ إِمَامًا آخَرَ هُوَ الْقَائِمُ الَّذِي يَظْهَرُ فَيَمْلَأُ الدُّنْيَا (¬1) . عَدْلًا وَيَقْمَعُ الظُّلْمَ. " (¬2) . فَهَذَا بَعْضُ اخْتِلَافِ الرَّافِضَةِ الْقَائِلِينَ بِالنَّصِّ، فَإِذَا كَانُوا أَعْظَمَ تَبَايُنًا وَاخْتِلَافًا مِنْ سَائِرِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ، امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الطَّائِفَةَ النَّاجِيَةَ ; لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِي الطَّائِفَةِ النَّاجِيَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَّفِقَةً فِي أُصُولِ دِينِهَا كَاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أُصُولِ دِينِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ أُصُولَ الدِّينِ (¬3) . أَرْبَعَةٌ: التَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ وَالنُّبُوَّةُ وَالْإِمَامَةُ. وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالْإِمَامَةِ. وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَغَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مُقِرِّينَ بِهَا كَإِقْرَارِ سَائِرِ (¬4) . الْأُمَّةِ. (* وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ أَعْظَمُ مِنِ اخْتِلَافِ سَائِرِ الْأُمَّةِ *) (¬5) . فَإِنْ قَالَتِ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ: نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ، فَيَكُونُ الْحَقُّ مَعَنَا ¬

(¬1) ن، م، و: الْأَرْضَ (¬2) الْمَقَالَاتِ " 1/101 وَالصِّنْفُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنَ الرَّافِضَةِ: يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَّ عَلِيًّا نَصَّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ انْتَهَتِ الْإِمَامَةُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، كَمَا حَكَيْنَا عَنْ أَوَّلِ فِرْقَةٍ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بَعْدَهُ إِمَامٌ هُوَ الْقَائِمُ الَّذِي يَظْهَرُ فَيَمْلَأُ الدُّنْيَا عَدْلًا وَيَقْمَعُ الظُّلْمَ، وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ هُوَ الْقَائِمُ الَّذِي يَظْهَرُ فَيَمْلَأُ الدُّنْيَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا (¬3) هـ، ص، ر: دِينِهِمْ (¬4) ن، م، و: كَسَائِرِ (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و)

فصل قول الرافضي " الوجه الثالث أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم " والرد عليه

دُونَهُمْ (¬1) . قِيلَ: لَهُمْ وَأَهْلُ السُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْكُمْ، فَيَكُونُ الْحَقُّ مَعَهُمْ دُونَكُمْ، فَغَايَتُكُمْ أَنْ تَكُونَ سَائِرُ فِرَقِ الْإِمَامِيَّةِ (¬2) . مَعَكُمْ بِمَنْزِلَتِكُمْ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْإِسْلَامُ هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي يَجْمَعُ أَهْلَ الْحَقِّ (¬3) . [فصل قول الرافضي " الوجه الثالث أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم " والرد عليه] فَصْلٌ. (¬4) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) .: " الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ جَازِمُونَ بِحُصُولِ النَّجَاةِ لَهُمْ وَلِأَئِمَّتِهِمْ (¬6) -.، قَاطِعُونَ بِذَلِكَ (¬7) .، وَبِحُصُولِ ضِدِّهَا لِغَيْرِهِمْ (¬8) . . وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُجِيزُونَ وَلَا يَجْزِمُونَ (¬9) . بِذَلِكَ لَا لَهُمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ. فَيَكُونُ اتِّبَاعُ أُولَئِكَ أَوْلَى ; لِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا مَثَلًا خُرُوجَ شَخْصَيْنِ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيدَانِ الْكُوفَةَ فَوَجَدَا طَرِيقَيْنِ سَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقًا، فَخَرَجَ ثَالِثٌ يَطْلُبُ الْكُوفَةَ، فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ (¬10) ؟ فَقَالَ: إِلَى الْكُوفَةِ. فَقَالَ لَهُ: هَلْ طَرِيقُكُ ¬

(¬1) دُونَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) ن، م: الْأُمَّةِ (¬3) بَعْدَ كَلِمَةِ الْحَقِّ فِي (أ) ، (ب) وَاللَّهُ أَعْلَمُ (¬4) هـ، ص، ر: الْفَصْلُ السَّابِعُ (¬5) فِي (ك) ، ص [0 - 9] 5 (م) 96 (م) (¬6) ك: وَلِأَئِمَّتِهِمْ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ (¬7) ك: قَاطِعُونَ عَلَى ذَلِكَ (¬8) لِغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) (¬9) ص، " الْمَقَالَاتِ ": وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَجْزِمُونَ (¬10) أ، ب: أَيْنَ تَذْهَبُ، ن، م، و: إِلَى أَيْنَ تُرِيدُ، ص، ر: إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ.

تُوصِّلُكَ إِلَيْهَا (¬1) وَهَلْ طَرِيقُكَ آمِنٌ أَمْ مُخَوِّفٌ؟ وَهَلْ طَرِيقُ صَاحِبِكَ تُؤَدِّيهِ إِلَى الْكُوفَةِ؟ وَهَلْ هُوَ آمِنٌ أَمْ مَخُوفٌ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ سَأَلَ صَاحِبَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَعْلَمُ (¬2) . أَنَّ طَرِيقِي يُوَصِّلُنِي إِلَى الْكُوفَةِ، وَأَنَّهُ آمِنٌ، وَأَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقَ صَاحِبِي لَا يُؤَدِّيهِ إِلَى الْكُوفَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِآمِنٍ (¬3) .، فَإِنَّ الثَّالِثَ إِنْ تَابَعَ الْأَوَّلَ عَدَّهُ الْعُقَلَاءُ سَفِيهًا، وَإِنْ تَابَعَ الثَّانِيَ نُسِبَ إِلَى الْأَخْذِ بِالْحَزْمِ ". (* هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وَسَأَلَ الثَّانِيَ فَقَالَ [لَهُ الثَّانِي] (¬4) .: لَا أَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقِي تُؤَدِّينِي إِلَى الْكُوفَةِ، وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ آمِنٌ أَمْ مَخُوفٌ *) (¬5) . (¬6) . وَالْجَوَابُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:. أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ اتِّبَاعُ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ (¬7) . تُدَّعَى لَهُمُ الطَّاعَةُ الْمُطْلَقَةُ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهُمْ (¬8) . النَّجَاةَ وَاجِبًا (¬9) .، كَانَ اتِّبَاعُ (¬10) . خُلَفَاءِ ¬

(¬1) ك: فَقَالَ: أَهَذَا طَرِيقُكَ يُوصِّلُكَ إِلَيْهَا.؟ (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ: وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ (¬3) أ: وَلَيْسَ هُوَ آمِنٌ، ب: وَلَيْسَ هُوَ بِآمِنٍ، ك: وَلَيْسَ بِآمِنٍ (¬4) لَهُ الثَّانِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ (¬6) أَمْ مَخُوفٌ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: أَئِمَّةِ الدِّينِ (¬8) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬9) وَاجِبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ (¬10) ب فَقَطْ: أَتْبَاعُ

بَنِي أُمَيَّةَ الَّذِينَ كَانُوا يُوجِبُونَ طَاعَةَ أَئِمَّتِهِمْ طَاعَةً (¬1) . مُطْلَقًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ النَّجَاةَ مُصِيبِينَ عَلَى الْحَقِّ (¬2) .، وَكَانُوا فِي سَبِّهِمْ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ، وَقِتَالِهِمْ لِمَنْ قَاتَلُوهُ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ مُصِيبِينَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ طَاعَةَ الْأَئِمَّةِ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ بِذَنْبٍ، وَأَنَّهُ (¬3) . لَا ذَنْبَ لَهُمْ فِيمَا أَطَاعُوا فِيهِ الْإِمَامَ، بَلْ أُولَئِكَ أَوْلَى بِالْحُجَّةِ مِنَ الشِّيعَةِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُطِيعِينَ (¬4) . أَئِمَّةً أَقَامَهُمُ اللَّهُ وَنَصَّبَهُمْ وَأَيَّدَهُمْ وَمَلَّكَهُمْ، فَإِذَا كَانَ مِنْ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِعِبَادِهِ، كَانَ تَوْلِيَةُ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةِ (¬5) . مَصْلَحَةً لِعِبَادِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللُّطْفَ وَالْمَصْلَحَةَ الَّتِي حَصَلَتْ بِهِمْ أَعْظَمُ مِنَ اللُّطْفِ وَالْمَصْلَحَةِ الَّتِي حَصَلَتْ (¬6) . بِإِمَامٍ مَعْدُومٍ أَوْ عَاجِزٍ. وَلِهَذَا حَصَلَ لِأَتْبَاعِ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، أَعْظَمُ مِمَّا حَصَلَ لِأَتْبَاعِ الْمُنْتَظَرِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ إِمَامٌ يَأْمُرُهُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَعْرُوفِ (¬7) . وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْمُنْكَرِ، وَلَا يُعِينُهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ وَلَا دُنْيَاهُمْ، بِخِلَافِ أُولَئِكَ فَإِنَّهُمُ انْتَفَعُوا بِأَئِمَّتِهِمْ مَنَافِعَ كَثِيرَةً فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، أَعْظَمَ مِمَّا انْتَفَعَ هَؤُلَاءِ بِأَئِمَّتِهِمْ. ¬

(¬1) طَاعَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) عِبَارَةُ " عَلَى الْحَقِّ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) ب فَقَطْ: وَأَنَّهُمْ (¬4) و: يُطِيعُونَ (¬5) الْأَئِمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬6) هـ، ر، و، ص، م: تَحْصُلُ، ن: تَحَصَّلَتْ (¬7) أ، ب: بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ

فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ (¬1) . حُجَّةُ هَؤُلَاءِ الْمُنْتَسِبِينَ (¬2) . إِلَى مُشَايَعَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَحِيحَةً، فَحُجَّةُ أُولَئِكَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى مُشَايَعَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً فَهَذِهِ (¬3) . أَبْطَلُ مِنْهَا. فَإِذَا (¬4) . كَانَ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةُ مُتَّفِقِينَ مَعَ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ جَزْمَ أُولَئِكَ بِنَجَاتِهِمْ إِذَا أَطَاعُوا أُولَئِكَ (¬5) . الْأَئِمَّةَ طَاعَةً مُطْلَقَةً خَطَأٌ وَضَلَالٌ، فَخَطَأُ هَؤُلَاءِ وَضَلَالُهُمْ إِذَا جَزَمُوا بِنَجَاتِهِمْ لِطَاعَتِهِمْ (¬6) . لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ نَائِبُ الْمَعْصُومِ - وَالْمَعْصُومُ لَا عَيْنَ لَهُ وَلَا أَثَرَ - أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ، فَإِنَّ الشِّيعَةَ لَيْسَ لَهُمْ أَئِمَّةٌ يُبَاشِرُونَهُمْ بِالْخِطَابِ، إِلَّا شُيُوخَهُمُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالْبَاطِلِ، وَيَصُدُّونَهُمْ (¬7) . عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَيَصُدُّونَهُمْ (¬8) . عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي (¬9) .: أَنَّ هَذَا الْمَثَلَ إِنَّمَا كَانَ كَانَ: (¬10) . يَكُونُ مُطَابِقًا لَوْ ثَبَتَ مُقَدِّمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ لَنَا إِمَامًا مَعْصُومًا. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ أَمَرَ بِكَذَا وَكَذَا. (¬11) . الْمُقْدِمَتَيْنِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، بَلْ بَاطِلَةٌ. دَعِ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى، بَلِ الثَّانِيَةَ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ (¬12) . الَّذِينَ يُدَّعَى فِيهِمُ الْعِصْمَةُ قَدْ مَاتُوا مُنْذُ سِنِينَ ¬

(¬1) أ، ب، م: كَانَ (¬2) ن، م، و: الْمَنْسُوبِينَ (¬3) أ، ب: فَهَذَا (¬4) ن، م: فَإِنْ (¬5) أ: إِذَا ادَّعَوْا تِلْكَ، ب: إِذَا ادَّعَوْا لِتِلْكَ (¬6) أ، ب: إِذَا جَزَمُوا بِطَاعَتِهِمْ، ن، م: إِذَا جَزَمُوا بِنَجَاتِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ (¬7) أ، ب: وَيَصُدُّونَ (¬8) أ، ب: وَيَصُدُّونَ (¬9) ن، م: الرَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬10) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) (¬11) وَكِلْتَا وَكِلْتَا: كَذَا فِي (ب) ، فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَكِلَا (¬12) أ، ب: بَلِ الْأَئِمَّةَ

كَثِيرَةٍ، وَالْمُنْتَظَرُ لَهُ غَائِبٌ (¬1) . أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَعِنْدَ آخَرِينَ هُوَ مَعْدُومٌ لَمْ يُوجَدْ. وَالَّذِينَ يُطَاعُونَ (¬2) . شُيُوخٌ (¬3) . مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ، أَوْ كُتُبٌ صَنَّفَهَا بَعْضُ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ، وَذَكَرُوا أَنَّ مَا فِيهَا مَنْقُولٌ عَنْ أُولَئِكَ الْمَعْصُومِينَ. وَهَؤُلَاءِ الشُّيُوخُ الْمُصَنِّفُونَ (¬4) . لَيْسُوا مَعْصُومِينَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا مَقْطُوعًا لَهُمْ بِالنَّجَاةِ. فَإِذًا الرَّافِضَةُ لَا يَتَّبِعُونَ إِلَّا أَئِمَّةً لَا يَقْطَعُونَ بِنَجَاتِهِمْ وَلَا سَعَادَتِهِمْ، فَلَمْ يَكُونُوا قَاطِعِينَ لَا (¬5) . بِنَجَاتِهِمْ، وَلَا بِنَجَاةِ أَئِمَّتِهِمُ الَّذِينَ يُبَاشِرُونَهُمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهُمْ أَئِمَّتُهُمْ حَقًّا حَقًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .، وَإِنَّمَا هُمْ فِي انْتِسَابِهِمْ إِلَى أُولَئِكَ الْأَئِمَّةِ بِمَنْزِلَةِ كَثِيرٍ (¬6) مِنْ أَتْبَاعِ شُيُوخِهِمُ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى شَيْخٍ قَدْ مَاتَ مِنْ مُدَّةٍ وَلَا يَدْرُونَ (¬7) . بِمَاذَا أَمَرَ (¬8) ، وَلَا بِمَاذَا نَهَى، بَلْ لَهُ (¬9) أَتْبَاعٌ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، (* يَأْمُرُونَهُمْ بِالْغُلُوِّ فِي ذَلِكَ الشَّيْخِ وَفِي خُلَفَائِهِ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ أَرْبَابًا، وَكَمَا تَأْمُرُ شُيُوخُ الشِّيعَةِ ¬

(¬1) ب فَقَطْ غَائِبًا (¬2) أ، ب: يُطِيعُونَ، ص: يُطَاوِعُونَ (¬3) و: شُيُوخُهُمْ (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬5) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬6) أ، ب: بِمَنْزِلَةِ أَتْبَاعِ كَثِيرٍ. . . (¬7) أ، ب: وَلَمْ يَدْرُوا (¬8) ص، م، ر: بِمَاذَا أُمِرُوا. (¬9) أ، ب: لَهُمْ.

أَتْبَاعَهُمْ، وَكَمَا تَأْمُرُ شُيُوخُ النَّصَارَى أَتْبَاعَهُمْ، فَهُمْ يَأْمُرُونَهُمْ بِالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، وَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ *) (¬1) ، فَيَخْرُجُونَ عَنْ حَقِيقَةِ شَهَادَةِ (¬2) أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، فَلَا يُدْعَى إِلَّا هُوَ، وَلَا يُخْشَى إِلَّا هُوَ، وَلَا يُتَّقَى إِلَّا هُوَ (¬3) ، وَلَا يُتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ الدِّينُ إِلَّا لَهُ، لَا لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَأَنْ لَا نَتَّخِذَ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا، فَكَيْفَ بِالْأَئِمَّةِ وَالشُّيُوخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ؟ ! وَالرَّسُولُ - (¬4) هُوَ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَلَا يُطَاعُ مَخْلُوقٌ طَاعَةً مُطْلَقَةً إِلَّا هُوَ، فَإِذَا جُعِلَ الْإِمَامُ وَالشَّيْخُ كَأَنَّهُ إِلَهٌ يُدْعَى مَعَ مَغِيبَةٍ وَبَعْدَ مَوْتِهِ (¬5) ، وَيُسْتَغَاثُ بِهِ، وَيُطْلَبُ مِنْهُ الْحَوَائِجُ وَالطَّاعَةُ إِنَّمَا هِيَ لِشَخْصٍ حَاضِرٍ يَأْمُرُ بِمَا يُرِيدُ، وَيَنْهَى عَمَّا يُرِيدُ (¬6) كَانَ (¬7) الْمَيِّتُ مُشَبَّهًا بِاللَّهِ تَعَالَى (¬8) .، وَالْحَيُّ مُشَبَّهًا بِرَسُولِ اللَّهِ - (¬9) ، فَيَخْرُجُونَ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَصْلُهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَشَهَادَةُ أَنَّ (¬10) مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) أ، ب: فَيُخْرِجُونَهُمْ عَنْ شَهَادَةِ. (¬3) وَلَا يُخْشَى إِلَّا هُوَ، وَلَا يُتَّقَى إِلَّا هُوَ، كَذَا فِي (ن) ، (هـ) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَا يُخْشَى وَلَا يُتَّقَى إِلَّا هُوَ. (¬4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) مَعَ مَغِيبِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ مَعَ مَغِيبِهِ وَمَوْتِهِ. (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: وَكَانَ. (¬8) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬9) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) ، (ص) . (¬10) ن، م، ب: وَأَنَّ.

ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِحِكَايَاتٍ تُنْقَلُ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا خَطَأٌ مِنْهُ، فَيَعْدِلُونَ عَنِ النَّقْلِ الصِّدْقِ عَنِ الْقَائِلِ الْمَعْصُومِ إِلَى نَقْلٍ غَيْرِ مُصَدَّقٍ عَنْ قَائِلٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ. فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ مُخْطِئِينَ فِي هَذَا (¬1) ، فَالشِّيعَةُ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ خَطَأً ; لِأَنَّهُمْ أَعْظَمُ كَذِبًا فِيمَا يَنْقُلُونَهُ (¬2) عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَأَعْظَمُ غُلُوًّا فِي دَعْوَى عِصْمَةِ الْأَئِمَّةِ. وَإِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَتْبَاعِ (¬3) الشُّيُوخِ الْأَحْيَاءِ الْمُضِلِّينَ الْغَالِينَ فِي شَيْخٍ قَدْ مَاتَ، مُخْطِئِينَ فِي قَطْعِهِمْ بِالنَّجَاةِ، فَخَطَأُ الشِّيعَةِ فِي قَطْعِهِمْ بِالنَّجَاةِ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ طَرِيقَ الشِّيعَةِ صَوَابٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقَطْعِ وَالْجَزْمِ بِالنَّجَاةِ، فَطَرِيقُ الْمَشَايِخِيَّةِ (¬4) صَوَابٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقَطْعِ بِالنَّجَاةِ (¬5) ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ (¬6) طَرِيقُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ (¬7) كَانَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَأَنَّ الْخَمْرَ حَلَالٌ لَهُ ; لِأَنَّهُ (¬8) شَرِبَهَا الْأَنْبِيَاءُ، وَيَزِيدُ كَانَ مِنْهُمْ طَرِيقًا صَوَابًا. وَإِذَا كَانَ يَزِيدُ نَبِيًّا، كَانَ مَنْ خَرَجَ عَلَى نَبِيٍّ كَافِرًا، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كُفْرُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ رِزْقٍ لَا يَرْزُقُنِيهِ الشَّيْخُ لَا أُرِيدُهُ - طَرِيقًا ¬

(¬1) أ، ب: فِي الْحَقِيقَةِ. (¬2) أ، ب: فِيمَا نَقَلُوهُ. (¬3) ن، م: الْأَتْبَاعِ. (¬4) ص: الْمَشَايِخِ، هـ: الْمُشَايَخَةِ. (¬5) ن: مِنَ الْقَطْعِ وَالنَّجَاةِ وَالْجَزْمِ، م، ص، ر، هـ، و: مِنَ الْقَطْعِ بِالنَّجَاةِ وَالْجَزْمِ. (¬6) أ، ب: فَحِينَئِذٍ يَكُونُ. (¬7) بْنَ مُعَاوِيَةَ: زِيَادَةٌ فِي (ص) ، (ر) ، (هـ) . (¬8) عِبَارَةُ " لَهُ لِأَنَّهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَسَقَطَتْ " لِأَنَّهُ " مِنْ (أ) .

صَحِيحًا. وَطَرِيقُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، وَ [إِنَّ] كُلَّ مَسْجِدٍ فَإِنَّ اللَّهَ [قَدْ] وَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهِ (¬1) ، و: وَكُلَّ مَسْجِدٍ وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَيْهِ. طَرِيقًا صَحِيحًا. وَطَرِيقُ مَنْ يَقُولُ: عَلَى الدُّرَّةِ الْبَيْضَاءِ كَانَ اجْتِمَاعُنَا ... وَفِي قَابِ قَوْسَيْنِ اجْتِمَاعُ الْأَحِبَّةِ طَرِيقًا صَحِيحًا. وَطَرِيقُ مَنْ يَقُولُ (¬2) : إِنَّ شَيْخَهُ قَدْ أَسْقَطَ عَنْهُ الصَّلَاةَ طَرِيقًا صَحِيحًا، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الضَّلَالَاتِ الَّتِي تُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعَامَّةِ أَتْبَاعِ الْمَشَايِخِ. فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ (¬3) جَازِمُونَ بِنَجَاتِهِمْ وَسَعَادَةِ مَشَايِخِهِمْ، أَعْظَمُ مِنْ قَطْعِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ لِلْأَئِمَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ. فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اتِّبَاعِ الْجَازِمِ بِالنَّجَاةِ وَاجِبًا، وَجَبَ اتِّبَاعُ هَؤُلَاءِ. وَمِنْ جُمْلَةِ اتِّبَاعِ (¬4) هَؤُلَاءِ الْقَدْحُ فِي الشِّيعَةِ وَإِبْطَالُ طَرِيقَتِهِمْ (¬5) ، فَيَلْزَمُ مِنَ اتِّبَاعِ الْجَازِمِ إِبْطَالُ قَوْلِ الشِّيعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اتِّبَاعُ الْجَازِمِ مُطْلَقًا طَرِيقًا صَحِيحًا بَطَلَتْ حُجَّتُهُ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ (¬6) : إِنْ كَانَ اتِّبَاعُ أَهْلِ الْجَزْمِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ طَرِيقَةِ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، (* وَيَتَّبِعُونَ أَهْلَ ¬

(¬1) ن، م: وَكُلَّ مَسْجِدٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَضَعَ قَدَمَهُ (ص، ر، هـ قَدَمَيْهِ) عَلَيْهِ (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، وَسَقَطَتْ بَعْضُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مِنْ (و) ، (هـ) . (¬3) ن، م: فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ. (¬4) اتِّبَاعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (هـ) ، (ص) ، (ر) . (¬5) ن، م، و: طَرِيقِهِمْ. (¬6) وَهَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ص) ، (هـ) ، (ر) .

الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِيمَا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ *) (¬1) ، وَلَا يُوجِبُونَ طَاعَةَ مُعَيَّنٍ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَضْمَنُونَ السَّعَادَةَ إِلَّا لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَقُولُونَ (¬2) : إِنَّ مَنْ سِوَاهُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فَلَا يُطَاعُ مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَ (¬3) اتِّبَاعُ هَؤُلَاءِ نَقْصًا وَخَطَأً وَالصَّوَابُ اتِّبَاعُ أَهْلِ الْجَزْمِ مُطْلَقًا، وَجَبَ اتِّبَاعُ شِيعَةِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ وَشِيعَةِ الْمَشَايِخِ الْمَحْفُوظِينَ. وَشِيعَةُ هَؤُلَاءِ يَقْدَحُونَ فِي هَؤُلَاءِ، وَشِيعَةُ هَؤُلَاءِ يَقْدَحُونَ فِي هَؤُلَاءِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ (¬4) بَاطِلًا حَقًّا (¬5) ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَهَذَا إِنَّمَا لَزِمَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فَاسِدٌ؛ وَهُوَ اتِّبَاعُ مَنْ يَجْزِمُ بِلَا عِلْمٍ وَلَا دَلِيلٍ، فَكُلُّ مَنْ جَعَلَ اتِّبَاعَ الشَّيْخِ الْجَازِمِ وَالْمُجَازِفِ بِلَا حُجَّةٍ (¬6) . وَلَا دَلِيلٍ، أَوِ الْإِمَامِيَّ الْجَازِمَ الْمُجَازِفَ (¬7) بِالنَّجَاةِ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ مِمَّا (¬8) يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، لَزِمَ تَنَاقُضُ أَقْوَالِهِمْ، بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهَا لَا تَتَنَاقَضُ (¬9) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) م: وَيَقُولُ. (¬3) ب فَقَطْ: وَكَانَ. (¬4) أ، ب: الطَّرِيقَتَيْنِ. (¬5) ب: بَاطِلًا وَحَقًّا، ن: بَاطِلًا جِدًّا. (¬6) أ: فَكُلُّ مَنْ جَعَلَ الشَّيْخَ جَازِمًا بِالنَّجَاةِ بِلَا حُجَّةٍ، ب: فَكُلُّ مَنِ اتَّبَعَ الشَّيْخَ الْجَازِمَ بِالنَّجَاةِ بِلَا حُجَّةٍ، ن، م، هـ، و، ر: فَكُلُّ مَنْ جَعَلَ الشَّيْخَ الْجَازِمَ الْمُجَازِفَ بِلَا حُجَّةٍ (¬7) أ: بِالْمُجَازِفِ وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ب) . (¬8) أ: فَمَا، ب: فِيمَا. (¬9) أ، ب: لَا تَتَنَاقَضُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَنْعُ الْحُكْمِ فِي هَذَا الْمِثَالِ (¬1) الَّذِي ضَرَبَهُ وَجَعَلَهُ أَصْلًا قَاسَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لَهُ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: طَرِيقِي آمِنٌ يُوَصِّلُنِي، وَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: لَا عِلْمَ لِي بِأَنَّ طَرِيقِي آمِنٌ يُوَصِّلُنِي، أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ، لَمْ يَحْسُنْ فِي الْعَقْلِ تَصْدِيقُ الْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، بَلْ يَجُوزُ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ أَنْ يَكُونَ هَذَا (¬2) مُحْتَالًا عَلَيْهِ، يَكْذِبُ حَتَّى يَصْحَبَهُ فِي الطَّرِيقِ فَيَقْتُلَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا (¬3) لَا يَعْرِفُ مَا فِي الطَّرِيقِ مِنَ الْخَوْفِ، وَأَمَّا ذَاكَ الرَّجُلُ فَلَمْ يَضْمَنْ لِلسَّائِلِ شَيْئًا، بَلْ رَدَّهُ إِلَى نَظَرِهِ. فَالْحَزْمُ فِي مِثْلِ (¬4) هَذَا أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ أَيَّ الطَّرِيقَيْنِ أَوْلَى بِالسُّلُوكِ: أَحَدُ ذَيْنِكَ (¬5) الطَّرِيقَيْنِ أَوْ غَيْرُهُمَا (¬6) وَلَوْ كَانَ (¬7) كُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّ (¬8) طَرِيقِي آمِنٌ مُوصِّلٌ يَكُونُ أَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ مِمَّنْ تَوَقَّفَ، لَكَانَ كُلُّ مُفْتَرٍ وَجَاهِلٍ يَدَّعِي فِي الْمَسَائِلِ الْمُشْتَبِهَةِ أَنَّ قَوْلِي فِيهَا هُوَ الصَّوَابُ وَأَنَا قَاطِعٌ بِذَلِكَ، فَيَكُونُ اتِّبَاعِي أَوْلَى مِنْ طَرِيقِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ وَيَسْتَدِلُّونَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشُّيُوخُ الْكَذَّابُونَ الَّذِينَ يَضْمَنُونَ لِمُرِيدِهِمْ (¬9) الْجَنَّةَ، وَأَنَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ أَحَبَّهُمْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ مَنْ أَعْطَاهُمُ الْمَالَ أَعْطَوْهُ ¬

(¬1) ب: الْمَثَلِ، و: الْمَقَالِ. (¬2) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَاهِلًا. (¬4) مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ: أَحَدٌ سَلَكَ، ب: كَاتِّبَاعِ وَاحِدٍ سَلَكَ. (¬6) أَوْ غَيْرُهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . . (¬7) أ، ب: وَلَوْ أَنَّ. (¬8) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) (ب) . (¬9) ص، ر، و: لِمُرِيدِيهِمْ.

الْحَالَ الَّذِي يُقَرِّبُهُ إِلَى ذِي الْجَلَالِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ ذَوِي (¬1) الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ الَّذِينَ لَا يَضْمَنُونَ لَهُ إِلَّا مَا ضَمِنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَكَانَ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَئِمَّةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ كَالْمُعِزِّ وَالْحَاكِمِ وَأَمْثَالِهِمَا أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ أَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ ; لِأَنَّ أُولَئِكَ يَدَّعُونَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ وَكَشْفِ بَاطِنِ الشَّرِيعَةِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ أَعْظَمَ مِمَّا تَدَّعِيهِ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ لِأَصْحَابِهِمْ، وَيَضْمَنُونَ لَهُ (¬2) هَذَا مَعَ اسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: قَدْ أَسْقَطْنَا عَنْكَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالزَّكَاةَ، وَضَمَنَّا لَكَ بِمُوَالَاتِنَا الْجَنَّةَ [وَنَحْنُ قَاطِعُونَ بِذَلِكَ] (¬3) وَالِاثْنَا عَشْرِيَّةَ يَقُولُونَ: لَا يَسْتَحِقُّ (¬4) الْجَنَّةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَاتِ وَيَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ (¬5) فَإِنْ كَانَ اتِّبَاعُ الْجَازِمِ بِمُجَرَّدِ جَزْمِهِ أَوْلَى، كَانَ اتِّبَاعُ هَؤُلَاءِ أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِ مَنْ يَقُولُ: أَنْتَ إِذَا أَذْنَبْتَ يُحْتَمَلُ أَنْ تُعَاقَبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْفَى عَنْكَ، فَيَبْقَى بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْجَزْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى عِلْمِ صَاحِبِهِ وَلَا عَلَى صِدْقِهِ، وَأَنَّ التَّوَقُّفَ وَالْإِمْسَاكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الدَّلِيلُ هُوَ عَادَةُ الْعُقَلَاءِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ (¬6) " إِنَّهُمْ جَازِمُونَ بِحُصُولِ النَّجَاةِ لَهُمْ دُونَ أَهْلِ السُّنَّةِ " كَذِبٌ كَذِبٌ: (¬7) ، فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ¬

(¬1) أ، ب: أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِ ذَوِي. (¬2) أ، ب، ن، م: لَهُمْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) . . (¬4) أ، ب، ن، م: لَا نَسْتَحِقُّ. (¬5) أ، ب، ن، م: نُؤَدِّيَ الْوَاجِبَاتِ وَنَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ. (¬6) أ، ب، ن، م: قَوْلُهُمْ. (¬7) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

اعْتَقَدَ اعْتِقَادَهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ تَرَكَ الْوَاجِبَاتِ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَاتِ، فَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ الْإِمَامِيَّةِ، وَلَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ. وَإِنْ كَانَ (¬1) حُبُّ عَلِيٍّ حَسَنَةً لَا يَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ، فَلَا (¬2) يَضُرُّهُ تَرْكُ الصَّلَوَاتِ، وَلَا الْفُجُورُ بِالْعَلَوِيَّاتِ (¬3) وَلَا نَيْلُ أَغْرَاضِهِ بِسَفْكِ دِمَاءِ (¬4) بَنِي هَاشِمٍ إِذَا كَانَ يُحِبُّ عَلِيًّا. فَإِنْ قَالُوا: الْمَحَبَّةُ الصَّادِقَةُ تَسْتَلْزِمُ الْمُوَافَقَةَ، عَادَ الْأَمْرُ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ مَنِ اعْتَقَدَ الِاعْتِقَادَ الصَّحِيحَ وَأَدَّى الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ الْمُحَرَّمَاتِ يَدْخُلُ (¬5) الْجَنَّةَ، فَهَذَا اعْتِقَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ ; فَإِنَّهُمْ يَجْزِمُونَ (¬6) بِالنَّجَاةِ لِكُلِّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ. وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُونَ فِي الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ (¬7) لِعَدَمِ الْعِلْمِ (¬8) بِدُخُولِهِ فِي الْمُتَّقِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا عُلِمَ (¬9) أَنَّهُ مَاتَ عَلَى التَّقْوَى عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَلِهَذَا يَشْهَدُونَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ الرَّسُولُ [صَلَّى ¬

(¬1) ب فَقَطْ: وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ. (¬2) فَلَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، (و) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَا. (¬3) أ، و: بِالْمَعْلُومَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) أ: وَلَا نَيْلُ أَعْرَاضِهِمْ بِسَفْكِ دَمِ، ب: وَلَا نَيْلُ أَغْرَاضِهِمْ بِسَفْكِ دَمِ. (¬5) أ، ب: دَخَلَ. (¬6) أ، ب: جَزَمُوا. (¬7) أ، ب: وَإِنَّمَا تَوَقَّفُوا فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ. (¬8) ن، م: النَّظَرِ. (¬9) أ، ب: فَإِذَا عُلِمَ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) وَلَهُمْ فِيمَنِ اسْتَفَاضَ فِي النَّاسِ حُسْنُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِمَامِيَّةِ جَزْمٌ مَحْمُودٌ اخْتُصُّوا بِهِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَإِنْ قَالُوا: إِنَّا (¬2) نَجْزِمُ لِكُلِّ شَخْصٍ رَأَيْنَاهُ مُلْتَزِمًا لِلْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا تَارِكًا لِلْمُحَرَّمَاتِ، بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَنَا بِبَاطِنِهِ مَعْصُومٌ. قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامِيَّةِ بَلْ إِنْ كَانَ إِلَى هَذَا طَرِيقٌ صَحِيحٌ فَهُوَ طَرِيقٌ لِأَهْلِ (¬3) السُّنَّةِ، وَهُمْ بِسُلُوكِهِ أَحَذَقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا (¬4) طَرِيقٌ صَحِيحٌ إِلَى ذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا بِلَا عِلْمٍ، فَلَا (¬5) فَضِيلَةَ فِيهِ بَلْ فِي عَدَمِهِ. فَفِي الْجُمْلَةِ لَا يَدَّعُونَ عِلْمًا صَحِيحًا إِلَّا وَأَهْلُ السُّنَّةِ أَحَقُّ بِهِ، وَمَا ادَّعُوهُ مِنَ الْجَهْلِ فَهُوَ نَقْصٌ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ أَبْعَدُ عَنْهُ. وَالْقَوْلُ بِكَوْنِ الرَّجُلِ الْمُعَيَّنِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ إِخْبَارَ الْمَعْصُومِ، وَقَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ تَوَاطُؤَ شَهَادَاتِ (¬6) الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ. ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: فَإِنْ قَالُوا إِنَّمَا. (¬3) أ، ب: طَرِيقُ أَهْلِ. (¬4) ب فَقَطْ: هُنَاكَ. (¬5) أ، ب: وَلَا. (¬6) أ، ب: شَهَادَةِ.

كَمَا فِي الصَّحِيحِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ: " وَجَبَتْ وَجَبَتْ ". وَمُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا عَلَيْهَا: (¬1) . شَرًّا فَقَالَ: " وَجَبَتْ وَجَبَتْ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُكَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ قَالَ: " هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقُلْتُ: وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ. وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقُلْتُ: " وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» (¬2) . . وَفِي الْمُسْنَدِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " يُوشِكُ أَنْ تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ " قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ» (¬3) ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 3/169 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ تَعْدِيلِ كَمْ يَجُوزُ) ، 2/97 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ) ، مُسْلِمٍ 2/655 - 656 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ فِيمَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ خَيْرٌ أَوْ شَرٌّ مِنَ الْمَوْتَى) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/261 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الثَّنَاءِ الْحَسَنِ عَلَى الْمَيِّتِ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 4/41، (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الثَّنَاءِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/478 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) ، وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَهُوَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/296 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي الثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/277 - 278 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1411 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ) ، وَقَالَ الْمُعَلِّقُ فِي الزَّوَائِدِ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَيْسَ لِأَبِي زُهَيْرٍ هَذَا عَنِ ابْنِ مَاجَهْ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/416، 6/467. .

وَقَدْ يَكُونُ سَبَبُ ذَلِكَ تَوَاطُؤُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِينَ (¬1) فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ (¬2) أَوْ تُرَى لَهُ» (¬3) . «وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [سُورَةُ يُونُسَ: 64] قَالَ: " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ (¬4) يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ» (¬5) . وَقَدْ فَسَّرَهَا أَيْضًا بِثَنَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، «فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ ¬

(¬1) أ، ب: الْمُؤْمِنِ. (¬2) أ، ب: يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ، و، هـ، ص، ر: الرَّجُلُ الصَّالِحُ. (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/31 (كِتَابُ التَّعْبِيرِ، بَابُ الْمُبَشِّرَاتِ) ، وَجَاءَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مُسْلِمٍ 1/348 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/321 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/148 (كِتَابُ التَّطْبِيقِ، بَابُ تَعْظِيمِ الرَّبِّ فِي الرُّكُوعِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1283 (كِتَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، بَابُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/275. (¬4) الصَّالِحَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/364 - 365 (كِتَابُ الرُّؤْيَا، بَابُ ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَتَكَرَّرَ هَذَا الْحَدِيثُ: 4/350 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، وَمِنْ سُورَةِ يُونُسَ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1283 (كِتَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، بَابُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ) .

الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ فَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: " تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» (¬1) . وَالرُّؤْيَا قَدْ تَكُونُ مِنَ اللَّهِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَوَاطَأَتْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَمْرٍ كَانَ حَقًّا، كَمَا إِذَا تَوَاطَأَتْ رِوَايَاتُهُمْ أَوْ رَأْيُهُمْ (¬2) فَإِنَّ الْوَاحِدَ (¬3) قَدْ يَغْلَطُ أَوْ يَكْذِبُ، وَقَدْ يُخْطِئُ فِي الرَّأْيِ (¬4) ، أَوْ يَتَعَمَّدُ الْبَاطِلَ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ، وَإِذَا تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ (¬5) أَوْرَثَتِ الْعِلْمَ، وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا (¬6) قَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ عَلَى أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَحَرِّيَهَا (¬7) .، فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» (¬8) ¬

(¬1) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 4/2034 - 2035 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ إِذَا أُثْنِيَ عَلَى الصَّالِحِ فَهِيَ بُشْرَى وَلَا تَضُرُّ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1412 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/156، 157، 168. (¬2) أ: رُؤْيَاتُهُمْ أَوْ رُؤْيَاهُمْ، ب: رُؤْيَتُهُمْ. (¬3) أ، ب: الرَّجُلَ. (¬4) أ، ب: الرُّؤْيَا. (¬5) أ: الرِّوَيَاتُ، ب: الرُّؤْيَاتُ. (¬6) ب: فَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا، و: وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَاتُ. . (¬7) ن: مُتَجَرِّهَا، أ، ب: مُتَحَرِّيًا (¬8) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فِي الْبُخَارِيِّ 3/46 (كِتَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، بَابُ الْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ) ، مُسْلِمٍ 2/822 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، الْمُوَطَّأِ 1/321 (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/231.

وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَكْمَلُ وَأَتَمُّ مِمَّا هِيَ عِنْدَ الشِّيعَةِ، فَلَا طَرِيقَ لَهُمْ إِلَى الْعِلْمِ بِالسَّعَادَةِ وَحُصُولِهَا، إِلَّا وَذَلِكَ (¬1) الطَّرِيقُ أَكْمَلُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَجْزِمُونَ بِحُصُولِ النَّجَاةِ لِأَئِمَّتِهِمْ أَعْظَمَ مِنْ جَزْمِ الرَّافِضَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ أَئِمَّتَهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَهُمْ جَازِمُونَ بِحُصُولِ النَّجَاةِ لِهَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ الْعَشَرَةَ (¬2) . فِي الْجَنَّةِ (¬3) ، وَيَشْهَدُونَ «أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِأَهْلِ بَدْرٍ: " اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» . (¬4) ، بَلْ يَقُولُونَ: ¬

(¬1) أ، ب: وَذَاكَ. (¬2) ن: أَهْلَ الْعَشَرَةِ (¬3) وَرَدَ حَدِيثَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْجَنَّةِ: الْأَوَّلُ قَالَ فِي أَوَّلِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اثْبُتْ حِرَاءُ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ. الْحَدِيثُ، وَهُوَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/294 - 295 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْخُلَفَاءِ 9، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/315 - 316 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/48 (الْمُقَدِّمَةُ، فَضَائِلُ الْعَشَرَةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ، ج [0 - 9] الْأَرْقَامُ 1629، 1630، 1638، 1644، 1645، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَوَّلُهُ: عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ. وَهُوَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَفِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ج [0 - 9] الْأَرْقَامُ 1631، 1637، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي: صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 4 - 35. (¬4) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/77 - 78 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا) ، 6/149 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ) ، مُسْلِمٍ 4/1941 - 1942 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ: مِنْ فَضَائِلِ أَهْلِ بَدْرٍ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/64 - 65 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي حُكْمِ الْجَاسُوسِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/82 - 84 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/36 - 37. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا بِمَعْنَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/296 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْخُلَفَاءِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 15 83 - 84.

إِنَّهُ " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» "، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ (¬1) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) . فَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ إِمَامٍ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، يَشْهَدُونَ (¬3) أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَهِيَ شَهَادَةٌ بِعِلْمٍ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ يَشْهَدُونَ بِالنَّجَاةِ: إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا مُعَيَّنًا (¬4) ، شَهَادَةً مُسْتَنِدَةً إِلَى عِلْمٍ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَإِنَّهُمْ إِنْ شَهِدُوا شَهِدُوا (¬5) بِمَا لَا يَعْلَمُونَ، أَوْ شَهِدُوا بِالزُّورِ الَّذِي يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُمْ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ [رَحِمَهُ اللَّهُ] (¬6) : مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةِ. ¬

(¬1) ن: كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي مُسْلِمٍ 4/1942 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ: مِنْ فَضَائِلِ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ) ، وَنَصُّهُ فِيهِ: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: لَا يَدْخُلُ النَّارَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدُ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا " قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَانْتَهَرَهَا. فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [سُورَةُ مَرْيَمَ: 71] ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [سُورَةُ مَرْيَمَ: 72] ، وَالْحَدِيثُ عَنْهَا أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/362، 420 وَعَنْ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1431 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ ذِكْرِ الْبَعْثِ) . (¬3) ن: يُرِيدُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: أَوْ مُعَيَّنًا. (¬5) شَهِدُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) رَحِمَهُ اللَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي شُهِدَ لَهُ بِالنَّجَاةِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُطَاعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ هُوَ الْمُطَاعَ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَفِيمَا يَقُولُهُ بِاجْتِهَادِهِ (¬1) إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ (¬2) . فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْأَوَّلُ، فَلَا إِمَامَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَنْ يَجِبُ أَنْ يُطَاعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬3) وَهُمْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَاكِمُ (¬4) وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ: كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهُمْ يَشْهَدُونَ (¬5) لِإِمَامِهِمْ أَنَّهُ خَيْرُ الْخَلَائِقِ، وَيَشْهَدُونَ بِأَنَّ كُلَّ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ فَفَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ وَتَرَكَ مَا نَهَى عَنْهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ بِهَذَا وَهَذَا هُمْ فِيهَا أَتَمُّ مِنَ الرَّافِضَةِ مِنْ شَهَادَتِهِمْ لِلْعَسْكَرِيَيْنِ (¬6) وَأَمْثَالِهِمَا بِأَنَّهُ مَنْ أَطَاعَهُمْ (¬7) دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَثَبَتَ أَنَّ إِمَامَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَكْمَلُ، وَشَهَادَتَهُمْ لَهُ وَلَهُمْ إِذَا (¬8) أَطَاعُوهُ ¬

(¬1) أ، ب: بِاجْتِهَادٍ. (¬2) ن: وَنَحْوُهُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) أ، ب، ص، ر: وَالْحَكَمُ. (¬5) أ، ب: وَيَشْهَدُونَ. (¬6) أ: بِهَذَا وَهَذَا هُمْ أَتَمُّ مِنْ شَهَادَةِ الرَّافِضَةِ لِلْعَسْكَرِيَيْنِ، ب: بِهَذَا وَهَذَا هِيَ أَتَمُّ مِنْ شَهَادَةِ الرَّافِضَةِ لِلْعَسْكَرِيَيْنِ، ن، م: بِهَذَا وَهَذَا وَهُمْ فِيهَا أَتَمُّ مِنَ الرَّافِضَةِ مِنْ شَهَادَتِهِمْ لِلْعَسْكَرِيَيْنِ. (¬7) أ، ب، ر: بِأَنَّ مَنْ أَطَاعَهُمَا. (¬8) أ: وَشَهَادَتُهُ لَهُمْ وَلَهُ إِذَا، ب: وَشَهَادَتُهُمْ لَهُ إِذَا.

أَكْمَلُ، وَلَا سَوَاءَ. وَلَكِنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ) [سُورَةُ النَّمْلِ: 59] فَعِنْدَ الْمُقَابَلَةِ يُذْكَرُ فَضْلُ الْخَيْرِ الْمَحْضِ عَلَى الشَّرِّ الْمَحْضِ، [وَإِنْ كَانَ الشَّرُّ الْمَحْضُ] (¬1) لَا خَيْرَ فِيهِ. وَإِنْ أَرَادُوا بِالْإِمَامِ الْإِمَامَ الْمُقَيَّدَ، فَذَاكَ لَا يُوجِبُ أَهْلُ السُّنَّةِ طَاعَتَهُ (¬2) ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا أَمَرَ بِهِ مُوَافِقًا لِأَمْرِ الْإِمَامِ الْمُطْلَقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ إِذَا أَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَ [اللَّهُ بِطَاعَتِهِ فِيهِ] (¬3) ، فَإِنَّمَا هُمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَا يَضُرُّهُمْ تَوَقُّفُهُمْ فِي الْإِمَامِ الْمُقَيَّدِ: هَلْ هُوَ فِي الْجَنَّةِ أَمْ لَا؟ كَمَا لَا يَضُرُّ أَتْبَاعُ الْمَعْصُومِ عِنْدَهُمْ (¬4) إِذَا أَطَاعُوا نُوَّابَهُ، مَعَ أَنَّ نُوَّابَهُ قَدْ يَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لَا سِيَّمَا وَنُوَّابُ الْمَعْصُومِ عِنْدَهُمْ لَا يُعْلَمُ (¬5) أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ الْمَعْصُومُ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا يَقُولُهُ مَعْصُومُهُمْ. وَأَمَّا أَقْوَالُ (¬6) الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ مَعْلُومَةٌ، فَمَنْ أَمَرَ بِهَا فَقَدَ (¬7) عُلِمَ أَنَّهُ وَافَقَهَا، وَمَنْ أَمَرَ بِخِلَافِهَا عُلِمَ أَنَّهُ خَالَفَهَا، وَمَا خَفِيَ مِنْهَا (¬8) فَاجْتَهَدَ فِيهِ (¬9) نَائِبُهُ، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ طَاعَةِ نَائِبٍ لِمَنْ تُدَّعَى ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) ن، م، و: فَذَاكَ لَا يُوجِبُونَ طَاعَتَهُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: لَا يَعْلَمُونَ. (¬6) ن: وَأَمَّا قَوْلُ. (¬7) فَقَدَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْهَا، ن: وَمَا خَفِيَ فِيهَا. (¬9) ن، م: فِيهَا.

عِصْمَتُهُ (¬1) وَلَا أَحَدَ يَعْلَمُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَمَرَ بِهِ هَذَا الْغَائِبُ الْمُنْتَظَرُ، فَضْلًا عَنِ الْعِلْمِ بِكَوْنِ نَائِبِهِ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا. فَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّ النُّوَّابَ عَالِمُونَ بِأَمْرِ مَنْ قَبْلَهُ (¬2) ، فَعِلْمُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَمُّ وَأَكْمَلُ مِنْ عِلْمِ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِ مَنْ يَدَّعُونَ (¬3) عِصْمَتَهُ، وَلَوْ طُولِبَ أَحَدُهُمْ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ بِمَا يَقُولُونَهُ عَنْ عَلِيٍّ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ لَمَا وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا. وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْإِسْنَادِ وَالْعِلْمِ بِالرِّجَالِ النَّاقِلِينَ مَا (¬4) لِأَهْلِ السُّنَّةِ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ السَّعَادَةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَأَطَاعَ رَسُولَهُ، وَتَوَعَّدَ بِالشَّقَاءِ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَمَنَاطُ السَّعَادَةِ طَاعَةُ (¬5) اللَّهِ وَرَسُولِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 69] وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى (¬6) يَقُولُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] ، فَمَنِ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ (¬7) كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَقَوْلُ الرَّافِضَةِ (¬8) : لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ إِمَامِيًّا، كَقَوْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ¬

(¬1) أ، ب: لِمَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ. (¬2) أ، ب: عَامِلُونَ بِأَمْرِ مَنْ قَبْلَهُمْ. (¬3) ن، م، و: يَدَّعِي. (¬4) ن، م: بِمَا. (¬5) ن: إِطَاعَةُ. (¬6) أ، ب: وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى. (¬7) أ، ب: بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ. (¬8) أ، ب: فَقَوْلُ الرَّافِضِيِّ.

قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُنْتَظَرَ (¬1) الَّذِي يَدَّعِيهِ الرَّافِضِيُّ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ طَاعَتُهُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ قَوْلٌ مَنْقُولٌ عَنْهُ، فَإِذًا مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَذَا الْإِمَامِ، وَمَنْ آمَنَ بِهَذَا الْإِمَامِ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ إِلَّا إِذَا أَطَاعَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) فَطَاعَةُ الرَّسُولِ - (¬3) هِيَ مَدَارُ السَّعَادَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَهِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ (¬4) [وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬5) فَرَّقَ بَيْنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ دَلَّ الْخَلْقَ عَلَى طَاعَتِهِ (¬6) بِمَا بَيَّنَهُ لَهُمْ، فَتَبَيَّنَ (¬7) أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ جَازِمُونَ بِالسَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. تَمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ الْجُزْءُ الثَّالِثُ مِنْ كِتَابِ " مِنْهَاجِ السُّنَّةِ فِي نَقْضِ كَلَامِ الشِّيعَةِ الْقَدَرِيَّةِ " لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَيَتْلُوهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - الْجُزْءُ الرَّابِعُ، وَأَوَّلُهُ: فَصْلٌ: قَالَ الرَّافِضِيُّ: الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ أَخَذُوا مَذْهَبَهُمْ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ. . . إِلَخْ. ¬

(¬1) أ، ب: أَنَّ هَذَا الْمُنْتَظَرَ. (¬2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬4) ن، م: وَأَهْلِ النَّارِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬6) أ: النَّاسَ قَدْرَ الْحَقِّ عَلَى طَاعَتِهِ، ب: النَّاسَ فَدَلَّ الْخَلْقَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ (دَلَّ) مِنْ (ن) . (¬7) أ، ب: فَدَلَّ.

كلام الرافضي على خصائص الأئمة الاثنى عشر

[كلام الرافضي على خصائص الأئمة الاثنى عشر] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَصْلٌ (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ: " [الْوَجْهُ] (¬2) الرَّابِعُ (¬3) : أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ أَخَذُوا مَذْهَبَهُمْ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ الْمَشْهُورِينَ بِالْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَالِاشْتِغَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ (¬4) وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ (¬5) زَمَنِ الطُّفُولِيَّةِ إِلَى آخِرِ الْعُمُرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْعُلُومَ (¬6) ، وَنَزَلَ فِي حَقِّهِمْ: {هَلْ أَتَى} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 1] ، وَآيَةُ الطَّهَارَةِ، وَإِيجَابُ الْمَوَدَّةِ لَهُمْ، وَآيَةُ الِابْتِهَالِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَكَانَ عَلِيٌّ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬7) يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَيَتْلُو الْقُرْآنَ مَعَ شِدَّةِ ابْتِلَائِهِ بِالْحُرُوبِ وَالْجِهَادِ. ¬

(¬1) ص، ر، هـ،: الْفَصْلُ الثَّامِنُ. (¬2) الْوَجْهُ: فِي (أ) ، (ب) ، (ك) . وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬3) الْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 96 (م) . (¬4) ن: بِالْعِبَادَةِ أَيْ بِالدُّعَاءِ. (¬5) ن، ص، هـ، ر، و: فِي. (¬6) ك: وَمِنْهُمْ تَعَلَّمَ النَّاسُ الْعُلُومَ. (¬7) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي (م) : عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي (ك) : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

فَأَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬1) كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) وَجَعَلَهُ اللَّهُ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ (¬3) حَيْثُ قَالَ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] وَوَاخَاهُ [رَسُولُ اللَّهِ] وَزَوَّجَهُ (¬4) ابْنَتَهُ، وَفَضْلُهُ لَا يَخْفَى (¬5) وَظَهَرَتْ مِنْهُ (¬6) مُعْجِزَاتٌ كَثِيرَةٌ، حَتَّى ادَّعَى قَوْمٌ فِيهِ (¬7) الرُّبُوبِيَّةَ وَقَتَلَهُمْ، وَصَارَ إِلَى مَقَالَتِهِمْ آخَرُونَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ كَالْغُلَاةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ. وَكَانَ وَلَدَاهُ سِبْطَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) «سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» إِمَامَيْنِ بِنَصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬9) ، وَكَانَا أَزْهَدَ النَّاسِ وَأَعْلَمَهُمْ فِي زَمَانِهِمَا (¬10) ، وَجَاهَدَا (¬11) فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى قُتِلَا، وَلَبِسَ الْحَسَنُ (¬12) الصُّوفَ تَحْتَ ثِيَابِهِ الْفَاخِرَةِ مِنْ ¬

(¬1) ن: عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، م: عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ، ك: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬2) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬3) أ، ب، هـ: نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ن، م: نَفْسَ رَسُولِهِ، وَ: نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬4) ص، ر، هـ، و، ن، م: وَوَاخَاهُ وَزَجَّهُ، ك: وَآخَاهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَزَوَّجَهُ. . (¬5) أ، ب، و: لَا تُحْصَى. (¬6) ك: عَنْهُ. (¬7) قَوْمٌ فِيهِ: كَذَا فِي (و) ، (ك) ، (هـ) ، (ر) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِيهِ قَوْمٌ. (¬8) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. وَلَنْ أُشِيرَ إِلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا يَلِي بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬9) ن، م: بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ك: بِنَصِّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬10) فِي زَمَانِهِمَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي (ك) وَسَائِرِ النُّسَخِ: فِي زَمَانِهِمْ. (¬11) ن، م، و: وَجَاهَدُوا. (¬12) ك، و: الْحَسَنُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ أَحَدٌ (¬1) بِذَلِكَ، «وَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا الْحُسَيْنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ (¬2) ، وَإِبْرَاهِيمَ (¬3) عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ، فَنَزَلَ جِبْرَائِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬4) وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَكَ بَيْنَهُمَا (¬5) ، فَاخْتَرْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬6) : إِذَا مَاتَ الْحُسَيْنُ بَكَيْتُ (¬7) أَنَا وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، وَإِذَا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بَكَيْتُ أَنَا عَلَيْهِ، فَاخْتَارَ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ (¬8) فَمَاتَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْحُسَيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ (¬9) : أَهْلًا وَمَرْحَبًا بِمَنْ فَدَيْتُهُ بِابْنِي إِبْرَاهِيمَ» . وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ (¬10) يَصُومُ نَهَارَهُ وَيَقُومُ لَيْلَهُ، وَيَتْلُو الْكِتَابَ الْعَزِيزَ، وَيُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَيَدْعُو كُلَّ رَكْعَتَيْنِ (¬11) بِالْأَدْعِيَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْهُ وَعَنْ آبَائِهِ (¬12) ثُمَّ يَرْمِي الصَّحِيفَةَ كَالْمُتَضَجِّرِ، وَيَقُولُ (¬13) : أَنَّى لِي بِعِبَادَةِ ¬

(¬1) ك، ص 97 (م) : يُشْعِرَ أَحَدًا. . (¬2) أ، ب: الْحُسَيْنَ يَوْمًا فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ. (¬3) ك: وَوَلَدَهُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. . (¬4) جِبْرَائِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كَذَا فِي (هـ) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: جِبْرِيلُ. وَفِي (أ) ، (ب) ، (و) : جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬5) ن، م، ر، ص، هـ: لِيَجْمَعَهُمَا لَكَ. (¬6) ك: فَقَالَ مَعَ نَفْسِهِ. . (¬7) ك: بَكَى عَلَيْهِ أَنَا. . (¬8) ك: إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬9) و، هـ، ر: وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْحُسَيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ وَيُقَبِّلُهُ، ك: فَكَانَ إِذَا جَاءَ الْحُسَيْنُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ ذَلِكَ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " بَعْدَ ذَلِكَ " مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) و: زَيْنُ الْعَابِدِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ك: زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬11) م، ص، هـ، ر، و: بَعْدَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، أ، ب: بَعْدَ كُلِّ رَكْعَةٍ. (¬12) و، ك: وَعَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. (¬13) ن، هـ، ر، ص،: ثُمَّ يَقُولُ.

عَلِيٍّ (¬1) ، وَكَانَ يَبْكِي كَثِيرًا (¬2) حَتَّى أَخَذَتِ الدُّمُوعُ مِنْ لَحْمِ خَدَّيْهِ، وَسَجَدَ حَتَّى سُمِّيَ ذَا الثَّفِنَاتِ (¬3) ، «وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الْعَابِدِينَ» . وَكَانَ قَدْ حَجَّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَاجْتَهَدَ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ (¬4) فَلَمْ يُمْكِنْهُ مِنَ الزِّحَامِ (¬5) فَجَاءَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ فَوَقَفَ (¬6) النَّاسُ لَهُ وَتَنَحَّوْا عَنِ الْحَجَرِ حَتَّى اسْتَلَمَهُ (¬7) ، وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ الْحَجَرِ سِوَاهُ (¬8) ، فَقَالَ هِشَامُ [بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ] : مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ [الشَّاعِرُ] (¬9) : هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ... وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحَرَمُ هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمُ ... هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ (¬10) الْعَلَمُ يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ رَاحَتِهِ ... رُكْنُ الْحَطِيمِ إِذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ ¬

(¬1) ك: عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬2) ك: وَكَانَ يَبْكِي عَلَيْهِ السَّلَامُ كَثِيرًا. (¬3) ك: وَسَجَدَ حَتَّى حَشَى مَسَاجِدَهُ كَخُفِّ الْبَعِيرِ، وَسُمِّيَ ذَا الثَّفِنَاتِ. وَفِي (ن) ، (م) ، (أ) ، (هـ) : ذَا النَّقْبَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَفِي اللِّسَانِ: الثَّفِنَةُ مِنَ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَهِ: الرُّكْبَةُ، وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ رَئِيسِ الْخَوَارِجِ: ذُو الثَّفِنَاتِ لِكَثْرَةِ صِلَاتِهِ، وَلِأَنَّ طُولَ السُّجُودِ كَانَ أَثَّرَ فِي جَبْهَتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَيَدَيْهِ، كَمَا يُؤَثِّرُ الْبُرُوكُ فِي ثَفِنَاتِ الْبَعِيرِ. (¬4) أ، ب: فَاجْتَهَدَ عَلَى أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ. (¬5) ك: فَلَمْ يُمْكِنْهُ لِلزِّحَامِ. (¬6) أ، ب: زَيْنُ الْعَابِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَقَفَ، ك: زَيْنُ الْعَابِدِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَوَقَفَ. . (¬7) أ، ر، ن، م، و، هـ: حَتَّى اسْتَلَمَ. (¬8) ك: عِنْدَ الْحَجَرِ أَحَدٌ مِنْهُمْ سِوَاهُ. (¬9) ك ص 97 (م) 98 (م) : سِوَاهُ وَاحْتَرَمُوا لَهُ وَفَضَّلُوهُ عَلَى سَائِرِ الْقَوْمِ، فَنَظَرَ هِشَامٌ وَغَضِبَ بِذَلِكَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي وَقَفَهُمْ عَلَيْهِ، حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، فَقَامَ مِنْ بَيْنِهِمُ الْفَرَزْدَقُ الشَّاعِرُ وَفَتَحَ طَرِيقَ الْمَحَبَّةِ وَالْوِلَايَةِ. . وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَلِكُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " الشَّاعِرُ " مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) : الظَّاهِرُ.

إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا ... إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الْكَرَمُ إِنْ عُدَّ أَهْلُ التُّقَى كَانُوا أَئِمَّتَهُمْ ... أَوْ قِيلَ مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ (¬1) قِيلَ هُمُ هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إِنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ ... بِجِدِّهِ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ قَدْ خُتِمُوا يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ يَنْشَقُّ نُورُ الْهُدَى عَنْ صُبْحٍ غُرَّتِهِ ... كَالشَّمْسِ يَنْجَابُ عَنْ إِشْرَاقِهَا الظُّلَمُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ ... طَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالْخِيمُ وَالشِّيَمُ اللَّهُ شَرَّفَهُ قِدْمًا وَفَضَّلَهُ ... جَرَى بِذَاكَ لَهُ فِي لَوْحِهِ الْقَلَمُ (¬2) مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُ كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَلْجًا وَمُعْتَصَمُ ... لَا يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بَعْدَ غَايَتِهِمْ وَلَا يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإِنْ كَرُمُوا ... هُمُ الْغُيُوثُ إِذَا مَا أَزْمَةٌ أَزَمَتْ وَالْأُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى وَالرَّأْيُ (¬3) مُحْتَدِمُ ... لَا يَنْقُصُ (¬4) الْعُسْرُ بَسْطًا مِنْ أَكُفِّهِمُ سِيَّانَ ذَلِكَ إِنْ أَثْرَوْا وَإِنْ عَدِمُوا ... مَا قَالَ لَا قَطُّ إِلَّا فِي تَشَهُّدِهِ لَوْلَا التَّشَهُّدُ كَانَتْ لَاؤُهُ نَعَمُ ... يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ (¬5) وَالْبَلْوَى بِحُبِّهِمُ وَيُسْتَرَقُّ بِهِ الْإِحْسَانُ وَالنِّعَمُ ... مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ ذِكْرُهُمُ فِي كُلِّ بِرٍّ (¬6) وَمَخْتُومٌ بِهِ الْكَلِمُ ... مَنْ يَعْرِفِ اللَّهَ يَعْرِفْ أَوْلَوِيَّةَ ذَا (¬7) فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الْأُمَمُ (¬8) ¬

(¬1) ك: أَوْ قِيلَ مَنْ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ. . (¬2) ص: فِي اللَّوْحِ وَالْقَلَمِ: (¬3) ب (فَقَطْ) : وَالْبَأْسُ. (¬4) ب (فَقَطْ) : لَا يَقْبِضُ، ك: لَا يَنْقَبِضُ. (¬5) ن، م: الشَّرُّ، ك: الضُّرُّ. (¬6) ب (فَقَطْ) : بَدْءٍ. (¬7) ن، م، أ، ر، هـ: أَوَّلِيَّتَهُ، و، ص: دِيوَانُ الْفَرَزْدَقِ (ص 849) : أَوَّلِيَّةَ ذَا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، (ك) . (¬8) فِي (ك) بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ: وَلَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هَذَا بَضَائِرِهِ فَالْعُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أَنْكَرْتَ وَالْعَجَمُ هَذَا الْبَيْتُ الْأَخِيرُ كُتِبَ فِي هَامِشِ (ك) . وَفِي الْأَغَانِي 15/327: فَلَيْسَ قَوْلُكَ. . وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ لَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا فِي دِيوَانِ الْفَرَزْدَقِ (ط. الْقَاهِرَةِ، 1354 1936) . إِلَّا سِتَّةُ أَبْيَاتٍ، وَفِي نِسْبَةِ سَائِرِ الْأَبْيَاتِ خِلَافٌ كَبِيرٌ. انْظُرِ الْأَغَانِيَ 15/326 - 329 (ط. دَارِ الْكُتُبِ) .

فَغَضِبَ هِشَامٌ وَأَمَرَ بِحَبْسِ الْفَرَزْدَقِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، [فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ (¬1) أَتَحْبِسُنِي بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالَّتِي ... إِلَيْهَا قُلُوبُ النَّاسِ يَهْوِيَ مُنْبِيهَا (¬2) تُقَلِّبُ رَأْسًا لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ وَعَيْنًا لَهُ حَوْلَاءَ (¬3) بَادٍ عُيُوبُهَا ] (¬4) . فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ (¬5) زَيْنُ الْعَابِدِينَ (¬6) بِأَلْفِ دِينَارٍ فَرَدَّهَا، وَقَالَ: إِنَّمَا قَلَتُ هَذَا غَضَبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ (¬7) ، فَمَا آخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (¬8) : نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ (¬9) لَا يَعُودُ إِلَيْنَا مَا خَرَجَ مِنَّا، فَقَبِلَهَا (¬10) الْفَرَزْدَقُ. ¬

(¬1) ك: فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ: فِي الْحَبْسِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَبَعَثَ إِلَيْهِ: (¬2) ك: مُنِيبُهَا. (¬3) ب: حَوْبَاءَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) ، (ك) . (¬5) الْإِمَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ص) ، (ب) . (¬6) ك، ص 99 (م) ، و: زَيْنُ الْعَابِدِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬7) أ، ب، م، ص، ر: غَضَبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ك: حُبًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ. (¬8) ن، ر، ص، هـ: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، و: ك: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬9) أ، ب: أَهْلَ الْبَيْتِ. (¬10) م، ك: فَقَبِلَهُ.

وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قَوْمٌ يَأْتِيهِمْ رِزْقُهُمْ لَيْلًا وَلَا يَعْرِفُونَ مِمَّنْ هُوَ، فَلَمَّا مَاتَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ (¬1) ، انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ (¬2) وَعَرَفُوا أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ (¬3) . وَكَانَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ (¬4) أَعْظَمَ النَّاسِ زُهْدًا وَعِبَادَةً، بَقَرَ السُّجُودُ جَبْهَتَهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ [أَهْلِ] (¬5) وَقْتِهِ، سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَاقِرَ، وَجَاءَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ إِلَيْهِ (¬6) وَهُوَ صَغِيرٌ فِي الْكُتَّابِ، فَقَالَ لَهُ: جَدُّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: وَعَلَى جَدِّيَ السَّلَامُ. فَقِيلَ لِجَابِرٍ: كَيْفَ هَذَا؟ قَالَ: (¬7) «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحُسَيْنُ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ يُلَاعِبُهُ، (¬8) فَقَالَ: يَا جَابِرُ، يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ اسْمُهُ عَلِيٌّ إِذَا (¬9) كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: لِيَقُمْ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، فَيَقُومُ وَلَدُهُ، ثُمَّ يُولَدُ لَهُ مَوْلُودٌ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ، يَبْقُرُ (¬10) الْعِلْمَ بَقْرًا، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ» (¬11) . وَرَوَى عَنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ. ¬

(¬1) ن، م، أ، ب، ر، هـ، و: مَوْلَانَا زَيْنُ الْعَابِدِينَ: ك: زَيْنُ الْعَابِدِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬2) أ، ب: عَنْهُمْ ذَلِكَ. (¬3) ر، ص: أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ، م: أَنَّهُ مِنْهُ، و: أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ك: أَنَّهُ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) و، ك: الْبَاقِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬5) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) أ، ب، ر، ن، م: وَجَاءَ إِلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ إِلَيْهِ، ص 99 (م) - ص - 100 (م) : وَجَاءَ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ - وَقِيلَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ إِلَيْهِ. (¬7) أ، ب: قَالَ جَابِرٌ، ن، ر، ص، هـ: فَقَالَ. (¬8) وَهُوَ يُلَاعِبُهُ: كَذَا فِي (هـ) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَهُوَ يُدَاعِبُهُ. (¬9) أ، ب: فَإِذَا. (¬10) ك: إِنَّهُ يَبْقُرُ. (¬11) فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ: كَذَا فِي (ب) ، (ص) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ. . عَنِّي. وَفِي (ك) : فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ.

وَكَانَ ابْنُهُ الصَّادِقُ (¬1) عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَعْبَدَهُمْ. قَالَ عُلَمَاءُ السِّيرَةِ (¬2) إِنَّهُ اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ عَنْ طَلَبِ الرِّيَاسَةِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ: كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ (¬3) عَلِمْتُ أَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ النَّبِيِّينَ، وَهُوَ الَّذِي نَشَرَ فِقْهَ الْإِمَامِيَّةِ، وَالْمَعَارِفَ الْحَقِيقَةَ، وَالْعَقَائِدَ الْيَقِينِيَّةَ، وَكَانَ لَا يُخْبِرُ بِأَمْرٍ إِلَّا وَقَعَ، وَبِهِ سَمَّوْهُ الصَّادِقَ الْأَمِينَ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ (¬4) جَمَعَ أَكَابِرَ الْعَلَوِيِّينَ (¬5) لِلْبَيْعَةِ لِوَلَدَيْهِ، فَقَالَ الصَّادِقُ (¬6) : هَذَا (¬7) الْأَمْرُ لَا يَتِمُّ، فَاغْتَاظَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لِصَاحِبِ الْقَبَاءِ الْأَصْفَرِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمَنْصُورُ بِذَلِكَ فَرِحَ لِعِلْمِهِ بِوُقُوعِ مَا يُخْبِرُ بِهِ (¬8) ، وَعَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ يَصِلُ إِلَيْهِ (¬9) ، وَلَمَّا هَرَبَ كَانَ يَقُولُ: أَيْنَ قَوْلُ صَادِقِهِمْ؟ وَبَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ. وَكَانَ ابْنُهُ مُوسَى الْكَاظِمُ (¬10) يُدْعَى بِالْعَبْدِ الصَّالِحِ، وَكَانَ أَعْبَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ (¬11) ، يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ، وَسُمِّيَ الْكَاظِمَ لِأَنَّهُ كَانَ (¬12) إِذْ بَلَغَهُ عَنْ ¬

(¬1) أ، ب: وَكَانَ ابْنُهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ. . . (¬2) أ، ب، ص: السِّيَرِ. (¬3) ك: جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬4) ك:. . . بْنُ الْحَسَنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬5) أ، ب: الْعَلَوِيَّةِ. (¬6) ك، وَ: الصَّادِقُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬7) ك: إِنَّ هَذَا. (¬8) أ، ب، و،: مَا خَبَّرَ بِهِ. (¬9) أ، ب: يَتَّصِلُ بِهِ. (¬10) و، ك: الْكَاظِمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬11) ك: كَانَ أَعْبَدَ أَهْلِ وَقْتِهِ. (¬12) ك: سُمِّيَ الْكَاظِمَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ. .

أَحَدٍ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهِ بِمَالٍ. وَنَقَلَ فَضْلَهُ الْمُوَافِقُ وَالْمُخَالِفُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: رَوَى (¬1) عَنْ شَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ حَاجًّا سَنَةَ تِسْعٍ (¬2) وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَنَزَلْتُ الْقَادِسِيَّةَ فَإِذَا شَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ شَدِيدُ السُّمْرَةِ، عَلَيْهِ ثَوْبُ صُوفٍ مُشْتَمِلٌ بِشَمْلَةٍ، فِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ، وَقَدْ جَلَسَ مُنْفَرِدًا عَنِ النَّاسِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا الْفَتَى (¬3) مِنَ الصُّوفِيَّةِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَاللَّهِ لَأَمْضِيَنَّ إِلَيْهِ أُوَبِّخْهُ (¬4) ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ (¬5) فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا (¬6) قَالَ: يَا شَقِيقُ، اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا (¬7) عَبْدٌ صَالِحٌ قَدْ نَطَقَ عَلَى مَا فِي خَاطِرِي (¬8) ، لَأَلْحَقَنَّهُ وَلَأَسْأَلَنَّهُ أَنْ يُحَالِلَنِي (¬9) ، فَغَابَ عَنْ عَيْنِي (¬10) ، فَلَمَّا نَزَلْنَا وَاقِصَةَ إِذَا بِهِ يُصَلِّي (¬11) ، وَأَعْضَاؤُهُ تَضْطَرِبُ، وَدُمُوعُهُ تَتَحَادَرُ. فَقُلْتُ: أَمْضِي إِلَيْهِ وَأَعْتَذِرُ، فَأَوْجَزَ فِي صِلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا شَقِيقُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [سُورَةُ طه: 82] فَقُلْتُ: هَذَا مِنَ الْأَبْدَالِ، قَدْ تَكَلَّمَ عَلَى ¬

(¬1) رَوَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) ص 101 (م) . (¬2) ن (فَقَطْ) : سَبْعٍ. . (¬3) الْفَتَى: كَذَا فِي (ب) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الصَّبِيُّ. (¬4) ك: وَأُوَبِّخَنَّهُ. (¬5) عِبَارَةُ " فَدَنَوْتُ مِنْهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) مُقْبِلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ك) . (¬7) ب: إِنَّ هَذَا. وَسَقَطَتْ " هَذَا " مِنْ (و) . (¬8) أ، ب: صَالِحٌ نَطَقَ عَمَّا فِي نَفْسِي، ك: صَالِحٌ قَدْ نَطَقَ مَا فِي خَاطِرِي. (¬9) ص: يُحْلِلَنِي، ك: يُحِيلَنِي، وَصُوِّبَتْ فِي الْهَامِشِ إِلَى: يُجَالِسَنِي. (¬10) أ، ب: عَنْ عَيْنِي فَلَمْ أَرَهُ. (¬11) أ، ب: فَلَمَّا نَزَلْنَا وَافَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي.

سِرِّي مَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا [زُبَالَةَ] (¬1) إِذَا بِهِ قَائِمٌ عَلَى الْبِئْرِ وَبِيَدِهِ رِكْوَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَقِيَ مَاءً (¬2) فَسَقَطَتِ الرِّكْوَةُ مِنْ يَدِهِ (¬3) فِي الْبِئْرِ فَرَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: أَنْتَ رَبِّي (¬4) إِذَا ظَمِئْتُ إِلَى الْمَاءِ وَقُوَّتِي إِذَا أَرَدْتُ الطَّعَامَا. يَا سَيِّدِي مَالِي سِوَاهَا. قَالَ (¬5) شَقِيقٌ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الْبِئْرَ قَدِ ارْتَفَعَ مَاؤُهَا، فَأَخَذَ الرِّكْوَةَ (¬6) وَمَلَأَهَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى (¬7) أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ مَالَ (¬8) إِلَى كَثِيبِ رَمْلٍ هُنَاكَ، فَجَعَلَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ وَيَطْرَحُهُ فِي الرِّكْوَةِ وَيَشْرَبُ (¬9) . فَقُلْتُ: أَطْعِمْنِي مِنْ فَضْلِ مَا رَزَقَكَ اللَّهُ أَوْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ (¬10) . فَقَالَ: يَا شَقِيقُ، لَمْ تَزَلْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْنَا ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (¬11) فَأَحْسِنْ ظَنَّكَ بِرَبِّكَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي الرِّكْوَةَ فَشَرِبْتُ مِنْهَا فَإِذَا هُوَ سَوِيقٌ وَسُكَّرٌ، مَا شَرِبْتُ وَاللَّهِ أَلَذَّ مِنْهُ وَلَا أَطْيَبَ مِنْهُ رِيحًا (¬12) فَشَبِعْتُ وَرَوِيتُ. وَأَقَمْتُ (¬13) أَيَّامًا لَا أَشْتَهِي طَعَامًا ¬

(¬1) زُبَالَةَ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي (ك) : فِي زُبَالَةَ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬2) مَاءً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) عِبَارَةُ " مِنْ يَدِهِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬4) رَبِّي: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي (ك) وَجَمِيعِ النُّسَخِ مَا عَدَا (أ) : رَبِّي. وَفِي (أ) : إِلَهِي. (¬5) أ، ب: فَقَالَ. (¬6) أ، ب: فَأَخَذَ الرِّكْوَةَ بِيَدِهِ. . (¬7) وَصَلَّى: كَذَا فِي (ك) ، (و) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَجَعَلَ يُصَلِّي. (¬8) أ، ب: ثُمَّ قَامَ. . (¬9) و: يَقْبِضُ بِيَدِهِ يَطْرَحُهُ فِي الرِّكْوَةِ وَيَشْرَبُ، ن: فَجَعَلَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ فَيَطْرَحُهُ فِي الرِّكْوَةِ فَيَشْرَبُ (ب: فَيَشْرَبُ مِنْهُ) ، وَزَادَتْ (ك) : فَرَأَيْتُ ذَلِكَ عَجَبًا مِنْهُ. (¬10) ك: فَقُلْتُ أَطْعِمْنِي يَا عَبْدَ اللَّهِ مِنْ فَضْلِ مَا رَزَقَكَ اللَّهُ وَمَا أَنْعَمَ عَلَيْكَ. (¬11) أ، ب: لَمْ يَزَلِ اللَّهُ يُنْعِمُ عَلَيْنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. (¬12) أ: وَلَا أَطْيَبَ، ب: وَلَا أَطْيَبَ، ك: وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا. (¬13) أ، ب: وَبَقِيتُ.

وَلَا شَرَابًا، ثُمَّ لَمْ أَرَهُ حَتَّى دَخَلْتُ (¬1) مَكَّةَ، فَرَأَيْتُهُ لَيْلَةً إِلَى جَانِبِ قُبَّةِ الْمِيزَابِ (¬2) نِصْفَ اللَّيْلِ يُصَلِّي بِخُشُوعٍ وَأَنِينٍ وَبُكَاءٍ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَ اللَّيْلُ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ يُسَبِّحُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا، وَخَرَجَ (¬3) فَتَبِعْتُهُ، فَإِذَا لَهُ حَاشِيَةٌ وَأَمْوَالٌ وَغِلْمَانٌ (¬4) ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مَا رَأَيْتُهُ فِي الطَّرِيقِ، وَدَارَ بِهِ النَّاسُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ (¬5) : مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُوسَى (¬6) بْنُ جَعْفَرٍ (¬7) ، فَقُلْتُ: قَدْ عَجِبْتُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعَجَائِبُ إِلَّا لِمِثْلِ هَذَا السَّيِّدِ. هَذَا رَوَاهُ الْحَنْبَلِيُّ. وَعَلَى يَدِهِ تَابَ (¬8) بِشْرٌ الْحَافِي لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬9) اجْتَازَ عَلَى دَارِهِ بِبَغْدَادَ، فَسَمِعَ الْمَلَاهِيَ وَأَصْوَاتَ الْغِنَاءِ وَالْقَصَبِ يَخْرُجُ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ، فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ وَبِيَدِهَا قُمَامَةُ الْبَقْلِ (¬10) ، فَرَمَتْ بِهَا فِي الدَّرْبِ، فَقَالَ لَهَا (¬11) : يَا جَارِيَةُ، صَاحِبُ هَذَا الدَّارِ حُرٌّ أَمْ عَبْدٌ؟ ¬

(¬1) ص، ر، هـ، ن، و: حَتَّى دَخَلَ. . (¬2) أ، ن، م، ص، هـ، ر، و: الشَّرَابِيِّ، ب: الشَّرَابِ. والْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬3) أ، ب: ثُمَّ خَرَجَ. (¬4) ب: حَاشِيَةٌ وَغِلْمَانٌ وَأَمْوَالٌ، هـ، و، ن، م، ص: حَاشِيَةٌ وَمَوَالٍ وَغِلْمَانٌ، أ: حَاشِيَةٌ وَغِلْمَانٌ وَمَوَالٍ. (¬5) و: لَهُ، ك: لِبَعْضِهِمْ. (¬6) أ، ب، م: قَالُوا هَذَا مُوسَى، ن، ص، هـ: فَقَالُوا مُوسَى، و، ر، ك: فَقَالَ مُوسَى. (¬7) ك: مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬8) و، ك: وَعَلَى يَدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَابَ. (¬9) عَلَيْهِ السَّلَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) أ، ب، و: النُّقْلِ. وَفِي الْأَصْلِ فِي (ك) : النُّقْلِ، وَفَوْقَهَا بَيْنَ السُّطُورِ: النُّقْلِ. (¬11) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الجواب على قول الرافضي إن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت

فَقَالَتْ: بَلْ حُرٌّ، فَقَالَ: صَدَقْتِ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَخَافَ مِنْ مَوْلَاهُ. فَلَمَّا دَخَلَتِ الْجَارِيَةُ قَالَ (¬1) مَوْلَاهَا وَهُوَ عَلَى مَائِدَةِ السُّكْرِ (¬2) : مَا أَبْطَأَكِ عَلَيْنَا (¬3) ؟ قَالَتْ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِكَذَا وَكَذَا، فَخَرَجَ حَافِيًا حَتَّى لَقِيَ مَوْلَانَا مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ فَتَابَ عَلَى يَدِهِ (¬4) . [الجواب على قول الرافضي إن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت] وَالْجَوَابُ عَنْهُ (¬5) مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ أَخَذُوا مَذْهَبَهُمْ عَنْ (¬6) أَهْلِ الْبَيْتِ: لَا الِاثْنَا عَشْرِيَّةٍ وَلَا غَيْرُهُمْ، بَلْ هُمْ مُخَالِفُونَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ (¬7) فِي جَمِيعِ أُصُولِهِمُ الَّتِي فَارَقُوا فِيهَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: تَوْحِيدُهُمْ وَعَدْلُهُمْ وَإِمَامَتُهُمْ، فَإِنَّ الثَّابِتَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬8) وَ [أَئِمَّةِ] أَهْلِ الْبَيْتِ (¬9) مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ، وَإِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَإِثْبَاتِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَإِثْبَاتِ فَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ كُلُّهُ (¬10) يُنَاقِضُ ¬

(¬1) ك: فَلَمَّا أَخَذَتِ الْمَاءَ وَرَجَعَتْ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ. . (¬2) ك: الْمُسْكِرِ. (¬3) أ، ب: عَنَّا. (¬4) ك: حَتَّى لَقِيَ مَوْلَانَا الْكَاظِمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَاعْتَذَرَ وَبَكَى وَاسْتَحْيَا مِنْ فِعْلِهِ وَعَمَلِهِ مِنْهُ فَتَابَ عَلَى يَدِهِ. (¬5) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: مِنْ. (¬7) أَهْلِ الْبَيْتِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَهْلِ بَيْتِهِ (¬8) ن، م، و: عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬9) ن: وَأَهْلِ بَيْتِهِ، م، ص، ر، هـ، و: وَأَئِمَّةِ أَهْلِ بَيْتِهِ. (¬10) أ، ب: كُلُّهَا.

مَذْهَبَ (¬1) الرَّافِضَةِ. وَالنَّقْلُ بِذَلِكَ ثَابِتٌ مُسْتَفِيضٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِحَيْثُ إِنَّ مَعْرِفَةَ الْمَنْقُولِ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ يُوجِبُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِأَنَّ الرَّافِضَةَ مُخَالِفُونَ لَهُمْ لَا مُوَافِقُونَ لَهُمْ (¬2) . الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَدْ عُلِمَ أَنَّ الشِّيعَةَ مُخْتَلِفُونَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فِي مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ دِينِهِمْ. فَأَيُّ قَوْلٍ لَهُمْ هُوَ الْمَأْخُوذُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ، حَتَّى مَسَائِلُ الْإِمَامَةِ، قَدْ عُرِفَ اضْطِرَابُهُمْ فِيهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ اخْتِلَافِهِمْ فِي النَّصِّ وَفِي الْمُنْتَظَرِ. فَهُمْ فِي الْبَاقِي الْمُنْتَظَرِ عَلَى أَقْوَالٍ (¬3) : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِبَقَاءِ (¬4) جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِبَقَاءِ ابْنِهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (¬5) ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِبَقَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِبَقَاءِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِبَقَاءِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: نَصَّ (¬6) عَلِيٌّ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (¬7) ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ (¬8) ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: أَوْصَى [عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ] إِلَى ابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، (وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ) (¬9) ، وَهَؤُلَاءِ ¬

(¬1) ن، م، ص، ر، هـ: مَذَاهِبَ. (¬2) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ: وَفِي الْمُنْتَظَرِ مِنْهُمْ فِي الْبَا الْمُنْتَظَرِ عَلَى أَقْوَالٍ، ب: وَفِي الْمُنْتَظَرِ مِنْهُمْ عَلَى أَقْوَالٍ. (¬4) ص، ر: يَبْقَى. (¬5) بْنِ جَعْفَرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَصَّ. . (¬7) ن، م، و: عَلِيٌّ عَلَى ابْنِ الْحُسَيْنِ. (¬8) ن: عَلَى ابْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ.

يَقُولُونَ: أَوْصَى] (¬1) إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ جَعْفَرًا أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِلَى [ابْنِهِ] (¬2) مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِلَى ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِلَى ابْنِهِ مُوسَى، وَهَؤُلَاءِ يَسُوقُونَ النَّصَّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهَؤُلَاءِ يَسُوقُونَ النَّصَّ إِلَى بَنِي [عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ] (¬3) مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ الْحَاكِمِ وَشِيعَتِهِ (¬4) ، وَهَؤُلَاءِ يَسُوقُونَ النَّصَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الْمُتَنَاقِضَةُ مَأْخُوذَةً عَنْ مَعْصُومٍ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ: أَنَّ أَقْوَالَهُمْ مَأْخُوذَةٌ عَنْ مَعْصُومٍ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعْصُومًا، فَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشِّيعَةِ هَذَا الِاخْتِلَافَ، وَهُمْ مُتَنَازِعُونَ هَذَا التَّنَازُعَ، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ صِحَّةُ بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَنْ عَلِيٍّ دُونَ الْآخَرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّ مَا يَقُولُهُ إِنَّمَا أَخَذَهُ عَنِ الْمَعْصُومِينَ، وَلَيْسَ لِلشِّيعَةِ أَسَانِيدُ مُتَّصِلَةٌ بِرِجَالٍ مَعْرُوفِينَ (¬5) مِثْلُ أَسَانِيدِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يُنْظَرَ فِي الْإِسْنَادِ (¬6) وَعَدَالَةِ الرِّجَالِ. بَلْ إِنَّمَا هِيَ مَنْقُولَاتٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ طَائِفَةٍ عُرِفَ فِيهَا كَثْرَةُ الْكَذِبِ وَكَثْرَةُ التَّنَاقُضِ فِي النَّقْلِ، فَهَلْ يَثِقُ عَاقِلٌ بِذَلِكَ؟ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ابْنِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) عِبَارَةُ " عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ": فِي (ص) ، (هـ) ، (ر) فَقَطْ. (¬4) أ، ب: الْحَاكِمِ فِي شِيعَتِهِ. (¬5) أ، ب: مُتَّصِلَةٌ بِالرَّجَالِ الْمَعْرُوفِينَ. (¬6) أ، ب: حَتَّى نَنْظُرَ فِي إِسْنَادِهَا. . .

وَإِنِ ادَّعَوْا تَوَاتُرَ نَصِّ هَذَا عَلَى هَذَا، [وَنَصِّ هَذَا عَلَى هَذَا] (¬1) كَانَ هَذَا مُعَارَضًا بِدَعْوَى غَيْرِهِمْ مِثْلَ هَذَا التَّوَاتُرِ، فَإِنَّ سَائِرَ الْقَائِلِينَ بِالنَّصِّ إِذَا ادَّعَوْا مِثْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ (¬2) فَرْقٌ. فَهَذِهِ الْوُجُوهُ وَغَيْرُهَا تُبَيِّنُ أَنَّ بِتَقْدِيرِ (¬3) ثُبُوتِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَذْهَبُهُمْ (¬4) لَيْسَ مَأْخُوذًا عَنْهُ، فَنَفْسُ دَعْوَاهُمُ الْعِصْمَةَ فِي عَلِيٍّ مِثْلُ دَعْوَى النَّصَارَى الْإِلَهِيَّةَ فِي الْمَسِيحِ. مَعَ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ مَأْخُوذًا عَنِ الْمَسِيحِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ فِي مَذْهَبِهِمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: عِصْمَةُ مَنْ يُضِيفُونَ الْمَذْهَبَ إِلَيْهِ (¬5) مِنَ الْأَئِمَّةِ. وَالثَّانِيَةُ ثُبُوتُ ذَلِكَ النَّقْلِ [عَنِ الْإِمَامِ] (¬6) . وَكِلْتَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الْمَسِيحَ لَيْسَ بِإِلَهٍ، بَلْ هُوَ رَسُولٌ كَرِيمٌ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا أَوْ رَسُولًا كَرِيمًا فَقَوْلُهُ حَقٌّ، لَكِنْ مَا تَقُولُهُ النَّصَارَى لَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ (¬7) ، وَلِهَذَا كَانَ فِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬8) شَبَهٌ مِنَ الْمَسِيحِ: قَوْمٌ غَلَوْا فِيهِ فَوْقَ قَدْرِهِ، وَقَوْمٌ نَقَصُوهُ دُونَ قَدْرِهِ فَهُمْ كَالْيَهُودِ (¬9) ، فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ عَنِ الْمَسِيحِ: إِنَّهُ إِلَهٌ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: كَافِرٌ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) الدَّعْوَتَيْنِ: كَذَا فِي (ص) . وَفِي سَائِرِ الِنُسَخِ: الدَّعْوَتَيْنِ. (¬3) ب (فَقَطْ) : أَنَّ تَقْدِيرَ. (¬4) أ: فَمَذْهَبُ، ب: مَذْهَبٌ. (¬5) ن، م: إِلَيْهِ الْمَذْهَبَ، ر: إِلَيْهِ الْمَذَاهِبَ. (¬6) عَنِ الْإِمَامِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: لَيْسَ قَوْلَهُ. (¬8) ن، م، و: عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬9) فَهُمْ كَالْيَهُودِ: زِيَادَةٌ فِي (ص) . وَفِي (هـ) : فَهُمُ الْيَهُودُ.

وَلَدُ بَغِيَّةٍ (¬1) . وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ: هَؤُلَاءِ (¬2) يَقُولُونَ: إِنَّهُ (¬3) إِلَهٌ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ كَافِرٌ ظَالِمٌ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ يُقَالُ: قَدْ ثَبَتَ لِعَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬4) ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَجَعْفَرِ ابْنِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْمَنَاقِبِ وَالْفَصَائِلِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ هَذَا [الْمُصَنِّفُ] (¬5) الرَّافِضِيُّ. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْكَذِبِ تَدُلُّ عَلَى جَهْلِ نَاقِلِهَا، مِثْلَ قَوْلِهِ: نَزَلَ فِي حَقِّهِمْ: {هَلْ أَتَى} ، فَإِنَّ سُورَةَ: (¬6) {هَلْ أَتَى} مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَعَلِيٌّ إِنَّمَا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إِلَّا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَوُلِدَ لَهُ الْحَسَنُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ (¬7) مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالْحُسَيْنُ فِي [السَّنَةِ] (¬8) الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ نُزُولِ: {هَلْ أَتَى} بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ وَعِلْمٌ بِأَحْوَالِ (¬9) هَؤُلَاءِ (¬10) السَّادَةِ الْأَخْيَارِ. ¬

(¬1) ن، م، أ، هـ، ر: وَلَدُ غِيَّةٍ. (¬2) هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) الْمُصَنِّفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) سُورَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب،: الثَّانِيَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. . وَفِي " الْإِصَابَةِ " 1/328: " وُلِدَ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ الْبَرْقِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ". (¬8) السَّنَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ة) ، (ص) ، (ر) . (¬9) أ، ب: الْقُرْآنِ وَأَحْوَالِ. . . (¬10) أ، ب، ن، م، و، هـ: هَذِهِ.

وَأَمَّا آيَةُ الطَّهَارَةِ فَلَيْسَ فِيهَا إِخْبَارٌ بِطَهَارَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَذَهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ لَهُمْ بِمَا يُوجِبُ طَهَارَتَهُمْ وَذَهَابَ الرِّجْسِ عَنْهُمْ. فَإِنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] وَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا - يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ، 26 - 28] . فَالْإِرَادَةُ هُنَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلْأَمْرِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا (¬1) ، وَلَيْسَتْ هِيَ الْمَشِيئَةَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِوُقُوعِ الْمُرَادِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَدْ طَهُرَ (¬2) كُلُّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ طَهَارَتَهُ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ الشِّيعَةِ أَوْجَهُ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مَا لَا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لَا يُرِيدُ. فَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} إِذَا كَانَ هَذَا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، كَانَ (¬3) ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِإِرَادَتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَإِنْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ طُهِّرُوا وَإِلَّا فَلَا. وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ أَفْعَالَهُمْ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَطْهِيرِهِمْ (¬4) وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ (¬5) وَأَمَّا الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ (¬6) ، ¬

(¬1) أ، ب: لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالرِّضَا وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) أ، ب، هـ، و، ر: تَطَهَّرَ. (¬3) أ، ب: وَكَانَ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: وَأَمَّا الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ أَفْعَالَهُمْ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

فَإِذَا أَلْهَمَهُمْ فِعْلَ مَا أَمَرَ، وَتَرْكَ مَا حَظَرَ حَصَلَتِ (¬1) الطَّهَارَةُ وَذَهَابُ الرِّجْسِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أُمِرُوا بِهِ لَا مِمَّا أُخْبِرُوا بِوُقُوعِهِ (¬2) ، مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَارَ الْكِسَاءَ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ (¬3) وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» ". وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (¬4) وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى [ضِدِّ] (¬5) قَوْلِ الرَّافِضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ بِذَلِكَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُخْبِرْ بِوُقُوعِ ذَلِكَ (¬6) ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ (¬7) وَقَعَ ¬

(¬1) أ، ب: فِعْلَ مَا أُمِرُوا بِهِ وَتَرْكَ مَا حُظِرُوا حَصَلَتِ. . (¬2) ص، هـ، م، ر، و: لَا مِمَّا أُخْبِرَ بِوُقُوعِهِ. (¬3) أ، ب: فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: مُسْلِمٍ 4/1883 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَنَصُّهُ: " قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] ". وَالْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَحْزَابِ) ، 5/328 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/4298، 292. وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/25 27. (¬5) ضِدِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) أ، ب، ص، هـ، ر: عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِوُقُوعِ ذَلِكَ. (¬7) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

لَكَانَ يُثْنِي عَلَى اللَّهِ بِوُقُوعِهِ وَيَشْكُرُهُ عَلَى ذَلِكَ، لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ بِهِ (¬1) . الثَّانِي: أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى (¬2) أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِذْهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ وَتَطْهِيرِهِمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى (¬3) أَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْآيَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قَوْلُهُ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا - وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا - يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 30 - 34] . وَهَذَا السِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ (¬4) أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا هُوَ فِي مُخَاطَبَتِهِنَّ (¬5) ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} عَمَّ غَيْرَ أَزْوَاجِهِ، كَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِأَنَّهُ (¬6) ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ن) : ذَهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ وَيُطَهِّرُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ن) : ذَهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ وَيُطَهِّرُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) أ، ب، عَلَى أَنَّ هَذَا. (¬5) أ، ب: إِنَّمَا هُوَ لِلْمُخَاطَبِينَ. (¬6) أ، ب: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَإِنَّهُ. . .

التَّذْكِيرِ لَمَّا اجْتَمَعَ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَهَؤُلَاءِ خُصُّوا بِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ أَزْوَاجِهِ (¬1) ، فَلِهَذَا خَصَّهُمْ بِالدُّعَاءِ لَمَّا أَدْخَلَهُمْ فِي الْكِسَاءِ، كَمَا أَنَّ مَسْجِدَ قُبَاءَ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَمَسْجِدُهُ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) ] أَيْضًا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى (¬3) وَهُوَ أَكْمَلُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَ (¬4) قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 108] بِسَبَبِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، تَنَاوَلَ اللَّفْظُ لِمَسْجِدِ قُبَاءَ وَلِمَسْجِدِهِ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬5) بِطْرِيقِ الْأَوْلَى (¬6) . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ أَزْوَاجُهُ (¬7) مِنْ آلِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُنَّ مِنْ آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (¬8) ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ [مِنْ] قَوْلِهِ: " [اللَّهُمَّ] صَلِّ (¬9) عَلَى (¬10) مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ (¬11) " وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ بِالْأَوْلَى مِنْ أَزْوَاجِهِ. (¬2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) ، (م) . (¬3) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِيهِمَا. . عَلَى التَّقْوَى وَكَانَ قَوْلُهُ. . الْخَ. (¬4) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَفِيهِمَا. . عَلَى التَّقْوَى وَكَانَ قَوْلُهُ. . الْخَ. (¬5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬6) سَيَرُدُّ ابْنُ تَيْمِيَةَ بِالتَّفْصِيلِ عَلَى اسْتِدْلَالِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ بِآيَةِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ فِيمَا يَأْتِي (ب) 4/20 - 25 وَانْظُرْ (ك) 151 (م) - 152 (م) . (¬7) أ، ب: فِي كَوْنِ أَزْوَاجِهِ. (¬8) أ، ب: وَأَهْلِ الْبَيْتِ. (¬9) ن: الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صَلِّ. . . (¬10) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬11) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/146 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ. .) وَنَصُّهُ: أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكَتْ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ". وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 1/306 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ) ، الْمُوَطَّأِ 1/165 (كِتَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/42 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ. . نَوْعٌ آخَرُ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/293 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ) .

وَأَمَّا مَوَالِيهِنَّ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ (¬1) بِلَا نِزَاعٍ، فَلِهَذَا كَانَتِ الصَّدَقَةُ تُبَاحُ لِبَرِيرَةَ. وَأَمَّا أَبُو رَافِعٍ فَكَانَ مِنْ مَوَالِيهِمْ، فَلِهَذَا نَهَاهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ هُوَ مِنَ التَّطْهِيرِ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ بِهِمْ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ (¬2) أَوْسَاخُ النَّاسِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي إِيجَابِ (¬3) الْمَوَدَّةِ [لَهُمْ] (¬4) غَلَطٌ. فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (¬5) أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (¬6) سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الشُّورَى: 23] ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِلَّا أَنْ تَوَدُّوا ذَوِي قُرْبَى مُحَمَّدٍ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬7) . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجَّلْتَ، إِنَّهُ (¬8) لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ (¬9) قُرَيْشٍ إِلَّا لِرَسُولِ ¬

(¬1) أ، ب: أَهْلِ الْبَيْتِ. (¬2) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (أ) فَلِهَذَا نَهَاهُ عَنِ الصَّدَقَةِ أَوْسَاخِ النَّاسِ. وَفِي (ب) : فَلِهَذَا نَهَاهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ لَهُ إِنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ. (¬3) ب (فَقَطْ) : وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِيجَابُ. (¬4) لَهُمْ: فِي (هـ) ، (ر) فَقَطْ. (¬5) أ، ب: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬7) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي (أ) ، (ب) ، (هـ) ، (ص) ، (ر) . (¬8) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ (أ) (ب) . (¬9) ن، م، و: فِي.

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ (¬1) قَرَابَةٌ. فَقَالَ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ (¬2) . فَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَأَعْلَمِهِمْ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا تَفْسِيرُهُ الثَّابِتُ عَنْهُ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إِلَّا الْمَوَدَّةَ لِذَوِي (¬3) الْقُرْبَى. وَلَكِنْ قَالَ: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (¬4) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ ذَوِي قُرْبَاهُ قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 41] ، وَلَا يُقَالُ: الْمَوَدَّةُ فِي ذَوِي (¬5) الْقُرْبَى. وَإِنَّمَا يُقَالُ: الْمَوَدَّةُ لِذَوِي (¬6) الْقُرْبَى. فَكَيْفَ (* وَقَدْ قَالَ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (¬7) ؟ ! . وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْأَلُ أَجْرًا أَصْلًا، إِنَّمَا أَجْرُهُ *) (¬8) عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَالَاةُ أَهْلِ الْبَيْتِ لَكِنْ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : فِيهِمْ. (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/178 - 179 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) ، 6/129 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الشُّورَى) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/54 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الشُّورَى) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/320، 4/205. (¬3) أ، ب: لِذِي. (¬4) يَتَكَلَّمُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِيمَا يَأْتِي عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَيَرُدُّ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَيْهِ رَدًّا مُفَصَّلًا. انْظُرْ (ك) ص [0 - 9] 52 (م) 153 (م) وَالرَّدَّ فِي (ب) 4/25 - 26. (¬5) أ، ب: فِي ذِي. (¬6) أ، ب: لِذِي. (¬7) ن، م، و: فَكَيْفَ يُقَالُ: الْمَوَدَّةُ فِي الْقُرْبَى، هـ، ر: فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ: الْمَوَدَّةُ فِي الْقُرْبَى. (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ص) .

هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَيْسَتْ مُوَالَاتُنَا لِأَهْلِ الْبَيْتِ مَنْ أَجْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ بَعْدُ [قَدْ] (¬1) تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ وَلَا وُلِدَ لَهُ (¬2) أَوْلَادٌ. وَأَمَّا آيَةُ الِابْتِهَالِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ لِيُبَاهِلَ بِهِمْ (¬3) لَكِنْ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ ذَكَرٌ إِذْ ذَاكَ يَمْشِي مَعَهُ. وَلَكِنْ كَانَ يَقُولُ عَنِ الْحَسَنِ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» (¬4) " فَهُمَا ابْنَاهُ وَنِسَاؤُهُ (¬5) [إِذْ] (¬6) لَمْ يَكُنْ قَدْ (¬7) بَقِيَ لَهُ بِنْتٌ إِلَّا فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (¬8) ، فَإِنَّ الْمُبَاهَلَةَ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ، وَهُمْ نَصَارَى، وَذَلِكَ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، بَلْ كَانَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَفِيهَا نَزَلَ صَدْرُ آلِ عِمْرَانَ، وَفِيهَا فُرِضَ ¬

(¬1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: لَهُمَا (¬3) آيَةُ الِابْتِهَالِ هِيَ آيَةٌ: 61 مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ جَاءَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/1871 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ. . .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/293294 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، بَابُ: وَمِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/9798. وَسَيَتَكَلَّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا يَأْتِي (فِي (ب) 4/3334) عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ رَدًّا عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) 154 (م) . (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْكِتَابِ 539 540. (¬5) ب (فَقَطْ) : فَهُمْ أَبْنَاؤُهُ وَنِسَاؤُهُ. (¬6) إِذْ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬7) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فِي (ن) ، (م) فَقَطْ.

الْحَجُّ، وَهِيَ سَنَةُ الْوُفُودِ. فَإِنَّ مَكَّةَ لَمَّا فُتِحَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ قَدِمَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ اتِّصَالِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الْكِسَاءِ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أَعْلَمَ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى لَا بِقُرْبِ النَّسَبِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 13] . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ أَتْقَى الْأُمَّةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» " (¬1) وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ (¬2) أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ بِالْفَضِيلَةِ وَجَهْلِهِ بِالْوَاقِعِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ (¬3) هَذَا لَيْسَ بِفَضِيلَةٍ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ لَا يَزِيدُ فِي اللَّيْلِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» (¬4) . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1/512. (¬2) عَنْ عَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: فَإِنَّ. (¬4) وَرَدَ أَكْثَرُ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ جَاءَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَزِيدُ عَنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ. انْظُرِ الْأَحَادِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/51 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ كَيْفَ كَانَ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) ، مُسْلِمٍ 1/508 - 510 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ. . .) الْأَحَادِيثُ رَقْمَ 121 - 128، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/274 - 276 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي وَصْفِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ) .

[- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬1) : " «أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ» " (¬2) . وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ «كَانَ يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ» (¬3) . وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ «بَلَغَهُ أَنَّ رِجَالًا يَقُولُ أَحَدُهُمْ: " أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ. وَيَقُولُ الْآخَرُ: وَأَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ. وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَكِنِّي أَصُومُ ¬

(¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/161 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ: بَابُ: أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ. .) وَنَصُّهُ: " أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ ") . وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 2 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ مَنْ نَامَ عِنْدَ السَّحَرِ) ، مُسْلِمٍ 2/816 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ. .) الْحَدِيثَانِ رَقْمُ 189، 190، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 4/168 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ صِيَامِ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/546 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صِيَامِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/440 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابٌ فِي صَوْمِ يَوْمٍ، وَفِطْرِ يَوْمٍ) . (¬3) الْحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/50 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ مَنْ نَامَ عِنْدَ السَّحَرِ) وَنَصُّهُ:. . سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: الدَّائِمُ. قُلْتُ: مَتَى كَانَ يَقُومُ. قَالَتْ: يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ " فِي شَرْحِ مَعْنَى كَلِمَةِ " الصَّارِخِ ": " يَعْنِي الدِّيكَ، لِأَنَّهُ كَثِيرُ الصِّيَاحِ فِي اللَّيْلِ ". وَالْحَدِيثُ عَنْهَا أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 8/98 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ) ، مُسْلِمٍ 1/511 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ. . .) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/169 (كِتَابُ قِيَامِ اللَّيْلِ، بَابُ وَقْتِ الْقِيَامِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/110، 147، 203، 279.

وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» " (¬1) . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ قَالَ: لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬2) : " لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ، وَنَفَهَتْ لَهُ النَّفْسُ. إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَآتِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» " (¬3) . فَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى قِيَامِ جَمِيعِ اللَّيْلِ (¬4) لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ بِسُنَّةِ (¬5) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةِ عَنْهُ. وَهَكَذَا مُدَاوَمَةُ صِيَامِ النَّهَارِ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ [صِيَامُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -] (¬6) : صِيَامُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ) ، مُسْلِمٍ 2/1020 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ اسْتِحْبَابِ النِّكَاحِ لِمَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ. .) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/4950 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّبَتُّلِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/241، 259، 258. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ص) ، (ر) ، (هـ) . (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/54 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. .) ، 3/39 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ) ، 4/160 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) ، مُسْلِمٍ 2/816 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ. . .) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 4/180 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ. . .) . (¬4) ص: قِيَامِ اللَّيْلِ جَمِيعِهِ، م: قِيَامِ كُلِّ اللَّيْلِ. (¬5) أ، ب: بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ، لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ. . . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَأَيْضًا فَالَّذِي ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً» ، وَعَلِيٌّ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ أَعْلَمُ بِسُنَّتِهِ، وَأَتْبَعُ لِهَدْيِهِ مِنْ أَنْ (¬1) يُخَالِفَهُ (¬2) هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، فَكَيْفَ وَصَلَاةُ أَلْفِ رَكْعَةٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، مَعَ الْقِيَامِ بِسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ (¬3) مِنْ أَكْلٍ وَنَوْمٍ، وَقَضَاءِ حَقِّ أَهْلٍ (¬4) ، وَقَضَاءِ حُقُوقِ الرَّعِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَسْتَوْعِبُ مِنَ (¬5) الزَّمَانِ إِمَّا النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَالسَّاعَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَّسِعُ لِثَمَانِينَ (¬6) رَكْعَةً، وَمَا يُقَارِبُ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْرًا كَنَقْرِ الْغُرَابِ، وَعَلِيٌّ أَجَلُّ مِنْ أَنْ (¬7) يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْمُنَافِقِينَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «تِلْكَ صَلَاةُ، تِلْكَ صَلَاةُ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ (¬8) : يَرْقُبُ (¬9) الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» " (¬10) . وَقَدْ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَأَتْبَعُ لِهَدْيِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ. (¬2) أ، ص، م: يُخَالِفَ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: وَقَضَاءِ حَاجَةِ الْأَهْلِ. (¬5) مِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ: لَا تَسَعُ لِمِائَتَيْنِ، ب: لَا تِسَعُ مِائَتَيْ. . (¬7) ن، و، هـ: مِنْ ذَلِكَ أَنْ. . . (¬8) (8 - 8) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: يَتَرَقَّبُ. (¬10) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 1/434 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ فِيهَا، بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ بِالْعَصْرِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/167168 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/107 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْعَصْرِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/203 (كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ، بَابُ التَّشْدِيدِ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/149.

نَهَى عَنْ نَقْرٍ كَنَقْرِ الْغُرَابِ (¬1) ، فَنَقْلُ مِثْلِ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ يَدُلُّ عَلَى جَهْلِ نَاقِلِهِ (¬2) ، ثُمَّ إِنَّ (¬3) إِحْيَاءَ اللَّيْلِ بِالتَّهَجُّدِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ هُوَ ثَابِتٌ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَتَهَجُّدُهُ وَتِلَاوَتُهُ الْقُرْآنَ أَظْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (¬4) كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، يُنَازِعُهُ فِيهَا (¬5) جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ. وَقَوْلُهُ: جَعَلَهُ اللَّهُ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬6) حَيْثُ قَالَ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] وَوَاخَاهُ (¬7) . فَيُقَالُ: أَمَّا حَدِيثُ الْمُؤَاخَاةِ فَبَاطِلٌ مَوْضُوعٌ (¬8) ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَاخِ أَحَدًا، وَلَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ (¬9) بَعْضٍ، وَلَا بَيْنَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/316 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ صَلَاةِ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَنَصُّهُ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ ". وَهُوَ أَيْضًا فِي: سَنَّنِ النَّسَائِيِّ 2/169 (كِتَابُ التَّطْبِيقِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/459 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَوْطِينِ الْمَكَانِ. .) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/303 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الِافْتِرَاشِ وَنَقْرَةِ الْغُرَابِ) وَالْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ فِي الْمُسْنَدِ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/70. (¬2) أ، ب: قَائِلِهِ. (¬3) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م، إِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. . (¬5) أ، ب: تَنَازَعَ فِيهَا. (¬6) ن، م، و، هـ، ر: نَفْسَ رَسُولِهِ. (¬7) وَوَاخَاهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ذَكَرَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ حَدِيثَ الْمُؤَاخَاةِ الْمَوْضُوعِ بِالتَّفْصِيلِ فِي (ك) 169 (م) 170 (م) ، وَرَدَّ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَلَى اسْتِدْلَالِهِ بِهِ رَدًّا مُفَصَّلًا فِيمَا يَأْتِي (ب [0 - 9] \ 9697) . (¬9) أ، ب: مِنْ.

الْأَنْصَارِ بَعْضِهِمْ مَعَ (¬1) بَعْضٍ، وَلَكِنْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، كَمَا آخَى بَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَآخَى بَيْنَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ (¬2) وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} فَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ [عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي] (¬3) الْإِفْكِ (¬4) فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِ (¬5) الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ ¬

(¬1) أ، ب: مِنْ. (¬2) أَخْبَارُ مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ. انْظُرْ مَثَلًا: الْبُخَارِيِّ 5/3132 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ إِخَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) ، 5/69 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَصْحَابِهِ) وَانْظُرْ أَيْضًا: مُسْلِمٍ 4/1960 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَصْحَابِهِ. .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ: 4/23 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ 48) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) حَدِيثُ الْإِفْكِ حَدِيثٌ طَوِيلٌ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَأَوَّلُهُ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ: 5/116 قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا. . وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/173 176 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا) ، 5/116 120 (كِتَابُ الْمُغَازِي، بَابُ حَدِيثِ الْإِفْكِ) ، 6/76 77 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ يُوسُفَ) ، مُسْلِمٍ 4/2129 2138 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ. . .) ، الْمُسْنَدٍ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/194 197. (¬5) أ، ب: نَفْسِ.

الْبَقَرَةِ: 54] : أَيْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا (¬1) . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 84] أَيْ لَا يُخْرِجُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا (¬2) فَالْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ الْإِخْوَانُ: إِمَّا فِي النَّسَبِ وَإِمَّا فِي الدِّينِ (¬3) . وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» " (¬4) ¬

(¬1) انْظُرْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي: تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/72، 79، وَانْظُرِ الْأَثَرَ رَقْمَ 934 (ص [0 - 9] 3) . . عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، قَالَ: عَمَدُوا إِلَى الْخَنَاجِرِ فَجَعَلَ يَطْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. (¬2) فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ لِهَذِهِ الْآيَةِ 2/301 (ط. الْمَعَارِفِ) . . . عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَائَكُمْ "، يَقُولُ: لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، " وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ "، يَقُولُ: لَا يُخْرِجْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنَ الدِّيَارِ. (¬3) انْظُرْ تَفْسِيرَ الشِّيعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) كَمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمُ الدُّكْتُورُ أَحْمَد صُبْحِي فِي كِتَابِهِ " نَظَرِيَّةِ الْإِمَامَةِ لَدَى الشِّيعَةِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةِ " ص [0 - 9] 77 178، ط الْمَعَارِفِ، 1969. (¬4) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَاءَ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/184 185 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ كَيْفَ يَكْتُبُ هَذَا مَا صَالَحَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ. .) وَهُوَ حَدِيثُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ أَوَّلُهُ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيٌّ بَيْنَهُمْ كِتَابًا. . . وَفِيهِ: قَالَ: " أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ " وَآخِرُ الْحَدِيثِ: " فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ: يَا عَمِّ يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَهَا بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ احْمِلِيهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي. وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي. وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: " الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ " وَقَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ ". وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: " أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي " وَقَالَ لِزَيْدٍ: " أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 4/103 104 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. . .) وَلَكِنْ لَمْ تَرِدْ فِيهِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ، 5/141 142 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ) وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي أَوَّلِ بَابِ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 5/18 وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْحَدِيثَ كَامِلًا. وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى مِنْهَا حَدِيثٌ عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/299 300 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ 85) وَنَصُّهُ: " عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/44 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/164، 165. وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/204 وَانْظُرِ: الرِّيَاضَ النَّضِرَةَ لِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ 2/225 226.

وَقَالَ لِلْأَشْعَرِيِّينَ: " إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ نَفِدَتْ نَفَقَةُ عِيَالِهِمْ (¬1) بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ " وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ (¬2) ، وَالْأَوَّلُ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الصَّحِيحِ [أَيْضًا] (¬3) أَنَّهُ «قَالَ لِجُلَيْبِيبٍ (¬4) : " هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ [هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ] » (¬5) "، (¬6) وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. ¬

(¬1) ن، م، و، هـ، ر: عِيَالَاتِهِمْ. (¬2) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/138 (كِتَابُ الشَّرِكَةِ، بَابُ الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالنَّهْدِ. . .) ، مُسْلِمٌ 4/1944 1945 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ الْأَشْعَرِيِّينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) . وَمَعْنَى " أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ ": أَيْ فَنِيَ طَعَامُهُمْ. (¬3) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: خَيْبَبٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالتَّصْوِيبُ مِنَ " الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ " لِلذَّهَبِيِّ، ص 170. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ 1/244 عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " غَيْرُ مَنْسُوبٍ تَصْغِيرُ جِلْبَابٍ ". (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/1918 1919. وَنَصُّهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. . ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَطَلَبُوهُ " فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ. فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: " قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ. هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ". قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ، لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غُسْلًا ". وَالْحَدِيثُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/421، 422، 425.

كلام الرافضي عن علي رضي الله عنه " وظهرت منه معجزات كثيرة " والرد عليه

وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ فَاطِمَةَ فَفَضِيلَةٌ لِعَلِيٍّ، كَمَا أَنَّ تَزْوِيجَهُ عُثْمَانَ بِابْنَتَيْهِ (¬1) فَضِيلَةٌ لِعُثْمَانَ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا النُّورَيْنِ. وَكَذَلِكَ تَزَوُّجُهُ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَبِنْتَ عُمَرَ فَضِيلَةٌ لَهُمَا. فَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ أَصْهَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. [كلام الرافضي عن علي رضي الله عنه " وَظَهَرَتْ مِنْهُ مُعْجِزَاتٌ كَثِيرَةٌ " والرد عليه] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَظَهَرَتْ مِنْهُ مُعْجِزَاتٌ كَثِيرَةٌ " فَكَأَنَّهُ يُسَمِّي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ مُعْجِزَاتٍ، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ لِكَثِيرٍ (¬2) مِنَ النَّاسِ. فَيُقَالُ: عَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ لَهُ كَرَامَاتٌ (¬3) ، وَالْكَرَامَاتُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ عَوَامِّ (¬4) أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى عَلِيٍّ (¬5) ، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ الْكَرَامَاتُ ثَابِتَةً لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ وَلَيْسَ فِي مُجَرَّدِ الْكَرَامَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " حَتَّى ادَّعَى قَوْمٌ فِيهِ الرُّبُوبِيَّةَ وَقَتَلَهُمْ ". ¬

(¬1) أ، ب: ابْنَتَيْهِ. (¬2) أ، ب، ص: كَثِيرٍ. (¬3) ن: كَرَامَاتٌ كَثِيرَةٌ. (¬4) أ، ب: الْعَوَامِّ. (¬5) عِبَارَةُ " عَلَى عَلِيٍّ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

فَهَذِهِ مَقَالَةُ جَاهِلٍ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ، وَمَا ادَّعَى فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ (¬1) الْإِلَهِيَّةَ. وَالثَّانِي: أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْخَلِيلِ وَمُوسَى أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ (¬2) وَمَا ادَّعَى أَحَدٌ فِيهِمَا (¬3) الْإِلَهِيَّةَ. الثَّالِثُ: أَنَّ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا وَ [مُعْجِزَاتِ] مُوسَى (¬4) أَعْظَمُ مِنْهُ مُعْجِزَاتُ الْمَسِيحِ، وَمَا ادُّعِيَتْ فِيهِمَا الْإِلَهِيَّةُ كَمَا ادُّعِيَتْ (¬5) فِي الْمَسِيحِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَسِيحَ ادُّعِيَتْ فِيهِ الْإِلَهِيَّةُ أَعْظَمَ مِمَّا ادُّعِيَتْ فِي مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ لَا عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ (¬6) وَلَا عَلَى أَنَّ مُعْجِزَاتِهِ أَبْهَرُ. الْخَامِسُ: أَنَّ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ فِيهِمَا دَعْوَى بَاطِلَةٌ تُقَابِلُهَا (¬7) دَعْوَى بَاطِلَةٌ، وَهِيَ دَعْوَى الْيَهُودِ فِي الْمَسِيحِ، وَ [دَعْوَى] الْخَوَارِجِ (¬8) فِي عَلِيٍّ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ كَفَّرُوا عَلِيًّا، فَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا ادُّعِيَتْ فِيهِ الْإِلَهَيَّةُ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ. جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا ادُّعِيَ فِيهِ الْكُفْرُ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ. وَجَازَ أَنْ يُقَالَ: صَدَرَتْ مِنْهُ ذُنُوبٌ اقْتَضَتْ أَنْ يُكَفِّرَهُ بِهَا الْخَوَارِجُ. ¬

(¬1) أ، ب: مِنَ الصَّحَابَةِ. (¬2) أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَعْظَمُ مِنْهُ. (¬3) أ، ب، ن، و، هـ: فِيهِمُ. (¬4) ن، م: نَبِيِّنَا وَمُوسَى. (¬5) ب (فَقَطْ) : الْإِلَهِيَّةُ وَمَا ادُّعِيَتْ. . . (¬6) أ، ب،:. . . ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ. . (¬7) أ، ب: قَابَلَهَا. (¬8) ن، م: وَالْخَوَارِجُ.

وَالْخَوَارِجُ أَكْثَرُ وَأَعْقَلُ وَأَدْيَنُ (¬1) مِنَ الَّذِينَ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، فَإِنْ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذَا، وَجُعِلَتْ (¬2) هَذِهِ الدَّعْوَى مَنْقَبَةً، كَانَ دَعْوَى (¬3) الْمُبْغِضِينَ لَهُ وَدَعْوَى الْخَوَارِجِ مَثْلَبَةً أَقْوَى وَأَقْوَى، وَأَيْنَ الْخَوَارِجُ مِنَ الرَّافِضَةِ الْغَالِيَةِ؟ ! . فَالْخَوَارِجُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ صَلَاةً وَصِيَامًا [وَقِرَاءَةً لِلْقِرَانِ] (¬4) ، وَلَهُمْ جُيُوشٌ وَعَسَاكِرُ، وَهُمْ مُتَدَيِّنُونَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَالْغَالِيَةُ الْمُدَّعُونَ لِلْإِلَهِيَّةَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ (¬5) ، وَالْغَالِيَةُ كُفَّارٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَلَا يُكَفِّرُهُمْ إِلَّا مَنْ يُكَفِّرُ الْإِمَامِيَّةَ، فَإِنَّهُمْ خَيْرٌ مِنِ الْإِمَامِيَّةِ، وَعَلِيٌّ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ يُكَفِّرُهُمْ، وَلَا أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَاحِدِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، كَمَا أَمَرَ بِتَحْرِيقِ الْغَالِيَةِ، بَلْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ (¬6) وَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِ النَّاسِ. فَثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ عَلِيٍّ وَمِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ أَنَّ الْخَوَارِجَ خَيْرٌ مِنَ الْغَالِيَةِ، فَإِنْ جَازَ لِشِيعَتِهِ (¬7) أَنْ تَجْعَلَ (¬8) دَعْوَى الْغَالِيَةِ الْإِلَهِيَّةَ فِيهِ حُجَّةً ¬

(¬1) وَأَدْيَنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب، و، هـ: وَجُعِلَ. (¬3) ن، م، و: احْتِجَاجِ. (¬4) وَقِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ص) ، (ر) ، (و) ، (هـ) : وَقِرَاءَةً. (¬5) ن، ص، ر، هـ، و: مِنْ أَكْفَرِهِمْ. (¬6) أ، ب: بْنَ الْحُبَابِ. (¬7) أ: الشِّيعَةَ، ب، م: لِلشِّيعَةِ. (¬8) أ، ب: أَنْ يَجْعَلُوا.

عَلَى (* فَضِيلَتِهِ (¬1) كَانَ لِشِيعَةِ عُثْمَانَ أَنْ يَجْعَلُوا (¬2) دَعْوَى الْخَوَارِجِ لِكُفْرِهِ حُجَّةً *) (¬3) عَلَى نَقِيضِهِ (¬4) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ إِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهَا جَاهِلٌ، ثُمَّ إِنَّهَا تَعُودُ عَلَيْهِ لَا لَهُ. وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّافِضَةَ أَجْهَلُ وَأَكْذَبُ مِنَ النَّاصِبَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَكَانَ وَلَدَاهُ سِبْطَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِمَامَيْنِ بِنَصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". فَيُقَالُ: الَّذِي ثَبَتَ بِلَا شَكٍّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ قَالَ عَنِ الْحَسَنِ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ سَيُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬5) ، وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ كَانَ (¬6) يُقْعِدُهُ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى فَخِذِهِ وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا (¬7) وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» (¬8) . ¬

(¬1) ب: فَضْلِهِ. (¬2) هـ: كَانَ لِمَنْ يُقَابِلُهُمْ لِشِيعَةِ عُثْمَانَ أَنْ يَجْعَلُوا، ص، ر،: كَانَ لِمَنْ يُقَابِلُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬4) ب (فَقَطْ) : حُجَّةً عَلَى فَضْلِهِ جَازَ لِلْخَوَارِجِ أَنْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنَّ نَقِيضَهُ. . (¬5) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1/539 540. (¬6) أ، ب: وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ. (¬7) فَأَحِبَّهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬8) فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/205 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَضُمُّنَا ثُمَّ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنَّى أَرْحَمُهُمَا ". وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/210 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُنِي وَالْحُسَيْنَ فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 2/768 (حَدِيثٌ رَقْمُ: 1352) وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ عَلَى [الْإِمَامَةِ، وَقَصْدِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (¬1) كَانَ مَحْبُوبًا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُصِيبَةً، بَلْ كَانَ] (¬2) ذَلِكَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنِ اقْتِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا أَحَبَّهُ وَأَحَبَّ أُسَامَةَ [بْنَ زَيْدٍ] (¬3) وَدَعَا لَهُمَا، فَإِنَّ كِلَاهُمَا كَانَ (¬4) يَكْرَهُ الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ (¬5) ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَلَمْ (¬6) يُقَاتِلْ لَا مَعَ عَلِيٍّ وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنُ كَانَ دَائِمًا يُشِيرُ عَلَى عَلِيٍّ بِتَرْكِ الْقِتَالِ] (¬7) وَهَذَا نَقِيضُ مَا عَلَيْهِ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الصُّلْحَ كَانَ مُصِيبَةً وَكَانَ ذُلًّا، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ إِمَامٌ مَعْصُومٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ طَاعَتُهُ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَهُ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بَاطِلَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَاهَدَ مَعَهُ وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ، لَكَانَ ذَلِكَ الصُّلْحُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ فَسَادُ دِينِهَا، [فَأَيُّ فَضِيلَةٍ كَانَتْ تَكُونُ لِلْحَسَنِ بِذَلِكَ (¬8) حَتَّى يُثْنَى عَلَيْهِ بِهِ؟ وَإِنَّمَا (¬9) غَايَتُهُ أَنْ يُعْذَرَ لِضَعْفِهِ عَنِ الْقِتَالِ الْوَاجِبِ (¬10) ] (¬11) وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْحَسَنَ فِي الصُّلْحِ سَيِّدًا ¬

(¬1) أ، ب، ر: بَيْنَ النَّاسِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ابْنَ زَيْدٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ. . (¬5) ن، م: كَانَ يَكْرَهُ الْقِتَالَ وَالْفِتْنَةَ. (¬6) ص، ر، هـ، و: وَأُسَامَةُ لَمْ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ، ب: فِي ذَلِكَ. (¬9) وَإِنَّمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬10) و، ر: أَنْ يُعْذَرَ لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِتَالِ الْوَاجِبِ، هـ: أَنْ يُعْذَرَ عَنِ الْقِتَالِ لِعَجْزِ الْوَاجِبِ، ص: أَنْ يُعْذَرَ عَنِ الْقِتَالِ لِعَجْزٍ عَنِ الْقِتَالِ الْوَاجِبِ. (¬11) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مَحْمُودًا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَاجِزًا مَعْذُورًا، وَلَمْ يَكُنِ الْحَسَنُ أَعْجَزَ عَنِ الْقِتَالِ مِنَ الْحُسَيْنِ، [بَلْ كَانَ أَقْدَرَ عَلَى الْقِتَالِ مِنَ الْحُسَيْنِ] (¬1) ، وَالْحُسَيْنُ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ الْحُسَيْنُ هُوَ [الْأَفْضَلَ] (¬2) الْوَاجِبَ، كَانَ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ تَرْكًا لِلْوَاجِبِ أَوْ عَجْزًا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ هُوَ الْأَفْضَلَ الْأَصْلَحَ، دَلَّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ هُوَ الْأَفْضَلُ الْأَصْلَحُ، وَأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ الْحَسَنُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ (¬3) مِمَّا فَعَلَهُ غَيْرُهُ، وَاللَّهُ يَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ (¬4) بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -[أَجْمَعِينَ] (¬5) . ثُمَّ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُمَا إِمَامَيْنِ لَمْ يَكُونَا قَدِ اسْتَفَادَا الْإِمَامَةَ بِنَصِّ عَلِيٍّ، وَلَاسْتَفَادَهَا الْحُسَيْنُ بِنَصِّ الْحَسَنِ عَلَيْهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَيْحَانَتَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدُّنْيَا (¬6) . وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬7) أَدْخَلَهُمَا مَعَ أَبَوَيْهِمَا تَحْتَ الْكِسَاءِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» وَأَنَّهُ دَعَاهُمَا فِي الْمُبَاهَلَةِ، وَفَضَائِلُهُمَا كَثِيرَةٌ وَهُمَا مِنْ أَجِلَّاءِ سَادَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا كَوْنُهُمَا أَزْهَدَ النَّاسِ وَأَعْلَمَهُمْ فِي زَمَانِهِمْ فَهَذَا قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَجَاهَدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى قُتِلَا ". ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) الْأَفْضَلَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: الْحَسَنُ هُوَ الْأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. (¬4) أ، ب الْمُتَّقِينَ الْمُؤْمِنِينَ. (¬5) أَجْمَعِينَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) (66) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) . وَفِي (أ) عِبَارَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ: " ثُمَّ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". (¬7) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّ الْحَسَنَ تَخَلَّى عَنِ الْأَمْرِ وَسَلَّمَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَمَعَهُ جُيُوشُ الْعِرَاقِ (¬1) ، وَمَا كَانَ يَخْتَارُ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ قَطُّ، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ مِنْ سِيرَتِهِ (¬2) . وَأَمَّا مَوْتُهُ، فَقَدْ قِيلَ: (¬3) إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا، وَهَذَا شَهَادَةٌ (¬4) [لَهُ] (¬5) وَكَرَامَةٌ فِي حَقِّهِ، لَكِنْ لَمْ يَمُتْ مُقَاتِلًا. وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا خَرَجَ يُرِيدُ الْقِتَالَ (¬6) ، وَلَكِنْ ظَنَّ أَنَّ النَّاسَ يُطِيعُونَهُ، فَلَمَّا رَأَى انْصِرَافَهُمْ عَنْهُ، طَلَبَ الرُّجُوعَ إِلَى وَطَنِهِ، أَوِ الذَّهَابَ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ إِتْيَانَ يَزِيدَ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا [وَلَا مِنْ هَذَا] (¬7) وَطَلَبُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ أَسِيرًا إِلَى يَزِيدَ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ ابْتِدَاءً أَنْ يُقَاتِلَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ: إِنَّهُ لَبِسَ الصُّوفَ تَحْتَ ثِيَابِهِ [الْفَاخِرَةِ] (¬8) . فَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ فِي عَلِيٍّ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَهُوَ كَذِبٌ. وَذَلِكَ أَنَّ لُبْسَ الصُّوفِ تَحْتَ ثِيَابِ الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ لَوْ كَانَ فَاضِلًا لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَعَهُ (¬9) [لِأُمَّتِهِ] (¬10) ، ¬

(¬1) الْعِرَاقِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: وَهَذِهِ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْ فَضَائِلِهِ. (¬3) أ، ب: فَقِيلَ. (¬4) أ، ب، م: وَهَذِهِ شَهَادَةٌ. (¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) أ، ب: مَا خَرَجَ مُقَاتِلًا. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (أ) ، (ب) ، (ر) فَقَطْ. (¬8) الْفَاخِرَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) شَرَعَهُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يُشَرِّعُهُ. (¬10) لِأُمَّتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

إِمَّا بِقَوْلِهِ أَوْ (¬1) بِفِعْلِهِ، أَوْ كَانَ يَفْعَلُهُ أَصْحَابُهُ عَلَى عَهْدِهِ (¬2) ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَا رَغَّبَ فِيهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَلَكِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ فِي السَّفَرِ جُبَّةً مِنْ صُوفٍ فَوْقَ ثِيَابِهِ» (¬3) . وَقَصْدُ لُبْسِ الصُّوفِ، دُونَ الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ، لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ فِي شَرِيعَتِنَا (¬4) وَلَا هُوَ مِنْ (¬5) هَدْيِ نَبِيِّنَا [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬6) . وَقَدْ قِيلَ (¬7) لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: إِنَّ قَوْمًا يَقْصِدُونَ لُبْسَ الصُّوفِ وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ كَانَ يَلْبَسُهُ. فَقَالَ: هَدْيُ نَبِيِّنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا (¬8) مِنْ هَدْيِ غَيْرِهِ. وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ (¬9) هَلْ يُكْرَهُ لُبْسُ الصُّوفِ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا لُبْسُهُ فِي السَّفَرِ فَحَسَنٌ، لِأَنَّهُ (¬10) مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ ¬

(¬1) أ، ب: وَإِمَّا. (¬2) أ، ب: فِي عَهْدِهِ. (¬3) رَوَى الْبُخَارِيُّ 7/144 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ جُبَّةِ الصُّوفِ فِي الْغَزْوِ) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: " أَمَعَكَ مَاءٌ؟ " قُلْتُ: قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الْإِدَاوَةَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ أَهَوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: " دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ " فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ". (¬4) ن، م: فِي شَرْعِنَا. (¬5) عِبَارَةُ " هُوَ مِنْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ن) ، (م) : هُوَ فِي. (¬6) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي (أ) ، (ب) ، (م) فَقَطْ. (¬7) أ، ب: وَقِيلَ. (¬8) إِلَيْنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: وَقَدْ تَنَازَعُوا. (¬10) ن، م: فَإِنَّهُ.

يَكُونَ لُبْسُ الصُّوفِ طَاعَةً وَقُرْبَةً، فَإِظْهَارُهُ تَوَاضُعًا أَوْلَى مِنْ إِخْفَائِهِ تَحْتَ الثِّيَابِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَّا تَعْذِيبُ النَّفْسِ بِلَا فَائِدَةٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرِ الْعِبَادَ إِلَّا بِمَا هُوَ [لَهُ] (¬1) أَطْوَعُ وَلَهُمْ أَنْفَعُ، لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَعْذِيبٍ لَا يَنْفَعُهُمْ (¬2) ، بَلْ قَالَ [النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬3) : " «إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ (¬4) عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ» " (¬5) . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ يَوْمًا الْحُسَيْنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ، وَوَلَدَهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَكَ بَيْنَهُمَا (¬6) فَاخْتَرْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا مَاتَ الْحُسَيْنُ بَكَيْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، وَإِذَا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بَكَيْتُ أَنَا عَلَيْهِ " فَاخْتَارَ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ، فَمَاتَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْحُسَيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: [أَهْلًا] وَمَرْحَبًا (¬7) بِمَنْ فَدَيْتُهُ بِابْنِي إِبْرَاهِيمَ» ". 2 - ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) ، (ب) : لَهُمْ. (¬2) أ، ب: لَمْ يَنْفَعْهُمْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬4) أ، ب، غَنِيٌّ. (¬5) جَاءَ الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/319 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ مَنْ رَأَى عَلَيْهِ كَفَّارَةً إِذَا كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَأَوَّلُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ " وَأَمَرَ أَنْ يَرْكَبَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي: الْبُخَارِيِّ 8/142 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُرِ، بَابُ النَّذْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ وَفِي مَعْصِيَةٍ) . وَجَاءَ مُطَوَّلًا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/46 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابٌ فِيمَنْ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ وَلَا يَسْتَطِيعُ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/106، 114، 183، 235، 271. (¬6) هـ، ص، ر: لِيَجْمَعَهُمَا لَكَ. (¬7) ن، م: وَيَقُولُ مَرْحَبًا، ص: وَيَقُولُ مَرْحَبًا وَأَهْلًا.

فَيُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ، وَلَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ (¬1) . وَهَذَا النَّاقِلُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا (¬2) وَلَا عَزَاهُ إِلَى كِتَابِ حَدِيثٍ (¬3) ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي (¬4) رِوَايَتِهِ أَحَادِيثَ مُسَيَّبَةٍ (¬5) بِلَا زِمَامٍ وَلَا خِطَامٍ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ (¬6) لَا يُمَيَّزُ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا إِلَّا بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَدَعْوَى النَّقْلِ الْمُجَرَّدِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدَّعَاوَى. ثُمَّ يُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬7) ، وَهُوَ مِنْ أَحَادِيثِ الْجُهَّالِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَالْحُسَيْنِ أَعْظَمُ مِمَّا فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ مَوْتَ الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ إِذَا كَانَ أَعْظَمَ مِنْ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَبَقَاءُ الْحَسَنِ أَعْظَمُ مِنْ بَقَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ بَقِيَ الْحَسَنُ مَعَ الْحُسَيْنِ. ¬

(¬1) أ، ب: الْأَحَادِيثِ. وَتَكَرَّرَتْ بَعْدَ كَلِمَةِ الْأَحَادِيثِ فِي (أ) ، (ب) عِبَارَةُ: " وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ " (¬2) أ، ب: لَمْ يَذْكُرْ لَنَا إِسْنَادَهُ. (¬3) أ، ب: إِلَى كُتُبِ الْحَدِيثِ. (¬4) أ، ب: مِنْ. (¬5) أ: سَيْبَةٍ، ب: سَائِبَةٍ. (¬6) أ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَنْقُولَاتِ، ب: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَنْقُولَةَ. (¬7) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/407 408: " هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ قَبَّحَ اللَّهُ وَاضِعَهُ فَمَا أَفْظَعَهُ، وَلَا أَرَى الْآفَةَ فِيهِ إِلَّا مِنْ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ. . . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ بَاطِلٌ. . . ". وَانْظُرْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ: اللَّآلِئَ الْمَصْنُوعَةَ لِلسُّيُوطِيِّ 1/390، الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 387، تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ لِابْنِ عِرَاقٍ 1/408. .

وَأَيْضًا فَحَقُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَعَلِيٌّ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ يُحِبُّ النَّبِيَّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬1) أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ نَفْسَهُ، فَيَكُونُ لَوْ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ لَكَانَ بُكَاؤُهُ لِأَجْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ بُكَائِهِ لِأَجْلِ ابْنِهِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَحَبَّةُ الِابْنِ طَبِيعِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا. فَيُقَالُ: هَذَا مَوْجُودٌ فِي حُبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الَّذِي «يَقُولُ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ: " تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» " (¬2) وَهَكَذَا ثَبَتَ (¬3) فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَدِ اخْتَارَ مَوْتَهُ وَجَعَلَهُ فَدَاءً لِغَيْرِهِ؟ . ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَتْ فِيهِ (ن) ، (و) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/83 84 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ) وَلَفْظُهُ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! فَقَالَ: " يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ " ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ " وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: مُسْلِمٍ 4/1807 1808 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّبْيَانَ وَالْعِيَالَ وَتَوَاضُعِهِ. .) ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 3/262 263 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) ، وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ حَدِيثٌ مُقَارِبٌ فِي الْمَعْنَى فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/506 507 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) ، الْمُسْنَدَ (الْفَتْحَ الرَّبَّانِيَّ لِتَرْتِيبِ الْمُسْنَدِ) 7/131 132، ط. الْقَاهِرَةِ 1356. (¬3) أ: يَنْدُبُ، ب: يَنْدُبُهُ، م: ذُكِرَ.

ثُمَّ هَلْ يَسُوغُ مِثْلُ هَذَا أَنْ يُجْعَلَ شَخْصٌ مَعْصُومُ [الدَّمِ] (¬1) فِدَاءَ شَخْصٍ مَعْصُومِ [الدَّمِ] (¬2) ؟ بَلْ إِنْ كَانَ هَذَا جَائِزًا كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ [أَوْلَى] (¬3) ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا مَا يُنْفِقُ عَلَى ابْنِهِ أَوِ ابْنِ بِنْتِهِ، لَوَجَبَ تَقْدِيمُ النَّفَقَةِ عَلَى الِابْنِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ (¬4) دَفْعُ الْمَوْتِ أَوِ الضَّرَرِ (¬5) إِلَّا عَنِ ابْنِهِ أَوِ ابْنِ بِنْتِهِ، لَكَانَ دَفْعُهُ عَنِ ابْنِهِ هُوَ الْمَشْرُوعَ، لَا سِيَّمَا وَهُمْ يَجْعَلُونَ الْعُمْدَةَ فِي الْكَرَامَةِ هُوَ الْقُرَابَةُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَجْعَلُونَ مِنْ أَكْبَرِ فَصَائِلِ عَلِيٍّ قَرَابَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ مِنَ الْجَمِيعِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَبْعَدُ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَقْرَبِ، وَلَا مَزِيَّةَ إِلَّا الْقَرَابَةُ؟ . وَقَدْ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: " لَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ لَعَاشَ إِبْرَاهِيمُ ". وَغَيْرُ أَنَسٍ نَازَعَهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَقَالَ: لَا يَجِبُ إِذَا شَاءَ اللَّهُ نَبِيًّا أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ نَبِيًّا. ثُمَّ لِمَاذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ فِدَاءَ الْحُسَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ فِدَاءَ الْحَسَنِ؟ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ أَفْضَلَهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ «كَانَ يَقُولُ عَنِ الْحَسَنِ: " اللَّهُمَّ ¬

(¬1) الدَّمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) الدَّمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) أَوْلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) أ، ب: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ. (¬5) أ، ب: الضَّرْبِ.

كلام الرافضي عن زين العابدين ومحمد الباقر والرد عليه

إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» " (¬1) . فَلِمَ لَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ فِدَاءَ هَذَا الَّذِي دَعَا. بِمَحَبَّةِ اللَّهِ لِمَنْ يُحِبُّهُ (¬2) . [كلام الرافضي عن زين العابدين ومحمد الباقر والرد عليه] [ (فَصْلٌ) ] (¬3) . وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (¬4) فَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَسَادَاتِهِمْ عِلْمًا وَدِينًا، أَخَذَ عَنْ أَبِيهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَصَفِيَّةَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ¬

(¬1) الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 7/159 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ السِّخَابِ لِلصِّبْيَانِ) وَنَصُّهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ فَانْصَرَفَ، فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ: " أَيْنَ لَكُمْ؟ " ثَلَاثًا " ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ "، فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ: " هَكَذَا " فَقَالَ الْحَسَنُ بِيَدِهِ: هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ. وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1883 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/51 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ 11) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/129، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/331، 2/532. (¬2) أ، ب: أَحَبَّهُ. (¬3) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) ن، م، ص، ر، هـ، و: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْمُلَقَّبُ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّابِعُ عِنْدَ الرَّافِضَةِ، يُقَالُ لَهُ: " عَلِيٌّ الْأَصْغَرُ " لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ " عَلَيٍّ الْأَكْبَرِ " الَّذِي قُتِلَ مَعَ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ فِي كَرْبَلَاءِ سَنَةَ: 61. وُلِدَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ سَنَةَ: 38 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ: 94. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/429 431، طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/211 222، تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/304 307، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 2/52 57، حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 3/133 145، الْأَعْلَامِ 5/86.

وَذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -] (¬1) . وَرَوَى عَنْهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَالزَّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ (¬2) . قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: " هُوَ أَفْضَلُ هَاشِمِيٍّ رَأَيْتُهُ فِي الْمَدِينَةِ ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " (¬3) كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِيًا رَفِيعًا ". وَرَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ [عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ] (¬4) قَالَ: " سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، وَكَانَ أَفْضَلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ، فَمَا بَرَحَ بِنَا حُبُّكُمْ حَتَّى صَارَ عَارًا عَلَيْنَا ". وَعَنْ شَيْبَةَ بْنِ نَعَامَةَ قَالَ: " كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَبْخَلُ، فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوهُ يَقُوتُ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ فِي السِّرِّ ". وَلَهُ مِنَ الْخُشُوعِ [وَصَدَقَةِ السِّرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ] (¬5) الْفَصَائِلِ (¬6) مَا هُوَ مَعْرُوفٌ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ مِنْ صَلَاحِهِ وَدِينِهِ يَتَخَطَّى مَجَالِسَ أَكَابِرِ النَّاسِ، وَيُجَالِسُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ [بْنِ الْخَطَّابِ] (¬7) ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنَ التَّابِعِينَ، فَيُقَالُ لَهُ: " تَدَعُ مَجَالِسَ قَوْمِكَ وَتُجَالِسُ هَذَا؟ " فَيَقُولُ: " إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ حَيْثُ يَجِدُ صَلَاحَ قَلْبِهِ ". ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: أَوِ ابْنُهُ وَأَبُو جَعْفَرٍ. (¬3) فِي آخِرِ تَرْجَمَتِهِ 5/222 (ط. بَيْرُوتَ، 1377 1957) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) ، (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) ن، م، و: وَالْفَضَائِلِ. (¬7) بْنِ الْخَطَّابِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قِيَامِ أَلْفِ رَكْعَةٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ يُكْرَهُ (¬1) فِي الشَّرِيعَةِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ، فَلَا يَصْلُحُ ذِكْرُ مِثْلِ (¬2) هَذَا فِي الْمَنَاقِبِ. وَكَذَلِكَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَسْمِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[لَهُ] (¬3) سَيِّدَ الْعَابِدِينَ (¬4) هُوَ شَيْءٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ [وَالدِّينِ] (¬5) . وَكَذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَاقِرَ لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ، لَا لِأَجْلِ بَقْرِ السُّجُودِ جَبْهَتَهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ ¬

(¬1) أ، ب: مَكْرُوهٍ. (¬2) أ، ب: ذِكْرُهُ لِمِثْلِ. . . (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ص) . (¬4) ن، م، هـ، ر، ص، و: بِسَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ. (¬5) وَالدِّينِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) ، (ر) ، (ص) . وَأَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 2/44 45. . عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ، وَعَلَتْ سِنُّهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَمَعَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ صَبِيٌّ فَسَلَّمَ عَلَى جَابِرٍ وَجَلَسَ، وَقَالَ لِابْنِهِ مُحَمَّدٍ: قُمْ إِلَى عَمِّكَ فَسَلِّمَ عَلَيْهِ وَقَبِّلْ رَأْسَهُ، فَفَعَلَ الصَّبِيُّ ذَلِكَ، فَقَالَ جَابِرٌ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: ابْنِي مُحَمَّدٌ. فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَبَكَى، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ. فَقَالَ لَهُ صَحْبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَبَّلَهُ وَأَقْعَدَهُ إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: يُولَدُ لِابْنِي هَذَا ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: عَلِيٌّ، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ: سَيِّدَ الْعَابِدِينَ، فَيَقُومُ هُوَ، وَيُولَدُ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ، إِذَا رَأَيْتَهُ يَا جَابِرُ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ مِنِّي، وَاعْلَمْ أَنَّ بَقَاءَكَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَلِيلٌ، فَمَا لَبِثَ جَابِرٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَتَّى تُوُفِّيَ ". قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: " هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ الْغَلَّابِيُّ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ " وَانْظُرْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ: اللَّآلِئَ الْمَصْنُوعَةَ 1/451 453، الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ، ص 418، تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ 1/415.

أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ فَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَالزَّهْرِيُّ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَنَقْلُ تَسْمِيَتِهِ بِالْبَاقِرِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ (¬1) . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ تَبْلِيغِ جَابِرٍ لَهُ السَّلَامَ هُوَ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، لَكِنْ هُوَ رَوَى عَنْ جَابِرِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] (¬2) غَيْرَ حَدِيثٍ، مِثْلَ حَدِيثِ الْغُسْلِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْهُ (¬3) وَدَخَلَ عَلَى جَابِرٍ مَعَ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بَعْدَ مَا أُضِرَّ (¬4) جَابِرٌ، وَكَانَ جَابِرٌ مِنَ الْمُبَيَّنِ لَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسِ [بْنِ مَالِكٍ] (¬5) ، وَرَوَى [أَيْضًا] (¬6) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبِ عَلِيٍّ (¬7) ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَدَّانِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، ¬

(¬1) بَلْ هُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَلْ هُوَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ. (¬2) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَعْرُوفُ بِالْبَاقِرِ، الْإِمَامُ الْخَامِسُ عِنْدَ الرَّافِضَةِ، ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّابِعِينَ، وُلِدَ سَنَةَ: 57 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ: 114. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/350 352، تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/124 125، طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/320 324، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/314، الْأَعْلَامِ 7/153. (¬4) ن: أَمَرَ، أ: أَخْبَرَ، ب: كَبِرَ. (¬5) بْنِ مَالِكٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) م، ر، و: وَعَبْدِ اللَّهِ. . . . إِلَخْ. وَفِي " طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ " 5/282: " عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَتَبَ لَهُ، وَكَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: خَلَاصَةِ تَهْذِيبِ الْكَمَالِ، ص 212، الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ج 2 ق 2 ص 307، تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/10 11.

وَالزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬1) وَالْأَعْرَجُ وَهُوَ أَسَنُّ مِنْهُ، وَابْنُهُ جَعْفَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ (¬2) الْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ (¬3) أُمِّ فَرْوَةَ بِنْتِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَنَافِعٍ [مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ] (¬4) وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءِ [بْنِ أَبِي رَبَاحٍ] (¬5) وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَمَالِكُ [بْنُ أَنَسٍ] (¬6) وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَحَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ (¬7) وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [بْنِ يَسَارٍ] (¬8) . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ: " كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ ¬

(¬1) ر، ص: وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَهُوَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/258 259. (¬2) ص، ر، و، هـ: يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 11/268 270. (¬3) ن: أَبِي أُمَيَّةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَفِي هَامِشِ (ر) : أُمِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (فِي الْأَصْلِ: عَنْهُ) هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) بْنُ أَنَسٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م، و: وَخَالِدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ خَطَأٌ وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/128 129. (¬8) بْنِ يَسَارٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ. 9/38 46.

إِلَى جَعْفَرِ [بْنِ مُحَمَّدٍ] (¬1) عَلِمْتُ أَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ النَّبِيِّينَ " (¬2) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ عَنِ الرِّيَاسَةِ ". فَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِمَامَةَ (¬3) عِنْدَهُمْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (¬4) أَنْ يَقُومَ بِهَا وَبِأَعْبَائِهَا، فَإِنَّهُ لَا إِمَامَ فِي وَقْتِهِ إِلَّا هُوَ، فَالْقِيَامُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ (¬5) لَوْ كَانَ وَاجِبًا [لَكَانَ] (¬6) أَوْلَى مِنَ الِاشْتِعَالِ بِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ (¬7) : " هُوَ الَّذِي نَشَرَ فِقْهَ الْإِمَامِيَّةِ، وَالْمَعَارِفَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَالْعَقَائِدَ الْيَقِينِيَّةَ ". فَهَذَا الْكَلَامُ يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنَّهُ ابْتَدَعَ فِي الْعِلْمِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ مَنْ قَبْلَهُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ قَبْلَهُ قَصَّرُوا (¬8) فِيمَا يَجِبُ [عَلَيْهِمْ] (¬9) مِنْ نَشْرِ الْعِلْمِ. وَهَلْ يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ ¬

(¬1) بْنِ مُحَمَّدٍ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْمُلَقَّبُ بِالصَّادِقِ، الْإِمَامُ السَّادِسُ عِنْدَ الرَّافِضَةِ. وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ: 80 وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ: 148. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ: 1/166 167، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 2/94 98، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/291 292، حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 3/192 206، الْأَعْلَامِ 2/121. وَانْظُرْ عَنْهُ كِتَابَ " الْإِمَامِ الصَّادِقِ " لِلشَّيْخِ مُحَمَّدٍ أَبِي زَهْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، ط. دَارِ الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ، الْقَاهِرَةِ، بِدُونِ تَارِيخٍ. (¬3) أ، ب، ر، ص، هـ: الْإِمَامَ، ن: الْإِمَامِيَّةَ. وَمَا أَثْبَتُّهُ عَنْ (م) ، (و) . (¬4) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (ص) ،. (¬5) أ، ب: أَعْظَمُ. (¬6) لَكَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) ، (و) . (¬7) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (ص) ،. (¬8) أ، ب، ر، م: الَّذِي قَبْلَهُ قَصَّرَ (ر، م: قَصَّرُوا) . (¬9) عَلَيْهِمْ: فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) فَقَطْ.

الْمَعَارِفَ الْحَقِيقِيَّةَ وَالْعَقَائِدَ الْيَقِينِيَّةَ أَكْمَلَ بَيَانٍ؟ وَأَنَّ أَصْحَابَهُ تَلَقَّوْا ذَلِكَ عَنْهُ (¬1) وَبَلَّغُوهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ؟ . وَهَذَا يَقْتَضِي الْقَدْحَ: إِمَّا فِيهِ، وَإِمَّا فِيهِمْ. بَلْ كُذِبَ (¬2) عَلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَكْثَرَ مِمَّا كُذِبَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ، فَالْآفَةُ وَقَعَتَ مِنَ (¬3) الْكَذَّابِينَ عَلَيْهِ لَا مِنْهُ. وَلِهَذَا نُسِبَ إِلَيْهِ أَنْوَاعٌ (¬4) مِنَ الْأَكَاذِيبِ، مِثْلَ كِتَابِ " الْبِطَاقَةِ " وَ " الْجَفْرِ " وَ " الْهَفْتِ " وَالْكَلَامِ فِي (¬5) النُّجُومِ، وَفِي تَقْدِمَةِ (¬6) الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الرُّعُودِ وَالْبَرْوَقِ وَاخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (¬7) . حَتَّى نَقَلَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي " حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ " (¬8) مِنَ الْأَكَاذِيبِ مَا نَزَّهَ اللَّهُ جَعْفَرًا عَنْهُ، وَحَتَّى إِنَّ كُلَّ (¬9) مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنَفِّقَ أَكَاذِيبَهُ (¬10) نَسَبَهَا إِلَى جَعْفَرٍ، حَتَّى إِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَنَّ " رَسَائِلَ إِخْوَانِ الصَّفَا " مَأْخُوذَةٌ عَنْهُ، وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ، فَإِنَّ جَعْفَرًا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَهَذِهِ الرَّسَائِلُ وُضِعَتْ (¬11) بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ: وُضِعَتْ (¬12) لَمَّا ظَهَرَتْ دَوْلَةُ ¬

(¬1) أ، ب: عَنْهُ ذَلِكَ. (¬2) أ، ب: بَلْ هُوَ كَذِبٌ. (¬3) أ، ب: فِي. (¬4) أ: نَسَبَتْ إِلَيْهِ أَنْوَاعًا، ب: نُسِبَتْ إِلَيْهِ أَنْوَاعٌ. (¬5) أ، ب: عَلَى. (¬6) أ، ب: مُقَدِّمَةِ. (¬7) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ فِيمَا مَضَى 2/464 465. (¬8) وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِهِ " حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ ". (¬9) كُلَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) أ: يَتَحَقَّقَ أَكَاذِيبَهُ، ب: يُحَقِّقَ أَكَاذِيبَهُ. (¬11) أ، ب: صُنِّفَتْ. (¬12) أ: وَصُنِّفَتْ، ب: صُنِّفَتْ.

كلام الرافضي عن موسى بن جعفر والرد عليه

الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ بَنَوُا الْقَاهِرَةَ الْمُعِزِّيَةَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ صُنِّفَتْ هَذِهِ الرَّسَائِلُ بِسَبَبِ ظُهُورِ هَذَا الْمَذْهَبِ، الَّذِي ظَاهِرُهُ الرَّفْضُ، وَبَاطِنُهُ الْكُفْرُ الْمَحْضُ، فَأَظْهَرُوا اتِّبَاعَ الشَّرِيعَةِ، وَأَنَّ لَهَا بَاطِنًا مُخَالِفًا لِظَاهِرِهَا، وَبَاطِنُ أَمْرِهِمْ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ، وَعَلَى هَذَا [الْأَمْرِ] (¬1) وُضِعَتْ هَذِهِ الرَّسَائِلُ، وَضَعَهَا (¬2) طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ مَعْرُوفُونَ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي أَثْنَائِهَا مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ النَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَكَانَ أَوَّلُ (¬3) ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ (¬4) . [كلام الرافضي عن موسى بن جعفر والرد عليه] (فَصْلٌ) . وَأَمَّا مِنْ بَعْدِ جَعْفَرٍ فَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ. قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (¬5) : " ثِقَةٌ (¬6) صَدُوقٌ إِمَامٌ (¬7) مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ". قُلْتُ: مُوسَى وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ¬

(¬1) الْأَمْرِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) . (¬2) أ، ب: وَصَنَّفَهَا. (¬3) أَوَّلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب:. . الرَّابِعَةِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْبَاحِثُونَ فِي تَارِيخِ إِخْوَانِ الصَّفَا عَلَى أَنَّهُمْ أَلَّفُوا رَسَائِلَهُمْ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ. انْظُرْ مَثَلًا مُقَدِّمَةَ الدُّكْتُورِ طه حُسَيْن لِرَسَائِلِ إِخْوَانِ الصَّفَا، وَمُقَدِّمَةَ أَحْمَد ذَكِي بَاشَا لَهَا (ط. 1347/1928) وَخَاصَّةً ص: 42، وَانْظُرْ أَيْضًا كِتَابَ " إِخْوَانِ الصَّفَا " لِلدُّكْتُورِ جَبُّور عَبْد النُّورِ، ص 5، 7، كِتَابَ " إِخْوَانِ الصَّفَا " لِلْأُسْتَاذِ عُمَر الدُّسُوقِي، ص: 67، 72، ط. عِيسَى الْحَلَبِيِّ، 1366 - 1947. وَانْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ 2/465 (ت 2) . (¬5) فِي كِتَابِ " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " ق 1 ج [0 - 9] ، ص 139. وَرَوَى النَّصَّ ابْنُهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَبِي حَاتِمٍ. (¬6) أ، ب: ثِقَةٌ أَمِينٌ. (¬7) إِمَامٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) وَهَى فِي " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ".

بِضْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَأَقْدَمَهُ الْمَهْدِيُّ إِلَى بَغْدَادَ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَيَّامِ الرَّشِيدِ، فَقَدِمَ هَارُونُ مُنْصَرِفًا مِنْ عُمْرَةٍ، فَحَمَلَ مُوسَى مَعَهُ إِلَى بَغْدَادَ، وَحَبَسَهُ بِهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي مَحْبِسِهِ (¬1) . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: " فَتُوُفِّيَ (¬2) سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ رِوَايَةٍ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرٍ، وَرَوَى عَنْهُ أَخُوهُ عَلِيٌّ، وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ " (¬3) . وَأَمَّا مِنْ بَعْدِ مُوسَى (¬4) فَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُمْ مِنِ الْعِلْمِ مَا يُذْكَرُ بِهِ أَخْبَارُهُمْ فِي كُتُبِ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ (¬5) وَتَوَارِيخِهِمْ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةَ تُوجَدُ أَحَادِيثُهُمْ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ (¬6) وَتُوجَدُ فَتَاوِيهِمْ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي فَتَاوَى السَّلَفِ، مِثْلِ كُتُبِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ. وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ (¬7) رِوَايَةٌ فِي الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ مِنْ كُتُبِ (¬8) الْحَدِيثِ، وَلَا فَتَاوَى فِي الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي نُقِلَ فِيهَا فَتَاوَى السَّلَفِ، وَلَا لَهُمْ فِي التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ أَقْوَالٌ ¬

(¬1) أ، ب: حَبْسِهِ. (¬2) أ، ب: تُوُفِّيَ. (¬3) أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، الْمَعْرُوفُ بِالْكَاظِمِ، الْإِمَامُ السَّابِعُ عِنْدَ الرَّافِضَةِ. عَالِمٌ عَابِدٌ، وُلِدَ سَنَةَ 128 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 183. لَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ. (ط. بَيْرُوتَ) . انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ. 10/339 340، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 4/393 395، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 4/201 202، تَارِيخِ بَغْدَادَ 13/27، 32، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 2/8 105، الْأَعْلَامِ 8/270. وَانْظُرْ جُزْءَ الطَّبَقَاتِ (ط. الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِتَحْقِيقِ زِيَاد مُحَمَّد مَنْصُور) ص 269، 474. (¬4) ر: مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ. (¬5) بِالْعِلْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، فَقَطْ. (¬6) أ، ب، م، ر، و، هـ: الْمَسَانِدِ. (¬7) أ، ب: لَهُ. (¬8) كُتُبِ: سَاقِطَةٌ مِنَ (أ) ، (ب) ، (م) .

مَعْرُوفَةٌ، (¬1) وَلَكِنْ لَهُمْ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ مَا هُمْ لَهُ أَهْلٌ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -[أَجْمَعِينَ] (¬2) ، وَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ مَشْهُورٌ بِالْعِبَادَةِ وَالنُّسُكِ. وَأَمَّا الْحِكَايَةُ الْمَذْكُورَةُ (¬3) عَنْ شَقِيقٍ الْبَلْخِيِّ فَكَذِبٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ تُخَالِفُ الْمَعْرُوفَ مِنْ حَالِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَمُوسَى كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ جَاءَ إِذْ ذَاكَ إِلَى الْعِرَاقِ حَتَّى يَكُونَ بِالْقَادِسِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا مِمَّنْ يُتْرَكُ (¬4) مُنْفَرِدًا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ (¬5) لِشُهْرَتِهِ، وَكَثْرَةِ غَاشِيَتِهِ (¬6) وَإِجْلَالِ النَّاسِ لَهُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَمِنْهُمْ (¬7) أَيْضًا بِالْمُلْكِ، وَلِذَلِكَ (¬8) أَخَذَهُ الْمَهْدِيُّ ثُمَّ الرَّشِيدُ إِلَى بَغْدَادَ. أَمَّا قَوْلُهُ: " تَابَ عَلَى يَدِهِ بِشْرٌ الْحَافِي " فَمِنْ أَكَاذِيبِ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُ وَلَا حَالَ بِشْرٍ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ لَمَّا قَدِمَ [بِهِ] (¬9) الرَّشِيدُ إِلَى الْعِرَاقِ حَبَسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجْتَازُ عَلَى دَارِ بِشْرٍ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْعَامَّةِ. ¬

(¬1) أ، ب: وَلَا لَهُمْ تَفْسِيرٌ وَلَا غَيْرُهُ وَلَا لَهُمْ أَقْوَالٌ مَعْرُوفَةٌ. (¬2) أَجْمَعِينَ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ص) . (¬3) أ، ب: الْمَشْهُورَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) أ. ب: يَنْزِلُ. (¬5) أ، ب، و: الْحَالَةِ. (¬6) أ، ب: لِكَثْرَةِ مَنْ يَغْشَاهُ، م: لِكَثْرَةِ حَاشِيَتِهِ. (¬7) ر، ص، هـ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِيهِمْ. (¬8) ر، و، هـ: وَكَذَلِكَ. (¬9) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

كلام الرافضي على علي بن موسى الرضا والرد عليه

[كلام الرافضي على عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬2) " وَكَانَ وَلَدُهُ عَلِيٌّ الرِّضَا (¬3) أَزْهَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَ [كَانَ] أَعْلَمَهُمْ (¬4) وَأَخَذَ عَنْهُ فُقَهَاءُ الْجُمْهُورِ كَثِيرًا (¬5) ، وَوَلَّاهُ الْمَأْمُونُ لِعِلْمِهِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَمَالِ وَالْفَضْلِ (¬6) . وَوَعَظَ يَوْمًا أَخَاهُ زَيْدًا (¬7) ، فَقَالَ: يَا زَيْدُ (¬8) ، مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا سَفَكْتَ الدِّمَاءَ، وَأَخَذْتَ الْأَمْوَالَ مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا، وَأَخَفْتَ السُّبُلَ (¬9) ، وَغَرَّكَ حَمْقَى (¬10) أَهْلِ الْكُوفَةِ؟ وَقَدْ قَالَ (¬11) رَسُولُ اللَّهِ ¬

(¬1) ر، ص، هـ: الْفَصْلُ التَّاسِعُ. (¬2) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) ، (ب) . وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 02 (م) 103 (م) . (¬3) ك: عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬4) وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَأَعْلَمَهُمْ. وَسَقَطَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ (ك) . (¬5) أ، ب: وَأَخَذَ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ الْمَشْهُورُونَ كَثِيرًا. (¬6) أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، الْمُلَقَّبُ بِالرِّضَا، ثَامِنُ الْأَئِمَّةِ عِنْدَ الرَّافِضَةِ، وُلِدَ فِي الْمَدِينَةِ سَنَةَ: 153 مِنْ أُمٍّ حَبَشِيَّةٍ، وَأَحَبَّهُ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُونُ، فَعَهِدَ إِلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ، وَضَرَبَ اسْمَهُ عَلَى الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَغَيَّرَ مِنْ أَجْلِهِ الزِّيَّ الْعَبَّاسِيَّ مِنَ السَّوَادِ إِلَى اللَّوْنِ الْأَخْضَرِ، وَثَارَ أَهْلُ بَغْدَادَ لِذَلِكَ وَخَلَعُوا الْمَأْمُونَ وَوَلَّوْا عَمَّهُ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ الْمَهْدِيِّ، وَلَكِنَّ الْمَأْمُونَ تَغَلَّبَ عَلَيْهِمْ وَقَمَعَ ثَوْرَتَهُمْ، وَمَاتَ الرِّضَا سَنَةَ 203 فِي حَيَاةِ الْمَأْمُونِ. انْظُرْ تَرْجَمَةَ الرِّضَا فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/386389، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/432 434، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/158، الْأَعْلَامِ 5/178. (¬7) زَيْدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب، ص، ر، هـ، و: فَقَالَ لَهُ: يَا زَيْدُ. (¬9) ك، ص [0 - 9] 03: (م) الدِّمَاءَ وَأَخَفْتَ السُّبُلَ، وَأَخَذْتَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ. (¬10) ك: غَرَّكَ حَمْقَاءُ، ص: وَغَرَّكَ حَمْقَاءُ. (¬11) ب (فَقَطْ) : أَوْ مَا قَالَ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَمَا قَالَ. وَمَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ك) .

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ فَاطِمَةَ أَحْصَنَتْ (* فَرْجَهَا، فَحَرَّمَ اللَّهُ ذُرِّيَّتَهَا عَلَى النَّارِ *) » (¬1) . (¬2) [وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ عَلِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ سَمَّيْتَ فَاطِمَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ فَطَمَهَا وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ النَّارِ» ، فَلَا يَكُونُ الْإِحْصَانُ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ ذُرِّيَّتِهَا عَلَى النَّارِ وَأَنْتَ تَظْلِمُ.] (¬3) وَاللَّهِ مَا نَالُوا ذَلِكَ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ (¬4) ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَنَالَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ مَا نَالُوهُ بِطَاعَتِهِ، إِنَّكَ (¬5) إِذًا لَأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ. وَضَرَبَ الْمَأْمُونُ اسْمَهُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْآفَاقِ (¬6) بِبَيْعَتِهِ (¬7) وَطَرَحَ السَّوَادَ وَلَبِسَ الْخُضْرَةَ ". قَالَ: (¬8) " وَقِيلَ لِأَبِي نُوَاسٍ: لِمَ لَا تَمْدَحُ الرِّضَا (¬9) ؟ فَقَالَ: قِيلَ لِي أَنْتَ أَفْضَلُ النَّاسِ طُرًّا ... فِي الْمَعَانِي وَفِي الْكَلَامِ الْبَدِيهِ [لَكَ مِنْ جَوْهَرِ الْكَلَامِ بَدِيعٌ يُثْمِرُ الدُّرَّ فِي يَدَيْ مُجْتَنِيهِ (¬10) ] فَلِمَاذَا تَرَكْتَ مَدْحَ ابْنِ مُوسَى ... وَالْخِصَالُ الَّتِي تَجْمَّعْنَ فِيهِ قُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ مَدْحَ إِمَامٍ ... كَانَ جِبْرِيلُ خَادِمًا لِأَبِيهِ " (¬11) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬2) ب (فَقَطْ) : فَحَرَّمَهَا اللَّهُ وَذُرِّيَّتَهَا عَلَى النَّارِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ وَمِنْ (ك) ، وَلَعَلَّهُ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ نُسَخِ (ك) نَقَلَ عَنْهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ. (¬4) أ، ب، هـ، و: إِلَّا بِالطَّاعَةِ. (¬5) أ، ب: فَإِنَّكَ. (¬6) ك: إِلَى الْآفَاقِ، م: إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ك: بِبَيْعَتِهِ أَنَّهُ إِمَامُ أَهْلِ الْعَالَمِ وَنَحْنُ تَوَابِعُهُ وَتَوَابِعُ آبَائِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ. (¬8) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي (ك) ص [0 - 9] 03 (م) . (¬9) ك: الرِّضَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬10) هَذَا الْبَيْتُ فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. وَسَقَطَ مِنْ (ك) وَمِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬11) لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ فِي " دِيوَانِ أَبِي نُوَاسٍ ".

فَيُقَالُ: مِنَ الْمَصَائِبِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا وَلَدُ الْحُسَيْنِ انْتِسَابُ الرَّافِضَةِ إِلَيْهِمْ، وَتَعْظِيمُهُمْ [وَمَدْحُهُمْ] (¬1) لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَمْدَحُونَهُمْ بِمَا لَيْسَ بِمَدْحٍ، وَيَدَّعُونَ لَهُمْ دَعَاوَى لَا حُجَّةَ لَهَا، وَيَذْكُرُونَ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَوْ لَمْ يُعْرَفْ فَضْلُهُمْ مِنْ غَيْرِ كَلَامِ الرَّافِضَةِ (¬2) ، لَكَانَ مَا تَذْكُرُهُ الرَّافِضَةُ بِالْقَدْحِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْمَدْحِ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى لَهُ مِنَ الْمَحَاسِنِ وَالْمَكَارِمِ الْمَعْرُوفَةِ، وَالْمَمَادِحِ الْمُنَاسِبَةِ لِحَالِهِ (¬3) اللَّائِقَةِ بِهِ، مَا يَعْرِفُهُ بِهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ. وَأَمَّا (¬4) هَذَا الرَّافِضِيُّ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ فَضِيلَةً وَاحِدَةً بِحُجَّةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ (¬5) كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ وَأَعْلَمَهُمْ " فَدَعْوَى مُجَرَّدَةٌ بِلَا دَلِيلٍ، فَكُلُّ مَنْ غَلَا فِي شَخْصٍ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدَّعِيَ لَهُ هَذِهِ الدَّعْوَى، كَيْفَ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَانِهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَمَنْ هُوَ أَزْهَدُ مِنْهُ (¬6) ، كَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (¬7) وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَشْهَبَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ، وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ. هَذَا وَلَمْ يَأْخُذْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ شَيْئًا، وَلَا رُوِيَ لَهُ حَدِيثٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ (¬8) ، وَإِنَّمَا يَرْوِي لَهُ: أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ وَأَمْثَالُهُ نُسَخًا عَنْ آبَائِهِ فِيهَا مِنَ الْأَكَاذِيبِ ¬

(¬1) وَمَدْحُهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: مِنْ كَلَامِ غَيْرِ الرَّافِضَةِ. (¬3) أ، ب: لِلْحَالَةِ. (¬4) أ، ب: أَمَّا. (¬5) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ب (فَقَطْ) : وَأَزْهَدُ مِنْهُ. (¬7) وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. (¬8) أ، ب: وَلَا رَوَى لَهُ حَدِيثًا فِي كُتُبِ السُّنَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

مَا قَدْ (¬1) نَزَّهَ اللَّهُ عَنْهُ الصَّادِقِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ فَكَيْفَ بِالصَّادِقِينَ (¬2) مِنْهُمْ (¬3) ؟ ! . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ أَخَذَ عَنْهُ فُقَهَاءُ الْجُمْهُورِ كَثِيرًا (¬4) " فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ. هَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الْجُمْهُورِ الْمَشْهُورُونَ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْهُ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَإِنْ أَخَذَ عَنْهُ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْرَفُ مِنْ فُقَهَاءِ الْجُمْهُورِ فَهَذَا لَا يُنْكَرُ، فَإِنَّ طَلَبَةَ الْفُقَهَاءِ قَدْ يَأْخُذُونَ عَنِ الْمُتَوَسِّطِينَ فِي الْعِلْمِ، وَمَنْ هُمْ دُونَ الْمُتَوَسِّطِينَ. [وَمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ مَعْرُوفًا الْكَرْخِيَّ كَانَ خَادِمًا لَهُ، وَأَنَّهُ ¬

(¬1) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " 2/616: " عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ، أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، إِلَّا أَنَّهُ شِيعِيٌّ جَلْدٌ. رَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَعَلِيٍّ الرِّضَا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَمْ يَكُنْ عِنْدِي بِصَدُوقٍ، وَضَرَبَ أَبُو زُرْعَةَ عَلَى حَدِيثِهِ. وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُتَّهَمٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ مُتَّهَمٌ بِوَضْعِ حَدِيثِ: الْإِيمَانُ إِقْرَارٌ بِالْقَلْبِ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَلْبٌ لِلْعَلَوِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ. (¬4) ، ب: الْفُقَهَاءُ الْمَشْهُورَةُ كَثِيرًا. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيٍّ الرِّضَا فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " 3/158: " عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيُّ الْعَلَوِيُّ الرِّضَا: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: يَأْتِي عَنْ أَبِيهِ بِعَجَائِبَ. قُلْتُ: إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي ثُبُوتِ السَّنَدِ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَالرَّجُلُ قَدْ كُذِبَ عَلَيْهِ، وَوُضِعَ عَلَيْهِ نُسْخَةٌ سَائِرَةٌ، فَمَا كَذَبَ عَلَى جَدِّهِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، فَرَوَى عَنْهُ أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ أَحَدُ الْمُتَّهَمِينَ، وَلِعَلِيِّ بْنِ مَهْدِيٍّ الْقَاضِي عَنْهُ. . . قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا يُرْوَى عَنْهُ عَجَائِبُ، يَهِمُ وَيُخْطِئُ ".

أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ، أَوْ أَنَّ الْخِرْقَةَ مُتَّصِلَةٌ مِنْهُ إِلَيْهِ، فَكُلُّهُ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ مَنْ يَعْرِفُ هَذَا الشَّأْنَ] (¬1) . وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَاطِمَةَ هُوَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬2) ، وَيَظْهَرُ كَذِبُهُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ [أَيْضًا] (¬3) ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " «إِنَّ فَاطِمَةَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَحَرَّمَ اللَّهُ ذُرِّيَّتَهَا (¬4) عَلَى النَّارِ» " يَقْتَضِي أَنَّ إِحْصَانَ فَرْجِهَا هُوَ السَّبَبُ لِتَحْرِيمِ ذُرِّيَّتِهَا [عَلَى النَّارِ] (¬5) وَهَذَا (¬6) بَاطِلٌ قَطْعًا، فَإِنَّ سَارَّةَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا، وَلَمْ يُحَرِّمِ اللَّهُ جَمِيعَ (¬7) ذُرِّيَّتِهَا عَلَى النَّارِ. قَالَ تَعَالَى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ - وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 122، 113] . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: " مَدَارُهُ عَلَى عَمْرِو بْنِ غِيَاثٍ، وَيُقَالُ فِيهِ عَمْرٌو، قَدْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: مِنْ شُيُوخِ الشِّيعَةِ. قَالَ: وَإِنَّمَا حَدَّثَ بِهِ عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ عَنِ النَّبِيِّ مُرْسَلًا فَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ (بْنُ هِشَامٍ) فَأَفْسَدَهُ ". ثُمَّ قَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ عَنْهُ: إِنَّهُ صَحِيحٌ. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " مُخْتَصَرِهِ " فَقَالَ: بَلْ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ مُعَاوِيَةُ وَفِيهِ ضَعْفٌ عَنِ ابْنِ غِيَاثٍ وَهُوَ وَاهٍ بِمَرَّةٍ ". وَانْظُرْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 392 - 393، تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ 1/417 - 418، الْمَوْضُوعَاتِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1/422. (¬3) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: فَحَرَّمَهَا اللَّهُ وَذُرِّيَّتَهَا. (¬5) عَلَى النَّارِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) (5 - 5) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) جَمِيعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (هـ) ، (ص) ، (ر) .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 26] . وَمِنَ الْمَعْلُومِ (¬1) أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذُرِّيَّةِ سَارَّةَ (¬2) وَالْكُفَّارُ فِيهِمْ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ. وَأَيْضًا فَصَفِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا وَمِنْ ذُرِّيَّتِهَا (¬3) مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَاللَّوَاتِي (¬4) أَحْصَنَّ فُرُوجَهُنَّ لَا يُحْصِي عَدَدَهُنَّ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ. وَأَيْضًا فَفَضِيلَةُ فَاطِمَةَ وَمَزِيَّتُهَا لَيْسَتْ بِمُجَرَّدِ إِحْصَانِ فَرْجِهَا (¬5) ، فَإِنَّ هَذَا يُشَارِكُ فِيهِ فَاطِمَةَ جُمْهُورُ (¬6) نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. وَفَاطِمَةُ لَمْ تَكُنْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ بِهَذَا الْوَصْفِ، بَلْ بِمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ، بَلْ هَذَا مِنْ جِنْسِ حُجَجِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ لِجَهْلِهِمْ لَا يُحْسِنُونَ أَنْ يَحْتَجُّوا (¬7) ، وَلَا يُحْسِنُونَ أَنْ يَكْذِبُوا (¬8) كَذِبًا يَنْفَقُ (¬9) . وَأَيْضًا فَلَيْسَتْ ذُرِّيَّةُ فَاطِمَةَ كُلُّهُمْ مُحَرَّمِينَ عَلَى النَّارِ، بَلْ فِيهِمُ الْبَرُّ ¬

(¬1) ن، م: وَمَعْلُومٌ. (¬2) ن، و: مِنْ ذُرِّيَّتِهِ سَارَّةُ، أ، ب: مِنْ ذُرِّيَّتِهِ (وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ: سَارَّةَ) . (¬3) ن، م، و: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) أ، ب: وَفِي الْجُمْلَةِ اللِّوَائِي. (¬5) أ، ب: الْفَرَجِ. (¬6) أ، ب: تَشَارَكُ فِيهِ فَاطِمَةُ وَجُمْهُورُ. . . (¬7) م، ص: لَا يُحْسِنُونَ يَحْتَجُّونَ. (¬8) ن: وَلَا يُحْسِنُونَ يَكْذِبُونَ. (¬9) أ، ب: كَذِبًا بِاتِّفَاقٍ يَنْفَقُ. وَفِي " اللِّسَانِ ": " وَنَفَقَ الْبَيْعُ نِفَاقًا: رَاجَ ".

وَالْفَاجِرُ. وَالرَّافِضَةُ تَشْهَدُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ (¬1) وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْهُمُ الْمُتَوَلُّونَ (¬2) لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَزَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَمْثَالِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] (¬3) ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ رَفَضُوا زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمَنْ وَالَاهُ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِمْ (¬4) بِالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ، بَلِ الرَّافِضَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً إِمَّا بِالْجَهْلِ وَإِمَّا بِالْعِنَادِ لِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. ثُمَّ مَوْعِظَةُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى لِأَخِيهِ الْمَذْكُورِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَرِّيَّةَ فَاطِمَةَ فِيهِمْ مُطِيعٌ وَعَاصٍ (¬5) وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا بَلَغُوا كَرَامَةَ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ، وَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ عَصَى اللَّهَ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِإِهَانَةِ اللَّهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوْلِيَةِ الْمَأْمُونِ لَهُ الْخِلَافَةَ، فَهَذَا صَحِيحٌ. لَكِنَّ [ذَلِكَ] لَمْ يَتِمَّ، [بَلِ] اسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ (¬6) عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، وَلَمْ يَجْعَلْهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ (¬7) . وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسُّمِّ، فَإِنْ كَانَ فِعْلُ الْمَأْمُونِ الْأَوَّلُ ¬

(¬1) أ، ب: وَالْفِسْقِ، هـ، ر: أَوِ الْفِسْقِ. (¬2) ن، أ، و، هـ: الْمُتَوَالُونَ، ب: الْمُوَالُونَ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: عَلَيْهِ. (¬5) أ، ب: الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي. (¬6) ن، م: لَكِنْ لَمْ يَتِمَّ اسْتِمْرَارُ ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ. . (¬7) أ، ب، م، و: وَلَمْ يَخْلَعْهُ مِنْ عَهْدِهِ، ن: وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ عَهْدِهِ. وَيَذْكُرُ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي أَحْدَاثِ سَنَةِ: 201 هـ أَنَّ الْمَأْمُونَ جَعَلَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى وَلِيَّ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنَّ هَذَا أَدَّى إِلَى خُرُوجِ الْعَبَّاسِيِّينَ عَلَيْهِ وَخَلْعِهِمْ لَهُ. وَفِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ بَايَعَ أَهْلُ بَغْدَادَ عَمَّ الْمَأْمُونِ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ الْمَهْدِيِّ، وَفِي سَنَةِ 203 تُوُفِّيَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا وَخَلَعَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ الْمَهْدِيِّ وَبَايَعُوا الْمَأْمُونَ بِالْخِلَافَةِ مِنْ جَدِيدٍ. انْظُرْ: الطَّبَرِيَّ 8/554 - 571، الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 6/116 - 121، الْأَعْلَامَ 5/178.

حُجَّةً، كَانَ فِعْلُهُ الثَّانِي حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُذْكَرَ مِثْلُ هَذَا فِي مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ جُهَّالٌ بِحَقِيقَةِ الْمَنَاقِبِ وَالْمَثَالِبِ، وَالطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا ذَلِكَ (¬1) . وَلِهَذَا يَسْتَشْهِدُونَ بِأَبْيَاتِ أَبِي نُوَاسٍ، وَهِيَ لَوْ كَانَتْ صِدْقًا لَمْ تَصْلُحْ أَنْ تُثْبِتَ فَصَائِلَ شَخْصٍ بِشَهَادَةِ شَاعِرٍ مَعْرُوفٍ بِالْكَذِبِ وَالْفُجُورِ الزَّائِدِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى خِبْرَةٍ بِأَيَّامِ النَّاسِ، فَكَيْفَ وَالْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَاسِدٌ؟ ! فَإِنَّهُ قَالَ: - قُلْتُ لَا أَسْتَطِيعُ مَدْحَ إِمَامٍ كَانَ جِبْرِيلُ خَادِمًا لِأَبِيهِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا وَصْفٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ (* جَمِيعِ مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الرُّسُلِ، وَجَمِيعُ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ يُشَارِكُونَهُ فِي هَذَا، فَأَيُّ مَزِيَّةٍ (¬2) لَهُ فِي هَذَا حَتَّى يَكُونَ بِهَا إِمَامًا دُونَ أَمْثَالِهِ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي هَذَا الْوَصْفِ؟ ! ثُمَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَمْدَحُ أَحَدًا *) (¬3) مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ أَصْلًا، لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ مُشْتَرَكٌ [بَيْنَهُمْ، ثُمَّ كَوْنُ الرَّجُلِ (¬4) مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ] (¬5) بَيْنَ النَّاسِ [فَإِنَّ النَّاسَ] (¬6) ¬

(¬1) نَقَلَ الْأُسْتَاذُ إِحْسَان إِلَهِي ظَهِير فِي كِتَابِهِ " الشِّيعَةُ وَأَهْلُ الْبَيْتِ " ص 290 - 292، ط. إِدَارَةِ تُرْجُمَانِ السُّنَّةِ، هُورَ، بَاكِسْتَانَ، الطَّبْعَةِ الثَّالِثَةِ 1403/1983 أَنَّ الرَّافِضَةَ ذَكَرُوا فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ (كِتَابِ الِاسْتِبْصَارِ، 3/343) أَنَّ الرِّضَا كَانَ يَرَى جَوَازَ إِتْيَانِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا، كَمَا نَسَبُوا إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْشَقُ ابْنَةَ عَمِّ الْمَأْمُونِ وَهَى تَعْشَقُهُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَالِمُهُمُ ابْنُ بَابَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ " عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَا " 1/17، 18. (¬2) ن: مَيْزَةٍ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ: مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ أَصْلًا، لِأَنَّ هَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ مِنْ كَوْنِ الرَّجُلِ، ب: مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ، لِأَنَّ كَوْنَ الرَّجُلِ. . . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) عِبَارَةُ " فَإِنَّ النَّاسَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

كلام الرافضي على محمد بن علي الجواد والرد عليه

كُلَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬1) ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ: يَهُودِيُّهُمْ وَغَيْرُ يَهُودِيِّهِمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَأَيْضًا فَتَسْمِيَةُ جِبْرِيلَ رَسُولِ اللَّهِ [إِلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬2) خَادِمًا لَهُ (¬3) عِبَارَةُ مَنْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَدْرَ إِرْسَالِ اللَّهِ لَهُمْ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ غَالِبُ حُجَجِهِمْ أَشْعَارٌ تَلِيقُ بِجَهْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ، وَحِكَايَاتٌ مَكْذُوبَةٌ تَلِيقُ بِجَهْلِهِمْ وَكَذِبِهِمْ، وَمَا يُثْبِتُ أُصُولَ (¬4) الدِّينِ بِمِثْلِ هَذِهِ (¬5) الْأَشْعَارِ، إِلَّا مَنْ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ أُولِي (¬6) الْأَبْصَارِ. [كَلَامُ الرَّافِضِيُّ على مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوَادُ والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬7) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬8) : " وَكَانَ وَلَدُهُ (¬9) مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوَادُ (¬10) عَلَى مِنْهَاجِ أَبِيهِ فِي الْعِلْمِ وَالتُّقَى وَالْجُودِ (¬11) ، وَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُ الرِّضَا شُغِفَ بِحُبِّهِ الْمَأْمُونُ (¬12) ، لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَوُفُورِ عَقْلِهِ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ، وَأَرَادَ ¬

(¬1) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. وَعِبَارَةُ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ر، ص، هـ: أَصِلُ. (¬5) أ، ب: بِهَذِهِ. (¬6) هـ: مِنْ أَهْلِ. . (¬7) ر، ص، هـ: الْفَصْلُ الْعَاشِرُ. (¬8) الْكَلَامُ التَّالِي فِي ص [0 - 9] 03 (م) - 104 (م) . (¬9) وَلَدُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) (ب) ، (ص) ، (هـ) . (¬10) ك: مُحَمَّدٌ الْجَوَادُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬11) أ، ب: وَالْجُودِ وَالتُّقَى. (¬12) ك: الرِّضَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شُغِفَ بِهِ الْمَأْمُونُ.

أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ أُمَّ الْفَضْلِ، وَكَانَ قَدْ زَوَّجَ أَبَاهُ الرِّضَا [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬1) بِابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبٍ (¬2) ، فَغَلُظَ ذَلِكَ عَلَى الْعَبَّاسِيِّينَ وَاسْتَنْكَرُوهُ (¬3) وَخَافُوا أَنْ يَخْرُجَ الْأَمْرُ مِنْهُمْ (¬4) ، وَأَنْ يُبَايِعَهُ كَمَا بَايَعَ أَبَاهُ، فَاجْتَمَعَ الْأَدْنَوْنَ مِنْهُمْ (¬5) وَسَأَلُوهُ تَرْكَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّهُ صَغِيرُ السِّنِّ (¬6) لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَنَا أَعْرَفُ [مِنْكُمْ] بِهِ (¬7) ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَامْتَحِنُوهُ، فَرَضُوا بِذَلِكَ، وَجَعَلُوا لِلْقَاضِي يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ مَالًا كَثِيرًا عَلَى امْتِحَانِهِ (¬8) فِي مَسْأَلَةٍ يُعَجِّزُهُ فِيهَا، فَتَوَاعَدُوا إِلَى يَوْمٍ، وَأَحْضَرَهُ (¬9) الْمَأْمُونُ، وَحَضَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةُ الْعَبَّاسِيِّينَ، فَقَالَ الْقَاضِي: أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬10) : سَلْ (¬11) . ¬

(¬1) عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي (ك) ، (و) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: زَوَّجَ أَبَاهُ ابْنَتَهُ أُمَّ حَبِيبٍ. وَفِي (ن) ، (م) : أُمَّ حَبِيبَةَ. (¬3) و، ر، ص، هـ: وَاسْتَكْبَرُوهُ. (¬4) ك: مِنْ يَدِهِ. وَهُوَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى، الْمُلَقَّبُ بِالْجَوَادِ، الْإِمَامُ التَّاسِعُ عِنْدَ الرَّافِضَةِ. وُلِدَ فِي الْمَدِينَةِ سَنَةَ: 195 وَانْتَقَلَ مَعَ وَالِدِهِ إِلَى بَغْدَادَ حَيْثُ كَفَلَهُ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُونُ بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدِهِ الرِّضَا، وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ أُمَّ الْفَضْلِ، وَتُوُفِّيَ فِي بَغْدَادَ سَنَةَ: 220. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَارِيخِ بَغْدَادَ 3/54 - 55، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/315، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/48، الْأَعْلَامِ 7/155. (¬5) أ، ب، و، هـ، ر، ص، م: مِنْهُ. (¬6) السِّنِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬7) أَعْرَفُ مِنْكُمْ بِهِ: كَذَا فِي (ر) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَعْرَفُ بِهِ مِنْكُمْ. وَسَقَطَتْ " مِنْكُمْ " مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬8) ن، م: عَلَى اخْتِبَارِهِ. (¬9) ك (ص [0 - 9] 04 م) : فَأَحْضَرَهُ. (¬10) لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ك) : فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَقَالَ لَهُ. (¬11) ك: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ.

فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْدًا؟ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬1) قَتَلَهُ فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا (¬2) ، مُبْتَدِئًا بِقَتْلِهِ أَوْ عَائِدًا، مِنْ صِغَارِ الصَّيْدِ كَانَ أَمْ مِنْ كِبَارِهَا (¬3) ، عَبْدًا كَانَ الْمُحْرِمُ أَوْ حُرًّا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، مِنْ ذَوَاتِ الطَّيْرِ كَانَ الصَّيْدُ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا؟ فَتَحَيَّرَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَبَانَ الْعَجْزُ فِي وَجْهِهِ، حَتَّى عَرَفَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ أَمْرَهُ، فَقَالَ (¬4) الْمَأْمُونُ لِأَهْلِ بَيْتِهِ: عَرَفْتُمُ الْآنَ مَا كُنْتُمْ تُنْكِرُونَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ الْإِمَامُ فَقَالَ (¬5) : أَتَخْطُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: اخْطُبْ لِنَفْسِكَ خُطْبَةَ النِّكَاحِ، فَخَطَبَ وَعَقَدَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ جِيَادًا (¬6) كَمَهْرِ [جَدَّتِهِ] فَاطِمَةَ (¬7) عَلَيْهَا السَّلَامُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا ". وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ (¬8) مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْجَوَادَ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ بَنِي هَاشِمٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّخَاءِ وَالسُّؤْدُدِ. وَلِهَذَا سُمِّيَ الْجَوَادَ، وَمَاتَ وَهُوَ شَابُّ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ أَوْ سَنَةَ ¬

(¬1) فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَذَا فِي (و) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَقَالَ لَهُ. وَفِي (ك) فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬2) ب: عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، ر، ص: عَالِمًا بِقَتْلِهِ أَوْ جَاهِلًا. (¬3) أ، ب: مِنْ صِغَارِ الصَّيْدِ أَوْ مِنْ كِبَارِهَا. (¬4) ك: أَمْرَهُ، وَطَلَبَ الْمَفَرَّ مِنْهُ وَمِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَمِنَ الْخَلِيفَةِ وَمِمَّنْ رَآهُ، فَسَكَتَ الْمَأْمُونُ سَاعَةً، وَبَعْدَ ذَلِكَ رَفَعَ رَأْسَهُ نَحْوَ الْأَقَارِبِ وَالْحَاضِرِينَ، فَقَالَ. . . (¬5) ك: عَلَى الْإِمَامِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ. . (¬6) أ، ب، ك: جِيَادٍ. (¬7) كَمَهْرِ جَدَّتِهِ فَاطِمَةَ: كَذَا فِي (ك) . وَفِي جَمِيعِ النُّسَخِ: مَهْرِ فَاطِمَةَ. . . (¬8) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .

تِسْعَ عَشْرَةَ، وَكَانَ الْمَأْمُونُ زَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ، وَكَانَ يُرْسِلُ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَاسْتَقْدَمَهُ الْمُعْتَصِمُ (¬1) إِلَى بَغْدَادَ، وَمَاتَ بِهَا (¬2) . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ مِنْ نَمَطِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَيْسَ لَهُمْ عَقْلٌ صَرِيحٌ وَلَا نَقْلٌ صَحِيحٌ، وَلَا يُقِيمُونَ حَقًّا، وَلَا يَهْدِمُونَ بَاطِلًا، لَا بِحُجَّةٍ وَبَيَانٍ (¬3) ، وَلَا بِيَدٍ وَسِنَانٍ (¬4) ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ (¬5) مَا يُثْبِتُ فَضِيلَةَ (¬6) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، فَضْلًا عَنْ ثُبُوتِ إِمَامَتِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ الَّتِي حَكَاهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ (¬7) مِنَ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي لَا يَفْرَحُ بِهَا إِلَّا الْجُهَّالُ (¬8) ، وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ كَانَ (¬9) أَفْقَهَ [وَأَعْلَمَ] (¬10) وَأَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَطْلُبَ تَعْجِيزَ شَخْصٍ بِأَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْدًا، فَإِنَّ صِغَارَ (¬11) الْفُقَهَاءِ يَعْلَمُونَ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَيْسَتْ مِنْ دَقَائِقِ الْعِلْمِ وَلَا غَرَائِبِهِ، وَلَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُبَرَّزُونَ فِي الْعِلْمِ. ثُمَّ مُجَرَّدُ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تَقْسِيمُ أَحْوَالِ الْقَاتِلِ، لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ حُكْمِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، [وَمُجَرَّدُ التَّقْسِيمِ لَا يَقْتَضِي الْعِلْمَ بِأَحْكَامِ الْأَقْسَامِ] (¬12) وَإِنَّمَا ¬

(¬1) أ، ب: الْمُعْتَضِدُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ، ب: بِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬3) أ، ب: بَاطِلًا بِحُجَّةٍ وَلَا بَيَانٍ. (¬4) ن، م: بِيَدٍ وَلِسَانٍ، أ، ب: بِيَدٍ وَلَا سِنَانٍ. (¬5) أ، ب: لَيْسَ لَهُمْ فِيمَا ذَكَرَهُ. . (¬6) ب (فَقَطْ) : ثُبُوتُ فَضِيلَةِ. (¬7) بَعْدَ " يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ " يُوجَدُ وَرَقَةٌ نَاقِصَةٌ فِي نُسْخَةِ (ر) . (¬8) أ، ب: إِلَّا جَاهِلٌ. (¬9) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) وَأَعْلَمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬11) فَإِنَّ صِغَارَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: صِغَارُ. (¬12) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

يَدُلُّ - إِنْ دَلَّ - عَلَى حُسْنِ السُّؤَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ سُئِلَ أَحْسَنَ أَنْ يُجِيبَ. ثُمَّ إِنْ كَانَ ذِكْرُ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ وَاجِبًا، فَلَمْ يَسْتَوْفِ الْأَقْسَامَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِ بَعْضِهَا، فَإِنَّهُ (¬1) مِنْ جُمْلَةِ الْأَقْسَامِ أَنْ يُقَالَ: مُتَعَمِّدًا كَانَ أَوْ مُخْطِئًا؟ . وَهَذَا التَّقْسِيمُ أَحَقُّ بِالذِّكْرِ مِنْ قَوْلِهِ: " عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا " فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتَعَمِّدِ وَالْمُخْطِئِ ثَابِتٌ فِي الْإِثْمِ (¬2) بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَفِي لُزُومِ الْجَزَاءِ فِي الْخَطَأِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، فَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَهِيَ (¬3) إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. قَالُوا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 95] ، فَخَصَّ الْمُتَعَمِّدَ بِإِيجَابِ (¬4) الْجَزَاءِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُخْطِئَ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَالنَّصُّ إِنَّمَا أَوْجَبَ (¬5) عَلَى الْمُتَعَمِّدِ، فَبَقِيَ الْمُخْطِئُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الْحُكْمِ بِالْمُتَعَمِّدِ يَقْتَضِي انْتِقَاءَهُ عَنِ الْمُخْطِئِ فَإِنَّ هَذَا مَفْهُومُ صِفَةٍ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَاصَّ بَعْدَ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ كَانَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ} يُبَيِّنُ (¬6) الْحُكْمَ مَعَ الْإِيجَازِ، فَإِذَا ¬

(¬1) ب، ص: فَإِنَّ. (¬2) ب (فَقَطْ) : بِالْإِثْمِ. (¬3) أ، ب، ص، هـ، و: وَهُوَ. (¬4) أ، ب: بِوُجُوبِ. (¬5) ب (فَقَطْ) : وَجَبَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) أ، ب: بَيَّنَ.

قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} فَزَادَ اللَّفْظُ وَنَقَصَ الْمَعْنَى كَانَ هَذَا مِمَّا يُصَانُ عَنْهُ كَلَامُ أَدْنَى النَّاسِ حِكْمَةً، فَكَيْفَ بِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ خَيْرُ الْكَلَامِ وَأَفْضَلُهُ، وَفَضْلُهُ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ؟ ! . وَالْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُخْطِئِ يُثْبِتُونَ ذَلِكَ بِعُمُومِ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى قَتْلِ الْخَطَأِ فِي الْآدَمِيِّ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا خَصَّ اللَّهُ الْمُتَعَمِّدَ (¬1) بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُتَعَمِّدُ (¬2) وَهُوَ الْوَعِيدُ بِقَوْلِهِ (¬3) : {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} ، [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 95] ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْجَزَاءَ وَالِانْتِقَامَ، كَانَ الْمَجْمُوعُ مُخْتَصًّا بِالْمُتَعَمِّدِ، وَإِذَا كَانَ الْمَجْمُوعُ مُخْتَصًّا بِالْمُتَعَمِّدِ (¬4) ، لَمْ يَلْزَمْ أَلَّا يَثْبُتَ (¬5) بَعْضُهُ مَعَ عَدَمِ الْعَمْدِ (¬6) . مِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 101] فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْقَصْرِ قَصْرَ الْعَدَدِ وَقَصْرَ الْأَرْكَانِ، وَهَذَا الْقَصْرُ الْجَامِعُ لِلنَّوْعَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّفَرِ وَالْخَوْفِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنِ الِاخْتِصَاصِ الْمَجْمُوعِ ¬

(¬1) أ، ب: إِنَّمَا خَصَّ الْمُعْتَمِّدَ. . الْخَ. (¬2) أ، ب: مَا يُخَصُّ بِهِ الْمُعْتَمِدُ، ن، م: مَا يَخْتَصُّ الْعَامِدُ، و: مَا يُخَصُّ بِالْمُتَعَمِّدِ. (¬3) أ، ب: لِقَوْلِهِ. (¬4) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَثْبُتَ. (¬6) انْظُرْ حُكْمَ صَيْدِ الْمُحْرِمِ فِي: الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ 3/310 - 314، نَيْلِ الْأَوْطَارِ لِلشَّوْكَانِيِّ 5/84 - 86 (ط. الْمُنِيرِيَّةِ، الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ، 1344) ، مُنْتَهَى الْإِرَادَاتِ لِابْنِ النَّجَّارِ 1/253 - 257 (ط. دَارِ الْعُرُوبَةِ، 1381/1961) .

بِالْأَمْرَيْنِ (¬1) أَنْ لَا يَثْبُتَ أَحَدُهُمَا مَعَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ. وَكَذَلِكَ (¬2) كَانَ يَنْبَغِي لَهُ (¬3) أَنْ يَسْأَلَهُ: أَقَتَلَهُ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِإِحْرَامِهِ أَوْ نَاسٍ (¬4) ؟ فَإِنَّ فِي النَّاسِي مِنَ النِّزَاعِ (¬5) أَعْظَمُ مِمَّا فِي الْجَاهِلِ. وَيَسْأَلُهُ: أَقَتَلَهُ (¬6) لِكَوْنِهِ صَالَ عَلَيْهِ؟ أَوْ لِكَوْنِهِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ لِمَخْمَصَةٍ (¬7) ؟ أَوْ قَتَلَهُ اعْتِبَاطًا (¬8) بِلَا سَبَبٍ؟ . وَأَيْضًا فَإِنَّ [فِي] (¬9) هَذِهِ التَّقَاسِيمِ مَا يُبَيِّنُ جَهْلَ السَّائِلِ (¬10) ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ مَنْ يَكُونُ إِمَامًا مَعْصُومًا عَنْ هَذَا الْجَهْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَفِي حِلٍّ قَتَلَهُ أَمْ فِي حَرَمٍ؟ فَإِنَّ الْمُحَرِمَ إِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ (¬11) بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالصَّيْدُ الْحَرَمِيُّ يَحْرُمُ قَتْلُهُ عَلَى الْمُحِلِّ وَالْمُحْرِمِ، فَإِذَا كَانَ مُحْرِمًا وَقَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا تَوَكَّدَتِ الْحُرْمَةُ، لَكِنَّ الْجَزَاءَ وَاحِدٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مُبْتَدِئًا أَوْ عَائِدًا " فَإِنَّ هَذَا فَرْقٌ ضَعِيفٌ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ إِلَّا شَاذٌّ مِنْ أَهْلِ (¬12) الْعِلْمِ. ¬

(¬1) أ: مِنِ الِاخْتِصَاصِ الْمَجْمُوعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، ب: مِنِ الِاخْتِصَاصِ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، ن، م، و: مِنِ اخْتِصَاصِ الْمَجْمُوعِ بِالْأَمْرَيْنِ. (¬2) أ، ب: وَلِذَلِكَ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) ، (ص) ، (و) . (¬4) ص: حَرَامَهُ هُوَ أَوْ نَاسِيًا، أ: لِإِحْرَامِهِ هُوَ أَوْ نَاسِي. (¬5) أ: فَإِنَّ فِي النَّاسِ نِزَاعٌ، ب: فَإِنَّ فِي النَّاسِ نِزَاعًا. (¬6) أ، ب: هَلْ قَتَلَهُ. (¬7) أ، ب: اضْطُرَّ إِلَى مَخْمَصَةٍ. (¬8) أ، ب: أَوْ قَتَلَهُ عَبَثًا ظُلْمًا. (¬9) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ن، م: جَهْلَ الْجَاهِلِ. (¬11) أ، ب: سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَمْ فِي الْحَرَمِ. (¬12) أ، ب: إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ. .

وَأَمَّا الْجَمَاهِيرُ فَعَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَعَلَى الْعَائِدِ. وَقَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} ، قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ مَنْ عَادَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، بَعْدَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. كَمَا قَالَ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 22] . وَقَوْلُهُ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 23] وَقَوْلُهُ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 38] . يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ: عَفَا اللَّهُ عَنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، لَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءً وَلَا انْتَقَمَ مِنْهُ، وَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَقَالَ: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 95] فَمَنْ أَذَاقَهُ اللَّهُ وَبَالَ أَمْرِهِ، كَيْفَ يَكُونُ قَدْ عَفَا عَنْهُ؟ . وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: {عَمَّا سَلَفَ} لَفْظٌ عَامٌّ، وَاللَّفْظُ الْعَامُّ الْمُجَرَّدُ عَنْ قَرَائِنِ التَّخْصِيصِ، لَا يُرَادُ بِهِ (¬1) مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ: عَفَا اللَّهُ عَنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: (وَمَنْ عَادَ) يُرَادُ بِهِ الْعَوْدُ إِلَى الْقَتْلِ، فَإِنَّ انْتِقَامَ اللَّهِ مِنْهُ إِذَا عَادَ لَا يُسْقِطُ الْجَزَاءَ عَنْهُ، فَإِنَّ تَغْلِيظَ الذَّنْبِ لَا يُسْقِطُ الْوَاجِبَ (¬2) كَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بَعْدَ نَفْسٍ (¬3) لَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ قَوَدًا (¬4) وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً. ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) عِنْدَ عِبَارَةِ " لَا يُسْقِطُ الْوَاجِبَ " تَعُودُ نُسْخَةُ (ر) بَعْدَ الصَّفْحَةِ الْمَفْقُودَةِ. (¬3) و: بِغَيْرِ حَقٍّ. (¬4) أ، ب: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ قَوَدٌ. .

وَقَوْلُهُ: " إِنَّ مَهْرَ فَاطِمَةَ كَانَ (¬1) خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ " لَا يَثْبُتُ (¬2) وَإِنَّمَا الثَّابِتُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصْدِقِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتِ (¬3) امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ» : اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشٍّ، وَالنَّشُّ هُوَ النِّصْفُ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ (¬4) . لَكِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوَّجَهُ بِهَا النَّجَاشِيُّ، فَزَادَ الصَّدَاقَ مِنْ عِنْدِهِ (¬5) . وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا ثَابِتًا أَوْ لَمْ يَكُنْ (¬6) ثَابِتًا فَتَحَرِّي تَخْفِيفِ (¬7) الصَّدَاقِ سُنَّةٌ. وَلِهَذَا اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى ¬

(¬1) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) ، (هـ) ، (ر) . (¬2) ب (فَقَطْ) : لَمْ يَثْبُتْ. (¬3) أ، ب، ر، هـ، ص: أَصْدَقَ. (¬4) فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/316 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ الصَّدَاقِ) عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ: أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً. عَنْ عَائِشَةَ فِي الْكِتَابِ وَالْبَابِ السَّابِقَيْنِ 2/315316 عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صَدَاقِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَتْ ثِنْتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشٌّ. فَقُلْتُ: وَمَا نَشٌّ؟ قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ. وَانْظُرِ الْأَثَرَيْنِ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/607 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ صَدَاقِ النِّسَاءِ) الدَّارِمِيِّ 2/141 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ كَمْ كَانَتْ مُهُورُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَنَاتِهِ) . وَانْظُرْ حَدِيثَ عُمَرَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/227. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " (¬5) فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/316 عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَزَوَّجَهَا النَّجَّاشِيُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ. وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/97 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ الْقِسْطِ فِي الْأَصْدِقَةِ) وَزَادَ: " وَلَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ، وَكَانَ مَهْرُ نِسَائِهِ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/427. (¬6) أ، ب: سَوَاءٌ كَانَ هَذَا ثَابِتًا أَمْ لَمْ يَكُنْ. . . (¬7) أ: فَيَجْزِي تَخْفِيفُ، ب: فَتَخْفِيفُ.

كلام الرافضي على علي الهادي ولد محمد بن علي الجواد

صَدَاقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنِسَائِهِ وَبَنَاتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أَصْدَقَ فَاطِمَةَ دِرْعَهُ. وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ (¬1) فَضْلًا عَنْ إِمَامَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ (¬2) فَضَائِلُ ثَابِتَةٌ بِدُونِ هَذَا (¬3) . [كلام الرافضي على علي الهادي ولد محمد بن علي الجواد] فَصْلٌ (¬4) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " وَكَانَ وَلَدُهُ عَلِيٌّ الْهَادِي (¬6) ، وَيُقَالُ لَهُ: الْعَسْكَرِيُّ، لِأَنَّ الْمُتَوَكِّلَ أَشْخَصَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى، فَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ عِنْدَهَا (¬7) يُقَالُ لَهُ: الْعَسْكَرُ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى فَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ سَنَةً وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا ¬

(¬1) ن، م: فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرِ، أ، و: فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، ص: فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ، ب: فِي وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ. . (¬2) أ، ب، ن، م: لَهُ. (¬3) أ، ب، ن، م: هَذِهِ. (¬4) هـ، ر، ص: الْفَصْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ. (¬5) الْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 104 (م) 106 (م) . (¬6) ك: وَكَانَ وَلَدُهُ الْهَادِي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، الْمُلَقَّبُ بِالْهَادِي، الْإِمَامُ الْعَاشِرُ عِنْدَ الرَّافِضَةِ، وُلِدَ فِي الْمَدِينَةِ سَنَةَ: 214 وَاسْتَقْدَمَهُ الْمُتَوَكِّلُ إِلَى بَغْدَادَ وَأَنْزَلَهُ فِي سَامَرَّاءَ حَيْثُ تُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ: 254. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَارِيخِ بَغْدَادَ 12/5657، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/128129، الْعِبَرِ 2/6، الْأَعْلَامِ 5/140. (¬7) أ، ب: مِنْهَا.

أَشْخَصَهُ الْمُتَوَكِّلُ، لِأَنَّهُ كَانَ يُبْغِضُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1) ، فَبَلَغَهُ مُقَامُ عَلِيٍّ بِالْمَدِينَةِ (¬2) ، وَمَيْلُ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَخَافَ مِنْهُ، فَدَعَا يَحْيَى بْنَ هُبَيْرَةَ وَأَمَرَهُ بِإِحْضَارِهِ (¬3) ، فَضَجَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِذَلِكَ خَوْفًا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ (¬4) مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ، مُلَازِمًا لِلْعِبَادَةِ (¬5) فِي الْمَسْجِدِ، فَحَلَفَ يَحْيَى أَنَّهُ لَا مَكْرُوهَ عَلَيْهِ (¬6) ، ثُمَّ فَتَّشَ مَنْزِلَهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ سِوَى (¬7) مَصَاحِفَ وَأَدْعِيَةً (¬8) وَكُتُبَ الْعِلْمِ، فَعَظُمَ فِي عَيْنِهِ، وَتَوَلَّى خِدْمَتَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ بَدَأَ بِإِسْحَاقَ (¬9) بْنِ إِبْرَاهِيمَ [الطَّائِيِّ] (¬10) وَالِي بَغْدَادَ. فَقَالَ لَهُ: يَا يَحْيَى هَذَا الرَّجُلُ قَدْ وَلَدَهُ (¬11) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمُتَوَكِّلُ مَنْ تَعْلَمُ، فَإِنْ حَرَّضْتَهُ (¬12) عَلَيْهِ قَتَلَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) ك:. . الْمُتَوَكِّلُ مِنَ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ كَانَ يُبْغِضُ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬2) ك: عَلِيٍّ النَّقِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْمَدِينَةِ. (¬3) ك: وَدَعَا يَحْيَى بْنَ هَرْثَمَةَ وَأَمَرَهُ بِإِشْخَاصِهِ. (¬4) ك: لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ. . . (¬5) أ، ب: لِلصَّلَاةِ. (¬6) أ، ب: يَحْيَى بْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَيْهِ. (¬7) أ، ب: إِلَّا. (¬8) ك: الْمَصَاحِفِ وَالْأَدْعِيَةِ. (¬9) أ، ب: بِأَبِي إِسْحَاقَ. (¬10) الطَّائِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ك) ص 105 (م) : الظَّاهِرِيِّ. (¬11) ب (فَقَطْ) : مِمَّنْ وَلَدَهُ. (¬12) ك: فَإِنْ عَرَضْتَهُ. .

خَصْمَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: وَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ (¬1) مِنْهُ إِلَّا عَلَى خَيْرٍ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى الْمُتَوَكِّلِ أَخْبَرْتُهُ بِحُسْنِ سِيرَتِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ، فَأَكْرَمَهُ الْمُتَوَكِّلُ، ثُمَّ مَرِضَ الْمُتَوَكِّلُ فَنَذَرَ إِنْ عُوفِيَ تَصَدَّقَ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ [عَنْ ذَلِكَ] (¬2) فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ جَوَابًا، فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ الْهَادِي (¬3) ، فَسَأَلَهُ (¬4) فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، فَسَأَلَهُ الْمُتَوَكِّلُ عَنِ السَّبَبِ، فَقَالَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 25] ، وَكَانَتِ الْمَوَاطِنُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ (¬5) ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً (¬6) وَبَعَثَ سِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً. قَالَ الْمَسْعُودِيُّ (¬7) : نُمِيَ (¬8) إِلَى الْمُتَوَكِّلِ بِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (¬9) أَنَّ فِي مَنْزِلِهِ سِلَاحًا مِنْ شِيعَتِهِ مِنْ أَهْلِ قُمَّ، وَأَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى الْمُلْكِ (¬10) ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ جَمَاعَةً مِنَ ¬

(¬1) ك: مَا وَقَفْتُ. . (¬2) عَنْ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) ك، و: الْهَادِي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬4) فَسَأَلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬5) ن (فَقَطْ) : وَكَانَتْ هَذِهِ الْمَوَاطِنُ الْجُمْلَةَ. (¬6) أ، ب: غَزْوَةً. (¬7) فِي كِتَابِهِ " مُرُوجِ الذَّهَبِ وَمَعَادِنِ الْجَوْهَرِ " 4/9394، تَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّين عَبْد الْحَمِيد رَحِمَهُ اللَّهُ، الطَّبْعَةِ الثَّالِثَةِ، 1377/1958. (¬8) أ، ب: وَنُمِيَ، وَفِي " مُرُوجِ الذَّهَبِ ": سُعِيَ. (¬9) ك: بِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬10) ك: إِلَى الْمُلْكِ.

الْأَتْرَاكِ، فَهَجَمُوا دَارَهُ (¬1) لَيْلًا فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا شَيْئًا، وَوَجَدُوهُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ (¬2) وَهُوَ يَقْرَأُ (¬3) وَعَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الرَّمْلِ وَالْحَصَى مُتَوَجِّهًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُو (¬4) الْقُرْآنَ، فَحُمِلَ عَلَى حَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ (¬5) وَهُوَ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ، وَالْكَأْسُ فِي يَدِ الْمُتَوَكِّلِ، فَعَظَّمَهُ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، وَنَاوَلَهُ الْكَأْسَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ (¬6) مَا خَامَرَ لَحْمِي وَدَمِي قَطُّ (¬7) فَأَعْفِنِي، فَأَعْفَاهُ (¬8) وَقَالَ لَهُ: أَسْمِعْنِي صَوْتًا، فَقَالَ (¬9) : {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} الْآيَاتِ [سُورَةُ الدُّخَانِ: 25] فَقَالَ: أَنْشِدْنِي شِعْرًا، فَقَالَ: إِنِّي قَلِيلُ الرِّوَايَةِ لِلشِّعْرِ، فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْشَدَهُ: بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ (¬10) تَحْرُسُهُمْ غُلْبُ الرِّجَالِ فَمَا أَغْنَتْهُمُ (¬11) الْقُلَلُ ¬

(¬1) ص: فَهَجَمُوا عَلَى دَارِهِ. . (¬2) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ك: وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ. (¬4) يَتْلُو: كَذَا فِي (و) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَقْرَأُ. (¬5) فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ: كَذَا فِي (ر) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ. (¬6) ن، م، و: تَاللَّهِ، هـ، ر، بِاللَّهِ. (¬7) قَطُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬8) أ: فَعَفَى عَنْهُ، ب: فَأَعْفَاهُ عَنْهُ. (¬9) و، ك: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ن، هـ: فَقَالَ لَهُ. (¬10) ك، ص: قُلَلِ الْجِبَالِ، ر: قُلَلٍ أَجْبَالٍ، أ: الْقُلَلِ الْأَجْبَالِ، و: قُلَلِ الْأَجْيَالِ. (¬11) ص: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمُ الْقُلَلُ.

وَاسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍّ مِنْ (¬1) مَعَاقِلِهِمْ ... وَأُسْكِنُوا (¬2) حُفَرًا يَا بِئْسَ مَا نَزَلُوا نَادَاهُمُ صَارِخٌ (¬3) مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمُ ... أَيْنَ الْأَسِرَّةُ (¬4) وَالتِّيجَانُ وَالْحُلَلُ أَيْنَ الْوُجُوهُ الَّتِي كَانَتْ مُنَعَّمَةً ... مِنْ دُونِهَا تُضْرَبُ الْأَسْتَارُ وَالْكِلَلُ فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ عَنْهُمْ حِينَ سَاءَلَهُمْ (¬5) تِلْكَ الْوُجُوهُ عَلَيْهَا الدُّودُ يَقْتَتِلُ (¬6) قَدْ طَالَ مَا أَكَلُوا دَهْرًا وَمَا شَرِبُوا (¬7) فَأَصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الْأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا. فَبَكَى الْمُتَوَكِّلُ حَتَّى بَلَّتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ ". فَيُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ، لَمْ يَذْكُرْ مَنْقَبَةً بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ، بَلْ ذَكَرَ مَا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ مِنَ الْبَاطِلِ (¬8) ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحِكَايَةِ أَنَّ وَالِيَ بَغْدَادَ كَانَ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمِ الطَّائِيَّ، وَهَذَا مِنْ جَهْلِهِ (¬9) ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ هَذَا خُزَاعِيٌّ مَعْرُوفٌ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، كَانُوا مِنْ خُزَاعَةَ، فَإِنَّهُ (¬10) إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ أَمِيرُ خُرَاسَانَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومَةُ (¬11) سِيرَتُهُ، وَابْنُ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ كَانَ نَائِبًا عَلَى بَغْدَادَ فِي خِلَافَةِ ¬

(¬1) م، ك: عَنْ. (¬2) أ، ب: وَاسْتُبْدِلُوا. (¬3) أ، ن، و، هـ، ر، ص: صَايِحٌ. (¬4) ك: الْأَسَاوِرُ. (¬5) و، هـ، ز: سَاءَلَهُ، ص: تَسْأَلُهُ. (¬6) ك: تَنْتَقِلُ. (¬7) و، ك: وَقَدْ شَرِبُوا. (¬8) أ، ب: أَنَّهُ بَاطِلٌ. (¬9) أ، ب: مِنْ جَهْلِهِمْ. (¬10) أ، م، ص، هـ: فَإِنَّ. (¬11) أب: الْمَعْلُومُ.

الْمُتَوَكِّلِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَمَّا مَاتَ، وَإِسْحَاقُ [بْنُ إِبْرَاهِيمَ] (¬1) هَذَا كَانَ نَائِبًا لَهُمْ فِي إِمَارَةِ الْمُعْتَصِمِ وَالْوَاثِقِ وَبَعْضِ أَيَّامِ الْمُتَوَكِّلِ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْسُوا مِنْ طَيِّئٍ، وَهُمْ [أَهْلُ] (¬2) بَيْتٍ مَشْهُورُونَ (¬3) . وَأَمَّا الْفُتْيَا الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ نَذَرَ إِنْ عُوفِيَ يَتَصَدَّقُ (¬4) بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، وَأَنَّهُ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ جَوَابًا، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ أَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} ، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 25] ، وَأَنَّ الْمُوَاطِنَ كَانْتْ [هَذِهِ الْجُمْلَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا] (¬5) سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً (¬6) ، وَ [بَعَثَ] سِتًّا (¬7) وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً، فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ أَيْضًا تُحْكَى عَنْ ¬

(¬1) بْنُ إِبْرَاهِيمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أَهْلُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬3) قَالَ: ابْنُ الْعِمَادِ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/84 عَنْ وَفَيَاتِ سَنَةِ: 235: " وَفِيهَا الْأَمِيرُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ الْخُزَاعِيُّ ابْنُ عَمِّ (الصَّوَابُ: ابْنُ أَخِي) طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَلِيَ بَغْدَادَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ يُسَمَّى صَاحِبَ الْجِسْرِ، وَكَانَ صَارِمًا سَايِسًا حَازِمًا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَطْلُبُ الْعُلَمَاءَ وَيَمْتَحِنُهُمْ بِأَمْرِ الْمَأْمُونِ، مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ ". وَانْظُرْ عَنْهُ: الْعِبَرَ 1/420، الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 7/17، الْأَعْلَامَ 1/283284. وَأَمَّا ابْنُ عَمِّهِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ زُرَيْقٍ أَمِيرُ خُرَاسَانَ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ: 230. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/271275، تَارِيخِ بَغْدَادَ 9/483489، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/68، الْأَعْلَامِ 4/226227. (¬4) إِنْ عُوفِيَ يَتَصَدَّقُ: كَذَا فِي (هـ) ، (ر) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: غَزْوَةً. (¬7) وَبَعَثَ سِتًّا. . . كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَسِتًّا. .

عَلِيِّ بْنِ مُوسَى مَعَ الْمَأْمُونِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَذِبًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ جَهْلًا مِمَّنْ أَفْتَى بِذَلِكَ. فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ، أَوْ وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّ فُلَانًا دَرَاهِمَ كَثِيرَةً، أَوْ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، لَا يُحْمَلُ عَلَى ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْحُجَّةُ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ لِوُجُوهٍ:. أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنَّ الْمَوَاطِنَ كَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً وَسِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً، لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَغْزُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ، بَلْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ (¬1) . الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَاللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ (¬2) بِمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ مَوَاطِنَ كَثِيرَةً، وَكَانَ بَعْدَ يَوْمِ حُنَيْنٍ غَزْوَةُ الطَّائِفِ وَغَزْوَةُ تَبُوكَ، وَكَثِيرٌ مِنَ السَّرَايَا كَانَتْ بَعْدَ [يَوْمِ] (¬3) ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي كِتَابِهِ " الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، تَحْقِيقِ مُصْطَفَى عَبْد الْوَاحِدِ 2/252 - 254 (ط. عِيسَى الْحَلَبِيِّ، 1384 1964) إِنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ سُئِلَ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ، شَهِدَ مِنْهَا سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوَّلُهُنَّ الْعَسِيرَةُ، أَوِ الْعَشِيرَةُ. . . ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ بُرَيْدَةَ قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ: أَنَّهُ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَقَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهُنَّ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ: " وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَزْهَرَ بْنِ الْقَاسِمِ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ مَغَازِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَرَايَاهُ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ: أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ بَعْثًا، وَتِسْعَ عَشْرَةَ غَزَاةً ". (¬2) أ، ب: وَاللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ. . (¬3) يَوْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ص) .

حُنَيْنٍ كَالسَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ (¬1) مِثْلِ إِرْسَالِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى ذِي الْخُلَصَةِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَجَرِيرٌ إِنَّمَا أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِ سَنَةٍ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا كَانَتْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ الْمُخْبِرَةَ عَنِ الْمَاضِي (¬2) إِخْبَارًا بِجَمِيعِ (¬3) الْمَغَازِي وَالسَّرَايَا. الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْصُرْهُمْ فِي جَمِيعِ الْمَغَازِي، بَلْ يَوْمَ أُحُدٍ تَوَلَّوْا، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ (¬4) . وَكَذَلِكَ يَوْمُ مُؤْتَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ السَّرَايَا لَمْ يَكُونُوا مَنْصُورِينَ فِيهَا، فَلَوْ كَانَ مَجْمُوعُ الْمَغَازِي وَالسَّرَايَا ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُنْصَرُوا فِيهَا كُلِّهَا، حَتَّى يَكُونَ مَجْمُوعُ مَا نُصِرُوا فِيهِ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ (¬5) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ فِي الْآيَةِ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ، فَهَذَا لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ (¬6) هَذَا الْقَدْرِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ لَفْظَ " الْكَثِيرِ " لَفْظٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْأَلْفَ وَالْأَلْفَيْنِ وَالْآلَافَ، وَإِذَا عَمَّ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَقَادِيرِ، فَتَخْصِيصُ بَعْضِ الْمَقَادِيرِ دُونَ بَعْضٍ تَحَكُّمٌ. الْخَامِسُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 245] ، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ الْحَسَنَةَ إِلَى ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (هـ) ، (ر) ، (ص) . (¬2) أ، ب: مُخْبِرَةً عَنِ الْمَاضِي، ن: مُخْبِرَةً (وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ: عَنِ الْمَاضِي) . (¬3) هـ، ر، ص، م: لِجَمِيعِ. (¬4) أ: وَكَانَ بونلا وَتَمْحِيصٌ، ب: وَكَانَ ابْتِلَاءً وَتَمْحِيصًا. (¬5) أ، ب: أَنَّهُ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ. . (¬6) أ، ب: تَخْصِيصَ.

سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَقَدْ وَرَدَ (¬1) أَنَّهُ يُضَاعِفُهَا أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ فَقَدْ سَمَّى هَذِهِ الْأَضْعَافَ كَثِيرَةً، وَهَذِهِ الْمَوَاطِنَ كَثِيرَةً. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وَالْكَثْرَةُ هَاهُنَا تَتَنَاوَلُ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَقَادِيرِ لِأَنَّ (¬2) الْفِئَاتِ الْمَعْلُومَةَ مَعَ الْكَثْرَةِ لَا تُحْصَرُ (¬3) فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ وَقَدْ تَكُونُ الْفِئَةُ الْقَلِيلَةُ أَلْفًا وَالْفِئَةُ الْكَثِيرَةُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَهِيَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَةِ عَدَدِ الْأُخْرَى. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 43] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ أَرَاهُ أَهْلَ بَدْرٍ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ، وَقَدْ سَمَّى ذَلِكَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ أَمْرٌ إِضَافِيٌّ. وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا قَالَ لَهُ: " عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ أَوْ جَلِيلٌ " هَلْ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ فَيُفَسِّرُهُ (¬4) بِمَا يُتَمَوَّلُ؟ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَوْ لَا يُقْبَلُ (¬5) تَفْسِيرُهُ إِلَّا بِمَا لَهُ قَدْرٌ خَطِيرٌ (¬6) كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِالدِّيَةِ. وَهَذَا النِّزَاعُ فِي الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ قَدْ عَلِمَهُ الْمُقِرُّ. ¬

(¬1) أ، ب: بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ. (¬2) أ، ب: فَإِنَّ. (¬3) ن: لَا تُحْصَى، و: لَا تُخَصُّ. (¬4) أ، ب: فَيُفَسَّرُ. 1 (¬5) ن، م: وَلَا نَقْبَلُ، و: أَوْ لَا نَقْبَلُ. (¬6) أ، ب: إِلَّا بِمَا لَهُ خَطَرٌ، و: وَإِلَّا بِمَا لَهُ قَدْرٌ خَطِرٌ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فَهِيَ إِنْشَاءٌ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ. وَالْأَرْجَحُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُرْجَعَ إِلَى عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ، فَمَا كَانَ يُسَمِّيهِ مِثْلُهُ كَثِيرًا، حُمِلَ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى أَقَلِّ مَحْمِلَاتِهِ (¬1) . وَالْخَلِيفَةُ إِذَا قَالَ: " دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ " فِي نَذْرٍ نَذَرَهُ، لَمْ يَكُنْ عُرْفُهُ فِي مِثْلِ هَذَا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَنَحْوَهَا، بَلْ هُوَ يَسْتَقِلُّ هَذَا وَلَا يَسْتَكْثِرُهُ، بَلْ إِذَا حُمِلَ [كَلَامُهُ] (¬2) عَلَى مِقْدَارِ الدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، كَانَ هَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ النَّفْسِ الْمُسْلِمَةِ فِي الشَّرْعِ، وَلَا يَكُونُ عِوَضُ الْمُسْلِمِ إِلَّا كَثِيرًا. وَالْخَلِيفَةُ يُحْمَلُ الْكَثِيرُ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يُحْمَلُ الْكَثِيرُ مِنْ آحَادِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ صَاحِبَ أَلْفِ دِرْهَمٍ إِذَا قَالَ: أَعْطُوا هَذَا دَرَاهِمَ كَثِيرَةً، احْتَمَلَ عَشْرَةً وَعِشْرِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (¬3) بِحَسَبِ حَالِهِ. فَمَعْنَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ هُوَ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الْإِضَافِيَّةِ، كَالْعَظِيمِ وَالْحَقِيرِ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ النَّاسِ، فَيُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ إِنْسَانٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِحَالِهِ (¬4) فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ. وَالْحِكَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنِ الْمَسْعُودِيِّ مُنْقَطِعَةُ الْإِسْنَادِ. [وَفِي تَارِيخِ الْمَسْعُودِيِّ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَكَيْفَ يُوثَقُ بِحِكَايَةٍ مُنْقَطِعَةِ الْإِسْنَادِ] (¬5) فِي كِتَابٍ قَدْ عُرِفَ بِكَثْرَةِ الْكَذِبِ؟ (¬6) مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا ¬

(¬1) ص: مُحْتَمَلَاتِهِ. (¬2) كَلَامُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: وَنَحْوَهَا. (¬4) أ، ب: بِحَالِهِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَسْعُودِيُّ، الْمُؤَرِّخُ صَاحِبُ " مُرُوجِ الذَّهَبِ "، " أَخْبَارِ الزَّمَانِ وَمِنْ إِبَادَةِ الْحَدَثَانِ " تَارِيخٍ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مُجَلَّدًا، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، أَقَامَ بِمِصْرَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ 346 وَقِيلَ: 345. تَرْجَمَ لَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " لِسَانِ الْمِيزَانِ " 4/224 225، وَقَالَ عَنْهُ: " وَكُتُبُهُ طَافِحَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ شِيعِيًّا مُعْتَزِلِيًّا. . . ". وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي: فَوَاتِ الْوَفِيَاتِ 2/94 95، طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/456 457، النُّجُومِ الزَّاهِرَةِ 3/315 316، تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/857، الْأَعْلَامِ 5/87.

كلام الرافضي على الحسن العسكري والرد عليه

الْفَضِيلَةُ إِلَّا مَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُوجَدُ فِيهِمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا. [كلام الرافضي على الْحَسَن الْعَسْكَرِيّ والرد عليه] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) : " وَكَانَ وَلَدُهُ (¬2) الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيُّ عَالِمًا زَاهِدًا فَاضِلًا عَابِدًا، أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَرَوَتْ عَنْهُ الْعَامَّةُ كَثِيرًا ". فَهَذَا مِنْ نَمَطِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الدَّعَاوَى الْمُجَرَّدَةِ، وَالْأَكَاذِيبِ الْبَيِّنَةِ (¬3) ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ الْمَعْرُوفِينَ بِالرِّوَايَةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ هَذَا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ لَيْسَتْ لَهُمْ [عَنْهُ] (¬4) رِوَايَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَشُيُوخِ [أَهْلِ] (¬5) الْكُتُبِ السِّتَّةِ (¬6) : الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ (¬7) وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَقَرِيبًا مِنْهُ: قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ. وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ أَخْبَارَ شُيُوخِ النُّبْلِ (¬8) ، يَعْنِي ¬

(¬1) فِي (ك) ص [0 - 9] 06 (م) . (¬2) أ، ن، م: وُلِدَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أ، ب: الْمُثْبَتَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) م: الْكُتُبِ السُّنَّةِ، أ، ب: كُتُبِ السُّنَّةِ. (¬7) التِّرْمِذِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (و) . (¬8) أ، هـ، ر، ص: أَسْمَاءَ شُيُوخِ النُّبْلِ، ب: أَسْمَاءَ شُيُوخِ الْكُلِّ.

كلام الرافضي على محمد بن الحسن المهدي عندهم والرد عليه

شُيُوخَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ [الْأَئِمَّةِ] (¬1) مَنْ رَوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ [هَذَا] (¬2) الْعَسْكَرِيِّ مَعَ رِوَايَتِهِمْ عَنْ أُلُوفٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: رَوَتْ عَنْهُ الْعَامَّةُ كَثِيرًا؟ وَأَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ؟ وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ " هُوَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ (¬3) . [كلام الرافضي على محمد بن الحسن المهدي عندهم والرد عليه] فَصْلٌ (¬4) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " وَوَلَدُهُ (¬6) مَوْلَانَا الْمَهْدِيُّ [مُحَمَّدٌ] (¬7) عَلَيْهِ السَّلَامُ. رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِي اسْمُهُ كَاسْمِي (¬8) وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا (¬9) ، كَمَا مُلِئَتْ ¬

(¬1) الْأَئِمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) هَذَا: زِيَادَةٌ فِي (هـ) ، (ر) ، (ص) . (¬3) أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، الْمُلَقَّبُ بِالْخَالِصِ وَبِالْعَسْكَرِيِّ، الْإِمَامُ الْحَادِي عَشَرَ عِنْدَ الرَّافِضَةِ، وُلِدَ فِي الْمَدِينَةِ سَنَةَ: 232 وَانْتَقَلَ مَعَ أَبِيهِ الْهَادِي إِلَى سَامَرَّا وَكَانَ اسْمُهَا مَدِينَةَ الْعَسْكَرِ فَقِيلَ لَهُ مِثْلَ أَبِيهِ الْعَسْكَرِيَّ، وَكَانَ صَالِحًا عَابِدًا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ: 260. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/372 373، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/141، الْعِبَرِ 2/20، الْأَعْلَامِ 2/215216. (¬4) هـ، ر، ص: الْفَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ. (¬5) فِي (ك) ص [0 - 9] 06 (م) . (¬6) ن، م: وَلَدُ، هـ، ر، ص، و: وَوُلِدَ، ك: وَكَانَ وَلَدُهُ. (¬7) مُحَمَّدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ك: اسْمُهُ اسْمِي. . (¬9) ك: الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا. .

جَوْرًا " (¬1) فَذَلِكَ هُوَ الْمَهْدِيُّ» (¬2) . فَيُقَالُ: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ (¬3) وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَنْسَابِ وَالتَّوَارِيخِ: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسْلٌ وَلَا عَقِبٌ. وَالْإِمَامِيَّةُ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَلَدٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ بِسَامَرَّا وَهُوَ صَغِيرٌ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عُمُرُهُ سَنَتَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ¬

(¬1) ك: كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا. (¬2) هـ، ر، ص: فَهُوَ الْمَهْدِيُّ، ك: فَذَلِكَ هُوَ الْمَهْدِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬3) أ، ب، و: وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ نَافِعٍ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَى الطَّبَرِيِّ فِيمَا مَضَى 1/122 وَأَشَرْتُ هُنَاكَ إِلَى أَنَّ غَرِيبَ بْنَ سَعْدٍ الْقُرْطُبِيَّ قَدْ ذَكَرَ فِي " صِلَةِ تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ " أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيَّ لَمْ يُعْقِبْ وَخُلَاصَةُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فِي " تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ " 11/49 - 50 (كِتَابُ الصِّلَةِ) أَنَّ رَجُلًا زَعَمَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَهْدِيُّ: " فَأَمَرَ الْمُقْتَدِرُ بِإِحْضَارِ ابْنِ طُومَارٍ نَقِيبِ الطَّالِبِيِّينَ وَمَشَايِخَ آلِ طَالِبٍ فَسَأَلَهُ عَنْ نِسْبَتِهِ فَزَعَمَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ الرِّضَا وَأَنَّهُ قَدِمَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ طُومَارٍ: لَمْ يُعْقِبِ الْحَسَنُ وَكَانَ قَوْمٌ يَقُولُونَ: إِنَّهُ أَعْقَبَ، وَقَوْمٌ قَالُوا: لَمْ يُعْقِبْ. . . إِلَخْ ". وَيَذْكُرُ الدُّكْتُورُ أَحْمَد صُبْحِي فِي كِتَابِهِ " نَظَرِيَّةِ الْإِمَامَةِ " ص [0 - 9] 95 396 أَنَّ أَصْحَابَ الْمَقَالَاتِ وَمُؤَرِّخِي الْفِرَقِ ذَكَرُوا أَنَّ الشِّيعَةَ قَدِ انْقَسَمُوا إِلَى مَا يَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ فِرْقَةً، وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ التِّسْعِ مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْنِ مَنْ أَجْمَعَ الشِّيعَةُ عَلَى إِمَامَتِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ يَبْلُغُ أَشُدَّهُ بَعْدَ وَفَاةِ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ، إِذْ تَرَى فِرَقٌ كَثِيرَةٌ أَنَّهُ لَمْ يُعْقِبْ، وَشَارَكَ بَعْضُ أَهْلِ السِّنَّةِ فِي هَذَا الْقَوْلِ كَابْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ مُعَارَضَةً مِنْهُمْ فِي الْعَقِيدَةِ الْمَهْدِيَّةِ بِمَفْهُومِهَا الشِّيعِيِّ، اسْتَنَدَتْ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ جَعْفَرَ ابْنَ الْهَادِي قَدْ طَالَبَ بِمِيرَاثِ أَخِيهِ الْحَسَنِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا ادَّعَى الْإِمَامَةَ بَعْدَهُ، وَتَوَقَّفَتْ طَائِفَةٌ عِنْدَ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ وَعَدَّتْهُ الْقَائِمَ الْمُنْتَظَرَ، وَذَهَبَتْ أُخْرَى إِلَى بُطْلَانِ الْإِمَامَةِ بَعْدَهُ، فَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَيَقُولُ الدُّكْتُورُ أَحْمَد صُبْحِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (ص 409) إِنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ وَابْنَ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيَّ قَدِ اسْتَنَدَا إِلَى أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ أَنْكَرَ وُجُودَ وَلَدٍ لِأَخِيهِ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ وَطَالَبَ بِاسْتِحْقَاقِ مِيرَاثِ أَخِيهِ، وَرَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى السُّلْطَانِ الْعَبَّاسِيِّ وَحَمَلَهُ عَلَى حَبْسِ جِوَارِي الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ عَدَمِ حَمْلِهِنَّ ".

قَالَ: ثَلَاثٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: خَمْسُ سِنِينَ (¬1) وَهَذَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا مَعْلُومًا، لَكَانَ الْوَاجِبُ فِي حُكْمِ اللَّهِ الثَّابِتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ¬

(¬1) إِنَّ الْإِمَامِيَّةَ الرَّافِضَةَ أَنْفُسَهُمْ يُسَجِّلُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ. يَقُولُ الْأُسْتَاذُ إِحْسَان إِلَهِي ظَهِير فِي كِتَابِهِ " الشِّيعَةُ وَأَهْلُ الْبَيْتِ " ص 294: " هَذَا وَأَمَّا الثَّانِيَ عَشَرَ الْمَوْهُومَ فَكَفَى فِيهِ الْقَوْلُ أَنَّهُمْ يُصَرِّحُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَنْفُسُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يُعْثَرْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ مَعَ كُلِّ التَّفْتِيشِ وَالتَّنْقِيبِ، ثُمَّ يَحْكُونَ حِكَايَاتٍ، وَيَنْسِجُونَ الْأَسَاطِيرَ، وَيَخْتَلِقُونَ الْقِصَصَ وَالْأَبَاطِيلَ فِي وِلَادَتِهِ وَأَوْصَافِهِ: إِمَّا مَوْجُودٌ وُلِدَ، وَإِمَّا مَعْدُومٌ لَمْ يُولَدْ؟ ". ثُمَّ يُورِدُ الْأُسْتَاذُ إِحْسَانٌ نَصًّا طَوِيلًا مِنْ كُتُبِهِمْ يَذْكُرُ أَنَّهُ فِي كِتَابِ الْحُجَّةِ لِلْكَافِي ص 505، الْإِرْشَادِ لِلْمُفِيدِ ص 339، 340، كَشْفِ الْغُمَّةِ ص 408، 409، الْفُصُولِ الْمُهِمَّةِ، ص 289، جَلَاءِ الْعُيُونِ ج [0 - 9] ص 762، إِعْلَامِ الْوَرَى، ص 377، 378. وَوَجَدْتُ هَذَا النَّصَّ عِنْدِي فِي كِتَابِ " الْأُصُولِ مِنَ الْكَافِي " لِلْكِلِينِيِّ (ط. طَهْرَانَ، 1381) فِي كِتَابِ الْحُجَّةِ، بَابُ مَوْلِدِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَهُوَ مِنْ ص 503 506. وَسَنَدُ هَذَا الْخَبَرِ فِي الْكَافِي هُوَ: " الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خَاقَانَ عَلَى الضِّيَاعِ وَالْخَرَاجِ بِقُمَّ، فَجَرَى فِي مَجْلِسِهِ يَوْمًا ذِكْرُ الْعَلَوِيَّةِ وَمَذَاهِبِهِمْ، وَكَانَ شَدِيدَ النَّصْبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ وَلَا عَرَفْتُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى رَجُلًا مِنَ الْعَلَوِيَّةِ مِثْلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الرِّضَا فِي هَدْيِهِ وَسُكُونِهِ وَعَفَافِهِ وَنُبْلِهِ وَكَرَمِهِ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَبَنِي هَاشِمٍ. . ثُمَّ يَسْتَطْرِدُ رَاوِي الْخَبَرِ إِلَى أَنْ يَقُولَ (ص 504 506) : " وَلَقَدْ وَرَدَ عَلَى السُّلْطَانِ وَأَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَعْتَلَّ بَعَثَ إِلَى أَبِي أَنَّ ابْنَ الرِّضَا قَدِ اعْتَلَّ، فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ فَبَادَرَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلًا وَمَعَهُ خَمْسَةٌ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّهُمْ مِنْ ثِقَاتِهِ وَخَاصَّتِهِ، فِيهِمْ نِحْرِيرٌ، فَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ الْحَسَنِ وَتَعَرُّفِ خِبْرِهِ وَحَالِهِ، وَبَعَثَ إِلَى نَفَرٍ مِنَ الْمُتَطَبِّبِينَ فَأَمَرَهُمْ بِالِاخْتِلَافِ إِلَيْهِ وَتَعَاهُدِهِ صَبَاحًا وَمِسَاءً، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَّاتَةٍ أُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ، فَأَمَرَ الْمُتَطَبِّبِينَ بِلُزُومِ دَارِهِ، وَبَعَثَ إِلَى قَاضِي الْقُضَاةِ، فَأُحْضِرَ مَجْلِسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَشَرَةً مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ وَوَرَعِهِ، فَأَحْضَرَهُمْ فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَسَنِ وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَصَارَتْ سُرَّ مَنْ رَأَى ضَجَّةً وَاحِدَةً، وَبَعَثَ السُّلْطَانُ إِلَى دَارِهِ مَنْ فَتَّشَهَا وَفَتَّشَ حُجَرَهَا وَخَتَمَ عَلَى جَمِيعِ مَا فِيهَا، وَطَلَبُوا أَثَرَ وَلَدِهِ، وَجَاءُوا بِنِسَاءٍ يَعْرِفْنَ الْحَمْلَ، فَدَخَلْنَ إِلَى جَوَارِيهِ يَنْظُرْنَ إِلَيْهِنَّ، فَذَكَرَ بِعْضُهُنَّ أَنَّ هُنَاكَ جَارِيَةً بِهَا حَمْلٌ، فَجُعِلَتْ فِي حُجْرَةٍ، وَوُكِّلَ بِهَا نِحْرِيرٌ الْخَادِمُ وَأَصْحَابُهُ وَنِسْوَةٌ مَعَهُمْ، ثُمَّ أَخَذُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَهْيِئَتِهِ وَعُطِّلَتِ الْأَسْوَاقُ وَرَكِبَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَالْقُوَّادُ وَأَبِي وَسَائِرُ النَّاسِ إِلَى جِنَازَتِهِ. . . فَلَمَّا دُفِنَ أَخَذَ السُّلْطَانُ وَالنَّاسُ فِي طَلَبِ وَلَدِهِ، وَكَثُرَ التَّفْتِيشُ فِي الْمَنَازِلِ وَالدُّورِ، وَتَوَقَّفُوا عَنْ قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ، وَلَمْ يَزَلِ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِحِفْظِ الْجَارِيَةِ الَّتِي تُوُهِّمَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ لَازِمِينَ حَتَّى تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحَمْلِ، فَلَمَّا بَطَلَ الْحَمْلُ عَنْهُنَّ قُسِمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ أُمِّهِ وَأَخِيهِ جَعْفَرٍ وَادَّعَتْ أُمُّهُ وَصِيَّتَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَالسُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِهِ، فَجَاءَ جَعْفَرٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي. . . . فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ، حَتَّى مَاتَ أَبِي، وَخَرَجْنَا وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَالسُّلْطَانُ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ".

أَنْ يَكُونَ مَحْضُونًا عِنْدَ مَنْ يَحْضُنُهُ فِي بَدَنِهِ، كَأُمِّهِ، وَأُمِّ أُمِّهِ، وَنَحْوِهِمَا مَنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَالُهُ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ: إِمَّا وَصِيُّ أَبِيهِ إِنْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ، وَإِمَّا غَيْرُ [الْوَصِيِّ] : (¬1) إِمَّا قَرِيبٌ، وَإِمَّا نَائِبٌ لَدَى السُّلْطَانِ (¬2) ، فَإِنَّهُ يَتِيمٌ لِمَوْتِ أَبِيهِ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 6] ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ مَالِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْلُعَ النِّكَاحَ وَيُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي بَدَنِهِ وَمَالِهِ إِمَامًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مَعْصُومًا، لَا يَكُونُ أَحَدٌ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِهِ؟ ! . ثُمَّ إِنَّ (¬3) هَذَا بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ: سَوَاءٌ قُدِّرَ وُجُودُهُ أَوْ عَدَمُهُ، لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ¬

(¬1) ن: وَإِمَّا غَيْرُهِ. (¬2) ن، م، ص: لِذِي سُلْطَانٍ، هـ: لِذِي سُلْطَانٍ. (¬3) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

لَا فِي دِينٍ وَلَا فِي دُنْيَا (¬1) ، وَلَا عَلَّمَ أَحَدًا شَيْئًا (¬2) ، وَلَا يُعْرَفُ (¬3) لَهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْخَيْرِ وَلَا الشَّرِّ، فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ وَلَا مَصَالِحِهَا (¬4) لَا الْخَاصَّةُ وَلَا الْعَامَّةُ، بَلْ إِنْ قُدِّرَ وَجُودُهُ فَهُوَ ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بِلَا نَفْعٍ أَصْلًا، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ (¬5) ، وَلَا حَصَلَ لَهُمْ بِهِ لُطْفٌ وَلَا مَصْلَحَةٌ، وَالْمُكَذِّبُونَ بِهِ يُعَذَّبُونَ [عِنْدَهُمْ] (¬6) عَلَى تَكْذِيبِهِمْ بِهِ، فَهُوَ شَرٌّ مَحْضٌ وَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَخَلْقُ مِثْلِ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْحَكِيمِ الْعَادِلِ. وَإِذَا قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمُ احْتَجَبَ عَنْهُمْ. قِيلَ: أَوَّلًا: كَانَ الظُّلْمُ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ (¬7) آبَائِهِ وَلَمْ يَحْتَجِبُوا. وَقِيلَ: [ثَانِيًا] : (¬8) فَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ طَبَّقُوا الْأَرْضَ فَهَلَّا اجْتَمَعَ بِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا يُعَلِّمُهُمْ شَيْئًا مِنِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ؟ ! . وَقِيلَ: ثَالِثًا: قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْوِيَ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا شِيعَتُهُ، كَجِبَالِ الشَّامِ الَّتِي كَانَ فِيهَا الرَّافِضَةُ عَاصِيَةً، وَغَيْرِ ذَلِكَ (¬9) مِنَ الْمَوَاضِعِ الْعَاصِيَةِ. وَقِيلَ: رَابِعًا: فَإِذَا هُوَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا مِنِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ ¬

(¬1) أ، ب: لَا فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا، هـ، ر، ص، و: لَا فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا. (¬2) ن، و: وَلَا عَلِمَ أَحَدٌ شَيْئًا. (¬3) ب: وَلَا عُرِفَ. (¬4) أ: مِنْ مَقَاصِدِ الْإِمَامِ وَمَصَالِحًا، ب: مِنْ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ وَمَصَالِحِهَا. (¬5) أ، ب: لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ أَصْلًا. (¬6) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: الظُّلْمُ كَانَ فِي زَمَنِ. . . (¬8) ثَانِيًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬9) ن، م: وَغَيْرِهَا.

لِأَحَدٍ، لِأَجْلِ هَذَا الْخَوْفِ، لَمْ يَكُنْ فِي وُجُودِهِ لُطْفٌ وَلَا مَصْلَحَةٌ، فَكَانَ هَذَا مُنَاقِضًا لِمَا أَثْبَتُوهُ. بِخِلَافِ مَنْ أُرْسِلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَكُذِّبَ، فَإِنَّهُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَحَصَلَ لِمَنْ آمَنَ مِنَ اللُّطْفِ وَالْمَصْلَحَةِ مَا هُوَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لِطَائِفَتِهِ إِلَّا الِانْتِظَارُ لِمَنْ لَا يَأْتِي، وَدَوَامُ الْحَسْرَةِ وَالْأَلَمِ، وَمُعَادَاةُ الْعَالَمِ، وَالدُّعَاءُ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ لَهُ بِالْخُرُوجِ [وَالظُّهُورِ] (¬1) (* مِنْ مُدَّةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً لَمْ (¬2) يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا. ثُمَّ إِنْ عُمِّرَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *) (¬3) هَذِهِ الْمُدَّةَ أَمْرٌ يُعْرَفُ كَذِبُهُ بِالْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ وُلِدَ فِي دِينِ (¬4) الْإِسْلَامِ وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً (¬5) ، فَضْلًا عَنْ هَذَا الْعُمُرِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬6) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ: " «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّهُ (¬7) عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَيْهَا (¬8) أَحَدٌ» (¬9) . ¬

(¬1) وَالظُّهُورِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (أ) ، (ب) : بِالظُّهُورِ وَالْخُرُوجِ. (¬2) ب (فَقَطْ) : وَلَمْ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬4) ب (فَقَطْ) : زَمَنِ. (¬5) ن، م، ر، هـ، و: مَائِةً وَعَشْرَ سِنِينَ. (¬6) ص: فِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬7) ب، م: فَإِنَّ. (¬8) ص، هـ، و، ر: عَلَيْهَا الْيَوْمَ. (¬9) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/119 120 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعَشَاءِ) وَنَصُّهُ: صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ ". فَوَهَلَ النَّاسُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ فِي: الْبُخَارِيِّ 1 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ) ، 1/113 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْعَشَاءِ وَالْعَتَمَةِ. .) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا فِي: مُسْلِمٍ 4/1965 1966 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ) ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/176 (كِتَابُ الْمَلَاحِمِ، بَابُ قِيَامِ السَّاعَةِ) سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/354 355 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ 55) . وَقَالَ مُحَقِّقُ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: " وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ بْنَ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ وَفَاتَهُ كَانَتْ سَنَةَ مِائَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ "

فَمَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَهُ سَنَةٌ وَنَحْوُهَا لَمْ يَعِشْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ قَطْعًا. وَإِذَا كَانَتِ الْأَعْمَارُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ لَا تَتَجَاوَزُ هَذَا الْحَدَّ، فَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَعْصَارِ أَوْلَى بِذَلِكَ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ أَعْمَارَ بَنِي آدَمَ فِي الْغَالِبِ كُلَّمَا تَأَخَّرَ الزَّمَانُ قَصُرَتْ وَلَمْ تَطُلْ، فَإِنَّ نُوحًا [عَلَيْهِ السَّلَامُ] لَبِثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَآدَمُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬1) عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (¬2) ، فَكَانَ ¬

(¬1) عَلَيْهِ السَّلَامُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/123 124 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، الْبَابُ الْأَخِيرُ فِيهِ) وَأَوَّلُهُ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ " قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ، وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمُرِهِ. قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كُتِبَ لَهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ فَإِنَّى قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمُرِي سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. قَالَ: ثُمَّ اسْكُنِ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اهْبِطْ مِنْهَا، فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ. قَالَ: فَآتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجَّلْتَ، قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ. قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ، فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ. قَالَ: فَمِنْ يَوْمِئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ": قَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي تَخْرِيجِ " مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ " لِلتَّبْرِيزِيِّ 2/543: " وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَا ". وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي السَّنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/71، 72، 252، 5/174 175. وَأَوْرَدَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ الدَّيْنِ (الْبَقَرَةِ 282) وَعَلَّقَ عَلَيْهِ، كَمَا أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ 1/370.

الْعُمُرُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ طَوِيلًا، ثُمَّ أَعْمَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ (¬1) يَجُوزُ ذَلِكَ، كَمَا [ثَبَتَ] ذَلِكَ فِي [الْحَدِيثِ] الصَّحِيحِ (¬2) . وَاحْتِجَاجُهُمْ بِحَيَاةِ الْخَضِرِ احْتِجَاجٌ بَاطِلٌ عَلَى بَاطِلٍ، فَمَنِ الَّذِي يُسَلِّمُ لَهُمْ بَقَاءَ الْخَضِرِ. وَالَّذِي عَلَيْهِ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ (¬3) أَنَّهُ مَاتَ، وَبِتَقْدِيرِ بَقَائِهِ فَلَيْسَ [هُوَ] (¬4) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ (¬5) . ¬

(¬1) أ، ب: مِمَّنْ. (¬2) ن، م: كَمَا ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ، ر، هـ، ص، و: كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/387 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَعْمَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) . . . وَنَصُّهُ: " عُمُرُ أُمَّتِي مِنْ سِتِّينَ سَنَةً إِلَى سَبْعِينَ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ". وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1415 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ الْأَمَلِ وَالْأَجَلِ) وَنَصُّهُ: " أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ ". وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/354. وَانْظُرْ كَلَامَهُ عَلَيْهِ فِيهِ " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 2/320 (رَقْمِ 757) . (¬3) أ، ب: الْعُلَمَاءِ وَالْمُحَقِّقُونَ. (¬4) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) لِابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ رِسَالَةٌ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ عُنْوَانُهَا: " الزَّهْرُ النَّضِرُ فِي نَبَأِ الْخَضِرِ " نُشِرَتْ فِي " مَجْمُوعَةِ الرَّسَائِلِ الْمِنْبَرِيَّةِ " 2/195 234 قَالَ فِي آخِرَهَا (ص 234) : " وَالَّذِي تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ مِنْ حَيْثُ الْأَدِلَّةُ الْقَوِيَّةُ خِلَافُ مَا يَعْتَقِدُهُ الْعَوَامُّ مِنِ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهِ ".

الجواب عن كلام الرافضي على حديث المهدي من وجوه

وَلِهَذَا يُوجَدُ كَثِيرٌ [مِنَ الْكَذَّابِينَ] (¬1) مِنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهُ الْخَضِرُ وَيَظُنُّ مَنْ رَآهُ أَنَّهُ الْخَضِرُ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكَايَاتِ الصَّحِيحَةِ [الَّتِي نَعْرِفُهَا] (¬2) مَا يَطُولُ وَصْفُهَا [هُنَا] (¬3) . وَكَذَلِكَ [الْمُنْتَظَرُ] (¬4) مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فَإِنَّ عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، مِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ ذَلِكَ لِطَائِفَةٍ (¬5) مِنَ النَّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُمُ ذَلِكَ وَلَا يُظْهِرُهُ إِلَّا لِلْوَاحِدِ أَوِ الِاثْنَيْنِ. وَمَا مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا مَنْ يَظْهَرُ كَذِبُهُ كَمَا يَظْهَرُ كَذِبُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ الْخَضِرُ. [الجواب عن كلام الرافضي على حديث المهدي من وجوه] فَصْلٌ. وَقَوْلُهُ: رَوَى (¬6) ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِي اسْمُهُ كَاسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، فَذَلِكَ هُوَ الْمَهْدِيُّ» ". فَيُقَالُ: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:. ¬

(¬1) مِنَ الْكَذَّابِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) الَّتِي نَعْرِفُهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . وَفِي (ر) ، (هـ) ، (ص) : ذَكَرَهُ هُنَا. (¬4) الْمُنْتَظَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) ن، م، هـ، ر: كَطَائِفَتِهِ. (¬6) أ، ب، قَالَ: رَوَى، ص، ر: قَالَ وَرَوَى، هـ: وَرَوَى.

أَحَدُهَا: أَنَّكُمْ لَا تَحْتَجُّونَ بِأَحَادِيثِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُفِيدُكُمْ فَائِدَةً (¬1) . وَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، فَنَذْكُرُ كَلَامَهُمْ فِيهِ. الثَّانِي: إِنَّ هَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ (¬2) ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ أَصْلُ الدِّينِ الَّذِي لَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ؟ . الثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ (¬3) ، فَإِنَّ لَفْظَهُ: " يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي " فَالْمَهْدِيُّ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬4) أَنَّهُ [قَالَ: هُوَ] (¬5) مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، لَا مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْنِ [بْنِ عَلِيٍّ] (¬6) . وَأَحَادِيثُ الْمَهْدِيِّ مَعْرُوفَةٌ، رَوَاهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ، كَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ (¬7) حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا» " (¬8) . ¬

(¬1) أ: فَإِنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ب) . (¬2) ن، و: أَنَّ هَذَا أَخْبَارُ آحَادٍ، م: أَنَّ هَذِهِ أَخْبَارُ آحَادٍ. (¬3) عِبَارَةُ " لَا لَكُمْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . . (¬4) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (م) ، (و) . عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) قَالَ هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) بْنِ عَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) ن، م: لَطَوَّلَهُ اللَّهُ. (¬8) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/151 (كِتَابُ الْمَهْدِيِّ) وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/70، 71 وَجَاءَ حَدِيثٌ بِسَنَدٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: " لَا تَذْهَبُ أَوْ لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي " فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (نَفْسِ الْمَوْضِعِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/343 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَهْدِيِّ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ ن وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ ". وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: " يَلِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي " وَهُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَوَّلُهُ: " لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَلِيَ. . . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ". وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ حَدِيثًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلَفْظُهُ: " إِنَّ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيَّ يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا " زَيْدٌ الشَّاكُّ قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: " سِنِينَ ". قَالَ: " فَيَجِيءُ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي، قَالَ: فَيَحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِإِسْنَادَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفُ) 2/117 118 (حَدِيثٌ رَقْمُ: 773) وَلَفْظُهُ: " لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلًا مِنَّا، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا " قَالَ الشِّيحُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِسْنَادَاهُ صَحِيحَانِ ". وَهَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ) وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي (صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) 5/71 إِلَّا أَنَّ لَفْظَ أَبِي دَاوُدَ: " لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ. . . إِلَخْ. وَأَوْرَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ: 2/928 929 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ ذِكْرِ الدَّيْلَمِ وَفَضْلِ قَزْوِينَ) . حَدِيثًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَفْظُهُ: " لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ، لَطَوَّلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَمْلِكَ جَبَلَ الدَّيْلَمِ وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةَ " وَأَوْرَدَ الْمُعَلِّقُ مَا يُبَيِّنُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ (¬1) الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَقَوْلَهُ: " «اسْمُهُ كَاسْمِي، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي» " وَلَمْ يَقُلْ: يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي "، فَلَمْ يَرْوِهِ (¬2) أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفَةِ بِهَذَا ¬

(¬1) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ب (فَقَطْ) : لَمْ يَرَهُ.

اللَّفْظِ. فَهَذَا الرَّافِضِيُّ لَمْ يَذَكُرِ الْحَدِيثَ بِلَفْظِهِ الْمَعْرُوفِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ مِثْلِ مَسْنَدِ أَحْمَدَ (¬1) ، وَ [سُنَنِ] أَبِي دَاوُدَ (¬2) وَالتِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكُتُبِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظٍ مَكْذُوبٍ لَمْ يَرْوِهِ (¬3) أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ (¬4) بِإِسْنَادِهِ: إِنْ أَرَادَ الْعَالِمَ الْمَشْهُورَ صَاحِبَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكَثِيرَةِ أَبَا الْفَرَجِ، فَهُوَ (¬5) كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَرَادَ سِبْطَهُ يُوسُفَ بْنَ قِزُأُوغْلِي (¬6) صَاحِبُ التَّارِيخِ الْمُسَمَّى " بِمِرْآةِ الزَّمَانِ " وَصَاحِبُ الْكِتَابِ الْمُصَنَّفِ فِي " الِاثْنَى عَشْرَ " الَّذِي سَمَّاهُ " إِعْلَامَ الْخَوَاصِّ "، فَهَذَا الرَّجُلُ ¬

(¬1) ص، ر، هـ: مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. (¬2) ن، م: وَأَبِي دَاوُدَ. (¬3) أ، ب، و، هـ: لَمْ يَذْكُرْهُ. (¬4) ن، م: رُوِيَ. (¬5) ن، م، هـ، و: فَهَذَا. (¬6) ب: بْنَ غِزَاوُغْلِي، ن، أ، م، و: قِزُعْلِي، هـ، ر، ص: قِزُغْلَ. وَهُوَ أَبُو الْمُظَفَّرِ يُوسُفُ بْنُ قِزُأُوغْلِي أَوْ قِزُغْلِي بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، سِبْطُ أَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ. وَقِزُأُوغْلِي لَفْظٌ تُرْكِيٌّ مَعْنَاهُ " سِبْطٌ " أَوِ " ابْنُ الْبِنْتِ ". وَهُوَ مُؤَرِّخٌ وَاعِظٌ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ: 581، وَانْتَقَلَ إِلَى دِمَشْقَ وَعَاشَ فِيهَا وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ: 654، مِنْ كُتُبِهِ " مِرْآةُ الزَّمَانِ "، " تَذْكِرَةُ خَوَاصِّ الْأُمَّةِ بِذِكْرِ خَصَائِصِ الْأَئِمَّةِ " أَوْ " تَذْكِرَةُ الْخَوَاصِّ " وَطُبِعَ بِالنَّجَفِ عَامَ 1383 1964. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ (مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ) 4/471: " رَوَى عَنْ جَدِّهِ وَطَائِفَةٍ، وَأَلَّفَ كِتَابَ " مِرْآةِ الزَّمَانِ " فَتَرَاهُ يَأْتِي فِيهِ بِمَنَاكِيرِ الْحِكَايَاتِ، وَمَا أَظُنُّهُ بِثِقَةٍ فِيمَا يَنْقُلُهُ، بَلْ يَجْنَفُ وَيُجَازِفُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَرَفَّضَ، وَلَهُ مُؤَلَّفٌ فِي ذَلِكَ. . . قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ السَّوَسِيُّ: لَمَّا بَلَغَ جَدِّيَ مَوْتُ سِبْطِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ قَالَ: لَا رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا ". وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ 6/328، ذَيْلِ مَرْآةِ الزَّمَانِ لِقُطْبِ الدِّينِ الْيُونِينِيِّ (ط. حَيْدَرْ آبَادَ، 1374 1954) 1/39، 43، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 5/266 267، السُّلُوكِ لِلْمَقْرِيزِيِّ 1/401، الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 13/194 195، الْأَعْلَامِ 9/324، مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 13/324.

يَذْكُرُ فِي مُصَنَّفَاتِهِ أَنْوَاعًا مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ، وَيَحْتَجُّ فِي أَغْرَاضِهِ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ ضَعِيفَةٍ وَمَوْضُوعَةٍ، وَكَانَ يُصَنِّفُ بِحَسَبِ مَقَاصِدِ النَّاسِ: يُصَنِّفُ لِلشِّيعَةِ مَا يُنَاسِبُهُمْ لِيُعَوِّضُوهُ بِذَلِكَ، وَيُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ لِيَنَالَ بِذَلِكَ أَغْرَاضَهُ، فَكَانَتْ طَرِيقَتُهُ طَرِيقَةَ الْوَاعِظِ الَّذِي قِيلَ لَهُ: مَا مَذْهَبُكَ؟ قَالَ فِي أَيِّ مَدِينَةٍ؟ . وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ [ثَلْبُ] (¬1) الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ مُدَاهَنَةِ (¬2) مَنْ قَصَدَ بِذَلِكَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا تَعْظِيمُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ السَّلَفِ (¬3) وَالْخَلَفِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمَهْدِيِّ: " «يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي» " صَارَ يَطْمَعُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي (¬4) أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَهْدِيَّ، حَتَّى سَمَّى الْمَنْصُورُ ابْنَهُ مُحَمَّدًا وَلَقَّبَهُ بِالْمَهْدِيِّ مُوَاطَأَةً لِاسْمِهِ (¬5) بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ بِاسْمِ أَبِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَوْعُودَ بِهِ. وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ التُّومَرْتَ [الْمُلَقَّبُ بِالْمَهْدِيِّ، الَّذِي ظَهَرَ بِالْمَغْرِبِ، وَلَقَّبَ طَائِفَتَهُ بِالْمُوَحِّدِينَ، وَأَحْوَالُهُ مَعْرُوفَةٌ، كَانَ يَقُولُ: إِنَّهُ الْمَهْدِيُّ] (¬6) الْمُبَشَّرُ بِهِ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَخْطُبُونَ لَهُ عَلَى مَنَابِرِهِمْ، فَيَقُولُونَ فِي ¬

(¬1) ثَلْبُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) أ، ب: مَذَاهِبِ، ن: مَذَاهِبِهِ، ر، ص: مُدَاهَنَتِهِ. (¬3) ن: عِنْدَ أَهْلِ السَّلَفِ. (¬4) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (¬5) أ، ب: اسْمِهِ (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

خُطْبَتِهِمْ (¬1) : الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ، الْمَهْدِيُّ الْمَعْلُومُ، الَّذِي بَشَّرْتَ بِهِ فِي صَرِيحِ وَحْيِكَ، الَّذِي اكْتَنَفْتَهُ بِالنُّورِ الْوَاضِحِ، وَالْعَدْلِ اللَّائِحِ، الَّذِي مَلَأَ الْبَرِيَّةَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا ". وَهَذَا الْمُلَقَّبُ بِالْمَهْدِيِّ ظَهَرَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ (¬2) وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ يَنْتَسِبُ (¬3) إِلَى أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ، لِأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ، فَادَّعَى أَنَّهُ هُوَ الْمُبَشَّرُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَا مَلَأَ الْأَرْضَ كُلَّهَا قِسْطًا وَلَا عَدْلًا، بَلْ دَخَلَ فِي أُمُورٍ مُنْكَرَةٍ، وَفَعَلَ أُمُورًا حَسَنَةً. وَقَدِ ادَّعَى قَبْلَهُ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ (¬4) بْنُ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ (¬5) ، وَلَكِنْ لَمْ ¬

(¬1) فِي خُطْبَتِهِمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِي الْخُطْبَةِ. (¬2) أ، ب، ص، ر: تِسْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، هـ: تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ ابْنِ التُّومَرْتَ، وَذَكَرْتُ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي سَنَةِ مَوْلِدِهِ وَلَكِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 524 وَعُمُرُهُ يَتَرَاوَحُ مَا بَيْنَ 51 عَامًا، 55 عَامًا. (¬3) ن، م: يُنْسَبُ. (¬4) هـ: عَبْدُ اللَّهِ. (¬5) يَقْصِدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِهِ عُبَيْدَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ، الَّذِي يَرَى بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهُ مِنْ نَسْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ، وَيُسَمِّيهِ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ: " سَعِيدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ بْنِ دَيْصَانَ الْقَدَّاحُ " وَيُذَكَرُ أَنَّهُ غَيَّرَ اسْمَ نَفْسِهِ وَنَسَبَهُ وَقَالَ لِأَتْبَاعِهِ أَنَّهُ: " عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ". وَيَذْكُرُ الْبَعْضُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ كَانَ يَعْمَلُ حَدَّادًا بِسِلْمِيَّةَ، وَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُ تَزَوَّجَتْ أُمُّهُ أَحَدَ الْأَشْرَافِ الْعَلَوِيِّينَ، وَقَامَ هَذَا الشَّرِيفُ بِتَرْبِيَةِ الطِّفْلِ حَتَّى إِذَا كَبِرَ ادَّعَى لِنَفْسِهِ نَسَبًا عَلَوِيًّا. وَقَدْ وُلِدَ عُبَيْدُ اللَّهِ سَنَةَ: 259 وَتُوفِي سَنَةَ: 322 وَهُوَ الَّذِي أَسَّسَ دَوْلَتَهُ بِالْمَغْرِبِ (الَّتِي عُرِفَتْ بِالدَّوْلَةِ الْفَاطِمِيَّةِ) سَنَةَ: 297 وَتَمَكَّنَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ فَتْحِ مِصْرَ فِي زَمَنِ الْمُعِزِّ لِدِينِ اللَّهِ الْفَاطِمِيِّ سَنَةَ: 358. انْظُرْ: الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 70، كِتَابَ " طَائِفَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ " تَأْلِيفُ الدُّكْتُورِ مُحَمَّد كَامِل حُسَيْن، ط. الْقَاهِرَةِ، 1959، كِتَابَ " نَشْأَةِ الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيِّ فِي الْإِسْلَامِ " الدُّكْتُور عَلِي سَامِي النِّشَار 2/478 - 511، ط. الْمَعَارِفِ، الْقَاهِرَةِ، 1964، " الْحَاكِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ " لِلْأُسْتَاذِ مُحَمَّد عَبْد اللَّه عَنَان، ص 47 - 75، ط. لَجْنَةِ التَّأْلِيفِ وَالتَّرْجَمَةِ وَالنَّشْرِ، الْقَاهِرَةِ، 1379/1959، الْأَعْلَامَ 4/286، 353.

يُوَافِقْ فِي الِاسْمِ وَلَا اسْمِ الْأَبِ (¬1) وَهَذَا ادَّعَى أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ (¬2) وَأَنَّ مَيْمُونًا هَذَا هُوَ (¬3) مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّسَبِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ [يَعْلَمُونَ] (¬4) أَنَّهُ كَذَبَ فِي دَعْوَى نَسَبِهِ، وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَهُودِيًّا رَبِيبَ مَجُوسِيٍّ، فَلَهُ نِسْبَتَانِ: نِسْبَةٌ إِلَى الْيَهُودِ، وَنِسْبَةٌ إِلَى الْمَجُوسِ. وَهُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ كَانُوا مَلَاحِدَةً، وَهُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ الْعُلَمَاءُ: " إِنَّ (¬5) ظَاهِرَ مَذْهَبِهِمُ الرَّفْضُ، وَبَاطِنَهُ الْكُفْرُ الْمَحْضُ ". وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ كُتُبًا فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ، وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ، وَبَيَانِ كَذِبِهِمْ فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُمْ بَرِيئُونَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسَبًا وَدِينًا. وَكَانَ هَذَا الْمُتَلَقِّبُ (¬6) بِالْمَهْدِيِّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ قَدْ ظَهَرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَانْتَقَلَ الْأَمْرُ إِلَى ¬

(¬1) أ، ب: وَاسْمِ الْأَبِ. (¬2) بْنِ جَعْفَرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) هُوَ: فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬4) يَعْلَمُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م، هـ، ر، ص، و: كَانَ هَذَا الْمُلَقَّبُ.

وَلَدِهِ الْقَائِمِ، ثُمَّ ابْنِهِ الْمَنْصُورِ، ثُمَّ ابْنِهِ الْمُعِزِّ الَّذِي بَنَى الْقَاهِرَةَ، ثُمَّ الْعَزِيزِ، ثُمَّ الْحَاكِمِ، ثُمَّ الظَّاهِرِ ابْنِهِ، ثُمَّ الْمُسْتَنْصِرِ [ابْنِهِ] (¬1) وَطَالَتْ مُدَّتُهُ، وَفِي زَمَنِهِ كَانَتْ فِتْنَةُ الْبَسَاسِيرِيِّ، وَخُطِبَ لَهُ بِبَغْدَادَ عَامًا كَامِلًا (¬2) وَابْنِ الصَّبَاحِ الَّذِي أَحْدَثَ السِّكِّينَ لِلْإِسْمَاعِيلِيَّةِ (¬3) ، هُوَ مِنْ أَتْبَاعِ هَؤُلَاءِ (¬4) . وَانْقَرَضَ مُلْكُ هَؤُلَاءِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَمَلَكُوهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَأَخْبَارُهُمْ عَنِ الْعُلَمَاءِ مَشْهُورَةٌ بِالْإِلْحَادِ وَالْمُحَادَّةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالرِّدَّةِ وَالنِّفَاقِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ: " «لَا مَهْدِيَّ إِلَّا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ¬

(¬1) ابْنِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) هُوَ أَبُو الْحَارِثِ أَرْسَلَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَسَاسِيرِيُّ، قَائِدٌ تُرْكِيُّ الْأَصْلِ عَمِلَ لِلْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ الْعَبَّاسِيِّ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَهُ الْقَائِمُ مِنْ بَغْدَادَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ لِلْفَاطِمِيِّينَ وَيَأْخُذَ الْبَيْعَةَ لِلْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ الْفَاطِمِيِّ، فَتَغَلَّبَ عَلَيْهِ أَعْوَانُ الْقَائِمِ وَقَتَلُوهُ سَنَةَ: 451. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: النُّجُومِ الزَّاهِرَةِ 5 (¬3) أ، ب: أُخِذَتِ السِّكِّينُ لِلْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، هـ، ر: أَحْدَثَ السِّكِّينَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ. (¬4) الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ صَبَّاحٍ الْحِمْيَرِيُّ وُلِدَ سَنَةَ: 428 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ: 518 مُؤَسِّسُ فِرْقَةِ الْحَشَّاشِينَ، وَصَاحِبُ الدَّعْوَةِ النِزَارِيَّةِ مِنْ فِرْقَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، اسْتَوْلَى عَلَى قَلْعَةِ الْأَلَمُوتِ سَنَةَ: 483 وَجَعَلَهَا مَرْكَزًا لِدَعْوَتِهِ حَتَّى عَامَ: 654 حِينَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا هُولَاكُو وَهَدَمَهَا مَعَ سَائِرِ قِلَاعِهِمْ، وَاتَّخَذَ الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ مَبْدَأَ الْقَتْلِ وَالِاغْتِيَالِ وَسِيلَةً لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِهِ. انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ أَتْبَاعِهِ: طَائِفَةَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، ص [0 - 9] 2 90، الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/175 178، بِرْنَارْد لُوِيس: الدَّعْوَةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ الْجَدِيدَةُ ط. دَارِ الْفِكْرِ، بَيْرُوتَ، 1391/1971، دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةَ، مَادَّةُ " الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ "، تَارِيخَ الدَّعْوَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ لِمُصْطَفَى غَالِب، ص [0 - 9] 62290

وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ (* عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ شَيْخٍ [مَجْهُولٍ] (¬1) مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، لَا تَقُومُ بِإِسْنَادِهِ حُجَّةٌ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مُسْنَدِهِ، بَلْ مَدَارُهُ عَلَى يُونُسَ *) (¬2) بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى (¬3) ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّافِعِيِّ (¬4) ، وَفِي " الْخَلْعِيَّاتِ (¬5) " وَغَيْرِهَا: " حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الشَّافِعِيِّ " لَمْ يَقُلْ: " حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ " ثُمَّ قَالَ: " عَنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْجَنَدِيِّ " وَهَذَا تَدْلِيسٌ يَدُلُّ عَلَى تَوْهِينِهِ (¬6) . [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَرْوِهِ] (¬7) ¬

(¬1) مَجْهُولٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1340 - 1341 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ شِدَّةِ الزَّمَانِ) وَنَصُّهُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارًا، وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شَرَارِ النَّاسِ، وَلَا الْمَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ". وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْحَدِيثِ كَلَامًا مُفَصَّلًا فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ " 1 - 105 (حَدِيثٌ رَقْمُ: 77) وَقَالَ عَنْهُ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ، وَأَنَّ الذَّهَبِيَّ قَالَ فِي " الْمِيزَانِ " إِنَّهُ خَبَرٌ مُنْكَرٌ وَقَالَ الصَّغَانِيُّ: " مَوْضُوعٌ " كَمَا فِي: " الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ " لِلشَّوْكَانِيِّ (ص [0 - 9] 95) . (¬4) أ، ب: قَالَ: حَدِيثُ الشَّافِعِيِّ، ن، هـ، ص: قَالَ: حَدِيثٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ، و: قَالَ حَدَّثْتُ الشَّافِعِيَّ. (¬5) أ: الْخَلْفِيَّاتِ، ص: الْخَلْصِيَّاتِ. (¬6) أ، ن، م: تُوهِينِهِ الْحَدِيثَ، ب: تَوْهِينِ الْحَدِيثِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

كلام الرافضي على عصمة الأئمة والرد عليه

[كلام الرافضي على عصمة الأئمة والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْفُضَلَاءُ الْمَعْصُومُونَ (¬3) ، الَّذِينَ بَلَغُوا الْغَايَةَ فِي الْكَمَالِ، وَلَمْ يَتَّخِذُوا مَا اتَّخَذَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْمُلْكِ وَأَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَالْمَلَاهِي، وَشُرْبِ الْخُمُورِ وَالْفُجُورِ، حَتَّى فَعَلُوا بِأَقَارِبِهِمْ عَلَى مَا هُوَ (¬4) الْمُتَوَاتِرُ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ". قَالَ أَيِ ابْنُ الْمُطَهَّرِ بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً ص 107 (م) .: " وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الشَّاعِرِ (¬5) إِذَا شِئْتَ أَنْ تَرْضَى لِنَفْسِكَ مَذْهَبًا ... وَتَعْلَمَ أَنَّ النَّاسَ فِي نَقْلِ أَخْبَارِ فَدَعْ عَنْكَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ ... وَأَحْمَدَ وَالْمَرْوِيَّ عَنْ كَعْبِ أَحْبَارِ وَوَالِ أُنَاسًا قَوْلَهُمْ وَحَدِيثَهُمْ ... رَوَى جَدُّنَا عَنْ جِبْرَئِيلَ عَنِ الْبَارِي ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: أَمَّا دَعْوَى الْعِصْمَةِ فِي هَؤُلَاءِ فَلَمْ تَذْكُرْ (¬6) عَلَيْهَا حُجَّةً إِلَّا مَا ادَّعَيْتَهُ (¬7) مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَ لِلنَّاسِ إِمَامًا مَعْصُومًا، ¬

(¬1) ص، ر، هـ: الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ (¬2) فِي (ك) . ص 106 (م) 107 (م) . (¬3) ك: الْمَعْصُومُونَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -. (¬4) ب: حَتَّى فَعَلُوا بِأَقَارِبِهِمْ مَا هُوَ، ن، م، ص، هـ، ر، و، أ: حَتَّى مَا قَارَبَهُمْ أَحَدٌ عَلَى مَا هُوَ. وَالثَّبْتُ مِنْ (ك) . (¬5) و: مَا أَحْسَنَ قَوْلَ النَّاسِ شِعْرًا، ك: وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِ النَّاسِ. (¬6) ن، م: فَلَمْ يُدْرِكْ، وَهُوَ خَطَأٌ، ب، ر، هـ: فَلَمْ يَذْكُرْ. (¬7) ب: مَا ادَّعَاهُ، ن: مَا ادَّعَيَهُ.

لِيَكُونَ لُطْفًا وَمَصْلَحَةً فِي التَّكْلِيفِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُ هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَدْنَاهَا أَنَّ هَذَا مَفْقُودٌ (¬1) لَا مَوْجُودٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إِمَامٌ مَعْصُومٌ حَصَلَ بِهِ لُطْفٌ وَ [لَا] مَصْلَحَةٌ (¬2) ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّلِيلِ عَلَى [انْتِفَاءِ] (¬3) ذَلِكَ إِلَّا الْمُنْتَظَرُ الَّذِي قَدْ عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَحَدٌ، [لَا] (¬4) فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا، وَلَا حَصَلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا لُطْفٌ، لَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ، فَكَيْفَ مَعَ كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ عَلَى ذَلِكَ؟ . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: " كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ؟ فِي الْكَمَالِ " هُوَ قَوْلٌ مُجَرَّدٌ عَنِ الدَّلِيلِ، وَالْقَوْلُ بِلَا عِلْمٍ يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يُقَابِلَهُ بِمِثْلِهِ. وَإِنِ ادَّعَى الْمُدَّعِي هَذَا الْكَمَالَ فِيمَنْ هُوَ أَشْهَرُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنَ الْعَسْكَرِيَّيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ. وَمَنْ طَالَعَ أَخْبَارَ النَّاسِ عَلِمَ أَنَّ الْفَضَائِلَ الْعِلْمِيَّةَ وَالدِّينِيَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُنْقَلُ عَنِ الْعَسْكَرِيَّيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ الْكَذِبِ، دَعِ الصِّدْقَ (¬5) . الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ " إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ (¬6) أَنَّهُمْ كَانُوا ذَوِي سُلْطَانٍ وَقُدْرَةٍ مَعَهُمُ السَّيْفُ (¬7) ، فَهَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، وَهُمْ لَا يَدَّعُونَ ذَلِكَ، ¬

(¬1) ن، م: مَقْصُودٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) وَلَا مَصْلَحَةٌ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَمَصْلَحَةٌ. (¬3) انْتِفَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) لَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب، ر، هـ، ص: مِنَ الصِّدْقِ. (¬6) أ: بِقَوْلِهِ، ب: بِهِ. (¬7) أ: السَّيْبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ عَاجِزُونَ مَمْنُوعُونَ مَغْلُوبُونَ مَعَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَنِ الْإِمَامَةِ، إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، مَعَ أَنَّ الْأُمُورَ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ، وَنِصْفُ الْأُمَّةِ - أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ - لَمْ يُبَايِعُوهُ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَاتَلُوهُ وَقَاتَلَهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوهُ (¬1) وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ، وَفِي هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَقَاتَلُوا مَعَهُ (¬2) ، وَكَانَ فِيهِمْ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ عَلِيٍّ مِثْلُهُمْ (¬3) ، بَلِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْقِتَالِ مَعَهُ وَلَهُ كَانُوا أَفْضَلَ مِمَّنْ قَاتَلَهُ وَقَاتَلَ مَعَهُ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ (¬4) كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ وَدِينٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً، فَهَذِهِ الدَّعْوَى إِذَا صَحَّتْ لَا تُوجِبُ كَوْنَهُمْ أَئِمَّةً يَجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَتُهُمْ، كَمَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ إِمَامَ مَسْجِدٍ لَا يَجْعَلُهُ إِمَامًا، وَاسْتِحْقَاقُهُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا [لَا يُصَيِّرُهُ قَاضِيًا] (¬5) ، وَاسْتِحْقَاقُهُ أَنْ يَكُونَ أَمِيرَ الْحَرْبِ لَا يَجْعَلُهُ أَمِيرَ الْحَرْبِ. وَالصَّلَاةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا خَلْفَ مَنْ يَكُونُ إِمَامًا بِالْفِعْلِ، وَلَا خَلْفَ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِمَامًا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ إِنَّمَا يَفْصِلُهُ (¬6) ذُو سُلْطَانٍ وَقُدْرَةٍ لَا مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ، وَكَذَلِكَ الْجُنْدُ إِنَّمَا يُقَاتِلُونَ مَعَ أَمِيرٍ عَلَيْهِمْ لَا مَعَ مَنْ لَمْ يُؤَمَّرْ وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ (¬7) أَنْ يُؤْمَرَ. ¬

(¬1) ن، م: لَمْ يُقَاتِلْهُمْ. (¬2) (22) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) مِثْلُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: وَإِنْ أَرَادَ بِهِ. . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ر: يُفَضِّلُهُ. (¬7) وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَإِنِ اسْتَحَقَّ.

فَفِي الْجُمْلَةِ الْفِعْلُ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ، فَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ وَسُلْطَانٌ عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْإِمَارَةِ لَمْ يَكُنْ إِمَامًا، وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ (¬1) أَنْ يُجْعَلَ لَهُ قُدْرَةٌ حَتَّى يَتَمَكَّنَ، فَكَوْنُهُ يَسُوغُ (¬2) أَنْ يُمَكَّنَ أَوْ يَجِبَ أَنْ يُمَكَّنَ (¬3) لَيْسَ هُوَ نَفْسَ التَّمَكُّنِ، وَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ الْقَادِرُ [الَّذِي لَهُ سُلْطَانٌ] (¬4) ، وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ إِلَّا عَلِيٌّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (¬5) كَمَا تَقَدَّمَ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: مَا تَعْنُونَ بِالِاسْتِحْقَاقِ؟ أَتَعْنُونَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى الْإِمَامَةَ دُونَ سَائِرِ قُرَيْشٍ؟ أَمْ تُرِيدُونَ أَنَّ الْوَاحِدَ [مِنْهُمْ] (¬6) مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ؟ فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مَرْدُودٌ، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الثَّانِيَ فَذَلِكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ (¬7) وَبَيْنَ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ قُرَيْشٍ. [الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ (¬8) ] (¬9) وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرْجَعَ إِلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ بِحَيْثُ يُطَاعُ بِاخْتِيَارِ الْمُطِيعِ، لِكَوْنِهِ عَالِمًا بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ آمِرًا بِهِ، فَيُطِيعُهُ الْمُطِيعُ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إِلْزَامِهِ (¬10) الطَّاعَةَ. ¬

(¬1) أ، ب: اسْتَحَقَّ. (¬2) أ، ب: يَشْرَعُ. (¬3) ن، م: أَنْ يَكُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (و) فَقَطْ. (¬5) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: زِيَادَةٌ فِي (ص) فَقَطْ. (¬6) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) ب: بَيْنَهُ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (أ) . (¬8) أ: مَنْ يَقُومُ بِهِ، ب: مَنْ يُقْتَدَى بِهِ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬10) أ، ب: إِلْزَامِهِمْ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ يَدٍ وَسَيْفٍ، بِحَيْثُ يُطَاعُ طَوْعًا وَكَرْهًا لِكَوْنِهِ (¬1) قَادِرًا عَلَى إِلْزَامِ الْمُطِيعِ بِالطَّاعَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] قَدْ فُسِّرَ بِالْأُمَرَاءِ (¬2) بِذَوِي الْقُدْرَةِ كَأُمَرَاءِ الْحَرْبِ، وَفُسِّرَ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَكِلَاهُمَا حَقٌّ. وَهَذَانَ الْوَصْفَانِ كَانَا كَامِلَيْنِ فِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا كَامِلِينَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَدْلِ وَالسِّيَاسَةِ وَالسُّلْطَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَكْمَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ أَكْمَلُ فِي ذَلِكَ مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَبَعْدَهُمْ لَمْ يَكْمُلْ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ [الرَّجُلُ] (¬3) أَكْمَلَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِمَّنْ [يَكُونُ] (¬4) لَهُ سُلْطَانٌ، وَقَدْ يَكُونُ أَكْمَلَ فِي السُّلْطَانِ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَدْيَنُ. وَهَؤُلَاءِ إِنْ أُرِيدَ بِكَوْنِهِمْ أَئِمَّةً أَنَّهُمْ ذَوُو سُلْطَانٍ فَذَلِكَ بَاطِلٌ (¬5) ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَهُ. وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ يُطَاعُونَ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْ إِلْزَامِ غَيْرِهِمْ بِالطَّاعَةِ، فَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ كُلِّ مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ. ثُمَّ إِمَّا أَنْ يُقَالَ: قَدْ كَانَ فِي أَعْصَارِهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ وَأَدْيَنُ، إِذِ ¬

(¬1) لِكَوْنِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ: فُسِّرَ الْأَمْرُ، ب: فُسِّرَ أُولُو الْأَمْرِ. (¬3) الرَّجُلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (¬4) يَكُونُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب:. . سُلْطَانٍ فَبَاطِلٌ. .

الْعِلْمُ الْمَنْقُولُ عَنْ غَيْرِهِمْ أَضْعَافُ الْعِلْمِ الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ، وَظُهُورُ آثَارِ غَيْرِهِمْ فِي الْأُمَّةِ أَعْظَمُ مِنْ ظُهُورِ آثَارِهِمْ فِي الْأُمَّةِ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْهُمْ كَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَدْ نُقِلَ (¬1) عَنْهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قِطْعَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَأُخِذَ عَنْ غَيْرِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَالْعِلْمُ الْمَأْخُوذُ عَنْهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا، وَلَا ذِكْرَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي رِجَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَشَاهِيرِ بِالرِّوَايَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُتْيَا، وَلَا غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَشَاهِيرِ بِالْعِلْمِ. وَمَا يُذْكَرُ لَهُمْ مِنَ الْمَنَاقِبِ وَالْمَحَاسِنِ، فَمِثْلُهُ يُوجَدُ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ (¬2) . وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ. فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِمَامَتُهُمْ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يُنَازِعُ فِيهَا أَهْلُ السُّنَّةِ، فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُؤْتَمُّ (¬3) بِكُلِّ أَحَدٍ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ [مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ] (¬4) وَيَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَيَفْعَلُهُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ، فَمَا فَعَلَهُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْخَيْرِ وَدَعَوْا إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ فَإِنَّهُمْ أَئِمَّةٌ فِيهِ يُقْتَدَى بِهِمْ فِي ذَلِكَ (¬5) . قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 124] ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَنْ جَعَلَهُ ذَا سَيْفٍ يُقَاتِلُ ¬

(¬1) أ، ب: أُخِذَ. (¬2) أ، ب: لِكَثِيرٍ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ، ص، ر، هـ: لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ. (¬3) مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُؤْتَمُّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَرَوْنَ أَنَّهُ يَأْتَمُّ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: يُقْتَدَى بِهِمْ فِيهِ.

بِهِ جَمِيعَ النَّاسِ، بَلْ جَعَلَهُ [بِحَيْثُ] (¬1) يَجِبُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُهُ، سَوَاءٌ أَطَاعُوهُ أَمْ عَصَوْهُ. فَهَؤُلَاءِ فِي الْإِمَامَةِ (¬2) فِي الدِّينِ أُسْوَةٌ (¬3) أَمْثَالُهُمْ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ مُقِرُّونَ بِإِمَامَةِ هَؤُلَاءِ فِيمَا دَلَّتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى الِائْتِمَامِ بِهِمْ فِيهِ، (* وَعَلَى الْإِمَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ الِائْتِمَامُ بِهِمْ فِيهِ *) (¬4) ، كَمَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِأَمْثَالِهِمْ مِثْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَمِثْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ (¬5) فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ (* السَّبْعَةُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: إِذَا قِيلَ مَنْ فِي الْعِلْمِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ... مَقَالَةَ حَقٍّ (¬6) لَيْسَتْ عَنِ الْحَقِّ خَارِجَهْ فَقُلْ هُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ ... سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَارِجَهْ *) (¬7) . وَمِثْلِ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ (¬8) وَأُسَامَةَ (¬9) وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمِثْلِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ¬

(¬1) بِحَيْثُ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: فَهَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةُ، و: فَهَؤُلَاءِ فِي الْأُمَّةِ. (¬3) ن: سَوَاءٌ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬6) حَقٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) . (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي (ص) ، (ر) فَقَطْ. وَلَا يُوجَدُ إِلَّا كَلِمَةُ " السَّبْعَةِ " فِي (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) . وَسَقَطَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَيْضًا مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: وَالْأَسْوَدِ بْنِ زَيْدٍ. (¬9) وَأُسَامَةَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (¬1) وَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ، وَمِثْلِ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمْ (¬2) . لَكِنَّ الْمَنْقُولَ الثَّابِتَ عَنْ بَعْضِ هَؤُلَاءِ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْفُتْيَا قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنَ الْمَنْقُولِ الثَّابِتِ عَنِ الْآخَرِ، فَتَكُونُ شُهْرَتُهُ لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ أَوْ لِقُوَّةِ حُجَّتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، وَهُشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، وَأَبَا الزِّنَادِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ الزُّهْرِيَّ، وَيَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ (¬3) وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ أَبِيهِ (¬4) أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، بَلْ كُلُّ [وَاحِدٍ مِنْ] (¬5) هَؤُلَاءِ ثِقَةٌ فِيمَا يَنْقُلُهُ، مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ، وَمَا بَيَّنَهُ مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ فَهُوَ مِنِ الْعِلْمِ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْهُ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالْإِسْنَادِ، مَقْبُولٌ فِي الدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ (¬6) ، وَإِذَا أَفْتَى بِفُتْيَا ¬

(¬1) وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: فِي (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) فَقَطْ. (¬2) يُوجَدُ اخْتِلَافٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَسْمَاءِ السَّابِقَةِ بَيْنَ النُّسَخِ الْمُخْتَلِفَةِ. (¬3) أ: وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ، ب، ر: وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ. وَمَا أَثْبَتُّهُ فِي سَائِرِ النُّسَخِ. وَأَبُو مُسْلِمٍ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مُسْلِمٍ الْأَشْعَرِيُّ الْكُوفِيُّ الْفَقِيهُ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/16 18. (¬4) ن: مِنِ ابْنِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) (6 - 6) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَعَارَضَهُ [غَيْرُهُ] (¬1) رَدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ (¬2) . وَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ جَمِيعِهِمْ، وَهَكَذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَ [عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ] (¬3) . الْوَجْهُ السَّادِسُ (¬4) : أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: " لَمْ يَتَّخِذُوا مَا اتَّخَذَهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْمُلْكِ وَالْمَعَاصِي " كَلَامٌ بَاطِلٌ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يُؤْتَمُّ بِهَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْعِلْمِ [عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ] (¬5) مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُتَّخَذُ إِمَامًا فِي ذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَسْتَعِينُونَ بِهَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ (¬6) ، وَيُعَاوِنُونَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ (¬7) : إِنْ كَانَ اتِّخَاذُهُمْ أَئِمَّةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَحْذُورًا، فَالرَّافِضَةُ أَدْخَلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ دَائِمًا يَسْتَعِينُونَ بِالْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ عَلَى مَطَالِبِهِمْ، وَيُعَاوِنُونَ الْكُفَّارَ [وَالْفُجَّارَ] (¬8) عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَآرِبِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُودٌ (¬9) فِي كُلِّ زَمَانٍ ¬

(¬1) غَيْرُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (م) : وَعَارَضَهُ آخَرُ. (¬2) أ، ب: كَمَا أُمِرَ بِذَلِكَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) ، (ب) : وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (¬4) ن، م، و: الْخَامِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. (¬7) ب (فَقَطْ) : لَهُ. (¬8) وَالْفُجَّارَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، م، هـ، و: مَشْهُورٌ.

وَمَكَانٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا صَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ " مِنْهَاجِ النَّدَامَةِ " وَإِخْوَانُهُ، فَإِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ الْمُغِلَّ وَالْكُفَّارَ أَوِ الْفُسَّاقَ أَوِ الْجُهَّالَ أَئِمَّةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. الْوَجْهُ السَّابِعُ (¬1) : أَنْ يُقَالَ: الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ هُمْ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ وَادَّعَى عِصْمَتَهُمْ لَيْسَ لَهُمْ سُلْطَانٌ تَحْصُلُ بِهِ مَقَاصِدُ (¬2) الْإِمَامَةِ، وَلَا يَكْفِي الِائْتِمَامُ بِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا فِي تَحْصِيلِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا يُعِينُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُلْكٌ وَلَا سُلْطَانٌ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تُصَلَّى خَلْفَهُمْ جُمُعَةٌ [وَلَا جَمَاعَةٌ] (¬3) ، وَلَا يَكُونُونَ أَئِمَّةً فِي الْجِهَادِ وَلَا فِي الْحَجِّ، وَلَا تُقَامُ بِهِمُ الْحُدُودُ، وَلَا تُفْصَلُ بِهِمُ الْخُصُومَاتُ، وَلَا يَسْتَوْفِي الرَّجُلُ بِهِمْ حُقُوقَهُ الَّتِي عِنْدَ النَّاسِ وَالَّتِي فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُؤْمَنُ بِهِمُ السُّبُلُ (¬4) ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى قَادِرٍ يَقُومُ بِهَا، وَلَا يَكُونُ قَادِرًا إِلَّا مَنْ لَهُ أَعْوَانٌ عَلَى ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ، بَلِ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ غَيْرَهُمْ، فَمَنْ طَلَبَ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ إِمَامٍ عَاجِزٍ عَنْهَا (¬5) كَانَ جَاهِلًا ظَالِمًا، وَمَنِ اسْتَعَانَ عَلَيْهَا بِمَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا كَانَ عَالِمًا (¬6) مُهْتَدِيًا مُسَدَّدًا، فَهَذَا يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَالْأَوَّلُ تَفُوتُهُ مَصْلَحَةُ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ (¬7) : أَنْ يُقَالَ: دَعْوَى كَوْنِ جَمِيعِ الْخُلَفَاءِ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِمَا ¬

(¬1) ن، م، و: السَّادِسُ. (¬2) ص، ر، و، هـ: سُلْطَانٌ يُقْتَدَى بِهِ فِي مَقَاصِدِ. . . (¬3) وَلَا جَمَاعَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب، هـ، ر: السَّبِيلُ. (¬5) عَنْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) عَالِمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) ، (ر) ، (هـ) . (¬7) ن، م، و،: السَّابِعُ.

ذَكَرَهُ مِنَ الْخُمُورِ وَالْفُجُورِ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ. وَالْحِكَايَاتُ الْمَنْقُولَةُ فِي ذَلِكَ فِيهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ فِيهِمُ الْعَدْلَ الزَّاهِدَ (¬1) كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمَهْدِيِّ بِاللَّهِ (¬2) ، وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِهَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَبَنِي الْعَبَّاسِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَدْ يُبْتَلَى بِبَعْضِ الذُّنُوبِ، وَقَدْ يَكُونُ تَابَ مِنْهَا، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ تَمْحُو تِلْكَ السَّيِّئَاتِ، وَقَدْ يُبْتَلَى بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ خَطَايَاهُ (¬3) . فَفِي الْجُمْلَةِ الْمُلُوكُ حَسَنَاتُهُمْ كِبَارٌ وَسَيِّئَاتُهُمْ كِبَارٌ (¬4) ، وَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُنُوبٌ وَمَعَاصٍ لَا تَكُونُ لِآحَادِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا لَيْسَ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَجِهَادِ الْعَدُوِّ وَإِيصَالِ كَثِيرٍ مِنَ الْحُقُوقِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَمَنْعِ كَثِيرٍ مِنَ الظُّلْمِ وَإِقَامَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَدْلِ. وَنَحْنُ لَا نَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا سَالِمِينَ مِنَ (* الْمَظَالِمِ وَالذُّنُوبِ، كَمَا لَا نَقُولُ: إِنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا سَالِمِينَ مِنْ *) (¬5) ذَلِكَ، لَكِنْ نَقُولُ: وُجُودُ الظُّلْمِ وَالْمَعَاصِي مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ (¬6) وَعَامَّتِهِمْ، لَا يَمْنَعُ أَنْ يُشَارِكَ فِيمَا يَعْمَلُهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَأْمُرُونَ بِمُوَافَقَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ إِلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَا فِي ¬

(¬1) أ، ن، م: الْعَدْلَ وَالزُّهْدَ، ب: الْعَدْلَ وَالزَّاهِدَ. (¬2) أ، ب: وَالْمُهْتَدِي بِاللَّهِ. (¬3) أ، ب: تُكَفِّرُهَا عَنْهُ. (¬4) أ: حَسَنَاتُهُمْ كِثَارٌ وَسَيِّئَاتُهُمْ، ب: حَسَنَاتُهُمْ كَثِيرَةٌ وَسَيِّئَاتُهُمْ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ر) . (¬6) أ، ب: الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ. .

مَعْصِيَتِهِ (¬1) ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى مَنْ وَافَقَ رَجُلًا (¬2) فِي طَاعَةِ اللَّهِ إِذَا انْفَرَدَ ذَلِكَ عَنْهُ بِمَعْصِيَةٍ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَجَّ مَعَ النَّاسِ، فَوَقَفَ مَعَهُمْ وَطَافَ، لَمْ يَضُرَّهُ كَوْنُ بَعْضِ الْحُجَّاجِ لَهُ مَظَالِمُ وَذُنُوبٌ يَنْفَرِدُ بِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا شَهِدَ مَعَ النَّاسِ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَمَجَالِسَ الْعِلْمِ وَغَزَا مَعَهُمْ، لَمْ يَضُرَّهُ أَنْ يَكُونَ (¬3) بَعْضُ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي ذَلِكَ لَهُ ذُنُوبٌ يَخْتَصُّ بِهَا، فَوُلَاةُ الْأُمُورِ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِمْ، يُشَارَكُونَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا يُشَارَكُونَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ أَئِمَّةِ (¬4) أَهْلِ الْبَيْتِ مَعَ غَيْرِهِمْ، فَمَنِ اتَّبَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْمُقْتَدِي بِهِمْ، دُونَ مَنْ تَبَرَّأَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَظَاهَرَ عَلَى عَدَوَاتِهِمُ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنَ الرَّافِضَةِ الضَّالِّينَ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ (¬5) : أَنْ يُقَالَ: إِمَامٌ قَادِرٌ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ النَّاسِ فِي أَكْثَرِ مَصَالِحِهِمْ، بِحَيْثُ تَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ (¬6) وَيُقَامُ بِهِ مَا يُقَامُ مِنَ الْحُدُودِ، وَيُدْفَعُ بِهِ مَا يُدْفَعُ مِنَ الظُّلْمِ، وَيَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ مِنْ جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَيُسْتَوْفَى بِهِ مَا يُسْتَوْفَى مِنَ الْحُقُوقِ، خَيْرٌ مِنْ إِمَامٍ مَعْدُومٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. ¬

(¬1) ن، م، هـ: لَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. (¬2) رَجُلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: لَمْ يَضُرَّهُ كَوْنُ. . (¬4) أَئِمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، و: الثَّامِنُ. (¬6) أ: يَأْمَنُ بِهِمُ السَّبِيلُ، ب: يُؤْمَنُ بِهِ السَّبِيلُ.

وَالرَّافِضَةُ تَدْعُو (¬1) إِلَى إِمَامٍ مَعْصُومٍ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي الْبَاطِنِ إِلَّا إِمَامٌ مَعْدُومٌ، وَفِي الظَّاهِرِ إِمَامٌ كَفُورٌ أَوْ ظَلُومٌ (¬2) . فَأَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَوْ فُرِضَ مَا فُرِضَ فِيهِمْ مِنَ الظُّلْمِ وَالذُّنُوبِ، خَيْرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الظَّاهِرِينَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُهُمُ الرَّافِضَةُ (¬3) ، وَخَيْرٌ مِنْ إِمَامٍ مَعْدُومٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَأَمَّا الْأَئِمَّةُ الْبَاقُونَ الَّذِينَ كَانُوا مَوْجُودِينَ فَأُولَئِكَ يَأْتَمُّ بِهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ كَمَا يَأْتَمُّونَ بِأَمْثَالِهِمْ، فَهُوَ وَأَمْثَالُهُمْ أَئِمَّةٌ، وَمَنِ ائْتَمَّ بِهَؤُلَاءِ مَعَ أَمْثَالِهِمْ (¬4) مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ خَيْرًا مِمَّنِ ائْتَمَّ بِهِمْ وَحْدَهُمْ، فَإِنَّ الْعِلْمَ رِوَايَةٌ وَدِرَايَةٌ، كُلَّمَا كَثُرَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ (¬5) كَانَ أَقْوَى وَأَوْلَى الِاتِّبَاعِ، فَلَيْسَ عِنْدَ الشِّيعَةِ خَيْرٌ إِلَّا وَأَهْلُ السُّنَّةِ يُشْرِكُونَهُمْ [فِيهِ، وَالْخَيْرُ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ] (¬6) لَا يُشْرِكُهُمْ فِيهِ الشِّيعَةُ. الْوَجْهُ الْعَاشِرُ (¬7) : أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْإِمَامِيُّ يُمْكِنُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يُعَارِضَهُ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ عَنْ مِثْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَمُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَمَكْحُولٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ¬

(¬1) أ، ب، م: يَدْعُونَ. (¬2) ن، م: إِمَامٌ كَفُورٌ وَظَلُومٌ، هـ، ر، ص، و: إِمَّا كَفُورٌ أَوْ ظَلُومٌ. (¬3) ن: يَعْتَقِدُ بِهِمُ الرَّافِضَةُ، أب: تَعْتَمِدُهُمُ الرَّافِضَةُ، ر، هـ، ص، و: تَعْتَضِدُ بِهِمُ الرَّافِضَةُ. (¬4) أ، ب: بِهَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ، ن: بِهَؤُلَاءِ فِيهِ مَعَ أَمْثَالِهِمْ. (¬5) ب (فَقَطْ) : وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) ن، م، و: التَّاسِعُ.

وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، هَؤُلَاءِ هُمُ الْأَئِمَّةُ (¬1) فِيمَا يُمْكِنُ الِائْتِمَامُ بِهِمْ فِيهِ مِنَ الدِّينِ مَعَ الِائْتِمَامِ بِالْمُلُوكِ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الِائْتِمَامِ بِهِمْ فِيهِ مِنَ الدِّينِ (¬2) . وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَابْنُهُ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ هُمْ أَيْضًا [مِنْ أَئِمَّةِ] (¬3) أَهْلِ السُّنَّةِ [وَالْجَمَاعَةِ] (¬4) بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَلَمْ تَأْتَمَّ الشِّيعَةُ بِإِمَامٍ ذِي عِلْمٍ وَزُهْدٍ إِلَّا وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَأْتَمُّونَ بِهِ أَيْضًا (¬5) وَبِجَمَاعَاتٍ (¬6) آخَرِينَ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ، بَلْ هُمْ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَزْهَدُ. وَمَا اتَّخَذَ أَهْلُ السُّنَّةِ إِمَامًا مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي (¬7) إِلَّا وَقَدِ اتَّخَذَتِ الشِّيعَةُ إِمَامًا مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي شَرًّا مِنْهُ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ [أَوْلَى بِالِائْتِمَامِ بِأَئِمَّةِ الْعَدْلِ فِيمَا يُمْكِنُ الِائْتِمَامُ بِهِمْ فِيهِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الِائْتِمَامِ (¬8) بِأَئِمَّةِ الظُّلْمِ فِي غَيْرِ مَا هُمْ ظَالِمُونَ فِيهِ، فَهُمْ] (¬9) خَيْرٌ مِنَ الشِّيعَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ. الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ (¬10) : قَوْلُهُ: " قَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ". ¬

(¬1) أ، ب: هَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ. (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) مِنْ أَئِمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، أَئِمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) وَالْجَمَاعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب، ص: وَبِجَمَاعَةٍ. (¬7) أ، م، ر، هـ: إِمَامًا فِي الْمَعَاصِي، ن: إِمَّا فِي الْمَعَاصِي. (¬8) (8 - 8) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ن، م، و: الْوَجْهُ الْعَاشِرُ.

فَيُقَالُ لِلْإِمَامِيَّةِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ [فِي الدُّنْيَا] (¬1) بِمَا أَظْهَرَهُ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَبِمَا نَصَرَ بِهِ أَهْلَ الْحَقِّ (¬2) عَلَيْكُمْ، فَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَيْكُمْ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ، وَبِالْيَدِ وَالسِّنَانِ (¬3) ، كَمَا أَظْهَرَ دِينَ نَبِيِّهِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 33] وَكَانَ مِنْ دِينِهِ (¬4) قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِي (¬5) خَالَفْتُمُوهُمْ [فِيهِ] (¬6) ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ عَلَيْكُمْ بِالْحُجَّةِ وَالسِّنَانِ (¬7) ، كَظُهُورِ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، وَلَمْ يَظْهَرْ دِينُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ إِلَّا بِأَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا ظَهَرَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ظُهُورًا لَمْ يَحْصُلْ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَدْيَانِ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَمِنْ سَادَاتِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، فَلَمْ (¬8) يَظْهَرْ فِي خِلَافَتِهِ دِينُ الْإِسْلَامِ، بَلْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ أَهْلِهِ، وَطَمِعَ فِيهِمْ عَدُوُّهُمْ مِنَ [الْكُفَّارِ وَ] النَّصَارَى (¬9) وَالْمَجُوسِ ¬

(¬1) فِي الدُّنْيَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) أ، ب: وَبِمَا يُظْهِرُ أَهْلَ الْحَقِّ. . . (¬3) أ، ب: وَاللِّسَانِ. (¬4) أ، ب: وَمَنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ. . . (¬5) ن، م، ص: الَّذِينَ. (¬6) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ، ب: وَاللِّسَانِ. (¬8) ب (فَقَطْ) : لَمْ. (¬9) ن، م: مِنَ النَّصَارَى.

بِالشَّامِ وَالْمَشْرِقِ. وَأَمَّا بَعْدَ عَلِيٍّ فَلَمْ يُعْرَفْ أَهْلُ عِلْمٍ وَدِينٍ (*، وَلَا أَهْلُ يَدٍ وَسَيْفٍ، نَصَرَ اللَّهُ بِهِمُ الْإِسْلَامَ إِلَّا أَهْلُ السُّنَّةِ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَإِمَّا أَنْ تُعَاوِنَ (¬1) أَعْدَاءَ الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا أَنْ *) (¬2) تُمْسِكَ عَنْ نَصْرِ الطَّائِفَتَيْنِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْكُمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَبَيْنَ مَنْ عَادَاهُمْ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، كَمَا يَحْكُمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ (¬3) . الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ (¬4) : أَنْ يُقَالَ: هَذَا التَّظَلُّمُ مِمَّنْ هُوَ؟ إِنْ قُلْتُمْ: مِمَّنْ ظَلَمَ عَلِيًّا، كَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ عَلَى زَعْمِكُمْ، فَيُقَالُ لَكُمْ: الْخَصْمُ فِي هَذَا (¬5) عَلِيٌّ، وَقَدْ مَاتَ كَمَا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِنَا وَلَا بِكُمْ إِلَّا بِطَرِيقِ بَيَانِ الْحَقِّ وَمُوَالَاةِ أَهْلِهِ. وَنَحْنُ نُبَيِّنُ بِالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ أَوْلَى بِالْعَدْلِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُمَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الظُّلْمِ مِنْ كُلِّ مَنْ سِوَاهُمَا، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إِمَامُ الْأُمَّةِ دُونَهُمَا، كَمَا يُذْكَرُ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ [إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] (¬6) . وَإِنْ قُلْتُمْ: نَتَظَلَّمُ مِنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ مَنَعُوا هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمْ مِنِ الْإِمَامَةِ، فَهَذَا فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ هَؤُلَاءِ [الِاثْنَى عَشَرَ] (¬7) كَانُوا يَطْلُبُونَ ¬

(¬1) أ، ب: أَنْ يُعَاوِنُوا. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) ص، هـ: بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَالْكُفَّارِ، و: بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ. (¬4) ن، م، و: الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ. (¬5) أ، ب: فِي ذَلِكَ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) الِاثْنَى عَشَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ،. وَفِي (و) : عَلَى كَوْنِ الْأَئِمَّةِ. .

الْإِمَامَةَ، أَوْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ أَئِمَّةُ [الْأُمَّةِ الْمَعْصُومُونَ] (¬1) ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى الْقَوْمِ. وَسَوَاءٌ كَانَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ إِنْ كَانُوا مُخْتَصِمِينَ: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 46] . وَإِنْ كَانَ التَّظَلُّمُ مِنْ بَعْضِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ مُنَازَعَةٌ فِي وِلَايَةٍ أَوْ مَالٍ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَحْكُمُ بَيْنَ سَائِرِ الْمُخْتَصِمِينَ، فَإِنَّ نَفْسَ الشِّيعَةِ بَيْنَهُمْ مِنَ الْمُخَاصَمَاتِ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ سَائِرِ طَوَائِفِ [أَهْلِ] (¬2) السُّنَّةِ. وَبَنُو هَاشِمٍ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمْ نَوْعٌ مِنَ الْحُرُوبِ، وَقَدْ جَرَى (¬3) بَيْنَ بَنِي حَسَنٍ وَبَنِي حُسَيْنٍ مِنَ الْحُرُوبِ مَا يَجْرِي بَيْنَ أَمْثَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ. وَالْحُرُوبُ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ بَيْنَ بَعْضِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِنَ الطَّوَائِفِ أَكْثَرُ مِنَ الْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ بَيْنَ بَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَعْضِ بَنِي هَاشِمٍ، لَا لِشَرَفِ نَسَبِ أُولَئِكَ إِذْ (¬4) نَسَبُ بَنِي هَاشِمٍ أَشْرَفُ، لَكِنْ لِأَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ هُوَ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، [ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ] (¬5) ، فَالْخَيْرُ فِي تِلْكَ الْقُرُونِ أَكْثَرُ وَالشَّرُّ فِيمَا بَعْدَهَا أَكْثَرُ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " الْمَعْصُومُونَ " مِنْ (و) . (¬2) أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) ، (ص) . (¬3) أب: وَجَرَى. (¬4) أ، ب: إِنَّ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

وَإِنْ كَانَ التَّظَلُّمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ (¬1) الَّذِينَ لَمْ يَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلَمْ يُعَاوِنُوا ظَالِمًا، وَلَكِنْ يَذْكُرُونَ مَا يَجِبُ مِنَ الْقَوْلِ عِلْمًا وَعَمَلًا بِالدَّلَائِلِ الْكَاشِفَةِ لِلْحَقِّ، فَلَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى عَقْلٍ أَنَّ (¬2) مَنْ شَبَّهَ مِثْلَ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ وَأَمْثَالِهِمْ، بِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَأَمْثَالِهِمَا مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ: إِنَّهُ لَمِنْ أَظْلَمِ الظَّالِمِينَ. وَكَذَلِكَ مَنْ شَبَّهَ الْمُفِيدَ بْنَ النُّعْمَانِ وَالْكَرَاجَكِيَّ (¬3) وَأَمْثَالَهُمَا بِمِثْلِ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي هَاشِمٍ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ (¬4) الْبَصْرِيِّ: إِنَّهُ لَمِنْ أَظْلَمِ الظَّالِمِينَ، وَهَؤُلَاءِ شُيُوخُ الْمُعْتَزِلَةِ، دَعْ مُحَمَّدَ بْنَ الْهَيْصَمِ (¬5) وَأَمْثَالَهُ، وَالْقَاضِيَ أَبَا بَكْرِ بْنَ الطَّيِّبِ وَأَمْثَالَهُ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، دَعْ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ كَأَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، وَأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ (¬6) ، وَ [أَبِي عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ بَطَّةَ (¬7) ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، [وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيِّ] (¬8) . وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ، وَأَبِي ¬

(¬1) ن، م: الْمَعْرِفَةِ وَالدِّينِ. (¬2) أ، ب: أَنَّهُ. (¬3) أ: الْمُقْتَدَيْنِ النُّعْمِيَّ وَالْكَرَاجِلِيَّ، ب: الْقَدَرِيَّيْنِ النَّغَمِيَّ وَالْكَرْجَكِيَّ، م: الْمُفِيدَ بْنَ النُّعْمَانِ وَالْكَرَاخِيَّ. (¬4) ن، ص: وَأَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) أ، ص، ر، ن: مُحَمَّدَ بْنَ الْهَيْضَمِ، ب: مُحَمَّدَ بْنَ هَيْضَمٍ. وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/285. (¬6) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬7) ن، م: وَابْنِ بَطَّةَ. (¬8) وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . وَفِي (أ) ، (ب) : وَأَبِي الْحَسَنِ الْقَزْوِينِيِّ، وَفِي (هـ) ، (ص) : وَأَبِي الْحَسَنِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُدُورِيُّ، فَقِيهٌ حَنَفِيٌّ، تُوُفِّيَ فِي بَغْدَادَ سَنَةَ: 428. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/60 - 61، تَاجِ التَّرَاجِمِ لِابْنِ قُطْلُوبَغَا (ط. بَغْدَادَ، 1962) ص [0 - 9] ، الْأَعْلَامِ 1

الْحَسَنِ الدَّرَاقُطْنِيِّ، وَ [أَبِي عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ مَنْدَهْ (¬1) ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ سَمْعُونَ (¬2) ، وَأَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ. فَمَا مِنْ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ - عَلَى تَنَوُّعِهِمْ - إِلَّا إِذَا اعْتَبَرْتَهَا وَجَدْتَهَا (¬3) أَعْلَمَ وَأَعْدَلَ، وَأَبْعَدَ عَنِ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، مِنْ طَائِفَةِ الرَّافِضَةِ (¬4) ، فَلَا يُوجَدُ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ مُعَاوَنَةُ ظَالِمٍ إِلَّا وَهُوَ فِي الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ، وَلَا يُوجَدُ فِي الشِّيعَةِ بَعْدُ [مَا] عَنْ (¬5) ظُلْمِ ظَالِمٍ إِلَّا وَهُوَ فِي هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ. وَهَذَا أَمْرٌ يَشْهَدُ بِهِ الْعِيَانُ وَالسَّمَاعُ، لِمَنْ لَهُ اعْتِبَارٌ وَنَظَرٌ. وَلَا يُوجَدُ فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ لَا (¬6) أَكْذَبَ مِنْهُمْ، وَلَا أَظْلَمَ مِنْهُمْ، وَلَا أَجْهَلَ مِنْهُمْ. وَشُيُوخُهُمْ يُقِرُّونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، يَقُولُونَ: يَا أَهْلَ السُّنَّةِ أَنْتُمْ فِيكُمْ فُتُوَّةٌ لَوْ قَدَرْنَا عَلَيْكُمْ لَمَا عَامَلْنَاكُمْ (¬7) بِمَا تُعَامِلُونَا بِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْنَا. ¬

(¬1) ن، م: وَابْنِ مَنْدَهْ. (¬2) أ، ب: وَأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ، ن: وَأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ شَمْعُونَ. وَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَنْبَسِ بْنِ سَمْعُونَ، زَاهِدٌ وَوَاعِظٌ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ: 300 وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ: 387، عَلَتْ شُهْرَتُهُ حَتَّى قِيلَ: " أَوْعَظُ مِنْ سَمْعُونَ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/155 - 162، صِفَةِ الصَّفْوَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 2/266 - 269، الْأَعْلَامِ 6/204. (¬3) أ، ب: إِلَّا إِذَا اعْتَبَرْتَهَا إِلَّا وَتَحَقَّقْتَهَا. (¬4) أ، ب: الرَّوَافِضِ. (¬5) أ، ب: عَدَلَ عَنْ. وَسَقَطَتْ " مَا " مِنْ (ن) . (¬6) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬7) أ، ب: مَا عَامَلْنَاكُمْ، ص: لَعَامَلْنَاكُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ (¬1) : أَنْ يُقَالَ: هَذَا الشِّعْرُ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ [وَاسْتَحْسَنَهُ] (¬2) هُوَ قَوْلُ جَاهِلٍ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى قَبُولِ مَا رَوَى جَدُّهُمْ عَنْ جِبْرِيلَ عَنِ الْبَارِي، بَلْ هُمْ يَقْبَلُونَ مُجَرَّدَ قَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَلَا يَسْأَلُونَهُ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هَذَا، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ مَعْصُومٌ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وَإِنَّمَا سُمُّوا أَهْلَ السُّنَّةِ لِاتِّبَاعِهِمْ لِسُنَّتِهِ (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي [مَعْرِفَةِ] (¬4) مَا رَوَاهُ جَدُّهُمْ، فَهُمْ يَطْلُبُونَ عِلْمَ ذَلِكَ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ (¬5) الْعَلَوِيِّينَ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَفَادُوهُ مِنْهُ (¬6) ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَفَادُوهُ مِنْهُ] (¬7) . وَأَمَّا مُجَرَّدُ كَوْنِ جَدِّهِمْ رَوَى عَنْ جِبْرِيلَ عَنِ الْبَارِي إِذَا لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِهِ فَمَا يَصْنَعُ لَهُمْ (¬8) ؟ وَالنَّاسُ لَمْ يَأْخُذُوا قَوْلَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ إِلَّا لِكَوْنِهِمْ يُسْنِدُونَ أَقْوَالَهُمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَأَتْبَعِهِمْ لِذَلِكَ، وَأَشَدِّهِمُ اجْتِهَادًا (¬9) فِي مَعْرِفَةِ [ذَلِكَ] وَاتِّبَاعِهِ (¬10) ، وَإِلَّا فَأَيُّ غَرَضٍ لِلنَّاسِ فِي تَعْظِيمِ مِثْلِ (¬11) هَؤُلَاءِ؟ . ¬

(¬1) ن، م، و: الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ. (¬2) وَاسْتَحْسَنَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: سُنَّتَهُ. (¬4) مَعْرِفَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أَحَدٍ مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: مِنْهُمْ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) و، ر، ص، هـ: بِهِمْ. (¬9) أ، ب: وَأَسَدِّ اجْتِهَادًا. (¬10) ن، م: فِي مَعْرِفَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ. (¬11) مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَعَامَّةُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَرْوِيهَا هَؤُلَاءِ يَرْوِيهَا أَمْثَالُهُمْ، وَكَذَلِكَ عَامَّةٌ مَا يُجِيبُونَ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ يَقُولُهُ (¬1) أَمْثَالُهُمْ، وَلَا يَجْعَلُ أَهْلُ السُّنَّةِ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَحْدَهُ (¬2) مَعْصُومًا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، بَلْ إِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ رَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَاعْتَبِرْ ذَلِكَ بِمَا تُشَاهِدُهُ فِي زَمَانِكَ مِنْ عِلْمِ (¬3) أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فِيهِمَا (¬4) ، وَأَنْتَ (¬5) تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَلَا يَعْرِفُ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَا يَفْقَهُ مَعَانِيَ (¬6) ذَلِكَ. فَإِذَا قَالَ هَذَا: رَوَى جَدُّنَا عَنْ جِبْرِيلَ عَنِ الْبَارِي. قِيلَ: نَعَمْ. وَهَؤُلَاءِ أَعْلَمُ مِنْكُمْ بِمَا رَوَى جَدُّكُمْ عَنْ جِبْرِيلَ، وَأَنْتُمْ تَرْجِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَيْهِمْ. وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ تَعَلَّمَ (¬7) بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]- (¬8) مِنْ غَيْرِهِ، بَلْ مِنْ غَيْرِ بَنِي ¬

(¬1) أ، ب: مِنَ الْمَسَائِلِ كَقَوْلِ. . . (¬2) وَحْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) عِلْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) فِيهِمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬5) ب (فَقَطْ) : فَإِنَّكَ. (¬6) أ، ب: وَلَا يَعْرِفُ مَعَانِيَ. . (¬7) ن، م، و: قَدْ يَعْلَمُ، ب: قَدْ يَتَعَلَّمُ. (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

هَاشِمٍ، كَانَ هَذَا مِنْ أَمَارَةِ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ إِلَّا كَعِلْمِ أَمْثَالِهِمْ. فَبِمَنْ (¬1) يَأْتَمُّ النَّاسُ، وَعَمَّنْ يَأْخُذُونَ؟ عَمَّنْ يَعْرِفُ (¬2) مَا جَاءَ بِهِ جَدُّهُمْ أَوْ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ؟ وَالْعُلَمَاءُ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ فَقَدَ (¬3) أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. وَإِنْ قَالَ: مُرَادِي بِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الِاثْنَا عَشَرَ. قِيلَ لَهُ: مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَدِّهِمْ، فَمَقْبُولٌ مِنْهُمْ كَمَا يَرْوِيهِ أَمْثَالُهُمْ. وَلَوْلَا أَنَّ النَّاسَ وَجَدُوا عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ أَكْثَرَ مِمَّا وَجَدُوهُ عِنْدَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، لَمَا عَدَلُوا عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ. وَإِلَّا فَأَيُّ غَرَضٍ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَنْ يَعْدِلُوا عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَكِلَاهُمَا مِنْ بَلَدٍ وَاحِدٍ، فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ؟ لَوْ وَجَدُوا عِنْدَ مُوسَى [بْنِ جَعْفَرٍ] (¬4) مِنْ عِلْمِ الرَّسُولِ مَا وَجَدُوهُ عِنْدَ مَالِكٍ - مَعَ كَمَالِ رَغْبَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعْرِفَةِ عِلْمِ الرَّسُولِ، وَنَفْسُ بَنِي هَاشِمٍ كَانُوا يَسْتَفِيدُونَ عِلْمَ الرَّسُولِ مِنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَفِيدُونَهُ مِنِ ابْنِ عَمِّهِمْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ جَاءَ بَعْدَ مَالِكٍ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي أَشْيَاءَ وَرَدَّهَا عَلَيْهِ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَا وَقَعَ، وَهُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا ¬

(¬1) أ، ص، هـ: فَيمَنْ. (¬2) ب (فَقَطْ) : أَيَأْخَذُونَ عَمَّنْ يَعْرِفُ. وَفِي (أ) : وَيَعْرِفُ. . . إِلَخْ. (¬3) فَقَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬4) بْنِ جَعْفَرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

بِبَنِي هَاشِمٍ (* مِنْ مَالِكٍ (¬1) ، وَمِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى مَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ عِلْمِ الرَّسُولِ مِنْ بَنِي عَمِّهِ وَغَيْرِ [بَنِي عَمِّهِ] (¬2) - فَلَوْ وَجَدَ (¬3) عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ *) (¬4) أَعْظَمَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي وَجَدَهُ عِنْدَ مَالِكٍ، لَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ مُسَارَعَةً إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذِ [الْعِلْمَ] (¬5) عَنْ أَحَدٍ أَعْلَمَ مِنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ مَشْحُونَةً بِالْأَخْذِ عَنْ هَذَيْنِ [الِاثْنَيْنِ] (¬6) وَعَنْ غَيْرِهِمَا (¬7) ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَأَمْثَالِهِ مَنْ بَنِي هَاشِمٍ، عَلِمَ أَنَّ مَطْلُوبَهُ مِنْ عِلْمِ الرَّسُولِ -[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]- (¬8) كَانَ عِنْدَ مَالِكٍ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ. وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَدْ عُلِمَ كَمَالُ مَحَبَّتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِحَدِيثِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمُوَالَاتُهُ لِمَنْ يُوَافِقُهُ، وَمُعَادَاتُهُ لِمَنْ يُخَالِفُهُ، وَمَحَبَّتُهُ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَتَصْنِيفُهُ فِي فَضَائِلِهِمْ، حَتَّى صَنَّفَ " فَضَائِلَ (¬9) عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ " كَمَا صَنَّفَ " فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ (¬10) "، وَمَعَ ¬

(¬1) أ، ب: مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ مَالِكٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن: وَغَيْرِهِمْ. (¬3) ن: فَلَوْ وَجَدُوا، أ، ب: وَلَوْ وَجَدَ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) الْعِلْمَ: فِي (ر) فَقَطْ. وَفِي (ص) : لَمْ يَأْخُذْهُ. (¬6) الِاثْنَيْنِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: وَغَيْرِهِمَا. (¬8) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ. . . (¬10) م (فَقَطْ) : صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ. وَذَكَرَ سِزْكِينُ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الْمَخْطُوطَةِ " كِتَابَ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " وَمِنْ كُتُبِهِ الْأُخْرَى كِتَابَ " فَضَائِلِ عَلِيٍّ " انْظُرْ: تَارِيخَ التُّرَاثِ الْعَرَبِيِّ، م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 25، 226. وَقَدْ طُبِعَ كِتَابُ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ ".

هَذَا فَكُتُبُهُ مَمْلُوءَةٌ بِعِلْمِ (¬1) مِثْلِ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاجِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَمْثَالِهِمْ، دُونَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَمْثَالِهِمْ. فَلَوْ وَجَدَ مَطْلُوبَهُ عَنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ لَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ رَغْبَةً فِي ذَلِكَ. فَإِنْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ الْمَخْزُونِ مَا لَيْسَ عِنْدَ أُولَئِكَ لَكِنْ كَانُوا يَكْتُمُونَهُ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلنَّاسِ فِي عِلْمٍ يَكْتُمُونَهُ؟ (¬2) فَعِلْمٌ لَا يُقَالُ بِهِ كَكَنْزٍ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ، وَكَيْفَ (¬3) يَأْتَمُّ النَّاسُ بِمَنْ لَا يُبَيِّنُ لَهُمُ الْعِلْمَ الْمَكْتُومَ، كَالْإِمَامِ الْمَعْدُومِ، وَكَلَاهُمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ لُطْفٌ وَلَا مَصْلَحَةٌ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ كَانُوا يُبَيِّنُونَ (¬4) ذَلِكَ لِخَوَاصِّهِمْ دُونَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ. قِيلَ: أَوَّلًا: هَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَجِئْ بَعْدَهُ مِثْلُهُ. وَقَدْ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْهُ (¬5) هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ، كَمَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَشُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَشَاهِيرِ (¬6) الْأَعْيَانِ. ¬

(¬1) بِعِلْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، (أ) . وَفِي (ب) : مَمْلُوءَةٌ عَنْ مِثْلِ مَالِكٍ. . . إِلَخْ. (¬2) أ، ب: فِي عِلْمٍ مَكْتُومٍ. (¬3) أ، ب، ر: فَكَيْفَ. (¬4) أ: يُثْبِتُوا، ب: يُثْبِتُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) أ، ب، هـ، ر، ص: عَنْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ن، م: الْمَشْهُورِينَ.

ثُمَّ مَنْ ظَنِّ بِهَؤُلَاءِ السَّادَةِ أَنَّهُمْ يَكْتُمُونَ عِلْمَهُمْ (¬1) عَنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ، وَيَخُصُّونَ بِهِ قَوْمًا مَجْهُولِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ، فَقَدْ أَسَاءَ الظَّنَّ بِهِمْ، فَإِنَّ فِي هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَالطَّاعَةِ لَهُ وَالرَّغْبَةِ فِي حِفْظِ دِينِهِ وَتَبْلِيغِهِ وَمُوَالَاةِ مَنْ وَالَاهُ وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ وَصِيَانَتِهِ عَنِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَا لَا يُوجَدُ قَرِيبٌ مِنْهُ لِأَحَدٍ مِنْ شُيُوخِ الشِّيعَةِ. وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ لِمَنْ عَرَفَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. وَاعْتَبِرْ هَذَا مِمَّا تَجِدُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ شُيُوخِ السُّنَّةِ وَشُيُوخِ الرَّافِضَةِ، كَمُصَنِّفِ هَذَا الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ أَفْضَلُهُمْ فِي زَمَانِهِ، بَلْ يَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: لَيْسَ فِي بِلَادِ الْمَشْرِقِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي جِنْسِ الْعُلُومِ مُطْلَقًا. وَمَعَ هَذَا فَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَجْهَلِ خَلْقِ اللَّهِ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ، فَيَرْوِي الْكَذِبَ (¬2) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَذِبٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ كَذِبٌ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ وَهُوَ (¬3) يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» (¬4) " وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قِيلَ: ¬

(¬1) أ، ب: الْعِلْمَ. (¬2) ر، هـ، ص: فَيَرْوِي الْحَدِيثَ. (¬3) وَهُوَ: لَيْسَتْ فِي (ص) . (¬4) أ، ب، م: الْكَذَّابِينَ. وَالْحَدِيثُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: مُسْلِمٍ 1/9 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ وَتَرْكِ الْكَذَّابِينَ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/143 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/14 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/20، وَانْظُرْ شَرْحَ النَّوَوِيِّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ 1/62 - 64.

فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ ... وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ (* وَأَمَّا الْأَبْيَاتُ الَّتِي أَنْشَدَهَا فَقَدْ قِيلَ فِي مُعَارَضَتِهَا: إِذَا شِئْتَ أَنْ تَرْضَى لِنَفْسِكَ مَذْهَبًا ... تَنَالُ بِهِ الزُّلْفَى وَتَنْجُو مِنَ النَّارِ فَدِنْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ (¬1) الَّتِي ... أَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ نَقْلِ أَخْيَارِ (¬2) وَدَعْ عَنْكَ دِينَ الرَّفْضِ (¬3) وَالْبِدَعِ الَّتِي يَقُودُكَ دَاعِيهَا إِلَى النَّارِ وَالْعَارِ وَسِرْ خَلْفَ أَصْحَابِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُمْ ... نُجُومُ هُدًى فِي ضَوْئِهَا يَهْتَدِي السَّارِي وَعُجْ عَنْ طَرِيقِ الرَّفْضِ فَهْوَ مُؤَسَّسٌ ... عَلَى الْكُفْرِ تَأْسِيسًا عَلَى جَرُفٍ هَارِ هُمَا خُطَّتَا (¬4) : إِمَّا هُدًى وَسَعَادَةٌ ... وَإِمَّا شَقَاءٌ مَعْ ضَلَالَةِ كُفَّارِ فَأَيُّ فَرِيقَيْنَا (¬5) أَحَقُّ بِأَمْنِهِ ... وَأَهْدَى سَبِيلًا عِنْدَ مَا يَحْكُمُ الْبَارِي أَمَنْ سَبَّ أَصْحَابَ الرَّسُولِ وَخَالَفَ الْـ ... كِتَابَ وَلَمْ يَعْبَا بِثَابِتِ أَخْبَارِ (¬6) أَمِ الْمُقْتَدِي بِالْوَحْيِ يَسْلُكُ مَنْهَجَ الـ صَّحَابَةِ مَعْ حُبِّ الْقَرَابَةِ الَاطْهَارِ (¬7) *) (¬8) ¬

(¬1) ص: وَالسُّنَنِ. (¬2) أَخْيَارِ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْأَخْيَارِ. (¬3) أ، ب: دَاعِ الرَّفْضِ. (¬4) ب (فَقَطْ) : هُمَا خُطَّتَانِ. (¬5) ر، هـ: طَرِيقَيْنَا، ص: الطَّرِيقَيْنِ. (¬6) أَخْبَارِ. كَذَا فِي (ص) ، (ر) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْأَخْبَارِ. (¬7) ص: قَرَابَةٍ أَطْهَارِ. (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .

كلام الرافضي على اختيار الناس لمذهب أهل السنة طلبا للدنيا والرد عليه

[كلام الرافضي على اختيار الناس لمذهب أهل السنة طلبا للدنيا والرد عليه] فَصْلٌ (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا مِنَ الْمُحَصِّلِينَ (¬3) وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَاخْتَارَ (¬4) غَيْرَ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ بَاطِنًا، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ يَصِيرُ إِلَى غَيْرِهِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا؛ حَيْثُ وُضِعَتْ لَهُمُ الْمَدَارِسُ وَالرُّبُطُ وَالْأَوْقَافُ حَتَّى تَسْتَمِرَّ (¬5) لِبَنِي الْعَبَّاسِ الدَّعْوَةُ وَيُشِيدُوا (¬6) لِلْعَامَّةِ اعْتِقَادَ إِمَامَتِهِمْ ". فَيُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ (¬7) لَا يَقُولُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَوْ مَنْ (¬8) هُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كَذِبًا وَعِنَادًا، وَبُطْلَانُهُ (¬9) ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ السُّنَّةَ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُبْنَى الْمَدَارِسُ أَقْوَى وَأَظْهَرُ، فَإِنَّ الْمَدَارِسَ إِنَّمَا بُنِيَتْ فِي بَغْدَادَ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ: بُنِيَتِ النِّظَامِيَّةُ فِي حُدُودِ السِّتِّينَ وَالْأَرْبَعِمِائَةِ، وَبُنِيَتْ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (¬10) . وَالْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ طَبَقَتِ الْمَشْرِقَ ¬

(¬1) ص، ر، هـ: الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ. (¬2) فِي (ك) ص [0 - 9] 07 (م) . (¬3) ن، أ: مِنَ الْمُخْلِصِينَ. (¬4) ك: فَاخْتَارَ. (¬5) ك: حِينَ تَسْتَمِرُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ك: وَيُشِيدُ. (¬7) أ، ب: كَلَامٌ. (¬8) أ، ب: وَمَنْ. (¬9) ن: وَسُلْطَانُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) يَقُولُ ابْنُ خِلِّكَانَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُلَقَّبِ بِنِظَامِ الْمُلْكِ (وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 1/396: " وَشَرَعَ فِي عِمَارَةِ مَدْرَسَتِهِ بِبَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى طَبَقَاتِهِمْ لِيُدَرِّسَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. . . " وَانْظُرِ: الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ لِابْنِ كَثِيرٍ 12/140؛ الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 10؛ الْمُنْتَظِمَ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 9/65 - 66 وَفِيهِ (وَفِي كِتَابٍ شَرَطَهَا أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَصْلًا. . .)

وَالْمَغْرِبَ (¬1) وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مَدْرَسَةٌ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْغَرْبِ (¬2) لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُمْ وَلَدُ الْعَبَّاسِ. ثُمَّ السُّنَّةُ كَانَتْ قَبْلَ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ أَظْهَرَ مِنْهَا وَأَقْوَى فِي دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَإِنَّ بَنِي الْعَبَّاسِ دَخَلَ فِي دَوْلَتِهِمْ كَثِيرٌ (¬3) مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. ثُمَّ إِنَّ (¬4) أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَخْتَصُّ بِبَنِي الْعَبَّاسِ، وَإِنَّهُ لَوْ تَوَلَّاهَا بَعْضُ الْعَلَوِيِّينَ أَوِ الْأُمَوِيِّينَ أَوْ غَيْرُهُمْ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ جَازَ، ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عُلَمَاءَ السُّنَّةِ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مُدَاهَنَةِ الْمُلُوكِ أَوْ مُقَارَبَتِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ (¬5) أَهْلَ السُّنَّةِ إِنَّمَا يُعَظِّمُونَ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ. ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِينَ أَحَدٌ (¬6) رَافِضِيٌّ، بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَجْهِيلِ الرَّافِضَةِ وَتَضْلِيلِهِمْ، وَكُتُبُهُمْ كُلُّهَا ¬

(¬1) ن، م، ص، ر، هـ: الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ. (¬2) فِي الْغَرْبِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِالْغَرْبِ. (¬3) أ، ب: فَإِنَّ دَوْلَةَ بَنِي الْعَبَّاسِ دَخَلَ فِيهَا كَثِيرٌ. . . (¬4) إِنَّ: فِي (ن) فَقَطْ. (¬5) إِنَّ: فِي (ن) فَقَطْ. (¬6) ن، م، و: وَاحِدٌ.

شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، وَهَذِهِ كُتُبُ الطَّوَائِفِ كُلُّهَا تَنْطِقُ (¬1) بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ لَا أَحَدَ يُلْجِئُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الرَّافِضَةِ، وَذِكْرِ جَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ. وَهُمْ دَائِمًا يَذْكُرُونَ مِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ وَضَلَالِهِمْ مَا يُعْلَمُ مَعَهُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَضَلِّهِمْ، وَأَبْعَدِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ عَنِ الْهُدَى. كَيْفَ (¬2) . وَمَذْهَبُ هَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ قَدْ جَمَعَ عَظَائِمَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ، فَإِنَّهُمْ جَهْمِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ رَافِضَةٌ (¬3) . وَكَلَامُ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ فِي ذَمِّ كُلِّ (¬4) صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، وَالْكُتُبُ مَشْحُونَةٌ بِذَلِكَ، كَكُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْآثَارِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ شَرٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالْمُرْجِئَةِ (¬5) وَالْحَرُورِيَّةِ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِي وَتَطَلُّعِي إِلَى مَعْرِفَةِ أَقْوَالِ النَّاسِ [وَمَذَاهِبِهِمْ] (¬6) مَا عَلِمْتُ رَجُلًا لَهُ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ يَتَّهِمُ (¬7) بِمَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ (¬8) يَعْتَقِدُهُ فِي الْبَاطِنِ. وَقَدِ اتُّهِمَ بِمَذْهَبِ الزَّيْدِيَّةِ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، وَكَانَ فَقِيهًا ¬

(¬1) أ، ب: تَشْهَدُ. (¬2) كَيْفَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) أ، ب: رَافِضِيَّةٌ. (¬4) كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: وَالْمُرْجِئَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) وَمَذَاهِبِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) أ: مِنْهُمْ؛ ب: مُتَّهَمًا. (¬8) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

صَالِحًا (¬1) زَاهِدًا (¬2) ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْقُلْ (¬3) أَحَدٌ عَنْهُ (¬4) : إِنَّهُ طَعَنَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَشُكَّ فِي إِمَامَتِهِمَا. وَاتُّهِمَ (¬5) طَائِفَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ الْأُولَى (* بِتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ (¬6) ، وَلَمْ يُتَّهَمْ أَحَدٌ مِنَ الشِّيعَةِ الْأُولَى بِتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ كَانَتْ عَامَّةُ الشِّيعَةِ الْأُولَى *) (¬7) الَّذِينَ يُحِبُّونَ عَلِيًّا يُفَضِّلُونَ عَلَيْهِ (¬8) أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَكِنْ كَانَ فِيهِمْ طَائِفَةٌ تُرَجِّحُهُ (¬9) عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ النَّاسُ فِي الْفِتْنَةِ صَارُوا شِيعَتَيْنِ: شِيعَةً عُثْمَانِيَّةً، وَشِيعَةً عَلَوِيَّةً. وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ كَانَ يُفَضِّلُهُ عَلَى عُثْمَانَ، بَلْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُفَضِّلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ سَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ. ¬

(¬1) صَالِحًا: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) . (¬2) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ الْهَمْدَانِيُّ الثَّوْرِيُّ الْكُوفِيُّ، كَانَ فَقِيهًا مُحَدِّثًا مُتَكَلِّمًا، وَهُوَ رَأْسُ فِرْقَةِ الصَّالِحِيَّةِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ، وَقَوْلُهَا وَفِرْقَةُ الْبُتْرِيَّةِ أَصْحَابُ كَثِيرِ النَّوَى الْأَبْتَرِ قَوْلٌ وَاحِدٌ. وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ سَنَةَ 100 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 168 وَجَعَلَهُمَا الْأَشْعَرِيُّ فِرْقَةً وَاحِدَةً سَمَّاهَا الْبُتْرِيَّةَ، وَيَقُولُ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ: " يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ، وَأَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَيْسَتْ بِخَطَأٍ، لِأَنَّ عَلِيًّا تَرَكَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَيَقِفُونَ فِي عُثْمَانَ وَفِي قَتَلَتِهِ، وَلَا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ بِإِكْفَارٍ ". انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ آرَائِهِ: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 2/285 - 289؛ مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 1/496 - 499؛ الْأَعْلَامَ 2/208؛ مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/136 - 138؛ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/142 - 143 الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص [0 - 9] 4 - 25. (¬3) وَلَمْ يَنْقُلْ: كَذَا فِي (ن) ، (م) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَمْ يَقُلْ. (¬4) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، أ، ب: وَأَنَّهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ: كَذَا فِي (ص) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ. (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: وَيُفَضِّلُونَ عَلَيْهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬9) أ، ب: يُرَجِّحُونَهُ.

كلام الرافضي على تدين بعض أهل السنة بمذهب الإمامية في الباطن والرد عليه

[كلام الرافضي على تدين بعض أهل السنة بمذهب الإمامية في الباطن والرد عليه] فَصْلٌ (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَكَثِيرًا مَا رَأَيْنَا مَنْ يَتَدَيَّنُ فِي الْبَاطِنِ بِمَذْهَبِ (¬3) الْإِمَامِيَّةِ، وَيَمْنَعُهُ عَنْ إِظْهَارِهِ حُبُّ الدُّنْيَا وَطَلَبُ الرِّيَاسَةِ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ يَقُولُ: إِنِّي عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ، فَقُلْتُ: لِمَ (¬4) تَدْرُسُ عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي مَذْهَبِكُمُ الْبَغْلَاتُ وَالْمُشَاهَرَاتُ. وَكَانَ أَكْبَرُ مُدَرِّسِي (¬5) الشَّافِعِيَّةِ فِي زَمَانِنَا حَيْثُ تُوُفِّيَ أَوْصَى أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ فِي غَسْلِهِ وَتَجْهِيزِهِ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ (¬6) وَأَنْ يُدْفَنَ فِي مَشْهَدِ مَوْلَانَا الْكَاظِمِ، وَأَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " وَكَثِيرًا مَا رَأَيْنَا " هَذَا كَذِبٌ (¬7) ، بَلْ قَدْ يُوجَدُ فِي بَعْضِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَنْ هُوَ فِي الْبَاطِنِ رَافِضِيٌّ، كَمَا يُوجَدُ فِي الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ مَنْ هُوَ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقٌ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَمَّا كَانُوا مِنْ جِنْسِ الْمُنَافِقِينَ يُخْفُونَ أَمْرَهُمُ احْتَاجُوا أَنْ يَتَظَاهَرُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ (¬8) ، كَمَا احْتَاجَ الْمُنَافِقُونَ (¬9) أَنْ يَتَظَاهَرُوا بِغَيْرِ الْكُفْرِ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا إِلَّا فِيمَنْ هُوَ ¬

(¬1) ص، ر، هـ: الْفَصْلُ الْخَامِسُ. (¬2) فِي (ك) ص [0 - 9] 07 (م) . (¬3) أ، ب: بِدِينِ. (¬4) ك: فَلِمَ. (¬5) ك، هـ: مُدَرِّسِ. (¬6) ب (فَقَطْ) : بَعْضُ الْإِمَامِيَّةِ. (¬7) ن، م: قَوْلَهُ: إِنَّ هَذَا كَثِيرٌ، كَذِبٌ. وَسَقَطَتْ " هَذَا " مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: أَنْ يُظْهِرُوا غَيْرَ ذَلِكَ. (¬9) الْمُنَافِقُونَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْمُنَافِقُ.

جَاهِلٌ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ الْإِسْلَامَ كَيْفَ كَانَ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ رَافِضِيًّا، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ رَافِضِيًّا إِلَّا زِنْدِيقٌ مُنَافِقٌ، أَوْ جَاهِلٌ بِالْإِسْلَامِ كَيْفَ كَانَ، [مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ] (¬1) . وَالْحِكَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُدَرِّسِينَ ذَكَرَ لِي بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهَا كَذِبٌ مُفْتَرًى، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمُدَرِّسِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَنْ هُوَ زِنْدِيقٌ مُلْحِدٌ مَارِقٌ مِنَ الْإِسْلَامِ (¬2) ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَافِضِيًّا. وَمَنِ اسْتَدَلَّ بِزَنْدَقَةِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْبَاطِنِ عَلَى أَنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ زَنَادِقَةٌ، كَانَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، كَذَلِكَ (¬3) مَنِ اسْتَدَلَّ بِرَفْضِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْبَاطِنِ. وَلَوْ كُشِفَ لَنَا عَنِ اسْمِ هَذَا الْمُدَرِّسِ وَهَذَا الْمُدَرِّسِ لَبَيَّنَّا مِنْ جَهْلِهِ (¬4) مَا يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ حَالِهِ (¬5) . وَهَلْ فِي مُجَرَّدِ كَوْنِ الرَّجُلِ تَوَلَّى التَّدْرِيسَ فِي مِثْلِ دَوْلَةِ التُّرْكِ الْكُفَّارِ، أَوِ الْحَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، مَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْمُدَرِّسِ وَدِيَانَتِهِ، حَتَّى يُجْعَلَ لَهُ قَوْلٌ؟ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ (¬6) كَثِيرًا مِمَّنْ يَتَوَلَّى التَّدْرِيسَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) عِبَارَةُ " مِنَ الْإِسْلَامِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ب (فَقَطْ) : وَكَذَلِكَ. (¬4) أ، ب: مِنْ جَهْلِهِمَا. (¬5) ن، م، وَ: حُكْمِهِ. (¬6) ب (فَقَطْ) : مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّ. .

بِجَاهِ الظَّلَمَةِ الْجُهَّالِ (¬1) يَكُونُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَظْلَمِهِمْ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ مَا اشْتَهَرَ مِنْ عِلْمِهُمْ عِنْدَ النَّاسِ، وَمَا ظَهَرَ مِنْ آثَارِ كَلَامِهِمْ وَكُتُبِهِمْ. فَهَلْ عَرَفَ أَحَدٌ (¬2) مِنْ فُضَلَاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَ [أَصْحَابِ] مَالِكٍ (¬3) كَانَ رَافِضِيًّا؟ أَمْ يَعْلَمُ (¬4) بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ كُلَّ فَاضِلٍ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ (¬5) مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ إِنْكَارًا لِلرَّفْضِ. وَقَدِ اتُّهِمَ طَائِفَةٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ بِالْمَيْلِ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الِاعْتِزَالِ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اتُّهِمَ بِالرَّفْضِ (¬6) ، لِبُعْدِ الرَّفْضِ (¬7) عَنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ أَقْوَالُهُمْ مُتَضَمِّنَةً (¬8) لِبِدَعٍ مُنْكَرَةٍ، فَإِنَّ فِيهِمْ مِنَ الْعِلْمِ (¬9) وَالدِّينِ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَالرَّدِّ عَلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ عَنِ الْإِسْلَامِ [مِنْهُمْ] (¬10) مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْمَلَاحِدَةِ، بَلْ وَمِنَ الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضَةِ مَا أَوْجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِمْ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَإِنِ انْتَسَبُوا (¬11) إِلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الرَّافِضَةِ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَجْهَلِ ¬

(¬1) ر: الظَّلَمَةِ الْكُفَّارِ الْجُهَّالِ. . (¬2) ر: وَاحِدٌ. (¬3) ن، م: وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ. (¬4) ن، م: إِنَّهُ يَعْلَمُ؛ ص: لَمْ يُعْلَمْ. . (¬5) فَإِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنْهُمُ اتُّهِمَ بِالرَّفْضِ. (¬7) ن، م: الرَّافِضَةِ. (¬8) مُتَضَمِّنَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م: الْعَدْلِ. (¬10) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬11) أ، ب: الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَانْتَسَبُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

كلام الرافضي على وجوب اتباع مذهب الإمامية لأنهم لم يذهبوا إلى التعصب في غير الحق بخلاف غيرهم

الطَّوَائِفِ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ مِنَ الْمُظْهِرِينَ لِلْعِلْمِ وَالدِّينِ بَاطِنًا (¬1) فَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، أَوْ زِنْدِيقًا مُلْحِدًا. [كلام الرَّافِضِيُّ على وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى التَّعَصُّبِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ] فَصْلٌ (¬2) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الْوَجْهُ الْخَامِسُ: فِي بَيَانِ وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا (¬4) إِلَى التَّعَصُّبِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ (¬5) ، فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ (¬6) ، وَهُمَا (¬7) إِمَامَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ تَسْطِيحَ الْقُبُورِ هُوَ الْمَشْرُوعُ، لَكِنْ لَمَّا جَعَلَتْهُ الرَّافِضَةُ شِعَارًا لَهُمْ (¬8) عَدَلْنَا عَنْهُ إِلَى التَّسْنِيمِ، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ، ¬

(¬1) أ، ب: بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " بَاطِنًا وَظَاهِرًا " مِنْ (هـ) ، (ص) ، (ر) . (¬2) هـ، ص، ر: الْفَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ. وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " فَصْلٌ " مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) فِي (ك) ص [0 - 9] 08 (م) . (¬4) ك: الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ لَمْ يَذْهَبُوا. (¬5) عِبَارَةُ " بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ": لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬6) وَالْمَاوَرْدِيُّ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي (ك) : وَالْمُتَوَكِّلُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْمُبَرِّدِ. وَالْمُبَرِّدُ هُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْأَكْثَرِ الثُّمَالِيُّ الْأَزْدِيُّ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ وَالنَّحْوِ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَخَاصَّةً فِي الْفِقْهِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ وُلِدَ عَامَ 210 وَتُوُفِّيَ عَامَ 286 (انْظُرِ الْأَعْلَامَ 8/15) ، فَمَا فِي النُّسَخِ الْمُخْتَلِفَةِ تَحْرِيفٌ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا مَا فِي (ك) - أَعَنَى: الْمُتَوَكِّلَ - فَلَمْ أَجِدْهُ فِي فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ. وَمَا اخْتَارَهُ مُحَقِّقُ (ب) وَهُوَ الْمَاوَرْدِيُّ، جَائِزٌ؛ إِذْ إِنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْمَاوَرْدِيُّ، وُلِدَ عَامَ 364 وَتُوُفِّيَ عَامَ 450 لَهُ كِتَابُ " الْحَاوِي " فِي فِقْهِ الشَّافِعِيَّةِ: نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا، وَكَانَ أَقْضَى قُضَاةِ عَصْرِهِ، وَلَهُ " الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ " وَهُوَ مَطْبُوعٌ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 5/267 - 285؛ الْأَعْلَامِ 5/146 - 147. (¬7) ك: وَكَانَا. (¬8) ص: ذَلِكَ شِعَارًا فِي. . .

وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 42] أَنَّهُ يَجُوزُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُصَلَّى عَلَى آحَادِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَمَّا اتَّخَذَتِ الرَّافِضَةُ ذَلِكَ فِي (¬1) أَئِمَّتِهِمْ مَنَعْنَاهُ، وَقَالَ مُصَنِّفُ " الْهِدَايَةِ " مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْمَشْرُوعَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ (¬2) ، وَلَكِنْ لَمَّا اتَّخَذَتْهُ الرَّافِضَةُ جَعَلْنَا التَّخَتُّمَ فِي (¬3) فِي الْيَسَارِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. فَانْظُرْ إِلَى مَنْ يُغَيِّرُ الشَّرِيعَةَ وَيُبَدِّلُ الْأَحْكَامَ الَّتِي وَرَدَ بِهَا النَّصُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) وَيَذْهَبُ إِلَى ضِدِّ الصَّوَابِ مُعَانَدَةً لِقَوْمٍ [مُعَيَّنِينَ] (¬5) ، فَهَلْ يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَصِيرُ إِلَى أَقْوَالِهِ (¬6) ؟ ". وَالْجَوَابُ مِنْ طَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ بِالرَّافِضَةِ أَلْصَقُ. وَالثَّانِي: أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ بُرَآءٌ مِنْ هَذَا. أَمَّا الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ فَيُقَالُ: لَا نَعْلَمُ طَائِفَةً أَعْظَمَ تَعَصُّبًا فِي الْبَاطِلِ مِنَ الرَّافِضَةِ، حَتَّى أَنَّهُمْ دُونَ سَائِرِ الطَّوَائِفِ عُرِفَ مِنْهُمْ شَهَادَةُ الزُّورِ لِمُوَافِقِهِمْ ¬

(¬1) ص: ذَلِكَ شِعَارًا فِي. . . (¬2) ك: بِالْيَمِينِ. (¬3) أ، ب: جَعَلْنَاهُ فِي. . (¬4) أ، ب، م: وَرَدَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ و، ن، ر، هـ: وَرَدَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ك: وَرَدَ بِهَا أَخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. وَمَا أَثْبَتَهُ عَنْ (ص) . (¬5) مُعَيَّنِينَ: فِي (ك) ، (ب) فَقَطْ، وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬6) ن، م، ص، هـ، ر، و: قَوْلِهِ.

عَلَى مُخَالِفِهِمْ، وَلَيْسَ فِي التَّعَصُّبِ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ، وَحَتَّى أَنَّهُمْ فِي التَّعَصُّبِ جَعَلُوا لِلْبِنْتِ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ، لِيَقُولُوا: إِنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَرِثَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬1) ، وَحَتَّى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ حَرَّمَ لَحْمَ الْجَمَلِ (¬2) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَاتَلَتْ عَلَى جَمَلٍ، فَخَالَفُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةَ لِأَمْرٍ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ (¬3) ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْجَمَلَ الَّذِي رَكِبَتْهُ عَائِشَةُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] (¬4) مَاتَ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ حَيٌّ فَرُكُوبُ الْكُفَّارِ عَلَى الْجِمَالِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا، وَمَا زَالَ الْكُفَّارُ يَرْكَبُونَ جِمَالًا (¬5) وَيَغْنَمُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، وَلَحْمُهَا حَلَالٌ لَهُمْ، فَأَيُّ شَيْءٍ فِي رُكُوبِ عَائِشَةَ لِلْجَمَلِ مِمَّا (¬6) يُوجِبُ تَحْرِيمَ لَحْمِهِ؟ . وَغَايَةُ مَا يَفْرِضُونَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَجْعَلُونَهُ كَافِرًا رَكِبَ جَمَلًا (¬7) ، مَعَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ مُفْتَرُونَ فِيمَا يَرْمُونَ بِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ (¬8) " الْعَشَرَةِ " بَلْ يَقُولُونَ: تِسْعَةٌ وَوَاحِدٌ. وَإِذَا بَنَوْا أَعْمِدَةً أَوْ غَيْرَهَا لَا يَجْعَلُونَهَا عَشَرَةً، وَهُمْ يَتَحَرَّوْنَ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِمْ. ¬

(¬1) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ص، هـ، ر: حَرَّمَ أَكْلَ لَحْمِ الْجَمَلِ. (¬3) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: الْجِمَالَ. (¬6) ن، م، ر، ص، هـ، أ: مَا: وَسَقَطَتْ مِنْ (ب) . وَمَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (و) . وَفِي (ص) : فَلَيْسَ رُكُوبُ عَائِشَةَ لِلْجَمَلِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ لَحْمِهِ. (¬7) ن، م، ر، ص، هـ: الْجَمَلَ. (¬8) ن، م: لَا يَذْكُرُونَ فِي أَبْنِيَتِهِمْ.

مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ قَدْ جَاءَ بِذِكْرِ " الْعَشَرَةِ " وَ " الْعَشْرِ " (¬1) فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 196] ، وَقَالَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 234] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: 142] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [سُورَةِ الْفَجْرِ: 1، 2] . فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْمَ " الْعَشَرَةِ " فِي مَوَاضِعَ مَحْمُودَةٍ. وَذَكَرَ اسْمَ " التِّسْعَةِ " فِي مَوْضِعٍ مَذْمُومٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 48] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» " (¬2) . وَكَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ: " «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ» " (¬3) فَإِذَا كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِاسْمِ " الْعَشَرَةِ " وَعَلَّقَ بِهَذَا ¬

(¬1) وَالْعَشْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/47 (كِتَابٌ فِي فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، بَابُ تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. . .) ؛ مُسْلِمٍ 2/828 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. . .) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/144 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ غَيْرَ مَوْصُولٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي: الْمُوَطَّأِ 1/319 (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . (¬3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/129 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَجَابِرٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/550 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ صِيَامِ الْعَشْرِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/298 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، كَمَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ 2: 124 "، 5/54. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُهُ وَهُوَ فِيهِ 2/20 (كِتَابُ الْعِيدَيْنِ، بَابُ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) . وَانْظُرْ فَتْحَ الْبَارِي 2/457 - 458.

[الْعَدَدِ] (¬1) أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً مَحْمُودَةً، كَانَ نُفُورُهُمْ عَنِ التَّكَلُّمِ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَدْ تَسَمَّى بِهِ (¬2) عَشَرَةٌ مِنَ النَّاسِ يُبْغِضُونَهُمْ غَايَةَ الْجَهْلِ وَالتَّعَصُّبِ. ثُمَّ قَوْلُهُمْ: تِسْعَةٌ وَوَاحِدَةٌ، هُوَ مَعْنَى الْعَشَرَةِ مَعَ طُولِ الْعِبَارَةِ. وَإِذَا (¬3) كَانَ اسْمُ الْعَشَرَةِ أَوِ التِّسْعَةِ أَوِ السَّبْعَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَعْدُودٍ بِهَذَا الْعَدَدِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ النَّاسِ أَوِ الدَّوَابِّ أَوِ الثِّيَابِ أَوِ الدَّرَاهِمِ، وَبَعْضُ الْمَعْدُودَاتِ يَكُونُ مَحْمُودًا، وَبَعْضُهَا يَكُونُ مَذْمُومًا، فَنُفُورُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ عَنِ التَّكَلُّمِ بِهَذِهِ الْأَعْدَادِ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ (¬4) ، وَإِنَّمَا هُوَ كَنُفُورِهِمْ عَنِ التَّكَلُّمِ بِأَسْمَاءِ قَوْمٍ يُبْغِضُونَهُمْ، كَمَا يَنْفِرُونَ عَمَّنِ اسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ [وَعُثْمَانُ] (¬5) لِبُغْضِهِمْ لِشَخْصٍ كَانَ اسْمُهُ هَذَا الِاسْمَ. وَقَدْ كَانَ مِنَ (¬6) الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَنْ هُوَ مُسَمًّى بِأَسْمَاءٍ تُسَمَّى بِهَا (¬7) بَعْضُ الْكُفَّارِ كَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى ¬

(¬1) الْعَدَدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: سُمِّيَ بِهِ. (¬3) أ، ب: وَإِنْ. (¬4) ب (فَقَطْ) : غَايَةٌ فِي الْجَهْلِ. (¬5) وَعُثْمَانُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) أ، ب: فِي. (¬7) أ، ب: يُسَمَّى بِهَا؛ ص: يَتَسَمَّى بِهَا.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ [إِذَا قَنَتَ] (¬1) : اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَنْجِ سَلَمَةَ (¬2) بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» " (¬3) . وَهَذَا الْوَلِيدُ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَأَبُوهُ الْوَلِيدُ كَافِرٌ شَقِيٌّ، وَكَذَلِكَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ وَأُتِينَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابَ (¬4) ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا (¬5) فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ لَنَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ» (¬6) ". وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَفِي الْكُفَّارِ عَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ قُتِلَ هُوَ وَأَبُوهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرَيْنِ. وَفِي الصَّحَابَةِ ¬

(¬1) إِذَا قَنَتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: وَسَلَمَةَ؛ ن، م: وَنَجِّ سَلَمَةَ؛ ص: اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ. (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 6/48 - 49 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَابُ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ. .) ، 9/19 - 20 (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) ؛ مُسْلِمٍ 1/466 - 468 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ. . .) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/92 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ) . (¬4) أ: ابْنِ طَاطَ؛ ب: مِنْ طَابَ. (¬5) ب: بِالرِّفْعَةِ. (¬6) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/1779 (كِتَابُ الرُّؤْيَا، بَابُ رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: " بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الرُّطَبِ مَعْرُوفٌ. . . وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى ابْنِ طَابَ، رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/418 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/286.

كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ شَاعِرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ (¬1) الْأَشْرَفِ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬2) حَتَّى نَدَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَتْلِهِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَأَصْحَابَهُ (¬3) . وَفِي الصَّحَابَةِ «أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ (¬4) الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} » [سُورَةِ الْبَيِّنَةِ: 1] (¬5) يَعْنِي قِرَاءَةَ (¬6) تَبْلِيغٍ لَا قِرَاءَةَ تَعَلُّمٍ (¬7) . وَفِي الْمُشْرِكِينَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ قَتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ [أَحَدًا] (¬8) غَيْرَهُ، وَقَالَ: " «إِنَّ (¬9) مِنْ أَشَدِّ ¬

(¬1) بْنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: آذَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬3) خَبَرُ مَقْتَلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي شَبَّبَ بِأُمِّ الْفَضْلِ زَوْجِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَرَّضَ الْكُفَّارَ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ. 3/54، 61 وَفِيهَا (58) : " فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ ". (¬4) أ، ب: وَفِي الصَّحَابَةِ: كَعْبٌ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 6/175 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ لَمْ يَكُنْ) وَسَاقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ نَصُّ أَوَّلِهَا: ". . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيٍّ: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ". قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: " نَعَمْ "، فَبَكَى. (¬6) أ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ يَعْنِي: لَمْ يَكُنْ، قِرَاءَةٌ، ب: أَقْرَأُ عَلَيْكَ يَعْنِي قِرَاءَةً؛ هـ، ر، ص،: أَقْرَأُ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنْ يَعْنِي قِرَاءَةً؛ وَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنْ قِرَاءَةٌ. (¬7) أ، ب: تَعْلِيمٍ. (¬8) أَحَدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) ، (و) . (¬9) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ» " (¬1) . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ. [وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ] (¬2) ، وَقَدْ سَمَّى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ (¬3) . فَفِي الْجُمْلَةِ أَسْمَاءُ الْأَعْلَامِ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، كَمَا تُسَمِّي الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَالْمُسْلِمُونَ يُسَمُّونَ بِذَلِكَ أَيْضًا، فَلَيْسَ فِي تَسْمِيَةِ الْكَافِرِ بِاسْمٍ مَا يُوجِبُ هِجْرَانَ ذَلِكَ الِاسْمِ (¬4) ، [فَلَوْ فُرِضَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ، كَمَا يَقُولُ الْمُفْتَرُونَ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ (¬5) - لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ هِجْرَانَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ] (¬6) ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي التَّعَصُّبِ وَالْجَهْلِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يَكْرَهُونَ هَذَا الِاسْمَ لِأَنَّ الْمُسَمًّى بِهِ يَكُونُ سُنِّيًّا. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/322 333 بِلَفْظِ: " أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْمُمَثِّلِينَ ". وَحَسَّنَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/335، وَقَالَ عَنْهُ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 1/136 137 (رَقْمَ 281) إِنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَهُ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ وَالْهَيْثَمِيَّ فِي: مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬3) ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي " الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ " 2/333 أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ " كَانَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَثَمَانِ عَشْرَةَ أُنْثَى " وَذَكَرَ مِنْ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ: " أَبُو بَكْرٍ: قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ. . . وَالْعَبَّاسُ الْأَكْبَرُ وَعُثْمَانُ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ: قُتِلُوا مَعَ الْحُسَيْنِ أَيْضًا، أُمُّهُمْ أُمُّ الْبَنِينَ بِنْتُ حِزَامِ بْنِ خَالِدٍ. . . وَعُمَرُ الْأَكْبَرُ أُمُّهُ أُمُّ حَبِيبٍ الصَّهْبَاءُ التَّغْلِبِيَّةُ. . ". (¬4) ن، م: هِجْرَانَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ. (¬5) عِبَارَةُ " لَعَنَهُمُ اللَّهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

قِيلَ: فَهُمْ قَدْ يَعْرِفُونَ (¬1) مَذْهَبَ الرَّجُلِ وَلَا يُخَاطِبُونَهُ بِهَذَا الِاسْمِ، بَلْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ، مُبَالَغَةً فِي هِجْرَانِ هَذَا الِاسْمِ. وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا وَجَدُوا مُسَمًّى بِعَلِيٍّ أَوْ جَعْفَرٍ أَوِ الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ بَادَرُوا إِلَى إِكْرَامِهِ (¬2) ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فَاسِقًا، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ سُنِّيًّا، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُسَمُّونَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ. كُلُّ هَذَا مِنَ التَّعَصُّبِ وَالْجَهْلِ، وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ وَجَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ يُبْغِضُونَ بَنِي أُمَيَّةَ كُلَّهُمْ لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ كَانَ مِمَّنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا. وَقَدْ كَانَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ قَوْمٌ صَالِحُونَ مَاتُوا قَبْلَ الْفِتْنَةِ، وَكَانَ بَنُو أُمَيَّةَ أَكْثَرَ الْقَبَائِلِ عُمَّالًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ (¬3) ، وَاسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ (¬4) بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَخَوَيْهِ (¬5) أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ (¬6) وَسَعِيدَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى أَعْمَالٍ أُخَرَ (¬7) ، وَاسْتَعْمَلَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ ¬

(¬1) أ، ب: قَدْ عَرَفُوا. (¬2) ن، م: إِلَى كَرَامَتِهِ. (¬3) فِي " سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ " 4/83: ". . . وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ عَلَى مَكَّةَ، أَمِيرًا عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِهِ يُرِيدُ لِقَاءَ هَوَازِنَ ". وَجَاءَ فِي النُّسَخِ: عَتَّابُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. انْظُرِ: الْإِصَابَةَ 2/444. (¬4) أ، ب: بْنِ أَبِي الْعَاصِ، هُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م، و،: وَأَخَاهُ. (¬6) بْنَ سَعِيدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) فِي " سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ " 5/229 أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصَّدَقَةِ فِي مُرَادٍ وَزُبَيْدٍ وَمُذْحَجٍ كُلِّهَا. وَفِي الْإِصَابَةِ 1/24: " وَفِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ. . . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ". وَفِي " الْإِصَابَةِ " 2/45 عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: " وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُوقِ مَكَّةَ ". .

حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى نَجْرَانَ أَوِ ابْنَهُ (¬1) يَزِيدَ، وَمَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا (¬2) ، وَصَاهَرَ [نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬3) بِبَنَاتِهِ الثَّلَاثَةِ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَزَوَّجَ أَكْبَرَ بَنَاتِهِ زَيْنَبَ بِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ (¬4) ، وَحَمِدَ صِهْرَهُ لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ (¬5) أَبِي جَهْلٍ، فَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي [أُمَيَّةَ] (¬6) بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ، وَقَالَ: " حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي (¬7) ، وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِي " (¬8) . ¬

(¬1) ص، ر، هـ: وَابْنَهُ. (¬2) فِي " الْإِصَابَةِ " 2/172: " وَيُقَالُ: " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى نَجْرَانَ وَلَا يَثْبُتُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَصْحَابُنَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَكَّةَ وَقْتَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَامِلُهَا حِينَئِذٍ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ ". وَفِي " أُسْدِ الْغَابَةِ " 5/491 492 (ط. الشَّعْبِ) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَعْمَلَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى جَيْشٍ وَسَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَلَّاهُ فِلَسْطِينَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) خَبَرُ زَوَاجِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ مِنْ زَيْنَبَ بِنْتِ الرَّسُولِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَنْهُ وَخَبَرُ أَسْرِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَافْتِدَاءِ زَيْنَبَ لَهُ وَسُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ أَنْ يُطْلِقُوهُ لَهَا وَإِطْلَاقِهِمْ لَهُ ثُمَّ إِسْلَامِهِ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/306 315. وَانْظُرِ الْمُسْنَدَ 6/276. (¬5) أ، ب: بِابْنَةِ. (¬6) أُمَيَّةَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: فَصَدَقَ. (¬8) الْحَدِيثُ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/190 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ) ، 5/22 23 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ ذِكْرِ أَصْهَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ) ؛ 7/37 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ ذَبِّ الرَّجُلِ عَنِ ابْنَتِهِ فِي الْغَيْرَةِ وَالْإِنْصَافِ) ؛ مُسْلِمٍ 4/1902 1904 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ فَاطِمَةَ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/304 305 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/359، 360 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) : سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/643 644 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ الْغَيْرَةِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/5 328.

«وَزَوَّجَ ابْنَتَيْهِ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ: " لَوْ كَانَتْ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ» " (¬1) . وَكَذَلِكَ مِنْ جَهْلِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ (¬2) يُبْغِضُونَ أَهْلَ الشَّامِ؛ لِكَوْنِهِمْ (¬3) كَانَ فِيهِمْ أَوَّلًا مَنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَكَّةَ كَانَ فِيهَا كُفَّارٌ وَمُؤْمِنُونَ، وَكَذَلِكَ الْمَدَنِيَّةُ كَانَ فِيهَا مُؤْمِنُونَ وَمُنَافِقُونَ (¬4) ، وَالشَّامُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ (¬5) مَنْ يَتَظَاهَرُ بِبُغْضِ عَلِيٍّ، وَلَكِنْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ يَسْحَبُونَ ذَيْلَ الْبُغْضِ. وَكَذَلِكَ مِنْ جَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ يَذُمُّونَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ آثَارِ بَنِي أُمَيَّةَ، كَالشُّرْبِ مِنْ نَهْرِ يَزِيدَ، وَيَزِيدُ لَمْ يَحْفِرْهُ [وَلَكِنْ وَسَّعَهُ] (¬6) ، ¬

(¬1) ن، م: لِعُثْمَانَ، وَالْحَدِيثُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " فِي مَوْضِعَيْنِ 1/481 (رَقْمَ 782) ، 1/508 509 (رَقْمَ 831) وَالْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أَلَا أَبُو أَيِّمٍ، أَلَا وَلِيُّ أَيِّمٍ، أَلَا أَخُو أَيِّمٍ يُزَوِّجُ عُثْمَانَ، فَلَوْ كَانَ عِنْدِي ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْتُهُ، وَمَا زَوَّجْتُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ "،. قَالَ الْمُحَقِّقُ: " ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ وَرِجَالِ الْحَسَنِ ". وَقَالَ إِنَّ ابْنَ أَبِي عَاصِمٍ أَخْرَجَهُ فِي السُّنَّةِ، وَذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/83. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِلْإِرْسَالِ ". (¬2) أَنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ أ، ب. (¬3) لِكَوْنِهِمْ: كَذَا فِي أ، ب، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ لِكَوْنِهِ. (¬4) ن، م، و، ر، هـ، ص: مُؤْمِنٌ وَمُنَافِقٌ. (¬5) أ، ب، م: فِيهَا. (¬6) وَلَكِنْ وَسَّعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ " تَارِيخِ مَدِينَةِ دِمَشْقَ " الْمُجَلَّدَةِ الثَّانِيَةِ، ق [0 - 9] ص 145 (ط. الْمَجْمَعُ الْعِلْمِيُّ الْعَرَبِيُّ، دِمَشْقَ 1373/1954) بَعْدَ أَنْ سَاقَ سَنَدَهُ:. . . عَنْ جَدِّي زُفَرَ قَالَ: سَأَلْتُ مَكْحُولًا عَنْ نَهْرِ يَزِيدَ وَكَيْفَ كَانَتْ قِصَّتُهُ. قَالَ: سَأَلْتَ مِنِّي خَبِيرًا، أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا نَبَاطِيًّا يَجْرِي شَيْئًا يَسْقِي ضَيْعَتَيْنِ لِقَوْمٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنِي فَوْقَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ لِأَحَدِهِمْ شَيْءٌ غَيْرَهُمْ، فَمَاتُوا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ وَارِثٌ، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ ضِيَاعَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ وَوَلَّى ابْنَهُ يَزِيدَ نَظَرَ إِلَى أَرْضٍ وَاسِعَةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ، وَكَانَ مُهَنْدِسًا، فَنَظَرَ إِلَى النَّهْرِ فَإِذَا هُوَ صَغِيرٌ فَأَمَرَ بِحَفْرِهِ، فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْغُوطَةِ، وَدَافَعُوهُ، فَلَطَفَ بِهِمْ عَلَى أَنْ ضِمَنَ لَهُمْ خَرَاجَ سَنَتِهِمْ مِنْ مَالِهِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَاحْتَفَرَ نَهْرًا سَعَتُهُ سِتَّةُ أَشْبَارٍ فِي عُمْقِ سِتَّةِ أَشْبَارٍ وَلَهُ مِلْءُ جَنَبَتَيْهِ، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا شَرَطَ لَهُمْ فَهَذِهِ قِصَّةُ نَهْرِ يَزِيدَ ".

وَكَالصَّلَاةِ فِي جَامِعٍ بَنَاهُ بَنُو أُمَيَّةَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَسَاكِنِ الَّتِي بَنَوْهَا، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنْ [مَاءِ] (¬1) الْآبَارِ الَّتِي حَفَرُوهَا، وَيَلْبَسُ [مِنَ] (¬2) الثِّيَابِ الَّتِي نَسَجُوهَا، وَيُعَامِلُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي ضَرَبُوهَا. فَإِذَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِمَسَاكِنِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ، وَالْمِيَاهِ الَّتِي أَنْبَطُوهَا (¬3) ، وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي بَنَوْهَا، فَكَيْفَ بِأَهْلِ الْقِبْلَةِ؟ ! . فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ يَزِيدَ كَانَ كَافِرًا وَحَفَرَ نَهْرًا، لَمْ يُكْرَهِ الشُّرْبُ مِنْهُ (¬4) بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ لِفَرْطِ تَعَصُّبِهِمْ كَرِهُوا مَا يُضَافُ إِلَى مَنْ يُبْغِضُونَهُ. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي ثِقَةٌ أَنَّهُ كَانَ لِرَجُلٍ (¬5) مِنْهُمْ كَلْبٌ فَدَعَاهُ آخَرُ مِنْهُمْ: بُكَيْرٌ ¬

(¬1) مَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " النَّبْطُ: الْمَاءُ الَّذِي يَنْبُطُ مِنْ قَعْرِ الْبِئْرِ إِذَا حُفِرَ. وَقَدْ نَبَطَ مَاؤُهَا يَنْبُطُ وَيَنْبِطُ نَبْطًا وَنُبُوطًا، وَأَنْبَطَنَا الْمَاءَ، أَيِ اسْتَنْبَطْنَاهُ وَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ ". (¬4) ن، م: أَنْ يُشْرَبَ مِنْهُ. (¬5) أ، ب: لِوَاحِدٍ.

بُكَيْرٌ (¬1) فَقَالَ صَاحِبُ الْكَلْبِ: أَتُسَمِّي كَلْبِي بِأَسْمَاءِ أَصْحَابِ النَّارِ (¬2) ؟ ! فَاقْتَتَلَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمَا دَمٌ. فَهَلْ يَكُونُ أَجْهَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ ! . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَمِّي أَصْحَابَهُ بِأَسْمَاءٍ قَدْ تَسَمَّى بِهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ [اللَّهُ] (¬3) فِي الْقُرْآنِ، كَالْوَحِيدِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ [فِي الْقُرْآنِ] (¬4) فِي قَوْلِهِ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ: 11] وَاسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لِابْنِ هَذَا، وَاسْمُهُ أَيْضًا الْوَلِيدُ، وَيُسَمِّي الِابْنَ وَالْأَبَ فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: " «اللَّهُمَّ انْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ» " كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ (¬5) . وَمِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ (¬6) أَنَّهُمْ يَعْمِدُونَ إِلَى يَوْمٍ أَحَبَّ اللَّهُ صِيَامَهُ فَيَرَوْنَ فِطْرَهُ، كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ (¬7) وَإِذَا نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ " وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ» ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (¬8) ¬

(¬1) وَ: بِأَبِي بَكْرٍ، ن، م: كُلَيْبٌ. (¬2) أ، ب: أَهْلِ النَّارِ. (¬3) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (ن) ، (م) ، (و) ، (ص) . (¬4) فِي الْقُرْآنِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، ص 141. (¬6) ن: وَبُغْضِهِمْ. (¬7) أ، ب: عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ. . (¬8) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/44 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) وَنَصُّهُ: " قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: " مَا هَذَا "؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: " فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ "؛ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ " وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ يُونُسَ) ؛ مُسْلِمٍ 2/795 796 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/552 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْهُمَا وَلَفْظُهُ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ 2/796: عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " صُومُوهُ أَنْتُمْ ". . .

وَمِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْمِدُونَ إِلَى دَابَّةٍ عَجْمَاءَ فَيُؤْذُونَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، إِذْ جَعَلُوهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُبْغِضُونَهُ (¬1) ، كَمَا يَعْمِدُونَ إِلَى نَعْجَةٍ حَمْرَاءَ يُسَمُّونَهَا عَائِشَةَ وَيَنْتِفُونَ شَعْرَهَا، وَيَعْمِدُونَ إِلَى دَوَابَّ لَهُمْ فَيُسَمُّونَ بَعْضَهَا أَبَا بَكْرٍ وَبَعْضَهَا عُمَرَ وَيَضْرِبُونَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُصَوِّرُونَ صُورَةَ إِنْسَانٍ مِنْ حَيْسٍ (¬2) يَجْعَلُونَهُ عُمَرَ وَيَبْعَجُونَ بَطْنَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ لَحْمَهُ وَيَشْرَبُونَ دَمَهُ (¬3) . وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ فَنَقُولُ: الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ أَنَّ مَا كَانَ مَشْرُوعًا لَمْ يُتْرَكْ لِمُجَرَّدِ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ: لَا الرَّافِضَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ. وَأُصُولُ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ تُوَافِقُ (¬4) هَذَا، مِنْهَا مَسْأَلَةُ التَّسْطِيحِ الَّذِي ذَكَرَهَا، ¬

(¬1) أ، ب: يُبْغِضُونَهَا. (¬2) فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " الْحَيْسُ: الْخَلْطُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَيْسُ. وَالْحَيْسُ: الْأَقِطُ يُخْلَطُ بِالتَّمْرِ وَالسَّمْنِ ". (¬3) يَقُولُ دُونَلْدُسُنْ فِي كِتَابِهِ " عَقِيدَةِ الشِّيعَةِ " ص 25 (ط. الْخَانِجِيِّ، 1365/1946) : " وَيَذْكُرُ هُيُوجِزْ فِي كِتَابِهِ " قَامُوسِ الْإِسْلَامِ " ص 128 قَضِيَّةً ظَرِيفَةً عَنْ عِيدِ الْغَدِيرِ، قَالَ: وَلِلشِّيعَةِ عِيدٌ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، يَصْنَعُونَ بِهِ ثَلَاثَةَ تَمَاثِيلَ مِنَ الْعَجِينِ يَمْلَئُونَ بُطُونَهَا بِالْعَسَلِ، وَهَى تُمَثِّلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، ثُمَّ يَطْعَنُونَهَا بِالْمُدَى، فَيَسِيلُ الْعَسَلُ، تَمْثِيلًا لِدَمِ الْخُلَفَاءِ الْغَاصِبِينَ ". (¬4) أ، ب: يُوَافِقُونَ.

فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَنَّ تَسْنِيمَ الْقُبُورِ أَفْضَلُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُسَنَّمًا» (¬1) ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ مُشَابَهَةِ أَبْنِيَةِ الدُّنْيَا، وَأَمْنَعُ عَنِ الْقُعُودِ (¬2) عَلَى الْقُبُورِ. وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَحِبُّ التَّسْطِيحَ لِمَا رُوِيَ مِنَ الْأَمْرِ بِتَسْوِيَةِ (¬3) الْقُبُورِ، فَرَأَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ هِيَ التَّسْطِيحُ (¬4) ، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ قَالَ: [إِنَّ] (¬5) هَذَا شِعَارُ الرَّافِضَةِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ، فَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ (¬6) وَقَالُوا: بَلْ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَإِنْ فَعَلَتْهُ الرَّافِضَةُ. وَكَذَلِكَ الْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ هُوَ (¬7) مَذْهَبُ الرَّافِضَةِ، وَبَعْضُ النَّاسِ تَكَلَّمَ فِي الشَّافِعِيِّ بِسَبَبِهَا، وَبِسَبَبِ (¬8) الْقُنُوتِ، وَنَسَبَهُ إِلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْعِرَاقِ أَنَّ الْجَهْرَ [كَانَ] (¬9) مِنْ شِعَارِ (¬10) ¬

(¬1) عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ فِي الْبُخَارِيِّ 2 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) : أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا. وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَقَبْرٌ مُسَنَّمٌ إِذَا كَانَ مَرْفُوعًا عَنِ الْأَرْضِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَا شَيْئًا فَقَدْ تَسَنَّمَهُ. وَتَسْنِيمُ الْقَبْرِ خِلَافُ تَسْطِيحِهِ ". (¬2) أ، ب: وَأَبْعَدُ مِنَ الْقُعُودِ. (¬3) و: بِتَسْطِيحِ. (¬4) انْظُرِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتِلَافَ الْأَئِمَّةِ فِيهَا فِي: الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ 2/420 421؛ أَحْكَامُ الْجَنَائِزِ لِلشِّيحِ مُحَمَّدِ نَاصِرِ الدِّينِ الْأَلْبَانِيِّ، ص 153 156، 207 209 (ط. بَيْرُوتَ، 1388، 1969) وَيَقُولُ الْأَلْبَانِيُّ ص 153) : " وَيُسَنُّ. . . أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ عَنِ الْأَرْضِ قَلِيلًا نَحْوَ شِبْرٍ، وَلَا يُسَوَّى بِالْأَرْضِ، وَذَلِكَ لِيَتَمَيَّزَ فَيُصَانَ وَلَا يُهَانَ ". (¬5) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) أ: فَخَالَفُوهُمْ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ، ب: وَخَالَفَهُمْ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ. (¬7) ن، م: وَهُوَ، وَ: هِيَ. (¬8) أ، ب: وَسَبَبِ. (¬9) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ص) . (¬10) و: شَعَائِرِ.

الرَّافِضَةِ، وَأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ كَانَ مِنْ شِعَارِ (¬1) الْقَدَرِيَّةِ [الرَّافِضَةِ] (¬2) ، حَتَّى أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَذْكُرُونَ فِي عَقَائِدِهِمْ تَرْكَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ، [كَمَا يَذْكُرُونَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ كَانَ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ] (¬3) ، وَمَعَ هَذَا فَالشَّافِعِيُّ لَمَّا رَأَى أَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ وَإِنْ وَافَقَ قَوْلَ الرَّافِضَةِ. وَكَذَلِكَ إِحْرَامُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنَ الْعَقِيقِ يُسْتَحَبُّ (¬4) عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الرَّافِضَةِ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ. وَكَذَلِكَ مَالِكٌ يُضَعِّفُ أَمْرَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، حَتَّى أَنَّهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَمْسَحُ فِي الْحَضَرِ، وَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ الرَّافِضَةِ. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ، الْمَشْهُورُ عَنْهُ (¬5) أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَسْتَظِلُّ (¬6) بِالْمَحْمَلِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَوْلَ الرَّافِضَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ السُّجُودَ يُكْرَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَالرَّافِضَةُ يَمْنَعُونَ مِنَ (¬7) السُّجُودِ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ. وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَسْتَحِبُّ الْمُتْعَةَ - مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَيَأْمُرُ بِهَا حَتَّى يَسْتِحَبَّ (¬8) هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ - أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ - لِمَنْ أَحْرَمَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَنْ ¬

(¬1) و: شَعَائِرِ. (¬2) الرَّافِضَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) أ، ب: مُسْتَحَبٌّ. (¬5) عِبَارَةُ " الْمَشْهُورِ عَنْهُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م، و: لَا يَتَظَلَّلُ. (¬7) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: وَيَسْتَحِبُّ.

يَفْسَخَ ذَلِكَ إِلَى الْعُمْرَةِ وَيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ جَاءَتْ بِذَلِكَ؛ حَتَّى قَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ (¬1) لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَوِيَتْ قُلُوبُ الرَّافِضَةِ لَمَّا أَفْتَيْتَ أَهْلَ خُرَاسَانَ بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ، كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْكَ أَنَّكَ أَحْمَقُ، وَكُنْتُ أَدْفَعُ عَنْكَ، وَالْآنَ فَقَدْ (¬2) ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّكَ أَحْمَقُ: عِنْدِي أَحَدَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتْرُكُهَا لِقَوْلِكَ؟ ! . وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى (¬3) غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَاسْتَدَلَّ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬4) ] : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ (¬5) وَغَيْرِهِمْ، وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ¬

(¬1) ن: شَيْبٍ. وَمَكَانُ الْكَلِمَةِ بَيَاضٌ فِي (أ) ، (ب) . وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ الْحَجَرِيُّ الْمِسْمَعِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ وَمُحَدِّثُهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ 247. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/146 147، الْأَعْلَامِ 3/172. (¬2) فَقَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬3) أ، ب: أَنَّ الصَّلَاهَ تَجُوزُ عَلَى. . . (¬4) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، هـ: وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجِيلِيُّ أَوِ الْجِيلَانِيُّ أَوِ الْكِيلَانِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 471 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 561، وَهُوَ شَيْخُ الطَّرِيقَةِ الْقَادِرِيَّةِ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ وَالصُّوفِيَّةِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/198 202، الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/290 301، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى لِلشَّعْرَانِيِّ 1/108 114، فَوَاتِ الْوَفِيَّاتِ لِابْنِ شَاكِرٍ 2/4 6، الْأَعْلَامِ 4/171 172.

اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (¬1) ] أَنَّهُ قَالَ: لَا تَصْلُحُ الصَّلَاةُ [مِنْ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ] عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) (* وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬3) قَالَهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لَمَّا صَارَتِ الشِّيعَةُ تَخُصُّ بِالصَّلَاةِ عَلِيًّا دُونَ غَيْرِهِ، [وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي حَقِّهِ بِخُصُوصِهِ دُونَ غَيْرِهِ] (¬4) ، وَهَذَا خَطَأٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، فَيُصَلَّى عَلَى جَمِيعِ آلِهِ تَبَعًا لَهُ (¬5) . وَآلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ هُمُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ (¬6) عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا إِلَى أَنَّهُمْ أُمَّةُ [مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] . وَقَالَتْ (¬7) طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ: إِنَّهُمُ الْأَوْلِيَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ، وَرُوِيَ (¬8) فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) ، (ص) . (¬2) أ، ب: الصَّلَاةُ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ن، م، هـ: الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ: (ن) ، (م) . (¬5) ر، ص: وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَعَلَى جَمِيعِ آلِهِ تَبَعًا لَهُ. (¬6) أ، ب:. . . وَأَحْمَدَ الَّذِينَ حُرِّمَتْ، ر، ص: وَأَحْمَدَ مَنْ حُرِّمَتْ. (¬7) ن، م، ص، ر: إِلَى أَنَّهُمْ أُمَّتُهُ، وَقَالَتْ. . . (¬8) أ، ب: وَرَوَوْا.

ضَعِيفٌ (¬1) لَا يَثْبُتُ، فَالَّذِي قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ (¬2) لَا يُصَلُّونَ إِلَّا عَلَى عَلِيٍّ دُونَ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا صَلَّى عَلَى عَلِيٍّ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْهُمْ، فَيُكْرَهُ (¬3) لِئَلَّا يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ رَافِضِيٌّ، فَأَمَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ صَلَّى (¬4) عَلَى عَلِيٍّ وَعَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَقُولُهُ سَائِرُ الْأَئِمَّةِ (¬5) . فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي فِعْلٍ مُسْتَحَبٍّ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ لَمْ يَصِرْ مُسْتَحَبًّا * (¬6)) . [وَمِنْ هُنَا] (¬7) ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَرْكِ بَعْضِ الْمُسْتَحَبَّاتِ إِذَا صَارَتْ شِعَارًا لَهُمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا بِذَلِكَ (¬8) ، لَكِنْ قَالَ (¬9) : فِي إِظْهَارِ ذَلِكَ مُشَابَهَةٌ لَهُمْ، فَلَا يَتَمَيَّزُ السُّنِّيُّ مِنَ الرَّافِضِيِّ، وَمَصْلَحَةُ التَّمَيُّزِ (¬10) عَنْهُمْ لِأَجْلِ هِجْرَانِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ، أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ هَذَا الْمُسْتَحَبِّ. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إِذَا كَانَ فِي الِاخْتِلَاطِ وَالِاشْتِبَاهِ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ فِعْلِ ذَلِكَ (¬11) الْمُسْتَحَبِّ، لَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ عَارِضٌ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَجْعَلَ الْمَشْرُوعَ لَيْسَ ¬

(¬1) أ، ب: حَدِيثًا ضَعِيفًا. (¬2) ن، م: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ قَوْمٌ. (¬3) ن، م، ر: فَكَرِهَ، ص: وَكَرِهَ. (¬4) أ، ب: يُصَلِّي. (¬5) ص، ر: سَائِرُ الْجَمَاعَةِ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) وَيَسْتَمِرُّ السَّقْطُ فِي (هـ) مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى كَلِمَةِ " فَصْلٌ " (¬7) وَمِنْ هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) أ: فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا لِذَلِكَ، ب: فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّرْكُ وَاجِبًا لِذَلِكَ. . . (¬9) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬10) ن، م: التَّمْيِيزُ. (¬11) ن: هَذَا.

زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة

بِمَشْرُوعٍ دَائِمًا، بَلْ هَذَا مِثْلُ لِبَاسِ (¬1) شِعَارِ الْكُفَّارِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا [إِذَا] (¬2) لَمْ يَكُنْ شِعَارًا لَهُمْ، كَلُبْسِ الْعِمَامَةِ الصَّفْرَاءِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ شِعَارًا لِلْيَهُودِ، فَإِذَا صَارَ شِعَارًا لَهُمْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ (¬3) . [زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة] فَصْلٌ (¬4) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " مَعَ أَنَّهُمُ ابْتَدَعُوا أَشْيَاءَ، وَاعْتَرَفُوا بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فَإِنَّ مَصِيرَهَا إِلَى النَّارِ» ". وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَدْخَلَ (¬6) فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» "، وَلَوْ رُدُّوا عَنْهَا كَرِهَتْهُ (¬7) نُفُوسُهُمْ وَنَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ، كَذِكْرِ الْخُلَفَاءِ فِي خُطَبِهِمْ (¬8) مَعَ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا فِي زَمَنِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَا فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَا فِي صَدْرِ (¬9) وِلَايَةِ الْعَبَّاسِيِّينَ، بَلْ شَيْءٌ (¬10) أَحْدَثَهُ الْمَنْصُورُ لِمَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ¬

(¬1) أ، ب: اللِّبَاسِ. (¬2) إِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: عَنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُنَا وَرَدَتْ فِي نُسْخَةِ (و) السُّطُورُ الَّتِي سَقَطَتْ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ. (¬4) ص، ر، هـ: الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ. (¬5) فِي (ك) ص 108 (م) . . (¬6) ك: وَقَالَ: مَنْ أَحْدَثَ. . . (¬7) ن: كَرَاهِيَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ك: فِي خُطْبَتِهِمْ. (¬9) ن، م: بَنِي أُمَيَّةَ وَفِي صُدُورِ، وَ: بَنِي أُمَيَّةَ وَفِي صَدْرِ، ك: بَنِي أُمَيَّةَ وَلَا فِي زَمَنِ صَدْرِ. . (¬10) ك: بَلْ هُوَ شَيْءٌ. . .

الجواب على زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة من وجوه

الْعَلَوِيَّةِ (¬1) [خِلَافٌ] (¬2) ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُرْغِمَنَّ أَنْفِي وَأُنُوفَهُمْ وَأَرْفَعُ (¬3) عَلَيْهِمْ بَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ، وَذَكَرَ الصَّحَابَةَ فِي خُطْبَتِهِ، وَاسْتَمَرَّتْ [هَذِهِ الْبِدْعَةُ] (¬4) إِلَى هَذَا الزَّمَانِ ". [الجواب على زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة من وجوه] فَيُقَالُ: الْجَوَابُ (¬5) مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَحَدِيثُ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ (¬6) مِنْ أَشْهَرِ الْأَحَادِيثِ. فَرَوَى الطَّلَمَنْكِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِذَا خَطَبَ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ وَالِيَهَا، صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ثَنَّى بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَدْعُو لَهُ. فَيَقُومُ ضَبَّةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْعَنَزِيُّ فَيَقُولُ (¬7) : فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ (¬8) ذِكْرِ صَاحِبِهِ قَبْلَهُ يُفَضِّلُهُ؟ (¬9) - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ثُمَّ قَعَدَ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا أَمْحَكَهُ (¬10) أَبُو مُوسَى، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ضَبَّةَ ¬

(¬1) ص، ر، هـ: وَبَيْنَ الْعَلَوِيِّينَ. (¬2) خِلَافٌ: فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ. (¬3) ك: فَأَرْفَعُ. (¬4) هَذِهِ الْبِدْعَةُ: فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ. (¬5) أ، ب: فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ. (¬6) أ: ضَبَّةَ بْنِ مُحْسِنٍ، ن: صَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، هـ: ظَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ. وَهُوَ ضَبَّةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْعَنَزِيُّ الْبَصْرِيُّ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/442 443. (¬7) ب (فَقَطْ) : فَقَامَ ضَبَّةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْعَنَزِيُّ فَقَالَ. (¬8) ب (فَقَطْ) : مِنْ. (¬9) ب (فَقَطْ) : تُفَضِّلُهُ عَلَيْهِ. (¬10) ص، م: مَحَكَهُ. وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " الْمَحْكُ: الْمُشَادَّةُ وَالْمُنَازَعَةُ فِي الْكَلَامِ. وَالْمَحْكُ: التَّمَادِي فِي اللَّجَاجَةِ عِنْدَ الْمُسَاوَمَةِ وَالْغَضَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْمُمَاحَكَةُ: وَالْمُلَاجَّةُ، وَقَدْ مَحَكَ يَمْحَكُ، وَمَحِكَ مَحْكًا وَمَحَكًا، فَهُوَ مَاحِكٌ وَمَحِكٌ، وَأَمْحَكَهُ غَيْرُهُ "

يَطْعَنُ عَلَيْنَا وَيَفْعَلُ، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى ضَبَّةَ يَأْمُرُهُ (¬1) أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِ، فَبَعَثَ بِهِ أَبُو مُوسَى، فَلَمَّا قَدِمَ ضَبَّةُ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَهُ الْحَاجِبُ (¬2) : ضَبَّةُ الْعَنَزِيُّ بِالْبَابِ. فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ [عَلَيْهِ] (¬3) قَالَ: لَا مَرْحَبًا بِضَبَّةَ وَلَا أَهْلًا. قَالَ ضَبَّةُ: أَمَّا الْمَرْحَبُ فَمِنَ اللَّهِ، وَأَمَّا الْأَهْلُ فَلَا أَهْلَ وَلَا مَالَ، فَبِمَ اسْتَحْلَلْتَ إِشْخَاصِي مِنْ مِصْرِي بِلَا ذَنْبٍ أَذْنَبْتُ وَلَا شَيْءٍ أَتَيْتُ؟ قَالَ: مَا الَّذِي شَجَرَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَامِلِكَ؟ . قُلْتُ (¬4) : الْآنَ أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا خَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ (¬5) وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [ثُمَّ] ثَنَّى (¬6) يَدْعُو لَكَ، فَغَاظَنِي (¬7) ذَلِكَ مِنْهُ، وَقُلْتُ: أَيْنَ أَنْتَ عَنْ (¬8) صَاحِبِهِ: تُفَضِّلُهُ عَلَيْهِ؟ فَكَتَبَ إِلَيْكَ يَشْكُونِي. قَالَ: فَانْدَفَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاكِيًا وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ وَاللَّهِ أَوْفَقُ مِنْهُ وَأَرْشَدُ مِنْهُ، فَهَلْ أَنْتَ غَافِرٌ لِي ذَنْبِي، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ؟ قُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ انْدَفَعَ بَاكِيًا وَهُوَ (¬9) ¬

(¬1) يَأْمُرُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: فَقَالَ الْحَاجِبُ. (¬3) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) م (فَقَطْ) : قَالَ. (¬5) أ، ب، م: حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. (¬6) و، ر: وَثَنَّى. وَسَقَطَتْ " ثُمَّ " مِنْ (ن) ، (م) ، (ص) ، (هـ) . (¬7) أ، ن، م، و، ر: فَغَاضَنِي؛ ب: فَغَاضَبَنِي. (¬8) ب: مِنْ؛ ن: عَمَّنْ. (¬9) وَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

يَقُولُ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ (¬1) مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ وَآلِ عُمَرَ، فَهَلْ لَكَ أَنْ أُحَدِّثَكَ بِلَيْلَتِهِ (¬2) وَيَوْمِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: أَمَّا اللَّيْلَةُ (¬3) فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ هَارِبًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ خَرَجَ لَيْلًا، فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أَمَامَهُ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ، وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ؟ مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذْكُرُ الرَّصْدَ فَأَكُونُ أَمَامَكَ، وَأَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَكُونُ خَلْفَكَ، وَمَرَّةً عَنْ يَمِينِكَ، وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِكَ، لَا آمَنُ عَلَيْكَ. فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ حَتَّى حَفِيَتْ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو بَكْرٍ أَنَّهَا قَدْ حَفِيَتْ (¬4) حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، حَتَّى أَتَى بِهِ فَمَ الْغَارِ، فَأَنْزَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تَدْخُلُهُ حَتَّى أَدْخُلَهُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَيَبْدَأُ بِي قَبْلَكَ، فَلَمْ يَرَ (¬5) شَيْئًا يَسْتَرِيبُهُ، فَحَمَلَهُ فَأَدْخَلَهُ (¬6) ، وَكَانَ فِي الْغَارِ خَرْقٌ فِيهِ حَيَّاتٌ (¬7) ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ (¬8) أَلْقَمَهُ عَقِبَهُ، فَجَعَلْنَ يَلْسَعْنَهُ أَوْ يَضْرِبْنَهُ (¬9) وَجَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَتَحَادَرُ عَلَى خَدِّهِ مِنْ أَلَمِ مَا يَجِدُ، ¬

(¬1) ن، م: لَيْلَةٌ. (¬2) أ، ب: بِيَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ. (¬3) أ، ب: أَمَّا لَيْلَتُهُ. (¬4) أ، ب: أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا حَفِيَتْ. (¬5) أ، ب: فِيهِ شَيْءٌ فَبِي فَدَخَلَ فَلَمْ يَرَ. . . (¬6) و: يُرِيبُهُ فَحَمَلَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ. . (¬7) أ، ب: فَأَدْخَلَهُ فَلَمَّا دَخَلَ فَوَجَدَ (ب: وَجَدَ) الصِّدِّيقُ أَحْجَارَ الْأَفَاعِي. . (¬8) أ، ب، م: فَلَمَّا رَأَى أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ. . . (¬9) أ، ب: وَيَضْرِبْنَهُ.

وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَا تَحْزَنْ يَا أَبَا بَكْرٍ (¬1) إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» " فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ وَطُمَأْنِينَتَهُ لِأَبِي بَكْرٍ (¬2) ، فَهَذِهِ لَيْلَتُهُ (¬3) . وَأَمَّا يَوْمُهُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُزَكِّي وَلَا نُصَلِّي. فَأَتَيْتُهُ لَا آلُوهُ نُصْحًا. فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، تَأَلَّفِ النَّاسَ وَارْفُقْ بِهِمْ. فَقَالَ لِي: أَجَبَّارٌ (¬4) فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَخَوَّارٌ (¬5) فِي الْإِسْلَامِ؟ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَارْتَفَعَ الْوَحْيُ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُعْطُونَهُ رَسُولَ اللَّهِ (¬6) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ. فَقَاتَلْنَا مَعَهُ (¬7) ، فَكَانَ وَاللَّهِ رَشِيدَ الْأَمْرِ، فَهَذَا يَوْمُهُ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى يَلُومُهُ (¬8) . ¬

(¬1) عِبَارَةُ " يَا أَبَا بَكْرٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬2) ب (فَقَطْ) : عَلَى أَبِي بَكْرٍ. (¬3) ن: فَهَذِهِ اللَّيْلَةُ. (¬4) ن، هـ، ر، ص، و: جَبَّارٌ، م: جَبَانٌ. (¬5) وَخَوَّارٌ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: جَوَّارٌ. (¬6) ن، م: يُعْطُونَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ؛ ص: يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ. (¬7) عِبَارَةُ " فَقَاتَلْنَا مَعَهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ " الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ فِي مَنَاقِبِ الْعَشَرَةِ " ص 89، 91 (ط. الْخَانَجِيِّ، الطَّبْعَةَ الثَّانِيَةَ، 1372 1953) وَقَالَ الْمُحِبُّ: " وَخَرَّجَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ وَالْمُلَّاءُ فِي سِيرَتِهِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَنَوِيِّ (كَذَا) ". ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ سَرْدِ الْخَبَرِ: " خَرَّجَهُ الْمُلَّاءُ فِي سِيرَتِهِ وَصَاحِبِ فَضَائِلِهِ، وَخَرَّجَ الْخُجَنْدِيُّ مَعْنَاهُ وَزَادَ. . . ". وَأَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ 4/184 185 (ط. الْمَعَارِفِ) . خَبَرًا عَنْ وَاقِعَةٍ أُخْرَى بَيْنَ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ وَبَيْنَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ حَكَمَ فِيهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

فَإِنْ قِيلَ: ذَاكَ فِيهِ ذِكْرُ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ السُّلْطَانَ الْحَيَّ. قِيلَ: فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ (¬1) قَدْ مَاتَ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا الْمَيِّتَ أَيْضًا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَكَرَ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ لَمَّا كَانَ بَعْضُ بَنِي أُمَيَّةَ يَسُبُّونَ عَلِيًّا، فَعَوَّضَ عَنْ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْخُلَفَاءِ وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ، لِيَمْحُوَ تِلْكَ السُّنَّةَ (¬2) الْفَاسِدَةَ. [الْوَجْهِ] (¬3) الثَّالِثُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إِحْدَاثِ الْمَنْصُورِ وَقَصْدِهِ بِذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَوَلَّيَا الْخِلَافَةَ قَبْلَ الْمَنْصُورِ وَقَبْلَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ الْمَنْصُورِ لَهُمَا إِرْغَامٌ لِأَنْفِهِ وَلَا لِأُنُوفِ بَنِي عَلِيٍّ، إِلَّا لَوْ كَانَ بَعْضُ بَنِي تَيْمٍ أَوْ بَعْضُ بَنِي عَدِيٍّ [يُنَازِعُهُمُ الْخِلَافَةَ (¬4) ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ] (¬5) يُنَازِعُهُمْ فِيهَا. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ [الْأَرْبَعَةِ] (¬6) فِي الْخُطْبَةِ فَرْضٌ، بَلْ يَقُولُونَ إِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى عَلِيٍّ وَحْدَهُ، أَوْ ذِكْرِ الِاثْنَى عَشَرَ هُوَ الْبِدْعَةُ الْمُنْكَرَةُ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَا مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ. كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّ سِتَّ عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ [مِنَ السَّلَفِ] (¬7) بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، فَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) أ: الْحَيُّ وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ. .؛ ب: قُلْنَا: وَأَبَا بَكْرٍ كَانَ. . (¬2) ن: السَّيِّئَةَ. (¬3) الْوَجْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) أ: مُنَازِعِيهِمُ الْخِلَافَةَ؛ ب: مُنَازِعِيهِمْ فِي الْخِلَافَةِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) الْأَرْبَعَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ص) ، (ر) ، (هـ) . (¬7) مِنَ السَّلَفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

ذِكْرُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ (¬1) بِدْعَةً، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَفَاءِ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَالِاقْتِصَارُ عَلَى عَلِيٍّ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ، أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِدْعَةً، وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ عَلِيٍّ لِكَوْنِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَحَبًّا، فَذِكْرُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ هُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَوْلَى بِالِاسْتِحْبَابِ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ مِنَ الْمُطَفِّفِينَ (¬2) : يَرَى أَحَدُهُمُ الْقَذَاةَ فِي عُيُونِ (¬3) أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا يَرَى الْجِذْعَ الْمُعْتَرِضَ فِي عَيْنِهِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الثَّلَاثَةَ اتَّفَقَتْ (¬4) عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَ السَّيْفُ فِي زَمَانِهِمْ مَسْلُولًا عَلَى الْكُفَّارِ، مَكْفُوفًا عَنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمْ يَتَّفِقِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مُبَايَعَتِهِ، بَلْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ تِلْكَ الْمُدَّةَ، [وَكَانَ السَّيْفُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ] (¬5) مَكْفُوفًا عَنِ الْكُفَّارِ مَسْلُولًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَاقْتِصَارُ الْمُقْتَصِرِ عَلَى ذِكْرِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ دُونَ مَنْ سَبَقَهُ، وَهُوَ تَرْكٌ لِذِكْرِ الْأَئِمَّةِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَانْتِصَارِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَاقْتِصَارٌ عَلَى ذِكْرِ الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ إِمَامًا وَقْتَ افْتِرَاقِ الْمُسْلِمِينَ [وَطَلَبِ عَدَوِّهِمْ لِبِلَادِهِمْ (¬6) . فَإِنَّ الْكُفَّارَ بِالشَّامِ وَخُرَاسَانَ طَمِعُوا وَقْتَ الْفِتْنَةِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ] (¬7) ، ¬

(¬1) الْأَرْبَعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ر، ص، هـ: قَوْمٌ مُطَفِّفُونَ؛ و: قَوْمٌ يُطَفِّفُونَ. (¬3) أ، ب: عَيْنِ. (¬4) ب (فَقَطْ) : اتَّفَقَ. 1 (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. 1 (¬6) أ، ب: لِلْبِلَادِ. 1 (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

لِاشْتِغَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ (¬1) بِبَعْضٍ، وَهُوَ تَرْكٌ لِذِكْرِ أَئِمَّةِ (¬2) الْخِلَافَةِ التَّامَّةِ الْكَامِلَةِ، وَاقْتِصَارٌ عَلَى ذِكْرِ الْخِلَافَةِ الَّتِي لَمْ تَتِمَّ وَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهَا. وَهَذَا كَانَ [مِنْ] (¬3) حُجَّةِ مَنْ كَانَ يُرَبِّعُ بِذِكْرِ مُعَاوِيَةَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬4) وَلَا يَذْكُرُ عَلِيًّا رَضِيَ عَنْهُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ [كَانَ] (¬5) يَفْعَلُهُ بِالْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهَا. قَالُوا (¬6) : لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬7) اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ عَلِيٍّ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬8) . وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً، فَقَوْلُ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ عَلِيًّا وَحْدَهُ أَعْظَمُ خَطَأً مِنْ هَؤُلَاءِ. وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ (¬9) كُلِّهِ ذِكْرُ الِاثْنَى عَشَرَ فِي خُطَبِهِ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ نَقْشُهُمْ عَلَى حَائِطٍ، أَوْ تَلْقِينُهُمْ لِمَيِّتٍ، فَهَذَا هُوَ الْبِدْعَةُ الْمُنْكَرَةُ الَّتِي يُعْلَمُ (¬10) بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا (¬11) مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ الْمُبْتَدَعَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ تَرَكَ الْخَطِيبُ ذِكْرَ الْأَرْبَعَةِ جَمِيعًا (¬12) لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ الِاقْتِصَارُ ¬

(¬1) ن، م، و: لِاشْتِغَالِهِمْ بَعْضِهِمْ. . (¬2) أ: الْأَئِمَّةِ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ب) . (¬3) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) . 1 (¬4) ن، م، و: يَرْفَعُ بِمُعَاوِيَةَ. (¬5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) . (¬6) أ، ب: وَقَالُوا. (¬7) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: مِنْ هَذَا. (¬10) أ، ب، ن: تُعْلَمُ. (¬11) أ، ب: لِأَنَّهَا. (¬12) جَمِيعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

عَلَى وَاحِدٍ دُونَ الثَّلَاثَةِ السَّابِقِينَ، الَّذِينَ كَانَتْ خِلَافَتُهُمْ أَكْمَلَ، وَسِيرَتُهُمْ أَفْضَلَ. كَمَا أُنْكِرَ عَلَى أَبِي مُوسَى ذِكْرُهُ لِعُمَرَ دُونَ أَبِي بَكْرٍ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ هُوَ الْحَيَّ خَلِيفَةَ الْوَقْتِ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خُطَبَاءِ السُّنَّةِ يَذْكُرُونَ الْخُلَفَاءَ فِي الْخُطْبَةِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ خُطَبَاءِ السُّنَّةِ بِالْمَغْرِبِ وَغَيْرِهِ (¬1) لَا يَذْكُرُونَ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ بِاسْمِهِ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ خُطَبَاءِ الْمَغْرِبِ يَذْكُرُونَ (¬2) أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَيُرَبِّعُونَ بِذِكْرِ مُعَاوِيَةَ (¬3) لَا يَذْكُرُونَ عَلِيًّا. قَالُوا: لِأَنَّ (¬4) هَؤُلَاءِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِمَامَتِهِمْ دُونَ عَلِيٍّ. فَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الْخُلَفَاءِ بِأَسْمَائِهِمْ حَسَنًا فَبَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ [يَفْعَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا فَبَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ] (¬5) يَتْرُكُهُ، فَالْحَقُّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ الَّذِينَ اخْتَارُوا ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِنَّمَا فَعَلُوهُ تَعْوِيضًا عَمَّنْ يَسُبُّهُمْ (¬6) وَيَقْدَحُ فِيهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِيهِ (¬7) مِنَ الْفَاسِدِ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَا يَخْفَى، فَأَعْلَنُوا (¬8) بِذِكْرِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ حِفْظًا لِلْإِسْلَامِ بِإِظْهَارِ مُوَالَاتِهِمْ وَالثَّنَاءِ ¬

(¬1) أ، ب: وَغَيْرِهَا. (¬2) (2 - 2) ؛ سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، و: وَيَرْفَعُونَ بِمُعَاوِيَةَ. (¬4) لِأَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ب (فَقَطْ) : عَنْ سَبِّ مَنْ يَسُبُّهُمْ. (¬7) أ، ب: وَكَانَ فِي ذَلِكَ. (¬8) فَأَعْلَنُوا: كَذَا فِي (ب) ، (و) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَأَعْلَنُوا.

عَلَيْهِمْ وَمَنْعًا (¬1) مِمَّنْ يُرِيدُ عَوْرَاتِهِمْ وَالطَّعْنَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» " (¬2) . وَالْأَحَادِيثُ فِي ذِكْرِ خِلَافَتِهِمْ (¬3) كَثِيرَةٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ يَسُبُّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَذُمُّهُ (¬4) وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخُلَفَاءِ (¬5) الرَّاشِدِينَ، وَتَوَلَّى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ [بَعْدَ أُولَئِكَ] (¬6) ، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ ذَكَرَ الْخُلَفَاءَ [الرَّاشِدِينَ] (¬7) الْأَرْبَعَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَأَظْهَرَ ذِكْرَ (¬8) عَلِيٍّ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَذِكْرَ فَضَائِلِهِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا لَا تَخْتَارُ ذَلِكَ (¬9) . وَالْخَوَارِجُ تُبْغِضُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَتُكَفِّرُهُمَا، فَكَانَ فِي ذِكْرِهِمَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ. ¬

(¬1) ن، م، و، أ: وَمَنَعَهَا؛ ب: وَمَنَعَهُمْ. (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَوَّلُهُ: " وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ. . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/280 281 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ. .) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/15 16 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي اتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ) ؛ سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/44 45 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/126 127. وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/346. (¬3) ن، م: خِلَافِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) وَيَذُمُّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: وَيَقُولُ: لَيْسَ هُوَ مِنَ الْخُلَفَاءِ. . . (¬6) بَعْدَ أُولَئِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) الرَّاشِدِينَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) ن، م، أ: فَأَظْهَرَ ذَلِكَ. . (¬9) أ، ب: لَا يَخْتَارُونَ ذَلِكَ. .

وَالرَّافِضَةُ [شَرٌّ] (¬1) مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، يُبْغِضُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَيَسُبُّونَهُمْ، بَلْ قَدْ يُكَفِّرُونَهُمْ، فَكَانَ فِي ذِكْرِ هَؤُلَاءِ وَفَضَائِلِهِمْ رَدٌّ عَلَى الرَّافِضَةِ، وَلَمَّا قَامُوا فِي دَوْلَةِ خُدَابَنْدَةَ الَّذِي صَنَّفَ لَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ هَذَا الْكِتَابَ (¬2) ، فَأَرَادُوا إِظْهَارَ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ وَإِطْفَاءَ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَعَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْفِتْنَةِ، وَأَطْلَقُوا عِنَانَ الْبِدْعَةِ، وَأَظْهَرُوا مِنَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا رَبُّ الْعِبَادِ، كَانَ مِمَّا احْتَالُوا بِهِ أَنِ اسْتَفْتَوْا بَعْضَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ فِي ذِكْرِ الْخُلَفَاءِ فِي الْخُطْبَةِ: هَلْ يَجِبُ؟ فَأَفْتَى مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ: إِمَّا جَهْلًا بِمَقْصُودِهِمْ، وَإِمَّا خَوْفًا مِنْهُمْ وَتَقِيَّةً لَهُمْ (¬3) . وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُهُمْ مَنْعَ ذِكْرِ الْخُلَفَاءِ، ثُمَّ عَوَّضُوا عَنْ ذَلِكَ بِذِكْرِ عَلِيٍّ وَالْإِحْدَى عَشَرَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمُ الْمَعْصُومُونَ (¬4) ، فَالْمُفْتِي إِذَا عَلِمَ أَنَّ مَقْصُودَ الْمُسْتَفْتَى لَهُ (¬5) أَنْ يَتْرُكَ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ وَأَنْ يَذْكُرَ (¬6) الِاثْنَى عَشَرَ، وَيُنَادِي بِحَيِّ (¬7) عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ لِيُبْطِلَ الْأَذَانَ الْمَنْقُولَ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَمْنَعَ قِرَاءَةَ (¬8) الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعِوِّضَ عَنْهَا بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي افْتَرَاهَا ¬

(¬1) شَرٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) انْظُرْ كَلَامِي عَنْ خُدَابَنْدَةَ فِي الْمُقَدِّمَةِ ص 96 (م) . (¬3) أ، ب: وَهَيْبَةً لَهُمْ. (¬4) أ، ب: أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ. (¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: وَيَذْكُرَ. (¬7) ب: حَيِّ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (أ) . (¬8) ن: وَمَنَعَ قَوْلَهُ؛ م: وَيَمْنَعَ قَوْلَهُ.

الْمُفْتَرُونَ، وَيُبْطِلَ الشَّرَائِعَ الْمَعْلُومَةَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَيُعَوِّضَ عَنْهَا بِالْبِدَعِ (¬1) الْمُضِلَّةِ، وَيَتَوَسَّلَ بِذَلِكَ مَنْ يَتَوَسَّلُ (¬2) إِلَى إِظْهَارِ دِينِ الْمَلَاحِدَةِ، الَّذِينَ يُبْطِنُونَ مَذْهَبَ الْفَلَاسِفَةِ، وَيَتَظَاهَرُونَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ أَكْفَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، الْكَائِدِينَ (¬3) لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ - لَمْ يَحِلَّ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا (¬4) يَجُرُّ إِلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ. وَإِذَا كَانَ ذِكْرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ [بِهِ] الْمَقَاصِدُ (¬5) الْمَأْمُورُ بِهَا عِنْدَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، كَانَ هَذَا مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي تَجِبُ مُطْلَقًا، وَلَا مِنَ السُّنَنِ الَّتِي يُحَافَظُ عَلَيْهَا فِي (¬6) كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، كَمَا أَنَّ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ إِذَا كَانَ لِهَؤُلَاءِ شِعَارٌ وَلِهَؤُلَاءِ شِعَارٌ وَجَبَ إِظْهَارُ شِعَارِ الْإِسْلَامِ دُونَ شِعَارِ الْكُفْرِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ (¬7) فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَقُومُ إِلَّا بِإِظْهَارِ ذِكْرِ الْخُلَفَاءِ، وَإِنَّهُ إِذَا تُرِكَ ذَلِكَ ظَهَرَ شِعَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، صَارَ مَأْمُورًا بِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. وَالْأُمُورُ ¬

(¬1) أ، ب: بِالْبِدْعَةِ. (¬2) مَنْ يَتَوَسَّلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ (¬3) ب (فَقَطْ) : الْمُكَايِدِينَ. (¬4) أ، ب: لِمَا. (¬5) ن، م: يَحْصُلُ الْمَقَاصِدُ. (¬6) أ، ب: الَّتِي تُحَافِظُ فِي. . (¬7) أ، ب: الْحَالُ هَذَا وَاجِبٌ؛ ن، م، ر: الْحَالُ لَا لِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ؛ هـ: الْحَالُ لَا إِنَّ هَذَا وَاجِبٌ.

الْمَأْمُورُ بِهَا مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَسْنُونٌ دَائِمًا، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالْوَتْرِ، وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ. وَمِنْهَا مَا يُؤْمَرُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ إِذَا لَمْ تَحْصُلِ الْوَاجِبَاتُ إِلَّا بِهِ، وَلَمْ تَنْدَفِعِ الْمُحَرَّمَاتُ إِلَّا بِهِ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي ذِكْرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي الدُّعَاءِ لِسُلْطَانِ الْوَقْتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: إِذَا تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِمُوجَبِ (¬1) الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَانَ كَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَقْبُولًا، وَكَانَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ أَجْرَانِ، وَلِلْمُخْطِئِ أَجْرٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَأَمَّا إِذَا أَخَذَ يَعِيبُ ذَلِكَ مَنْ يُعَوِّضُ عَنْهُ بِمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، كَطَائِفَةِ ابْنِ التُّومَرْتِ الَّذِي كَانَ يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ الْمَعْلُومُ، وَالْإِمَامُ الْمَعْصُومُ، إِذَا ذَكَرُوهُ بِاسْمِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَوَصَفُوهُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي تُعَلَمُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَجَعَلُوا حِزْبَهُ هُمْ خَوَاصُّ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَرَكُوا مَعَ ذَلِكَ ذِكْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ (¬2) الَّذِينَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ (¬3) وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ (¬4) أَنَّهُمْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُهَا، وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْأَئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ فِي زَمَنِ أَفْضَلِ الْقُرُونِ، ثُمَّ أَخَذَ هَؤُلَاءِ التُّومَرْتِيَّةُ يَنْتَصِرُونَ لِذَلِكَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ سُنَّةً بَلْ بِدْعَةً - كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ غَايَةَ الرَّدِّ مَعَ ذِكْرِهِمْ لِإِمَامِهِمْ (¬5) ابْنِ ¬

(¬1) ن، م، و: يَتَكَلَّمُونَ مِنْ حَيْثُ. . . (¬2) أ، ب: وَالْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ. . (¬3) أ، ب: ثَبَتَ لَهُمْ بِالْكِتَابِ. . (¬4) ن (فَقَطْ) : بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. (¬5) أ، ب: إِمَامَهُمْ.

التُّومَرْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَشُكُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خَيْرٌ مِنْهُ وَأَفْضَلُ مِنْهُ، وَأَنَّ اتِّبَاعَهُمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيَامَهُمْ بِأَمْرِهِ أَكْمَلُ (¬1) ، بَلْ ذِكْرُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ (¬2) وَبَنِي الْعَبَّاسِ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْمُلَقَّبِ بِالْمَهْدِيِّ، فَإِنَّ خِلَافَةَ أُولَئِكَ خَيْرٌ مِنْ خِلَافَتِهِ، وَقِيَامَهُمْ بِالْإِسْلَامِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِهِ، وَظُهُورَهُمْ بِمَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا أَعْظَمُ مِنْ ظُهُورِهِ، وَمَا فَعَلُوهُ مِنَ الْخَيْرِ أَعْظَمُ مِمَّا فَعَلَهُ هُوَ، وَفَعَلَ هُوَ (¬3) مِنَ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالْجَهْلِ وَالشَّرِّ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ أُولَئِكَ، فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْمَهْدِيَّ دُونَهُمْ؟ أَمْ كَيْفَ يَكُونُ ذِكْرُهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ مَشْرُوعًا (¬4) دُونَ ذِكْرِهِمْ، فَكَيْفَ يُنْكِرُ ذِكْرَ أُولَئِكَ مَنْ يَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا؟ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ إِنْكَارُ [هَؤُلَاءِ] (¬5) الْإِمَامِيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَيَذْكُرُونَ اثْنَى عَشَرَ رَجُلًا: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ خَيْرٌ مِنْ أَفْضَلِ الِاثْنَى عَشَرَ، وَأَكْمَلُ خِلَافَةً وَإِمَامَةً. وَأَمَّا سَائِرُ الِاثْنَى عَشَرَ، فَهُمْ أَصْنَافٌ: مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، كَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَقَدْ شَرَكَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ (¬6) وَفِي السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، مِثْلُ أَهْلِ بَدْرٍ. وَهُمَا رَضِيَ اللَّهُ ¬

(¬1) أ، ب: أَجْمَلُ. (¬2) أ، ب: مِنَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ. . (¬3) أ، ب: وَفَعَلَ هَؤُلَاءِ. (¬4) أ، ب: وَاجِبًا. (¬5) هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: الْحُسَيْنِ وَشَرَكَهُمْ فِي ذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ. . .

عَنْهُمَا (¬1) وَإِنْ كَانَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهَذَا الصِّنْفُ أَكْمَلُ (¬2) مِنْ ذَلِكَ (¬3) الصِّنْفِ. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: هُمَا وَلَدُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قِيلَ وَعَلِيُّ [بْنُ أَبِي طَالِبٍ] أَفْضَلُ (¬4) مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَلَيْسَ هُوَ وَلَدَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ هُوَ أَفْضَلَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَكَذَا أُمَامَةُ (¬5) بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بِنْتُ بِنْتِهِ، وَكَانَ لِعُثْمَانَ وَلَدٌ مِنْ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِذَا قِيلَ: [عَلِيٌّ] (¬6) هُوَ ابْنُ عَمِّهِ. قِيلَ: فِي أَعْمَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَنِي عَمِّهِ جَمَاعَةٌ (¬7) مُؤْمِنُونَ صَحِبُوهُ: كَحَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ وَعَبْدِ اللَّهِ (¬8) وَالْفَضْلِ ابْنَيِ الْعَبَّاسِ، وَكَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَحَمْزَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَبَّاسِ، وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنَ الْعَبَّاسِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفَضْلَ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى لَا بِالنَّسَبِ. وَفِي الِاثْنَى عَشَرَ مِنْ هُوَ مَشْهُورٌ بِالْعِلْمِ ¬

(¬1) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬2) ر، هـ، ص: أَفْضَلُ. (¬3) أ، ب: مِنْ هَذَا. (¬4) ن، م: وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ. . (¬5) وَكَذَا أُمَامَةُ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ وَأُمَامَةُ. . (¬6) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) جَمَاعَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬8) ن، هـ، ر، و: وَعُبَيْدِ اللَّهِ. وَفِي " الْإِصَابَةِ " 2/430: " عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ أَحَدِ الْإِخْوَةِ، وَهُوَ شَقِيقُ الْفَضْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ وَقُثَمَ وَمَعْبَدٍ. . .

كلام الرافضي على مسح الرجلين في الوضوء بدلا من غسلهما والرد عليه

وَالدِّينِ، كَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ حُكْمُ أَمْثَالِهِمْ. فَفِي الْأُمَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِثْلُ هَؤُلَاءِ وَأَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَفِيهِمُ الْمُنْتَظَرُ وَلَا وُجُودَ لَهُ أَوْ مَفْقُودٌ (¬1) لَا مَنْفَعَةَ [لَهُمْ] (¬2) فِيهِ، فَهَذَا لَيْسَ فِي اتِّبَاعٍ إِلَّا شَرٌّ [مَحْضٌ] (¬3) بِلَا خَيْرٍ. وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَفِي بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ وَالْعَبَّاسِيِّينَ جَمَاعَاتٌ مِثْلُهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَمَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَأَدْيَنُ مِنْهُمْ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعِيبَ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، الَّذِينَ لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، مَنْ يُعَوِّضُ بِذِكْرِ قَوْمٍ فِي الْمُسْلِمِينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَفْضَلُ مِنْهُمْ؟ وَقَدِ انْتَفَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ بِخَلْقٍ كَثِيرٍ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا انْتَفَعُوا بِهَؤُلَاءِ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَهُمْ قَصْدُهُمْ مُعَادَاةُ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَى ذَلِكَ بِالْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ (¬4) ، وَإِطْفَاءُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَفَتْحُ بَابِ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ لِمَنْ يُرِيدُ إِفْسَادَ الْمِلَّةِ (¬5) . [كلام الرافضي على مسح الرجلين في الوضوء بدلا من غسلهما والرد عليه] فَصْلٌ (¬6) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬7) : " وَكَمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ الَّذِي نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ¬

(¬1) أ، ب: وَمَفْقُودٌ. (¬2) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) مَحْضٌ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَالْمُسْلِمِينَ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ. (¬5) أ، ب: الْمِلَّةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (¬6) ر، هـ، ص: الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ. (¬7) فِي (ك) ص 108 (م) 109 (م) .

فِي كِتَابِهِ [الْعَزِيزِ] (¬1) فَقَالَ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [سُورَةِ الْمَائِدَةِ: 6] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (¬2) : عُضْوَانِ مَغْسُولَانِ، وَعُضْوَانِ مَمْسُوحَانِ، [فَغَيَّرُوهُ] (¬3) وَأَوْجَبُوا الْغَسْلَ ". فَيُقَالُ: الَّذِينَ نَقَلُوا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوُضُوءَ (¬4) قَوْلًا وَفِعْلًا، وَالَّذِينَ تَعَلَّمُوا الْوُضُوءَ مِنْهُ وَتَوَضَّئُوا عَلَى عَهْدِهِ، [وَهُوَ يَرَاهُمْ وَيُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ] (¬5) ، وَنَقَلُوهُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، أَكْثَرُ عَدَدًا (¬6) مِنَ الَّذِينَ نَقَلُوا لَفْظَ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّمُوا الْوُضُوءَ إِلَّا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ هَذَا الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُمْ قَدْ رَأَوْهُ يَتَوَضَّأُ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَنَقَلُوا عَنْهُ ذِكْرَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِيمَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْحَدِيثِ، حَتَّى نَقَلُوا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قَالَ: " «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ» " (¬7) ، مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ إِذَا كَانَ مَسْحَ ظَهْرِ الْقَدَمِ، كَانَ ¬

(¬1) ن، م: الَّذِي نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَلَيْهِ؛ ك: الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ. (¬2) أ، ب: ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (¬3) فَغَيَّرُوهُ: فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ. (¬4) أ، ب: نَقَلُوا الْوُضُوءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . 1 (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) عَدَدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) الْحَدِيثُ: بِلَفْظِ: " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/17 18 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعِلْمِ) ، 1/26 27 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ، 1/40 (كِتَابُ الْوُضُوءِ، بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ الْعَقِبَيْنِ، بَابُ غَسْلِ الْأَعْقَابِ) ؛ مُسْلِمٍ 1/213 215 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بِكَمَالِهِمَا) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامَ: 6809، 6883، 6976، 7103، 7122، 7788. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ) . فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ مَا جَاءَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/191 (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِسِ بْنِ جُزْءٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) .

غَسْلُ الْجَمِيعِ كَلَفَةً لَا تَدْعُو إِلَيْهَا الطِّبَاعُ، (¬1) كَمَا تَدْعُو الطِّبَاعُ إِلَى طَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالْمَالِ (¬2) ؛ فَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ كَذَبُوا وَأَخْطَئُوا فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ الْكَذِبُ وَالْخَطَأُ فِيمَا نُقِلَ (¬3) مِنْ لَفْظِ الْآيَةِ أَقْرَبَ إِلَى الْجَوَازِ. وَإِنْ قِيلَ: بَلْ لَفْظُ (¬4) الْآيَةِ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْخَطَأُ فِيهِ، فَثُبُوتُ التَّوَاتُرِ فِي نَقْلِ (¬5) الْوُضُوءِ عَنْهُ أَوْلَى وَأَكْمَلُ، وَلَفْظُ الْآيَةِ لَا يُخَالِفُ مَا تَوَاتَرَ مِنَ السُّنَّةِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ جِنْسٌ تَحْتَهُ نَوْعَانِ: الْإِسَالَةُ، وَغَيْرُ الْإِسَالَةِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: تَمَسَّحْتُ لِلصَّلَاةِ، فَمَا كَانَ بِالْإِسَالَةِ فَهُوَ الْغَسْلُ، وَإِذَا خُصَّ أَحَدُ النَّوْعَيْنِ بِاسْمِ الْغَسْلِ فَقَدْ يُخَصُّ النَّوْعُ الْآخَرُ بِاسْمِ الْمَسْحِ، فَالْمَسْحُ يُقَالُ عَلَى الْمَسْحِ الْعَامِّ الَّذِي يَنْدَرِجُ فِيهِ الْغَسْلُ، وَيُقَالُ عَلَى الْخَاصِّ الَّذِي لَا يَنْدَرِجُ فِيهِ الْغَسْلُ. وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، مِثْلُ لَفْظِ " ذَوِي الْأَرْحَامِ " فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْعُصْبَةَ [كُلَّهُمْ] (¬6) وَأَهْلَ الْفُرُوضِ وَغَيْرَهُمْ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ لِلْعُصْبَةِ وَأَصْحَابِ ¬

(¬1) أ، ب: الطَّبَايِعُ. (¬2) (22) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) وَفِي (أ) سَقَطَتْ عِبَارَةُ " كَمَا تَدْعُو الطِّبَاعُ ". (¬3) أ، ب: فِيمَا نَقَلُوهُ. (¬4) ن، م: فَإِنْ قِيلَ إِنَّ لَفْظَ. (¬5) أ، ب: فِي لَفْظِ. (¬6) كُلَّهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

الْفُرُوضِ اسْمٌ يَخُصُّهُمَا، بَقِيَ لَفْظُ " ذَوِي الْأَرْحَامِ " مُخْتَصًّا فِي الْعُرْفِ بِمَنْ لَا يَرِثُ بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ (¬1) . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْجَائِزِ " وَ " الْمُبَاحِ " يَعُمُّ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ. ثُمَّ قَدْ يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ (¬2) . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْمُمْكِنِ " يُقَالُ (¬3) عَلَى مَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ، ثُمَّ يُخَصُّ (¬4) بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ، فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ وَالْمُمْكِنِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْحَيَوَانِ " [وَنَحْوِهِ] (¬5) يَتَنَاوَلُ الْإِنْسَانَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ قَدْ يَخْتَصُّ بِغَيْرِ الْإِنْسَانِ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ: إِذَا كَانَ لِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ اسْمٌ يَخُصُّهُ، بَقِيَ الِاسْمُ الْعَامُّ مُخْتَصًّا بِالنَّوْعِ الْآخَرِ. وَلَفْظُ " الْمَسْحِ " مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ الْمَسْحَ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْغَسْلِ، بَلِ الْمَسْحَ الَّذِي الْغَسْلُ قِسْمٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ (¬6) : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وَلَمْ يَقُلْ: إِلَى الْكِعَابِ، كَمَا قَالَ: (إِلَى الْمَرَافِقِ) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ رِجْلٍ (¬7) كَعْبٌ وَاحِدٌ، كَمَا فِي كُلِّ يَدٍ مِرْفَقٌ وَاحِدٌ، بَلْ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ، فَيَكُونُ ¬

(¬1) ن: وَلَا بِعَصَبٍ. (¬2) يَقُولُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ خَلَّافٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ " عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ " ص 116، الطَّبْعَةَ الرَّابِعَةَ الْقَاهِرَةَ، 1369 1950: (يَنْقَسِمُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: الْإِيجَابُ، وَالنَّدْبُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْإِبَاحَةُ) . (¬3) أ، ب: فَيُقَالُ. (¬4) ب (فَقَطْ) : يَخْتَصُّ. (¬5) وَنَحْوِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ. . . (¬7) أ، ب: فِي الرِّجْلِ.

تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالْمَسْحِ إِلَى الْعَظْمَيْنِ النَّاتِئَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْغَسْلُ فَإِنَّ مَنْ يَمْسَحُ الْمَسْحَ الْخَاصَّ يَجْعَلُ الْمَسْحَ لِظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ وَفِي ذِكْرِهِ الْغَسْلُ فِي الْعُضْوَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْمَسْحُ فِي الْآخَرَيْنِ، التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ فِيهِمَا الْمَسْحُ الْعَامُّ، فَتَارَةً يُجْزِئُ الْمَسْحُ الْخَاصُّ، كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْعِمَامَةِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَتَارَةً لَا بُدَّ مِنَ الْمَسْحِ الْكَامِلِ الَّذِي هُوَ غَسْلٌ (¬1) ، كَمَا فِي الرِّجْلَيْنِ الْمَكْشُوفَتَيْنِ. وَقَدْ تَوَاتَرَتِ السُّنَّةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبِغَسْلِ (¬2) الرِّجْلَيْنِ. وَالرَّافِضَةُ تُخَالِفُ هَذِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ، كَمَا تُخَالِفُ الْخَوَارِجُ نَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، بَلْ تَوَاتُرُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) أَعْظَمُ مِنْ تَوَاتُرِ قَطْعِ الْيَدِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي ذِكْرِ الْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى قِلَّةِ الصَّبِّ فِي الرِّجْلِ، فَإِنَّ السَّرَفَ يُعْتَادُ فِيهِمَا كَثِيرًا، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ لِلْكَلَامِ (¬4) ، فَإِنَّ (¬5) الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ فِعْلَاهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ اكْتُفِيَ بِذِكْرِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ، كَقَوْلِهِ: ¬

(¬1) أ، ب: الْغَسْلُ. (¬2) أ، ب: وَغَسْلِ. (¬3) (33) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) لِلْكَلَامِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْكَلَامِ. (¬5) أ، ب: لِأَنَّ.

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا وَالْمَاءُ يُسْقَى، لَا يُقَالُ: عَلَفْتُ الْمَاءَ، لَكِنَّ الْعَلْفَ وَالسَّقْيَ (¬1) يَجْمَعُهُمَا مَعْنَى الْإِطْعَامِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا أَيْ: وَمُعْتَقِلًا (¬2) رُمْحًا، لَكِنَّ التَّقَلُّدَ (¬3) وَالِاعْتِقَالَ يَجْمَعُهُمَا مَعْنَى الْحَمْلِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} ، {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [سُورَةِ الْوَاقِعَةِ: 17، 18] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُورٌ عِينٌ} [سُورَةِ الْوَاقِعَةِ: 22] . وَالْحَوَرُ الْعَيْنُ لَا يُطَافُ بِهِنَّ (¬4) ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى: يُؤْتَى بِهَذَا وَبِهَذَا. وَهُمْ قَدْ يَحْذِفُونَ مَا يَدُلُّ الظَّاهِرُ عَلَى جِنْسِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (¬5) : {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [سُورَةِ الْإِنْسَانِ: 31] . وَالْمَعْنَى: يُعَذِّبُ الظَّالِمِينَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ: الْخَفْضُ وَالنَّصْبُ، فَالَّذِينَ قَرَءُوا بِالنَّصْبِ، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَعَادَ الْأَمْرَ إِلَى الْغَسْلِ، أَيْ: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ، وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَالْقِرَاءَتَانِ (¬6) كَالْآيَتَيْنِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى ¬

(¬1) أ، ب: لِأَنَّ. (¬2) أ، ب: أَيْ مُعْتَقِلًا. (¬3) ر، هـ، و: التَّقْلِيدَ. (¬4) أ، ب: بِهِمْ. (¬5) أ، ب: كَقَوْلِهِ. (¬6) وَالْقِرَاءَتَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

مَحَلِّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، يَكُونُ الْمَعْنَى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ، وَامْسَحُوا أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. وَقَوْلُهُمْ (¬1) : مَسَحْتُ الرِّجْلَ، لَيْسَ مُرَادِفًا لِقَوْلِهِ (¬2) : مَسَحْتُ بِالرِّجْلِ، فَإِنَّهُ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ أُرِيدَ بِهِ (¬3) مَعْنَى الْإِلْصَاقِ، أَيْ أَلْصَقْتَ بِهِ شَيْئًا. وَإِذَا قِيلَ: مَسَحْتُهُ، لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَلْصَقْتَ بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي مُجَرَّدَ الْمَسْحِ، وَهُوَ لَمْ يُرِدْ مُجَرَّدَ الْمَسْحِ (¬4) بِالْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ إِذَا (¬5) مَسَحَهُ بِالْمَاءِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ، فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ، كَمَا فِي قِرَاءَةِ الْجَرِّ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَالْقُرْآنُ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ إِيجَابِ الْغَسْلِ، بَلْ فِيهِ إِيجَابُ الْمَسْحِ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ السُّنَّةَ أَوْجَبَتْ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا رَفْعًا لِمُوجِبِ الْقُرْآنِ، فَكَيْفَ إِذَا فَسَّرَتْهُ وَبَيَّنَتْ مَعْنَاهُ؟ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَيُعْلَمُ أَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ الَّتِي تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَتُبَيِّنُهُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ، فَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ (¬6) تَقْضِي عَلَى مَا يَفْهَمُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ لِلنَّاسِ لَفْظَ الْقُرْآنِ وَمَعْنَاهُ، كَمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ: عُثْمَانُ (¬7) بْنُ عَفَّانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّهُمْ ¬

(¬1) (فَقَطْ) : وَقَوْلُكَ. (¬2) أ، ب: لِقَوْلِكَ. (¬3) ن، م: مِنْهُ. (¬4) (44) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) إِذَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَرَادَ. (¬6) أ، ب: فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) أ، ب: الْقُرْآنَ عَلَى عُثْمَانَ.

كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا (¬1) حَتَّى يَتَعَلَّمُوا (¬2) مَعْنَاهَا. وَمَا تَقَوَّلَهُ الْإِمَامِيَّةُ مِنْ (¬3) أَنَّ الْفَرْضَ مَسْحُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مُجْتَمَعُ (¬4) السَّاقِ وَالْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ (¬5) ، أَمْرٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ يُعْرَفُ (¬6) ، وَلَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، بَلْ هُمْ مُخَالِفُونَ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَلِإِجْمَاعِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ (¬7) . فَإِنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ يُوجِبُ الْمَسْحَ بِالرُّءُوسِ (¬8) وَبِالْأَرْجُلِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، مَعَ إِيجَابِهِ لِغَسْلِ الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي (¬9) إِلَى الْمَرَافِقِ، فَكَانَ فِي ظَاهِرِهِ مَا يُبَيِّنُ (¬10) أَنَّ فِي كُلِّ يَدٍ مِرْفَقًا، وَفِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ فَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ النَّصْبِ فَالْعَطْفُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمَحَلِّ (¬11) إِذَا كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: ¬

(¬1) ر، هـ، ص: لَمْ يَتَجَاوَزْهَا. (¬2) ص: يَعْلَمُوا. (¬3) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب، و: مَجْمَعُ. (¬5) فِي " اللِّسَانِ ": " وَالشِّرَاكُ: سَيْرُ النَّعْلِ، وَالْجَمْعُ شُرُكٌ ". (¬6) ر، هـ، ص،: مَعْرُوفٌ. (¬7) ن: بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. (¬8) أ، ب، ص: بِالرَّأْسِ. (¬9) ن، م: الْوَجْهِ وَالْأَيْدِي؛ أ، ب: الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. (¬10) أ، ب: فِي ظَاهِرِ مَا تَبَيَّنَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬11) يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ السَّادِسَةِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ: " وَقَوْلُهُ: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ؛ قُرِئَ: (وَأَرْجُلَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهِيبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَرَأَهَا (وَأَرْجُلَكُمْ) يَقُولُ: رَجَعَتْ إِلَى الْغَسْلِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعُرْوَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالضِّحَاكِ وَالسُّدِّيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ. وَهَكَذَا قِرَاءَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ، كَمَا قَالَهُ السَّلَفُ ".

مُعَاوِي إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ ... فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا (¬1) فَلَوْ كَانَ (¬2) مَعْنَى قَوْلِهِ: مَسَحْتُ بِرَأْسِي وَرِجْلِي، هُوَ: مَعْنَى مَسَحْتُ رَأْسِي وَرِجْلِي، لِأَمْكَنَ كَوْنُ الْعَطْفِ (¬3) عَلَى الْمَحَلِّ. وَالْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ (¬4) ؛ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: " وَأَرْجُلَكُمْ " بِالنَّصْبِ، عَطْفٌ عَلَى: وَأَيْدِيَكُمْ، كَمَا قَالَهُ الَّذِينَ قَرَءُوهُ كَذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ نَصٌّ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ، وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهَا (¬5) عَلَى قَوْلِهِمْ، فَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَتَمَسَّكُوا [إِلَّا] بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ (¬6) ، وَهَذَا حَالُ سَائِرِ أَهْلِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ بِظَاهِرِ ¬

(¬1) فِي هَامِشِ (ر) كُتِبَ مَا يَلِي: " قَوْلُهُمْ: مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ. الْإِسْجَاحُ: حُسْنُ الْعَفْوِ، أَيْ: مَلَكْتَ الْأَمْرَ عَلَيَّ، فَأَحْسِنِ الْعَفْوَ عَنِّي وَأَصْلُهُ: السُّهُولَةُ وَالرِّفْقُ. يُقَالُ: مِشْيَةٌ سَجْحٌ، أَيْ سَهْلَةٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَوْمَ الْجَمَلِ حِينَ ظَهَرَ عَلَى النَّاسِ فَدَنَا مِنْ هَوْدَجِهَا، ثُمَّ كَلَّمَهَا بِكَلَامٍ، فَأَجَابَتْهُ: مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ أَيْ: مَلَكْتَ فَأَحْسِنْ، فَجَهَّزَهَا عِنْدَ ذَلِكَ بِأَحْسَنِ جِهَازٍ، وَبَعَثَ مَعَهَا بِأَرْبَعِينَ امْرَأَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَبْعِينَ امْرَأَةً، حَتَّى قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ. " مَجْمَعَ الْأَمْثَالِ لِلْمَيْدَانِيِّ ". (¬2) ن، م، ر، هـ: فَلَوْ قَالَ. (¬3) ن، م: لَا يَكُونُ كَوْنُ الْعَطْفِ؛ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ الْعَطْفِ. (¬4) ب (فَقَطْ) : لَكِنْ لِمَعْنًى مُخْتَلِفٍ. (¬5) ن، م، و: ظَاهِرُهُ؛ ب: ظَاهِرًا (¬6) ب (فَقَطْ) : تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

الْقُرْآنِ عَلَى مَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ إِذَا خَفِيَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ، [مَعَ أَنَّهُ] (¬1) لَمْ يُوجَدْ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ، كَمَنْ قَالَ مِنَ الْخَوَارِجِ: لَا نُصَلِّي (¬2) فِي سَفَرٍ (¬3) إِلَّا أَرْبَعًا (¬4) ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ فِي السَّفَرِ (¬5) مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ (¬6) . وَمَنْ قَالَ: لَا نَحْكُمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ [فِي مَوَاضِعَ] وَبَيَّنَ (¬7) أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ مَخْصُوصٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ عُمُومٌ لَفْظِيٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [سُورَةِ التَّوْبَةِ: 5] فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي الْأَعْيَانِ، مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ، وَقَوْلُهُ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] عَامٌّ فِي الْأَوْلَادِ، مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ. وَلَفْظُ " الظَّاهِرِ " يُرَادُ بِهِ مَا قَدْ يَظْهَرُ (¬8) لِلْإِنْسَانِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ. فَالْأَوَّلُ يَكُونُ بِحَسَبِ فُهُومِ (¬9) النَّاسِ. وَفِي الْقُرْآنِ مِمَّا (¬10) يُخَالِفُ الْفَهْمَ الْفَاسِدَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْكَلَامُ فِيهِ. ¬

(¬1) مَعَ أَنَّهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ، وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا لِتَسْتَقِيمَ الْعِبَارَةُ. (¬2) أ، ب، ص، ر: لَا يُصَلِّي. (¬3) أ، ب، م: السَّفَرِ. (¬4) ن، م، هـ، و: إِلَّا مِنَ الْأَرْبَعَا. (¬5) ر، ص، هـ، و: فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ. (¬6) مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِنْ رَكْعَتَيْنِ. (¬7) ن، م: عَلَى هَذَا وَبَيَّنَ. . (¬8) أ، ب: مَا يَظْهَرُ. (¬9) أ، ب: مَفْهُومِ. (¬10) أ، ب، و: مَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

كلام الرافضي على متعة الحج والنساء والتعليق على كلامه

[كلام الرافضي على متعة الحج والنساء والتعليق على كلامه] فَصْلٌ (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَكَالْمُتْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَرَدَ بِهِمَا الْقُرْآنُ، فَقَالَ فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 196] وَتَأَسُّفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَوَاتِهَا لَمَّا حَجَّ قَارِنًا، وَقَالَ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ» " وَقَالَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 24] وَاسْتَمَرَّتْ فِعْلُهُمَا مُدَّةَ زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدَّةَ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ (¬3) ، وَبَعْضِ خِلَافَةِ عُمَرَ، إِلَى أَنْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَقَالَ: " مُتْعَتَانِ كَانَتَا [مُحَلَّلَتَيْنِ] (¬4) عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهَا " (¬5) . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا مُتْعَةُ الْحَجِّ فَمُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهَا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَعْوَاهُ (¬6) أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ ابْتَدَعُوا تَحْرِيمَهَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ ¬

(¬1) ر، هـ، ص: الْفَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ. (¬2) فِي (ك) ص 109 (م) . (¬3) ن، م، هـ، ر، ص: وَاسْتَمَرَّتْ مُنْذُ زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُنْذُ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ؛ أ، ب: وَاسْتَمَرَّتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمُدَّةَ (ب: وَمُنْذُ) خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬4) مُحَلَّلَتَيْنِ: فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي (ك) : مُحَلَّلَتَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م، ر، ص، و: إِنِّي مُحَرِّمُهُمَا وَمُعَاقِبٌ عَلَيْهِمَا؛ أ: إِنَّى حَرَّمْتُهُمَا وَمُعَاقِبٌ عَلَيْهِمَا؛ ب: وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . 1 (¬6) أ، ب: وَدَعْوَاهُمْ.

السُّنَّةِ (¬1) يَسْتَحِبُّونَ الْمُتْعَةَ وَيُرَجِّحُونَهَا أَوْ يُوجِبُونَهَا. وَالْمُتْعَةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَجَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَصَارَ قَارِنًا، أَوْ بَعْدَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْ إِحْرَامِهِ لِكَوْنِهِ سَاقَ الْهَدْيَ، أَوْ مُطْلَقًا. وَقَدْ يُرَادُ بِالْمُتْعَةِ (¬2) مُجَرَّدُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ مَكَّةَ: يَسْتَحِبُّونَ الْمُتْعَةَ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ الْقُرْآنَ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ، كَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَالصَّحِيحُ - وَهُوَ الصَّرِيحُ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ - أَنَّهُ إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ فَالتَّحَلُّلُ (¬3) مِنْ إِحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ أَفْضَلُ. فَإِنَّ الْأَوَّلَ (¬4) هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ (¬5) . ¬

(¬1) ن، م: أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. (¬2) بِالْمُتْعَةِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِالتَّمَتُّعِ. (¬3) أ، ب: وَإِلَّا فَالتَّحَلُّلُ. . (¬4) ن (فَقَطْ) : فَإِنَّ الْأَفْضَلَ. (¬5) عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فِي الْبُخَارِيِّ 2/159 - 160 (كِتَابُ تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ. .) قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ ". وَفِي مُسْلِمٍ 2/879 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ. . . ") حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ". . . وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِيَ حَتَّى أَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/210 - 211 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابٌ فِي إِفْرَادِ الْحَجِّ) . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1023 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً ".

بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ يُوجِبُ (¬1) الْمُتْعَةَ، كَمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ، لِمَا ذُكِرَ (¬2) مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا أَصْحَابَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَإِذَا كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقِينَ عَلَى جَوَازِهَا (¬3) ، وَأَكْثَرُهُمْ يَسْتَحِبُّهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُهَا، عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنِ ابْتِدَاعِ تَحْرِيمِهَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: هَبْ أَنَّ عُمَرَ قَالَ قَوْلًا خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، حَتَّى قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ (¬4) ، قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬5) . فَأَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ (¬6) مِنَ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (¬7) ¬

(¬1) أ، ب: مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يُوجِبُ. (¬2) أ، ب: لِمَا ذَكَرَهُ. (¬3) أ (فَقَطْ) : عَلَى وُجُوبِهَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) وَنَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ: كَذَا فِي (ص) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: نَزَلَ بِهَا كِتَابُ اللَّهِ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي الْبُخَارِيِّ 2/144 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ التَّمَتُّعِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ مُسْلِمٍ 2/900 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ جَوَازِ التَّمَتُّعِ) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/120 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ التَّمَتُّعِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/429. (¬6) وَاحِدٍ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَحَدٍ. (¬7) ن: مِنْ غَيْرِهِ، أ، ب: بِقَوْلِهِ.

وَيَتْرُكُ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الطَّعْنَ فِي (¬1) أَهْلِ السُّنَّةِ مُطْلَقًا فَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنَّ عُمَرَ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ فَهُمْ لَا يُنَزِّهُونَ عَنِ الْإِقْرَارِ عَلَى الْخَطَأِ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقَلُّ خَطَأً مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ مَسَائِلَ الْفِقْهِ الَّتِي ضَعُفَ فِيهَا قَوْلُ أَحَدِهِمَا فَوَجَدُوا (¬2) الضَّعِيفَ فِي أَقْوَالِ (¬3) عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَكْثَرَ: مِثْلَ إِفْتَائِهِ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، مَعَ أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةَ عَنْهُ الْمُوَافِقَةَ لِكِتَابِ اللَّهِ تَقْتَضِي أَنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ. وَبِذَلِكَ أَفْتَى عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (¬4) . وَمِثْلَ إِفْتَائِهِ بِأَنَّ الْمُفَوِّضَةَ يَسْقُطُ مَهْرُهَا بِالْمَوْتِ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ لَهَا مَهْرَ نِسَائِهَا (¬5) ، كَمَا رَوَاهُ الْأَشْجَعِيُّونَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ (¬6) . وَقَدْ وُجِدَ مِنْ أَقْوَالِ عَلِيٍّ الْمُتَنَاقِضَةِ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْفَرَائِضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّا وُجِدَ مِنْ أَقْوَالِ عُمَرَ الْمُتَنَاقِضَةِ. وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّمَتُّعِ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نِزَاعٌ بَيْنَ ¬

(¬1) أ، ب: عَلِيٍّ. (¬2) فَوَجَدُوا: كَذَا فِي (ن) ، (م) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَوُجِدَ. (¬3) أ، ب، م: قَوْلِ. (¬4) انْظُرِ: الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ 7/473 (ط. مَكْتَبَةِ الْجُمْهُورِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ) . (¬5) أ، ب: أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ مَهْرَ نِسَائِهَا. . (¬6) انْظُرِ الْمُغْنِيَ لِابْنِ قُدَامَةَ 6/721 - 723؛ الْإِصَابَةَ لِابْنِ حَجَرٍ 4/244.

الْفُقَهَاءِ. فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ، يَأْمُرُونَ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ [اسْتِحْبَابًا] (¬1) وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُهُ كَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَمَذْهَبُ الشِّيعَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجَوِّزُونَ الْفَسْخَ. وَالصَّحَابَةُ كَانُوا مُتَنَازِعِينَ فِي هَذَا، فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ صَوَابًا فَهُوَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً (¬2) فَهُوَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَلَا يَخْرُجُ الْحَقُّ عَنْهُمْ (¬3) . وَإِنْ قَدَحُوا فِي عُمَرَ لِكَوْنِهِ (¬4) نَهَى عَنْهَا، فَأَبُو ذَرٍّ كَانَ أَعْظَمَ نَهْيًا عَنْهَا مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمُتْعَةَ كَانَتْ خَاصَّةً بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُمْ يَتَوَلَّوْنَ أَبَا ذَرٍّ وَيُعَظِّمُونَهُ، فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُوجِبُ الْقَدْحَ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْدَحُوا فِي أَبِي ذَرٍّ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُقْدَحُ فِي عُمَرَ دُونَهُ، وَعُمَرُ أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ وَأَعْلَمُ مِنْهُ؟ ! (¬5) وَيُقَالُ: ثَانِيًا: إِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُحَرِّمْ مُتْعَةَ الْحَجِّ، بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الضَّبِّيَّ (¬6) بْنَ مَعْبَدٍ لَمَّا قَالَ لَهُ: إِنِّي أَحْرَمْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ (¬7) . ¬

(¬1) اسْتِحْبَابًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) وَ: مَحْظُورًا. (¬3) انْظُرِ: الْمُغْنِيَ لِابْنِ قُدَامَةَ 3/399 - 401 (¬4) لِكَوْنِهِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِكَوْنِهِ. (¬5) أ، ب: وَأَفْقَهُ مِنْهُ وَأَعْلَمُ. (¬6) ن، م، و: وَالضَّبِّيِّ. (¬7) الْحَدِيثُ عَنِ الضَّبِّيِّ بْنِ مَعْبَدٍ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/113 - 114 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْقُرْآنِ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/989 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/189 - 190 (وَسَمَّى الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر التَّابِعِيَّ: الضَّبِيَّ بْنَ مَعْبَدٍ. وَصَحَّحَ الْحَدِيثَ) وَهُوَ مُكَرَّرٌ: الْأَرْقَامَ: 169، 227، 254.

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَأْمُرُهُمْ بِالْمُتْعَةِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: إِنَّ أَبَاكَ نَهَى عَنْهَا (¬1) . فَيَقُولُ: إِنَّ أَبِي لَمْ يُرِدْ مَا تَقُولُونَ. فَإِذَا أَلَحُّوا عَلَيْهِ قَالَ: أَفَرَسُولُ اللَّهِ (¬2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ تَتَبِّعُوا أَمْ عُمَرُ؟ (¬3) . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا (¬4) أَنَّهُ قَالَ: لَوْ حَجَجْتُ لَتَمَتَّعْتُ، وَلَوْ حَجَجْتُ لَتَمَتَّعْتُ (¬5) . وَإِنَّمَا كَانَ مُرَادُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِمَا هُوَ الْأَفْضَلُ (¬6) ، وَكَانَ النَّاسُ لِسُهُولَةِ الْمُتْعَةِ تَرَكُوا الِاعْتِمَارَ (¬7) فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَرَادَ أَلَا يُعَرَّى الْبَيْتُ طُولَ السَّنَةِ، فَإِذَا أَفْرَدُوا الْحَجَّ اعْتَمَرُوا فِي سَائِرِ السَّنَةِ، وَالِاعْتِمَارُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، مَعَ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنَ الْمُتْعَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ (¬8) قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 96] (¬9) قَالَا: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ ¬

(¬1) أ، ب: يَأْمُرُ. (¬2) أ: أَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ؛ ب: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ؛ ص: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/159 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ "؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 8/77 - 78 (وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ) . (¬4) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬5) (5 - 5) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬6) أ، ب: أَنْ يَأْمُرَ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ. (¬7) أ، ب: الْعُمْرَةَ. (¬8) ب (فَقَطْ) : وَلِذَلِكَ. (¬9) تُوجَدُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَرَقَةٌ سَاقِطَةٌ مِنْ نُسْخَةِ (أ) .

أَهْلِكَ (¬1) : أَرَادَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ تُسَافِرَ لِلْحَجِّ سَفَرًا وَلِلْعُمْرَةِ سَفَرًا، وَإِلَّا فَهُمَا لَمْ يُنْشِئَا الْإِحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ الْأَهْلِ، وَلَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ. وَالْإِمَامُ إِذَا اخْتَارَ لِرَعِيَّتِهِ الْأَمْرَ الْفَاضِلَ، فَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، فَكَانَ نَهْيُهُ عَنِ الْمُتْعَةِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ: وَأَنَا أُحَرِّمُهُمَا (¬2) ، كَمَا نَقَلَ هَذَا الرَّافِضِيُّ، بَلْ قَالَ: أَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ كَانَ نَهْيُهُ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ لِلْأَفْضَلِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ (¬3) ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ نَهَى عَنِ الْفَسْخِ. وَالْفَسْخُ حَرَامٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ. فَالْفَسْخُ يُحَرِّمُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، لَكِنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ [مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ (¬4) لَا يُحَرِّمُونَ الْفَسْخَ، بَلْ يَسْتَحِبُّونَهُ، بَلْ يُوجِبُهُ بَعْضُهُمْ، وَلَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِ عُمَرَ] (¬5) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَأَمَّا مُتْعَةُ النِّسَاءِ [الْمُتَنَازَعُ فِيهَا] (¬6) فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ نَصٌّ صَرِيحٌ بِحِلِّهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ¬

(¬1) أ، ب: أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ. (¬2) ب: أَنَا أُحَرِّمُهُمَا. (¬3) (3 - 3) سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) عِبَارَةُ " الْمُتَنَازَعُ فِيهَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} ، {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 24، 25] فَقَوْلُهُ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} يَتَنَاوَلُ كُلَّ (¬1) مَنْ دُخِلَ بِهَا مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِأَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ الَّتِي لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا (¬2) فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ إِلَّا نِصْفَهُ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 21] فَجَعَلَ الْإِفْضَاءَ مَعَ الْعَقْدِ مُوجِبًا لِاسْتِقْرَارِ الصَّدَاقِ، يُبَيِّنُ (¬3) ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِتَخْصِيصِ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ بِإِعْطَاءِ الْأَجْرِ فِيهِ دُونَ النِّكَاحِ الْمُؤَبَّدِ مَعْنًى، بَلْ إِعْطَاءُ الصَّدَاقِ كَامِلًا فِي الْمُؤَبَّدِ أَوْلَى، فَلَا بُدَّ أَنْ تَدُلَّ الْآيَةُ عَلَى الْمُؤَبَّدِ: إِمَّا بِطْرِيقِ التَّخْصِيصِ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا نِكَاحَ الْإِمَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذُكِرَ كَانَ فِي نِكَاحِ الْحَرَائِرِ مُطْلَقًا. فَإِنْ قِيلَ: فَفِي قِرَاءَةِ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) قِيلَ: أَوَّلًا لَيْسَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ مُتَوَاتِرَةً، وَغَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ الْمُتْعَةَ أُحِلَّتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ. ¬

(¬1) ب: مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) وَمَكَانُهُ فِيهَا: وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا. . (¬3) ب: فَبَيَّنَ.

الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْحَرْفُ إِنْ كَانَ نَزَلَ (¬1) ، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَيْسَ [ثَابِتًا] (¬2) مِنَ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، فَيَكُونُ مَنْسُوخًا، وَيَكُونُ نُزُولُهُ (¬3) لَمَّا كَانَتِ الْمُتْعَةُ مُبَاحَةً، فَلَمَّا حُرِّمَتْ نُسِخَ هَذَا الْحَرْفُ، وَيَكُونُ (¬4) الْأَمْرُ بِالْإِيتَاءِ فِي الْوَقْتِ تَنْبِيهًا عَلَى الْإِيتَاءِ فِي النِّكَاحِ الْمُطْلَقِ. وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ، وَكِلَاهُمَا حَقٌّ. وَالْأَمْرُ بِالْإِيتَاءِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (¬5) وَاجِبٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا (¬6) ، [وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الِاسْتِمْتَاعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى حَلَالًا،] (¬7) وَهَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى حَلَالٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَأُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، بَلْ قَالَ: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا وَقَعَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ: سَوَاءٌ كَانَ حَلَالًا، أَوْ كَانَ فِي وَطْءِ شُبْهَةٍ. وَلِهَذَا يَجِبُ الْمَهْرُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالسُّنَّةِ وَالِاتِّفَاقِ. وَالْمُتَمَتِّعُ إِذَا اعْتَقَدَ حِلَّ الْمُتْعَةِ وَفَعَلَهَا فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ الْمُحَرَّمُ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ؛ فَإِنَّهُ لَوِ اسْتَمْتَعَ بِالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ مَعَ مُطَاوَعَتِهَا لَكَانَ زِنًا، وَلَا مَهْرَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَكْرَهَةً فَفِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ. ¬

(¬1) ب: إِنْ كَانَ هَذَا الْحَرْفُ نَزَلَ. (¬2) ثَابِتًا: فِي (ب) ، (و) فَقَطْ. (¬3) نُزُولُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) ب: أَوْ يَكُونُ. (¬5) مُسَمًّى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬6) حَلَالًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (هـ) ، (و) ، (ص) ، (ر) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَهْيِ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ [بَعْدَ الْإِحْلَالِ] (¬1) . هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[لَمَّا أَبَاحَ الْمُتْعَةَ] : (¬2) إِنَّكَ امْرُؤٌ تَائِهٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ الْمُتْعَةَ وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ (* [عَامَ خَيْبَرَ] » (¬3) ، رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالسُّنَّةِ وَأَحْفَظُهُمْ لَهَا، أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِهِمْ، مِثْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ (¬4) عَلَى عِلْمِهِمْ وَعَدْلِهِمْ وَحِفْظِهِمْ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَلَقَّى (¬5) بِالْقَبُولِ، لَيْسَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ *) (¬6) . وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ حَرَّمَهَا (¬7) فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ تَنَازَعَ رُوَاةُ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَلْ قَوْلُهُ: " عَامَ خَيْبَرَ " تَوْقِيتٌ لِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ فَقَطْ أَوْ لَهُ وَلِتَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ؟ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ، ¬

(¬1) بَعْدَ الْإِحْلَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) . (¬3) عَامَ خَيْبَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْمُسْلِمُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬5) ب: يُتَلَقَّى. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ر) ، (هـ) ، (ص) . (¬7) هـ، ص، ر: أَنَّهُ حَرَّمَهُمَا.

قَالُوا: إِنَّمَا حُرِّمَتْ عَامَ الْفَتْحِ. وَمَنْ قَالَ بِالْآخَرِ قَالَ: إِنَّهَا حُرِّمَتْ ثُمَّ أُحِلَّتْ ثُمَّ حُرِّمَتْ (¬1) . وَادَّعَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهَا أُحِلَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ حُرِّمَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَالرِّوَايَاتُ الْمُسْتَفِيضَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ مُتَوَاطِئَةٌ عَلَى أَنَّهُ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ بَعْدَ إِحْلَالِهَا. وَالصَّوَابُ أَنَّهَا بَعْدَ أَنْ حُرِّمَتْ لَمْ تُحَلَّ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا حُرِّمَتْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَمْ تُحَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ (¬2) ، وَلَمْ تُحَرَّمْ عَامَ خَيْبَرَ بَلْ عَامَ خَيْبَرَ حُرِّمَتْ لُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. «وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُبِيحُ الْمُتْعَةَ وَلُحُومَ (¬3) الْحُمُرِ فَأَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَحَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ يَوْمَ خَيْبَرَ» ، فَقَرَنَ (¬4) عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَهُمَا فِي الذِّكْرِ لَمَّا رَوَى ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُبِيحُهُمَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ [لَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْهُمَا] (¬5) . فَأَهْلُ السُّنَّةِ اتَّبَعُوا (¬6) عَلِيًّا وَغَيْرَهُ (¬7) مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فِيمَا رَوَوْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ¬

(¬1) عِبَارَةُ " ثُمَّ حُرِّمَتْ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ب: وَإِنَّهَا لِمَا حُرِّمَتْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ تُحَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ. (¬3) ب: الْمُتْعَةَ وَأَكْلَ لُحُومِ. . (¬4) ن، م: فَفَرَّقَ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ب) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ وَمَكَانُهُ بَيَاضٌ فِيهَا. (¬6) ب: يَتَّبِعُونَ؛ ص: تَبِعُوا. (¬7) ب: (فَقَطْ) : اتَّبَعُوا عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

وَالشِّيعَةُ خَالَفُوا عَلِيًّا فِيمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاتَّبَعُوا قَوْلَ مَنْ خَالَفَهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَبَاحَ فِي كِتَابِهِ الزَّوْجَةَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ، وَالْمُتَمَتَّعُ بِهَا لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَتَوَارَثَا، وَلَوَجَبَتْ (¬1) عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَلَحِقَهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الزَّوْجَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا انْتَفَى عَنْهَا لَوَازِمُ النِّكَاحِ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ النِّكَاحِ فَإِنَّ (¬2) انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ. وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَبَاحَ فِي كِتَابِهِ الْأَزْوَاجَ (¬3) وَمِلْكَ الْيَمِينِ، وَحَرَّمَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} ، {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} ، {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ: 5 - 7] . وَالْمُسْتَمْتَعُ (¬4) بِهَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ لَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، فَتَكُونُ حَرَامًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ. أَمَّا كَوْنُهَا (¬5) لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا كَوْنُهَا (¬6) لَيْسَتْ زَوْجَةً فَلِانْتِفَاءِ لَوَازِمِ النِّكَاحِ [فِيهَا] (¬7) ، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ النِّكَاحِ كَوْنَهُ (¬8) سَبَبًا لِلتَّوَارُثِ وَثُبُوتِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ [فِيهِ] (¬9) ، وَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَتَنْصِيفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اللَّوَازِمِ. ¬

(¬1) ب: وَلَوَجَبَ. (¬2) ب: لِأَنَّ. (¬3) ب: الزَّوَاجَ. (¬4) ر، هـ، ص: وَالْمُتَمَتِّعُ. (¬5) ن: قَوْلُهَا؛ م: قَوْلُنَا؛ و: لِكَوْنِهَا. (¬6) و: لِكَوْنِهَا. (¬7) ر، ص: فِيهِ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) . (¬8) ن، م: مِنْ لَوَازِمِهِ كَوْنَهُ. (¬9) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) ، (ص) .

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَكُونُ زَوْجَةً لَا تَرِثُ كَالذِّمِّيَّةِ وَالْأَمَةِ. قِيلَ: عِنْدَهُمْ نِكَاحُ (¬1) الذِّمِّيَّةِ لَا يَجُوزُ، وَنِكَاحُ الْأَمَةِ إِنَّمَا يَكُونُ (¬2) عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَهُمْ يُبِيحُونَ الْمُتْعَةَ مُطْلَقًا. ثُمَّ يُقَالُ: نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْأَمَةِ سَبَبٌ لِلتَّوَارُثِ، وَلَكِنَّ الْمَانِعَ قَائِمٌ، وَهُوَ الرِّقُّ وَالْكُفْرُ. كَمَا أَنَّ النَّسَبَ سَبَبٌ لِلْإِرْثِ (¬3) إِلَّا (¬4) إِذَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا فَالْمَانِعُ قَائِمٌ. وَلِهَذَا إِذَا أُعْتِقَ الْوَلَدُ أَوْ أَسْلَمَ وَرِثَ أَبَاهُ فِي حَيَاتِهِ (¬5) [وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ الذِّمِّيَّةُ (¬6) إِذَا أَسْلَمَتْ فِي حَيَاةِ زَوْجِهَا وَرِثَتْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، [بِخِلَافِ الْمُسْتَمْتَعِ بِهَا] (¬7) ، فَإِنَّ نَفْسَ نِكَاحِهَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِرْثِ، فَلَا يَثْبُتُ التَّوَارُثُ فِيهِ بِحَالٍ. فَصَارَ هَذَا النِّكَاحُ كَوَلَدِ الزِّنَا الَّذِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ زَوْجٍ (¬8) فَإِنَّ هَذَا لَا يُلْحَقُ بِالزَّانِي بِحَالٍ، فَلَا يَكُونُ ابْنًا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ. فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّسَبُ قَدْ تَتَبَعَّضُ (¬9) أَحْكَامُهُ، فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ. قِيلَ: هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، وَالْجُمْهُورُ (¬10) يُسَلِّمُونَهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا حُجَّةٌ ¬

(¬1) ن، م: عِنْدَهُمْ عِنْدَ نِكَاحِ. . . (¬2) ب: يَجُوزُ. (¬3) ب: لِلتَّوَارُثِ. (¬4) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ص) ، (هـ) ، (و) . (¬5) عِبَارَةُ " فِي حَيَاتِهِ ": فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬6) الذِّمِّيَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (و) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: الزَّوْجِ. (¬9) ب، ر، هـ، ص: تَبَعَّضَ. (¬10) وَالْجُمْهُورُ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ.

كلام الرافضي على منع أبي بكر فاطمة إرثها

لَهُمْ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ (¬1) مُنْتَفِيَةٌ فِي الْمُسْتَمْتَعِ بِهَا، لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ خَصَائِصِ النِّكَاحِ الْحَلَالِ. فَعُلِمَ انْتِفَاءُ كَوْنِهَا زَوْجَةً، وَمَا ثَبَتَ فِيهَا (¬2) مِنَ الْأَحْكَامِ مِثْلَ (¬3) لُحُوقِ النَّسَبِ، وَوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَدَرْءِ الْحَدِّ (¬4) ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَهَذَا يَثْبُتُ فِي وَطْءِ (¬5) الشُّبْهَةِ. فَعُلِمَ أَنَّ وَطْءَ الْمُسْتَمْتَعِ بِهَا لَيْسَ وَطْئًا لِزَوْجَةٍ، لَكِنَّهُ مَعَ اعْتِقَادِ الْحِلِّ (¬6) مِثْلُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (¬7) . وَأَمَّا كَوْنُ الْوَطْءِ بِهِ حَلَالًا فَهَذَا مَوْرِدُ النِّزَاعِ، فَلَا يَحْتَجُّ بِهِ أَحَدُ الْمُتَنَازِعِينَ، وَإِنَّمَا يُحْتَجُّ عَلَى الْآخَرِ بِمَوَارِدِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. [كلام الرافضي على مَنْعِ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا] فَصْلٌ (¬8) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬9) : " وَمَنَعَ أَبُو بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا فَقَالَتْ (¬10) . يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ أَتَرِثُ أَبَاكَ وَلَا أَرِثُ أَبِي؟ وَالْتَجَأَ فِي ذَلِكَ إِلَى رِوَايَةٍ انْفَرَدَ بِهَا - ¬

(¬1) ب: الزَّوْجَةِ. (¬2) عِنْدَهُ عِبَارَةُ " وَمَا ثَبَتَ فِيهَا " تَعُودُ نُسْخَةُ (أ) . (¬3) أ، ب: مِنْ. (¬4) أ، ب: الْحُدُودِ. (¬5) أ، ب: نِكَاحِ. (¬6) ن، م: لَكِنَّهُ مَعَ انْتِفَاءِ مَعَ اعْتِقَادِ الْحِلِّ. . (¬7) أ، ب: مِثْلُ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. (¬8) ر، هـ، ص: الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ. (¬9) فِي (ك) ص [0 - 9] 09 (م) . (¬10) ك: فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ إِرْثَهَا فَقَالَتْ لَهُ

الجواب على كلام الرافضي منع أبي بكر فاطمة إرثها من وجوه

وَكَانَ هُوَ الْغَرِيمَ لَهَا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لَهُ - لِأَنَّ (¬1) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ (¬2) صَدَقَةٌ» " عَلَى أَنَّ مَا رَوَوْهُ عَنْهُ فَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ (¬3) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] (¬4) وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ ذَلِكَ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ دُونَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَّبَ رِوَايَتَهُمْ (¬5) فَقَالَ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 16] ، وَقَالَ تَعَالَى عَنْ زَكَرِيَّا: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا - يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 5، 6] . [الْجَوَابُ على كلام الرافضي مَنْعَ أَبي بَكْرٍ فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ وُجُوهٍ] وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَتَرِثُ أَبَاكَ وَلَا أَرِثُ أَبِي؟ لَا يُعْلَمُ (¬6) صِحَّتُهُ عَنْهَا، وَإِنْ (¬7) صَحَّ فَلَيْسَ (¬8) فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ لَا يُقَاسُ بِأَحَدٍ مِنَ ¬

(¬1) لِأَنَّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَنَّ. (¬2) ك: وَمَا تَرَكْنَاهُ. (¬3) ن، م: عَلَى أَنَّ مَا رَوَوْهُ عَنْهُ فَالْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ؛ ر، ص: عَلَى أَنَّ مَا رَوَاهُ عَنْهُ فَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ ب: عَلَى مَا رَوَوْهُ عَنْهُ فَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ ك: عَلَى مَا رَوَوْهُ عَنْهُ. وَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ. (¬4) ك: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ. (¬5) ن، م، رِوَايَتَهُ (¬6) أ، ب: نَعْلَمُ. (¬7) ن، م: فَإِنْ. (¬8) أ، ب: لَيْسَ.

الْبَشَرِ، وَلَيْسَ أَبُو بَكْرٍ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [كَأَبِيهَا] (¬1) ، وَلَا هُوَ مِمَّنْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ كَأَبِيهَا، وَلَا هُوَ أَيْضًا مِمَّنْ جَعَلَ اللَّهُ مَحَبَّتَهُ مُقَدَّمَةً عَلَى مَحَبَّةِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ، كَمَا جَعَلَ أَبَاهَا كَذَلِكَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَانَ الْأَنْبِيَاءَ عَنْ أَنْ يُوَرِّثُوا دُنْيَا (¬2) ، لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً لِمَنْ يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِمْ بِأَنَّهُمْ طَلَبُوا الدُّنْيَا وَخَلَّفُوهَا (¬3) لِوَرَثَتِهِمْ. وَأَمَّا أَبُو الصِّدِّيقِ (¬4) وَأَمْثَالُهُ فَلَا نُبُوَّةَ لَهُمْ يُقْدَحُ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، كَمَا صَانَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّنَا عَنِ الْخَطِّ وَالشِّعْرِ صِيَانَةً لِنُبُوَّتِهِ عَنِ الشُّبْهَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الصِّيَانَةِ. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: " وَالْتَجَأَ فِي ذَلِكَ إِلَى رِوَايَةٍ (¬5) انْفَرَدَ بِهَا " كَذِبٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا نُورَثُ مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ هَؤُلَاءِ ثَابِتَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِيدِ (¬6) ، مَشْهُورَةٌ يَعْلَمُهَا أَهْلُ ¬

(¬1) كَأَبِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) ن: دِينَارًا. (¬3) أ، ب: وَوَرَّثُوهَا. (¬4) ب: وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ؛ و: وَأَمَّا قُحَافَةُ؛ هـ، ص: وَأَمَّا الصِّدِّيقُ؛ ر: وَأَمَّا أَبُو قُحَافَةَ. (¬5) أ، ب: الثَّانِي قَوْلُهُ وَالْتَجَأَ إِلَى رِوَايَةٍ. (¬6) ن، م، و، هـ، ر: وَالْمَسَانِدِ.

الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬1) ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ انْفَرَدَ بِالرِّوَايَةِ، يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ (¬2) جَهْلِهِ أَوْ تَعَمُّدِهِ (¬3) الْكَذِبَ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: " وَكَانَ هُوَ الْغَرِيمَ [لَهَا] " كَذِبٌ (¬4) ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَدَّعِ هَذَا الْمَالَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ صَدَقَةٌ لِمُسْتَحِقِّهَا (¬5) ، كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ (¬6) حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ. [وَالْعَدْلُ] (¬7) لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ (¬8) أَنَّهُ وَصَّى (¬9) ¬

(¬1) جَاءَ الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَالْعَبَّاسِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَعَائِشَةَ (زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَطَلْحَةَ) فِي: الْبُخَارِيِّ 4/79 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) 5/20 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ. . .) ، 5/89 - 90 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ. . .) ، 5/139 - 140 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) ، 7/63 - 64 (كِتَابُ النَّفَقَاتِ، بَابُ حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ) ، 8/149 - 150 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) ، 9/98 - 100 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ. .) ، مُسْلِمٍ 3/1376 - 1383 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ حُكْمِ الْفَيْءِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/192 - 199 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي صَفَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/81 - 83 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . وَجَاءَ الْحَدُّ أَيْضًا فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. وَسَيَرِدُ بِنَصِّهِ فِي هَذَا الْجُزْءِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ. (¬2) وَ: عَلَى غَايَةِ. . (¬3) أ، ب: وَتَعَمُّدِهِ. (¬4) ن، م: كَانَ هُوَ الْغَرِيمَ كَذِبٌ. . (¬5) و، هـ، ص: لِمُسْتَحِقِّيهَا. (¬6) ن، م، هـ، ر: كَمَا هُوَ الْمَسْجِدُ؛ ص: كَالْمَسْجِدِ. (¬7) وَالْعَدْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬8) أ، ب: لِرَجُلٍ. (¬9) ن، م: أَوْصَى.

بِجَعْلِ بَيْتِهِ مَسْجِدًا، أَوْ بِجَعْلِ بِئْرِهِ مُسَبَّلَةً، أَوْ أَرْضِهِ مَقْبَرَةً، وَنَحْوِ ذَلِكَ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَشْرَبَ مِنْ تِلْكَ (¬1) الْبِئْرِ، وَيُدْفَنَ فِي تِلْكَ الْمَقْبَرَةِ. فَإِنَّ هَذَا (¬2) شَهَادَةٌ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ، وَالشَّاهِدُ دَخَلَ فِيهَا بِحُكْمِ الْعُمُومِ لَا بِحُكْمِ التَّعْيِينِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ خَصْمًا. وَمِثْلُ هَذَا شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ (¬3) بِحَقٍّ لِبَيْتِ الْمَالِ (¬4) مِثْلُ كَوْنِ هَذَا الشَّخْصِ (¬5) لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُ حَقٌّ، وَشَهَادَتُهُ بِأَنَّ (¬6) هَذَا لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا بَيْتَ الْمَالِ، وَشَهَادَتُهُ عَلَى الذِّمِّيِّ بِمَا يُوجِبُ نَقْضَ عَهْدِهِ وَكَوْنَ مَالِهِ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِأَنَّ فُلَانًا وَقَفَ مَالَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ [الشَّاهِدُ] (¬7) فَقِيرًا. الرَّابِعُ: أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ، بَلْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا، وَلَا انْتَفَعَ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ (¬8) بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ؛ فَهُوَ (¬9) ¬

(¬1) أ، ب: ذَلِكَ. (¬2) أ، ب، م: هَذِهِ (¬3) ن، م: الْمُسْلِمِينَ. (¬4) أ، ن، م: بَيْتِ. (¬5) ب (فَقَطْ) :. . الْمَالِ عَلَى شَخْصٍ. . . (¬6) أ، ب: أَنَّ. (¬7) الشَّاهِدُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ؛ ر، هـ، ص: وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. (¬9) فَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

كَمَا لَوْ شَهِدَ قَوْمٌ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَصَّى بِصَدَقَةٍ لِلْفُقَرَاءِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الرَّاوِي لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ لَقُبِلَتْ رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ (¬1) ، وَالْمُحَدِّثُ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ فِي حُكُومَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ (¬2) ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ تَتَضَمَّنُ حُكْمًا عَامًّا يَدْخُلُ فِيهِ الرَّاوِي وَغَيْرُهُ. وَهَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، كَالشَّهَادَةِ (¬3) بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَإِنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَنَاوَلُ الرَّاوِيَ وَغَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ مَا نَهَى عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَا أَبَاحَهُ (¬4) . وَهَذَا الْحَدِيثُ تَضَمَّنَ (¬5) رِوَايَةً بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلِهَذَا تَضَمَّنَ تَحْرِيمَ الْمِيرَاثِ عَلَى ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَتَضَمَّنَ تَحْرِيمَ شِرَائِهِ لِهَذَا (¬6) الْمِيرَاثِ مِنَ الْوَرَثَةِ وَاتِّهَابِهِ (¬7) لِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَتَضَمَّنَ وُجُوبَ صَرْفِ هَذَا الْمَالِ فِي مَصَارِفِ الصَّدَقَةِ. السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " عَلَى أَنَّ (¬8) مَا رَوَوْهُ فَالْقُرْآنُ يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ¬

(¬1) أ، ب: لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لِلْحَدِيثِ. (¬2) (1 - 1) : سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) كَالشَّهَادَةِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَالشَّاهِدِ. (¬4) ن، م: مَا نَهَى عَنْهُ وَمَا أَبَاحَهُ. (¬5) أ، ب: يَتَضَمَّنُ. (¬6) أ، ب: سِرَايَةِ هَذَا. . . (¬7) أ: وَاتِّهَامِهِ م، ر: وَإِيهَابِهِ. وَفِي " اللِّسَانِ " وَاتَهَبَ: قَبِلَ الْهِبَةَ. وَاتَّهَبْتُ مِنْكَ دِرْهَمًا افْتَعَلْتُ، مِنَ الْهِبَةِ. وَالِاتِّهَابُ: قَبُولُ الْهِبَةِ ". (¬8) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ ذَلِكَ خَاصًّا بِالْأُمَّةِ دُونَهُ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] . فَيُقَالُ] : أَوَّلًا: لَيْسَ فِي عُمُومِ لَفْظِ الْآيَةِ [مَا يَقْتَضِي] (¬1) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُورَثُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 12] ، وَهَذَا الْخِطَابُ شَامِلٌ لِلْمَقْصُودِينَ بِالْخِطَابِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَاطَبٌ بِهَا. وَ " كَافُ " الْخِطَابِ يَتَنَاوَلُ مَنْ قَصَدَهُ الْمُخَاطَبُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمُعَيَّنَ مَقْصُودٌ بِالْخِطَابِ لَمْ يَشْمَلْهُ اللَّفْظُ، حَتَّى ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى أَنَّ الضَّمَائِرَ مُطْلَقًا لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (¬2) [فَكَيْفَ بِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ؟] (¬3) فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا مَنْ قُصِدَ بِالْخِطَابِ دُونَ مَنْ لَمْ يُقْصَدْ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ عَامٌّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، فَإِنَّهُ عَامٌّ لِلْمَقْصُودِينَ بِالْخِطَابِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي كَوْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا (¬4) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م، و: إِلَى أَنَّ ضَمِيرَ الْخِطَابِ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) ن، م: بِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّ [الضَّمَائِرَ] (¬1) ضَمَائِرَ التَّكَلُّمِ (¬2) وَالْخِطَابِ وَالْغَيْبَةِ لَا تَدُلُّ بِنَفْسِهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، لَكِنْ بِحَسَبِ مَا يُقْتَرَنُ بِهَا (¬3) ؛ فَضَمَائِرُ الْخِطَابِ مَوْضُوعَةٌ لِمَنْ يَقْصِدُهُ الْمُخَاطِبُ بِالْخِطَابِ، وَضَمَائِرُ التَّكَلُّمِ (¬4) لِمَنْ يَتَكَلَّمُ كَائِنًا مَنْ كَانَ. لَكِنْ قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْخِطَابَ (¬5) بِالْقُرْآنِ هُوَ لِلرَّسُولِ (¬6) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ (¬7) جَمِيعًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 183] وَقَوْلِهِ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [سُورَةِ الْمَائِدَةِ: 6] وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] . قِيلَ: بَلْ كَافُ الْجَمَاعَةِ فِي الْقُرْآنِ تَارَةً تَكُونُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ، وَتَارَةً تَكُونُ لَهُمْ دُونَهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [سُورَةِ الْحُجُرَاتِ: 7] ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَافَ لِلْأُمَّةِ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ¬

(¬1) الضَّمَائِرَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ: الْمُتَكَلِّمِ. (¬3) أ: يُقْرُونَ بِهَا؛ ب: يُقْرَنُ بِهَا. (¬4) أ، ب: الْمُتَكَلِّمِ. (¬5) ب (فَقَطْ) : الْمُخَاطَبَ. (¬6) أ، ب: الرَّسُولُ. (¬7) أ، ب: وَالْمُؤْمِنُونَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةِ التَّوْبَةِ: 128] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [سُورَةِ مُحَمَّدٍ: 33] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: 31] (¬1) وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ كَافَ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ تَنَاوَلَتْ مَنْ أُرْسِلَ (¬2) . إِلَيْهِمْ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] مِثْلَ هَذِهِ الْكَافَاتِ، فَلَا يَكُونُ فِي السُّنَّةِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ. وَمِثْلَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا - وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 3، 4] ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ هُنَا (¬3) فِي " خِفْتُمْ " وَ " تُقْسِطُوا " وَ " انْكِحُوا " وَ " طَابَ لَكُمْ " وَ " مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ دُونَ نَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ [النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬4) لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. ¬

(¬1) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تُوجَدُ وَرَقَةٌ لَمْ تُصَوَّرْ مِنْ نُسْخَةِ (م) . (¬2) إِلَيْهِمْ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِلَيْهِ. (¬3) هُنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْأَمْثِلَةِ فِيهَا مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْأُمَّةِ (¬1) ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ مَا يَجِبُ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ خَاطَبَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَذِكْرِ بَعْثِهِ (¬2) إِلَيْهِمْ، عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ آيَةُ الْفَرَائِضِ لَمَّا قَالَ: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] ، وَقَالَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] ، ثُمَّ قَالَ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ - وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} " [سُورَةِ النِّسَاءِ: 13، 14] ، فَلَمَّا خَاطَبَهُمْ بِعَدَمِ الدِّرَايَةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ حَالَ الرَّسُولِ، وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَقَادِيرِ الْفَرَائِضِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي هَذِهِ الْحُدُودِ اسْتَحَقُّوا الثَّوَابَ، وَإِنْ خَالَفُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (¬3) اسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ (¬4) ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُعْطُوا الْوَارِثَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ يَمْنَعُوا الْوَارِثَ مَا يَسْتَحِقُّهُ - دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ الْمَسْلُوبِينَ الدِّرَايَةَ [لَمَّا ذَكَرَ] (¬5) ، الْمَوْعُودِينَ عَلَى طَاعَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الْمُتَوَعِّدِينَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعَدِّي حُدُودِهِ ¬

(¬1) أ، ب: الْآيَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ص: بَعْثَتِهِ. (¬3) أ، ب: وَإِنْ خَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ ن، م، و: وَإِنْ خَالَفُوا الرَّسُولَ. (¬4) أ، ب: الْعَذَابَ. (¬5) لَمَّا ذَكَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) ، (ب) : لَمَّا ذَكَرَهُ.

فِيمَا قَدَّرَهُ مِنَ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمُ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي نَظَائِرِهَا. وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ تَعَدِّي الْحُدُودِ عَقِبَ ذِكْرِ الْفَرَائِضِ الْمَحْدُودَةِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى مَا قُدِّرَ لَهُ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ، وَكَانَ هَذَا نَاسِخًا لِمَا أَمَرَ بِهِ أَوَّلًا مِنَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ، [وَرَوَاهُ أَهْلُ السِّيَرِ] (¬1) ، وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ آيَةَ الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا نُسِخَتْ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَبَيْنَ اسْتِحْقَاقِ (¬2) الْوَصِيَّةِ مُنَافَاةً، وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ تَنَافِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/155 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/293 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ مَا جَاءَ: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ "؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/207 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ إِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ) وَهُوَ فِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/905 - 906 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسِ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/186 - 187 - 238 - 239 (عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ) ، 5/267 (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ) ؛ سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/252 - 253. (¬2) ب (فَقَطْ) : الْإِرْثِ وَاسْتِحْقَاقِ. .

وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْجُمْهُورُ فَقَالُوا: النَّاسِخُ هُوَ آيَةُ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ فَرَائِضَ مَحْدُودَةً، وَمَنَعَ مِنْ تَعَدِّي حُدُودِهِ، فَإِذَا أَعْطَى (¬1) الْمَيِّتُ لِوَارِثِهِ أَكْثَرَ مِمَّا حَدَّهُ اللَّهُ لَهُ، فَقَدْ تَعَدَّى حَدَّ اللَّهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا، فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمَحْدُودِ يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ مِنَ الْوَرَثَةِ أَوِ الْعَصَبَةِ، فَإِذَا أَخَذَ حَقَّ الْعَاصِبِ فَأَعْطَاهُ لِهَذَا كَانَ ظَالِمًا (¬2) لَهُ. وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ عَاصِبٌ (¬3) : هَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَمَنْ مَنَعَ الرَّدَّ قَالَ: الْمِيرَاثُ حَقٌّ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَاهُ غَيْرُهُ. وَمَنْ جَوَّزَ الرَّدَّ قَالَ: إِنَّمَا يُوضَعُ الْمَالُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ خَاصٌّ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ رَحِمٌ عَامٌّ وَرَحِمٌ خَاصٌّ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ذُو السَّهْمِ أَوْلَى مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ ". وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ إِقَامَةُ دَلِيلٍ عَلَى شُمُولِ الْآيَةِ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِثَهُ، كَمَا مَاتَتْ بَنَاتُهُ الثَّلَاثُ فِي حَيَاتِهِ، وَمَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ؟ . قِيلَ: الْخِطَابُ فِي الْآيَةِ لِلْمَوْرُوثِ دُونَ الْوَارِثِ (¬4) ، فَلَا يَلْزَمُ إِذَا دَخَلَ أَوْلَادُهُ فِي كَافِ الْخِطَابِ لِكَوْنِهِمْ (¬5) مَوْرُوثِينَ (¬6) أَنْ يَدْخُلُوا إِذَا كَانُوا وَارِثِينَ. ¬

(¬1) ن: وَأَمَّا إِذَا أَعْطَى. (¬2) ن، م: كَانَ ظُلْمًا. (¬3) ن: لَيْسَ بِغَاصِبٍ؛ و: لَيْسَ بِعَاصِبٍ؛ ص: لَيْسَ عَاصِبٌ. (¬4) أ، ب: لِلْمَوْرُوثِ دُونَ الْوَرَثَةِ؛ ر، ص، هـ: لِلْمُوَرِّثِ دُونَ الْوَارِثِ. (¬5) كَذَا فِي (ب) فَقَطْ وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِكَوْنِهِنَّ. (¬6) ص: مُوَرِّثِينَ.

(* يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} ، [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] فَذَكَرَهُ بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ لَا بِضَمِيرِ الْخِطَابِ، وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى (¬1) الْمُخَاطَبِ بِكَافِ الْخِطَابِ (¬2) وَهُوَ الْمَوْرُوثُ، فَكُلُّ مَنْ سِوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَوْلَادِهِ وَغَيْرِهِمْ مَوْرُوثُونَ شَمِلَهُمُ النَّصُّ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَارِثًا لِمَنْ خُوطِبَ، وَلَمْ يُخَاطَبْ هُوَ بِأَنْ يُورِثَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَوْلَادُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَمِلَهُمْ (¬3) كَافُ الْخِطَابِ فَوَصَّاهُمْ بِأَوْلَادِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَفَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَصَّاهَا اللَّهُ فِي أَوْلَادِهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلِأَبَوَيْهَا لَوْ مَاتَتْ فِي حَيَاتِهِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ *) (¬4) . فَإِنْ قِيلَ: فَفِي آيَةِ الزَّوْجَيْنِ قَالَ: (وَلَكُمْ) ، (وَلَهُنَّ) . قِيلَ: أَوَّلًا: الرَّافِضَةُ يَقُولُونَ: إِنَّ زَوْجَاتِهِ (¬5) لَمْ يَرِثْنَهُ وَلَا عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، وَإِنَّمَا وَرِثَتْهُ (¬6) الْبِنْتُ وَحْدَهَا. الثَّانِي (¬7) : أَنَّهُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ (¬8) مِنْ أَزْوَاجِهِ وَلَهَا مَالٌ حَتَّى يَكُونَ وَارِثًا لَهَا. وَأَمَّا خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمَاتَتْ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا ¬

(¬1) أ، ب: إِلَى. (¬2) عِبَارَةُ " بِكَافِ الْخِطَابِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ر، ص: وَأَوْلَادُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَوْلَادِهِ وَمُوَرِّثُوهُ مِمَّنْ شَمِلَهُمْ. (¬4) (* - *) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) ، (هـ) . (¬5) أ، ب: أَزْوَاجَهُ. (¬6) أ، ب: تَرِثُهُ. (¬7) ب (فَقَطْ) : ثَانِيًا. (¬8) وَاحِدَةٌ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَحَدٌ.

زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ فَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ، لَكِنْ مِنْ أَيْنَ نَعْلَمُ أَنَّهَا خَلَّفَتْ مَالًا، وَأَنَّ آيَةَ الْفَرَائِضِ كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ. فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 12] إِنَّمَا تَنَاوَلَ مَنْ مَاتَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهَا تَرِكَةٌ، فَمَنْ لَمْ تَمُتْ زَوْجَتُهُ أَوْ مَاتَتْ (¬1) وَلَا مَالَ لَهَا لَمْ يُخَاطَبْ (¬2) بِهَذِهِ الْكَافِ. وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ شُمُولِ إِحْدَى الْكَافَيْنِ لَهُ شُمُولُ الْأُخْرَى، بَلْ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ مِنَ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ وَبِالْعَكْسِ. فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَمَرَهُ بِأَمْرٍ تَنَاوَلَ الْأُمَّةَ، وَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ بِعَادَةِ (¬3) الشَّرْعِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 37] ، فَذَكَرَ أَنَّهُ أَحَلَّ ذَلِكَ لَهُ؛ لِيَكُونَ (¬4) حَلَالًا لِأُمَّتِهِ وَلَمَّا خَصَّهُ بِالتَّحْلِيلِ قَالَ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 50] فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ الْكَافَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ؟ . قِيلَ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَالَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَةِ الشَّارِعِ (¬5) فِي خِطَابِهِ، كَمَا يُعْرَفُ مِنْ عَادَةِ الْمُلُوكِ إِذَا خَاطَبُوا أَمِيرًا بِأَمْرٍ أَنَّ نَظِيرَهُ مُخَاطَبٌ ¬

(¬1) أ، ب: فَمَنْ لَمْ تَمُتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهَا تَرِكَةٌ أَوْ مَاتَتْ. . . (¬2) أ، ب، ن: لَمْ تُخَاطَبْ. (¬3) أ، ب: بِعِبَارَةِ. (¬4) أ، ب: فَيَكُونُ. 1 (¬5) ن: الشَّرْعِ.

بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ (¬1) الْمُسْتَقِرِّ (¬2) فِي خِطَابِ الْمُخَاطَبِ، كَمَا يُعْلَمُ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ بِالْعَادَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ (¬3) لِأَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ: أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَالْخِطَابُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَدْ تَنَوَّعَتْ عَادَةُ الْقُرْآنِ فِيهَا: تَارَةً تَتَنَاوَلُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَارَةً لَا تَتَنَاوَلُهُ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا تَنَاوَلَهُ (¬4) وَغَايَةُ مَا يَدَّعِي الْمُدَّعِي أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ شُمُولُ الْكَافِ لَهُ، كَمَا يَقُولُ: الْأَصْلُ مُسَاوَاةُ أُمَّتِهِ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَمُسَاوَاتُهُ لِأُمَّتِهِ فِي الْأَحْكَامِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ خَصَائِصَ كَثِيرَةً خُصَّ بِهَا عَنْ أُمَّتِهِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْكَرَ اخْتِصَاصُهُ بِهَذَا الْحُكْمِ إِلَّا كَمَا يُنْكَرُ اخْتِصَاصُهُ (¬5) بِسَائِرِ (¬6) الْخَصَائِصِ، لَكِنْ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُطَالِبَ بِدَلِيلِ الِاخْتِصَاصِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ، بَلِ الْمُتَوَاتِرَةَ [عَنْهُ] (¬7) فِي (¬8) أَنَّهُ لَا يُورَثُ، أَعْظَمُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ خَصَائِصِهِ، مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِالْفَيْءِ (¬9) وَغَيْرِهِ. ¬

(¬1) أ، ب: وَالْفَرْقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَهُنَا تَعُودُ نُسْخَةُ (م) . (¬2) ن، م: الْمُسْتَمِرِّ. (¬3) ن، م: الْمُسْتَمِرَّةِ. (¬4) ب (فَقَطْ) : مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ. (¬5) (5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) أ، ب: كَسَائِرِ. (¬7) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب، م، و: بِالصَّفَى؛ ن: بِالصَّفَا

وَقَدْ تَنَازَعَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ: هَلْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ؟ كَتَنَازُعِهِمْ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ، هَلْ كَانَ مِلْكًا لَهُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ أُبِيحَ لَهُ مَنْ (¬1) حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنَ النِّسَاءِ أَمْ لَا؟ . وَلَمْ يَتَنَازَعِ السَّلَفُ فِي أَنَّهُ لَا يُورَثُ، لِظُهُورِ ذَلِكَ عَنْهُ وَاسْتِفَاضَتِهِ فِي أَصْحَابِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [سُورَةِ الْأَنْفَالِ: 1] ، وَقَالَ فِي [كِتَابِهِ] (¬2) : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةِ الْأَنْفَالِ: 41] ، [وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ] (¬3) [سُورَةِ الْحَشْرِ: 7] . وَلَفْظُ آيَةِ الْفَيْءِ كَلَفْظِ آيَةِ الْخُمُسِ، وَسُورَةُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ بِسَبَبِ بَدْرٍ، فَدَخَلَتِ الْغَنَائِمُ فِي ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ سَائِرُ مَا نَفَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ. كَمَا أَنَّ لَفْظَ " الْفَيْءِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَنَائِمُ، وَقَدْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ (¬4) بَخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ. وَمِنَ الْأَوَّلِ (¬5) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ ¬

(¬1) أ، ب: مَا. (¬2) فِي كِتَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ. وَالْإِيجَافُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ، وَأَوْجَفَ دَابَّةً: حَثَّهَا. (¬5) أ، ب: وَمِنَ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» " (¬1) . فَلَمَّا أَضَافَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ رَأَى طَائِفَةٌ مِنْ لِعُلَمَاءَ (¬2) أَنَّ [هَذِهِ] (¬3) الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَائِرِ أَمْلَاكِ النَّاسِ، ثُمَّ جُعِلَتِ الْغَنَائِمُ بَعْدَ ذَلِكَ لَلْغَانِمِينَ، وَخُمْسُهَا لِمَنْ سَمَّى (¬4) ، وَبَقِيَ الْفَيْءُ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ (¬5) ، مِلْكًا لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَإِنَّمَا تَرَدَّدُوا فِي الْفَيْءِ، فَإِنَّهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَا يُخَمِّسُونَ الْفَيْءَ، وَإِنَّمَا قَالَ بِتَخْمِيسِهِ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ (¬6) ¬

(¬1) الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/119 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) (كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بَعِيرًا فَأَخَذَ مِنْ سَنَامِهِ وَبَرَةً بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنَ الْفَيْءِ شَيْءٌ وَلَا هَذِهِ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ ". وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/109 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الْإِمَامِ يَسْتَأْثِرُ بِشَيْءٍ مِنَ الْفَيْءِ لِنَفْسِهِ) حَدِيثٌ ثَالِثٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/272 - 273، وَصَحَّحَ الْحَدِيثَ الثَّالِثَ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 2/587 - 588. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي: الْمُوَطَّأِ 2/457 - 458 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ) . وَالْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/127 - 128، وَهُوَ فِيهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ 5/316 - 319 - 326. (¬2) أ، ب: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. (¬3) هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، و: بَقِيَ؛ م: يَفِي. (¬5) أ، ب: لِمَنْ سَمَّى بِفَيْءِ الْفَيْءِ أَوْ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

كَالْخِرَقِيِّ. وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَرَوْنَ تَخْمِيسَ الْفَيْءِ، وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: بَلْ (¬1) هَذِهِ الْإِضَافَةُ لَا تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ مِلْكًا لِلرَّسُولِ، بَلْ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ؛ فَالرَّسُولُ يُنْفِقُهَا فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ [بِهِ] (¬2) . كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» " (¬3) . . وَقَالَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " تَسَمَّوْا (¬4) بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا (¬5) بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ " (¬6) . ¬

(¬1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ؛ ص، ر، هـ، و: فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ. (¬3) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2/206 وَذَكَرْتُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/85. وَنَصُّهُ فِيهِ: " مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ. أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ ". وَالْحَدِيثُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/482 وَنَصُّهُ فِيهِ: " وَاللَّهِ مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُهُ حَيْثُ أُمِرْتُ ". وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ (فَتْحِ الْبَارِي 6/218) : " وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِنْ أَنَا إِلَّا خَازِنٌ ". وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَفْظِ: " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي. . الْحَدِيثَ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْهُ فِي " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " 8/278 (ت [0 - 9] ) (¬4) ب: سَمُّوا. (¬5) أ، ب: وَلَا تَكْتَنُوا. (¬6) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/84 - 85 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1682 - 1683 (كِتَابُ الْآدَابِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ: " سَمُّوا (أَوْ: تَسَمَّوْا) بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا (أَوْ تَكْتَنُوا) بِكُنْيَتِي " عَنْ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ وَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْكُنْيَةِ. انْظُرِ: الْبُخَارِيَّ 4/1860 (كِتَابُ الْمَنَاقِبُ، بَابُ كُنْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ مُسْلِمًا 3/1682 - 1684 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/399 - 401 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَتَكَنَّى بِأَبِي الْقَاسِمِ، بَابُ مَنْ رَأَى أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/214 - 215 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ اسْمِ النَّبِيِّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْيَتِهِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامَ: 730، 7371، 7372، 8094، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/455، 3/450، 5/364.

فَالرَّسُولُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَالْمَالُ الْمُضَافُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُصْرَفُ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الَّتِي مَلَكَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ، فَإِنَّ لَهُمْ صَرْفَهَا فِي الْمُبَاحَاتِ. وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ اللَّهُ فِي الْمُكَاتَبِينَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سُورَةِ النُّورِ: 33] ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا، إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ: آتَاكُمْ [اللَّهُ] (¬1) مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي مَلَّكَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ (¬2) ، فَإِنَّهُ لَمْ يُضِفْهَا إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِخِلَافِ مَا أَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى إِلَّا فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. فَالْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ؛ لِأَنَّ (¬3) قِسْمَتَهَا إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ لَيْسَتْ كَالْمَوَارِيثِ الَّتِي قَسَّمَهَا اللَّهُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ. وَكَذَلِكَ مَالُ الْخُمُسِ وَمَالُ الْفَيْءِ. ¬

(¬1) لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي (أ) ، (ب) ، (م) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: الْعِبَادَ. (¬3) ن، م، و: فَإِنَّ.

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ، فَقَالَ مَالِكٌ [وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ] (¬1) : مَصْرِفُهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَعَيَّنَ مَا عَيَّنَهُ (¬2) مِنَ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ تَخْصِيصًا لَهُمْ بِالذِّكْرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ جَعَلَ مَصْرِفَ الْخُمُسِ مِنَ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الْفَيْءِ، وَهُوَ تَبَعٌ لِخُمُسِ الْغَنَائِمِ (¬3) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ: الْخُمُسُ (¬4) يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَأَسْقَطَ (¬5) سَهْمَ الرَّسُولِ وَذَوِي الْقُرْبَى بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ (¬6) دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: بَلْ مَالُ الْفَيْءِ [أَيْضًا] (¬7) يُقَسَّمُ [عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ] (¬8) . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ [الْأَقْوَالِ] (¬9) كَمَا قَدْ بُسِطَتْ أَدِلَّتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬10) ، وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ. فَقَوْلُهُ: (¬11) {لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} فِي الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ، كَقَوْلِهِ فِي الْأَنْفَالِ: (لِلَّهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: مَا عَيَّنَ. (¬3) و، هـ، ص، ر: الْمَغَانِمِ. (¬4) أ، ب: وَالْخُمُسُ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (ص) . (¬5) و، هـ، م، ص، ر: سَقَطَ؛ ن: يُسْقِطُ. (¬6) أ، ب: قَالَ. (¬7) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. 1 (¬9) الْأَقْوَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ن) ، (م) . 1 (¬10) ن، م: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. (¬11) ن: بِقَوْلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَالرَّسُولِ) فَالْإِضَافَةُ (¬1) لِلرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُقَسِّمُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، وَهَذَا أَعْلَى الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَالْمَلِكُ يَصْرِفُ الْمَالَ فِيمَا أَحَبَّ (¬2) وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ الرَّسُولُ لَا يَصْرِفُ الْمَالَ إِلَّا فِيمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَكُونُ فِيمَا (¬3) يَفْعَلُهُ عِبَادَةُ اللَّهِ وَطَاعَةٌ لَهُ (¬4) ، لَيْسَ فِي قَسْمِهِ مَا هُوَ مِنَ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، بَلْ يُثَابُ عَلَيْهِ كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» " يُؤَيِّدُ (¬5) ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لِي " أَيْ أَمْرُهُ إِلَيَّ، وَلِهَذَا قَالَ: " «وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» ". وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَمَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَفَدَكَ وَخُمُسِ خَيْبَرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، هِيَ كُلُّهَا مِنْ مَالِ (¬6) الْفَيْءِ الَّذِي (¬7) لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُهُ فَلَا (¬8) يُورَثُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ عَنْهُ مَا يَمْلِكُهُ. ¬

(¬1) أ، ب: فَأَضَافَهُ. (¬2) أ: فَإِنَّ الْمَلِكَ يَصْرِفُ الْأَمْوَالَ فِيمَا أَحَبَّهُ؛ ب: فَإِنَّ الْمَلِكَ النَّبِيَّ يَصْرِفُ الْأَمْوَالَ فِيمَا أَحَبَّهُ. (¬3) أ، ب، م، ص، و، هـ: مَا. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: يُؤَكِّدُ؛ أ، ب: يُرِيدُ. (¬6) أ: هِيَ مِنْ مَالِ؛ ب: هُوَ مِنْ مَالِ. (¬7) ن، م، و: وَالَّذِي. (¬8) أ، ب: وَلَا.

بَلْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ يَجِبُ أَنْ تُصْرَفَ فِيمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ. وَكَذَلِكَ قَالَ [أَبُو بَكْرٍ] الصِّدِّيقُ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬1) . وَأَمَّا مَا قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ مَلَكَهُ، كَمَالٍ أَوْصَى لَهُ (¬2) بِهِ [مُخَيْرِيقُ] (¬3) وَسَهْمُهُ مِنْ خَيْبَرَ (¬4) ، فَهَذَا إِمَّا أَنْ يُقَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَالِ الْأَوَّلِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مِلْكُهُ، وَلَكِنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَالِ حَاجَتَهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ صَدَقَةً وَلَا يُورَثُ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (* «لَا يَقْتَسِمُ (¬5) وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَمَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ (¬6) نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» " (¬7) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ *) (¬8) : «لَا نُورَثُ مَا ¬

(¬1) أ: وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ ب: وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ ن، م، هـ، و، ر، ص: وَكَذَلِكَ قَالَ الصِّدِّيقُ. (¬2) كَمَا أَوْصَى لَهُ. . كَذَا فِي (ص) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَمَا أَوْصَى لَهُ. . (¬3) مُخَيْرِيقُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، وَهُوَ مُخَيْرِيقُ النَّضْرِيُّ الْإِسْرَائِيلِيُّ مِنْ بَنِي النَّضْرِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 3/373 " ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَاسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ. . . وَكَانَ أَوْصَى بِأَمْوَالِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَى سَبْعُ حَوَائِطَ. . . فَجَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةً ". (¬4) ن: حُنَيْنٍ. (¬5) أ، ب: لَا تُقَسِّمُ. (¬6) أ، ب: بَعْدَ مُؤْنَةِ. (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/12 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ نَفَقَةِ الْقَيِّمِ لِلْوَقْفِ) ؛ مُسْلِمٍ؛ 3/1382 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا نُورَثُ. . .) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/198 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي صَفَايَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَمْوَالِ) ؛ الْمُوَطَّأِ 2/993 (كِتَابُ الْكَلَامِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/25 - 26، 17/53 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/464. (¬8) (* - *) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .

تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ» " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ (¬1) . يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَذْكُورٌ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا - وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} ، [سُورَةِ النِّسَاءِ: 3، 4] إِلَى قَوْلِهِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 11] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَاطَبْ بِهَذَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِمَثْنَى وَلَا ثُلَاثَ وَلَا رُبَاعَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مَأْمُورًا بِأَنْ يُوَفِّيَ كُلَّ امْرَأَةٍ صَدَاقَهَا، بَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ تَهِبُ نَفْسَهَا لَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. كَمَا قَالَ تَعَالَى (¬2) : {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 50] إِلَى قَوْلِهِ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 50] . وَإِذَا كَانَ سِيَاقُ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ دُونَهُ لَمْ يَدْخُلْ هُوَ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ. ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬2) ب (فَقَطْ) : كَمَا قَالَ تَعَالَى لَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْخِطَابُ (¬1) مُتَنَاوِلٌ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ (¬2) ، لَكِنْ خُصَّ هُوَ مِنْ آيَةِ النِّكَاحِ وَالصَّدَاقِ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ خُصَّ مِنْ آيَةِ الْمِيرَاثِ، فَمَا قِيلَ فِي تِلْكَ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ وَسَوَاءٌ (¬3) قِيلَ: إِنَّ لَفْظَ الْآيَةِ شَمِلَهُ وَخُصَّ مِنْهُ، أَوْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَشْمَلْهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ (¬4) مِنَ الْمُخَاطَبِينَ: يُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا (¬5) . السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا بَيَانُ مَنْ يُورَثُ [وَمَنْ لَا يُورَثُ] (¬6) ، وَلَا بَيَانُ صِفَةِ الْمَوْرُوثِ وَالْوَارِثِ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهَا أَنَّ الْمَالَ الْمَوْرُوثَ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْوَارِثِينَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. فَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ مِقْدَارِ أَنْصِبَاءِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ إِذَا كَانُوا وَرَثَةً. وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وَهَؤُلَاءِ كُفَّارًا لَمْ يَرِثُوا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كَافِرًا وَهَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ لَمْ يَرِثُوا بِالسُّنَّةِ وَقَوْلِ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ (¬7) ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَهُمْ أَحْرَارٌ، أَوْ كَانَ حُرًّا وَهُمْ عَبِيدٌ. وَكَذَلِكَ الْقَاتِلُ عَمْدًا عِنْدَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْقَاتِلُ خَطَأً مِنَ الدِّيَةِ. وَفِي غَيْرِهَا نِزَاعٌ. ¬

(¬1) ن، م، و: فَإِنْ قِيلَ فَالْخِطَابُ. (¬2) عِبَارَةُ " فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ " فِي (م) فَقَطْ. وَفِي (ن) : فِي عُمُومِ. (¬3) أ، ب، ر، هـ، ص: سَوَاءٌ. (¬4) لَيْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . (¬5) عِبَارَةُ " يُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬6) وَمَنْ لَا يُورَثُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) (7 - 7) : سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَوْتَى مَنْ يَرِثُهُ أَوْلَادُهُ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَرِثُهُ أَوْلَادُهُ، وَالْآيَةُ لَمْ تُفَصِّلْ (¬1) : مَنْ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَمَنْ لَا يَرِثُهُ، وَلَا صِفَةِ الْوَارِثِ وَالْمَوْرُوثِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا بَيَانُ ذَلِكَ، بَلْ قُصِدَ بِهَا بَيَانُ حُقُوقِ هَؤُلَاءِ إِذَا كَانُوا وَرَثَةً. وَحِينَئِذٍ (¬2) فَالْآيَةُ إِذَا لَمْ تُبَيِّنْ مَنْ يُورَثُ وَمَنْ يَرِثُهُ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِ [غَيْرِ] (¬3) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرِثُ أَوْ لَا يُورَثُ (¬4) ، فَلَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِهِ هُوَ يُورَثُ بِطُرُقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَهَكَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ (¬5) بِالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ فَنَصِفُ (¬6) الْعُشْرِ» (¬7) . " فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَبَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ بَيَانَ مَا يَجِبُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَمَا لَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلِهَذَا لَا يُحَتَجُّ بِعُمُومِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ. ¬

(¬1) ن، م، ر، هـ، ص: لَمْ تُفَصِّلْ بَيْنَ. . . (¬2) أ، ب: وَرَثَةً حِينَئِذٍ. . (¬3) غَيْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) أ، ب: يَرِثُ وَلَا يُورَثُ. (¬5) ن، م: وَمَا يُسْقَى؛ و، ر، هـ: وَمَا سَقَى؛ ص: وَسَقَى. (¬6) أ، ب، و: نَصِفُ. (¬7) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/126 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ) ؛ مُسْلِمٍ 2/675 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/145 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ فِيمَا يُسْقَى بِالْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ الدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 275] قُصِدَ فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا: فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا حَلَالٌ وَالْآخَرَ حَرَامٌ، وَلَمْ يُقْصَدْ فِيهِ بَيَانُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ، فَلَا يُحْتَجُّ بِعُمُومِهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ كُلِّ شَيْءٍ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) يَعُمُّ بَيْعَ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْكَلْبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْوَقْفِ وَمِلْكِ الْغَيْرِ وَالثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ - كَانَ غَالِطًا. الْوَجْهُ (¬1) الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ عَامٌّ، فَإِنَّهُ خُصَّ مِنْهَا الْوَلَدُ الْكَافِرُ وَالْعَبْدُ وَالْقَاتِلُ بِأَدِلَّةٍ هِيَ أَضْعَفُ مِنَ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُورَثُ أَكْثَرُ وَأَجَلُّ مِنَ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُ (¬2) أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاثٌ، وَأَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ (¬3) الْمُبْتَاعُ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا كَانَتِ الْآيَةُ مَخْصُوصَةً بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، كَانَ تَخْصِيصُهَا بِنَصٍّ آخَرَ جَائِزًا بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. بَلْ قَدْ (¬4) ذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ يَبْقَى مُجْمَلًا. وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي تَخْصِيصِ (¬5) عُمُومِ الْقُرْآنِ ¬

(¬1) الْوَجْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: أَنْ يَشْتَرِطَ. (¬4) أ، ب: وَقَدْ. (¬5) أ: وَقَدْ تَنَازَعَ فِي تَخْصِيصِ؛ ب: وَقَدْ تُنُوزِعَ فِي تَخْصِيصِ.

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْصُوصًا [بِخَبَرِ الْوَاحِدِ] (¬1) ، فَأَمَّا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ عَوَامِّهِمْ، لَا سِيَّمَا الْخَبَرُ الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِهِ. وَهَذَا الْخَبَرُ تَلَقَّتْهُ الصَّحَابَةُ بِالْقَبُولِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ [إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] (¬2) . وَالتَّخْصِيصُ بِالنَّصِّ الْمُسْتَفِيضِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ يَقُولُ: ظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ (¬3) ، لَكِنَّهُ عُمُومٌ مَخْصُوصٌ. وَمَنْ سَلَكَ الْمَسْلَكَ الْأَوَّلَ لَمْ يُسَلِّمْ ظُهُورَ الْعُمُومِ إِلَّا فِيمَنْ عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَرِثُونَهُ، وَلَا يُقَالُ (¬4) : إِنَّ ظَاهِرَهَا مَتْرُوكٌ، بَلْ نَقُولُ (¬5) : لَمْ يُقْصَدْ بِهَا إِلَّا بَيَانُ (¬6) نَصِيبِ الْوَارِثِ، لَا بَيَانُ الْحَالِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْإِرْثُ (¬7) ، فَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْأَوْلَادِ وَالْمَوْتَى، مُطْلَقَةٌ فِي [الْمَوْرُوثِينَ. وَأَمَّا] (¬8) شُرُوطُ الْإِرْثِ فَلَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ الْآيَةُ، بَلْ هِيَ مُطْلَقَةٌ فِيهِ (¬9) : لَا تَدُّلُ عَلَيْهِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ. كَمَا فِي قَوْلِهِ (¬10) تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [سُورَةِ التَّوْبَةِ: 5] ¬

(¬1) عِبَارَةُ " بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) عِبَارَةُ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ب (فَقَطْ) : يَقُولُ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ. (¬4) ب (فَقَطْ) : وَلَا يَقُولُ. (¬5) أ، ب، ن، م: يَقُولُ. (¬6) أ: إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ. .؛ ب: إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ. (¬7) أ، ب: الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْإِرْثُ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ر، هـ، ص: مُطْلَقَةٌ فِي ذَلِكَ. (¬10) ب (فَقَطْ) : كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ. .

عَامٌّ فِي الْأَشْخَاصِ، مُطْلَقٌ فِي الْمَكَانِ وَالْأَحْوَالِ. فَالْخِطَابُ الْمُقَيِّدُ لِهَذَا الْمُطْلَقِ يَكُونُ خِطَابًا مُبْتَدَأً مُبَيِّنًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُنَافِيهِ (¬1) ، لَا يَكُونُ (¬2) رَافِعًا لِظَاهِرِ خِطَابٍ شَرْعِيٍّ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ: كَوْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورَثُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، فَلَا يُعَارَضُ ذَلِكَ بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ عُمُومٌ، وَإِنْ كَانَ عُمُومًا فَهُوَ مَخْصُوصٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ دَلِيلًا لَمَا كَانَ إِلَّا ظَنِّيًّا، فَلَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ؛ إِذِ الظَّنِّيُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ. وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي أَوْقَاتٍ وَمَجَالِسَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُنْكِرُهُ، بَلْ كُلُّهُمْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ. وَلِهَذَا لَمْ يُصِرَّ أَحَدٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ عَلَى طَلَبِ الْمِيرَاثِ، وَلَا أَصَرَّ الْعَمُّ عَلَى طَلَبِ الْمِيرَاثِ، بَلْ مَنْ طَلَبَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخْبِرَ (¬3) بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ عَنْ طَلَبِهِ. وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَسَّمَ لَهُ تَرِكَةً. الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ أَعْطَيَا عَلِيًّا وَأَوْلَادَهُ مِنَ الْمَالِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا خَلَّفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَالِ. وَالْمَالُ الَّذِي خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - لَمْ يَنْتَفِعْ وَاحِدٌ [مِنْهُمَا] (¬4) مِنْهُ بِشَيْءٍ، بَلْ ¬

(¬1) أ، ب: لَمْ يَتَقَدَّمْ مُنَافِيهِ. (¬2) ب (فَقَطْ) : وَلَا يَكُونُ. (¬3) أ: شَيْئًا أُخْبِرَ؛ ب: شَيْئًا وَأُخْبِرَ؛ ص: شَيْئًا فَلَمَّا أُخْبِرَ. (¬4) مِنْهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

سَلَّمَهُ عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَلِيَانِهِ وَيَفْعَلَانِ فِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ. وَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ انْتِفَاءَ التُّهْمَةِ (¬1) عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ. الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّ الظَّلَمَةَ مِنَ الْمُلُوكِ إِذَا تَوَلَّوْا بَعْدَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا إِلَيْهِمْ أَوْ رَبَّوْهُمْ (¬2) ، وَقَدِ انْتَزَعُوا الْمُلْكَ مِنْ بَيْتِ ذَلِكَ الْمَلِكِ، اسْتَعْطَفُوهُمْ وَأَعْطَوْهُمْ لِيَكُفُّوا عَنْهُمْ مُنَازَعَتَهُمْ، فَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُتَغَلِّبَانِ مُتَوَثِّبَانِ، لَكَانَتِ الْعَادَةُ تَقْضِي (¬3) بِأَنْ يُزَاحِمَا الْوَرَثَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوِلَايَةِ وَالتَّرِكَةِ [فِي الْمَالِ] (¬4) ، بَلْ يُعْطِيَانِهِمْ ذَلِكَ وَأَضْعَافَهُ؛ لِيَكُفُّوا عَنِ الْمُنَازَعَةِ فِي الْوِلَايَةِ. وَأَمَّا مَنْعُ الْوِلَايَةِ وَالْمِيرَاثِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا لَا يُعْلَمُ (¬5) أَنَّهُ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَظْلَمِ النَّاسِ وَأَفْجَرِهِمْ. فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرٌ خَارِجٌ عَنِ الْعَادَةِ (¬6) الطَّبِيعِيَّةِ فِي الْمُلُوكِ، كَمَا هُوَ خَارِجٌ عَنِ الْعَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ لِاخْتِصَاصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ (¬7) ؛ إِذِ الْأَنْبِيَاءُ لَا يُورَثُونَ. ¬

(¬1) أ، ب: التُّهَمِ. (¬2) ن: أَوْرَثُوهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ر، ص، هـ: تَقْتَضِي. (¬4) فِي الْمَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ر) ، (ص) : وَالشَّرِكَةِ فِي الْمُلْكِ، وَفِي (هـ) : وَالتَّرِكَةِ فِي الْمُلْكِ. (¬5) أ، ب: لَا نَعْلَمُ. (¬6) أ، ب، م: الْعَادَاتِ. (¬7) أ، ب: وَهُوَ الْأَنْزَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 16] ، وَقَوْلَهُ تَعَالَى [عَنْ زَكَرِيَّا] (¬1) : {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 5، 6] ، لَا يَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ، وَالدَّالُّ عَلَى مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا بِهِ الِامْتِيَازُ. فَإِذَا قِيلَ: هَذَا حَيَوَانٌ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْسَانٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَعِيرٌ. وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ " الْإِرْثِ " (¬2) يُسْتَعْمَلُ فِي إِرْثِ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِقَالِ. قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [سُورَةِ فَاطِرٍ: 32] . وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ: 10، 11] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سُورَةِ الزُّخْرُفِ: 72] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [سُورَةِ الْأَحْزَابِ: 27] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: 128] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [سُورَةِ الْأَعْرَافِ: 137] . ¬

(¬1) عَنْ زَكَرِيَّا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ " لَا يَرِثُ ". .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: 105] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (¬1) . وَهَكَذَا لَفْظُ " الْخِلَافَةِ " وَلِهَذَا يُقَالُ: الْوَارِثُ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ، أَيْ خَلَفَهُ فِيمَا تَرَكَهُ. وَالْخِلَافَةُ قَدْ تَكُونُ فِي الْمَالِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الْمُلْكِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الْعِلْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 16] ، وَقَوْلُهُ: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 6] إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْإِرْثِ، لَا يَدُلُّ عَلَى إِرْثِ الْمَالِ. فَاسْتِدْلَالُ الْمُسْتَدِلِّ بِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى خُصُوصِ إِرْثِ الْمَالِ جَهْلٌ مِنْهُ بِوَجْهِ الدَّلَالَةِ، كَمَا لَوْ قِيلَ: هَذَا خَلِيفَةُ هَذَا، وَقَدْ خَلَفَهُ - كَانَ دَالًّا عَلَى خِلَافَةٍ مُطْلَقَةٍ، لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ¬

(¬1) بَعْدَ عِبَارَةِ " أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ " تُوجَدُ وَرَقَةٌ نَاقِصَةٌ مِنْ نُسْخَةِ (ر) . وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبَى الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/432 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/153 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابٌ فِي فَضْلِ الْفِقْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/81 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ) ؛ سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/98 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ وَالْعَالِمِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/196. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/302. وَلِابْنِ رَجَبٍ رِسَالَةٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ طُبِعَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ.

أَنَّهُ خَلَفَهُ فِي مَالِهِ أَوِ امْرَأَتِهِ أَوْ مُلْكِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ. الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِرْثِ إِرْثُ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا إِرْثُ الْمَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةِ النَّمْلِ: 16] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كَثِيرُونَ غَيْرُ سُلَيْمَانَ، فَلَا يُخْتَصُّ سُلَيْمَانُ بِمَالِهِ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ وَرِثَ مَالَهُ صِفَةَ مَدْحٍ، لَا لِدَاوُدَ وَلَا لِسُلَيْمَانَ، فَإِنَّ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ يَرِثُ أَبَاهُ مَالَهُ (¬1) ، وَالْآيَةُ سِيقَتْ فِي بَيَانِ الْمَدْحِ لِسُلَيْمَانَ، وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النِّعْمَةِ. وَأَيْضًا فَإِرْثُ الْمَالِ هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ النَّاسِ، كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَدَفْنِ الْمَيِّتِ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَصُّ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (¬2) ، وَإِنَّمَا يُقَصُّ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ وَفَائِدَةٌ تُسْتَفَادُ، وَإِلَّا فَقَوْلُ الْقَائِلِ: " مَاتَ فُلَانٌ وَوَرِثَ ابْنُهُ مَالَهُ " (¬3) مِثْلُ قَوْلِهِ: " وَدَفَنُوهُ " وَمِثْلُ قَوْلِهِ: " أَكَلُوا وَشَرِبُوا وَنَامُوا " (¬4) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَصَصِ الْقُرْآنِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ [عَنْ زَكَرِيَّا] (¬5) : {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 6] : [لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إِرْثَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ شَيْئًا مِنْ] (¬6) ¬

(¬1) ن، م: يَرِثُ ابْنُهُ مَالَهُ؛ و: يَرِثُ أَبَاهُ ابْنُهُ مَالَهُ. (¬2) عِبَارَةُ " إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: وَوَرِثَ مَالَهُ ابْنُهُ. (¬4) أ، ب: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَنَامُوا. (¬5) عَنْ زَكَرِيَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (و) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. و " شَيْئًا مِنْ " فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ.

أَمْوَالِهِمْ بَلْ إِنَّمَا يَرِثُهُمْ ذَلِكَ أَوْلَادُهُمْ وَسَائِرُ وَرَثَتِهِمْ لَوْ وَرِثُوا؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَطْلُبُ (¬1) وَلَدًا لِيَرِثَ مَالَهُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ يُورَثُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَنْتَقِلَ الْمَالُ إِلَى غَيْرِهِ: سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا أَوْ غَيْرَهُ، فَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ بِالْوَلَدِ أَنْ يَرِثَ مَالَهُ، كَانَ مَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الْوَلَدِ (¬2) . وَهَذَا لَا يَقْصِدُهُ أَعْظَمُ النَّاسِ بُخْلًا وَشُحًّا عَلَى مَنْ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ الْمَالُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا وَقَصَدَ إِعْطَاءَهُ دُونَ غَيْرِهِ، لَكَانَ الْمَقْصُودُ إِعْطَاءَ الْوَلَدِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْوَلَدِ إِلَّا أَنْ يَجُوزَ (¬3) الْمَالَ دُونَ غَيْرِهِ، كَانَ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَأْخُذَ أُولَئِكَ الْمَالَ، وَقُصِدَ الْوَلَدُ بِالْقَصْدِ الثَّانِي، وَهَذَا يُقَبَّحُ (¬4) مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عَقْلًا وَدِينًا. وَأَيْضًا فَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعْرَفْ (¬5) لَهُ مَالٌ، بَلْ كَانَ نَجَّارًا. وَيَحْيَى ابْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَزْهَدِ النَّاسِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [سُورَةِ مَرْيَمَ: 5] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَأْخُذُوا (¬6) مَالَهُ [مِنْ بَعْدِهِ] (¬7) إِذَا مَاتَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُخَوِّفٍ (¬8) . ¬

(¬1) أ، ب: وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْلُبُ. . (¬2) أ، ب: أَحَدٌ غَيْرُهُ؛ ن، م: أَحَدٌ عَنِ الْوَلَدِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) أ، ب: يُحْرِزُ. (¬4) أ: وَهُوَ قُبْحٌ؛ ب: قَبِيحٌ. (¬5) ن، م: لَمْ يُعْلَمْ. (¬6) أ، ب: أَنْ يَأْخُذَ. (¬7) مِنْ بَعْدِهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: بِمُخَوِّفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

كلام الرافضي على منع فاطمة من إرث فدك

[كلام الرافضي على منع فاطمة من إرث فدك] فَصْلٌ. (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَلَمَّا ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ أَبَاهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَهَا فَدَكَ (¬3) قَالَ [لَهَا] (¬4) : هَاتِ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ يَشْهَدُ (¬5) لَكِ بِذَلِكَ، فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ (¬6) ، فَشَهِدَتْ لَهَا بِذَلِكَ، فَقَالَ: امْرَأَةٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا. وَقَدْ رَوَوْا جَمِيعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (¬7) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أُمُّ أَيْمَنَ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَجَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (¬8) فَشَهِدَ لَهَا بِذَلِكَ، فَقَالَ: هَذَا بَعْلُكِ يَجُرُّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَلَا نَحْكُمُ (¬9) بِشَهَادَتِهِ لَكِ، وَقَدْ رَوَوْا جَمِيعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ مَعَهُ (¬10) يَدُورُ [مَعَهُ] (¬11) حَيْثُ دَارَ لَنْ (¬12) يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا ¬

(¬1) ر، ص، هـ: الْفَصْلُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ. (¬2) فِي (ك) ص [0 - 9] 10 (م) . (¬3) ك: وَلَمَّا ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَهَبَهَا فَدَكًا. (¬4) لَهَا: فِي (أ) ، (ك) . وَفِي (ب) : قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَهَا. 1 (¬5) ك: لِيَشْهَدَ. 1 (¬6) ن، م، هـ، ص: أُمُّ أَيْمَنَ. 1 (¬7) عِنْدَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ تَعُودُ نُسْخَةُ (ر) . (¬8) ك: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬9) وَلَا نَحْكُمُ: كَذَا فِي (ب) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَا يُحْكَمُ. (¬10) مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. 1 (¬11) مَعَهُ: فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ. 1 (¬12) لَنْ: كَذَا فِي (و) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَنْ.

السَّلَامُ - (¬1) عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصَرَفَتْ (¬2) ، وَحَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ وَلَا صَاحِبَهُ (¬3) حَتَّى تَلْقَى أَبَاهَا وَتَشْكُوَ إِلَيْهِ (¬4) ، فَلَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ أَوْصَتْ عَلِيًّا أَنْ يَدْفِنَهَا لَيْلًا (¬5) وَلَا يَدَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ يُصَلِّي عَلَيْهَا، وَقَدْ رَوَوْا جَمِيعًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا فَاطِمَةُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ وَيَرْضَى لِرِضَاكِ. وَرَوَوْا (¬6) جَمِيعًا [أَنَّهُ قَالَ] (¬7) : «فَاطِمَةُ (¬8) . بِضْعَةٌ مِنِّي، مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي، فَقَدَ آذَى اللَّهَ» . وَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ صَحِيحًا (¬9) حَقًّا لَمَا جَازَ لَهُ تَرْكُ الْبَغْلَةِ الَّتِي خَلَّفَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَيْفِهِ وَعِمَامَتِهِ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، وَلَمَا (¬10) حَكَمَ لَهُ بِهَا لَمَّا ادَّعَاهَا الْعَبَّاسُ، وَلَكَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ الَّذِينَ طَهَّرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنَ الرِّجْسِ مُرْتَكِبِينَ مَا لَا يَجُوزُ (¬11) ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ مُحَرَّمَةٌ. وَبَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ إِلَيْهِ (¬12) مَالُ الْبَحْرَيْنِ وَعِنْدَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ ¬

(¬1) عَلَيْهَا السَّلَامُ: فِي (م) ، (ك) فَقَطْ. (¬2) ب: فَانْصَرَفَتْ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (أ) . (¬3) ك (فَقَطْ) : وَلَا تُصَاحِبُهُ. (¬4) ن، م: وَتَشْكُوَ إِلَيْهِ خَصْمَهَا. (¬5) م: أَنْ لَا يَدْفِنَهَا إِلَّا لَيْلًا. (¬6) أ، ب: وَقَدْ رَوَوْا. (¬7) أَنَّهُ قَالَ: فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ. (¬8) فَاطِمَةُ: كَذَا فِي (ب) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِنَّ فَاطِمَةَ (¬9) صَحِيحًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬10) أ، ب: لَمَا. (¬11) ك: مَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ. (¬12) أ، ب، ن، م، و، ص، هـ: جَاءَ إِلَيْهِمْ؛ ك: جَاءَهُ.

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي: إِذَا أَتَى مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَثَوْتُ (¬1) لَكَ، ثُمَّ حَثَوْتُ لَكَ، [ثَلَاثًا] (¬2) ، فَقَالَ لَهُ: تَقَدَّمْ فَخُذْ بِعَدَدِهَا (¬3) ، فَأَخَذَ [مِنْ بَيْتِ] (¬4) مَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ " (¬5) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ وَالْكَلَامِ الْفَاسِدِ مَا لَا يَكَادُ يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةٍ، وَلَكِنْ سَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوهًا [إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] (¬6) . أَحَدُهَا: أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ ادِّعَاءِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَدَكَ فَإِنَّ هَذَا يُنَاقِضُ كَوْنَهَا (¬7) مِيرَاثًا لَهَا، فَإِنْ كَانَ طَلَبُهَا (¬8) بِطْرِيقِ الْإِرْثِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ بِطْرِيقِ الْهِبَةِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ هِبَةً فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ، إِنْ كَانَ يُورَثُ كَمَا يُورَثُ غَيْرُهُ، أَنْ يُوصَى لِوَارِثٍ أَوْ يَخُصُّهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِي صِحَّتِهِ (¬9) فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ هِبَةً مَقْبُوضَةً، وَإِلَّا فَإِذَا وَهَبَ الْوَاهِبُ بِكَلَامِهِ (¬10) وَلَمْ يَقْبِضِ الْمَوْهُوبُ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ (¬11) ¬

(¬1) ك: حَبَوْتُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب: ثُمَّ حَثَوْتُ لَكَ ثَلَاثًا. وَسَقَطَتْ " ثَلَاثًا " مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ إِلَّا (ب) ، (ك) . (¬3) بِعَدَدِهَا: كَذَا فِي (ب) ، (ك) ، (ر) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَعْدَهَا. (¬4) مِنْ بَيْتِ: فِي (ب) ، (ك) فَقَطْ. (¬5) ك: بَلْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. (¬6) ن، م: وَلَكِنْ نَذْكُرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ؛ هـ، ص، و: وَلَكِنْ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوهًا. (¬7) أ، ب: كَوْنَهُ. (¬8) ن، و: فَإِنْ كَانَتْ طَلَبَتْهَا. (¬9) ن، م، هـ: فِي صِحَّةٍ. (¬10) أ، ب: بِكَلَامٍ. (¬11) الْوَاهِبُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .

كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، فَكَيْفَ يَهِبُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَكَ لِفَاطِمَةَ وَلَا يَكُونُ هَذَا أَمْرًا مَعْرُوفًا (¬1) عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَالْمُسْلِمِينَ، حَتَّى تُخَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ أُمُّ أَيْمَنَ أَوْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؟ . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ادِّعَاءَ فَاطِمَةَ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ (¬2) ، [وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسُ بْنُ سُرَيْجٍ (¬3) فِي الْكِتَابِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى عِيسَى بْنِ أَبَانَ (¬4) لَمَّا تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي بَابِ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ، وَاحْتَجَّ بِمَا احْتَجَّ، وَأَجَابَ عَمَّا عَارَضَ بِهِ عِيسَى بْنَ أَبَانَ، قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ الْبُحْتُرِيِّ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ: أَنَّ فَاطِمَةَ ذَكَرَتْ لِأَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا فَدَكَ، وَأَنَّهَا جَاءَتْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، فَقَالَ: رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ، وَامْرَأَةٌ مَعَ امْرَأَةٍ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعْجَبَ هَذَا! ! قَدْ سَأَلَتْ فَاطِمَةُ أَبَا بَكْرٍ (¬5) مِيرَاثَهَا وَأَخْبَرَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا نُورَثُ» ، وَمَا ¬

(¬1) أ، ب: مَشْهُورًا. (¬2) أ، ب: كَذِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي ادِّعَائِهَا ذَلِكَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ بَيَاضٌ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مَا عَدَا نُسْخَةَ (ب) فَلَيْسَ فِيهَا بَيَاضٌ وَلَكِنْ سَقَطَ الْكَلَامُ التَّالِي، وَفِي (م) : " بَيَاضٌ فِي الْأُمِّ كَثِيرٌ ". وَالْمَلَاكُ التَّالِي فِي نُسْخَةِ (و) فَقَطْ. (¬3) أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ الْبَغْدَادِيُّ، فَقِيهٌ شَافِعِيٌّ، وُلِدَ سَنَةَ 249 وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 306. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/21، 39؛ وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 1/49 51؛ سِزْكِينَ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 199؛ الْأَعْلَامِ 1/178 179. (¬4) أَبُو مُوسَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ بْنِ صَدَقَةَ، قَاضٍ مِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ 221. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْجَوَاهِرِ الْمُضِيئَةِ 1/401 - 402؛ تَارِيخِ بَغْدَادَ 11/157 160؛ الْأَعْلَامِ 5/283؛ سِزْكِينَ م 1 ج [0 - 9] ص 80، 81. (¬5) بَعْدَ كَلِمَةِ فَاطِمَةَ تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى هَامِشِ (و) وَلَمْ تَظْهَرِ الْكَلِمَاتُ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ.

حُكِيَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ فَاطِمَةَ ادَّعَتْهَا بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا شَهِدَ بِذَلِكَ. وَلَقَدْ رَوَى جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ فِي فَدَكَ: " إِنْ فَاطِمَةَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا وَيَعُودُ عَلَى ضَعَفَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَيُزَوِّجُ مِنْهُ أَيِّمَهُمْ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ حَيَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَ صَدَقَةٍ وَقَبِلَتْ فَاطِمَةُ الْحَقَّ (¬1) ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي رَدَدْتُهَا إِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (¬2) . وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ادَّعَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ (و) بَعْدَ عِبَارَةِ " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ، وَلَمْ تَظْهَرِ الْكَلِمَاتُ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ: آمِرًا صَرْفَهُ فَاطِمَةَ الْحَقَّ، وَهِيَ عِبَارَةٌ مُحَرَّفَةٌ، وَلَعَلَّ مَا أُثْبِتُهُ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ. (¬2) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " سِيرَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ " ص 109 110، ط. الْمُؤَيَّدِ، الْقَاهِرَةِ 1331/1921 قِصَّةَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ أَرْضِ فَدَكَ الَّتِي وَرِثَهَا عَنْ أَبِيهِ وَكَيْفَ رَدَّهَا إِلَى الصَّدَقَةِ. وَأَوَّلُ الْخَبَرِ: قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ (بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ) أَنَّ عُمَرَ نَظَرَ فِي مَزَارِعِهِ. . . . وَبَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ فَدَكَ. قَالَ: فَحَدَّثْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ فَدَكُ فَيْئًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَكَانَتْ لِابْنِ السَّبِيلِ، فَسَأَلَتْهُ ابْنَتُهُ إِيَّاهَا فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَهَا، فَوَلِيَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَكَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ. . . فَلَمَّا وَلِيَ مَرْوَانُ الْمَدِينَةَ الْمَرَّةَ الْأَخِيرَةَ رَدَّهَا عَلَيْهِ، فَأَعْطَى عَبْدَ الْمَلِكِ نِصْفَهُمَا وَعَبْدَ الْعَزِيزِ نِصْفَهُمَا، فَوَهَبَ عَبْدُ الْعَزِيزِ حَقَّهُ لِعُمَرَ وَلَدِهِ. . . فَلَقَدْ وَلِيَ عُمَرُ الْخِلَافَةَ وَمَا يَقُومُ بِهِ وَبِعِيَالِهِ إِلَّا وَهِيَ تُغَلُّ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةَ آلَافٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَسَأَلَ عَنْهَا فَحَصَ فَأُخْبِرَ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهَا. . . فَكَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ كِتَابًا يَقُولُ فِيهِ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمْرِ فَدَكَ، فَإِذَا هُوَ لَا يَصْلُحُ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَاقْبِضْهَا وَوَلِّهَا رَجُلًا يَقُومُ فِيهَا بِالْحَقِّ.

أَعْطَاهَا إِيَّاهَا فِي حَدِيثٍ ثَابِتٍ مُتَّصِلٍ، وَلَا أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ لَهَا. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَحُكِيَ؛ لِأَنَّهَا خُصُومَةٌ وَأَمْرٌ ظَاهِرٌ تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ وَتَحَادَثَتْ فِيهِ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا فَاطِمَةَ وَلَا سَمِعْتُ فَاطِمَةَ تَدَّعِيهَا حَتَّى جَاءَ الْبُحْتُرِيُّ بْنُ حَسَّانٍ يَحْكِي عَنْ زَيْدٍ شَيْئًا لَا نَدْرِي مَا أَصْلُهُ، وَلَا مَنْ جَاءَ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْعِلْمِ: فَضْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنِ الْبُحْتُرِيِّ عَنْ زَيْدٍ، وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْكِتَابِ أَنْ يَكُفَّ عَنْ بَعْضِ هَذَا الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ، وَكَانَ الْحَدِيثُ قَدْ حَسُنَ بِقَوْلِ زَيْدٍ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَضَيْتُ بِمَا قَضَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ. وَهَذَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا عَلَى فَاطِمَةَ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ، وَلَوْ لَمْ تُجْرَ فِيهِ الْمُنَاظَرَةُ وَيَأْتِ فِيهَا الرِّوَايَةُ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَتْ؟ وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِخِلَافِهِ، إِنَّ هَذَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَنَحْوِ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَدَّةِ، وَأَنَّهُ مَتَى بَلَغَهُ الْخَبَرُ رَجَعَ إِلَيْهِ. وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ لَمْ تَقُلْ: إِنِّي أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِي فَمُنِعَتْ. وَلَمْ يَقُلْ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي لَا أَرَى الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ. قَالُوا: وَهَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَرْوِي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ (¬1) ، قَالَ (¬2) : كَانَ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ عُمَرُ أَنْ قَالَ: كَانَتْ ¬

(¬1) تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 10/10 11 وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْهُ: " مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرٍ ". (¬2) أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ 3/195 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي صَفَايَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَسَنَدُهُ فِيهِ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ح، وَثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ح، وَثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ. . .

لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثُ صَفَايَا: بَنُو النَّضِيرِ (¬1) ، وَخَيْبَرُ، وَفْدَكُ. فَأَمَّا بَنُو النَّضِيرِ فَكَانَتْ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ. وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ حَبْسًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْأَيْنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَجُزْءًا نَفَقَةً لِأَهْلِهِ، فَمَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَعَلَهُ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ جُزْأَيْنِ. وَرَوَى اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (¬2) أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ (¬3) وَفَدَكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ» ، وَإِنِّي وَاللَّهِ (¬4) لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: بَنِي النَّضِيرِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ. (¬2) الرِّوَايَةُ التَّالِيَةُ مُوَافِقَةٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/20 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ. . .) . وَسَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ. . (¬3) فِي الْبُخَارِيِّ: فِيمَا (وَفِي رِوَايَةٍ: مِمَّا) أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطْلُبُ صَدَقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي بِالْمَدِينَةِ. . (¬4) فِي الْبُخَارِيِّ: مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، يَعْنِي مَالَ اللَّهِ، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ. . .

(¬1) ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا (¬2) . وَرَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ. «قَالَ: وَفَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَئِذٍ تَطْلُبُ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ» ، يَعْنِي مَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَالِ. وَرَوَاهُ صَالِحٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِيهِ (¬3) : فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ. فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَغَلَبَ عَلِيٌّ عَلَيْهَا. وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكُ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ، وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ ¬

(¬1) فِي الْبُخَارِيِّ: شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ (وَفِي رِوَايَةٍ: رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬2) فِي الْبُخَارِيِّ: بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ. وَذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَقَّهُمْ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. (¬3) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي: مُسْلِمٍ 3/1381 1382 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/196 197 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي صَفَايَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ (¬1) ، وَأَمْرُهَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ. قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِيهَا مَا يُبَيِّنُ أَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - طَلَبَتْ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا كَانَتْ تَعْرِفُ مِنَ الْمَوَارِيثِ، فَأُخْبِرَتْ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَسَلَّمَتْ وَرَجَعَتْ، فَكَيْفَ تَطْلُبُهَا مِيرَاثًا وَهِيَ تَدَّعِيهَا مِلْكًا بِالْعَطِيَّةِ؟ هَذَا مَا لَا مَعْنًى فِيهِ. وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْكِتَابِ أَنْ يَتَدَبَّرَ، وَلَا نَحْتَجُّ بِمَا يُوجَدُ فِي الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ لِرَدِّهِ وَإِبَانَةِ الْغَلَطِ فِيهِ (¬2) ، وَلَكِنْ حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِفَاطِمَةَ وَقَدْ قَرَأَتْ عَلَيْهِ إِنِّي أَقْرَأُ مِثْلَ مَا قَرَأْتِ (¬3) وَلَا يَبْلُغَنَّ عِلْمِي أَنْ يَكُونَ قَالَهُ كُلَّهُ. قَالَتْ فَاطِمَةُ: هُوَ لَكَ وَلِقَرَابَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْتِ عِنْدِي مُصَدَّقَةٌ أَمِينَةٌ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ إِلَيْكِ فِي هَذَا، أَوْ وَعَدَكِ فِيهِ مَوْعِدًا أَوْ أَوْجَبَهُ لَكُمْ حَقًّا صَدَّقْتُكِ. فَقَالَتْ: لَا غَيْرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: " أَبْشِرُوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ وَقَدْ جَاءَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْغِنَى» ". قَالَ ¬

(¬1) قَالَ مُحَقِّقُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " تَعْرُوهُ: مَعْنَاهَا مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ. وَيُقَالُ: عَرَوْتُهُ وَاعْتَرَرْتُهُ إِذَا أَتَيْتَهُ تَطْلُبُ مِنْهُ. وَنَوَائِبُهُ: النَّوَائِبُ مَا يَنُوبُ الْإِنْسَانُ، أَيْ يَنْزِلُ بِهِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ وَالْحَوَادِثِ ". (¬2) فِي الْأَصْلِ: رَدَّهُ وَأَبَانَهُ لِلْغَلَطِ فِيهِ. (¬3) فِي الْأَصْلِ: مِثْلَ قَرَأْتِ.

أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقْتِ، فَلَكُمُ الْفَيْءُ، وَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمِي بِتَأْوِيلِ هَذِهِ أَنْ أَسْتَلِمَ هَذَا السَّهْمَ كُلَّهُ كَامِلًا إِلَيْكُمْ، وَلَكُمُ الْفَيْءُ (¬1) الَّذِي يَسَعُكُمْ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَقْبَلُ قَوْلَهَا، فَكَيْفَ يَرُدُّهُ وَمَعَهُ شَاهِدٌ وَامْرَأَةٌ؟ وَلَكِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ يَجِدُهُ] (¬2) . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُورَثُ فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ أَزْوَاجُهُ وَعَمُّهُ، وَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا رَجُلٍ وَاحِدٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُورَثُ فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا رَجُلٍ وَاحِدٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. نَعَمْ يُحْكَمُ فِي [مِثْلِ] ذَلِكَ (¬3) بِشَهَادَةِ (¬4) وَيَمِينِ الطَّالِبِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ [وَفُقَهَاءِ أَصْحَابِ] الْحَدِيثِ (¬5) . وَشَهَادَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: إِحْدَاهُمَا (¬6) لَا تُقْبَلُ، وَهِيَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِيَةُ: تُقْبَلُ، وَهِيَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ (¬7) . فَعَلَى هَذَا (¬8) لَوْ قُدِّرَ صِحَّةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ (¬9) لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ ¬

(¬1) فِي الْأَصْلِ: الْفَيَا (بِدُونِ نَقْطٍ) . (¬2) هُنَا يَنْتَهِي الْكَلَامُ السَّاقِطُ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَالَّذِي يُوجَدُ فِي نُسْخَةِ (و) فَقَطْ. (¬3) ن، م: يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ. (¬4) ر، هـ، ص، و: بِشَاهِدٍ. (¬5) ن، م: فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْحَدِيثِ؛ أ، ب: فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَفُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. (¬6) إِحْدَاهُمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَحَدُهُمَا. (¬7) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) فَعَلَى هَذَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَعَلَى هَذَا. (¬9) أ، ب: الْقَضِيَّةِ.

بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا امْرَأَةٍ (¬1) وَاحِدَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُهَمْ لَا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الزَّوْجِ (¬2) ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يَحْكُمُ بِشَاهِدٍ (¬3) وَيَمِينٍ، وَمَنْ يَحْكُمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَمْ يَحْكُمْ لِلطَّالِبِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: " فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ فَشَهِدَتْ لَهَا بِذَلِكَ، فَقَالَ: امْرَأَةٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا. وَقَدْ رَوَوْا جَمِيعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أُمُّ أَيْمَنَ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". الْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا احْتِجَاجٌ جَاهِلٌ مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ (¬4) يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجَّ لِنَفْسِهِ فَيَحْتَجَّ عَلَيْهَا، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَوْ قَالَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَالْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَمْثَالُهُمَا لَكَانَ قَدْ قَالَ حَقًّا، فَإِنَّ امْرَأَةً وَاحِدَةً لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْحُكْمِ بِالْمَالِ لِمُدَّعٍ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ إِذَا حُكِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ ! . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَزَعَمَ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ جَمِيعًا، فَهَذَا الْخَبَرُ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْرَفُ عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ (¬5) . وَأُمُّ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَلَا بِامْرَأَةٍ. . (¬2) ن، م: شَهَادَةَ الزُّورِ. (¬3) أ: بِشِهَادٍ، ب: بِشَهَادَةٍ. (¬4) عِبَارَةُ " مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب: وَلَا نَعْرِفُ عَالِمًا مِنَ الْعُلَمَاءِ رَوَاهُ. وَوَجَدْتُ حَدِيثَيْنِ فِي حَقِّ أُمِّ أَيْمَنَ، الْأَوَّلُ هُوَ: (أُمُّ أَيْمَنَ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي) وَضَعَّفَهُ السُّيُوطِيُّ وَالْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/389. وَالثَّانِي " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَتَزَوَّجْ أُمَّ أَيْمَنَ " ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ أَنَّ ابْنَ سَعْدٍ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُقْبَةَ مُرْسَلًا، وَضَعَّفُهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/205. وَأُمُّ أَيْمَنَ اسْمُهَا بَرَكَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِصْنٍ انْظُرْ تَرْجَمَتَهَا فِي " الْإِصَابَةِ " 4/415 417 وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ لَهَا: " يَا أُمَّةُ " وَكَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا يَقُولُ: هَذِهِ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي ".

أَيْمَنَ هِيَ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهِيَ حَاضِنَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، وَلَهَا حَقٌّ وَحُرْمَةٌ (¬1) لَكِنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَكُونُ بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " رَوَوْا جَمِيعًا " لَا يَكُونُ إِلَّا فِي خَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ، فَمَنْ يُنْكِرُ (¬2) حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ لَا يُورَثُ» ، وَقَدْ رَوَاهُ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمْ جَمِيعًا رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ، إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَعْظَمِهِمْ جَحْدًا لِلْحَقِّ. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَهُوَ كَإِخْبَارِهِ عَنْ غَيْرِهَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ قَالَ (¬3) : " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ (¬4) تَحْتَ الشَّجَرَةِ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ ثَابِتٌ عِنْدَ (¬5) أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬6) ، وَحَدِيثُ الشَّهَادَةِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ (¬7) . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَعْرُوفَةُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ يُكَذِّبُونَ مَنْ عُلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ شَهِدَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَيُنْكِرُونَ عَلَيْهِمْ كَوْنَهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا (¬8) شَهَادَةَ امْرَأَةٍ زَعَمُوا أَنَّهُ شَهِدَ لَهَا بِالْجَنَّةِ، فَهَلْ يَكُونُ أَعْظَمُ مِنْ جَهْلِ هَؤُلَاءِ وَعِنَادِهِمْ؟ ! . ¬

(¬1) أ، ب: حَقُّ حُرْمَةٍ. (¬2) أ: يَذْكُرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. 1 (¬3) أ، ب: وَقَالَ. (¬4) أ: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ النَّارَ بَايَعَ؛ ب: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ النَّارَ مِمَّنْ بَايَعَ. (¬5) أ، ب: عَنْ. (¬6) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2/28. (¬7) أ، ب: وَسَعْدِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَمَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 3/501. (¬8) ص: لَا يَقْبَلُونَ.

ثُمَّ يُقَالُ: كَوْنُ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَغْلَطَ فِي الشَّهَادَةِ. وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَتْ خَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ وَعَائِشَةُ وَنَحْوُهُنَّ، مِمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لَكَانَتْ شَهَادَةُ إِحْدَاهُنَّ نِصْفَ شَهَادَةِ رَجُلٍ، كَمَا حَكَمَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ. كَمَا أَنَّ مِيرَاثَ إِحْدَاهُنَّ نِصْفُ مِيرَاثِ رَجُلٍ، وَدِيَتَهَا نِصْفُ دِيَةِ رَجُلٍ (¬1) . وَهَذَا كُلُّهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَوْنُ الْمَرْأَةِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ شَهَادَتِهَا لِجَوَازِ الْغَلَطِ عَلَيْهَا، فَكَيْفَ وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مِمَّنْ يَكْذِبُ وَيَتُوبُ مِنَ الْكَذِبِ ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ . الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " إِنَّ عَلِيًّا شَهِدَ لَهَا فَرَدَّ شَهَادَتَهُ لِكَوْنِهِ زَوْجَهَا " فَهَذَا مَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ (¬2) لَوْ صَحَّ لَيْسَ يَقْدَحُ (¬3) ، إِذْ كَانَتْ شَهَادَةُ الزَّوْجِ مَرْدُودَةً عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (¬4) ، وَمَنْ قَبِلَهَا مِنْهُمْ لَمْ يَقْبَلْهَا حَتَّى يُتِمَّ النِّصَابُ إِمَّا بِرَجُلٍ آخَرَ وَإِمَّا بِامْرَأَةٍ مَعَ امْرَأَةٍ (¬5) ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مَعَ عَدَمِ يَمِينِ الْمُدَّعِي فَهَذَا لَا يُسَوَّغُ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَوْلُهُمْ: إِنَّهُمْ رَوَوْا جَمِيعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ مَعَهُ يَدُورُ (¬6) حَيْثُ دَارَ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ " مِنْ أَعْظَمِ الْكَلَامِ كَذِبًا وَجَهْلًا، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ¬

(¬1) ن، م: نِصْفُ دِيَتِهِ. (¬2) أ: مَعَ كَوْنِهِ كَذِبَ؛ ب: مَعَ كَوْنِهِ كَذِبًا. (¬3) أ، ب: لَمْ يَقْدَحْ. (¬4) ن، م: عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (¬5) ن، م: وَإِمَّا بِامْرَأَتَيْنِ. (¬6) ب (فَقَطْ) : يَدُورُ مَعَهُ.

ضَعِيفٍ (¬1) . فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُمْ جَمِيعًا رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ؟ وَهَلْ يَكُونُ أَكْذَبُ مِمَّنْ يُرْوَى عَنِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ (¬2) أَنَّهُمْ رَوَوْا حَدِيثًا، وَالْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ عَنْ وَاحِدٍ (¬3) مِنْهُمْ أَصْلًا؟ بَلْ هَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ. وَلَوْ قِيلَ: رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، وَكَانَ يُمْكِنُ صِحَّتُهُ لَكَانَ مُمْكِنًا، فَكَيْفَ (¬4) وَهُوَ كَذِبٌ قَطْعًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ! . بِخِلَافِ إِخْبَارِهِ أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ فِي الْجَنَّةِ، فَهَذَا يُمْكِنُ أَنَّهُ قَالَهُ، فَإِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، فَإِخْبَارُهُ أَنَّهَا فِي الْجَنَّةِ لَا يُنْكَرُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (¬5) أَنَّهُ مَعَ الْحَقِّ [وَأَنَّ الْحَقَّ] (¬6) يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ (¬7) لَنْ (¬8) يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ؛ فَإِنَّهُ كَلَامٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الْحَوْضَ إِنَّمَا يَرِدُهُ (¬9) عَلَيْهِ أَشْخَاصٌ، كَمَا قَالَ لِلْأَنْصَارِ: ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ لَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَا فِي كُتُبِ الْمَوْضُوعَاتِ. (¬2) ن:. . . وَالْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ. (¬3) أ، ب: عَنْ أَحَدٍ. (¬4) فَكَيْفَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ر، هـ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ؛ ص: بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. (¬6) عِبَارَةُ " وَإِنَّ الْحَقَّ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، ب: حَيْثُ دَارَ. (¬8) ب (فَقَطْ) : وَلَنْ. (¬9) ن (فَقَطْ) : يَرُدُّ.

" «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» " (¬1) وَقَالَ: " «إِنَّ حَوْضِي لَأَبْعَدُ مَا (¬2) بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى عَدَنَ، وَإِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ وُرُودًا فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الشُّعَثُ رُءُوسًا الدُّنْسُ ثِيَابًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ (¬3) السُّدَدِ، يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لَا يَجِدُ لَهَا قَضَاءً» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ (¬4) . وَأَمَّا الْحَقُّ فَلَيْسَ مِنَ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ يَرِدُونَ الْحَوْضَ. وَقَدْ رُوِيَ [أَنَّهُ قَالَ] (¬5) : " «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ (¬6) ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/33 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1474 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عِنْدَ ظُلْمِ الْوُلَاةِ وَاسْتِئْثَارِهِمْ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/57، 166، 171، 4/42، 292. (¬2) ن، و، ص: مِمَّا. (¬3) أَبْوَابُ: لَيْسَتْ فِي (ب) فَقَطْ. (¬4) لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا عَنْ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ أَرْقَامَ 4/47، 48 (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَوَانِي الْحَوْضِ) ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ: " حَوْضِي مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَكْوَابُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا. أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ الشُّعْثُ رُءُوسًا، الدُّنْسُ ثِيَابًا، الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ وَلَا يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ عَنِ الْحَوْضِ فِي مُسْلِمٍ 4/1799 1800 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ إِثْبَاتِ حَوْضِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِفَاتِهِ) فَإِنَّ أَلْفَاظَهُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَتَّفِقُ مَعَهُ إِلَّا فِي أَلْفَاظٍ قَلِيلَةٍ. (¬5) أَنَّهُ قَالَ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: لَنْ.

يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» (¬1) ". فَهُوَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَفِيهِ كَلَامٌ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ [إِنْ شَاءَ اللَّهُ] (¬2) . وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ ثَوَابَ الْقُرْآنِ. أَمَّا الْحَقُّ الَّذِي يَدُورُ مَعَ شَخْصٍ (¬3) وَيَدُورُ الشَّخْصُ مَعَهُ فَهُوَ صِفَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ لَا يَتَعَدَّاهُ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صِدْقٌ وَعَمَلَهُ صَالِحٌ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَكُونُ (¬4) مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ. وَأَيْضًا فَالْحَقُّ لَا يَدُورُ مَعَ شَخْصٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ دَارَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ حَيْثُمَا دَارَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُمْ مِنْ جَهْلِهِمْ يَدَّعُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَوْلَى بِالْعِصْمَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ (¬5) ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ، عُلِمَ كَذِبُهُمْ، وَفَتَاوِيهِ مِنْ جِنْسِ فَتَاوِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ (¬6) لَيْسَ هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهُمْ، وَلَا فِي أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمَرْجُوحَةِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي قَوْلِهِ (¬7) ، وَلَا كَانَ ثَنَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِضَاهُ عَنْهُ بِأَعْظَمَ مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَزِيَادِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/328 329، (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/14، 17، 26، 59، 5/181 182، 189، 190. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ". (¬2) إِنْ شَاءَ اللَّهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ب (فَقَطْ) : الشَّخْصِ. (¬4) أ، ب: لَمْ يَكُنْ. (¬5) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (هـ) . (¬6) (66) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ: مِمَّا قَالُوهُ؛ ب: مِمَّا قَالَهُ.

وَرِضَائِهِ عَنْهُمْ (¬1) ، بَلْ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَتَبَ عَلَى عُثْمَانَ فِي شَيْءٍ، وَقَدْ عَتَبَ عَلَى عَلِيٍّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَمَّا أَبْعَدَ، فَإِنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ (¬2) . (¬3) «اشْتَكَتْهُ (¬4) فَاطِمَةُ لِأَبِيهَا وَقَالَتْ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، فَقَامَ [رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬5) خَطِيبًا وَقَالَ: " إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُزَوِّجُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنِّي لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي [يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا» ] (¬6) وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا " ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَقَالَ: " حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِي " وَالْحَدِيثُ (¬7) ثَابِتٌ صَحِيحٌ أَخْرَجْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬8) لَمَّا طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ لَيْلًا، فَقَالَ: " أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ " فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْطَلَقَ وَهُوَ يَضْرِبُ فَخْذَهُ وَيَقُولُ: " {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} " (¬9) . وَأَمَّا الْفَتَاوِي فَقَدْ أَفْتَى بِأَنَّ (¬10) الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ (¬11) تَعْتَدُّ ¬

(¬1) وَرِضَائِهِ عَنْهُمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: رِضَاهُ عَنْهُمْ. (¬2) ن: (فَقَطْ) بِابْنَةِ (¬3) أَبِي جَهْلٍ (¬4) ر: اشْتَكَتْ؛ ب: وَاشْتَكَتْهُ. (¬5) (44) : زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) . (¬6) يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ص) : مَا أَرَابَهَا. (¬7) أ: وَحَدِيثٌ؛ ب: هُوَ حَدِيثٌ. (¬8) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 145. (¬9) فِي الصَّحِيحَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬10) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2/85. (¬11) أ، ب: أَنْ. (11) وَهَى حَامِلٌ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْحَامِلُ.

أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، وَهَذِهِ الْفُتْيَا كَانَ قَدْ أَفْتَى بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بِعْكَكٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، «فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ» " (¬1) وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. ثُمَّ بِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ فَاطِمَةَ أَمْرٌ لَا يَلِيقُ بِهَا، وَلَا يَحْتَجُّ بِذَلِكَ إِلَّا رَجُلٌ جَاهِلٌ يَحْسَبُ أَنَّهُ يَمْدَحُهَا وَهُوَ يَجْرَحُهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ (¬2) مَا يُوجِبُ الْغَضَبَ عَلَيْهِ؛ إِذْ لَمْ يَحْكُمْ - لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا - إِلَّا بِالْحَقِّ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ. وَمَنْ طَلَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَغَضِبَ (¬3) وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ الْحَاكِمَ، وَلَا صَاحِبَ الْحَاكِمِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يُحْمَدُ عَلَيْهِ (¬4) وَلَا مِمَّا يُذَمُّ بِهِ الْحَاكِمُ، بَلْ هَذَا إِلَى أَنْ يَكُونَ جُرْحًا أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَدْحًا. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَا يُحْكَى عَنْ فَاطِمَةَ ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا اللَّفْظَ. وَقِصَّةُ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ وَهَى حَامِلٌ وَلَمَّا وَضَعَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ وَلَكِنْ أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ أَفْتَاهَا بِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى يَمُرَّ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْتَاهَا بِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ حِينَ وَضَعَتْ حَمْلَهَا وَأَمَرَهَا بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لَهَا. وَالْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَرْقَمِ عَنْ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ - رِضَى اللَّهِ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/80 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ بَابٌ رَقْمُ 10) ؛ مُسْلِمٍ 2/1122 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/332 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَضَعُ) . وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 4/96 أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِسُبَيْعَةَ حِينَ أَتَتْهُ: " بَلَى وَلَوْ رَغَمَ أَنْفُ أَبِي السَّنَابِلِ ". (¬2) أ، ب، و: وَذَكَرَ. (¬3) ب (فَقَطْ) وَرَسُولِهِ فَامْتَنَعَ فَغَضِبَ. . . وَالْمَعْنَى: فَامْتَنَعَ الْحَاكِمُ فَغَضِبَ. . . الْخَ. (¬4) ن، م: مِمَّا يَحْمَدُهُ عَلَيْهِ.

وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْقَوَادِحِ كَثِيرٌ مِنْهَا كَذِبٌ وَبَعْضُهَا كَانُوا فِيهِ مُتَأَوِّلِينَ. وَإِذَا كَانَ بَعْضُهَا ذَنْبًا فَلَيْسَ الْقَوْمُ مَعْصُومِينَ بَلْ هُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَهُمْ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَلِفِهَا أَنَّهَا لَا تُكَلِّمُهُ وَلَا صَاحِبَهُ حَتَّى تَلْقَى أَبَاهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَيْهِ، أَمْرٌ لَا يَلِيقُ أَنْ يُذْكَرَ عَنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؛ فَإِنَّ الشَّكْوَى إِنَّمَا تَكُونُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [سُورَةِ يُوسُفَ: 86] ، وَفِي دُعَاءِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَبِكَ الْمُسْتَغَاثُ، وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ. «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عَبَّاسٍ: " إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» " الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4 (كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابٌ رَقْمُ 22) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ". وَأَوَّلُهُ فِيهِ: " «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ» . . . الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ: (ط. الْمَعَارِفِ) 4/233، 269 270 286 287.، وَلَمْ يَقُلْ: سَلْنِي وَلَا اسْتَعِنْ بِي (¬1) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [سُورَةِ الشَّرْحِ: 7، 8] . ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ (¬2) إِذَا طَلَبَتْ مَالًا مِنْ وَلِيِّ أَمْرٍ (¬3) فَلَمْ يُعْطِهَا [إِيَّاهُ] (¬4) لِكَوْنِهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ عِنْدَهُ، وَهُوَ لَمْ (¬5) يَأْخُذْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ لِأَحَدٍ مِنْ ¬

(¬1) ن، م: سَلْنِي وَلَا اسْتَغْفِرْ لِي، أ، ب، هـ: سَلْنِي وَاسْتَعِنْ بِي. (¬2) أ، ب: وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَرْأَةَ. (¬3) أ، ب، ص: وَلِيِّ الْأَمْرِ. (¬4) إِيَّاهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

أَهْلِهِ وَلَا أَصْدِقَائِهِ بَلْ أَعْطَاهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: إِنَّ الطَّالِبَ غَضِبَ عَلَى الْحَاكِمِ - كَانَ غَايَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ غَضِبَ لِكَوْنِهِ لَمْ يُعْطِهِ مَالًا، وَقَالَ (¬1) الْحَاكِمُ: إِنَّهُ لِغَيْرِكَ لَا لَكَ، فَأَيُّ مَدْحٍ لِلطَّالِبِ فِي هَذَا الْغَضَبِ؟ لَوْ كَانَ مَظْلُومًا (¬2) مَحْضًا لَمْ يَكُنْ غَضَبُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا. وَكَيْفَ وَالتُّهْمَةُ عَنِ (¬3) الْحَاكِمِ الَّذِي لَا يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ أَبْعَدُ مِنَ التُّهْمَةِ عَنِ الطَّالِبِ (¬4) الَّذِي يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ تُحَالُ (¬5) التُّهْمَةُ عَلَى مَنْ لَا يَطْلُبُ (¬6) لِنَفْسِهِ مَالًا، وَلَا تُحَالُ عَلَى مَنْ يَطْلُبُ (¬7) لِنَفْسِهِ الْمَالَ؟ . وَذَلِكَ (¬8) الْحَاكِمُ يَقُولُ: إِنَّمَا (¬9) أَمْنَعُ لِلَّهِ لِأَنِّي لَا يَحِلُّ لِي أَنْ آخُذَ الْمَالَ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ فَأَدْفَعَهُ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ، وَالطَّالِبُ يَقُولُ: إِنَّمَا أَغْضَبُ لِحَظِّي الْقَلِيلِ (¬10) مِنَ الْمَالِ. أَلَيْسَ مَنْ يَذْكُرُ [مِثْلَ] (¬11) هَذَا عَنْ فَاطِمَةَ وَيَجْعَلُهُ مِنْ مَنَاقِبِهَا جَاهِلًا؟ . أَوْ لَيْسَ اللَّهُ قَدْ ذَمَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: ¬

(¬1) وَقَالَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: قَالَ. (¬2) ن، م، أ: مَطْلُوبًا. (¬3) أ، ب: عِنْدَ. (¬4) ن، م: أَبْعَدُ مِنْهَا عَنِ الطَّالِبِ؛ ب: أَبْعَدُ مِنَ الْتَهَمَةِ عِنْدَ الطَّالِبِ. (¬5) أ: بِحَالِ. (¬6) أ، ب: مَنْ لَا يَأْخُذُ. (¬7) ن، م: عَلَى مَنْ لَا يَطْلُبُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) أ، ب: وَكَذَلِكَ. (¬9) ن، م: أَنَا. (¬10) ر، هـ، ص، و: لِحَظِّي لِقَلِيلٍ؛ ب: لِحَظٍّ قَلِيلٍ. (¬11) مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ - وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [سُورَةِ التَّوْبَةِ: 58، 59] فَذَكَرَ اللَّهُ (¬1) قَوْمًا رَضُوا إِنْ أُعْطُوا، وَغَضِبُوا إِنْ لَمْ يُعْطُوا، فَذَمَّهُمْ بِذَلِكَ، فَمَنْ مَدَحَ فَاطِمَةَ بِمَا فِيهِ شَبَهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ أَلَّا يَكُونَ (¬2) قَادِحًا فِيهَا؟ فَقَاتَلَ اللَّهُ الرَّافِضَةَ، وَانْتَصَفَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ أَلْصَقُوا بِهِمْ مِنَ الْعُيُوبِ (¬3) وَالشَّيْنِ مَالَا يَخْفَى عَلَى ذِي عَيْنٍ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: فَاطِمَةُ لَا تَطْلُبُ إِلَّا حَقَّهَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَبُو بَكْرٍ لَا يَمْنَعُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا حَقَّهُ فَكَيْفَ يَمْنَعُهُ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ حَقَّهَا؟ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ شَهِدَا لِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يُنْفِقُ مَالَهُ لِلَّهِ، فَكَيْفَ يَمْنَعُ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ؟ وَفَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَدْ طَلَبَتْ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالًا، فَلَمْ يُعْطِهَا إِيَّاهُ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ الْخَادِمِ لَمَّا ذَهَبَتْ فَاطِمَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَلَمْ يُعْطِهَا خَادِمًا وَعَلَّمَهَا التَّسْبِيحَ (¬4) . وَإِذَا جَازَ أَنْ تَطْلُبَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ¬

(¬1) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ: لَا يَكُونُ؛ هـ: أَنْ لَا يَكُونَ؛ ر، ص: إِلَّا أَنْ يَكُونَ؛ ب: أَفَلَا يَكُونُ. (¬3) ب (فَقَطْ) : مِنَ الْعَيْبِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/19 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ؛ مُسْلِمٍ 4/2091 2092 (كِتَابُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، بَابُ التَّسْبِيحِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَعِنْدَ النَّوْمِ) . وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَى فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضْجَعَنَا فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ، فَقَالَ: " عَلِيُّ مَكَانَكُمَا " فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي. وَقَالَ: " أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي: إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ خَادِمٍ ". وَالْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ.

يَمْنَعُهَا [النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬1) إِيَّاهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (¬2) يُعْطِيَهَا إِيَّاهُ (¬3) ، جَازَ أَنْ تَطْلُبَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَعْصُومَةً أَنْ تَطْلُبَ مَا لَا يَجِبُ إِعْطَاؤُهَا إِيَّاهُ. وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا بِتَرْكِهِ (¬4) مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا. فَأَمَّا (¬5) إِذَا قَدَّرْنَا أَنَّ الْإِعْطَاءَ لَيْسَ بِمُبَاحٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى الْمَنْعِ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَنَعَ أَحَدًا حَقَّهُ، وَلَا ظَلَمَ أَحَدًا حَقَّهُ، (¬6) لَا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إِيصَائِهَا أَنْ تُدْفَنَ لَيْلًا وَلَا يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، لَا يَحْكِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ وَيَحْتَجُّ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ جَاهِلٌ يَطْرُقُ عَلَى فَاطِمَةَ مَا لَا يَلِيقُ بِهَا، (¬7) وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ بِالذَّنْبِ الْمَغْفُورِ أَوْلَى مِنْهُ بِالسَّعْيِ الْمَشْكُورِ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ عَلَى غَيْرِهِ زِيَادَةُ خَيْرٍ تَصِلُ إِلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ (¬8) أَفْضَلَ الْخَلْقِ أَنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: وَلَا يَجِبُ أَنْ. . . (¬3) ن (فَقَطْ) : أَنْ يُعْطِيَهَا حَقَّهَا إِيَّاهُ. (¬4) بِتَرْكِهِ: كَذَا فِي (ن) ، (و) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِتَرْكِ. (¬5) أ، ب: أَمَّا. (¬6) (66) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) فِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ ": " طَرَقَ الْكَلَامَ: عَرَضَ لَهُ وَخَاضَ فِيهِ. وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ الَّتِي تُضْرَبُ لِلَّذِي يَخْلِطُ فِي كَلَامِهِ وَيَتَفَنَّنُ فِيهِ قَوْلُهُمُ: اطْرُقِي وَمِيشِي ". (¬8) ن: وَلَا يَضِيرُ.

يُصَلِّيَ عَلَيْهِ شَرُّ الْخَلْقِ، وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَيْهِ [وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ] (¬1) الْأَبْرَارُ وَالْفُجَّارُ بَلْ (¬2) وَالْمُنَافِقُونَ، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ لَمْ يَضُرَّهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِي أُمَّتِهِ مُنَافِقِينَ، وَلَمْ يَنْهَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ عَنِ (¬3) الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، بَلْ أَمَرَ (¬4) النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ فِيهِمُ الْمُؤْمِنَ وَالْمُنَافِقَ، فَكَيْفَ يُذْكَرُ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهَا وَالِاحْتِجَاجِ لَهَا (¬5) مِثْلُ هَذَا الَّذِي لَا يَحْكِيهِ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ (¬6) إِلَّا مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ، وَلَوْ وَصَّى (¬7) مُوصٍ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ لَمْ تُنَفَّذْ وَصِيَّتُهُ، فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ عَلَيْهِ خَيْرٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِنْسَانًا لَوْ ظَلَمَهُ ظَالِمٌ، فَأَوْصَى بِأَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الظَّالِمُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا، وَلَا هَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. فَمَنْ يَقْصِدُ مَدْحَ فَاطِمَةَ وَتَعْظِيمَهَا، كَيْفَ يَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا الَّذِي لَا مَدْحَ فِيهِ، بَلِ الْمَدْحُ فِي خِلَافِهِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؟ ! . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَرَوَوْا جَمِيعًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا فَاطِمَةُ إِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ، وَيَرْضَى لِرِضَاكِ» " فَهَذَا كَذِبٌ مِنْهُ، مَا رَوَوْا (¬8) هَذَا ¬

(¬1) وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) . وَفِي (ص) ، (ر) وَيُسَلِّمُ. (¬2) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م، و: وَلَمْ يَنْهَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَنِ. . . (¬4) أ، ب: بَلْ قَالَ وَأَمَرَ. . . (¬5) ن، م، و: الِاحْتِجَاجِ بِهِ. (¬6) وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَيَحْتَجُّ بِهِ. (¬7) ب (فَقَطْ) : أَوْصَى. (¬8) ن، م: مَا رُوِيَ. .

عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفَةِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ (¬1) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ. وَنَحْنُ إِذَا شَهِدْنَا لِفَاطِمَةَ بِالْجَنَّةِ، وَبِأَنَّ اللَّهَ يَرْضَى عَنْهَا، فَنَحْنُ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ (¬2) وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعِيدٍ (¬3) وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ [بْنِ عَوْفٍ] (¬4) بِذَلِكَ نَشْهَدُ، وَنَشْهَدُ بِأَنَّ (¬5) اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ بِرِضَاهُ عَنْهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سُورَةِ التَّوْبَةِ: 100] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [سُورَةِ الْفَتْحِ: 18] وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَمَنْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَسُولُهُ لَا يَضُرُّهُ غَضَبُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ (¬6) كَائِنًا مَنْ كَانَ، بَلْ مَنْ (¬7) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَضِيَ عَنِ اللَّهِ، يَكُونُ رِضَاهُ مُوَافِقًا لِرِضَا اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ رَاضٍ عَنْهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا يُرْضِي اللَّهَ (¬8) ، وَهُوَ رَاضٍ عَنِ اللَّهِ، فَحُكْمُ اللَّهِ (¬9) مُوَافِقٌ لِرِضَاهُ، ¬

(¬1) أ، ب: وَلَا الْإِسْنَادُ مَعْرُوفٌ. (¬2) وَعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) وَسَعِيدٍ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَسَعْدٍ. وَالْمَقْصُودُ بِالْأَوَّلِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَبِالثَّانِي سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (¬4) بْنِ عَوْفٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) بِذَلِكَ نَشْهَدُ وَنَشْهَدُ بِأَنَّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِذَلِكَ أَشْهَدُ وَأَشْهَدُ لِأَنَّ. (¬6) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ب (فَقَطْ) : وَلِأَنَّ مَنْ. . (¬8) (8 - 8) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬9) أ: وَهُوَ رَاضٍ عَنِ اللَّهِ بِحُكْمِ اللَّهِ. . .؛ ب: فَهُوَ رَاضٍ عَنِ اللَّهِ بِحُكْمِ اللَّهِ. . .

وَإِذَا رَضُوا بِحُكْمِهِ غَضِبُوا لِغَضَبِهِ، فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِغَضَبِ غَيْرِهِ (¬1) لَزِمَ أَنْ يَغْضَبَ لِغَضَبِهِ، فَإِنَّ الْغَضَبَ إِذَا كَانَ مُرْضِيًا لَكَ، فَعَلْتَ مَا هُوَ مُرْضٍ لَكَ، وَكَذَلِكَ الرَّبُّ [تَعَالَى - وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى] (¬2) - إِذَا رَضِيَ عَنْهُمْ غَضِبَ لِغَضَبِهِمْ؛ إِذْ هُوَ رَاضٍ بِغَضَبِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " رَوَوْا جَمِيعًا «أَنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي مَنْ آذَاهَا آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي آذَى اللَّهَ» " فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُرْوَ بِهَذَا اللَّفْظِ، بَلْ [رُوِيَ] بِغَيْرِهِ (¬3) ، كَمَا رُوِيَ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ (¬4) خِطْبَةِ عَلِيٍّ لِابْنَةِ أَبِي جَهْلٍ، لَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَقَالَ: «إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يَنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنِّي لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنِّي أَخَافُ أَنْ تُفْتَنَ (¬5) فِي دِينِهَا " ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَقَالَ (¬6) : " حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِي. وَإِنِّي لَسْتُ أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَا أُحَرِّمُ حَلَالًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا " (¬7) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [فِي الصَّحِيحَيْنِ] (¬8) مِنْ ¬

(¬1) ن، م: مَنْ رَضِيَ بِرِضَا غَيْرِهِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م، و:: بَلْ غَيْرِهِ. (¬4) أ، ب: كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ. . . (¬5) أ، ب: تُفْتَتَنَ. (¬6) فَقَالَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: قَالَ. (¬7) أ، ب: عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا. (¬8) فِي الصَّحِيحَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ سَبَقَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 145. وَرِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ هِيَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِي: مُسْلِمٍ 4/1903 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ فَاطِمَةَ) وَفِيهِ. . أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ. . . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ، فَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: " إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَإِنِّي أَتَخَوَّفُ فِي دِينِهَا ". قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ قَالَ: " حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَأَوْفَى لِي. وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا» ". قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 16/24: " قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ إِيذَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ تَوَلَّدَ ذَلِكَ الْإِيذَاءُ مِمَّا كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا وَهُوَ حَيٌّ، وَهَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ. قَالُوا: وَقَدْ أَعْلَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ لِعَلِيٍّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا ". وَلَكِنْ نَهَى عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِعِلَّتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَذَى فَاطِمَةَ. فَيَتَأَذَّى حِينَئِذٍ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَيَهْلِكُ مَنْ آذَاهُ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى عَلِيٍّ وَعَلَى فَاطِمَةَ. وَالثَّانِيَةُ: خَوْفُ الْفِتْنَةِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْغَيْرَةِ. . وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: تَحْرِيمُ جَمْعِهِمَا، وَيَكُونُ مَعْنَى: " «لَا أُحَرِّمُ حَلَالًا» " أَيْ لَا أَقُولُ شَيْئًا يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ، فَإِذَا أَحَلَّ شَيْئًا لَمْ أُحَرِّمْهُ وَإِذَا حَرَّمَهُ لَمْ أُحَلِّلْهُ وَلَمْ أَسْكُتْ عَنْ تَحْرِيمِهِ، لِأَنَّ سُكُوتِي تَحْلِيلٌ لَهُ وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتِ نَبِيِّ اللَّهِ وَبِنْتِ عَدُوِّ اللَّهِ ".، فَسَبَبُ الْحَدِيثِ خِطْبَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِابْنَةِ أَبِي جَهْلٍ، وَالسَّبَبُ دَاخِلٌ فِي اللَّفْظِ قَطْعًا، إِذِ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ (¬1) لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ سَبَبِهِ مِنْهُ (¬2) ، بَلِ السَّبَبُ يَجِبُ دُخُولُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: " «يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» " وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ خِطْبَةَ ابْنَةِ أَبِي جَهْلٍ عَلَيْهَا رَابَهَا وَآذَاهَا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) أ، ب: عَلَى السَّبَبِ. (¬2) ص: عَنْهُ.

رَابَهُ ذَلِكَ وَآذَاهُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا وَعِيدًا (¬1) لَاحِقًا بِفَاعِلِهِ، لَزِمَ أَنْ يَلْحَقَ هَذَا الْوَعِيدُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَعِيدًا لَاحِقًا بِفَاعِلِهِ، كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَبْعَدَ عَنِ الْوَعِيدِ مِنْ عَلِيٍّ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا تَابَ مِنْ تِلْكَ الْخِطْبَةِ وَرَجَعَ عَنْهَا. قِيلَ: فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ. وَإِذَا جَازَ أَنَّ مَنْ رَابَ (¬2) فَاطِمَةَ آذَاهَا، يَذْهَبُ ذَلِكَ بِتَوْبَتِهِ، جَازَ أَنْ يَذْهَبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، فَإِنَّ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الذَّنْبِ تُذْهِبُهُ الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ وَالتَّوْبَةُ وَالْمَصَائِبُ الْمُكَفِّرَةُ. وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ لَيْسَ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ عَلِيٌّ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - قَدِ ارْتَدَّ عَنْ [دِينِ] (¬3) الْإِسْلَامِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَزَّهَ عَلِيًّا مِنْ ذَلِكَ. وَالْخَوَارِجُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُولُوا: إِنَّهُ ارْتَدَّ فِي حَيَاتِهِ، وَمَنِ ارْتَدَّ فَلَا بُدَّ (¬4) أَنْ يَعُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ يَقْتُلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الذَّنْبُ هُوَ مِمَّا دُونَ الشِّرْكِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سُورَةِ النِّسَاءِ: 48] . ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) ، وَعْدًا. (¬2) ص: أَرَابَ. (¬3) دِينِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) ، (و) . (¬4) ب (فَقَطْ) : إِذْ مَنِ ارْتَدَّ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا بُدَّ. .

وَإِنْ قَالُوا بِجَهْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا الذَّنْبَ كُفْرٌ (¬1) لِيُكَفِّرُوا (¬2) بِذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ، لَزِمَهُمْ تَكْفِيرُ عَلِيٍّ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ. وَهُمْ دَائِمًا يَعِيبُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، بَلْ (¬3) وَيُكَفِّرُونَهُمْ بِأُمُورٍ (¬4) قَدْ صَدَرَ مِنْ عَلِيٍّ مَا هُوَ مِثْلُهَا أَوْ أَبْعَدُ عَنِ الْعُذْرِ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ مَأْجُورًا أَوْ مَعْذُورًا فَهُمْ أَوْلَى بِالْأَجْرِ وَالْعُذْرِ، وَإِنْ قِيلَ بِاسْتِلْزَامِ الْأَمْرِ الْأَخَفِّ فِسْقًا أَوْ كُفْرًا، كَانَ اسْتِلْزَامُ الْأَغْلَظِ لِذَلِكَ أَوْلَى. وَأَيْضًا فَيُقَالُ: إِنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إِنَّمَا عَظُمَ أَذَاهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَذَى أَبِيهَا، فَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَذَى أَبِيهَا وَأَذَاهَا (¬5) كَانَ الِاحْتِرَازُ عَنْ أَذَى أَبِيهَا أَوْجَبَ. وَهَذَا حَالُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنَّهُمَا احْتَرَزَا عَنْ (¬6) أَنْ يُؤْذِيَا أَبَاهَا أَوْ يُرِيبَاهُ (¬7) بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ عَهِدَ عَهْدًا وَأَمَرَ بِأَمْرٍ (¬8) ، فَخَافَا إِنْ غَيَّرَا عَهْدَهُ وَأَمْرَهُ أَنْ يَغْضَبَ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَعَهْدِهِ وَيَتَأَذَّى بِذَلِكَ. وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا حَكَمَ بِحُكْمٍ، وَطَلَبَتْ فَاطِمَةُ أَوْ غَيْرُهَا مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْحُكْمَ، كَانَ مُرَاعَاةُ حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى، فَإِنَّ طَاعَتَهُ وَاجِبَةٌ، وَمَعْصِيَتَهُ مُحَرَّمَةٌ، وَمَنْ تَأَذَّى لِطَاعَتِهِ كَانَ مُخْطِئًا فِي ¬

(¬1) ص: إِنَّهُ إِذَا أَذْنَبَ كَفَرَ. (¬2) ن: فَكَفَّرُوا؛ و، م: وَكَفَّرُوا. (¬3) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن (فَقَطْ) : بِالْآخَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م: بَيْنَ أَذَاهَا وَأَذَى أَبِيهَا. (¬6) عَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬7) أ، ب: يُرِيبَانِهِ. (¬8) أ، ب: وَأَمَرَ أَمْرًا.

تَأَذِّيهِ بِذَلِكَ، وَكَانَ الْمُوَافِقُ لِطَاعَتِهِ مُصِيبًا فِي طَاعَتِهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ آذَاهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ (¬1) لَا لِأَجْلِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ تَدَبَّرَ حَالَ أَبِي بَكْرٍ فِي رِعَايَتِهِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ طَاعَةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَمْرًا (¬2) آخَرَ، يُحْكَمُ أَنَّ حَالَهُ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ [وَأَعْلَى] (¬3) مِنْ حَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكِلَاهُمَا سَيِّدٌ كَبِيرٌ مِنْ أَكَابِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ، [وَعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ] (¬4) ، وَمِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَمِنْ أَكَابِرِ الْمُقَرَّبِينَ، الَّذِينَ يَشْرَبُونَ بِالتَّسْنِيمِ. وَلِهَذَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: " وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي " (¬5) . وَقَالَ: " ارْقَبُوا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ بَيْتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ (¬6) . ¬

(¬1) أ: لِغَرَضٍ لِعَيْنِهِ؛ ب: لِغَرَضٍ بِعَيْنِهِ. (¬2) أ، ب، ص، هـ، ر: لَا لِأَمْرٍ. (¬3) وَأَعْلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب، ص، ر: إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصِلَ قَرَابَتِي. وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ جُزْءٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي سَبَقَ إِيرَادُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورَثُ وَأَنَّ مَا تَرَكَهُ صَدَقَةٌ (انْظُرْ هَذَا الْجُزْءَ، ص [0 - 9] 95) . وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/20 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَابُ مَنَاقِبِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ. .) ، 5/90 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ. .) ، 5/139 - 140 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ) . وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى وَانْظُرْ مَا سَبَقَ، ص 195. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبَى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/21 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ مَنَاقِبِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ. .) 5/26 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ. .) .

لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ آذَاهَا، فَلَمْ يُؤْذِهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ، بَلْ لِيُطِيعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُوَصِّلَ الْحَقَّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَلَهُ فِي أَذَاهَا غَرَضٌ، بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ. فَعُلِمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَبْعَدَ أَنْ يُذَمَّ بِأَذَاهَا مِنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ بِمَا لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ عَلِيٍّ؛ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ (¬1) حَظٌّ فِيمَا رَابَهَا بِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهَذَا لَا يُشْبِهُ مَنْ كَانَ مَقْصُودُهُ امْرَأَةً يَتَزَوَّجُهَا (¬2) . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْذِيهِ مَا يُؤْذِي فَاطِمَةَ إِذَا لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ فَعَلَهُ، وَإِنْ تَأَذَّى مَنْ تَأَذَّى مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ فِي حَالِ طَاعَتِهِ لِلَّهِ يُؤْذِيهِ مَا يُعَارِضُ (¬3) طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ كَقَوْلِهِ: " «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» (¬4) ، 16/39 40، 17/107، 18/95؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/467، 471، 511. " ثُمَّ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

(¬1) ن، م: فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ. .، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " يَتَزَوَّجُهَا " يُوجَدُ بَيَاضٌ فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) . وَكُتِبَ فِي هَامِشِ (ر) : " قَالَ فِي هَامِشِ الْأَصْلِ: وُجِدَ فِي الْأَصْلِ هَكَذَا ". وَفِي هَامِشِ (ص) : " بَيَاضٌ فِي الْأَصْلِ ". (¬3) أ: وَهُوَ حَالُ طَاعَةِ اللَّهِ مَا يُؤْذِيهِ مَا يُعَارِضُ. .؛ ب: فَهُوَ فِي حَالِ طَاعَةِ اللَّهِ يُؤْذِيهِ مَا يُعَارِضُ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي سَائِرِ النُّسَخِ إِلَّا أَنَّ فِيهَا. . لَا يُؤْذِيهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) جَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/61 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ. .) ؛ مُسْلِمٍ 3/1465، 1466 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/138 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ) ، 8/243 (كِتَابُ الِاسْتِعَاذَةِ، بَابُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، 2/954 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ طَاعَةِ الْإِمَامِ) ؛ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/52، 173 174، 14

: " «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» (¬1) ". فَإِذَا كَانَتْ طَاعَةُ أُمَرَائِهِ أَطْلَقَهَا وَمُرَادُهُ بِهَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ، فَقَوْلُهُ: " «مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي» " يُحْمَلُ عَلَى الْأَذَى فِي الْمَعْرُوفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ لِأَنَّ طَاعَةَ أُمَرَائِهِ فَرْضٌ، وَضِدَّهَا مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ. وَأَمَّا فِعْلُ مَا يُؤْذِي فَاطِمَةَ فَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَعْصِيَةِ أَمْرِ النَّبِيِّ (¬2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ قَدْ (¬3) فَعَلَ مَا هُوَ أَعْظَمُ (¬4) مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ أُمَرَائِهِ مَعْصِيَتُهُ، وَمَعْصِيَتَهُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ (¬5) . (* ثُمَّ إِذَا عَارَضَ مُعَارِضٌ وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَلِيَّا الْأَمْرِ، وَاللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي (¬6) الْأَمْرِ، وَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَمَعْصِيَتُهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ (¬7) ، *) (¬8) ، فَمَنْ سَخِطَ أَمْرَهُ وَحُكْمَهُ فَقَدْ سَخِطَ أَمْرَ اللَّهِ وَحُكْمَهُ. ثُمَّ أَخَذَ يُشَنِّعُ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَنَّهُمَا رَدَّا أَمْرَ اللَّهِ، وَسَخِطَا حُكْمَهُ، وَكَرِهَا مَا أَرْضَى اللَّهَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يُرْضِيهِ طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ، فَمَنْ كَرِهَ طَاعَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَقَدْ كَرِهَ رِضْوَانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَسْخَطُ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/388. (¬2) أ، ب: أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ. (¬3) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أَعْظَمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ر، و، هـ: مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ. (¬6) ب (فَقَطْ) : وَلِيِّ. (¬7) ن: وَطَاعَتُهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَعْصِيَتُهُ؛ ب: وَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَمَعْصِيَتُهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ. (¬8) (**) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

لِمَعْصِيَتِهِ، وَمَعْصِيَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَعْصِيَتُهُ، فَمَنِ اتَّبَعَ مَعْصِيَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَقَدِ اتَّبَعَ مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهَ رِضْوَانَهُ. وَهَذَا التَّشْنِيعُ (¬1) وَنَحْوُهُ (¬2) عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْجُهٌ مِنْ تَشْنِيعِ الرَّافِضَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ (¬3) النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ (¬4) ، وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ كَثِيرَةٌ، بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَإِنِ اسْتَأْثَرُوا، وَالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ، وَقَالَ: " «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَونِي عَلَى الْحَوْضِ» " (¬5) وَقَالَ: " «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ» (¬6) " وَأَمْثَالَ ذَلِكَ. فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا ظَالِمَيْنِ مُسْتَأْثِرَيْنِ بِالْمَالِ لِأَنْفُسِهِمَا، لَكَانَ (¬7) الْوَاجِبُ مَعَ ذَلِكَ طَاعَتُهُمَا وَالصَّبْرُ عَلَى جَوْرِهِمَا. ثُمَّ لَوْ (¬8) أَخَذَ هَذَا الْقَائِلُ يَقْدَحُ فِي عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَنَحْوِهِمَا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَصْبِرُوا وَلَمْ يَلْزَمُوا الْجَمَاعَةَ، بَلْ جَزَعُوا وَفَرَّقُوا الْجَمَاعَةَ، وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ عَظِيمَةٌ - لَكَانَتْ هَذِهِ الشَّنَاعَةُ أَوْجَهُ مِنْ تَشْنِيعِ ¬

(¬1) وَهَذَا التَّشْنِيعُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ كَانَ هَذَا التَّشْنِيعُ. (¬2) وَنَحْوُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: أَنَّ. (¬4) ن، م: وَلُزُومِ الطَّاعَةِ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 40. (¬6) سَبْقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا فِيمَا مَضَى 1/118 وَنَصُّهُ هُنَاكَ: " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ ". (¬7) أ، ب: كَانَ. (¬8) لَوْ: فِي (ب) فَقَطْ وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ.

الرَّافِضَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا تَقُومُ حُجَّةٌ بِأَنَّهُمَا تَرَكَا وَاجِبًا فِعْلًا مُحَرَّمًا أَصْلًا، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ قَدْ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِنَوْعٍ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْ مِثْلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ. وَمَا يُنَزَّهُ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ إِلَّا وَتَنْزِيهُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْلَى بِكَثِيرٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ شُبْهَةٌ (¬1) بِتَرْكِهِمَا وَاجِبًا أَوْ تَعَدِّيهِمَا حَدًّا، إِلَّا وَالشُّبْهَةُ (¬2) الَّتِي تَقُومُ فِي عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ أَقْوَى وَأَكْبَرُ (¬3) ، فَطَلَبُ الطَّالِبِ مَدْحُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِمَّا بِسَلَامَتِهِمَا مِنَ الذُّنُوبِ، وَإِمَّا بِغُفْرَانِ اللَّهِ لَهُمَا، مَعَ الْقَدْحِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِإِقَامَةِ الذَّنْبِ وَالْمَنْعِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ - مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، وَهُوَ أَجْهَلُ وَأَظْلَمُ مِمَّنْ يُرِيدُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِذَا أَرَادَ مَدْحَ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْقَدَحَ فِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الْوَجْهُ الثَّامِنُ (¬4) : أَنَّ قَوْلَهُ: " لَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ صَحِيحًا حَقًّا لَمَا جَازَ لَهُ تَرْكُ (¬5) الْبَغْلَةِ وَالسَّيْفِ وَالْعِمَامَةِ عِنْدَ عَلِيٍّ وَالْحُكْمُ لَهُ بِهَا (¬6) لَمَّا ادَّعَاهَا الْعَبَّاسُ ". فَيُقَالُ: وَمَنْ نَقَلَ (¬7) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ حَكَمَا بِذَلِكَ لِأَحَدٍ، أَوْ تَرَكَا ذَلِكَ ¬

(¬1) أ، ب: حُجَّةٌ. (¬2) أ: وَالسُّنَّةُ ; ب: وَالْحُجَّةُ. (¬3) أ، ب، ن، م، و: وَأَكْثَرُ. (¬4) الثَّامِنُ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْخَامِسُ. (¬5) أ: حَقًّا أَنْ يُخْلِفَ. . ; ب: حَقًّا لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ. (¬6) ب (فَقَطْ) : عِنْدَ عَلِيٍّ حِينَ حُكِمَ لَهُ بِهَا. (¬7) ن (فَقَطْ) : وَقَالَ وَمَنْ يَقُلْ. .

عِنْدَ أَحَدٍ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُ (¬1) ، فَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبِ عَلَيْهِمَا، بَلْ غَايَةُ مَا فِي هَذَا (¬2) أَنْ يُتْرَكَ عِنْدَ مَنْ يُتْرَكُ \ عِنْدَهُ، كَمَا تَرَكَا صَدَقَتَهُ (¬3) عِنْدَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ لِيَصْرِفَاهَا (¬4) فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَكَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ الَّذِينَ طَهَّرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مُرْتَكِبِينَ مَا لَا يَجُوزُ ". فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ طَهَّرَ جَمِيعَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَأَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ. كَيْفَ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ فِي (¬5) بَنِي هَاشِمٍ مَنْ لَيْسَ بِمُطَهَّرٍ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَا أُذْهِبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّ (¬6) عِنْدَهُمْ كُلُّ مَنْ كَانَ مَنْ بَنِي هَاشِمٍ يُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَيْسَ (¬7) بِمُطَهَّرٍ، وَالْآيَةُ (¬8) إِنَّمَا قَالَ فِيهَا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] ¬

(¬1) عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُ: كَذَا فِي (ص) . وَفِي (ب) : عَلَى أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ. (¬2) أ، ب: بَلْ غَايَةُ هَذَا. (¬3) ص: أَنْ تُتْرَكَ عِنْدَ مَنْ تُتْرَكُ عِنْدَهُ كَمَا تُرِكَتِ الصَّدَقَةُ ; أ، ب: أَنْ يُتْرَكَ عِنْدَ مَنْ تُرِكَ عِنْدَهُ، كَمَا تَرَكَا صَدَقَتَهُ. (¬4) ن، م: لَيَصْرِفَانِهَا. (¬5) أ، ب: أَنَّ مِنْ. (¬6) ب (فَقَطْ) : لِأَنَّ. (¬7) أ، ب: لَيْسَ. (¬8) أ، ب: وَلِأَنَّهُ.

وَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 26] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ذَلِكَ لَكُمْ وَيَرْضَاهُ لَكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِهِ، فَمَنْ فَعَلَهُ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْمُرَادُ الْمَحْبُوبُ الْمَرْضِيُّ (¬1) ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ هَذَا أَلْزَمُ (¬2) لِهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ الْقَدَرِيَّةِ ; فَإِنَّ عِنْدَهُمْ [أَنَّ] (¬3) إِرَادَةَ اللَّهِ بِمَعْنَى أَمْرِهِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا أَرَادَ، فَلَا يَلْزَمُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَطْهِيرَ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ تَطَهَّرَ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُطَهِّرَ اللَّهُ أَحَدًا (¬4) ، [بَلْ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَطْهِيرَهُ، فَإِنْ شَاءَ طَهَّرَ نَفْسَهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُطَهِّرْهَا] (¬5) ، وَلَا يَقْدِرُ اللَّهُ عِنْدَهُمْ عَلَى تَطْهِيرِ أَحَدٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لِأَنَّ (¬6) الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ". فَيُقَالُ لَهُ (¬7) : أَوَّلًا الْمُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ الْفَرْضِ، وَأَمَّا صَدَقَاتُ (¬8) التَّطَوُّعِ فَقَدْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنِ الْمِيَاهِ الْمُسَبَّلَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْنَا الْفَرْضُ، وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا التَّطَوُّعُ. وَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِصَدَقَاتِ الْأَجَانِبِ الَّتِي هِيَ تَطَوُّعٌ، فَانْتِفَاعُهُمْ بِصَدَقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَولَى وَأَحْرَى ; فَإِنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ لَمْ تَكُنْ زَكَاةً مَفْرُوضَةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ (¬9) ¬

(¬1) الْمَرْضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن، م: لَزِمَ ; ص: إِلْزَامٌ. (¬3) أَنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: أَنْ يُطَهِّرَ أَحَدٌ أَحَدًا ; ص: أَنْ يُطَهِّرَ أَحَدًا. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) أ، ب: إِنَّ. (¬7) ن، م: لَهُمْ. (¬8) أ، ب، ص: صَدَقَةُ. (¬9) ن، م، ص، هـ، ر: عَلَيْهِ.

وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْفَيْءِ الَّذِي أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَالْفَيْءُ حَلَالٌ لَهُمْ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْفَيْءِ صَدَقَةً، إِذْ غَايَتُهُ (¬1) أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ أَحَقُّ بِصَدَقَتِهِ ; فَإِنَّ الصَّدَقَةَ [عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ] (¬2) عَلَى الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ (¬3) : فِي مُعَارَضَتِهِ بِحَدِيثِ (¬4) جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيُقَالُ: جَابِرٌ لَمْ يَدَعْ حَقًّا لِغَيْرِهِ (¬5) يُنْتَزَعُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَيُجْعَلُ لَهُ (¬6) ، وَإِنَّمَا طَلَبَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ، وَلَوْ لَمْ يَعِدْهُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا وَعَدَهُ بِهِ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، فَلِهَذَا لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى بَيِّنَةٍ. وَمِثَالُ هَذَا أَنْ يَجِيءَ شَخْصٌ إِلَى عَقَارِ بَيْتِ الْمَالِ فَيَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْزَعَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَدْفَعَهُ إِلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَآخَرُ طَلَبَ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ الْمَنْقُولِ (¬7) الَّذِي يَجِبُ قَسْمَهُ (¬8) عَلَى الْمُسْلِمِينَ [مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ] (¬9) ; فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِلَا بَيِّنَةٍ (¬10) . أَلَا تَرَى أَنَّ صَدَقَةَ ¬

(¬1) أ، ب: أَوْ غَايَتُهُ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) التَّاسِعُ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: السَّادِسُ. (¬4) أ، ب: لِحَدِيثِ. (¬5) أ، ب: لِغَيْرٍ. (¬6) ص: وَيُبِيحُهُ لَهُ. (¬7) ن، م: الْمُنْفَقِ. (¬8) ن، م: قِسْمَتُهُ. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) أ، ب: بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ.

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَوْقُوفَةَ، وَصَدَقَةَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (¬1) لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ [مِنَ الْمُسْلِمِينَ] أَنْ يَمْلِكَ أَصْلَهَا (¬2) ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنْ رِيعِهَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، فَالْمَالُ الَّذِي أُعْطِيَ مِنْهُ جَابِرٌ هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ أُصُولِ الْمَالِ. وَلِهَذَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُعْطِيَانِ الْعَبَّاسَ [وَبَنِيهِ] (¬3) وَعَلِيًّا (¬4) وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَعْظَمَ مِمَّا أَعْطَوْا جَابِرَ [بْنَ عَبْدِ اللَّهِ] (¬5) مِنَ الْمَالِ الَّذِي يُقَسَّمُ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ (¬6) مَعَهُمَا وَعْدٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ الْجُهَّالِ: إِنَّ جَابِرَ [بْنَ عَبْدِ اللَّهِ] أَخَذَ (¬7) مَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ (¬8) بَلْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، كَلَامُ مَنْ لَا يَعْرِفُ حُكْمَ اللَّهِ، لَا فِي هَذَا وَلَا فِي ذَاكَ، فَإِنَّ الْمَالَ الَّذِي أُعْطِيَ [مِنْهُ] (¬9) جَابِرٌ مَالٌ يَجِبُ قِسْمَتَهُ (¬10) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَجَابِرٌ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ حَقٌّ فِيهِ، وَهُوَ ¬

(¬1) أ، ب: عَلَى الْمُسْلِمِينَ. (¬2) ن، م: لَا تَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْلِكَ أَصْلَهَا ; أ، ب: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُ أَصْلِهَا. (¬3) وَبَنِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) ، (و) . . (¬4) وَعَلِيًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ص) . وَفِي (أ) ، (ب) : وَعَلِيٌّ. (¬5) ن، م: مِمَّا أَعْطَوْا جَابِرًا. (¬6) ن: وَلَمْ يَكُنْ. (¬7) ن، م: إِنَّ جَابِرًا أَخَذَ. . (¬8) أ، ب: بِلَا بَيِّنَةٍ. (¬9) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) أ، ب، و: قَسْمَهُ.

أَحَدُ الشُّرَكَاءِ، وَالْإِمَامُ إِذَا أَعْطَى أَحَدَ الْمُسْلِمِينَ (¬1) مِنْ مَالِ الْفَيْءِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يُقَالُ: إِنَّهُ أَعْطَاهُ مَالَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ ; لِأَنَّ الْقَسْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِعْطَاءَهُمْ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى بَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ لَهُ دُونَ الْمُسْلِمِينَ (¬2) . نَعَمِ الْإِمَامُ يُقَسِّمُ الْمَالَ بِاجْتِهَادِهِ فِي التَّقْدِيرِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَسِّمُ الْمَالَ بِالْحَثَيَاتِ. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْكَيْلِ بِالْيَدِ. وَجَابِرٌ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَهُ بِثَلَاثِ حَثَيَاتٍ (¬3) ، وَهَذَا أَمْرٌ مُعْتَادٌ مِثْلُهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَذْكُرْ إِلَّا مَا عُهِدَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ، وَمَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ حَثْيَةً، ثُمَّ نَظَرَ عَدَدَهَا فَأَعْطَاهُ بِقَدْرِهَا مَرَّتَيْنِ، تَحَرِّيًا لِمَا ظَنَّهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسْمِ، فَإِنَّ ¬

(¬1) لَا يُعْطِي أَحَدًا ; ب: إِذَا أَعْطَى أَحَدًا. (¬2) حَدِيثُ جَابِرٍ نَصُّهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/96 (كِتَابُ الْكَفَالَةِ، بَابُ مَنْ تَكَفَّلَ عَنْ مَيِّتٍ دَيْنًا. .) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرِينِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ". فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرِينِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرِينِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِهِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي: كَذَا وَكَذَا. فَحَثَى إِلَيَّ حَثْيَةً، فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا وَفِيهِ قَوْلُ جَابِرٍ: " فَحَثَا لِي ثَلَاثًا " فِي الْبُخَارِيِّ 4/90 - 91 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، بَابُ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمْسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ) ، 4/98 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ مَا أَقْطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْبَحْرِينِ. .) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/310. (¬3) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ".

كلام الرافضي على أبي ذر الغفاري وأبي بكر الصديق والرد عليه

الْوَاجِبَ مُوَافَقَتُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْعِلْمُ وَإِلَّا اتَّبَعَ مَا أَمْكَنَ مِنَ التَّحَرِّي وَالِاجْتِهَادِ. أَمَّا قِصَّةُ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ دَعْوَاهَا الْهِبَةَ وَالشَّهَادَةَ الْمَذْكُورَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ بِالْقَدْحِ فِيمَنْ يَحْتَجُّونَ لَهُ أَشْبَهَ مِنْهُ (¬1) بِالْمَدْحِ (¬2) . [كلام الرافضي على أبي ذر الغفاري وأبي بكر الصديق والرد عليه] فَصْلٌ (¬3) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْجَمَاعَةِ (¬5) كُلُّهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَقِّ أَبِي ذَرٍّ: " «مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلَا (¬6) أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ» ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ صِدِّيقًا، وَسَمَّوا أَبَا بَكْرٍ [بِذَلِكَ] (¬7) مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ ". فَيُقَالُ هَذَا الْحَدِيثُ: لَمْ يَرْوِهِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ، وَلَا هُوَ فِي ¬

(¬1) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: بِالْمَدْحِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ; وَ: بِالْمَدْحِ لَهُ. (¬3) ر، هـ، ص: الْفَصْلُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ. (¬4) فِي (ك) ص [0 - 9] 11 (م) . (¬5) ن، ر، ص: وَقَدْ وَرَدَ عَنِ الْجَمَاعَةِ ; وَ: وَقَدْ رَوَوْا عَنِ الْجَمَاعَةِ ; ك: وَقَدْ رَوَتِ الْجَمَاعَةُ. (¬6) أ، ب: وَمَا. (¬7) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) ، (ب) : وَسَمَّوا أَبَا بَكْرٍ صِدِّيقًا.

الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا [هُوَ] (¬1) فِي السُّنَنِ، بَلْ هُوَ مَرْوِيٌّ فِي الْجُمْلَةِ (¬2) . وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَصْدَقُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَصْدَقُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْ سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَمِنْ عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ] (¬3) . وَهَذَا خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ [كُلِّهِمْ] (¬4) مِنَ السُّنَّةِ (¬5) وَالشِّيعَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَعْنَاهَا أَنَّ أَبَا ذَرٍّ صَادِقٌ، لَيْسَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ تَحَرِّيًا لِلصِّدْقِ مِنْهُ. وَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ فِي تَحَرِّي الصِّدْقِ، أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي كَثْرَةِ الصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ، وَفِي عِظَمِ الْحَقِّ الَّذِي صَدَقَ فِيهِ وَصَدَّقَ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: فُلَانٌ صَادِقُ اللَّهْجَةِ إِذَا تَحَرَّى الصِّدْقَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْعِلْمِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ (¬6) الْأَنْبِيَاءُ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَعْظَمَ تَصْدِيقًا مِنْ أَبِي ذَرٍّ. بَلْ قَالَ: «أَصْدَقَ لَهْجَةً» ، ¬

(¬1) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/334 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي ذَرٍّ. .) وَأَوَّلُهُ: " مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ. . الْحَدِيثَ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ، وَقَالَ عَنِ الْأَوَّلِ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ " وَعَنِ الثَّانِي: (وَهُوَ عَنْ رِوَايَةٍ مُطَوَّلَةٍ) : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَغَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ " وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابَ فَضْلِ أَبِي ذَرٍّ) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 10/36 38، 160، 12/32 33. وَضَعَّفَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَسَانِيدَ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/197 (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) ، 6/442 (عَنْ أَبِي ذَرٍّ) . وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/124 وَحَسَّنَ الرِّوَايَةَ الْمُطَوَّلَةَ مِنْهُ فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ. (¬3) بْنِ أَبِي طَالِبٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) كُلِّهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن: مِنَ السُّنِّيَّةِ. (¬6) أ، ب: بِمَا حَدَّثَ بِهِ.

وَالْمَدْحُ لِلصِّدِّيقِ (¬1) (* الَّذِي صَدَّقَ الْأَنْبِيَاءَ، لَيْسَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ صَادِقًا، بَلْ فِي كَوْنِهِ مُصَدِّقًا لِلْأَنْبِيَاءِ. وَتَصْدِيقُهُ) * (¬2) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ صِدْقٌ خَاصٌّ، فَالْمَدْحُ بِهَذَا التَّصْدِيقِ - الَّذِي هُوَ صِدْقٌ خَاصٌّ - نَوْعٌ، وَالْمَدْحُ بِنَفْسِ كَوْنِهِ صَادِقًا نَوْعٌ آخَرُ. فَكُلُّ صِدِّيقٍ صَادِقٌ، وَلَيْسَ كُلُّ صَادِقٍ صِدِّيقًا. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ [عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ] (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ. وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ. وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» (¬4) ". فَالصِّدِّيقُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَامِلُ فِي الصِّدْقِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَامِلُ فِي التَّصْدِيقِ. وَالصِّدِّيقُ لَيْسَتْ فَضِيلَتُهُ فِي مُجَرَّدِ تَحَرِّي (¬5) ¬

(¬1) ن: بِتَصْدِيقِ ; م: بِتَصْدِيقِهِ (¬2) (* - *) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) الْحَدِيثُ - بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/25 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ; مُسْلِمٍ 4/2013 (كِتَابُ الْبِرِّ، بَابُ قُبْحِ الْكَذِبِ وَحُسْنِ الصِّدْقِ وَفَضْلِهِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/224 - 225 (كِتَابُ الْبِرِّ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/407 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ التَّشْدِيدِ فِي الْكَذِبِ) وَأَوَّلُهُ: إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ. . . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/18 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ اجْتِنَابِ الْبِدَعِ وَالْجَدَلِ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/299 - 300 (كِتَابُ الرِّقَاقُ، بَابٌ فِي الْكَذِبِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/231، 275، 343. وَفِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْجُزْءِ السَّادِسِ مِنْهُ. (¬5) م: دَعْوَى.

الصِّدْقِ، بَلْ فِي أَنَّهُ عَلِمَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَصَدَّقَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا كَامِلًا فِي الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. وَهَذَا الْقَدْرُ لَمْ يَحْصُلْ لِأَبِي ذَرٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ لَمْ يَعْلَمْ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا عَلِمَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَلَا حَصَلَ لَهُ مِنَ التَّصْدِيقِ الْمُفَصَّلِ كَمَا حَصَلَ لِأَبِي بَكْرٍ (¬1) . (* وَلَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ كَمَالِ التَّصْدِيقِ مَعْرِفَةً وَحَالًا (¬2) . كَمَا حَصَلَ لِأَبِي بَكْرٍ) * (¬3) ; فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْرَفُ مِنْهُ، وَأَعْظَمُ حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ، وَأَعْظَمُ نَصْرًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ، وَأَعْظَمُ جِهَادًا بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ كَمَالُ الصِّدِّيقِيَّةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، [فَرَجَفَ بِهِمْ] (¬4) ، فَقَالَ: " اسْكُنْ أُحُدُ " وَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ (¬5) : " لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» (¬6) ¬

(¬1) ن (فَقَطْ) : كَمَا حَصَلَ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْهُ (¬2) أ: وَلَا حَالًا ; ب: وَلَا حَالَ (¬3) (**) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) ، (ص) . (¬4) فَرَجَفَ بِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) وَقَالَ: كَذَا فِي (م) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَقَالَ. (¬6) " الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/9، 11 - 12، 15 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ. . .، بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ. . .، بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ. . .) ; سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/295 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْخُلَفَاءِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/286 - 287 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ. .) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/112. وَجَاءَ حَدِيثٌ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 4/1880 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ". وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/48 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضَائِلِ الْمُقَدَّمَةِ) حَدِيثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَرِيبٌ فِي لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، وَنَصُّهُ: " اثْبُتْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ " وَعَدَّهُمْ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَابْنُ عَوْفٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ". وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ صَحِيحٌ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ 2/454 - 458 وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَيْهِ وَعَلَى طُرُقِهِ وَأَسَانِيدِهِ،. وَذَكَرَ أَنَّهُ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَحَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/196 - 197 (كِتَابُ الْأَحْبَاسِ، بَابُ وَقْفِ الْمَسَاجِدِ) . .

كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه " وسموه خليفة رسول الله ولم يستخلفه في حياته ولا بعد وفاته عندهم " والرد عليه

وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ: أَهْوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَخَافُ؟ قَالَ: " لَا يَابْنَةَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ (¬1) وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ» " (¬2) . [كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه " وَسَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عِنْدَهُمْ " والرد عليه] فَصْلٌ (¬3) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَسَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ \ `8 (¬5) فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عِنْدَهُمْ (¬6) .، وَلَمْ يُسَمُّوا أَمِيرَ ¬

(¬1) و: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، بَلْ هُوَ الرَّجُلُ يُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيَصُومُ. (¬2) لَمْ أَعْرِفْ مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ. . وَوَجَدْتُ الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1404 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ التَّوَقِّي عَلَى الْعَمَلِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/159، 205. (¬3) ر، هـ، ص: الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ. (¬4) فِي (ك) ص [0 - 9] 11 (م) . (¬5) ك: وَسَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - مَعَ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ. (¬6) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ

الْمُؤْمِنِينَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَعَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ، مِنْهَا: أَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَالَ لَهُ: «إِنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . وَأَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَعْزِلْهُ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ خَلِيفَةً، وَلَمَّا تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ غَضِبَ أُسَامَةُ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَنِي عَلَيْكَ (¬1) ، فَمَنِ اسْتَخْلَفَكَ عَلَيَّ؟ فَمَشَى إِلَيْهِ هُوَ وَعُمْرُ حَتَّى اسْتَرْضَاهُ، وَكَانَا يُسَمِّيَانِهِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ (¬2) أَمِيرًا ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْخَلِيفَةَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: الَّذِي يَخْلُفُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مَنِ اسْتَخْلَفَهُ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَهُ (¬3) . طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةِ [وَنَحْوِهِمْ] (¬4) . فَإِنْ كَانَ هُوَ (¬5) الْأَوَّلُ ; فَأَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ خَلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَخْلُفْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُوَ الْخَلِيفَةُ دُونَ ¬

(¬1) أ، ب: عَلَيْكُمْ. (¬2) ك: حَيَاتِهِمَا. (¬3) أ، ن: كَمَا قَالَ ; م: كَمَا قَالَتْهُ (¬4) وَنَحْوِهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

غَيْرِهِ ضَرُورَةً، فَإِنَّ الشِّيعَةَ وَغَيْرَهُمْ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّهُ هُوَ الَّذِي (¬1) صَارَ وَلِيَّ الْأَمْرِ بَعْدَهُ، وَصَارَ خَلِيفَةً لَهُ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ، وَيُقِيمُ فِيهِمُ الْحُدُودَ، وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ (¬2) الْفَيْءَ، وَيَغْزُو بِهِمُ الْعَدُوَّ (¬3) وَيُوَلِّي عَلَيْهِمُ الْعُمَّالَ وَالْأُمَرَاءَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَفْعَلُهَا وُلَاةُ الْأُمُورِ. فَهَذِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ (¬4) إِنَّمَا بَاشَرَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ (¬5) هُوَ الْخَلِيفَةُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا قَطْعًا. لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: خَلَفَهُ (¬6) وَكَانَ هُوَ أَحَقَّ (¬7) بِخِلَافَتِهِ، وَالشِّيعَةُ يَقُولُونَ: عَلِيٌّ كَانَ هُوَ الْأَحَقَّ (¬8) لَكِنْ تَصِحُّ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَيَقُولُونَ: (¬9) مَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَصِيرَ هُوَ خَلِيفَةً (¬10) ، لَكِنْ لَا يُنَازِعُونَ [فِي] (¬11) أَنَّهُ صَارَ خَلِيفَةً بِالْفِعْلِ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِهَذَا الِاسْمِ، إِذْ (¬12) كَانَ الْخَلِيفَةُ مَنْ خَلَفَ غَيْرَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. وَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّ الْخَلِيفَةَ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ ¬

(¬1) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) و (ب) . (¬2) أ، ب: عَلَيْهِمْ. (¬3) الْعَدُوَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) النَّاسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م: وَكَانَ. (¬6) ن، م: خَلِيفَةٌ. (¬7) و: الْأَحَقَّ. (¬8) أ: يَقُولُونَ: كَانَ هُوَ الْأَحَقَّ ; ب: يَقُولُونَ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ الْأَحَقَّ. (¬9) أ: وَيَقُولُ ; ب: وَتَقُولُ ; و: أَوْ يَقُولُونَ. (¬10) أ، ب: الْخَلِيفَةَ. (¬11) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . (¬12) أ، ن، م، ص، و: إِذَا.

وَبَعْضُ الشِّيعَةِ، فَمَنْ قَالَ هَذَا مِنْ أَهْلِ (¬1) السُّنَّةِ فَإِنَّهُ (¬2) يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ إِمَّا بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِمَّا بِالنَّصِّ الْخَفِيِّ. كَمَا أَنَّ الشِّيعَةَ الْقَائِلِينَ بِالنَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ، كَمَا تَقُولُهُ الْإِمَامِيَّةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالنَّصِّ الْخَفِيِّ، كَمَا تَقُولُهُ الْجَارُودِيَّةُ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ (¬3) وَدَعْوَى أُولَئِكَ لِلنَّصِّ الْجَلِيِّ أَوِ الْخَفِيِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَقْوَى وَأَظْهَرُ بِكَثِيرٍ مِنْ دَعْوَى هَؤُلَاءِ لِلنَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ، لِكَثْرَةِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى [ثُبُوتِ] خِلَافَةِ (¬4) أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدُلَّ عَلَى خِلَافَتِهِ إِلَّا مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَحَدًا إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَلِهَذَا كَانَ هُوَ الْخَلِيفَةَ ; فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ الْمُطْلَقَ هُوَ مَنْ خَلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوِ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَهَذَانِ الْوَصْفَانِ لَمْ يَثْبُتَا إِلَّا لِأَبِي بَكْرٍ ; [فَلِهَذَا كَانَ هُوَ الْخَلِيفَةَ] . (¬5) . وَأَمَّا اسْتِخْلَافُهُ لِعَلِيٍّ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا خَرَجَ فِي غَزَاةٍ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ تَارَةً، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَارَةً. ¬

(¬1) أ: فَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ. .، ب: فَمَنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ. (¬2) فَإِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) يَقُولُ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ " أُصُولُ الدِّينِ " ص 285: " فَالزَّيْدِيَّةُ وَالْجَارُودِيَّةُ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ بِالْوَصْفِ دُونَ الِاسْمِ ". وَانْظُرْ: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/133 ; الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/140. . (¬4) ن، م: النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى خِلَافَةِ ; أ، ب: النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ الدَّالَّةِ عَلَى خِلَافَةِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ.

[وَاسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَغَيْرِهَا، وَعُثْمَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَغَطَفَانَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ أَنْمَارٍ، وَاسْتَخْلَفَ فِي بَدْرٍ الْوَعِيدَ بْنَ رَوَاحَةَ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي الْمُرَيْسِيعِ، وَاسْتَخْلَفَ أَبَا لُبَابَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَغَزْوَةِ السَّوِيقِ، وَفِي غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي غَزْوَةِ بُوَاطٍ، وَفِي غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ أَبَا سَلَمَةَ] (¬1) وَاسْتِخْلَافُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَكْثَرَ وَلَا أَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُ، بَلْ [كَانَ] يَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ فِي كُلِّ غَزْوَةٍ [مِنَ الْغَزَوَاتِ] مِنَ الْمُهَاجِرِينَ (¬2) وَالْأَنْصَارِ أَكْثَرُ وَأَفْضَلُ مِمَّنْ تَخَلَّفَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ; فَإِنَّ غَزْوَةَ تَبُوكَ لَمْ يَأْذَنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدٍ بِالتَّخَلُّفِ فِيهَا، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ فِيهَا إِلَّا مُنَافِقٌ أَوْ مَعْذُورٌ أَوِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ عِظَمُ (¬3) مَنْ تَخَلَّفَ فِيهَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. وَلِهَذَا لَمَّا اسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فِيهَا خَرَجَ إِلَيْهِ بَاكِيًا، وَقَالَ: أَتَدَعُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ (4 - 4) : (¬4) ؟ [وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ طَعَنُوا فِي عَلِيٍّ، وَقَالُوا: إِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ لِأَنَّهُ يُبْغِضُهُ] (¬5) وَإِذَا كَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَ غَيْرَ عَلِيٍّ عَلَى أَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِمَّا اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عَلِيًّا، وَكَانَ (¬6) ذَلِكَ اسْتِخْلَافًا مُقَيَّدًا عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ [فِي مَغِيبِهِ] (¬7) ، لَيْسَ هُوَ اسْتِخْلَافًا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (وَ) فَقَطْ. وَفِي الْأَصْلِ: وَفِي غَزْوَةِ الْعِيرَةِ أَبَا مُسْلِمٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. انْظُرِ ابْنَ هِشَامٍ 2/248 ; السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ لِابْنِ كَثِيرٍ 2/3610. . (¬2) ن، م: بَلْ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ فِي كُلِّ غَزْوَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. (¬3) م، ص: أَعْظَمُ ب: مُعْظَمُ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ن) ، (م) : " وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ بَاكِيًا ". (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (¬6) ن، م: كَانَ. (¬7) فِي مَغِيبِهِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (أ) ، (ب) : فِي غَيْبَتِهِ.

مُطْلَقًا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ، لَمْ يُطْلَقْ (¬1) عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَعَ التَّقْيِيدِ. وَإِذَا سُمِّيَ (¬2) عَلِيٌّ بِذَلِكَ فَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُسْتَخْلَفِينَ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ. وَأَيْضًا فَالَّذِي يَخْلُفُ الْمُطَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا أَفْضَلَ النَّاسِ. وَأَمَّا الَّذِي يَخْلُفُهُ فِي حَالِ غَزْوِهِ لِعَدُوِّهِ، فَلَا [يَجُبُّ أَنْ] يَكُونَ (¬3) أَفْضَلَ النَّاسِ، بَلِ الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ (¬4) يَسْتَصْحِبُ فِي خُرُوجِهِ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ (¬5) فِي الْمَغَازِي مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ يَسْتَخْلِفُهُ (¬6) ، عَلَى عِيَالِهِ ; لِأَنَّ الَّذِي يَنْفَعُ فِي الْجِهَادِ هُوَ شَرِيكُهُ فِيمَا يَفْعَلُهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَخْلُفُهُ عَلَى الْعِيَالِ (7 - 7) : (¬7) ، فَإِنَّ نَفْعَ ذَاكَ لَيْسَ كَنَفْعِ الْمُشَارِكِ لَهُ (¬8) فِي الْجِهَادِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا (¬9) شَبَّهَ عَلِيًّا بِهَارُونَ فِي أَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ لَا فِي كَمَالِهِ، وَلِعَلِيٍّ شُرَكَاءُ فِي هَذَا الِاسْتِخْلَافِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا ذَهَبَ إِلَى مِيقَاتِ رَبِّهِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ، ¬

(¬1) أ، ب: وَلَمْ يُطْلَقْ. (¬2) وَ: وَإِذَا لَمْ يُسَمَّ ; أ: فَإِذَا لَمْ يُسَمَّ ; ب: فَإِذَا كَانَ يُسَمَّى. (¬3) ن: فَلَا يَكُونُ. (¬4) أ: بِالْعَادَةِ الْجَارِيَةِ أَنَّهُ، ب: فَالْعَادَةُ الْجَارِيَةُ أَنَّهُ. (¬5) إِلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬6) ن: مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مَنْ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَسْتَخْلِفُهُ ; م: مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مَنْ عِنْدَهُ بِمَنْ يَسْتَخْلِفُهُ ; ر، هـ، ص، و: مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَسْتَخْلِفُهُ. (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: كَنَفْعِ ذَلِكَ الْمُشَارِكِ لَهُ. (¬9) إِنَّمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي (أ) : مَا.

الرد على قول الرافضي أن النبي قال لعلي إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك

فَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى جَمِيعِ قَوْمِهِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَهَبَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ أَخَذَ مَعَهُ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا الْمَعْذُورَ (¬1) ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلِيًّا إِلَّا عَلَى الْعِيَالِ وَقَلِيلٍ مِنَ الرِّجَالِ (¬2) ، فَلَمْ يَكُنِ اسْتِخْلَافُهُ كَاسْتِخْلَافِ مُوسَى لِهَارُونَ، بَلِ ائْتَمَنَهُ فِي حَالِ مَغِيبِهِ، كَمَا ائْتَمَنَ مُوسَى هَارُونَ (¬3) فِي حَالِ مَغِيبِهِ، فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ لِنَقْصِ مَرْتَبَةِ الْمُسْتَخْلَفِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ لِأَمَانَتِهِ كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ خَرَجَ إِلَيْهِ يَبْكِي وَقَالَ أَتَذَرُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنْ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ طَعَنَ فِيهِ، فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ لَيْسَتْ لِنَقْصِ الْمُسْتَخْلَفِ ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ (¬4) . [الرد على قول الرافضي أن النبي قال لعلي إِنِ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَنَّهُ قَالَ [لَهُ] (¬5) : «إِنِ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ» " فَهَذَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ (¬6) الْمُعْتَمَدَةِ (¬7) . وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنَ ¬

(¬1) ص، ر: إِلَّا الْمُعْدَمَ الْمَعْذُورَ ; هـ: إِلَّا الْمُعْذَرَ الْمَعْذُورَ. (¬2) أ، ب: وَالْقَلِيلِ مِنَ النَّاسِ. (¬3) هَارُونَ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِهَارُونَ. (¬4) أ: لَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى لِهَارُونَ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) ، (هـ) . (¬6) أ، ب: فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ (¬7) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/357 عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ: " قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ، مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ، وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ كَانَ كَذَّابًا. وَقَالَ الْعَقِيلِيُّ: حَفَصٌ يُحَدِّثُ عَنِ الْأَئِمَّةِ بِالْبَوَاطِيلِ ". وَقَالَ عَنْهُ السُّيُوطِيُّ فِي " الَّلَآلِي الْمَصْنُوعَةِ " 1/342: " قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: بَاطِلٌ، حَفْصٌ كَذَّابٌ يُحَدِّثُ عَنِ الْأَئِمَّةِ بِالْبَوَاطِيلِ ". وَانْظُرْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ: الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 356 - 359 ; تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ 1/382.

الْمَدِينَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَمَعَهُ عَلِيٌّ، وَلَيْسَ بِالْمَدِينَةِ لَا هُوَ وَلَا عَلِيٌّ. فَكَيْفَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ؟ فَيَوْمَ بَدْرٍ كَانَ عَلِيٌّ مَعَهُ (¬1) ، وَبَيْنَ بَدْرٍ وَالْمَدِينَةِ عِدَّةُ مَرَاحِلَ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (¬2) بِالْمَدِينَةِ، وَعَلِيٌّ كَانَ (¬3) مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ بِالتَّوَاتُرِ، وَكَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (¬4) مَعَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، «وَقَدْ كَانَتْ أُخْتُهُ أُمُّ هَانِئٍ قَدْ أَجَارَتْ (¬5) حَمَوَيْنِ لَهَا، فَأَرَادَ عَلِيٌّ قَتْلَهُمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلَ رَجُلًا أَجَرْتُهُ: فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ (¬6) ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ لَا هُوَ وَلَا عَلِيٌّ. ¬

(¬1) أ، ب: كَانَ مَعَهُ عَلِيٌّ. (¬2) ن: وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا ; هـ: وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهَا. (¬3) ن، م: وَكَانَ عَلِيٌّ. (¬4) أ، ب: يَوْمَ الْفَتْحِ. (¬5) أ، ب وَكَانَتْ أُخْتُهُ أَجَارَتْ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/100 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ أَمَانِ النِّسَاءِ وَجِوَارِهِنَّ) ، 1/76 - 77 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ. .) ، 8/37 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي زَعَمُوا) ; مُسْلِمٍ 1/498 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى. . .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/112 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي أَمَانِ الْمَرْأَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/342، 343 423 424 425 ; الْمُوَطَّأِ 1/152 (كِتَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ. .، بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى) .

الرد على قول الرافضي أن النبي أمر أسامة على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر

وَكَذَلِكَ يَوْمَ خَيْبَرَ (¬1) كَانَ قَدْ طَلَبَ عَلِيًّا، فَقَدِمَ وَهُوَ أَرْمَدُ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ لَا هُوَ وَلَا عَلِيٌّ. وَكَذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، وَكَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ حَاجًّا فَاجْتَمَعَا بِمَكَّةَ وَلَيْسَ بِالْمَدِينَةِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَالرَّافِضَةُ مِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ يَكْذِبُونَ الْكَذِبَ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ بِالسِّيرَةِ أَدْنَى عِلْمٍ. [الرد على قول الرافضي أن النبي أَمَّرَ أُسَامَةَ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ أَمَّرَ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ". فَمِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ فِي [ذَلِكَ] ذَلِكَ: (¬2) الْجَيْشِ، بَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَخْلِفُهُ فِي الصَّلَاةِ فِي حِينِ (¬3) . مَرِضَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَأُسَامَةُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَدْ عُقِدَ لَهُ الرَّايَةُ قَبْلَ مَرَضِهِ، ثُمَّ لَمَّا مَرِضَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَصَلَّى بِهِمْ إِلَى أَنْ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أُمِرَ بِالْخُرُوجِ ¬

(¬1) أ، ب: وَيَوْمَ خَيْبَرَ. (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) . (¬3) أ، ب: قَدِ اسْتَخْلَفَهُ مِنْ حِينِ. (¬4) فِي " إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ " لِلْمَقْرِيزِيِّ 1/536 - 539 (تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ مَحْمُود مُحَمَّد شَاكِر، ط. لَجْنَةِ التَّأْلِيفِ وَالتَّرْجَمَةِ وَالنَّشْرِ، الْقَاهِرَةِ، 1941) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَا مِنَ الْغَدِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لِتَوَلِّي إِمْرَةَ الْجَيْشِ وَأَوْصَاهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ ابْتَدَأَ مَرَضُ رَسُولِ اللَّهِ فَصُدِعَ وَحُمَّ، وَعَقَدَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِأُسَامَةَ لِوَاءً بِيَدِهِ، فَخَرَجَ أُسَامَةُ وَعَسْكَرَ بِالْجُرُفِ، وَخَرَجَ النَّاسُ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَّا انْتُدِبَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَتَكَلَّمَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا: يَسْتَعْمِلُ هَذَا الْغُلَامَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَطَبَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مَعَ أُسَامَةَ يُوَدِّعُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، فَمَضَى النَّاسُ إِلَى الْمُعَسْكَرِ فَبَاتُوا لَيْلَةَ الْأَحَدِ، وَنَزَلَ أُسَامَةُ يَوْمَ الْأَحَدِ فَعَادَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُعَسْكَرِهِ وَغَدَا مِنْهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُفِيقًا، وَجَاءَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ اغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَوَدَّعَهُ أُسَامَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ مُفِيقٌ ". يَقُولُ الْمَقْرِيزِيُّ: " وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصْبَحْتَ مُفِيقًا بِحَمْدِ اللَّهِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ ابْنَةِ خَارِجَةَ فَأْذَنْ لِي، فَأَذِنَ لَهُ، فَذَهَبَ إِلَى السُّنْحِ، وَرَكِبَ أُسَامَةُ إِلَى مُعَسْكَرِهِ وَصَاحَ فِي أَصْحَابِهِ بِاللُّحُوقِ بِالْعَسْكَرِ. . . فَبَيْنَا هُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ مِنَ الْجُرُفِ، أَتَاهُ رَسُولُ أُمِّهِ - أُمِّ أَيْمَنَ - تُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَمُوتُ، فَأَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَهُ عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَانْتَهَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَمُوتُ ". وَانْظُرْ: سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 4/291، 298 - 305.

مَعَ أُسَامَةَ قَبْلَ الْمَرَضِ لَكَانَ أَمْرُهُ لَهُ بِالصَّلَاةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، مَعَ إِذْنِهِ لِأُسَامَةَ أَنْ يُسَافِرَ فِي مَرَضِهِ، مُوجِبًا لِنَسْخِ إِمْرَةِ أُسَامَةَ عَنْهُ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يُؤَمَّرْ عَلَيْهِ أُسَامَةُ بِحَالٍ؟ . وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ فِي سَرَايَاهُ (¬1) ، [بَلْ] وَلَا [فِي] مَغَازِيهِ (¬2) أَنْ يُعَيِّنَ كُلَّ مَنْ يَخْرُجُ مَعَهُ فِي الْغَزْوِ بِأَسْمَائِهِمْ، وَلَكِنْ يَنْدُبُ النَّاسَ نَدْبًا عَامًّا مُطْلَقًا، فَتَارَةً يَعْلَمُونَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ كُلَّ أَحَدٍ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ وَلَكِنْ نَدَبَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا فِي غَزْوَةِ ¬

(¬1) أ، ب: فِي السَّرَايَا. (¬2) ن، م: فِي سَرَايَاهُ وَلَا مَغَازِيهِ.

الْغَابَةِ (¬1) ، وَتَارَةً يَأْمُرُ أُنَاسًا (¬2) بِصِفَةٍ، كَمَا أَمَرَ فِي غَزْوَةِ (¬3) بَدْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَنْ حَضَرَ ظُهْرَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَمَا (¬4) أَمَرَ فِي غَزْوَةِ السَّوِيقِ بَعْدَ أُحُدٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ مَعَهُ إِلَّا مَنْ شَهِدَ أُحُدًا، وَتَارَةً يَسْتَنْفِرُهُمْ نَفِيرًا (¬5) عَامًّا، وَلَا يَأْذَنُ لِأَحَدٍ فِي التَّخَلُّفِ، كَمَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةُ خُلَفَائِهِ [مِنْ] (¬6) بَعْدِهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا أَمَّرَ الْأُمَرَاءَ إِلَى الشَّامِ وَغَيْرِهَا يَنْدُبُ (¬7) النَّاسَ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ (¬8) ، فَإِذَا خَرَجَ مَعَ الْأَمِيرِ مَنْ رَأَى حُصُولَ الْمَقْصُودِ بِهِمْ سَيَّرَهُ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرْسَلَ إِلَى مُؤْتَةَ السَّرِيَّةَ الَّتِي أَرْسَلَهَا وَقَالَ: «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» (¬9) لَمْ ¬

(¬1) ن: الْغَايَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. يَقُولُ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ 3/293 - 297 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلَمْ يَقُمْ بِهَا إِلَّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ حَتَّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى إِبِلٍ لِرَسُولِ اللَّهِ بِالْغَابَةِ (مَوْضِعٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ) ، وَفِيهَا رَجُلٌ مَنْ بَنِي غِفَارٍ وَامْرَأَةٌ لَهُ فَقَتَلُوا الرَّجُلَ وَأَخَذُوا الْمَرْأَةَ مَعَ الْإِبِلِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَلِمَ خَبَرَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَعَلَ يَرْمِيهِمْ وَيَصِيحُ، وَبَلَغَ صِيَاحُهُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَرَخَ بِالْمَدِينَةِ: " الْفَزَعَ الْفَزَعَ " فَتَرَامَتِ الْخُيُولُ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ وَلَحِقَ النَّاسُ بِالْقَوْمِ وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْغَزْوَةُ بِغَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ. وَانْظُرْ: " زَادَ الْمَعَادِ " لِابْنِ الْقَيِّمِ (تَحْقِيقَ شُعَيْبٍ الْأَرْنَؤُوطِ وَعَبْدِ الْقَادِرِ الْأَرْنَؤُوطِ) 3/278 281، ط. بَيْرُوتَ، 1399/1979. (¬2) أ، ب، وَ: نَاسًا. (¬3) أ، ب: غَزَاةِ. (¬4) أ، ب: النَّاسِ وَكَانَ. (¬5) أ، ب: نَفْرًا. (¬6) مِنْ: فِي (أ) ، (ب) ، (هـ) فَقَطْ. (¬7) ن، م: نَدَبَ. (¬8) مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/143 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ) وَنَصُّهُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. . الْحَدِيثَ. وَجَاءَ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/90. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَنْ حَدِيثِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ بِالتَّفْصِيلِ فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 478 479.

يُعَيِّنْ كُلَّ مَنْ خَرَجَ مَعَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَلَمْ تَكُنِ الصَّحَابَةُ مَكْتُوبِينَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دِيوَانٍ، وَلَا يَطُوفُ نُقَبَاءُ يُخْرِجُونَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ، بَلْ كَانَ (¬1) يُؤَمِّرُ الْأَمِيرَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ يَحْصُلُ بِهِمُ الْمَقْصُودَ أَرْسَلَهُمْ وَصَارَ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ، كَمَا أَنَّهُ فِي الْحَجِّ لَمَّا أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَحُجُّ مَعَهُ، لَكِنْ مَنْ حَجَّ مَعَهُ كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهِ (22) : (¬2) وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ (¬3) ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرٌ عَلَيْهِ. وَلَمَّا أَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ (¬4) بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهِ، فَأَرْسَلَهُ (¬5) إِلَى نَاحِيَةِ الْعَدُوِّ الَّذِينَ قَتَلُوا أَبَاهُ، لِمَا رَآهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، نَدَبَ النَّاسَ [مَعَهُ] (¬6) فَانْتَدَبَ مَعَهُ مَنْ رَغِبَ فِي الْغَزْوِ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ مِمَّنِ انْتُدِبَ مَعَهُ، لَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيَّنَ عُمَرَ وَلَا غَيْرَ عُمَرَ (¬7) لِلخُرُوجِ مَعَهُ، لَكِنْ مَنْ خَرَجَ مَعَهُ فِي الْغَزَاةِ كَانَ أُسَامَةُ أَمِيرًا عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ، ¬

(¬1) بَلْ كَانَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَكَانَ. (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ. (¬4) بْنَ يَزِيدَ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ب (فَقَطْ) : وَأَرْسَلَهُ. (¬6) مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَيَّنَ عُمَرَ وَلَا غَيْرَهُ.

كَانَ مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَعَتَّابٌ أَمِيرٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَمَّا أَرْسَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدَ وَغَيْرَهُ مِنْ أُمَرَاءِ السَّرَايَا، كَانَ مَنْ خَرَجَ مَعَ الْأَمِيرِ، فَالْأَمِيرُ أَمِيرٌ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ الْخُرُوجَ مَعَهُ، لَا بِأَنَّ (¬1) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيَّنَ لِلْخُرُوجِ مَعَ الْأَمِيرِ كُلَّ مَنْ مَعَهُ وَمِنْ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ وَلَا مِنْ عَادَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَهَذَا (¬2) كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَامٌ رَاتِبٌ فِي حَيَاتِهِ يُصَلِّي بِقَوْمٍ، فَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ كَانَ ذَلِكَ الْإِمَامُ إِمَامًا لَهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ [وَغَيْرِهِ] (¬3) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنِّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَنَّ الرَّجُلُ [الرَّجُلَ] (¬4) فِي سُلْطَانِهِ ; وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (¬5) فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ ذِي السُّلْطَانِ (¬6) وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَفْضَلَ مِنْهُ. ¬

(¬1) أ، ب: لَا أَنَّ. (¬2) ن، م: وَلِهَذَا. (¬3) وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) الرَّجُلُ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬5) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ الْأَنْصَارِيِّ فِي: مُسْلِمٍ 1/465 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/226 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/149 150 (كِتَابُ الصَّلَّاة بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/59 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/313 314 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ. .، بَابُ مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/118، 121 122. (¬6) أ: عَلَى الْإِمَامِ ذِي سُلْطَانٍ ; ب، ص: إِمَامٍ ذِي سُلْطَانٍ.

وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَكَانَتِ السُّنَّةُ أَوَّلًا أَنَّ الْأَمِيرَ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ. وَتَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَالْمُتَوَلِّي: أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: كَمَا تَنَازَعُوا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ يُقَدَّمُ الْوَالِي أَوِ الْوَلِيُّ (¬1) . وَأَكْثَرُهُمْ قَدَّمَ (¬2) الْوَالِيَ. وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَدَّمَ أَخُوهُ الْحُسَيْنُ [بْنُ عَلِيٍّ] أَمِيرَ (¬3) . الْمَدِينَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّهَا السُّنَّةُ لَمَا (¬4) قَدَّمْتُكَ. وَالْحُسَيْنُ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمِيرِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَخِيهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ هُوَ الْأَمِيرُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَؤُمَنَّ الرَّجُلُ [الرَّجُلَ] (¬5) فِي سُلْطَانِهِ» " قَدَّمَهُ لِذَلِكَ. وَكَانَ يُقَدِّمُ الْأَمِيرَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الْمَغَازِي، كَتَقَدُّمِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْحَجِّ (¬6) ; لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا خَلْفَهُ بِاخْتِيَارِهِمْ، وَحَجُّوا مَعَهُ، مَعَ أَنَّهُ (¬7) قَدْ تَتَعَيَّنُ صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ وَحَجُّهُمْ مَعَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَجِّ إِلَّا أَمِيرٌ وَاحِدٌ وَلِلصَّلَاةِ إِلَّا إِمَامٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ وَلَيْسَ لِلْغَزْوِ إِلَّا أَمِيرٌ وَاحِدٌ (8/8) : (¬8) خَرَجَ مَعَهُ، وَلَكِنْ فِي الْغَزْوِ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ جَمِيعَ ¬

(¬1) ن، م، و، هـ، ر: الْوَلِيُّ أَوِ الْوَالِي. (¬2) ن، م: يُقَدِّمُ ; ص، ر، هـ، و: قَدَّمُوا. (¬3) ن، م: قَدَّمَ أَخُوهُ الْحُسَيْنُ لِأَمِيرِ ; هـ، و، ر: قَدَّمَ أَخُوهُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ لِأَمِيرِ. (¬4) ن، م: مَا. (¬5) الرَّجُلَ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: وَالْحَجِّ. (¬7) أ، ب: مَعَ كَوْنِهِ. (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

النَّاسِ بِالْخُرُوجِ فِي (¬1) السَّرَايَا، وَلَا يُعَيِّنُ مَنْ يَخْرُجُ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ، بَلْ يَنْدُبُهُمْ فَيَخْرُجُ مَنْ يَخْتَارُ الْغَزْوَ. وَلِهَذَا كَانَ الْخَارِجُونَ يُفَضَّلُونَ (¬2) عَلَى الْقَاعِدِينَ، وَلَوْ كَانَ الْخُرُوجُ مُعَيَّنًا لَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُطِيعًا لِأَمْرِهِ. بَلْ قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا - دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 95، 96] . فَأُسَامَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ السَّرَايَا، وَأُمَرَاءُ السَّرَايَا لَمْ يَكُونُوا يُسَمَّوْنَ خُلَفَاءَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخْلُفُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا خَلَفُوهُ فِي مَغِيبِهِ عَلَى شَيْءٍ كَانَ يُبَاشِرُهُ، بَلْ هُوَ أَنْشَأَ لَهُمْ سَفَرًا وَعَمَلًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ (¬3) رَجُلًا مِنْهُمْ فَهُوَ مُتَوَلٍّ عَلَيْهِ (¬4) ابْتِدَاءً لَا خِلَافَةَ عَمَّنْ كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَهُ. وَقَدْ يُسَمَّى الْعَمَلُ عَلَى الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى خِلَافَةً، وَيُسَمَّى الْعَمَلُ مِخْلَافًا. وَهَذِهِ أُمُورٌ لَفْظِيَّةٌ (¬5) تُطْلَقُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ. وَقَوْلُهُ (¬6) : " وَمَاتَ وَلَمْ يَعْزِلْهُ ". ¬

(¬1) أ: عَلَى ; ب: مَعَ. (¬2) أ، ب: مُفَضَّلِينَ. (¬3) أ، ب: عَلَيْهِمْ. (¬4) عِبَارَةُ " فَهُوَ مُتَوَلٍّ عَلَيْهِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ن) ، (م) : فَهُوَ مُتَوَلٍّ عَلَيْهِمْ. (¬5) ن، م: لَطِيفَةٌ. (¬6) ب (فَقَطْ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ.

فَأَبُو بَكْرٍ أَنْفَذَ جَيْشَ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ أَنْ أَشَارَ النَّاسُ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ خَوْفًا مِنَ الْعَدُوِّ. وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ رَايَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ عَزْلَهُ، كَمَا كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ، فَيَعْمَلُ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ غَضَبِ أُسَامَةَ لَمَّا تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَمِنَ الْأَكَاذِيبِ السَّمِجَةِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَبِي بَكْرٍ وَطَاعَتِهِ لَهُ أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ تُنْكَرَ (¬1) ، وَأُسَامَةُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ لَا مَعَ عَلِيٍّ وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ وَاعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ. وَأُسَامَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَا مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ، وَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا، فَأَيُّ فَائِدَةٍ [لَهُ] (¬2) فِي أَنْ يَقُولَ مِثْلَ (¬3) هَذَا الْقَوْلِ لِأَيِّ مَنْ تَوَلَّى الْأَمْرَ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الْأَمْرَ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ خَلِيفَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ مَاتَ، فَبِمَوْتِهِ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِلَيْهِ الْأَمْرُ فِي إِنْفَاذِ الْجَيْشِ أَوْ حَبْسِهِ، وَفِي تَأْمِيرِ أُسَامَةَ أَوْ عَزْلِهِ (¬4) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَعَزْلِهِ. . وَإِذَا قَالَ: [أَمَّرَنِي عَلَيْكَ] (¬5) فَمَنْ (¬6) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَنْ. اسْتَخْلَفَكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: مَنِ اسْتَخْلَفَنِي عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْكَ. وَإِذَا قَالَ: أَنَا أَمَّرَنِي عَلَيْكَ (¬7) . قَالَ: أَمَّرَكَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُسْتَخْلَفَ، فَبَعْدَ أَنْ صِرْتُ خَلِيفَةً ¬

(¬1) ب: تُذْكَرَ. (¬2) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) أَوْ عَزْلِهِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أَمَّرَنِي عَلَيْكَ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬6) فَمَنْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . (¬7) أ: أَمَّرَنِي عَلَيْكَ ; ب: إِنَّهُ أَمَّرَنِي عَلَيْكَ.

صِرْتُ أَنَا الْأَمِيرُ عَلَيْكَ (¬1) ، كَمَا لَوْ قُدِّرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَّرَ عَلَى عُمَرَ أَحَدًا ثُمَّ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَوُلِّيَ عُمَرُ، صَارَ عُمَرُ أَمِيرًا عَلَى مَنْ كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَّرَ عُمَرُ عَلَى عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا أَحَدًا (¬2) ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ عُمَرُ صَارَ هُوَ الْخَلِيفَةُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ أَمِيرًا عَلَى مَنْ كَانَ هُوَ أَمِيرًا عَلَيْهِ (¬3) ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّرَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، كَمَا أَمَّرَ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا أَرْسَلَهُ [لِيَحُجَّ بِالنَّاسِ] (¬4) سَنَةَ تِسْعٍ، وَلَحِقَهُ (¬5) عَلِيٌّ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى عَلِيٍّ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْخَلِيفَةُ، لَكَانَ يَصْلُحُ أَمِيرًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ. وَمِثْلَ هَذَا لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ. وَأُسَامَةُ أَعْقَلُ وَأَتْقَى وَأَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا الْهَذَيَانِ لِمِثْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا (¬6) قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ: إِنَّهُ مَشَى هُوَ وَعُمَرُ إِلَيْهِ حَتَّى اسْتَرْضَاهُ، مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُمَا قَهَرَا عَلِيًّا وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَمْ يَسْتَرْضِيَاهُمْ (¬7) ، وَهُمْ أَعَزُّ وَأَقْوَى [وَأَكْثَرُ (¬8) ] وَأَشْرَفُ مِنْ أَسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَيُّ حَاجَةٍ بِمَنْ قَهَرُوا بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ وَسَائِرِ بَنِي ¬

(¬1) أ، ب: فَبَعْدَ أَنْ صِرْتُ أَنَا خَلِيفَةً فَأَنَا الْأَمِيرُ عَلَيْكَ. (¬2) أ، ب: أَمِيرًا. (¬3) أ، ب: الْأَمِيرَ عَلَيْهِ. (¬4) لِيَحُجَّ بِالنَّاسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ص: وَأَلْحَقَهُ. (¬6) أ، ب: مِنْ ذَلِكَ. (¬7) وَلَمْ يَسْتَرْضِيَاهُمْ: كَذَا فِي (ب) . . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَمْ يَسْتَرْضُوهُمْ. (¬8) وَأَكْثَرُ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) .

عَبْدِ مَنَافٍ، وَبُطُونِ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَالْعَرَبِ، إِلَى أَنْ يَسْتَرْضُوا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَهُوَ مِنْ أَضْعَفِ رَعِيَّتِهِمْ، لَيْسَ لَهُ قَبِيلَةٌ وَلَا عَشِيرَةٌ، وَلَا [مَعَهُ] (¬1) مَالٌ وَلَا رِجَالٌ، وَلَوْلَا حُبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهُ (¬2) وَتَقْدِيمهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا كَأَمْثَالِهِ مِنَ الضُّعَفَاءِ؟ . فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهُمَا اسْتَرْضَيَاهُ (¬3) لِحُبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ، فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّهُمْ بَدَّلُوا عَهْدَهُ، وَظَلَمُوا وَصِيَّهُ وَغَصَبُوهُ (¬4) ، فَمَنْ عَصَى الْأَمْرَ الصَّحِيحَ، وَبَدَّلَ الْعَهْدَ الْبَيِّنَ، وَظَلَمَ وَاعْتَدَى وَقَهَرَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَمْ يَرْقُبْ فِي آلِ مُحَمَّدٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، يُرَاعِي مِثْلَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَيَسْتَرْضِيهِ؟ وَهُوَ قَدْ رَدَّ شَهَادَةَ أُمِّ أَيْمَنَ وَلَمْ يَسْتَرْضِهَا، وَأَغْضَبَ فَاطِمَةَ وَآذَاهَا، وَهِيَ أَحَقُّ بِالِاسْتِرْضَاءِ. فَمَنْ يَفْعَلُ (¬5) مِثْلَ هَذَا أَيُّ حَاجَةٍ بِهِ (¬6) إِلَى اسْتِرْضَاءِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ؟ وَإِنَّمَا يُسْتَرْضَى الشَّخْصُ لِلدِّينِ أَوْ لِلدُّنْيَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ دِينٌ يَحْمِلُهُمْ عَلَى اسْتِرْضَاءِ مَنْ يَجُبُ اسْتِرْضَاؤُهُ، وَلَا هُمْ مُحْتَاجُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَيْهِ، فَأَيُّ دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اسْتِرْضَائِهِ؟ وَلَا هُمْ مُحْتَاجُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَيْهِ، فَأَيُّ دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اسْتِرْضَائِهِ؟ وَالرَّافِضَةُ مِنْ جَهْلِهِمْ وَكَذِبِهِمْ يَتَنَاقَضُونَ تَنَاقُضًا [كَثِيرًا] (¬7) بَيِّنًا إِذْ هُمْ (¬8) فِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ. ¬

(¬1) مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: لَهُ. (¬3) أ، ب: إِنَّهُ اسْتَرْضَاهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن: وَظَلَمُوا وَصِيَّهُ وَصَيَّغُوهُ ; م: وَظَلَمُوا وَصِيَّتَهُ وَصَيَّغُوهُ، أ: وَظَلَمُوا وَصِيَّهُ وَغَضَّبُوهُ ; ص: وَظَلَمُوا وَصِيَّتَهُ وَأَغْضَبُوهُ. (¬5) أ، ب: فَمَنْ فَعَلَ. (¬6) أ: أَيُّ حَاجَةٍ لَهُ ; ب: فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُ. (¬7) كَثِيرًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ب (فَقَطْ) : أَوْ هُمْ.

زعم الرافضي أن رسول الله سمى عليا فاروق أمته والرد عليه

[زعم الرافضي أن رسول الله سمى عليا فاروق أمته والرد عليه] فَصْلٌ ر، هـ، ص: الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ. . قَالَ الرَّافِضِيُّ فِي (¬1) : " وَسَمَّوْا عُمَرَ الْفَارُوقَ (¬2) ، وَلَمْ يُسَمُّوا عَلِيًّا [عَلَيْهِ السَّلَامُ] عَلَيْهِ السَّلَامُ: (¬3) بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ [فِيهِ] (¬4) : «هَذَا فَارُوقُ أُمَّتِي يَفْرُقُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.» وَقَالَ [ابْنُ] عُمَرَ (¬5) : مَا كُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬6) ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: أَمَّا هَذَانِ الْحَدِيثَانِ فَلَا يَسْتَرِيبُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُمَا (¬7) حَدِيثَانِ مَوْضُوعَانِ مَكْذُوبَانِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُرْوَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي [شَيْءٍ مِنْ] (¬8) كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَيْنِ لَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَا كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ. . وَيُقَالُ: ثَانِيًا: مَنِ احْتَجَّ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْعِيَّةٍ بِحَدِيثٍ فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يُسْنِدَهُ، فَكَيْفَ فِي مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ؟ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ¬

(¬1) (ك ; ص 111 (م) . (¬2) أ، ب: فَارُوقًا. (¬3) فِي: (و) ، (ك) . وَفِي (أ) ، (ب) ، (هـ) ، (ر) ، (ص) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬4) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) . (¬5) ن، م: وَقَالَ عُمَرُ. (¬6) عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي (و) ، (ك) فَقَطْ. (¬7) ن، م، و: فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُمَا. (¬8) شَيْءٍ مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَيْسَ حُجَّةً بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَكَانَ كُلُّ حَدِيثٍ قَالَ فِي وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " حُجَّةً، وَنَحْنُ نَقْنَعُ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنْ يُرْوَى الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِ مَعْرُوفِينَ (¬1) بِالصِّدْقِ مِنْ أَيِّ طَائِفَةٍ كَانُوا. لَكِنْ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ لَهُ إِسْنَادٌ، فَهَذَا النَّاقِلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُكَذِّبْهُ بَلْ نَقَلَهُ مِنْ كِتَابِ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ النَّاقِلُ لَمْ يَعْرِفْ عَمَّنْ نَقَلَهُ. وَمِنَ الْمَعْرُوفِ كَثْرَةُ الْكَذِبِ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ (22) : (¬2) ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَمْ يُعْرَفْ إِسْنَادُهُ؟ . وَيُقَالُ: ثَالِثًا: مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ مَنْ لَهُ خِبْرَةً أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ أَعْظَمُ (¬3) . النَّاسِ بَحْثًا عَنْ أَقْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَلَبًا لِعِلْمِهَا، وَأَرْغَبُ النَّاسِ فِي اتِّبَاعِهَا، وَأَبْعَدُ النَّاسِ عَنِ اتِّبَاعِ [هَوًى] (¬4) يُخَالِفُهَا، فَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ هَذَا، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَوْلَى مِنْهُمْ بِاتِّبَاعِ قَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ قَوْلَهُ إِيمَانًا بِهِ، وَمَحَبَّةً لِمُتَابَعَتِهِ، لَا لِغَرَضٍ لَهُمْ فِي الشَّخْصِ الْمَمْدُوحِ. وَلِهَذَا يَذْكُرُونَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، كَمَا يَذْكُرُونَ مَا قَالَهُ مِنْ فَضَائِلِ عُثْمَانَ، كَمَا يَذْكُرُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ، كَمَا يَذْكُرُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِ الْمُهَاجِرِينَ، وَفَضَائِلِ بَنِي ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : مَعْرُوفٍ. (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: أَهْلَ الْحَدِيثِ مِنْ أَعْظَمِ. (¬4) هَوًى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

إِسْمَاعِيلَ وَبَنِي فَارِسَ وَيَذْكُرُونَ فَضَائِلَ بَنِي هَاشِمٍ (¬1) وَيَذْكُرُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِ [طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، كَمَا يَذْكُرُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِ] (¬2) سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ [وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَيَذْكُرُونَ] (¬3) مِنْ فَضَائِلِ عَائِشَةَ، [كَمَا يَذْكُرُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ] فَضَائِلِ فَاطِمَةَ (¬4) . وَخَدِيجَةَ، فَهُمْ فِي [أَهْلِ] (¬5) الْإِسْلَامِ كَأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَهْلِ الْمِلَلِ: يَدِينُونَ (¬6) بِكُلِّ رَسُولٍ وَكُلِّ (¬7) كِتَابٍ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا. فَلَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ: هَذَا فَارُوقُ أُمَّتِي، لَقَبِلُوا ذَلِكَ وَنَقَلُوهُ، كَمَا نَقَلُوا هـ، ر، ص: كَمَا قَبِلُوا وَنَقَلُوا. قَوْلَهُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: " «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ ¬

(¬1) أ: وَيَذْكُرُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِ 000 وَفَضَائِلِ بَنِي هَاشِمٍ (وَفِي الْهَامِشِ: بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ) ; ب: وَيَذْكُرُونَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِ قُرَيْشٍ وَفَضَائِلِ بَنِي هَاشِمٍ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) فَقَطْ. مَا ذَكَرَهُ ن، م: وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَمَا ذَكَرَهُ. (¬4) ن، م: مِنْ فَضَائِلِ عَائِشَةَ وَفَضَائِلِ فَاطِمَةَ (¬5) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: يُؤْمِنُونَ. (¬7) أ، ب: وَبِكُلِّ.

الْأُمَّةِ» " (¬1) وَقَوْلَهُ لِلزُّبَيْرِ: " «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» (¬2) " وَكَمَا قَبِلُوا وَنَقَلُوا (¬3) قَوْلَهُ لِعَلِيٍّ: " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ [غَدًا] (¬4) رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» (¬5) وَحَدِيثُ الْكِسَاءِ لَمَّا قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ: " «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» (¬6) " وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/25 26 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي عُبَيْدَةَ) وَنَصُّهُ: " أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَأَنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ " ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/316 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي عُبَيْدَةَ) وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: " هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/49 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. . فَضْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ. .) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/15 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا 5/21 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ) . وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 4/1879 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ. .) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/45 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. .، فَضْلُ الزُّبَيْرِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/78 79، 131، 138 (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ، (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/307، 314 وَصَفَحَاتٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬3) أ، ب: وَكَمَا نَقَلُوا ; ر، هـ، ص: وَكَمَا نَقَلُوا وَقَبِلُوا. (¬4) غَدًا: فِي (ص) فَقَطْ. (¬5) جَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو بُرَيْدَةَ وَسَلَمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/18 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ; مُسْلِمٍ 4/1871 1872 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ، التِّرْمِذِيِّ 5/301 302 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/43 44 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. .، فَضْلُ عَلِيٍّ. .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/97 98، (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/353 354، 358 359. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 2.

وَيُقَالُ: رَابِعًا: كُلٌّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ يُعْلَمُ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ كَذِبٌ، لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنَّهُ يُقَالُ: مَا الْمَعْنَى بِكَوْنِ (¬1) عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (¬2) فَارُوقَ الْأُمَّةِ يَفْرُقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؟ إِنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ (¬3) ، فَيُمَيِّزُ [بَيْنَ] (¬4) الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ: لَا نَبِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 101] ، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْلَمُ عَيْنَ كُلِّ مُنَافِقٍ فِي مَدِينَتِهِ وَفِيمَا حَوْلَهَا، فَكَيْفَ يَعْلَمُ (¬5) ذَلِكَ غَيْرُهُ؟ . وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يَذْكُرُ صِفَاتِ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ، فَالْقُرْآنُ قَدْ (¬6) بَيَّنَ ذَلِكَ غَايَةَ الْبَيَانِ، وَهُوَ الْفُرْقَانُ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ (¬7) . الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِلَا رَيْبٍ. وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ كَانَ عَلَى الْحَقِّ وَمَنْ قَاتَلَهُ كَانَ عَلَى الْبَاطِلِ (88) : (¬8) . فَيُقَالُ: هَذَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا (¬9) التَّمْيِيزُ بَيْنَ تِلْكَ الطَّائِفَةِ ¬

(¬1) ن، م: مَا الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ. (¬2) أ، ب: عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. (¬3) أ، ب: يُمَيِّزُ أَهْلَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. (¬4) بَيْنَ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬5) م، ر، ص، هـ، وَ: يَعْرِفُ. (¬6) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: فَرَقَّ لِنَبِيِّهِ بَيْنَ. .، وَ: فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ. (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) ن، م، وَ: صَحِيحًا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا.

الْمُعَيَّنَةِ. وَحِينَئِذٍ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَاتَلُوا بِالْمُؤْمِنِينَ أَهْلِ الْحَقِّ الْكُفَّارَ (¬1) أَهِلَ الْبَاطِلِ، فَكَانَ التَّمْيِيزُ الَّذِي حَصَلَ بِفِعْلِهِمْ أَكْمَلَ وَأَفْضَلَ ; فَإِنَّهُ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الثَّلَاثَةُ كَانُوا أَوْلَى بِالْبَاطِلِ مِمَّنْ قَاتَلَهُمْ (¬2) عَلِيٌّ، وَكُلَّمَا كَانَ الْعَدُوُّ أَعْظَمَ بَاطِلًا كَانَ عَدُوُّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ. وَلِهَذَا كَانَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ [مَنْ] قَتَلَهُ نَبِيٌّ (¬3) ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ بَاشَرُوا الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّكْذِيبِ وَالْمُعَادَاةِ، كَأَبِي لَهَبٍ وَأَبِي جَهْلٍ، شَرًّا مِنْ غَيْرِهِمْ. فَإِذَا كَانَ مَنْ قَاتَلَهُ (¬4) الثَّلَاثَةُ أَعْظَمَ بَاطِلًا، كَانَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ أَعْظَمَ حَقًّا، فَيَكُونُوا أَوْلَى بِالْفُرْقَانِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ فَارُوقٌ ; لِأَنَّ مَحَبَّتَهُ هِيَ الْمُفَرِّقَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. قِيلَ: أَوَّلًا: هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ بِهِ فَارُوقًا. وَقِيلَ: ثَانِيًا: بَلْ مَحَبَّةُ (¬5) رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ تَفْرِيقًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ (¬6) . وَقِيلَ: ثَالِثًا: لَوْ عَارَضَ هَذَا (¬7) مُعَارِضٌ فَجَعَلَ مَحَبَّةَ عُثْمَانَ هِيَ الْفَارِقَةُ ¬

(¬1) ر، هـ، وَ: لِلْكُفَّارِ. (¬2) ن، م: مِنَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ. (¬3) ن، م: مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، ر، هـ، ص، و: مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ. (¬4) أ، ب: قَتَلَهُ. (¬5) أ، ب: إِنَّ مَحَبَّةَ. (¬6) الْمُسْلِمِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ لَمْ تَكُنْ (¬1) دَعْوَاهُ دُونَ دَعْوَى ذَلِكَ فِي عَلِيٍّ، مَعَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ لَمَّا ذَكَرَ الْفِتْنَةَ: " «هَذَا يَوْمَئِذٍ (¬2) . وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْحَقِّ» " (¬3) . وَأَمَّا إِذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْمُقَابَلَةِ. وَمَنْ كَانَ قَوْلُهُ مُجَرَّدَ دَعْوَى أَمْكَنَ مُقَابَلَتُهُ بِمِثْلِهِ (¬4) . وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ مُطْلَقُ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْغَالِيَةُ كَالْمُدَّعِينَ لِإِلَهِيَّتِهِ وَنُبُوَّتِهِ، فَيَكُونُ هَؤُلَاءِ أَهْلَ حَقٍّ (¬5) وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْمَحَبَّةُ الْمُطْلَقَةُ (¬6) فَالشَّأْنُ فِيهَا، فَأَهْلُ (¬7) السُّنَّةِ يَقُولُونَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الشِّيعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَحَبَّةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِلْغُلُوِّ هِيَ ¬

(¬1) أ، ب: فَلَمْ يَكُنْ. (¬2) أ: الْفِتْنَةُ يَوْمَئِذٍ، ب: الْفِتْنَةُ يَكُونُ هَذَا (¬3) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا فِي سُنَنِهِ 5/291 292 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ) جَاءَ فِيهِ أَنَّ مُرَّةَ بْنَ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَوْلَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قُمْتُ، وَذَكَرَ الْفِتَنَ فَقَرَّبَهَا فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ، فَقَالَ: " هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى " فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ". وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا آخَرَ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ 5/292 293 عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى، وَقَالَ عَنْهُ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ". وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 8/216 217 عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ". (¬4) ن، م: مُقَابَلَتُهُ بِهَا. (¬5) ص، ن: فَيَكُونُونَ هَؤُلَاءِ أَهْلَ الْحَقِّ، أ، ب: فَيَكُونُ هَؤُلَاءِ أَهْلَ الْحَقِّ. (¬6) ر، هـ، ص، و: الْمُطَابَقَةُ. (¬7) ب (فَقَطْ) . . لِأَهْلِ.

كَمَحَبَّةِ الْيَهُودِ لِمُوسَى، وَالنَّصَارَى لِلْمَسِيحِ، وَهِيَ مَحَبَّةٌ بَاطِلَةٌ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَحَبَّةَ الصَّحِيحَةَ (¬1) أَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ ذَلِكَ الْمَحْبُوبَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَوِ اعْتَقَدَ رَجُلٌ فِي بَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ أَنَّهُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ فَأَحَبَّهُ، (¬2) قَدْ أَحَبَّ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ ; لِأَنَّهُ أَحَبَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ، فَقَدْ أَحَبَّ مَعْدُومًا لَا مَوْجُودًا، كَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَوَهَّمَ أَنَّهَا عَظِيمَةُ الْمَالِ وَالْجَمَالِ وَالدِّينِ وَالْحَسَبِ فَأَحَبَّهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا دُونَ مَا ظَنَّهُ بِكَثِيرٍ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حُبَّهُ يَنْقُصُ بِحَسَبِ نَقْصِ اعْتِقَادِهِ، إِذِ الْحُكْمُ إِذَا ثَبَتَ لِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا. فَالْيَهُودِيُّ إِذَا أَحَبَّ (¬3) مُوسَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَالَ: تَمَسَّكُوا بِالسَّبْتِ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَأَنَّهُ نَهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْمَسِيحِ (¬4) وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ مُوسَى كَذَلِكَ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ (¬5) حَقِيقَةُ مُوسَى [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬6) يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُحِبُّ (¬7) مُوسَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَحَبَّ مَوْصُوفًا بِصِفَاتٍ لَا وُجُودَ لَهَا، فَكَانَتْ مَحَبَّتُهُ (¬8) ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : بَاطِلَةٌ وَالْمَحَبَّةُ الصَّحِيحَةُ. (¬2) لَكَانَ أ، ب: كَانَ. (¬3) أ، ب: وَالْيَهُودُ إِذَا أَحَبُّوا. (¬4) أ، ب: ص: عِيسَى. (¬5) ب (فَقَطْ) : لَهُمْ. (¬6) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬7) ب (فَقَطْ) : عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُحِبُّونَ. . (وَاسْتَمَرَّتْ نُسْخَةُ (ب) عَلَى اسْتِعْمَالِ أُسْلُوبِ الْجَمْعِ) . (¬8) ن، م: مَحَبَّةً.

بَاطِلَةً، فَلَمْ يَكُنْ مَعَ مُوسَى الْمُبَشِّرِ بِعِيسَى الْمَسِيحِ (¬1) وَمُحَمَّدٍ. وَقَدْ ثَبَتَ (¬2) فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» (¬3) ". وَالْيَهُودِيُّ لَمْ يُحِبَّ إِلَّا مَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، فَلَا يَكُونُ مَعَ مُوسَى الْمُبَشِّرِ بِعِيسَى (¬4) . وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يُحِبَّ مُوسَى هَذَا. وَالْحُبُّ وَالْإِرَادَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ يَتْبَعُ الْعِلْمَ وَالِاعْتِقَادَ، فَهُوَ فَرْعُ الشُّعُورِ (¬5) ، فَمَنِ اعْتَقَدَ بَاطِلًا فَأَحَبَّهُ، كَانَ مُحِبًّا لِذَلِكَ الْبَاطِلِ، وَكَانَتْ مَحَبَّتُهُ بَاطِلَةً فَلَمْ تَنْفَعْهُ، وَهَكَذَا مَنْ (¬6) اعْتَقَدَ فِي بَشَرٍ الْإِلَهِيَّةَ فَأَحَبَّهُ لِذَلِكَ، كَمَنِ اعْتَقَدَ إِلَهِيَّةَ فِرْعَوْنَ وَنَحْوَهُ (¬7) ، أَوْ أَئِمَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، أَوِ اعْتَقَدَ الْإِلَهِيَّةَ فِي بَعْضِ الشُّيُوخِ، أَوْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَوْ فِي (¬8) بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الْمَلَائِكَةِ، كَالنَّصَارَى وَنَحْوِهِمْ (¬9) ، وَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَأَحَبَّهُ، كَانَ حُبُّهُ لِذَلِكَ الْحَقِّ فَكَانَتْ مَحَبَّتُهُ مِنَ الْحَقِّ فَنَفَعَتْهُ (¬10) . ¬

(¬1) بِعِيسَى الْمَسِيحِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِالْمَسِيحِ. (¬2) أ، ب: وَثَبَتَ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/39 40 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ عَلَامَةِ حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ; مُسْلِمٍ 4/2034 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/22 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الْمُسْنَدِ. (¬4) بِعِيسَى: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِالْمَسِيحِ (¬5) أ: فَهُوَ فَرْعُ السُّعُودِ. وَسَقَطَتِ الْعِبَارَةُ كُلُّهَا مِنْ (ب) . (¬6) أ: وَكَذَلِكَ مَنْ ; ب: وَذَلِكَ كَمَنِ. (¬7) وَنَحْوَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬8) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬9) أ، ب: كَاعْتِقَادِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ ; وَ: كَالنُّصَيْرِيَّةِ وَنَحْوِهِ. (¬10) أ، ب: فَنَفَعَهُ ; ن، م: فَيَنْفَعُهُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ - ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 1 - 2] . وَهَكَذَا النَّصْرَانِيُّ (¬1) مَعَ الْمَسِيحِ: إِذَا (¬2) أَحَبَّهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ إِلَهٌ - وَكَانَ عَبْدًا - كَانَ قَدْ أَحَبَّ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمَسِيحَ عَبْدٌ رَسُولٌ (¬3) لَمْ يَكُنْ قَدْ أَحَبَّهُ، فَلَا يَكُونَ مَعَهُ. وَهَكَذَا مَنْ أَحَبَّ الصَّحَابَةَ [وَالتَّابِعِينَ] (¬4) وَالصَّالِحِينَ مُعْتَقِدًا فِيهِمُ الْبَاطِلَ، كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لِذَلِكَ الْبَاطِلِ بَاطِلَةً. وَمَحَبَّةُ الرَّافِضَةِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ هَذَا الْبَابِ ; فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ مَا لَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ الْمَنْصُوصُ عَلَى إِمَامَتِهِ، الَّذِي لَا إِمَامَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا هُوَ، الَّذِي كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ (¬5) أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ظَالِمَانِ مُعْتَدِيَانِ أَوْ كَافِرَانِ (¬6) ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ أَحَدِهِمْ (¬7) ، وَإِنَّهُ كَانَ مُقِرًّا بِإِمَامَتِهِمْ وَفَضْلِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لَا هُوَ وَلَا هُمْ (¬8) ، وَلَا كَانَ مَنْصُوصًا عَلَى ¬

(¬1) أ، ب، ن، م: النَّصَارَى. (¬2) أ: وَإِذَا، ب: فَإِذَا. (¬3) أ: عَبْدًا رَسُولًا ; ب: عَبْدٌ وَرَسُولٌ، وَ: عَبْدٌ رَسُولُ اللَّهِ. (¬4) وَالتَّابِعِينَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ ب) فَقَطْ. (¬6) ب (فَقَطْ) : وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ظَالِمِينَ مُتَعَدِّينَ أَوْ كَافِرِينَ. (¬7) أ (فَقَطْ) : أَحَدِهِمَا. (¬8) ص: لَا هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ.

إِمَامَتِهِ، تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُحِبُّونَ عَلِيًّا، بَلْ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ بُغْضًا لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّهُمْ يُبْغِضُونَ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي عَلِيٍّ أَكْمَلَ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ: مِنْ إِثْبَاتِ إِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ وَتَفْضِيلِهِمْ، فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُفَضِّلُهُمْ وَيُقِرُّ بِإِمَامَتِهِمْ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مُبْغِضُونَ لِعَلِيٍّ (¬1) قَطْعًا. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ «عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ لَعَهْدُ (¬2) النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ أَنَّهُ (¬3) " لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» " (¬4) إِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا ثَابِتًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَا تُحِبُّهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، بَلْ مَحَبَّتُهُمْ مِنْ جِنْسِ مَحَبَّةِ الْيَهُودِ لِمُوسَى وَالنَّصَارَى لِعِيسَى (¬5) ، بَلِ الرَّافِضَةُ تُبْغِضُ نُعُوتَ عَلِيٍّ وَصِفَاتِهِ، كَمَا تُبْغِضُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نُعُوتَ مُوسَى وَعِيسَى، فَإِنَّهُمْ يُبْغِضُونَ مَنْ أَقَرَّ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (55) : (¬6) وَكَانَا مُقِرَّيْنِ بِهَا (¬7) [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ] (¬8) . ¬

(¬1) أ، ب، و: يُبْغِضُونَ عَلِيًّا. (¬2) أ: يَعْهَدُ. (¬3) ب: أَنَّ. وَسَقَطَتْ مِنْ (أ) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1/86 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُبَّ الْأَنْصَارِ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنَ الْإِيمَانِ. .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/306 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/42 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. .، فَضْلُ عَلِيٍّ. .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/57. وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْمُسْنَدِ. (¬5) وَ: مِنْ جِنْسِ مَحَبَّةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمُوسَى وَعِيسَى. (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ب (فَقَطْ) : وَكَانُوا مُقِرِّينَ بِهِ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (وَ) فَقَطْ.

وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْخًا عَلَى أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، كَمَنِ اعْتَقَدَ فِي شَيْخٍ أَنَّهُ يَشْفَعُ فِي مُرِيدِيهِ (¬1) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ (¬2) يَرْزُقُهُ وَيَنْصُرُهُ وَيُفَرِّجُ عَنْهُ الْكُرُبَاتِ (¬3) وَيُجِيبُهُ فِي الضَّرُورَاتِ، (* كَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ عِنْدَهُ خَزَائِنَ اللَّهِ، أَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، أَوْ أَنَّهُ مَلَكٌ، وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ *) (¬4) أَحَبَّ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» ، لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» " (¬5) وَقَالَ: «لَا يُحِبُّ الْأَنْصَارَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا ¬

(¬1) ن، م: فِي حَقِّ مُرِيدِيهِ. (¬2) ر، هـ، ص، و، أ: أَوْ أَنَّهُ. (¬3) ب (فَقَطْ) وَيُفَرِّجُ كُرْبَانَهُ. (¬4) (**) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي. . الْبُخَارِيِّ 5/23 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ حُبِّ الْأَنْصَارِ) ، مُسْلِمٍ 1/85 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُبَّ الْأَنْصَارِ. . .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/130، 134، 249. وَقَالَ: " لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ أ، ب: مُؤْمِنٌ. بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: مُسْلِمٍ 1/86 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُبَّ الْأَنْصَارِ. . .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/373 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي فَضْلِ الْأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ) ، الْمُسْنَدِ، (ط. الْمَعَارِفِ) 4/293، 18/114 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْمُسْنَدِ.

مُنَافِقٌ» " (¬1) . وَفِي [الْحَدِيثِ] (¬2) الصَّحِيحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لَهُ وَلِأُمِّهِ أَنْ يُحَبِّبَهُمَا اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَلَا تَجِدُ مُؤْمِنًا إِلَّا يُحِبُّنِي وَأُمِّي (¬3) وَهَذَا مِمَّا يَبِينُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا [الْحَدِيثِ] وَبَيْنَ الْحَدِيثِ (¬4) الَّذِي رُوِيَ (¬5) عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " مَا كُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا " (¬6) فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ عَالِمٍ أَنَّهُ كَذِبٌ ; ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/32 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ حُبِّ الْأَنْصَارِ) ، مُسْلِمٍ 1/85 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ حُبَّ الْأَنْصَارِ. .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/371 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ مِنْ فَضْلِ الْأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/283 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْمُسْنَدِ. (¬2) الْحَدِيثِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) هَذَا حَدِيثٌ مُطَوَّلٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ: " اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ "، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكِ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبَ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ ". فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي. وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1938 1939 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي هُرَيْرَةَ. . .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 16/113 114. . (¬4) أ، ب: يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثِ. . .، ن، م، و: يُبَيَّنُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَدِيثِ. (¬5) الَّذِي رَوَى: كَذَا فِي (ص) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الَّذِي رَوَاهُ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/298 299 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ. .) وَلَفْظُهُ: " وَإِنْ كُنَّا لَنَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ بِبُغْضِهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ". وَفِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " لِلْهَيْثَمِيِّ 9/132 133: " وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنَّا نَعْرِفُ مُنَافِقِينَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. وَالْبَزَّارُ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ مُنَافِقِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، بِأَسَانِيدَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ". وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ عَنِ ابْن عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

لِأَنَّ النِّفَاقَ لَهُ عَلَامَاتٌ كَثِيرَةٌ وَأَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ غَيْرُ بُغْضِ عَلِيٍّ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ عَلَى النِّفَاقِ عَلَامَةٌ إِلَّا بُغْضَ عَلِيٍّ؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «آيَةُ (¬1) النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» " وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (¬2) ". وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 58] ، {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 61] ، {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 75] ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 49] ، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 124] . وَذَكَرَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " وَغَيْرِهَا مِنَ الْعَلَامَاتِ وَالصِّفَاتِ مَا لَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَوْضِعُ لِبَسْطِهِ (¬3) . بَلْ لَوْ قَالَ: كُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ بِبُغْضِ عَلِيٍّ لَكَانَ مُتَوَجِّهًا (¬4) ، كَمَا أَنَّهُمْ أَيْضًا يُعْرَفُونَ بِبُغْضِ الْأَنْصَارِ، [بَلْ] (¬5) وَبِبُغْضِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ¬

(¬1) أ، ب: إِنَّ آيَةَ. (¬2) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2/82. (¬3) أ: مَا لَمْ يَتَّسِعْ هَذَا الْمَوْضُوعَ بَسْطُهُ، ب: مَا لَا يَسَعُ هَذَا الْمَوْضُوعَ بَسْطُهُ. (¬4) أ، ب: مُتَّجِهًا. (¬5) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَبِبُغْضِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَبْغَضَ مَا يُعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّهُ وَيُوَالِيهِ، وَأَنَّهُ كَانَ (¬1) يُحِبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوَالِيهِ، كَانَ بُغْضُهُ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ النِّفَاقِ (¬2) ، وَالدَّلِيلُ يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ. وَلِهَذَا كَانَ أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ نِفَاقًا الْمُبْغِضِينَ (¬3) لِأَبِي بَكْرٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ أَحَبُّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، وَلَا كَانَ فِيهِمْ أَعْظَمُ حُبًّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، فَبُغْضُهُ مِنْ أَعْظَمِ [آيَاتِ] (¬4) النِّفَاقِ. وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ الْمُنَافِقُونَ فِي طَائِفَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا فِي مُبْغَضِيهِ، كَالْنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ (¬5) . وَإِنْ (¬6) قَالَ قَائِلٌ: فَالرَّافِضَةُ (¬7) الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُ يَظُنُّونَ أَنَّهُ كَانَ عَدُوًّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا يُذْكَرُ لَهُمْ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي تَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يُبْغِضُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلَ بَيْتِهِ فَأَبْغَضُوهُ (¬8) لِذَلِكَ. قِيلَ: إِنْ كَانَ هَذَا عُذْرًا يَمْنَعُ نِفَاقَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُ جَهْلًا وَتَأْوِيلًا، فَكَذَلِكَ الْمُبْغِضُونَ لِعَلِيٍّ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، أَوْ ظَالِمٌ فَاسِقٌ، فَأَبْغَضُوهُ لِبُغْضِهِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ، أَوْ لِمَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَأَمَرَ بِهِ مِنَ الْعَدْلِ، وَلِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ الْمُؤْمِنِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَرَادَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَفَسَادًا، ¬

(¬1) أ، ب: وَإِنْ كَانَ. (¬2) ن، م، و: كَانَ بُغْضُهُ دَلِيلًا عَلَى نِفَاقِهِ. (¬3) الْمُبْغِضِينَ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْمُبْغِضُونَ. (¬4) آيَاتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ، ب: وَنَحْوِهِمْ. (¬6) ب (فَقَطْ) : فَإِنْ. (¬7) أ، ب: الرَّافِضَةُ. (¬8) أ، ب: فَيُبْغِضُونَهُ.

كلام الرافضي على خديجة وعائشة رضي الله عنهما والجواب عليه

وَكَانَ كَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانُوا جُهَّالًا فَلَيْسُوا بِأَجْهَلَ مِمَّنِ اعْتَقَدَ فِي عُمَرَ أَنَّهُ فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُغْضُ أُولَئِكَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ نِفَاقًا لِجَهْلِهِمْ وَتَأْوِيلِهِمْ فَكَذَلِكَ بُغْضُ هَؤُلَاءِ لِعَلِيٍّ بِطَرِيقِ (¬1) الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَإِنْ كَانَ بُغْضُ عَلِيٍّ نِفَاقًا وَإِنْ كَانَ الْمُبْغِضُ جَاهِلًا مُتَأَوِّلًا فَبُغْضُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَولَى أَنْ يَكُونَ نِفَاقًا حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُبْغِضُ جَاهِلًا مُتَأَوِّلًا. [كلام الرافضي على خديجة وعائشة رضي الله عنهما والجواب عليه] (فَصْلٌ) ر، هـ، ص: الْفَصْلُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ. قَالَ الرَّافِضِيُّ فِي (ك) ص [0 - 9] 11 (م) 112 (م) . : " وَأَعْظَمُوا أَمْرَ عَائِشَةَ عَلَى بَاقِي نِسْوَانِهِ، مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬2) «كَانَ يُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: إِنَّكَ تُكْثِرُ [مِنْ] (¬3) ذِكْرِهَا، وَقَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا بُدِّلْتُ بِهَا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا ك: أُبْدِلْتُ بِهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا. صَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَآوَتْنِي إِذْ طَرَدَنِي النَّاسُ، وَأَسْعَدَتْنِي بِمَالِهَا، وَرَزَقَنِي اللَّهُ الْوَلَدَ مِنْهَا، وَلَمْ أُرْزَقْ مِنْ غَيْرِهَا» ) . وَالْجَوَابُ أَوَّلًا أَوَّلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (ص) . : أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَيْسُوا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ ¬

(¬1) أ، ب: بِالطَّرِيقِ. (¬2) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬3) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) .

أَفْضَلُ نِسَائِهِ، بَلْ قَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» " (¬1) وَالثَّرِيدُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَطْعِمَةِ لِأَنَّهُ خُبْزٌ وَلَحْمٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا مَا الْخُبْزُ تَأَدَّمُهُ بِلَحْمٍ ... فَذَاكَ أَمَانَةُ اللَّهِ الثَّرِيدُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْبُرَّ أَفْضَلُ الْأَقْوَاتِ، وَاللَّحْمَ أَفْضَلُ الْإِدَامِ (¬2) ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَيِّدُ إِدَامِ [أَهْلِ] أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» " (¬3) فَإِذَا كَانَ اللَّحْمُ سَيِّدَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/29 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ فَضْلِ عَائِشَةَ. .) ; مُسْلِمٍ 4/1895 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضْلِ عَائِشَةَ. .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/365 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ. .) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى " ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/63، 64 (كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ، بَابُ حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ) وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُوسَى وَعَنْ عَائِشَةَ ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1901 1092 (كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ، بَابُ فَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/106 (كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ الثَّرِيدِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/156، 264، 4/394، 409، 6/159. (¬2) ص: الْأُدُمِ. (¬3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَنَصُّهُ: " سَيِّدُ الْإِدَامِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ، وَسَيِّدُ الشَّرَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمَاءُ، وَسَيِّدُ الرَّيَاحِينِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْفَاغِيَةُ ". قَالَ السُّيُوطِيُّ: " طس: الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي " الطِّبِّ " ; هب: الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ بُرَيْدَةَ " وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 3/230: " ضَعِيفٌ جِدًّا ". وَوَجَدْتُ الْحَدِيثَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1099 (كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ، بَابُ اللَّحْمِ) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَفْظِ: " سَيِّدُ طَعَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ " وَضَعَّفَ الْمُعَلِّقُ الْحَدِيثَ. كَمَا ضَعَّفَ الْعَجْلُونِيُّ الْحَدِيثَ فِي " كَشْفِ الْخَفَاءِ " 1/461 - 462 وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ كَلَامًا مُفَصَّلًا.

الْإِدَامِ، وَالْبُرُّ سَيِّدَ الْأَقْوَاتِ، وَمَجْمُوعُهُمَا الثَّرِيدَ، كَانَ الثَّرِيدُ أَفْضَلَ الطَّعَامِ. وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ أَنَّهُ قَالَ: " «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» ". وَفِي الصَّحِيحِ «عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ (¬1) أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " عَائِشَةُ " قُلْتُ: (¬2) الرِّجَالِ؟ قَالَ: " أَبُوهَا " قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " عُمَرُ " وَسَمَّى رِجَالًا» (¬3) وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: قَوْلُهُ لِخَدِيجَةَ: " مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِخَيْرٍ مِنْهَا " (¬4) : إِنْ صَحَّ مَعْنَاهُ: [مَا] (¬5) أَبْدَلَنِي بِخَيْرٍ (¬6) لِي مِنْهَا ; لِأَنَّ (¬7) خَدِيجَةَ نَفَعَتْهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ نَفْعًا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا فِيهِ مَقَامَهَا، فَكَانَتْ خَيْرًا لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لِكَوْنِهَا نَفَعَتْهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ، لَكِنَّ عَائِشَةَ (¬8) صَحِبَتْهُ فِي آخِرِ النُّبُوَّةِ وَكَمَالِ الدِّينِ، فَحَصَلَ لَهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إِلَّا ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : النِّسَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) مِنْ ب (فَقَطْ) : وَمِنَ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/5 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) ; مُسْلِمٍ 4/1856 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. . .) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/365 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ. .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/203.. (¬4) أ: مَا أَبْدَلَنِي بِخَيْرٍ مِنْهَا ; ب: مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا. (¬5) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ب: خَيْرًا. (¬7) أ، ب: فَإِنَّ. (¬8) أ: لِكَوْنِ عَائِشَةَ ; ب: وَعَائِشَةُ.

أَوَّلَ زَمَنِ (¬1) النُّبُوَّةِ، فَكَانَتْ أَفْضَلَ بِهَذِهِ (¬2) الزِّيَادَةِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ انْتَفَعَتْ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا انْتَفَعَتْ بِغَيْرِهَا، وَبَلَغَتْ مِنَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ (¬3) مَا لَمْ يَبْلُغْهُ غَيْرُهَا، فَخَدِيجَةُ كَانَ خَيْرُهَا مَقْصُورًا عَلَى نَفْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تُبَلِّغْ عَنْهُ شَيْئًا، وَلَمْ تَنْتَفِعْ بِهَا الْأُمَّةُ كَمَا انْتَفَعُوا بِعَائِشَةَ، وَلَا كَانَ الدِّينُ قَدْ كَمَلَ أ (¬4) حَتَّى تُعَلِّمَهُ وَيَحْصُلَ لَهَا مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ بِهِ مَا حَصَلَ لِمَنْ عَلِمَهُ وَآمَنَ بِهِ (¬5) . بَعْدَ كَمَالِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنِ اجْتَمَعَ هَمُّهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَانَ أَبْلَغَ فِيهِ مِمَّنْ تَفَرَّقَ هَمُّهُ فِي أَعْمَالٍ مُتَنَوِّعَةٍ ; فَخَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - خَيْرٌ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ أَنْوَاعُ الْبِرِّ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ (¬6) [أَعْظَمَ إِيمَانًا وَأَكْثَرَ جِهَادًا بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، كَحَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَغَيْرِهِمْ - هُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ يَخْدِمُ النَّبِيَّ] (¬7) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْفَعُهُ فِي نَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ، كَأَبِي رَافِعٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي الْجُمْلَةِ الْكَلَامُ فِي تَفْضِيلِ عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ اسْتِقْصَائِهِ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى تَعْظِيمِ (¬8) عَائِشَةَ وَمَحَبَّتِهَا، وَأَنَّ نِسَاءَهُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ اللَّاتِي (¬9) مَاتَ عَنْهُنَّ كَانَتْ ¬

(¬1) زَمَنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: لِهَذِهِ. (¬3) أ، ب: وَالسِّنِّ. (¬4) : وَلِأَنَّ الدِّينَ قَدْ كَمَلَ ; ب: وَلِأَنَّ الدِّينَ لَمْ يَكُنْ قَدْ كَمَلَ. (¬5) أ، ب: مِنْ كَمَالَاتِهِ مَا حَصَلَ لِمَنْ عَلِمَ وَآمَنَ بِهِ (¬6) ن، م: مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ ; ص: أَصْحَابِهِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ص: تَفْضِيلِ. (¬9) أ، ب: اللَّوَاتِي

عَائِشَةُ أَحَبَّهُنَّ إِلَيْهِ وَأَعْلَمَهُنَّ (¬1) وَأَعْظَمَهُنَّ حُرْمَةً عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ (¬2) ، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ حُبِّهِ (¬3) إِيَّاهَا، حَتَّى إِنْ نِسَاءَهُ غِرْنَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَرْسَلْنَ إِلَيْهِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقُلْنَ لَهُ (¬4) : نَسْأَلُكَ الْعَدْلَ (¬5) فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. فَقَالَ لِفَاطِمَةَ: " أَيْ بُنَيَّةُ: (¬6) . تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ " قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: " فَأَحَبِّي هَذِهِ " الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬7) .. * وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا ¬

(¬1) وَأَعْلَمَهُنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . ; بَابُ فَضْلِ عَائِشَةَ. .) وَأَوَّلُهُ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ عَنْ عَائِشَةَ. . الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 4/1891 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ. .) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/362 - 363 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/64 (كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ، بَابُ حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/293. (¬3) أ، ب: مَحَبَّتِهِ. (¬4) أ: فَقُلْنَ لَهَا ; ب: تَقُولُ لَهُ. (¬5) ب (فَقَطْ) : نِسَاؤُكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ. (¬6) أَلَا أ، ب: أَمَا (¬7) أ: الْحَدِيثَ هُوَ الصَّحِيحَيْنِ ; ب: الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/156 - 157 (كِتَابُ الْهِبَةِ، بَابُ مَنْ أَهْدَى إِلَى صَاحِبِهِ وَتَحَرَّى بَعْضَ نِسَائِهِ دُونَ بَعْضٍ) ; مُسْلِمٍ 4/1891 - 1892 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ. .) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/62 - 63 (كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ، بَابُ حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/88، 150 - 151

عَائِشُ (¬1) هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ " فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ (¬2) ، تَرَى مَا لَا نَرَى *» (¬3) (¬4) " وَلَمَّا أَرَادَ فِرَاقَ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِإِذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) ، وَكَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ: " «أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ» (¬6) ؟ " اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمُرِّضَ فِيهِ، وَفِي بَيْتِهَا تُوَفِّي بَيْنَ سَحْرِهَا وَنَحْرِهَا وَفِي حِجْرِهَا (¬7) ، وَجَمَعَ اللَّهُ (¬8) بَيْنَ رِيقِهِ ¬

(¬1) أ، ب، هـ، ص: يَا عَائِشَةُ. (¬2) وَبَرَكَاتُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) (* - *) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬4) ن، م: أَرَى. وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/29 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .، بَابُ فَضْلِ عَائِشَةَ. .) 8/44 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَنْ دَعَا صَاحِبَهُ فَنَقَصَ عَنِ اسْمِهِ حَرْفًا) ; مُسْلِمٍ 4/1895 - 1896 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/485 (كِتَابُ الْأَدَبِ ; بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: فُلَانٌ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/159 (كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابٌ فِي تَبْلِيغِ السَّلَامِ) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/326 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابٌ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ) وَفِيهِ: وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَوْمِي لِعَائِشَةَ. . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/634 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ الْمَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا لِصَاحِبَتِهَا) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/117. (¬6) ن، م: غَدًا. (¬7) حَدِيثُ مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا: 6/11 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَفَاتِهِ) وَفِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأذِنَّ لَهُ. . الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 7/127 (كِتَابُ الطِّبِّ، بَابُ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. .) ; مُسْلِمٍ 1/312 - 313 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6، 117، 228 - 229. (¬8) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (أ) ، (ب) .

وَرِيقِهَا (¬1) . وَكَانَتْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مُبَارَكَةً عَلَى أُمَّتِهِ، حَتَّى قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ بِسَبَبِهَا: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ بَرَكَةً (¬2) . ¬

(¬1) أ، ب: بَيْنَ رِيقِهَا وَرِيقِهِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْبُخَارِيِّ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهَا: 6/13 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبِيدٍ. .) وَفِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوَفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. . الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 4/1893 (كِتَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ. .) وَنَصُّهُ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَتَفَقَّدُ وَيَقُولُ: " أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ " اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/48، 121 - 122، 200، 274. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا 1/70 (كِتَابُ التَّيَمُّمِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا. .) وَأَوَّلُهُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي. . . وَفِيهِ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخْذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَخْذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِين أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضِيرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. . الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/279 (كِتَابُ الْحَيْضِ، بَابُ التَّيَمُّمِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/133 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ بَدْءِ التَّيَمُّمِ) ; الْمُوَطَّأِ 1/53 - 45 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ هَذَا بَابٌ فِي التَّيَمُّمِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/179.

كلام الرافضي على عائشة رضي الله عنها أنها أذاعت سر رسول الله وخالفت أمر الله بالخروج على علي والرد عليه

وَكَانَ قَدْ نَزَلَتْ (¬1) آيَاتُ (¬2) بَرَاءَتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا رَمَاهَا أَهْلُ الْإِفْكِ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَجَعَلَهَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ (¬3) . [كلام الرافضي على عائشة رضي الله عنها أنها أذاعت سر رسول الله وخالفت أمر الله بالخروج على علي والرد عليه] فَصْلٌ. ر، هـ، ص: الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَأَذَاعَتْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّكِ تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ» (¬5) ، ثُمَّ إِنَّهَا خَالَفَتْ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] وَخَرَجَتْ (¬6) فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ لِتُقَاتِلَ عَلِيًّا عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ ¬

(¬1) أ، ب: وَقَدْ كَانَتْ نَزَلَتْ. (¬2) أ، ب، ص: آيَةُ. (¬3) أ، ب: مِنَ الصَّيِّنَاتِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَفِي (وَ) : " وَكَانَ قَدْ نَزَلَتْ آيَاتُ الْقَذْفِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا رَمَاهَا أَهْلُ الْإِفْكِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَهَا مِنَ السَّمَاءِ وَجَعَلَهَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ اللَّوَاتِي لِلطَّيِّبِينَ ". وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [سُورَةُ النُّورِ: 26] : " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. قَالَ: وَنَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ وَأَهْلِ الْإِفْكِ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَالضَّحَّاكِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ ". وَانْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. بُولَاقٍ) 18/84 - 86. (¬4) فِي (ك) ص [0 - 9] 12 (م) . (¬5) لَهُ: سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬6) ن، م، و: خَرَجَتْ.

عُثْمَانَ، وَكَانَتْ هِيَ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَأْمُرُ بِقَتْلِهِ، وَتَقُولُ: اقْتُلُوا نَعْثَلًا (¬1) . ، قَتَلَ اللَّهُ نَعْثَلًا ; لَمَّا (¬2) بَلَغَهَا قَتْلُهُ فَرِحَتْ بِذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلَتْ: مَنْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ؟ فَقَالُوا: عَلِيٌّ فَخَرَجَتْ لِقِتَالِهِ (¬3) عَلَى دَمِ عُثْمَانَ، فَأَيُّ ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَكَيْفَ (¬4) . اسْتَجَازَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا مُطَاوَعَتَهَا عَلَى ذَلِكَ؟ وَبِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ مَعَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ تَحَدَّثَ مَعَ (¬5) امْرَأَةِ غَيْرِهِ وَأَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا أَوْ سَافَرَ بِهَا (¬6) كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ، وَكَيْفَ أَطَاعَهَا عَلَى ذَلِكَ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ (¬7) مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَاعَدُوهَا عَلَى حَرْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (¬8) وَلَمْ يَنْصُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا طَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا شَخْصٌ وَاحِدٌ [كَلَّمَهُ] (¬9) بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؟ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ قَائِمُونَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءُ لِلَّهِ، وَقَوْلُهُمْ حَقٌّ وَعَدْلٌ لَا يَتَنَاقَضُ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ وَغَيْرُهُمْ ¬

(¬1) فِي هَامِشِ (ك) : " نَعْثَلَ: اسْمُ يَهُودِيٍّ عَظِيمِ اللِّحْيَةِ فِي الْمَدِينَةِ فَشُبِّهَ عُثْمَانُ بِهِ وَسُمِّيَ بِهِ " (¬2) ك: فَلَمَّا. (¬3) ك: تُقَاتِلُهُ. (¬4) ك: لِعَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَيْفَ. (¬5) ن، م، ص، و، ر: عَلَى. (¬6) أ، ب: أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِهَا أَوْ سَافَرَ بِهَا. (¬7) أ، ب: عَشَرَةُ آلَافٍ ; ن، م، ص، هـ، وَ: عَشَرَاتُ أَلْفٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ر) ، (ك) . (¬8) ك: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (¬9) كَلَّمَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَفِي أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْبَاطِلِ وَالتَّنَاقُضِ مَا نُنَبِّهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى بَعْضِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ عِنْدَهُمْ أَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ كُلَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ: عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ هُمْ سَادَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ [بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ] (¬1) . لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِمْ سَلَامَتُهُمْ عَنِ (¬2) الْخَطَأِ، بَلْ وَلَا عَنِ الذَّنْبِ (¬3) ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُذْنِبَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ ذَنَبًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَيَتُوبَ مِنْهُ (¬4) . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَالصَّغَائِرُ مَغْفُورَةٌ بِاجْتِنَابِ (¬5) . الْكَبَائِرِ عِنْدَ جَمَاهِيرِهِمْ، بَلْ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ أَنَّ الْكَبَائِرَ قَدْ (¬6) تُمْحَى بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَبِالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلَهُمْ فَيَقُولُونَ: مَا يُذْكَرُ (¬7) عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ السَّيِّئَاتِ كَثِيرٌ مِنْهُ كَذِبٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْرِفْ (¬8) كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَجْهَ اجْتِهَادِهِمْ، وَمَا قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنُوبِ [لَهُمْ] (¬9) فَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُمْ: إِمَّا بِتَوْبَةٍ، وَإِمَّا بِحَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، وَإِمَّا بِمَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ (¬10) قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الَّذِي يَجِبُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ: إِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ (¬2) ن، م: مِنَ. (¬3) ر: الذُّنُوبِ. (¬4) ن، م: عَنْهُ. (¬5) أ: فَالصَّغَائِرُ بِاجْتِنَابِ. . . ; ب: فَالصَّغَائِرُ تُمْحَى بِاجْتِنَابِ. (¬6) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: مَا ذُكِرَ. (¬8) أ، ب: لَا يَعْرِفُ. (¬9) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬10) وَ: لِأَنَّهُ.

الْجَنَّةِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُوجِبُ النَّارَ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ (¬1) عَلَى مُوجِبِ النَّارِ لَمْ يَقْدَحْ مَا سِوَى ذَلِكَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْجَنَّةِ. وَنَحْنُ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُعَيَّنِينَ فِي الْجَنَّةِ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَقْدَحَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْجَنَّةِ بِأُمُورٍ (¬2) لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا تُوجِبُ النَّارَ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، لَيْسَ (¬3) لَنَا أَنْ نَشْهَدَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بِالنَّارِ لِأُمُورٍ مُحْتَمَلَةٍ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَجُوزُ مِثْلُ (¬4) ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ (¬5) ، وَالْعِلْمُ بِتَفَاصِيلِ أَحْوَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ (¬6) [مِنْهُمْ] (¬7) بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَحَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ وَاجْتِهَادَاتِهِ (¬8) - أَمْرٌ يَتَعَذَّرُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ؟ ! فَكَانَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ كَلَامًا فِيمَا لَا نَعْلَمُهُ، وَالْكَلَامُ بِلَا عِلْمٍ حَرَامٌ، فَلِهَذَا كَانَ الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ خَيْرًا مِنَ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ بِحَقِيقَةِ الْأَحْوَالِ، إِذْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ - أَوْ أَكْثَرُهُ - كَلَامًا بِلَا عِلْمٍ، وَهَذَا حَرَامٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَوًى وَمُعَارَضَةُ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كَلَامًا بِهَوًى (¬9) يُطْلَبُ فِيهِ دَفْعُ الْحَقِّ الْمَعْلُومِ؟ ! وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) أ، ب: أَحَدُهُمْ. (¬2) ص: لِأُمُورٍ. (¬3) أ، ب: وَلَيْسَ. (¬4) مِثْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، و: الْمُسْلِمِينَ. (¬6) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) مِنْهُمْ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬8) ص: وَحَسَنَاتِهِمْ وَسَيِّئَاتِهِمْ وَاجْتِهَادَاتِهِ. (¬9) أ، ب: لِهَوًى.

وَسَلَّمَ -: " «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» " (¬1) . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي قَلِيلِ الْمَالِ أَوْ كَثِيرِهِ، فَكَيْفَ بِالْقَضَاءِ (¬2) بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ؟ . فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ بِجَهْلٍ أَوْ بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُ مِنَ الْحَقِّ (¬3) كَانَ مُسْتَوْجِبًا لِلْوَعِيدِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِحَقٍّ لِقَصْدِ [اتِّبَاعِ] (¬4) الْهَوَى لَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ يُعَارِضُ بِهِ حَقًّا آخَرَ، لَكَانَ [أَيْضًا] (¬5) مُسْتَوْجِبًا لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ. وَمَنْ عَلِمَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى الْقَوْمِ، وَرِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ، وَاسْتِحْقَاقِهِمُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّهُمْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ - لَمْ يُعَارِضْ هَذَا الْمُتَيَقَّنُ الْمَعْلُومُ بِأُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ: مِنْهَا مَا لَا يُعْلَمُ (¬6) صِحَّتُهُ، وَمِنْهَا مَا يَتَبَيَّنُ كَذِبُهُ، وَمِنْهَا مَا لَا يُعْلَمُ (¬7) كَيْفَ وَقَعَ، وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ ¬

(¬1) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/406 - 407 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابٌ فِي الْقَاضِي يُخْطِئُ) وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَهَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ، يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ بُرَيْدَةَ (عَنْ أَبِيهِ) الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/776 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الْحَاكِمِ يَجْتَهِدُ فَيُصِيبُ الْحَقَّ) وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 4/151، حَدِيثًا آخَرَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى قَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّهُ فِي الطَّبَرِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. (¬2) ن، أ، ب: الْقَضَاءُ ; ص: فِي الْقَضَاءِ. (¬3) مِنَ الْحَقِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) اتِّبَاعِ: فِي (ر) ، (هـ) ، (ص) فَقَطْ. (¬5) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: مَا يُعْلَمُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) ن، م: مَا يُعْلَمُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

عُذْرُ الْقَوْمِ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ تَوْبَتُهُمْ مِنْهُ، وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ أَنَّ لَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا يَغْمُرُهُ، فَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَ أَهْلِ السُّنَّةِ اسْتَقَامَ قَوْلُهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالِاعْتِدَالِ، وَإِلَّا حَصَلَ فِي جَهْلٍ وَكَذِبٍ (¬1) وَتَنَاقُضٍ كَحَالِ هَؤُلَاءِ الضُّلَّالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَأَذَاعَتْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 3] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ [عَنْ عُمَرَ] (¬2) أَنَّهُمَا (¬3) عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ (¬4) . فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَؤُلَاءِ يَعْمِدُونَ (¬5) إِلَى نُصُوصِ الْقُرْآنِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ ذُنُوبٍ وَمَعَاصٍ بَيِّنَةٍ لِمَنْ نُصَّتْ (¬6) عَنْهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ [يَتَأَوَّلُونَ النُّصُوصَ بِأَنْوَاعِ التَّأْوِيلَاتِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: بَلْ أَصْحَابُ الذُّنُوبِ] (¬7) تَابُوا مِنْهَا وَرَفَعَ اللَّهُ دَرَجَاتِهِمْ بِالتَّوْبَةِ. ¬

(¬1) أ، ب: وَنَقْصٍ. (¬2) عَنْ عُمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: أَنَّهَا. (¬4) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/156 - 158 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ التَّحْرِيمِ) ; مُسْلِمٍ 2/1110 - 1113 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابٌ فِي الْإِيلَاءِ وَاعْتِزَالِ النِّسَاءِ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/52 - 254، 301. (¬5) أ: تَعَمَّدُوا ; ب: عَمِدُوا. (¬6) أ، ب، ن: نُصِّبَ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَهَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ [بِأَوْلَى] (¬1) . فِي دِلَالَتِهَا عَلَى الذُّنُوبِ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ، فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ تِلْكَ (¬2) سَائِغًا كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ بَاطِلًا فَتَأْوِيلُ تِلْكَ أَبْطَلُ. وَيُقَالُ: ثَانِيًا: بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ذَنْبٌ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَيَكُونَانِ قَدْ تَابَتَا مِنْهُ (¬3) . وَهَذَا ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4] فَدَعَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى التَّوْبَةِ، فَلَا يُظَنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَتُوبَا، مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ عُلُوِّ دَرَجَتِهِمَا، وَأَنَّهُمَا زَوْجَتَا (¬4) نَبِيِّنَا فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا وَبَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللَّهُ (¬5) عَلَيْهِ أَنْ يَتَبَدَّلَ (¬6) بِهِنَّ غَيْرَهُنَّ، وَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهِنَّ، وَاخْتُلِفَ فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَاتَ عَنْهُنَّ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. ثُمَّ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الذَّنْبَ يُغْفَرُ وَيُعْفَى عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ (¬7) وَبِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَبِالْمَصَائِبِ (¬8) الْمُكَفِّرَةِ. وَيُقَالُ: ثَالِثًا: الْمَذْكُورُ عَنْ أَزْوَاجِهِ كَالْمَذْكُورِ عَمَّنْ شَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ ¬

(¬1) بِأَولَى: فِي (ب) فَقَطْ وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ (¬2) ن، م: ذَلِكَ. سَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (أ) . (¬3) أ، ب: فَيَكُونَانِ قَدْ تَابَا مِنْهُ ; وَ: فَيَكُونَا تَابَتَا مِنْهُ. (¬4) أ، هـ، و: زَوْجَاتِ. (¬5) لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬6) أ، ب: يَسْتَبْدِلَ. (¬7) أ، ب، ر، هـ، ص: يَزُولُ عِقَابُهُ بِالتَّوْبَةِ. (¬8) أ، ب: وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ.

مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ (¬1) ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ، وَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَقَالَ: " «إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا عَلِيًّا ابْنَتَهُمْ، وَإِنِّي لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ (¬2) ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُمْ، إِنَّمَا فَاطِمَةُ (¬3) بِضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا ص: أَرَابَهَا. وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» (¬4) " فَلَا يُظَنُّ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تَرَكَ الْخِطْبَةَ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، بَلْ تَرَكَهَا بِقَلْبِهِ وَتَابَ بِقَلْبِهِ عَمَّا كَانَ طَلَبَهُ وَسَعَى فِيهِ. وَكَذَلِكَ «لَمَّا صَالَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " انْحَرُوا وَاحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ " فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، فَدَخَلَ مُغْضَبًا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ - أَغْضَبَهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: " مَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا يُطَاعُ (¬5) " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ بِهَدْيِكَ فَانْحَرْهُ، وَأْمُرِ الْحَلَّاقَ فَلْيَحْلِقْ (¬6) رَأَسَكَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ. فَأَخَذَ الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ وَمَحَاهُ» (¬7) " فَمَعْلُومٌ (¬8) ¬

(¬1) ب، و: مِنْ أَصْحَابِهِ ; أ: وَأَصْحَابِهِ. (¬2) عِبَارَةُ " ثُمَّ لَا آذَنُ " الثَّالِثَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) أ، ب: فَإِنَّ فَاطِمَةَ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص [0 - 9] 45. (¬5) ن، وَ: أُطَاعُ. (¬6) ن، م: يَحْلِقْ. (¬7) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الْجُزْءُ مِنَ الْحَدِيثِ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/196 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/331. وَجَاءَ الْجُزْءُ الْخَاصُّ بِأَمْرِ عَلِيٍّ بِمَحْوِ الِاسْمِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/184 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابٌ كَيْفَ يَكْتُبُ هَذَا مَا صَالَحَ فُلَانٌ. .) ; مُسْلِمٍ 3/1409 - 1411 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ) . (¬8) أ، ب: وَمَعْلُومٌ.

أَنَّ تَأَخُّرَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ حَتَّى غَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: هَذَا ذَنْبٌ، كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِ الْقَائِلِ: إِنَّ عَائِشَةَ أَذْنَبَتْ فِي ذَلِكَ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَأَوَّلُ وَيَقُولُ: إِنَّمَا تَأَخَّرُوا مُتَأَوِّلِينَ، لِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَرْجُونَ تَغْيِيرَ الْحَالِ بِأَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ: وَآخَرُ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ مَقْبُولٌ لَمْ يَغْضَبِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ تَابُوا مِنْ ذَلِكَ التَّأْخِيرِ (¬1) وَرَجَعُوا عَنْهُ، مَعَ أَنَّ حَسَنَاتِهِمْ تَمْحُو مِثْلَ هَذَا الذَّنْبِ، وَعَلِيٌّ دَاخِلٌ فِي هَؤُلَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهَا: " «تُقَاتِلِينَ عَلِيًّا وَأَنْتِ ظَالِمَةٌ لَهُ» " (¬2) فَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بِالْمَوْضُوعَاتِ الْمَكْذُوبَاتِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. ، بَلْ هُوَ كَذِبٌ قَطْعًا، فَإِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُقَاتِلْ وَلَمْ تَخْرُجْ لِقِتَالٍ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ لِقَصْدِ (¬3) الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَظَنَّتْ أَنَّ فِي خُرُوجِهَا مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا فِيمَا بَعْدُ أَنْ تَرْكَ الْخُرُوجِ كَانَ أَولَى، فَكَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ خُرُوجَهَا تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا. وَهَكَذَا عَامَّةُ السَّابِقِينَ نَدِمُوا عَلَى مَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ، فَنَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجَمَلِ لِهَؤُلَاءِ قَصْدٌ فِي الِاقْتِتَالِ (¬4) ، وَلَكِنْ وَقَعَ الِاقْتِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَرَاسَلَ عَلِيٌّ ¬

(¬1) أ، ب، ص، ر، هـ: التَّأَخُّرِ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) . (¬3) أ، ب: بِقَصْدِ. (¬4) أ، ب: الْقِتَالِ.

وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَقَصَدُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا تَمَكَّنُوا طَلَبُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ أَهْلَ الْفِتْنَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ غَيْرَ رَاضٍ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا مُعِينًا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ فِي يَمِينِهِ، فَخَشِيَ الْقَتَلَةُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلِيٌّ مَعَهُمْ عَلَى إِمْسَاكِ الْقَتَلَةِ، فَحَمَلُوا عَلَى عَسْكَرِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَظَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلُوا (¬1) دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَظَنَّ عَلِيٌّ أَنَّهُمْ حَمَلُوا عَلَيْهِ، فَحَمَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَاكِبَةٌ: لَا قَاتَلَتْ، وَلَا أَمَرَتْ بِالْقِتَالِ (¬2) . هَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ (¬3) . وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬4) : " وَخَالَفَتْ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] فَهِيَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَتَبَرَّجْ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى. وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْبُيُوتِ لَا يُنَافِي الْخُرُوجَ لِمَصْلَحَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا، كَمَا لَوْ خَرَجَتْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ خَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي سَفْرَةٍ (¬5) ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَدْ (¬6) نَزَلَتْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَافَرَ بِهِنَّ [رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] بَعْدَ ¬

(¬1) و، هـ: فَحَمَلُوا عَلَيْهِ. (¬2) ر، ص، هـ: بِقِتَالٍ. (¬3) انْظُرْ: عَائِشَةُ وَالسِّيَاسَةُ لِلْأُسْتَاذِ سَعِيدٍ الْأَفْغَانِيِّ، ص 140 - 162، ط. الْقَاهِرَةِ، 1957 ; الْعَوَاصِمُ مِنَ الْقَوَاصِمِ، ص [0 - 9] 36 - 161. (¬4) ر، ص، هـ: قَوْلُهُ عَنْهَا. (¬5) أ، ب: فِي سَفَرٍ. (¬6) قَدْ: فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) .

ذَلِكَ (¬1) [كَمَا سَافَرَ] (¬2) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَائِشَةَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] وَغَيْرِهَا (¬3) ، وَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخِيهَا فَأَرْدَفَهَا خَلْفَهُ، وَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَتْ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ (¬4) الْآيَةِ، وَلِهَذَا كَانَ (¬5) أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْجُجْنَ كَمَا كُنَّ يَحْجُجْنَ مَعَهُ (¬6) خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ (¬7) ، وَكَانَ عُمَرُ يُوَكِّلُ بِقِطَارِهِنَّ عُثْمَانَ أَوْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَإِذَا كَانَ سَفَرُهُنَّ لِمَصْلَحَةٍ جَائِزًا فَعَائِشَةُ اعْتَقَدَتْ أَنَّ ذَلِكَ السَّفَرَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَتَأَوَّلَتْ فِي ذَلِكَ (¬8) . وَهَذَا كَمَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 29] [وَقَوْلَهُ] (¬9) : {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 29] يَتَضَمَّنُ نَهْيَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ (¬10) . بَعْضًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 111] وَقَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] . ¬

(¬1) ن، م: وَقَدْ سَافَرَ بِهِنَّ بَعْدَ ذَلِكَ ; أ، ب: وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ. (¬2) كَمَا سَافَرَ: فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) فَقَطْ. (¬3) ن، م، و: حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَسَافَرَ بِعَائِشَةَ وَغَيْرِهَا ; أ، ب: حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَافَرَ بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَغَيْرِهَا. (¬4) هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) أ، ب، ر، ص، هـ: كُنَّ. (¬6) فِي أ: كَمَا كُنَّ يَحْجُجْنَ فِي ; ب: كَمَا حَجَجْنَ فِي. (¬7) وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) أ، ب: فِي هَذَا. (¬9) وَقَوْلَهُ: فِي (ب) فَقَطْ، وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ. (¬10) أ، ب: يَتَضَمَّنُ قَتْلَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» " (¬1) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا الْتَقَى الْمُسَلَّمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: " كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» (¬2) ". فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: [إِنَّ] عَلِيًّا (¬3) وَمَنْ قَاتَلَهُ قَدِ الْتَقَيَا بِسَيْفِهِمَا، وَقَدِ اسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ (¬4) ، فَيَجِبُ أَنْ يَلْحَقَهُمُ الْوَعِيدُ. لَكَانَ جَوَابُهُ (¬5) : أَنَّ الْوَعِيدَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُجْتَهِدَ الْمُتَأَوِّلَ وَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جُزْءٌ مِنْ خُطْبَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَجَاءَتْ فِي حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ 2/176 - 177 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِ. . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ . . . الْحَدِيثَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 3/1305 - 1307 (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ) ، وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/312 - 313 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1015 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/327 (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) . وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَفِي الْمُسْنَدِ. (¬2) الْحَدِيثُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ - عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا: 1/11 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابٌ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا. .) ; مُسْلِمٍ 4/2214 - 2215 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفِهِمَا) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/144 - 145 (كِتَابُ النَّهْيِ، بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/401، 403، 410، 418 (عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) . (¬3) ر، ص، هـ، ن، م، و: قَائِلٌ: عَلِيٌّ. (¬4) ر، ص، هـ، و: الْمُؤْمِنِينَ. (¬5) أ، ب: فَجَوَابُهُ.

مُخْطِئًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 286] قَالَ (¬1) : " قَدْ فَعَلْتُ (¬2) " فَقَدْ عُفِيَ (¬3) لِلْمُؤْمِنِينَ (¬4) عَنِ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ، وَالْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ مَغْفُورٌ لَهُ خَطَؤُهُ، وَإِذَا غُفِرَ خَطَأُ هَؤُلَاءِ فِي قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْمَغْفِرَةُ لِعَائِشَةَ لِكَوْنِهَا لَمْ تَقَرَّ فِي بَيْتِهَا إِذْ كَانَتْ مُجْتَهِدَةً أَولَى. وَأَيْضًا فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» (¬5) " وَقَالَ: " «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً ¬

(¬1) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ 1/116 (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْ إِلَّا مَا يُطَاقُ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: مُسْلِمٍ 1/115 - 116 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3 \ \ 341 - 342 (رَقْمُ 2070) ، 5 - 31 (رَقْمُ 3071) . وَانْظُرِ الْحَدِيثَ بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرَيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/142 - 145. وَانْظُرْ أَيْضًا 6/104 - 105. (¬3) أ، وَ: عَفَا. (¬4) ن، م: عَنِ الْمُؤْمِنِينَ. (¬5) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/22 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ، بَابُ الْمَدِينَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ) وَلَفْظُ الْحَدِيثِ: " الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا ". وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/97 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنْ بَايَعَ ثُمَّ اسْتَقَالَ) 6/80 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنْ نَكَثَ بَيْعَةً) ، 9 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ، بَابُ مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ. . .) ; مُسْلِمٍ 2/1006 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْمَدِينَةُ تَنْفِي شِرَارَهَا) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/378 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/135 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ اسْتِقَالَةِ الْبَيْعَةِ) ; الْمُوَطَّأِ 2/886 (كِتَابُ الْجَامِعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ. . .) .

عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ» " أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي: الْمُوَطَّأِ 2/887 (كِتَابُ الْجَامِعِ، بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا) . وَفِي التَّعْلِيقِ: " قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَصَلَهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَحْدَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ". . [كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّهَا طَيْبَةُ (يَعْنِي الْمَدِينَةَ) وَإِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» "، وَفِي لَفْظٍ: " «تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ» "] (¬1) . وَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَرَجَ عَنْهَا (¬2) وَلَمْ يُقِمْ بِهَا كَمَا أَقَامَ الْخُلَفَاءُ قَبْلَهُ، وَلِهَذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ. لَكَانَ الْجَوَابُ: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا كَانَ دُونَ عَلِيٍّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْوَعِيدُ، فَعَلِيٌّ أَولَى أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهُ الْوَعِيدُ لِاجْتِهَادِهِ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ خُرُوجِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَإِذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ مُخْطِئًا فَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهَا (¬3) خَرَجَتْ فِي مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ تُقَاتِلُ عَلِيًّا عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ ". فَهَذَا أَوَّلًا: كَذِبٌ عَلَيْهَا. فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِقَصْدِ الْقِتَالِ، وَلَا كَانَ أَيْضًا ¬

(¬1) الْكَلَامُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) فَقَطْ مَعَ كَلِمَاتٍ قَبْلَهَا مِنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَالْحَدِيثُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/22 - 23 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ، بَابُ الْمَدِينَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ) وَلَفْظُهُ: " إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ". وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 6/47 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النِّسَاءِ، بَابُ: فَمَا لَكَمَ فِي الْمُنَافِقِينَ) وَلَفْظُهُ: " إِنَّهَا طَيْبَةٌ تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ " وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ تَقْرِيبًا فِي: مُسْلِمٍ 2/1006 - 1007 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْمَدِينَةُ تَنْفِي شِرَارَهَا) . (¬2) أ، ب: مِنْهَا. (¬3) إِنَّهَا سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (و) .

زعم الرافضي أن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان وجوابه من وجوه

طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ قَصْدُهُمَا قِتَالُ عَلِيٍّ أ، ب: الْقِتَالُ لِعَلِيٍّ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ قَصَدُوا (¬1) الْقِتَالَ، فَهَذَا هُوَ الْقِتَالُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9، 10] فَجَعَلَهُمْ مُؤْمِنِينَ إِخْوَةً مَعَ الِاقْتِتَالِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا لِمَنْ هُوَ دُونَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ (¬2) فَهُمْ بِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى. [زعم الرافضي أن الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ وجوابه من وجوه] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ ". فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا ب (فَقَطْ) : مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا. : أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: هَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ وَأَبْيَنِهِ ; فَإِنَّ جَمَاهِيرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَأْمُرُوا بِقَتْلِهِ، وَلَا شَارَكُوا (¬3) فِي قَتْلِهِ، وَلَا رَضُوا بِقَتْلِهِ. أَمَّا أَوَّلًا: (¬4) أَكْثَرَ (¬5) الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا بِالْمَدِينَةِ، بَلْ كَانُوا بِمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ (¬6) خِيَارَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَدْخُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي دَمِ عُثْمَانَ ¬

(¬1) أ: أَنَّهُمَا قَصَدُوا ; ب: أَنَّهُمَا قَصَدَا. (¬2) أ، ب: أُولَئِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (¬3) شَارَكُوا: كَذَا فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: شَرِكُوا. (¬4) فَلِأَنَّ أ، ب: فَإِنَّ. (¬5) ن (فَقَطْ) : أَوَّلَ. (¬6) أ، ب: فَإِنَّ.

[لَا قَتَلَ] (¬1) وَلَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَوْبَاشِ الْقَبَائِلِ وَأَهْلِ الْفِتَنِ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْلِفُ دَائِمًا: " إِنِّي مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ " وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالسَّهْلِ وَالْجَبَلِ ". وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَنْصُرُوهُ حَقَّ (¬2) . النُّصْرَةِ، وَأَنَّهُ حَصَلَ نَوْعٌ مِنَ الْفُتُورِ وَالْخِذْلَانِ، حَتَّى تَمَكَّنَ أُولَئِكَ الْمُفْسِدُونَ. وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَاتٌ، وَمَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ إِلَى مَا بَلَغَ، وَلَوْ عَلِمُوا ذَلِكَ لَسَدُّوا الذَّرِيعَةَ وَحَسَمُوا مَادَّةَ (¬3) . الْفِتْنَةِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 25] ، فَإِنَّ الظَّالِمَ يَظْلِمُ فَيُبْتَلَى النَّاسُ بِفِتْنَةٍ تُصِيبُ مَنْ لَمْ (¬4) يَظْلِمْ، فَيَعْجَزُ (¬5) . عَنْ رَدِّهَا حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مُنِعَ الظَّالِمُ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ كَانَ يَزُولُ سَبَبُ الْفِتْنَةِ. الثَّانِي (¬6) وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وُجُوهِ الْجَوَابِ، وَبَدَأَ الْأَوَّلُ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. : أَنَّ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةَ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ وَالْكَذِبِ ; فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ (¬7) 1 - أَنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ مَا لَمْ يُجْمِعُوا (¬8) . عَلَى قَتْلِهِ ; فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ بَايَعُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ. فَإِنْ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِالْإِجْمَاعِ الظَّاهِرِ، فَيَجِبُ (¬9) أَنْ تَكُونَ بَيْعَتُهُ حَقًّا لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا. وَإِنْ لَمْ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " لَا قَتَلَ " فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬2) ن (فَقَطْ) : غَايَةَ (¬3) ن: بَابَ (¬4) ب، ر، ص: لَا. (¬5) ب (فَقَطْ) : فَيَعْجَزُونَ (¬6) ن، م، و: الثَّالِثُ ; ب: ثَانِيهِمَا. (¬7) أ، ب: فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ. (¬8) ص: عُثْمَانَ وَلَمْ يُجْمِعُوا. (¬9) أ، ب: وَجَبَ.

يَجُزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، بَطَلَتْ حُجَّتُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ. لَا سِيَّمَا وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ قَتْلَهُ إِلَّا طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ. ثُمَّ إِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْإِجْمَاعَ عَلَى بَيْعَتِهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا بَايَعَ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْهُمْ خَوْفًا وَكُرْهًا (¬1) . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَوِ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى قَتْلِهِ (¬2) ، وَقَالَ قَائِلٌ: كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ كَارِهِينَ [لِقَتْلِهِ (¬3) لَكِنْ سَكَتُوا خَوْفًا وَتَقِيَّةً (¬4) عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لَكَانَ (¬5) هَذَا أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ،] (¬6) لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ قَتَلَ الْأَئِمَّةَ يُخِيفُ مَنْ يُنَازِعُهُ، بِخِلَافِ مَنْ يُرِيدُ مُبَايَعَةَ الْأَئِمَّةِ (¬7) ، فَإِنَّهُ لَا يُخِيفُ الْمُخَالِفَ، كَمَا يُخِيفُ (¬8) مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَإِنَّ الْمُرِيدِينَ (¬9) لِلْقَتْلِ أَسْرَعُ إِلَى الشَّرِّ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَإِخَافَةِ النَّاسِ مِنَ الْمُرِيدِينَ لِلْمُبَايَعَةِ. فَهَذَا لَوْ قُدِّرَ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ ظَهْرَ مِنْهُمُ الْأَمْرُ بِقَتْلِهِ، فَكَيْفَ وَجُمْهُورُهُمْ أَنْكَرُوا (¬10) قَتَلَهُ، وَدَافَعَ عَنْهُ مَنْ دَافَعَ فِي بَيْتِهِ، كَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا؟ . وَأَيْضًا فَإِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ أَعْظَمُ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى بَيْعَةِ ¬

(¬1) أ، ب: أَهْلُ الْحَقِّ خَوْفًا مِنْهُمْ وَكُرْهًا. (¬2) عِبَارَةُ " عَلَى قَتْلِهِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ر، هـ: قَتْلَهُ. (¬4) هـ: أَوْ تَقِيَّةً. (¬5) هـ: كَانَ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) ن، م: الْإِمَامِ. (¬8) ر، هـ، و: يُخِيفُهُ. (¬9) ن، م، ص: الْمُرِيدَ. (¬10) أ، ب: أَنْكَرَ.

عَلِيٍّ وَعَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ (¬1) ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهَا إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرُ كَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ (¬2) . ، وَسَعْدٌ قَدْ عُلِمَ سَبَبُ تَخَلُّفِهِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ وَيَرْضَى عَنْهُ. وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ لَمَّا أَخَذَ يُدَافِعُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ، [قَالَتْ] (¬3) : " وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ (¬4) الْحَمِيَّةُ " (¬5) . وَقَدْ قُلْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ: إِنَّ الرَّجُلَ الصَّالِحَ الْمَشْهُودَ لَهُ بِالْجَنَّةِ قَدْ يَكُونُ لَهُ سَيِّئَاتٌ يَتُوبُ مِنْهَا، أَوْ تَمْحُوهَا حَسَنَاتُهُ، أَوْ تُكَفَّرُ عَنْهُ بِالْمَصَائِبِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ (¬6) ; فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ (¬7) ، إِذَا أَذْنَبَ كَانَ لِدَفْعِ عُقُوبَةِ [النَّارِ] عَنْهُ (¬8) عَشَرَةُ أَسْبَابٍ: ثَلَاثَةٌ مِنْهُ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَرْبَعَةٌ يَبْتَدِيهَا اللَّهُ (¬9) : التَّوْبَةُ، وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ، وَدُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ (¬10) ، وَإِهْدَاؤُهُمُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَهُ، وَشَفَاعَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَصَائِبُ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب، ر، ص، هـ: إِلَّا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. (¬3) قَالَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ص: حَمَلَتْهُ. (¬5) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 4، فَارْجِعْ إِلَيْهِ. (¬6) أ، ب: أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (¬7) أ، ب: فَإِنَّ الْعَبْدَ. (¬8) ن، م، و: لِدَفْعِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ. (¬9) أ: النَّاسِ يَبْتَدِيهَا اللَّهُ ; ب: وَبَاقِيهَا مِنَ اللَّهِ. (¬10) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الْمُكَفِّرَةُ فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْبَرْزَخِ، وَفِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، وَمَغْفِرَةِ اللَّهِ لَهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ، فَكَيْفَ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ عَلَى مِثْلِ قَتْلِ عُثْمَانَ مَنْ يُنْكِرُ مِثْلَ (¬1) هَذَا الْإِجْمَاعِ؟ بَلْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْقِتَالِ مَعَ عَلِيٍّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَضْعَافُ الَّذِينَ أَجْمَعُوا (¬2) عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ ; فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي زَمَنِ عَلِيٍّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ قَاتَلُوا مَعَهُ، وَصِنْفٌ قَاتَلُوهُ، وَصِنْفٌ لَا قَاتَلُوهُ وَلَا قَاتَلُوا مَعَهُ. وَأَكْثَرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ كَانُوا مِنْ هَذَا الصِّنْفِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ مَعَ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ لَمْ يُبَايِعُوهُ، وَهُمْ أَضْعَافُ الَّذِينَ قَتَلُوا (¬3) عُثْمَانَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَالَّذِينَ أَنْكَرُوا قَتْلَ عُثْمَانَ أَضْعَافُ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ عَلِيٍّ. فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا (¬4) عَلَى قِتَالِ عَلِيٍّ بَاطِلًا، فَقَوْلُهُ: إِنَّهُمْ أَجْمَعُوا (¬5) عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ أَبْطَلُ وَأَبْطَلُ. وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، لِكَوْنِ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْعَالَمِ وَلَمْ يُدْفَعْ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قِتَالِ عَلِيٍّ [أَيْضًا] (¬6) وَالتَّخَلُّفُ عَنْ بَيْعَتِهِ أَجْوَزُ وَأَجْوَزُ ; فَإِنَّ هَذَا وَقَعَ (¬7) فِي الْعَالَمِ وَلَمْ يُدْفَعْ [أَيْضًا] (¬8) . ¬

(¬1) مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ر، ص، هـ، و: اجْتَمَعُوا. (¬3) ص: قَاتَلُوا. (¬4) ر، ص، هـ، و: اجْتَمَعُوا. (¬5) ر، ص، هـ، و: اجْتَمَعُوا. (¬6) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) و، م: وَاقِعٌ. (¬8) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ (¬1) الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ لَمْ يُمْكِنْهُمْ إِلْزَامُ النَّاسِ بِالْبَيْعَةِ لَهُ، وَجَمْعُهُمْ (¬2) عَلَيْهِ، وَلَا دَفْعُهُمْ عَنْ قِتَالِهِ، فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ. قِيلَ: وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ عُثْمَانَ لَمَّا حُصِرَ لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَيْضًا (¬3) دَفْعُ الْقِتَالِ عَنْهُ. وَإِنْ قِيلَ: بَلْ أَصْحَابُ عَلِيٍّ فَرَّطُوا وَتَخَاذَلُوا، حَتَّى عَجَزُوا (¬4) عَنْ دَفْعِ الْقِتَالِ، أَوْ قَهْرِ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ ص: قَتَلُوهُ. أَوْ جَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ. قِيلَ: وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ عُثْمَانَ [فَرَّطُوا وَتَخَاذَلُوا (¬5) حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْهُ أُولَئِكَ. ثُمَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي الْإِجْمَاعَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ] (¬6) مَعَ ظُهُورِ الْإِنْكَارِ [مِنْ] جَمَاهِيرِ الْإِنْكَارِ (¬7) الْأُمَّةِ لَهُ وَقِيَامِهِمْ (¬8) فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَالِانْتِقَامِ مِمَّنْ قَتَلَهُ - أَظْهَرُ كَذِبًا مِنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي إِجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْحُسَيْنَ قُتِلَ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ، لِأَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَقَتَلُوهُ لَمْ يَدْفَعْهُمْ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ كَذِبُهُ بِأَظْهَرَ مِنْ كَذِبِ الْمُدَّعِي لِلْإِجْمَاعِ (¬9) عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ ; فَإِنَّ الْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَعْظُمْ إِنْكَارُ ¬

(¬1) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: إِلْزَامُ النَّاسِ الْبَيْعَةَ وَجَمْعُهُمْ. (¬3) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م، و: عَجَزَ. (¬5) أ: وَتَجَادَلُوا. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مِنْ جَمَاهِيرِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِنْكَارِ جَمَاهِيرِ. (¬8) أ، ب: وَالْقِيَامِ. (¬9) أ، ب: الْإِجْمَاعَ.

الْأُمَّةِ لِقَتْلِهِ، كَمَا عَظُمَ إِنْكَارُهُمْ لِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا انْتَصَرَ لَهُ جُيُوشٌ كَالْجُيُوشِ الَّذِينَ انْتَصَرَتْ (¬1) لِعُثْمَانَ، وَلَا انْتَقَمَ أَعْوَانُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ كَمَا انْتَقَمَ أَعْوَانُ عُثْمَانَ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَلَا حَصَلَ بِقَتْلِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَالْفَسَادِ مَا حَصَلَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا كَانَ قَتْلُهُ أَعْظَمَ إِنْكَارًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ ; فَإِنَّ عُثْمَانَ مِنْ أَعْيَانِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ طَبَقَةِ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى بَيْعَتِهِ، بَلْ لَمْ يُشْهِرْ فِي الْأُمَّةِ سَيْفًا وَلَا قَتَلَ عَلَى وِلَايَتِهِ أَحَدًا (¬2) ، وَكَانَ يَغْزُو بِالْمُسْلِمِينَ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ السَّيْفُ فِي خِلَافَتِهِ كَمَا كَانَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَسْلُولًا عَلَى الْكُفَّارِ، مَكْفُوفًا عَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ طُلِبَ قَتْلُهُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَصَبَرَ وَلَمْ يُقَاتِلْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى قُتِلَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ أَجْرًا، وَقَتْلَهُ (¬3) أَعْظَمُ إِثْمًا، مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا فَخَرَجَ يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ (¬4) أَعْوَانُ الَّذِينَ طَلَبَ أَخْذَ الْأَمْرِ مِنْهُمْ، فَقَاتَلَ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى قُتِلَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ قِتَالَ الدَّافِعِ عَنْ نَفْسِهِ وَوِلَايَتِهِ أَقْرَبُ مِنْ قِتَالِ الطَّالِبِ لِأَنْ يَأْخُذَ الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعُثْمَانُ تَرَكَ الْقِتَالَ دَفْعًا عَنْ وِلَايَتِهِ، فَكَانَ حَالُهُ أَفْضَلَ مِنْ حَالِ الْحُسَيْنِ، وَقَتْلُهُ أَشْنَعَ مِنْ قَتْلِ الْحُسَيْنِ. كَمَا أَنَّ الْحَسَنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا لَمْ يُقَاتِلْ عَلَى الْأَمْرِ، بَلْ أَصْلَحَ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِتَرْكِهِ الْقِتَالَ (¬5) ، ¬

(¬1) ن، م: انْتَصَرُوا. (¬2) أ، ر، ص: وَلَا قُتِلَ عَلَى وِلَايَتِهِ أَحَدٌ. (¬3) أ، ب: وَقَتَلَتَهُ. (¬4) مِنْ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . حَتَّى قَاتَلَهُ قَاتَلَهُ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: قَتَلَهُ. (¬5) أ، ب، و: بِتَرْكِ الْقِتَالِ ; ص: بِتَرْكِهِ لِلْقِتَالِ.

الرد على قوله إن عائشة كانت تأمر بقتل عثمان من وجوه

مَدَحَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، (¬1) وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬2) . وَالْمُنْتَصِرُونَ لِعُثْمَانَ مُعَاوِيَةُ وَأَهْلُ الشَّامِ، وَالْمُنْتَصِرُونَ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ [الثَّقَفِيُّ] (¬3) وَأَعْوَانُهُ. وَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَيْرٌ مِنَ الْمُخْتَارِ ; فَإِنَّ الْمُخْتَارَ كَذَّابٌ ادَّعَى النُّبُوَّةَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» " (¬4) فَالْكَذَّابُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْمُبِيرُ هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ. وَهَذَا الْمُخْتَارُ كَانَ أَبُوهُ رَجُلًا صَالِحًا، وَهُوَ أَبُو عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ الَّذِي قُتِلَ شَهِيدًا فِي حَرْبِ الْمَجُوسِ، وَأُخْتُهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَكَانَ الْمُخْتَارُ رَجُلَ سَوْءٍ. [الرد على قوله إن عائشة كانت تأمر بقتل عثمان من وجوه] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَأْمُرُ (¬5) بِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَتَقُولُ فِي كُلِّ وَقْتٍ: اقْتُلُوا نَعْثَلًا، قَتْلَ اللَّهُ نَعْثَلًا، وَلَمَّا بَلَغَهَا قَتْلُهُ فَرِحَتْ بِذَلِكَ ". ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/539 - 540. (¬2) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/539 - 540. (¬3) الثَّقَفِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْمُخْتَارِ 2/68. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 16/100 " أَمَّا: أَخَالُكَ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ أَشْهَرُ، وَمَعْنَاهُ: أَظُنُّكَ. وَالْمُبِيرُ الْمُهْلِكُ. وَقَوْلُهَا فِي الْكَذَّابِ: فَرَأَيْنَاهُ، تَعْنِي بِهِ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيَّ، كَانَ شَدِيدَ الْكَذِبِ، وَمِنْ أَقْبَحِهِ: ادَّعَى أَنَّ جِبْرِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِيهِ " - وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا عَنِ ابْن عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِلَفْظٍ: " فِي (أَوْ) إِنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ " فِي مَوْضِعَيْنِ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/338 - 339 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ) ، 5/386 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي ثَقِيفٍ وَبَنِي حَنِيفَةَ) ; وَالْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 7/18، 8/18، 45، 56. (¬5) ر، ص، هـ، ن، م: فِي كُلِّ وَقْتٍ كَانَتْ تَأْمُرُ.

فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا، أَيْنَ النَّقْلُ الثَّابِتُ عَنْ عَائِشَةَ بِذَلِكَ؟ . وَيُقَالُ: ثَانِيًا: الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ عَنْهَا يُكَذِّبُ (¬1) ذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ قَتْلَهُ، وَذَمَّتْ مَنْ قَتَلَهُ، وَدَعَتْ عَلَى أَخِيهَا مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَيُقَالُ: ثَالِثًا: هَبْ أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الصَّحَابَةِ: عَائِشَةَ أَوْ غَيْرَهَا قَالَ فِي ذَلِكَ (¬2) عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، لِإِنْكَارِهِ بَعْضَ مَا يُنْكَرُ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ لَا فِي إِيمَانِ (¬3) الْقَائِلِ وَلَا الْمَقُولِ لَهُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ كِلَاهُمَا وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَظُنُّ أَحَدُهُمَا جَوَازَ قَتْلِ الْآخَرِ، بَلْ يَظُنُّ كُفْرَهُ، وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي هَذَا الظَّنِّ. كَمَا [ثَبَتَ] (¬4) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ غُلَامَهُ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لِيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كَذَبْتَ، إِنَّهُ قَدْ (¬5) شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» (¬6) . وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّ حَاطِبًا كَتَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ: " اذْهَبَا حَتَّى تَأْتِيَا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ ". فَلَمَّا ¬

(¬1) أ، ب: إِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ عَائِشَةَ يُكَذِّبُ. (¬2) أ، ب: فِي ذَلِكَ كَلِمَةً. (¬3) أ: وَيَقْدَحُ فِي ذَلِكَ لَا فِي إِيمَانِ ; ب: وَلَا يَقْدَحُ فِي إِيمَانِ. (¬4) ثَبَتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ص) . (¬5) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬6) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ 1/39 وَذَكَرْتُ مَكَانَهُ فِي مُسْلِمٍ وَالْمُسْنَدِ.

أَتَيَا بِالْكِتَابِ، قَالَ: " مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ " فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلْتُ هَذَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ، وَلَكِنْ كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ بِمَكَّةَ قُرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي. فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: " إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» " وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلَ سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 1] (¬1) وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهَا، وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَهُمْ، مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ، وَعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ (¬2) وَعُلَمَاءِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ، وَعُلَمَاءِ الْفِقْهِ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ. وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي خِلَافَتِهِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ، وَرَوَى عَنْهُ كَاتِبُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ لِيُبَيِّنَ [لَهُمْ] (¬3) أَنَّ السَّابِقِينَ مَغْفُورٌ لَهُمْ، وَلَوْ جَرَى مِنْهُمْ (¬4) مَا جَرَى. فَإِنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ (¬5) وَالزُّبَيْرَ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَاطِبِ ¬

(¬1) أ، ب: الْآيَاتِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 4/95 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ الْجَاسُوسِ) ; مُسْلِمٍ 4/1941 - 1942 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَهْلِ بَدْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/82 - 84 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ) . (¬2) وَعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَفِي (ر) : لِيُبَيِّنَ بِذَلِكَ. . (¬4) ن، م: عَلَيْهِمْ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (و) . (¬5) أ، ب: وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ ; ن، م: فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ.

بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَكَانَ حَاطِبٌ مُسِيئًا إِلَى مَمَالِيكِهِ، وَكَانَ ذَنْبُهُ فِي مُكَاتَبَةِ الْمُشْرِكِينَ (¬1) وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ أَعْظَمَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تُضَافُ إِلَى هَؤُلَاءِ، وَمَعَ هَذَا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِهِ، وَكَذَّبَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ النَّارَ، لِأَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ، وَأَخْبَرَ بِمَغْفِرَةِ اللَّهِ لِأَهْلِ بَدْرٍ. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ قَالَ (¬2) عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَسَمَّاهُ مُنَافِقًا، وَاسْتَحَلَّ قَتْلَهُ، وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي إِيمَانِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا فِي كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ [وَغَيْرِهِمَا] (¬3) فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ لَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا عَلَى الْمِنْبَرِ يَعْتَذِرُ مِنْ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَقَالَ: " «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ [قَدْ] (¬4) بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي. وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا» " (¬5) . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَهُوَ الَّذِي اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، بَلْ حَكَمَ فِي حُلَفَائِهِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيهِمْ وَتُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» " (¬6) . «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ نَعْذُرُكَ مِنْهُ. إِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ ¬

(¬1) أ، ب: فِي مُكَاتَبَتِهِ لِلْمُشْرِكِينَ. (¬2) أ، ب: فَقَالَ. (¬3) وَغَيْرِهِمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (و) . (¬5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْإِفْكِ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 34. (¬6) جَاءَ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/251. وَلَكِنَّهُ جَاءَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/67 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ إِذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ) ، 5/35 36 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) ، 5/112 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مُرْجِعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَحْزَابِ. . .) ; مُسْلِمٍ 3/1388 1389 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ جَوَازِ قِتَالِ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/22. وَلَفَظُ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ: " حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ أَوْ: بِحُكْمِ الْمَلِكِ ". وَإِخْرَاجُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/141 - 142 حَدِيثًا مُقَارِبًا مُتَّصِلًا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ عَنِ الْحَدِيثِ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 1/91 - 94 (حَدِيثٌ رَقْمُ 67) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 7/412 ". . . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ مُرْسَلِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ. وَأَرْقِعَةٌ بِالْقَافِ جَمْعُ رَقِيعٍ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ السَّمَاءِ. قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا رُقِّعَتْ بِالنُّجُومِ ".

الْأَوْسِ (¬1) ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ (¬2) أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. وَكَادَتْ تَثُورُ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَفَضَهُمْ» (¬3) . وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنْ خِيَارِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَقَدْ قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: " إِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ " وَهَذَا مُؤْمِنٌ وَلِيٌّ لِلَّهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَاكَ مُؤْمِنٌ وَلِيٌّ لِلَّهِ (¬4) مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُكَفِّرُ آخَرَ (¬5) بِالتَّأْوِيلِ، وَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَافِرًا. ¬

(¬1) أ، ب: إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ; ر، هـ: إِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْأَوْسِ. (¬2) أ، ب: وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ ; ر، هـ: وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ. (¬3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ الَّذِي سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 34. (¬4) ص، ر: مُؤْمِنٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. . (¬5) أ، ب: أَخَاهُ ; ص: الرَّجُلَ.

وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ «لَمَّا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْزِلَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَامَ يُصَلِّي وَأَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَسْنَدُوا عِظَمَ ذَلِكَ إِلَى مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ (¬1) ، وَوَدُّوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا عَلَيْهِ فَيَهْلِكَ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ (¬2) وَقَالَ: " أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " قَالُوا: [بَلَى] وَإِنَّهُ يَقُولُ (¬3) ذَلِكَ، وَمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ: " لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَيَدْخُلَ النَّارَ أَوْ تَطْعَمَهُ» " (¬4) . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ (¬5) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَخْصًا مِنَ الصَّحَابَةِ: إِمَّا عَائِشَةَ، وَإِمَّا ¬

(¬1) ب: بْنِ الدُّخْشُنِ ; ن، م، هـ، و، ر: بْنِ دُخْشُمٍ. وَفِي " الْإِصَابَةِ " 3/323: " مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ، بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ، بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ. وَيُقَالُ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمِيمِ، وَيُقَالُ كَذَلِكَ بِالتَّصْغِيرِ، مُخْتَلَفٌ فِي نِسْبَتِهِ وَشَهِدَ بَدْرًا عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَهُوَ الَّذِي أَسَرَ سَهْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ ". (¬2) صَلَاتَهُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الصَّلَاةَ. (¬3) ر، ص، هـ، ن، م، و: قَالُوا: إِنَّهُ يَقُولُ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1/61 - 62 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/449. وَانْظُرْ " صَحِيحَ الصَّغِيرِ " 6/237. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 1/243 - 244: " وَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إِيمَانِهِ بَاطِنًا وَبَرَاءَتِهِ مِنَ النِّفَاقِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى " فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِأَنَّهُ قَالَهَا مُصَدِّقًا بِهَا، مُعْتَقِدًا صِدْقَهَا مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَشَهِدَ لَهُ فِي شَهَادَتِهِ لِأَهْلِ بَدْرٍ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِي صِدْقِ إِيمَانِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ عَلَى غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ النُّطْقُ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدْمَغُهُمْ ". (¬5) ر، ص، هـ، و: كَذَلِكَ.

عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَإِمَّا غَيْرَهُمَا: كَفَّرَ آخَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُثْمَانَ أَوْ غَيْرَهُ، * أَوْ أَبَاحَ قَتْلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّأْوِيلِ - كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي إِيمَانِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا فِي كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ; فَإِنَّ عُثْمَانَ وَغَيْرَهُ * (¬1) أَفْضَلُ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَعُمْرَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَّارٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَذَنْبَ حَاطِبٍ أَعْظَمُ (¬2) ، فَإِذَا غُفِرَ لِحَاطِبٍ ذَنْبُهُ، فَالْمَغْفِرَةُ لِعُثْمَانَ أَوْلَى، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَجْتَهِدَ مِثْلُ عُمَرَ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ فِي التَّكْفِيرِ أَوِ اسْتِحْلَالِ الْقَتْلِ، وَلَا يَكُونَ ذَلِكَ مُطَابِقًا، فَصُدُورُ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ عَائِشَةَ (¬3) وَعَمَّارٍ أَوْلَى. وَيُقَالُ: رَابِعًا: [إِنَّ] (¬4) هَذَا الْمَنْقُولَ عَنْ عَائِشَةَ مِنَ الْقَدْحِ فِي عُثْمَانَ: إِنْ كَانَ صَحِيحًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَوَابًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا لَمْ يُذْكَرْ فِي مَسَاوِئِ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَمْ يُذْكَرْ فِي مَسَاوِئِ عُثْمَانَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ نَقْصِ (¬5) عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ بَاطِلٌ قَطْعًا (¬6) . وَأَيْضًا فَعَائِشَةُ ظَهَرَ مِنْهَا مِنَ التَّأَلُّمِ لِقَتْلِ (¬7) عُثْمَانَ، وَالذَّمِّ لِقَتَلَتِهِ، وَطَلَبِ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي النَّدَمَ عَلَى مَا يُنَافِي ذَلِكَ، كَمَا ظَهَرَ مِنْهَا النَّدَمُ عَلَى مَسِيرِهَا إِلَى الْجَمَلِ ; فَإِنْ كَانَ نَدَمُهَا عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ عَلِيٍّ وَاعْتِرَافِهَا لَهُ بِالْحَقِّ، فَكَذَلِكَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ عُثْمَانَ وَاعْتِرَافِهَا لَهُ بِالْحَقِّ، وَإِلَّا فَلَا. ¬

(¬1) (**) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ص) . (¬2) أ، ب: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. (¬3) أ، ب: مِثْلِهِ عَنْ عَائِشَةَ. (¬4) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ب (فَقَطْ) : بُغْضِ. (¬6) قَطْعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) لِقَتْلِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِقَتْلِ.

وَأَيْضًا فَمَا ظَهَرَ مِنْ عَائِشَةَ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَلَامِ لِعَلِيٍّ أَعْظَمُ مِمَّا ظَهَرَ مِنْهُمْ مِنَ الْمَلَامِ لِعُثْمَانَ ; فَإِنْ كَانَ هَذَا حُجَّةً فِي لَوْمِ عُثْمَانَ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي لَوْمِ عَلِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي لَوْمِ عَلِيٍّ، فَلَيْسَ حُجَّةً فِي لَوْمِ عُثْمَانَ (¬1) . وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ الْقَدْحَ فِي عَائِشَةَ لَمَا لَامَتْ (¬2) عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، فَعَائِشَةُ فِي ذَلِكَ مَعَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، لَكِنْ تَخْتَلِفُ دَرَجَاتُ الْمَلَامِ. وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْقَدْحَ فِي الْجَمِيعِ: فِي عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ، وَاللَّائِمِ وَالْمَلُومِ. قِيلَ (¬3) : نَحْنُ لَسْنَا نَدَّعِي لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، بَلْ نَدَّعِي أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ، وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَأَنَّهُمْ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَنَقُولُ: [إِنَّ] (¬4) الذُّنُوبَ جَائِزَةٌ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مَنِ الصِّدِّيقِينَ، وَمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الصِّدِّيقِينَ، وَلَكِنَّ الذُّنُوبَ يُرْفَعُ عِقَابُهَا بِالتَّوْبَةِ (¬5) وَالِاسْتِغْفَارُ وَالْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ وَالْمَصَائِبُ الْمُكَفِّرَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مِنَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْحَسَنَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ هُوَ دُونَهُمْ، وَابْتُلُوا بِمَصَائِبَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا خَطَايَاهُمْ، لَمْ يُبْتَلَ بِهَا مَنْ دُونَهُمْ، فَلَهُمْ مِنَ السَّعْيِ الْمَشْكُورِ وَالْعَمَلِ الْمَبْرُورِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُمْ بِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ. ¬

(¬1) (11) : سَاقِطٌ مِنْ (و) ، (أ) . وَفِي (ب) : كَانَ حُجَّةً فِي لَوْمِ عَلِيٍّ، وَإِلَّا فَلَا. (¬2) ن. م: لَمَالَأَتْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) أ، ب: قُلْنَا. (¬4) إِنَّ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬5) أ، ب: يَرْفَعُ عِقَابَهُمَا التَّوْبَةُ.

وَالْكَلَامُ فِي النَّاسِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، لَا بِجَهْلٍ وَظُلْمٍ، كَحَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ ; فَإِنَّ الرَّافِضَةَ تَعْمِدُ (¬1) إِلَى أَقْوَامٍ مُتَقَارِبِينَ (¬2) فِي الْفَضِيلَةِ، تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ (¬3) أَحَدَهُمْ مَعْصُومًا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، وَالْآخَرَ مَأْثُومًا فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا، فَيَظْهَرُ جَهْلُهُمْ وَتَنَاقُضُهُمْ، كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ نُبُوَّةَ مُوسَى أَوْ عِيسَى، مَعَ قَدْحِهِ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَظْهَرُ عَجْزُهُ وَجَهْلُهُ وَتَنَاقُضُهُ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ طَرِيقٍ يُثْبِتُ بِهَا نُبُوَّةَ مُوسَى وَعِيسَى إِلَّا وَتَثْبُتُ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهَا أَوْ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، وَمَا مِنْ (¬4) شُبْهَةٍ تَعْرِضُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا وَتَعْرِضُ فِي نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِمَا (¬5) هُوَ مِثْلُهَا أَوْ أَقْوَى مِنْهَا، وَكُلُّ مَنْ عَمَدَ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، أَوْ مَدْحِ الشَّيْءِ وَذَمِّ مَا هُوَ مَنْ جِنْسِهِ، أَوْ أَوْلَى بِالْمَدْحِ مِنْهُ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَصَابَهُ مِثْلُ هَذَا التَّنَاقُضِ وَالْعَجْزِ وَالْجَهْلِ. وَهَكَذَا أَتْبَاعُ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَمْدَحَ مَتْبُوعَهُ وَيَذُمَّ نَظِيرَهُ، أَوْ يُفَضِّلَ أَحَدَهُمْ عَلَى الْآخَرِ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ. فَإِذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ: (¬6) أَهْلُ الْمَدِينَةِ خَالَفُوا السُّنَّةَ فِي كَذَا وَكَذَا، وَتَرَكُوا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي كَذَا وَكَذَا، وَاتَّبَعُوا الرَّأْيَ فِي كَذَا وَكَذَا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَمَّنْ يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: إِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ التَّلْبِيَةَ إِلَى رَمْيِ جَمْرَةِ ¬

(¬1) أ، ب: يَعْمِدُونَ. (¬2) ن، و: مُتَفَاوِتِينَ. (¬3) أ، ب: يُرِيدُونَ أَنْ يَجْعَلُوا. (¬4) أ، ب: وَلَا مِنْ. (¬5) بِمَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَا. (¬6) أ، ب: فَإِذَا قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ.

الْعَقَبَةِ، وَلَا الطِّيبَ لِلْمُحْرِمِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَلَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي، وَلَا السُّجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ، وَلَا الِاسْتِفْتَاحَ وَالتَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْهَا، وَلَا تَحْرِيمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَلَا كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْحُشُوشَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ مَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنَ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ. فَيَقُولُ الْمَدَنِيُّونَ: نَحْنُ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَأَبْعَدُ عَنْ مُخَالَفَتِهَا وَعَنِ الرَّأْيِ الْخَطَأِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ [أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَلَا أَنْ مِيَاهَ الْآبَارِ لَا تَنْجُسْ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ النَّجَاسَاتِ، وَلَا يَرَوْنَ] (¬1) صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِرُكُوعَيْنِ (¬2) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَلَا يُحَرِّمُونَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ، وَلَا يَحْكُمُونَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَا يَبْدَءُونَ (¬3) فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ، وَلَا يَجْتَزِءُونَ (¬4) بِطَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ مِنَ الْقِرَانِ، وَيُوجِبُونَ الزَّكَاةَ فِي الْخُضْرَوَاتِ، وَلَا يُجِيزُونَ الْأَحْبَاسَ (¬5) ، وَلَا يُبْطِلُونَ نِكَاحَ الشِّغَارِ، [وَلَا نِكَاحَ] الْمُحَلِّلِ (¬6) ، وَلَا يَجْعَلُونَ الْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَّا مُجَرَّدَ وَكِيلَيْنِ (¬7) ، وَلَا يَجْعَلُونَ الْأَعْمَالَ فِي الْعُقُودِ بِالنِّيَّاتِ، وَيَسْتَحِلُّونَ مَحَارِمَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَدْنَى الْحِيَلِ، * فَيُسْقِطُونَ الْحُقُوقَ كَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا بِالْحِيَلِ، وَيُحِلُّونَ (¬8) الْمُحَرَّمَاتِ كَالزِّنَا وَالْمَيْسِرِ وَالسِّفَاحِ بِالْحِيَلِ * (¬9) ، وَيُسْقِطُونَ الزَّكَاةَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَبِرُكُوعَيْنِ ; أ: يَرْكَعُونَ. (¬3) أ، ب: وَلَا يَبْتَدِئُونَ. (¬4) ن، م، و: وَلَا يُجْبِرُونَ. (¬5) أ، ر، ص، هـ: الْأَجْنَاسَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: الشِّغَارِ وَالْمُحَلِّلِ. (¬7) أ: الْحُكْمَيْنِ لِلزَّوْجَيْنِ إِلَّا بِمُجَرَّدِ وَكِيلَيْنِ ; و، ب: الْحُكْمَيْنِ لِلزَّوْجَيْنِ إِلَّا بِمُجَرَّدِ وَكِيلَيْنِ. (¬8) ن، م، و: وَيَجْعَلُونَ. (¬9) (* - *) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) وَسَقَطَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ (م) .

بِالْحِيَلِ، وَلَا يَعْتَبِرُونَ الْقُصُودَ (¬1) فِي الْعَقْدِ، وَيُعَطِّلُونَ (¬2) الْحُدُودَ حَتَّى لَا يُمْكِنَ سِيَاسَةُ بَلَدٍ بِرَأْيِهِمْ ; فَلَا يَقْطَعُونَ يَدَ مَنْ يَسْرِقُ الْأَطْعِمَةَ وَالْفَاكِهَةَ وَمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ، وَلَا يَحُدُّونَ أَحَدًا يَشْرَبُ (¬3) الْخَمْرَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ (¬4) ، وَلَا يَحُدُّونَهُ إِذَا رُئِيَ يَسْتَقِيهَا أَوْ وُجِدَتْ (¬5) رَائِحَتُهَا مِنْهُ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُونَ الْقَوَدَ بِالْمُثَقِّلِ (¬6) ، وَلَا يَفْعَلُونَ بِالْقَاتِلِ كَمَا فَعَلَ بِالْمَقْتُولِ، بَلْ يَكُونُ (¬7) الظَّالِمُ قَدْ قَطَعَ يَدَيِ الْمَظْلُومِ (¬8) وَرِجْلَيْهِ وَبَقَرَ بَطْنَهُ، فَيَكْتَفُونَ بِضَرْبِ (¬9) عُنُقِهِ، وَيَقْتُلُونَ الْوَاحِدَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِ وَاحِدٍ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ، وَيُسَوُّونَ بَيْنَ دِيَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَدِيَاتِ الْكُفَّارِ (¬10) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَيُسْقِطُونَ الْحَدَّ عَمَّنْ وَطِئَ ذَاتَ مَحْرَمِهِ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِمُجَرَّدِ (¬11) صُورَةِ الْعَقْدِ، كَمَا يُسْقِطُونَ بِعَقْدِ الِاسْتِئْجَارِ (¬12) عَلَى الْمَنَافِعِ، وَلَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ ¬

(¬1) أ، ب، وَ: الْمَقْصُودَ. (¬2) أ، ب: وَيُبْطِلُونَ. (¬3) ب: بِشُرْبِ ; ن، و: شُرْبِ. (¬4) م: الْبَيِّنَةُ. (¬5) أ: بَيِّنَةٌ يَسْتَفُّهَا أَوْ وُجِدَتْ ; ب: بَيِّنَةٌ بِشُرْبِهَا وَوُجِدَتْ. . ; ن، م: بَيِّنَةٌ لَا يَحُدُّونَهُ إِذَا رُئِيَ يُسْقَهَا أَوْ وُجِدَتْ. . (¬6) أ: وَلَا يُحِبُّونَ الْقَوَدَ بِالْقَتْلِ. (¬7) أ: بَلْ يَكُنْ ; ب: كَأَنْ يَكُونَ. (¬8) أ، ب: الظَّالِمُ قَطَعَ يَدَ الْمَظْلُومِ. (¬9) أ، ب: فَيَقُولُونَ نَضْرِبُ. . (¬10) أ: بَيْنَ دِينِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَدِيَانَةِ الْكُفَّارِ ; ب: بَيْنَ دِيَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَدِيَةِ الْكُفَّارِ. (¬11) ب (فَقَطْ) : بِمُجَرَّدِ. (¬12) أ: كَمَا يُسْقِطُونَ يَعْقِدُ الْإِيجَارَ ; ب: كَمَا يُسْقِطُونَهُ بِعَقْدِ الْإِيجَارِ.

الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَلَا يَسْتَحِبُّونَ التَّغْلِيسَ بِالْفَجْرِ، وَلَا يَسْتَحِبُّونَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ، وَلَا يُوجِبُونَ تَبْيِيتَ نِيَّةِ الصَّوْمِ (¬1) عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يُجَوِّزُونَ وَقْفَ الْمُشَاعِ وَلَا هِبَتَهُ وَلَا رَهْنَهُ، وَيُحَرِّمُونَ الضَّبَّ وَالضَّبُعَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا أَحَلَّهُ (¬2) اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحَلِّلُونَ الْمُسْكِرَ (¬3) الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، * وَلَا يَرَوْنَ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَدْخُلُ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ (¬4) ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ تَبْطُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا يُجِيزُونَ الْقُرْعَةَ، وَلَا يَأْخُذُونَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، وَلَا بِحَدِيثِ الْمُشْتَرِي إِذَا أَفْلَسَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا تُدْرَكُ بِأَقَلِّ مِنْ رَكْعَةٍ، وَلَا يُجِيزُونَ الْقَصْرَ فِي مَسِيرَةِ (¬5) يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَيُجِيزُونَ تَأْخِيرَ [بَعْضِ] الصَّلَوَاتِ (¬6) عَنْ وَقْتِهَا * (¬7) . وَكَذَلِكَ بَعْضُ أَتْبَاعِ فُقَهَاءِ (¬8) الْحَدِيثِ لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ (¬9) : إِنَّا نَحْنُ أَتْبَعُ، إِنَّمَا نَتَّبِعُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ (¬10) ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالضَّعِيفِ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُونَ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ [مِنْكُمْ] (¬11) وَأَتْبَعُ لَهُ [مِنْكُمْ] (¬12) ¬

(¬1) أ: التَّبْيِيتَ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ ; ب: التَّبْيِيتَ لِنِيَّةِ الصَّوْمِ ; ص: تَبْيِيتَ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ. (¬2) ن: أَحَلَّهُمَا. (¬3) أ: وَيُحِلُّونَ السُّكْرَ ; ب، و: وَيُحِلُّونَ الْمُسْكِرَ. (¬4) أ، ب، ن، م: مِثْلَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م: مُدَّةِ (¬6) ن، م: تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ ; ص: تَأْخِيرَ بَعْضِ الصَّلَاةِ. (¬7) (* - *) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬8) هـ: أَتْبَاعُ بَعْضِ فُقَهَاءِ. . (¬9) أ، ب: أَحَدُهُمْ. (¬10) أ، ب: إِنَّا نَحْنُ إِنَّمَا نَتَّبِعُ الصَّحِيحَ. (¬11) مِنْكُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬12) مِنْكُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ الضُّعَفَاءِ مَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ ; كَمَا يَظُنُّ ثُبُوتَ كَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ (¬1) فِي السَّفَرِ أَحْيَانًا يُتِمُّ الصَّلَاةَ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ (¬2) يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، أَوْ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ إِحْرَامًا مُطْلَقًا: لَمْ يَنْوِ تَمَتُّعًا وَلَا إِفْرَادًا وَلَا قِرَانًا، أَوْ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا، وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ تَرْكِ قِسْمَةِ الْعَقَارِ يُنْقَضُ، وَيُنْقَضُ حُكْمُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ فِي الْمَفْقُودِ (¬3) ، وَيَحْتَجُّ بِحَدِيثِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَقَوْلُنَا: إِنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ خَيْرٌ مِنَ الرَّأْيِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الضَّعِيفَ الْمَتْرُوكَ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَسَنُ، كَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَحَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، وَأَمْثَالِهِمَا مِمَّنْ (¬4) يُحَسِّنُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ أَوْ يُصَحِّحُهُ. وَكَانَ (¬5) الْحَدِيثُ فِي اصْطِلَاحِ مَا قَبْلَ التِّرْمِذِيِّ: إِمَّا صَحِيحًا وَإِمَّا ضَعِيفًا، وَالضَّعِيفُ نَوْعَانِ: ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ، وَضَعِيفٌ لَيْسَ بِمَتْرُوكٍ (¬6) ، فَتَكَلَّمَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ، فَجَاءَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إِلَّا اصْطِلَاحَ (¬7) التِّرْمِذِيِّ ; فَسَمِعَ قَوْلَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ (¬8) ¬

(¬1) ن، م: أَنَّهُ كَانَ ; ر: أَنْ كَانَ. (¬2) ن، م، ص: وَأَنَّهُ كَانَ. . (¬3) أ: الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: مِمَّا. (¬5) ن، م: وَإِنْ كَانَ. . (¬6) ن (فَقَطْ) : غَيْرُ مَتْرُوكٍ. (¬7) أ، ب: مَنْ لَا يَعْرِفُ إِلَّا اصْطِلَاحَ ; ن، م: مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الِاصْطِلَاحَ. (¬8) ن: بَعْضَ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ ; ص: قَوْلَ بَعْضِ أَئِمَّةِ.

: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْقِيَاسِ، فَظَنَّ أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُضَعِّفُهُ مِثْلُ التِّرْمِذِيِّ، وَأَخَذَ يُرَجِّحُ طَرِيقَةَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ أَتْبَعُ (¬1) لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُتَنَاقِضِينَ الَّذِينَ (¬2) يُرَجِّحُونَ الشَّيْءَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى بِالرُّجْحَانِ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ. وَكَذَلِكَ شُيُوخُ الزُّهْدِ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقْدَحَ فِي بَعْضِ الشُّيُوخِ وَيُعَظِّمَ آخَرَ، وَأُولَئِكَ (¬3) أَوْلَى بِالتَّعْظِيمِ وَأَبْعَدُ عَنِ الْقَدْحِ ; كَمَنْ يُفَضِّلُ أَبَا يَزِيدَ وَالشِّبْلِيَّ وَغَيْرَهُمَا، مِمَّنْ يُحْكَى عَنْهُ نَوْعٌ مِنَ الشَّطْحِ، عَلَى مِثْلِ الْجُنَيْدِ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى بِالِاسْتِقَامَةِ وَأَعْظَمُ قَدْرًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ جَهْلِهِمْ يَجْعَلُونَ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى الْعَظِيمَةَ مُوجِبَةً لِتَفْضِيلِ الْمُدَّعِي، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ تِلْكَ غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْخَطَأِ الْمَغْفُورِ، لَا مِنَ السَّعْيِ الْمَشْكُورِ. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَسْلُكْ سَبِيلَ الْعِلْمِ وَالْعَدْلِ أَصَابَهُ مِثْلُ هَذَا التَّنَاقُضِ، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا - لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 72، 73] فَهُوَ ظَالِمٌ جَاهِلٌ إِلَّا مَنْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. ¬

(¬1) ن، م: يَتْبَعُ. . (¬2) و: التَّنَاقُضِ الَّذِي. . (¬3) أ، ب: وَذَلِكَ و: بَلْ وَأُولَئِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) : " إِنَّهَا سَأَلَتْ: مَنْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ؟ فَقَالُوا: عَلِيٌّ. فَخَرَجَتْ لِقِتَالِهِ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ، فَأَيُّ (¬2) ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ؟ ". فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: قَوْلُ الْقَائِلِ (¬3) : إِنَّ عَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ اتَّهَمُوا عَلِيًّا بِأَنَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ وَقَاتَلُوهُ عَلَى ذَلِكَ - كَذِبٌ بَيِّنٌ (¬4) ، بَلْ إِنَّمَا طَلَبُوا الْقَتَلَةَ الَّذِينَ كَانُوا تَحَيَّزُوا إِلَى عَلِيٍّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ بَرَاءَةَ عَلِيٍّ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ كَبَرَاءَتِهِمْ وَأَعْظَمُ، لَكِنَّ الْقَتَلَةَ كَانُوا قَدْ أَوَوْا إِلَيْهِ، فَطَلَبُوا قَتْلَ الْقَتَلَةِ، وَلَكِنْ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ هُمْ وَعَلِيٌّ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانَتْ لَهُمْ قَبَائِلُ يَذُبُّونَ عَنْهُمْ. وَالْفِتْنَةُ إِذَا وَقَعَتْ عَجَزَ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَنْ (¬5) دَفْعِ السُّفَهَاءِ، فَصَارَ الْأَكَابِرُ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -] (¬6) عَاجِزِينَ عَنْ إِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ وَكَفِّ أَهْلِهَا. وَهَذَا شَأْنُ الْفِتَنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 25] . وَإِذَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ لَمْ يَسْلَمْ مِنَ التَّلَوُّثِ بِهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: " أَيُّ ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ فِي قَتْلِهِ؟ (¬7) ". تَنَاقُضٌ مِنْهُ ; فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مِمَّنْ (¬8) يَسْتَحِلُّ قَتْلَهُ [وَقِتَالَهُ] (¬9) ، ¬

(¬1) ن، م، ر، ص، هـ: وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ. (¬2) أ، ب: وَأَيُّ (¬3) عِبَارَةُ " قَوْلُ الْقَائِلِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ص) ، (هـ) (¬4) بَيِّنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي (أ) : تَنِزٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، و: عَنْهَا عَنْ. (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) فِي قَتْلِهِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِي قِتَالِهِ. (¬8) ر، ص، هـ، ب، و: مِمَّنْ كَانَ. وَسَقَطَتْ " مِمَّنْ " مِنْ (أ) . (¬9) وَقِتَالَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي ص: وَقَاتَلَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَمِمَّنْ أَلَّبَ عَلَيْهِ وَقَامَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَسَبَهُ إِلَى قَتْلِ (¬1) عُثْمَانَ كَثِيرٌ مِنْ شِيعَتِهِ وَمِنْ شِيعَةِ (¬2) عُثْمَانَ، هَؤُلَاءِ لِبُغْضِهِمْ لِعُثْمَانَ وَهَؤُلَاءِ لِبُغْضِهِمْ لِعَلِيٍّ (¬3) ، وَأَمَّا جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ (¬4) فَيَعْلَمُونَ كَذِبَ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى عَلِيٍّ. وَالرَّافِضَةُ تَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ قَتْلَ عُثْمَانَ، بَلْ وَقَتْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَرَى أَنَّ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ. فَكَيْفَ يَقُولُ مَنْ هَذَا اعْتِقَادُهُ: أَيُّ ذَنْبٍ كَانَ لِعَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا يَلِيقُ هَذَا التَّنْزِيهُ لِعَلِيٍّ بِأَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ، لَكِنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَنَاقُضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَكَيْفَ اسْتَجَازَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا مُطَاوَعَتَهَا عَلَى ذَلِكَ؟ وَبِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ مِنْ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ تَحَدَّثَ مَعَ (¬5) امْرَأَةِ غَيْرِهِ وَأَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا وَسَافَرَ بِهَا (¬6) كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ ". فَيُقَالُ: هَذَا مِنْ تَنَاقُضِ الرَّافِضَةِ وَجَهْلِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ يَرْمُونَ عَائِشَةَ ¬

(¬1) ن، م: نِسْبَةً إِلَى قَوْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ، ب: وَشِيعَةِ. (¬3) أ، ب: هَؤُلَاءِ لِتَعَصُّبِهِمْ لِعُثْمَانَ وَهَؤُلَاءِ لِتَعَصُّبِهِمْ لِعَلِيٍّ ; ن، م، و، ر، هـ: هَؤُلَاءِ لِبُغْضِهِمْ لِعُثْمَانَ وَهَؤُلَاءِ لِبُغْضِهِمْ لَهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ص) . (¬4) أب: الْإِسْلَامِ. (¬5) مَعَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَلَى. (¬6) ب (فَقَطْ) : أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا أَوْ سَافَرَ بِهَا.

بِالْعَظَائِمِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرْمِيهَا بِالْفَاحِشَةِ الَّتِي بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهَا، وَأَنْزَلَ (¬1) الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّهُمْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ يَدَّعُونَ ذَلِكَ (¬2) فِي غَيْرِهَا مِنْ نِسَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، فَيَزْعُمُونَ (¬3) أَنَّ امْرَأَةَ نُوحٍ كَانَتْ بَغِيًّا، وَأَنَّ الِابْنَ الَّذِي دَعَاهُ نُوحٌ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْهَا، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [سُورَةُ هُودٍ: 46] أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ عَمَلٍ غَيْرِ صَالِحٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْرَأُ: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [سُورَةُ هُودٍ: 42] يُرِيدُونَ: ابْنَهَا، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [سُورَةُ هُودٍ: 46] وَيَتَأَوَّلُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 10] عَلَى أَنَّ امْرَأَةَ نُوحٍ خَانَتْهُ فِي فِرَاشِهِ (¬4) ، وَأَنَّهَا كَانَتْ قَحْبَةً (¬5) . وَضَاهَوْا فِي ذَلِكَ الْمُنَافِقِينَ وَالْفَاسِقِينَ أَهْلَ الْإِفْكِ الَّذِينَ رَمَوْا عَائِشَةَ بِالْإِفْكِ وَالْفَاحِشَةِ وَلَمْ يَتُوبُوا (¬6) ، وَفِيهِمْ خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " «أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا» " (¬7) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْأَذَى لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى امْرَأَتِهِ ¬

(¬1) ص: وَنَزَلَ. (¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: فَيَدَّعُونَ. (¬4) أ، ب: فِي الْفِرَاشِ. (¬5) أ: تُحِبُّهُ، ص، هـ، و، ن، م: تَحْتَهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ر) ، (ب) . (¬6) أ، ب: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا. (¬7) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ.

رَجُلٌ (¬1) وَيَقُولُ إِنَّهَا بَغِيٌّ وَيَجْعَلُ الزَّوْجَ زَوْجَ قَحْبَةٍ (¬2) ، فَإِنَّ هَذَا (¬3) مِنْ أَعْظَمِ مَا يَشْتُمُ بِهِ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى إِنَّهُمْ (¬4) يَقُولُونَ [فِي الْمُبَالَغَةِ] (¬5) : شَتَمَهُ بِالزَّايِ وَالْقَافِ (¬6) مُبَالَغَةً فِي شَتْمِهِ. وَالرَّمْيُ بِالْفَاحِشَةِ - دُونَ سَائِرِ الْمَعَاصِي - جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ حَدَّ الْقَذْفِ، لِأَنَّ الْأَذَى الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ لِلْمَرْمِيِّ لَا يَحْصُلُ مِثْلُهُ بِغَيْرِهِ (¬7) ، فَإِنَّهُ لَوْ رُمِيَ بِالْكُفْرِ أَمْكَنَهُ تَكْذِيبُ الرَّامِي بِمَا يُظْهِرُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ بِالْفَاحِشَةِ ; فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَكْذِيبُ الْمُفْتَرِي بِمَا يُضَادُّ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْفَاحِشَةَ تُخْفَى وَتُكْتَمُ مَعَ تَظَاهُرِ الْإِنْسَانِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ذَمَّ مَنْ يُحِبُّ إِشَاعَتَهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ (¬8) ، لِمَا فِي إِشَاعَتِهَا مِنْ أَذَى النَّاسِ وَظُلْمِهِمْ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِغْرَاءِ النُّفُوسِ [بِهَا] ، لِمَا فِيهَا (¬9) مِنَ التَّشَبُّهِ وَالِاقْتِدَاءِ، فَإِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهَا تَشَبَّهَ بِهِ، فَفِي الْقَذْفِ بِهَا مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ مَا لَيْسَ فِي الْقَذْفِ بِغَيْرِهَا، لِأَنَّ النُّفُوسَ تَشْتَهِيهَا، بِخِلَافِ الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ، وَلِأَنَّ إِظْهَارَ الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ فِيهِ التَّحْذِيرُ لِلنُّفُوسِ مِنْ ¬

(¬1) ن، م، و: وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ فِي أَذَى الرَّجُلَيْنِ بَيْنَ مَنْ يَكْذِبُ عَلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ. وَفِي (أ) ، (ب) : وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ. فِي (أ) : عَلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ. (¬2) أ، ب: فَيَقُولُ إِنَّهَا بَغِيٌّ وَيَجْعَلُ الزَّوْجَ أَنَّهُ زَوْجُ قَحْبَةٍ (فِي أ: تُحِبُّهُ) (¬3) ن، م، و: هَذَا. (¬4) إِنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) فِي الْمُبَالَغَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ، ب: شَتَمْتُهُ بِالزَّايِ وَالْقَافِ ; ص: بِشَتْمِهِ بِالزَّايِ وَالْقَافِ ; م: شَبَّهَهُ بِالزَّايِ وَالْقَافِ. (¬7) ن، م: لِغَيْرِهِ. (¬8) ن: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ; م، هـ، و، ص، ر: عَنِ الْمُؤْمِنِينَ. (¬9) ن: النُّفُوسِ بِمَا لَهَا فِيهَا. . .

مَضَرَّةِ ذَلِكَ، فَمَصْلَحَةُ إِظْهَارِ فِعْلِ فَاعِلِهِ فِي الْجُمْلَةِ رَاجِحَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ كِتْمَانِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ، وَيُقَامُ الْحَدُّ فِيهِ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، بِخِلَافِ الْفَاحِشَةِ ; فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا تَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ إِلَّا بِإِقْرَارٍ (¬1) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَالرَّجُلُ يَتَأَذَّى بِرَمْيِ امْرَأَتِهِ بِالْفَاحِشَةِ (¬2) ، كَمَا يَتَأَذَّى بِفِعْلِ امْرَأَتِهِ لِلْفَاحِشَةِ، وَلِهَذَا شَرَعَ لَهُ الشَّارِعُ اللِّعَانَ إِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ، وَأَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ (¬3) حَدَّ الْقَذْفِ بِاللِّعَانِ دُونَ غَيْرِهِ ; فَإِنَّهُ إِذَا قَذَفَ مُحْصَنَةً لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَإِمَّا الْحَدِّ (¬4) إِنْ طَلَبَ ذَلِكَ الْمَقْذُوفُ، وَلِهَذَا لَوْ قُذِفَتِ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ وَلَهَا زَوْجٌ مُحْصَنٌ وَجَبَ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. فَهَذِهِ الشَّوَاهِدُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعُرْفِيَّةُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ تَأَذِّيَ الْإِنْسَانِ بِرَمْيِ (¬5) امْرَأَتِهِ بِالْفَاحِشَةِ أَعْظَمُ مِنْ تَأَذِّيهِ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا (¬6) لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ يَظُنُّهَا الْمُخْرِجُ، مَعَ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ لَمْ يُخْرِجَاهَا مِنْ مَنْزِلِهَا، بَلْ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ عَائِشَةُ بِمَكَّةَ [وَلَمْ تَكُنْ بِالْمَدِينَةِ] (¬7) ، وَلَمْ تَشْهَدْ قَتْلَهُ، فَذَهَبَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَاجْتَمَعَا بِهَا فِي مَكَّةَ. ¬

(¬1) ب: بِالْإِقْرَارِ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ. . . (¬2) و (فَقَطْ) : وَالرَّجُلُ لَا يَتَأَذَّى بِرَمْيِ أَحَدٍ مِنَ الْفَاحِشَةِ كَمَا يَتَأَذَّى بِرَمْيِ امْرَأَتِهِ بِالْفَاحِشَةِ. . . (¬3) أ: وَأَنْ تَدْفَعَ عَنْهُ ; ب: ويَنْدَفِعَ عَنْهُ. (¬4) ب (فَقَطْ) : الْحَدِّ. (¬5) أ، ب: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَذَّى بِرَمْيِ. . (¬6) ص: مِنْ مَنْزِلِهِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ يَرْمُونَ أَزْوَاجَ الْأَنْبِيَاءِ: عَائِشَةَ وَامْرَأَةَ نُوحٍ بِالْفَاحِشَةِ ; فَيُؤْذُونَ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْأَذَى بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ أَذَى الْمُنَافِقِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ أَخْذَهُمَا لِعَائِشَةَ مَعَهُمَا لَمَّا سَافَرَا مَعَهَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ رِيبَةُ فَاحِشَةٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. فَهَلْ هَؤُلَاءِ إِلَّا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ جَهْلًا وَتَنَاقُضًا؟ . وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، وَأَنَّ ابْنَ نُوحٍ كَانَ ابْنَهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [سُورَةُ هُودٍ: 42] وَكَمَا قَالَ نُوحٌ: {يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [سُورَةُ هُودٍ: 42] وَقَالَ: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [سُورَةُ هُودٍ: 45] ، فَاللَّهُ وَرَسُولُهُ يَقُولَانِ: إِنَّهُ ابْنُهُ، وَهَؤُلَاءِ الْكَذَّابُونَ الْمُفْتَرُونَ الْمُؤْذُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ (¬1) لَيْسَ ابْنَكَ، وَلَكِنْ قَالَ: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [سُورَةُ هُودٍ: 40] ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ آمَنَ} [سُورَةُ هُودٍ: 40] أَيْ: وَاحْمِلْ (¬2) مَنْ آمَنَ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِحَمْلِ أَهْلِهِ كُلِّهِمْ، بَلِ اسْتَثْنَى مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ [مِنْهُمْ] (¬3) ، وَكَانَ ابْنُهُ قَدْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، وَلَمْ يَكُنْ نُوحٌ يَعْلَمُ ذَلِكَ. فَلِذَلِكَ قَالَ: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} ظَانًّا ¬

(¬1) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن: أَيْ حَمِّلْ. (¬3) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) .

أَنَّهُ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ (¬1) مَنْ وُعِدَ بِنَجَاتِهِمْ. [وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ لَيْسَ مَنْ أَهْلِكَ الَّذِينَ وَعَدْتُ بِإِنْجَائِهِمْ] (¬2) . وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَهْلِ نَسَبًا فَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ دِينًا، وَالْكُفْرُ قَطْعُ (¬3) الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، كَمَا نَقُولُ: إِنَّ أَبَا لَهَبٍ لَيْسَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقَارِبِهِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِنَا (¬4) : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ". وَخِيَانَةُ امْرَأَةِ نُوحٍ لِزَوْجِهَا كَانَتْ فِي الدِّينِ ; فَإِنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ. وَخِيَانَةُ امْرَأَةِ لُوطٍ أَيْضًا كَانَتْ فِي الدِّينِ ; فَإِنَّهَا كَانَتْ تَدُلُّ قَوْمَهَا عَلَى الْأَضْيَافِ، وَقَوْمُهَا كَانُوا يَأْتُونَ الذُّكْرَانَ، لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَتُهُمُ الزِّنَا بِالنِّسَاءِ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهَا أَتَتْ فَاحِشَةً، بَلْ كَانَتْ تُعِينُهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَتَرْضَى عَمَلَهُمْ. ثُمَّ مِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ أَنْسَابَ الْأَنْبِيَاءِ: آبَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، وَيَقْدَحُونَ فِي أَزْوَاجِهِمْ ; كُلُّ ذَلِكَ عَصَبِيَّةً وَاتِّبَاعَ هَوًى (¬5) حَتَّى يُعَظِّمُونَ فَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيَقْدَحُونَ فِي عَائِشَةَ [أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ] (¬6) ، فَيَقُولُونَ - أَوْ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ -: إِنْ آزَرَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ كَانَ مُؤْمِنًا، وَإِنَّ أَبَوَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَا مُؤْمِنَيْنِ، حَتَّى لَا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ يَكُونُ أَبُوهُ ¬

(¬1) أ، ب: أَنَّهُ جُمْلَةَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) أ: كَقَطَعَ ; ب: يَقْطَعُ. (¬4) أ، ب، ر، ص، هـ: فِي قَوْلِهِ. (¬5) أ، ب: لِلْهَوَى. (¬6) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

كَافِرًا، فَإِذَا كَانَ (¬1) أَبُوهُ كَافِرًا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ابْنُهُ كَافِرًا، فَلَا يَكُونُ فِي مُجَرَّدِ النَّسَبِ فَضِيلَةٌ. وَهَذَا مِمَّا يَدْفَعُونَ بِهِ أَنَّ ابْنَ نُوحٍ كَانَ كَافِرًا لِكَوْنِهِ ابْنَ نَبِيٍّ، فَلَا يَجْعَلُونَهُ كَافِرًا مَعَ كَوْنِهِ ابْنَهُ، وَيَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ مُؤْمِنًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَانَ اسْمُهُ عِمْرَانَ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} . [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 33] وَهَذَا الَّذِي فَعَلُوهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِافْتِرَاءِ وَالْبُهْتَانِ فَفِيهِ (¬2) مِنَ التَّنَاقُضِ وَعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِمْ مَا لَا يَخْفَى. وَذَلِكَ أَنَّ كَوْنَ الرَّجُلِ أَبِيهِ (¬3) أَوِ ابْنِهِ كَافِرًا لَا يَنْقُصُهُ [ذَلِكَ] (¬4) عِنْدَ اللَّهِ شَيْئًا، فَإِنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَفْضَلُ مِنْ آبَائِهِمْ، وَكَانَ آبَاؤُهُمْ كُفَّارًا، بِخِلَافِ مَنْ كَوْنُهُ زَوْجَ بَغِيٍّ [قَحْبَةٍ] (¬5) ; فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يُذَمُّ بِهِ وَيُعَابُ ; لِأَنَّ مَضَرَّةَ ذَلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ كُفْرِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ. وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْمُؤْمِنُ لَا يَلِدُ إِلَّا مُؤْمِنًا، لَكَانَ بَنُو آدَمَ كُلُّهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ. . (¬2) ب (فَقَطْ) : فِيهِ. (¬3) أَبِيهِ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ.: أَبُوهُ. (¬4) ذَلِكَ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬5) ن، م، و: بِخِلَاف مَنْ كَوْنُهُ زَوْجَ بَغِيٍّ ; أ: كَوْنِ زَوْجٍ بَغِيٍّ تَحْتَهُ ; ب، ص: بِخِلَافِ كَوْنِهِ زَوْجَ بَغِيٍّ قَحْبَةٍ ; ر، هـ: بِخِلَافِ كَوْنِهِ زَوْجَ قَحْبَةٍ بَغِيٍّ.

أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 27] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ (¬1) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» " (¬2) . وَأَيْضًا فَهُمْ يَقْدَحُونَ فِي الْعَبَّاسِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي تَوَاتَرَ إِيمَانُهُ، وَيَمْدَحُونَ أَبَا طَالِبٍ الَّذِي مَاتَ كَافِرًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ (¬3) الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ قَالَ: «لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ (¬4) ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ". فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ. . . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/79 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) ، 4/132 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ; مُسْلِمٍ 3/1303 1304 (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ بَيَانِ إِثْمِ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/148 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ) . وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ. (¬3) أ، ب: كَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ. (¬4) أ، ب: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودُ لَهُ (¬1) ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ (¬2) ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [سُورَةُ التَّوبَةِ: 113] وَأُنْزِلَ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} » (¬3) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، وَقَالَ فِيهِ: «قَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا (¬4) حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} » (¬5) \ 441. . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» " (¬6) . ¬

(¬1) ن، م، و: وَيُعِيدُ لَهُ، ب: وَيَعُودُ عَلَيْهِ. (¬2) ن، م: وَفِي رِوَايَةٍ: وَيُعِيدَانِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ ; ب: وَيَعُودَانِ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ. (¬3) [سُورَةُ الْقَصَصِ: 56] سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِيمَا مَضَى 2/122. (¬4) أ، ب: إِنَّهُ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ إِسْلَامِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/21 22 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَصَصِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) (¬6) الْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/51 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ) ; مُسْلِمٍ 1/195 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي طَالِبٍ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/202.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَمَّا ذُكِرَ عِنْدَهُ، قَالَ: " «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) . وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُثْنِ عَلَى أَحَدٍ بِمُجَرَّدِ نَسَبِهِ، بَلْ إِنَّمَا يُثْنِي عَلَيْهِ (¬2) بِإِيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 13] وَإِنْ كَانَ: " «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» " كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (¬3) . فَالْمَعْدِنُ هُوَ مَظِنَّةُ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَإِلَّا كَانَ الْمَعْدِنُ النَّاقِصُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ خَيْرًا مِنْهُ. [وَأَيْضًا] (¬4) مِنْ تُنَاقُضِهِمْ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْمَقَامِ طَعْنًا فِي ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/51 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ) ، مُسْلِمٍ 1/195 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي طَالِبٍ) ، الْمُسْنَدِ، (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/9، 50. (¬2) ب (فَقَطْ) : أَثْنَى عَلَيْهِ. (¬3) جَاءَ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/140، 148 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، بَابُ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ. . . .) ، 4/178 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى.) وَنَصُّهُ " خِيَارُهُمْ (وَفِي لَفْظٍ: خِيَارُكُمْ) فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا " ; وَجَاءَ الْحَدِيثُ كَامِلًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي: مُسْلِمٍ 4/2031 2032 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/539. (¬4) وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا إِنْ كَانَ مُتَوَجِّهًا، فَالطَّعْنُ فِي عَلِيٍّ بِذَلِكَ أَوْجَهُ ; فَإِنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ كَانَا مُعَظِّمَيْنِ عَائِشَةَ، مُوَافِقَيْنِ لَهَا، مُؤْتَمِرَيْنِ بِأَمْرِهَا، وَهُمَا وَهِيَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَيْهَا. فَإِنْ جَازَ لِرَافِضِيٍّ (¬1) أَنْ يَقْدَحَ فِيهِمَا يَقُولُ (¬2) : " بِأَيِّ وَجْهٍ تَلْقَونَ (¬3) رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ مَعَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا لَوْ تَحَدَّثَ مَعَ (¬4) امْرَأَةِ غَيْرِهِ حَتَّى أَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا وَسَافَرَ بِهَا " (¬5) ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَلِكَةِ الَّتِي يَأْتَمِرُ (¬6) بِأَمْرِهَا وَيُطِيعُهَا، وَلَمْ يَكُنْ إِخْرَاجُهَا لِمَظَانِّ الْفَاحِشَةِ - كَانَ لِنَاصِبِيٍّ (¬7) أَنْ يَقُولَ: بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَاتَلَ امْرَأَتَهُ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا أَعْوَانَهُ حَتَّى عَقَرُوا بِهَا بَعِيرَهَا، وَسَقَطَتْ مِنْ هَوْدَجِهَا، وَأَعْدَاؤُهَا حَوْلَهَا يَطُوفُونَ بِهَا كَالْمَسْبِيَّةِ الَّتِي أَحَاطَ بِهَا مَنْ يَقْصِدُ سِبَاءَهَا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِي مَظِنَّةِ الْإِهَانَةِ لِأَهْلِ الرَّجُلِ وَهَتْكِهَا وَسِبَائِهَا (¬8) وَتَسْلِيطِ (¬9) الْأَجَانِبِ عَلَى قَهْرِهَا وَإِذْلَالِهَا وَسَبْيِهَا وَامْتِهَانِهَا - أَعْظَمُ مِنْ إِخْرَاجِهَا [مِنْ مَنْزِلِهَا] (¬10) بِمَنْزِلَةِ الْمَلِكَةِ الْعَظِيمَةِ الْمُبَجَّلَةِ (¬11) الَّتِي لَا يَأْتِي ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) . . لِلرَّافِضِيِّ. (¬2) ن: نَقُولُ، ب: بِقَوْلِهِ، أ: يَقُولُونَ. (¬3) أ: يَلْقَى ; ب، وَ: يَلْقُونَ. (¬4) ن، م، ر، ص، هـ، و: عَلَى. (¬5) ب (فَقَطْ) : وَسَافَرَ بِهَا، إِلَى آخِرِهِ. (¬6) يَأْتَمِرُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يُؤْتَمَرُ. (¬7) أ، ب، وَ: لِلنَاصِبِيِّ. (¬8) وَسِبَائِهَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَسِبَاهَا. (¬9) ر، ص، هـ: وَتَسَلُّطِ. (¬10) مِنْ مَنْزِلِهَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬11) أ، ب: الْمُبَجَّلَةِ الْمُعَظَّمَةِ. .

إِلَيْهَا أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَلَا يَهْتِكُ أَحَدٌ سِتْرَهَا، وَلَا يَنْظُرُ فِي خِدْرِهَا. وَلَمْ يَكُنْ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَلَا غَيْرُهُمَا مِنَ الْأَجَانِبِ يَحْمِلُونَهَا، بَلْ كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مِنْ مَحَارِمِهَا، مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ابْنِ أُخْتِهَا، وَخَلْوَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِهَا (¬1) وَمَسُّهُ لَهَا جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَكَذَلِكَ سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ ذِي مَحْرَمِهَا جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهِيَ لَمْ تُسَافِرْ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا (¬2) . وَأَمَّا الْعَسْكَرُ الَّذِينَ قَاتَلُوهَا، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا لَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا الْأَجَانِبُ، وَلِهَذَا دَعَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى مَنْ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا وَقَالَتْ: يَدُ مَنْ هَذِهِ؟ أَحْرَقَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ. فَقَالَ: أَيْ أُخَيَّةِ (¬3) فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ. فَقَالَتْ: فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ. فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ بِمِصْرَ (¬4) . وَلَوْ قَالَ الْمُشَنِّعُ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ آلَ الْحُسَيْنِ سُبُوا لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَلَمْ يُفْعَلْ بِهِمْ إِلَّا مِنْ جِنْسِ مَا فُعِلَ بِعَائِشَةَ حَيْثُ اسْتُولِيَ عَلَيْهَا، وَرُدَّتْ إِلَى بَيْتِهَا، وَأُعْطِيَتْ نَفَقَتَهَا. وَكَذَلِكَ آلُ الْحُسَيْنِ اسْتُولِيَ عَلَيْهِمْ، وَرُدُّوا إِلَى أَهْلِيهِمْ، وَأُعْطُوا نَفَقَةً (¬5) ، فَإِنْ كَانَ هَذَا سَبَبًا وَاسْتِحْلَالًا لِلْحُرْمَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَعَائِشَةُ قَدْ سُبِيَتْ وَاسْتُحِلَّتْ حُرْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) أ، ب: وَخَلْوَتُهُ بِهَا. . (¬2) أ، ب، ر، ص: مَعَ ذِي مَحْرَمِهَا. (¬3) أ: أَيْ أُخْتِهْ ; ب: أَيْ أُخْتِ ; ص: أَيْ أَخُوهَا. (¬4) ن: فَأُحْرِقَ بِمِصْرَ بِالنَّارِ ; م: فَأُحْرِقَ بِمِصْرَ فِي النَّارِ. وَانْظُرْ خَبَرَ حَرْقِهِ بِالنَّارِ فِي مِصْرَ بَعْدَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 375. (¬5) أ، ب: نَفَقَتَهُمْ.

وَسَلَّمَ -. وَهُمْ يُشَنِّعُونَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الشَّامِ طَلَبَ أَنْ يَسْتَرِقَّ (¬1) فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ، وَأَنَّهَا قَالَتْ: لَا هَاللَّهِ (¬2) حَتَّى تَكْفُرَ (¬3) بِدِينِنَا. وَهَذَا إِنْ كَانَ وَقَعَ فَالَّذِينَ طَلَبُوا مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَسْبِيَ (¬4) مَنْ قَاتَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ وَيَغْنَمُوا أَمْوَالَهُمْ، أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْ هَؤُلَاءِ (¬5) ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ لَوْ سَبَوْا عَائِشَةَ وَغَيْرَهَا. ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ طَلَبُوا ذَلِكَ مِنْ عَلِيٍّ كَانُوا مُتَدَيِّنِينَ بِهِ مُصِرِّينَ عَلَيْهِ، إِلَى أَنْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَقَاتَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَذَلِكَ الَّذِي طَلَبَ اسْتِرْقَاقَ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ وَاحِدٌ (¬6) مَجْهُولٌ لَا شَوْكَةَ لَهُ وَلَا حُجَّةَ، وَلَا فَعَلَ هَذَا تَدَيُّنًا، وَلَمَّا مَنَعَهُ سُلْطَانُهُ مِنْ ذَلِكَ امْتَنَعَ، فَكَانَ (¬7) الْمُسْتَحِلُّونَ لِدِمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ (¬8) وَحُرَمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَحُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّ أَعْظَمَ مِنْهُمْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ مَرَقُوا مِنْ عَسْكَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُمْ شَرٌّ مِنْ شِرَارِ عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ عَلَى قِتَالِهِمْ. وَالرَّافِضَةُ أَكْذَبُ مِنْهُمْ وَأَظْلَمُ وَأَجْهَلُ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، [لَكِنَّهُمْ] أَعْجَزُ (¬9) مِنْهُمْ وَأَذَلُّ، وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ عَسْكَرِ عَلِيٍّ. وَبِهَذَا ¬

(¬1) أ، ب: يَسْرِقَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أ، ن، م، وَ: لَاهَ اللَّهِ، ر، هـ: لَا هَا اللَّهِ. (¬3) ب (فَقَطْ) : فَكَفَرَ. (¬4) أ، ب: أَنْ يَسْبُوا. (¬5) عِبَارَةُ " مِنْ هَؤُلَاءِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " وَهَؤُلَاءِ " مِنْ (أ) . (¬6) ن، م: رَجُلٌ. (¬7) ن، م، ص: وَكَانَ. (¬8) أ، ب: الْمُسْلِمِينَ. (¬9) ن، م: وَالنِّفَاقُ وَأَعْجِزُ.

وَأَمْثَالِهِ ضَعُفَ عَلِيٌّ وَعَجَزَ عَنْ مُقَاوَمَةِ مَنْ كَانَ بِإِزَائِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ الْقَدْحِ فِي طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ يَنْقَلِبُ بِمَا (¬1) هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي حَقِّ عَلِيٍّ. فَإِنْ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَ، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ. قِيلَ: نَعَمْ، وَطَلْحَةُ (¬2) وَالزُّبَيْرُ كَانَا مُجْتَهِدَيْنِ، وَعَلِيٌّ - وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا - لَكِنْ لَمْ يَبْلُغْ فِعْلُهُمَا بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا بَلَغَ فِعْلُ عَلِيٍّ، فَعَلِيٌّ (¬3) أَعْظَمُ قَدْرًا مِنْهُمَا، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ فِعْلُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ مَعَهَا ذَنْبًا، فَفِعْلُ عَلِيٍّ أَعْظَمُ ذَنْبًا، فَتَقَاوَمَ (¬4) كِبَرُ الْقَدْرِ وَعِظَمُ الذَّنْبِ. فَإِنْ قَالُوا: هُمَا أَحْوَجَا عَلِيًّا إِلَى ذَلِكَ (¬5) ، لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِهَا، فَمَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ مُضَافٌ إِلَيْهِمَا لَا إِلَى عَلِيٍّ. قِيلَ: وَهَكَذَا مُعَاوِيَةُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: قَدْ قُتِلَ عَمَّارٌ (¬6) ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " (¬7) قَالَ: أَوَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ جَاءُوا بِهِ حَتَّى جَعَلُوهُ تَحْتَ سُيُوفِنَا. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ مَرْدُودَةً، فَحُجَّةُ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ هُمَا (¬8) فَعَلَا بِعَائِشَةَ مَا جَرَى ¬

(¬1) بِمَا: كَذَا فِي (ن) ، (م) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَا. (¬2) و: نَعَمْ وَلَكِنَّ طَلْحَةَ. (¬3) أ، ب: فَعَلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) أ: فَنُقَاوِمُ ; ن، م: فَيُقَاوِمُ. (¬5) ر: إِلَى فِعْلِ ذَلِكَ. (¬6) أ، ب: قَتَلْتَ عَمَّارًا. (¬7) انْظُرْ كَلَامِي الْمُفَصَّلِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 415 418. (¬8) هُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

عَلَيْهَا مِنْ إِهَانَةِ عَسْكَرِ عَلِيٍّ لَهَا، وَاسْتِيلَائِهِمْ [عَلَيْهَا] (¬1) - مَرْدُودَةٌ أَيْضًا. وَإِنْ قُبِلَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ قُبِلَتْ حُجَّةُ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالرَّافِضَةُ وَأَمْثَالُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ يَحْتَجُّونَ بِالْحُجَّةِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ فَسَادَ قَوْلِهِمْ وَتَنَاقُضَهُمْ ; فَإِنَّهُ إِنِ احْتُجَّ بِنَظِيرِهَا [عَلَيْهِمْ فَسَدَ قَوْلُهُمُ الْمَنْقُوضُ بِنَظِيرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجَّ بِنَظِيرِهَا] (¬2) بَطَلَتْ هِيَ فِي نَفْسِهَا، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، وَلَكِنَّ مُنْتَهَاهُمْ مُجَرَّدُ الْهَوَى الَّذِي لَا عِلْمَ مَعَهُ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. وَجَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَضْلًا عَنْ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ. وَيَقُولُونَ: (¬3) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا افْتَرَقُوا فِي خِلَافَتِهِ فَطَائِفَةٌ قَاتَلَتْهُ وَطَائِفَةٌ قَاتَلَتْ (¬4) مَعَهُ، كَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬5) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» " (¬6) . هَؤُلَاءِ هُمُ الْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ الَّذِينَ مَرَقُوا فَقَتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابِهِ. لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَتَكَلَّمُونَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَيُعْطُونَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ. ¬

(¬1) عَلَيْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬3) أ، ب: فَيَقُولُونَ. (¬4) ن: قَاتَلُوا. (¬5) أ، ب: فِي الصَّحِيحِ. (¬6) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/306.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " كَيْفَ أَطَاعَهَا عَلَى ذَلِكَ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (¬1) وَسَاعَدُوهَا (¬2) عَلَى حَرْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَنْصُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا طَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا شَخْصٌ وَاحِدٌ [كَلَّمَهُ] (¬3) بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَجِ عَلَيْكَ ; فَإِنَّهُ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يُحِبُّونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعَظِّمُونَهُ وَيَعْظُمُونَ قَبِيلَتَهُ وَبِنْتَهُ أَعْظَمَ مِمَّا يُعَظِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَكَيْفَ إِذَا كَانَ [هُوَ] (¬4) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ؟ وَلَا (¬5) يَسْتَرِيبُ عَاقِلٌ أَنَّ الْعَرَبَ - قُرَيْشًا وَغَيْرَ قُرَيْشٍ (¬6) - كَانَتْ تَدِينُ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَتُعَظِّمُهُمْ أَعْظَمَ مِمَّا يُعَظِّمُونَ بَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ (¬7) ، وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ، قِيلَ لِأَبِي قُحَافَةَ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: حَدَثٌ عَظِيمٌ، فَمَنْ وَلِّيَ (¬8) بَعْدَهُ؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ. ¬

(¬1) أ: عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ; وَ: عَشَرَةُ أَلْفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ; ر، ص، هـ: عَشَرَاتُ أُلُوفٍ مِنَ النَّاسِ. (¬2) ن، م: وَسَاعَدَهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) كَلَّمَهُ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬4) هُوَ: فِي (هـ) ، (و) ، (ص) فَقَطْ. (¬5) ب (فَقَطْ) : أَهْلِيهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَلَا. (¬6) ن، م: قُرَيْشًا وَغَيْرَهُمْ ; وَ: مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِ قُرَيْشٍ. (¬7) أ، ن، ر، ص، هـ: مِمَّا يُعَظِّمُونَ لِبَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ ; وَ: مِمَّا تَدِينُ لِبَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ. (¬8) وَلِّيَ: كَذَا فِي (ن) ، (م) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: تَوَلَّى.

قَالَ: أَوَ رَضِيَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ (¬1) وَبَنُو مَخْزُومٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، أَوْ كَمَا قَالَ. وَلِهَذَا جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَمْرُ فِي بَنِي تَيْمٍ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ إِنَّ أَمْرَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ كَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ كَمَا قَالَ. فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَظْلُومَةٌ، وَلَا أَنَّ لَهَا حَقًّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا أَنَّهُمَا ظَلَمَاهَا، وَلَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي هَذَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ - دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ (¬2) الْقَوْمَ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَظْلُومَةً، إِذْ لَوْ عَلِمُوا (¬3) أَنَّهَا مَظْلُومَةٌ لَكَانَ تَرْكُهُمْ لِنُصْرَتِهَا: إِمَّا عَجْزًا عَنْ نُصْرَتِهَا، وَإِمَّا إِهْمَالًا وَإِضَاعَةً لِحَقِّهَا، وَإِمَّا بُغْضًا فِيهَا، إِذِ الْفِعْلُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ إِذَا أَرَادَهُ إِرَادَةً جَازِمَةً فَعَلَهُ لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهُ - مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضَى لِإِرَادَتِهِ - فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِهِ، أَوْ لَهُ مَعَارِضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ إِرَادَتِهِ، فَلَوْ كَانَتْ مَظْلُومَةً مَعَ شَرَفِهَا وَشَرَفِ قَبِيلَتِهَا وَأَقَارِبِهَا، وَأَنَّ أَبَاهَا أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى أُمَّتِهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ (¬4) أَنَّهَا مَظْلُومَةٌ - لَكَانُوا إِمَّا عَاجِزِينَ عَنْ نُصْرَتِهِمَا (¬5) ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُعَارِضٌ عَارَضَ إِرَادَةَ النَّصْرِ مِنْ بُغْضِهَا (¬6) ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ ¬

(¬1) ن، م، و: بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ. (¬2) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) ن، م: لَوْ عَلِمَ. (¬4) وَهُمْ يَعْلَمُونَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَأُمَّتُهُ يَعْلَمُونَ. (¬5) أ، ب: نَصْرِهَا. (¬6) أ، ن: مِنْ بَعْضِهَا.

الْقَوْمَ مَا كَانُوا كُلُّهُمْ عَاجِزِينَ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِكَلِمَةِ حَقٍّ، وَهُمْ كَانُوا أَقْدَرَ (¬1) عَلَى تَغْيِيرِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا. وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا مِنْ سَمَاعِ كَلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا هُوَ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ وَالْجَبَرُوتِ. وَاتِّفَاقُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ، مَعَ تَوَفُّرِ (¬2) دَوَاعِيهِمْ عَلَى بُغْضِ فَاطِمَةَ، مَعَ قِيَامِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِمَحَبَّتِهَا، مِمَّا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ امْتِنَاعُهُ. وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا سِيَّمَا وَجُمْهُورُ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَالْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ (¬3) لِعَلِيٍّ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إِسَاءَةٌ، لَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا قَتَلَ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِمْ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ (¬4) لَمْ يَكُونُوا مَنْ أَكْبَرِ الْقَبَائِلِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا وَقَدْ قَتَلَ (¬5) أَيْضًا. وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشَدَّ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَكْثَرَ عَدَاوَةً لَهُمْ مِنْ عَلِيٍّ، فَكَلَامُهُمْ فِيهِ وَعَدَاوَتُهُمْ لَهُ (¬6) مَعْرُوفَةٌ، وَمَعَ هَذَا تَوَلَّى عَلَيْهِمْ، فَمَا مَاتَ (¬7) إِلَّا وَكُلُّهُمْ يُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا، وَيَدْعُو لَهُ، وَيَتَوَجَّعُ لِمُصَابِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ. وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى نَقِيضِ مَا تَقَوَّلَهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَكَاذِيبِهِمْ، وَأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ فَاطِمَةَ لَمْ تَكُنْ مَظْلُومَةً أَصْلًا، فَكَيْفَ يَنْتَصِرُ الْقَوْمُ لِعُثْمَانَ حَتَّى سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَلَا يَنْتَصِرُونَ لِمَنْ هُوَ ¬

(¬1) أ: وَهُمْ كَانُوا قَادِرِينَ ; ب: بَلْ كَانُوا قَادِرِينَ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تُوجَدُ وَرَقَةٌ نَاقِصَةٌ مِنْ نُسْخَةِ (م) . (¬2) أ، ب، ص، هـ، ر: وَتَوَفُّرِ. (¬3) ن، ر، ص، هـ، و: وَلَمْ يَكُنْ. (¬4) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬5) ب (فَقَطْ) : قَاتَلَ. (¬6) أ، ب، ر، ص، هـ: فَكَلَامُهُ فِيهِمْ وَعَدَاوَتُهُ لَهُمْ. (¬7) أ، ب: وَمَا مَاتَ.

أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ عُثْمَانَ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُ بَيْتِهِ؟ ! وَكَيْفَ يُقَاتِلُونَ مَعَ مُعَاوِيَةَ (¬1) حَتَّى سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ مَعَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَا يُقَاتِلُونَ مَعَ عَلِيٍّ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَعَهُ؟ فَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَكْبَرُ بَنِي هَاشِمٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَكْبَرُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكِلَاهُمَا كَانَا يَمِيلَانِ إِلَى عَلِيٍّ، فَلِمَ لَا قَاتَلَ النَّاسَ مَعَهُ إِذْ ذَاكَ، وَالْأَمْرُ فِي أَوَّلِهِ؟ وَالْقِتَالُ (¬2) إِذْ ذَاكَ لَوْ كَانَ حَقًّا كَانَ مَعَ عَلِيٍّ أَولَى (¬3) ، وَوِلَايَةُ عَلِيٍّ أَسْهَلَ ; فَإِنَّهُ لَوْ عَرَضَ نَفَرٌ قَلِيلٌ فَقَالُوا: الْأَمْرُ لِعَلِيٍّ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ وَالْوَصِيُّ، وَنَحْنُ لَا نُبَايِعُ إِلَّا لَهُ، وَلَا نَعْصِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَظْلِمُ وَصِيَّهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَلَا نُقَدِّمُ الظَّالِمِينَ أَوِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ آلِ تَيْمٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، الَّذِينَ هُمْ خَيْرُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ - لَكَانَ الْقَائِلُ لِهَذَا يَسْتَجِيبُ لَهُ جُمْهُورُ النَّاسِ، بَلْ يَسْتَجِيبُونَ لَهُ إِلَّا الْقَلِيلَ، لَا سِيَّمَا وَأَبُو بَكْرٍ لَيْسَ عِنْدَهُ رَغْبَةٌ وَلَا رَهْبَةٌ. وَهَبْ أَنَّ عُمَرَ وَطَائِفَةً مَعَهُ كَانُوا يَشِذُّونَ مَعَهُ (¬4) ، فَلَيْسَ هَؤُلَاءِ أَكْثَرَ وَلَا أَعَزَّ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَمَعَ هَذَا فَقَدَ قَاتَلَهُمْ أَعْوَانُ عَلِيٍّ، مَعَ كَوْنِهِمْ دُونَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَفِيهِمْ قَلِيلٌ مِنَ السَّابِقَيْنِ [الْأَوَّلِينَ] (¬5) ، فَهَلَّا ¬

(¬1) مَعَ مُعَاوِيَةَ كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَعَ عَلِيٍّ. (¬2) وَالْقِتَالُ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَكَانَ الْقِتَالُ. (¬3) كَانَ مَعَ عَلِيٍّ أَولَى: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي (أ) : كَانَ أَولَى. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَمْكَنَ. (¬4) ن، أ، ر، و، هـ: مِنْهُ. (¬5) الْأَوَّلِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (أ) .

قَاتَلَهُمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ إِذْ كَانَ إِذْ ذَاكَ [عَلِيٌّ] عَلَى الْحَقِّ (¬1) ، وَعَدُّوهُ عَلَى الْبَاطِلِ، مَعَ أَنَّ وَلِيَّهُ إِذْ ذَاكَ أَكْثَرُ وَأَعَزُّ وَأَعْظَمُ عِلْمًا وَإِيمَانًا، وَعَدُّوهُ إِذْ ذَاكَ - إِنْ كَانَ عَدُوًّا - أَذَلَّ وَأَعْجَزَ وَأَضْعَفَ عِلْمًا وَإِيمَانًا وَأَقَلَّ عُدْوَانًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَقُّ كَمَا تَقَوَّلَهُ الرَّافِضَةُ لَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ شِرَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَأَعْظَمِهِمْ جَهْلًا وَظُلْمًا، حَيْثُ عَمَدُوا عَقِبَ مَوْتِ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَدَّلُوا وَغَيَّرُوا وَظَلَمُوا الْوَصِيَّ، وَفَعَلُوا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ تَفْعَلْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَقِبَ مَوْتِ مُوسَى وَالْمَسِيحِ (¬2) - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ; فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَمْ يَفْعَلُوا عَقِبَ مَوْتِ أَنْبِيَائِهِمْ مَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ إِنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوهُ عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى قَوْلِهِمْ تَكُونُ هَذِهِ الْأُمَّةُ شَرَّ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَيَكُونُ سَابِقُوهَا شِرَارَهَا. وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ فَسَادُهُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَعَ مَذْهَبَ الرَّافِضَةِ كَانَ زِنْدِيقًا مُلْحِدًا عَدُوًّا لِدِينِ الْإِسْلَامِ (¬3) وَأَهْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُتَأَوِّلِينَ كَالْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الرَّافِضَةِ رَاجَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ إِيمَانٌ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: أَيُّ دَاعٍ كَانَ لِلْقَوْمِ فِي أَنْ يَنْصُرُوا عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَيُقَاتِلُوا مَعَهَا عَلِيًّا كَمَا ذَكَرُوا (¬4) ، وَلَا يَنْصُرُونَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ ¬

(¬1) ن: إِذْ كَانَ إِذْ ذَاكَ عَلَى الْحَقِّ ; ر، و: إِذَا كَانَ إِذَا ذَاكَ عَلَى الْحَقِّ ; أ، ب، هـ: إِذَا كَانَ إِذْ ذَاكَ عَلِيٌّ عَلَى الْحَقِّ ; ص: إِذَا كَانَ عَلَى الْحَقِّ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) و: وَعِيسَى. (¬3) لِدِينِ الْإِسْلَامِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِلْإِسْلَامِ. (¬4) أ، و، هـ: كَمَا ذَكَرَ.

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَاتِلُونَ مَعَهَا وَمَعَ زَوْجِهَا الْوَصِيِّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ فَإِنْ كَانَ [الْقَوْمُ] (¬1) الَّذِينَ فَعَلُوا هَذَا يُحِبُّونَ الرِّيَاسَةَ وَيَكْرَهُونَ إِمَارَةَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ، كَانَ (¬2) حُبُّهُمْ لِلرِّيَاسَةِ يَدْعُوهُمْ إِلَى قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ; فَإِنَّ (¬3) رِيَاسَةَ بَيْتِ (¬4) عَلِيٍّ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ رِيَاسَةِ بَيْتِ (¬5) أَبِي بَكْرٍ. وَلِهَذَا قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَمَّا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَقَالَ بَعْضُ الطُّلَقَاءِ: لَا يَنْتَهِي فَلُّهُمْ دُونَ الْبَحْرِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَطَلَ السِّحْرُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللَّهِ لَأَنْ يَرُبُّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبُّنِي رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ (¬6) . وَصَفْوَانُ (¬7) رَأْسُ الطُّلَقَاءِ - كَانَ أَنْ يَرُبَّهُ (¬8) رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرُبَّهُ رَجُلٌ مَنْ بَنِي تَيْمٍ، فَحُبُّ الرِّيَاسَةِ إِذَا كَانَ هُوَ الدَّاعِي كَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى تَقْدِيمِ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى بَنِي تَيْمٍ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّمُوا عَلِيًّا لَقَدَّمُوا الْعَبَّاسَ ; فَإِنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ (¬9) عَلَى الْمَطَالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنْ كَانُوا قَدْ أَقْدَمُوا (¬10) عَلَى ظُلْمِ ¬

(¬1) الْقَوْمُ: فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) فَقَطْ. (¬2) كَانَ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَكَانَ. (¬3) فَإِنَّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِأَنَّ. (¬4) أ، ن: بِنْتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬5) أ، ن: بِنْتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬6) فِي " سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ " 4/86: " وَصَرَخَ جَبَلَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ وَهُوَ مَعَ أَخِيهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ مُشْرِكٌ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: اسْكُتْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبُّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ " قَالَ الْأَسَاتِذَةُ الْمُحَقِّقُونَ: " يَرُبُّنِي: يَكُونُ رَبًّا لِي، أَيْ مَالِكًا عَلَيَّ ". (¬7) ب (فَقَطْ) : فَصَفْوَانُ. (¬8) ص: لَأَنْ يَرُبَّهُ ; ص: فَلَأَنْ يَرُبَّهُ ; وَ: إِنْ كَانَ يَرُبُّهُ. (¬9) أ، ب: لِمُوَافَقَتِهِمْ. (¬10) و: قَدْ أَقَامُوا ; ر: قَدْ قَدِمُوا.

الْوَصِيِّ الْهَاشِمِيِّ لِئَلَّا يَحْمِلَهُمْ عَلَى الْحَقِّ الَّذِي يَكْرَهُونَهُ، كَانَ تَقْدِيمُ (¬1) مَنْ يُحَصِّلُ مَطَالِبَهُمْ مَعَ الرِّيَاسَةِ الْهَاشِمِيَّةِ - وَهُوَ الْعَبَّاسُ - أَوْلَى وَأَحْرَى مِنْ أَبِي بَكْرٍ، الَّذِي لَا يُعِينُهُمْ عَلَى مَطَالِبِهِمْ كَإِعَانَةِ الْعَبَّاسِ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى الْحَقِّ الْمُرِّ أَكْثَرَ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، فَلَوْ كُرِهَ مِنْ عَلِيٍّ حَقٌّ مُرٌّ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ (¬2) أَبِي بَكْرٍ أَكْرَهَ، وَلَوْ أُرِيدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ دُنْيَا حُلْوَةٌ لَكَانَ طَلَبُهَا عِنْدَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ أَقْرَبَ، فَعُدُولُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ وَضَعُوا الْحَقَّ فِي نِصَابِهِ، [وَأَقَرُّوهُ فِي إِهَابِهِ] (¬3) ، وَأَتَوُا الْأَمْرَ الْأَرْشَدَ مِنْ بَابِهِ (¬4) ، وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَانَا يَرْضَيَانِ تَقْدِيمَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهَذَا أَمْرٌ كَانَ مَعْلُومًا لَهُمْ عِلْمًا ظَاهِرًا بَيِّنًا لِمَا رَأَوْهُ وَسَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةَ صُحْبَتِهِمْ لَهُ، فَعَلِمُوا مِنْ تَفْضِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ بِطُولِ الْمُشَاهَدَةِ وَالتَّجْرِبَةِ (¬5) وَالسَّمَاعِ مَا أَوْجَبَ تَقْدِيمَهُ وَطَاعَتَهُ. وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لَيْسَ فِيكُمْ (¬6) مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ (¬7) الْأَعْنَاقُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ " (¬8) أَرَادَ أَنَّ فَضِيلَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ ظَاهِرَةٌ مَكْشُوفَةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ وَنَظَرٍ. ¬

(¬1) أ: تَقْدِيمُهُ ; ب: تَقْدِيمُهُمْ. (¬2) ن، وَ: فِي. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (أ) . (¬4) و: وَأَتَوْا إِلَيْهِ مِنْ بَابِهِ. (¬5) وَالتَّجْرِبَةِ: فِي (ن) ، (و) فَقَطْ. (¬6) ن: فِينَا. (¬7) أ، ب: فِيهِ. (¬8) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ 1/517.

كلام الرافضي على عائشة مع كلامه على معاوية والرد عليه

وَلِهَذَا قَالَ لَهُ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: " أَنْتَ خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (¬1) ، وَهُمْ يُقِرُّونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يُنَازِعُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، حَتَّى إِنَّ الْمُنَازِعِينَ فِي الْخِلَافَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يُنَازِعُوا فِي هَذَا، وَلَا قَالَ أَحَدٌ: بَلْ عَلِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ أَفْضَلُ (¬2) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ، لَا سِيَّمَا عَادَةُ الصَّحَابَةِ الْمُتَضَمِّنَةُ كَمَالَ دِينِهِمْ وَقَوْلِهِمْ بِالْحَقِّ (¬3) ، أَلَّا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْحَقِّ الْمُتَضَمِّنِ تَفْضِيلَ عَلِيٍّ، بَلْ كُلُّهُمْ مُوَافِقُونَ (¬4) عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ فِيهِ (¬5) وَلَا رَهْبَةٍ (¬6) . [كلام الرافضي على عائشة مع كلامه على معاوية والرد عليه] فَصْلٌ (¬7) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬8) : " وَسَمَّوْهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُسَمُّوا غَيْرَهَا بِذَلِكَ (¬9) ، وَلَمْ يُسَمُّوا أَخَاهَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ (¬10) - مَعَ عِظَمِ شَأْنِهِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ 1/518. (¬2) أ، ب: وَأَفْضَلُ. (¬3) ب (فَقَطْ) : وَقَوْلِهِمُ الْحَقَّ. (¬4) مُوَافِقُونَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مُوَافِقٌ. (¬5) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ر) ، (ص) : مِنْهُ (¬6) أ، ب: وَلَا رَهْبَةٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (¬7) ر، ص، هـ: الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ. وَهُنَا تَعُودُ نُسْخَةُ (م) ، مِنْ جَدِيدٍ. (¬8) فِي (ك) ص 112 (م) . (¬9) أ، ب: بِذَلِكَ الِاسْمِ. (¬10) ر، ص، هـ، و: مُحَمَّدًا وَلَدَ أَبِي بَكْرٍ. .

وَقُرْبِ مَنْزِلَتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَأُخْتِهِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - فَلَمْ يُسَمُّوهُ (¬1) خَالَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَمَّوْا مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ خَالَ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ أُخْتَهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ إِحْدَى زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) ، وَأُخْتُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَأَبُوهُ أَعْظَمُ (¬3) مِنْ أُخْتِ مُعَاوِيَةَ وَ [مِنْ] أَبِيهَا (¬4) ". وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُمْ سَمَّوْا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أُمَّ (¬5) الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُسَمُّوا غَيْرَهَا بِذَلِكَ ". فَهَذَا مِنَ الْبُهْتَانِ الْوَاضِحِ الظَّاهِرِ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَمَا أَدْرِي هَلْ هَذَا (¬6) الرَّجُلَ وَأَمْثَالَهُ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ، أَمْ أَعْمَى اللَّهُ أَبْصَارَهُمْ (¬7) لِفَرْطِ هَوَاهُمْ، حَتَّى خَفِيَ (¬8) عَلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ؟ وَهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى بَعْضِ النَّوَاصِبِ أَنَّ الْحُسَيْنَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ أَمَا تَعْلَمُونَ أَنِّي ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ ذَلِكَ (¬9) . وَهَذَا لَا يَقُولُهُ وَلَا يَجْحَدُ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " فَلَمْ يُسَمُّوهُ " لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬2) ك: بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بَعْضُ زَوْجَاتِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -. وَ " إِحْدَى " فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَحَدُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ر، ص، هـ: أَعْظَمُ قَدْرًا. (¬4) ن، م: وَأَبِيهَا. (¬5) ر، ص، هـ: بِأُمِّ. (¬6) أ: أَلِأَنَّ هَذَا ; ب: أَهَذَا. (¬7) أ، ب، ر، هـ: بَصَائِرَهُمْ. (¬8) خَفِيَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَخْفَى. (¬9) ب: لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ ; و: مَا نَعْلَمُ ذَاكَ.

نَسَبَ الْحُسَيْنِ إِلَّا مُتَعَمِّدٌ لِلْكَذِبِ (¬1) وَالِافْتِرَاءِ، وَمَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ بِاتِّبَاعِ هَوَاهُ حَتَّى يَخْفَى (¬2) عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا؟ فَإِنَّ عَيْنَ الْهَوَى عَمْيَاءُ. وَالرَّافِضَةُ أَعْظَمُ جَحْدًا لِلْحَقِّ تَعَمُّدًا، وَأَعْمَى (¬3) مِنْ هَؤُلَاءِ ; فَإِنَّ مِنْهُمْ (¬4) - وَمِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِمْ - كَالنُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مَا كَانَا أَوْلَادَ عَلِيٍّ، بَلْ أَوْلَادَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَمُتْ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ عَنْ غَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَيْسَا مَدْفُونَيْنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ زَوْجَتَيْ عُثْمَانَ لَيْسَتَا بِنْتَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ هُمَا بِنْتَا خَدِيجَةَ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَهُمْ فِي الْمُكَابَرَاتِ وَجَحْدِ الْمَعْلُومَاتِ بِالضَّرُورَةِ أَعْظَمُ مِمَّا (¬5) لِأُولَئِكَ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ أَكْذَبُ وَأَظْلَمُ وَأَجْهَلُ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهَا: " أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ " عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، [وَزَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ] (¬6) ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وَسَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَمَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةَ، وَجُوَيْرِيَّةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيَّةَ، وَصْفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ ¬

(¬1) ن، م: الْكَذِبَ. (¬2) ب (فَقَطْ) : خَفِيَ. (¬3) ن، م، ص، و: أَوْ عَمًى ; ر، هـ: أَوَ أَعْمَى. (¬4) أ، ب، ن، م، و: فِيهِمْ. (¬5) أ، ب: بِالضَّرُورَاتِ أَعْظَمُ مَا. . . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

أَخْطَبَ الْهَارُونِيَّةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 6] وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِلْأُمَّةِ عِلْمًا عَامًّا، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ هَؤُلَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى وُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ ; فَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّحْرِيمِ، وَلَسْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ أَقَارِبِهِنَّ الْخَلْوَةَ بِهِنَّ، وَلَا السَّفَرَ بِهِنَّ، كَمَا يَخْلُو الرَّجُلُ وَيُسَافِرُ بِذَوَاتِ مَحَارِمِهِ. وَلِهَذَا أُمِرْنَ بِالْحِجَابِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 59] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 53] . وَلَمَّا كُنَّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمَّهَاتِ فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي إِخْوَتِهِنَّ: هَلْ يُقَالُ لِأَحَدِهِمْ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقِيلَ: يُقَالُ لِأَحَدِهِمْ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى هَذَا فَهَذَا الْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ بِمُعَاوِيَةَ، بَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٌ وَلَدَا (¬1) أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَاصِمٌ أَوْلَادُ عُمَرَ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ أَخُو جُوَيْرِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخَوَا مُعَاوِيَةَ. ¬

(¬1) أ: أَبْنَاءُ ; ب: ابْنَا.

وَمِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ مَنْ قَالَ: لَا يُطْلَقُ عَلَى إِخْوَةِ الْأَزْوَاجِ أَنَّهُمْ أَخْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ ; فَإِنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لَأَطْلَقَ عَلَى أَخَوَاتِهِنَّ أَنَّهُنَّ خَالَاتُ الْمُؤْمِنِينَ. وَلَوْ كَانُوا أَخْوَالًا وَخَالَاتٍ لَحَرُمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمْ خَالَتَهُ (¬1) ، وَحَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ خَالَهَا. وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا أَخَوَاتِهِنَّ وَإِخْوَتِهِنَّ (¬2) ، كَمَا تَزَوَّجَ الْعَبَّاسُ أُمَّ الْفَضْلِ أُخْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (¬3) ، وَوُلِدَ [لَهُ] مِنْهَا (¬4) عَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ وَغَيْرُهُمَا، وَكَمَا تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَمُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَنْ تَزَوَّجُوهُنَّ (¬5) مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ. وَلَوْ كَانُوا أَخْوَالًا لَهُنَّ لَمَا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ خَالَهَا. قَالُوا: وَكَذَلِكَ لَا يُطْلَقُ عَلَى أُمَّهَاتِهِنَّ أَنَّهُنَّ جَدَّاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا عَلَى آبَائِهِنَّ (¬6) أَنَّهُمْ أَجْدَادُ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْأُمَّهَاتِ جَمِيعُ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُرْمَةُ وَالتَّحْرِيمُ. وَأَحْكَامُ النَّسَبِ تَتَبَعَّضُ، كَمَا يَثْبُتُ بِالرِّضَاعِ (¬7) التَّحْرِيمُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَا سَائِرُ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالَّذِينَ أَطْلَقُوا عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ أُولَئِكَ أَنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُنَازِعُوا (¬8) ¬

(¬1) أ: عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَالَتَهُ ; ب: عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَالَتَهُ. (¬2) ص: وَإِخْوَانِهِنَّ. (¬3) عِبَارَةُ " أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م، و: وَوُلِدَ مِنْهَا. . . (¬5) مَنْ تَزَوَّجُوهُنَّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَنْ تَزَوَّجُوهُ. (¬6) و: آبَائِهِمْ. (¬7) بِالرِّضَاعِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِالرَّضَاعَةِ. (¬8) ن، م، وَ: لَمْ يَتَنَازَعُوا.

فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَكِنْ قَصَدُوا بِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مُصَاهَرَةً مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتَهَرَ ذِكْرُهُمْ لِذَلِكَ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا اشْتُهِرَ أَنَّهُ كَاتِبُ الْوَحْيِ - وَقَدْ كَتَبَ الْوَحْيَ غَيْرُهُ - وَأَنَّهُ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أُرْدِفَ غَيْرُهُ. فَهُمْ لَا يَذْكُرُونَ مَا يَذْكُرُونَ مِنْ ذَلِكَ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ، بَلْ يَذْكُرُونَ مَا لَهُ مِنَ الِاتِّصَالِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَذْكُرُونَ فِي فَضَائِلِ غَيْرِهِ مَا لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ. كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» " (¬1) . وَقَوْلُهُ: " «إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» " (¬2) . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، [إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي] » " (¬3) . فَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ عَلِيٍّ، لَكِنَّهَا مِنْ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا فَضِيلَتُهُ، وَاشْتُهِرَ رِوَايَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَهَا، لِيَدْفَعُوا بِهَا قَدْحَ مَنْ قَدَحَ فِي عَلِيٍّ وَجَعَلُوهُ كَافِرًا أَوْ ظَالِمًا، مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 289. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 296. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ 1/502

وَمُعَاوِيَةُ أَيْضًا لَمَّا كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ الصُّحْبَةِ وَالِاتِّصَالِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَارَ أَقْوَامٌ يَجْعَلُونَهُ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا، وَيَسْتَحِلُّونَ لَعْنَتَهُ (¬1) وَنَحْوَ ذَلِكَ، احْتَاجَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يَذْكُرُوا مَا لَهُ مِنَ الِاتِّصَالِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُرْعَى بِذَلِكَ حَقُّ الْمُتَّصِلِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِمْ. وَهَذَا الْقَدْرُ لَوِ اجْتَهَدَ فِيهِ الرَّجُلُ وَأَخْطَأَ، لَكَانَ خَيْرًا مِمَّنِ اجْتَهَدَ فِي بُغْضِهِمْ وَأَخْطَأَ (¬2) ; فَإِنَّ بَابَ الْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى بَابِ الْإِسَاءَةِ وَالِانْتِقَامِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: " «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبَهَاتِ» " (¬3) . فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ. وَكَذَلِكَ يُعْطِي الْمَجْهُولَ الَّذِي يَدَّعِي الْفَقْرَ مِنَ الصَّدَقَةِ، كَمَا «أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ سَأَلَاهُ (¬4) ، فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ. فَقَالَ: " إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» " (¬5) 2/6. . وَهَذَا لِأَنَّ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : لَعْنَهُ. (¬2) أ: لَكَانَ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي بُغْضِهِمْ وَأَخْطَأَ ; ب: لَكَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي بُغْضِهِمْ وَيُخْطِئَ. (¬3) ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَقَالَ عَنْهُ: " أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُرْسَلًا "، وَذَكَرَ حَدِيثًا آخَرَ نَصُّهُ: " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَأَقِيلُوا الْكِرَامَ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ " ثُمَّ قَالَ " فِي جُزْءٍ لَهُ (يَقْصِدُ بِهِ ابْنَ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ مِصْرَ وَالْجَزِيرَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا ". وَوَافَقَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/117 عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَضَعَّفَهُ. (¬4) وَ:. . رَجُلَيْنِ مَالَا. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ عَنْ رَجُلَيْنِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/159 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَنْ يُعْطَى الصَّدَقَةَ وَحَدِّ الْغَنِيِّ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5 75 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَسْأَلَةِ الْقَوِيِّ الْمُكْتَسِبِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/224، 5/362. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ عَبْد الرَّحْمَنِ الْبَنَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " بُلُوغِ الْأَمَانِي مِنْ أَسْرَارِ الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ " 9/93، الْقَاهِرَةَ 1357: " عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِكَسْرِ الْخَاءِ. . . . . وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ " وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

إِعْطَاءَ الْغَنِيِّ خَيْرٌ مِنْ حِرْمَانِ الْفَقِيرِ، وَالْعَفْوَ عَنِ الْمُجْرِمِ خَيْرٌ مِنْ عُقُوبَةِ الْبَرِيءِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ آحَادِ النَّاسِ، فَالصَّحَابَةُ أَولَى (¬1) أَنْ يُسْلَكَ بِهِمْ هَذَا. فَخَطَأُ الْمُجْتَهِدِ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالذَّبِّ [عَنْهُمْ] (¬2) خَيْرٌ مِنْ خَطَائِهِ (¬3) فِي الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِمْ بِاللَّعْنِ وَالذَّمِّ وَالطَّعْنِ. وَمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا، وَالذُّنُوبُ مَغْفُورَةٌ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ هُمْ أَحَقُّ بِهَا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ. وَمَا تَجِدُ أَحَدًا قَدَحَ فِيهِمْ إِلَّا وَهُوَ يُعَظِّمُ مَنْ [هُوَ] (¬4) دُونَهُمْ، وَلَا تَجِدُ أَحَدًا يُعَظِّمُ شَيْئًا مِنْ زَلَّاتِهِمْ إِلَّا وَهُوَ يُغْضِي عَمَّا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ زَلَّاتِ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ. وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ يَقْدَحُونَ فِيهِمْ بِالصَّغَائِرِ، وَهُمْ يَغُضُّونَ عَنِ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ فِيمَنْ يُعَاوِنُهُمْ (¬5) مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَمَنْ نَاقَشَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ¬

(¬1) أ، ب: أَحَقُّ. (¬2) عَنْهُمْ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬3) ب (فَقَطْ) : مِنْ خَطَئِهِ. (¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أ: عَنِ الْكَبَائِرِ وَالْكُفْرِ فِيمَنْ يُعَارِضُهُمْ ; ب: عَنِ الْكَبَائِرِ وَالْكُفْرِ مِمَّنْ يُعَاوِنُهُمْ.

الذُّنُوبِ، وَهُوَ لَا يُنَاقِشُ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، بَلْ وَرُبَّمَا يَمْدَحُهُمْ وَيُعَظِّمُهُمْ، دَلَّ (¬1) عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ جَهْلًا وَظُلْمًا، إِنْ لَمْ يَنْتَهِ بِهِ جَهْلُهُ وَظُلْمُهُ إِلَى الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ تَنَاقُضَهُمْ أَنَّهُ ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُمْ سَمَّوْا هَذَا خَالَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يُسَمُّوا هَذَا خَالَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَقِيَّةَ مَنْ شَارَكَهُمَا (¬2) فِي ذَلِكَ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَمْثَالِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يَخُصُّونَ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ (¬3) الرَّافِضَةُ فَخَصُّوا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْمُعَارَضَةِ، وَلَيْسَ هُوَ قَرِيبًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي عَمَلِهِ وَدِينِهِ، بَلْ وَلَا هُوَ مِثْلَ أَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُ صُحْبَةٌ وَفَضِيلَةٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا وُلِدَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهُ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْإِحْرَامِ وَهِيَ نُفَسَاءُ، وَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً، وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا خَمْسَ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرًا، وَأَوَائِلَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وَمَاتَ أَبُوهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمْرُهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا قُرْبُ مَنْزِلَةٍ مِنْ أَبِيهِ، إِلَّا كَمَا يَكُونُ لِمِثْلِهِ مِنَ الْأَطْفَالِ، وَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ بِأُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَكَانَ رَبِيبَ عَلِيٍّ، وَكَانَ اخْتِصَاصُهُ بِعَلِيٍّ لِهَذَا السَّبَبِ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : فَقَدْ دَلَّ. (¬2) مَنْ شَارَكَهُمَا: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَنْ يُشَارِكُهُمْ. (¬3) هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَتَى حَدًّا فَجَلَدَهُ عُثْمَانُ عَلَيْهِ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ عَلَى عُثْمَانَ، [لِمَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ تَشَرُّفِهِ (¬1) بِأَبِيهِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا قَامَ أَهْلُ الْفِتْنَةِ عَلَى عُثْمَانَ] (¬2) . قَالُوا: إِنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ، وَإِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لَهُ: لَقَدْ أَخَذْتَ مَأْخَذًا عَظِيمًا (¬3) مَا كَانَ أَبُوكَ لِيَأْخُذَهُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَجَعَ لَمَّا قَالَ [لَهُ] (¬4) ذَلِكَ، وَأَنَّ الَّذِي قَتَلَ عُثْمَانَ كَانَ غَيْرَهُ. ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ فِي حُرُوبِهِ، وَوَلَّاهُ مِصْرَ، فَقُتِلَ بِمِصْرَ: قَتَلَهُ شِيعَةُ عُثْمَانَ لِمَا كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْخَارِجِينَ عَلَيْهِ، وَحُرِقَ فِي بَطْنِ حِمَارٍ: قَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ (¬5) . وَالرَّافِضَةُ تَغْلُو فِي تَعْظِيمِهِ عَلَى عَادَتِهِمُ الْفَاسِدَةِ فِي أَنَّهُمْ يَمْدَحُونَ رِجَالَ الْفِتْنَةِ الَّذِينَ قَامُوا عَلَى عُثْمَانَ، وَيُبَالِغُونَ فِي مَدْحِ مَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ، حَتَّى يُفَضِّلُونَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَبِيهِ أَبِي بَكْرٍ، فَيَلْعَنُونَ أَفْضَلَ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، وَيَمْدَحُونَ ابْنَهُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَا سَابِقَةٌ وَلَا فَضِيلَةٌ، وَيَتَنَاقَضُونَ فِي ذَلِكَ فِي تَعْظِيمِ ¬

(¬1) أ، ب: مِنْ شَرَفِهِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) عَظِيمًا: فِي (ن) فَقَطْ. (¬4) لَهُ: فِي (أ) ، (ب) ، (م) فَقَطْ. (¬5) ن، م، و، هـ: حُدَيْجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ; أ، ب: خُدَيْجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ; ر، ص: جُدَيْحُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتَهُ. وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجِ بْنِ جَفْنَةَ بْنِ قَنْبَرٍ، أَبُو نُعَيْمٍ الْكِنْدِيُّ ثُمَّ السَّكُونِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. شَهِيدُ صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَوَلَّاهُ مُعَاوِيَةُ إِمْرَةَ جَيْشٍ جَهَّزَهُ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ الْوَالِي عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَصَيَّرَهُ فِي بَطْنِ حِمَارٍ وَأَحْرَقَهُ. وَتُوُفِّيَ مُعَاوِيَةُ سَنَةَ 52. انْظُرْ خَبَرَ مَقْتَلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي: الْعِبَرِ 1/44 45 ; تَارِيخِ الطَّبَرَيِّ 5/104. وَانْظُرْ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْإِصَابَةَ 3/411 ; الْأَعْلَامَ 8/171.

الْإِنْسَانِ (¬1) ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَا يَضُرُّهُ كُفْرُ أَبِيهِ أَوْ فِسْقُهُ لَمْ يَضُرَّ نَبِيَّنَا وَلَا إِبْرَاهِيمَ وَلَا عَلِيًّا كُفْرُ آبَائِهِمْ، وَإِنْ ضَرَّهُ (¬2) لَزِمَهُمْ أَنْ يَقْدَحُوا فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِأَبِيهِ (¬3) ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، وَابْنُهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ ابْنِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ خَيْرٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، وَلَا يَذْكُرُونَهُمَا بِخَيْرٍ (¬4) لِكَوْنِهِمَا لَيْسَا مِنْ رِجَالِ الْفِتْنَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَعِظَمِ شَأْنِهِ ". فَإِنْ أَرَادَ عِظَمَ نَسَبِهِ، فَالنَّسَبُ لَا حُرْمَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ (¬5) ، لِقَدْحِهِمْ فِي أَبِيهِ وَأُخْتِهِ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّمَا يُعَظِّمُونَ بِالتَّقْوَى، لَا بِمُجَرَّدِ النَّسَبِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 13] . وَإِنْ أَرَادَ (¬6) عِظَمَ شَأْنِهِ لِسَابِقَتِهِ (¬7) وَهِجْرَتِهِ [وَنُصْرَتِهِ] وَجِهَادِهِ (¬8) ، فَهُوَ لَيْسَ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَا الْأَنْصَارِ (¬9) . وَإِنْ أَرَادَ (¬10) بِعِظَمِ (¬11) شَأْنِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْلَمِ (¬12) النَّاسِ وَأَدْيَنِهِمْ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مَعْدُودًا ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : الْأَنْسَابِ. (¬2) أ، ب: وَإِنْ ضَرَّهُمْ. (¬3) بِأَبِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . (¬4) ص: وَلَا يَذْكُرَانِهِمَا إِلَّا بِخَيْرٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) أ، عِنْدَهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ ; ب: عِنْدَهُمْ لَا حُرْمَةَ لَهُ. (¬6) ن، م: وَإِنْ أَرَادُوا. (¬7) أ، ب: بِسَابِقَتَيْهِ. (¬8) أ، ب: وَجِهَادِهِ وَنُصْرَتِهِ. وَسَقَطَتْ " وَنُصْرَتِهِ " مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬9) أ: لَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ; ب: لَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَا مِنَ الْأَنْصَارِ. (¬10) وَإِنْ أَرَادَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، (و) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَإِنْ أَرَادُوا. (¬11) ن، م، وَ: تَعْظِيمِ. (¬12) أ، ب: أَعْظَمِ.

مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ الَّذِينَ فِي طَبَقَتِهِ. وَإِنْ أَرَادَ (¬1) بِذَلِكَ شَرَفَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ لَهُ جَاهٌ [وَمَنْزِلَةٌ] (¬2) وَرِيَاسَةٌ، فَمُعَاوِيَةُ كَانَ أَعْظَمَ جَاهًا وَرِيَاسَةً وَمَنْزِلَةً مِنْهُ، بَلْ مُعَاوِيَةُ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَعْلَمُ وَأَدْيَنُ وَأَحْلَمُ وَأَكْرَمُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬3) رَوَى الْحَدِيثَ وَتَكَلَّمَ فِي الْفِقْهِ. وَقَدْ رَوَى أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ وَغَيْرِهَا (¬4) ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَعْضَ فَتَاوِيهِ (¬5) وَأَقْضِيَتِهِ. وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَلَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَأُخْتُ مُحَمَّدٍ وَأَبُوهُ أَعْظَمُ مِنْ أُخْتِ مُعَاوِيَةَ وَأَبِيهَا (¬6) ". فَيُقَالُ: هَذِهِ الْحُجَّةُ بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصْلَيْنِ. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يُفَضِّلُونَ الرَّجُلَ إِلَّا بِنَفْسِهِ، فَلَا يَنْفَعُ مُحَمَّدًا قُرْبُهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ، وَلَا يَضُرُّ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَفْضَلَ نَسَبًا [مِنْهُ] (¬7) ، وَهَذَا أَصْلٌ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا لَمْ (¬8) يَضُرُّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، كَبِلَالٍ وَصُهَيْبٍ وَخَبَّابٍ وَأَمْثَالِهِمْ، أَنْ ¬

(¬1) ن، م، ر، هـ، ص: وَإِنْ أَرَادُوا. (¬2) وَمَنْزِلَةٌ: فِي (أ) ، (ب) ، (هـ) فَقَطْ. (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬4) انْظُرْ مَا أَوْرَدَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلْسِيُّ فِي كِتَابِهِ " ذَخَائِرُ الْمَوَارِيثِ " 3/106 110 مِنْ أَحَادِيثِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَى 39 حَدِيثًا (الْأَرْقَامُ (6321 6359) وَكُلُّهَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ. (¬5) أ، ب: بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَتَاوِيهِ ; ر، ص، هـ، و: الْعُلَمَاءُ بَعْضُ فَتَاوِيهِ. (¬6) وَأَبِيهَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَأَبِيهِ. (¬7) ن، م: أَنْ يَكُونَ ذَاكَ أَفْضَلَ قَرَابَةً. (¬8) أ، ب، و: كَمَا لَا. .

مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه والرد عليه

يَكُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مِنَ الطُّلَقَاءِ وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَابْنَيْهِ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَنَحْوِهِمْ - أَعْظَمَ نَسَبًا مِنْهُمْ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَشْرَفُ بَيْتًا، وَأُولَئِكَ لَيْسَ لَهُمْ نَسَبٌ شَرِيفٌ، وَلَكِنْ فَضَّلُوهُمْ (¬1) بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، عَلَى الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا، فَكَيْفَ عَلَى مَنْ بَعْدَ هَؤُلَاءِ؟ ! . وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَهُمْ إِذَا اعْتَبَرُوا أ، م: فَإِنَّهُمْ إِذَا اعْتَبَرُوا ; ب: فَإِنَّهُمْ إِنِ اعْتَبَرُوا. النَّسَبَ لَزِمَهُمْ (¬2) أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَهُمْ شَرَّ النَّاسِ نَسَبًا (¬3) ، لِقُبْحِ قَوْلِهِمْ فِي أَبِيهِ وَأُخْتِهِ. فَعَلَى أَصْلِهِمْ لَا يَجُوزُ تَفْضِيلُهُ بِقُرْبِهِ مِنْهُمَا (¬4) ، وَإِنْ ذَكَرُوا ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فَهُمْ يُفَضِّلُونَ مَنْ فَضَّلَهُ اللَّهُ، حَيْثُ يَقُولُ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 13] . [مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) ر، ص، هـ: الْفَصْلُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ. قَالَ الرَّافِضِيُّ فِي (ك) ص 113 (م) . : " مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ مُعَاوِيَةَ الطَّلِيقَ ابْنَ الطَّلِيقِ، اللَّعِينَ [ابْنَ اللَّعِينِ] (¬5) . ، وَقَالَ: «إِذَا ¬

(¬1) أ، ب: فَضَّلَهُمْ. (¬2) لَزِمَهُمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَزِمَ. (¬3) أ: مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ نَسَبًا ; ب: مِنْ شَرِّ النَّاسِ نَسَبًا. (¬4) أ، ن: مِنْهَا ; ب، ص: مِنْهُمْ. (¬5) عِبَارَةُ " ابْنَ اللَّعِينِ " فِي (أ) ، (ب) ، (ك) فَقَطْ

رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ» . وَكَانَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَقَاتَلَ عَلِيًّا وَهُوَ عِنْدَهُمْ رَابِعُ الْخُلَفَاءِ، إِمَامُ حَقٍّ، وَكُلُّ مَنْ حَارَبَ إِمَامَ حَقٍّ [فَهُوَ] بَاغٍ ظَالِمٌ " (¬1) .. قَالَ (¬2) . : " وَسَبَبُ ذَلِكَ مَحَبَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لِعَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬3) . ، وَمُفَارَقَتُهُ لِأَبِيهِ، وَبُغْضُ مُعَاوِيَةَ (¬4) . لِعَلِيٍّ وَمُحَارَبَتِهِ لَهُ، وَسَمُّوهُ كَاتِبَ الْوَحْيِ وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنَ الْوَحْيِ، بَلْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ رَسَائِلَ (¬5) . . وَقَدْ كَانَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفَسًا يَكْتُبُونَ الْوَحْيَ، أَوَّلُهُمْ وَأَخَصُّهُمْ (¬6) . وَأَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬7) . ، مَعَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا بِاللَّهِ تَعَالَى (¬8) . فِي مُدَّةِ كَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا يُكَذِّبُ بِالْوَحْيِ وَيَهْزَأُ بِالشَّرْعِ (¬9) . ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: " أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ ¬

(¬1) ن، م، و: حَقٍّ بَاغٍ ظَالِمٌ ; ر، ص: كَانَ بَاغ ظَالِم (¬2) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي (ك) ص [0 - 9] 13 (م) (¬3) عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي (و) ، (ك) فَقَطْ (¬4) ك: لِمُعَاوِيَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) ك: لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ رَسَائِلَ (¬6) ك: وَأَخَصُّهُمْ بِهِ (¬7) ك: عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ; أ، ب: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (و) (¬8) عِبَارَةُ " بِاللَّهِ تَعَالَى ": لَيْسَتْ فِي (ك) (¬9) يُكَذِّبُ بِالْوَحْيِ وَيَهْزَأُ بِالشَّرْعِ: كَذَا فِي (ك) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَذَّبَ بِالْوَحْيِ وَتَهَزَّأَ بِالشَّرْعِ

مُعَاوِيَةَ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ إِذَا رُؤِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْإِسْلَامِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي عِلْمِ النَّقْلِ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ مُخْتَلَقٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الرَّافِضِيُّ الرَّاوِي [لَهُ] (¬1) . لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ (¬2) . وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ أَنَّ مِنْبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَعِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مَنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ خَيْرًا مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ كَانَ يَجِبُ قَتْلُ مَنْ صَعِدَ عَلَيْهِ لِمُجَرَّدِ الصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَبَ قَتْلُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. ثُمَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ (¬3) . مُجَرَّدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ لَا يُبِيحُ قَتْلَ مُسْلِمٍ. وَإِنْ أَمَرَ (¬4) . بِقَتْلِهِ لِكَوْنِهِ تَوَلَّى الْأَمْرَ (¬5) . وَهُوَ لَا يَصْلُحُ، ¬

(¬1) لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 2/24 إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ مُرْسَلًا. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ الثَّلَاثَةِ 2/24 26 ثُمَّ قَالَ: " هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا حَدِيثُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَفِيهِ رَجُلَانِ مُتَّهَمَانِ بِوَضْعِهِ أَحَدُهُمَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ وَكَانَ غَالِيًا فِي التَّشْيِيعِ " ثُمَّ تَكَلَّمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْهُ وَعَنْ تَضْعِيفِ الْعُلَمَاءِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: " وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَفِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ مُجَالِدٌ. . . وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ " وَبَيَّنَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ عُلَمَاءَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ يُعِدُّونَ الْأَوَّلَ كَذَّابًا وَالثَّانِيَ مُخْتَلِطَ الْعَقْلِ وَكَانَ يَهِمُ وَيُخْطِئُ وَيَسْتَحِقُّ التَّرْكَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ " قُلْتُ: وَقَدْ تَحَذْلَقَ قَوْمٌ لِيُنَفِّرُوا عَنْ مُعَاوِيَةَ مَا قُذِفَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ غَيَّرَ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَزَادَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ " وَتَكَلَّمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَيْهِمْ 2/26 27. (¬3) أ، ب: أَنَّ (¬4) أ: وَأَمَرَ، ب: وَإِنْ كَانَ أَمَرَ (¬5) ن (فَقَطْ) : نُوِّطَ الْأَمْرَ

فَيَجِبُ قَتْلُ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مِمَّنْ مُعَاوِيَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَهَذَا خِلَافُ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَقِتَالِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. ثُمَّ الْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى خِلَافِ هَذَا ; فَإِنَّهَا لَمْ تَقْتُلْ كُلَّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَلَا اسْتَحَلَّتْ ذَلِكَ. ثُمَّ هَذَا يُوجِبُ مِنَ الْفَسَادِ وَالْهَرَجِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ وِلَايَةِ كُلِّ ظَالِمٍ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ (¬1) . النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ يَكُونُ فِعْلُهُ أَعْظَمَ فَسَادًا مِنْ تَرْكِهِ؟ ! . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ الطَّلِيقُ ابْنُ الطَّلِيقِ ". فَهَذَا لَيْسَ نَعْتُ ذَمٍّ ; فَإِنَّ الطُّلَقَاءَ هُمْ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ، [الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ] (¬2) ، وَأَطْلَقَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانُوا نَحْوًا مَنْ أَلْفَيْ رَجُلٍ، وَفِيهِمْ مَنْ صَارَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، كَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَسَهْلِ بْنِ عَمْرٍو (¬3) . ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ [بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ] (¬4) . ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ يَهْجُوهُ ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَعَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ الَّذِي وَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ لَمَّا فَتَحَهَا (¬5) ". ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ. ¬

(¬1) ن، م: أَمَرَ ;: بِأَمْرِ (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م، ر، ص، هـ: وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو. وَفِي " الْإِصَابَةِ " 12/88: " سَهْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيُّ، أَخُو سُهَيْلٍ، ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ بِالْفَتْحِ. . وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ " (¬4) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) ، (و) فَقَطْ (¬5) فِي " الْإِصَابَةِ " 2/444: " عَتَّابُ (بِالتَّشْدِيدِ) بْنُ أَسِيدٍ (بِفَتْحِ أَوَّلِهِ) بْنِ أَبِي الْعَيْصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْأُمَوِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ. . . أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَكَّةَ

وَمُعَاوِيَةُ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَلِهَذَا وَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْضِعَ أَخِيهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا مَاتَ أَخُوهُ يَزِيدُ بِالشَّامِ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لِفَتْحِ الشَّامِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا تُوُفِّي يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَلَّى عُمَرُ مَكَانَهُ أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ (¬1) . ، وَعُمْرُ لَمْ يَكُنْ تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُحَابِي فِي الْوِلَايَةِ، وَلَا كَانَ مِمَّنْ يُحِبُّ أَبَا سُفْيَانَ أَبَاهُ، بَلْ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ عَدَاوَةً لِأَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، حَتَّى إِنَّهُ لَمَّا جَاءَ بِهِ الْعَبَّاسُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ كَانَ عُمَرُ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِهِ، حَتَّى جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِ نَوْعٌ مِنَ الْمُخَاشَنَةِ بِسَبَبِ بُغْضِ عُمَرَ لِأَبِي سُفْيَانَ. فَتَوْلِيَةُ عُمَرَ لِابْنِهِ مُعَاوِيَةَ لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ دُنْيَوِيٌّ، وَلَوْلَا اسْتِحْقَاقُهُ لِلْإِمَارَةِ لَمَا أَمَّرَهُ. ثُمَّ إِنَّهُ بَقِيَ فِي الشَّامِ عِشْرِينَ سَنَةً أَمِيرًا، وَعِشْرِينَ سَنَةً خَلِيفَةً، وَرَعِيَّتُهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَحَبَّةً لَهُ وَمُوَافَقَةً لَهُ (¬2) . ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إِحْسَانًا إِلَيْهِمْ وَتَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، حَتَّى إِنَّهُمْ (¬3) . قَاتَلُوا مَعَهُ عَلِيَّ [بْنَ أَبِي طَالِبٍ] (¬4) . وَصَابَرُوا ¬

(¬1) أ، ب: وَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُعَاوِيَةَ مَكَانَهُ (¬2) ن، م: مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ لَهُ مَحَبَّةً وَمُوَافَقَةً. سَقَطَتْ " لَهُ " الْأُولَى مِنْ (ب) (¬3) إِنَّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬4) ن، م: حَتَّى قَاتَلُوا مَعَهُ عَلِيًّا

عَسْكَرَهُ، حَتَّى قَاوَمُوهُمْ وَغَلَبُوهُمْ (¬1) . ، وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَعْلَى دَرَجَةً، وَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَعَسْكَرُ مُعَاوِيَةَ يَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَحَقُّ بِالْأَمْرِ (¬2) . ، وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ [مِنْهُمْ] (¬3) . إِلَّا مُعَانِدٌ أَوْ مَنْ أَعْمَى الْهَوَى قَلْبَهُ. وَلَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ يَدَّعِي الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَتَسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ إِنَّمَا (¬4) . ادَّعَى [ذَلِكَ] (¬5) بَعْدَ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ، وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ لَهُ: لِمَ ذَا؟ تَقَاتُلُ عَلِيًّا وَلَيْسَ لَكَ سَابِقَتُهُ وَلَا فَضْلُهُ (¬6) . وَلَا صِهْرُهُ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْأَمْرِ مِنْكَ؟ فَيَعْتَرِفُ لَهُمْ مُعَاوِيَةُ بِذَلِكَ. لَكِنْ قَاتَلُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ لِظَنِّهِمْ أَنَّ عَسْكَرَ عَلِيٍّ فِيهِ (¬7) . ظَلَمَةٌ يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا اعْتَدَوْا عَلَى عُثْمَانَ، وَأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَهُمْ دَفْعًا لِصِيَالِهِمْ عَلَيْهِمْ (¬8) . ، وَقِتَالُ الصَّائِلِ جَائِزٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَبْدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ حَتَّى بَدَأَهُمْ أُولَئِكَ. وَلِهَذَا قَالَ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ: إِنَّهُمْ يَنْصُرُونَ عَلَيْنَا لِأَنَّا نَحْنُ بَدَأْنَاهُمْ بَدَأْنَاهُمْ: (¬9) وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ عَاجِزًا عَنْ قَهْرِ الظَّلَمَةِ مِنَ الْعَسْكَرَيْنِ، وَلَمْ ¬

(¬1) ن، و، هـ، ر: حَتَّى قَاوَمُوهُمْ أَوْ غَلَبُوهُمْ ; أ، ب: إِلَى أَنْ قَاوَمُوهُمْ وَغَلَبُوهُمْ (¬2) ب: أَفْضَلُ وَأَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُ. وَسَقَطَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ مِنْ (أ) (¬3) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) أ، ب: وَإِنَّمَا (¬5) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أ: لِمَ ذَا نُقَاتِلُ مَعَكَ عَلِيًّا وَلَيْسَ لَكَ سَابِقَةٌ وَلَا فَضِيلَتُهُ ; ب: لِمَاذَا نُقَاتِلُ مَعَكَ عَلِيًّا وَلَيْسَ لَكَ سَابِقَتُهُ وَلَا فَضْلُهُ (¬7) أ، ب: فِيهِمْ (¬8) ن، م: يُقَاتِلُونَ دَفْعًا لِصِيَالِهِمْ عَلَيْهِ ; ص: يُقَاتِلُونَهُمْ دَفْعًا لِصِيَالَتِهِمْ عَلَيْهِمْ (¬9) كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: نَبْدَأُهُمْ. بِالْقِتَالِ.

تَكُنْ أَعْوَانُهُ يُوَافِقُونَهُ عَلَى مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَأَعْوَانُ مُعَاوِيَةَ يُوَافِقُونَهُ، وَكَانَ يَرَى أَنَّ الْقِتَالَ يَحْصُلُ بِهِ الْمَطْلُوبُ، فَمَا حَصَلَ بِهِ إِلَّا ضِدُّ الْمَطْلُوبِ، وَكَانَ فِي عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ مَنْ يَتَّهِمُ عَلِيًّا بِأَشْيَاءَ مِنَ الظُّلْمِ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهَا (¬1) . ، وَطَالِبُ الْحَقَّ مِنْ عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُبَايِعَ إِلَّا مَنْ يَعْدِلُ عَلَيْنَا وَلَا يَظْلِمُنَا، وَنَحْنُ إِذَا بَايَعْنَا عَلِيًّا ظَلَمْنَا عَسْكَرَهُ، كَمَا ظُلِمَ (¬2) . عُثْمَانُ. وَعَلِيٌّ إِمَّا عَاجِزٌ عَنِ الْعَدْلِ عَلَيْنَا، أَوْ غَيْرُ فَاعِلٍ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَايِعَ عَاجِزًا عَنِ الْعَدْلِ عَلَيْنَا وَلَا تَارِكًا لَهُ. فَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَا كَانَ الْقِتَالُ مَأْمُورًا بِهِ: لَا وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا، وَلَكِنْ يَعْذُرُونَ مَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " كَانَ مُعَاوِيَةُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ". فَنَعَمْ وَأَكْثَرُ الطُّلَقَاءِ كُلِّهِمْ (¬3) . مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، كَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَابْنِ أَخِيهِ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ غَالِبُهُمْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ (¬4) . ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُسْلِمُ أَوَّلَ النَّهَارِ رَغْبَةً مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يَجِيءُ آخِرُ النَّهَارِ إِلَّا وَالْإِسْلَامُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَاتَلَ عَلِيًّا وَهُوَ عِنْدَهُمْ رَابِعُ الْخُلَفَاءِ إِمَامٌ حَقٌّ، وَكُلُّ مَنْ قَاتَلَ إِمَامَ حَقٍّ فَهُوَ بَاغٍ ظَالِمٌ ". ¬

(¬1) ن، م: بِأَشْيَاءَ هِيَ الظُّلْمِ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهَا (¬2) أ، ب، هـ: كَمَا ظَلَمُوا (¬3) أ: وَكَثِيرُ الطُّلَقَاءِ كُلِّهِمْ ; ب: وَكَثِيرٌ مِنَ الطُّلَقَاءِ ; و: وَكَذَا الطُّلَقَاءُ ; هـ، ر: وَكُبَرَاءُ الطُّلَقَاءِ ; ص: وَأَكْبَرُ الطُّلَقَاءِ (¬4) أ، ب: إِسْلَامُهُمْ

فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: الْبَاغِي قَدْ يَكُونُ مُتَأَوِّلًا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ، وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَمِّدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاغٍ، وَقَدْ يَكُونُ بَغْيُهُ مُرَكَّبًا (¬1) . مِنْ شُبْهَةٍ وَشَهْوَةٍ (¬2) . ، وَهُوَ الْغَالِبُ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِيمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ ; فَإِنَّهُمْ لَا يُنَزِّهُونَ مُعَاوِيَةَ وَلَا مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ، فَضْلًا عَنْ تَنْزِيهِهِمْ عَنِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ الذُّنُوبَ لَهَا أَسْبَابٌ تَدْفَعُ عُقُوبَتَهَا مِنَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا أَمْرٌ يَعُمُّ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ. وَالْحِكَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ (¬3) . عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، لَمَّا أَتَى مُعَاوِيَةَ، وَخَلَا بِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُخْبِرَهُ (¬4) . بِجَمِيعِ مَا يَنْقِمُهُ عَلَيْهِ (¬5) ، فَذَكَرَ لَهُ الْمِسْوَرُ جَمِيعَ مَا يَنْقِمُهُ عَلَيْهِ (¬6) . . فَقَالَ: وَمَعَ هَذَا يَا مِسْوَرُ أَلَكَ سَيِّئَاتٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَرْجُو أَنْ يَغْفِرَهَا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا جَعَلَكَ أَرْجَى لِرَحْمَةِ اللَّهِ مِنِّي (¬7) . ؟ وَإِنِّي مَعَ ذَلِكَ وَاللَّهِ مَا خُيِّرْتُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إِلَّا اخْتَرْتُ اللَّهَ عَلَى غَيْرِهِ، وَوَاللَّهِ لَمَا أَلِيهِ (¬8) . مِنَ الْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِكَ، وَأَنَا ¬

(¬1) مُرَكَّبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) ب (فَقَطْ) : أَوْ شَهْوَةٍ (¬3) ص، هـ، ر: الْمَشْهُورَةُ (¬4) أ، ب: وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُخْبِرَهُ (¬5) أ، ن، م: مَا يَنْقِمُ عَلَيْهِ. (¬6) أ، ب: مَا يَنْقِمُ عَلَيْهِ (¬7) أ: فَمَا جَعَلَكَ لِرَحْمَةِ اللَّهِ مِنِّي ; ب: فَمَا جَعَلَكَ لِرَحْمَةِ اللَّهِ أَرْجَى مِنِّي ; م: فَمَا جَعَلَكَ أَرْجَى لِلرَّحْمَةِ مِنِّي (¬8) ص: مَا أَنَا إِلَيْهِ ; أ، ب: مَا أَلِيهِ ; ر، هـ: مَا آلِيهِ

عَلَى دِينٍ يَقْبَلُ مِنْ أَهْلِهِ (¬1) . الْحَسَنَاتِ، وَيَتَجَاوَزُ لَهُمْ عَنِ السَّيِّئَاتِ، فَمَا جَعَلَكَ أَرْجَى لِرَحْمَةِ اللَّهِ مِنِّي؟ قَالَ (¬2) . الْمِسْوَرُ [بْنُ مَخْرَمَةَ] (¬3) . : فَخَصَمَنِي. أَوْ كَمَا قَالَ. وَيُقَالُ لَهُمْ: ثَانِيًا: أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَأَصْلُهُمْ مُسْتَقِيمٌ مُطَّرِدٌ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَمُتَنَاقِضُونَ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّوَاصِبَ - مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمُ - الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا أَوْ يُفَسِّقُونَهُ أَوْ يَشُكُّونَ فِي عَدَالَتِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمَرْوَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، لَوْ قَالُوا لَكُمْ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى إِيمَانِ عَلِيٍّ وَإِمَامَتِهِ وَعَدْلِهِ؟ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ حُجَّةٌ ; فَإِنَّكُمْ إِنِ احْتَجَجْتُمْ بِمَا تَوَاتَرَ مِنْ إِسْلَامِهِ وَعِبَادَتِهِ، قَالُوا لَكُمْ: وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَالْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَخُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ كَمُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنْتُمْ تَقْدَحُونَ فِي إِيمَانِهِمْ، فَلَيْسَ قَدْحُنَا فِي إِيمَانِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ إِلَّا وَقَدْ حُكِمَ فِي إِيمَانِ هَؤُلَاءِ أَعْظَمَ، وَالَّذِينَ تَقْدَحُونَ أَنْتُمْ فِيهِمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِينَ نَقْدَحُ نَحْنُ فِيهِمْ، وَإِنِ احْتَجَجْتُمْ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ. قَالُوا: آيَاتُ الْقُرْآنِ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ أَبَا بَكْرٍ (¬4) . وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُمْ مِثْلَ مَا تَتَنَاوَلُ عَلِيًّا أَوْ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَنْتُمْ [قَدْ] (¬5) . أَخْرَجْتُمْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ فَإِخْرَاجُنَا عَلِيًّا أَيْسَرُ. وَإِنْ قُلْتُمْ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَضَائِلِهِ: قَالُوا: هَذِهِ الْفَضَائِلُ رَوَتْهَا الصَّحَابَةُ الَّذِينَ رَوَوْا فَضَائِلَ أُولَئِكَ، ¬

(¬1) ن: مِنْ أَهْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) أ، ب: فَقَالَ (¬3) بْنُ مَخْرَمَةَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬4) أ: مُتَنَاوِلَ عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ ; ب: مُتَنَاوِلَةً لِعَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ (¬5) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

فَإِنْ كَانُوا عُدُولًا فَاقْبَلُوا الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانُوا فُسَّاقًا فَإِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي الشُّهُودِ: إِنَّهُمْ إِنْ شَهِدُوا لِي كَانُوا عُدُولًا، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيَّ كَانُوا فُسَّاقًا، أَوْ: إِنْ شَهِدُوا بِمَدْحِ مَنْ أَحْبَبْتُهُ كَانُوا عُدُولًا، وَإِنْ شَهِدُوا بِمَدْحِ مَنْ أَبْغَضْتُهُ ص: مَنْ أُبْغِضُهُ. كَانُوا فُسَّاقًا. وَأَمَّا إِمَامَةُ عَلِيٍّ فَهَؤُلَاءِ يُنَازِعُونَكُمْ فِي إِمَامَتِهِ هُمْ وَغَيْرُهُمْ. فَإِنِ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِالنَّصِّ الَّذِي تَدَّعُونَهُ، كَانَ احْتِجَاجُهُمْ بِالنُّصُوصِ الَّتِي يَدَّعُونَهَا لِأَبِي بَكْرٍ - بَلِ الْعَبَّاسِ (¬1) . - مُعَارِضًا لِذَلِكَ، وَلَا رَيْبَ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَعْرِفُ الْحَدِيثَ أَنَّ تِلْكَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ. وَكَذَلِكَ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَصْدِيقِهَا بِدَلَالَاتٍ كَثِيرَةٍ يَعْلَمُهَا مَنْ لَيْسَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَإِنِ احْتَجَجْتُمْ بِمُبَايَعَةِ النَّاسِ لَهُ. قَالُوا: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ (¬2) . أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَعْظَمَ مِمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ (¬3) . عَلِيٍّ، وَأَنْتُمْ قَدْ قَدَحْتُمْ فِي تِلْكَ الْبَيْعَةِ، فَالْقَدْحُ فِي هَذِهِ أَيْسَرُ، فَلَا تَحْتَجُّونَ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ (¬4) . بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ إِلَّا كَانَ مَعَ أُولَئِكَ مِنَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِكُمْ، فَيَكُونُ إِثْبَاتُ خِلَافَةِ مَنْ قَدَحْتُمْ فِي خِلَافَتِهِ أَوْلَى مِنْ إِثْبَاتِ خِلَافَةِ مَنْ أَثْبَتُّمْ (¬5) . خِلَافَتَهُ. وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ; فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ خِلَافَةَ الْخُلَفَاءِ كُلِّهِمْ، ¬

(¬1) أ، ب: بَلْ لِلْعَبَّاسِ ; ص: بَلِ الْقِيَاسِ، و: وَالْعَبَّاسِ (¬2) ر، ص، هـ، و: عَلَى مُبَايَعَةِ ; ن، م: عَلَى إِمَامَةِ (¬3) ن: مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ ; ص: مِمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى مُبَايَعَةِ (¬4) إِمَامَةِ عَلَيٍّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . ر، ص، هـ، ن، م: عَلَى إِمَامَتِهِ ; و: عَلَى إِمَامَةِ (¬5) ن، م: مَنْ أَبَيْتُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى صِحَّةِ خِلَافَتِهِمْ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا انْعَقَدَتْ بِمُبَايَعَةِ أَهْلِ الشَّوْكَةِ لَهُمْ، وَعَلِيٌّ بَايَعَهُ أَهْلُ الشَّوْكَةِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى مَنْ قَبْلَهُ، لَكِنْ لَا رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ وَقُوَّةٌ بِمُبَايَعَةِ أَهْلِ الشَّوْكَةِ لَهُ، وَقَدْ دَلَّ النَّصُّ عَلَى أَنَّ خِلَافَتَهُ (¬1) . خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ. وَأَمَّا تَخَلُّفُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ مُبَايَعَتِهِ، فَعُذْرُهُمْ فِي ذَلِكَ أَظْهَرُ مِنْ عُذْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ لَمَّا تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَقِرَّ تَخَلُّفُ أَحَدٍ إِلَّا سَعْدٌ وَحْدَهُ. وَأَمَّا عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ فَبَايَعُوا الصِّدِّيقَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ النَّاسِ. لَكِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ (¬2) . تَأَخَّرُوا عَنْ مُبَايَعَتِهِ (¬3) . سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَايَعُوهُ. وَهُمْ يَقُولُونَ لِلشِّيعَةِ: عَلِيٌّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَخَلَّفَ أَوَّلًا عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ بَايَعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، كَمَا تَقُولُ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ الشِّيعَةِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَايَعَهُ أَوَّلَ يَوْمٍ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ طَائِفَةٌ أُخْرَى. فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ بَطَلَ قَوْلُ الشِّيعَةِ: إِنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَوَّلِ السَّابِقِينَ إِلَى بَيْعَتِهِ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَعُذْرُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ عَلِيٍّ أَظْهَرُ مِنْ عُذْرِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ الْمُثْبِتَيْنِ لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، لَيْسَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ مِثْلُهَا (¬4) . ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافَتِهِ، وَإِنَّمَا رَوَى ذَلِكَ أَهْلُ السُّنَنِ. ¬

(¬1) ن، م: خِلَافَتَهُمْ (¬2) ن: لِأَنَّهُمْ (¬3) أ، ب: بَيْعَتِهِ (¬4) و، ب: مِثْلُهُمَا

وَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ (¬1) . . وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ وَالْقِتَالِ مَعَهُ نِصْفُ الْأُمَّةِ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ. وَالنُّصُوصُ الثَّابِتَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْتَضِي أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ كَانَ خَيْرًا لِلطَّائِفَتَيْنِ، وَأَنَّ الْقُعُودَ عَنِ الْقِتَالِ كَانَ خَيْرًا مِنَ الْقِيَامِ فِيهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا، مَعَ كَوْنِهِ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ (2 وَأَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ 2) (2 - 2) : (¬2) .، لَوْ تَرَكَ الْقِتَالَ لَكَانَ أَفْضَلَ وَأَصْلَحَ وَخَيْرًا. وَأَهْلُ السُّنَّةِ و: السُّنَنِ. يَتَرَحَّمُونَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ، كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} . وَأَمَّا الرَّافِضِيُّ فَإِذَا قَدَحَ فِي مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ كَانَ بَاغِيًا ظَالِمًا، قَالَ لَهُ النَّاصِبِيُّ: وَعَلِيٌّ أَيْضًا كَانَ بَاغِيًا ظَالِمًا لَمَّا قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى إِمَارَتِهِ، وَبَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ، وَصَالَ عَلَيْهِمْ، وَسَفَكَ دِمَاءَ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ لَهُمْ (¬3) . : لَا فِي دِينِهِمْ وَلَا فِي دُنْيَاهُمْ، وَكَانَ السَّيْفُ فِي خِلَافَتِهِ مَسْلُولًا عَلَى أَهْلِ الْمِلَّةِ، مَكْفُوفًا عَنِ الْكُفَّارِ. وَالْقَادِحُونَ فِي عَلِيٍّ طَوَائِفُ: طَائِفَةٌ تَقْدَحُ فِيهِ وَفِيمَنْ قَاتَلَهُ جَمِيعًا. وَطَائِفَةٌ تَقُولُ: فَسَقَ (¬4) . أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ سَفِينَةَ 1/515 (ت [0 - 9] ) (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَفِي (ن) ، (م) : وَأَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُ (¬3) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬4) ب (فَقَطْ) : فَسَقَتْ

وَغَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَيَقُولُونَ فِي أَهْلِ الْجَمَلِ: فَسَقَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا، وَهَؤُلَاءِ يُفَسِّقُونَ مُعَاوِيَةَ. وَطَائِفَةٌ تَقُولُ (¬1) . : هُوَ الظَّالِمُ دُونَ مُعَاوِيَةَ، كَمَا يَقُولُ [ذَلِكَ] الْمَرْوَانِيَّةُ (¬2) . . وَطَائِفَةٌ تَقُولُ (¬3) . : كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مُصِيبًا (¬4) . ، فَلَمَّا حَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ كَفَرَ وَارْتَدَّ [عَنِ الْإِسْلَامِ] (¬5) . وَمَاتَ كَافِرًا. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْخَوَارِجُ. فَالْخَوَارِجُ وَالْمَرْوَانِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ يَقْدَحُونَ فِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَكُلُّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي ذَلِكَ ضَالُّونَ مُبْتَدِعُونَ. وَخَطَأُ الشِّيعَةِ فِي الْقَدْحِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْظَمُ مِنْ خَطَأِ أُولَئِكَ. فَإِنْ قَالَ الذَّابُّ (¬6) . عَنْ عَلِيٍّ: (* هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ كَانُوا بُغَاةً، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " (¬7) . وَهُمْ قَتَلُوا عَمَّارًا. فَهَهُنَا لِلنَّاسِ أَقْوَالٌ: مِنْهُمْ مَنْ قَدَحَ (¬8) . فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْبَاغِيَ الطَّالِبُ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فَيَقُولُ أَكْثَرُهُمْ - كَأَبِي حَنِيفَةَ ¬

(¬1) أ، ب: يَقُولُونَ (¬2) ن: كَمَا تَقُولُ الْمَرْوَانِيَّةُ ; م، و: كَمَا تَقُولُهُ الْمَرْوَانِيَّةُ (¬3) أ، ب: يَقُولُونَ (¬4) أ: كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مُصِيبًا ; ب: عَلِيٌّ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مُصِيبًا ; م: كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُصِيبًا (¬5) عَنِ الْإِسْلَامِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬6) أ: أَعْظَمُ مِنَ الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ فَإِنَّ الذَّابَّ ; ب: أَعْظَمُ خَطَأً مِنْ أُولَئِكَ فِي عَلِيٍّ فَإِنْ قَالَ الذَّابُّ (¬7) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ (¬8) ن، م: يَقْدَحُ

وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ: لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ قِتَالِ الطَّائِفَةِ الْبَاغِيَةِ ; فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِهَا ابْتِدَاءً، بَلْ أَمَرَ إِذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى قُوتِلَتِ الَّتِي تَبْغِي. وَهَؤُلَاءِ قُوتِلُوا ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يُبْدَءُوا بِقِتَالٍ. [وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مَانِعِي الزَّكَاةَ إِذَا قَالُوا: نَحْنُ (¬1) . نُؤَدِّيهَا بِأَنْفُسِنَا وَلَا نَدْفَعُهَا إِلَى الْإِمَامِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ قِتَالُهُمْ،] (¬2) . وَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْقِتَالُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - كَمَالِكٍ - قِتَالَ فِتْنَةٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ حَتَّى يَبْدَءُوا بِقِتَالِ الْإِمَامِ. وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَبْدَءُوهُ (¬3) . [بَلِ الْخَوَارِجُ بَدَءُوا بِهِ] (¬4) . . وَأَمَّا قِتَالُ الْخَوَارِجِ فَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ (¬5) . وَالْإِجْمَاعِ. فَإِنْ قَالَ الذَّابُّ (¬6) . عَنْ عَلِيٍّ *) (¬7) . كَانَ [عَلِيٌّ] (¬8) . مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ. قَالَ لَهُ مُنَازِعُهُ: وَمُعَاوِيَةُ كَانَ مُجْتَهِدًا [فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ: كَانَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا، فَفِي النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَهُ: وَمُعَاوِيَةُ كَانَ مُجْتَهِدًا] (¬9) . مُصِيبًا أَيْضًا، (¬10) . بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ¬

(¬1) نَحْنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ص) (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) (¬3) أ، ب: لَمْ يَبْدَءُوا (¬4) مَا بَيْنَ الْقَوْسَيْنِ مِنْ (ن) ، (م) (هـ) : وَفِي (ر) : وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ بَدَأَتْهُ. وَفِي (ص) : وَلَكِنَّ الْخَوَارِجَ بَدَءُوهُ (¬5) أ، ب، ر، ص، هـ: وَقِتَالُ الْخَوَارِجِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ (¬6) ن، م: فَإِنْ قَالَ الْقَائِلُ الذَّابُّ (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) (¬8) عَلِيٌّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) (¬10) ر، ص: وَمُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدٌ أَيْضًا

بَلْ مُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدٌ مُخْطِئٌ، وَخَطَأُ الْمُجْتَهِدِ مَغْفُورٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْمُصِيبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ. [وَمِنَ الْفُقَهَاءِ (¬1) . مَنْ يَقُولُ: كِلَاهُمَا كَانَ مُجْتَهِدًا، لَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ مُجْتَهِدًا (¬2) . مُصِيبًا، وَمُعَاوِيَةُ كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا. وَالْمُصِيبُ (¬3) . لَهُ أَجْرَانِ، وَالْمُخْطِئُ لَهُ أَجْرٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ كِلَاهُمَا مُجْتَهِدٌ مُصِيبٌ (¬4) . (5 بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ 5) (5 - 5) : (¬5) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ (¬6) . أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (¬7) . : الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ ذَكَرَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ عَنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (¬8) . ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ نَفْسِهِ وَعَنْ أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ كَانَ خَيْرًا مِنْ فِعْلِهِ، وَأَنَّهُ قِتَالُ فِتْنَةٍ. وَلِهَذَا كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَنْهَى (¬9) عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِيهِ، وَيَقُولُ ر، ص: عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ وَيَقُولُ ; أ: عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ، وَفِيهِ يَقُولُ. : لَا يُبَاعُ السِّلَاحُ فِي الْفِتْنَةِ. وَهَذَا قَوْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ¬

(¬1) ر، ص: وَمِنَ الْعُلَمَاءِ (¬2) عِبَارَةُ " لَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ مُجْتَهِدًا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) (¬3) ر، ص: فَالْمُصِيبُ (¬4) أ، ب: يَقُولُ كِلَاهُمَا مُصِيبٌ. سَقَطَتْ " بَلْ " مِنْ (ص) (¬5) سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ص) . (¬6) ر، ص: مِنْ أَصْحَابِهِ وَمِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ (¬7) وَغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَذَا فِي (أ) ، وَفِي (ب) : وَغَيْرُهُ تَقُولُ، وَفِي (ر) ، (ص) : وَغَيْرُهُ مَنْ يَقُولُ (¬8) ب، ر: عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ ; ص: عَنْ أَحْمَدَ (¬9) أ، ب: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعَنَّا بِهِ و " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَيْسَتْ فِي (ر) ، (ص) .

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ (¬1) . ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَكْثَرِ مَنْ كَانَ بَقِيَ (¬2) . . مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ. وَقَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ: بَلْ كِلَاهُمَا إِمَامٌ مُصِيبٌ، وَيَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعَةِ (¬3) . لِإِمَامَيْنِ لِلْحَاجَةِ] (¬4) . ، وَمَنْ نَازَعَهُ فِي أَنَّهُ كَانَ إِمَامَ حَقٍّ لَمْ يُمَكِّنِ الرَّافِضِيَّ أَنْ يَحْتَجَّ (¬5) . عَلَى إِمَامَتِهِ بِحُجَّةٍ إِلَّا نَقَضَهَا ذَلِكَ الْمُعَارِضُ، وَمَنْ سَلَّمَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ إِمَامَ حَقٍّ كَأَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْإِمَامُ الْحَقُّ لَيْسَ مَعْصُومًا، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَهُ كُلَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَتِهِ، وَلَا يُطِيعُهُ الْإِنْسَانُ فِيمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ، أَوْ أَنَّ تَرْكَهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ. وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ خَيْرٌ مِنَ الْقِتَالِ، أَوْ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مُوَافَقَتَهُ فِي ذَلِكَ. وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ لَا يَخْلُو: إِمَّا أنْ يَكُونُوا عُصَاةً، أَوْ مُجْتَهِدِينَ مُخْطِئِينَ، أَوْ مُصِيبِينَ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي إِيمَانِهِمْ وَلَا يَمْنَعُهُمُ الْجَنَّةَ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ¬

(¬1) أ: وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ (¬2) ر، ص: وَمَنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ (¬3) ر، ص: وَتَجُوزُ الْبَيْعَةُ (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) (¬5) أ: الرَّافِضَةَ أَنْ يَحْتَجَّ ; ب: الرَّافِضَةَ أَنْ يَحْتَجُّوا

الْمُقْسِطِينَ} ، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ، فَسَمَّاهُمْ إِخْوَةً وَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتَالِ بَيْنَهُمْ، وَالْبَغْيِ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. فَمَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا: فَإِنَّ (¬1) . كَانَ بَاغِيًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخْرِجِهِ مِنَ (¬2) . الْإِيمَانِ، وَلَا بِمُوجِبٍ (¬3) لَهُ النِّيرَانَ، وَلَا مَانِعٍ لَهُ مِنَ الْجِنَانِ ; فَإِنَّ الْبَغْيَ إِذَا كَانَ بِتَأْوِيلٍ (¬4) . كَانَ صَاحِبُهُ مُجْتَهِدًا. وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَفْسُقُ وَاحِدَةٌ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَإِنْ قَالُوا فِي إِحْدَاهُمَا: إِنَّهُمْ كَانُوا بُغَاةً؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ مُجْتَهِدِينَ، وَالْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ الْبَغْيَ فَهُوَ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالذُّنُوبُ يُرْفَعُ عِقَابُهَا بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ: كَالتَّوْبَةِ، وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ، وَشَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَحَبَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لِعَلِيٍّ، وَمُفَارَقَتُهُ لِأَبِيهِ ". فَكَذِبٌ بَيِّنٌ. وَذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا طِفْلًا لَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَبَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِأَبِيهِ، وَبِهِ كَانَ يَتَشَرَّفُ، وَكَانَتْ لَهُ بِذَلِكَ حُرْمَةٌ عِنْدَ النَّاسِ. ¬

(¬1) ب: إِنْ. وَسَقَطَ الْحَرْفُ مِنْ (أ) (¬2) ب، ص: عَنِ (¬3) ب: مُوجِبٍ ; أ: يُوجِبُ (¬4) أ: يَتَأَوَّلُ ; ب: بِتَأَوُّلٍ

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ سَبَبَ قَوْلِهِمْ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ مُحَمَّدٍ، أَنَّ مُحَمَّدًا هَذَا كَانَ يُحِبُّ عَلِيًّا، وَمُعَاوِيَةُ كَانَ يُبْغِضُهُ ". فَيُقَالُ: هَذَا كَذِبٌ أَيْضًا ; فَإِنَّ [عَبْدَ اللَّهِ] بْنَ عُمَرَ [كَانَ] أَحَقَّ (¬1) بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَهُوَ لَمْ يُقَاتِلْ لَا مَعَ هَذَا، وَلَا مَعَ هَذَا، وَكَانَ مُعَظِّمًا لِعَلِيٍّ، مُحِبًّا لَهُ، يَذْكُرُ فَضَائِلَهُ وَمَنَاقِبَهُ، وَكَانَ مُبَايِعًا لِمُعَاوِيَةَ لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ غَيْرَ خَارِجٍ عَلَيْهِ، وَأُخْتُهُ أَفْضَلُ مِنْ أُخْتِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُوهُ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَالنَّاسُ أَكْثَرُ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا لَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَمَعَ هَذَا فَلْمْ يُشْتَهَرْ عَنْهُ أَنَّهُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ. وَأَيْضًا فَأَهْلُ السُّنَّةِ يُحِبُّونَ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا عَلِيًّا أَعْظَمَ مِمَّا يُحِبُّونَ مَنْ قَاتَلَهُ، وَيُفَضِّلُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُ عَلَى مَنْ قَاتَلَهُ، كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ (¬2) . ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلِيًّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَالْحُبُّ لِعَلِيٍّ وَتَرْكُ قِتَالِهِ (¬3) . خَيْرٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ بُغْضِهِ وَقِتَالِهِ. وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ مُوَالَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ ذَبًّا عَنْهُ، وَرَدًّا عَلَى مَنْ يَطْعَنُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّوَاصِبِ، لَكِنْ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. وَالرَّافِضَةُ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُثْبِتُوا وُجُوبَ مُوَالَاتِهِ كَمَا يُمْكِنُ أَهْلُ السُّنَّةِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ بُغْضًا لَهُ وَعَدَاوَةً مِنْ غَيْرِهِمْ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِهِمْ، فَكَيْفَ يَفْتَرِي الْمُفْتَرِي ¬

(¬1) ن، م: فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ أَحَقُّ. (¬2) و: مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ (¬3) ن: وَالتَّرْكُ لِقِتَالِهِ

عَلَيْهِمْ بِأَنْ قَدَحَ هَذَا لِبُغْضِهِ عَلِيًّا وَذَمَّ هَذَا لِحُبِّهِ عَلِيًّا (¬1) . ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَجْعَلُ بُغْضَ عَلِيٍّ طَاعَةً وَلَا حَسَنَةً، وَلَا يَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَلَا مَنْ يَجْعَلُ مُجَرَّدَ حُبِّهِ سَيِّئَةً وَلَا مَعْصِيَةً، وَلَا يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ. وَكُتُبُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مَمْلُوءَةٌ بِذِكْرِ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ، وَبِذَمِّ الَّذِينَ يَظْلِمُونَهُ مِنْ جَمِيعِ الْفِرَقِ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ سَبَّهُ، وَكَارِهُونَ لِذَلِكَ. وَمَا جَرَى مِنَ التَّسَابِّ وَالتَّلَاعُنِ بَيْنَ الْعَسْكَرَيْنِ، مِنْ جِنْسِ مَا جَرَى مِنَ الْقِتَالِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَشَدِّ (¬2) . النَّاسِ بُغْضًا وَكَرَاهَةً لِأَنْ يُتَعَرَّضَ لَهُ بِقِتَالٍ أَوْ سَبٍّ، بَلْ هُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ أَجَلُّ قَدْرًا، وَأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، وَأَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَأَبِيهِ وَأَخِيهِ الَّذِي كَانَ خَيْرًا مِنْهُ، وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ كُلُّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَامَ الْفَتْحِ، وَفِي هَؤُلَاءِ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَأَهْلُ الشَّجَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ، وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ جُمْهُورِ ن (¬3) . الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، [بَلْ] (¬4) . هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ إِلَّا الثَّلَاثَةَ، فَلَيْسَ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يُقَدِّمُ عَلَيْهِ [أَحَدًا] (¬5) . غَيْرَ الثَّلَاثَةِ، بَلْ يُفَضِّلُونَهُ عَلَى جُمْهُورِ أَهْلِ بَدْرٍ وَأَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَعَلَى السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. ¬

(¬1) أ: لِبُغْضِ عَلِيٍّ وَذَمِّ هَذَا مَحَبَّةَ عَلِيٍّ ; ب: لِبُغْضِهِ عَلِيًّا وَذَمَّ هَذَا لِمَحَبَّةِ عَلِيٍّ (¬2) أ، ب: وَهُمْ مِنْ أَشَدِّ (¬3) ، م، ر: أَفْضَلُ مِنْ جُمْهُورِ (¬4) بَلْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬5) أ: أَحَدٌ. وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ، وَأَثْبَتُّهَا مِنْ (ب)

وَمَا فِي أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، بَلْ غَايَةُ مَا قَدْ (¬1) . يَقُولُونَ السُّكُوتُ عَنِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ أَهْلِ الشُّورَى، وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الشُّورَى عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَالسَّابِقُونَ [الْأَوَّلُونَ] (¬2) . أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَهُمْ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقِيلَ: مَنْ صَلَّى [إِلَى] (¬3) . الْقِبْلَتَيْنِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَشَيْبَةُ الْحَجَبِيُّ (¬4) ". وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنَاهُ يَزِيدُ وَمُعَاوِيَةُ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَغَيْرُهُمْ، فَهَؤُلَاءِ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيهِ، فَيَجْعَلُونَهُ مِنَ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَلَامٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَا خَالِدُ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ (¬5) . مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» " (¬6) \ 21. فَنَهَى خَالِدًا وَنَحْوَهُ، مِمَّنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، أَنْ ¬

(¬1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) الْأَوَّلُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬3) إِلَى: فِي (ص) ، (ب) فَقَطْ (¬4) فِي " الْإِصَابَةِ " 2/157: " شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ الْأَوْقَصُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ الدَّارِ الْقُرَشِيُّ الْعَبَدَرِيُّ الْحَجَبِيُّ، أَبُو عُثْمَانَ (¬5) ر، م، هـ، و: مَا بَلَغَ (¬6) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 2

يَتَعَرَّضُوا (¬1) . لِلَّذِينَ صَحِبُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ مِنْ: سَاقِطَةٌ (¬2) . قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ. فَإِذَا كَانَ [هَذَا] نَهْيُهُ (¬3) . لِخَالِدِ [بْنِ الْوَلِيدِ] (¬4)) . وَأَمْثَالِهِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَكَيْفَ مُسْلِمَةُ (¬5) . الْفَتْحِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا إِلَّا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ؟ مَعَ أَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُهَاجِرِينَ ; فَإِنَّ خَالِدًا وَعَمْرًا وَنَحْوَهُمَا مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، هُوَ (¬6) . مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَا هِجْرَةَ لَهُمْ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬7) .. وَلِهَذَا كَانَ إِذَا أُتِيَ بِالْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ لِيُبَايِعَهُ بَايَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ بَنِي هَاشِمٍ، كَعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ¬

(¬1) أَنْ يَتَعَرَّضُوا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَنْ يَتَعَرَّضَ (¬2) مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) ن، م: وَإِذَا كَانَ نَهْيُهُ ; فَإِذَا كَانَ نَهْيُهُ (¬4) بْنِ الْوَلِيدِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب (¬5) ن، م، و، هـ: فَكَذَلِكَ مُسْلِمَةُ، أ، ب: فَكَيْفَ لِمُسْلِمَةِ (¬6) ن: وَهُوَ ; ب: فَهُوَ (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/15 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ فَضْلِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ) ; مُسْلِمٍ 3/1487 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ الْمُبَايَعَةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ. .) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3 - 75 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْهِجْرَةِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ " ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/307 - 308، 4/127، 321. وَالْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُسْنَدِ

وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (¬1) . ، وَكَذَلِكَ الْعَبَّاسُ ; فَإِنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، لَمْ يَصِلْ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَكَذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [وَهَذَا غَيْرُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ] (¬2) . ، وَكَانَ شَاعِرًا يَهْجُو النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَدْرَكَهُ فِي الطَّرِيقِ، وَكَانَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ هُوَ وَالْعَبَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ [لَمَّا انْكَشَفَ النَّاسُ آخِذَيْنِ بِبَغْلَتِهِ] (¬3) . . فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ مَرَاتِبُ الصَّحَابَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَأَخُّرِ مُعَاوِيَةَ وَأَمْثَالِهِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ عَمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعَلَى تَأَخُّرِ هَؤُلَاءِ عَنِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعَلَى أَنَّ الْبَدْرِيِّينَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ الْبَدْرِيِّينَ (¬4) . ، وَعَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ جَمَاهِيرِ هَؤُلَاءِ - لَمْ يُقَدَّمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ، فَكَيْفَ يُنْسَبُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ تَسْوِيَتُهُ بِمُعَاوِيَةَ، أَوْ تَقْدِيمُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِ؟ . نَعَمْ مَعَ مُعَاوِيَةَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ (¬5) . مِنَ الْمَرْوَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، كَالَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ وَأَتْبَاعِهِمْ بَعْدَهُمْ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ فِي قِتَالِهِ عَلَى الْحَقِّ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا، وَأَنَّ عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ كَانُوا إِمَّا ظَالِمِينَ وَإِمَّا مُجْتَهِدِينَ (¬6) مُخْطِئِينَ. وَقَدْ صُنِّفَ ¬

(¬1) ن، م: وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ; أ: وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ; ب: وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (و) (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬4) ن، م: مِنْ غَيْرِهِمْ (¬5) ن: كَبِيرَةٌ (¬6) أ، ب: كَانُوا ظَالِمِينَ أَوْ مُجْتَهِدِينَ

لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ مِثْلُ كِتَابِ " الْمَرْوَانِيَّةِ " الَّذِي صَنَّفَهُ الْجَاحِظُ (¬1) . ، وَطَائِفَةٌ وَضَعُوا لِمُعَاوِيَةَ فَضَائِلَ وَرَوَوْا أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ كُلُّهَا كَذِبٌ، وَلَهُمْ [فِي ذَلِكَ] (¬2) . حُجَجٌ طَوِيلَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا. وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مُخْطِئُونَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خَطَأُ الرَّافِضَةِ أَعْظَمُ [مِنْ خَطَئِهِمْ] (¬3) . . وَلَا يُمْكِنُ الرَّافِضَةَ أَنْ تَرُدَّ (¬4) . عَلَى هَؤُلَاءِ بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ، فَإِنَّ حُجَجَ الْإِمَامِيَّةِ مُتَنَاقِضَةٌ، يَحْتَجُّونَ بِالْحُجَجِ (¬5) . الَّتِي يَنْقُضُونَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيَحْتَجُّونَ بِالْحُجَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَوِ السَّمْعِيَّةِ مَعَ دَفْعِهِمْ لِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا، بِخِلَافِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّ حُجَجَهُمْ صَحِيحَةٌ مُطَّرِدَةٌ، كَالْمُسْلِمِينَ مَعَ [النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ] (¬6) . أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُمْكِنُ لِأَهْلِ (¬7) . السُّنَّةِ الِانْتِصَارُ لِعَلِيٍّ مِمَّنْ يَذُمُّهُ [وَيَسُبُّهُ] (¬8) . أَوْ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ كَانُوا أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُ، كَمَا يُمْكِنُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْصُرُوا الْمَسِيحَ (¬9) . مِمَّنْ كَذَّبَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ النَّصَارَى ¬

(¬1) يَنْقُلُ الْأُسْتَاذُ عَبْدُ السَّلَامِ هَارُونَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ " الْعُثْمَانِيَّةِ " لِلْجَاحِظِ (ص 9) عَنِ الْمَسْعُودِيِّ فِي كِتَابِهِ " مُرُوجِ الذَّهَبِ " (3/253) قَوْلَهُ: " ثُمَّ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْكِتَابِ الْمُتَرْجَمِ بِكِتَابِ الْعُثْمَانِيَّةِ حَتَّى أَعْقَبَهُ بِتَصْنِيفِ كِتَابٍ آخَرَ فِي إِمَامَةِ الْمَرْوَانِيَّةِ وَأَقْوَالِ شِيعَتِهِمْ ". وَلَمْ يَذْكُرْ بُرُوكِلْمَانَ هَذَا الْكِتَابَ ضِمْنَ كُتُبِ الْجَاحِظِ الْمَخْطُوطَةِ (¬2) فِي ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬3) مِنْ خَطَئِهِمْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬4) ن، م: أَنْ تَحْتَجَّ (¬5) و: بِالْحُجَّةِ (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ: (ن) ، (م) ، (و) (¬7) لِأَهْلِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَهْلِ (¬8) وَيَسُبُّهُ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬9) ب: أَنْ يَنْتَصِرُوا لِلْمَسِيحِ ; م: أَنْ يَنْتَصِرُوا الْمَسِيحَ

فَإِنَّهُمْ (¬1) . لَا يُمْكِنُهُمْ نَصْرُ قَوْلِهِمْ فِي الْمَسِيحِ بِالْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ عَلَى مَنْ كَذَّبَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْمُنْتَقِصُونَ لِعَلِيٍّ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ طَوَائِفُ: طَائِفَةٌ تُكَفِّرُهُ كَالْخَوَارِجِ، وَهَؤُلَاءِ يُكَفِّرُونَ مَعَهُ عُثْمَانَ وَجُمْهُورَ الْمُسْلِمِينَ، فَيُثْبِتُ أَهْلُ السُّنَّةِ إِيمَانَ عَلِيٍّ وَوُجُوبَ مُوَالَاتِهِ بِمِثْلِ مَا يُثْبِتُونَ بِهِ (¬2) . إِيمَانَ عُثْمَانَ وَوُجُوبَ مُوَالَاتِهِ. وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ (¬3) . . . أَفْضَلَ مِنْ مُعَاوِيَةَ،. لَكِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مُصِيبًا فِي قِتَالِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ مُصِيبًا فِي قِتَالِ مُعَاوِيَةَ. وَهَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ كَالَّذِينِ قَاتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ - أَوْ جُمْهُورُهُمْ -: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ إِمَامًا مُفْتَرَضَ الطَّاعَةِ (¬4) . لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ خِلَافَتُهُ بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِمَّنْ يَرَاهُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا فِي قِتَالِهِ، لَكِنْ يَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ الزَّمَانَ كَانَ زَمَانَ فِتْنَةٍ وَفُرْقَةٍ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِمَامُ جَمَاعَةٍ وَلَا خَلِيفَةٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ كَثِيرٌ (¬5) . مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْبَصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْأَنْدَلُسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ بِالْأَنْدَلُسِ كَثِيرٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يَذْهَبُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَى عَلِيٍّ، وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَقُولُونَ: لَمْ يَكُنْ ¬

(¬1) أ، ب: فَإِنَّهُ (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) أ: يَقُولُونَ وَإِنْ كَانَ ; ب: يَقُولُونَ عَلِيٌّ وَإِنْ كَانَ (¬4) ن: مُفْتَرَضٌ طَاعَتُهُ ; م: مُفْتَرَضَةٌ طَاعَتُهُ (¬5) أ، ب: قَالَ كَثِيرُونَ ; قَالَ جَمَاعَةٌ

خَلِيفَةً، وَإِنَّمَا (¬1) . الْخَلِيفَةَ مَنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ (¬2) . وَلَمْ يَجْتَمِعُوا (¬3) . عَلَى عَلِيٍّ، وَكَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُرَبِّعُ بِمُعَاوِيَةَ فِي خُطْبَةٍ (¬4) . الْجُمْعَةِ، فَيَذْكُرُ الثَّلَاثَةَ وَيُرَبِّعُ بِمُعَاوِيَةَ، وَلَا يَذْكُرُ عَلِيًّا، وَيَحْتَجُّونَ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ (¬5) . [بِالْمُبَايَعَةِ] (¬6) . لَمَّا بَايَعَهُ الْحَسَنُ، بِخِلَافِ عَلِيٍّ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ (¬7) . ، وَيَقُولُونَ لِهَذَا: رَبَّعْنَا بِمُعَاوِيَةَ (¬8) . ، لَا لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ، بَلْ عَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنْهُ، كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا خُلَفَاءَ. وَهَؤُلَاءِ قَدِ احْتَجَّ عَلَيْهِمُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ سَفِينَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» " وَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ (¬9) . فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ. وَتَكَلَّمَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ فِي أَحْمَدَ بِسَبَبِ هَذَا الْكَلَامِ، وَقَالَ: قَدْ أَنْكَرَ خِلَافَتَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ طَلْحَةُ (¬10) . وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا يُقَالُ (¬11) . فِيهِ هَذَا ¬

(¬1) وَإِنَّمَا: كَذَا فِي (و) ، (ر) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَإِنَّ (¬2) أ، ب: مَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ; ن، م، و، هـ، ص: مَنْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ر) (¬3) وَلَمْ يَجْتَمِعُوا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَمْ يُجْمِعُوا (¬4) ن، م، و: فِي خُطَبِ (¬5) اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ (¬6) بِالْمُبَايَعَةِ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ (¬7) لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهِ (¬8) ن، م، و: رَبَّعْنَا بِهِ (¬9) أ، ب: فِي الْخِلَافَةِ بِعَلِيٍّ (¬10) ن، م، هـ، ر، أ: كَطَلْحَةَ (¬11) أ، و، ر: مَنْ لَا يُقَالُ ; ن، م: وَلَا يُقَالُ

[الْقَوْلُ] (¬1) . . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ لَا يُذْكَرُ فِيهَا إِلَّا الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ. مِثْلُ مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا: " «أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا؟ " فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ (¬2) . فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ فَرَجَحَ عُمَرُ [بِعُثْمَانَ] (¬3) . ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» " (¬4) . . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رَأَى اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا نَوْطُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ» (¬5) \ 491. ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ (¬6) . : يَا رَسُولَ ¬

(¬1) الْقَوْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬2) ب (فَقَطْ) : فُوزْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ (¬3) بِعُثْمَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/490، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَأَنَّهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/44، 50 (¬5) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1 (¬6) ص، هـ: رَجُلًا رَأَى قَالَ ; ر: رَجُلًا رَأَى فَقَالَ

اللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا، فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَانْتَشَطَتْ (¬1) . فَانْتَضَحَ (¬2) . عَلَيْهِ مِنْهَا (¬3) شَيْءٌ» (¬4) .. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْخُلَفَاءُ ثَلَاثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ. وَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ النَّبَوِيَّةُ الصَّحِيحَةُ حَقٌّ كُلُّهُ، فَالْخِلَافَةُ (¬5) . التَّامَّةُ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، وَقُوتِلَ بِهَا الْكَافِرُونَ، وَظَهَرَ بِهَا الدِّينُ، كَانَتْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَخِلَافَةُ عَلِيٍّ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا زِيَادَةُ قُوَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، [وَلَا قَهْرٌ] (¬6) . وَنَقْصٌ لِلْكَافِرِينَ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي أَنَّ عَلِيًّا كَانَ خَلِيفَةً رَاشِدًا مَهْدِيًّا، وَلَكِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ كَمَا تَمَكَّنَ غَيْرُهُ، وَلَا أَطَاعَتْهُ الْأُمَّةُ كَمَا أَطَاعَتْ غَيْرَهُ، فَلَمْ يَحْصُلْ فِي زَمَنِهِ مِنَ الْخِلَافَةِ التَّامَّةِ الْعَامَّةِ مَا حَصَلَ فِي زَمَنِ الثَّلَاثَةِ، مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُصِيبًا فِي قِتَالِهِ لَهُ (¬7) . ، ¬

(¬1) ن، و: فَانْبَسَطَتْ ; م: فَانْبَسَطَ (¬2) أ: فَنَضَحَ ; ب: وَانْتَضَحَ (¬3) مِنْهَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِنْهُ. (¬4) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/514 515 (¬5) ن، م، هـ: وَالْخِلَافَةُ (¬6) وَلَا قَهْرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ب)

وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1) ، فِي قِتَالِهِ لِمُعَاوِيَةَ، فَقَوْلُهُمْ أَضْعَفُ مِنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ. وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ طَالِبًا (¬2) . بِدَمِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ هُوَ ابْنُ عَمِّهِ وَوَلِيُّهُ، وَبَنُو عُثْمَانَ وَسَائِرُ عَصَبَتِهِ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَطَلَبُوا مِنْ عَلِيٍّ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَوْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْهِمْ، فَامْتَنَعَ عَلِيٌّ مِنْ ذَلِكَ، فَتَرَكُوا مُبَايَعَتَهُ فَلَمْ (¬3) . يُقَاتِلُوهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ فَقَاتَلُوهُ دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَبِلَادِهِمْ. قَالُوا: وَكَانَ عَلِيٌّ بَاغِيًا عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَمَّارٍ: " «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " (¬4) فَبَعْضُهُمْ ضَعَّفَهُ، وَبَعْضُهُمْ تَأَوَّلَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ: الطَّالِبَةُ (¬5) . لِدَمِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كَمَا قَالُوا: نَبْغِي ابْنَ عَفَّانَ بِأَطْرَافِ الْأَسَلِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ (¬6) . : مَا يُرْوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا ذُكِرَ (¬7) . لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ: أَوَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ حَيْثُ أَلْقَوْهُ بَيْنَ أَسْيَافِنَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ هَذَا التَّأْوِيلُ، فَقَالَ: فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ يَكُونُونَ حِينَئِذٍ قَدْ قَتَلُوا حَمْزَةَ وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ؛ لِأَنَّهُ قَاتَلَ مَعَهُمُ الْمُشْرِكِينَ. ¬

(¬1) مُصِيبًا ن، م، ر، ص، هـ، و: وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُصِيبًا (¬2) أ، ب: طَالِبًا دَمَ (¬3) ب (فَقَطْ) : وَلَمْ (¬4) انْظُرِ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ، ص 413 420. (¬5) أ: الْمُطَالِبَةُ ; ص: الطِّلْبَةُ (¬6) أ، ب: قَالُوا (¬7) أ، ب: لَمَّا ذَكَرُوا

وَهَذَا الْقَوْلُ لَا أَعْلَمُ لَهُ قَائِلًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَكِنْ هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْمَرْوَانِيَّةِ (¬1) . وَمَنْ وَافَقَهُمْ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا (¬2) . شَارَكَ فِي دَمِ عُثْمَانَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ (¬3) . أَمَرَ عَلَانِيَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ (¬4) . : أَمَرَ سِرًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ رَضِيَ بِقَتْلِهِ وَفَرِحَ بِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَافْتِرَاءٌ عَلَيْهِ (¬5) . ، فَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُشَارِكْ (¬6) . فِي دَمِ عُثْمَانَ وَلَا أَمَرَ وَلَا رَضِيَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ (¬7) . - أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا قَتَلْتُ وَلَا رَضِيتُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَصْحَابَ مُعَاوِيَةَ يَلْعَنُونَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالسَّهْلِ وَالْجَبَلِ. وَرُوِيَ أَنَّ أَقْوَامًا (¬8) . شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزُّورِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّهُ شَارَكَ فِي دَمِ عُثْمَانَ (¬9) . ، وَكَانَ هَذَا مِمَّا دَعَاهُمْ إِلَى تَرْكِ مُبَايَعَتِهِ لِمَا اعْتَقَدُوا أَنَّهُ ظَالِمٌ وَأَنَّهُ (¬10) . مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ آوَى قَتَلَةَ عُثْمَانَ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ. ¬

(¬1) و: قَوْلُ آخَرِينَ مِنَ الْمَرْوَانِيَّةِ (¬2) عِبَارَةُ " إِنَّ عَلِيًّا " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬3) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) (¬4) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) فَقَطْ (¬5) ن، م: كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى عَلِيٍّ (¬6) ن، م، و: لَمْ يَشْرَكْ (¬7) ن، م: وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ الْبَارُّ (¬8) أ، ب: أَنَّ نَاسًا (¬9) ن، م، و: فِي قَتْلِ عُثْمَانَ (¬10) وَأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب)

وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ [مِمَّا] (¬1) . يُبَيِّنُ شُبْهَةَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ، وَوَجْهَ اجْتِهَادِهِمْ فِي قِتَالِهِ (¬2) . ، لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُصِيبِينَ فِي تَرْكِ مُبَايَعَتِهِ وَقِتَالِهِ ; وَكَوْنُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ مِنْ رَعِيَّتِهِ لَا يُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ (¬3) . ، وَقَدِ اعْتَذَرَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ (¬4) . لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْقَتَلَةَ بِأَعْيَانِهِمْ، أَوْ بِأَنَّهُ كَانَ (¬5) . لَا يَرَى قَتْلَ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عِنْدَهُ وَلِيُّ الدَّمِ دَعْوًى تُوجِبُ الْحُكْمَ لَهُ. وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذِهِ الْأَعْذَارِ (¬6) . ، بَلْ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ مَعَ تَفَرُّقِ النَّاسِ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَّا بِفِتْنَةٍ تَزِيدُ الْأَمْرَ شَرًّا وَبَلَاءً، وَدَفْعُ أَفْسَدِ الْفَاسِدَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَسْكَرًا، وَكَانَ لَهُمْ قَبَائِلُ تَغْضَبُ لَهُمْ، وَالْمُبَاشِرُ مِنْهُمْ لِلْقَتْلِ ن، م: الْقَتْلِ. - وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا - فَكَانَ رِدْؤُهُمْ (¬7) ". أَهْلَ الشَّوْكَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَتَمَكَّنُوا. وَلَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيَقْتُلُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ، قَامَ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَرْبٌ قُتِلَ فِيهَا (¬8) . خَلْقٌ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَجْمَعَ (¬9) . النَّاسُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ، ¬

(¬1) مِمَّا زِيَادَةٌ فِي (ص) ، (ب) (¬2) ن: فِي قَتْلِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَعِبَارَةُ " فِي قِتَالِهِ " مِنْ (و) (¬3) ن، م: أَنَّهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لَهُمْ ; ص: أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمْ (¬4) أ، ب: أَنَّهُ (¬5) أ، ب: أَوْ كَانَ ; هـ: أَوْ أَنَّهُ كَانَ (¬6) ن، م، أ: إِلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ (¬7) ن، م، أ، و: رَدُّهُمْ ; ب: رَدَّاهُ. وَفِي " الْقَامُوسِ الْمُحِيطِ ": " الرِّدْءُ (بِالْكَسْرِ) : الْعَوْنُ (¬8) أ، ب: فِيهِ (¬9) ب: (فَقَطْ) : اجْتَمَعَ

وَصَارَ أَمِيرًا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ (¬1) . يَقْتُلْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ بَقَوْا (¬2) . بَلْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ [لَمَّا] (¬3) . قَدِمَ الْمَدِينَةَ (¬4)) . حَاجًّا فَسَمِعَ الصَّوْتَ فِي دَارِ (¬5) . عُثْمَانَ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَاهُ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَاهُ " (¬6) . ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: بِنْتُ عُثْمَانَ تَنْدُبُ عُثْمَانَ. فَصَرَفَ (¬7) . النَّاسَ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَيْهَا فَقَالَ: يَا ابْنَةَ عَمِّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ بَذَلُوا لَنَا الطَّاعَةَ عَلَى كُرْهٍ، وَبَذَلْنَا لَهُمْ حِلْمًا عَلَى غَيْظٍ، فَإِنْ رَدَدْنَا حِلْمَنَا رَدُّوا طَاعَتَهُمْ؛ وَلَأَنْ تَكُونِي بِنْتَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونِي وَاحِدَةً مِنْ عُرْضِ النَّاسِ، فَلَا أَسْمَعَنَّكِ بَعْدَ الْيَوْمِ ذَكَرْتِ عُثْمَانَ. فَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، الَّذِي يَقُولُ الْمُنْتَصِرُ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ مُصِيبًا فِي قِتَالِ عَلِيٍّ، لِأَنَّهُ كَانَ طَالِبًا لِقَتْلِ (¬8) . قَتَلَةَ عُثْمَانَ، لَمَّا (¬9) . تَمَكَّنَ وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ لَمْ يَقْتُلْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ. فَإِنْ كَانَ قَتْلُهُمْ وَاجِبًا، وَهُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، كَانَ فِعْلُهُ بِدُونِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَاتِلَ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَلَوْ قَتَلَ مُعَاوِيَةُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ لَمْ يَقَعْ مِنَ الْفِتْنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ لَيَالِيَ ¬

(¬1) أ، ب: لَمْ (¬2) أ، ب: بَغَوْا (¬3) لَمَّا: فِي (أ) ، (ب) . فَقَطْ (¬4) الْمَدِينَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ص) ، (هـ (¬5) ن، م: فِي ذِكْرِ (¬6) عِبَارَةُ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَاهُ " الثَّانِيَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬7) ن، و، أ: فَضَرَبَ (¬8) ر، ص، هـ: لِيَقْتُلَ (¬9) ر، ص، هـ: فَلَمَّا

صِفِّينَ. وَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مَعْذُورًا فِي كَوْنِهِ لَمْ يَقْتُلْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ إِمَّا (¬1) . لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ وَتَفْرِيقِ (¬2) . الْكَلِمَةِ وَضَعْفِ سُلْطَانِهِ، فَعَلِيٌّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا [أَكْثَرَ] (¬3) . مِنْ مُعَاوِيَةَ، إِذْ كَانَتِ الْفِتْنَةُ وَتَفْرِيقُ (¬4) الْكَلِمَةِ وَضَعْفُ سُلْطَانِهِ بِقَتْلِ الْقَتَلَةِ لَوْ سَعَى فِي ذَلِكَ أَشَدَّ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ قَتْلَ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ الَّذِينَ قُتِلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ كَانَ صَوَابًا مِنْهُ لِأَجْلِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَقَتْلُ مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ صَوَابًا، وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمَّا تَوَلَّى (¬5) . ، وَلَمْ يَقْتُلْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْفِتَنَ إِنَّمَا يُعْرَفُ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ إِذَا أَدْبَرَتْ. فَأَمَّا إِذَا أَقْبَلَتْ فَإِنَّهَا تُزَيَّنُ، وَيُظَنُّ أَنَّ فِيهَا خَيْرًا، فَإِذَا ذَاقَ النَّاسُ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ وَالْمَرَارَةِ وَالْبَلَاءِ، صَارَ ذَلِكَ مُبَيِّنًا لَهُمْ مَضَرَّتَهَا، وَوَاعِظًا لَهُمْ أَنْ يَعُودُوا فِي مِثْلِهَا. كَمَا أَنْشَدَ [بَعْضُهُمْ] (¬6) .: - الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةٌ ... تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ... وَلَّتْ (¬7) . عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ (¬8) . ¬

(¬1) إِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬2) ر، ص، هـ، ب: وَتَفَرُّقِ (¬3) أَكْثَرَ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ (¬4) ر، ص، هـ: إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ وَتَفَرُّقُ. . . ; ن، م، و: إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ وَتَفَرُّقُ الْكَلِمَةِ. (¬5) ر، هـ: لَمَّا تَوَلَّى ذَلِكَ (¬6) بَعْضُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . وَفِي (أ) : كَمَا أَنْشَدُوا (¬7) ب (فَقَطْ) : عَادَتْ (¬8) ن، و: خَلِيلِ

شَمْطَاءَ يُنْكَرُ (¬1) . لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ (¬2) . مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ (¬3) .. وَالَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْفِتْنَةِ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ لَمْ يَعْرِفُوا مَا فِي الْقِتَالِ مِنَ الشَّرِّ، وَلَا عَرَفُوا مَرَارَةَ الْفِتْنَةِ حَتَّى وَقَعَتْ، وَصَارَتْ (¬4) . عِبْرَةً لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ. وَمَنِ اسْتَقْرَأَ أَحْوَالَ الْفِتَنِ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مَا دَخَلَ فِيهَا أَحَدٌ فَحَمِدَ عَاقِبَةَ دُخُولِهِ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الضَّرَرِ فِي دِينِهِ، وَدُنْيَاهُ (¬5) . . وَلِهَذَا كَانَتْ مِنْ بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْهَا مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ، الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: " إِنَّ عَلِيًّا بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ ". قِيلَ لَهُ (¬6) . : وَهُمْ أَوَّلًا امْتَنَعُوا (¬7) . مِنْ طَاعَتِهِ وَمُبَايَعَتِهِ، وَجَعَلُوهُ ظَالِمًا مُشَارِكًا (¬8) . فِي دَمِ (¬9) . عُثْمَانَ، وَقَبِلُوا عَلَيْهِ شَهَادَةَ الزُّورِ، وَنَسَبُوهُ إِلَى مَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ. وَإِذَا قِيلَ (¬10) . : هَذَا وَحْدَهُ لَمْ يُبِحْ لَهُ (¬11) . قِتَالَهُمْ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : تُنْكَرُ (¬2) ن: يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَحَدِيثُهَا وَتَغَيَّرَتْ ; م، ر، هـ: يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَحَدِيثُهَا (¬3) هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الزُّبَيْدِيِّ، وَجَاءَتْ فِي دِيوَانِهِ ص 156 157، صَنَعَهُ هَاشِمٌ الطَّعَّانُ، (ط. بَغْدَادَ) 1390/1970 مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْأَبْيَاتِ (¬4) ر، ص، هـ، و: فَصَارَتْ (¬5) ر، ص، هـ، و: أَوْ دُنْيَاهُ (¬6) ن، م، هـ، أ: قِيلَ لَهُمْ ; ب: فَقَدْ قِيلَ لَهُ (¬7) ن، م، و: امْتَنَعُوا أَوَّلًا (¬8) ص: مُشْرَكًا (¬9) ن، م، و، هـ، ص: فِي قَتْلِ (¬10) ن، م: وَإِنْ قَالُوا (¬11) ب (فَقَطْ) : لَا يُبِيحُ لَهُ

قِيلَ: وَلَا كَانَ قِتَالُهُ مُبَاحًا لِكَوْنِهِ عَاجِزًا عَنْ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، بَلْ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَقُدِّرَ أَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْوَاجِبَ: إِمَّا مُتَأَوِّلًا وَإِمَّا مُذْنِبًا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا لِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَالِامْتِنَاعِ عَنْ مُبَايَعَتِهِ، وَلِمُقَاتَلَتِهِ ن: وَمُقَاتَلَتِهِ. ، بَلْ كَانَتْ مُبَايَعَتُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ (¬1) . ، أَصْلَحَ فِي الدِّينِ، وَأَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَطْوَعَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنْ تَرْكِ مُبَايَعَتِهِ. فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ» " (¬2) .. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي: عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ، وَمَنْشَطِهِ وَمَكْرَهِهِ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» " (¬3) .. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «بَايَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ: فِي يُسْرِنَا وَعُسْرِنَا، وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ - أَوْ نَقُومَ - بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا (¬4) . ، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» " (¬5) . . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ ¬

(¬1) ر، ص، هـ، و: تَقْدِيرٍ (¬2) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا سَبَقَ 3/161 162 (¬3) أَدْمَجَ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَصُّهُ: " عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ ". وَالْحَدِيثُ الثَّانِي هُوَ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ التَّالِي لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَمَضَى الْحَدِيثَانِ مِنْ قَبْلُ 1/119، 1/563 564 (¬4) ص، ب: حَيْثُ كُنَّا (¬5) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا سَبَقَ 1/118، 1/563 564

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرٍ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ [فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ] (¬1) . فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ [مِيتَةٌ] (¬2) . جَاهِلِيَّةٌ» " (¬3) \ 113.. وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (¬4) . - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» " (¬5) \ 561.. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (¬6)) . : " «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (¬7) . ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ لَا يُبَايِعُ إِمَامًا إِلَّا لِدُنْيَا: إِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ» . . " الْحَدِيثَ. (¬8) . . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (و) فَقَطْ (¬2) مِيتَةٌ: زِيَادَةٌ فِي (ص) ، (ب) فَقَطْ (¬3) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1 (¬4) أ، ب: عَنِ ابْنِ عُمَرَ (¬5) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/111، 1 (¬6) أَنَّهُ قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب (¬7) عِبَارَةُ " يَوْمَ الْقِيَامَةِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) (¬8) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/178. (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ) وَنَصُّهُ: " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ يُرِيدُ: وَفَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا ". وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/110 111 (كِتَابُ الشُّرْبِ وَالْمُسَاقَاةِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنَ الْمَاءِ) . 9/79 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنْ بَايَعَ رَجُلًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا) ; مُسْلِمٍ 1 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ غِلَظِ تَحْرِيمِ إِسْبَالِ الْإِزَارِ وَالْمَنِّ بِالْعَطِيَّةِ. .) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/217 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ الْحَلِفِ الْوَاجِبِ لِلْخَدِيعَةِ فِي الْبَيْعِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/180

وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» " (¬1) \ 382.. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَدْ بَايَعَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ (¬2) . ، وَلَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْخِلَافَةِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ رَاشِدٌ تَجِبُ طَاعَتُهُ. [وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَتْلَ الْقَاتِلِ إِنَّمَا شُرِعَ عِصْمَةً لِلدِّمَاءِ، فَإِذَا أَفْضَى قَتْلُ الطَّائِفَةِ الْقَلِيلَةِ إِلَى قَتْلِ أَضْعَافِهَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا طَاعَةً وَلَا مَصْلَحَةً، وَقَدْ قُتِلَ بِصِفِّينَ أَضْعَافُ أَضْعَافِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ] (¬3) .. وَأَيْضًا فَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، تَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ» " (¬4) \ 306. يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ أَدْنَى إِلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ، [فَلَا يَكُونُ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ فِي قِتَالِهِمْ لِعَلِيٍّ أَدْنَى إِلَى الْحَقِّ] (¬5) .. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَمَّارِ [بْنِ يَاسِرٍ] (¬6) . ت: " «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " قَدْ رَوَاهُ ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 3 (¬2) أ، ب، ر، ص، هـ: أَهْلُ الْكُوفَةِ بِالْمَدِينَةِ ; و: أَهْلُ الشَّوْكَةِ بِالْمَدِينَةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1 (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬6) بْنِ يَاسِرٍ: زِيَادَةٌ فِي (م)

مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، لَكِنْ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ لَمْ يَذْكُرْهُ تَامًّا (¬1) . . وَأَمَّا تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: أَنَّ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ قَتَلُوهُ، وَأَنَّ الْبَاغِيَةَ الطَّالِبَةُ بِدَمِ عُثْمَانَ ; فَهَذَا مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الظَّاهِرَةِ الْفَسَادِ، الَّتِي يَظْهَرُ فَسَادُهَا لِلْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ. وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ، فَآخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ تَصْحِيحُهُ (¬2) .. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ [فِي الْمَكِّيِّينَ] (¬3) . فِي مُسْنَدِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، لَمَّا ذَكَرَ أَخْبَارَ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَمَّارٍ: " «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " فَقَالَ أَحْمَدُ: قَتَلَتْهُ (¬4) . الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ: فِي هَذَا غَيْرُ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: 1 (¬5) . " حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ [الْمُخْتَارِ] (¬6) . ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 405 وَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ فِي الصَّفَحَاتِ التَّالِيَةِ (¬2) أ، ب،: أَنَّهُ صَحَّحَهُ (¬3) فِي الْمَكِّيِّينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) . وَفِي (و) : فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرَ سِزْكِينُ أَنَّهُ: " لَمْ يَصِلْ إِلَيْنَا مِنْهُ إِلَّا الْجُزْءُ الْعَاشِرُ بِعُنْوَانِ " مُسْنَدُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " وَذَلِكَ بِالْمَكْتَبَةِ الْخَاصَّةِ بِسَامِي حَدَّادٍ فِي بَيْرُوتَ (25 وَرَقَةً) وَنُسْخَةٌ مُصَوَّرَةٌ بِالْقَاهِرَةِ، مُلْحَقٌ 3/60 61 تَحْتَ رَقْمِ 19060، وَطُبِعَ فِي بَيْرُوتَ سَنَةَ 1940 م " (¬4) هـ: فَقَالَ قَتَلَتْهُ، ن، م: قَالَ أَحْمَدُ قَتَلَتْهُ (¬5) \ 93 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ) وَسَأُقَابِلُ الْكَلَامَ التَّالِيَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (¬6) الْمُخْتَارِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . وَفِي الْبُخَارِيِّ: مُخْتَارٌ

«قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِابْنِهِ (¬1) . : انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ وَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، حَتَّى أَتَى عَلَى ذِكْرِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: " وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ " قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ» . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ 4 (¬2)) .، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (¬3) ". ، لَكِنْ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ لَا يُذْكَرُ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ، بَلْ فِيهَا: " «وَيْحَ عَمَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» ". وَلَكِنْ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ هِيَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: " قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ". وَظَنَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرِ الزِّيَادَةَ، وَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ يَسْمَعْهَا ¬

(¬1) الْبُخَارِيِّ: وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ (¬2) \ 21 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَسْحِ الْغُبَارِ عَنِ الرَّأْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْأَصْلِ: عَنِ النَّاسِ فِي السَّبِيلِ وَالتَّصْحِيحُ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي 6 (¬3) فِي الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ، فَلَمَّا رَآنَا جَاءَ فَاحْتَبَى وَجَلَسَ، فَقَالَ: كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ، وَقَالَ " وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ

أَبُو سَعِيدٍ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنْ حَدَّثَهُ بِهَا أَصْحَابُهُ، مِثْلُ أَبِي قَتَادَةَ (¬1) .. كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (¬2) . مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (¬3) . ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: أَبُو قَتَادَةَ (¬4) . ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَمَّارٍ: " «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ". وَفِي حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ فَتَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِاللَّهِ» " (¬5) .. وَكَانَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. قَالَ: فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنْ جِئْتُ إِلَى أَصْحَابِي وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «وَيْحَكَ ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " (¬6) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ ¬

(¬1) انْظُرِ: السُّنَنَ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ 8/189، وَلَمْ أَجِدْ نَصَّ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ (¬2) الْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 4/2235 - 2236 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ. .) (¬3) فِي مُسْلِمٍ 4/2235: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى) قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. . . إِلَخْ (¬4) عِبَارَةُ " أَبُو قَتَادَةَ " لَيْسَتْ فِي حَدِيثِ رَقْمِ 70 فِي الْبَابِ وَلَكِنَّهَا وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ التَّالِي لَهُ رَقْمِ 71 (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ 1/306، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي مُسْلِمٍ وَسَنَدُهَا فِيهِ 2/746: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " تَمْرُقُ مَارِقَةٌ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَيَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ " (¬6) لَيْسَ هَذَا لَفْظَ مُسْلِمٍ وَلَكِنِ الْحَدِيثُ رَقْمُ 70 فِيهِ لَفْظُهُ " بُؤْسَ ابْنِ سُمَيَّةَ، تَقْتُلُكَ فِئَةٌ بَاغِيَةٌ " وَالْحَدِيثُ رَقْمُ 71 فِيهِ نَحْوُهُ وَلَكِنْ فِيهِ: " وَيْسَ " أَوْ يَقُولُ: " يَا وَيْسَ ابْنِ سُمَيَّةَ ". وَوَجَدْتُ الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهَذَا اللَّفْظِ تَقْرِيبًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/5

فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " (¬1) . . وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، وَالْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِمَا (¬2) . ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (¬3) . . وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ (¬4) .. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَهُ يَوْمَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ مَرَّتَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ (¬5) . ، وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ (¬6) -. ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ نَفْسِهِ (¬7) . . وَأَسَانِيدُ هَذِهِ مُقَارِبَةٌ (¬8) . . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى وَاهِيَةٍ. وَفِي الصَّحِيحِ مَا يُغْنِي عَنْ غَيْرِهِ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ هُوَ الْحَدِيثُ رَقْمُ 73 فِي: مُسْلِمٍ، وَلَمْ أَعْرِفْ مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي النَّسَائِيِّ (¬2) ن، م: عَنْ أُمِّهِ (¬3) الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ هُوَ الْحَدِيثُ رَقْمُ 72 فِي مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ " تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ " (¬4) النَّصُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ فِي الْحَدِيثِ رَقْمِ 70 فِي مُسْلِمٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ (¬5) فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 6499، 6500، 6538، 6926، 6927 وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا (¬6) لَمْ أَعْرِفْ مَكَانَ حَدِيثِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬7) فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/197، 199 (¬8) أ، ب: مُتَقَارِبَةٌ

وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬1) ، وَالَّذِينَ قَتَلُوهُ هُمُ الَّذِينَ بَاشَرُوا قَتْلَهُ. وَالْحَدِيثُ أَطْلَقَ فِيهِ لَفْظَ " الْبَغْيِ " لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَفْعُولٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} سُورَةُ الْكَهْفِ، وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعٌ لَا يَبْغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا» " (¬2) .. وَلَفْظُ الْبَغْيِ إِذَا أُطْلِقَ فَهُوَ الظُّلْمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ((¬3)) سُورَةُ الْحُجُرَاتِ وَقَالَ: ((¬4)) سُورَةُ الْبَقَرَةِ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/333 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَفْظُهُ: " أَبْشِرْ يَا عَمَّارُ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي الْيُسْرِ وَحُذَيْفَةَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ". وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي (سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 2/269 (رَقْمِ 710) وَتَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 3/5، 22، 28، 90 91، 5/306، 307 وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ 5/214 215 وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - 6/289 290، 300، 311، 315. وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ مَكَانَهُ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ وَحِلْيَةِ أَبِي نُعَيْمٍ وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ وَتَارِيخِ الْخَطِيبِ. (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: 4/2197 2199 (كِتَابِ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابِ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ) وَنَصُّهُ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: " «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا. كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ» . . . الْحَدِيثَ وَفِيهِ. . . وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا وَلَا يَبْغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا. . . الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ مُسْلِمٌ لَهُ طَرِيقًا آخَرَ جَاءَ فِيهِ: " «وَهُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا» ". وَمَعْنَى لَا زَبْرَ لَهُ: أَيْ لَا عَقْلَ لَهُ يَزْبُرُهُ وَيَمْنَعُهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي (¬3) {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} (¬4) {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}

وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ هَذَا لَمَّا كَانُوا يَنْقُلُونَ اللَّبِنَ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَكَانُوا يَنْقُلُونَ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» " (¬1) . . وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذَمٌّ لِعَمَّارٍ، بَلْ مَدْحٌ لَهُ. وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُونَ لَهُ مُصِيبِينَ فِي قَتْلِهِ لَمْ يَكُنْ مَدْحًا لَهُ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِهِمْ يَطْلُبُونَ دَمَ عُثْمَانَ مَا يُوجِبُ مَدْحَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ تَأَوَّلَ قَاتِلَهُ (¬2) . بِأَنَّهُمُ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَاتَلَ مَعَهَا، فَتَأْوِيلُهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَيَلْزَمُهُمْ مَا أَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ عَلِيٌّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ قَدْ قَتَلُوا كُلَّ مَنْ قُتِلَ مَعَهُمْ فِي الْغَزْوِ، كَحَمْزَةَ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: فُلَانٌ قَتَلَ فَلَانًا، إِذَا أَمَرَهُ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، وَلَكِنَّ هَذَا مَعَ الْقَرِينَةِ، لَا يُقَالُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، بَلِ الْقَاتِلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الَّذِي قَتَلَهُ دُونَ الَّذِي أَمَرَهُ. ثُمَّ هَذَا يُقَالُ لِمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ، وَعَمَّارٌ لَمْ يَأْمُرْهُ أَحَدٌ بِقِتَالِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ، بَلْ [هُوَ] كَانَ مِنْ (¬3) أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَأَشَدِّهِمْ رَغْبَةً فِي ذَلِكَ، وَكَانَ حِرْصُهُ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ حِرْصِ غَيْرِهِ، وَكَانَ هُوَ يَحُضُّ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ عَلَى قِتَالِهِمْ. وَلِهَذَا لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ تُذْكَرُ مَقَالَاتُهُمْ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، بَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَطَائِفَةٌ ضَعَّفَتْهُ لِمَا رُوِيَ عِنْدَهَا بِأَسَانِيدَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً عِنْدَهُمْ، وَلَكِنْ رَوَاهُ أَهْلُ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 415 (¬2) ن، م: تَأَوَّلَ قَوْلِي (¬3) ن، م: وَعَمَّارٌ لَمْ يَأْمُرْ غَيْرَهُ بِقِتَالِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ بَلْ كَانَ هُوَ مِنْ. . .

الصَّحِيحِ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَمِنْ حَدِيثِ] أَبِي سَعِيدٍ (¬1) . . عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ بُغَاةٌ، وَأَنَّ قِتَالَ عَلِيٍّ لَهُمْ قِتَالُ أَهْلِ الْعَدْلِ لِأَهْلِ الْبَغْيِ، لَكِنَّهُمْ بُغَاةٌ مُتَأَوِّلُونَ لَا يُكَفَّرُونَ وَلَا يُفَسَّقُونَ. وَلَكِنْ يُقَالُ: لَيْسَ فِي مُجَرَّدِ كَوْنِهِمْ بُغَاةً مَا يُوجِبُ الْأَمْرَ بِقِتَالِهِمْ ; فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ كُلِّ بَاغٍ، بَلْ وَلَا أَمَرَ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنْ قَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سُورَةُ الْحُجُرَاتِ، فَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ ابْتِدَاءً، بَلْ أَمَرَ إِذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا إِذَا كَانَتَا بَاغِيَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا بَاغِيَةً. ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} قَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ بِهِ الْبَغْيُ بَعْدَ الْإِصْلَاحِ، وَلَكِنَّ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ ; فَإِنَّ قَوْلَهُ: {بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} يَتَنَاوَلُ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ، سَوَاءٌ أُصْلِحَ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يُصْلَحْ. كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ ¬

(¬1) ن، م، و: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ; هـ: عَنْ أُمِّ مَسْلَمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ

بِالْإِصْلَاحِ يَتَنَاوَلُ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ (¬1) . مُطْلَقًا ; فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَمْرٌ بِقِتَالِ الْبَاغِي (¬2) . ابْتِدَاءً، لَكِنْ أَمَرَ إِذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ إِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بَعْدَ الْقِتَالِ أَنْ تُقَاتَلَ حَتَّى تَفِيءَ. وَهَذَا يَكُونُ إِذَا لَمْ تُجِبْ إِلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَإِذَا (¬3) . أَجَابَتْ إِلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا لَمْ تُقَاتَلْ، فَلَوْ قُوتِلَتْ ثُمَّ فَاءَتْ إِلَى الْإِصْلَاحِ لَمْ تُقَاتَلْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فَأَمَرَ بَعْدَ الْقِتَالِ إِلَى أَنْ تَفِيءَ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَنْ يُقْسَطَ. وَقِتَالُ الْفِتْنَةِ لَا يَقَعُ فِيهِ هَذَا، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْقِتَالِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنْ أَمَرَ * إِذَا اقْتَتَلُوا وَبَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ. وَقَدْ تَكُونُ الْآيَةُ أَمْرًا * (¬4) . بِالْإِصْلَاحِ (¬5) . وَقِتَالُ الْبَاغِيَةِ جَمِيعًا لَمْ يَأْمُرْ بِأَحَدِهِمَا، وَقَدْ تَكُونُ الطَّائِفَةُ بَاغِيَةً ابْتِدَاءً، لَكِنْ لَمَّا بَغَتْ أَمَرَ بِقِتَالِهَا، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنِ الْمُقَاتِلُ لَهَا قَادِرًا لِعَدَمِ الْأَعْوَانِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ عَاجِزًا ابْتِدَاءً عَنْ قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ، أَوْ عَاجِزًا عَنْ قِتَالٍ تَفِيءُ فِيهِ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِتَالِ كَانَ قَادِرًا عَلَى قِتَالٍ يَفِئُ فِيهِ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَإِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ قِتَالِهَا حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِقِتَالِهَا: لَا أَمْرَ إِيجَابٍ وَلَا أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ، وَلَكِنْ قَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَادِرٌ ¬

(¬1) أ، هـ: الْمُقْتَتِلِينَ (¬2) ن، م، و، ر: أَمْرٌ يَتَنَاوَلُ الْبَاغِيَ (¬3) أ، ب: وَأَمَّا إِذَا ; ص: وَأَمَّا مَا إِذَا (¬4) (*. *) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) ن، م: وَقَدْ تَكُونُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ

عَلَى ذَلِكَ، فَتَبَيَّنَ (¬1) . لَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا. فَهَذَا مِنَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يُثَابُ صَاحِبُهُ عَلَى حُسْنِ الْقَصْدِ وَفِعْلِ مَا أُمِرَ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ، لَيْسَ مِنَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرَانِ ; فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا وَافَقَ حُكْمَ اللَّهِ فِي الْبَاطِنِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» " (¬2) . . وَمِنَ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْأَمْرِ - أَوْ نَائِبُهُ - مُخَيَّرًا بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ (¬3) .، تَخْيِيرُ تَحَرٍّ لِلْإِصْلَاحِ، لَا تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ، كَمَا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ (¬4) . وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ. وَكَذَلِكَ تَخْيِيرُ مَنْ نَزَلَ الْعَدُوُّ عَلَى حُكْمِهِ، كَمَا نَزَلَ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلَهُ حُلَفَاؤُهُمْ مِنَ الْأَوْسِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ كَمَا مَنَّ عَلَى بَنِي النَّضِيرِ حُلَفَاءِ الْخَزْرَجِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - ¬

(¬1) هـ، ر، ص، ب: فَيُبَيَّنُ (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/108 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ، بَابُ أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ) ; مُسْلِمٍ 5/131 132 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ بَيَانِ أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ. .) وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِيهِمَا: " إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 11/39 40 (رَقْمُ 6755) وَفِي مُسْنَدِ عَمْرٍو (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/198 - 205. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر فِي تَعْلِيقِهِ 11/41: " وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (ص. 510) وَالْحَاكِمُ (4: 88 " (¬3) ن، م: فَالْأَكْثَرُ (¬4) أ، ب: بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَتْلِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ أُحَكِّمَ فِيهِمْ (¬1) . سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيِّدَ الْأَوْسِ؟ " فَرَضِيَتِ الْأَوْسُ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَجَاءَ وَهُوَ رَاكِبٌ، وَكَانَ مُتَمَرِّضًا مِنْ أَثَرِ جُرْحٍ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ نِصْفُ نَهَارٍ (¬2) . أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَقْبَلَ سَعْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ " [فَقَامُوا] (¬3) . وَأَقَارِبُهُ فِي الطَّرِيقِ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ، وَيُذَكِّرُونَهُ بِمُعَاوَنَتِهِمْ (¬4) . وَنَصْرِهِمْ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ: لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ، فَحَكَمَ بِأَنْ (¬5) . تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ» ". وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬6) .. وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ (¬7) . عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ (¬8) . عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ; فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ، ¬

(¬1) ص: أَنْ أُحَكِّمَ فِيكُمْ ; أ: يَحْكُمَ فِيكُمْ (¬2) أ، ب: نِصْفُ يَوْمٍ (¬3) فَقَامُوا: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ (¬4) ص، هـ، ر، م، ب: مُعَاوَنَتَهُمْ (¬5) ر، هـ: فَحَكَمَ فِيهِمْ بِأَنْ. وَسَقَطَتْ فَحَكَمَ مِنْ (ص) (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ (¬7) ص، ب: تَنْزِلَ لَهُمْ (¬8) ص، ب: فَلَا تَنْزِلْ لَهُمْ

وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ (¬1) . عَلَى حُكْمِكَ وَحُكْمِ أَصْحَابِكَ» " (¬2) . فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ [الصَّحِيحَانِ] عَلَى أَنَّ لِلَّهِ حُكْمًا مُعَيَّنًا فِيمَا يَكُونُ وَلِيُّ الْأَمْرِ مُخَيَّرًا فِيهِ تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ، وَإِنْ كَانَ لَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ نَفَذَ حُكْمُهُ [فِي الظَّاهِرِ] (¬3) . ، فَمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْقِتَالِ فَهُوَ (¬4) . أَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ: إِمَّا فِعْلُهُ وَإِمَّا تَرْكُهُ، وَيَتَبَيَّنُ (¬5) . ذَلِكَ بِالْمَصْلَحَةِ [وَالْمَفْسَدَةِ] (¬6) . ; فَمَا كَانَ وُجُودُهُ خَيْرًا مِنْ عَدَمِهِ لِمَا حَصَلَ فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي الدِّينِ، فَهَذَا مِمَّا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ أَمْرَ إِيجَابٍ أَوِ اسْتِحْبَابٍ، وَمَا كَانَ عَدَمُهُ خَيْرًا مِنْ وُجُودِهِ، فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ، وَإِنْ كَانَ فَاعِلُهُ مُجْتَهِدًا مَأْجُورًا عَلَى اجْتِهَادِهِ. وَالْقِتَالُ إِنَّمَا يَكُونُ لِطَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ، فَلَوْ بَغَتْ ثُمَّ أَجَابَتْ إِلَى الصُّلْحِ ¬

(¬1) ص، ب: انْزِلْ لَهُمْ (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَوَّلُهُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1356 1358 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ تَأْمِيرِ الْإِمَامِ وَالْأُمَرَاءِ. . .) : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ. . . ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. . . وَإِذَا حَاصَرْتَ حِصْنًا، فَأَرَادُوكَ عَلَى أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ. . . وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا ". وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/51 52 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِتَالِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/953 - 954 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/358. (¬3) فِي الظَّاهِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) أ، ب، ر، ص، هـ، و: هُوَ (¬5) ر، ص، هـ: وَيُبَيَّنُ (¬6) وَالْمَفْسَدَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و)

بِالْعَدْلِ لَمْ تَكُنْ مُمْتَنِعَةً، فَلَمْ يَجُزْ قِتَالُهَا. وَلَوْ كَانَتْ بَاغِيَةً، وَقَدْ أُمِرَ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ إِلَى أَنْ تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، أَيْ تَرْجِعَ، ثُمَّ قَالَ: ( «فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ» ) فَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَعْدَ قِتَالِ الْفِئَةِ [الْبَاغِيَةِ] (¬1) . ، كَمَا أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ إِذَا اقْتَتَلَتَا ابْتِدَاءً، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ: " تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ". وَهُوَ كَمَا قَالَتْ ; فَإِنَّهُمَا لَمَّا اقْتَتَلَتَا لَمْ يُصْلَحْ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قُوتِلَتِ الْبَاغِيَةُ، فَلَمْ تُقَاتَلْ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، ثُمَّ أُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْقِتَالِ إِلَى الْفَيْءِ، ثُمَّ الْإِصْلَاحِ، لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالٍ مُجَرَّدٍ، بَلْ قَالَ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} - وَمَا حَصَلَ قِتَالٌ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَقْدُورًا فَمَا وَقَعَ، وَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ (¬2) .. وَعَجْزُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ عَنِ الْقِتَالِ الَّذِي يَقْتَضِي انْتِصَارَهُمْ كَانَ بِتَرْكِ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَذُنُوبِهِمْ، وَكَذَلِكَ التَّوَلِّي يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ مِنَ الذُّنُوبِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ طَائِفَةً بَغَتْ عَلَى طَائِفَةٍ، وَأَمْكَنَ دَفْعُ الْبَغْيِ بِلَا قِتَالٍ، لَمْ يَجُزِ الْقِتَالُ، فَلَوِ انْدَفَعَ الْبَغْيُ (¬3) . بِوَعْظٍ أَوْ فُتْيَا (¬4) . أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ لَمْ يَجُزِ ¬

(¬1) الْبَاغِيَةِ: فِي (و) . وَفِي (أ) : الْفِتْنَةِ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْفِئَةِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ (¬2) قَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قُوتِلَتْ. . . لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ. الْكَلَامُ هُنَا غَيْرُ وَاضِحٍ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَحْرِيفٌ أَوْ سَقْطٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ يَجِبُ أَنْ تُقَاتَلَ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فَاءَتْ فَيَجِبُ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ بِالْعَدْلِ، وَلَكِنْ مَا حَدَثَ فِي الْفِتْنَةِ لَمْ يُطَابِقْ أَمْرَ اللَّهِ إِذْ إِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُقَاتِلِ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ثُمَّ أَصْلَحَ بَيْنَ فِئَتِهِ وَالْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ بِالْعَدْلِ، وَلَوْ كَانَ مَا أَرْشَدَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ غَيْرَ مُمْكِنٍ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ (¬3) ص: فَلَوِ انْدَفَعَ الْقِتَالُ (¬4) أَوْ فُتْيَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (و)

الْقِتَالُ، وَلَوِ انْدَفَعَ الْبَغْيُ بِقَتْلِ وَاحِدٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، أَوْ إِقَامَةِ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيزٍ، مِثْلُ قَطْعِ سَارِقٍ وَقَتْلِ مُحَارِبٍ وَحَدِّ قَاذِفٍ لَمْ يَجُزِ الْقِتَالُ. وَكَثِيرًا مَا تَثُورُ الْفِتْنَةُ إِذَا ظَلَمَ بَعْضُ طَائِفَةٍ (¬1) . لِطَائِفَةٍ أُخْرَى، فَإِذَا أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ حَقِّ الْمَظْلُومِ بِلَا قِتَالٍ لَمْ يَجُزِ الْقِتَالُ. وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَةِ إِمَامٍ عَادِلٍ (¬2) . يَجِبُ قِتَالُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَإِنْ سُمِّيَ بَاغِيًا لِتَرْكِ طَاعَةِ الْإِمَامِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَرَكَ طَاعَةَ [الْإِمَامِ] (¬3) . يُقَاتَلُ. وَالصِّدِّيقُ قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ لِكَوْنِهِمُ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَقُوتِلُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِلَّا فَلَوْ أَقَرُّوا بِأَدَائِهَا، وَقَالُوا: لَا نُؤَدِّيهَا إِلَيْكَ، لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَأُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ - حَدِيثِ عَمَّارٍ - إِنَّ قَاتِلَ عَمَّارٍ طَائِفَةٌ بَاغِيَةٌ، لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا عَلِيًّا، وَلَا يَمْتَنِعُوا عَنْ مُبَايَعَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ مَأْمُورًا بِقِتَالِهِمْ، وَلَا كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ لِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ، مَعَ كَوْنِهِمْ مُلْتَزِمِينَ شَرَائِعَ (¬4) . الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ مُتَأَوِّلِينَ مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ، [وَكُلُّهُمْ] (¬5) . يُسْتَغْفَرُ لَهُمْ وَيُتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} سُورَةُ الْحَشْرِ ¬

(¬1) أ: بَعْضُ الطَّائِفَةِ (¬2) ص: إِمَامٍ عَدْلٍ (¬3) الْإِمَامِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . وَفِي (ر) ، (هـ) : إِمَامٍ (¬4) ن، م: لِشَرَائِعَ (¬5) وَكُلُّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه " وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة "

[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه " وَسَمَّوْهُ كَاتِبَ الْوَحْيِ وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً "] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " وَسَمَّوْهُ كَاتِبَ الْوَحْيِ وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً (¬1) وَاحِدَةً مِنَ الْوَحْيِ ". * فَهَذَا قَوْلٌ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا عِلْمٍ (¬2) ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً (¬3) وَاحِدَةً مِنَ الْوَحْيِ * (¬4) ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ لَهُ رَسَائِلَ؟ . وَقَوْلُهُ: " إِنَّ كُتَّابَ الْوَحْيِ كَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ أَخَصُّهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ عَلِيٌّ ". فَلَا رَيْبَ (¬5) أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ لَهُ أَيْضًا، كَمَا كَتَبَ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَلَكِنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَيْضًا، وَيَكْتُبُ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ [بِلَا رَيْبٍ] (¬6) . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمَّا نَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} سُورَةُ النِّسَاءِ كَتَبَهَا [لَهُ] (¬7) . وَكَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، ¬

(¬1) أ، ب: وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ وَلَا كَلِمَةً ; ص، ر، هـ: وَلَمْ يَكْتُبْ كَلِمَةً. . . (¬2) ن، م: بِلَا عِلْمٍ وَلَا حُجَّةٍ. (¬3) أ، ب: لَمْ يَكْتُبْ لَهُ وَلَا كَلِمَةً. . (¬4) (*. *) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬5) أ، ب، ص: وَلَا رَيْبَ. (¬6) بِلَا رَيْبٍ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬7) لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَفِي (و) : كَتَبَهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَالْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 6/48 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النِّسَاءِ، وَلَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ. . .) ; مُسْلِمٍ 3/1508 1509 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ سُقُوطِ فَرْضِ الْجِهَادِ عَنِ الْمَعْذُورِينَ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ. . أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) " النِّسَاءِ: 95 " فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدًا فَجَاءَ بِكَتِفٍ يَكْتُبُهَا، فَشَكَا إِلَيْهِ ابْنُ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) . وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/191 ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/17 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنَ الْعُذْرِ) . وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِآيَةِ 95 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ.

وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ (¬1) ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَسَدِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمُعَاوِيَةُ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (¬2) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا مُدَّةَ كَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا ". فَيُقَالُ: لَا رَيْبَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ (¬3) وَأَبَاهُ وَأَخَاهُ وَغَيْرَهُمْ أَسْلَمُوا عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُشْرِكًا مُدَّةَ الْمَبْعَثِ (¬4) . وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ حِينَ بُعِثَ (¬5) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَغِيرًا، كَانَتْ هِنْدُ تُرَقِّصُهُ. وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْلَمَ مَعَ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، مِثْلُ أَخِيهِ [يَزِيدَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو،] (¬6) وَصَفْوَانَ [بْنِ أُمَيَّةَ] (¬7) ، وَعِكْرِمَةَ [بْنِ أَبِي جَهْلٍ] ، وَأَبِي سُفْيَانَ [بْنِ حَرْبٍ] ، ¬

(¬1) أ، ب، ص: بْنُ أَرْقَمِ. (¬2) (33) سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬3) (33) سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬4) و: الْبَعْثِ. (¬5) ص: مَبْعَثِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) . وَسَقَطَتْ " بْنُ أُمَيَّةَ " مِنْ: (ن) ، (م) ، (و) .

وَهَؤُلَاءِ (¬1) كَانُوا قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ أَعْظَمَ كُفْرًا وَمُحَارَبَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُعَاوِيَةَ. فَصَفْوَانُ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو سُفْيَانَ كَانُوا مُقَدَّمِينَ لِلْكُفَّارِ يَوْمَ أُحُدٍ، رُءُوسَ الْأَحْزَابِ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَصَفْوَانُ (¬2) وَعِكْرِمَةُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ إِسْلَامًا، وَاسْتُشْهِدُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَوْمَ الْيَرْمُوكِ. وَمُعَاوِيَةُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ (¬3) قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَذًى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) لَا بِيَدٍ وَلَا بِلِسَانٍ، فَإِذَا كَانَ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مُعَادَاةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مُعَاوِيَةَ قَدْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَصَارَ مِمَّنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَلِكَ؟ . وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ سِيرَةً فِي وِلَايَتِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَلَوْلَا مُحَارَبَتُهُ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَوَلِّيهِ الْمُلْكَ، لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ إِلَّا بِخَيْرٍ، كَمَا لَمْ يُذْكَرْ أَمْثَالُهُ (¬5) إِلَّا بِخَيْرٍ. وَهَؤُلَاءِ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ - مُعَاوِيَةُ وَنَحْوُهُ - قَدْ شَهِدُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَّةَ غَزَوَاتٍ، كَغَزَاةِ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ وَتَبُوكَ، فَلَهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ مَا لِأَمْثَالِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ كُفَّارًا وَقَدْ صَارُوا مُؤْمِنِينَ مُجَاهِدِينَ تَمَامَ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعٍ وَعَشْرٍ، وَبَعْضَ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ؟ . ¬

(¬1) ن، م، و: وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ وَهَؤُلَاءِ. (¬2) أ، ب، ر، ص، هـ: كَانَ سُهَيْلٌ وَصَفْوَانُ. (¬3) أ، ب: لَهُ. (¬4) ر، ص، هـ: قَبْلَ الْإِسْلَامِ قَطُّ أَنَّهُ آذَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬5) و: إِلَّا بِخَيْرٍ كَمَا لَا يَذْكُرُونَ أَمْثَالَهُ.

فَإِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ النَّاسِ تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا قَبْلَ إِيمَانِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَشَدَّ عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[مِنْ مُعَاوِيَةَ] (¬1) وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، كَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بُغْضًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) وَهِجَاءً لَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ أَبُوهُ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ أَمُّهُ حَتَّى أَسْلَمَتْ، فَقَالَتْ: " «وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ (¬3) الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يُذَلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يُعَزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ» " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (¬4) . وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ. فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الَّذِي عَادُوهُ، كَأَبِي سُفْيَانَ وَهِنْدَ وَغَيْرِهِمَا، مَوَدَّةً، وَاللَّهُ قَدِيرٌ عَلَى تَبْدِيلِ الْعَدَاوَةِ بِالْمَوَدَّةِ، وَهُوَ غَفُورٌ لَهُمْ بِتَوْبَتِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ، رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ صَارُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. ¬

(¬1) مِنْ مُعَاوِيَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) (22) : سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬3) ن، م، و: ظَهْرِ. (¬4) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْبُخَارِيِّ 8/131 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، 5/40 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ ذِكْرِ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ; 9/66 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنْ رَأَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي أَمْرِ النَّاسِ. .) ; مُسْلِمٍ 3/1339 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ قَضِيَّةِ هِنْدٍ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/225.

مزاعم الرافضي عن معاوية بقوله " وكان باليمن يوم الفتح يطعن على رسول الله "

[مزاعم الرافضي عن معاوية بقوله " وَكَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ "] فَصْلٌ (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَكَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَتَبَ (¬3) إِلَى أَبِيهِ (¬4) صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ يُعَيِّرُهُ بِإِسْلَامِهِ، وَيَقُولُ: أَصَبَوْتَ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ (¬5) ؟ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: (¬6) يَا صَخْرُ لَا تُسْلِمَنْ طَوْعًا فَتَفْضَحْنَا (¬7) بَعْدَ الَّذِينَ بِبَدْرٍ أَصْبَحُوا فِرَقَا (¬8) جَدِّي وَخَالِي وَعَمُّ الْأُمِّ يَا لَهُمُ ... قَوْمًا وَحَنْظَلَةُ الْمُهْدِي لَنَا أَرَقَا (¬9) فَالْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنْ قَوْلِ الْوُشَاةِ لَنَا خَلِّي ابْنَ هِنْدٍ عَنِ الْعُزَّى لَقَدْ فَرَقَا (¬10) . وَالْفَتْحُ كَانَ فِي رَمَضَانَ (¬11) لِثَمَانِ سِنِينَ (¬12) مِنْ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى ¬

(¬1) ر، ص: الْفَصْلُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ ; هـ: الْفَصْلُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 113 (م) 115 م. (¬3) ك: وَيَكْتُبُ. (¬4) ن، م: وَكَتَبَ إِلَيْهِ. (¬5) ك: مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -. (¬6) أ، ب: إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ. (¬7) ن، م، هـ: فَتَفْتَضِحَا. (¬8) ك: مِزَقَا. (¬9) ك: الْأَرَقَا. (¬10) ك: إِذَا فَرَقَا. (¬11) ك: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. (¬12) أ، ب: سَنَةَ ثَمَانٍ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَمُعَاوِيَةُ مُقِيمٌ (¬1) عَلَى شِرْكِهِ، هَارِبٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَهْدَرَ (¬2) دَمَهُ، فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ لَهُ مَأْوًى صَارَ إِلَى النَّبِيِّ (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَرًّا، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، وَطَرَحَ نَفْسَهُ عَلَى الْعَبَّاسِ، فَسَأَلَ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَفَا (¬4) ، ثُمَّ شَفَعَ إِلَيْهِ (¬5) أَنْ يُشَرِّفَهُ وَيُضِيفَهُ إِلَى جُمْلَةِ الْكُتَّابِ، فَأَجَابَهُ وَجَعَلَهُ وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَكَمْ كَانَ حَظُّهُ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ (¬6) لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَاتِبٌ (¬7) الْوَحْيِ حَتَّى اسْتَحَقَّ أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ؟ مَعَ أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ - مِنْ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ - ذَكَرَ فِي كِتَابِ (¬8) " رَبِيعِ الْأَبْرَارِ " أَنَّهُ ادَّعَى نُبُوَّتَهُ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ (¬9) . عَلَى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْكَتَبَةِ (¬10) [عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ] (¬11) بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَارْتَدَّ مُشْرِكًا، وَفِيهِ نَزَلَ (¬12) ¬

(¬1) ك (ص [0 - 9] 14) : وَمُعَاوِيَةُ حِينَئِذٍ مُقِيمٌ. (¬2) ن، م، و، هـ، ك: هَدَرَ. وَفِي " اللِّسَانِ ": " وَهَدَرْتُهُ وَأَهْدَرْتُهُ أَنَا إِهْدَارًا، وَأَهْدَرَهُ السُّلْطَانُ: أَبْطَلَهُ وَأَبَاحَهُ ". (¬3) ر، ص، هـ: فَلَمْ يَجِدْ لَهُ مَأْوًى فَصَارَ إِلَى النَّبِيِّ. . . وَفِي (أ) ، (ب) : " سَارَ " بَدَلًا مِنْ " صَارَ ". (¬4) ك: فَعَفَا عَنْهُ. (¬5) إِلَيْهِ: كَذَا فِي (و) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ.: فِيهِ. (¬6) ك: فَكَمْ كَانَ يَخُصُّهُ مِنَ الْكُتَّابِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ. (¬7) ك: أَنَّهُ كَانَ كَاتِبَ. . . (¬8) ص، ب: فِي كِتَابِهِ. (¬9) و: أَنْفُسٍ. (¬10) ك: مِنْ جُمْلَةِ كَتَبَةِ الْوَحْيِ. (¬11) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (و) ، (ك) . (¬12) أ، ب: وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ.

{وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . وَقَدْ «رَوَى عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِي، فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ. وَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا (¬1) ، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِ ابْنِهِ يَزِيدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ، أَيُّ يَوْمٍ يَكُونُ لِلْأُمَّةِ (¬2) مَعَ مُعَاوِيَةَ ذِي الْإِسَاءَةِ؟» . وَبَالَغَ فِي مُحَارَبَةِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَتَلَ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَعَنَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ (¬3) ، وَاسْتَمَرَّ سَبُّهُ ثَمَانِينَ سَنَةً (¬4) ، إِلَى أَنْ قَطَعَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَسَمَّ الْحَسَنَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (¬5) وَقَتَلَ ابْنُهُ يَزِيدُ مَوْلَانَا الْحُسَيْنَ (¬6) ، وَنَهَبَ نِسَاءَهُ، وَكَسَرَ أَبُوهُ (¬7) ثَنِيَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) ، وَأَكَلَتْ أُمُّهُ كَبِدَ حَمْزَةَ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (¬9) . ¬

(¬1) ك: يَوْمًا يَخْطُبُ. (¬2) ك: يَكُونُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ مُعَاوِيَةَ. . (¬3) ص، ب: عَلَى الْمِنْبَرِ ; ر، هـ: عَلَى رُءُوسِ الْمَنَابِرِ. أ: وَاسْتَمَرَّ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِينَ ; ب: وَاسْتَمَرَّ سَبُّهُ إِلَى سَنَةِ ثَمَانِينَ ; ن، م: وَاسْتَمَرَّ سَنَةَ ثَمَانِينَ ; (¬4) ك: وَاسْتَمَرَّ سَبُّهُ مُدَّةَ ثَمَانِينَ سَنَةً. (¬5) عَلَيْهِ السَّلَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (ك) : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (¬6) ك: الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ; و: الْحُسَيْنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬7) ك: جَدُّهُ. (¬8) ك: ثَنِيَّةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -. (¬9) ك: (ص 115 م) : حَمْزَةَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية من أنه كان باليمن يوم الفتح يطعن على رسول الله

[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية من أنه كَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ] وَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُهُ: " كَانَ (¬1) بِالْيَمَنِ يَطْعَنُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَتَبَ إِلَى أَبِيهِ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ يُعَيِّرُهُ بِإِسْلَامِهِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْأَبْيَاتَ ". فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، لَمْ يَكُنْ بِالْيَمَنِ، وَأَبُوهُ «أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ لَيْلَةَ نَزَلَ بِهَا، وَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ يُحِبُّ الشَّرَفَ. فَقَالَ [النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬2) : " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» " (¬3) . وَأَبُو سُفْيَانَ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ (¬4) هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ، لَمَّا سَافَرَ إِلَى الشَّامِ فِي الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَهُمْ (¬5) ، وَمَا كَانَ عِنْدَهُ (¬6) مِنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، لَكِنَّ الْحَسَدَ مَنَعَهُ مِنَ ¬

(¬1) ن، م، ر، ص، هـ: أَنَّهُ كَانَ. (¬2) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) . (¬3) هَذَا الْخَبَرُ عَنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَاءَ فِي كُتُبِ السِّيرَةِ، فَهُوَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/46 ; زَادِ الْمَعَادِ 3/404 ; جَوَامِعِ السِّيرَةِ ص 229 ; إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ ص 371 372. وَجَاءَ حَدِيثٌ بِمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1407 1408 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ فَتْحِ مَكَّةَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/538. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْحَدِيثَ فِي فَتْحِ الْبَارِي 8/12 وَقَالَ إِنَّهُ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ. " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، ادْعُ لِيَ الْأَنْصَارَ ". . . (¬4) ن، م، ر، ص، هـ: مَا أَخْبَرَ بِهِ (¬5) حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ هِرَقْلَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: 1/4 6 (كِتَابِ بَدْءِ الْوَحْيِ، بَابِ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ) . وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ فِي 1/15 (كِتَابِ الْإِيمَانِ، بَابِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ) ، 3/180 (كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، بَابِ مَنْ أُمِرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ) وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى. (¬6) ب (فَقَطْ) : عِنْدَهُمْ.

الْإِيمَانِ، حَتَّى أَدْخَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَارِهٌ، بِخِلَافِ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عَنْ أَخِيهِ يَزِيدَ. وَهَذَا الشِّعْرُ كَذِبٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ قَطْعًا ; فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: فَالْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنْ قَوْلِ الْوُشَاةِ لَنَا ... خَلِّي ابْنَ هِنْدٍ عَنِ الْعُزَّى لَقَدْ فَرَقَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ «بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ أَسْلَمَ النَّاسُ وَأُزِيلَتِ الْعُزَّى: بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا عِزُّ (¬1) كُفْرَانَكِ لَا سُبْحَانَكِ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ.» وَكَانَتْ قَرِيبًا مِنْ عَرَفَاتٍ، فَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ لَا عُزَّى وَلَا مَنْ يَلُومُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْعُزَّى. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا مِنْ وَضْعِ بَعْضِ الْكَذَّابِينَ عَلَى لِسَانِ مُعَاوِيَةَ. وَهُوَ كَذَّابٌ (¬2) جَاهِلٌ لَمْ يَعْلَمْ (¬3) كَيْفَ وَقَعَ الْأَمْرُ. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَالِ جَدِّهِ أَبِي أُمَيَّةَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَخَالِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَعَمِّ أُمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَخِيهِ حَنْظَلَةَ، أَمْرٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ هُوَ وَجُمْهُورُ قُرَيْشٍ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ (¬4) إِلَّا وَلَهُ أَقَارِبُ كُفَّارٌ، قُتِلُوا كُفَّارًا أَوْ مَاتُوا (¬5) كُفَّارًا، فَهَلْ كَانَ فِي إِسْلَامِهِمْ فَضِيحَةٌ؟ ! . وَقَدْ أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَكَانَا مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَبَوَاهُمَا قُتِلَا بِبَدْرٍ. وَكَذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ قُتِلَ أَخُوهُ يَوْمَ ¬

(¬1) ن، م، ر: يَا عُزَّى. 1 - (¬2) ب، ر، ص: وَهُوَ كَذِبٌ. (¬3) ص، ب: لَا يَعْلَمُ. (¬4) أ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ، ب: فَمَا كَانَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ; ص: فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ. (¬5) أَوْ مَاتُوا كَذَا فِي (و) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَمَاتُوا.

بَدْرٍ. وَفِي الْجُمْلَةِ الطَّعْنُ بِهَذَا طَعْنٌ فِي عَامَّةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَهَلْ يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ فِي عَلِيٍّ بِأَنَّ عَمَّهُ أَبَا لَهَبٍ كَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ . أَوْ يَطْعَنَ فِي الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ أَخَاهُ كَانَ مُعَادِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (¬1) أَوْ يُعَيِّرَ عَلِيًّا بِكُفْرِ أَبِي طَالِبٍ أَوْ يُعَيِّرَ بِذَلِكَ الْعَبَّاسَ؟ وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ كَلَامِ مَنْ لَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ (¬2) . ثُمَّ الشِّعْرُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الشِّعْرِ الْقَدِيمِ (¬3) ، بَلْ هُوَ شِعْرٌ رَدِيءٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ الْفَتْحَ كَانَ فِي رَمَضَانَ لِثَمَانٍ مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ " فَهَذَا صَحِيحٌ (¬4) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ مُقِيمًا عَلَى شِرْكِهِ هَارِبًا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ، فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ لَهُ مَأْوًى صَارَ (¬5) إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَرًّا فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ ". فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: " إِنَّهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ " وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ أَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ مِنْ غَنَائِمِ هَوَازِنَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ مِمَّنْ أَعْطَاهُ [مِنْهَا، ¬

(¬1) (11) : سَاقِطٌ مِنْ (هـ) . (¬2) ص: مِنْ جِنْسِ الْمُسْلِمِينَ. (¬3) أ، ب: الشِّعْرِ الْأَوَّلِ. (¬4) أ، ب: فَهُوَ صَحِيحٌ. (¬5) ب: سَارَ.

وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَأَلَّفُ السَّادَةَ الْمُطَاعِينَ فِي عَشَائِرِهِمْ] (¬1) ، فَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ هَارِبًا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ إِلَّا قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا مِنْ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ. وَمَنْ كَانَتْ غَايَتُهُ أَنْ يُؤْمِنَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَأْلِيفٍ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «قَصَّرْتُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَرْوَةِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [وَلَفْظُهُ: «أَعَلِمْتَ أَنِّي قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ؟ قَالَهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ لَهُ: لَا أَعْلَمُ هَذَا حُجَّةً إِلَّا عَلَيْكَ» ] (¬2) . وَهَذَا قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ (¬3) الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ (¬4) أَنْ يَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمُ الْحِلَّ كُلَّهُ، وَيَصِيرُوا مُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى إِحْرَامِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ سَاقُوا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) فَقَطْ. وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/174 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ) ; مُسْلِمٍ 2/913 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ التَّقْصِيرِ فِي الْعُمْرَةِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/217 218 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابٌ فِي الْإِقْرَانِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/196 197 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ أَيْنَ يُقَصِّرُ الْمُعْتَمِرُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/96، 97، 98. (¬3) الْمَرْوِيَّةِ فِي: (ن) فَقَطْ. (¬4) ر، ص، هـ، و: أَمَرَ جَمِيعَ أَصْحَابِهِ.

الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلُّوا، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَسُقِ [الْهَدْيَ] (¬1) فَحَلَلْنَ. وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ (¬2) . فَعُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ مُعَاوِيَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَكِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ أَبَاحَ لِلْمُتَمَتِّعِ السَّائِقِ لِلْهَدْيِ (¬3) أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ شَعْرِهِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، كَمَا أَنَّ عَنْهُ رِوَايَةً أَنَّهُ إِذَا قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ. وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُبِيحَانِ لِكُلِّ مُتَمَتِّعٍ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ - وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ فَيَعْلَمُونَ (¬4) بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَنَّ سَائِقَ الْهَدْيِ لَا يُحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ (¬5) . وَتَقْصِيرُ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذَا قَدْ (¬6) كَانَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: إِمَّا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ - وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ ¬

(¬1) الْهَدْيَ: فِي (ر) فَقَطْ. (¬2) ص، ب: وَالْمَسَانِيدِ. (¬3) لِلْهَدْيِ: فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْهَدْيَ. (¬4) ن، م، و، ر: فَيَعْلَمُونَ. (¬5) يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " 3/351: " فَأَمَّا مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ، وَلَكِنْ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَيُدْخِلُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يُحِلُّ حَتَّى يُحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ التَّقْصِيرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً وَلَا يَمَسُّ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ شَيْئًا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: " قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ عِنْدَ الْمَرْوَةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: لَهُ التَّحَلُّلُ وَنَحْرُ هَدْيِهِ. وَيُسْتَحَبُّ نَحْرُهُ عَنِ الْمَرْوَةِ ". (¬6) قَدْ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

كَمَا زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ، لَكِنْ لَا يُعْرَفُ صِحَّةُ هَذَا - وَإِمَّا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ هَذَا التَّقْصِيرَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، وَكَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَبَعْدَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَبَعْدَ حِصَارِهِ لِلطَّائِفِ (¬1) ; فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ مِنْ ذَلِكَ فَقَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ بِالْجِعْرَانَةِ، وَاعْتَمَرَ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ، فَقَصَّرَ عَنْهُ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ [مُعَاوِيَةُ] (¬2) قَدْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ، فَإِنَّهُ أَسْلَمَ (¬3) عِنْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَاسْتَكْتَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخِبْرَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَخِيهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُمَا آذَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا كَانَ يُؤْذِيهِ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ. وَأَخُوهُ يَزِيدُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَبَعْضُ الْجُهَّالِ يَظُنُّ أَنَّ يَزِيدَ هَذَا هُوَ يَزِيدُ الَّذِي تَوَلَّى الْخِلَافَةَ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ (¬4) ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ فِي زَمَنِهِ، فَيَظُنُّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا جَهْلٌ ظَاهِرٌ ; فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَأَمَّا يَزِيدُ عَمُّهُ هَذَا (¬5) فَرَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَعْمَلَهُ الصِّدِّيقُ أَحَدَ أُمَرَاءِ الشَّامِ، وَمَشَى فِي رِكَابِهِ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَوَلَّى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَكَانَهُ أَمِيرًا، ثُمَّ لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّهُ عَلَى الْإِمَارَةِ وَزَادَهُ، وَبَقِيَ أَمِيرًا، إِلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، إِلَى أَنْ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ [عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬6) وَبَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْحَسَنَ بْنَ ¬

(¬1) ص، أ، ب: الطَّائِفِ. (¬2) مُعَاوِيَةُ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬3) ن (فَقَطْ) : فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ. (¬4) ن، م، و، هـ: بَعْدَ مَوْتِهِ. (¬5) أ، ب: وَأَمَّا يَزِيدُ هَذَا عَمُّهُ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ سَلَّمَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، تَحْقِيقًا لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬1) وَبَقِيَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَمَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ إِسْلَامُ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَامَ تِسْعٍ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِيُقِيمَ الْحَجَّ، وَيُنَادَى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ نُبِذَتِ الْعُهُودُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَأُجِّلُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، فَكَانَ هَذَا أَمَانًا عَامًّا لِكُلِّ مُشْرِكٍ مِنْ سَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَغَزَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ لِقِتَالِ النَّصَارَى بِالشَّامِ، وَقَدْ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ. وَلَوْ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ مِنَ الذُّنُوبِ مَا كَانَ لَكَانَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، فَكَيْفَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ ذَنْبٌ يَهْرُبُ لِأَجْلِهِ، أَوْ يُهْدَرُ دَمُهُ لِأَجْلِهِ؟ ! وَأَهْلُ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ مِمَّنْ أُهْدِرُ دَمَهُ عَامَ الْفَتْحِ. فَهَذِهِ مَغَازِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَالْوَاقِدِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَائِذٍ (¬2) ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَكُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ كُلُّهَا تَنْطِقُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَيَذْكُرُونَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 540. (¬2) هـ، و: مُحَمَّدِ بْنِ عَابِدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 150 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 233 وَمِنْ كُتُبِهِ كِتَابُ " السِّيَرِ ". انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/241 242 ; شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/78 ; الْأَعْلَامِ 7/48.

مِنْ إِهْدَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ، مِثْلُ مَقِيسِ بْنِ حُبَابَةَ (¬1) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، وَهَذَانِ قُتِلَا. وَأُهْدِرَ دَمُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، ثُمَّ بَايَعَهُ. وَالَّذِينَ أَهْدَرَ دِمَاءَهُمْ كَانُوا [نَفَرًا] (¬2) قَلِيلًا نَحْوَ الْعَشَرَةِ. وَأَبُو سُفْيَانَ كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ (¬3) عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ [الَّذِي] (¬4) أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ، وَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ [هُوَ الَّذِي] (¬5) جَمَعَ الْأَمْوَالَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ لِلتِّجَارَةِ، وَطَلَبَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ يُنْفِقَهَا فِي قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ قُوَّادِ الْجَيْشِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ قَائِدُ الْأَحْزَابِ أَيْضًا، وَقَدْ أَخَذَهُ الْعَبَّاسُ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، وَمَشَى عُمَرُ مَعَهُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو سُفْيَانَ، قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَاوَلَهُ الْعَبَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، وَأَمَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: " «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، [وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ] (¬6) ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» ". فَكَيْفَ يُهْدَرُ (¬7) دَمُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ شَابٌّ صَغِيرٌ لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ يَخْتَصُّ بِهِ، ¬

(¬1) ن، ص، أ: مَقِيسِ بْنِ صَبَابَةَ ; ب، ر، هـ: مَقِيسِ بْنِ ضَبَابَةَ ; و: قَيْسِ بْنِ صَبَابَةَ ; م: حُفَيْسِ بْنِ صِنَاعَةَ. وَمَا أُثْبِتُهُ مِنْ سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/52 53 وَفِيهَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ 4/53. (¬2) نَفَرًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) أ، ب: مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ ; ن: أَشَدِّ النَّاسِ. (¬4) الَّذِي: فِي (أ) ، (ب) ، (هـ) فَقَطْ. (¬5) هُوَ الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) ن: هَدَرَ.

وَلَا عُرِفَ [عَنْهُ] (¬1) أَنَّهُ كَانَ يَحُضُّ عَلَى عَدَاوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ أَمَّنَ رُءُوسَ الْأَحْزَابِ؟ (¬2) فَهَلْ يَظُنُّ هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالسِّيرَةِ؟ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ [بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ] (¬3) مَذْكُورٌ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَمَّا ذَكَرْنَا مَنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ [عَامَ الْفَتْحِ] (¬4) ، وَذَكَرْنَاهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا (¬5) . نَعَمْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ (¬6) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَى بِهِ فَأَسْلَمَ بِمَكَّةَ (¬7) وَحَقَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ ". فَفِرْيَةٌ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ مُعَاوِيَةَ، بَلْ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ كُتَّابِ الْوَحْيِ (¬8) . وَأَمَّا [عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ¬

(¬1) عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) (22) سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) عَامَ الْفَتْحِ: سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ر: وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. وَطُبِعَ كِتَابُ " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، مِنْهَا طَبْعَةٌ فِي حَيْدَرَ آبَادْ الدَّكْن، سَنَةَ 1322، وَطَبْعَةٌ بِتَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّد مُحْيِي الدِّين عَبْد الْحَمِيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، 1379/1960، وَالْكَلَامُ عَمَّنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ مَثْبُوتٌ فِي الْكِتَابِ كُلِّهِ. (¬6) و: عُمَرَ. (¬7) ص، ب: أَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ. (¬8) ر: مِنْ كُتَّابِهِ ; هـ: مِنْ كِبَارِ الْمُسْلِمِينَ.

سَعْدٍ] (¬1) بْنُ أَبِي سَرْحٍ فَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَافْتَرَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ إِنَّهُ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ نَزَلَ فِيهِ: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} . فَهُوَ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، لَمَّا (¬2) أُكْرِهَ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ عَلَى الْكُفْرِ. وَرِدَّةُ هَذَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ (¬3) بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ ; فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَبِلَ إِسْلَامَهُ وَبَايَعَهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَدْ «رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِي " فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ. وَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِ ابْنِهِ يَزِيدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ، أَيُّ يَوْمٍ يَكُونُ لِلْأُمَّةِ مَعَ (¬4) مُعَاوِيَةَ ذِي الْإِسَاءَةِ» ". ¬

(¬1) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: فِي (ص) ، (ب) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: حِينَ. (¬3) ن، م، ر: عَلَى الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، وَهَذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ. (¬4) ص: مِنْ.

فَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: نَحْنُ نُطَالِبُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ ; [فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْحَدِيثِ] (¬1) لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ، وَإِلَّا فَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ كَذِبٌ. وَيُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ (¬2) . وَهَذَا الْمُحْتَجُّ بِهِ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا. ثُمَّ مِنْ جَهْلِهِ أَنْ يَرْوِيَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ ثَلْبِ الصَّحَابَةِ، وَأَرْوَى النَّاسِ لِمَنَاقِبِهِمْ، وَقَوْلُهُ فِي مَدْحِ مُعَاوِيَةَ مَعْرُوفٌ ثَابِتٌ عَنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قِيلَ لَهُ: وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ خَيْرًا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ (¬3) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ لَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ. (¬3) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " 8/153: " وَقَالَ هُشَيْمُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قَالَ: قُلْتُ: وَلَا عُمَرُ؟ قَالَ: كَانَ عُمَرُ خَيْرًا مِنْهُ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَسْوَدَ مِنْهُ. وَرَوَاهُ أَبُو سُفْيَانَ الْحِيرِيُّ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ بِهِ. وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ: قِيلَ: وَلَا أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ خَيْرًا مِنْهُ، وَهُوَ أَسْوَدُ. وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ ". وَانْظُرْ تَعْلِيقَ أُسْتَاذِي الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ، ص 204 ط. السَّلَفِيَّةِ، 1371.

قَالَ أَحْمَدُ [بْنُ حَنْبَلٍ] (¬1) : السَّيِّدُ الْحَلِيمُ [يَعْنِي مُعَاوِيَةَ] (¬2) ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ كَرِيمًا حَلِيمًا. ثُمَّ إِنَّ خُطَبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً، بَلْ كَانَ يَخْطُبُ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمُعَاوِيَةُ وَأَبُوهُ يَشْهَدَانِ الْخُطَبَ، كَمَا يَشْهَدُهَا الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ. أَفَتَرَاهُمَا (¬3) فِي كُلِّ خُطْبَةٍ كَانَا يَقُومَانِ وَيُمَكَّنَانِ مِنْ ذَلِكَ؟ هَذَا قَدْحٌ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ يُمَكِّنُونَ اثْنَيْنِ دَائِمًا يَقُومَانِ وَلَا يَحْضُرَانِ (¬4) الْخُطْبَةَ وَلَا الْجُمْعَةَ. وَإِنْ كَانَا يَشْهَدَانِ كُلَّ خُطْبَةٍ، فَمَا بَالُهُمَا يَمْتَنِعَانِ [مِنْ سَمَاعِ] خُطْبَةٍ (¬5) وَاحِدَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا؟ . ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ سِيرَةِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ، وَأَصْبَرِهِمْ عَلَى مَنْ يُؤْذِيهِ، وَأَعْظَمِ النَّاسِ تَأْلِيفًا لِمَنْ يُعَادِيهِ، فَكَيْفَ يَنْفِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَعَ أَنَّهُ أَعْظَمُ الْخَلْقِ (¬6) مَرْتَبَةً فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ؟ فَكَيْفَ لَا يَصْبِرُ عَلَى سَمَاعِ كَلَامِهِ وَهُوَ بَعْدَ الْمُلْكِ [كَانَ] (¬7) يَسْمَعُ كَلَامَ مَنْ يَسُبُّهُ (¬8) فِي وَجْهِهِ؟ فَلِمَاذَا لَا (¬9) يَسْمَعُ كَلَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) أَفَتَرَاهُمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَفَتَرَاهُ. (¬4) ر، ص، هـ: أَنْ يَقُومَا وَلَا يَحْضُرَانِ. (¬5) ن، م، و، أ: يَمْتَنِعَانِ فِي خُطَبٍ. وَفِي (ب) : عَنْ سَمَاعِ. 1 - (¬6) ن: النَّاسِ. (¬7) كَانَ: فِي (و) فَقَطْ. (¬8) أ، ب: مَنْ يَشْتُمُهُ. (¬9) أ، ب: لَمْ.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَكَيْفَ يَتَّخِذُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاتِبًا مَنْ هَذِهِ حَالُهُ؟ . (¬1) وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُ أَخَذَ بِيَدِ ابْنِهِ زَيْدًا أَوْ يَزِيدَ " (¬2) فَمُعَاوِيَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ اسْمُهُ زَيْدٌ (¬3) . وَأَمَّا يَزِيدُ ابْنُهُ (¬4) الَّذِي تَوَلَّى [بَعْدَهُ] (¬5) الْمُلْكَ وَجَرَى فِي خِلَافَتِهِ مَا جَرَى، فَإِنَّمَا وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُعَاوِيَةَ وَلَدٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ نَاصِرٍ (¬6) : " خَطَبَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُزَوَّجْ (¬7) لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَوُلِدَ لَهُ يَزِيدُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ ". ثُمَّ نَقُولُ ثَالِثًا: هَذَا الْحَدِيثُ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " (¬8) : " قَدْ تَعَصَّبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ، فَوَضَعُوا فِي ¬

(¬1) ن، م: وَكَيْفَ يَتَّخِذُ كَاتِبًا مَنْ هَذِهِ حَالُهُ ; و: وَكَيْفَ يَتَّخِذُهُ كَاتِبًا وَهَذِهِ حَالُهُ ; أ، ب: وَكَيْفَ يَتَّخِذُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاتِبًا مَنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (¬2) ص: ابْنِهِ يَزِيدَ أَوْ زَيْدٍ ; أ، ب: ابْنِهِ يَزِيدَ. (¬3) أ، ب، و: اسْمُهُ يَزِيدُ. (¬4) أ، ب: وَأَمَّا ابْنُهُ يَزِيدُ. (¬5) بَعْدَهُ: فِي (و) ، (ص) ، (هـ) فَقَطْ. (¬6) ن: ابْنُ مَاضِرٍ ; م ابْنُ مَاصِرٍ. (¬7) ن، م، هـ، ر: فَلَمْ يَتَزَوَّجْ. (¬8) 2/15

فَضْلِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَادِيثَ لِيَغِيظُوا (¬1) الرَّافِضَةَ، وَتَعَصَّبَ قَوْمٌ مِنَ الرَّافِضَةِ فَوَضَعُوا فِي ذَمِّهِ أَحَادِيثَ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْخَطَأِ الْقَبِيحِ ". وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ بَالَغَ فِي مُحَارَبَةِ عَلِيٍّ ". فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ اقْتَتَلَ الْعَسْكَرَانِ: عَسْكَرُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ، وَلَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ مِمَّنْ يَخْتَارُ الْحَرْبَ ابْتِدَاءً، بَلْ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ حِرْصًا (¬2) عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ قِتَالٌ، وَكَانَ غَيْرُهُ أَحْرَصَ عَلَى الْقِتَالِ مِنْهُ. وَقِتَالُ صِفِّينَ لِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كِلَاهُمَا كَانَ مُجْتَهِدًا [مُصِيبًا] (¬3) ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، مِمَّنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَيَقُولُ: كَانَا مُجْتَهِدَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ (¬4) مِنْ أَصْحَابِ [أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ] (¬5) وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَتَقُولُ الْكَرَّامِيَّةُ: كِلَاهُمَا إِمَامٌ مُصِيبٌ، وَيَجُوزُ نَصْبُ إِمَامَيْنِ لِلْحَاجَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ الْمُصِيبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، [وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ] . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَلِيٌّ هُوَ الْمُصِيبُ وَحْدَهُ، وَمُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدٌ مُخْطِئٌ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. ¬

(¬1) الْمَوْضُوعَاتِ: فِي فَضْلِهِ أَحَادِيثَ لِيُغْضِبُوا. (¬2) ن، م، و، هـ، ر، ص: مِنْ أَشَدِّ عَسْكَرِهِ حِرْصًا. . (¬3) مُصِيبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (و) : مُجْتَهِدًا أَيْضًا. (¬4) أ، ب: قَوْلُ كَثِيرٍ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

وَقَدْ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَانَ الصَّوَابُ أَنْ لَا يَكُونَ قِتَالٌ، وَكَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ خَيْرًا لِلطَّائِفَتَيْنِ، فَلَيْسَ فِي الِاقْتِتَالِ صَوَابٌ، وَلَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَالْقِتَالُ قِتَالُ فِتْنَةٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ، وَكَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ خَيْرًا لِلطَّائِفَتَيْنِ، مَعَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَوْلَى بِالْحَقِّ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَكْثَرِ أَئِمَّةِ (¬1) الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ] (¬2) ، وَهُوَ قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي ذَلِكَ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ: هُوَ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَكْثَرِ مَنْ بَقِيَ مِنَ السَّابِقِينَ [الْأَوَّلِينَ] مِنَ الْمُهَاجِرِينَ (¬3) وَالْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ مَذَاهِبِ (¬4) أَهْلِ السُّنَّةِ الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، ¬

(¬1) ن، م، و: وَكَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ. . (¬2) لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . وَذَكَرَ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ " أُصُولِ الدِّينِ " ص 289: " أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا (الْأَشَاعِرَةُ) عَلَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُصِيبًا فِي قِتَالِ أَصْحَابِ الْجَمَلِ وَفِي قِتَالِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ، وَقَالُوا فِي الَّذِينَ قَاتَلُوهُ بِالْبَصْرَةِ إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْخَطَأِ " ثُمَّ قَالَ (ص 290) : وَقَالَ أَكْثَرُ الْكَرَّامِيَّةِ بِتَصْوِيبِ الْفَرِيقَيْنِ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِنَّ عَلِيًّا أَصَابَ فِي مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَأَهْلِ صِفِّينَ، وَلَوْ صَالَحَهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَرْفَقَ بِهِمْ لَكَانَ أَوْلَى وَأَفْضَلَ ". (¬3) ن، م: السَّابِقِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ; و: التَّابِعِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. . (¬4) أ، ب: مِنْ مَذْهَبِ.

فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ فَضَائِلُهُمْ، وَوَجَبَتْ مُوَالَاتُهُمْ وَمَحَبَّتُهُمْ. وَمَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهِ عُذْرٌ يَخْفَى عَلَى الْإِنْسَانِ، وَمِنْهُ مَا تَابَ صَاحِبُهُ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مَغْفُورًا. فَالْخَوْضُ فِيمَا شَجَرَ يُوقِعُ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بُغْضًا وَذَمًّا، وَيَكُونُ هُوَ فِي ذَلِكَ (¬1) مُخْطِئًا، بَلْ عَاصِيًا، فَيَضُرُّ نَفْسَهُ وَمَنْ خَاضَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا جَرَى لِأَكْثَرِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ ; فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِكَلَامٍ لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ: إِمَّا مِنْ ذَمِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ، وَإِمَّا مِنْ مَدْحِ أُمُورٍ لَا تَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ (¬2) . [وَلِهَذَا كَانَ] الْإِمْسَاكُ (¬3) طَرِيقَةُ أَفَاضِلِ السَّلَفِ (¬4) . وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: [كَانَ مُعَاوِيَةُ فَاسِقًا دُونَ عَلِيٍّ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ كَانَ كَافِرًا، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الرَّافِضَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:] (¬5) كِلَاهُمَا كَافِرٌ: عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ، كَمَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فَسَقَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: [بَلْ] (¬6) مُعَاوِيَةُ عَلَى الْحَقِّ وَعَلِيٌّ كَانَ ظَالِمًا، كَمَا تَقُولُهُ الْمَرْوَانِيَّةُ. وَالْكِتَابُ - وَالسُّنَّةُ - قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ مُسْلِمُونَ، وَأَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ كَانَ خَيْرًا مِنْ وُجُودِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ¬

(¬1) أ، ب: فِي ذَلِكَ هُوَ: وَسَقَطَتْ " هُوَ " مِنْ (ص) . (¬2) ن، م: أَوْ مَدْحِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ. (¬3) ن، م، و: وَالْإِمْسَاكُ. (¬4) فِي (ر) ، (ص) :. . . السَّلَفِ كَمَا يُنْقَلُ عَنْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ. وَكُتِبَ فِي هَامِشِ (ص) : " بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ ". (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فَسَمَّاهُمْ (¬1) مُؤْمِنِينَ إِخْوَةً مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» " (¬2) وَهَؤُلَاءِ الْمَارِقَةُ مَرَقُوا عَلَى عَلِيٍّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ طَائِفَتَهُ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ طَائِفَةِ مُعَاوِيَةَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ سَيُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» " (¬3) فَأَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ، فَمَدَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَسَنَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، وَسَمَّاهُمَا مُؤْمِنِينَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا هُوَ الْمَحْمُودُ، وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا، لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ مَحْمُودًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ يَسْتَشْرِفُ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يُوشِكُ أَنْ ¬

(¬1) ص، ب: فَسَمَّاهُمَا. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ 1/539، 542.

يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ» " (¬1) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنِّي لَأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ» " (¬2) . وَالَّذِينَ رَوَوْا أَحَادِيثَ الْقُعُودِ فِي الْفِتْنَةِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا، كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لَمْ يُقَاتِلُوا لَا مَعَ عَلِيٍّ وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " «مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ تُدْرِكُهُ الْفِتْنَةُ إِلَّا أَنَا ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/9 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ) ، 4/127 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ خَيْرِ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ (بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ) 8/107 - 108 (كِتَابُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ ; بَابُ الْفِرَارِ بِالدِّينِ مِنَ الْفِتَنِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1317 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْعُزْلَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/6، 43، 57 ; الْمُوَطَّأِ 2/970 (كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْغَنَمِ) . وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ " شَعَفَةُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ وَشَعَفَةُ الْجَبَلِ بِالتَّحْرِيكِ رَأْسُهُ، وَالْجَمْعُ شَعَفٌ وَشِعَافٌ وَشُعُوفٌ وَهِيَ رُءُوسُ الْجِبَالِ. وَفِي الْحَدِيثِ: مِنْ خَيْرِ النَّاسِ رَجُلٌ فِي شَعَفَةٍ مِنَ الشِّعَافِ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مُعْتَزِلٌ النَّاسَ ". وَانْظُرْ " النِّهَايَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " لِابْنِ الْأَثِيرِ مَادَّةَ " شَعَفَ ". (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/21 - 22 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ، بَابُ آطَامِ الْمَدِينَةِ) ، 4/198 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 9/48 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ) ; 4/2211 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/200.

فصل وقوع أمور في الأمة بالتأويل في دمائها وأموالها وأعراضها

أَخَافُهَا عَلَيْهِ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ ; فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهُ: " لَا تَضُرُّكَ الْفِتْنَةُ» (¬1) . وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ (¬2) قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ: " إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا لَا تَضُرُّهُ الْفِتْنَةُ شَيْئًا، فَخَرَجْنَا فَإِذَا فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ فَدَخَلْنَا فَإِذَا فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ أَمْصَارِهِمْ حَتَّى تَنْجَلِيَ عَمَّا انْجَلَتْ» " رَوَاهُمَا (¬3) أَبُو دَاوُدَ (¬4) . [فصل وقوع أمور فِي الأمة بالتأويل في دِمَائِهَا وَأَمْوَالِهَا وَأَعْرَاضِهَا] (فَصْلٌ) . وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأُمَّةَ يَقَعُ فِيهَا أُمُورٌ بِالتَّأْوِيلِ (¬5) فِي دِمَائِهَا وَأَمْوَالِهَا وَأَعْرَاضِهَا، كَالْقِتَالِ وَاللَّعْنِ وَالتَّكْفِيرِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَعَلَوْتُهُ بِالسَّيْفِ، ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ) . وَالْحَدِيثُ التَّالِي هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَتْلُوهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (نَفْسِ الْمَوْضِعِ) . وَفِيهِ أَيْضًا: ثَعْلَبَةُ بْنُ ضُبَيْعَةَ. (¬2) ن: بْنِ صَيْعَةَ ; م، و: بْنِ صُبْعَةَ. وَفِي " تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ": 4/443 هُوَ ضَيْعَةُ بْنُ حُصَيْنٍ الثَّعْلَبِيُّ أَبُو ثَعْلَبَةَ، وَيُقَالُ: ثَعْلَبَةُ بْنُ ضُبَيْعَةَ الْكُوفِيُّ. رَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَعَنْهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي ذِكْرِ الْفِتْنَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ سَمَّاهُ فِي أَحَدِهِمَا ضُبَيْعَةَ وَفِي الْآخَرِ ثَعْلَبَةَ وَقَدْ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ ضُبَيْعَةُ. (¬3) أ، ب: رَوَاهُ. (¬4) انْظُرْ ت [0 - 9] (¬5) ن، م: فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ أَمُورٌ.

فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ. قَالَ: " أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا [خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ] (¬1) أَمْ لَا؟ " فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ. أَفَأَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تَقْتُلْهُ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَطَعَهَا ثُمَّ قَالَ [ذَلِكَ] (¬3) بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا، أَفَأَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولُ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَهَا» " (¬4) . فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَتَلُوا قَوْمًا مُسْلِمِينَ لَا (¬5) يَحِلُّ قَتْلُهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْتُلْهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا ضَمِنَ الْمَقْتُولَ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ " فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي (ص) : " خَوْفًا ". (¬2) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/560. (¬3) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 5/85 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ رَقْمِ 12 حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ) ; مُسْلِمٍ 1/95 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/61 - 62 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ عَلَى مَا يُقَاتَلُ الْمُشْرِكُونَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/5 - 6. (¬5) ن، م: لَمْ.

وَلَا كَفَّارَةٍ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ مُتَأَوِّلًا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: بَلْ كَانُوا أَسْلَمُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، فَثَبَتَتْ فِي حَقِّهِمُ الْعِصْمَةُ الْمُؤَثِّمَةُ دُونَ الْمُضَمِّنَةِ، بِمَنْزِلَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصِبْيَانِهِمْ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ. ثُمَّ إِنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ [وَأَبِي حَنِيفَةَ] (¬1) وَأَحْمَدَ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَقُولُونَ: إِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ إِذَا اقْتَتَلُوا بِالتَّأْوِيلِ لَمْ يَضْمَنْ هَؤُلَاءِ مَا أَتْلَفُوهُ لِهَؤُلَاءِ مِنَ النُّفُوسِ (¬2) وَالْأَمْوَالِ حَالَ الْقِتَالِ، وَلَمْ يَضْمَنْ هَؤُلَاءِ مَا أَتْلَفُوهُ لِهَؤُلَاءِ (¬3) . كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ، أَنْزَلُوهُمْ (¬5) مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ. يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الْقَاتِلَ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا (¬6) . وَإِنْ قِيلَ (¬7) : إِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ ثَبَتَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَوَاتِرَةِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ إِذَا قَتَلَ ¬

(¬1) وَأَبِي حَنِيفَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) أ، ب، و، هـ، ر: مَا أَتْلَفُوا لِهَؤُلَاءِ مِنَ النُّفُوسِ ; ص: مَا أَتْلَفُوا لَا هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ مِنَ النُّفُوسِ. . (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ص) . (¬4) أ، ب: وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ. (¬5) ب (فَقَطْ) : أَنْزَلُوهُمْ. (¬6) أ، ب: يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مُحَرَّمًا، ن، م: لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ قَتْلٌ مُحَرَّمٌ ; و: لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَتْلٌ مُحَرَّمٌ. (¬7) ن: وَإِنْ قِيلَ لَهُ.

مُسْلِمًا أَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ، لَمْ يَضْمَنْهُ بِقَوَدٍ [وَلَا دِيَةٍ] (¬1) وَلَا كَفَّارَةٍ، مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ لَهُ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ فَاسِدًا. وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُمْتَنِعُونَ إِذَا قَتَلُوا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَضْمَنُوا دَمَهُ إِذَا عَادُوا إِلَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ (¬2) أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ مَنْ يَحْكِيهِ قَوْلًا، كَأَبِي بَكْر عَبْد الْعَزِيز (¬3) حَيْثُ قَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ. فَهَذَا النَّصُّ فِي الْمُرْتَدِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَذَاكَ فِي الْمُحَارِبِ الْمُمْتَنِعِ، كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ (¬4) وَالْمُحَارِبِ، أَوْ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ; فَإِنَّ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ لَمْ يُضَمِّنْهُمُ الصَّحَابَةُ بَعْدَ عَوْدِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ بِمَا كَانُوا قَتَلُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَتْلَفُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ. فَالْبُغَاةُ الْمُتَأَوِّلُونَ كَذَلِكَ لَمْ تَضْمَنْهُمُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِذَا كَانَ هَذَا (¬5) فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، مَعَ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَهَا خَطَأً ضَمِنَهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ فِي الْأَعْرَاضِ (¬6) ؟ مِثْلِ لَعْنِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «مِنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي. وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى ¬

(¬1) وَلَا دِيَةٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أ، ب: كَمَا هُوَ عِنْدَ. (¬3) ن، م: لِأَبِي بَكْر عَبْد الْعَزِيز. (¬4) أ، ب: الْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ. (¬5) أ، ب: ذَلِكَ. (¬6) أ، ب، ص: بِالْأَعْرَاضِ.

أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا [وَاللَّهِ] (¬1) مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي ". قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: أَنَا أَعْذُرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ (¬2) أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ. فَقَامَ (¬3) سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَاسْتَبَّ الْحَيَّانِ حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرِيدُ الدَّفْعَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ، [فَقَالَ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: إِنَّكَ مُنَافِقٌ] » (¬4) ، وَهَذَا كَانَ تَأْوِيلًا [مِنْهُ] (¬5) . وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، لَمَّا كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ بِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬6) : " إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» " (¬7) . ¬

(¬1) عِبَارَةُ " وَاللَّهِ ": فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬2) ن (فَقَطْ) : إِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أ، ب: فَقَالَ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . وَالْحَدِيثُ سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص [0 - 9] 3. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 3/501.

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِي مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُنِ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» وَلَمْ يُكَفِّرْهُمْ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ قَالَ عَنْ بَعْضِ أُمَّتِهِ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ مُتَأَوِّلًا فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُكَفِّرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدًا مِنْهُمَا (¬1) . . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬2) . أَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَعَنَ عَبْدَ اللَّهِ حِمَارًا (¬3) لِكَثْرَةِ شُرْبِهِ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/88 89 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ) : عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَأَسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: (أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟) قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبَّرَ، فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ. قَالَ: فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ وَذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنِ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تَقُلْ ذَلِكَ. أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَهُ ". وَالْحَدِيثُ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ فِي: الْبُخَارِيِّ 7 73 (كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ، بَابُ الْخَزِيرَةِ "، 9/18 (كِتَابُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ ; بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِينَ) . وَهُوَ أَيْضًا عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1/455 456 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ الرُّخْصَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِعُذْرٍ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/449 450 وَانْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 334 (¬2) ص، ب: فِي الصَّحِيحَيْن (¬3) ب: خَمَّارًا، وَهُوَ خَطَأٌ.

الراففضة يعظمون الأمر على من قاتل عليا ويمدحون من قتل عثمان

الْخَمْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " (¬1) وَلَمْ يُعَاقِبِ اللَّاعِنَ لِتَأْوِيلِهِ. وَالْمُتَأَوِّلُ الْمُخْطِيءُ مَغْفُورٌ لَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬2) أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ; " قَدْ فَعَلْتُ " (¬3) . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ» " (¬4) . [الراففضة يُعَظِّمُونَ الْأَمْرَ عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا وَيَمْدَحُونَ مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ] (فَصْلٌ) . إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَيُقَالُ: قَوْلُ الرَّافِضَةِ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ وَأَشَدِّهَا تَنَاقُضًا ; فَإِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ الْأَمْرَ عَلَى مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، وَيَمْدَحُونَ مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّ الذَّمَّ وَالْإِثْمَ لِمَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّمِّ وَالْإِثْمِ لِمَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، فَإِنَّ عُثْمَانَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/158 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنِ الْمِلَّةِ) . (¬2) ص: فِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ 1/116 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْ إِلَّا مَا يُطَاقُ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: مُسْلِمٍ 1/115 - 116 ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/341 - 342 (رَقْمُ 2070) ، 5 - 31 (رَقْمُ 3071) . وَانْظُرِ الْحَدِيثَ بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرَيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/142 - 145. وَانْظُرْ أَيْضًا 6/104 - 105 وَسَبَقَ الْحَدِيثُ، ص [0 - 9] 20. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/659 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي) وَفِي آخِرِهِ. . . وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) . قَالَ الْمُعَلِّقُ: " فِي الزَّوَائِدِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. . . ". وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/102.

كَانَ خَلِيفَةً اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْتُلْ (¬1) . 1 - مُسْلِمًا، وَقَدْ قَاتَلُوهُ لِيَنْخَلِعَ مِنْ (¬2) الْأَمْرِ، فَكَانَ عُذْرُهُ فِي أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى وِلَايَتِهِ أَعْظَمَ مِنْ عُذْرِ عَلِيٍّ فِي طَلَبِهِ لِطَاعَتِهِمْ (¬3) لَهُ، وَصَبَرَ عُثْمَانُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلِيٌّ بَدَأَ بِالْقِتَالِ (¬4) أَصْحَابَ مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَكُونُوا يُقَاتِلُونَهُ، وَلَكِنِ امْتَنَعُوا مِنْ بَيْعَتِهِ. فَإِنْ جَازَ قِتَالُ مَنِ امْتَنَعَ عَنْ بَيْعَةِ الْإِمَامِ الَّذِي بَايَعَهُ نِصْفُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ [أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ] (¬5) ، فَقِتَالُ مَنْ قَاتَلَ (¬6) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَيُقَالُ مَنْ قَاتَلَ. وَقَتْلُ الْإِمَامِ الَّذِي أَجْمَعَ (¬7) الْمُسْلِمُونَ عَلَى بَيْعَتِهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ أَشْيَاءَ أَنْكَرُوهَا. قِيلَ: تِلْكَ الْأَشْيَاءُ لَمْ تُبِحْ خَلْعَهُ وَلَا قَتْلَهُ (¬8) ، وَإِنْ أَبَاحَتْ خَلْعَهُ وَقَتْلَهُ كَانَ مَا نَقَمُوهُ عَلَى عَلِيٍّ أَوْلَى أَنْ يُبِيحَ تَرْكَ مُبَايَعَتِهِ ; فَإِنَّهُمْ إِنِ ادَّعَوْا عَلَى عُثْمَانَ نَوْعًا مِنَ الْمُحَابَاةِ لِبَنِي أُمَيَّةَ فَقَدِ ادَّعَوْا (¬9) عَلَى عَلِيٍّ تَحَامُلًا عَلَيْهِمْ وَتَرْكًا لِإِنْصَافِهِمْ، وَأَنَّهُ بَادَرَ بِعَزْلِ مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَسْتَحِقَّ (¬10) الْعَزْلَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ ¬

(¬1) أ، ب: وَلَمْ يُقَاتِلْ (¬2) ب: عَنْ. (¬3) أ، ب: طَاعَتَهُمْ. (¬4) أ، ب: بِقِتَالِ. (¬5) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) فَقِتَالُ مَنْ قَاتَلَ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (أ) . (¬7) أ، ب، ر: اجْتَمَعَ. (¬8) أ، ب: قَتْلَهُ وَلَا خَلْعَهُ. (¬9) ص، ب: فَإِنَّهُمُ ادَّعَوْا. . . وَقَدِ ادَّعَوْا. (¬10) لِيَسْتَحِقَّ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَسْتَحِقُّ.

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَّى أَبَاهُ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى نَجْرَانَ، وَمَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا (¬1) ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَعْمَالِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ ; فَإِنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَلَى مَكَّةَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَاسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى صَدَقَاتِ مَذْحِجٍ وَصَنْعَاءَ الْيَمَنِ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاسْتَعْمَلَ عَمْرًا عَلَى تَيْمَاءَ [وَخَيْبَرَ وَقُرَى عُرَيْنَةَ] (¬2) وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ [اسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا عَلَى الْبَحْرَيْنِ بَرِّهَا وَبَحْرِهَا حِينَ عَزَلَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرْسَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى سَرَايَا مِنْهَا سَرِيَّةٌ إِلَى نَجْدٍ] (¬3) وَوَلَّاهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا يُتَّهَمُ لَا فِي دِينِهِ وَلَا فِي سِيَاسَتِهِ. [وَقَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬4) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» " (¬5) . ¬

(¬1) وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ: كَذَا فِي (ن) ، (أ) ، وَفِي (م) : وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَأَبُو سُفْيَانَ أَمِيرًا عَلَيْهَا. (ب: أَمِيرٌ عَلَيْهَا) . وَانْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 45. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) فَقَطْ، وَفِيهَا: " خَيْبَرُ قُرَى عُرَيْنَةَ " وَالْعِبَارَةُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ وَاضِحَةٍ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى وِلَايَةِ عَتَّابٍ وَخَالِدٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 44 وَأَمَّا عَمْرٌو فَهُوَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 2/532: " كَانَ خَالِدٌ عَلَى الْيَمَنِ وَأَبَانٌ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَعَمْرٌو عَلَى سَوَادِ خَيْبَرَ ". . وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَادِي الْقُرَى وَغَيْرِهَا وَقُبِضَ وَهُوَ عَلَيْهَا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) . وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى أَبَانِ بْنِ سَعِيدٍ، ص [0 - 9] 44. (¬4) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ ; ص: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/116.

قَالُوا: وَمُعَاوِيَةُ كَانَتْ رَعِيَّتُهُ تُحِبُّهُ وَهُوَ يُحِبُّهُمْ (¬1) ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ. [وَقَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬2) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ» " (¬3) . قَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: " وَهُمْ بِالشَّامِ " قَالُوا: " وَهَؤُلَاءِ كَانُوا عَسْكَرَ مُعَاوِيَةَ ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» " (¬4) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (¬5) أَهْلُ ¬

(¬1) أ: يُحِبُّونَهُ وَيُحِبُّهُمْ ; ب: يُحِبُّونَهُ وَهُوَ يُحِبُّهُمْ. (¬2) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَثَوْبَانَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/85 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمُسِ، بَابُ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ، 4/207 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ بَابُ رَقْمِ 28) ، 9/101 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ يُقَاتِلُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ) ، 9/136 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ) . وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 1/137 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، 3/1523 - 1525 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ. .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي دَوَامِ الْجِهَادِ) وَهُوَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، 4/138 - 139 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/342 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 3/1525 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ. . .) . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 14/68: ". . وَقَالَ مُعَاذٌ: هُمْ بِالشَّامِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: هُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ". (¬5) بْنُ حَنْبَلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

الْغَرْبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ. وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَهَذَا [النَّصُّ] (¬1) يَتَنَاوَلُ عَسْكَرَ مُعَاوِيَةَ. قَالُوا: وَمُعَاوِيَةُ أَيْضًا (¬2) كَانَ خَيْرًا مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنِ اسْتَنَابَهُ عَلِيٌّ، فَلَمْ يَكُنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْزَلَ وَيُوَلَّى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي السِّيَاسَةِ، فَإِنَّ عَلِيًّا اسْتَنَابَ زِيَادَ بْنَ أَبِيهِ، وَقَدْ أَشَارُوا (¬3) عَلَى عَلِيٍّ بِتَوْلِيَةِ مُعَاوِيَةَ. [قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُوَلِّيهِ شَهْرًا وَاعْزِلْهُ دَهْرًا] (¬4) . وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا كَانَ هُوَ الْمَصْلَحَةَ، إِمَّا لِاسْتِحْقَاقِهِ وَإِمَّا لِتَأْلِيفِهِ (¬5) وَاسْتِعْطَافِهِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ، وَوَلَّى أَبَا سُفْيَانَ، وَمُعَاوِيَةُ خَيْرٌ مِنْهُ، فَوَلَّى مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ مَنْ هُوَ دُونَ مُعَاوِيَةَ. فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ. قِيلَ: وَعُثْمَانُ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَ. وَأَيْنَ الِاجْتِهَادُ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِ النَّاسِ بِوِلَايَةٍ [أَوْ إِمَارَةٍ] (¬6) أَوْ مَالٍ، مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي سَفْكِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ، حَتَّى ذَلَّ الْمُؤْمِنُونَ وَعَجَزُوا عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكُفَّارِ، حَتَّى طَمِعُوا فِيهِمْ وَفِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِمْ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قِتَالٌ، بَلْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مُقِيمًا عَلَى سِيَاسَةِ رَعِيَّتِهِ، وَعَلِيٌّ مُقِيمًا (¬7) عَلَى سِيَاسَةِ رَعِيَّتِهِ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ¬

(¬1) النَّصُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) . (¬2) ن، م، و: أَيْضًا وَمُعَاوِيَةُ. (¬3) ن، م: زَيْدَ بْنَ أَبِيهِ (وَبَعْدَهَا بَيَاضٌ فِي النُّسْخَتَيْنِ بِمِقْدَارِ نِصْفِ سَطْرٍ) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ر) ، (ص) ، (ب) . (¬5) ص، ب: لِتَأَلُّفِهِ. (¬6) أَوْ إِمَارَةٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬7) مُقِيمًا: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مُقِيمٌ.

مِنَ الشَّرِّ أَعْظَمُ (¬1) مِمَّا حَصَلَ بِالِاقْتِتَالِ ; فَإِنَّهُ بِالِاقْتِتَالِ لَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ وَلَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إِمَامٍ، بَلْ سُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَقَوِيَتِ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ، وَضَعُفَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِّ، وَهِيَ طَائِفَةُ عَلِيٍّ، وَصَارُوا يَطْلُبُونَ مِنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْمُسَالَمَةِ مَا [كَانَتْ] (¬2) تِلْكَ تَطْلُبُهُ ابْتِدَاءً. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي تَكُونُ مَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مَفْسَدَتِهِ، يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ بِعَدَمِهِ (¬3) . وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ بِالِاقْتِتَالِ مَصْلَحَةٌ، بَلْ كَانَ الْأَمْرُ مَعَ عَدَمِ الْقِتَالِ (¬4) خَيْرًا وَأَصْلَحَ مِنْهُ بَعْدَ الْقِتَالِ، و [كَانَ] عَلِيٌّ وَعَسْكَرُهُ [أَكْثَرَ] وَأَقْوَى (¬5) ، وَمُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ أَقْرَبُ إِلَى مُوَافَقَتِهِ وَمُسَالَمَتِهِ (¬6) وَمُصَالَحَتِهِ، فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الِاجْتِهَادِ مَغْفُورًا لِصَاحِبِهِ، فَاجْتِهَادُ عُثْمَانَ أَنْ يَكُونَ مَغْفُورًا أَوْلَى وَأَحْرَى. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ وَأَعْوَانُهُ فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا قَاتَلْنَا عَلِيًّا قِتَالَ دَفْعٍ عَنْ أَنْفُسِنَا وَبِلَادِنَا ; فَإِنَّهُ بَدَأَنَا (¬7) بِالْقِتَالِ فَدَفَعْنَاهُ بِالْقِتَالِ وَلَمْ نَبْتَدِئْهُ بِذَلِكَ وَلَا اعْتَدَيْنَا عَلَيْهِ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي كَانَتْ تَجِبُ طَاعَتُهُ عَلَيْكُمْ وَمُبَايَعَتُهُ وَأَنْ لَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ. قَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِمَامٌ تَجِبُ طَاعَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الشِّيعَةِ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِالنَّصِّ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) أ، ب: أَكْثَرُ. (¬2) كَانَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مِمَّا يَحْصُلُ بِعَدَمِهِ: كَذَا فِي (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِمَّا لَا يَحْصُلُ بِعَدَمِهِ. (¬4) ن، م، ص،: الِاقْتِتَالِ. (¬5) ن: وَعَلِيٌّ كَانَ وَعَسْكَرُهُ أَقْوَى ; ص: وَكَانَ عَلِيٌّ وَعَسْكَرُهُ أَقْوَى وَأَكْثَرَ. (¬6) ن، م، و: مُسَالَمَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ. (¬7) ن، م، و: بَدَأَ.

وَسَلَّمَ - نَصٌّ بِإِمَامَتِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ عُذْرَهُمْ فِي هَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّصَّ الْجَلِيَّ الَّذِي تَدَّعِيهِ الْإِمَامِيَّةُ حَقٌّ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ كُتِمَ وَأُخْفِيَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَلَمْ يَجِبْ أَنْ يَعْلَمَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَقًّا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَاطِلًا؟ ! . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً " وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمْ تَكُنْ مَشْهُورَةً شُهْرَةً يَعْلَمُهَا مِثْلُ أُولَئِكَ ; إِنَّمَا هِيَ مِنْ نَقْلِ الْخَاصَّةِ [لَا سِيَّمَا] (¬1) وَلَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِذَا كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ خَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَأَلْصَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ» " (¬2) وَنَحْوُ ذَلِكَ، حَتَّى هَدَمَ (¬3) مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي وَلَّيْتُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّاهُ. مَعَ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -[ثَابِتٌ] صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى [صِحَّتِهِ] عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ (¬4) ، فَلَأَنْ يَخْفَى عَلَى مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ قَوْلُهُ: " «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» " بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، مَعَ أَنَّ هَذَا فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَدُلُّ عَلَى عَلِيٍّ عَيْنًا، وَإِنَّمَا عُلِمَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا مَاتَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي إِثْبَاتِ خَلِيفَةٍ مُعَيَّنٍ. ¬

(¬1) لَا سِيَّمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص [0 - 9] 78 581) وَسَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَاكَ كَلَامًا مُفَصَّلًا فَارْجِعْ إِلَيْهِ. (¬3) ن، م: عَلَى هَدْمِ. (¬4) ن، م: عَائِشَةَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَمَنْ جَوَّزَ خَلِيفَتَيْنِ (¬1) فِي وَقْتٍ يَقُولُ: كِلَاهُمَا خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ مَحْمُودًا عِنْدَهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ فِي آخِرِهَا. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ خِلَافَةَ عَلِيٍّ ثَبَتَتْ بِمُبَايَعَةِ أَهْلِ الشَّوْكَةِ، كَمَا ثَبَتَتْ خِلَافَةُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ بِذَلِكَ، أَوْرَدُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ طَلْحَةَ بَايَعَهُ مُكْرَهًا، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ قَاتَلُوهُ، فَلَمْ تَتَّفِقْ (¬2) أَهْلُ الشَّوْكَةِ عَلَى طَاعَتِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّمَا تَجِبُ مُبَايَعَتُهُ كَمُبَايَعَةِ مَنْ قَبْلَهُ إِذَا سَارَ سِيرَةَ مَنْ قَبْلَهُ. وَأُولَئِكَ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَمَّنْ يُبَايِعُهُمْ، وَفَاعِلِينَ لِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: إِذَا بَايَعْنَاهُ كُنَّا فِي وِلَايَتِهِ مَظْلُومِينَ بِوِلَايَتِهِ (¬3) مَعَ الظُّلْمِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِعُثْمَانَ، وَهُوَ لَا يُنْصِفُنَا إِمَّا لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِمَّا تَأْوِيلًا مِنْهُ، وَإِمَّا لِمَا يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ ; فَإِنَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَحُلَفَاءَهُمْ أَعْدَاؤُنَا، وَهُمْ كَثِيرُونَ فِي عَسْكَرِهِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِهِمْ، بِدَلِيلِ مَا جَرَى يَوْمَ الْجَمَلِ ; فَإِنَّهُ لَمَّا طَلَبَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ الِانْتِصَارَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، قَامَتْ قَبَائِلُهُمْ فَقَاتَلُوهُمْ (¬4) . وَلِهَذَا كَانَ الْإِمْسَاكُ عَنْ مِثْلِ هَذَا هُوَ الْمَصْلَحَةَ، كَمَا أَشَارَ بِهِ عَلِيٌّ عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ الْقَتَلَةَ أَحَسُّوا بِاتِّفَاقِ الْأَكَابِرِ، فَأَثَارُوا الْفِتْنَةَ (¬5) وَبَدَأُوا بِالْحَمْلَةِ عَلَى عَسْكَرِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَقَالُوا لِعَلِيٍّ: إِنَّهُمْ ¬

(¬1) ن: خَلِيفَةً بِنَصٍّ مُعَيَّنٍ وَمَوْجُودٍ وَمِنْ جَوَازِ خَلِيفَتَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ص: فَلَمْ يَبْقَوْا. . (¬3) بِوِلَايَتِهِ: سَاقِطَهٌ مِنْ (أ) ، (ب) . وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " مَظْلُومِينَ بِوِلَايَتِهِ " مِنْ (ن) ، (م) وَجَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي (ن) ، (م) ، (و) عِبَارَاتٌ بِمِقْدَارِ سَطْرٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. (¬4) فَقَاتَلُوهُمْ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: قَاتَلُوهُمْ. (¬5) ن، م، و: فَأَثَارُوا الْقِتَالَ.

حَمَلُوا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَاتَلَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ [دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ] ، وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ (¬1) وَلَا لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ غَرَضٌ فِي الْقِتَالِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّرُّ (¬2) مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. [وَإِذَا كَانَ لَا يُنْصِفُنَا إِمَّا تَأْوِيلًا مِنْهُ وَإِمَّا عَجْزًا مِنْهُ عَنْ نُصْرَتِنَا، فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَايِعَ مَنْ نُظْلَمُ بِوِلَايَتِهِ لَا لِتَأْوِلِيهِ وَلَا لِعَجْزِهِ] (¬3) . قَالُوا: وَالَّذِينَ جَوَّزُوا قِتَالَنَا قَالُوا: إِنَّا بُغَاةٌ، وَالْبَغْيُ ظُلْمٌ، فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ الظُّلْمِ مُبِيحًا لِلْقِتَالِ، فَلَأَنْ يَكُونَ مُبِيحًا لِتَرْكِ الْمُبَايَعَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَإِنَّ الْقِتَالَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ تَرْكِ الْمُبَايَعَةِ بِلَا قِتَالٍ. وَإِنْ قِيلَ: عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا لِظُلْمِهِمْ، بَلْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْعَدْلِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ نَحْنُ لَمْ نَكُنْ مُتَعَمِّدِينَ لِلْبَغْيِ، بَلْ مُجْتَهِدِينَ فِي الْعَدْلِ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَإِذَا كُنَّا بُغَاةً كُنَّا بُغَاةً لِلتَّأْوِيلِ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْبَاغِي ابْتِدَاءً، وَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْبَغْيِ مُبِيحًا لِلْقِتَالِ، بَلْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} سُورَةُ الْحُجُرَاتِ فَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ عِنْدَ الِاقْتِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وَهَذَا بَغْيٌ بَعْدَ الِاقْتِتَالِ، فَإِنَّهُ بَغْيُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ لَا بَغْيٌ بِدُونِ الِاقْتِتَالِ، فَالْبَغْيُ الْمُجَرَّدُ ¬

(¬1) ن، م، و: قَبْلَ ذَلِكَ وَحَمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَكُنْ. . (¬2) ن: أَصْلًا أَبَدًا، بَلِ الشَّرُّ ; م: أَصْلًا بَلِ الشَّرُّ ; و: أَصْلًا بَلْ. . . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ عِبَارَاتٌ سَقَطَتْ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) وَسَبَقَ أَنْ جَاءَتْ فِيهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.

لَا يُبِيحُ الْقِتَالَ، مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ (¬1) الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، قَدْ تَكُونُ (¬2) الْفِئَةُ الَّتِي بَاشَرَتْ قَتْلَهُ أ، ن، ص، و، هـ: الْفِئَةُ هِيَ الَّتِي بَاشَرَتْ قَتْلَهُ. 1 -[هُمُ الْبُغَاةُ] (¬3) لِكَوْنِهِمْ قَاتَلُوا لِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقِتَالِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ بُغَاةٍ قَبْلَ الْقِتَالِ، لَكِنْ لَمَّا اقْتَتَلَتَا بَغَيَتَا، وَحِينَئِذٍ قَتَلَ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ. فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَغْيَ كَانَ مِنَّا قَبْلَ الْقِتَالِ، وَلَمَّا بَغَيْنَا كَانَ عَسْكَرُ عَلِيٍّ مُتَخَاذِلًا لَمْ يُقَاتِلْنَا. وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَتَلَ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ ". فَيُقَالُ: الَّذِينَ قُتِلُوا [قُتِلُوا] (¬4) مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ ; قَتَلَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَأَكْثَرُ الَّذِينَ كَانُوا يَخْتَارُونَ الْقِتَالَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ لَمْ يَكُونُوا يُطِيعُونَ لَا عَلِيًّا وَلَا مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَطْلَبَ لِكَفِّ الدِّمَاءِ مِنْ أَكْثَرِ الْمُقْتَتِلِينَ، لَكِنْ غُلِبَا فِيمَا وَقَعَ. وَالْفِتْنَةُ إِذَا ثَارَتْ عَجَزَ الْحُكَمَاءُ (¬5) عَنْ إِطْفَاءِ نَارِهَا، وَكَانَ فِي الْعَسْكَرَيْنِ مِثْلُ الْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ [الْمِرْقَالِ] (¬6) وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأَبِي الْأَعْوَرِ السُّلَمِيِّ، وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُحَرِّضِينَ عَلَى الْقِتَالِ: قَوْمٌ يَنْتَصِرُونَ لِعُثْمَانَ ¬

(¬1) ن، م، و: وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ عَنْ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ. (¬2) ب: وَقَدْ تَكُونُ. (¬3) عِبَارَةُ " هُمُ الْبُغَاةُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) قُتِلُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (ر) ، (ص) . (¬5) الْحُكَمَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . وَفِي (و) ، (هـ) : الْحُلَمَاءُ. (¬6) الْمِرْقَالِ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ن) ، (م) ، (و) .

غَايَةَ الِانْتِصَارِ، وَقَوْمٌ يُنَفِّرُونَ عَنْهُ، [وَقَوْمٌ يَنْتَصِرُونَ لِعَلِيٍّ، وَقَوْمٌ يُنَفِّرُونَ عَنْهُ] (¬1) . ثُمَّ قِتَالُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ مُعَاوِيَةَ، بَلْ كَانَ لِأَسْبَابٍ أُخْرَى. وَقِتَالُ الْفِتْنَةِ مِثْلُ قِتَالِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا تَنْضَبِطُ مَقَاصِدُ أَهْلِهِ وَاعْتِقَادَاتُهُمْ، كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: " وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ (¬2) أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ: أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ". وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ لَعْنِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ التَّلَاعُنَ وَقَعَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَمَا وَقَعَتِ الْمُحَارَبَةُ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ يَلْعَنُونَ رُءُوسَ هَؤُلَاءِ فِي دُعَائِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ يَلْعَنُونَ رُءُوسَ هَؤُلَاءِ فِي دُعَائِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ كَانَتْ تَقْنُتُ عَلَى الْأُخْرَى. وَالْقِتَالُ بِالْيَدِ أَعْظَمُ مِنَ التَّلَاعُنِ بِاللِّسَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَنْبًا أَوِ اجْتِهَادًا: مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا، فَإِنَّ مَغْفِرَةَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ مِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ تُنْكِرُ سَبَّ عَلِيٍّ، وَهُمْ يَسُبُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَيُكَفِّرُونَهُمْ وَمَنْ وَالَاهُمْ. وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابُهُ مَا كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهُ الْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ، وَالرَّافِضَةُ شَرٌّ مِنْهُمْ. فَلَوْ أَنْكَرَتِ الْخَوَارِجُ السَّبَّ لَكَانَ تَنَاقُضًا مِنْهَا، فَكَيْفَ إِذَا أَنْكَرَتْهُ الرَّافِضَةُ؟ ! . وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَبُّ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا عَلِيٍّ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا غَيْرِهِمَا، وَمَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِمَّنْ سَبَّ عَلِيًّا، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) . (¬2) أَوْ فَرْجٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ص) ، (هـ) .

وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فَتَأْوِيلُهُ أَفْسَدُ مِنْ تَأْوِيلِ مَنْ سَبَّ عَلِيًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَوِّلُ فِي سَبِّهِمْ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ مَذْمُومِينَ، وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا كَانَ ذَمُّ الشِّيعَةِ الَّذِينَ سَبُّوا الثَّلَاثَةَ أَعْظَمَ مِنْ سَبِّ النَّاصِبَةِ الَّذِينَ سَبُّوا عَلِيًّا وَحْدَهُ. فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ هَؤُلَاءِ أَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» " (¬1) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ سَمَّ الْحَسَنَ ". فَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ مُعْتَبَرٍ، وَلَا نَقْلٍ يُجْزَمُ بِهِ. وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ، فَالْقَوْلُ بِهِ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ. وَقَدْ رَأَيْنَا فِي زَمَانِنَا مَنْ يُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ سُمَّ وَمَاتَ مَسْمُومًا مِنَ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ (¬2) ، وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَلِكُ، وَالْقَلْعَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَتَجِدُ كُلًّا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ بِالشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا يُحَدِّثُ بِهِ الْآخَرُ، وَيَقُولُ: هَذَا سَمَّهُ فُلَانٌ، وَهَذَا يَقُولُ: بَلْ سَمَّهُ غَيْرُهُ (¬3) لِأَنَّهُ جَرَى كَذَا، وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي زَمَانِكَ، وَالَّذِينَ كَانُوا فِي قَلْعَتِهِ هُمُ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَكَ. وَالْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ نُقِلَ عَنْهُ (¬4) أَنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا. وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21. (¬2) ص، ب: مِنَ الْأَتْرَاكِ وَغَيْرِهِمْ. (¬3) ن، م: بَلْ سَمَّهُ فُلَانٌ. (¬4) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) .

أَنْ يُعْلَمَ، فَإِنَّ مَوْتَ الْمَسْمُومِ لَا يَخْفَى، لَكِنْ يُقَالُ: إِنَّ امْرَأَتَهُ سَمَّتْهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَمُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ، فَغَايَةُ مَا يَظُنُّ الظَّانُّ [أَنْ يُقَالَ] : (¬1) إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَرْسَلَ إِلَيْهَا وَأَمَرَهَا بِذَلِكَ. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ سَمَّتْهُ امْرَأَتُهُ (¬2) لِغَرَضٍ آخَرَ مِمَّا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ ; فَإِنَّهُ كَانَ مِطْلَاقًا لَا يَدُومُ مَعَ امْرَأَةٍ. وَقَدْ قِيلَ (¬3) : إِنَّ أَبَاهَا الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ أَمَرَهَا بِذَلِكَ (¬4) ; فَإِنَّهُ كَانَ يُتَّهَمُ بِالِانْحِرَافِ فِي الْبَاطِنِ عَنْ عَلِيٍّ (¬5) وَابْنِهِ الْحَسَنِ. وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَمَرَ أَبَاهَا، كَانَ هَذَا ظَنًّا مَحْضًا. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (¬6) " «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» " (¬7) . وَبِالْجُمْلَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْكَمُ بِهِ فِي الشَّرْعِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَتَرَتَّبُ ¬

(¬1) أَنْ يُقَالَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: إِنَّ امْرَأَتَهُ سَمَّتْهُ لِغَرَضٍ. . (¬3) ن، م، و: وَقَدْ يُقَالُ. (¬4) ن، م، و: أَمَرَ بِذَلِكَ. (¬5) ر: بِنَوْعِ انْحِرَافٍ عَنْ عَلِيٍّ. (¬6) ن، م، ر، ص، هـ: وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 8/19 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ، بَابُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ. .) وَنَصُّهُ: " وَإِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 4/5 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) ، 7/19 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ. .) ، 8/148 - 149 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ) ، مُسْلِمٍ 4/1985 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْأَدَبِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظَّنِّ. .) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الْمُسْنَدِ.

عَلَيْهِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ: لَا مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فِي الْعَامِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى عَامَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ عَامُ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ (¬1) ، وَكَانَ الْأَشْعَثُ حَمَا (¬2) الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَلَوْ كَانَ شَاهِدًا لَكَانَ يَكُونُ لَهُ ذِكْرٌ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ الْحَسَنِ بِنَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ، فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ ابْنَتَهُ أَنْ تَسُمَّ الْحَسَنَ؟ (¬3) وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ * (¬4) بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَهُوَ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ قِتَالِ (¬5) بَعْضِهِمْ بَعْضًا [كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِتَالُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا] (¬6) بِتَأْوِيلٍ، وَسَبُّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِتَأْوِيلٍ، وَتَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِتَأْوِيلٍ: بَابٌ عَظِيمٌ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ فِيهِ وَإِلَّا (¬7) ضَلَّ. ¬

(¬1) أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ: كَذَا فِي (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ. (¬2) حَمَا: كَذَا فِي (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: حُمُو. (¬3) الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ، صَحَابِيٌّ، وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَهْ وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَهْ، فَأَسْلَمَ، وَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ فَأُصِيبَتْ عَيْنُهُ. امْتَنَعَ عَنْ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحُورِبَ وَاسْتَسْلَمَ، وَأَطْلَقَهُ أَبُو بَكْرٍ وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ أُمَّ فَرْوَةَ، فَأَقَامَ فِي الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ الْوَقَائِعَ، شَارَكَ فِي حُرُوبِ الْعِرَاقِ، وَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ وَحَضَرَ مَعَهُ وَقْعَةَ النَّهْرَوَانِ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْكُوفَةِ فَتُوُفِّيَ فِيهَا سَنَةَ 40. رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ تِسْعَةَ أَحَادِيثَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 1/66 ; الْأَعْلَامِ 1/333 - 334. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬5) ن، م، و: قَتْلِ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (ر) . (¬7) وَإِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَتَلَ ابْنُهُ يَزِيدُ مَوْلَانَا الْحُسَيْنَ وَنَهَبَ نِسَاءَهُ ". فَيُقَالُ: إِنَّ يَزِيدَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ، وَلَكِنْ كَتَبَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ وِلَايَةِ الْعِرَاقِ. وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَنْصُرُونَهُ وَيَفُونَ لَهُ (¬1) بِمَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، فَلَمَّا قَتَلُوا مُسْلِمًا وَغَدَرُوا بِهِ وَبَايَعُوا ابْنَ زِيَادٍ، أَرَادَ الرُّجُوعَ فَأَدْرَكَتْهُ السَّرِيَّةُ الظَّالِمَةُ، فَطَلَبَ (¬2) أَنْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَأْسِرَ (¬3) لَهُمْ، فَامْتَنَعَ، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا مَظْلُومًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ أَظْهَرَ التَّوَجُّعَ عَلَى ذَلِكَ، وَظَهَرَ (¬4) الْبُكَاءَ فِي دَارِهِ، وَلَمْ يَسْبِ لَهُ حَرِيمًا أَصْلًا، بَلْ أَكْرَمَ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَأَجَازَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى بَلَدِهِمْ (¬5) . وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ يَزِيدَ قَتَلَ الْحُسَيْنَ لَمْ يَكُنْ ذَنْبُ ابْنِهِ (¬6) ذَنْبًا لَهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ((¬7) قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، لَمَّا حَضَّهُ عَلَى ¬

(¬1) أ، ب، ر، ص: وَيُوَفُّونَ لَهُ. (¬2) ن: وَطَلَبَ. (¬3) ن، م: يَسْتَأْنِسَ. (¬4) أ، ب، ر: وَأَظْهَرَ. (¬5) ن، م، هـ، ر، ص: إِلَى بَلَدِهِ. (¬6) ن، م: أَبِيهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} سُورَةُ فَاطِرٍ وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَّى يَزِيدَ بِرِعَايَةِ حَقِّ الْحُسَيْنِ وَتَعْظِيمِ قَدْرِهِ. وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ هُوَ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَتَلَتِ الْحُسَيْنَ، وَأَبُوهُ سَعْدٌ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْفِتَنِ، وَلِابْنِهِ هَذَا [مَعَهُ] مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

طَلَبِ الْخِلَافَةِ، وَامْتِنَاعُ (¬1) سَعْدٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى غَيْرُهُ. فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ، فَجَاءَهُ (¬2) ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» (¬3) . وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يُقَالُ: إِنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِعُثْمَانَ، فَهَلْ رَوَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ قَدْحًا فِي أَبِي بَكْرٍ لِأَجْلِ فِعْلِ ابْنِهِ (¬4) . وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَخْلَفَ يَزِيدَ، وَبِسَبَبِ وِلَايَتِهِ فَعَلَ هَذَا. قِيلَ: اسْتِخْلَافُهُ إِنْ كَانَ جَائِزًا لَمْ يَضُرَّهُ مَا فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا فَذَاكَ ذَنْبٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَوْ لَمْ يَقْتُلِ الْحُسَيْنَ. وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى إِكْرَامِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصِيَانَةِ حُرْمَتِهِ، فَضْلًا عَنْ دَمِهِ (¬5) ، فَمَعَ هَذَا الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ فِعْلُ أَهْلِ الْفَسَادِ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَامْتَنَعَ. (¬2) أ، ب، و: فَجَاءَ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/65. (¬4) ن: أَبِيهِ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م، هـ، ر: ذَمَّهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَكَسَرَ أَبُوهُ ثَنِيَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَكَلَتْ أُمُّهُ كَبِدَ حَمْزَةَ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ كَانَ قَائِدَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكُسِرَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ ثَنِيَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَسَرَهَا بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ. لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَاشَرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَسَرَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (¬1) ، وَأَخَذَتْ هِنْدُ كَبِدَ حَمْزَةَ فَلَاكَتْهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَبْلَعَهَا فَلَفَظَتْهَا. وَكَانَ هَذَا قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ وَإِسْلَامُ هِنْدٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْرِمُهَا، وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} سُورَةُ الْأَنْفَالِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: (¬2) «حَضَرْنَا (¬3) ¬

(¬1) فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/84 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ (يَوْمَ أُحُدٍ) فَكَسَرَ رُبَاعِيَّتَهُ الْيُمْنَى السُّفْلَى وَجَرَحَ شَفَتَهُ السُّفْلَى. . . إِلَخْ وَفِي " زَادِ الْمَعَادِ " 3/197: " وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى أَذَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ قَمِئَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَقِيلَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ، عَمُّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ الَّذِي شَجَّهُ ". وَانْظُرْ خَبَرَ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْبُخَارِيِّ (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ) فِي: فَتْحِ الْبَارِي 7/372 - 373. وَفِي الْبُخَارِيِّ 7/129 (كِتَابُ الطِّبِّ بَابُ حَرْقِ الْحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ) وَالْحَدِيثُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَفِي مُسْلِمٍ 3/1416 - 1417 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ) . (¬2) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 1/112 - 113 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ كَوْنِ الْإِسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ. .) (¬3) حَضَرْنَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) وَهُوَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: حَضَرْتُ.

عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ (¬1) الْمَوْتِ، فَبَكَى طَوِيلًا، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: (¬2) مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَتَاهُ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (¬3) إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ (¬4) شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدُّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي، وَلَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ. قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي. فَقَالَ: " مَا لَكَ (¬5) يَا عَمْرُو؟ " قَالَ: قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: " تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ " (¬6) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: (¬7) " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬8) . وَفِي الْبُخَارِيِّ: لَمَّا أَسْلَمَتْ هِنْدُ [أُمُّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] قَالَتْ: (¬9) ¬

(¬1) سِيَاقِ: كَذَا فِي (ن) ، (هـ) ، صَحِيحَ مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: سِيَاقِ. (¬2) فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) ، (و) : يَقُولُ لَهُ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " مُسْلِمٍ ". (¬3) أ، ب: وَقَالَ. (¬4) ن، م، أ: بَعْدَ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " مُسْلِمٍ ". (¬5) ن: مَا بَالُكَ. (¬6) بِمَاذَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، مُسْلِمٍ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَاذَا. (¬7) أ، ب: فَقَالَ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " مُسْلِمٍ ". (¬8) انْظُرْ بَاقِي الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ 1/112 - 113. (¬9) ن، م: لَمَّا اشْتَكَتْ هِنْدُ قَالَتْ. .

كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه والرد عليه

وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يُذَلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ (¬1) . [كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬2) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَسَمَّوْا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ سَيْفَ اللَّهِ عِنَادًا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِهَذَا الِاسْمِ، حَيْثُ (¬4) قَتَلَ بِسَيْفِهِ الْكُفَّارَ، وَثَبَتَ بِوَاسِطَتِهِ قَوَاعِدُ الدِّينِ (¬5) ، وَقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلِيٌّ سَيْفُ اللَّهِ وَسَهْمُ اللَّهِ. وَقَالَ عَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَنَا سَيْفُ اللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَرَحْمَتُهُ (¬6) لِأَوْلِيَائِهِ. وَخَالِدٌ لَمْ يَزَلْ عَدُوًّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَذِّبًا لَهُ، وَهُوَ كَانَ السَّبَبَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَفِي كَسْرِ رَبَاعِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي قَتْلِ حَمْزَةَ (¬7) عَمِّهِ، وَلَمَّا تَظَاهَرَ بِالْإِسْلَامِ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 30. (¬2) ر، ص، هـ: الْفَصْلُ الثَّلَاثُونَ. (¬3) فِي (ك) ص [0 - 9] 15 (م) . (¬4) ن، م: حَتَّى. (¬5) ك: وَثَبَتَتْ بِوَاسِطَةِ جِهَادِهِ قَوَاعِدُ الدِّينِ. (¬6) و، هـ، ر: وَرَحْمَةٌ. (¬7) ك: حَمْزَةَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

الصَّدَقَاتِ، فَخَانَهُ وَخَالَفَهُ عَلَى أَمْرِهِ وَقَتَلَ الْمُسْلِمِينَ، «فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَصْحَابِهِ خَطِيبًا (¬1) بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ رَافِعًا يَدَيْهِ (¬2) إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى شُوهِدَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» ، ثُمَّ أَنْفَذَ إِلَيْهِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِتَلَافِي فَارِطَهُ (¬3) ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ (¬4) يَسْتَرْضِيَ الْقَوْمَ مِنْ فِعْلِهِ " ك: الْقَوْمَ فَفَعَلَ.. فَيُقَالُ: أَمَّا تَسْمِيَةُ خَالِدٍ بِسَيْفِ اللَّهِ فَلَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِهِ، بَلْ هُوَ " سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ " هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5) . - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ بِهَذَا ¬

(¬1) ن: خَطِيبًا فِي أَصْحَابِهِ. (¬2) أ، ب: يَدَهُ. (¬3) أ، ب: فَارِطَتَهُ. (¬4) أ، ب، ص: أَنْ. (¬5) صَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 3/105، وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ أَنَّ ابْنَ عَسَاكِرَ أَخْرَجَهُ عَنْ عُمَرَ. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/173 (رَقْمُ 43) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَصُّهُ:. . أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَقَدَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَسَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ ". وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثَ فَقَالَ: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَانْظُرْ مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ 9/348 ". وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 3/241 (حَدِيثٌ رَقْمُ 1237) أَنَّ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 3/298 وَقَالَ الْحَاكِمُ " صَحِيحُ الْإِسْنَادِ " وَسَكَتَ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ (5/271، 2/17 \ 372) . وَانْظُرْ كَلَامَ الْأَلْبَانِيِّ 3/239 - 242 وَانْظُرْ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ بِنَفْسِ الْمَعْنَى ذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَصَحَّحَهَا الْأَلْبَانِيُّ (رَقْمُ 3201، 3202، 3203) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَانْظُرْ مِشْكَاةَ الْمَصَابِيحِ لِلتِّبْرِيزِيِّ 3/284، 285 (حَدِيثٌ رَقْمُ 6248، رَقْمُ 6253) ; سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 5/352 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ خَالِدٍ. . .) .

الِاسْمِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: " أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، حَتَّى أَخَذَهَا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ خَالِدٌ (¬1) حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» " (¬2) .. وَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ سَيْفًا لِلَّهِ تَعَالَى، بَلْ هُوَ يَتَضَمَّنُ أَنَّ سُيُوفَ اللَّهِ مُتَعَدِّدَةٌ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ خَالِدًا قَتَلَ مِنَ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلَ غَيْرُهُ، وَكَانَ سَعِيدًا فِي حُرُوبِهِ، وَهُوَ أَسْلَمَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةَ، هُوَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَشَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْ حِينِ أَسْلَمَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَمِّرُهُ فِي الْجِهَادِ، وَخَرَجَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ ¬

(¬1) ن، أ، هـ، و: حَتَّى أَخَذَ خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/27 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ مَنَاقِبِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ) ، 5/143 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/113، 117 - 118، 5/299، 300 - 301 وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ 5/299، 300 - 301، وَفِي الْمُسْنَدِ (ط، الْمَعَارِفِ) 3/192 - 194 (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) ، انْظُرِ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ لِابْنِ كَثِيرٍ 4/251 - 252

فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» " (¬1) . وَكَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلِهَذَا لَمْ يَشْهَدْ هَؤُلَاءِ فَتْحَ مَكَّةَ، فَلَمَّا قُتِلَ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءُ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَانْقَطَعَ فِي يَدِهِ (¬2) يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَمَا ثَبَتَ مَعَهُ إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (¬3) . ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى هَدْمِ الْعُزَّى، وَأَرْسَلَهُ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَفْعَلُ مَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهِ، كَمَا فَعَلَ يَوْمَ بَنِي جَذِيمَةَ، وَتَبَرَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ (¬4) . ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ هَذَا لَا يَعْزِلُهُ، بَلْ يُقِرُّهُ عَلَى إِمَارَتِهِ. وَقَدِ اخْتَصَمَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَ بَنِي جَذِيمَةَ، حَتَّى قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» ". وَأَمَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَفَتْحِ الْعِرَاقِ، وَالشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ غَنَاءً (¬5) فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ. وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (¬6) إِنْكَارَهُ. فَلَا رَيْبَ إِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 78. (¬2) ن: فِي يَدَيْهِ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ قَيْسِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/144 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ) وَنَصُّهُ: قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ. وَلَمْ أَعْرِفْ مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ. (¬4) انْظُرْ كَلَامِي عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ (487) . (¬5) غَنَاءً: كَذَا فِي (هـ) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَنَاءً. (¬6) أ، ب، ر: أَحَدًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " عَلِيٌّ أَحَقُّ بِهَذَا الِاسْمِ ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: مَنِ الَّذِي نَازَعَ فِي ذَلِكَ؟ وَمَنْ قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ؟ أ، ب: لَمْ يَكُنْ سَيْفًا لِلَّهِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ سُيُوفًا مُتَعَدِّدَةً، وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا مِنْ أَعْظَمِهَا. وَمَا فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُفَضِّلُ خَالِدًا عَلَى عَلِيٍّ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا مُخْتَصًّا بِخَالِدٍ. وَالتَّسْمِيَةُ بِذَلِكَ وَقَعَتْ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَالَ: «إِنَّ خَالِدًا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ.» ثُمَّ يُقَالُ: ثَانِيًا: عَلِيٌّ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ خَالِدٍ، وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تُجْعَلَ فَضِيلَتُهُ أَنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ ; فَإِنَّ عَلِيًّا لَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ وَالدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّابِقَةِ (¬1) . مَا هُوَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُجْعَلَ فَضِيلَتُهُ أَنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ ; فَإِنَّ السَّيْفَ خَاصَّتُهُ الْقِتَالُ (¬2) ، وَعَلِيٌّ كَانَ الْقِتَالُ (¬3) أَحَدَ فَضَائِلِهِ ; بِخِلَافِ خَالِدٍ فَإِنَّهُ كَانَ هُوَ فَضِيلَتُهُ الَّتِي تَمَيَّزَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، لَمْ يَتَقَدَّمْ بِسَابِقَةٍ وَلَا كَثْرَةِ عِلْمٍ وَلَا عَظِيمِ (¬4) . زُهْدٍ، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ بِالْقِتَالِ ; فَلِهَذَا عُبِّرَ عَنْ خَالِدٍ بِأَنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: " إِنَّ عَلِيًّا قَتَلَ بِسَيْفِهِ الْكُفَّارَ ". ¬

(¬1) أ، ب: وَالسَّابِقِيَّةِ ; و: الْمُسَابَقَةِ (¬2) ص، ب: خَاصِّيَّتُهُ الْقِتَالُ ; ن، م: خَاصَّتُهُ لِلْقِتَالِ. (¬3) أ، ن، م، و، ر، هـ: الْقَتْلُ. (¬4) ص، ب: عِظَمِ

فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ إِلَّا بَعْضَ الْكُفَّارِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَشْهُورِينَ بِالْقِتَالِ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَعُمَرَ وَالزُّبَيْرِ وَحَمْزَةَ وَالْمِقْدَادِ وَأَبِي طَلْحَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَتَلَ بِسَيْفِهِ طَائِفَةً مِنَ الْكُفَّارِ. وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ قَتَلَ مِائَةَ رَجُلٍ مُبَارَزَةً، غَيْرَ مَنْ شَرَكَ فِي دَمِهِ (¬1) . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «صَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ» " (¬2) . وَقَالَ: " «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حِوَارِيَّ، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» " (¬3) . وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الْمَغَازِي أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ يَوْمَ أُحُدٍ، لَمَّا قَالَ لِفَاطِمَةَ عَنِ السَّيْفِ (¬4) : " «اغْسِلِيهِ غَيْرَ ذَمِيمٍ» ": " «إِنْ تَكُنْ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ» " (¬5) . ¬

(¬1) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " الِاسْتِيعَابِ " 1/142، وَابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 1، وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي " أُسْدِ الْغَابَةِ " 1/207. (¬2) ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ " صَحِيحَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/249 حَدِيثًا نَصُّهُ: " صَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ " وَقَالَ " سِمَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ " وَعَلَّقَ الْأَلْبَانِيُّ 5/250 بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْمُسْنَدِ وَالْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِهِمَا. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/27 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ فَضْلِ الطَّلِيعَةِ) ، 5/21 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -، بَابُ مَنَاقِبِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ) ، 5/111 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَهِيَ الْأَحْزَابُ) ; مُسْلِمٍ 4/1879 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ. . .) (; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/45 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، فَضَائِلُ الزُّبَيْرِ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/307، 314، 338. (¬4) ن، م: عَنْ سَيْفِهِ. (¬5) فِي سِيَرِ ابْنِ هِشَامٍ 3/106: " فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيَّةُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ ; وَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ، فَقَالَ: وَهَذَا أَيْضًا فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ ; فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَكَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ " وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 4/47 رِوَايَاتٍ أُخْرَى مِنْهَا: " لَئِنْ كُنْتَ أَحْسَنْتَ الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ وَالْحَارِثُ بْنُ صِمَّةَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ ".

وَقَالَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ: [" «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» "] (¬1) . وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي الْمَغَازِي لِلْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ: يَا بَرَاءُ أَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ، فَيُقْسِمُ عَلَى رَبِّهِ فَيُهْزَمُ (¬2) ثُمَّ فِي آخِرِ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ: " أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لَمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَجَعَلْتَنِي أَوَّلَ شَهِيدٍ " فَاسْتُشْهِدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬3) (¬4) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَجَمَعَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا بَيْنَ حَدِيثَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، الْأَوَّلُ نَصُّهُ: " إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ " وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/186 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ الصُّلْحِ فِي الدِّيَةِ) 4/19 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا. . .) ; مُسْلِمٌ 3/1302 (كِتَابُ الْقَسَامَةِ. بَابُ إِثْبَاتِ الْقِصَاصِ فِي الْأَسْنَانِ) ، 4/1969 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أُوَيْسٍ) ، 4/2024 (كِتَابُ الْبِرِّ. .، بَابُ فَضْلِ الضُّعَفَاءِ وَالْخَامِلِينَ) . وَالْحَدِيثُ الثَّانِي نَصُّهُ: " كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يَؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ " وَهُوَ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/355 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ. .) . (¬2) أ، ب: فَيَنْهَزِمُ. الْكُفَّارُ. (¬3) انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: الْإِصَابَةِ لِابْنِ حَجَرٍ 1/148 ; الِاسْتِيعَابِ 1/142 - 143 ; أُسْدِ الْغَابَةِ 1. وَقِيلَ: إِنَّ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا هِيَ مَعْرَكَةُ الْيَمَامَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ تُسْتَرَ مِنْ بِلَادِ فَارِسٍ.. وَالْقِتَالُ يَكُونُ بِالدُّعَاءِ كَمَا يَكُونُ بِالْيَدِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟ بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ؟» (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/36 - 37 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنِ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْبِ) وَنَصُّهُ: " عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟ " وَالْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/37 - 38 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ الِاسْتِنْصَارِ بِالضَّعِيفِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/51 وَقَالَ: الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيقِهِ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ ". وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 6/88 - 89 عَنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: " ثُمَّ إِنَّ صُورَةَ هَذَا السِّيَاقِ مُرْسَلٌ ; لِأَنَّ مُصْعَبًا لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ هَذَا الْقَوْلِ، لَكِنْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ عَنْ مُصْعَبٍ بِالرِّوَايَةِ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ. .، وَكَذَا أَخْرَجَهُ هُوَ، وَالنَّسَائِيُّ. .) . وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/32 (كِتَابُ الْجِهَادِ بَابٌ فِي الِانْتِصَارِ بِرُذُلِ الْخَيْلِ وَالضَّعَفَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/198.

«وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ» (¬1) . وَمَعَ هَذَا فَعَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنَ الْبَرَاءِ [بْنِ مَالِكٍ] (¬2) وَأَمْثَالِهِ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ خَالِدٍ؟ ! . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلِيٌّ سَيْفُ اللَّهِ وَسَهْمُ اللَّهِ» ". فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ (¬3) . ، وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ عَلِيًّا لَيْسَ هُوَ وَحْدَهُ سَيْفَ اللَّهِ وَسَهْمَهُ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا الْحَصْرَ. ¬

(¬1) ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْفَائِقِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " 2/246 (ط. عِيسَى الْحَلَبِيِّ، 1366/1947) : " النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ، أَيْ يَفْتَتِحُ الْقِتَالَ تَيَمُّنًا بِهِمْ وَقِيلَ: يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ " وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ كَلَامًا مُقَارِبًا فِي " النِّهَايَةِ " وَلَكِنِّي لَمْ أَهْتَدِ إِلَى مَكَانِ الْحَدِيثِ. (¬2) بْنِ مَالِكٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ

وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: لَاهَا اللَّهِ (¬1) . ، إِذَنْ لَا نَعْمِدُ (¬2) إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسُودِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَنْ رَسُولِهِ فَنُعْطِيكَ (¬3) سَلَبَهُ. فَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا وَحْدَهُ سَيْفُ اللَّهِ وَسَهْمُ اللَّهِ (¬4) ، فَهَذَا بَاطِلٌ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، فَعَلِيٌّ أَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَفْضَلُ، وَذَلِكَ بَعْضُ فَضَائِلِهِ. وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: " أَنَا سَيْفُ اللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَرَحْمَتُهُ (¬5) لِأَوْلِيَائِهِ ". فَهَذَا لَا إِسْنَادَ لَهُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ صِحَّةٌ. لَكِنْ إِنْ كَانَ قَالَهُ فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمْثَالِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ (¬6) . 1 -: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} سُورَةِ الْفَتْحِ، وَقَالَ: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} سُورَةُ الْمَائِدَةِ. وَكُلٌّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْمُجَاهِدِينَ كَانَ سَيْفًا عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَحْمَةً لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ (¬7) . . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ: إِنِّي أَنَا وَحْدِي سَيْفُ اللَّهِ، وَأَنَا وَحْدِي رَحْمَةٌ ¬

(¬1) هـ، ب: لَاهَا لِلَّهِ ; و: كَلَّا وَاللَّهِ (¬2) ن، م: إِذَنْ نَعْمِدُ ; إِذَنْ لَا يُعْهَدُ ; ر، ص: إِذَنْ لَا يَعْمِدُ. (¬3) ن، ص، هـ: فَيُعْطِيكَ. (¬4) أ، ب: وَسَهْمُهُ. (¬5) ر، ص، هـ: وَرَحْمَةٌ. (¬6) ن، م: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهِمْ (¬7) أ، ب: كَانَ سَيْفَ اللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِ رَحْمَةً لِأَوْلِيَائِهِ

عَلَى (¬1) . . أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ; فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَجِبُ تَنْزِيهُ عَلِيٍّ عَنْ عَنْ: (¬2) أَنْ يَقُولَهُ. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ ; فَالْحَصْرُ لِلْكَمَالِ، فَهَذَا صَحِيحٌ فِي زَمَنِهِ. وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ (¬3) أَنَّ عُمَرَ كَانَ قَهْرُهُ لِلْكُفَّارِ أَعْظَمَ، وَانْتِفَاعُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَعْظَمَ. وَهَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ (¬4) كُلُّ مَنْ عَرَفَ السِّيرَتَيْنِ ; فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَهُمْ حَصَلَ لَهُمْ بِوِلَايَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنَ الرَّحْمَةِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْهُ بِوِلَايَةِ عَلِيٍّ، وَحَصَلَ لِجَمِيعِ أَعْدَاءِ الدِّينِ (¬5) مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنَ الْقَهْرِ وَالْقَتْلِ وَالذُّلِّ بِوِلَايَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْهُ بِوِلَايَةِ عَلِيٍّ. هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ [لِلْمُؤْمِنِينَ] (¬6) الرَّحْمَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، بَلْ كَانُوا يَقْتَتِلُونَ وَيَتَلَاعَنُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْكُفَّارِ سَيْفٌ، بَلِ الْكُفَّارُ كَانُوا قَدْ طَمِعُوا فِيهِمْ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَبِلَادًا، فَكَيْفَ يُظَنُّ مَعَ هَذَا تَقَدُّمُ عَلِيٍّ فِي هَذَا الْوَصْفِ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ؟ . ثُمَّ الرَّافِضَةُ يَتَنَاقَضُونَ، فَإِنَّهُمْ يَصِفُونَ عَلِيًّا بِأَنَّهُ كَانَ هُوَ النَّاصِرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَوْلَا هُوَ لَمَا قَامَ دِينُهُ، ثُمَّ يَصِفُونَهُ بِالْعَجْزِ وَالذُّلِّ الْمُنَافِي لِذَلِكَ. ¬

(¬1) أ، ب: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى (¬2) زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) أ، ب: فَمِنَ الْمَعْلُومِ. (¬4) ر، ص، هـ، و: يَعْلَمُهُ. (¬5) أ، ب: أَعْدَاءِ اللَّهِ. (¬6) لِلْمُؤْمِنِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَخَالِدٌ لَمْ يَزَلْ عَدُوًّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَذِّبًا لَهُ ". فَهَذَا كَانَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ مُكَذِّبِينَ لَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِ بَنِي هَاشِمٍ (¬1) ، مِثْلُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَخِيهِ رَبِيعَةَ، وَحَمْزَةَ عَمِّهِ، وَعَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ: " وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمُ الصَّدَقَاتِ، فَخَانَهُ وَخَالَفَهُ عَلَى أَمْرِهِ (¬2) وَقَتَلَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى شُوهِدَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» " ثُمَّ أَنْفَذَ إِلَيْهِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِتَلَافِي فَارِطَهُ (¬3) ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَرْضِيَ الْقَوْمَ مِنْ فِعْلِهِ ". فَيُقَالُ: هَذَا النَّقْلُ فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالتَّحْرِيفِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْلَمُ السِّيرَةَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لِيُسْلِمُوا، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَقَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَلَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِسْلَامٍ، فَقَتَلَهُمْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ، كَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِمَا. وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ (¬4) إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: ¬

(¬1) ن، م: وَغَيْرِهِمْ. (¬2) ن، م: وَخَالَفَ أَمْرَهُ. (¬3) أ، ب: فَارِطَتَهُ. (¬4) أ، ب: يَدَهُ.

" «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ (¬1) خَالِدٌ» " (¬2) . لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يُطَالِبَهُ اللَّهُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْعُدْوَانِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} سُورَةُ الشُّعَرَاءِ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا، وَأَرْسَلَ مَعَهُ مَالًا، فَأَعْطَاهُمْ نِصْفَ الدِّيَاتِ، وَضَمِنَ لَهُمْ مَا تَلِفَ حَتَّى مِيلَغَةَ الْكَلْبِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِمْ مَا بَقِيَ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَكُونَ بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ (¬3) .. وَمَعَ هَذَا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْزِلْ خَالِدًا عَنِ الْإِمَارَةِ (¬4) ، بَلْ مَا زَالَ يُؤَمِّرُهُ وَيُقَدِّمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ إِذَا جَرَى مِنْهُ خَطَأٌ أَوْ ذَنْبٌ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ، وَأُقِرَّ عَلَى وِلَايَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ خَالِدٌ مُعَانِدًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ كَانَ مُطِيعًا لَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْفِقْهِ وَالدِّينِ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ، فَخَفِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ (¬5) . وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّكَهُ عَلَى قَتْلِهِمْ. وَعَلِيٌّ كَانَ رَسُولًا فِي ذَلِكَ. ¬

(¬1) ص، هـ، و، م، ر: فَعَلَ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/100 - 101 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ، بَابُ إِذَا قَالُوا: صَبَأْنَا، وَلَمْ يُحْسِنُوا: أَسْلَمْنَا) ، 5/160 - 161 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ بَعْثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ) 8 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ رَفْعِ الْأَيْدِي فِي الدُّعَاءِ) ، 9 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ إِذَا قَضَى الْحَاكِمُ بِجَوْرٍ أَوْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهُوَ رَدٌّ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/208 - 209 (كِتَابُ آدَابِ الْقُضَاةِ، بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْحَاكِمِ إِذَا قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ) ; الْمُسْنَدِ (ط، الْمَعَارِفِ) 9/187 - 188. (¬3) انْظُرْ فِي ذَلِكَ: سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 4/70 - 74 ; السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ لِابْنِ كَثِيرٍ 3/591 - 593. وَمِيلَغَةُ الْكَلْبِ: مَا يُحْفَرُ مِنَ الْخَشَبِ لِيَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ (¬4) أ، ب: عَنْ إِمَارَتِهِ. (¬5) ن، م، ر، هـ: الْقِصَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَرْضِيَ الْقَوْمَ مِنْ فِعْلِهِ ". فَكَلَامُ جَاهِلٍ ; فَإِنَّمَا أَرْسَلَهُ لِإِنْصَافِهِمْ وَضَمَانِ مَا تَلِفَ لَهُمْ، لَا لِمُجَرَّدِ الِاسْتِرْضَاءِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَنْ خَالِدٍ: " إِنَّهُ خَانَهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَقَتَلَ الْمُسْلِمِينَ ". كَذِبٌ عَلَى خَالِدٍ ; فَإِنَّ خَالِدًا لَمْ يَتَعَمَّدْ خِيَانَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا مُخَالَفَةَ أَمْرِهِ، وَلَا قَتْلَ مَنْ هُوَ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ عِنْدَهُ، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ كَمَا أَخْطَأَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فِي الَّذِي قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَتْلُ السَّرِيَّةِ لِصَاحِبِ الْغُنَيْمَةِ الَّذِي قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ (¬1) وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} سُورَةُ النِّسَاءِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ، «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ قَالَ: " وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا [الْمَدِينَةَ] الْمَدِينَةَ: (¬2) بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي: " يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا. ¬

(¬1) أ، ب: غُنَيْمَتَهُ. (¬2) فِي (ب) فَقَطْ.

كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قتل مالك بن نويرة صبرا وهو مسلم وعرس بامرأته والرد عليه

قَالَ: " فَقَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ» (¬1) . [كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ صَبْرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ وَعَرَّسَ بِامْرَأَتِهِ والرد عليه] (فَصْلٌ) ر، ص، هـ: الْفَصْلُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ.. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لِقِتَالِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ قَتَلَ مِنْهُمْ أَلْفًا وَمِائَتَيْ نَفَرٍ (¬3) . مَعَ تَظَاهُرِهِمْ بِالْإِسْلَامِ، وَقَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ صَبْرًا (¬4) وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَعَرَّسَ (¬5) بِامْرَأَتِهِ (¬6) ، وَسَمَّوْا بَنِي حَنِيفَةَ أَهْلَ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الزَّكَاةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا إِمَامَتَهُ، وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ك: دِمَائَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَائَهُمْ. حَتَّى أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْا مَانِعَ الزَّكَاةِ مُرْتَدًّا، وَلَمْ يُسَمُّوا مَنِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَارَبَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُرْتَدًّا، مَعَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا عَلِيُّ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/560. (¬2) فِي (ك) ص [0 - 9] 15 (م) - 116 (م) . (¬3) ن، م: أَلْفَيْ وَمِائَتَيْ نَفَرٍ، ص، هـ: أَلْفَانِ وَمِائَتَيْ نَفَرٍ ; ك: أَلْفًا وَمِائَتَيْ نَفْسٍ (¬4) ك: ظُلْمًا. (¬5) ص، ب: وَأَعْرَسَ. (¬6) ك: وَعَرَّسَ لَيْلَةَ قَتْلِهِ بِامْرَأَتِهِ.

حَرْبُكَ حَرْبِي، وَسِلْمُكَ سِلْمِي حَرْبُكَ (¬1) . ، وَمُحَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ» ". وَالْجَوَابُ بَعْدُ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ الْمُفْتَرِينَ، أَتْبَاعِ الْمُرْتَدِّينَ * الَّذِينَ بَرَزُوا بِمُعَادَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، وَمَرَقُوا مِنَ الْإِسْلَامِ وَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَشَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَوَلَّوْا أَهْلَ الرِّدَّةِ وَالشِّقَاقِ * (¬2) .، فَإِنَّ هَذَا الْفَصْلَ وَأَمْثَالَهُ مِنْ كَلَامِهِمْ يُحَقِّقُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحِزْبِهِ [مِنْ أُصُولِهِمْ] (¬3) مِنْ جِنْسِ الْمُرْتَدِّينَ الْكُفَّارِ، كَالْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْيَمَامَةِ هُمْ بَنُو حَنِيفَةَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَقَالَ: إِنْ جَعَلَ مُحَمَّدٌ لِيَ (¬4) الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ آمَنْتُ بِهِ. ثُمَّ لَمَّا صَارَ إِلَى الْيَمَامَةِ ادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَشَهِدَ لَهُ الرَّجَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ (¬5) . . وَكَانَ قَدْ صَنَّفَ قُرْآنًا يَقُولُ فِيهِ: " وَالطَّاحِنَاتُ طَحْنًا، فَالْعَاجِنَاتُ عَجْنًا، فَالْخَابِزَاتُ خَبْزًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، إِنَّ الْأَرْضَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ¬

(¬1) حَرْبِي وَسِلْمُكَ سِلْمِي: كَذَا فِي (و) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: حَرْبِي حَرْبُكَ وسِلْمِي سِلْمُكَ (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) (¬3) عِبَارَةُ مِنْ أُصُولِهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (و) . (¬4) ص، ب: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ. (¬5) الرَّجَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ: كَذَا فِي (أ) ، (و) . وَفِي (ر) ، (ص) ،. (هـ) : الرَّحَّالُ بْنُ عُنْفُوَهْ. وَفِي (ن) ، (م) : الرَّجَّالُ مِنْ عُنْفُوَةَ. وَفِي " فُتُوحِ الْبُلْدَانِ " لِلْبَلَاذُرِيِّ 1/105 (تَحْقِيقُ صَلَاحِ الدِّينِ الْمُنْجِدِ، ط، النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ، الْقَاهِرَةِ 1956) : " فَلَمَّا انْصَرَفَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ إِلَى الْيَمَامَةِ ادَّعَى مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ النُّبُوَّةَ، وَشَهِدَ لَهُ الرَّجَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْرَكَهُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ فَاتَّبَعَهُ بَنُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ بِالْيَمَامَةِ " انْظُرْ 1/106. وَانْظُرِ: الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 6/323 ; الْأَعْلَامَ 8/125 - 126 (فِي تَرْجَمَةِ مُسَيْلِمَةَ وَسَمَّاهُ الزِّرِكْلِيُّ: الرَّحَّالَ)

قُرَيْشٍ نِصْفَيْنِ وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ لَا يَعْدِلُونَ ". [ (* وَمِنْهُ قَوْلُهُ لَعَنَهُ اللَّهُ: " يَا ضِفْدَعُ بِنْتُ ضِفْدَعِينَ، نِقِّى كَمْ تَنِقِّينَ، لَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينَ، وَلَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينَ، رَأْسُكِ فِي الْمَاءِ وَذَنَبُكِ فِي الطِّينِ "] (¬1) . وَمِنْهُ قَوْلُهُ لَعَنَهُ اللَّهُ: " الْفِيلُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ، لَهُ زَلُّومٌ (¬2) طَوِيلٌ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا الْجَلِيلِ " (¬3) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانِ السَّمِجِ الَّذِي قَالَ فِيهِ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِقَوْمِهِ لَمَّا قَرَءُوهُ عَلَيْهِ: " وَيْلَكُمْ أَيْنَ (¬4) . يَذْهَبُ بِعُقُولِكُمْ، إِنَّ هَذَا كَلَامٌ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِلٍّ * (¬5) (¬6) . وَكَانَ هَذَا الْكَذَّابُ قَدْ كَتَبَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ ". فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ ". فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَاتَلَهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بَعْدَ أَنْ قَاتَلَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ص، ب: زَنُّومٌ. (¬3) ر: لَجَلِيلٌ. (¬4) ن، م: أَنْ (¬5) أ، ب: مِنْ إِلَهٍ (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) .

خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّ، الَّذِي كَانَ أَيْضًا قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَاتَّبَعَهُ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ. فَلَمَّا نَصَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَزَمُوهُمْ، وَقُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ، وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ هَذَا، ذَهَبُوا (¬1) بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قِتَالِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ بِالْيَمَامَةِ، وَلَقِيَ الْمُؤْمِنُونَ فِي حَرْبِهِ شِدَّةً عَظِيمَةً، وَقُتِلَ فِي حَرْبِهِ طَائِفَةٌ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ (¬2) مِثْلُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ (¬3) ، وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ (¬4) . وَفِي الْجُمْلَةِ فَأَمْرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَادِّعَاؤُهُ النُّبُوَّةَ وَاتِّبَاعُ بَنِي حَنِيفَةَ لَهُ بِالْيَمَامَةِ، وَقِتَالُ الصِّدِّيقِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَمْرٌ مُتَوَاتِرٌ مَشْهُورٌ، قَدْ عَلِمَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، كَتَوَاتُرِ أَمْثَالِهِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْخَاصَّةُ، بَلْ عِلْمُ النَّاسِ بِذَلِكَ أَظْهَرُ مِنْ عِلْمِهِمْ بِقِتَالِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكَلَامِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْجَمَلَ وَصِفِّينَ، وَهَذَا الْإِنْكَارُ - وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا - فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا ص: أَنَّ أَحَدًا. أَنْكَرَ قِتَالَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَأَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَأَنَّهُمْ قَاتَلُوهُ (¬5) عَلَى ذَلِكَ. ¬

(¬1) ر: ثُمَّ ذَهَبُوا. (¬2) ن، م، و، هـ، ص: خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. (¬3) أ، ب، ص، و ; شَمَّاسٍ. (¬4) فِي نُسْخَةٍ (و) بَعْدَ كَلِمَةِ " وَغَيْرُهُمْ) تُوجَدُ عِبَارَةُ " وَقُرْآنُ مُسَيْلِمَةَ " ثُمَّ يُوجَدُ سَقْطٌ طَوِيلٌ سَأُشِيرُ إِلَى نِهَايَتِهِ فِي مَوْضِعِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ. (¬5) وَأَنَّهُمْ قَاتِلُوهُ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَأَنَّهُمْ قُوتِلُوا.

لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةَ مِنْ جَحْدِهِمْ لِهَذَا (¬1) وَجَهْلِهِمْ بِهِ بِمَنْزِلَةِ إِنْكَارِهِمْ لِكَوْنِ (¬2) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ دُفِنَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْكَارِهِمْ لِمُوَالَاةِ (¬3) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ بِالْخِلَافَةِ. بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ زَيْنَبُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ مِنْ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُنَّ لِخَدِيجَةَ مِنْ زَوْجِهَا الَّذِي كَانَ كَافِرًا قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عُمَرَ غَصَبَ بِنْتَ عَلِيٍّ حَتَّى زَوَّجَهُ بِهَا، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَ غَصْبًا فِي الْإِسْلَامِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ بَعَجُوا بَطْنَ فَاطِمَةَ حَتَّى أُسْقِطَتْ، وَهَدَمُوا سَقْفَ بَيْتِهَا عَلَى مَنْ فِيهِ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي يَعْلَمُ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ أَنَّهَا كَذِبٌ، فَهُمْ دَائِمًا يَعْمِدُونَ إِلَى الْأُمُورِ الْمَعْلُومَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ يُنْكِرُونَهَا، وَإِلَى الْأُمُورِ الْمَعْدُومَةِ الَّتِي لَا حَقِيقَةَ لَهَا يُثْبِتُونَهَا. فَلَهُمْ أَوْفَرُ نَصِيبٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ فَهُمْ يَفْتَرُونَ الْكَذِبَ وَيُكَذِّبُونَ بِالْحَقِّ، وَهَذَا حَالُ الْمُرْتَدِّينَ. وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ (¬4) . وَقَدْ عَلِمَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ، فَإِذَا كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّ أَهْلَ الْيَمَامَةِ مَظْلُومُونَ قُتِلُوا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَكَانُوا مُنْكِرِينَ لِقِتَالِ أُولَئِكَ ¬

(¬1) أ، ب: لِحَجْرِهِمْ لِهَذَا. (¬2) ب (فَقَطْ) : كَوْنِ. (¬3) ن، م: مُوَالَاةَ. (¬4) ر، هـ: عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ.

مُتَأَوِّلِينَ لَهُمْ، كَانَ هَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَلَفَ تَبَعٌ لِأُولَئِكَ السَّلَفِ، وَأَنَّ الصِّدِّيقَ وَأَتْبَاعَهُ يُقَاتِلُونَ الْمُرْتَدِّينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ. وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُمْ سَمَّوْا بَنِي حَنِيفَةَ مُرْتَدِّينَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الزَّكَاةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ". فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ وَأَبْيَنِهِ ; فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَاتَلَ بَنِي حَنِيفَةَ لِكَوْنِهِمْ آمَنُوا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَاعْتَقَدُوا نُبُوَّتَهُ. وَأَمَّا مَانِعُو الزَّكَاةِ فَكَانُوا قَوْمًا آخَرِينَ غَيْرَ بَنِي حَنِيفَةَ. وَهَؤُلَاءِ كَانَ قَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ شُبْهَةٌ فِي جَوَازِ قِتَالِهِمْ. وَأَمَّا بَنُو حَنِيفَةَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ أَحَدٌ فِي وُجُوبِ قِتَالِهِمْ (¬1) . وَأَمَّا مَانِعُو الزَّكَاةِ «فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا (¬2) عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ". فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ يَقُلْ: " إِلَّا بِحَقِّهَا " فَإِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّهَا. وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي [عَنَاقًا أَوْ] (¬3) عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ» " (¬4) . ¬

(¬1) هـ: فِي قِتَالِهِمْ ; ص: فِي جَوَازِ قِتَالِهِمْ. (¬2) ص: قَالُوا هَذَا. (¬3) عَنَاقًا أَوْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ص: عَلَى مَنْعِهِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/93 94 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ، بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ; مُسْلِمٍ 1/51 52 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الْأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. . . .) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/10 11 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَانِعِ الزَّكَاةِ) ; الْمُوَطَّأِ 1/269 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا) .

عود الرافضي إلى الكلام على معاوية رضي الله عنه والرد عليه

وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُقَاتِلُوهُمْ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُؤَدُّوهَا إِلَى الصِّدِّيقِ ; فَإِنَّهُمْ لَوْ أَعْطَوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ لِمُسْتَحِقِّيهَا (¬1) . وَلَمْ يُؤَدُّوهَا إِلَيْهِ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ. هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالُوا: إِذَا قَالُوا: نَحْنُ نُؤَدِّيهَا بِأَنْفُسِنَا وَلَا نَدْفَعُهَا إِلَى الْإِمَامِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ قِتَالُهُمْ. فَإِنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُقَاتِلْ أَحَدًا عَلَى طَاعَتِهِ، وَلَا أَلْزَمَ أَحَدًا بِمُبَايَعَتِهِ. وَلِهَذَا لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ سَعْدٌ (¬2) لَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى ذَلِكَ. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: " سَمَّوْا بَنِي حَنِيفَةَ أَهْلَ الرِّدَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الزَّكَاةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا إِمَامَتَهُ " مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ وَالْفِرْيَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " إِنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ قِتَالَ بَنِي حَنِيفَةَ ". [عود الرافضي إلى الكلام على معاوية رضي الله عنه والرد عليه] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَمْ يُسَمُّوا مَنِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَمُحَارَبَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، مُرْتَدًّا، مَعَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي وَسِلْمُكَ سِلْمِي» (¬3) وَمُحَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ " (¬4) . فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ: أَوَّلًا: دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْهُ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ، فَمَنِ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ؟ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ عُلَمَاءِ (¬5) الْحَدِيثِ ¬

(¬1) أ، ب: إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا (¬2) أ، ب،: لَمَّا تَخَلَّفَ سَعْدٌ عَنْ مُبَايَعَتِهِ. (¬3) أ، ب، ن، م، ر: حَرْبِي حَرْبُكَ وَسِلْمِي سِلْمُكَ. (¬4) عِنْدَ عِبَارَةِ: " كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ " تَبْدَأُ نُسْخَةُ (و) وَيَنْتَهِي السَّقْطُ الطَّوِيلُ فِيهَا. (¬5) عُلَمَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) ، (و) .

الْمَعْرُوفَةِ، وَلَا رُوِيَ بِإِسْنَادِ مَعْرُوفٍ. وَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونُوا قَدْ سَمِعُوهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ كُلٌّ مِنْهُمْ كُلَّ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ، وَلَا رُوِيَ بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ؟ بَلْ كَيْفَ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ؟ (¬1) . وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ قِتَالُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ بِأَمْرٍ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ رَأْيًا رَآهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (¬2) : " حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَخْبِرْنَا (¬3) عَنْ مَسِيرِكَ هَذَا: أَعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمْ رَأْيٌ رَأْيَتَهُ؟ قَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا (¬4) ، وَلَكِنَّهُ رَأْيٌ رَأْيَتُهُ ". وَلَوْ كَانَ مُحَارِبُ عَلِيٍّ مُحَارِبًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْتَدًّا، لَكَانَ عَلِيٌّ يَسِيرُ فِيهِمُ السِّيرَةَ فِي الْمُرْتَدِّينَ. وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْ عَلِيٍّ (¬5) يَوْمَ الْجَمَلِ لَمَّا قَاتَلَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَّبِعْ مُدْبِرَهُمْ، وَلَمْ يُجْهِزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَمْ يَغْنَمْ لَهُمْ مَالًا (¬6) ، وَلَا سَبَى (¬7) ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬2) كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ) . (¬3) أ، ب،: أَخْبِرْنِي. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ". (¬4) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: بِشَيْءٍ. (¬5) ن، م: وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ. (¬6) ر، ص، هـ: وَلَمْ يَغْنَمْ عَلِيٌّ لَهُمْ مَالًا. (¬7) أ، ب: وَلَمْ يَسْبِ.

لَهُمْ ذُرِّيَّةً، وَأَمَرَ مُنَادِيَهُ يُنَادِي (¬1) فِي عَسْكَرِهِ: أَنْ لَا يُتَّبَعَ لَهُمْ مُدْبِرٌ (¬2) ، وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ. وَلَوْ كَانُوا عِنْدَهُ مُرْتَدِّينَ لَأَجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتَّبَعَ مُدْبِرَهُمْ (¬3) . وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ: إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَلَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَلِمَ حَرَّمْتَ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَنَاظَرَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: كَانَتْ عَائِشَةُ فِيهِمْ، فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ أُمُّنَا كَفَرْتُمْ (¬4) بِكِتَابِ اللَّهِ، وَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ أُمُّنَا اسْتَحْلَلْتُمْ وَطْأَهَا (¬5) كَفَرْتُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ " (¬6) . وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الْجَمَلِ كَانَ يَقُولُ فِيهِمْ: إِخْوَانُنَا (¬7) بَغَوْا عَلَيْنَا طَهَّرَهُمُ السَّيْفُ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَتْلَى الطَّائِفَتَيْنِ. وَسَيَجِيءُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْضُ الْآثَارِ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ مُرْتَدِّينَ، وَقَدْ نَزَلَ الْحَسَنُ عَنْ (¬8) أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، ¬

(¬1) ن: وَأَمَرَ مُنَادٍ يُنَادِي ; أ: وَأَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى. (¬2) و: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ. (¬3) ن، م، و: وَلَوْ كَانُوا عِنْدَهُ مُرْتَدِّينَ لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ. (¬4) ص: فَقَدْ كَفَرْتُمْ. (¬5) أ، ب: سَبْيَهَا. (¬6) أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ " ص [0 - 9] 1 92 مُنَاقَشَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلْخَوَارِجِ مُفَصَّلَةً. (¬7) و: كَانُوا يَقُولُونَ إِخْوَانُنَا. (¬8) هـ: عَلَى.

وَسَلَّمَهُ (¬1) إِلَى كَافِرٍ مُرْتَدٍّ، كَانَ الْمَعْصُومُ عِنْدَهُمْ قَدْ سَلَّمَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُرْتَدِّينَ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضْلًا عَنِ الْمَعْصُومِينَ. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ (¬2) أُولَئِكَ مُرْتَدِّينَ، وَالْمُؤْمِنُونَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ، لَكَانَ الْكُفَّارُ (¬3) الْمُرْتَدُّونَ مُنْتَصِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ دَائِمًا. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ [: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} سُورَةُ غَافِرٍ، وَيَقُولُ فِي كِتَابِهِ] (¬4) : {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ - إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ - وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} سُورَةُ الصَّافَّاتِ، وَيَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ. وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ، الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّمَا لَهُمُ الذُّلُّ [وَالصَّغَارُ] (¬5) ، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} . وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الْآيَةَ، سُورَةُ الْحُجُرَاتِ، فَقَدْ جَعَلَهُمْ مُؤْمِنِينَ إِخْوَةً مَعَ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ¬

(¬1) ب: (فَقَطْ) : وَسَلَّمَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن، م، ص: فَلَوْ كَانَ. (¬3) أ، ب: الْكَافِرُونَ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م، ر، ص، هـ، و: إِنَّمَا لَهُمُ الذِّلَّةُ.

" «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» " (¬1) . وَقَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬2) . وَقَالَ لِعَمَّارٍ: " «تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " (¬3) لَمْ يَقُلِ: الْكَافِرَةُ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ (¬4) بِالْحَدِيثِ، وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ بِأَسَانِيدَ مُتَنَوِّعَةٍ، لَمْ يَأْخُذْ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. وَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِهَا. وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُفْتَرِقَتَيْنِ مُسْلِمَتَانِ، وَمَدَحَ مَنْ أَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَهُمَا. و [قَدْ] أَخْبَرَ (¬5) أَنَّهُ تَمْرُقُ مَارِقَةٌ وَأَنَّهُ تَقْتُلُهَا أَدْنَى (¬6) الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ. ثُمَّ يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ: لَوْ قَالَتْ لَكُمُ النَّوَاصِبُ (¬7) : عَلِيٌّ قَدِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ: وَقَاتَلَهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى رِيَاسَتِهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» " (¬8) . وَقَالَ: ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/306. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/539 540 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص [0 - 9] 13 420 (¬4) ن، م، و: بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. . (¬5) ن، م، ر، ص، هـ، و: وَأَخْبَرَ. (¬6) ن، م: أَوْلَى. (¬7) أ، ب: النَّاصِبَةُ. (¬8) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/15 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ) ، 8/15 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا يُنْهَى عَنِ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ) ; مُسْلِمٍ 1/81 (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سِبَابُ الْمُسْلِمِ. .) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/238 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّتْمِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1299 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ سِبَابِ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ. .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/235، 6/4 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِيهِ.

" «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» " (¬1) . فَيَكُونُ عَلِيٌّ كَافِرًا لِذَلِكَ - لَمْ تَكُنْ حُجَّتُكُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِهِمْ ; لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا صَحِيحَةٌ. وَأَيْضًا فَيَقُولُونَ: قَتْلُ النُّفُوسِ فَسَادٌ، فَمَنْ قَتَلَ النُّفُوسَ عَلَى طَاعَتِهِ كَانَ مُرِيدًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ. وَهَذَا حَالُ فِرْعَوْنَ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} سُورَةُ الْقَصَصِ فَمَنْ أَرَادَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ. وَلَيْسَ هَذَا كَقِتَالِ الصِّدِّيقِ لِلْمُرْتَدِّينَ وَلِمَانِعِي الزَّكَاةِ ; فَإِنَّ الصِّدِّيقَ إِنَّمَا قَاتَلَهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: لَا عَلَى طَاعَتِهِ. فَإِنَّ الزَّكَاةَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَا، وَعَلَى أَدَائِهَا، بِخِلَافِ مَنْ قَاتَلَ لِيُطَاعَ هُوَ. وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا: مَنْ قَالَ أَنَا أُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَلَا أُعْطِيهَا لِلْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَاتِلَهُ. وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَمَنْ يُجَوِّزُ الْقِتَالَ عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ جَوَّزَ قِتَالَ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَيُحْكَى هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/31 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ الْإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ) ; مُسْلِمٍ 1/81 82 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَرْجِعُوا. . .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/305 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/329 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابٌ فِي حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 7/316 317، وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْمُسْنَدِ

وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزِ الْقِتَالَ إِلَّا عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يُجَوِّزْ قِتَالَ هَؤُلَاءِ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَالَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانُوا مُمْتَنِعِينَ عَنْ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) . وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ، فَلِهَذَا كَانُوا مُرْتَدِّينَ، بِخِلَافِ مَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَكِنِ امْتَنَعَ عَنْ طَاعَةِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَمُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُقِرِّينَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَقَالُوا: نَحْنُ نَقُومُ بِالْوَاجِبَاتِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِي طَاعَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ، فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ . وَاعْلَمْ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ جَعَلُوا قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَقِتَالَ الْخَوَارِجِ جَمِيعًا مِنْ قِتَالِ الْبُغَاةِ، وَجَعَلُوا قِتَالَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ، وَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ، وَاتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ. وَأَمَّا الْقِتَالُ بِالْجَمَلِ وَصِفِّينَ (¬2) . فَهُوَ قِتَالُ فِتْنَةٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قِتَالُ مَانِعِي الزَّكَاةِ إِذَا كَانُوا مُمْتَنِعِينَ عَنْ أَدَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ عَنِ (¬3) . . الْإِقْرَارِ بِهَا ; فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ. ¬

(¬1) ص (فَقَطْ) : عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) ب (فَقَطْ) : وَأَمَّا قِتَالُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ (¬3) ن، م: وَعَنْ

(* وَأَهْلُ صِفِّينَ لَمْ يَبْدَءُوا عَلِيًّا بِالْقِتَالِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ لَا يُجَوِّزُونَ قِتَالَ الْبُغَاةِ إِلَّا أَنْ يَبْدَءُوا الْإِمَامَ [بِالْقِتَالِ] (¬1) ، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُجَوِّزُونَ (¬2) قِتَالَ مَنْ قَامَ بِالْوَاجِبِ، إِذَا كَانَتْ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ قَالَتْ: (¬3) لَا نُؤَدِّي زَكَاتَنَا إِلَى فُلَانٍ *) (¬4) . ; فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ. وَأَمَّا قِتَالُ الْبُغَاةِ الْمَذْكُورِينَ (¬5) فِي الْقُرْآنِ فَنَوْعٌ ثَالِثٌ غَيْرُ هَذَا وَهَذَا ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ ابْتِدَاءً، بَلْ أَمَرَ إِذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا حُكْمَ الْمُرْتَدِّينَ وَلَا حُكْمَ الْخَوَارِجِ (¬6) . وَالْقِتَالُ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فِيهِ نِزَاعٌ: هَلْ هُوَ (¬7) مِنْ بَابِ قِتَالِ الْبُغَاةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْقُرْآنِ؟ أَوْ هُوَ قِتَالُ فِتْنَةٍ الْقَاعِدُ فِيهِ (¬8) خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، فَالْقَاعِدُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ [بَعْدَهُمْ] (¬9) يَقُولُونَ: هُوَ قِتَالُ فِتْنَةٍ، لَيْسَ هُوَ قِتَالَ الْبُغَاةِ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ ; فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْبُغَاةِ ابْتِدَاءً لِمُجَرَّدِ بَغْيِهِمْ، بَلْ إِنَّمَا أَمَرَ إِذَا اقْتَتَلَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ. ¬

(¬1) بِالْقِتَالِ: زِيَادَةٌ فِي (ص) ، (ب) . (¬2) ب (فَقَطْ) : لَا يُجِيزُونَ. (¬3) ص، ب: وَقَالَتْ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) (¬5) ب (فَقَطْ) : الْمَذْكُورِ. (¬6) ن (فَقَطْ) : وَلَا حُكْمَ الْبُغَاةِ الْخَوَارِجِ. (¬7) ب (فَقَطْ) : أَهُوَ. (¬8) ن، م، و، هـ: فِيهَا. (¬9) بَعْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} يَعُودُ الضَّمِيرُ فِيهِ إِلَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يَعُودُ إِلَى طَائِفَةٍ مُؤْمِنَةٍ لَمْ تُقَاتِلْ. بِالتَّقْدِيرِ: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُؤْمِنَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، فَقَاتِلُوا الْبَاغِيَةَ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَمَتَى كَانَتْ طَائِفَةٌ بَاغِيَةٌ وَلَمْ تُقَاتِلْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ أَمْرٌ بِقِتَالِهَا. ثُمَّ إِنْ كَانَ قَوْلُهُ: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} سُورَةُ الْحُجُرَاتِ بَعْدَ الْإِصْلَاحِ فَهُوَ أَوْكَدُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الِاقْتِتَالِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ. وَحِينَئِذٍ فَأَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ إِنْ كَانُوا قَدْ بَغَوْا قَبْلَ الْقِتَالِ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِقِتَالِ مَنْ بَغَى وَلَمْ يُقَاتِلْ. وَإِنْ كَانَ بَغْيُهُمْ بَعْدَ الِاقْتِتَالِ وَالْإِصْلَاحِ وَجَبَ قِتَالُهُمْ، لَكِنَّ هَذَا لَمْ يُوجَدْ ; فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُصْلِحْ بَيْنَهُمَا (¬1) . (* وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَا " يَعْنِي إِذْ ذَاكَ. وَإِنْ كَانَ بَغْيُهُمْ (¬2) بَعْدَ الِاقْتِتَالِ *) (¬3) وَقَبْلَ الْإِصْلَاحِ، فَهُنَا إِذَا قِيلَ بِجَوَازِ الْقِتَالِ، فَهَذَا الْقَدْرُ إِنَّمَا حَصَلَ فِي أَثْنَاءِ الْقِتَالِ. وَحِينَئِذٍ فَشِلَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ وَنَكَلُوا عَنِ الْقِتَالِ (¬4) لَمَّا رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ. فَفِي الْحَالِ الَّتِي أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ فِيهَا لَمْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَفِي الْحَالِ الَّتِي قَاتَلُوهُمْ لَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ مَأْمُورًا بِهِ. فَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) ص، ب: بَيْنَهُمْ. (¬2) ص: بَغَى. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬4) الْقِتَالِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَنْ قِتَالِهِمْ.

أُولَئِكَ بُغَاةً مُعْتَدِينَ فَهَؤُلَاءِ مُفَرِّطُونَ مُقَصِّرُونَ، وَلِهَذَا ذَلُّوا وَعَجَزُوا وَتَفَرَّقُوا، وَلَيْسَ الْإِمَامُ مَأْمُورًا بِأَنْ يُقَاتِلَ بِمِثْلِ هَؤُلَاءِ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَالْبَحْثُ فِي هَذِهِ الدَّقَائِقِ مِنْ وَظِيفَةِ خَوَاصِّ أَهْلِ الْعِلْمِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ فِي تَكْفِيرِهِمْ ; فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ يَعْلَمُ فَسَادَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرْبُ عَلِيٍّ حَرْبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ رَسُولِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} سُورَةُ غَافِرٍ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ - إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ - وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} سُورَةُ الصَّافَّاتِ لَوَجَبَ أَنْ يُغْلَبَ مُحَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلِ الْخَوَارِجُ لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ، وَكَانُوا مِنْ جِنْسِ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، انْتَصَرَ عَلَيْهِمْ، كَمَا كَانَ يَنْتَصِرُ عَلَيْهِمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ تُبْتَلَى فِي حُرُوبِهِمْ، فَالْعَاقِبَةُ لَهَا. فَلَوْ كَانَتْ مُحَارَبَتُهُ مُحَارَبَةً لِلرَّسُولِ، لَكَانَ الْمُنْتَصِرُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ هُوَ. وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ يَطْلُبُ مُسَالَمَةَ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُهَادَنَتَهُ، وَأَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، كَمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ يَطْلُبُ (¬1) ذَلِكَ مِنْهُ أَوَّلَ [الْأَمْرِ] (¬2) . فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْقِتَالَ، وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا بِاجْتِهَادٍ، فَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْقِتَالِ ¬

(¬1) أ، ب: كَمَا كَانَ يَطْلُبُ مُعَاوِيَةُ. (¬2) أَوَّلَ الْأَمْرِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَوَّلًا.

الَّذِي يَكُونُ مُحَارِبُ أَصْحَابِهِ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَالْمُحَارِبُونَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ لَا يَكْفُرُونَ إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ. وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} سُورَةُ الْمَائِدَةِ هَلْ هِيَ فِي الْكُفَّارِ أَوْ فِي الْمُسْلِمِينَ؟ وَمَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} وَلَوْ كَانُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَلَا نَفْيِهِمْ (¬1) ; بَلْ يَجِبُ قَتْلُهُمْ فَإِنَّ الْمُرْتَدَّ يَجِبُ قَتْلُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي مُحَارَبَتِهِ مُجْتَهِدًا لَمْ يَكُنْ كَافِرًا، كَقَتْلِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِذَلِكَ الْمُسْلِمِ مُتَأَوِّلًا لَمْ يَكُنْ بِهِ كَافِرًا. وَإِنْ كَانَ اسْتِحْلَالُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ الْمَعْصُومِ كُفْرًا، وَكَذَلِكَ تَكْفِيرُ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» " (¬2) . وَمَعَ هَذَا إِذَا قَالَهَا مُتَأَوِّلًا لَمْ يَكْفُرْ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: ¬

(¬1) ن، م، ر، ص، هـ، و: لَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَطْعِهِمْ وَلَا نَفْيِهِمْ. (¬2) الْحَدِيثُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/26 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَنْ كَفَّرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) ; مُسْلِمٍ 1 79 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ حَالِ إِيمَانِ مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا كَافِرُ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4 132 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مَنْ رَمَى أَخَاهُ بِالْكُفْرِ) ; الْمُوَطَّأِ 2 984 (كِتَابُ الْكَلَامِ ; بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 6 314.

" «دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ وَأَمْثَالِهِ» "، وَكَقَوْلِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: " إِنَّكَ لَمُنَافِقٌ (¬1) تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ " فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ (¬2) . (فَصْلٌ (¬3)) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي قَوْلِهِ: شَرٌّ مِنْ إِبْلِيسَ مَنْ لَمْ يَسْبِقْهُ فِي سَالِفِ طَاعَتِهِ (¬5) ، وَجَرَى مَعَهُ فِي مَيْدَانِ مَعْصِيَتِهِ (¬6) . وَلَا شَكَّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ أَعْبَدَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ (¬7) ، وَكَانَ يَحْمِلُ الْعَرْشَ وَحْدَهُ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ (¬8) وَجَعَلَهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، وَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ فَاسْتَكْبَرَ فَاسْتَحَقَّ اللَّعْنَةَ وَالطَّرْدَ (¬9) . وَمُعَاوِيَةُ لَمْ يَزَلْ فِي الْإِشْرَاكِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ (¬10) إِلَى أَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ظُهُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، ثُمَّ اسْتَكْبَرَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي نَصْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ إِمَامًا (¬11) ، وَبَايَعَهُ ¬

(¬1) أ، ب: مُنَافِقٌ. (¬2) أ، ب: الْإِفْكِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. (¬3) ر، ص، هـ: الْفَصْلُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ. (¬4) فِي (ك) ص [0 - 9] 16 (م) . (¬5) طَاعَتِهِ: كَذَا فِي (ك) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: طَاعَةٍ. (¬6) مَعْصِيَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . وَفِي (ص) ، (ب) ، (و) : مَعْصِيَةٍ. وَفِي (ر) : الْمَعْصِيَةِ. (¬7) أَعْبَدَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: كَذَا فِي (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَعْبَدَ الْمَلَائِكَةِ. (¬8) ك: اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬9) ك: وَاسْتَحَقَّ الطَّرْدَ وَاللَّعْنَ. (¬10) و: الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ. (¬11) ك: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِمَامًا.

الْكُلُّ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ (¬1) وَجَلَسَ مَكَانَهُ، فَكَانَ (¬2) شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ ". فَيُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ وَالْخُرُوجِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَكُلِّ دِينٍ، بَلْ وَعَنِ الْعَقْلِ الَّذِي يَكُونُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ، مَا لَا يَخْفَى عَنْ مَنْ تَدَبَّرَهُ. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ (¬3) إِبْلِيسَ أَكْفَرُ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ، وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ فَمِنْ أَتْبَاعِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} سُورَةُ ص وَهُوَ الْآمِرُ [لَهُمْ] (¬4) بِكُلِّ قَبِيحٍ الْمُزَيِّنُ لَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدٌ شَرًّا مِنْهُ؟ لَا سِيَّمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا سِيَّمَا مِنَ الصَّحَابَةِ؟ . وَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ: " شَرٌّ مِنْ إِبْلِيسَ مَنْ لَمْ يَسْبِقْهُ فِي سَالِفِ طَاعَةٍ، وَجَرَى مَعَهُ فِي مَيْدَانِ الْمَعْصِيَةِ " (¬5) يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ إِبْلِيسَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ فِي سَالِفِ طَاعَةٍ، وَجَرَى مَعَهُ فِي مَيْدَانِ الْمَعْصِيَةِ. وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» " (¬6) . ثُمَّ هَلْ يَقُولُ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: إِنَّ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ؟ أَوَ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ ¬

(¬1) ك: بَعْدَ عُثْمَانَ. (¬2) ن، م: وَكَانَ. (¬3) أ، ب: فَإِنَّ. (¬4) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) عِبَارَةُ " وَجَرَى مَعَهُ فِي مَيْدَانِ الْمَعْصِيَةِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) . وَفِي (ب) : مَيْدَانِ مَعْصِيَةٍ. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 2/407.

الْإِسْلَامِ؟ وَقَائِلُ هَذَا كَافِرٌ كُفْرًا مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ مِنَ الدِّينِ. وَعَلَى هَذَا فَالشِّيعَةُ دَائِمًا يُذْنِبُونَ، فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمْ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ. ثُمَّ إِذَا قَالَتِ الْخَوَارِجُ: إِنَّ عَلِيًّا أَذْنَبَ فَيَكُونُ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ - لَمْ يَكُنْ لِلرَّوَافِضِ (¬1) حُجَّةٌ إِلَّا دَعْوَى عِصْمَتِهِ (¬2) . وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُقِيمُوا حُجَّةً عَلَى الْخَوَارِجِ بِإِيمَانِهِ وَإِمَامَتِهِ وَعَدَالَتِهِ، فَكَيْفَ يُقِيمُونَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ بِعِصْمَتِهِ؟ وَلَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ تَقْدِرُ أَنْ تُقِيمَ الْحُجَّةَ بِإِيمَانِهِ وَإِمَامَتِهِ، لِأَنَّ مَا تَحْتَجُّ بِهِ الرَّافِضَةُ مَنْقُوضٌ وَمُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، فَيَبْطُلُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} سُورَةُ طه، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ آدَمُ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَوَازِمُ هَذَا الْقَوْلِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَسَادِ يَفُوقُ الْحَصْرَ وَالتَّعْدَادَ. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَهَذَا الْكَلَامُ كَلَامٌ بِلَا حُجَّةٍ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ. فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ مَنْ لَمْ يَسْبِقْهُ فِي سَالِفِ طَاعَةٍ وَجَرَى مَعَهُ فِي مَيْدَانِ مَعْصِيَةٍ؟ (¬3) وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَجْرِي مَعَ إِبْلِيسَ فِي مَيْدَانِ مَعْصِيَتِهِ كُلِّهَا، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْآدَمِيِّينَ مَنْ يُسَاوِي إِبْلِيسَ فِي مَعْصِيَتِهِ، بِحَيْثُ يُضِلُّ النَّاسَ كُلَّهُمْ وَيُغْوِيهِمْ. وَأَمَّا طَاعَةُ إِبْلِيسَ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ حَابِطَةٌ بِكُفْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (¬4) ، (* فَإِنَّ الرِّدَّةَ ¬

(¬1) أ، ب: لِلرَّافِضَةِ. (¬2) ن، م: إِلَّا دَعْوَى عِصْمَتِهِ وَحُجَّتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. (¬3) ر، هـ، ص، أ، ب: الْمَعْصِيَةِ. (¬4) ب: (فَقَطْ) : بِكُفْرِهِ وَرِدَّتِهِ.

تُحْبِطُ الْعَمَلَ، فَمَا تَقَدَّمَ (¬1) مِنْ طَاعَتِهِ: إِنْ كَانَ طَاعَةً فَهِيَ حَابِطَةٌ بِكُفْرِهِ وَرِدَّتِهِ *) (¬2) ، وَمَا يَفْعَلُهُ مِنَ الْمَعَاصِي لَا يُمَاثِلُهُ أَحَدٌ فِيهِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ شَرًّا مِنْهُ، وَصَارَ نَظِيرُ هَذَا الْمُرْتَدَّ الَّذِي يَقْتُلُ النُّفُوسَ وَيَزْنِي وَيَفْعَلُ عَامَّةَ الْقَبَائِحِ بَعْدَ سَابِقِ طَاعَاتِهِ، فَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى تِلْكَ الطَّاعَاتِ الْحَابِطَةِ، وَشَارَكَهُ فِي قَلِيلٍ مِنْ مَعَاصِيهِ، لَا يَكُونُ شَرًّا مِنْهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدٌ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ؟ . وَهَذَا يَنْقُضُ أُصُولَ الشِّيعَةِ: حَقَّهَا وَبَاطِلَهَا. وَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ، وَكَانُوا أَحْيَانًا يَعْصُونَهُ، شَرًّا مِنَ الَّذِينَ امْتَنَعُوا عَنْ مُبَايَعَتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ عَبَدُوا اللَّهَ قَبْلَهُمْ، وَأُولَئِكَ جَرَوْا مَعَهُمْ فِي مَيْدَانِ الْمَعْصِيَةِ. وَيُقَالُ: ثَالِثًا: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ [كَانَ] (¬3) أَعْبَدَ الْمَلَائِكَةِ؟ وَأَنَّهُ كَانَ (¬4) يَحْمِلُ الْعَرْشَ وَحْدَهُ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ؟ أَوْ أَنَّهُ (¬5) كَانَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ فِي الْجُمْلَةِ؟ أَوْ أَنَّهُ كَانَ طَاوُوسَ الْمَلَائِكَةِ؟ أَوْ أَنَّهُ مَا تَرَكَ فِي السَّمَاءِ رُقْعَةً وَلَا فِي الْأَرْضِ بُقْعَةً إِلَّا وَلَهُ فِيهَا سَجْدَةٌ وَرَكْعَةٌ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ. فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِالنَّقْلِ الصَّادِقِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا فِي ذَلِكَ خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَلْ يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هَذَا فِي أُصُولِ الدِّينِ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْجَاهِلِينَ؟ ! . ¬

(¬1) ن، م: فِيمَا تَقَدَّمَ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ص) . (¬3) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أ، ب: أَوْ كَانَ. (¬5) ن، م: وَأَنَّهُ.

وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: " وَلَا شَكَّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ أَعْبَدَ الْمَلَائِكَةِ ". فَيُقَالُ: مَنِ الَّذِي قَالَ هَذَا مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ؟ وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ عَالِمٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالنَّقْلِ، وَلَمْ يَنْقِلْ هَذَا أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [لَا] (¬1) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ. فَإِنْ كَانَ قَالَهُ بَعْضُ الْوُعَّاظِ أَوِ الْمُصَنِّفِينَ فِي الرَّقَائِقِ، أَوْ بَعْضُ مَنْ يَنْقُلُ فِي التَّفْسِيرِ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مَا لَا إِسْنَادَ لَهُ (¬2) ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي جُرْزَةِ بَقْلٍ (¬3) ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ فِي جَعْلِ إِبْلِيسَ خَيْرًا (* مِنْ كُلِّ مَنْ عَصَى اللَّهَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَيَجْعَلُ الصَّحَابَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِبْلِيسُ خَيْرٌ مِنْهُمْ *) (¬4) ؟ . وَمَا وَصَفَ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِبْلِيسَ بِخَيْرٍ قَطُّ وَلَا بِعِبَادَةٍ (¬5) مُتَقَدِّمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (5 مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عِبَادَةٌ لَكَانَتْ قَدْ حَبِطَتْ بِكُفْرِهِ وَرِدَّتِهِ 5) (¬6) . وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: " لَا شَكَّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ الْعَرْشَ ¬

(¬1) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) أ، ب: مَا لَا أَصْلَ لَهُ. (¬3) و: فِي نَقْلٍ. وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَالْجُرْزَةُ ": الْحُزْمَةُ مِنَ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ ". (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬5) ب (فَقَطْ) : بِخَيْرٍ قَطُّ وَلَا بِعِبَادَةٍ. . . (¬6) (5 - 5) : سَاقِطٌ مِنْ (و) .

وَحْدَهُ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ " فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ! هَلْ قَالَ ذَلِكَ (¬1) أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ (¬2) الْمُسْلِمِينَ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ؟ وَهَلْ يَتَكَلَّمُ بِذَلِكَ إِلَّا مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ؟ فَإِنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ - لَوْ كَانَ حَقًّا - إِلَّا بِنَقْلِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَيْسَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. ثُمَّ حَمْلُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْعَرْشَ (¬3) خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ (¬4) . [ثُمَّ مَا بَالُهُ حَمَلَ الْعَرْشَ وَحْدَهُ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ وَلَمْ يَكُنْ (¬5) يَحْمِلُهُ وَحْدَهُ دَائِمًا؟] (¬6) وَمَنِ الَّذِي نَقَلَ أَنَّ إِبْلِيسَ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ؟ . وَهَذَا مِنْ أَكْذَبِ الْكَذِبِ (¬7) ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى (¬8) يَقُولُ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} سُورَةُ غَافِرٍ، [فَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ حَمَلَةً لَا وَاحِدًا، وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُؤْمِنُونَ مُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، مُسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا] (¬9) . ¬

(¬1) أ، ب: هَذَا. (¬2) ر، ص: عَالِمُ ; هـ: عَالِمُ أَحَدِ. . . (¬3) ن، م: لِلْعَرْشِ. (¬4) و: الْمَنْقُولَاتُ الصَّحِيحَةُ. (¬5) ر، هـ: ثُمَّ مَا بَالُهُ حَمَلَهُ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ ; ص: ثُمَّ مَا بَالُهُ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) و: الْحَدِيثِ. (¬8) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَاللَّهُ تَعَالَى. (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَإِذَا قِيلَ: هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْحَمْلِ [الْمُطْلَقِ] ، لَيْسَ (¬1) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ لَهُ حَمَلَةٌ. قِيلَ: قَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ لَهُ حَمَلَةٌ، كَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ (¬2) ، «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْعَرْشَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِحَمْلِهِ. قَالُوا: رَبَّنَا كَيْفَ نَحْمِلُ عَرْشَكَ وَعَلَيْهِ عَظَمَتُكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ (¬3) ، فَقَالُوهَا، فَأَطَاقُوا حَمْلَهُ» " (¬4) . وَيُقَالُ: رَابِعًا: إِنَّ إِبْلِيسَ كَفَرَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ (¬5) : {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} سُورَةُ ص، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ حَبِطَ بِكُفْرِهِ. كَذَلِكَ غَيْرُهُ (¬6) إِذَا كَفَرَ حَبِطَ عَمَلُهُ، فَأَيْنَ تَشْبِيهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ ! . وَيُقَالُ: خَامِسًا: قَوْلُهُ: " إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَزَلْ فِي الْإِشْرَاكِ إِلَى أَنْ أَسْلَمَ " بِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ فِيمَا قُصِدَ بِهِ الْجَمْعُ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} سُورَةُ الْأَنْفَالِ، وَتَابَ مِنْ شِرْكِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} سُورَةُ التَّوْبَةِ. وَإِبْلِيسُ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ فَحَبِطَ إِيمَانُهُ بِكُفْرِهِ، وَذَاكَ حَبِطَ كُفْرُهُ ¬

(¬1) ن، م، و: إِنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْحَمَلَةِ لَيْسَ. (¬2) ن، م: عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنْ صَالِحٍ. (¬3) ن: بِاللَّهِ الْعَلِيِّ. (¬4) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ مَرَاجِعَ. (¬5) أ، ب: كَمَا قَالَ تَعَالَى. (¬6) ص: كَذَلِكَ قَوْلُهُ.

بِإِيمَانِهِ (¬1) ، فَكَيْفَ يُقَاسُ مَنْ آمَنَ بَعْدَ الْكُفْرِ بِمَنْ كَفَرَ بَعْدَ الْإِيمَانِ؟ ! (¬2) . وَيُقَالُ: سَادِسًا: قَدْ ثَبَتَ إِسْلَامُ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُدَّعِيًا دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ لَوْ لَمْ يُعْلَمْ كَذِبُ دَعْوَاهُ، فَكَيْفَ إِذَا عُلِمَ كَذِبُ دَعْوَاهُ، وَأَنَّهُ مَا زَالَ عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَى أَنْ مَاتَ، كَمَا عُلِمَ بَقَاءُ غَيْرِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ فَالطَّرِيقُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ [بَقَاءُ إِسْلَامِ] (¬3) أَكْثَرِ النَّاسِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، يُعْلَمُ بِهِ بَقَاءُ إِسْلَامِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْمُدَّعِي لِارْتِدَادِ مُعَاوِيَةَ وَعُثْمَانَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَيْسَ هُوَ أَظْهَرَ حُجَّةً مِنَ الْمُدَّعِي لِارْتِدَادِ عَلِيٍّ. فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لِارْتِدَادِ عَلِيٍّ كَاذِبًا، فَالْمُدَّعِي لِارْتِدَادِ هَؤُلَاءِ أَظْهَرُ كَذِبًا، لِأَنَّ الْحُجَّةَ عَلَى بَقَاءِ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ أَظْهَرُ، وَشُبْهَةُ (¬4) الْخَوَارِجِ أَظْهَرُ مِنْ شُبْهَةِ الرَّوَافِضِ. وَيُقَالُ: سَابِعًا: هَذِهِ الدَّعْوَى إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً، فَفِيهَا مِنَ الْقَدْحِ وَالْغَضَاضَةِ بِعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا مَالَا يَخْفَى. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَغْلُوبًا (¬5) مَعَ الْمُرْتَدِّينَ، وَكَانَ الْحَسَنُ قَدْ سَلَّمَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُرْتَدِّينَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَهَرَ الْمُرْتَدِّينَ، فَيَكُونُ نَصْرُ اللَّهِ لِخَالِدٍ عَلَى الْكُفَّارِ (¬6) ¬

(¬1) ن، م، و، ر، ص، هـ: وَإِبْلِيسُ كَفَرَ فَذَاكَ حَبِطَ كُفْرُهُ بِإِيمَانِهِ، وَإِبْلِيسُ حَبِطَ إِيمَانُهُ بِكُفْرِهِ. (¬2) أ، ب: بَعْدَ كُفْرٍ بِمَنْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانٍ. (¬3) بَقَاءُ إِسْلَامِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) وَسَقَطَتْ " بَقَاءُ " مِنْ (م) ، (و) . (¬4) ن، م: وَشُبَهُ. (¬5) ن: مَعْلُومًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) أ، ب: عَلَى الْمُرْتَدِّينَ.

أَعْظَمَ مِنْ نَصْرِهِ لِعَلِيٍّ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَدْلٌ لَا يَظْلِمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَيَكُونُ مَا اسْتَحَقَّهُ خَالِدٌ مِنَ النَّصْرِ أَعْظَمَ مِمَّا اسْتَحَقَّهُ عَلِيٌّ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْهُ. [بَلْ] (¬1) وَكَذَلِكَ جُيُوشُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَنُوَّابِهِمْ ; [فَإِنَّهُمْ] (¬2) كَانُوا مَنْصُورِينَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَلِيٌّ عَاجِزٌ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أَيْضًا. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 139] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 35] . وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَا مُعَاوِيَةَ إِلَى السَّلْمِ فِي آخِرِ (¬3) الْأَمْرِ، لَمَّا عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ عَنْ بِلَادِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ [مِنْهُمَا] (¬4) عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 139] فَإِنْ (¬5) كَانَ أَصْحَابُهُ مُؤْمِنِينَ وَأُولَئِكَ مُرْتَدِّينَ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا الْأَعْلَيْنَ، وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ. [وَيُقَالُ ثَامِنًا] (¬6) مَنْ قَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَكْبَرَ عَنْ طَاعَةِ ¬

(¬1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) فَإِنَّهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: أَوَاخِرِ. (¬4) مِنْهُمَا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) ن، م، و: فَإِذَا. (¬6) وَيُقَالُ ثَامِنًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

اللَّهِ فِي نَصْبِ (¬1) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِمَ قُلْتَ: إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّ وِلَايَتَهُ صَحِيحَةٌ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؟ . فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَبِهَةِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ إِلَّا بَعْدَ بَحْثٍ وَنَظَرٍ، بِخِلَافٍ مَنْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى طَاعَتِهِ. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَصَى يَكُونُ مُسْتَكْبِرًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ. وَالْمَعْصِيَةُ تَصْدُرُ تَارَةً عَنْ شَهْوَةٍ، وَتَارَةً عَنْ كِبْرٍ، وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى كُلِّ عَاصٍ بِأَنَّهُ مُسْتَكْبِرٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ كَاسْتِكْبَارِ إِبْلِيسَ؟ ! . وَيُقَالُ تَاسِعًا: قَوْلُهُ: " وَبَايَعَهُ الْكُلُّ بَعْدَ عُثْمَانَ ". إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا حُجَّةً فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً فَمُبَايَعَتُهُمْ لِعُثْمَانَ كَانَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهَا أَعْظَمَ. وَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَ الْمُمْتَنِعَ عَنْ طَاعَةِ عُثْمَانَ كَافِرًا، بَلْ مُؤْمِنًا تَقِيًّا. وَيُقَالُ عَاشِرًا: اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلَى مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ [عَلَى قَوْلِكُمْ] (¬2) أَكْمَلَ، وَأَنْتُمْ وَغَيْرُكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا تَخَلَّفَ عَنْهَا مُدَّةً. فَيَلْزَمُ [عَلَى قَوْلِكُمْ] (¬3) أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ مُسْتَكْبِرًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِي نَصْبِ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهِ إِمَامًا، فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ كُفْرُ عَلِيٍّ بِمُقْتَضَى حُجَّتِكُمْ، أَوْ بُطْلَانُهَا فِي نَفْسِهَا. وَكُفْرُ عَلِيٍّ بَاطِلٌ، فَلَزِمَ (¬4) بُطْلَانُهَا. وَيُقَالُ: حَادِي عَشَرَ قَوْلُكُمْ: " بَايَعَهُ الْكُلُّ بَعْدَ عُثْمَانَ ". مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِمَّا النِّصْفُ، وَإِمَّا أَقَلُّ ¬

(¬1) نَصْبِ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: نَصْرِ. (¬2) عَلَى قَوْلِكُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) ، (ر) . (¬3) عَلَى قَوْلِكُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) ، (ر) . (¬4) ن، م: فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ. .

أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يُبَايِعُوهُ، وَلَمْ يُبَايِعْهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَلَا ابْنُ عُمَرَ وَلَا غَيْرُهُمَا. وَيُقَالُ: ثَانِي عَشَرَ: قَوْلُكُمْ: " إِنَّهُ جَلَسَ مَكَانَهُ ". كَذِبٌ ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَطْلُبِ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ ابْتِدَاءً، وَلَا ذَهَبَ إِلَى عَلِيٍّ لِيَنْزِعَهُ عَنْ (¬1) إِمَارَتِهِ، وَلَكِنِ امْتَنَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ (¬2) مُبَايَعَتِهِ، وَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَالِيًا عَلَى مَنْ كَانَ وَالِيًا عَلَيْهِ (¬3) فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَلَمَّا جَرَى حُكْمُ الْحَكَمَيْنِ إِنَّمَا كَانَ مُتَوَلِّيًا عَلَى رَعِيَّتِهِ فَقَطْ. فَإِنْ أُرِيدَ بِجُلُوسِهِ فِي مَكَانِهِ أَنَّهُ اسْتَبَدَّ بِالْأَمْرِ دُونَهُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، فَهَذَا صَحِيحٌ، لَكِنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: إِنِّي لَمْ أُنَازِعْهُ شَيْئًا هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي مَا يُوجِبُ عَلَيَّ دُخُولِي (¬4) فِي طَاعَتِهِ. وَهَذَا الْكَلَامُ سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا لَا يُوجِبُ كَوْنَ صَاحِبِهِ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ، وَمَنْ جَعَلَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ، فَمَا أَبْقَى غَايَةً فِي الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْعُدْوَانِ عَلَى خَيْرِ الْقُرُونِ (¬5) فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ، وَاللَّهُ يَنْصُرُ رُسُلَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، وَالْهَوَى إِذَا بَلَغَ بِصَاحِبِهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ أَخْرَجَ صَاحِبَهُ عَنْ رِبْقَةِ الْعَقْلِ، فَضْلًا عَنِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ بَلِيَّةٍ، وَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُذِلَّ أَصْحَابَ مِثْلِ هَذَا ¬

(¬1) أ، ب: مِنْ. (¬2) أ، ب: مِنْ. (¬3) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ص) ، (ب) . وَفِي (ر) : عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. (¬4) و: دُخُولًا. (¬5) ن، م: عَلَى خَيْرِ الْفِرَقِ ; هـ، و: عَلَى خِيَارِ الْقُرُونِ.

كلام الرافضي على يوم مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليه

الْكَلَامِ (¬1) ، وَيَنْتَصِرَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ - مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّهِ وَغَيْرِهِمْ - مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ الظَّالِمِينَ (¬2) . [كلام الرافضي على يوم مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَتَمَادَى بَعْضُهُمْ فِي التَّعَصُّبِ حَتَّى اعْتَقَدَ (¬4) إِمَامَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَعَ مَا صَدَرَ عَنْهُ (¬5) مِنَ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ مِنْ قَتْلِ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ وَنَهْبِ أَمْوَالِهِ وَسَبْيِ نِسَائِهِ وَدَوَرَانِهِمْ (¬6) فِي الْبِلَادِ عَلَى الْجَمَالِ بِغَيْرِ قَتَبٍ، وَمَوْلَانَا زَيْنُ الْعَابِدِينَ مَغْلُولُ الْيَدَيْنِ، وَلَمْ يَقْنَعُوا بِقَتْلِهِ حَتَّى رَضُّوا أَضْلَاعَهُ وَصَدْرَهُ بِالْخُيُولِ، وَحَمَلُوا رُءُوسَهُمْ عَلَى الْقَنَا مَعَ أَنَّ مَشَايِخَهُمْ رَوَوْا (¬7) أَنَّ يَوْمَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ مَطَرَتِ (¬8) السَّمَاءُ دَمًا. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فِي " شَرْحِ الْوَجِيزِ " وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " أَنَّ الْحُمْرَةَ ظَهَرَتْ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ وَلَمْ تُرَ (¬9) قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَيْضًا: مَا رُفِعَ حَجَرٌ فِي الدُّنْيَا ¬

(¬1) ص: مِثْلَ أَصْحَابِ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ ; ب: مِثْلَ أَصْحَابِ هَذَا الْكَلَامِ. (¬2) و:. . وَغَيْرِهِمْ مِنْهُمْ. (¬3) فِي (ك) ص [0 - 9] 16 (م) . (¬4) ك، ر: اعْتَقَدُوا. (¬5) أ، ب: مِنْهُ. (¬6) ك: الدَّوَرَانِ، وَسَائِرُ النُّسَخِ: وَذَرَارِيَّهُمْ. (¬7) ص، ب: رَأَوْا. (¬8) أ، ب: أَمْطَرَتْ ; ك: قَطَرَتْ. (¬9) ك: مُنْذُ يَوْمِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُرَ.

إِلَّا وَتَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ، وَلَقَدْ مَطَرَتِ (¬1) السَّمَاءُ مَطَرًا بَقِيَ (¬2) أَثَرُهُ فِي الثِّيَابِ (¬3) مُدَّةً حَتَّى تَقَطَّعَتْ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ قَاتِلِي (¬4) الْحُسَيْنِ إِلَّا وَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا (¬5) : إِمَّا بِالْقَتْلِ وَإِمَّا بِالْعَمَى (¬6) أَوْ سَوَادِ الْوَجْهِ أَوْ زَوَالِ الْمُلْكِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ. وَكَانَ (¬7) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ الْوَصِيَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ (¬8) فِي وَلَدَيْهِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَيَقُولُ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ وَدِيعَتِي (¬9) عِنْدَكُمْ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الشُّورَى: 23] . وَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُهُ: " وَتَمَادَى بَعْضُهُمْ فِي التَّعَصُّبِ حَتَّى اعْتَقَدَ إِمَامَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ". إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ (¬10) ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَهَذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ (¬11) الْمُسْلِمِينَ. ¬

(¬1) أ، ب: أَمْطَرَتْ، ك: وَقَدْ قَطَرَتْ. (¬2) ك: أَبْقَى (¬3) أ، و، ص، ر، هـ: النَّبَاتِ. (¬4) ب، ص: قَتَلَةِ ; وَفِي (و) : مِمَّنْ قَاتَلَ ; ن، م، ك: مَنْ قَاتَلَ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬5) فِي الدُّنْيَا: لَيْسَتْ فِي (ك) ز (¬6) ك: أَوِ الْعَمَى. (¬7) ك: وَقَدْ كَانَ. (¬8) ن، م: بِالْمُسْلِمِينَ. (¬9) وَدِيعَتِي: كَذَا فِي: (ب) ، (ك) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَدَيَّ. (¬10) ب، ص: الْمُهْتَدِينَ. (¬11) ب: الْعُلَمَاءِ

وَإِنِ اعْتَقَدَ مِثْلَ هَذَا بَعْضُ الْجُهَّالِ، كَمَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْجُهَّالِ مِنَ الْأَكْرَادِ (¬1) وَنَحْوِهِمْ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ يَزِيدَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ (¬2) ، وَبَعْضُهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ [الْمَهْدِيِّينَ] (¬3) ، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يُحْكَى قَوْلُهُمْ. وَهُمْ مَعَ هَذَا الْجَهْلِ خَيْرٌ مِنْ جُهَّالِ الشِّيعَةِ وَمَلَاحِدَتِهِمُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ إِلَهِيَّةَ عَلِيٍّ أَوْ نُبُوَّتَهُ، أَوْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ بَاطِنَ الشَّرِيعَةِ يُنَاقِضُ (¬4) ظَاهِرَهَا، كَمَا تَقُولُهُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ (¬5) وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ خَوَاصِّهِمُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ، وَيُنْكِرُونَ الْمَعَادَ، بَلْ غُلَاتُهُمْ يَجْحَدُونَ الصَّانِعَ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَنَّهُ نَسَخَ شَرِيعَتَهُ، وَيَعْتَقِدُونَ فِي أَئِمَّتِهِمْ، كَالَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمَهْدِيَّ وَأَوْلَادِهِ، مِثْلِ الْمُعِزِّ وَالْحَاكِمِ وَأَمْثَالِهِمْ: أَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ مَعْصُومُونَ. فَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ عِصْمَةَ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ كُلِّهِمْ كَانَ خَيْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ; فَإِنَّ خُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ مُسْلِمُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَذُنُوبُهُمْ مِنْ جِنْسِ ذُنُوبِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسُوا كُفَّارًا مُنَافِقِينَ. وَهَؤُلَاءِ الْبَاطِنِيَّةُ هُمْ فِي الْبَاطِنِ أَكْفَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَمَنِ اعْتَقَدَ عِصْمَةَ هَؤُلَاءِ كَانَ أَعْظَمَ جَهْلًا وَضَلَالًا مِمَّنِ اعْتَقَدَ عِصْمَةَ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ ¬

(¬1) ن، م: بَعْضِ جُهَّالِ الْأَكْرَادِ. (¬2) (ن) فَقَطْ: مِنَ الْأَنْصَارِ. (¬3) الْمَهْدِيِّينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ: (ن) ، (م) . (¬4) أ، ب: يُخَالِفُ. (¬5) أ، ب: كَمَا تَقُولُهُ مَلَاحِدَةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ.

وَبَنِي الْعَبَّاسِ، بَلْ وَلَوِ اعْتَقَدَ مُعْتَقِدٌ عِصْمَةَ سَائِرِ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ، الَّذِينَ هُمْ مُسْلِمُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لَكَانَ خَيْرًا مِمَّنِ اعْتَقَدَ عِصْمَةَ هَؤُلَاءِ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجَهْلَ الَّذِي يُوجَدُ فِيمَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ أَهْلِ السُّنَّةِ، يُوجَدُ فِي الشِّيعَةِ مِنَ الْجَهْلِ مَا هُوَ أَعْظَمُ [مِنْهُ] (¬1) ، لَا سِيَّمَا وَجَهْلُ أُولَئِكَ أَصْلُهُ جَهْلُ نِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ لَا جَهْلُ تَأْوِيلٍ وَبِدْعَةٍ. وَهَؤُلَاءِ أَصْلُ جَهْلِهِمْ لَمْ يَكُنْ جَهْلَ نِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ، بَلْ جَهْلَ بِدْعَةٍ وَتَأْوِيلٍ وَقِلَّةِ عِلْمٍ بِالشَّرِيعَةِ. وَلِهَذَا إِذَا تَبَيَّنَ لِهَؤُلَاءِ حَقِيقَةُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ [مُحَمَّدًا] (¬2) رَسُولَهُ رَجَعُوا عَنْ جَهْلِهِمْ وَبِدْعَتِهِمْ. وَأَمَّا أَئِمَّةُ الْمَلَاحِدَةِ فَيَعْلَمُونَ فِي الْبَاطِنِ أَنَّ مَا يَقُولُونَهُ مُنَاقِضٌ لِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ وَضَعَ نَامُوسًا بِعَقْلِهِ وَفَضِيلَتِهِ، فَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نَضَعَ نَامُوسًا كَمَا وَضَعَ نَامُوسًا، إِذْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمْ مُكْتَسَبَةً، وَهِيَ [عِنْدَهُمْ] (¬3) مِنْ جِنْسِ فَضِيلَةِ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ، وَالشَّرَائِعُ مِنْ جِنْسِ سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ الْعَادِيَّةِ، فَيُجَوِّزُونَ أَنْ تُنْسَخَ شَرِيعَتُهُ بِشَرِيعَةٍ يَضَعُهَا الْوَاحِدُ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْعَامَّةِ، فَأَمَّا الْخَاصَّةُ إِذَا عَلِمُوا بَاطِنَهَا فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُمُ الْوَاجِبَاتُ وَتُبَاحُ لَهُمُ الْمَحْظُورَاتُ. وَهَؤُلَاءِ وَنَحْوُهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، بَلْ إِذَا قُدِّرَ قَوْمٌ يَعْتَقِدُونَ عِصْمَةَ الْوَاحِدِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَوْ بَنِي الْعَبَّاسِ، أَوْ أَنَّهُ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ ¬

(¬1) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) مُحَمَّدًا: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬3) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . 1 -

لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، كَمَا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ أَتْبَاعِ بَنِي أُمَيَّةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْخَلِيفَةَ يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْهُ الْحَسَنَاتِ وَيَتَجَاوَزُ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ ; فَهَؤُلَاءِ مَعَ ضَلَالِهِمْ أَقَلُّ ضَلَالًا مِمَّنْ يَقُولُ بِإِمَامَةِ الْمُنْتَظَرِ وَالْعَسْكَرِيِّينَ وَنَحْوِهِمْ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا (¬1) الْعِصْمَةَ وَالْإِمَامَةَ فِي مَعْدُومٍ أَوْ فِيمَنْ [لَيْسَ] (¬2) لَهُ سُلْطَانٌ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَكْثَرُ مِمَّا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأُولَئِكَ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْإِمَامَ لَهُ حَسَنَاتٌ (¬3) كَثِيرَةٌ تَغْمُرُ سَيِّئَاتِهِ. وَهَذَا مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ حَسَنَاتٌ تَغْمُرُ سَيِّئَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُشْهَدُ بِهِ لِمُعَيَّنٍ إِلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْيِينِ. أَمَّا كَوْنُ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَدْيَنُ مَعْصُومًا عَنِ الْخَطَأِ فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ; بَلْ دَعْوَى الْعِصْمَةِ فِيمَنْ سِوَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْوَى بَاطِلَةٌ قَطْعًا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ أُولَئِكَ مَعَ جَهَالَتِهِمْ (¬4) هُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ وَأَقَلُّ جَهْلًا مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّوَافِضِ (¬5) ، وَأَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ يَزِيدَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَكُنْ جَهْلُهُ وَضَلَالُهُ أَعْظَمَ مِنْ جَهْلِ وَضَلَالِ مَنِ اعْتَقَدَ الْإِلَهِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ فِي شُيُوخِ الشِّيعَةِ، لَا سِيَّمَا شُيُوخِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ، الَّذِينَ هُمْ أَكْفَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَتْبَاعُهُمْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِمُ الْإِلَهِيَّةَ. ¬

(¬1) (ن) فَقَطْ: إِنِ اعْتَقَدُوا. (¬2) لَيْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: أَنَّ لِلْإِمَامِ حَسَنَاتٍ. (¬4) مَعَ جَهَالَتِهِمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَعَ جَهْلٍ فِيهِمْ. (¬5) أ، ب: الرَّافِضَةِ.

وَأَمَّا عُلَمَاءُ أَهْلِ (¬1) السُّنَّةِ الَّذِينَ لَهُمْ قَوْلٌ [يُحْكَى] (¬2) فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ يَزِيدَ وَأَمْثَالَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ (¬3) ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ: " «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ (¬4) ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» " (¬5) . وَإِنْ أَرَادَ بِاعْتِقَادِهِمْ (¬6) إِمَامَةَ يَزِيدَ، أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ (¬7) مَلِكَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَخَلِيفَتَهُمْ فِي زَمَانِهِ (¬8) صَاحِبَ السَّيْفِ، كَمَا كَانَ أَمْثَالُهُ مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، فَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَمَنْ نَازَعَ فِي هَذَا كَانَ مُكَابِرًا ; فَإِنَّ يَزِيدَ بُويِعَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ مُعَاوِيَةَ، وَصَارَ مُتَوَلِّيًا عَلَى أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتُشْهِدَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَهِيَ أَوَّلُ سَنَةٍ فِي مُلْكِ يَزِيدَ. وَالْحُسَيْنُ اسْتُشْهِدَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْبِلَادِ. ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا (¬9) جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَزِيدَ مَا جَرَى مِنَ الْفِتْنَةِ، وَاتَّبَعَهُ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحِجَازِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ إِظْهَارُهُ طَلَبَ الْأَمْرِ لِنَفْسِهِ (¬10) بَعْدَ ¬

(¬1) أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) . (¬2) يُحْكَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) ص، ب: الْمُهْتَدِينَ. (¬4) ب (فَقَطْ) : بِالنُّبُوَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/515. (¬6) ب (فَقَطْ) : اعْتِقَادَهُمْ. (¬7) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ص) ، (ب) . (¬8) ص، ب: زَمَانِهِمْ. (¬9) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬10) ص: وَكَانَ مِنْ إِظْهَارِهِ طَلَبَ إِمْرِهِ لِنَفْسِهِ ; ر: وَكَانَ إِظْهَارُهُ طَلَبَ إِمْرِهِ لِنَفْسِهِ.

مَوْتِ يَزِيدَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تَسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَايَعَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ إِلَّا أَهْلَ الشَّامِ. وَلِهَذَا إِنَّمَا تُعَدُّ وِلَايَتُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِ يَزِيدَ، وَأَمَّا فِي حَيَاةِ يَزِيدَ فَإِنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ مُبَايَعَتِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ بَذَلَ الْمُبَايَعَةَ لَهُ، فَلَمْ يَرْضَ يَزِيدُ إِلَّا بِأَنْ يَأْتِيَهُ أَسِيرًا، فَجَرَتْ بَيْنَهُمَا فِتْنَةٌ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَزِيدُ مَنْ حَاصَرَهُ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ يَزِيدُ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَلَمَّا مَاتَ يَزِيدُ بَايَعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ. وَتَوَلَّى بَعْدَ يَزِيدَ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ (¬1) وَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ (¬2) ، بَلْ أَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهَا، وَكَانَ فِيهِ صَلَاحٌ وَزُهْدٌ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا، فَتَأَمَّرَ بَعْدَهُ مَرْوَانُ [بْنُ الْحَكَمِ] (¬3) عَلَى الشَّامِ، وَلَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ (¬4) ، ثُمَّ تَأَمَّرَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَسَارَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ نَائِبِ أَخِيهِ عَلَى الْعِرَاقِ، فَقَتَلَهُ حَتَّى مَلَكَ الْعِرَاقَ، وَأَرْسَلَ الْحَجَّاجَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ [فَحَاصَرَهُ] (¬5) وَقَاتَلَهُ، حَتَّى قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَاسْتَوْثَقَ الْأَمْرُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ لِأَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَفُتِحَ فِي أَيَّامِهِ بُخَارَى وَغَيْرُهَا مِنْ بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَتَحَهَا قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ نَائِبُ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الَّذِي كَانَ نَائِبَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ، مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ، وَقَاتَلَ الْمُسْلِمُونَ مَلِكَ التُّرْكِ خَاقَانَ وَهَزَمُوهُ وَأَسَرُوا أَوْلَادَهُ، وَفَتَحُوا أَيْضًا بِلَادَ السِّنْدِ، وَفَتَحُوا أَيْضًا بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ، وَغَزَوُا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَحَاصَرُوهَا مُدَّةً، وَكَانَتْ لَهُمُ الْغَزَوَاتُ الشَّاتِيَةُ (¬6) وَالصَّائِفَةُ. ¬

(¬1) بْنُ يَزِيدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) ن: إِمَامَتُهُ ; م: مُدَّتُهُ. (¬3) بْنُ الْحَكَمِ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) أ، ب: فَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ. (¬5) فَحَاصَرَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: الْعِرَاقُ الشَّاتِيَةُ. . .، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

ثُمَّ لَمَّا انْتَقَلَ الْأَمْرُ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ (¬1) تَوَلَّوْا عَلَى بِلَادِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا كَانَ قَدْ تَوَلَّى عَلَيْهِ بَنُو أُمَيَّةَ، إِلَّا بِلَادَ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ الْأَنْدَلُسَ تَوَلَّى عَلَيْهِ بَنُو أُمَيَّةَ، وَبِلَادُ الْقَيْرَوَانِ كَانَتْ دَوْلَةً بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. فَيَزِيدُ فِي وِلَايَتِهِ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ، مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَخْلَفِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَايَعَهُ بِمَكَّةَ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ، لَمْ يَتَوَلَّ عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا أَنَّ وَلَدَ الْعَبَّاسِ لَمْ يَتَوَلَّوْا عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُمْ تَوَلَّوْا عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ وَمُعَاوِيَةُ تَوَلَّوْا عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَتَوَلَّ عَلَى جَمِيعِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. فَكَوْنُ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ إِمَامًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ وَمَعَهُ السَّيْفُ يُوَلِّي وَيَعْزِلُ، وَيُعْطِي وَيَحْرِمُ، وَيَحْكُمُ وَيُنَفِّذُ (¬2) ، وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَيُجَاهِدُ الْكُفَّارَ، وَيَقْسِمُ الْأَمْوَالَ - أَمْرٌ مَشْهُورٌ (¬3) مُتَوَاتِرٌ لَا يُمْكِنُ جَحْدُهُ. وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ إِمَامًا وَخَلِيفَةً وَسُلْطَانًا، كَمَا أَنَّ إِمَامَ الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَإِذَا رَأَيْنَا رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ كَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إِمَامٌ أَمْرًا مَشْهُودًا مَحْسُوسًا لَا يُمْكِنُ الْمُكَابَرَةُ فِيهِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا، أَوْ مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا، فَذَاكَ أَمْرٌ آخَرُ. ¬

(¬1) بَنِي الْعَبَّاسِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَدِ الْعَبَّاسِ. (¬2) ص: وَيَنْفِي. (¬3) ر، ص، هـ: مَشْهُودٌ

فَأَهْلُ السُّنَّةِ إِذَا اعْتَقَدُوا إِمَامَةَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ: يَزِيدَ، أَوْ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَوِ الْمَنْصُورِ، أَوْ غَيْرِهِمْ - كَانَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَمَنْ نَازَعَ فِي هَذَا فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ نَازَعَ فِي وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَفِي مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ مَعْصُومًا، فَلَيْسَ هَذَا اعْتِقَادَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (¬1) ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ عَادِلًا فِي كُلِّ أُمُورِهِ، مُطِيعًا لِلَّهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، لَيْسَ هَذَا اعْتِقَادَ أَحَدٍ (¬2) مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ وُجُوبُ طَاعَتِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ، لَيْسَ هُوَ اعْتِقَادَ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَكِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ يُشَارِكُونَ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَتُصَلَّى خَلْفَهُمُ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ (¬3) وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُقِيمُونَهَا هُمْ، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُصَلَّ خَلْفَهُمْ أَفْضَى إِلَى تَعْطِيلِهَا، وَنُجَاهِدُ مَعَهُمُ الْكُفَّارَ، وَنَحُجُّ مَعَهُمُ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، وَيُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ حَجَّ (¬4) فِي رُفْقَةٍ لَهُمْ ذُنُوبٌ وَقَدْ جَاءُوا يَحُجُّونَ، لَمْ يَضُرَّهُ هَذَا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الْغَزْوُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، إِذَا فَعَلَهَا الْبَرُّ وَشَارَكَهُ فِي ذَلِكَ الْفَاجِرُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ شَيْئًا، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ فِعْلُهَا (¬5) إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ ¬

(¬1) أ، ب: مِنَ الْعُلَمَاءِ. (¬2) ص: وَاحِدٍ. (¬3) ب: فَنُصَلِّي خَلْفَهُمُ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ ; أ: فَيُصَلِّي خَلْفَهُمُ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ. (¬4) أ، ب: أَنْ يَحُجَّ. (¬5) ن، أ، ب، و، ر: لَمْ يَكُنْ فَعَلَهَا.

الْوَالِي الَّذِي يَفْعَلُهَا فِيهِ مَعْصِيَةٌ؟ ! وَيُسْتَعَانُ بِهِمْ أَيْضًا فِي الْعَدْلِ فِي الْحُكْمِ وَالْقَسْمِ ; فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَاقِلٌ (¬1) أَنْ يُنَازِعَ فِي أَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَقَسْمِهِمْ، وَيُعَاوِنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا يُعَاوِنُونَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَلِلنَّاسِ نِزَاعٌ فِي تَفَاصِيلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا، مِثْلَ إِنْفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْفَاسِقِ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ عَدْلًا، وَمِثْلَ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ هَلْ تُعَادُ أَمْ لَا؟ وَالصَّوَابُ (¬2) الْجَامِعُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِعَدْلٍ أَوْ قَسَمَ بِعَدْلٍ نَفَذَ حُكْمُهُ وَقَسْمُهُ (¬3) ، وَمَنْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ أُعِينَ عَلَى ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَوْلِيَةُ إِمَامٍ [بَرٍّ] لَمْ [يَجُزْ] تَوْلِيَةُ فَاجِرٍ وَلَا مُبْتَدِعٍ (¬4) يُظْهِرُ بِدْعَتَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَا يَجُوزُ (¬5) تَوْلِيَتُهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا تَوْلِيَةُ أَحَدِ رَجُلَيْنِ كِلَاهُمَا فِيهِ بِدْعَةٌ وَفُجُورٌ، كَانَ تَوْلِيَةُ أَصْلَحِهِمَا وِلَايَةً هُوَ الْوَاجِبُ. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فِي الْغَزْوِ إِلَّا تَأْمِيرُ أَحَدِ رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِيهِ دِينٌ وَضَعْفٌ عَنِ الْجِهَادِ، وَالْآخَرُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي الْجِهَادِ مَعَ ذُنُوبٍ لَهُ، كَانَ تَوْلِيَةُ هَذَا الَّذِي وِلَايَتُهُ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ، خَيْرًا مِنْ تَوْلِيَةِ مَنْ وِلَايَتُهُ أَضَرُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ ¬

(¬1) فِي كُلِّ النُّسَخِ: عَاقِلًا. (¬2) ن، م: وَالْجَوَابُ. (¬3) أ، ب: وَقِسْمَتُهُ. (¬4) ن، م: فَإِنْ أَمْكَنَ تَوْلِيَةُ إِمَامٍ لَمْ يُوَلَّ مُبْتَدِعٌ وَلَا فَاجِرٌ. (¬5) ن، و: فَلَا يَجُوزُ.

وَالْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهِمَا إِلَّا خَلْفَ الْفَاجِرِ وَالْمُبْتَدِعِ صُلِّيَتْ خَلْفَهُ وَلَمْ تُعَدْ، وَإِنْ أَمْكَنَ الصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِ (¬1) ، وَكَانَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ هَجْرٌ لَهُ، لِيَرْتَدِعَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ بِهِ عَنِ الْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ، فُعِلَ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ صُلِّيَ خَلْفَهُ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ. فَفِي الْجُمْلَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ يَجْتَهِدُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» " (¬2) ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّلَاحِ وَنَهَى عَنِ الْفَسَادِ، فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ صَلَاحٌ وَفَسَادٌ رَجَّحُوا الرَّاجِحَ مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ رَجَّحُوا فِعْلَهُ، وَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاحِهِ رَجَّحُوا تَرْكَهُ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا. فَإِذَا تَوَلَّى خَلِيفَةٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ، كَيَزِيدَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَالْمَنْصُورِ وَغَيْرِهِمْ، * فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ مَنْعُهُ مِنَ الْوِلَايَةِ وَقِتَالُهُ حَتَّى يُوَلَّى (¬3) غَيْرُهُ * (¬4) كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَرَى السَّيْفَ، فَهَذَا رَأْيٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّ مَفْسَدَةَ هَذَا (¬5) أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ. وَقَلَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ ذِي سُلْطَانٍ إِلَّا كَانَ ¬

(¬1) ن، م: غَيْرِهِمْ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/551. (¬3) ن، م: يَتَوَلَّى. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬5) أ، ب، هـ، ر، ص: فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُ.

مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنَ الشَّرِّ أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنَ الْخَيْرِ. كَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى يَزِيدَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَابْنِ الْأَشْعَثِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْعِرَاقِ، وَكَابْنِ الْمُهَلَّبِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى ابْنِهِ (¬1) بِخُرَاسَانَ، وَكَأَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِمْ بِخُرَاسَانَ [أَيْضًا] (¬2) ، وَكَالَّذِينَ (¬3) خَرَجُوا عَلَى الْمَنْصُورِ بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ. وَغَايَةُ هَؤُلَاءِ إِمَّا أَنْ يَغْلِبُوا وَإِمَّا أَنْ يُغْلَبُوا، ثُمَّ يَزُولُ مُلْكُهُمْ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ عَاقِبَةٌ ; فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ وَأَبَا مُسْلِمٍ هُمَا اللَّذَانِ (¬4) قَتَلَا خَلْقًا كَثِيرًا، وَكِلَاهُمَا قَتَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ. وَأَمَّا أَهْلُ الْحَرَّةِ وَابْنُ الْأَشْعَثِ وَابْنُ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرُهُمْ (¬5) فَهُزِمُوا وَهُزِمَ أَصْحَابُهُمْ، فَلَا أَقَامُوا دِينًا وَلَا أَبْقَوْا دُنْيَا. وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ (¬6) الْمُتَّقِينَ وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُحْمَدُوا مَا فَعَلُوهُ (¬7) مِنَ الْقِتَالِ، وَهُمْ أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَحْسَنُ نِيَّةً مِنْ غَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرَّةِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَلْقٌ. وَكَذَلِكَ ¬

(¬1) أ، ب، و، هـ، ص: أَبِيهِ. (¬2) أَيْضًا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَالَّذِينَ. (¬4) ن: هُمُ الَّذِينَ ; م هُمَا الَّذَيْنِ، وَمَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (و) ، وَسَقَطَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬5) وَغَيْرُهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) أ، ب: عِبَادِ اللَّهِ. (¬7) أ، و: لَمْ يُحْمَدُوا عَلَى مَا فَعَلُوهُ.

أَصْحَابُ ابْنِ الْأَشْعَثِ كَانَ فِيهِمْ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ [كُلِّهِمْ] (¬1) . وَقَدْ قِيلَ لِلشَّعْبِيِّ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ: أَيْنَ كُنْتَ يَا عَامِرُ؟ قَالَ: كُنْتُ حَيْثُ يَقُولُ الشَّاعِرُ عَوَى الذِّئْبُ فَاسْتَأْنَسْتُ بِالذِّئْبِ إِذْ عَوَى ... وَصَوَّتَ إِنْسَانٌ فَكِدْتُ أَطِيرُ. أَصَابَتْنَا فِتْنَةٌ لَمْ نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلَا فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ. وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: إِنَّ الْحَجَّاجَ عَذَابُ اللَّهِ، فَلَا تَدْفَعُوا عَذَابَ اللَّهِ بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالِاسْتِكَانَةِ وَالتَّضَرُّعِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 76] وَكَانَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ يَقُولُ: اتَّقَوُا الْفِتْنَةَ بِالتَّقْوَى. فَقِيلَ لَهُ: أَجْمِلْ لَنَا التَّقْوَى. فَقَالَ: أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ، تَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَخَافُ عَذَابَ اللَّهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا. وَكَانَ أَفَاضِلُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى يَزِيدَ، وَكَمَا كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ. وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا فِي عَقَائِدِهِمْ، وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ ¬

(¬1) كُلِّهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) .

الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَاتَلَ فِي الْفِتْنَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ. وَبَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ يَشْتَبِهُ بِالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْبَابِ وَاعْتَبَرَ أَيْضًا اعْتِبَارَ أُولِي الْأَبْصَارِ، عَلِمَ أَنَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ خَيْرُ الْأُمُورِ. وَلِهَذَا لَمَّا أَرَادَ الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ لَمَّا كَاتَبُوهُ كُتُبًا كَثِيرَةً أَشَارَ عَلَيْهِ أَفَاضِلُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْلَا الشَّفَاعَةُ لَأَمْسَكْتُكَ وَمَنَعْتُكَ مِنَ الْخُرُوجِ. وَهُمْ فِي ذَلِكَ قَاصِدُونَ نَصِيحَتَهُ طَالِبُونَ لِمَصْلَحَتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِالصَّلَاحِ لَا بِالْفَسَادِ، لَكِنَّ الرَّأْيَ يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ أُولَئِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْخُرُوجِ لَا مَصْلَحَةُ دِينٍ وَلَا مَصْلَحَةُ دُنْيَا (¬1) ، بَلْ تَمَكَّنَ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ الطُّغَاةُ مِنْ سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَتَلُوهُ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَكَانَ فِي خُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ حَصَلَ (¬2) لَوْ قَعَدَ فِي بَلَدِهِ، فَإِنَّ مَا قَصَدَهُ مِنْ تَحْصِيلِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ زَادَ الشَّرُّ بِخُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ، وَنَقَصَ ¬

(¬1) أ، ب: إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْخُرُوجِ مَصْلَحَةٌ لَا فِي دِينٍ وَلَا فِي دُنْيَا. (¬2) أ، ب، و: يَحْصُلُ.

الْخَيْرُ بِذَلِكَ، وَصَارَ ذَلِكَ (¬1) سَبَبًا لِشَرٍّ عَظِيمٍ. وَكَانَ قَتْلُ الْحُسَيْنِ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ، كَمَا كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ هُوَ أَصْلَحُ الْأُمُورِ لِلْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ صَلَاحٌ بَلْ فَسَادٌ. وَلِهَذَا أَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحَسَنِ بِقَوْلِهِ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬2) وَلَمْ يُثْنِ عَلَى أَحَدٍ لَا بِقِتَالٍ فِي فِتْنَةٍ وَلَا بِخُرُوجٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا نَزْعِ يَدٍ مِنْ طَاعَةٍ وَلَا مُفَارَقَةٍ لِلْجَمَاعَةِ. وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا. كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ". فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ سَيِّدٌ، وَحَقَّقَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ [عَظِيمَتَيْنِ] (¬3) مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ مَحْبُوبًا (¬4) مَمْدُوحًا يُحِبُّهُ اللَّهُ ¬

(¬1) ذَلِكَ سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْكِتَابِ: 1/539 540. (¬3) عَظِيمَتَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مَحْبُوبًا: فِي (ن) ، (م) ، (و) فَقَطْ.

وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ الَّتِي أَثْنَى بِهَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا لَمْ يُثْنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَحَدٍ (¬1) بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ. وَلِهَذَا لَمْ يُثْنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَحَدٍ (¬2) بِمَا جَرَى مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَضْلًا عَمَّا جَرَى فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْحَرَّةِ، وَمَا جَرَى بِمَكَّةَ فِي حِصَارِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَا جَرَى فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ وَابْنِ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ. وَلَكِنْ تَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالنَّهْرَوَانِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ عَلَيْهِ بِحَرُورَاءَ ; فَهَؤُلَاءِ اسْتَفَاضَتِ السُّنَنُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ، وَلَمَّا قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرِحَ بِقِتَالِهِمْ، وَرَوَى الْحَدِيثَ فِيهِمْ. وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ، وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقِتَالُ [عِنْدَهُمْ] (¬3) كَقِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ، وَلَا حَمِدَهُ أَفَاضِلُ الدَّاخِلِينَ فِيهِ، بَلْ نَدِمُوا عَلَيْهِ وَرَجَعُوا عَنْهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ ذَكَرَ فِي الْحَسَنِ مَا ذَكَرَهُ، وَحَمِدَ مِنْهُ مَا حَمِدَهُ، [فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ وَمَا حَمِدَهُ] (¬4) مُطَابِقًا لِلْحَقِّ الْوَاقِعِ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً ; فَإِنَّ إِصْلَاحَ اللَّهِ بِالْحَسَنِ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ ¬

(¬1) عَلَى أَحَدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (¬3) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ز (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

كَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتُشْهِدَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَالْحَسَنُ حِينَ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عُمُرُهُ نَحْوَ سَبْعِ سِنِينَ، فَإِنَّهُ وُلِدَ عَامَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَبُو بَكْرَةَ أَسْلَمَ عَامَ الطَّائِفِ، تَدَلَّى بِبَكْرَةٍ فَقِيلَ لَهُ أَبُو بَكْرَةَ (¬1) . وَالطَّائِفُ كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ. فَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَسَنِ كَانَ بَعْدَ مَا مَضَى ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثِينَ سَنَةً الَّتِي هِيَ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَضَى لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَهً، فَإِنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬2) مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ «عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» " (¬3) . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَمْعُهُ بَيْنَ الْحَسَنِ وَأُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّهُ يُحِبُّهُمَا [وَدُعَاؤُهُ اللَّهَ أَنْ يُحِبَّهُمَا] (¬4) . وَحُبُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذَيْنِ (¬5) مُسْتَفِيضٌ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ (¬6) : «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) فِي الْإِصَابَةِ 3/542 أَنَّ اسْمَهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ، وَيُقَالُ ابْنُ مَسْرُوحٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " وَكَانَ تَدَلَّى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ بِبَكْرَةٍ فَاشْتُهِرَ بِأَبِي بَكْرَةَ ". (¬2) ن، م: وَلَا يُنَاسِبُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحِ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 39. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) ن: لِهَذَا ; م: لَهُمَا. (¬6) أ، ب: يَقُولُ.

وَالْحَسَنَ [بْنَ عَلِيٍّ] (¬1) عَلَى عَاتِقِهِ [وَهُوَ] (¬2) يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ» " (¬3) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ [شَأْنُ] (¬4) الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ [قَالُوا] (¬5) : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ (¬6) بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ؟ (¬7) وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ هَذَا؟ لَيْتَ هَذَا ¬

(¬1) بْنَ عَلِيٍّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) وَهُوَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا مَضَى 4/48. وَأَمَّا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/26 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .، بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ) ; مُسْلِمٍ 4/1883 ((كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ. . .) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/327 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ. .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/283 284 ; فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ 2/768، 781. (¬4) شَأْنُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) قَالُوا: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) و: رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أُسَامَةُ. . (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَجَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: 5/23 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . ; بَابُ ذِكْرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) ; 4/175 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ. . . .) ، 8/160 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ) ; مُسْلِمٍ 3/1315 1316 (كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ قِطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ. .) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/188 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابٌ فِي الْحَدِّ يُشْفَعُ فِيهِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ.

عِنْدِي! قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَمَا تَعْرِفُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ. قَالَ: فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأْسَهُ، وَنَقَرَ بِيَدَيْهِ (¬1) عَلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَحَبَّهُ (¬2) . وَهَذَانِ اللَّذَانِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَحَبَّتِهِ، وَدَعَا اللَّهَ لَهُمَا بِالْمَحَبَّةِ، وَكَانَ يُعْرَفُ حُبُّهُ لِكُلِّ [وَاحِدٍ] (¬3) مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، لَمْ يَكُنْ رَأْيُهُمَا الْقِتَالَ فِي تِلْكَ الْحُرُوبِ، بَلْ أُسَامَةُ قَعَدَ عَنِ الْقِتَالِ يَوْمَ صِفِّينَ: لَمْ يُقَاتِلْ مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا [مَعَ] هَؤُلَاءِ (¬4) . وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ كَانَ دَائِمًا (¬5) يُشِيرُ عَلَى أَبِيهِ وَأَخِيهِ بِتَرْكِ الْقِتَالِ، وَلَمَّا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ تَرَكَ الْقِتَالَ، وَأَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي آخِرِ الْأَمْرِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي فِعْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُقْتَلْ إِلَّا مَظْلُومًا شَهِيدًا، تَارِكًا لِطَلَبِ الْإِمَارَةِ (¬6) ، طَالِبًا لِلرُّجُوعِ: إِمَّا إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ إِلَى الثَّغْرِ (¬7) ، أَوْ إِلَى الْمُتَوَلِّي عَلَى النَّاسِ يَزِيدَ. ¬

(¬1) بِيَدَيْهِ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (و) ، الْبُخَارِيِّ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِيَدِهِ. (¬2) هَذَا الْأَثَرُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/24 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَابُ ذِكْرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) . (¬3) وَاحِدٍ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَلَا هَؤُلَاءِ. (¬5) أ، ب: دَائِمًا كَانَ. وَسَقَطَتْ " دَائِمًا " مِنْ (ص) . (¬6) ن، م، و: تَارِكًا لِلْقِتَالِ. (¬7) ن، م: وَإِمَّا إِلَى الثَّغْرِ.

وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ إِنَّمَا تَرَكَا الْقِتَالَ [فِي آخِرِ الْأَمْرِ] (¬1) لِلْعَجْزِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْصَارٌ (¬2) ، فَكَانَ فِي الْمُقَاتَلَةِ قَتْلُ النُّفُوسِ بِلَا حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ. قِيلَ لَهُ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي رَاعَاهَا الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَنَدَبَ إِلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُونَ لِذَلِكَ يَرَوْنَ أَنَّ مَقْصُودَهُمُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا بِالْحَرَّةِ وَبِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ عَلَى يَزِيدَ وَالْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِمَا. لَكِنْ إِذَا لَمْ يُزَلِ الْمُنْكَرُ إِلَّا بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، صَارَ (¬3) إِزَالَتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُنْكَرًا، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ الْمَعْرُوفُ إِلَّا بِمُنْكَرٍ مَفْسَدَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْمَعْرُوفِ، كَانَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْمَعْرُوفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُنْكَرًا. وَبِهَذَا الْوَجْهِ صَارَتِ الْخَوَارِجُ تَسْتَحِلُّ السَّيْفَ (¬4) عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ، حَتَّى قَاتَلَتْ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ مَنْ وَافَقَهُمْ فِي الْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ بِالسَّيْفِ [فِي الْجُمْلَةِ] (¬5) مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، وَأَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ] (¬6) وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ أَهْلَ الدِّيَانَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقْصِدُونَ تَحْصِيلَ مَا يَرَوْنَهُ دِينًا. ¬

(¬1) فِي آخِرِ الْأَمْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) ن: أَبْصَارٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب: صَارَتْ ; ن: فَصَارَ. (¬4) أ، ب: يَسْتَحِلُّونَ السَّيْفَ ; ص: تَسْتَحِلُّ سَلَّ السَّيْفِ. (¬5) فِي الْجُمْلَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

لَكِنْ قَدْ يُخْطِئُونَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا رَأَوْهُ دِينًا لَيْسَ بِدِينٍ (¬1) ، كَرَأْيِ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ; فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ رَأْيًا هُوَ خَطَأٌ وَبِدْعَةٌ، وَيُقَاتِلُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ، بَلْ يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ، فَيَصِيرُونَ مُخْطِئِينَ فِي رَأْيِهِمْ، وَفِي قِتَالِ (¬2) مَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ تَكْفِيرِهِمْ وَلَعْنِهِمْ. وَهَذِهِ حَالُ (¬3) عَامَّةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، كَالْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى إِنْكَارِ حَقِيقَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى (¬4) ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ كَلَامٌ إِلَّا مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّهُ لَا يُرَى، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَامْتَحَنُوا النَّاسَ لَمَّا مَالَ إِلَيْهِمْ بَعْضُ وُلَاةِ الْأُمُورِ، فَصَارُوا يُعَاقِبُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي رَأْيِهِمْ: إِمَّا بِالْقَتْلِ، وَإِمَّا بِالْحَبْسِ، وَإِمَّا بِالْعَزْلِ وَمَنْعِ الرِّزْقِ. وَكَذَلِكَ قَدْ (¬5) فَعَلَتِ الْجَهْمِيَّةُ ذَلِكَ (¬6) غَيْرَ مَرَّةٍ، وَاللَّهُ يَنْصُرُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ. وَالرَّافِضَةُ شَرٌّ مِنْهُمْ: إِذَا تَمَكَّنُوا فَإِنَّهُمْ يُوَالُونَ الْكُفَّارَ وَيَنْصُرُونَهُمْ، وَيُعَادُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كُلَّ مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَى رَأْيِهِمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْبِدَعِ: إِمَّا مِنْ بِدَعِ الْحُلُولِيَّةِ: حُلُولِيَّةِ الذَّاتِ أَوِ الصِّفَاتِ، وَإِمَّا مِنْ بِدَعِ النُّفَاةِ أَوِ الْغُلُوِّ فِي الْإِثْبَاتِ، وَإِمَّا [مِنْ] (¬7) بِدَعِ الْقَدَرِيَّةِ أَوِ الْإِرْجَاءِ ¬

(¬1) ن: وَلَيْسَ بِدِينٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م، و: وَفِي قِتَالِهِمْ. (¬3) ص، ب: حَالَةُ. (¬4) أ، ب: الْعُلْيَا. (¬5) قَدْ: فِي (ن) ، (و) فَقَطْ. (¬6) ن، م: وَذَلِكَ. (¬7) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (و) ، (ر) ، (ص) ، (هـ) .

أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - تَجِدُهُ يَعْتَقِدُ اعْتِقَادَاتٍ فَاسِدَةً، وَيُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَهُ أَوْ يَلْعَنُهُ. وَالْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَفِي قِتَالِهِمْ. الْوَجْهُ الثَّانِي: مَنْ يُقَاتِلُ (¬1) عَلَى اعْتِقَادِ رَأْيٍ يَدْعُو إِلَيْهِ مُخَالِفٍ لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، كَأَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ وَالْحَرَّةِ وَالْجَمَاجِمِ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنْ يَظُنُّ أَنَّهُ بِالْقِتَالِ تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ الْمَطْلُوبَةُ، فَلَا يَحْصُلُ بِالْقِتَالِ ذَلِكَ، بَلْ تَعْظُمُ الْمَفْسَدَةُ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ، فَيَتَبَيَّنُ لَهُمْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مَا كَانَ الشَّارِعُ دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ نُصُوصُ الشَّارِعِ، أَوْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ. وَفِيهِمْ مَنْ يَظُنُّهَا مَنْسُوخَةً كَابْنِ حَزْمٍ. وَفِيهِمْ مَنْ يَتَأَوَّلُهَا كَمَا يَجْرِي لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّصُوصِ. فَإِنَّ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ [الثَّلَاثَةِ] (¬2) يَتْرُكُ مَنْ يَتْرُكُ (¬3) مِنْ أَهْلِ الِاسْتِدْلَالِ الْعَمَلَ بِبَعْضِ النُّصُوصِ ; إِمَّا أَنْ لَا يَعْتَقِدَ ثُبُوتَهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَهَا غَيْرَ دَالَّةٍ عَلَى مَوْرِدِ الِاسْتِدْلَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَهَا مَنْسُوخَةً. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ أَسْبَابَ هَذِهِ الْفِتَنِ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً، فَيَرِدُ عَلَى الْقُلُوبِ مِنَ الْوَارِدَاتِ مَا يَمْنَعُ الْقُلُوبَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَقَصْدِهِ. وَلِهَذَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْجَاهِلِيَّةُ لَيْسَ فِيهَا مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَلَا قَصْدُهُ، وَالْإِسْلَامُ جَاءَ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَقَصْدِهِ. فَيَتَّفِقُ أَنَّ بَعْضَ ¬

(¬1) مَنْ يُقَاتِلُ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَنْ لَا يُقَاتِلُ. (¬2) الثَّلَاثَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) أ: بِتَرْكِ مَنْ تَرَكَ ; ب: تَرَكَ مَنْ تَرَكَ.

الْوُلَاةِ يَظْلِمُ بِاسْتِئْثَارٍ (¬1) فَلَا تَصْبِرُ النُّفُوسُ عَلَى ظُلْمِهِ، وَلَا يُمْكِنُهَا دَفْعُ ظُلْمِهِ إِلَّا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْهُ. وَلَكِنْ لِأَجْلِ مَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ لِأَخْذِ حَقِّهِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ، لَا يَنْظُرُ فِي الْفَسَادِ الْعَامِّ الَّذِي يَتَوَلَّدُ عَنْ فِعْلِهِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا؟ قَالَ: " سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» " (¬3) . وَفِي رِوَايَةٍ [لِلْبُخَارِيِّ] (¬4) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ: «دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يَقْطَعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: لَا إِلَّا أَنْ تَقْطَعَ لِإِخْوَانِنَا مِنْ ¬

(¬1) هَذَا بِاسْتِئْثَارِهِ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 240. وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْبُخَارِيِّ 5/33 ; مُسْلِمٍ 3/1474. وَانْظُرْ مَا سَبَقَ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 240 وَتَكَرَّرَ بِهَذَا اللَّفْظِ ص 257. وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَفْظِ " إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي. . .) وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِلَفْظِ: " سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي. .) فِي الْبُخَارِيِّ 5/33 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ) . وَجَاءَتِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ فِي مُسْلِمٍ 3/1474 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عِنْدَ ظُلْمِ الْوُلَاةِ وَاسْتِئْثَارِهِمْ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/166، 171. (¬4) لِلْبُخَارِيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا. فَقَالَ: " أَمَّا لَا، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي [عَلَى الْحَوْضِ] (¬1) فَإِنَّهُ سَتُصِيبُكُمْ أَثَرَةٌ بَعْدِي» " (¬2) . وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي يُسْرِهِ وَعُسْرِهِ، وَمَنْشَطِهِ وَمَكْرَهِهِ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْهِ» " (¬3) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) عَنْ عُبَادَةَ قَالَ: " «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ: فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» " (¬5) . فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَصْبِرُوا عَلَى الِاسْتِئْثَارِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُطِيعُوا وُلَاةَ [أُمُورِهِمْ وَإِنِ اسْتَأْثَرُوا عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يُنَازِعُوهُمُ الْأَمْرَ. وَكَثِيرٌ مِمَّنْ خَرَجَ عَلَى وُلَاةِ] (¬6) الْأُمُورِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ إِنَّمَا خَرَجَ لِيُنَازِعَهُمْ مَعَ اسْتِئْثَارِهِمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَصْبِرُوا (¬7) عَلَى الِاسْتِئْثَارِ. ثُمَّ إِنَّهُ يَكُونُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ ذُنُوبٌ أُخْرَى، فَيَبْقَى بُغْضُهُ لِاسْتِئْثَارِهِ يُعَظِّمُ (¬8) تِلْكَ السَّيِّئَاتِ، وَيَبْقَى ¬

(¬1) عَلَى الْحَوْضِ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬2) هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/33 34 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ) . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564. (¬4) عِبَارَةُ " عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ص) ، (ب) . (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/118. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) . (¬7) ن، م، و، أ: وَلَمْ يَصْبِرْ (¬8) ص، ب: يُغَطِّي.

الْمُقَاتِلُ لَهُ ظَانًّا أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ لِئَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا حَرَّكَهُ عَلَيْهِ (¬1) طَلَبُ غَرَضِهِ: إِمَّا وِلَايَةٌ، وَإِمَّا مَالٌ (¬2) . كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 58] وَفِي الصَّحِيحِ (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ يَمْنَعُهُ مِنِ (¬4) ابْنِ السَّبِيلِ، يَقُولُ اللَّهُ لَهُ [يَوْمَ الْقِيَامَةِ] (¬5) : الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي (¬6) كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ. وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا: إِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ: وَإِنْ مَنَعَهُ سَخِطَ. وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ كَاذِبًا: لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى» " (¬7) . فَإِذَا اتَّفَقَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ شُبْهَةٌ وَشَهْوَةٌ، وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ شَهْوَةٌ وَشُبْهَةٌ قَامَتِ الْفِتْنَةُ. وَالشَّارِعُ أَمَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ بِمَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَ الْوُلَاةَ بِالْعَدْلِ وَالنُّصْحِ لِرَعِيَّتِهِمْ، حَتَّى قَالَ: " «مَا مِنْ رَاعٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ ¬

(¬1) و: جَرَى عَلَيْهِ. (¬2) ص، ب: وَإِمَّا مَالًا. (¬3) ص: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬4) مِنْ: لَيْسَتْ فِي (أ) ، (ر) ، (ب) . (¬5) يَوْمَ الْقِيَامَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (هـ) ، (أ) . (¬6) و: أَمْنَعُكَ مِنْ فَضْلِي. (¬7) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 412.

رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» " (¬1) . وَأَمَرَ الرَّعِيَّةَ بِالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ (¬2) الصَّحِيحِ: " «الدِّينُ النَّصِيحَةُ " - ثَلَاثًا - قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» " (¬3) . وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى اسْتِئْثَارِهِمْ، وَنَهَى عَنْ مُقَاتَلَتِهِمْ وَمُنَازَعَتِهِمُ الْأَمْرَ مَعَ ظُلْمِهِمْ، لِأَنَّ الْفَسَادَ النَّاشِئَ مِنَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، أَعْظَمُ مِنْ فَسَادِ ظُلْمِ وُلَاةِ الْأَمْرِ (¬4) ، فَلَا يُزَالُ أَخَفُّ الْفَسَادَيْنِ بِأَعْظَمِهِمَا. وَمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِمَا يَجِدُهُ فِي (¬5) نَفْسِهِ وَفِي الْآفَاقِ عَلِمَ تَحْقِيقَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 53] . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/64 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ) ; مُسْلِمٍ 1/125 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ اسْتِحْقَاقِ الْوَالِي الْغَاشِّ لِرَعِيَّتِهِ النَّارَ) ، 3/1460 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/324 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابٌ فِي الْعَدْلِ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/25. (¬2) الْحَدِيثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي: مُسْلِمٍ 1 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/217 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابٌ فِي النَّصِيحَةِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَجَرِيرٍ وَحَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ، وَثَوْبَانَ " ; الْمُسْنَدِ (ط. دَارِ الْمَعَارِفِ) 5/96 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْأُسْتَاذِ الْمُحَقِّقِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. (¬4) أ، ب: مِنْ فَسَادِ وُلَاةِ الْأُمُورِ ; ر، ص، هـ، مِنْ فَسَادِ وُلَاةِ الْأَمْرِ. (¬5) ن، م، أ، ب: مِنْ.

; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِي عِبَادَهُ آيَاتِهِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، فَخَبَرُهُ صِدْقٌ (¬1) وَأَمْرُهُ عَدْلٌ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 115] . وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ نَوْعٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ مَقْرُونًا بِالظَّنِّ، وَنَوْعٌ مِنَ الْهَوَى الْخَفِيِّ، فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا لَا يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ [فِيهِ] (¬2) ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ. وَمِثْلُ هَذَا إِذَا وَقَعَ يَصِيرُ (¬3) فِتْنَةً لِطَائِفَتَيْنِ (¬4) : طَائِفَةٌ تُعَظِّمُهُ فَتُرِيدُ تَصْوِيبَ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَاتِّبَاعَهُ عَلَيْهِ، وَطَائِفَةٌ تَذُمُّهُ فَتَجْعَلُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي وِلَايَتِهِ وَتَقْوَاهُ، بَلْ فِي بِرِّهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ فِي إِيمَانِهِ حَتَّى تُخْرِجَهُ عَنِ الْإِيمَانِ. وَكِلَا هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ (¬5) فَاسِدٌ. وَالْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ (¬6) وَغَيْرُهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَهْوَاءِ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الدَّاخِلُ مِنْ هَذَا. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الِاعْتِدَالِ عَظَّمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ، وَأَحَبَّهُ وَوَالَاهُ، وَأَعْطَى الْحَقَّ حَقَّهُ، فَيُعَظِّمُ الْحَقَّ، وَيَرْحَمُ الْخَلْقَ، وَيَعْلَمُ ¬

(¬1) أ، ب: صَادِقٌ. (¬2) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أ، ب: صَارَ. (¬4) م، ص، ر، هـ: لِلطَّائِفَتَيْنِ. (¬5) ن: الطَّرِيقَيْنِ. (¬6) أ، ب: وَالرَّافِضَةُ.

أَنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ تَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ، فَيُحْمَدُ وَيُذَمُّ، وَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ، وَيُحَبُّ مِنْ وَجْهٍ وَيُبْغَضُ مِنْ وَجْهٍ. هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ. وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ. وَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ فِي يَزِيدَ كَالْقَوْلِ فِي أَشْبَاهِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ: مَنْ وَافَقَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى: كَالصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ - كَانَ مَأْجُورًا عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَكَذَلِكَ كَانَ صَالِحُو الْمُؤْمِنِينَ (¬1) يَفْعَلُونَ (¬2) ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَمْثَالِهِ. وَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، كَانَ مِنَ الْمُعِينِينَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، الْمُسْتَحِقِّينَ لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَغْزُونَ مَعَ يَزِيدَ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ غَزَا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ مَعَهُمْ (¬3) فِي الْجَيْشِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ الْجَيْشُ أَوَّلُ جَيْشٍ غَزَا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» " (¬4) . ¬

(¬1) ر، ص، هـ: الْمُسْلِمِينَ. (¬2) يَفْعَلُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) ب (فَقَطْ) : مَعَهُ. (¬4) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 572 إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ.

وَعَامَّةُ الْخُلَفَاءِ الْمُلُوكِ جَرَى فِي أَوْقَاتِهِمْ فِتَنٌ، كَمَا جَرَى فِي زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَتْلُ الْحُسَيْنِ، وَوَقْعَةُ الْحَرَّةِ، وَحِصَارُ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ. وَجَرَى فِي زَمَنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِتْنَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَجَرَى فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِتْنَةُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَحِصَارُهُ أَيْضًا بِمَكَّةَ. وَجَرَى فِي زَمَنِ هِشَامٍ فِتْنَةُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ. وَجَرَى فِي زَمَنِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ فِتْنَةُ أَبِي مُسْلِمٍ، حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمُ الْأَمْرُ إِلَى وَلَدِ الْعَبَّاسِ. ثُمَّ كَانَ فِي زَمَنِ الْمَنْصُورِ فِتْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بِالْبَصْرَةِ، إِلَى فِتَنٍ يَطُولُ وَصْفُهَا. وَالْفِتَنُ (¬1) فِي كُلِّ زَمَانٍ بِحَسَبِ رِجَالِهِ ; فَالْفِتْنَةُ الْأُولَى فِتْنَةُ قَتْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هِيَ أَوَّلُ الْفِتَنِ وَأَعْظَمُهَا. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ: " «ثَلَاثٌ مَنْ نَجَا مِنْهُنَّ فَقَدْ نَجَا: مَوْتِي، وَقَتْلُ خَلِيفَةٍ مُضْطَهَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالدَّجَّالُ» " (¬2) . ¬

(¬1) ن، م، و: وَالْفِتْنَةُ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/105، 109، 5/33، 288 وَلَفْظُ الْحَدِيثِ: " مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا " قَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مَوْتِي، وَمِنْ قَتْلِ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ يُعْطِيهِ، وَالدَّجَّالِ ". وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَقَالَ: " حم (مُسْنَدُ أَحْمَدَ) طب (الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ) : ك (الْمُسْتَدْرَكُ لِلْحَاكِمِ) ص (سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ (كَذَا) . وَرَوَى الْهَيْثَمِيُّ الْحَدِيثَ فِي (مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " 7/334 335 فَقَالَ: " وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. " ثَلَاثٌ مَنْ نَجَا مِنْهَا نَجَا: مَنْ نَجَا عِنْدَ قَتْلِ مُؤْمِنٍ فَقَدْ نَجَا، وَمَنْ نَجَا عِنْدَ قَتْلِ خَلِيفَةٍ يُقْتَلُ مَظْلُومًا وَهُوَ مُصْطَبِرٌ يُعْطِي الْحَقَّ مِنْ نَفْسِهِ فَقَدْ نَجَا، وَمَنْ نَجَا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ فَقَدْ نَجَا " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْمِصْرِيُّ وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ ". وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ: إِبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ الْقَدِيدِ الْبَصْرِيَّ فِي " تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ " 1/181 كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " 1 وَقَالَ عَنْهُ " صَاحِبُ الْأَوْزَاعِيِّ " فَلَعَلَّهُ هُوَ.

وَلِهَذَا جَاءَ (¬1) فِي حَدِيثِ عُمَرَ لَمَّا سَأَلَ عَنِ الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، وَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. فَقَالَ: أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ فَقَالَ: بَلْ يُكْسَرُ. فَقَالَ: لَوْ كَانَ يُفْتَحُ لَكَادَ يُعَادُ (¬2) . وَكَانَ عُمَرُ هُوَ الْبَابَ، فَقُتِلَ عُمَرُ، وَتَوَلَّى عُثْمَانُ، فَحَدَثَتْ أَسْبَابُ الْفِتْنَةِ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ، حَتَّى قُتِلَ وَانْفَتَحَ بَابُ الْفِتْنَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَدَثَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتْنَةُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، وَلَا يُقَاسُ رِجَالُهُمَا بِأَحَدٍ، فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ بَعْدَهُمْ. وَكَذَلِكَ فِتْنَةُ الْحَرَّةِ وَفِتْنَةُ ابْنِ الْأَشْعَثِ، كَانَ فِيهَا مِنْ خِيَارِ التَّابِعِينَ مَنْ لَا يُقَاسُ بِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ. وَلَيْسَ فِي وُقُوعِ هَذِهِ الْفِتَنِ فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ مَا يُوجِبُ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الْعَصْرِ كَانُوا شَرًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، بَلْ فِتْنَةُ كُلِّ زَمَانٍ بِحَسَبِ رِجَالِهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» " (¬3) . وَفِتَنُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِحَسَبِ أَهْلِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: " «كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُمْ» " (¬4) . وَفِي أَثَرٍ آخَرَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ( «أَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَلِكُ ¬

(¬1) جَاءَ فِي (ن) فَقَطْ. (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ - رِضَى اللَّهِ عَنْهُ - جَاءَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا: 9/54 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ) . وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/128 130 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا) . وَالْحَدِيثُ فِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 2/35. (¬4) رَوَاهُ السُّيُوطِيُّ بِلَفْظِ " كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ " وَذَكَرَ " ضَعِيفُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 4/160 وفر (مُسْنَدُ الْفِرْدَوْسِ لِلدَّيْلَمِيِّ) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، هب (الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ) عَنْ أَبِي إِسْحَاقِ السَّبِيعِيِّ مُرْسَلًا " وَضَعَّفَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ " 1/328 329. وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي " الدُّرَرِ الْمُنْتَثِرَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ "، ص 162، تَحْقِيقُ الدُّكْتُورِ مُحَمَّد لُطْفِي الصَّبَّاغ، (ط. الرِّيَاضِ) ، 1403/1983 وَانْظُرْ كَلَامَ الْأُسْتَاذِ الْمُحَقِّقِ عَلَيْهِ.

الْمُلُوكِ، قُلُوبُ الْمُلُوكِ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِي، مَنْ أَطَاعَنِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ رَحْمَةً، وَمَنْ عَصَانِي جَعَلْتُهُمْ عَلَيْهِ نِقْمَةً، فَلَا تَشْتَغِلُوا بِسَبِّ الْمُلُوكِ، وَأَطِيعُونِي أُعَطِّفْ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكُمْ» (¬1) . وَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزَمَهُمُ الْكُفَّارُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 165] . وَالذُّنُوبُ تُرْفَعُ عُقُوبَتُهَا [بِالتَّوْبَةِ] وَالِاسْتِغْفَارِ (¬2) وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ. وَالْقَتْلُ الَّذِي وَقَعَ فِي الْأُمَّةِ مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ ذُنُوبَهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَالْفِتْنَةُ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ (¬3) ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ: أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، فَبِالْهُدَى يُعْرَفُ الْحَقُّ، وَبِدِينِ الْحَقِّ يُقْصَدُ الْخَيْرُ وَيُعْمَلُ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمٍ بِالْحَقِّ، وَقَصْدٍ لَهُ وَقُدْرَةٍ عَلَيْهِ. وَالْفِتْنَةُ تُضَادُّ ذَلِكَ ; فَإِنَّهَا تَمْنَعُ مَعْرِفَةَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 3/133. (¬2) ن، م، و: تُرْفَعُ عُقُوبَتُهَا بِالِاسْتِغْفَارِ. (¬3) ص: مُتَوَفِّرُونَ.

الْحَقِّ أَوْ قَصْدَهُ أَوِ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ فِيهَا مِنَ الشُّبُهَاتِ مَا يُلْبِسُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ، وَيَكُونُ فِيهَا مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ مَا يَمْنَعُ قَصْدَ الْحَقِّ وَإِرَادَتَهُ، وَيَكُونُ فِيهَا مِنْ ظُهُورِ قُوَّةِ الشَّرِّ مَا يُضْعِفُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْخَيْرِ (¬1) . وَلِهَذَا يُنْكِرُ الْإِنْسَانُ قَلْبَهُ عِنْدَ الْفِتْنَةِ، فَيَرِدُ عَلَى الْقُلُوبِ مَا يَمْنَعُهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَقَصْدِهِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ. وَيُقَالُ: فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ ظُهُورُ الْجَهْلِ فِيهَا، وَخَفَاءُ الْعِلْمِ. فَلِهَذَا كَانَ أَهْلُهَا بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ (¬2) الْجَاهِلِيَّةِ (*، وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ فِيهَا النُّفُوسُ وَالْأَمْوَالُ، لِأَنَّ الضَّمَانَ يَكُونُ لِمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ (¬3) أَتْلَفَ نَفْسَ غَيْرِهِ أَوْ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ، كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ *) (¬4) مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ، [فَلَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ] (¬5) ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، كَمَا لَا يُضَمَّنُ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِحَقٍّ، وَإِنْ كَانَ هَذَا مُثَابًا مُصِيبًا. وَذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِمَّا أَنْ يَتُوبُوا مِنْ تِلْكَ الْجَهَالَةِ (¬6) ، فَيُغْفَرُ لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ جَاهِلِيَّتُهُمْ وَمَا كَانَ فِيهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ عَلَى ¬

(¬1) ن، م: الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ. (¬2) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ص) ، (ب) . (¬3) ن، و: بِأَنَّهُ. (¬4) (**) : مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) الْجَهَالَةِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْجَاهِلِيَّةِ.

الناس في يزيد طرفان ووسط

الْجَهَالَةِ (¬1) كَالْكُفَّارِ، فَهَؤُلَاءِ حَسْبُهُمْ عَذَابُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ [مُتَأَوِّلًا] (¬2) مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا ; فَهَؤُلَاءِ إِذَا غُفِرَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ (¬3) غُفِرَ لَهُمْ مُوجِبَاتُ الْخَطَأِ أَيْضًا (¬4) . [الناس في يزيد طرفان ووسط] (فَصْلٌ) . إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَنَقُولُ: النَّاسُ فِي يَزِيدَ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ. قَوْمٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ (¬5) مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، أَوْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا [كُلُّهُ] بَاطِلٌ (¬6) . وَقَوْمٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا مُنَافِقًا (¬7) فِي الْبَاطِنِ، وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَصْدٌ فِي أَخْذِ ثَأْرِ كُفَّارِ (¬8) أَقَارِبِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَنِي هَاشِمٍ، وَ [أَنَّهُ] أَنْشَدَ (¬9) لَمَّا بَدَتْ تِلْكَ الْحُمُولُ وَأَشْرَفَتْ (¬10) تِلْكَ الرُّءُوسُ عَلَى رُبَى جَيْرُونِ ... نَعِقَ الْغُرَابُ فَقُلْتُ نُحْ أَوْ لَا تَنُحْ فَلَقَدْ قَضَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ دُيُونِي ¬

(¬1) الْجَهَالَةِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْجَاهِلِيَّةِ. (¬2) مُتَأَوِّلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) ن، ص، أ، ب: خَطَأَهُمْ. (¬4) أ، ب:. . أَيْضًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (¬5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ص) . (¬6) ن، م، و: وَهَذَا بَاطِلٌ. (¬7) أ، ب، ص، هـ: أَنَّهُ كَافِرٌ مُنَافِقٌ. (¬8) ر: الْكُفَّارِ. (¬9) ن، م: وَأَنْشَدَ. (¬10) ن: تِلْكَ الْأُمُورُ وَأَشْرَقَتْ، م: تِلْكَ الْحُرُوبُ وَأَشْرَقَتْ، أ: تِلْكَ الْحُمُولُ وَأَشْرَقَتْ.

وَأَنَّهُ تَمَثَّلَ بِشِعْرِ ابْنِ الزِّبَعْرَى (¬1) : لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا ... جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلْ قَدْ قَتَلْنَا الْقَرْنَ مِنْ سَادَاتِهِمْ ... وَعَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فَاعْتَدَلْ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ، يَعْلَمُ بُطْلَانَهُ كُلُّ عَاقِلٍ ; فَإِنَّ الرَّجُلَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ، وَخَلِيفَةٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْمُلُوكِ، لَا هَذَا وَلَا هَذَا. وَأَمَّا مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، كَمَا قُتِلَ أَشْبَاهُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ الشُّهَدَاءِ. وَقَتْلُ الْحُسَيْنِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّنْ قَتَلَهُ أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ [أَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ] (¬2) ، وَهُوَ مُصِيبَةٌ أُصِيبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ، وَهُوَ فِي حَقِّهِ شَهَادَةٌ لَهُ، وَرَفْعُ دَرَجَةٍ، وَعُلُوُّ مَنْزِلَةٍ ; فَإِنَّهُ وَأَخَاهُ سَبَقَتْ لَهُمَا مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ، الَّتِي لَا تُنَالُ إِلَّا بِنَوْعٍ مِنَ الْبَلَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِنَ السَّوَابِقِ مَا لِأَهْلِ بَيْتِهِمَا، فَإِنَّهُمَا تَرَبَّيَا فِي حِجْرِ الْإِسْلَامِ، فِي عِزٍّ وَأَمَانٍ، فَمَاتَ هَذَا (¬3) مَسْمُومًا وَهَذَا مَقْتُولًا، لِيَنَالَا بِذَلِكَ مَنَازِلَ السُّعَدَاءِ وَعَيْشَ الشُّهَدَاءِ. وَلَيْسَ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقَتْلُ النَّبِيِّ أَعْظَمُ ذَنْبًا وَمُصِيبَةً، وَكَذَلِكَ قَتْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْظَمُ ذَنْبًا وَمُصِيبَةً، وَكَذَلِكَ قَتْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْظَمُ ذَنْبًا وَمُصِيبَةً. ¬

(¬1) هُوَ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ الْقُرَشِيُّ، كَانَ مِنْ أَشْعَرِ قُرَيْشٍ وَكَانَ شَدِيدًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْفَتْحِ وَمَدَحَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ لَهُ بِحُلَّةٍ انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 2/300، الْأَعْلَامِ 4/218. . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) ص، ب: فَهَذَا مَاتَ.

إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ الصَّبْرُ وَالِاسْتِرْجَاعُ، كَمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 156، 155] . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدُمَتْ، فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا» " (¬1) وَرِوَايَةُ الْحُسَيْنِ وَابْنَتِهِ الَّتِي شَهِدَتْ مَصْرَعَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ آيَةٌ، فَإِنَّ مُصِيبَةَ الْحُسَيْنِ هِيَ مَا يُذْكَرُ وَإِنْ قَدُمَتْ، فَيُشْرَعُ (¬2) لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُحْدِثَ لَهَا اسْتِرْجَاعًا. وَأَمَّا مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالدُّعَاءِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ تَبَرَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فَاعِلِهِ. كَمَا فِي [الْحَدِيثِ] الصَّحِيحِ (¬3) عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» " (¬4) «وَتَبَرَّأَ مِنَ " الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ» " (¬5) فَالصَّالِقَةُ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا، وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ ثِيَابَهَا. ¬

(¬1) الْحَدِيثَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/510 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ) الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/175. (¬2) ب (فَقَطْ) : فَشُرِعَ. (¬3) ن، م: كَمَا فِي الصَّحِيحِ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/52 53. (¬5) الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/81. 82 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ) مُسْلِمٍ 1/100 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْخُدُودِ) ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ: ". . إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ ". . وَقَالَ النَّوَوِيُّ (شَرْحُ مُسْلِمٍ 2/110) : " فَالصَّالِقَةُ: وَقَعَتْ فِي الْأُصُولِ بِالصَّادِ، وَسَلَقَ بِالسِّينِ، وَهُمَا صَحِيحَانِ، وَهُمَا لُغَتَانِ: السَّلْقُ وَالصَّلْقُ، وَسَلَقَ وَصَلَقَ، وَهِيَ صَالِقَةٌ وَسَالِقَةٌ، وَهَى الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. وَالْحَالِقَةُ: هِيَ الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. وَالشَّاقَّةُ: الَّتِي تَشُقُّ ثَوْبَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الظَّاهِرُ الْمَعْرُوفُ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الصَّلْقُ ضَرْبُ الْوَجْهِ. وَأَمَّا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ النِّيَاحَةُ وَنَدْبُ الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَشِبْهِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا كَانَ فِي الْفَتْرَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ " وَسَبَقَ الْحَدِيثُ 1/53.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ النَّائِحَةَ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا فَإِنَّهَا تَلْبَسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دِرْعًا مِنْ جَرَبٍ وَسِرْبَالًا مِنْ قَطِرَانٍ» " (¬1) . وَرُفِعَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَائِحَةٌ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهَا، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ قَدْ بَدَا شَعْرُهَا. فَقَالَ: إِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا ; أَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الصَّبْرِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَتَأْمُرُ بِالْجَزَعِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَتَفْتِنُ الْحَيَّ، وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ، وَتَبِيعُ عَبْرَتَهَا، وَتَبْكِي بِشَجْوِ غَيْرِهَا، إِنَّهَا لَا تَبْكِي عَلَى مَيِّتِكُمْ، إِنَّمَا تَبْكِي عَلَى أَخْذِ دَرَاهِمِكُمْ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ حَدِيثٍ آخَرَ قَبْلَهُ فِي: مُسْلِمٍ 2/644 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ التَّشْدِيدِ فِي النِّيَاحَةِ) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: " أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. . . " وَالْحَدِيثُ الثَّانِي نَصُّهُ: " النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/503 504 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ النِّيَاحَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/342 343. وَذَكَرَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ 1/504 حَدِيثًا بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَجَاءَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ مَا يُبَيِّنُ ضَعْفَهُ وَسَبَقَ الْحَدِيثُ 1/53 54.

الناس في قتل الحسين رضي الله عنه طرفان ووسط

[النَّاسُ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طرفان ووسط] (فَصْلٌ) (¬1) . وَصَارَ النَّاسُ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ] (¬2) : طَرَفَيْنِ وَوَسَطًا. أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ ; فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَشُقَّ عَصَا [الْمُسْلِمِينَ] (¬3) وَيُفَرِّقَ الْجَمَاعَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» " (¬4) . قَالُوا: وَالْحُسَيْنُ جَاءَ وَأَمْرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: هُوَ أَوَّلُ خَارِجٍ خَرَجَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ. وَالطَّرَفُ الْآخَرُ قَالُوا: بَلْ [كَانَ] هُوَ (¬5) الْإِمَامَ الْوَاجِبَ طَاعَتُهُ، الَّذِي لَا يُنَفَّذُ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الْإِيمَانِ إِلَّا بِهِ، وَلَا تُصَلَّى جَمَاعَةٌ وَلَا جُمُعَةٌ إِلَّا خَلْفَ مَنْ يُوَلِّيهِ (¬6) ، وَلَا يُجَاهَدُ عَدُوٌّ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْوَسَطُ فَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ، الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، بَلْ يَقُولُونَ: قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا لِأَمْرِ (¬7) الْأُمَّةِ. وَالْحَدِيثُ ¬

(¬1) ن، م: فَقِيلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (و) . (¬2) ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) عَصَا الْمُسْلِمِينَ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْعَصَا. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564. (¬5) ن، م، و: بَلْ هُوَ. (¬6) ن، م: مَنْ يُوَلِّيهِ هُوَ. (¬7) أ، ب: أَمْرَ.

أحدث الناس بدعتين يوم عاشوراء بدعة الحزن والنوح وبدعة السرور والفرح

الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ مَا فُعِلَ بِابْنِ عَمِّهِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ تَرَكَ طَلَبَ الْأَمْرِ، وَطَلَبَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ ابْنِ عَمِّهِ (¬1) ، أَوْ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ. [أحدث الناس بدعتين يوم عاشوراء بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ وبِدْعَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ] (فَصْلٌ) . وَصَارَ الشَّيْطَانُ بِسَبَبِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحْدِثُ لِلنَّاسِ بِدْعَتَيْنِ: بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، مِنَ اللَّطْمِ وَالصُّرَاخِ وَالْبُكَاءِ وَالْعَطَشِ وَإِنْشَادِ الْمَرَاثِي، وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ سَبِّ السَّلَفِ وَلَعْنَتِهِمْ (¬2) ، وَإِدْخَالِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَعَ ذَوِي الذُّنُوبِ، حَتَّى يُسَبَّ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَتُقْرَأَ أَخْبَارُ مَصْرَعِهِ الَّتِي كَثِيرٌ مِنْهَا كَذِبٌ. وَكَانَ قَصْدُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ; فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ إِحْدَاثُ الْجَزَعِ وَالنِّيَاحَةِ لِلْمَصَائِبِ الْقَدِيمَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَكَذَلِكَ بِدْعَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ. وَكَانَتِ الْكُوفَةُ بِهَا قَوْمٌ مِنَ الشِّيعَةِ الْمُنْتَصِرِينَ لِلْحُسَيْنِ، وَكَانَ رَأْسُهُمُ (¬3) الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ (¬4) الْكَذَّابَ، وَقَوْمٌ مِنَ النَّاصِبَةِ الْمُبْغِضِينَ لَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَوْلَادِهِ، وَمِنْهُمُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ¬

(¬1) ابْنِ عَمِّهِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ص) (هـ) . (¬2) أ، ب، م: وَلَعْنِهِمْ. (¬3) وَكَانَ رَأْسُهُمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَرَأْسُهُمْ. (¬4) ص، ب: الْمُخْتَارَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ.

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» " (¬1) فَكَانَ ذَلِكَ الشِّيعِيُّ هُوَ الْكَذَّابَ، وَهَذَا النَّاصِبِيُّ هُوَ الْمُبِيرَ، فَأَحْدَثَ أُولَئِكَ الْحُزْنَ، وَأَحْدَثَ هَؤُلَاءِ السُّرُورَ، وَرَوَوْا أَنَّهُ «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» . قَالَ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ يَثْبُتُ (¬2) ، إِلَّا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» (¬3) الْحَدِيثَ. وَابْنُ الْمُنْتَشِرِ كُوفِيٌّ سَمِعَهُ وَرَوَاهُ عَمَّنْ لَا يُعْرَفُ، وَرَوَوْا أَنَّهُ مَنِ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ ذَلِكَ الْعَامَ، وَمَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامَ، فَصَارَ أَقْوَامٌ (¬4) يَسْتَحِبُّونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ الِاكْتِحَالَ وَالِاغْتِسَالَ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى الْعِيَالِ وَإِحْدَاثَ (¬5) أَطْعِمَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ. وَهَذِهِ بِدْعَةٌ أَصْلُهَا مِنَ الْمُتَعَصِّبِينَ بِالْبَاطِلِ عَلَى الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتِلْكَ بِدْعَةٌ أَصْلُهَا مِنَ الْمُتَعَصِّبِينَ بِالْبَاطِلِ (¬6) لَهُ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْأَرْبَعَةِ (¬7) وَغَيْرِهِمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، وَلَا فِي ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 2. (¬2) أ، ب: ثَابِتٌ. 1 (¬3) يَوْمَ عَاشُورَاءَ: فِي (ن) ، (م) ، (ر) فَقَطْ. (¬4) أ، ب: قَوْمٌ. (¬5) أ، ب: وَاتِّخَاذَ. (¬6) (66) سَاقِطٌ مِنْ (ص) . (¬7) ص، ب: مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.

عود إلى الكلام على مقتل الحسين رضي الله عنه

شَيْءٍ مِنِ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، بَلِ الْمُسْتَحَبُّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ الصِّيَامُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَامَ مَعَهُ التَّاسِعُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُ إِفْرَادَهُ بِالصِّيَامِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. [عود إلى الكلام على مقتل الحسين رضي الله عنه] وَالَّذِينَ نَقَلُوا مَصْرَعَ الْحُسَيْنِ زَادُوا أَشْيَاءَ مِنَ الْكَذِبِ، كَمَا زَادُوا فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، وَكَمَا زَادُوا فِيمَا يُرَادُ تَعْظِيمُهُ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَكَمَا زَادُوا فِي الْمَغَازِي وَالْفُتُوحَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمُصَنِّفُونَ فِي أَخْبَارِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَالْبَغَوِيِّ وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرِهِمَا، وَمَعَ ذَلِكَ فِيمَا يَرْوُونَهُ آثَارٌ مُنْقَطِعَةٌ وَأُمُورٌ بَاطِلَةٌ. وَأَمَّا مَا يَرْوِيهِ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَصْرَعِ بِلَا إِسْنَادٍ، فَالْكَذِبُ فِيهِ كَثِيرٌ، وَالَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْحُسَيْنَ لَمَّا قُتِلَ حُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى قُدَّامِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَأَنَّهُ نَكَتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَكَانَ بِالْمَجْلِسِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ. فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ (¬1) فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا، فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ (¬2) . وَفِيهِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ (¬3) ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ ¬

(¬1) ص: طَشْتٍ. (¬2) ر: بِالْوَشْمَةِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/26 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/261. (¬3) أ، ب: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، م، ص: ابْنِ أَبِي النَّعِيمِ. وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ (بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ) . تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/286 وَفِيهِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

عَنِ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الذُّبَابَ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ تَسْأَلُونِي عَنْ قَتْلِ الذُّبَابِ، وَقَدْ قَتَلْتُمُ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا» " (¬1) . وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ مَجْهُولٍ أَنَّ هَذَا كَانَ قُدَّامَ يَزِيدَ، وَأَنَّ الرَّأْسَ حُمِلَ إِلَيْهِ (¬2) ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَكَتَ عَلَى ثَنَايَاهُ. وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَإِنَّ الَّذِينَ حَضَرُوا نَكْتَهُ بِالْقَضِيبِ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَكُونُوا بِالشَّامِ وَإِنَّمَا كَانُوا بِالْعِرَاقِ. وَالَّذِي نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ يَزِيدَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ، وَلَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ، بَلْ كَانَ يَخْتَارُ أَنْ يُكْرِمَهُ وَيُعَظِّمَهُ، كَمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَكِنْ كَانَ يَخْتَارُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الْوِلَايَةِ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْحُسَيْنُ وَعَلِمَ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَخْذُلُونَهُ وَيُسْلِمُونَهُ، طَلَبَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى يَزِيدَ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى وَطَنِهِ، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الثَّغْرِ، فَمَنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَأْسِرَ، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَّ خَبَرَ قَتْلِهِ لَمَّا بَلَغَ يَزِيدَ وَأَهْلَهُ سَاءَهُمْ ذَلِكَ، وَبَكَوْا عَلَى قَتْلِهِ، وَقَالَ يَزِيدُ: لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ - يَعْنِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ -[أَمَّا] وَاللَّهِ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/27 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ. . .) ، 8/7 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ رَحْمَةِ الْوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/322 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ. . . وَالْحُسَيْنِ. .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 7/311 312. وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 2/781 782 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْكَجِّيِّ. . وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ (مِنْحَةُ الْمَعْبُودِ 2/192) ". (¬2) عِبَارَةُ " وَأَنَّ الرَّأْسَ حُمِلَ إِلَيْهِ " جَاءَتْ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مَا عَدَا (أ) ، (ب) بَعْدَ الْعِبَارَةِ التَّالِيَةِ " وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَكَتَ عَلَى ثَنَايَاهُ.

لَوْ كَانَ (¬1) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُسَيْنِ رَحِمٌ لَمَا قَتَلَهُ. وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ. وَأَنَّهُ جَهَّزَ أَهْلَهُ بِأَحْسَنِ الْجِهَازِ وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مَا انْتَصَرَ لِلْحُسَيْنِ، وَلَا أَمَرَ بِقَتْلِ قَاتِلِهِ، وَلَا أَخَذَ بِثَأْرِهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ سَبْيِ نِسَائِهِ [وَالذَّرَارِيِّ] (¬2) ، وَالدَّوَرَانِ بِهِمْ فِي الْبِلَادِ (¬3) ، وَحَمْلِهِمْ عَلَى الْجِمَالِ بِغَيْرِ أَقْتَابٍ، فَهَذَا كَذِبٌ وَبَاطِلٌ: مَا سَبَى الْمُسْلِمُونَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - هَاشِمِيَّةً قَطُّ، وَلَا اسْتَحَلَّتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْيَ بَنِي هَاشِمٍ قَطُّ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْهَوَى وَالْجَهْلِ يَكْذِبُونَ كَثِيرًا، كَمَا تَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ الْأَشْرَافَ، يَعْنُونَ بَنِي هَاشِمٍ. وَبَعْضُ الْوُعَّاظِ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَعْضِ مَنْ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عَلَوِيُّونَ، وَنَسَبُهُمْ مَطْعُونٌ فِيهِ، فَقَالَ عَلَى مِنْبَرِهِ: إِنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ الْأَشْرَافَ كُلَّهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ لِنِسَائِهِمْ رَجُلٌ، فَمَكَّنُوا مِنْهُنَّ (¬4) رِجَالًا، فَهَؤُلَاءِ مِنْ أَوْلَادِ أُولَئِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ ; فَإِنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَقْتُلْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَحَدًا قَطُّ، مَعَ كَثْرَةِ قَتْلِهِ لِغَيْرِهِمْ. فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ: إِيَّاكَ وَبَنِي هَاشِمٍ أَنْ تَتَعَرَّضَ لَهُمْ، فَقَدْ رَأَيْتَ بَنِي حَرْبٍ لَمَّا تَعَرَّضُوا لِلْحُسَيْنِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ. أَوْ كَمَا قَالَ (¬5) . وَلَكِنْ قَتَلَ الْحَجَّاجُ كَثِيرًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، أَيْ ¬

(¬1) ن، م:. . بْنَ زِيَادٍ وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ. . . (¬2) وَالزَّرَارِيِّ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ص) ، (هـ) . (¬3) ب (فَقَطْ) : فِي الْبُلْدَانِ. (¬4) مِنْهُنَّ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِنْهُمْ. (¬5) (55) بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (ن) ، (م) ، (و) : لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

سَادَاتِ الْعَرَبِ. وَلَمَّا سَمِعَ الْجَاهِلُ أَنَّهُ قَتَلَ الْأَشْرَافَ - وَفِي لُغَتِهِ أَنَّ الْأَشْرَافَ هُمُ (¬1) الْهَاشِمِيُّونَ أَوْ بَعْضُ الْهَاشِمِيِّينَ، فَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ أَنَّ الْأَشْرَافَ عِنْدَهُمْ وَلَدُ الْعَبَّاسِ، وَفِي بَعْضِهَا الْأَشْرَافُ عِنْدَهُمْ وَلَدُ عَلِيٍّ. وَلَفْظُ " الْأَشْرَافِ " لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِبَنِي هَاشِمٍ، كَتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ، وَأَنَّهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالْحَجَّاجُ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِبِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ حَتَّى نَزَعُوهَا مِنْهُ، لِأَنَّهُمْ مُعَظِّمُونَ لِبَنِي هَاشِمٍ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَمَا يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَبَوُا امْرَأَةً يَعْرِفُونَ أَنَّهَا هَاشِمِيَّةٌ، وَلَا سُبِيَ عِيَالُ الْحُسَيْنِ، بَلْ لَمَّا دَخَلُوا إِلَى بَيْتِ يَزِيدَ (¬2) قَامَتِ النِّيَاحَةُ فِي بَيْتِهِ، [وَأَكْرَمَهُمْ] (¬3) وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ الْمُقَامِ عِنْدَهُ وَالذَّهَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاخْتَارُوا الرُّجُوعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا طِيفَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ. وَهَذِهِ الْحَوَادِثُ فِيهَا مِنَ الْأَكَاذِيبِ (¬4) مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْعُقُوبَاتِ الْحَاصِلَةِ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ; فَلَا رَيْبَ أَنَّ قَتْلَ الْحُسَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، وَأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ وَالرَّاضِيَ بِهِ وَالْمُعِينَ عَلَيْهِ مُسْتَحِقٌّ لِعِقَابِ اللَّهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ أَمْثَالُهُ، لَكِنَّ قَتْلَهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْ قَتْلِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَمَنْ قُتِلَ فِي حَرْبِ مُسَيْلِمَةَ، وَكَشُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَكَقَتْلِ عُثْمَانَ، وَقَتْلِ ¬

(¬1) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ص) ، (ب) . (¬2) أ، ب: دَخَلُوا دَارَ يَزِيدَ. (¬3) وَأَكْرَمَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) أ، ب: مِنَ الْكَذِبِ.

عَلِيٍّ، لَا سِيَّمَا وَالَّذِينَ قَتَلُوا أَبَاهُ عَلِيًّا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ كَافِرًا مُرْتَدًّا، وَأَنَّ قَتْلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، بِخِلَافِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ ; فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ (¬1) كُفْرَهُ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ - يَكْرَهُونَ قَتْلَهُ، وَيَرَوْنَهُ ذَنْبًا عَظِيمًا، لَكِنْ قَتَلُوهُ لِغَرَضِهِمْ، كَمَا يَقْتُلُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْمُلْكِ. وَبِهَذَا وَغَيْرِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا رُوِيَ فِي ذَلِكَ كَذِبٌ، مِثْلُ كَوْنِ السَّمَاءِ أَمْطَرَتْ (¬2) دَمًا، [فَإِنَّ هَذَا مَا وَقَعَ قَطُّ فِي قَتْلِ أَحَدٍ] (¬3) ، وَمِثْلُ كَوْنِ الْحُمْرَةِ ظَهَرَتْ فِي السَّمَاءِ يَوْمَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ وَلَمْ تَظْهَرْ قَبْلَ ذَلِكَ ; فَإِنَّ هَذَا مِنَ التُّرَّهَاتِ، فَمَا زَالَتْ هَذِهِ الْحُمْرَةُ تَظْهَرُ وَلَهَا سَبَبٌ طَبِيعِيٌّ مِنْ جِهَةِ الشَّمْسِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الشَّفَقِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: " إِنَّهُ مَا رُفِعَ حَجَرٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ ". هُوَ أَيْضًا كَذِبٌ بَيِّنٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ إِلَّا عُوقِبَ (¬4) فِي الدُّنْيَا. فَهَذَا مُمْكِنٌ، وَأَسْرَعُ الذُّنُوبِ عُقُوبَةً الْبَغْيُ، وَالْبَغْيُ عَلَى الْحُسَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ الْبَغْيِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ الْوَصِيَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي وَلَدَيْهِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ وَدِيعَتِي عِنْدَكُمْ» . وَأَنْزَلَ اللَّهُ ¬

(¬1) ن، م: مُعْتَقِدِينَ. (¬2) أَمْطَرَتْ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَطَرَتْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) أ، ب: حَتَّى عُوقِبَ.

فِيهِمْ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الشُّورَى: 23] . فَالْجَوَابُ: أَمَّا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فَحَقُّهُمَا وَاجِبٌ بِلَا رَيْبٍ. وَ [قَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬1) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ بِغَدِيرٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ: " إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ " فَذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي. أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، [أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي] » " (¬2) . وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ بَيْتِهِ اخْتِصَاصًا بِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ أَدَارَ كِسَاءَهُ (¬3) عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» " (¬4) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ «كَانَ يُكْثِرُ الْوَصِيَّةَ بِهِمَا وَيَقُولُهُ لَهُمْ (¬5) : " هَؤُلَاءِ وَدِيعَتِي عِنْدَكُمْ» " (¬6) . فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُودِعَ وَلَدَيْهِ لِمَخْلُوقٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنْ أُرِيدَ بِهِ حِفْظُهُمَا كَمَا يُحْفَظُ الْمَالُ الْمُودَعُ، فَالرِّجَالُ لَا يُودَعُونَ. وَإِنْ كَانَ كَمَا يَسْتَوْدِعُ الرَّجُلُ أَطْفَالَهُ لِمَنْ يَحْفَظُهُمْ وَيُرَبِّيهِمْ، فَهُمَا كَانَا فِي حَضَانَةِ أَبِيهِمَا، ¬

(¬1) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 240. (¬3) ن، م: الْكِسَاءَ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/22. (¬5) لَهُمْ: فِي (ن) ، (م) ، (و) فَقَطْ. (¬6) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ.

ثُمَّ لَمَّا بَلَغَا رُفِعَ عَنْهُمَا [حَجْرُ] (¬1) الْحَضَانَةِ فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْأُمَّةَ تَحْفَظُهُمَا وَتَحْرُسُهُمَا، فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ وَاحِدٌ مِنَ الْأُمَّةِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمَا الْآفَاتِ؟ . وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمَنْعَ مِنْ أَذَاهُمَا بِالْعُدْوَانِ عَلَيْهِمَا، وَنَصْرَهُمَا مِمَّنْ يَبْغِي عَلَيْهِمَا. فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ لِمَنْ هُوَ دُونَهُمَا، [فَكَيْفَ] (¬2) لَا يَجِبُ لَهُمَا؟ وَهَذَا مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَحَقُّهُمَا أَوْكَدُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الشُّورَى: 23] . فَهَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ (¬3) ; فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الشُّورَى، وَسُورَةُ [الشُّورَى] مَكِّيَّةٌ (¬4) بِلَا رَيْبٍ نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَبْلَ أَنْ يُولَدَ [لَهُ] (¬5) الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ; فَإِنْ عَلِيًّا إِنَّمَا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ (¬6) بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إِلَّا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ بَدْرٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْآيَةِ [الْكَرِيمَةِ] (¬7) ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا بَيَّنَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ أَنَّهُ لَمْ ¬

(¬1) حَجْرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) فَكَيْفَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) ظَاهِرٌ: فِي (ن) فَقَطْ. (¬4) ن، م، و: وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. . (¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) ن، م: بِفَاطِمَةَ. (¬7) الْكَرِيمَةِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . وَانْظُرْ مَا سَبَقَ 4/25 27.

تَكُنْ قَبِيلَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ (¬1) إِلَّا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَابَةٌ، فَقَالَ: " {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} : إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي (¬2) فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (¬3) . وَقَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالشِّيعَةِ، مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا» . وَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ [بِالْحَدِيثِ] (¬4) . [وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ] (¬5) ; فَإِنَّ سُورَةَ الشُّورَى جَمِيعَهَا مَكِّيَّةٌ، بَلْ جَمِيعَ آلِ حم كُلَّهُنَّ مَكِّيَّاتٌ، وَعَلِيٌّ لَمْ يَتَزَوَّجْ فَاطِمَةَ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يُولَدْ لَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ إِلَّا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنَّهَا «لَمَّا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا» . قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ: " وُلِدَ الْحَسَنُ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ. وَوُلِدَ الْحُسَيْنُ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ". قَالَ: " وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ ". قُلْتُ: وَمَنْ قَالَ هَذَا يَقُولُ: إِنَّ الْحَسَنَ وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ (¬6) ، وَهَذَا ¬

(¬1) ن، م: مِنَ الْعَرَبِ قُرَيْشٍ، و: مِنَ الْعَرَبِ. (¬2) ن: إِلَّا أَنْ تُؤْذُونِي، و، ص، ر: إِلَّا أَلَّا تُؤْذُونِي، أ: إِلَّا أَنْ تُوذُنِي. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/25 26. (¬4) ن، م: أَهْلِ الْعِلْمِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) يَقُولُ: وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية

ضَعِيفٌ ; فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدْخُلْ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِلَّا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ (¬1) . [مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية] (فَصْلٌ) (¬2) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَتَوَقَّفَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِإِمَامَتِهِ فِي لَعْنِهِ (¬4) مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ ظَالِمٌ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَنَهْبِ حَرِيمِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ هُودٍ: 18] وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ شُيُوخِ الْحَنَابِلَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] (¬5) قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّي قَتَلْتُ بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا سَبْعِينَ أَلْفًا، وَإِنِّي قَاتِلٌ بِابْنِ بِنْتِكَ (¬6) سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا. وَحَكَى السُّدِّيُّ وَكَانَ مِنْ فُضَلَائِهِمْ (¬7) قَالَ: نَزَلْتُ بِكَرْبَلَاءَ وَمَعِيَ طَعَامٌ لِلتِّجَارَةِ، فَنَزَلْنَا عَلَى رَجُلٍ فَتَعَشَّيْنَا ¬

(¬1) أ، ب: بَدْرٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " فِي تَرْجَمَةِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - 4/366: " وَمِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ مَقْدَمِهِمُ الْمَدِينَةَ وَبَنَى بِهَا مَرْجِعَهُ مِنْ بَدْرٍ وَلَهَا يَوْمَئِذٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً ". (¬2) هـ: الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ، ر، ص: الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ. (¬3) فِي (ك) ص 117 (م) 118 (م) . (¬4) لَعْنِهِ: كَذَا فِي (م) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِي لَعْنَتِهِ. (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَيْسَتْ فِي (ك) ، (و) ، (ن) ، (م) ، (ر) . (¬6) ك: بِابْنِ بِنْتِكَ فَاطِمَةَ. (¬7) ك: فَضَائِلِهِمْ.

عِنْدَهُ، وَتَذَاكَرْنَا قَتْلَ الْحُسَيْنِ (¬1) وَقُلْنَا: مَا شَرَكَ أَحَدٌ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ إِلَّا وَمَاتَ أَقْبَحَ مَوْتَةٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا أَكْذَبَكُمْ، أَنَا شَرَكْتُ فِي دَمِهِ (¬2) وَكُنْتُ مِمَّنْ قَتَلَهُ فَمَا (¬3) أَصَابَنِي شَيْءٌ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ (¬4) اللَّيْلِ إِذَا أَنَا بِصَائِحٍ (¬5) . قُلْنَا: مَا الْخَبَرُ؟ قَالُوا: قَامَ الرَّجُلُ يُصْلِحُ الْمِصْبَاحَ فَاحْتَرَقَتْ إِصْبَعُهُ، ثُمَّ دَبَّ الْحَرِيقُ فِي جَسَدِهِ (¬6) فَاحْتَرَقَ. [قَالَ السُّدِّيُّ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُهُ وَهُوَ حُمَمَةٌ سَوْدَاءُ (¬7) ] (¬8) . وَقَدْ سَأَلَ مُهَنَّا بْنُ يَحْيَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ يَزِيدَ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ. قُلْتُ: وَمَا فَعَلَ؟ قَالَ: نَهَبَ الْمَدِينَةَ. وَقَالَ لَهُ صَالِحٌ وَلَدُهُ يَوْمًا: إِنَّ قَوْمًا يَنْسُبُونَنَا (¬9) إِلَى تَوَلِّي (¬10) يَزِيدَ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ وَهَلْ يَتَوَلَّى (¬11) يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ فَقَالَ: لِمَ لَا تَلْعَنُهُ؟ (¬12) ؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ [فِي كِتَابِهِ] (¬13) ؟ ¬

(¬1) ك: الْحُسَيْنِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ص: الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬2) فِي دَمِهِ: كَذَا فِي (ك) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ. (¬3) أ، ب: وَمَا. (¬4) ك: فِي آخِرِ. (¬5) ك: بِصِيَاحٍ. (¬6) ك: ثُمَّ سَرَى الْحَرِيقُ فِي جَسَدِهِ، أ، ب: ثُمَّ دَبَّ الْحَرِيقُ إِلَى جَسَدِهِ. (¬7) أ: قَالَ السُّدِّيُّ: وَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُهُ وَهُوَ جَمْرَةٌ، ك: وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ فَحْمَةٌ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، م، أ، ص، ر، هـ: يَنْسُبُونَا. (¬10) ن، م، ر، أ، ك: تَوَالِي. (¬11) ن، م، أ، ر، و: يَتَوَالَى. (¬12) ك: فَقَالَ: لَا تَلْعَنْهُ. (¬13) فِي كِتَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

فَقُلْتُ: وَأَيْنَ لُعِنَ يَزِيدُ (¬1) ؟ فَقَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 23، 22] ، فَهَلْ يَكُونُ فَسَادٌ أَعْظَمَ مِنَ الْقَتْلِ وَنَهْبِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْيِ أَهْلِهَا؟ وَقَتَلَ جَمْعًا (¬2) مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ مَنْ يَبْلُغُ (¬3) عَدَدُهُمْ سَبْعَمِائَةٍ، وَقَتَلَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوِ امْرَأَةٍ (¬4) عَشَرَةَ آلَافٍ، وَخَاضَ النَّاسُ فِي الدِّمَاءِ حَتَّى وَصَلَتِ الدِّمَاءُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْتَلَأَتِ الرَّوْضَةُ وَالْمَسْجِدُ، ثُمَّ ضَرَبَ الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَهَدَمَهَا وَأَحْرَقَهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ قَاتِلَ الْحُسَيْنِ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ (¬5) ، وَقَدْ شُدَّ (¬6) يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ بِسَلَاسِلَ مِنْ نَارٍ يُنْكَسُ (¬7) فِي النَّارِ حَتَّى يَقَعَ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، ¬

(¬1) ر، ص، هـ، ب: وَأَيْنَ لَعَنَ اللَّهُ يَزِيدَ. (¬2) ك، و،: وَقُتِلَ جَمْعٌ. (¬3) أ، ب: مَنْ بَلَغَ، ك: مَا بَلَغَ. (¬4) ب: مِنْ عَبْدٍ وَحُرٍّ وَأَمَةٍ، أ: مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ أَمَةٍ، ر: مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ، ص: مِنْ عَبْدٍ وَحُرٍّ وَإِمْرَةٍ. (¬5) ك: أَهْلِ الدُّنْيَا. (¬6) ك: وَقَدْ شُدَّتْ. (¬7) ك: مُنَكَّسًا.

وَلَهُ رِيحٌ يَتَعَوَّذُ أَهْلُ النَّارِ (¬1) إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ شِدَّةِ نَتْنِ رِيحِهِ، وَهُوَ فِيهَا خَالِدٌ وَذَائِقٌ (¬2) الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلَ اللَّهُ لَهُمُ الْجُلُودَ حَتَّى يَذُوقُوا الْعَذَابَ، لَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ سَاعَةً، وَيُسْقَى (¬3) مِنْ حَمِيمِ جَهَنَّمَ. الْوَيْلُ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ وَغَضَبِي عَلَى مَنْ أَرَاقَ دَمَ أَهْلِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي» ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَوْلَ فِي لَعْنَةِ يَزِيدَ كَالْقَوْلِ فِي لَعْنَةِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُلُوكِ الْخُلَفَاءِ (¬4) وَغَيْرِهِمْ، وَيَزِيدُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ: خَيْرٌ مِنَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ أَمِيرِ الْعِرَاقِ، الَّذِي أَظْهَرَ الِانْتِقَامَ مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ ; فَإِنَّ هَذَا ادَّعَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ. وَخَيْرٌ مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ ; فَإِنَّهُ أَظْلَمُ مِنْ يَزِيدَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ. وَمَعَ هَذَا فَيُقَالُ: غَايَةُ يَزِيدَ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُلُوكِ أَنْ يَكُونُوا فُسَّاقًا، فَلَعْنَةُ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَتْ مَأْمُورًا بِهَا، إِنَّمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِلَعْنَةِ (¬5) الْأَنْوَاعِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ ; يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ» ¬

(¬1) أ، ب: أَهْلُ جَهَنَّمَ. (¬2) ك: خَالِدٌ ذَائِقٌ. (¬3) ب (فَقَطْ) : وَيُسْقَوْنَ. (¬4) ن، م: الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ. (¬5) أ، ب: بَلَعْنِ.

يَدُهُ " (¬1) . وَقَوْلِهِ: " «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا» " (¬2) . وَقَوْلِهِ: " «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ» " (¬3) . وَقَوْلِهِ: " «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» " (¬4) ، " «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رِضَى اللَّهِ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/159 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ لَعْنِ السَّارِقِ: إِذَا لَمْ يُسَمَّ) ، 8/161 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) ، مُسْلِمٍ 3/1314 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ وَنِصَابِهَا) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/58 59 (كِتَابُ قَطْعِ السَّارِقِ، بَابُ تَعْظِيمِ السَّرِقَةِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/862 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ حَدِّ السَّارِقِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/175. (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1567 (كِتَابُ الْأَضَاحِي، بَابُ تَحْرِيمِ الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَعْنِ فَاعِلِهِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/204 205 (كِتَابُ الضَّحَايَا، بَابُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/156، 197، 326 327. (¬3) جَاءَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ (لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ) ضِمْنَ حَدِيثٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 7/169 (كِتَابُ اللِّبَاسِ، مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1219 (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ لَعْنِ آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ) . كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/332 333 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابٌ فِي آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/340 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي آكِلِ الرِّبَا) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/764 (كِتَابُ التِّجَارَاتِ، بَابُ التَّغْلِيظِ فِي الرِّبَا،) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/246 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابٌ فِي لَعْنِ آكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/126 127 (كِتَابُ الزِّينَةِ، بَابُ الْمُوتَشِمَاتِ) ; وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/53، 75، 96، 208. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/307 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابٌ فِي التَّحْلِيلِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/294 295 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُحِلِّ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ " ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/622 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/158 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّحْلِيلِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/149 150.

وَسَاقِيَهَا، وَشَارِبَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا» " (¬1) . وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي لَعْنَةِ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ. فَقِيلَ: إِنَّهُ جَائِزٌ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ. وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ (¬2) لَعْنِ الْمُعَيَّنِ، كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ، وَأَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ هُودٍ: 18] وَقَدْ ثَبَتَ فِي [صَحِيحِ] الْبُخَارِيِّ (¬3) «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا (¬4) ، وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَكَانَ يُؤْتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضْرِبُهُ، فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ مَرَّةً، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تَلْعَنْهُ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " (¬5) . فَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَعْنَةِ هَذَا الْمُعَيَّنِ الَّذِي كَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي اللَّفْظِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/445 446 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ الْعِنَبِ يُعْصَرُ لِلْخَمْرِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ 4/321322، 8/89. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 5/19، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. (¬2) أ، ب، و: وَكَرَاهِيَةُ. (¬3) ن، م: فِي الْبُخَارِيِّ. (¬4) ب (فَقَطْ) : خِمَارًا. (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (ص [0 - 9] 58) .

لَعَنَ شَارِبَ الْخَمْرِ مُطْلَقًا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ [يَجُوزُ أَنْ] (¬1) يُلْعَنَ الْمُطْلَقُ وَلَا تَجُوزُ لَعْنَةُ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. [وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَلَا بُدَّ (¬2) أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ] (¬3) ، وَلَكِنْ فِي الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ مَنْ هُمْ مُنَافِقُونَ، فَأُولَئِكَ مَلْعُونُونَ لَا يُحِبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ عَلِمَ حَالَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 84] . وَمَنْ جَوَّزَ [مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ] (¬4) لَعْنَةَ الْفَاسِقِ الْمُعَيَّنِ (¬5) ; فَإِنَّهُ يَقُولُ يَجُوزُ أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَأَنْ أَلْعَنَهُ، فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّوَابِ [مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ] (¬6) ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الثَّوَابَ، وَاللَّعْنَةُ لَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِقَابَ (¬7) . وَاللَّعْنَةُ الْبُعْدُ عَنِ الرَّحْمَةِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ سَبَبٌ لِلرَّحْمَةِ، فَيُرْحَمُ مِنْ وَجْهٍ، وَيُبْعَدُ عَنْهَا مِنْ وَجْهٍ. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَمَنْ يَدْخُلُ فِيهِمْ مِنَ الْكَرَامِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ، وَمَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنَ الشِّيعَةِ الْإِمَامِيَّةِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْفَاسِقَ لَا يَخْلُدُ فِي ¬

(¬1) يَجُوزُ أَنْ: فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬2) أ، ب: لَا بُدَّ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) ن، م، و: الْمُعَيَّنِ الْفَاسِقِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. (¬6) مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (هـ) . (¬7) أ، ب: الْعَذَابَ.

النَّارِ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ كَالْخَوَارِجِ (¬1) وَالْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ الشِّيعَةِ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ لَا يَجْتَمِعُ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ. وَقَدِ اسْتَفَاضَتِ السُّنَنُ النَّبَوِيَّةُ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ قَوْمٌ بِالشَّفَاعَةِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ. وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَالَّذِي يُجَوِّزُ لَعْنَةَ يَزِيدَ [وَأَمْثَالِهِ] (¬2) يَحْتَاجُ إِلَى شَيْئَيْنِ: إِلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْفُسَّاقِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ تُبَاحُ لَعْنَتُهُمْ، [وَأَنَّهُ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ] (¬3) . وَالثَّانِي: أَنَّ لَعْنَةَ الْمُعَيَّنِ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزَةٌ. وَالْمُنَازِعُ يَطْعَنُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ، لَا سِيَّمَا الْأُولَى. فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ هُودٍ: 18] فَهِيَ آيَةٌ عَامَّةٌ كَآيَاتِ الْوَعِيدِ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 10] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ سَبَبُ اللَّعْنِ وَالْعَذَابِ، لَكِنْ قَدْ يَرْتَفِعُ مُوجِبُهُ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ: إِمَّا تَوْبَةٍ، وَإِمَّا حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، وَإِمَّا مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ. فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ أَنَّ يَزِيدَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الظَّلَمَةِ لَمْ يَتُبْ مِنْ هَذِهِ (¬4) ؟ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ مَاحِيَةٌ تَمْحُو ظُلْمَهُ؟ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ؟ [وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى] (¬5) : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 48] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (¬6) ¬

(¬1) أ، ب، ر، هـ، و: مِنَ الْخَوَارِجِ. (¬2) وَأَمْثَالِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) ن، م: مِنْ هَذَا. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: وَفِي صَّحِيحِ الْبُخَارِيِّ.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» " (¬1) وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يَزِيدَ، وَالْجَيْشُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ لَا مُطْلَقٌ، وَشُمُولُ الْمَغْفِرَةِ لِآحَادِ هَذَا الْجَيْشِ أَقْوَى مِنْ شُمُولِ اللَّعْنَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّ هَذَا أَخَصُّ، وَالْجَيْشُ مُعَيَّنُونَ. وَيُقَالُ: إِنَّ يَزِيدَ إِنَّمَا غَزَا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ لِأَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ظُلْمٍ، فَإِنْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ سَاغَ (¬2) أَنْ يُلْعَنَ أَكْثَرُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَأْمُرْ بِلَعْنَتِهِمْ (¬3) . ثُمَّ الْكَلَامُ فِي لَعْنَةِ الْأَمْوَاتِ أَعْظَمُ مِنْ لَعْنَةِ الْحَيِّ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ ¬

(¬1) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ وَجَدْتُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدِيثَ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/42 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّومِ) وَنَصُّ الْحَدِيثِ: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا " قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ ". فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لَا ". وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْحَدِيثِ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 1/111 - 112 وَقَالَ: إِنَّهُ فِي مُسْنَدِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ وَفِي الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ وَفِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ. وَوَجَدْتُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/335 حَدِيثًا عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصُّهُ: " لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ " (¬2) ن، م: شَاعَ. (¬3) وَ: بِاللَّعْنَةِ لَهُمْ.

فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا» " (¬1) . حَتَّى أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا» " (¬2) لَمَّا كَانَ قَوْمٌ يَسُبُّونَ أَبَا جَهْلٍ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ أَسْلَمَ أَقَارِبُهُمْ، فَإِذَا سَبُّوا ذَلِكَ آذَوْا قَرَابَتَهُ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ، فَالْمَنْصُوصُ الثَّابِتُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ: " وَمَتَى رَأَيْتَ أَبَاكَ يَلْعَنُ أَحَدًا؟ [لَمَّا قِيلَ لَهُ: أَلَا تَلْعَنُ يَزِيدَ؟ فَقَالَ: وَمَتَى رَأَيْتَ أَبَاكَ يَلْعَنُ أَحَدًا؟] (¬3) وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ذَكَرَ الْحَجَّاجَ وَنَحْوَهُ مِنَ الظَّلَمَةِ وَأَرَادَ أَنَ يَلْعَنَ يَقُولُ (¬4) : {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، وَكَرِهَ أَنْ يُلْعَنَ الْمُعَيَّنُ بِاسْمِهِ. وَنُقِلَتْ عَنْهُ رِوَايَةٌ فِي لَعْنَةِ يَزِيدَ وَأَنَّهُ قَالَ: أَلَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ، لَكِنَّهَا رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ لَيْسَتْ ثَابِتَةً عَنْهُ، وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى لَعْنِ الْمُعَيَّنِ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ ذَنْبٍ لُعِنَ (¬5) فَاعِلُهُ، يُلْعَنُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي فَعَلَهُ؛ لَلُعِنَ جُمْهُورُ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/104 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا يُنْهَى عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ) ، 8/107 108 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 4/43 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/239 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/180. (¬2) الْحَدِيثُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/238 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّتْمِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ 4/252. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/259. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/151. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) ن، م، ر: وَيَقُولُ. (¬5) ن (فَقَطْ) : كُلُّ ذَنْبٍ فُعِلَ لُعِنَ. .

النَّاسِ. وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَعِيدِ الْمُطْلَقِ، لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَهُ فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ إِلَّا إِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ، وَهَكَذَا اللَّعْنُ. وَهَذَا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ فَعَلَ مَا يُقْطَعُ بِهِ الرَّحِمُ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا تَحَقَّقَ فِي كَثِيرٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِينَ تَقَاتَلُوا مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَالطَّالِبِيِّينَ، فَهَلْ يُلْعَنُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ ظَلَمَ قَرَابَةً لَهُ لَا سِيَّمَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِدَّةُ آبَاءٍ، أَيَلْعَنُهُ بِعَيْنِهِ؟ ثُمَّ إِذَا لُعِنَ هَؤُلَاءِ لُعِنَ كُلُّ مَنْ شَمِلَهُ أَلْفَاظُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُلْعَنُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 23، 22] وَعِيدٌ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَ بَنُو هَاشِمٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَ يَزِيدُ. فَإِنْ قِيلَ بِمُوجِبِ هَذَا لُعِنَ (¬1) مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: الْعَلَوِيِّينَ وَالْعَبَّاسِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فَلَهُ كِتَابٌ فِي [إِبَاحَةِ] (¬2) لَعْنَةِ يَزِيدَ، رَدَّ فِيهِ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْمُغِيثِ الْحَرْبِيِّ ; فَإِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْخَلِيفَةَ النَّاصِرَ لَمَّا بَلَغَهُ نَهْيُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْمُغِيثِ عَنْ ذَلِكَ قَصَدَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَعَرَفَ عَبْدُ الْمُغِيثِ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ، وَلَمْ يُظْهِرْ أَنَّهُ يَعْلَمُهُ فَقَالَ: يَا هَذَا أَنَا قَصْدِي كَفُّ (¬3) أَلْسِنَةِ النَّاسِ عَنْ لَعْنَةِ (¬4) خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاتِهِمْ، وَإِلَّا فَلَوْ ¬

(¬1) وَ: بِمُوجِبِ هَذَا اللَّعْنِ لُعِنَ. . (¬2) إِبَاحَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) ن، م، و، هـ: أَكُفُّ. (¬4) م، أ، ب: لَعْنِ.

فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَكَانَ خَلِيفَةُ وَقْتِنَا أَحَقَّ بِاللَّعْنِ ; فَإِنَّهُ يَفْعَلُ أُمُورًا مُنْكَرَةً أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَهُ يَزِيدُ ; فَإِنَّ هَذَا يَفْعَلُ كَذَا وَيَفْعَلُ كَذَا. وَجَعَلَ يُعَدِّدُ مَظَالِمَ (¬1) الْخَلِيفَةِ، حَتَّى قَالَ لَهُ: ادْعُ لِي يَا شَيْخُ، وَذَهَبَ (¬2) . وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ بِأَهْلِ الْحَرَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا خَلَعُوهُ وَأَخْرَجُوا نُوَّابَهُ وَعَشِيرَتَهُ (¬3) ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَطْلُبُ الطَّاعَةَ، فَامْتَنَعُوا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيِّ، وَأَمَرَهُ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبِيحَ الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةَ [أَيَّامٍ] (¬4) . وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَظُمَ إِنْكَارُ النَّاسِ لَهُ مِنْ فِعْلِ يَزِيدَ. وَلِهَذَا قِيلَ لِأَحْمَدَ: أَتَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ؟ قَالَ: لَا وَلَا كَرَامَةَ. أَوَلَيْسَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ؟ . لَكِنْ لَمْ يَقْتُلْ جَمِيعَ الْأَشْرَافِ، وَلَا بَلَغَ عَدَدُ الْقَتْلَى عَشَرَةَ آلَافٍ، ¬

(¬1) ن، م، و: خَطَايَا. (¬2) ذَكَرَ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ فِي " الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 1/356 عِنْدَ تَرْجَمَتِهِ لِعَبْدِ الْمُغِيثِ الْحَرْبِيِّ 1/354 - 358، وَهُوَ أَبُو الْعِزِّ عَبْدُ الْمُغِيثِ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ عَلَوِيٍّ الْحَرْبِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 500 تَقْرِيبًا وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 583 وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ أَنَّ عَبْدَ الْمُغِيثِ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ سَبِّ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَلَّفَ كِتَابًا فِي ذَلِكَ رَدًّا عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ الَّذِي كَانَ يَطْعَنُ عَلَيْهِ فَأَلَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى عَبْدِ الْمُغِيثِ هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَعُنْوَانُهُ " الرَّدُّ عَلَى الْمُتَعَصِّبِ الْعَنِيدِ الْمَانِعِ مِنْ ذَمِّ يَزِيدَ " وَانْظُرْ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْمُغِيثِ الْحَرْبِيِّ: فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/275 - 276 ; وَالْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 12/328 وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ " وَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي فَضْلِ يَزِيدَ أَتَى فِيهِ بِالْغَرَائِبِ وَالْعَجَائِبِ " ; الْأَعْلَامَ 4/300 وَأَمَّا كِتَابُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فَذَكَرَتْ تِلْمِيذَتِي الدُّكْتُورَة آمِنَة مُحَمَّد نُصَيْر فِي رِسَالَتِهَا لِلْمَاجِسْتِيرِ " ابْنَ الْجَوْزِيِّ وَآرَاءَهُ الْكَلَامِيَّةَ وَالْأَخْلَاقِيَّةَ " ص [0 - 9] 5 أَنَّ مِنْهُ عِدَّةَ نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ فِي بَرْلِينَ وَبَغْدَادَ وَلِيدِنْ بِهُولَنْدَا. (¬3) و: وَعِتْرَتَهُ. (¬4) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: ثَلَاثًا.

وَلَا وَصَلَتِ الدِّمَاءُ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا إِلَى الرَّوْضَةِ، وَلَا كَانَ الْقَتْلُ فِي الْمَسْجِدِ. وَأَمَّا الْكَعْبَةُ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَّفَهَا وَعَظَّمَهَا وَجَعَلَهَا مُحَرَّمَةً، فَلَمْ يُمَكِّنِ اللَّهُ أَحَدًا (¬1) مِنْ إِهَانَتِهَا لَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَلَا بَعْدَهُ، بَلْ لَمَّا قَصَدَهَا أَهْلُ الْفِيلِ عَاقَبَهُمُ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ الْمَشْهُورَةَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ - أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ - وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ - تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ - فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [سُورَةُ الْفِيلِ: 1 - 5] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 25] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَوْ هَمَّ رَجُلٌ بِعَدَنِ أَبْيَنَ أَنْ يُلْحِدَ فِي الْحَرَمِ لَأَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» (¬2) . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا (¬3) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ [مِنْ] أَعْظَمِ النَّاسِ كُفْرًا الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ، الَّذِينَ قَتَلُوا ¬

(¬1) أ: فَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ ; ص، ب، ر، ن، م: فَلَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا. (¬2) أ، ب: الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 6/65 - 66 (رَقْمُ 4071) . وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . وَالْحَدِيثُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 7: 70 وَقَالَ: " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ ". وَنَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ 5: 571 مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَفِي آخِرِهِ بَعْدَ كَلَامِ شُعْبَةَ: قَالَ يَزِيدُ: " هُوَ قَدْ رَفَعَهُ "، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ " وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، بِهِ. قُلْتُ (الْقَائِلُ ابْنُ كَثِيرٍ) : هَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَوَقْفُهُ أَشْبَهُ مِنْ رَفْعِهِ، وَلِهَذَا صَمَّمَ شُعْبَةُ عَلَى وَقْفِهِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَسْبَاطٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَوْقُوفًا ". وَهَذَا تَحَكُّمٌ مِنْ شُعْبَةَ ثُمَّ مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَكَلِمَةُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كَلِمَةٌ حَكِيمَةٌ، وَإِشَارَةٌ دَقِيقَةٌ يُرِيدُ أَنَّ شُعْبَةَ قَدْ حَكَى رَفْعَهُ عَنْ شَيْخِهِ، فَهُوَ قَدْ رَفَعَهُ رِوَايَةً إِنْ وَقَفَهُ رَأْيًا، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ فَتُقْبَلُ، وَنَحْنُ نَأْخُذُ عَنِ الرَّاوِي رِوَايَتَهُ، وَلَا نَتَقَيَّدُ بِرَأْيِهِ، وَأَمَّا أَنَّ غَيْرَ شُعْبَةَ رَوَاهُ مَوْقُوفًا، فَلَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْمَرْفُوعِ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ كَمَا قُلْنَا ".

الْحُجَّاجَ، وَأَلْقَوْهُمْ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ، وَأَخَذُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَبَقِيَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً، ثُمَّ أَعَادُوهُ، وَجَرَى فِيهِ عَبْرَةٌ حَتَّى أُعِيدَ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُسَلَّطُوا عَلَى الْكَعْبَةِ بِإِهَانَةٍ، بَلْ كَانَتْ مُعَظَّمَةً مُشَرَّفَةً، وَهُمْ كَانُوا مِنْ (¬1) أَكْفَرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا مُلُوكُ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ [وَنُوَّابُهُمْ] (¬2) ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَقْصِدْ إِهَانَةَ الْكَعْبَةِ: لَا نَائِبُ يَزِيدَ، وَلَا نَائِبُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، وَلَا غَيْرُهُمَا. بَلْ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مُعَظِّمِينَ لِلْكَعْبَةِ (¬3) ، وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُهُمْ حِصَارَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَالضَّرْبُ بِالْمَنْجَنِيقِ كَانَ لَهُ لَا لِلْكَعْبَةِ، وَيَزِيدُ لَمْ يَهْدِمِ الْكَعْبَةَ، وَلَمْ يَقْصِدْ إِحْرَاقَهَا: لَا هُوَ وَلَا نُوَّابُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَكِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ هَدَمَهَا [تَعْظِيمًا لَهَا] (¬4) ، لِقَصْدِ إِعَادَتِهَا وَبِنَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَكَانَتِ النَّارُ قَدْ أَصَابَتْ بَعْضَ سَتَائِرِهَا فَتَفَجَّرَ بَعْضُ الْحِجَارَةِ. ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَمَرَ الْحَجَّاجَ بِإِعَادَتِهَا إِلَى الْبِنَاءِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ زَمَنَ رَسُولِ ¬

(¬1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَنُوَّابُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: مُعَظِّمِينَ لَهَا ; ص: مُعَظِّمِينَ الْكَعْبَةَ. (¬4) تَعْظِيمًا لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَا زَادَ فِي طُولِهَا فِي السَّمَاءِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدَعَهُ، فَهِيَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَى الْآنَ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ (¬1) ; فَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ السَّلَفِ رَأَوْا إِعَادَتَهَا إِلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لِعَائِشَةَ: " «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْكَعْبَةَ اسْتَقْصَرَتْ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا» ". قَالَ الْبُخَارِيُّ: يَعْنِي بَابًا. وَعَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ - أَوْ قَالَ: بِكُفْرٍ - لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ، وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ» ". وَفِي رِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: " «وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ (¬2) فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ» " (¬3) . وَ [رَوَى] مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ (¬4) قَالَ (¬5) : لَمَّا ¬

(¬1) أ، ب: اجْتِهَادِيَّةٌ. (¬2) أ، ب: وَلَزِدْتُ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ: 2/146. (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا) ، 4/146 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ (يَزِفُّونَ) النَّسَلَانُ فِي الْمَشْيِ) . 6/20 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْبَقَرَةِ، بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) . وَالْحَدِيثُ عَنْهَا فِي: مُسْلِمٍ 2/968 - 972 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ نَقْضِ الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا) الْأَحَادِيثَ 398 - 404، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/169 - 171 (كِتَابُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، بَابُ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ) ; الْمُوَطَّأِ 1/363 - 364) كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ مُسْنَدِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) . (¬4) ن، م: وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ (¬5) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 2/970 - 971 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ نَقْضِ الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا) ، وَسَأُقَابِلُ النَّصَّ التَّالِيَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهُ (¬1) أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ، يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ (¬2) عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ: أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي (¬3) بِنَاءَهَا (¬4) أَمْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: فَإِنِّي قَدْ فُرِقَ لِي فِيهَا رَأْيٌ (¬5) أَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى مِنْهَا (¬6) وَتَدَعَ بَيْتًا (¬7) أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَبُعِثَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْ كَانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ (¬8) . فَكَيْفَ بَيْتُ (¬9) رَبِّكُمْ؟ إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي. فَلَمَّا مَضَتْ (¬10) الثَّلَاثُ أَجْمَعَ أَمْرَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً، فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا، فَنَقَضُوهُ حَتَّى بَلَغُوا الْأَرْضَ، فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً فَسَتَرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ، حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ (¬11) عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى ¬

(¬1) مُسْلِمٌ: غَزَاهَا. (¬2) ن: يُحَرِّبَهُمْ، وَهَى رِوَايَةٌ فِي مُسْلِمٍ جَعَلَهَا بَيْنَ قَوْسَيْنِ. (¬3) ص، ر، ب، هـ: أُثَنِي. (¬4) ن، م: بَابَهَا. (¬5) مُسْلِمٌ: رَأْيٌ فِيهَا. (¬6) ب (فَقَطْ) مِنْهَا مَا وَهَى. (¬7) أ: بِنَاهَا، ب: بِنَاءً. (¬8) أ، ب، ص،: يُجَدِّدَهُ. وَيُجِدَّهُ: أَيْ يَجْعَلَهُ جَدِيدًا. (¬9) ن، ص، ر، ب، و: بِبَيْتِ. (¬10) مُسْلِمٌ: مَضَى. (¬11) مُسْلِمٌ 2/971: وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنِّي سَمِعْتُ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ (¬1) وَلَيْسَ عِنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّينِي (¬2) عَلَى بِنَائِهِ، لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ (¬3) بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ» ". قَالَ: فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، حَتَّى أَبْدَى أُسًّا (¬4) نَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ (¬5) . فَبَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاءَ وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ (¬6) عَشْرَةَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ، فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَجَعَلَ لَهَا (¬7) بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ (¬8) . مِنْهُ فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ [بْنِ مَرْوَانَ] (¬9) بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ. أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَابَ ¬

(¬1) النَّاسَ بِحَدِيثِ عَهْدِهِمْ بِكُفْرٍ: كَذَا فِي (و) ، مُسْلِمٌ. وَفِي (ن) ، (ر) . (هـ) : قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ. وَفِي (ص) ، (ب) : حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ. وَفِي (م) : حَدِيثُو عَهْدِهِمْ بِكُفْرٍ. وَفِي (أ) : حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرِهِمْ. (¬2) مُسْلِمٌ: مَا يُقَوِّي. (¬3) بَابَيْنِ: لَيْسَتْ فِي مُسْلِمٍ. (¬4) حَتَّى أَبْدَى أُسًّا: كَذَا فِي (و) ، وَمُسْلِمٍ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: حَتَّى بَدَا أَسَاسٌ. (¬5) ن، م: نَظَرَ فِيهِ النَّاسُ ; مُسْلِمٌ: نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ. (¬6) ن، م، ص، ب، ر، هـ، أ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. (¬7) مُسْلِمٌ: لَهُ. (¬8) أ، ب: بَابٌ يُدْخَلُ مِنْهُ وَبَابٌ يُخْرَجُ مِنْهُ ; م ; أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ. (¬9) بْنِ مَرْوَانَ: لَيْسَتْ فِي (م) ، (أ) ، (ب) .

الَّذِي فَتَحَهُ. فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ ". وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ (¬1) : وَفَدَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ - سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (¬2) - مَا كَانَ زَعَمَ (¬3) أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا. قَالَ الْحَارِثُ: بَلَى أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهَا، قَالَ: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قَالَتْ (¬4) : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْتُ (¬5) مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ " فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ» ، هَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَعَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَطَاءٍ عَنِ الْحَارِثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (¬6) : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ بِالْأَرْضِ (¬7) : شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا. وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كَانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ [قَالَتْ:] (¬8) " قُلْتُ: لَا. قَالَ: " تَعَزُّزًا أَلَّا (¬9) يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ أَرَادُوا، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا يَدَعُونَهُ يَرْتَقِي، حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا (¬10) دَفَعُوهُ فَسَقَطَ» ". قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ ¬

(¬1) فِي: مُسْلِمٍ 2/971 972. (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَيْسَتْ فِي (مُسْلِمٍ) . (¬3) مُسْلِمٌ: يَزْعُمُ. (¬4) مُسْلِمٌ: قَالَ: قَالَتْ. (¬5) ب (فَقَطْ) : لَأَعَدْتُ. (¬6) مُسْلِمٌ: وَزَادَ عَلَيْهِ الْوَلِيدَ بْنَ عَطَاءٍ. (¬7) مُسْلِمٌ: فِي الْأَرْضِ، ن م: فِي هَذَا الْبَابِ. (¬8) قَالَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب) . (¬9) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: تَعَزُّرًا لَا، وَالتَّصْوِيبُ مِنْ مُسْلِمٍ 2/972. (¬10) مُسْلِمٌ: أَنْ يَدْخُلَ.

لِلْحَارِثِ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَنَكَتَ (¬1) سَاعَةً بِعَصَاهُ، ثُمَّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهُ وَمَا تَحَمَّلَ ". وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ (¬2) عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: قَالَ: شَهِدْتُ (¬3) ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ [حِجَارَةً] (¬4) كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ " فَذَكَرَ الزِّيَادَةَ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا. قُلْتُ: وَابْنُ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى رَأَوْا إِقْرَارَهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهَا كَذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ تُعَادَ [كَمَا كَانَتْ] (¬5) لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِيهِ، وَلَمَّا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَدَّ أَنَّهُ تَرَكَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ الرَّشِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ، شَاوَرَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فِي أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (¬6) أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: إِنَّهُ رَجَّحَ فِعْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَكُلٌّ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ رَأَوْا هَذَا وَهَذَا مُعَظِّمُونَ لِلْكَعْبَةِ مُشَرِّفُونَ لَهَا، إِنَّمَا يَقْصِدُونَ (¬7) مَا يَرَوْنَهُ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ ¬

(¬1) مُسْلِمٌ: قَالَ: فَنَكَتَ. . (¬2) الْبُخَارِيُّ 2/147 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا) . (¬3) الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. . . . . . . قَالَ يَزِيدُ: وَشَهِدْتُ. (¬4) حِجَارَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَأَثْبَتُّهَا مِنَ (الْبُخَارِيِّ) . (¬5) كَمَا كَانَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) ن، م: يَعْتَقِدُونَ.

وَرَسُولِهِ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقْصِدُ إِهَانَةَ الْكَعْبَةِ (¬1) . وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَصَدَ رَمْيَ الْكَعْبَةِ بِمَنْجَنِيقٍ أَوْ عَذِرَةٍ (¬2) فَقَدْ كَذَبَ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ (¬3) . وَالَّذِينَ كَانُوا [كُفَّارًا] (¬4) لَا يَحْتَرِمُونَ الْكَعْبَةَ، كَأَصْحَابِ الْفِيلِ وَالْقَرَامِطَةِ، لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا، فَكَيْفَ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الْكَعْبَةَ؟ ! (¬5) . وَأَيْضًا فَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ أَحَدًا يَقْصِدُ إِهَانَةَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رَمْيِهَا بِالْمَنْجَنِيقِ، بَلْ يُمْكِنُ تَخْرِيبُهَا بِدُونِ ذَلِكَ، كَمَا تُخَرَّبُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ الْقِيَامَةَ فَيُخَرِّبَ بَيْتَهُ، وَيَرْفَعَ كَلَامَهُ مِنَ الْأَرْضِ، فَلَا يَبْقَى فِي الْمَصَاحِفِ وَالْقُلُوبِ قُرْآنٌ، وَيَبْعَثُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَقْبِضُ (¬6) رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَلَا يُبْقَى فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَتَخْرِيبُهَا بِأَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهَا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ» " (¬7) . ¬

(¬1) ن، م: يَقْصِدُ إِهَانَتَهَا. (¬2) الْعَذِرَةُ: الْغَائِطُ. (¬3) م، أ، ب: فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا فِي إِسْلَامٍ. (¬4) كُفَّارًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) بَعْدَ كَلِمَةِ " الْكَعْبَةِ " جَاءَتْ عِدَّةُ أَسْطُرٍ فِي (و) هِيَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي سَبَقَ وُرُودُهُ وَكَانَ سَاقِطًا مِنْ (و) وَجَاءَ هُنَا فِي غَيْرِ مَكَانِهِ الصَّحِيحِ. (¬6) ن، م، و: تَقْبِضُ. (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/148 149، 149 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ، بَابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ) ; مُسْلِمٍ 4/2232 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/14 15، 15 227 (مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ) .

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا» " (¬1) . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 97] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَوْ تَرَكَ النَّاسُ الْحَجَّ سَنَةً وَاحِدَةً لَمَا نُوظِرُوا. وَقَالَ: لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنْ لَا يَحُجُّوا لَسَقَطَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " الْمَنَاسِكِ " (¬2) . وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: إِنَّ الْحَجَّ كُلَّ عَامٍ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. وَالْمَنْجَنِيقُ إِنَّمَا يُرْمَى بِهِ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ (¬3) بِدُونِهِ، كَمَا «رَمَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الطَّائِفِ بِالْمَنْجَنِيقِ» ، لَمَّا دَخَلُوا حِصْنَهُمْ وَامْتَنَعُوا فِيهِ، وَالَّذِينَ حَاصَرُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا اسْتَجَارَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ رَمَوْهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، حَيْثُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ. وَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ دَخَلُوا بَعْدَ هَذَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَطَافُوا بِالْكَعْبَةِ، وَحَجَّ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ ذَلِكَ الْعَامَ بِالنَّاسِ، وَأَمَرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَنْ لَا يُخَالِفُ ابْنَ عُمَرَ فِي أَمْرِ الْحَجِّ. فَلَوْ كَانَ قَصْدُهُمْ بِالْكَعْبَةِ شَرًّا لَفَعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنُوا مِنْهَا، كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا تَمَكَّنُوا مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَتَلُوهُ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/149 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/315 316. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أَفْحَجُ: مِنَ الْفَحَجِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْحَاءِ وَآخِرُهُ جِيمٌ، وَهُوَ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ ". (¬2) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ " ص 248 مِنْ مُصَنَّفَاتِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: " الْمَنَاسِكُ الْكَبِيرُ " وَ " الصَّغِيرُ ". (¬3) ن، م: مِمَّنْ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِمْ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ وَقَوْلُهُ (¬1) : " «إِنَّ قَاتِلَ الْحُسَيْنِ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ، وَقَدْ شُدَّتْ (¬2) يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ بِسَلَاسِلَ مِنْ نَارٍ، يُنَكَّسُ فِي النَّارِ حَتَّى يَقَعَ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، وَلَهُ رِيحٌ يَتَعَوَّذُ أَهْلُ (¬3) النَّارِ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ شِدَّةِ نَتْنِ رِيحِهِ، وَهُوَ فِيهَا خَالِدٌ» " إِلَى آخِرِهِ. فَهَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنَ الْمُجَازَفَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) ، فَهَلْ يَكُونُ عَلَى وَاحِدٍ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ؟ أَوْ يُقَدَّرُ نِصْفُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ؟ وَأَيْنَ عَذَابُ آلِ فِرْعَوْنَ [وَآلِ الْمَائِدَةِ] (¬5) وَالْمُنَافِقِينَ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ؟ وَأَيْنَ قَتَلَةُ (¬6) الْأَنْبِيَاءِ، وَقَتَلَةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ؟ . وَقَاتِلُ عُثْمَانَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ قَاتِلِ الْحُسَيْنِ. فَهَذَا الْغُلُوُّ الزَّائِدُ يُقَابَلُ بِغُلُوِّ النَّاصِبَةِ، الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ خَارِجِيًّا، وَأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ قَتْلُهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬7) . وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَرُدُّونَ غُلُوَّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ ¬

(¬1) وَقَوْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) شُدَّتْ: كَذَا فِي (ص) ، (ب) ، (أ) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: شُدَّ. (¬3) ب (فَقَطْ) : يَتَعَوَّذُ مِنْهُ أَهْلُ. (¬4) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬5) وَآلِ الْمَائِدَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) و: قَاتِلُو. (¬7) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564.

قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَإِنَّ الَّذِينَ قَتَلُوهُ كَانُوا ظَالِمِينَ مُعْتَدِينَ. وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي يَأْمُرُ فِيهَا بِقِتَالِ (¬1) الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ ; فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُفَرِّقِ (¬2) الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا وَهُوَ طَالِبٌ لِلرُّجُوعِ (¬3) إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ [إِلَى] الثَّغْرِ (¬4) ، أَوْ إِلَى يَزِيدَ، دَاخِلًا فِي الْجَمَاعَةِ، مُعْرِضًا عَنْ تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ (¬5) . وَلَوْ كَانَ طَالِبُ ذَلِكَ أَقَلَّ النَّاسِ لَوَجَبَ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا تَجِبُ إِجَابَةُ الْحُسَيْنِ إِلَى ذَلِكَ؟ ! وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ هُوَ دُونَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا إِمْسَاكُهُ، فَضْلًا عَنْ أَسْرِهِ وَقَتْلِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ وَغَضَبِي عَلَى مَنْ أَرَاقَ دَمَ أَهْلِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي» . كَلَامٌ لَا يَنْقُلُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ إِلَّا جَاهِلٌ (¬6) . فَإِنَّ الْعَاصِمَ لِدَمِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى بِمَا يُبِيحُ قَتْلَهُ أَوْ قَطْعَهُ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. ¬

(¬1) أ، ب: بِقَتْلِ. (¬2) ص، ب: يُفَارِقْ. (¬3) أ، م، ب: الرُّجُوعَ. (¬4) أَوْ إِلَى الثَّغْرِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَوِ الثَّغْرِ. (¬5) أ، ب: عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمَّةِ. (¬6) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ.

كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ (¬1) فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ (¬2) الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» " (¬3) . فَقَدْ أَخْبَرَ (¬4) أَنَّ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ لَوْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَأَقَامَهُ عَلَيْهِ، فَلَوْ زَنَى الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ مُحْصَنٌ رُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ قَتَلَ نَفْسًا عَمْدًا عُدْوَانًا مَحْضًا لَجَازَ قَتْلُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنَ الْحَبَشَةِ أَوِ الرُّومِ أَوِ التُّرْكِ أَوِ الدَّيْلَمِ. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» " (¬5) فَدِمَاءُ الْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرِ الْهَاشِمِيِّينَ سَوَاءٌ إِذَا كَانُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِرَاقَةِ دَمِ الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِ الْهَاشِمِيِّ إِذَا كَانَ بِحَقٍّ، فَكَيْفَ ¬

(¬1) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) م، ص: مِنْهُمْ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الْجُزْءِ. ص 534. (¬4) أ، ب: ذَكَرَ. (¬5) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/107 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي السَّرِيَّةِ تَرِدُ عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/895 " (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/199، 212، 213، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثُ فِي " إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ مَنَارِ السَّبِيلِ " 7/265 (2207) ، ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ، بَيْرُوتَ 1399 1979 (وَانْظُرْ كَلَامَهُ عَلَيْهِ) .

يَخُصُّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَهُ بِأَنْ يَشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَرَاقَ دِمَاءَهُمْ. فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ قَتْلَ النَّفْسِ إِلَّا بِحَقٍّ، فَالْمَقْتُولُ بِحَقٍّ لِمَ يَشْتَدُّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ هَاشِمِيًّا أَوْ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ؟ . وَإِنْ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ، {وَمَنْ يَقْتُلْ (¬1) مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} . فَالْعَاصِمُ لِلدِّمَاءِ وَالْمُبِيحُ لَهَا يَشْتَرِكُ فِيهِ بَنُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُمْ، فَلَا يُضِيفُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مُنَافِقٌ يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِ، أَوْ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ الْعَدْلَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «مَنْ آذَانِي فِي عِتْرَتِي» " فَإِنَّ إِيذَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَامٌ فِي عِتْرَتِهِ وَأُمَّتِهِ وَسُنَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (¬2) . ¬

(¬1) ن، م، و: فَمَنْ قَتَلَ. (¬2) أ، ب: وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَعِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْتَهِي الْجُزْءُ الثَّالِثُ مِنْ نُسْخَةِ (ر) وَفِيهَا:. . وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ آخِرُ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ. . . وَارْجِعْ إِلَى مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ لِوَصْفِ هَذِهِ الصَّفْحَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَذَلِكَ تَنْتَهِي نُسْخَةُ (هـ) وَفِيهَا: " تَمَّ هَذَا الْجُزْءُ الثَّالِثُ لِتَاسِعِ يَوْمٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ رَجَبٍ سَنَةَ 1275 وَيَتْلُوهُ الْجُزْءُ الرَّابِعُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . .، إِلَخْ. وَالْوَصْفُ أَيْضًا فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي نُسْخَةِ (ص) هُنَا مَا يُشِيرُ إِلَى نِهَايَةِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ وَبِدَايَةِ الْجُزْءِ الرَّابِعِ.

زعم الرافضي أن الإمامية ينزهون الله وملائكته وأنبياءه وأئمته

[زعم الرافضي أن الإمامية ينزهون الله وملائكته وأنبياءه وأئمته] (فَصْلٌ) (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " فَلْيَنْظُرِ الْعَاقِلُ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ: الَّذِي نَزَّهَ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَأَئِمَّتَهُ ; وَنَزَّهَ (¬3) الشَّرْعَ عَنِ الْمَسَائِلِ الرَّدِيَّةِ (¬4) ، وَمَنْ يُبْطِلُ (¬5) الصَّلَاةَ بِإِهْمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى أَئِمَّتِهِمْ، وَيَذْكُرُ أَئِمَّةَ غَيْرِهِمْ (¬6) ، أَمِ الَّذِي فَعَلَ ضِدَّ ذَلِكَ وَاعْتَقَدَ خِلَافَهُ؟ ". وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ التَّنْزِيهِ إِنَّمَا هُوَ تَعْطِيلٌ وَتَنْقِيصٌ لِلَّهِ وَلِأَنْبِيَائِهِ. [بَيَانُ] ذَلِكَ أَنَّ (¬7) قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ يَتَضَمَّنُ وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِسَلْبِ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي يُشَابِهُ فِيهَا الْجَمَادَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ، فَإِذَا قَالُوا: إِنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ حَيَاةٌ وَلَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ، وَلَا كَلَامٌ وَلَا مَشِيئَةٌ، وَلَا حُبٌّ وَلَا بُغْضٌ، وَلَا رِضًا وَلَا سَخَطٌ، وَلَا يَرَى وَلَا يَفْعَلُ بِنَفْسِهِ فِعْلًا، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ، كَانُوا قَدْ شَبَّهُوهُ بِالْجَمَادَاتِ الْمَنْقُوصَاتِ، وَسَلَبُوهُ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَكَانَ هَذَا تَنْقِيصًا وَتَعْطِيلًا لَا تَنْزِيهًا، وَإِنَّمَا التَّنْزِيهُ أَنْ يُنَزَّهَ ¬

(¬1) عِنْدَ كَلِمَةِ " فَصْلٌ " تَبْدَأُ نُسْخَةُ (ر) الْجُزْءُ الرَّابِعُ وَفِيهَا وَفِي (ص) ، الْفَصْلُ الْأَوَّلُ كَمَا تَبْدَأُ هُنَا نُسْخَةُ (ح) ، (ي) كَمَا أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ. (¬2) فِي (ك) ص 119 (م) . (¬3) وَنَزَّهَ: كَذَا فِي (ب) ، (ك) ، (ح) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَنَزَّهُوا. (¬4) ب (فَقَطْ) : الرَّدِيئَةِ. (¬5) ك: وَيُبْطِلُ. (¬6) ك: أَئِمَّتَهُمْ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاذْكُرْ غَيْرَهُمْ. (¬7) بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَذَلِكَ أَنَّ.

عَنِ النَّقَائِصِ الْمُنَافِيَةِ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ، فَيُنَزَّهَ عَنِ الْمَوْتِ وَالسِّنَةِ وَالنَّوْمِ، وَالْعَجْزِ وَالْجَهْلِ وَالْحَاجَةِ، كَمَا نَزَّهَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، فَيُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنَفْيِ النَّقَائِصِ الْمُنَافِيَةِ لِلْكَمَالِ، وَيُنَزَّهَ عَنْ مُمَاثَلَةِ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَيُنَزَّهَ عَنِ النَّقَائِصِ مُطْلَقًا، وَيُنَزَّهَ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا مِثْلٌ مِنَ الْأَمْثَالِ. وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَإِنَّكُمْ سَلَبْتُمُوهُمْ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَمَالِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَاتِ، بِحَقِيقَةِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالِانْتِقَالِ مِنْ كَمَالٍ إِلَى مَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ (¬1) ، وَكَذَّبْتُمْ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَرَّفْتُمُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَظَنَنْتُمْ أَنَّ انْتِقَالَ الْآدَمِيِّ مِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، وَمِنَ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الْغَيِّ إِلَى الرَّشَادِ، تَنَقُّصًا (¬2) ، وَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ وَأَعْظَمِ قُدْرَتِهِ، حَيْثُ يَنْقُلُ الْعِبَادَ مِنَ النَّقْصِ إِلَى الْكَمَالِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الَّذِي يَذُوقُ الشَّرَّ وَالْخَيْرَ وَيَعْرِفُهُمَا، يَكُونُ (¬3) حُبُّهُ لِلْخَيْرِ وَبُغْضُهُ لِلشَّرِّ أَعْظَمَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ إِلَّا الْخَيْرَ. كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ ". وَأَمَّا تَنْزِيهُ الْأَئِمَّةِ فَمِنَ الْفَضَائِحِ الَّتِي يُسْتَحْيَا (¬4) مِنْ ذَكْرِهَا، لَا سِيَّمَا الْإِمَامِ الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَا فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا. وَأَمَّا تَنْزِيهُ الشَّرْعِ عَنِ الْمَسَائِلِ الرَّدِيَّةِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَمْ يَتَّفِقُوا ¬

(¬1) ن، م، و: وَالِانْتِقَالِ مِنْ نَقْصٍ إِلَى كَمَالٍ، وَكَلِمَةُ (مِنْهُ) سَاقِطَةٌ مِنْ نُسْخَةِ (ح) ، (ي) . (¬2) تَنَقُّصًا: كَذَا فِي (ص) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: نَقْصٌ. (¬3) وَيَعْرِفُهُمَا قَدْ يَكُونُ. . (¬4) (ح) : يَسْتَحِقُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

عَلَى مَسْأَلَةٍ رَدِيَّةٍ، بِخِلَافِ الرَّافِضَةِ ; فَإِنَّ لَهُمْ مِنَ الْمَسَائِلِ الرَّدِيَّةِ مَا لَا يُوجَدُ لِغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَمَنْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِإِهْمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى أَئِمَّتِهِمْ، وَيَذْكُرُ أَئِمَّةَ غَيْرِهِمْ ". فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى [آلِ] (¬1) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ أَرَادَ (¬2) الْأَوَّلَ فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ ضَلَالِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ عَنْ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّا نَحْنُ وَهُمْ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ: لَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَا فِي غَيْرِ [الصَّلَاةِ] (¬3) ، وَلَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَا نَقَلَ هَذَا أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ، وَلَا كَانَ يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَ أَحَدًا مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ إِمَامًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَجِبَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ. وَكَانَتْ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحَةً فِي عَهْدِهِ (¬4) بِالضَّرُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ. فَمَنْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِإِهْمَالِ الصَّلَاةِ ¬

(¬1) آلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ص) . (¬2) عِنْدَ عِبَارَةِ " فَإِنْ أَرَادَ " تَنْتَهِي نُسْخَةُ (ص) كَمَا أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ. (¬3) ن، م، و: وَلَا فِي غَيْرِهَا. (¬4) ب: فِي هَذِهِ صَحِيحَةً، ح: فِي عَهْدِهِ صَحِيحَةً ; م: صَحِيحَةً فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

عَلَيْهِمْ، فَقَدْ غَيَّرَ دِينَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَدَّلَهُ، كَمَا بَدَّلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دِينَ الْأَنْبِيَاءِ. وَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَهُمْ مِنْهُمْ. قِيلَ: آلُ مُحَمَّدٍ يَدْخُلُ فِيهِمْ (¬1) بَنُو هَاشِمٍ وَأَزْوَاجُهُ، وَكَذَلِكَ بَنُو الْمُطَّلِبِ عَلَى أَحَدِ (¬2) الْقَوْلَيْنِ. وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ تَذُمُّهُمُ الْإِمَامِيَّةُ ; فَإِنَّهُمْ (¬3) يَذُمُّونَ وَلَدَ الْعَبَّاسِ، لَا سِيَّمَا خُلَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَذُمُّونَ مَنْ يَتَوَلَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَجُمْهُورُ بَنِي هَاشِمٍ يَتَوَلَّوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا يَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ صَحِيحُ النَّسَبِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ (¬4) بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَةِ بَنِي هَاشِمٍ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ [وَالدِّينِ] (¬5) مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَمِنَ الْعَجَبِ مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ تَعْظِيمَ آلِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - وَهُمْ سَعَوْا فِي مَجِيءِ التَّتَرِ (¬6) الْكُفَّارِ إِلَى بَغْدَادَ دَارِ الْخِلَافَةِ، حَتَّى قَتَلَتِ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى [مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ] (¬7) وَقَتَلُوا بِجِهَاتِ بَغْدَادَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ أَلْفٍ وَنَيِّفًا وَسَبْعِينَ أَلْفًا (¬8) وَقَتَلُوا الْخَلِيفَةَ الْعَبَّاسِيَّ، وَسَبَوُا النِّسَاءَ الْهَاشِمِيَّاتِ وَصِبْيَانَ الْهَاشِمِيِّينَ. ¬

(¬1) ن، م، و: فِيهِ. (¬2) ب: فِي أَحَدِ. (¬3) ن، م، و: فَهُمْ. (¬4) ن، م: يَسِيرٌ. (¬5) وَالدِّينِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ن، م، و، أ، ي: التُّرْكِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬8) (88) سَاقِطٌ مِنْ (ب) وَسَقَطَ بَعْضُهُ مِنْ (و) .

فَهَذَا هُوَ الْبُغْضُ لِآلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا رَيْبٍ. [وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْكُفَّارِ بِمُعَاوَنَةِ الرَّافِضَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ سَعَوْا فِي سَبْيِ الْهَاشِمِيَّاتِ وَنَحْوِهِمْ إِلَى يَزِيدَ وَأَمْثَالِهِ، فَمَا يَعِيبُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ بِعَيْبٍ إِلَّا وَهُوَ فِيهِمْ أَعْظَمُ] (¬1) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ «أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى [إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى] آلِ إِبْرَاهِيمَ (¬2) إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ» (¬3) مَجِيدٌ (¬4) ، وَفِي لَفْظٍ: " «وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ» " (¬5) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) ي: عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ 4/146 147. (¬3) م، ح، أ: كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ: ي، ر، ب، و: كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ. (¬4) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/146 147 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ (يَزِفُّونَ) النَّسَلَانُ فِي الْمَشْيِ) ; 6/120 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَحْزَابِ، بَابُ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. . .) ، 8/77 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ. .) ; مُسْلِمٍ 1/305 306 (كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ. . .) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/301 302 (كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/365. وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ. (¬5) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/146 (الْمَوْضِعِ السَّابِقِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ) ; مُسْلِمٍ 1/306 (الْمَوْضِعِ السَّابِقِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ) .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» ". وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ [عَبْدَ الْمُطَّلِبِ] (¬1) بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ طَلَبَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُوَلِّيَهُمَا عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: " إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» " (¬2) فَبَيَّنَ (¬3) أَنَّ وَلَدَ الْعَبَّاسِ وَوَلَدَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ. وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ «أَنَّهُ أَعْطَى مِنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى لِبَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَقَالَ: " إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا (¬4) فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ» " (¬5) . وَهَؤُلَاءِ أَبْعَدُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ وَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ; فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى. وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ بَنِي الْعَبَّاسِ وَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، ¬

(¬1) عَبْدَ الْمُطَّلِبِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي: مُسْلِمٍ 2/752 753 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ تَرْكِ اسْتِعْمَالِ آلِ النَّبِيِّ عَلَى الصَّدَقَةِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/203 204 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي بَيَانِ مَوَاضِعِ قَسْمِ الْخُمُسِ وَسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/79 80 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ اسْتِعْمَالِ آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّدَقَةِ) ; الْمُوَطَّأِ 2/1000 (كِتَابُ الصَّدَقَةِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/166. (¬3) ب: فَتَبَيَّنَ. (¬4) ب (فَقَطْ) : لَمْ يُفَارِقُونِي. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/200 201 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي بَيَانِ مَوَاضِعِ قَسْمِ الْخُمُسِ وَسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/118 119 (كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/81.

وَيَدْخُلُونَ فِي الصَّلَاةِ، وَيَسْتَحِقُّونَ [مِنَ] (¬1) الْخُمُسِ وَتَنَازَعُوا (¬2) فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: هَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، وَيَدْخُلُونَ فِي آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَحْرُمُ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَآلُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَنْصُوصِ عَنْهُ - وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ - هُمُ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ. وَفِي بَنِي الْمُطَّلِبِ رِوَايَتَانِ. وَكَذَلِكَ أَزْوَاجُهُ: هَلْ هُنَّ مِنْ آلِهِ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ؟ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَمَّا عَتْقَى أَزْوَاجِهِ: كَبَرِيرَةَ، فَتَحِلُّ لَهُنَّ الصَّدَقَةُ وَبِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَى مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ. وَعِنْدَ طَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا: هُمْ أُمَّتُهُ. وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ: هُمُ الْأَتْقِيَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ. وَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى مُعَيَّنٍ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى بَعْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ دُونَ بَعْضٍ، كَالصَّلَاةِ عَلَى وَلَدِ الْعَبَّاسِ دُونَ عَلِيٍّ أَوْ بِالْعَكْسِ - لَكَانَ مُخَالِفًا لِلشَّرِيعَةِ، فَكَيْفَ إِذَا صَلَّى عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ؟ . ثُمَّ إِبْطَالُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنَ الْعَجَائِبِ. وَالْفُقَهَاءُ مُتَنَازِعُونَ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، وَجُمْهُورُهُمْ لَا يُوجِبُهَا، وَمَنْ أَوْجَبَهَا يُوجِبُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ دُونَ آلِهِ، وَلَوْ ¬

(¬1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب: وَاخْتَلَفُوا، م: وَيَتَنَازَعُونَ.

أَوْجَبَ (¬1) الصَّلَاةَ عَلَى آلِهِ عُمُومًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاجِبَ الصَّلَاةَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، بَلْ قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فِي الصَّلَاةِ هَلْ تَبْطُلُ [صَلَاتُهُ] (¬2) ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَلَا [أَنْ يَجْعَلَ] (¬3) مَنَاطَ الْوُجُوبِ كَوْنَهُمْ أَئِمَّةً، وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ أَهْلُ السُّنَّةِ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا أَئِمَّتِهِمْ وَلَا غَيْرِ [أَئِمَّتِهِمْ] (¬4) لِأَنَّ إِيجَابَ هَذَا مِنَ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ الْمُخَالِفَةِ لِشَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا (¬5) إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا فِي الْأَذَانِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ (¬6) ، فَلَوْ (¬7) ذُكِرَ فِي الشَّهَادَتَيْنِ غَيْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الضَّلَالَاتِ (¬8) ، وَكَذَلِكَ إِبْطَالُهُ (¬9) الصَّلَاةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلٌ بَاطِلٌ ; فَإِنَّهُ لَوْ دَعَا لِمُعَيَّنٍ أَوْ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ بِدُعَاءٍ جَائِزٍ لَمْ تَبْطُلِ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ (¬10) عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: " «اللَّهُمَّ أَنْجِ (¬11) الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، ¬

(¬1) و: وَالْوَاجِبُ. (¬2) صَلَاتُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) عِبَارَةُ " أَنْ يَجْعَلَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) ن، م: وَلَا غَيْرِهِمْ. (¬5) ن، م، و: فِيهَا. (¬6) أ: وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. (¬7) ن (فَقَطْ) . . وَلَوْ. (¬8) ب، ر، ي، ح: الضَّلَالِ. (¬9) ب، ر، ح، ي: إِبْطَالُ. (¬10) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬11) ن، م، ر: نَجِّ.

وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (¬1) ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» " (¬2) . وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ: " «اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ» " (¬3) . فَقَدْ دَعَا فِي صَلَاتِهِ (¬4) لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ بِأَسْمَائِهِمْ، وَدَعَا عَلَى قَبَائِلَ مُعَيَّنِينَ بِأَسْمَائِهِمْ ; فَمَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَانَ فَسَادُ قَوْلِهِ كَفَسَادِ قَوْلِهِ بِإِيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَى نَاسٍ مُعَيَّنِينَ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُوجِبُونَ (¬5) هَذَا وَلَا يُحَرِّمُونَ هَذَا، إِنَّمَا يُوجِبُونَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ، وَيُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَأَمَّا إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ دُونَ غَيْرِهِمْ. فَيُقَالُ: أَوَّلًا: هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ; فَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ [أَنْ يُصَلَّى] (¬6) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا آلِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَادَّعَى بَعْضُ النَّاسِ [- وَهُوَ الطَّحَاوِيُّ -] (¬7) وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا إِجْمَاعٌ قَدِيمٌ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : الْمُسْلِمِينَ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ 1/41. (¬3) هَذِهِ الْأَلْفَاظُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1/466 467 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ) ، وَالثَّانِي عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/1953 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغِفَارٍ وَأَسْلَمَ.) . وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي جَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 8/285 286. (¬4) ن، م، و: فِي الصَّلَاةِ. (¬5) و: لَا يُحِلُّونَ. (¬6) عِبَارَةُ " أَنْ يُصَلَّى ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) .

أَنَّهُ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فِي الصَّلَاةِ] (¬1) ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ. ثُمَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: هَلْ هِيَ رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ تَسْقُطُ بِالسَّهْوِ فِيهِ؟ (¬2) عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا بِاللَّفْظِ الْمَأْثُورِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبِ اللَّفْظَ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُوجِبُ إِلَّا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ دُونَ آلِهِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ; فَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى آلِهِ. وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعًا مَشْهُورًا، فَيُقَالُ: عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ (¬3) فَهَذِهِ (¬4) الصَّلَاةُ لِجَمِيعِ آلِ مُحَمَّدٍ لَا تَخْتَصُّ (¬5) بِصَالِحِيهِمْ (¬6) ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَخْتَصَّ (¬7) بِمَنْ هُوَ مَعْصُومٌ، بَلْ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ دَخَلَ فِي آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا وَلَا لِأَهْلِ الْبَيْتِ عُمُومًا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَرًّا تَقِيًّا، بَلِ الدُّعَاءُ لَهُمْ طَلَبًا لِإِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ وَتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ، وَفَضْلُ اللَّهِ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " فِي الصَّلَاةِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: عَنْهُ. (¬3) ن: آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬4) فَهَذِهِ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: هَذِهِ. (¬5) ر، ح، ي: لَا تَخْصِيصَ ; ب: لَا تُخَصَّصُ. (¬6) أ، ب، ح: بِصَالِحِهِمْ. (¬7) ح، ب: تُخَصَّصَ.

سُبْحَانَهُ وَإِحْسَانُهُ يُطْلَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ (¬1) ، لَكِنْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا حَقٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لِآلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا عَلَى الْأُمَّةِ لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، وَيَسْتَحِقُّونَ مِنْ زِيَادَةِ الْمَحَبَّةِ وَالْمُوَالَاةِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ سَائِرُ بُطُونِ قُرَيْشٍ، كَمَا أَنَّ قُرَيْشًا يَسْتَحِقُّونَ (¬2) مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمُوَالَاةِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُ قُرَيْشٍ مِنَ الْقَبَائِلِ، كَمَا أَنَّ جِنْسَ الْعَرَبِ يَسْتَحِقُّ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمُوَالَاةِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ سَائِرُ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ. وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَرَوْنَ فَضْلَ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَفَضْلَ قُرَيْشٍ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، وَفَضْلَ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ. وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنِ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَالنُّصُوصُ دَلَّتْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (¬3) ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي [الْحَدِيثِ] الصَّحِيحِ: (¬4) " «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى بَنِي هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» " (¬5) . وَكَقَوْلِهِ فِي [الْحَدِيثِ] الصَّحِيحِ: (¬6) " «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ; خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» " (¬7) ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) عِبَارَةُ " لِكُلِّ أَحَدٍ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) ن، م، و: تَسْتَحِقُّ. (¬3) ب: وَعَلَى هَذَا دَلَّتِ النُّصُوصُ، و: وَالْمَنْصُوصُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. (¬4) ن، م: فِي الصَّحِيحِ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: مُسْلِمٍ 4/1782 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ فَضْلِ نَسَبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/243 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ; الْمُسْنَدِ 4/107. (¬6) ن، م: فِي الصَّحِيحِ. (¬7) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 353.

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى عَدَمِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْمُعْتَمَدِ. وَهَذَا الْقَوْلُ يُقَالُ لَهُ مَذْهَبُ الشُّعُوبِيَّةِ (¬1) ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ تَفْضِيلَ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا يَقْتَضِي تَفْضِيلَ كُلِّ فَرْدٍ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ، كَمَا أَنَّ تَفْضِيلَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، بَلْ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ (¬2) مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْقَرْنِ الثَّانِي. وَإِنَّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِهِمْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ اخْتِصَاصُ قُرَيْشٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ كَوْنُ الْإِمَامَةِ فِيهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَثَبَتَ اخْتِصَاصُ بَنِي هَاشِمٍ بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُهُمْ مِنَ الْفَيْءِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَهُمْ مَخْصُوصُونَ بِأَحْكَامٍ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ تَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلًا صَالِحًا، بَلْ كَانَ عَاصِيًا. وَأَمَّا نَفْسُ تَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْقَرَابَةِ، وَمَدْحُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ، وَكَرَامَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى - فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّسَبُ، وَإِنَّمَا ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَالشُّعُوبُ فِرْقَةٌ لَا تُفَضِّلُ الْعَرَبَ عَلَى الْعَجَمِ. وَالشُّعُوبِيُّ: الَّذِي يُصَغِّرُ شَأْنَ الْعَرَبِ، وَلَا يَرَى لَهُمْ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِمْ ". وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَنِ الشُّعُوبِيَّةِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي " اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ " 1/372 409، تَحْقِيقُ الدُّكْتُورِ نَاصِرِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَقْلِ، ط. الرِّيَاضِ، 1404. (¬2) ب: بَلْ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ خَيْرٌ. .، أ. . بَلْ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ، ر: بَلْ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ مَنْ هُوَ أَخْيَرُ.

يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَهُوَ التَّقْوَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . وَ [قَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ فَقَالَ: " أَتْقَاهُمْ ". فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: " فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ " قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: " أَفَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» " (¬2) . وَ [ثَبَتَ عَنْهُ] فِي الصَّحِيحِ (¬3) أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬4) . وَلِهَذَا أَثْنَى اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى [السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ] الْمُهَاجِرِينَ (¬5) ¬

(¬1) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ. . (¬2) جَاءَ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/140. (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) ، 4/149 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) . (¬3) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/2074 (كِتَابُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ. .، بَابُ فَضْلِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الذِّكْرِ) وَأَوَّلُهُ: " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا. . الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ: " وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/265 (كِتَابُ الْقُرْآنِ، بَابٌ مِنْهُ رَقْمُ 3) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/82 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضْلِ الْعُلَمَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ،. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا، وَفِيهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي أَوْرَدَهَا ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي: سِنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/433 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ) ; سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/99 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَالْعَالِمِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/161، 18/49 - 50. (¬5) ن، م، ر: عَلَى الْمُهَاجِرِينَ. .

وَالْأَنْصَارِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ، كَمَا أَثْنَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا. فَكَوْنُ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا وَصْفٌ اسْتَحَقَّ بِهِ (¬1) الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ [عِنْدَ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ مِمَّنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبَهُ وَصْفٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ] (¬2) . ثُمَّ هُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الصُّحْبَةِ، فَأَقْوَمُهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فِي الصُّحْبَةِ، أَفْضَلُ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ، كَفَضْلِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا. وَمِنْهُمْ أَهْلُ (¬3) بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) . وَأَمَّا نَفْسُ الْقَرَابَةِ فَلَمْ يُعَلِّقْ بِهَا ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا، وَلَا مَدَحَ [أَحَدًا] (¬5) بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْأَجْنَاسِ وَالْقَبَائِلِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» "، فَالْأَرْضُ إِذَا كَانَ فِيهَا مَعْدِنُ ذَهَبٍ وَمَعْدِنُ فِضَّةٍ، كَانَ مَعْدِنُ الذَّهَبِ خَيْرًا، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ وُجُودِ أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ، فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ تَعَطَّلَ وَلَمْ يُخْرِجْ ذَهَبًا، كَانَ مَا يُخْرِجُ الْفِضَّةَ أَفْضَلَ مِنْهُ. فَالْعَرَبُ فِي الْأَجْنَاسِ، وَقُرَيْشٌ فِيهَا ثُمَّ هَاشِمٌ فِي قُرَيْشٍ مَظِنَّةَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مِنَ (¬6) الْخَيْرِ أَعْظَمُ مِمَّا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا كَانَ فِي بَنِي هَاشِمٍ النَّبِيُّ ¬

(¬1) ن، م، و: يَسْتَحِقُّ بِهِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن، م: وَقَاتَلُوا وَهُمْ أَهْلُ. . (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/28. (¬5) أَحَدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ي) ، (ح) ، (ب) .

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يُمَاثِلُهُ أَحَدٌ فِي قُرَيْشٍ، فَضْلًا عَنْ وُجُودِهِ فِي سَائِرِ الْعَرَبِ [وَغَيْرِ الْعَرَبِ] (¬1) ، وَكَانَ فِي قُرَيْشٍ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَسَائِرُ الْعَشَرَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَرَبِ وَغَيْرِ الْعَرَبِ، وَكَانَ فِي الْعَرَبِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي سَائِرِ الْأَجْنَاسِ. فَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِي الصِّنْفِ الْأَفْضَلِ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي الْمَفْضُولِ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ. كَمَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْعَرَبِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَالْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ أَفْضَلُ مِنَ الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِثْلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ دُونَ مَنْ أَلْغَى فَضِيلَةَ الْأَنْسَابِ (¬2) مُطْلَقًا، وَدُونَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُفَضِّلُ الْإِنْسَانَ بِنَسَبِهِ عَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ إِيمَانًا وَتَقْوَى. فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ، وَهُمَا مُتَقَابِلَانِ. بَلِ الْفَضِيلَةُ بِالنَّسَبِ (¬3) فَضِيلَةُ جُمْلَةٍ، وَفَضِيلَةٌ لِأَجْلِ الْمَظِنَّةِ وَالسَّبَبِ، وَالْفَضِيلَةُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَضِيلَةُ تَعْيِينٍ وَتَحْقِيقٍ وَغَايَةٍ ; فَالْأَوَّلُ يُفَضَّلُ بِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَعَلَامَةٌ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةٍ تُسَاوِيهَا فِي الْعَدَدِ. وَالثَّانِي: يُفَضَّلُ بِهِ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ وَالْغَايَةُ (¬4) ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَتْقَى ¬

(¬1) وَغَيْرِ الْعَرَبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (و) : أَوْ غَيْرِ الْعَرَبِ. (¬2) الْأَنْسَابِ كَذَا فِي (ن) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْإِنْسَانِ. (¬3) ن: فِي النَّسَبِ. (¬4) ن: لِأَنَّهُ الْغَايَةُ وَالْحَقِيقَةُ.

لِلَّهِ كَانَ أَكْرَمَ عِنْدَ اللَّهِ، وَالثَّوَابُ مِنَ اللَّهِ يَقَعُ عَلَى هَذَا، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ قَدْ وُجِدَتْ، فَلَمْ يُعَلَّقِ الْحُكْمُ بِالْمَظِنَّةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، فَلَا يَسْتَدِلُّ بِالْأَسْبَابِ وَالْعَلَامَاتِ. وَلِهَذَا كَانَ رِضَا اللَّهِ عَنِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْبَارٌ بِرِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ، فَالرِّضَا قَدْ حَصَلَ، وَهَذَا طَلَبٌ وَسُؤَالٌ لِمَا لَمْ يَحْصُلْ (¬1) . وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ [عَنْهُ] (¬2) أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 56] فَلَمْ تَكُنْ فَضِيلَتُهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْأُمَّةِ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، بَلْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 43] ، وَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي (¬3) النَّاسِ الْخَيْرَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: " «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي (¬4) النَّاسِ الْخَيْرَ» " (¬5) . ¬

(¬1) ن، م: لِمَا لَا يَحْصُلُ، ب: مَا لَمْ يَحْصُلْ. (¬2) عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬3) ب (فَقَطْ) كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِقَوْلِهِ. . (¬4) ب، ح: عَلَى مُعَلِّمِ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/154 155 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابٌ فِي فَضْلِ الْفِقْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ) وَنَصُّهُ: " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَقَالَ: " طب (الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالضِّيَاءِ) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ". وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ.

فَمُحَمَّدٌ (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ فِيمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الصَّلَاةَ مِنَ الْإِيمَانِ وَتَعْلِيمِ الْخَيْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَانَ لَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ خَبَرًا (¬2) وَأَمْرًا، خَاصِّيَّةٌ لَا يُوجَدُ [مِثْلُهَا] (¬3) لِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَبَنُو هَاشِمٍ لَهُمْ حَقٌّ وَعَلَيْهِمْ حَقٌّ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَمَرَ الْإِنْسَانَ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ غَيْرَهُ، لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، بَلْ إِنِ امْتَثَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ بِالطَّاعَةِ، كَوُلَاةِ الْأُمُورِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أُمِرَ بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ غَيْرُهُ: مَنْ أَطَاعَ مِنْهُمْ كَانَ أَفْضَلَ، لِأَنَّ طَاعَتَهُ أَكْمَلُ، وَمَنْ لَمْ يُطِعْ مِنْهُمْ كَانَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي التَّقْوَى أَفْضَلَ مِنْهُ. وَلِهَذَا فُضِّلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَفُضِّلَ مَنْ فُضِّلَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ ; لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْخُلَفَاءَ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ غَيْرَهُمْ، فَقَامُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بِمَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُمْ بِنَظِيرِهِ، فَصَارُوا أَفْضَلَ. وَكَذَلِكَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ لَهُنَّ: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا - وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 13، 30] وَهُنَّ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (¬4) - قَنَتْنَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلْنَ صَالِحًا، فَاسْتَحْقَقْنَ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ، فَصِرْنَ أَفْضَلَ لِطَاعَةِ الْأَمْرِ، لَا لِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ. وَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ وَاحِدَةً تَأْتِي بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (¬5) لَضُوعِفَ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ. ¬

(¬1) ب، ح: وَمُحَمَّدٌ. (¬2) خَبَرًا: كَذَا فِي (ح) ، (ر) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: خَبَرًا. (¬3) مِثْلُهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) ح، ب: وَهُنَّ لِلَّهِ الْحَمْدُ. (¬5) مُبَيِّنَةٍ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) ، (ي) .

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ جَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ عَامًّا فِي آلِ الْبَيْتِ، وَأَنَّ عُقُوبَةَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ تُضَاعَفُ، وَتُضَاعَفُ حَسَنَاتُهُ، كَمَا تُضَاعَفُ الْعُقُوبَةُ وَالثَّوَابُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (¬1) ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ كَرَامَةَ اللَّهِ تَعَالَى [لِعِبَادِهِ] (¬2) إِنَّمَا هِيَ بِالتَّقْوَى فَقَطْ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَسْوَدَ (¬3) عَلَى أَبْيَضَ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى. النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» " (¬4) . وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، النَّاسُ رَجُلَانِ:: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ» " (¬5) . فَالصَّلَاةُ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ حَقٌّ لَهُمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِهَذَا النَّسَبِ (¬6) ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي ¬

(¬1) ن، م، و، أ: فِي شَهْرِ الصِّيَامِ. (¬2) لِعِبَادِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬3) ن: بِالْأَسْوَدِ، و: أَسْوَدَ. (¬4) فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/411 عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ. أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى. أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . " الْحَدِيثَ. (¬5) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/521. (¬6) ن، م، و، ر، ي: السَّبَبِ.

هَاشِمٍ لِأَجْلِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ مِمَّنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 103] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَتَاهُ بِصَدَقَتِهِمْ صَلَّى عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ أَبِي أَتَاهُ بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» " (¬1) . فَهَذَا فِيهِ إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ كَانَ يَأْتِيهِ بِالصَّدَقَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَأْتِهِ بِصَدَقَةٍ (¬2) لِفَقْرِهِ دُونَ مَنْ أَتَاهُ بِصَدَقَةٍ (¬3) وَصَلَّى عَلَيْهِ ; بَلْ قَدْ يَكُونُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ صَدَقَةٌ يَأْتُونَهُ بِهَا مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ أَتَاهُ بِالصَّدَقَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ مَنْ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ مَنْ يُعْطِيهَا، وَقَدْ يَكُونُ فِيمَنْ يُعْطِيهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ مَنْ يَأْخُذُهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرًا مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. فَالْفَضِيلَةُ بِنَوْعٍ لَا تَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا أَفْضَلَ مُطْلَقًا. وَلِهَذَا كَانَ فِي الْأَغْنِيَاءِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْهُورِ الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْفُقَرَاءِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/77 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ؟) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/142 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ دُعَاءِ الْمُصَّدِّقِ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/22 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى صَاحِبِ الصَّدَقَةِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/572 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/353 355، 381، 383. (¬2) ن: بِصَدَقَتِهِ. (¬3) ن: بِصَدَقَتِهِ.

جُمْهُورِ الْأَغْنِيَاءِ ; فَإِبْرَاهِيمُ وَدَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ وَيُوسُفُ وَأَمْثَالُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ أَكْثَرِ الْفُقَرَاءِ، وَيَحْيَى وَعِيسَى وَنَحْوُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ أَكْثَرِ الْأَغْنِيَاءِ. فَالِاعْتِبَارُ الْعَامُّ هُوَ التَّقْوَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَتْقَى كَانَ أَفْضَلَ مُطْلَقًا، وَإِذَا تَسَاوَى اثْنَانِ فِي التَّقْوَى اسْتَوَيَا فِي الْفَضْلِ، سَوَاءٌ كَانَا - أَوْ أَحَدُهُمَا - (¬1) غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا، وَسَوَاءٌ كَانَا - أَوْ أَحَدُهُمَا - (¬2) عَرَبِيَّيْنِ أَوْ أَعْجَمِيَّيْنِ، أَوْ قُرَشِيَّيْنِ أَوْ هَاشِمِيَّيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ صِنْفٍ وَالْآخَرُ مِنْ صِنْفٍ آخَرَ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَهُ مِنْ سَبَبِ الْفَضِيلَةِ وَمَظِنَّتِهَا [مَا لَيْسَ لِلْآخَرِ] (¬3) ، فَإِذَا كَانَ ذَاكَ [قَدْ] (¬4) أَتَى بِحَقِيقَةِ الْفَضِيلَةِ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَمْ يَأْتِ بِحَقِيقَتِهَا، وَإِنْ كَانَ أَقْدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا، فَالْعَالِمُ خَيْرٌ مِنَ الْجَاهِلِ، وَإِنْ كَانَ الْجَاهِلُ أَقْدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَالْبَرُّ أَفْضَلُ مِنَ الْفَاجِرِ، وَإِنْ كَانَ الْفَاجِرُ أَقْدَرَ عَلَى الْبِرِّ، وَالْمُؤْمِنُ الضَّعِيفُ خَيْرٌ مِنَ الْكَافِرِ الْقَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ ذَاكَ يَقْدِرُ عَلَى الْإِيمَانِ أَكْثَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ. وَبِهَذَا تَزُولُ شُبَهٌ كَثِيرَةٌ تَعْرِضُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ (¬5) . ¬

(¬1) عِبَارَةُ " أَوْ أَحَدُهُمَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) عِبَارَةُ " أَوْ أَحَدُهُمَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) أ، و، ر، ي: الْأُمُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الفصل الثاني كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه

[الْفَصْلُ الثَّانِي كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه] الْفَصْلُ الثَّانِي (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) السَّادِسُ (¬3) : إِنَّ الْإِمَامِيَّةَ لَمَّا رَأَوْا فَضَائِلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَمَالَاتِهِ لَا تُحْصَى (¬4) قَدْ رَوَاهَا الْمُخَالِفُ وَالْمُوَافِقُ (¬5) ، وَرَأَوُا الْجُمْهُورَ قَدْ نَقَلُوا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ مَطَاعِنَ كَثِيرَةً، وَلَمْ يَنْقُلُوا فِي عَلِيٍّ طَعْنًا أَلْبَتَّةَ اتَّبَعُوا (¬6) قَوْلَهُ، وَجَعَلُوهُ إِمَامًا لَهُمْ ; حَيْثُ نَزَّهَهُ الْمُخَالِفُ وَالْمُوَافِقُ (¬7) وَتَرَكُوا غَيْرَهُ حَيْثُ رَوَى فِيهِ مَنْ يَعْتَقِدُ إِمَامَتَهُ مِنَ الْمَطَاعِنِ مَا يَطْعَنُ فِي إِمَامَتِهِ. وَنَحْنُ نَذْكُرُ هُنَا شَيْئًا يَسِيرًا مِمَّا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ وَنَقَلُوهُ فِي الْمُعْتَمَدِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَكُتُبِهِمْ (¬8) ، لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ: مُوَطَّأِ (¬9) مَالِكٍ وَصَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (¬10) ¬

(¬1) ن، م، و: فَصْلٌ. وَهُنَا تَبْدَأُ نُسْخَةُ (ق) الْمُخْتَصَرَةُ. (¬2) و: قَالَ الْإِمَامِيُّ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 119 (م) ، 120 (م) (¬3) السَّادِسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي (ك) : الْوَجْهُ السَّادِسُ. (¬4) ك: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَمَالَاتِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى. (¬5) و: الْمُوَافِقُ وَالْمُخَالِفُ، ك: الْمُخَالِفُ وَالْمُؤَالِفُ. (¬6) ك: ابْتَغَوْا. (¬7) ك: وَالْمُؤَالِفُ. (¬8) ك: فِي الْمُعْتَمَدِ مِنْ كُتُبِهِمْ، م: فِي الْمُعْتَمَدِ مِنْ قَوْلِهِمْ. (¬9) ك: السِّتَّةِ مِنْ مُوَطَّأِ. (¬10) ر، ح، ي: وَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، ك: وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ.

وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَصَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ وَصَحِيحِ النَّسَائِيِّ (¬1) «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] أُنْزِلَتْ (¬2) فِي بَيْتِهَا وَأَنَا جَالِسَةٌ عِنْدَ الْبَابِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ إِنَّكِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬3) قَالَتْ: وَفِي الْبَيْتِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (¬5) فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْفَضَائِلَ الثَّابِتَةَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَ الْفَضَائِلِ الثَّابِتَةِ لِعَلِيٍّ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا هَذَا وَذَكَرَ أَنَّهَا فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّهُمْ نَقَلُوهَا فِي الْمُعْتَمَدِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَكُتُبِهِمْ هُوَ مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبِ عَلَى عُلَمَاءِ الْجُمْهُورِ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرَهَا، أَكْثَرُهَا كَذِبٌ أَوْ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي فِيهَا لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ وَلَا عَلَى فَضِيلَتِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ¬

(¬1) فَوْقَ كَلِمَةِ النَّسَائِيِّ فِي (ك) بَيْنَ السَّطْرَيْنِ كُتِبَ مَا يَلِي: كَأَنَّهُ مِنْ بُقْعَةِ النَّسَاءِ نِسْبَتُهُ إِلَى بَلَدِ النَّسَاءِ، وَفِي وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/60 يَقُولُ ابْنُ خَلِّكَانَ عَنِ النَّسَائِيِّ: وَنِسْبَتُهُ إِلَى نَسَا بِفَتْحِ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ، وَهِيَ مَدِينَةٌ بِخُرَاسَانَ. (¬2) ن، م، أ، و: نَزَلَتْ. (¬3) ك: النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ. (¬4) ن، م: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ك: رَسُولُ اللَّهِ. (¬5) ك: وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

وَعُمَرَ *، بَلْ (¬1) وَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِهِ بَلْ هِيَ فَضَائِلُ شَارَكَهُ فِيهَا غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ * (¬2) ; فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهَا خَصَائِصُ لَهُمَا لَا سِيَّمَا فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ؛ فَإِنَّ عَامَّتَهَا خَصَائِصُ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَطَاعِنِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ عَلَى الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنْ (¬3) مَطْعَنٍ إِلَّا وُجِّهَ عَلَى عَلِيٍّ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَعْظَمُ مِنْهُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ تَفْصِيلًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُمْ جَعَلُوهُ إِمَامًا لَهُمْ حَيْثُ نَزَّهَهُ الْمُخَالِفُ وَالْمُوَافِقُ (¬4) وَتَرَكُوا غَيْرَهُ حَيْثُ رَوَى مَنْ يَعْتَقِدُ إِمَامَتَهُ مِنَ الْمَطَاعِنِ مَا يَطْعَنُ فِي إِمَامَتِهِ. فَيُقَالُ: هَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ ; فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُنَزِّهْهُ الْمُخَالِفُونَ، بَلِ الْقَادِحُونَ فِي عَلِيٍّ طَوَائِفُ مُتَعَدِّدَةٌ وَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْقَادِحِينَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْقَادِحُونَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنَ الْغُلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ مُتَّفِقُونَ عَلَى كُفْرِهِ وَهُمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ (¬5) خَيْرٌ مِنَ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ إِلَاهِيَّتَهُ أَوْ نُبُوَّتَهُ، بَلْ هُمْ - وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - خَيْرٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الرَّافِضَةِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةِ الَّذِينَ اعْتَقَدُوهُ إِمَامًا مَعْصُومًا. ¬

(¬1) بَلْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) ، (و) ، (ي) (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬3) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) (¬4) ن: الْمُوَافِقُ وَالْمُخَالِفُ. (¬5) كُلِّهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و)

وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ (¬1) لَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَقْدَحُ فِيهِمْ إِلَّا الرَّافِضَةُ، وَالْخَوَارِجُ الْمُكَفِّرُونَ لِعَلِيٍّ يُوَالُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَيَتَرَضَّوْنَ عَنْهُمَا، وَالْمَرْوَانِيَّةُ الَّذِينَ يَنْسُبُونَ عَلِيًّا إِلَى الظُّلْمِ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً يُوَالُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَقَارِبِهِمْ؛ فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ هَذَا: إِنَّ عَلِيًّا نَزَّهَهُ الْمُؤَالِفُ (¬2) وَالْمُخَالِفُ بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ؟ . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُنَزِّهِينَ لِهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ وَأَفْضَلُ، وَأَنَّ الْقَادِحِينَ فِي عَلِيٍّ - حَتَّى (¬3) بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ - طَوَائِفُ مَعْرُوفَةٌ، وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَ الرَّافِضَةِ وَأَدْيَنُ، وَالرَّافِضَةُ عَاجِزُونَ مَعَهُمْ عِلْمًا وَيَدًا؛ فَلَا يُمْكِنُ الرَّافِضَةَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً تَقْطَعُهُمْ بِهَا، وَلَا كَانُوا مَعَهُمْ فِي الْقِتَالِ مَنْصُورِينَ عَلَيْهِمْ. وَالَّذِينَ قَدَحُوا فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَعَلُوهُ كَافِرًا وَظَالِمًا لَيْسَ فِيهِمْ طَائِفَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالرِّدَّةِ عَنِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الَّذِينَ يَمْدَحُونَهُ وَيَقْدَحُونَ فِي الثَّلَاثَةِ، كَالْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِلَاهِيَّتَهُ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ هُمْ شَرٌّ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ، وَكَالْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ نُبُوَّتَهُ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ، كُفْرُهُمْ ¬

(¬1) وَ (عُثْمَانُ) سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ح) ، (ي) ، (ر) ، (و) (¬2) الْمُؤَالِفُ: كَذَا فِي (و) ، فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْمُوَافِقُ. (¬3) حَتَّى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و)

[بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ] (¬1) ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، فَمَنِ اعْتَقَدَ فِي بَشَرٍ الْإِلَهِيَّةَ، أَوِ اعْتَقَدَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، بَلْ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ النَّبِيَّ دُونَهُ وَإِنَّمَا غَلَطَ جِبْرِيلُ ; فَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَظْهَرُ كُفْرُ أَهْلِهَا لِمَنْ يَعْرِفُ الْإِسْلَامَ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ. بِخِلَافِ مَنْ يُكَفِّرُ عَلِيًّا وَيَلْعَنُهُ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَمِمَّنْ (¬2) قَاتَلَهُ وَلَعَنَهُ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ وَبَنِي مَرْوَانَ وَغَيْرِهِمْ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ: يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَيَصُومُونَ رَمَضَانَ، وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، وَيُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَيْسَ فِيهِمْ كُفْرٌ ظَاهِرٌ؛ بَلْ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعُهُ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ مُعَظَّمَةٌ عِنْدَهُمْ. وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ عَرَفَ أَحْوَالَ الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ يُدَّعَى مَعَ هَذَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُخَالِفِينَ نَزَّهُوهُ دُونَ الثَّلَاثَةِ؟ . بَلْ إِذَا اعْتُبِرَ الَّذِينَ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ وَيُوَالُونَ عُثْمَانَ وَالَّذِينَ كَانُوا يُبْغِضُونَ عُثْمَانَ وَيُحِبُّونَ عَلِيًّا، وُجِدَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا (¬3) مِنْ أُولَئِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ فَالْمُنَزِّهُونَ لِعُثْمَانَ الْقَادِحُونَ فِي عَلِيٍّ أَعْظَمُ وَأَدْيَنُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) ن، م: مِنَ الْخَوَارِجِ مِمَّنْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) خَيْرًا: كَذَا فِي (و) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: خَيْرٌ.

وَأَفْضَلُ مِنَ الْمُنَزِّهِينَ لِعَلِيٍّ الْقَادِحِينَ فِي عُثْمَانَ، [كَالزَّيْدِيَّةِ مَثَلًا] (¬1) . فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَلَعَنُوهُ وَذَمُّوهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ هُمْ أَعْلَمُ وَأَدْيَنُ مِنَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَيَلْعَنُونَ عُثْمَانَ، وَلَوْ تَخَلَّى أَهْلُ السُّنَّةِ عَنْ مُوَالَاةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَحْقِيقِ إِيمَانِهِ وَوُجُوبِ مُوَالَاتِهِ، لَمْ يَكُنْ فِي الْمُتَوَلِّينَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُقَاوِمَ الْمُبْغِضِينَ لَهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْأُمَوِيَّةِ وَالْمَرْوَانِيَّةِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ. \ 510 وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَرَّ الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُ هُمُ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ كَفَّرُوهُ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ مُرْتَدٌّ عَنِ الْإِسْلَامِ (¬2) وَاسْتَحَلُّوا قَتْلَهُ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى قَالَ شَاعِرُهُمْ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ: يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانَا إِنِّي لَأَذْكُرُهُ حِينًا (¬3) فَأَحْسَبُهُ ... أَوْفَى الْبَرِيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانَا فَعَارَضَهُ شَاعِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَقَالَ: يَا ضَرْبَةً مِنْ شَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ خُسْرَانَا إِنِّي لَأَذْكُرُهُ حِينًا فَأَلْعَنُهُ ... لَعْنًا وَأَلْعَنُ عِمْرَانَ (¬4) بْنَ حِطَّانَا ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) ر: عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. (¬3) ح، ب: يَوْمًا. (¬4) ح: وَأَلْعَنُ أَيْضًا عِمْرَانَ. . .

وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ كَانُوا ثَمَانَ عَشْرَةَ (¬1) فِرْقَةً؛ كَالْأَزَارِقَةِ أَتْبَاعِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ (¬2) وَالنَّجَدَاتِ (¬3) أَتْبَاعِ نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ (¬4) وَالْإِبَاضِيَّةِ أَتْبَاعِ عَبْدِ اللَّهِ ¬

(¬1) ثَمَانَ عَشْرَةَ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: ثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ. (¬2) الْأَزَارِقَةُ أَتْبَاعُ أَبِي رَاشِدٍ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ الْحَنَفِيِّ الْبَكْرِيِّ الْوَائِلِيِّ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، صَحِبَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ كَانَ مِنْ أَنْصَارِ الثَّوْرَةِ عَلَى عُثْمَانَ وَمِمَّنْ وَالَى عَلِيًّا إِلَى أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ فِي حَرُورَاءَ، وَكَانَ جَبَّارًا فَتَّاكًا، وَمِنْ أَشَدِّ الْخَوَارِجِ تَطَرُّفًا، قُتِلَ سَنَةَ 65، وَالْأَزَارِقَةُ يُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ، كَمَا يُكَفِّرُونَ الْقَعَدَةَ عَنِ الْقِتَالِ مَعَهُمْ، وَقَالُوا بِكُفْرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَخُلُودِهِمْ فِي النَّارِ، وَأَنَّ دَارَ مُخَالِفِيهِمْ دَارُ كُفْرٍ، انْظُرْ عَنْ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ وَالْأَزَارِقَةِ: لِسَانَ الْمِيزَانِ 6/144 - 145، تَارِيخَ الطَّبَرِيِّ 5/528، 565، 566 - 568، 613، 614، الْأَعْلَامَ 8/315، 316، مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/157 - 162، الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/109 - 110، الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ، ص 50 - 52 التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص [0 - 9] 9 - 30 الْفِصَلَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 5/52 - 53، الْخُطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/354 (¬3) ب فَقَطْ: وَالنَّجْدِيَّةَ. (¬4) النَّجَدَاتُ أَوِ النَّجْدِيَّةُ أَتْبَاعُ نَجْدَةَ بْنِ عَامِرٍ الْحَنَفِيِّ، وُلِدَ سَنَةَ 36 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 69 وَكَانَ فِي بَادِئِ أَمْرِهِ مِنْ أَتْبَاعِ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ ثُمَّ خَالَفَهُ وَاسْتَقَلَّ بِمَذْهَبِهِ، اسْتَقَرَّ أَيَّامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِالْبَحْرَيْنِ وَتَسَمَّى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِينَ إِلَى أَنْ قُتِلَ. وَالنَّجَدَاتُ كَمَا يَقُولُ الْأَشْعَرِيُّ لَا يَقُولُونَ مِثْلَ سَائِرِ الْخَوَارِجِ: إِنَّ كُلَّ كَبِيرَةٍ كُفْرٌ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ عَذَابًا دَائِمًا، وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ فَعَلَ صَغِيرَةً وَأَصَرَّ عَلَيْهَا فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَمَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً وَلَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَهُوَ مُسْلِمٌ. وَقَالَ النَّجَدَاتُ: لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَّخِذُوا إِمَامًا، إِنَّمَا عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَعَاطَوُا الْحَقَّ بَيْنَهُمْ، انْظُرْ عَنْ نَجْدَةَ وَالنَّجَدَاتِ: لِسَانَ الْمِيزَانِ 6/148، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/76 الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 4/78 - 80، الْأَعْلَامَ 8/324 - 325، مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/156، 262 - 264، الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ ص [0 - 9] 2 - 54، الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/110 - 112 ; التَّبَصُّرَ فِي الدِّينِ ص [0 - 9] 0 - 31، الْفِصَلَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ، 5/53 الْخُطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/354.

بْنِ إِبَاضٍ (¬1) وَمَقَالَاتُهُمْ وَسِيَرُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَالْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ، وَكَانُوا مَوْجُودِينَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يُنَاظِرُونَهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُمْ، وَالصَّحَابَةُ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ قِتَالِهِمْ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُكَفِّرُوهُمْ وَلَا كَفَّرَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَمَّا الْغَالِيَةُ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدِ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَكَفَّرَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ نَفْسُهُ وَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ. وَهَؤُلَاءِ الْغَالِيَةُ يُقْتَلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَلَمْ يُقَاتِلْهُمْ (¬2) عَلِيٌّ حَتَّى قَتَلُوا وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَغَارُوا عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ فَأَخَذُوهَا، فَأُولَئِكَ حَكَمَ فِيهِمْ عَلِيٌّ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَحْكُمُوا (¬3) فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ. ¬

(¬1) الْإِبَاضِيَّةُ أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبَاضٍ الْمُقَاعِسِيِّ الْمُرِّيُّ التَّمِيمِيُّ مَنْ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مُقَاعِسٍ، اخْتَلَفَ الْمُؤَرِّخُونَ فِي سِيرَتِهِ وَتَارِيخِ وَفَاتِهِ، كَانَ مُعَاصِرًا لِمُعَاوِيَةَ وَعَاشَ إِلَى أَوَاخِرِ عَصْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَتُوُفِّيَ عَلَى الْأَرْجَحِ سَنَةَ 86 هـ. قَالَ الْإِبَاضِيَّةُ: إِنَّ مُخَالِفِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كُفَّارٌ غَيْرُ مُشْرِكِينَ، وَدَارُ مُخَالِفِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ دَارُ تَوْحِيدٍ، إِلَّا مُعَسْكَرَ السُّلْطَانِ فَإِنَّهُ دَارُ بَغْيٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ كَفَرَ كُفْرَ النِّعْمَةِ لَا كُفْرَ الْمِلَّةِ، وَانْقَسَمُوا إِلَى حَفْصِيَّةٍ وَحَارِثِيَّةٍ وَيَزِيدِيَّةٍ. انْظُرْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبَاضٍ وَالْإِبَاضِيَّةَ: لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/248، الْأَعْلَامَ 4/184 - 186 مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/170 - 176، الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/121 - 122 الْفَرْقَ بَيْنَ الْفِرَقِ ص 61 - 65، التَّبْصِيرَ فِي الدِّينِ، ص 34 - 35 الْفِصَلَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 5/51 الْخُطَطَ لِلْمَقْرِيزِيِّ 2/355، الْإِبَاضِيَّةَ فِي مَوْكِبِ التَّارِيخِ لِعَلِي يَحْيَى مُعَمَّر ط. مَكْتَبَةِ وَهْبَةَ، 1384/1964 الْإِبَاضِيَّةَ فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِمُوتِيلِنِسْكِي. (¬2) ن، م: يَقْتُلُهُمْ. (¬3) ح، ي، ر: لَمْ يَحْكُمْ.

الكلام على حديث الكساء

وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ وَالَوْهُ دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ يُوجَدُ فِيهِمْ مِنَ الشَّرِّ وَالْكُفْرِ بِاتِّفَاقِ عَلِيٍّ وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الَّذِينَ عَادَوْهُ وَكَفَّرُوهُ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ جِنْسَ الْمُبْغِضِينَ (¬1) لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ شَرٌّ عِنْدَ عَلِيٍّ وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ مِنْ جِنْسِ الْمُبْغِضِينَ (¬2) لِعَلِيٍّ. [الكلام على حَدِيثُ الْكِسَاءِ] فَصْلٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْكِسَاءِ فَهُوَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ (¬3) ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (¬4) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. قَالَتْ: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ (¬5) مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ (¬6) ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ (¬7) ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} » [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ شَرَكَهُ فِيهِ فَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ¬

(¬1) ن، م، و: الْمُتَعَصِّبِينَ. (¬2) ن، م، و: الْمُتَعَصِّبِينَ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ 4/22 (¬4) 4/1883 كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬5) و، ر، ي: مُرَجَّلٌ، وَقَالَ شَارِحُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِرْطٌ مُرَحَّلٌ: الْمِرْطُ كِسَاءٌ جَمْعُهُ مُرُوطٌ. الْمُرَحَّلُ هُوَ الْمُوَشَّى الْمَنْقُوشُ عَلَيْهِ صُوَرُ رِحَالِ الْإِبِلِ. (¬6) ب فَقَطْ: فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ فِي الْمِرْطِ، وَلَيْسَتْ فِي مُسْلِمٍ. (¬7) فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ: كَذَا فِي (و) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَأُدْخِلَ مَعَهُمْ. وَفِي مُسْلِمٍ: فَدَخَلَ مَعَهُ.

فَلَيْسَ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَئِمَّةِ؛ بَلْ يَشْرَكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ. ثُمَّ إِنَّ مَضْمُونَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لَهُمْ بِأَنْ يُذْهِبَ عَنْهُمْ (¬1) الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا. وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَعَا لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ؛ وَاجْتِنَابُ الرِّجْسِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالطَّهَارَةُ مَأْمُورٌ بِهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] . وَقَالَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 103] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 122] . فَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ هَذَا دُعَاءً لَهُمْ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ. وَالصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ: {الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ 17 - 21] . وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّابِقِينَ (¬2) الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] لَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا قَدْ فَعَلُوا الْمَأْمُورَ وَتَرَكُوا الْمَحْظُورَ، فَإِنَّ هَذَا الرِّضْوَانَ وَهَذَا ¬

(¬1) و، ر، ح، ي: بِأَنْ يُذْهِبَ اللَّهُ عَنْهُمْ. (¬2) ر، ن، م، و، ق: وَأَيْضًا فَالسَّابِقُونَ.

الفصل الثالث كلام الرافضي عن قوله تعالي فقدموا بين يدي نجواكم صدقة والرد عليه

الْجَزَاءَ إِنَّمَا يُنَالُ بِذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ ذَهَابُ الرِّجْسِ عَنْهُمْ وَتَطْهِيرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ بَعْضَ صِفَاتِهِمْ. فَمَا دَعَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْكِسَاءِ هُوَ بَعْضُ مَا وَصَفَ بِهِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِغَيْرِ أَهْلِ الْكِسَاءِ بِأَنْ يُصَلِّيَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَدَعَا لِأَقْوَامٍ كَثِيرِينَ (¬1) بِالْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الدُّعَاءِ بِذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَنْ دَعَا لَهُ بِذَلِكَ أَفْضَلَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. وَلَكِنَّ أَهْلَ الْكِسَاءِ لَمَّا كَانَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمِ اجْتِنَابَ الرِّجْسِ وَفِعْلَ التَّطْهِيرِ، دَعَا لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، لِئَلَّا يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ، وَلِيَنَالُوا الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ. [الْفَصْلُ الثَّالِثُ كلام الرافضي عن قوله تعالي فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً والرد عليه] الْفَصْلُ الثَّالِثُ (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: 12] . قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمْ يَعْمَلْ (¬4) بِهَذِهِ الْآيَةِ غَيْرِي، وَبِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرَ هَذِهِ الْآيَةِ. ¬

(¬1) ب، ق: كَثِيرَةٍ، ح: كَثِيرٍ. (¬2) ن، م، و: فَصْلٌ. (¬3) فِي (ك) 120 م، وَنَصَّ (ك) وَنَحْوُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ إِلَخْ. (¬4) ن، م: عَلِيٌّ لَمْ يَعْمَلْ، و: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَعْمَلْ، ك: عَلِيٌّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا عَمِلَ.

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَكُونُوا عُصَاةً بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِهِ مَنْ أَرَادَ النَّجْوَى، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ النَّجْوَى إِذْ ذَاكَ إِلَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَصَدَّقَ لِأَجْلِ الْمُنَاجَاةِ (¬1) . وَهَذَا كَأَمْرِهِ بِالْهَدْيِ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَمْرِهِ بِالْهَدْيِ لِمَنْ أُحْصِرَ وَأَمْرِهِ لِمَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأَسِهِ بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ لَمَّا مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَنْفُخُ تَحْتَ قِدْرٍ وَهَوَامُّ رَأْسِهِ تُؤْذِيهِ (¬2) . وَكَأَمْرِهِ لِمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ بِعِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَكَأَمْرِهِ لِمَنْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ أَوْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، وَكَأَمْرِهِ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَغْسِلُوا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ، وَكَأَمْرِهِ إِذَا قَرَءُوا الْقُرْآنَ أَنْ يَسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ. فَالْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ إِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الشَّرْطُ إِلَّا فِي حَقِّ وَاحِدٍ لَمْ يُؤْمَرْ ¬

(¬1) انْظُرْ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ؛ وَفِيهِ: قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: نُهُوا عَنْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَتَصَدَّقُوا، فَلَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَدَّمَ دِينَارًا صَدَقَةً تَصَدَّقَ بِهَا، ثُمَّ نَاجَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ عَشْرِ خِصَالٍ، ثُمَّ أُنْزِلَتِ الرُّخْصَةُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، مَا كَانَتْ إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، هَكَذَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ عَلِيٌّ: مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ غَيْرِي حَتَّى نُسِخَتْ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَمَا كَانَتْ إِلَّا سَاعَةً. (¬2) وَهَذَا كُلُّهُ فِي آيَةٍ 196 مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ] : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) الْآيَةَ وَانْظُرْ تَفْسِيرَهَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَانْظُرْ مَا رَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ فِي شَأْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

بِهِ غَيْرُهُ. وَهَكَذَا آيَةُ النَّجْوَى ; فَإِنَّهُ لَمْ يُنَاجِ الرَّسُولَ قَبْلَ نَسْخِهَا إِلَّا عَلِيٌّ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ تَرَكَ النَّجْوَى حَرَجٌ. فَمِثْلُ هَذَا الْعَمَلِ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا مِنْ خَصَائِصِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا يُقَالُ إِنَّ غَيْرَ عَلِيٍّ تَرَكَ النَّجْوَى بُخْلًا بِالصَّدَقَةِ ; لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ فَإِنَّ الْمُدَّةَ لَمْ تَطُلْ. وَفِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ قَدْ لَا يَحْتَاجُ (¬1) الْوَاحِدُ إِلَى النَّجْوَى، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا كَانَ يَخُصُّ بَعْضَ النَّاسِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ هَؤُلَاءِ. كَيْفَ (¬2) وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ (¬3) أَنْفَقَ مَالَهُ كُلَّهُ يَوْمَ رَغَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَةِ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ (¬4) بِنِصْفِ مَالِهِ بِلَا حَاجَةٍ إِلَى النَّجْوَى. فَكَيْفَ يَبْخَلُ أَحَدُهُمَا (¬5) بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يُقَدِّمُهَا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ؟ . وَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ يَا عُمَرُ، فَقُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَالٍ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ، فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا (¬6) . ¬

(¬1) قَدْ لَا يَحْتَاجُ: كَذَا فِي (و) ، وَفِي (ب) : لَا يَحْتَاجُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَلَا يَحْتَاجُ. (¬2) ح، ب: وَكَيْفَ. (¬3) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَعُمَرُ قَدْ جَاءَ. (¬5) أَحَدُهُمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ أَحَدُهُمْ. (¬6) سَبَقَ الْحَدِيثَ فِيمَا مَضَى 2/52

الفصل الرابع تابع كلام الرافضي عن فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ تابع كلام الرافضي عن فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه] الْفَصْلُ الرَّابِعُ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: افْتَخَرَ طَلْحَةُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ] (¬3) . فَقَالَ: طَلْحَةُ بْنُ شَيْبَةَ: مَعِي مَفَاتِيحُ الْبَيْتِ، وَلَوْ أَشَاءُ بِتُّ فِيهِ. وَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَنَا صَاحِبُ السِّقَايَةِ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا، وَلَوْ أَشَاءُ بِتُّ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ عَلِيٌّ (¬4) : مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ إِلَى الْقِبْلَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ النَّاسِ، وَأَنَا صَاحِبُ الْجِهَادِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 19] . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا اللَّفْظُ لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ (¬5) كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ، (* بَلْ دَلَالَاتُ (¬6) الْكَذِبِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ، مِنْهَا: أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ شَيْبَةَ لَا وُجُودَ لَهُ، وَإِنَّمَا خَادِمُ الْكَعْبَةِ هُوَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي ¬

(¬1) ن، م، و: فَصْلٌ. (¬2) فِي (ك) ، 120 (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) (م) ، وَفِي (ك) : وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) و: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ك: عَلِيٌّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (¬5) شَيْءٍ مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) ح: دَلَالَةُ.

طَلْحَةَ (¬1) . وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ. ثُمَّ فِيهِ قَوْلُ الْعَبَّاسِ: لَوْ أَشَاءُ بِتُّ (¬2) فِي الْمَسْجِدِ فَأَيُّ كَبِيرِ أَمْرٍ فِي مَبِيتِهِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَبَجَّحَ بِهِ؟ . ثُمَّ فِيهِ قَوْلُ عَلِيٍّ: صَلَّيْتُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ النَّاسِ. فَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانَهُ بِالضَّرُورَةِ ; فَإِنَّ بَيْنَ إِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ (¬3) زَيْدٍ وَأَبِي بَكْرَ وَخَدِيجَةَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ، فَكَيْفَ يُصَلِّي قَبْلَ النَّاسِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ؟ . وَأَيْضًا فَلَا يَقُولُ: أَنَا صَاحِبُ الْجِهَادِ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِيهِ عَدَدٌ كَثِيرٌ جِدًّا *) (¬4) . وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَيُقَالُ: الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (¬5) وَلَفْظُهُ: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَسْقِيَ الْحَاجَّ. وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ (¬6) إِلَّا أَنْ أَعْمُرَ ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، وَالتَّصْوِيبُ مِنِ الْإِصَابَةِ، وَالِاسْتِيعَابِ، فِي الْإِصَابَةِ لِابْنِ حَجَرٍ 2/157. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ هَوْذَةَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ فَأَعْطَاهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: دُونَكَ هَذَا فَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ عَلَى بَيْتِهِ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: دَفَعَ إِلَيْهِ وَإِلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ: خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَأْخُذُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا يَوْمَ الْفَتْحِ لِعُثْمَانَ، وَأَنَّ عُثْمَانَ وَلِيَ الْحِجَابَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَوَلِيَهَا شَيْبَةُ، فَاسْتَمَرَّتْ فِي وَلَدِهِ. وَانْظُرِ الِاسْتِيعَابَ، بِهَامِشِ الْإِصَابَةِ 2/155 - 157. (¬2) ن، م، ر: لَبِتُّ. (¬3) ر، ح، ي: وَبَيْنَ إِسْلَامِ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬5) 3/1499 كِتَابُ الْإِمَارَةِ بَابُ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. (¬6) أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ: كَذَا فِي مُسْلِمٍ، وَفِي (ب) : أَعْمَلَ عَمَلًا فِي الْإِسْلَامِ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَعْمَلُ فِي الْإِسْلَامِ.

الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهُمْ (¬1) عُمَرُ وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} » [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 19] الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ (¬2) مِنْ خَصَائِصِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا مِنْ خَصَائِصَ عَلِيٍّ، فَإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرُونَ، وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَشْتَرِكُونَ فِي هَذَا الْوَصْفِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَعْظَمُهُمْ (¬3) إِيمَانًا وَجِهَادًا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72] . وَلَا رَيْبَ أَنَّ جِهَادَ أَبِي بَكْرٍ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِهَادِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إِنَّ أَمَنَّ (¬4) النَّاسِ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ» (¬5) . ¬

(¬1) و: فَهَجَزَهُمْ. (¬2) أ، ب: وَهَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَتْ. (¬3) ح، ر، ب: أَعْظَمُ. (¬4) ح: إِنَّ مِنْ أَمَنِّ. (¬5) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَبَقَ فِيمَا مَضَى 1/512 - 513 وَالْحَدِيثُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 4/143 ط. الْحَلَبِيِّ 3/477 - 478، 4/211 - 212 عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

«وَقَالَ: مَا نَفَعَنِي مَالٌ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ» (¬1) . وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ مُجَاهِدًا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ (¬2) وَأَوَّلُ مَنْ أُوذِيَ فِي اللَّهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوَّلُ مَنْ دَافَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مُشَارِكًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) فِي هِجْرَتِهِ وَجِهَادِهِ حَتَّى كَانَ هُوَ وَحْدَهُ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ يَوْمَ بَدْرٍ، «وَحَتَّى أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَمَّا قَالَ: أَفِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَفِيكُمُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَفِيكُمُ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ (¬4) فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ. فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ عَدُوَّ اللَّهِ، (¬5) إِنَّ الَّذِينَ (¬6) عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ، (¬7) وَقَدْ أَبْقَى اللَّهُ لَكَ ¬

(¬1) و: مَا نَفَعَنِي مَالٌ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/36 الْمُقَدَّمَةِ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ فَضْلِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَنَصُّهُ: (مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 13/183 وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَدِيثَ وَخَالَفَ تَضْعِيفَ الْبُوصَيْرِيِّ لَهُ فِي زَوَائِدِهِ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ أَيْضًا فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 5/190 وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 16/320 - 321 مُطَوَّلًا. (¬2) ن فَقَطْ: إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. (¬3) ن، م: وَكَانَ مُشَارِكًا لَهُ، و: وَكَانَ مُشَارِكًا لِلرَّسُولِ، ق: وَكَانَ مُشَارِكًا لِرَسُولِ اللَّهِ. (¬4) و: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ (¬5) أ، م: يَا عَدُوَّ اللَّهِ. (¬6) ح، و، ب: الَّذِي. (¬7) أ، ب: أَحْيَاءٌ.

الفصل الخامس نسب الرافضي حديثا موضوعا إلى الإمام أحمد أن علي هو الوصي والرد عليه

مَا يُخْزِيكَ» (¬1) . ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (¬2) . [الْفَصْلُ الْخَامِسُ نسب الرافضي حديثا موضوعا إلى الإمام أحمد أن علي هو الوصي والرد عليه] الْفَصْلُ الْخَامِسُ (¬3) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «قُلْنَا لِسَلْمَانَ: سَلِ (¬5) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ وَصِّيُهُ، فَقَالَ لَهُ (¬6) سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ وَصِيُّكَ؟ فَقَالَ (¬7) : يَا سَلْمَانُ، مَنْ كَانَ وَصِيَّ مُوسَى؟ فَقَالَ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ. قَالَ (¬8) : فَإِنَّ (¬9) وَصِيِّيَ وَوَارِثِي يَقْضِي (¬10) دَيْنِي وَيُنْجِزُ مَوْعِدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» (¬11) . ¬

(¬1) ق، ب: يُحْزِنُكَ. (¬2) عِبَارَةُ: ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " وَغَيْرُهُ " مِنْ (ن) ، (م) ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/523. (¬3) سَقَطَتْ عِبَارَةُ " الْفَصْلُ الْخَامِسُ " مِنْ (و) ، وَفِي (ن) ، (م) (أ) : فَصْلٌ. (¬4) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 120 (م) ، 121 (م) . (¬5) ن، ح، ي، ر: أَنْ سَلْ. (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ب) . (¬7) ك: فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬8) ن، م، ح، ب: فَقَالَ: ك: قَالَ قَالَ. (¬9) ن، م: إِنَّ: وَسَقَطَتْ مِنْ (ك) . (¬10) ك: مَنْ يَقْضِي. (¬11) ك: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

(* وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ *) (¬1) كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬2) لَيْسَ هُوَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَأَحْمَدُ قَدْ صَنَّفَ كِتَابًا فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَ فِيهِ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ لِلتَّعْرِيفِ بِذَلِكَ، (¬3) وَلَيْسَ كُلُّ مَا رَوَاهُ يَكُونُ صَحِيحًا. ثُمَّ إِنَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ زِيَادَاتٍ مِنْ رِوَايَاتِ (¬4) ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَزِيَادَاتٍ مِنْ رِوَايَةِ الْقَطِيعِيِّ عَنْ شُيُوخِهِ. وَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ الَّتِي زَادَهَا الْقَطِيعِيُّ غَالِبُهَا كَذِبٌ، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُ بَعْضِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، (¬5) وَشُيُوخُ الْقَطِيعِيِّ يَرْوُونَ عَمَّنْ فِي طَبَقَةِ أَحْمَدَ. وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ جُهَّالٌ، إِذَا رَأَوْا فِيهِ حَدِيثًا ظَنُّوا أَنَّ الْقَائِلَ لِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَيَكُونُ الْقَائِلُ لِذَلِكَ هُوَ الْقَطِيعِيَّ، وَذَاكَ الرَّجُلُ مِنْ شُيُوخِ الْقَطِيعِيِّ الَّذِينَ يَرْوُونَ عَمَّنْ فِي طَبَقَةِ أَحْمَدَ. وَكَذَلِكَ فِي الْمُسْنَدِ زِيَادَاتٌ زَادَهَا ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، (¬6) لَا سِيَّمَا فِي مُسْنَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (¬7) فَإِنَّهُ زَادَ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةً. ¬

(¬1) بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (و) : فَيُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ. (¬2) ذَكَرَ الْحَدِيثَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 1/374 - 375 مِنْ أَرْبَعَةِ طُرُقِ، كُلُّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَوْ مَوْضُوعَةٌ، وَتَابَعَهُ السُّيُوطِيُّ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/358 - 359. (¬3) وَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي حَقَّقَهُ الْأُسْتَاذُ وَصِيُّ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد عَبَّاس، وَأَصْدَرَتْهُ جَامِعَةُ أُمِّ الْقُرَى: 1403/1983 وَسَبَقَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ. (¬4) أ، ب: رِوَايَةِ. (¬5) إِنْ شَاءَ اللَّهُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬6) ح، ي، ر: ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، و: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. (¬7) ن، م: فِي مَنَاقِبَ عَلِيِّ، و: فِي مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

الفصل السادس تابع كلام الرافضي عن فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه

[الْفَصْلُ السَّادِسُ تابع كلام الرافضي عن فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه] الْفَصْلُ السَّادِسُ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ (¬3) «عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬4) : قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) حَتَّى أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْلِسْ، فَصَعِدَ عَلَى مَنْكِبِي، فَذَهَبْتُ لِأَنْهَضَ بِهِ، فَرَأَى مِنِّي ضَعْفًا، فَنَزَلَ وَجَلَسَ لِي نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ اصْعَدْ عَلَى مَنْكِبِي. فَصَعِدْتُ عَلَى مَنْكِبِهِ (¬6) . قَالَ: فَنَهَضَ بِي. قَالَ: فَإِنَّهُ تَخَيَّلَ لِي (¬7) أَنِّي لَوْ شِئْتُ لَنِلْتُ أُفُقَ السَّمَاءِ، حَتَّى صَعِدْتُ عَلَى الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ تِمْثَالٌ صُفْرٌ أَوْ نُحَاسٌ (¬8) ، فَجَعَلْتُ أُزَاوِلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، حَتَّى إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْذِفْ بِهِ. فَقَذَفْتُ بِهِ فَتَكَسَّرَ كَمَا تَنْكَسِرُ (¬9) الْقَوَارِيرُ، ثُمَّ نَزَلَتْ ¬

(¬1) ن، م، أ: فَصْلٌ، وَسَقَطَتِ (الْفَصْلُ السَّادِسُ) مِنْ (و) . (¬2) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) 121 (م) . (¬3) ن: زَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، ك: أَبِي مَرْيَمَ. (¬4) ك، و: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) ك: أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬6) ح، ر، ب: مَنْكِبَيْهِ. (¬7) أ، ب، ق، ي، و، ر: يُخَيَّلُ إِلَيَّ. (¬8) ك: تِمْثَالٌ مِنْ صُفْرٍ وَنُحَاسٍ. (¬9) ن، ي، ر، ق، ب: تَتَكَسَّرُ، و: يَنْكَسِرُ.

فَانْطَلَقْتُ (¬1) ، أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسْتَبِقُ حَتَّى تَوَارَيْنَا فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ أَنْ يَلْقَانَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ» . وَالْجَوَابُ (¬2) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَصَائِصِ الْأَئِمَّةِ وَلَا خَصَائِصِ عَلِيٍّ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ (¬3) عَلَى مَنْكِبِهِ، إِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا» . «وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَاءَ الْحَسَنُ فَارْتَحَلَهُ، وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي» (¬4) «وَكَانَ يُقَبِّلُ زَبِيبَةَ الْحَسَنِ» (¬5) . فَإِذَا كَانَ يَحْمِلُ الطِّفْلَةَ وَالطِّفْلَ لَمْ يَكُنْ فِي حَمْلِهِ لِعَلِيٍّ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ، [بَلْ قَدْ أَشْرَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ] (¬6) ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ لِعَجْزِ عَلِيٍّ عَنْ ¬

(¬1) و: وَانْطَلَقْتُ. (¬2) ح، ب: الْجَوَابُ. (¬3) بْنِ الرَّبِيعِ، زِيَادَةٌ فِي (ن) (م) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/182 كِتَابُ التَّطْبِيقِ، بَابُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَجْدَةٌ أَطْوَلَ مِنْ سَجْدَةٍ، وَنَصُّهُ فِيهِ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، قَالَ أُبَيٌّ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي، وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ. قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/493 - 494. (¬5) أ: رَأْسَ الْحَسَنِ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (أ) فَقَطْ.

الفصل السابع حديث موضوع آخر يذكره الرافضي في فضائل علي والرد عليه

حَمْلِهِ، فَهَذَا يَدْخُلُ فِي مَنَاقِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (* وَفَضِيلَةُ مَنْ يَحْمِلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ فَضِيلَةِ مَنْ يَحْمِلُهُ - النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - *) (¬1) كَمَا حَمَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ مَنْ حَمَلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِثْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (¬2) ، فَإِنَّ هَذَا نَفَعَ النَّبِيَّ (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَاكَ نَفَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَفْعَهُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ أَعْظَمُ مِنِ انْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَالِهِ. [الْفَصْلُ السَّابِعُ حديث موضوع آخر يذكره الرافضي في فضائل علي والرد عليه] الْفَصْلُ السَّابِعُ (¬4) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : «وَعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصِّدِّيقُونَ ثَلَاثَةٌ: حَبِيبٌ النَّجَّارُ مُؤْمِنُ آلِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬2) عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/307 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي مُحَمَّدٍ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ، فَنَهَضَ إِلَى الصَّخْرَةِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَأَقْعَدَ تَحْتَهُ طَلْحَةَ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الصَّخْرَةِ، قَالَ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَوْجَبَ طَلْحَةُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 3/12 وَصَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ، سِيرَةُ ابْنِ هِشَامٍ 3/91 - 92. (¬3) ن، م، ح: أَنْفَعُ لِلنَّبِيِّ، و، ر: نَفْعٌ لِلنَّبِيِّ. (¬4) ن، م، و: فَصْلٌ. (¬5) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 121 (م) وَيُوجَدُ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ سَطْرَانِ فِي (ك) لَمْ يَرِدَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُمَا: وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ قَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنَّ زَوْجَكِ أَقْدَمُ أُمَّتِي إِسْلَامًا وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا وَأَعْظَمُهُمْ حِلْمًا؟ ".

يَاسِينَ (¬1) ، وَحِزْقِيلُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ (¬2) ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ» . الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ وَصَفَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صِدِّيقٌ (¬3) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ; فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ (¬4) يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» (¬5) . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الصِّدِّيقِينَ كَثِيرُونَ. وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ مَرْيَمَ ابْنَةِ (¬6) عِمْرَانَ إِنَّهَا صِدِّيقَةٌ، وَهِيَ امْرَأَةٌ. ¬

(¬1) مُؤْمِنُ آلِ يَاسِينَ: كَذَا فِي (و) ، (ك) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِنْ آلِ يَاسِينَ، وَزَادَتْ (ك) : الَّذِي قَالَ (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) [سُورَةُ يس: 20] . (¬2) زَادَتْ (ك) : الَّذِي قَالَ: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) [سُورَةُ غَافِرٍ: 28] . (¬3) ذَكَرْتُ فِي ت 2 ص [0 - 9] 01 مِنَ الْجُزْءِ الثَّالِثِ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اثْبُتْ حِرَاءُ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ) وَبَيَّنْتُ مَوَاضِعَ وُرُودِهِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ، وَقَدْ سَمَّى الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ. انْظُرْ سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 3/94 كِتَابُ الْجِهَادِ بَابٌ فِي السَّلَبِ يُعْطَى للْقَاتِلِ، وَالْحَدِيثُ فِيهِ: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَانْظُرْ أَيْضًا: الْمُسْنَدُ ط. الْحَلَبِيِّ 4/4، وَالْأَثَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬4) ب فَقَطْ: وَالْفُجُورُ. (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/266 (¬6) أ، ب، ح: بِنْتِ.

الفصل الثامن حديث آخر صحيح يذكره الرافضي قال لعلي أنت مني وأنا منك والرد عليه

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا أَرْبَعٌ» (¬1) . فَالصِّدِّيقُونَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرُونَ. [الْفَصْلُ الثَّامِنُ حديث آخر صحيح يذكره الرافضي قال لعلي أنت مني وأنا منك والرد عليه] الْفَصْلُ الثَّامِنُ (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» . ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/218: وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، فِي مَوَاضِعِهَا مُفَرَّقَةً فِي فَضْلِ آدَمَ وَفَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ، وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَكِنْ وَجَدْتُ فِي بَابِ فَضْلِ خَدِيجَةَ حَدِيثًا مُقَارِبًا 9/223 هُوَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ ابْنَةُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ. قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ. وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. عَلَى أَنَّهُ يُوجَدُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَلْفَاظُهُ مُقَارِبَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ 4/158 كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينِ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ في الْأَلْفَاظِ - فِي الْبُخَارِيِّ 4/164 كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ) 5/29 كِتَابُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ فَضْلِ عَائِشَةَ 7/75 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ بَابُ فَضْلِ الثَّرِيدِ، مُسْلِمٌ 4/1886 - 1887 كِتَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 3/179 - 180 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الثَّرِيدِ، سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ 2/1091 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ بَابُ فَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ، الْمُسْنَدُ ط. الْحَلَبِيِّ 4/394، 409. (¬2) ن، م، و: فَصْلٌ. (¬3) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 122 (م) .

وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا حَدِيثُ (¬1) صَحِيحٌ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬2) مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، «لَمَّا تَنَازَعَ عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ (¬3) وَزَيْدٌ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ، فَقَضَى بِهَا لِخَالَتِهَا، وَكَانَتْ تَحْتَ جَعْفَرٍ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي. وَقَالَ لِزَيْدٍ أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» (¬4) . لَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ (¬5) أَوْ قَلَّتْ نَفَقَةُ عِيَالِهِمْ (¬6) فِي الْمَدِينَةِ (¬7) جَمَعُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَسَّمُوهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» (¬8) . وَكَذَلِكَ قَالَ «عَنْ جُلَيْبِيبٍ (¬9) : هُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» . فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (¬10) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَغْزًى (¬11) لَهُ. فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لِأَصْحَابِهِ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ ¬

(¬1) ب: الْحَدِيثَ. (¬2) أ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. (¬3) وَجَعْفَرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/34. (¬5) ن، م، و: إِذَا كَانُوا فِي الْغَزْوِ. (¬6) ر، و: أَوْ نَقَصَتْ نَفَقَةُ عِيَالَاتِهِمْ أ: أَوْ نَقَصَتْ نَفَقَتُهُمْ غَنَالِهِمْ. وَهُوَ تَحْرِيفٌ. ن، م: وَنَقَصَتْ نَفَقَةُ عِيَالِهِمْ. (¬7) ن، م، و، ي: فِي السَّفَرِ. (¬8) سَبَقَ الْحَدِيثُ 4 4/35. (¬9) أ: حَبِيبٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) 4/1918 - 1919 كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬11) ح، ب: غَزْوَةٍ.

الفصل التاسع تابع كلام الرافضي عن فضائل علي وقول عمرو بن ميمون والرد عليه

قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا وَفُلَانًا (¬1) . ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. ثُمَّ قَالَ: هَلْ (¬2) تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ. فَطَلَبُوهُ (¬3) فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ. فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ. هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ. قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلِيٌّ عَلَى سَاعِدَيْهِ، لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ فَوُضِعَ (¬5) فِي قَبْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ غُسْلًا» (¬6) . فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» . لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ، بَلْ قَالَ ذَلِكَ لِلْأَشْعَرِيِّينَ، وَقَالَهُ لِجُلَيْبِيبٍ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ خَصَائِصِهِ، بَلْ قَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ مَنْ (¬7) هُوَ دُونَ الْخُلَفَاءِ (¬8) الثَّلَاثَةِ فِي الْفَضِيلَةِ، لَمْ يَكُنْ دَالًّا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ (¬9) وَلَا عَلَى الْإِمَامَةِ. [الْفَصْلُ التَّاسِعُ تابع كلام الرافضي عن فضائل علي وقول عمرو بن ميمون والرد عليه] الْفَصْلُ التَّاسِعُ (¬10) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬11) : وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي ¬

(¬1) مُسْلِمٌ: فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا. (¬2) ن، م، و، ر، ح، ي، ب: وَهَلْ. (¬3) مُسْلِمٌ: فَطُلِبَ. (¬4) ح، ب: لَيْسَ لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ر، ي، أ: لَيْسَ لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬5) و: فَوَضَعَهُ، مُسْلِمٌ: وَوُضِعَ. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/35. (¬7) ي، ب: مِمَّنْ. (¬8) الْخُلَفَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬9) و: الْأَفْضَلِيَّةُ عَلَيْهِمْ. (¬10) ن، م، و، أ: فَصْلٌ. (¬11) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 122 (م) ، 124 (م) .

طَالِبٍ (¬1) عَشْرُ (¬2) فَضَائِلَ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ. قَالَ لَهُ (¬3) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَبْعَثَنَّ رَجُلًا لَا يُخْزِيهِ اللَّهُ أَبَدًا، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، [وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] (¬4) ، فَاسْتَشْرَفَ إِلَيْهَا (¬5) مَنِ اسْتَشْرَفَ. قَالَ (¬6) : أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (¬7) ؟ قَالُوا: هُوَ أَرْمَدُ (¬8) فِي الرَّحَى يَطْحَنُ. قَالَ (¬9) : وَمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَطْحَنُ. قَالَ: فَجَاءَ وَهُوَ أَرْمَدُ لَا يَكَادُ أَنْ يُبْصِرَ. قَالَ: فَنَفَثَ (¬10) فِي عَيْنَيْهِ ثُمَّ هَزَّ الرَّايَةَ ثَلَاثًا وَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ (¬11) ، فَجَاءَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ. قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ بِسُورَةِ التَّوْبَةِ (¬12) ، فَبَعَثَ عَلِيًّا خَلْفَهُ (¬13) فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَقَالَ: لَا يَذْهَبُ بِهَا إِلَّا رَجُلٌ هُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» . ¬

(¬1) ابْنِ أَبِي طَالِبٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ك) : لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬2) عَشْرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) لَهُ: فِي (و) ، (ك) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (ي) ، (أ) . (¬5) ك: لَهَا. (¬6) ح، ب: فَقَالَ. (¬7) بْنُ أَبِي طَالِبٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (ي) ، (أ) ، وَفِي (ك) : عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬8) أَرْمَدُ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬9) قَالَ: فِي (و) ، (ك) فَقَطْ. (¬10) ك: فَتَفَلَ. (¬11) ن، م، و، ر، ق، ي، أ: وَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا ك: فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ. (¬12) ح، ر، ي، ب، ق: (بَرَاءَةٌ) . (¬13) و: فَبَعَثَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلْفَهُ، ك: فَبَعَثَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلْفَهُ.

وَقَالَ لِبَنِي عَمِّهِ (¬1) : «أَيُّكُمْ يُوَالِينِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ قَالَ: وَعَلِيٌّ مَعَهُمْ جَالِسٌ (¬2) فَأَبَوْا، فَقَالَ عَلِيٌّ (¬3) : أَنَا أُوَالِيكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ (¬4) : فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَجُلٍ رَجُلٍ مِنْهُمْ (¬5) ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يُوَالِينِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ فَأَبَوْا، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أُوَالِيكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَقَالَ: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . قَالَ: «وَكَانَ عَلِيٌّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ خَدِيجَةَ» . قَالَ: «وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬6) ثَوْبَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَقَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} » [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . قَالَ: «وَشَرَى عَلِيٌّ نَفْسَهُ وَلَبِسَ ثَوْبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَامَ مَكَانَهُ، وَكَانَ (¬7) الْمُشْرِكُونَ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ» . «وَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬8) بِالنَّاسِ فِي غَزَاةِ تَبُوكَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (¬9) : أَخْرُجُ مَعَكَ؟ قَالَ (¬10) : لَا. فَبَكَى عَلِيٌّ، فَقَالَ لَهُ: ¬

(¬1) ك: وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ لِبَنِي عَمِّهِ. (¬2) أ، ب: وَعَلِيٌّ جَالِسٌ مَعَهُمْ. (¬3) و، ك: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ك: عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ. (¬6) ك ص 123 م: أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬7) ك: فَكَانَ. (¬8) ح، ي، ر، ق، ب: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ك: قَالَ: وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬9) و، ك: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬10) و، ر، أ، ب، ح، ي: فَقَالَ.

أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، لَا (¬1) يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَأَنْتَ خَلِيفَتِي» (¬2) . وَقَالَ (¬3) «لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ وَلِيِّي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» . قَالَ: «وَسَدَّ (¬4) أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ» (¬5) . قَالَ وَكَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ (¬6) جُنُبًا، وَهُوَ طَرِيقُهُ لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ. وَقَالَ لَهُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» (¬7) . وَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْفُوعًا «أَنَّهُ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ فِي (بَرَاءَةٌ) إِلَى مَكَّةَ (¬8) ، فَسَارَ بِهَا (¬9) ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: الْحَقْهُ فَرُدُّهُ وَبَلِّغْهَا أَنْتَ، فَفَعَلَ (¬10) . فَلَمَّا (¬11) قَدِمَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَى وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدَثَ (¬12) فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أُمِرْتُ (¬13) أَنْ لَا يُبَلِّغَهَا (¬14) إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي» . ¬

(¬1) ك: وَلَا. (¬2) ك: خَلِيفَتِي فِي الْمَدِينَةِ. (¬3) ك: قَالَ: وَقَالَ. (¬4) ك: قَالَ: وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: سُدُّوا. (¬5) ك: غَيْرَ بَابِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬6) ك: فَلْيَدْخُلِ الْمَسْجِدَ. (¬7) و: فَإِنَّ مَوْلَاهُ عَلِيٌّ، ك: فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ. (¬8) ك: بِالْبَرَاءَةِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ. (¬9) ب فَقَطْ: لَهَا. (¬10) فَفَعَلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬11) ك: ص 124 م: وَلَمَّا. (¬12) ك: أَحَدَثَ. (¬13) أ، ب: وَلَكِنِّي أُمِرْتُ، ك: وَلَكِنْ أَمَرَنِي رَبِّي. (¬14) ك: أَلَّا يُبَلِّغَهُ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا (¬1) لَيْسَ مُسْنَدًا، بَلْ هُوَ (¬2) مُرْسَلٌ لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ هِيَ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِهِ: [ «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ» ] (¬3) ، لَا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَأَنْتَ خَلِيفَتِي. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَخَلِيفَتُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرُ عَلِيٍّ، كَمَا اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعَلِيٌّ مَعَهُ وَخَلِيفَتُهُ غَيْرُهُ، وَغَزَا بَعْدَ ذَلِكَ خَيْبَرَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ وَخَلِيفَتُهُ بِالْمَدِينَةِ غَيْرُهُ، وَغَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ وَعَلِيٌّ مَعَهُ وَخَلِيفَتُهُ فِي الْمَدِينَةِ (¬4) غَيْرُهُ، وَغَزَا حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَعَلِيٌّ مَعَهُ وَخَلِيفَتُهُ بِالْمَدِينَةِ غَيْرُهُ، [وَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَعَلِيٌّ مَعَهُ وَخَلِيفَتُهُ بِالْمَدِينَةِ غَيْرُهُ] (¬5) ، وَغَزَا غَزْوَةَ بَدْرٍ وَمَعَهُ عَلِيٌّ وَخَلِيفَتُهُ بِالْمَدِينَةِ غَيْرُهُ. وَكُلُّ هَذَا مَعْلُومٌ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَبِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَكَانَ عَلِيٌّ مَعَهُ فِي غَالِبِ الْغَزَوَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ. فَإِنْ قِيلَ: اسْتِخْلَافُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ إِلَّا الْأَفْضَلَ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ مَفْضُولًا فِي عَامَّةِ الْغَزَوَاتِ، وَفِي عُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ، لَا سِيَّمَا وَكُلُّ مَرَّةٍ كَانَ يَكُونُ الِاسْتِخْلَافُ عَلَى رِجَالٍ مُؤْمِنِينَ، وَعَامَ تَبُوكَ مَا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ إِلَّا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ عَذَرَ اللَّهُ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ ¬

(¬1) و: فَيُقَالُ هَذَا. (¬2) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) فَقَطْ. (¬4) ح، ب، ي، م، ر: بِالْمَدِينَةِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

خُلِّفُوا (¬1) أَوْ مُتَّهَمٍ بِالنِّفَاقِ، وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ آمِنَةً لَا يُخَافُ عَلَى أَهْلِهَا، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُسْتَخْلَفُ إِلَى جِهَادٍ كَمَا يَحْتَاجُ فِي أَكْثَرِ الِاسْتِخْلَافَاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «وَسَدَّ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ» " فَإِنَّ هَذَا مِمَّا وَضَعَتْهُ الشِّيعَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ (¬2) ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: " «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّتْ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ» " وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬3) ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ: " «أَنْتَ وَلِيِّي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» " فَإِنَّ هَذَا ¬

(¬1) عِبَارَةُ " الَّذِينَ خَلَّفُوا "، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْمَوْضُوعِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 1/364 وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ 1/366 وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مِنْ وَضْعِ الرَّافِضَةِ قَابَلُوا بِهَا الْحَدِيثَ الْمُتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهِ فِي: سُدُّوا الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 وَالْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 1/96 - 97 كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ 5/4 كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ 4/1855 - 1856 كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ، وَنَصَّ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْلِمٍ وَذَلِكَ عِنْدَ وُرُودِ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 5/202 حَدِيثٌ رَقْمُ 3580 كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ قَبْلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 4/143 حَدِيثٌ رَقْمُ 2432 وَجَاءَتْ قِطْعَةٌ مِنْهُ 5/254 حَدِيثٌ رَقْمُ 3689.

الفصل العاشر كلام الرافضي عن فضائل علي وكلام أخطب خوارزم والرد عليه

مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬1) ، وَالَّذِي فِيهِ مِنَ الصَّحِيحِ (¬2) لَيْسَ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَئِمَّةِ، بَلْ وَلَا مِنْ خَصَائِصِ عَلِيٍّ، بَلْ قَدْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، مِثْلَ كَوْنِهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمِثْلَ اسْتِخْلَافِهِ وَكَوْنِهِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، وَمِثْلَ كَوْنِ عَلِيٍّ مَوْلَى مَنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْلَاهُ (¬3) فَإِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُوَالٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمِثْلَ كَوْنِ (بَرَاءَةٌ) لَا يُبَلِّغُهَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ; فَإِنَّ هَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الْهَاشِمِيِّينَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْعَادَةَ كَانَتْ جَارِيَةً بِأَنْ لَا يَنْقُضَ الْعُهُودَ وَيَحِلَّهَا (¬4) إِلَّا رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَةِ الْمُطَاعِ. [الْفَصْلُ الْعَاشِرُ كلام الرافضي عن فضائل علي وكلام أَخْطَبُ خَوَارِزْمَ والرد عليه] الْفَصْلُ الْعَاشِرُ (¬5) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬6) : وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَخْطَبُ خَوَارِزْمَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَا عَلِيُّ لَوْ أَنَّ عَبْدًا (¬7) عَبَدَ اللَّهَ - عَزَّ ¬

(¬1) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/503 رَقْمُ 521، 1/524 رَقْمُ 868 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ 1/503: مَوْضُوعٌ وَفِيهِ مَتْرُوكَانِ مُتَّهَمَانِ بِالْوَضْعِ: طَلْحَةُ وَعُبَيْدَةُ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي حَقِّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 1/334، الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 7/213 وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَرَاجِعِ، وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مَوْضُوعٌ. (¬2) ن، م: فِي الصَّحِيحِ. (¬3) أ، ب: مَوْلَى مَنْ وَالَاهُ. (¬4) وَيَحِلَّهَا سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) ن، م، و، أ: فَصْلٌ. (¬6) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 124 (م) 126 (م) . (¬7) أ، ب: رَجُلًا.

وَجَلَّ - مِثْلَ مَا قَامَ (¬1) نُوحٌ فِي قَوْمِهِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمُدَّ فِي عُمْرِهِ حَتَّى حَجَّ أَلْفَ عَامٍ عَلَى قَدَمَيْهِ (¬2) ، ثُمَّ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَظْلُومًا، ثُمَّ لَمْ يُوَالِكَ يَا عَلِيُّ؛ لَمْ يَشُمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا» . وَقَالَ رَجُلٌ لِسَلْمَانَ: مَا أَشَدَّ حُبَّكَ لِعَلِيٍّ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَ عَلِيًّا فَقَدْ أَبْغَضَنِي» . وَعَنْ أَنَسٍ (¬3) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَقَ اللَّهُ مِنْ نُورِ وَجْهِ عَلِيٍّ (¬4) سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَلِمُحِبِّيهِ (¬5) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا قَبِلَ اللَّهُ عَنْهُ (¬6) صَلَاتَهُ وَصِيَامَهُ وَقِيَامَهُ وَاسْتَجَابَ دُعَاءَهُ (¬7) . أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ عِرْقٍ مِنْ بَدَنِهِ (¬8) مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ. أَلَا وَمَنْ أَحَبَّ آلَ مُحَمَّدٍ أَمِنَ مِنَ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ. أَلَا وَمَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ فَأَنَا كَفِيلُهُ فِي الْجَنَّةِ (¬9) مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، أَلَا (¬10) وَمَنْ أَبْغَضَ آلَ مُحَمَّدٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: أَقَامَ. (¬2) ن، م، و، ح، ي: قَدَمِهِ. (¬3) ح، ي، ر، ب: وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. (¬4) ك: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نُورِ وَجْهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) ك: يَسْتَغْفِرُونَ لِمُحِبِّيهِ. (¬6) أ، ب: مِنْهُ. (¬7) و، ر، ي: دَعْوَاهُ. (¬8) ك: فِي بَدَنِهِ. (¬9) ك: بِالْجَنَّةِ. (¬10) أَلَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ح) ، (ي) ، (ر) .

مَكْتُوبًا (¬1) بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ (¬2) : «مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ آمَنَ بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ وَهُوَ يُبْغِضُ (¬3) عَلِيًّا فَهُوَ كَاذِبٌ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ» . وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَنَحْنُ جُلُوسٌ ذَاتَ يَوْمٍ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَزُولُ قَدَمُ (¬4) عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَسْأَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (¬5) عَنْ أَرْبَعٍ (¬6) : عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا (¬7) أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا (¬8) أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِمَّ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ (¬9) ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلِ الْبَيْتِ (¬10) . فَقَالَ لَهُ: عُمَرُ فَمَا آيَةُ حُبِّكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ (¬11) ؟ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬12) وَهُوَ إِلَى جَانِبِهِ (¬13) فَقَالَ (¬14) : إِنَّ حُبِّي مِنْ بَعْدِي حُبُّ هَذَا» . ¬

(¬1) أ، ب، ح: مَكْتُوبٌ. (¬2) ن، م، ر، ح، أ، ي: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬3) ك: مُبْغِضٌ. (¬4) أ، ب: لَا تَزُولُ قَدَمَا. (¬5) أ، ب، و، ي، ح، م، ق: حَتَّى يَسْأَلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ك: حَتَّى يَسْأَلَهُ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. (¬6) عَنْ أَرْبَعٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬7) ب: فِيمَ. (¬8) ب، و: فِيمَ. (¬9) ن، ي، ر، ح: مِمَّا اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ. (¬10) ك: أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. (¬11) ح، ر، ب، ن، م، ق، أ، ي: مِنْ بَعْدِكَ. (¬12) ك، و: عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ن، م، ق، أ: عَلِيٍّ. (¬13) م: وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى جَانِبِهِ. (¬14) فَقَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (¬1) قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَدْ سُئِلَ (¬2) : بِأَيِّ لُغَةٍ خَاطَبَكَ رَبُّكَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ؟ فَقَالَ: خَاطَبَنِي بِلُغَةِ عَلِيٍّ (¬3) ، فَأَلْهَمَنِي أَنْ قُلْتُ: يَا رَبِّ خَاطَبْتَنِي أَمْ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ (¬4) أَنَا شَيْءٌ لَسْتُ كَالْأَشْيَاءِ (¬5) ، لَا أُقَاسُ بِالنَّاسِ وَلَا أُوصَفُ بِالْأَشْيَاءِ (¬6) ، خَلَقْتُكَ مِنْ نُورِي وَخَلَقْتُ عَلِيًّا مِنْ نُورِكَ فَاطَّلَعْتُ عَلَى سَرَائِرِ قَلْبِكَ، فَلَمْ أَجِدْ إِلَى قَلْبِكَ أَحَبَّ مِنْ عَلِيٍّ (¬7) فَخَاطَبْتُكَ بِلِسَانِهِ كَيْمَا (¬8) يَطْمَئِنَّ قَلْبُكَ» . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ أَنَّ الرِّيَاضَ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرَ مِدَادٌ وَالْجِنَّ حُسَّابٌ وَالْإِنْسَ كُتَّابٌ مَا أَحْصَوْا فَضَائِلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» (¬9) . وَبِالْإِسْنَادِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْأَجْرَ عَلَى (¬10) فَضَائِلِ عَلِيٍّ لَا يُحْصَى كَثْرَةً (¬11) ، ¬

(¬1) ن، م: وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ. (¬2) ح، ب:. . . وَسَلَّمَ يَقُولُ وَقَدْ سُئِلَ. (¬3) ك،، و: عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) ك: يَا أَحْمَدُ. (¬5) م، و: لَيْسَ كَالْأَشْيَاءِ، ك: لَا كَالْأَشْيَاءِ. (¬6) عِبَارَةُ: لَا أُقَاسُ بِالنَّاسِ وَلَا أُوصَفُ بِالْأَشْيَاءِ سَقَطَتْ مِنَ الطَّبْعَةِ الْأُولَى وَلَكِنَّهَا فِي (ك) ص [0 - 9] 6. (¬7) و: عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ك: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (¬8) ك: كَمَا. (¬9) و، ك: بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ن، م: عَلِيٍّ. (¬10) ح، ب: فِي. (¬11) ك: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِأَخِي عَلِيٍّ فَضَائِلَ لَا تُحْصَى كَثْرَةً.

فَمَنْ ذَكَرَ فَضِيلَةً مِنْ فَضَائِلِهِ مُقِرًّا بِهَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَمَنْ كَتَبَ فَضِيلَةً مِنْ فَضَائِلِهِ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا بَقِيَ لِتِلْكَ الْكِتَابَةِ رَسْمٌ، وَمَنِ اسْتَمَعَ فَضِيلَةً مِنْ فَضَائِلِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ الذُّنُوبَ الَّتِي اكْتَسَبَهَا بِالِاسْتِمَاعِ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَى (¬1) كِتَابٍ مِنْ فَضَائِلِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ الذُّنُوبَ الَّتِي اكْتَسَبَهَا بِالنَّظَرِ، ثُمَّ قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (¬2) عِبَادَةٌ، وَذِكْرُهُ عِبَادَةٌ، لَا يَقْبَلُ (¬3) اللَّهُ إِيمَانَ عَبْدٍ إِلَّا بِوَلَايَتِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِهِ» . وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ (¬4) عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (¬5) : «لَمُبَارَزَةُ عَلِيٍّ (¬6) لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ (¬7) وُدٍّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا بِالسَّبِّ فَأَبَى، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (¬8) ؟ قَالَ ثَلَاثٌ قَالَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَنْ ¬

(¬1) أ، ب: فِي. (¬2) ك ص 125 (م) ، 126 (م) : عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬3) أ، ب: وَلَا يَقْبَلُ، م: فَلَا يَقْبَلُ. (¬4) بْنِ حِزَامٍ، لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) ن، م: أ، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. (¬6) أ، ب، ر، ح، ي: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، و: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ك: عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬7) عَبْدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (ح) . (¬8) ك: أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ.

أَسُبَّهُ، لَأَنْ يَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ (¬1) إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِعَلِيٍّ وَقَدْ خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ (¬2) : عَلِيٌّ تُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا تَرْضَى (¬3) أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ (¬4) لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا (¬5) يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا، فَقَالَ (¬6) : ادْعُوَا لِي (¬7) عَلِيًّا. فَأَتَاهُ بِهِ رَمَدٌ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ (¬8) وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَأُنْزِلَتْ (¬9) هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] دَعَا (¬10) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ (¬11) أَهْلِي» . وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَخْطَبَ خَوَارِزْمَ هَذَا لَهُ مُصَنَّفٌ فِي هَذَا الْبَابِ فِيهِ (¬12) مِنَ ¬

(¬1) ك: لَأَنْ يَكُونَ أَحَبُّ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ك: فَقَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ أَمَا تَرْضَى. (¬4) أ، ب: يَوْمَ خَيْبَرَ يَقُولُ. (¬5) ك: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا. (¬6) ك: قَالَ. (¬7) ك: ادْعُوَا إِلَيَّ. (¬8) أ، و، ب، ق: عَيْنِهِ. (¬9) ك: وَلَمَّا نَزَلَتْ. (¬10) م، ب: فَدَعَا، ر، ح: وَدَعَا. (¬11) ك: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ. (¬12) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْأَحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ مَا لَا يَخْفَى كَذِبُهُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ، فَضْلًا عَنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَلَا مِمَّنْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الشَّأْنِ الْبَتَّةَ (¬1) . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِمَّا يَعْلَمُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهَا مِنَ الْمَكْذُوبَاتِ. وَهَذَا الرَّجُلُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَذْكُرُ مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ، وَنَقَلُوهُ فِي الْمُعْتَمَدِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَكُتُبِهِمْ؛ فَكَيْفَ يَذْكُرُ مَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَلَمْ يُرْوَ (¬2) فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا صَحَّحَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. فَالْعَشَرَةُ الْأُوَلُ (¬3) كُلُّهَا كَذِبٌ إِلَى آخِرِ حَدِيثِ قَتْلِهِ (¬4) لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ لَمَّا أَمَرَهُ مُعَاوِيَةُ بِالسَّبِّ فَأَبَى، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ: ثَلَاثٌ قَالَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ يَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ. . . الْحَدِيثَ. فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (¬5) وَفِيهِ ثَلَاثُ فَضَائِلَ لِعَلِيٍّ لَكِنْ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْأَئِمَّةِ وَلَا مِنْ خَصَائِصِ ¬

(¬1) يَقُولُ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ ص 312: أَخْطَبُ خَوَارِزْمَ أَدِيبٌ مُتَشَيِّعٌ مِنْ تَلَامِيذِ الزَّمَخْشَرِيِّ، اسْمُهُ الْمُوَفَّقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ (484 - 568) لَهُ تَرْجَمَةٌ فِي بُغْيَةِ الْوُعَاةِ 401 وَرَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ 722 وَغَيْرِهِمَا. وَكِتَابُهُ الَّذِي كَذَبَ فِيهِ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ مَنَاقِبُ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ أَبِي الْمُؤَيَّدِ الْمُوَفَّقِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَكِّيِّ الْخَوَارِزْمِيِّ فِي: الْأَعْلَامِ 8/289 وَذَكَرَ الزِّرِكْلِيُّ أَنَّ كِتَابَهُ مَنَاقِبَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَطْبُوعٌ. (¬2) ن، م، و، ي: وَلَا يُرْوَى. (¬3) أ، ب: الْأُولَى. (¬4) ن، م، و: إِلَى قَوْلِهِ. (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/501 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ فِي مُسْلِمٍ 4/1871.

عَلِيٍّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ «وَقَدْ خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ ; فَإِنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي كُلِّ غَزَاةٍ (¬1) يَتْرُكُ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإِنَّهُ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعَهُمْ بِالنَّفِيرِ (¬2) ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا عَاصٍ أَوْ مَعْذُورٌ غَيْرُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. وَلِهَذَا كَرِهَ عَلِيٌّ الِاسْتِخْلَافَ، وَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ يَقُولُ تَتْرُكُنِي مُخَلَّفًا لَا تَسْتَصْحِبُنِي مَعَكَ؟ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ نَقْصًا (¬3) وَلَا غَضَاضَةً ; فَإِنَّ مُوسَى اسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ لِأَمَانَتِهِ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ أَنْتَ اسْتَخْلَفْتُكَ لِأَمَانَتِكَ عِنْدِي، لَكِنَّ مُوسَى اسْتَخْلَفَ نَبِيًّا وَأَنَا لَا نَبِيَّ بَعْدِي. وَهَذَا تَشْبِيهٌ فِي أَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ فَإِنَّ مُوسَى اسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْلَفَ عَلِيًّا عَلَى قَلِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَجُمْهُورُهُمُ اسْتَصْحَبَهُمْ فِي الْغَزَاةِ. وَتَشْبِيهُهُ بِهَارُونَ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْ تَشْبِيهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: هَذَا بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى، وَهَذَا بِنُوحٍ وَمُوسَى ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ أَفْضَلُ مِنْ هَارُونَ، وَكُلٌّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ شُبِّهَ بِاثْنَيْنِ لَا بِوَاحِدٍ، فَكَانَ (¬4) هَذَا التَّشْبِيهُ أَعْظَمَ مِنْ تَشْبِيهِ ¬

(¬1) ح، ب، ر: غَزْوَةٍ. (¬2) أ، ب: بِالنَّفْرِ. (¬3) ن فَقَطْ: بُغْضًا. (¬4) ن، م: وَكَانَ.

عَلِيٍّ، مَعَ أَنَّ اسْتِخْلَافَ عَلِيٍّ لَهُ فِيهِ أَشْبَاهٌ وَأَمْثَالٌ مِنَ الصِّحَابِهِ. وَهَذَا التَّشْبِيهُ لَيْسَ لِهَذَيْنَ فِيهِ شَبِيهٌ، فَلَمْ يَكُنِ الِاسْتِخْلَافُ مِنَ الْخَصَائِصِ، وَلَا التَّشْبِيهُ بِنَبِيٍّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] (¬1) قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا، فَقَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا، فَأَتَاهُ وَبِهِ رَمَدٌ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ (¬2) وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ مَا رُوِيَ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وَلَيْسَ هَذَا الْوَصْفُ مُخْتَصًّا بِالْأَئِمَّةِ وَلَا بِعَلِيٍّ ; فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُحِبُّ كُلَّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ وَكُلَّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُ وَلَا يَتَوَلَّوْنَهُ وَلَا يُحِبُّونَهُ، بَلْ قَدْ (¬3) يُكَفِّرُونَهُ أَوْ يُفَسِّقُونَهُ (¬4) كَالْخَوَارِجِ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (¬5) . لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ لَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ كَانَتْ قَبْلَ رِدَّتِهِمْ ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ تَقُولُ فِي عَلِيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يُطْلِقُ هَذَا الْمَدْحَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمُوتُ كَافِرًا (¬6) ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (و) . (¬2) ح، ي، ن، م، أ، ب: عَيْنِهِ. (¬3) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) أَوْ يُفَسِّقُونَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: فِي (أ) ، (ب) ، (م) فَقَطْ. (¬6) ن، م، و: فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يُحِبُّ وَلَا يَرْضَى عَمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمُوتُ كَافِرًا.

الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَبَعْضُ الْمَرْوَانِيَّةِ وَمَنْ كَانَ عَلَى هَوَاهُمْ، الَّذِينَ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ وَيَسُبُّونَهُ. كَذَلِكَ حَدِيثُ الْمُبَاهَلَةِ شَرَكَهُ فِيهِ فَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ (¬1) ، كَمَا شَرَكُوهُ (¬2) فِي حَدِيثِ الْكِسَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ (¬3) لَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ وَلَا بِالذُّكُورِ وَلَا بِالْأَئِمَّةِ، بَلْ يَشْرَكُهُ (¬4) فِيهِ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ، فَإِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ كَانَا صَغِيرَيْنِ عِنْدَ الْمُبَاهَلَةِ، فَإِنَّ الْمُبَاهَلَةَ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ [سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ] (¬5) ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ وَلَمْ يُكْمِلِ الْحُسَيْنُ سَبْعَ سِنِينَ، وَالْحَسَنُ أَكْبَرُ مِنْهُ بِنَحْوِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا دَعَا هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ (¬6) الْأَقْرَبِينَ: الْأَبْنَاءِ (¬7) وَالنِّسَاءِ وَالْأَنْفُسِ، فَيَدْعُو (¬8) الْوَاحِدُ مِنْ أُولَئِكَ أَبْنَاءَهُ وَنِسَاءَهُ، وَأَخَصَّ الرِّجَالِ بِهِ نَسَبًا. وَهَؤُلَاءِ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسَبًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يَدْعُوَ أَفْضَلَ أَتْبَاعِهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَدْعُوَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (¬9) أَخَصَّ النَّاسِ بِهِ، لِمَا فِي جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْخَوْفِ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَوِي (¬10) رَحِمِهِ الْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا خَصَّهُمْ فِي حَدِيثِ الْكِسَاءِ. ¬

(¬1) أ، ب: وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ. (¬2) ر، أ، ب، ح، ي: شَرَكُهُ. (¬3) ن، م، و: وَأَنَّ ذَلِكَ. . . (¬4) ح، ي، ر، م، شَرِكَهُ، أ: تَشْرَكُهُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬7) أ، ب: وَالْأَبْنَاءِ. (¬8) أ، ب: فَدَعَا. (¬9) مِنْهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬10) ر، ح، ي، ب: ذِي.

وَالدُّعَاءُ لَهُمْ وَالْمُبَاهَلَةُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعَدْلِ (¬1) ، فَأُولَئِكَ أَيْضًا يَحْتَاجُونَ أَنْ يَدْعُوا أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ نَسَبًا، وَهُمْ يَخَافُونَ عَلَيْهِمْ مَا لَا يَخَافُونَ عَلَى الْأَجَانِبِ؛ وَلِهَذَا امْتَنَعُوا عَنِ (¬2) الْمُبَاهَلَةِ، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ (¬3) عَلَى الْحَقِّ، وَأَنَّهُمْ إِذَا بَاهَلُوهُ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ بَهْلَةُ اللَّهِ (¬4) وَعَلَى الْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِمْ، بَلْ قَدْ يَحْذَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى وَلَدِهِ مَا لَا يَحْذَرُهُ (¬5) عَلَى نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا (¬6) كَانَ مَا صَحَّ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» "، وَقَوْلُهُ: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» "، وَقَوْلُهُ: " «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ (¬7) أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» " لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ، بَلْ لَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ، فَلِمَاذَا تَمَنَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعْدٍ (¬8) وَعَنْ عُمَرَ؟ . فَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي ذَلِكَ شَهَادَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ بِإِيمَانِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَإِثْبَاتًا لِمُوَالَاتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَوُجُوبَ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ. وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ كُفْرَهُ أَوْ فِسْقَهُ، كَالْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ (¬9) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) ن، م: مَبْنَاهَا عَلَى الْأَعْدَاءِ. (¬2) أ، ب: مِنْ. (¬3) أ: أَنَّهُ. (¬4) أ، ب: لَعْنَةُ اللَّهُ، وَفِي اللِّسَانِ الْبَهْلُ: اللَّعْنُ، وَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللَّهِ، وَبَهَلْتُهُ أَيْ لَعَنْتُهُ. (¬5) م، ح، ي، ر: مَا لَا يَحْذَرُ. (¬6) ن، م، ب: إِذَا. (¬7) هَؤُلَاءِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن فَقَطْ: عَنْ سَعِيدٍ. (¬9) النَّبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَسَلَّمَ - فِيهِمْ (¬1) يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (¬2) وَهَؤُلَاءِ يُكَفِّرُونَهُ وَيَسْتَحِلُّونَ قَتْلَهُ، وَلِهَذَا قَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؛ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ الْمُرَادِيُّ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ يَحْتَاجُونَ إِلَى إِثْبَاتِ إِيمَانِ عَلِيٍّ وَعَدْلِهِ وَدِينِهِ - لِلرَّدِّ عَلَى هَؤُلَاءِ - أَعْظَمَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَى مُنَاظَرَةِ الشِّيعَةِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَصْدَقُ وَأَدْيَنُ، وَالشُّبَهُ (¬3) الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِهَا أَعْظَمُ مِنَ الشُّبَهِ (¬4) الَّتِي تَحْتَجُّ بِهَا الشِّيعَةُ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُونَ فِي أَمْرِ الْمَسِيحِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إِلَى مُنَاظَرَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَيَحْتَاجُونَ أَنْ يَنْفُوا عَنْهُ مَا يَرْمِيهِ بِهِ الْيَهُودُ مِنْ أَنَّهُ كَاذِبٌ وَلَدُ زِنًا، وَإِلَى نَفْيِ مَا تَدَّعِيهِ النَّصَارَى مِنَ الْإِلَهِيَّةِ، وَجَدَلُ الْيَهُودِ أَشَدُّ مِنْ جَدَلِ النَّصَارَى، وَلَهُمْ شُبَهٌ لَا يَقْدِرُ النَّصَارَى أَنْ يُجِيبُوهُمْ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يُجِيبُهُمْ عَنْهَا الْمُسْلِمُونَ. كَمَا أَنَّ لِلنَّوَاصِبِ شُبَهًا (¬5) ¬

(¬1) فِيهِمْ: سَاقِطَةٌ م، (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ الْخَوَارِجِ فِيمَا مَضَى 1/66 وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْبُخَارِيِّ 4/200 - 201 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، مُسْلِمٍ 2/740 - 747 كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ، بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قَتْلِ الْخَوَارِجِ، وَانْظُرْ: جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 10/436 - 440 سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/336 كِتَابُ السُّنَّةِ بَابٌ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/60 - 61 الْمُقَدَّمَةَ، بَابٌ فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/65، 68، 73، 353، 354 - 355. (¬3) ح، ب: وَالشُّبْهَةُ، أ: وَالسُّنَّةُ. (¬4) ح، ب: الشُّبْهَةِ، أ: السُّنَّةِ. (¬5) ب فَقَطْ: شُبْهَةٌ.

لَا يُمْكِنُ الشِّيعَةَ أَنْ يُجِيبُوا عَنْهَا، وَإِنَّمَا يُجِيبُهُمْ عَنْهَا أَهْلُ السُّنَّةِ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُثْبِتَةُ لِإِيمَانِ عَلِيٍّ بَاطِنًا وَظَاهِرًا رَدٌّ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ، كَالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى إِيمَانِ أَهْلِ بَدْرٍ وَبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ; فَإِنَّ فِيهَا رَدًّا عَلَى مَنْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ مِنَ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ خَصَائِصِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَإِذَا شَهِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَيَّنٍ بِشَهَادَةٍ، أَوْ دَعَا لَهُ بِدُعَاءٍ؛ أَحَبَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَمِثْلُ (¬1) ذَلِكَ الدُّعَاءِ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُ بِذَلِكَ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ، وَيَدْعُو بِهِ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ وَكَانَ تَعْيِينُهُ لِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ. وَهَذَا كَالشَّهَادَةِ بِالْجَنَّةِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ (¬2) وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ (¬3) ، وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ كَانَ قَدْ شَهِدَ بِالْجَنَّةِ لِآخَرِينَ. وَالشَّهَادَةُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: أَوْ مِثْلُ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/110 كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ مَخَافَةِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 2] حَزِنَ وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ كَلَامًا، آخِرُهُ: فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/137، 145 - 146، 287. (¬3) رَوَى الْبُخَارِيُّ 5/37 - 38 كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمُسْلِمٌ 4/1930 - 1932 كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ: مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدِيثًا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِيهِ - وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ -: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ. الْحَدِيثَ. كَمَا رَوَيَا حَدِيثًا آخَرَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا قَوْمٌ - عِنْدَ مُسْلِمٍ: فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَسَأَلَهُ قَيْسٌ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوَّلَهَا لَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ عُرْوَةُ الْإِسْلَامِ، وَلَنْ تَزَالَ مُسْتَمْسِكًا بِهَا حَتَّى تَمُوتَ.

وَرَسُولِهِ لِعَبْدِ اللَّهِ حِمَارٍ الَّذِي ضُرِبَ فِي الْخَمْرِ (¬1) ، وَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ لِمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَكَشَهَادَتِهِ لِعَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ بِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهِ لِمَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «إِنِّي لَأُعْطِي رِجَالًا وَأَدَعُ رِجَالًا، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، أُعْطِي رِجَالًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ وَأَكِلُ رِجَالًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنِ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» (¬2) . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَمَّا صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ (¬3) قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ مَنْزِلَهُ، وَوَسِّعْ (¬4) مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ (¬5) ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا (¬6) كَمَا يُنَقَّى (¬7) الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ، وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» ". قَالَ عَوْفُ بْنُ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/457 - 458 (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/64 - 65 (¬3) أ، ب: الْمَيِّتِ. (¬4) ن، م: وَأَوْسِعْ. (¬5) ح، ي، و، ر: بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ. (¬6) و، ر، ح، ي: مِنَ الْخَطَايَا. (¬7) ن، م، و، ح، ي: كَمَا نَقَّيْتَ.

مَالِكٍ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا (¬1) ذَلِكَ الْمَيِّتَ (¬2) . وَهَذَا الدُّعَاءُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ الْمَيِّتِ. الْفَصْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ (¬3) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ (¬5) قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬6) يَوْمَ الشُّورَى (¬7) يَقُولُ لَهُمْ (¬8) : لَأَحْتَجَّنَّ عَلَيْكُمْ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ عَرَبِيُّكُمْ وَعَجَمِيُّكُمْ تَغْيِيرَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّهَا النَّفَرُ جَمِيعًا أَفِيكُمْ (¬9) أَحَدٌ وَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى ¬

(¬1) أَنَا: زِيَادَةٌ فِي (ي) ، (ر) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 2/662 - 663 كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/46 كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَرَدِ 4/59 - 60 كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ الدُّعَاءِ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 6/23. (¬3) ن، م، و، أ: فَصْلٌ. (¬4) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 126 (م) 130 (م) . (¬5) ن: وَايِلَةَ. (¬6) عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي (ن) ، (و) ، (ك) ، وَفِي (ر) ، (ي) ، (ق) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬7) يَوْمَ الشُّورَى: كَذَا فِي (ق) فَقَطْ، وَفِي (ك) : فِي الْبَيْتِ يَوْمَ الشُّورَى، فَسَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬8) أ، ب، ق، ر، ح، ي: وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ، و: يَقُولُ. (¬9) ك ص [0 - 9] 26 م - 127 م: هَلْ فِيكُمْ.

قَبْلِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ (¬1) بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ أَخٌ مِثْلُ أَخِي جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ عَمٌّ مِثْلُ عَمِّي حَمْزَةَ أَسَدِ اللَّهِ وَأَسَدِ رَسُولِهِ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ زَوْجَةٌ مِثْلُ زَوْجَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ سَيِّدَةِ نِسَاءِ (¬2) أَهْلِ الْجَنَّةِ غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ (¬3) سِبْطَانِ مِثْلُ سِبْطَيِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ نَاجَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ مَرَّاتٍ قَدَّمَ (¬4) بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ (¬5) صَدَقَةً غَيْرِي (¬6) ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ (¬7) مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ (¬8) ، لِيُبْلِغِ (¬9) الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» غَيْرِي؟ ¬

(¬1) أ، ب: أَنْشُدُكُمْ. (¬2) نِسَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (ق) (أ) ، (ي) . (¬3) و، أ، ب، ح، ي، ر، ق: مَنْ لَهُ. (¬4) قَدَّمَ كَذَا فِي (ب) ، وَفِي (ك) وَقَدَّمَ وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَقْدَمَ. (¬5) نَجْوَاهُ: كَذَا فِي (ب) ، (ك) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ نَجْوَايَ. (¬6) ك: مِثْلِي. (¬7) ك: فَهَذَا عَلِيٌّ. (¬8) ك: مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. (¬9) ك: وَلِيُبْلِغِ.

قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ (¬1) إِلَيْكَ وَإِلَيَّ يَأْكُلُ مَعِي مِنْ هَذَا الطَّيْرِ (¬2) فَأَتَاهُ فَأَكَلَ (¬3) مَعَهُ» غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. (* قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا (¬4) يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ إِذْ رَجَعَ غَيْرِي مُنْهَزِمًا» غَيْرِي؟ (¬5) قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا *) (¬6) . قَالَ: (¬7) فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَنِي وَكِيعَةَ (¬8) : «لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا نَفْسُهُ كَنَفْسِي، وَطَاعَتُهُ كَطَاعَتِي، وَمَعْصِيَتُهُ كَمَعْصِيَتِي (¬9) يَفْصِلُكُمْ (¬10) بِالسَّيْفِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ ¬

(¬1) ك: الْخَلْقِ. (¬2) ك: وَإِلَيَّ وَأَشَدِّهِمْ لَكَ حُبًّا وَلِي حُبًّا يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطَّائِرَ. (¬3) م: يَأْكُلُ، ك: وَأَكَلَ. (¬4) ك: الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا. (¬5) أ، ب: عَلَى يَدَيْهِ غَيْرِي، وَسَقَطَتْ غَيْرِي الثَّانِيَةُ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ مَا عَدَا (ن) ، (ق) ، (ك) ، (و) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬7) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬8) ك: لِبَنِي رَبِيعَةَ. (¬9) ك: وَطَاعَتُهُ طَاعَتِي وَمَعْصِيَتُهُ مَعْصِيَتِي. (¬10) ن، م: يُعَطِّلُكُمْ.

لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُ هَذَا، غَيْرِي» ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ «هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ (¬1) سَلَّمَ عَلَيْهِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةُ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: جِبْرَائِيلُ (¬2) وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ حَيْثُ جِئْتُ بِالْمَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْقَلِيبِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ «هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ نُودِيَ بِهِ مِنَ السَّمَاءِ لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيٌّ» غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ «هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ هَذِهِ (¬3) هِيَ الْمُوَاسَاةُ، فَقَالَ لَهُ (¬4) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ مِنِّي (¬5) وَأَنَا مِنْهُ. فَقَالَ: جِبْرِيلُ (¬6) وَأَنَا مِنْكُمَا» غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ (¬7) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ» عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرِي (¬8) ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: ¬

(¬1) أ، ر، ن، م، ب، ح: رَجُلٌ. (¬2) أ، ح، ب، ن، م، ق، و: جِبْرِيلُ ك ص 128 جِبْرَئِيلُ. (¬3) ك: جِبْرَئِيلُ يَوْمَ حُنَيْنَ هَذِهِ، ي: جِبْرَئِيلُ هَذِهِ. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) ، (و) . (¬5) أ، ب: هُوَ مِنِّي. (¬6) ي: فَقَالَ لَهُ جِبْرَئِيلُ، ك: فَقَالَ جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬8) ك: عَلَى النَّبِيِّ غَيْرِي.

فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنِّي قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ وَأَنْتَ تُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ» غَيْرِي؟ (¬1) قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ «فِيكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْخُذَ (بَرَاءَةٌ) مِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَزَلَ (¬2) فِيَّ شَيْءٌ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ (¬3) لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا عَلِيٌّ» (¬4) غَيْرِي؟ قَالُوا اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ كَافِرٌ» (¬5) غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ (¬6) أَنَّهُ «أَمَرَ بِسَدِّ أَبْوَابِكُمْ وَفَتْحِ بَابِي فَقُلْتُمْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا سَدَدْتُ أَبْوَابَكُمْ (¬7) وَلَا فَتَحْتُ بَابَهُ، بَلِ اللَّهُ سَدَّ أَبْوَابَكُمْ وَفَتَحَ بَابَهُ» ¬

(¬1) ك: وَتُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ غَيْرِي. (¬2) ن، م: هَلْ نَزَلَ. (¬3) ك: فَقَالَ إِنَّهُ. (¬4) أ، ب: إِلَّا أَهْلِي. (¬5) ن، م، ق: إِلَّا مُنَافِقٌ، و، ك: إِلَّا كَافِرًا، أ: إِلَّا كَافِرٌ مُنَافِقٌ. (¬6) ك: أَتَعْلَمُونَ. (¬7) ن، م، ر: بَابَكُمْ.

غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا (¬1) . (* قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ (¬2) «أَنَّهُ نَاجَانِي (¬3) يَوْمَ الطَّائِفِ دُونَ النَّاسِ فَأَطَالَ ذَلِكَ، فَقُلْتُمْ نَاجَاهُ دُونَنَا، فَقَالَ: مَا أَنَا انْتَجَيْتُهُ بَلِ اللَّهُ انْتَجَاهُ» ، غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ *) (¬4) . قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ وَعَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ، يَزُولُ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ كَيْفَمَا زَالَ» (¬5) قَالُوا (¬6) : اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ (¬7) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، لَنْ تَضِلُّوا مَا اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِمَا، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَقَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَاضْطَجَعَ فِي مَضْجَعِهِ غَيْرِي (¬8) ؟ ¬

(¬1) ن، م، أ، ر، ي: اللَّهُمَّ نَعَمْ. (¬2) أ، ب، ق، ح: هَلْ تَعْلَمُونَ. (¬3) ك: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَاجَانِي. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) ك ص 129 م: مَعَ الْحَقِّ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ. (¬6) ر، و، ح، ي، ب: فَقَالُوا. (¬7) ح، ب: هَلْ تَعْلَمُونَ. (¬8) ك: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حِينَ هَرَبَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: مَنْ يَفْدِينِي بِنَفْسِهِ؟ فَفَدَى لَهُ بِنَفْسِهِ وَاضْطَجَعَ فِي مَضْجَعِهِ غَيْرِي.

قَالُوا: اللَّهُمَّ (¬1) لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ (¬2) هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ بَارَزَ عَمْرَو بْنِ عَبْدِ (¬3) وُدٍّ الْعَامِرِيَّ حَيْثُ (¬4) دَعَاكُمْ إِلَى الْبِرَازِ غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ نَزَلَ فِيهِ آيَةُ التَّطْهِيرِ حَيْثُ (¬5) يَقُولُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ» (¬6) غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا سَأَلْتُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا وَسَأَلْتُ لَكَ (¬7) مِثْلَهُ» غَيْرِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ (¬8) لَا. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرٍو (¬9) الزَّاهِدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِعَلِيٍّ ¬

(¬1) اللَّهُمَّ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) ك: بِاللَّهِ رَبِّكُمْ. (¬3) عَبْدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (ي) ، (ق) . (¬4) أ، ب: حِينَ. (¬5) حَيْثُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬6) ك: أَنْتَ سَيِّدُ الْعَرَبِ الْمُؤْمِنِينَ. (¬7) ك: إِلَّا سَأَلْتُ لَكَ. (¬8) اللَّهُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) أَبُو عَمْرٍو: كَذَا فِي (أ) ، (ر) ، (ك) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ أَبُو عُمَرَ.

أَرْبَعُ خِصَالٍ لَيْسَتْ (¬1) لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرَهُ، هُوَ أَوَّلُ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) وَهُوَ الَّذِي كَانَ لِوَاؤُهُ (¬3) مَعَهُ فِي كُلِّ زَحْفٍ، وَهُوَ الَّذِي صَبَرَ مَعَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ (¬4) ، وَهُوَ الَّذِي غَسَّلَهُ وَأَدْخَلَهُ قَبْرَهُ (¬5) . وَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِقَوْمٍ (¬6) تُشَرْشَرُ أَشْدَاقُهُمْ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ (¬7) مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَقْطَعُونَ (¬8) النَّاسَ بِالْغِيبَةِ. قَالَ: وَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ وَقَدْ ضَوْضَئُوا (¬9) ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ (¬10) مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ (¬11) الْكُفَّارُ. قَالَ: ثُمَّ عَدَلْنَا عَنِ الطَّرِيقِ (¬12) ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ رَأَيْتُ عَلِيًّا يُصَلِّي، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ (¬13) هَذَا عَلِيٌّ قَدْ سَبَقَنَا. قَالَ: لَا لَيْسَ هَذَا عَلِيًّا (¬14) . قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ (¬15) قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ ¬

(¬1) ك: لَيْسَ. (¬2) ك: صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬3) م، ح، ي، ر، و: لَوَاهُ، ك: لِوَائِهِ. (¬4) ن: خَيْبَرَ، أ: فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ. (¬5) ك: وَأَدْخَلَهُ فِي قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، وَأَدْخَلَهُ فِي قَبْرِهِ. (¬6) أ: بِأَقْوَامٍ. (¬7) أ، ك: يَا جِبْرَائِيلُ. (¬8) ك ص 129 م 130 م: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ، و: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَقْطَعُونَ. (¬9) أ، ب: بِقَوْمٍ قَدْ ضَوْضَؤُا، ك: بِقَوْمٍ ضؤضؤا. (¬10) ي، ك: يَا جِبْرَئِيلُ. (¬11) هَؤُلَاءِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬12) ر: عَدَلْنَا الطَّرِيقَةَ، ك: عَدَلْنَا عَنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ. (¬13) ي: فَقُلْتُ يَا جِبْرَئِيلُ، ك: فَقُلْتُ لِجِبْرَئِيلَ: يَا جِبْرَئِيلُ. (¬14) ك: عَلِيٌّ. (¬15) أ، ب: فَمَنْ هَذَا؟

الْمُقَرَّبِينَ وَالْمَلَائِكَةَ الْكَرُوبِيِّينَ لَمَّا سَمِعَتْ فَضَائِلَ عَلِيٍّ وَخَاصَّتَهُ (¬1) وَسَمِعَتْ (¬2) قَوْلَكَ فِيهِ: أَنْتَ مِنَى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، اشْتَاقَتْ إِلَى عَلِيٍّ، فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا مَلَكًا عَلَى صُورَةِ عَلِيٍّ، فَإِذَا اشْتَاقَتْ إِلَى عَلِيٍّ (¬3) جَاءَتْ (¬4) إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ فَكَأَنَّهَا قَدْ رَأَتْ عَلِيًّا» . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ نَشِيطٌ: أَنَا الْفَتَى ابْنُ الْفَتَى أَخُو الْفَتَى» . قَالَ: فَقَوْلُهُ: أَنَا الْفَتَى، يَعْنِي (¬5) هُوَ فَتَى الْعَرَبِ (¬6) وَقَوْلُهُ ابْنُ الْفَتَى، يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ (¬7) مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 60] وَقَوْلُهُ: أَخُو الْفَتَى، يَعْنِي عَلِيًّا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ جِبْرِيلَ فِي (¬8) يَوْمِ بَدْرٍ وَقَدْ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ فَرِحٌ (¬9) وَهُوَ يَقُولُ (¬10) : «لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ» . ¬

(¬1) ك: وَمَحَاسِنَهُ. (¬2) ن، م، و، ق، ر: سَمِعَتْ. (¬3) ن، م: إِلَيْهِ. (¬4) ك: جَاءُوا. (¬5) يَعْنِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ك: الْعَرَبِ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ سَيِّدُهَا. (¬7) ك: وَإِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬8) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) وَهُوَ فَرِحٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ق) . (¬10) ك: وَقَدْ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ فَرِحٌ مَسْرُورٌ يَقُولُ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬1) قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا أَبُو ذَرٍّ، لَوْ صَمَتُّمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالْأَوْتَارِ، وَصَلَّيْتُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالْحَنَايَا، مَا نَفَعَكُمْ ذَلِكَ حَتَّى تُحِبُّوا عَلِيًّا (¬2) . وَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُهُ (¬3) عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ وَمَا ذَكَرَهُ يَوْمَ الشُّورَى، فَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬4) ، وَلَمْ يَقُلْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الشُّورَى شَيْئًا مِنْ هَذَا وَلَا مَا يُشَابِهُهُ (¬5) ، بَلْ قَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَإِنْ (¬6) بَايَعْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَتُطِيعَنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَكَذَلِكَ قَالَ لِعُثْمَانَ. وَمَكَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (¬7) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُشَاوِرُ الْمُسْلِمِينَ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬8) - وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (¬9) - عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فِي ¬

(¬1) ب: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ح: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬2) ك، و: عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، ر، ي: عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬3) و: فَيُقَالُ قَوْلُهُ. (¬4) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قِسْمًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 1/378 - 380 وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَانْظُرْ بَاقِيَ كَلَامِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ كَلَامًا مُمَاثِلًا السُّيُوطِيُّ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/361. (¬5) ن، م: وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ عَلِيٍّ يَوْمَ الشُّورَى شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَلَا مَا يُشْبِهُهُ. (¬6) أ: وَلَئِنْ. (¬7) عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ مَعَ طُولِ بَحْثِي عَنْهُ. (¬9) 15 - 18 كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ قِصَّةِ الْبَيْعَةِ، وَالْكَلَامُ التَّالِي ص 17 - 18

مَقْتَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (¬1) : اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ. قَالَ (¬2) الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. وَقَالَ (¬3) طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي [إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلَتْ أَمْرِي] (¬4) إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬5) . فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ تَبَرَّأَ (¬6) مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ. لِيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ (¬7) ؟ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُوَ (¬8) عَنْ أَفْضَلِكُمْ. قَالَا: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتُ، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عَلَيْكَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ. ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ (¬9) . ¬

(¬1) ر، و، ح، ي: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. (¬2) الْبُخَارِيُّ 5/17: فَقَالَ. (¬3) الْبُخَارِيُّ: فَقَالَ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ مَا عَدَا (ب) وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ. (¬5) الْبُخَارِيِّ: إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. (¬6) ن، ر، أ، ح، ي: يَتَبَرَّأُ. (¬7) ن، ر، ح، ي: أَفْضَلَ مَنْ فِي نَفْسِهِ، أ: أَفْضَلَ مِنْ نَفْسِهِ، و: أَفْضَلَ فِي نَفْسِهِ، م: أَفْضَلَ مَنْ هُوَ فِي نَفْسِهِ. (¬8) ن، م: عَلِيَّ لَا آلُوَ، عَلِيَّ مِنْ أَنْ لَا آلُوَ. (¬9) جَاءَ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ 2/103 كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 9/78 كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ كَيْفَ يُبَايِعُ الْإِمَامُ النَّاسَ.

وَفِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ (¬1) قَالَ الْمِسْوَرُ (¬2) : إِنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا. قَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (¬3) : لَسْتُ بِالَّذِي أَتَكَلَّمُ فِي هَذَا الْأَمْرِ (¬4) وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ (¬5) اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ مَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ [حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ ذَلِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ] (¬6) يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ (¬7) اللَّيَالِي، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا (¬8) عُثْمَانَ. قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ (¬9) مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا؛ فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ (¬10) بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ، فَشَاوَرَهُمَا (¬11) ، ثُمَّ دَعَانِي، فَقَالَ: ادْعُ لِي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ [حَتَّى إِبْهَارِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدَهُ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى ¬

(¬1) بْنِ مَخْرَمَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬2) عِبَارَةُ " قَالَ الْمِسْوَرُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي (و) : قَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ. (¬3) أ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ب، ح، ي: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ن، م، ر: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. (¬4) الْبُخَارِيُّ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ. (¬5) ن، م، أ: إِنْ شِئْتُ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (و) ، الْبُخَارِيُّ وَفِي الْبُخَارِيِّ أُولَئِكَ الرَّهْطِ. (¬7) ح، ب: فِي تِلْكَ. (¬8) ن: فِيهَا بَايَعْنَا. (¬9) ح، ب: هَجْعَةٍ. (¬10) و، ح، ي: هَذِهِ الثَّلَاثَ أ، ر، ب: فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ. (¬11) ح، أ، ب، ر: فَسَارَّهُمَا.

مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ] (¬1) حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ؛ فَلَمَّا صَلَّى النَّاسُ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ أَرْسَلَ إِلَيَّ مَنْ (¬2) كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي (¬3) قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا. فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (¬4) وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ أَنْوَاعٌ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي نَزَّهَ اللَّهُ عَلِيًّا عَنْهَا، مِثْلَ احْتِجَاجِهِ بِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَزَوْجَتِهِ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ. وَلَوْ قَالَ الْعَبَّاسُ: هَلْ فِيكُمْ مِثْلُ أَخِي حَمْزَةَ وَمِثْلُ أَوْلَادِ إِخْوَتِي (¬5) مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ؟ لَكَانَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ، بَلِ احْتِجَاجُ الْإِنْسَانِ بِبَنِي إِخْوَتِهِ أَعْظَمُ مِنِ احْتِجَاجِهِ بِعَمِّهِ. وَلَوْ قَالَ عُثْمَانُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ تَزَوَّجَ بِنْتَيْ نَبِيٍّ (¬6) ؟ لَكَانَ مَنْ جِنْسِ قَوْلِ الْقَائِلِ هَلْ فِيكُمْ مَنْ زَوْجَتُهُ كَزَوْجَتِي (¬7) ؟ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ قَدْ مَاتَتْ قَبْلَ الشُّورَى كَمَا مَاتَتْ زَوْجَتَا عُثْمَانَ، فَإِنَّهَا مَاتَتْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَأَثْبَتُّهُ مِنَ الْبُخَارِيِّ. (¬2) ب: أَرْسَلَ لِمَنْ، الْبُخَارِيُّ: فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ. (¬3) ن، م، أ: فَإِنِّي. (¬4) ح، ب: عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬5) ر، ح: إِخْوَتِي. (¬6) ن، م: بِنْتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬7) أ، ب: مِثْلَ زَوْجَتِي.

بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (¬1) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ لَهُ وَلَدٌ كَوَلَدِي (¬2) ؟ . وَفِيهِ أَكَاذِيبُ مُتَعَدِّدَةٌ، مِثْلُ قَوْلِهِ: «مَا سَأَلْتُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا وَسَأَلْتُ لَكَ مِثْلَهُ» . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا عَلِيٌّ. مِنَ الْكَذِبِ» (¬3) . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ شِعَارِ الدِّينِ (¬4) : وَقَوْلُهُ: «لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» . هُوَ شَيْءٌ جَاءَ بِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ يَثِيعَ (¬5) ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي الرِّوَايَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الرَّفْضِ. وَعَامَّةُ (¬6) مَنْ بَلَّغَ عَنْهُ غَيْرُ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُعَلِّمُ الْأَنْصَارَ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهُهُمْ فِي الدِّينِ. وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَبَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ، وَبَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إِلَى مَكَّةَ. فَأَيْنَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُبَلِّغُ عَنْهُ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ . وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ أَكَاذِيبُ: مِنْهَا قَوْلُهُ: كَانَ لِوَاؤُهُ مَعَهُ فِي كُلِّ ¬

(¬1) ح، ب: بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. (¬2) أ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَيْنِ كَوَلَدَيَّ، ب: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ وَلَدٌ كَوَلَدِي، ح: هَلْ فِيكُمْ وَلَدٌ كَوَلَدِي. (¬3) أ، ب: فَمِنَ الْكَذِبِ. (¬4) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الْخَطَّابِيِّ 1/303 وَلَمْ يَذْكُرْ سزكين فِي تَرْجَمَتِهِ لِلْخَطَّابِيِّ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 27 - 429 كِتَابَ شِعَارِ الدِّينِ، فَهُوَ مِنَ الْكُتُبِ الْمَفْقُودَةِ. (¬5) أ: زَيْدُ بْنُ بَقِيعٍ، وَذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/107 وَقَالَ: زَيْدُ بْنُ يَثِيعَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي ذَرٍّ، مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى أَبِي إِسْحَاقَ، وَسَمَّاهُ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ زَيْدَ بْنَ نُفَيْعٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (¬6) أ: وَغَايَةُ.

زَحْفٍ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ، إِذْ لِوَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَلِوَاؤُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ كَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَأَمَرَهُ (¬1) رَسُولُ اللَّهِ (¬2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَكِّزَ رَايَتَهُ بِالْحُجُونِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (¬3) : أَهَاهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُرَكِّزَ الرَّايَةَ؟ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (¬4) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " وَهُوَ الَّذِي صَبَرَ مَعَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ ". وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ «لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ (¬5) بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرِكَابِهِ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ " قَالَ: فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ فَوَاللَّهِ كَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ عَلَيَّ حِينِ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةَ (¬6) الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ، " وَنَزَلَ عَنْ بَغْلَتِهِ وَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَرَمَى بِهَا (¬7) الْقَوْمَ وَقَالَ: " انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ " قَالَ الْعَبَّاسُ: " فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا ¬

(¬1) وَأَمَرَهُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَأَمَرَ. (¬2) رَسُولُ اللَّهِ: لَيْسَتْ فِي (ح) ، (ب) . (¬3) بْنِ الْعَوَّامِ: فِي (ح) ، (س) (ر) ، (ب) فَقَطْ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ فِي الْبُخَارِيِّ 4/53 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَصُّهُ: قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَهَهُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرَكِّزَ الرَّايَةَ؟ (¬5) ن، م، و: وَهُوَ آخِذٌ. (¬6) و: عَطْفَ. (¬7) ح: بِهِ.

أَنْ رَمَاهُمْ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا، حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) . وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ: " وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ (¬2) " وَفِيهِ: " قَالَ الْعَبَّاسُ: لَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَمْ نُفَارِقْهُ " (¬3) . وَأَمَّا غُسْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِدْخَالُهُ قَبْرَهُ، فَاشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ بَيْتِهِ، ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 3/1398 - 1400 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابٌ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، الْمُسْنَدُ ط. الْمَعَارِفِ 3/208 - 210 وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ: وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ 2/10 - 61 مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 3: 327، وَزَعَمَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخْرِجَاهُ، وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ بِإِخْرَاجِ مُسْلِمٍ إِيَّاهُ. وَهَكَذَا لَا نَجِدُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَعَلَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَقْصِدُ أَنَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي الْبُخَارِيِّ؛ وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا أَيْ: مَا زِلْتُ أَرَى قُوَّتَهُمْ ضَعِيفَةً. (¬2) الْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/30 - 31 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ، وَنَصُّهُ: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً، وَإِنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ، وَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَفِرَّ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِّبْ. وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 3/1400 - 1401 الْمَوْضِعِ السَّابِقِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ 4/32 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ بَغْلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءَ 4/43 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَنْ صَفَّ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ 4/67 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَنْ قَالَ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ فُلَانٍ 5/153 كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) وَانْظُرْ: فَتْحَ الْبَارِي 8/28 - 32. (¬3) هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1398 الْمَسْنَدُ ط. الْمَعَارِفِ 3/208.

كَالْعَبَّاسِ وَأَوْلَادِهِ، وَمَوْلَاهُ شُقْرَانَ (¬1) ، وَبَعْضُ الْأَنْصَارِ، لَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ (¬2) يُبَاشِرُ الْغُسْلَ، وَالْعَبَّاسُ حَاضِرٌ لِجَلَالَةِ الْعَبَّاسِ، وَأَنَّ عَلِيًّا أَوْلَاهُمْ بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " هُوَ أَوَّلُ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ (¬3) صَلَّى " يُنَاقِضُ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَصْلٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمِعْرَاجِ وَقَوْلُهُ فِيهِ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ وَالْمَلَائِكَةَ الْكَرُوبِيِّينَ لَمَّا سَمِعَتْ فَضَائِلَ عَلِيٍّ وَخَاصَّتَهُ، وَقَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4) : " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ " اشْتَاقَتْ إِلَى عَلِيٍّ فَخَلَقَ اللَّهُ (¬5) لَهَا مَلَكًا عَلَى صُورَةِ عَلِيٍّ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا (¬6) مِنْ كَذِبِ الْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يُحْسِنُونَ أَنْ يَكْذِبُوا، فَإِنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 1] . ¬

(¬1) شُقْرَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و (¬2) أ، ب، ي: لَكِنْ كَانَ عَلِيٌّ. (¬3) وَعَجَمِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) ن، م: وَخَاصَّةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، و، ر، ح، ي: وَخَاصَّةً قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬5) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (ح) ، (ر) ، (و) ، (ي) . (¬6) و: فَيُقَالُ هَذَا.

[وَكَانَ الْإِسْرَاءُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] (¬1) . وَقَالَ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سُورَةُ النَّجْمِ] إِلَى قَوْلِهِ: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى - وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى - عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 12 - 14] إِلَى قَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 19] وَهَذَا كُلُّهُ نَزَلَ بِمَكَّةَ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ. وَقَوْلُهُ: " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ " قَالَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ آخِرُ الْغَزَوَاتِ عَامَ تِسْعٍ مِنِ الْهِجْرَةِ. فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ سَمِعُوا قَوْلَهُ: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» "؟ . ثُمَّ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُشْتَرَكٌ، فَكُلُّ الِاسْتِخْلَافَاتِ الَّتِي قَبْلَ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَبَعْدَ تَبُوكَ كَانَ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ (¬2) يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ. وَغَزْوَةُ (¬3) تَبُوكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مُطِيعٌ إِلَّا مَنْ عَذَرَهُ اللَّهُ مِمَّنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنِ الْجِهَادِ، فَكَانَ الْمُسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَقَلَّ وَأَضْعَفَ مِنَ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ أَسْفَارِهِ وَمَغَازِيهِ وَعُمَرِهِ وَحَجِّهِ، وَقَدْ سَافَرَ [النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬4) مِنَ الْمَدِينَةِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ سَفْرَةٍ، وَهُوَ يَسْتَخْلِفُ فِيهَا مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ، كَمَا اسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ (¬5) ، وَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ (¬6) ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) الْمُطِيعِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) وَغَزْوَةُ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَفِي غَزْوَةِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) انْظُرْ فِي ذَلِكَ: جَوَامِعَ السِّيرَةِ لِابْنِ حَزْمٍ، ص [0 - 9] 00 (¬6) ن، م، و: وَفِي غَزْوَةِ.

بُوَاطٍ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ (¬1) ، ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ وَخَرَجَ فِي طَلَبِ كَرْزِ بْنِ جَابِرٍ (* الْفِهْرَيِّ اسْتَخْلَفَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ (¬2) ، وَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَشْهَلِ (¬3) ، وَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ (¬4) ، وَاسْتَخْلَفَهُ فِي غَزْوَةِ قَرْقَرَةَ الْكَدْرِ (¬5) ، وَلَمَّا ذَهَبَ إِلَى بَنِي سَلِيمٍ، وَفِي غَزْوَةٍ (¬6) حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَغَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ، وَغَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ: وَاسْتَخْلَفَهُ (¬7) لَمَّا خَرَجَ فِي طَلَبِ اللَّقَاحِ الَّتِي اسْتَاقَهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَنُودِيَ ذَلِكَ (¬8) الْيَوْمَ: يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي، وَفِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَاسْتَخْلَفَهُ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَاسْتَخْلَفَ ¬

(¬1) الَّذِي فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/248 وَفِي جَوَامِعِ السِّيرَةِ ص [0 - 9] 02 أَنَّ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ بُوَاطٍ هُوَ السَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. وَلَكِنْ يَذْكُرُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 3/246 وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَقَالَ الْمَقْرِيزِيُّ فِي إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ ص 54 وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَقِيلَ: السَّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. (¬2) انْظُرْ فِي ذَلِكَ " وَهَذِهِ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى ": الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 3/247، إِمْتَاعَ الْأَسْمَاعِ ص 54، ابْنَ هِشَامٍ 2/251 (¬3) فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 3/246، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ ص 55، ابْنِ هِشَامٍ 2/248، جَوَامِعِ السِّيرَةِ، ص 102: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّ. (¬4) انْظُرْ فِي ذَلِكَ: جَوَامِعَ السِّيرَةِ ص 107، ابْنَ هِشَامٍ 2/263 - 264 (¬5) وَتُعْرَفُ بِغَزْوَةِ بَنِي سَلِيمٍ؛ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ 3/46 وَابْنُ حَزْمٍ (جَوَامِعُ السِّيرَةِ) ص 152 وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عَرْفَطَةَ الْغِفَارِيَّ أَوِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَقَالَ الْمَقْرِيزِيُّ فِي إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ ص 107: وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ. (¬6) ن، م: إِلَى بَنِي سَلِيمٍ فِي غَزْوَةِ. (¬7) ن، م، أ، ي: وَاسْتَخْلَفَ. (¬8) ح، ب: وَنُودِيَ فِي ذَلِكَ.

أَبَا لُبَابَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَغَزْوَةِ السَّوِيقِ، وَاسْتَخْلَفَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي غَزْوَةِ غَطَفَانَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ أَنْمَارٍ، وَاسْتَخْلَفَهُ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَاسْتَخْلَفَ ابْنَ رَوَاحَةَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْمَوْعِدَ، وَاسْتَخْلَفَ سِبَاعَ بْنَ عَرْفَطَةَ الْغِفَارِيَّ فِي غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَفِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَاسْتَخْلَفَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَاسْتَخْلَفَ أَبَا رَهْمٍ (¬1) فِي عُمْرَةِ (¬2) الْقَضِيَّةِ *) (¬3) ، وَكَانَتْ تِلْكَ الِاسْتِخْلَافَاتُ أَكْمَلَ مِنِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامَ تَبُوكَ، وَكُلُّهُمْ كَانُوا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ (¬4) هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِذِ الْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الِاسْتِخْلَافِ (¬5) . وَإِذَا قِيلَ: فِي تَبُوكَ كَانَ السَّفَرُ بَعِيدًا. قِيلَ: وَلَكِنْ كَانَتِ الْمَدِينَةُ وَمَا حَوْلَهَا أَمْنًا، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَدْوٌ يُخَافُ، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَسْلَمُوا، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ذَهَبَ. وَفِي غَيْرِ تَبُوكَ كَانَ الْعَدُوُّ مَوْجُودًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَخَافُ عَلَى مَنْ بِهَا، فَكَانَ خَلِيفَتُهُ يَحْتَاجُ إِلَى مَزِيدِ اجْتِهَادٍ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي تَبُوكَ (¬6) . فَصْلٌ وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ (¬7) وَهُوَ نَشِيطٌ: " أَنَا الْفَتَى ابْنُ الْفَتَى أَخُو الْفَتَى» " قَالَ: ¬

(¬1) ن، م: وَأَبَا رَهْمٍ. (¬2) ر، ح: فِي غَزْوَةِ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬4) ن، م، و: وَكُلُّهُمْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ ر، ح، ي: وَكُلُّهُمْ كَانَ. (¬5) ن: الِاسْتِخْلَافَاتِ. (¬6) ن، م، و: فِي اسْتِخْلَافِ تَبُوكَ، وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " فِي تَبُوكَ " مِنْ: (ح) ، (ي) ، (ر) . (¬7) ذَاتَ يَوْمٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) .

فَقَوْلُهُ: أَنَا الْفَتَى يَعْنِي فَتَى الْعَرَبِ، وَقَوْلُهُ: ابْنُ الْفَتَى يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِ: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 60] ، وَقَوْلُهُ أَخُو الْفَتَى يَعْنِي عَلِيًّا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ جِبْرِيلَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَقَدْ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ فَرِحٌ وَهُوَ يَقُولُ: " «لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ، وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيٌّ» ". فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ (¬1) مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ الْمَوْضُوعَةِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬2) ، وَكَذِبُهُ مَعْرُوفٌ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْإِسْنَادِ مِنْ وُجُوهٍ. مِنْهَا: أَنَّ لَفْظَ الْفَتَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلُغَةِ الْعَرَبِ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَدْحِ، كَمَا لَيْسَ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّمِّ، وَلَكِنْ بِمَنْزِلَةِ اسْمِ (¬3) الشَّابِّ وَالْكَهْلِ وَالشَّيْخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالَّذِينَ قَالُوا عَنْ إِبْرَاهِيمَ: سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ، هُمُ الْكُفَّارُ، وَلَمْ يَقْصِدُوا مَدْحَهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْفَتَى كَالشَّابِّ الْحَدَثِ (¬4) . ¬

(¬1) ن: فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ. (¬2) لَمْ أَجِدِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ، وَأَمَّا الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْهُ وَهُوَ: لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيٌّ، فَوَصَفَهُ بِالْوَضْعِ وَتَكَلَّمَ عَلَى الْكَذَّابِينَ مِنْ رُوَاتِهِ كُلٌّ مِنِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 1/381 - 382، وَالسُّيُوطِيِّ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/364 - 365 وَعْلَيِ الْقَارِئِ فِي الْأَسْرَارِ الْمَرْفُوعَةِ ص 384 - 385، وَابْنِ عِرَاقٍ الْكِنَانِيِّ، فِي تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ، 1/385 وَابْنِ الْعَجْلُونِيِّ فِي كَشْفِ الْخَفَاءِ 2/363 - 364. (¬3) اسْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬4) بَعْدَ كَلِمَةِ الْحَدَثِ يُوجَدُ سَقْطٌ طَوِيلٌ فِي (ح) ، (ي) ، (ر) يَنْتَهِي عِنْدَ عِبَارَةِ: نَفَعَهُ إِيمَانُهُ وَإِنْ أَبْغَضَهُ ص 75

وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَفْتَخِرَ بِجَدِّهِ وَابْنِ عَمِّهِ (¬1) . وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَاخِ عَلِيًّا وَلَا غَيْرَهُ، وَحَدِيثُ الْمُؤَاخَاةِ لِعَلِيٍّ وَمُؤَاخَاةِ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ. وَإِنَّمَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَمْ يُؤَاخِ بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ وَمُهَاجِرِيٍّ. وَمِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ الْمُنَادَاةَ يَوْمَ بَدْرٍ كَذِبٌ. وَمِنْهَا: أَنَّ ذَا الْفَقَارِ لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ، وَإِنَّمَا كَانَ سَيْفًا مِنْ سُيُوفِ أَبِي جَهْلٍ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ بَدْرٍ ذُو الْفَقَارِ مِنْ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ مِنْ سُيُوفِ الْكُفَّارِ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ أَهْلُ السُّنَنِ. فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَفَّلَ (¬2) سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ (¬3) يَوْمَ بَدْرٍ (¬4) . وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ كَهْلًا قَدْ تَعَدَّى سِنَّ الْفِتْيَانِ. ¬

(¬1) ب فَقَطْ: أَوِ ابْنِ عَمِّهِ. (¬2) ب فَقَطْ: نَفَلَ. (¬3) ب: سَيْفَ ذِي الْفَقَارِ، أ: سَيْف ذو الْفَقَارِ ن: سَيْفُهُ ذُو الْفَقَارِ. (¬4) الْحَدِيثَ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/60 - 61 كِتَابُ السِّيَرِ بَابُ: فِي النَّفْلِ؛ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/939 كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ السِّلَاحِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا فِي: الْمُسْنَدُ ط. الْمَعَارِفِ 4/146 - 147 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَالْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّارِيخِ 4/11 - 12 مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ بِأَطْوَلَ مِمَّا هُنَا. ذُو الْفَقَارِ بِفَتْحِ الْفَاءِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ حُفَرٌ صِغَارٌ حِسَانٌ، وَالسَّيْفُ الْمُفَقَّرُ: الَّذِي فِيهِ حُزُوزٌ مُطَمَئِنَّةٌ عَنْ مَتْنِهِ.

فَصْلٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي رَوَاهُ الرَّافِضِيُّ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَيْسَ مَرْفُوعًا (¬1) ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، مَعَ أَنَّ (¬2) نَقْلَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِيهِ (¬3) نَظَرٌ وَمَعَ هَذَا فَحُبُّ عَلِيٍّ وَاجِبٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهُ كَمَا عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّ عُثْمَانَ وَعُمَرَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَأَنْ نُحِبَّ الْأَنْصَارَ. فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» " (¬4) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» " (¬5) . فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬6) : " وَمِنْهَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْفِرْدَوْسِ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (¬7) : " «حُبُّ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " لَيْسَ مَرْفُوعًا " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) أ، ب: مَعَ أَنَّهُ. (¬3) أ، ب: وَفِيهِ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/297 (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/296 (¬6) الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 130 (م) ، 131 (م) . (¬7) ك: عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ، و: عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ.

عَلِيٍّ (¬1) حَسَنَةٌ لَا تَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ وَبُغْضُهُ سَيِّئَةٌ لَا يَنْفَعُ (¬2) مَعَهَا حَسَنَةٌ» ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ كِتَابَ الْفِرْدَوْسِ (¬3) فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَاتِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَمُصَنِّفُهُ شِيرَوَيْهِ بْنُ شَهْرَدَارَ الدَّيْلَمِيُّ (¬4) وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلَبَةِ الْحَدِيثِ وَرُوَاتِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي جَمَعَهَا وَحَذَفَ أَسَانِيدَهَا، نَقَلَهَا (¬5) مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِصَحِيحِهَا وَضَعِيفِهَا وَمَوْضُوعِهَا ; فَلِهَذَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَشْهَدُ الْمُسْلِمُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُهُ (¬6) ; فَإِنَّ حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْظَمُ مِنْ حُبِّ عَلِيٍّ، وَالسَّيِّئَاتُ تَضُرُّ مَعَ ذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حِمَارٍ (¬7) فِي ¬

(¬1) ك: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬2) ك: لَا تَنْفَعُ. (¬3) و: فَيُقَالُ أَمَّا كِتَابُ الْفِرْدَوْسِ. (¬4) أ، ن، ب، م: شَهْرَيَارُ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ شِيرَوَيْهِ بْنُ شَهْرَدَارَ بْنِ شِيرَوَيْهِ بْنِ فَنَاخْسَرُو، وُلِدَ سَنَةَ 445 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 509، مُؤَرِّخٌ وَمُحَدِّثٌ، لَهُ تَارِيخُ هَمَذَانَ وَفِرْدَوْسُ الْأَخْيَارِ وَهُوَ كِتَابٌ كَبِيرٌ فِي الْحَدِيثِ اخْتَصَرَهُ ابْنُهُ شَهْرَدَارَ، وَاخْتَصَرَ الْمُخْتَصَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، انْظُرْ تَرْجَمَةَ شِيرَوَيْهِ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/23 - 24، الْأَعْلَامِ 3/268 (¬5) نَقَلَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) أ، ب: مَا يَقُولُهُ، وَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا مَوْضُوعًا مُقَارِبًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 1 - 37 وَهُوَ: حُبُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَأْكُلُ السَّيِّئَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا السُّيُوطِيُّ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/355 (¬7) و: عَبْدَ اللَّهِ حِمَارًا. ن، م: عَبْدَ اللَّهِ حِمَارٌ.

الْخَمْرِ، وَقَالَ: " إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " (¬1) . وَكُلُّ مُؤْمِنٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَالسَّيِّئَاتُ تَضُرُّهُ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَعُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الشِّرْكَ يَضُرُّ صَاحِبَهُ وَلَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ (¬2) ، وَلَوْ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ; فَإِنَّ أَبَاهُ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يُحِبُّهُ وَقَدْ ضَرَّهُ الشِّرْكُ حَتَّى دَخَلَ النَّارَ، وَالْغَالِيَةُ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ يُحِبُّونَهُ وَهُمْ كُفَّارٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» " (¬3) . وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ سَرَقَ لَقُطِعَتْ يَدُهُ وَإِنْ كَانَ يُحِبُّ عَلِيًّا، وَلَوْ زَنَى أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ كَانَ يُحِبُّ عَلِيًّا، وَلَوْ قَتَلَ لَأُقِيدَ بِالْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ يُحِبُّ عَلِيًّا. وَحُبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ حُبِّ عَلِيٍّ، وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَفَعَلَ الْكَبَائِرَ لَضَرَّهُ ذَلِكَ مَعَ حُبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ مَعَ حُبِّ عَلِيٍّ؟ . ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/457 - 458 (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: وَلَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ. . . وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَجَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، 5/23 كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ ذِكْرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ 4/175 كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ وَنَصُّهُ فِيهِ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ. الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 8/160 كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، مُسْلِمٌ 3/1315 - 1316 كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/188 كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ فِي الْحَدِّ يُشْفَعُ فِيهِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ.

ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُحِبِّينَ لَهُ الَّذِينَ رَأَوْهُ وَقَاتَلُوا مَعَهُ أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ هُوَ دَائِمًا يَذُمُّهُمْ وَيَعِيبُهُمْ (¬1) وَيَطْعَنُ عَلَيْهِمْ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ فِعْلِهِمْ بِهِ (¬2) ، وَدَعَا اللَّهَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبْدِلَهُ بِهِمْ خَيْرًا مِنْهُمْ، وَيُبْدِلَهُمْ بِهِ شَرًّا مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا ذُنُوبُهُمْ بِتَخَاذُلِهِمْ فِي الْقِتَالِ مَعَهُ وَمَعْصِيَتِهِمْ لِأَمْرِهِ. فَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ خِيَارَ الشِّيعَةِ وَعَلِيٌّ يُبَيِّنُ أَنَّ تِلْكَ الذُّنُوبَ تَضُرُّهُمْ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا لِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْ أُولَئِكَ؟ . وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا (¬3) الْقَوْلُ كُفْرٌ ظَاهِرٌ (¬4) يُسْتَتَابُ صَاحِبُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هَذَا مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «وَبُغْضُهُ سَيِّئَةٌ لَا يَنْفَعُ مَعَهَا حَسَنَةٌ» " فَإِنَّ مَنْ أَبْغَضَهُ إِنْ كَانَ كَافِرًا فَكُفْرُهُ هُوَ الَّذِي أَشْقَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا نَفَعَهُ إِيمَانُهُ وَإِنْ أَبْغَضَهُ (¬5) . وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ (¬6) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:] (¬7) حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ يَوْمًا خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ، وَمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَقَوْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ: «أَنَا وَهَذَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» . هُمَا حَدِيثَانِ ¬

(¬1) وَيَعِيبُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) . (¬3) أ، ب: وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا. (¬4) ظَاهِرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬5) هُنَا يَنْتَهِي السَّقْطُ الطَّوِيلُ فِي (ح) ، (ر) ، (ي) . (¬6) ح، ر: وَمِنْهَا الَّذِي ذَكَرَهُ، ي: وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) ، (ي) .

مَوْضُوعَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬1) . وَعِبَادَةُ سَنَةٍ فِيهَا الْإِيمَانُ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كُلَّ يَوْمٍ وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَقُومُ مَقَامَهُ حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ شَهْرًا؛ فَضْلًا عَنْ حُبِّهِمْ يَوْمًا. وَكَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قَامَتْ بِالرُّسُلِ فَقَطْ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 165] . وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الرُّسُلِ وَالْأَئِمَّةِ أَوِ الْأَوْصِيَاءِ (¬2) أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى حُبِّ عَلِيٍّ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ النَّارَ " مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبِ (¬3) بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ (¬4) ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى حُبِّ عَلِيٍّ لَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَعْمَلُوا صَالِحًا، وَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ دَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا عَلِيًّا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ يَخْطُرْ بِقُلُوبِهِمْ لَا حُبُّهُ وَلَا بُغْضُهُ. ¬

(¬1) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ. أَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَقَدْ وَصَفَهُ بِالْوَضْعِ وَتَكَلَّمَ عَلَى رُوَاتِهِ الْوَضَّاعِينَ كُلٌّ مِنِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 1/382 - 383 وَالسُّيُوطِيِّ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ، 1/365 - 366 وَالشَّوْكَانِيِّ فِي الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ ص 373. وَلَمْ يَنْقُلِ ابْنُ تَيْمِيَةَ كَعَادَتِهِ كَلَامَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ بِنَصِّهِ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَهُ هُنَا مُبَاشَرَةً مَعَ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ؛ وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي ك ص 131 (م) ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَوْمًا خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ، وَمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِذْ أَقْبَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: أَنَا وَهَذَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ. (¬2) أَوِ الْأَوْصِيَاءِ: كَذَا فِي (أ) ، (ي) (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَالْأَوْصِيَاءِ. (¬3) و: الْمَكْذُوبَاتِ، وَهَذَا الْكَلَامُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ، ص 131 (م) بِهَذَا النَّصِّ، وَلَمْ يُفْرِدْهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ كَعَادَتِهِ مِنْ قَبْلُ. (¬4) ن، م: أَهْلِ الْعِلْمِ، و: أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 112] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ 69] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ - وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أُولَئِكَ {جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 133 - 136] (¬1) فَهَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ حُبِّ عَلِيٍّ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا - إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا - وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا - إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ 19 - 22] (¬2) إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ 35] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ حُبُّ عَلِيٍّ. وَقَدْ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَّةُ وُفُودٍ، وَآمَنُوا بِهِ، وَآمَنَ ¬

(¬1) ن، م: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) . (¬2) جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ كَامِلَةً فِي (أ) ، (ب) ، فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: (هَلُوعًا) إِلَى قَوْلِهِ: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) .

بِهِ طَوَائِفُ مِمَّنْ لَمْ يَرَهُ، وَهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا بِذِكْرِ عَلِيٍّ وَلَا عَرَفُوهُ، وَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْجَنَّةِ. وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَى دَعْوَى حُبِّهِ الشِّيعَةُ الرَّافِضَةُ (¬1) وَالنُّصَيْرِيَّةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَجُمْهُورُهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، بَلْ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ. فَصْلٌ وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْعَهْدِ الَّذِي عَهِدَهُ اللَّهُ (¬2) فِي عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ رَايَةُ الْهُدَى وَإِمَامُ الْأَوْلِيَاءِ، وَهُوَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَلْزَمَهَا لِلْمُتَّقِينَ (¬3) إِلَخْ (¬4) . ¬

(¬1) أ، ب، ت، م، و: الشِّيعَةُ وَالرَّافِضَةُ. (¬2) أ، م، ح، ب: عَهِدَ اللَّهُ. (¬3) أ، ب، م: الْمُتَّقِينَ. (¬4) نَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص 131: وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ بَيِّنْهُ لِي، فَقَالَ: اسْمَعْ، فَقُلْتُ: سَمِعْتُ، فَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا رَايَةُ الْهُدَى، وَإِمَامُ الْأَوْلِيَاءِ، وَنُورُ مَنْ أَطَاعَنِي، وَهُوَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَلْزَمْتُهَا الْمُتَّقِينَ، مَنْ أحَبَّهُ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُ أَبْغَضَنِي، فَبَشِّرْهُ بِذَلِكَ. فَجَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَشَّرْتُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَفِي قَبْضَتِهِ، فَإِنْ يُعَذِّبْنِي فَبِذُنُوبِي، وَإِنَّ يُتِمَّ لِيَ الَّذِي بَشَّرْتَنِي فَاللَّهُ أَوْلَى بِي، قَالَ: فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَجْلِ قَلْبَهُ، وَاجْعَلْ رَبِيعَهُ الْإِيمَانَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ فَعَلْتُ بِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَ إِلَيَّ أَنَّهُ سَيَخُصُّهُ مِنَ الْبَلَاءِ شَيْءٌ لَمْ يُخَصَّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ أَخِي وَصَاحِبِي، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ، إِنَّهُ مُبْتَلًى وَمُبْتَلًى بِهِ، وَرَوَى صَاحِبُ كِتَابِ حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: آمَنَ (فِي الْأَصْلِ: أُومِنَ) مَنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي بِوَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَنْ تَوَلَّاهُ فَقَدْ تَوَلَّانِي، وَمَنْ تَوَلَّانِي فَقَدْ تَوَلَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: يَا عَلِيُّ مَنْ سَبَّكَ فَقَدْ سَبَّنِي، وَمَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ، وَمَنْ سَبَّ اللَّهَ أَكَبَّهُ عَلَى مَنْخَرَيْهِ فِي النَّارِ. وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ مِنْ قِبَلِ الْمُخَالِفِينَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، لَكِنِ اقْتَصَرْنَا فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ.

فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬1) وَالْعِلْمُ. وَمُجَرَّدُ رِوَايَةِ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ وَنَحْوِهِ (¬2) لَا تُفِيدُ وَلَا تَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ ; فَإِنَّ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ قَدْ رَوَى فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً، بَلْ مَوْضُوعَةً بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ (¬3) ، وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ أَهْلِ (¬4) الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ فِيمَا يَرْوُونَهُ عَنْ شُيُوخِهِمْ، لَكِنَّ الْآفَةَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُمْ. وَهُمْ لَمْ يَكْذِبُوا فِي النَّقْلِ عَمَّنْ نَقَلُوا عَنْهُ، لَكِنْ يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْ رِجَالِ الْإِسْنَادِ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ أَوْ يَغْلَطُ، وَهُمْ يُبَلِّغُونَ عَمَّنْ حَدَّثَهُمْ مَا سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَيَرْوُونَ الْغَرَائِبَ لِتُعْرَفَ. وَعَامَّةُ الْغَرَائِبِ ضَعِيفَةٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " اتَّقُوا هَذِهِ الْغَرَائِبَ، فَإِنَّ عَامَّتَهَا ضَعِيفَةٌ ". وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ كَلِمَةُ التَّقْوَى. مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ (¬5) ، فَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ (كَلِمَةً) مِنْ جِنْسِ تَسْمِيَةِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَلِمَةَ اللَّهِ (¬6) وَالْمَسِيحُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَثَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ، خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ بِالْكَلِمَةِ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَهُوَ مَخْلُوقٌ كَمَا خُلِقَ ¬

(¬1) بِالْحَدِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬2) وَنَحْوِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ح) ، (ب) ، (ر) . (¬3) أ، ب: بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ عَنِ السُّلَمِيِّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/46 - 47. قِيلَ: كَانَ يَضَعُ الْأَحَادِيثَ لِلصُّوفِيَّةِ، وَانْظُرْ لِسَانَ الْمِيزَانِ 5/140 - 141 وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ السُّلَمِيِّ 2/465. (¬4) ح، ب: وَأَهْلِ. (¬5) ن، م: أَنَّهُ كَذِبٌ. (¬6) كَلِمَةَ اللَّهِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَلِمَةً.

سَائِرُ النَّاسِ. وَكَلِمَةُ التَّقْوَى مِثْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُصَدِّقُ الْمُؤْمِنُونَ بِمَضْمُونِهَا إِنْ كَانَتْ خَبَرًا (¬1) ، وَيُطِيعُونَهَا إِنْ كَانَتْ أَمْرًا، فَمَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. وَكَلِمَةُ التَّقْوَى اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ كَلِمَةٍ يُتَّقَى اللَّهُ فِيهَا (¬2) ، وَهُوَ الصِّدْقُ وَالْعَدْلُ. فَكُلُّ مَنْ تَحَرَّى الصِّدْقَ فِي خَبَرِهِ، وَالْعَدْلَ فِي أَمْرِهِ فَقَدْ لَزِمَ كَلِمَةَ التَّقْوَى. وَأَصْدَقُ الْكَلَامِ وَأَعْدَلُهُ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَهُوَ أَخَصُّ الْكَلِمَاتِ بِأَنَّهَا كَلِمَةُ التَّقْوَى. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَمَّارٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ كِلَاهُمَا مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ (¬3) . ¬

(¬1) أ، ن، م، و: خَيْرًا. (¬2) ح، ب، ق: بِهَا. (¬3) لَمْ أَجِدْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ.

قول الرافضي " المطاعن في الصحابة كثيرة إلا آل البيت " والرد عليه

[قول الرافضي " المطاعن في الصحابة كثيرة إلا آل البيت " والرد عليه] فَصْلٌ (¬1) . قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : وَأَمَّا الْمَطَاعِنُ فِي الْجَمَاعَةِ فَقَدْ نَقَلَ الْجُمْهُورُ مِنْهَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً (¬3) حَتَّى صَنَّفَ الْكَلْبِيُّ كِتَابًا فِي مَثَالِبِ (¬4) الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَنْقَصَةً وَاحِدَةً لِأَهْلِ الْبَيْتِ (¬5) . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: قَبْلَ (¬6) الْأَجْوِبَةُ الْمُفَصَّلَةُ عَمَّا يَذْكُرُ مِنَ الْمَطَاعِنِ أَنَّ مَا يُنْقَلُ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَثَالِبِ فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ كَذِبٌ، إِمَّا كَذِبٌ كُلُّهُ، وَإِمَّا مُحَرَّفٌ قَدْ دَخَلَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَا يُخْرِجُهُ إِلَى الذَّمِّ وَالطَّعْنِ. وَأَكْثَرُ الْمَنْقُولِ مِنَ الْمَطَاعِنِ الصَّرِيحَةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَرْوِيهَا الْكَذَّابُونَ الْمَعْرُوفُونَ بِالْكَذِبِ، مِثْلَ أَبِي مُخَنَّفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى (¬7) ، وَمِثْلُ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ الْكَذَّابِينَ. وَلِهَذَا اسْتَشْهَدَ هَذَا الرَّافِضِيُّ بِمَا صَنَّفَهُ هِشَامٌ الْكَلْبِيُّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَكْذَبِ ¬

(¬1) ي، ر: الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ فَصْلٍ مِنْ (ح) ، (أ) . (¬2) عِبَارَةُ " قَالَ الرَّافِضِي " سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ، ص 132 (م) ، وَيَسْتَغْرِقُ الرَّدُّ عَلَيْهِ حَوَالَيْ مِائَةِ صَفْحَةٍ مِنْ نُسْخَةِ (ب) 3/19 - 116 (¬3) ن، م، و: شَيْئًا كَثِيرًا. (¬4) ك: كِتَابًا كُلُّهُ فِي مَثَالِبِ. (¬5) ك: أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، و: لِأَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (¬6) و: فَيُقَالُ قِيلَ. (¬7) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/59

النَّاسِ (¬1) ؛ وَهُوَ شِيعِيٌّ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ (¬2) . وَعَنْ أَبِي مُخَنَّفٍ، وَكِلَاهُمَا مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذَا: " الْكَلْبِيُّ مَا ظَنَنْتُ (¬3) أَنَّ أَحَدًا يُحَدِّثُ عَنْهُ (¬4) ، إِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ سَمَرٍ وَشُبَهٍ (¬5) ". وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ مَتْرُوكٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: " هِشَامٌ الْكَلْبِيُّ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْأَسْمَارُ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ فِي الْمُسْنَدِ شَيْئًا، وَأَبُوهُ أَيْضًا كَذَّابٌ ". وَقَالَ زَائِدَةُ وَاللَّيْثُ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ (¬6) : هُوَ كَذَّابٌ. وَقَالَ يَحْيَى: " لَيْسَ بِشَيْءٍ (¬7) كَذَّابٌ سَاقِطٌ ". وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ (¬8) : " وُضُوحُ الْكَذِبِ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى الْإِغْرَاقِ (¬9) فِي وَصْفِهِ ". النَّوْعُ الثَّانِي: مَا هُوَ صِدْقٌ. وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَهُمْ فِيهَا مَعَاذِيرُ تُخْرِجُهَا ¬

(¬1) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ هِشَامٍ الْكَلْبِيِّ فِيمَا مَضَى 1/59 وَتَرْجَمَتُهُ عِنْدَ سزكين م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 51 - 57 وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ كُتُبِهِ الْمَوْجُودَةِ كِتَابَ مَثَالِبِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ الزِّرِكْلِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَعْلَامِ 9/87 وَبُرُوكِلْمَان فِي تَارِيخِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ 3/30 - 33 وَلَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا جَمِيعًا كِتَابَ مَثَالِبِ الْعَرَبِ، وَذَكَرَ بُرُوكِلْمَان أَنَّ الْكَلْبِيَّ تَكَلَّمَ عَلَى مَثَالِبِ الْأُمَوِيِّينَ، وَذَكَرَ خَبَرَ كِتَابَتِهِ فِي مَثَالِبِ الْأُمَوِيِّينَ الطَّبَرَيُّ فِي تَارِيخِهِ وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ الْأُسْتَاذُ أَحْمَد أَمِين فِي ضُحَى الْإِسْلَامِ 2/27 الطَّبْعَةُ الثَّالِثَةُ 1317 1952 (¬2) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ فِي الْمُنْتَقَى ص 318 - 319 (¬3) و: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا ظَنَنْتُ. (¬4) ن، م: يَرْوِي عَنْهُ. (¬5) وَشُبَهٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (أ) ، (ب) ، (ر) : وَسَنَبٍ، وَفِي (ق) ذُنُوبًا وَشُبَهٍ. (¬6) ن: سُلَيْمَانُ وَالتَّيْمِيُّ. (¬7) عِبَارَةُ " لَيْسَ بِشَيْءٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، و، ر: ابْنُ حِيَّانَ. (¬9) ن، أ: الْإِعْرَافُ، و: الِاعْتِرَافُ، ح: التَّعْرِيفُ، ق: الْإِغْرَابُ.

قاعدة جامعة " لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل

عَنْ أَنْ تَكُونَ ذُنُوبًا، وَتَجْعَلُهَا مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي إِنْ أَصَابَ الْمُجْتَهِدُ فِيهَا فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَعَامَّةُ الْمَنْقُولِ الثَّابِتِ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَمَا قُدِّرَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ ذَنْبًا مُحَقَّقًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِيمَا عُلِمَ مِنْ فَضَائِلِهِمْ وَسَوَابِقِهِمْ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ; لِأَنَّ الذَّنْبَ الْمُحَقَّقَ يَرْتَفِعُ عِقَابُهُ فِي الْآخِرَةِ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ. مِنْهَا (¬1) : التَّوْبَةُ الْمَاحِيَةُ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَئِمَّةِ الْإِمَامِيَّةِ (¬2) أَنَّهُمْ تَابُوا مِنَ الذُّنُوبِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْهُمْ. وَمِنْهَا: الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ لِلذُّنُوبِ ; فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ 3] وَمِنْهَا: الْمَصَائِبُ الْمُكَفِّرَةُ. وَمِنْهَا: دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَشَفَاعَةُ نَبِيِّهِمْ، فَمَا مِنْ سَبَبٍ يَسْقُطُ بِهِ الذَّمُّ وَالْعِقَابُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ (¬3) إِلَّا وَالصَّحَابَةُ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَهُمْ أَحَقُّ بِكُلِّ مَدْحٍ، وَنَفْيِ كُلِّ ذَمٍّ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ. [قاعدة جامعة " لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِنْسَانِ أُصُولٌ كُلِّيَّةٌ يَرُدُّ إِلَيْهَا الْجُزْئِيَّاتِ لِيَتَكَلَّمَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ] [الكلام فِي تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَتَخْطِئَتِهِمْ وَتَأْثِيمِهِمْ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ] وَنَحْنُ نَذْكُرُ قَاعِدَةً جَامِعَةً فِي هَذَا الْبَابِ لَهُمْ وَلِسَائِرِ الْأُمَّةِ فَنَقُولُ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِنْسَانِ أُصُولٌ كُلِّيَّةٌ يَرُدُّ إِلَيْهَا الْجُزْئِيَّاتِ لِيَتَكَلَّمَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، ثُمَّ يَعْرِفُ الْجُزَيْئَاتِ كَيْفَ وَقَعَتْ، وَإِلَّا فَيَبْقَى فِي كَذِبٍ وَجَهْلٍ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَجَهْلٍ وَظُلْمٍ فِي الْكُلِّيَّاتِ [فَيَتَوَلَّدُ فَسَادٌ عَظِيمٌ] (¬4) . ¬

(¬1) و: أَحَدُهَا. (¬2) و: عَنْ أَئِمَّتِهِمْ. (¬3) مِنَ الْأُمَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فَنَقُولُ: النَّاسُ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَتَخْطِئَتِهِمْ وَتَأْثِيمِهِمْ وَعَدَمِ تَأْثِيمِهِمْ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ. وَنَحْنُ نَذْكُرُ أُصُولًا جَامِعَةً نَافِعَةً. الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَعْرِفَ بِاجْتِهَادِهِ الْحَقَّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا نِزَاعٌ؟ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ فَاجْتَهَدَ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَقِّ، بَلْ قَالَ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَقَّ (¬1) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: هَلْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَاقَبَ أَمْ لَا؟ . هَذَا أَصْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا الْأَصْلِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ; كُلُّ قَوْلِ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ النُّظَّارِ. الْأَوَّلُ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَبَ عَلَى الْحَقِّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ دَلِيلًا يُعْرَفُ بِهِ، يُمْكِنُ كُلَّ مَنِ اجْتَهَدَ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ أَوْ فُرُوعِيَّةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، لَا لِعَجْزِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ: وَهُوَ قَوْلٌ (¬2) طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ. ثُمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ: أَمَّا الْمَسَائِلُ الْعِلْمِيَّةُ فَعَلَيْهَا أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ تُعْرَفُ بِهَا، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَفْرِغْ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فَيَأْثَمُ. وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْعَمَلِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَهُمْ فِيهَا مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَالْعِلْمِيَّةِ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، مَنْ خَالَفَهُ فَهُوَ آثِمٌ. وَهَؤُلَاءِ ¬

(¬1) الْحَقَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن، م: وَقَوْلُ.

الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ أَصْلِيَّةٍ وَفَرْعِيَّةٍ، وَكُلُّ مَنْ سِوَى الْمُصِيبِ فَهُوَ آثِمٌ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ، وَالْخَطَأُ وَالْإِثْمُ عِنْدَهُمْ مُتَلَازِمَانِ. وَهَذَا قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَسَائِلَ الْعَمَلِيَّةَ (¬1) إِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فَإِنَّ مَنْ خَالَفَهُ آثِمٌ مُخْطِئٌ كَالْعِلْمِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهَا حُكْمٌ فِي الْبَاطِنِ، وَحُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْأَوَّلِينَ فِي أَنَّ الْخَطَأَ وَالْإِثْمَ مُتَلَازِمَانِ (¬2) ، وَأَنَّ كُلَّ مُخْطِئٍ آثِمٌ، لَكِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، فَقَالُوا: لَيْسَ فِيهَا قَاطِعٌ. وَالظَّنُّ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَيْلِ النُّفُوسِ إِلَى شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ. فَجَعَلُوا الِاعْتِقَادَاتِ الظَّنِّيَّةَ مِنْ جِنْسِ الْإِرَادَاتِ، وَادَّعَوْا أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ [حُكْمٌ مَطْلُوبٌ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا ثَمَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ] (¬3) أَمَارَةٌ أَرْجَحُ مِنْ أَمَارَةٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ كَالْجِبَائِيِّ وَابْنِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَشْهَرُهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بَسْطًا كَثِيرًا [فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] (¬4) . ¬

(¬1) ح، م: الْعِلْمِيَّةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن، م، و: يَتَلَازَمَانِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ ن، (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، يَقُولُونَ: هَذَا الْقَوْلُ أَوَّلُهُ سَفْسَطَةٌ وَآخِرُهُ زَنْدَقَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ (¬1) الِاجْتِهَادِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فَهُوَ مُصِيبٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ (¬2) عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ الَّذِي خَفِيَ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ حُكْمَ اللَّهِ لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ أَمْثَالِهِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُخْطِئًا وَهُوَ الْمُخْطِئُ فِي الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ فَهُوَ آثِمٌ عِنْدَهُمْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إِنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُسْتَدِلَّ قَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ، وَقَدْ يَعْجِزُ (¬3) عَنْ ذَلِكَ، لَكِنْ إِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ لَا يُعَاقِبُهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرَ لِمَنْ يَشَاءُ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا، بَلْ لِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ: قَدْ عُلِمَ بِالسَّمْعِ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُهُ، سَوَاءٌ كَانَ قَدِ اجْتَهَدَ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ الْمُخْتَلِفُونَ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْفُرُوعِيَّاتِ، فَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: لَا عَذَابَ فِيهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لِأَنَّ (¬4) الشَّارِعَ عَفَا عَنِ الْخَطَأِ فِيهَا، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى ¬

(¬1) ن، م: الْفُرُوعِيَّةِ. (¬2) أ، ب: إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ. (¬3) ن، م: وَهُوَ يَعْجِزُ. (¬4) ن، م: أ،: إِنَّ.

الْمُخْطِئِ فِيهَا. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لِأَنَّ (¬1) الْخَطَأَ فِي الظَّنِّيَّاتِ مُمْتَنِعٌ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ بَعْضِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ. وَأَمَّا الْقَطْعِيَّاتُ فَأَكْثَرُهُمْ يُؤَثِّمُ الْمُخْطِئَ فِيهَا، وَيَقُولُ: إِنَّ السَّمْعَ قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤَثِّمُهُ. وَالْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ (¬2) هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَثِّمُ الْمُخْطِئَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ: لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَنْكَرَ جُمْهُورُ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا الْقَوْلَ. وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَيَقُولُ: هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ، لَا يُؤَثِّمُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا لَا فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ وَلَا فِي الْفُرُوعِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُمُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ. وَلِهَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا يَقْبَلُونَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ (¬3) ، وَيُصَحِّحُونَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُمْ. وَالْكَافِرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ. وَقَالُوا: هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ: إِنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ وَلَا يُفَسِّقُونَ وَلَا يُؤَثِّمُونَ أَحَدًا مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُخْطِئِينَ، لَا فِي مَسْأَلَةٍ عَمَلِيَّةٍ وَلَا عِلْمِيَّةٍ. قَالُوا: وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسَائِلِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ ¬

(¬1) ن، م: إِنَّ. (¬2) و: الْقَنْبُرِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/7 - 8 وَفِيهِ: مَاتَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ. (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطَّابِيَّةِ 1/62

مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ. وَانْتَقَلَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى أَقْوَامٍ تَكَلَّمُوا بِذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَلَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ هَذَا الْقَوْلِ وَلَا غَوْرَهُ. قَالُوا: وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَسَائِلِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كَمَا أَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ (¬1) فِي الْإِسْلَامِ، لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إِجْمَاعٌ، بَلْ وَلَا قَالَهَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ عَقْلًا ; فَإِنَّ الْمُفَرِّقِينَ (¬2) بَيْنَ مَا جَعَلُوهُ مَسَائِلَ أُصُولٍ وَمَسَائِلَ فُرُوعٍ لَمْ يُفَرِّقُوا (¬3) بَيْنَهُمَا بِفَرْقٍ صَحِيحٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، بَلْ ذَكَرُوا ثَلَاثَةَ فُرُوقٍ أَوْ أَرْبَعَةً كُلُّهَا بَاطِلَةٌ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَسَائِلُ الْأُصُولِ هِيَ الْعِلْمِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالِاعْتِقَادُ فَقَطْ، وَمَسَائِلُ الْفُرُوعِ هِيَ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا الْعَمَلُ. قَالُوا: وَهَذَا فَرْقٌ (¬4) بَاطِلٌ ; فَإِنَّ الْمَسَائِلَ الْعَمَلِيَّةَ فِيهَا مَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، مِثْلَ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالرِّبَا وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ. وَفِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ مَا لَا يَأْثَمُ الْمُتَنَازِعُونَ فِيهِ، كَتَنَازُعِ الصَّحَابَةِ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ النُّصُوصِ هَلْ قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا؟ وَمَا أَرَادَ بِمَعْنَاهُ؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ: هَلْ هِيَ مِنَ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ مَعَانِي الْقُرْآنِ ¬

(¬1) ح: كَمَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ، ب: كَمَا أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ، أ: كَمَا أَنَّهُ مُحْدَثَةٌ. (¬2) ن، م، ر، ح، ي: فَإِنَّ الْفَرْقَ. (¬3) و: لَمْ يُفَصِّلُوا. (¬4) ن، م: الْفَرْقُ.

وَالسُّنَّةِ: هَلْ أَرَادَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَذَا وَكَذَا؟ وَكَتَنَازُعِ النَّاسِ فِي دَقِيقِ الْكَلَامِ: كَمَسْأَلَةِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ، وَبَقَاءِ الْأَعْرَاضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; فَلَيْسَ فِي هَذَا تَكْفِيرٌ وَلَا تَفْسِيقٌ. قَالُوا: وَالْمَسَائِلُ الْعَمَلِيَّةُ فِيهَا عِلْمٌ وَعَمَلٌ؛ فَإِذَا كَانَ الْخَطَأُ مَغْفُورًا فِيهَا (¬1) ، فَالَّتِي فِيهَا عِلْمٌ بِلَا عَمَلٍ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ فِيهَا مَغْفُورًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَسَائِلُ الْأُصُولِيَّةُ هِيَ مَا كَانَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، وَالْفَرْعِيَّةُ (¬2) مَا لَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ. قَالَ أُولَئِكَ: وَهَذَا الْفَرْقُ خَطَأٌ أَيْضًا؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ عَلَيْهَا أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عِنْدَ مَنْ عَرَفَهَا، وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَفِيهَا مَا هُوَ قَطْعِيٌّ بِالْإِجْمَاعِ، كَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ، ثُمَّ لَوْ أَنْكَرَهَا الرَّجُلُ بِجَهْلٍ وَتَأْوِيلٍ لَمْ يَكْفُرْ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، كَمَا أَنَّ جَمَاعَةً اسْتَحَلُّوا شُرْبَ (¬3) الْخَمْرِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، مِنْهُمْ قُدَامَةُ، وَرَأَوْا أَنَّهَا حَلَالٌ لَهُمْ، وَلَمْ يُكَفِّرْهُمُ الصَّحَابَةُ حَتَّى بَيَّنُوا لَهُمْ خَطَأَهُمْ فَتَابُوا وَرَجَعُوا. وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَائِفَةٌ أَكَلُوا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ (¬4) لَهُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، وَلَمْ يُؤَثِّمْهُمْ (¬5) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضْلًا عَنْ تَكْفِيرِهِمْ، وَخَطَؤُهُمْ قَطْعِيٌّ. وَكَذَلِكَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَدْ قَتَلَ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ، وَكَانَ خَطَؤُهُ قَطْعِيًّا. ¬

(¬1) فِيهَا سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م، و، ي، أ: وَالْفُرُوعِيَّةُ. (¬3) شُرْبَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) أ، ر، ح، ب، ي، و: تَبَيَّنَ. (¬5) ن، م: ثُمَّ لَمْ يُؤَثِّمْهُمُ.

وَكَذَلِكَ الَّذِينَ وَجَدُوا رَجُلًا فِي غَنَمٍ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَالَهُ، كَانَ خَطَؤُهُمْ قَطْعِيًّا. وَكَذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لَمَّا قَتَلَ بَنِي جُذَيْمَةَ وَأَخَذَ (¬1) أَمْوَالَهُمْ كَانَ مُخْطِئًا قَطْعًا. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ تَيَمَّمُوا إِلَى الْآبَاطِ. وَعَمَّارُ الَّذِي تَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ لِلْجَنَابَةِ [كَمَا تَمَعَّكُ الدَّابَّةُ، بَلْ وَالَّذِينَ أَصَابَتْهُمْ جَنَابَةٌ فَلَمْ يَتَيَمَّمُوا وَلَمْ يُصَلُّوا] (¬2) كَانُوا مُخْطِئِينَ قَطْعًا. وَفِي زَمَانِنَا لَوْ أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي بَعْضِ الْأَطْرَافِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا وُجُوبَ الْحَجِّ، أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، لَمْ يُحَدُّوا عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَشَأُوا بِمَكَانِ جَهْلٍ. وَقَدْ زَنَتْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ امْرَأَةٌ فَلَمَّا أَقَرَّتْ بِهِ، قَالَ عُثْمَانُ (¬3) : إِنَّهَا لَتَسْتَهِلُّ بِهِ اسْتِهْلَالَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ (¬4) أَنَّهُ حَرَامٌ. فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِلصَّحَابَةِ أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ التَّحْرِيمَ لَمْ يَحُدُّوهَا. وَاسْتِحْلَالُ الزِّنَا خَطَأٌ قَطْعًا. وَالرَّجُلُ إِذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ، فَهُوَ مُخْطِئٌ قَطْعًا وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَمَنِ اعْتَقَدَ بَقَاءَ الْفَجْرِ فَأَكَلَ، فَهُوَ مُخْطِئٌ قَطْعًا إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْأَكْلُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَفِي الْقَضَاءِ نِزَاعٌ. وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَقَدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ، فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. ¬

(¬1) و: وَأَكَلَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬3) ن، م: قَالَ عُمَرُ. (¬4) ح، ب: مَنْ لَا يَعْلَمُ.

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ 286] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ فَعَلْتُ (¬1) . وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْخَطَأِ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ (¬2) ، بَلْ لَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ إِلَّا إِذَا كَانَ (¬3) أَخْطَأَ قَطْعًا. قَالُوا: فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُخْطِئَ فِي مَسْأَلَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَوْ ظَنِّيَّةٍ (¬4) يَأْثَمُ، فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ الْقَدِيمَ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَكَوْنُ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيَّةً أَوْ ظَنِّيَّةً هُوَ أَمْرٌ (¬5) إِضَافِيٌّ بِحَسْبِ حَالِ الْمُعْتَقِدِينَ، لَيْسَ هُوَ وَصْفًا لِلْقَوْلِ فِي نَفْسِهِ ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقْطَعُ بِأَشْيَاءَ عَلِمَهَا بِالضَّرُورَةِ أَوْ بِالنَّقْلِ الْمَعْلُومِ صِدْقُهُ عِنْدَهُ، وَغَيْرُهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ لَا قَطْعًا وَلَا ظَنًّا، وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ ذَكِيًّا قَوِيَّ الذِّهْنِ سَرِيعَ الْإِدْرَاكِ عِلْمًا وَظَنًّا (¬6) فَيَعْرِفُ مِنَ الْحَقِّ وَيَقْطَعُ بِهِ مَا لَا يَتَصَوَّرُهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ لَا عِلْمًا وَلَا ظَنًّا؛ فَالْقَطْعُ وَالظَّنُّ يَكُونُ بِحَسَبِ مَا وَصَلَ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَبِحَسَبِ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ. وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا وَهَذَا، فَكَوْنُ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيَّةً أَوْ ظَنِّيَّةً لَيْسَ هُوَ صِفَةً مُلَازِمَةً لِلْقَوْلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، حَتَّى يُقَالَ: كُلُّ مَنْ خَالَفَهُ قَدْ خَالَفَ الْقَطْعِيَّ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِحَالِ النَّاظِرِ الْمُسْتَدِلِّ الْمُعْتَقِدِ، وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ النَّاسُ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِفَرْقٍ ثَالِثٍ، وَقَالَ: الْمَسَائِلُ الْأُصُولِيَّةُ هِيَ الْمَعْلُومَةُ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/320 (¬2) ح، ب: الْقَطْعِيِّ فِي مَسْأَلَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَوْ ظَنِّيَّةٍ وَالظَّنِّيِّ. (¬3) كَانَ: زِيَادَةً فِي (أ) ، (ب) . (¬4) أَوْ ظَنِّيَّةٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) ، (ي) . (¬5) و: فَرْقٌ. (¬6) عِلْمًا وَظَنًّا: زِيَادَةٌ فِي (و) .

بِالْعَقْلِ، فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ عِلْمِيَّةٍ (¬1) اسْتَقَلَّ الْعَقْلُ بِدَرَكِهَا (¬2) ، فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي يَكْفُرُ أَوْ يَفْسُقُ مُخَالِفُهَا. وَالْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ هِيَ الْمَعْلُومَةُ بِالشَّرْعِ. قَالُوا: فَالْأَوَّلُ كَمَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ، وَالثَّانِي كَمَسَائِلِ الشَّفَاعَةِ وَخُرُوجِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ النَّارِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ بِالضِّدِّ أَوْلَى ; فَإِنَّ الْكُفْرَ وَالْفِسْقَ (¬3) أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، لَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَسْتَقِلُّ بِهَا الْعَقْلُ (¬4) . فَالْكَافِرُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَافِرًا، وَالْفَاسِقُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَاسِقًا، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَالْمُسْلِمَ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مُؤْمِنًا وَمُسْلِمًا، وَالْعَدْلُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَدْلًا، وَالْمَعْصُومُ الدَّمِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَعْصُومَ الدَّمِ، وَالسَّعِيدُ فِي الْآخِرَةِ مَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالشَّقِيُّ فِيهَا مَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ أَنَّهُ شَقِيٌّ فِيهَا، وَالْوَاجِبُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالْمُسْتَحِقُّونَ لِمِيرَاثِ الْمَيِّتِ مَنْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَارِثِينَ، وَالَّذِي يُقْتَلُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (¬5) مُبَاحَ الدَّمِ بِذَلِكَ، [وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْفَيْءِ وَالْخُمُسِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ] (¬6) ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ (* مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ ¬

(¬1) أ: عَقْلِيَّةٍ. (¬2) ن: اشْتَغَلَ الْعَقْلُ بِذِكْرِهَا، اسْتَقَلَّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِهَا. (¬3) ن: وَالْفُسُوقَ. (¬4) ن: الَّتِي يَشْتَغِلُ الْعَقْلُ بِهَا، ر، ح، ي: الَّتِي تَسْتَقِلُّ بِالْعَقْلِ، م: الَّتِي يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ. (¬5) وَرَسُولُهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَرَسُولُهُ مُسْتَحِقًّا لِلْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ *) (¬1) وَالْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ. وَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي يَسْتَقِلُّ بِهَا الْعَقْلُ فَمِثْلُ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ، مِثْلَ كَوْنِ هَذَا الْمَرَضِ يَنْفَعُ فِيهِ الدَّوَاءُ الْفُلَانِيُّ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا يُعْلَمُ (¬2) بِالتَّجْرِبَةِ وَالْقِيَاسِ وَتَقْلِيدِ الْأَطِبَّاءِ الَّذِينَ عَلِمُوا ذَلِكَ بِقِيَاسٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ. وَكَذَلِكَ مَسَائِلُ الْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا مِمَّا (¬3) يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ. وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ أَوِ اخْتِلَافِهَا، وَجَوَازِ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ وَامْتِنَاعِ بَقَائِهَا ; فَهَذِهِ وَنَحْوُهَا تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَوْنُ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا وَعَدْلًا وَفَاسِقًا هُوَ مِنَ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ لَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَيْسَ كَافِرًا، وَمَنْ خَالَفَ مَا ادَّعَى غَيْرُهُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِعَقْلِهِ كَافِرًا؟ وَهَلْ يَكْفُرُ أَحَدٌ بِالْخَطَأِ فِي مَسَائِلِ الْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَدَقِيقِ الْكَلَامِ؟ . فَإِنْ قِيلَ: هَؤُلَاءِ لَا يُكَفِّرُونَ كُلَّ مَنْ خَالَفَ مَسْأَلَةً عَقْلِيَّةً، لَكِنْ يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَ الْمَسَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُ الرَّسُولِ ; فَإِنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الرَّسُولِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا (¬4) : [عَلَى مَسَائِلَ مُعَيَّنَةٍ] (¬5) ، فَإِذَا أَخْطَأَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِصِدْقِ الرَّسُولِ فَيَكُونُ كَافِرًا. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬2) ن: يُعْرَفُ. (¬3) ن: هُوَ مِمَّا. (¬4) عَلَيْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ي) . (¬5) عَلَى مَسَائِلَ مُعَيَّنَةٍ: فِي (ح) ، (ر) ، (ي) ، (م) فَقَطْ.

قِيلَ: تَصْدِيقُ الرَّسُولِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَسَائِلَ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مَسَائِلِ النِّزَاعِ، بَلْ مَا جَعَلَهُ أَهْلُ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ أَصْلًا لِلْعِلْمِ بِصِدْقِ الرَّسُولِ، كَقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ: إِنَّهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُ الرَّسُولِ إِلَّا بِأَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ يُعْلَمَ (¬1) أَنَّ الْأَجْسَامَ مُحْدَثَةٌ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْعِلْمِ (¬2) بِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنَ الْحَوَادِثِ: إِمَّا الْأَعْرَاضُ مُطْلَقًا، وَإِمَّا الْأَكْوَانُ (¬3) ، وَإِمَّا الْحَرَكَاتُ، وَلَا يُعْلَمُ حُدُوثُهَا (¬4) حَتَّى يُعْلَمَ امْتِنَاعُ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الرَّبَّ غَنِيٌّ، وَلَا يُعْلَمَ غِنَاهُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ. وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَزْعُمُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَنَّهَا أُصُولٌ لِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِدُونِهَا، هِيَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُ إِيمَانَ النَّاسِ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا، بَلْ وَلَا دَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا، وَلَا ذُكِرَتْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا ذَكَرَهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَكِنَّ الْأُصُولَ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ (¬5) صِدْقُ الرَّسُولِ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ، كَمَا قَدْ بُيِّنَ (¬6) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا أُصُولًا زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ إِلَّا بِهَا، وَأَنَّ مَعْرِفَتَهَا شَرْطٌ فِي الْإِيمَانِ، أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ هُمْ مِنْ أَهْلِ ¬

(¬1) ح، أ، ر، ي: وَلَا نَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ نَعْلَمَ. (¬2) بِالْعِلْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م، ب: الْأَلْوَانُ. (¬4) ح: وَلَا نَعْلَمُ حَدَثَهَا. (¬5) ر، ح، ي: الَّتِي نَعْلَمُ بِهَا. (¬6) ن: تَبَيَّنَ.

الْبِدَعِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أُصُولَهُمْ بِدْعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ. لَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الْعَقْلِ، وَأَمَّا الْحُذَّاقُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ فِي الْعَقْلِ، مُبْتَدَعَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّهَا تُنَاقِضُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ فِي الْمَسَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يُقَالُ إِنَّهَا أُصُولُ الدِّينِ، كُفْرًا (¬1) ، فَهَؤُلَاءِ السَّالِكُونَ هَذِهِ الطُّرُقَ الْبَاطِلَةَ فِي الْعَقْلِ الْمُبْتَدَعَةِ فِي الشَّرْعِ هُمُ الْكُفَّارُ لَا مَنْ خَالَفَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَطَأُ فِيهَا كُفْرًا، فَلَا يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ كَافِرًا فِي حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَلَكِنْ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُمْ يَبْتَدِعُونَ أَقْوَالًا يَجْعَلُونَهَا وَاجِبَةً فِي الدِّينِ، بَلْ يَجْعَلُونَهَا مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا، وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ كَفِعْلِ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَبْتَدِعُونَ قَوْلًا وَلَا يُكَفِّرُونَ مَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُمْ مُكَفِّرًا لَهُمْ مُسْتَحِلًّا لِدِمَائِهِمْ، كَمَا لَمْ تُكَفِّرِ الصَّحَابَةُ الْخَوَارِجَ، مَعَ تَكْفِيرِهِمْ لِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَمَنْ وَالَاهُمَا، وَاسْتِحْلَالِهِمْ لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ. وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِالتَّصْوِيبِ وَالتَّخْطِئَةِ، وَالتَّأْثِيمِ وَنَفْيِهِ (¬2) ، وَالتَّكْفِيرِ وَنَفْيِهِ، لِكَوْنِهِمْ بَنَوْا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ: قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ كُلَّ مُسْتَدِلٍّ قَادِرًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيُعَذَّبُ كُلُّ مَنْ ¬

(¬1) ن: أُصُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) وَنَفْيِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

لَمْ يَعْرِفْهُ، وَقَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا، بَلِ اللَّهُ يُعَذِّبُ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ، فَيُعَذِّبُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا قَطُّ، وَيُنَعِّمُ مَنْ كَفَرَ وَفَسَقَ، وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَ الْأَطْفَالَ وَالْمَجَانِينَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَنْبًا قَطُّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجْزِمُ بِعَذَابِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ فِي الْآخِرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُهُ وَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا يَقَعُ، وَهَؤُلَاءِ يُجَوِّزُونَ أَنْ يَغْفِرَ لِأَفْسَقِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا، وَيُعَذِّبَ الرَّجُلَ الصَّالِحَ عَلَى السَّيِّئَةِ الصَّغِيرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا، بَلْ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ. وَأَصْلُ الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فِي كُلِّ حَادِثٍ يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَأُولَئِكَ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ، وَطَوَائِفُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: أَصْلُ الْإِحْدَاثِ وَالْإِبْدَاعِ كَانَ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ خَلَقَ أَسْبَابًا وَحِكَمًا عَلَّقَ الْحَوَادِثَ بِهَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقَدَرِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ الْجَبْرِيَّةُ فِي الظُّلْمِ. فَقَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ: الظُّلْمُ فِي حَقِّهِ هُوَ مَا نَعْرِفُهُ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَإِنَّهُ مُرِيدٌ لِكُلِّ مَا وَقَعَ، وَقِيلَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّهُ يُعَذِّبُ الْعَاصِيَ، كَانَ هَذَا ظُلْمًا كَظُلْمِنَا، وَسَمَّوْا أَنْفُسَهُمُ الْعَدْلِيَّةَ. وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: الظُّلْمُ فِي حَقِّهِ هُوَ مَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ، فَأَمَّا كُلُّ مَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ فَلَيْسَ بِظُلْمٍ ; فَإِنَّ الظُّلْمَ إِمَّا مُخَالَفَةُ أَمْرِ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ، وَإِمَّا التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ

إِذْنِهِ؛ فَالْإِنْسَانُ يُوصَفُ بِالظُّلْمِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ رَبِّهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ (¬1) يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَالرَّبُّ تَعَالَى لَيْسَ فَوْقَهُ آمِرٌ، وَلَا لِغَيْرِهِ مُلْكٌ، بَلْ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي مُلْكِهِ، فَكُلُّ مَا يُمْكِنُ فَلَيْسَ بِظُلْمٍ؛ بَلْ إِذَا نَعَّمَ فِرْعَوْنَ وَأَبَا جَهْلٍ وَأَمْثَالَهُمَا مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَعَصَاهُ، وَعَذَّبَ مُوسَى وَمُحَمَّدًا مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ فَهُوَ مِثْلُ الْعَكْسِ، الْجَمِيعُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ. وَلَكِنْ لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ يُنَعِّمُ الْمُطِيعِينَ وَأَنَّهُ يُعَذِّبُ الْعُصَاةَ صَارَ ذَلِكَ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ لِخَبَرِهِ الصَّادِقِ، لَا لِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ. وَالْأَعْمَالُ عَلَامَاتٌ عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، لَيْسَتْ أَسْبَابًا. فَهَذَا قَوْلُ جَهْمٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ وَافَقَهُ كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَتْبَاعِ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا جَوَّزَ هَؤُلَاءِ أَنْ يُعَذِّبَ الْعَاجِزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَلَوِ اجْتَهَدَ، فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَسْبَابٌ لِلْحَوَادِثِ وَلَا حِكَمٌ، وَلَا فِي الْأَفْعَالِ صِفَاتٌ لِأَجْلِهَا كَانَتْ مَأْمُورًا بِهَا وَمَنْهِيًّا عَنْهَا، بَلْ عِنْدَهُمْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ (لَامُ كَيْ) . وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ فَيُثْبِتُونَ لَهُ شَرِيعَةً فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى عِبَادِهِ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ فِي مَوَاضِعَ، وَذَكَرْنَا فَصْلًا فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِيمَا تَقَدَّمَ، لَمَّا تَكَلَّمْنَا عَلَى مَا نَسَبَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ إِلَى جَمِيعِ (¬2) أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ وَالتَّفْضِيلِ، بَلْ مِنَ الشِّيعَةِ مَنْ يَقُولُ بِالْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَفِي أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا وَبِهَذَا. ¬

(¬1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬2) جَمِيعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَصْوِيبِ الْمُتَنَازِعِينَ: مُصِيبِينَ أَوْ مُخْطِئِينَ، مُثَابِينَ أَوْ مُعَاقَبِينَ، مُؤْمِنِينَ أَوْ كُفَّارًا - هُوَ فَرْعٌ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا. وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنِ اجْتَهَدَ وَاسْتَدَلَّ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ إِلَّا مَنْ تَرَكَ مَأْمُورًا بِهِ (¬1) أَوْ فَعَلَ مَحْظُورًا. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ (¬2) الْفُقَهَاءِ وَالْأَئِمَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَقَوْلُ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ وَافَقُوا فِيهِ السَّلَفَ وَالْجُمْهُورَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ طَلَبَ وَاجْتَهَدَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى الشَّيْءِ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فِيهِ، بَلِ اسْتِطَاعَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ. وَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ (¬3) : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْقُدْرَةِ، وَلَمْ يَخُصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا فَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى الْكُفَّارِ حَتَّى آمَنُوا، وَلَا خَصَّ الْمُطِيعِينَ بِمَا فَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى الْعُصَاةِ حَتَّى أَطَاعُوا. وَهَذَا مِنْ أَقْوَالِ (¬4) الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمُ الَّتِي خَالَفُوا بِهَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ، وَالْعَقْلَ الصَّرِيحَ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَلِهَذَا قَالُوا: إِنْ كُلَّ مُسْتَدِلٍّ فَمَعَهُ قُدْرَةٌ تَامَّةٌ يَتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ. ¬

(¬1) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَهَذَا مِنْ قَوْلِ. (¬3) يَقُولُونَ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَجْعَلُونَ. (¬4) ن، م: مِنْ قَوْلِ

وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاسَ إِذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ الْقِبْلَةُ فِي السَّفَرِ (¬1) فَكُلُّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا، وَبَعْضُهُمْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ فَيَغْلَطُ، فَيَظُنُّ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ أَنَّهَا جِهَتُهَا، وَلَا يَكُونُ مُصِيبًا فِي ذَلِكَ. لَكِنْ هُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ إِلَيْهَا، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، فَعَجْزُهُ عَنِ الْعِلْمِ بِهَا كَعَجْزِهِ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا [كَالْمُقَيَّدِ وَالْخَائِفِ وَالْمَحْبُوسِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ التَّوَجُّهُ إِلَيْهَا] (¬2) . وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ فِي الْأَصْلِ الثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَنْ عَصَاهُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ أَوْ فِعْلِ الْمَحْظُورِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذَا وَافَقُوا الْجَمَاعَةَ، بِخِلَافِ الْجَهْمِيَّةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ قَالُوا: بَلْ يُعَذِّبُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي نَفْسِ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ الْعَقْلِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 15] وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ أَيْضًا فِي نَفْيِ الْعَذَابِ مُطْلَقًا إِلَّا بَعْدَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ التَّعْذِيبَ قَبْلَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ، فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: يُعَذِّبُ مَنْ لَمْ يَبْعَثْ إِلَيْهِ رَسُولًا لِأَنَّهُ فَعَلَ الْقَبَائِحَ الْعَقْلِيَّةَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: بَلْ يُعَذِّبُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ قَبِيحًا قَطُّ كَالْأَطْفَالِ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ أَيْضًا. قَالَ تَعَالَى: ¬

(¬1) فِي السَّفَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ 15] وَقَالَ تَعَالَى عَنِ النَّارِ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ [سُورَةُ الْمُلْكِ 8 - 9] . فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِصِيغَةِ الْعُمُومِ أَنَّهُ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمُ الْخَزَنَةُ: هَلْ جَاءَهُمْ (¬1) نَذِيرٌ فَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ قَدْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ فَلَمْ يَبْقَ فَوْجٌ يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا وَقَدْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ. وَقَالَ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [سُورَةُ ص: 85] فَقَدْ أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا مِنْ إِبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ، وَإِنَّمَا أَتْبَاعُهُ مَنْ أَطَاعَهُ، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ ذَنْبًا لَمْ يُطِعْهُ، فَلَا يَكُونُ مِمَّنْ تُمْلَأُ (¬2) بِهِ النَّارُ، وَإِذَا مُلِئَتْ بِأَتْبَاعِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ فِيهَا مَوْضِعٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يَزَالُ يُلْقَى فِي النَّارِ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ " (¬3) أَيْ تَقُولُ: حَسْبِي ¬

(¬1) ن، م: جَاءَكُمْ. (¬2) ن، ر، ح، و، ي: تَمْتَلِئُ. (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 6/138 كِتَابُ التَّفْسِيرِ (سُورَةُ ق، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وَعَنْ أَنَسٍ فِيهِ 8/134 - 135 كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ الْحَلِفِ بِعَزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَمَالِهِ، وَعَنْهُ أَيْضًا 9/116 كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ 9/134 كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ 4/2186 - 2188 كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةُ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ النَّارِ يَدْخُلُهَا الْجَبَّارُونَ، وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ط. الْمَعَارِفِ 17/13 - 14 ط. الْحَلَبِيِّ 2/507

حَسْبِي. وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ، فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنُهُمْ فُضُولَ الْجَنَّةِ.» (¬1) . هَكَذَا رُوِيَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ غَلَطٌ قَالَ فِيهِ: " «وَأَمَّا النَّارُ فَيَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ» " (¬2) وَالْبُخَارِيُّ رَوَاهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ عَلَى الصَّوَابِ لِيُبَيِّنَ غَلَطَ هَذَا الرَّاوِي، كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ غَلَطٌ فِي لَفْظٍ، ذَكَرَ أَلْفَاظَ سَائِرِ الرُّوَاةِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الصَّوَابُ، وَمَا عَلِمْتُ وَقَعَ فِيهِ غَلَطٌ إِلَّا ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفَظُهُ: (وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا) فِي الْبُخَارِيِّ 6/138 - 139 الْمَوْضِعُ السَّابِقُ ; مُسْلِمٍ 4/2186 - 2187 الْمَوْضِعُ السَّابِقُ. وَفِي مُسْلِمٍ 6/2188 عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (يَبْقَى مِنَ الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْقَى، ثُمَّ يُنْشِئُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا خَلْقًا مِمَّا يَشَاءُ) وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى جَاءَ فِيهَا: (وَلَا تَزَالُ الْجَنَّةُ تَفْضُلُ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ) وَهِيَ فِي الْبُخَارِيِّ 9/117 الْمَوْضِعُ السَّابِقُ وَفِي مُسْلِمٍ 4/2188 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ) . (¬2) لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي الْبُخَارِيِّ مَعَ طُولِ الْبَحْثِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا فِيهِ 9/134 كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ: (وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا: قَالَ: فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ فَيُلْقَوْنَ فِيهَا فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثَلَاثًا، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ وَيَرُدُّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ) وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِلْحَدِيثِ فَتْحِ الْبَارِي 13/436 - 437: وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا، وَأَمَّا النَّارُ فَيَضَعُ فِيهَا قَدَمَهُ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ خَلْقًا إِلَّا هَذَا. انْتَهَى، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ: إِنَّ هَذَا الْوَضْعَ مَقْلُوبٌ، وَجَزَمَ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّ جَهَنَّمَ تَمْتَلِئُ مِنْ إِبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ، وَكَذَا أَنْكَرَ الرِّوَايَةَ شَيْخُنَا الْبَلْقِينِيُّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) ثُمَّ قَالَ: وَحَمْلُهُ عَلَى أَحْجَارٍ تُلْقَى فِي النَّارِ أَقْرَبُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ذِي رُوحٍ يُعَذَّبُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْحَدِيثِ 11/434: جَزَمَ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي، صَوَابُهُ: (يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ) كَمَا تَقَدَّمَ بِرَقْمِ 4850 حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ق: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وَكَمَا فِي رَقْمِ 7384 حَدِيثِ أَنَسٍ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَتَبَيَّنَ مِنْهُمَا أَنَّ الرَّاوِيَ هُنَا سَبَقَ لَفْظُهُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ، وَيُسَمُّونَهُ فِي مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ الْمُنْقَلِبَ. وَوَجَدْتُ كَلَامَ ابْنِ الْقَيِّمِ الْمُشَارَ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ حَادِي الْأَرْوَاحِ إِلَى بِلَادِ الْأَفْرَاحِ ص 385 ط. الْمَدَنِيِّ 1398

وَقَدْ بَيَّنَ فِيهِ (¬1) الصَّوَابَ، بِخِلَافِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي صَحِيحِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ غَلَطٌ، أَنْكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنِ الْحُفَّاظِ عَلَى مُسْلِمٍ. وَالْبُخَارِيُّ قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ تَخْرِيجَ أَحَادِيثَ، لَكِنَّ الصَّوَابَ فِيهَا مَعَ الْبُخَارِيِّ، وَالَّذِي أُنْكِرَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ أَحَادِيثُ قَلِيلَةٌ جِدًّا، وَأَمَّا سَائِرُ مُتُونِهِمَا فَمِمَّا اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى صِحَّتِهَا وَتَصْدِيقِهَا وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ لَا يَسْتَرِيبُونَ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ - ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 130 - 131] ¬

(¬1) ر، ح: فِيهَا.

فَقَدْ خَاطَبَ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَاعْتَرَفَ الْمُخَاطَبُونَ بِأَنَّهُمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلٌ يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُنْذِرُونَهُمْ لِقَاءَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} أَيْ هَذَا بِهَذَا السَّبَبِ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ مَنْ كَانَ غَافِلًا مَا لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ، فَكَيْفَ الطِّفْلُ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ؟ . وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ تَنَزَّهَ سُبْحَانَهُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الظُّلْمُ هُوَ الْمُمْتَنِعَ لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يُهْلِكَهُمْ بِظُلْمٍ، بَلْ كَيْفَمَا أَهْلَكَهُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِظُلْمٍ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 59] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [سُورَةُ هُودٍ: 117] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [سُورَةُ طه 112] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الظُّلْمُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ، وَالْهَضْمُ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عُقُوبَتَهُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ ظُلْمًا وَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ 286] وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 164] ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ - مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [سُورَةُ ق 28 - 29] فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَدَّمَ

بِالْوَعِيدِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (¬1) ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ - وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [سُورَةُ هُودٍ: 100 - 101] فَهُوَ سُبْحَانَهُ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ظُلْمِهِمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِشِرْكِهِمْ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ تَكُونُ عُقُوبَتُهُ ظُلْمًا تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ - لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ - وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ 74 - 76] . وَهَذَا الظُّلْمُ الَّذِي نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ: إِنْ كَانَ هُوَ الْمُمْتَنِعَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا؟ وَهَلْ أَحَدٌ يَخَافُ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ؟ وَأَيُّ تَنْزِيهٍ فِي هَذَا؟ وَإِذَا قِيلَ: هُوَ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قِيلَ: هَذَا مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَأَيُّ مَدْحٍ فِي هَذَا مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ عَنِ الْعَالَمِينَ؟ (¬2) . (* فَعُلِمَ أَنَّ مِنَ الْأُمُورِ الْمُمْكِنَةِ مَا هُوَ ظُلْمٌ تَنَزَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ يُحْمَدُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ ; فَإِنَّ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ يَقَعُ بِالْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ، كَعَامَّةِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْحَمْدِ، وَالشُّكْرُ أَخَصُّ ¬

(¬1) لِلْعَبِيدِ كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (ي) : وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَهُمْ. (¬2) ح، ر: عَنِ الْعَالَمِينَ الظَّالِمِينَ و، أ: عَنِ الظَّالِمِينَ.

مِنْ ذَلِكَ، يَكُونُ عَلَى النِّعَمِ، وَالْمَدْحُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ فَإِنَّهُ تَنْزِيهٌ وَتَعْظِيمٌ، فَإِذَا سَبَّحَ بِحَمْدِهِ جَمَعَ لَهُ (¬1) بَيْنَ هَذَا وَهَذَا كَمَا قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى حَقِيقَةِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَمَعْنَى التَّسْبِيحِ بِحَمْدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ *) (¬2) . وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 26] فَالِاتِّخَاذُ فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ وَقَدْ نَزَّهَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عَنْهُ. فَعُلِمَ أَنَّ مِنَ الْأَفْعَالِ مَا نَزَّهَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عَنْهُ. وَالْجَبْرِيَّةُ (¬3) عِنْدَهُمْ لَا يُنَزَّهُ عَنْ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ. وَفِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَغَيْرُهُ (¬4) ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ. قَالَ فِيهِ: " «فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ. ثُمَّ يُقَالُ: لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا بِطَاقَةً؛ فَتُوضَعُ الْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ وَالسِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، فَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ وَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ» " (¬5) فَقَوْلُهُ: ( «لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ» ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُجَازَ بِتِلْكَ ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (م) ، (ر) ، (ح) ، (ي) . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ جَاءَ فِي (ر) ، (ح) ، (ي) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الصَّحِيحِ. (¬3) ر، ح: وَالْجَبْرِيِّينَ. (¬4) وَغَيْرُهُ: زِيَادَةٌ فِي (و) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/133 - 134 كِتَابِ الْإِيمَانِ بَابُ فِيمَنْ يَمُوتُ وَهُوَ يَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مِنْ رِوَايَتَيْنِ: رَقْمِ 2776، 2777 وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ الْأُولَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1437 كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ مَا يُرْجَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُسْنَدُ ط. الْمَعَارِفِ 11/197 - 200، 12/23 - 24 مُخْتَصَرًا، الْمُسْتَدْرَكُ لِلْحَاكِمِ 1/529 وَقَالَ الْحَاكِمُ: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ) وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ: (إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا. . الْحَدِيثَ.)

الْحَسَنَاتِ وَتُوزَنْ حَسَنَاتُهُ مَعَ سَيِّئَاتِهِ، كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا يُقَدَّسُ (¬1) اللَّهُ عَنْهُ ; فَإِنَّهُ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 49] فَهَلْ يُقَالُ: هَذَا النَّفْيُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَعَ أَحَدٍ مَا لَا يُمْكِنُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ أَوْ لَا يَظْلِمُهُمْ شَيْئًا مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، بَلْ يُحْصِيهَا كُلَّهَا وَيُثِيبُهُمْ (¬2) عَلَيْهَا؟ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُثَابُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، وَلَا يُنْقَصُ شَيْئًا مِنْهَا، وَلَا يُعَاقَبُ إِلَّا عَلَى سَيِّئَاتِهِ، وَأَنَّ عُقُوبَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَبَخْسَ حَسَنَاتِهِ ظُلْمٌ يُنَزَّهُ (¬3) الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الْقَلَمِ: 35] وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [سُورَةُ ص: 28] . وَقَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 21] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنَ الْحُكْمِ السَّيِّئِ الَّذِي يُنَزَّهُ عَنْهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ ¬

(¬1) ن، م: تَقَدَّسَ. (¬2) و: يَحْصُرُهَا كُلَّهَا وَيُثِيبُهُ. (¬3) ن، م: تَنَزَّهَ.

فَقَدَ جَوَّزَ مُنْكَرًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ; فَإِنَّ قَوْلَهُ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الْقَلَمِ: 35] اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ هَؤُلَاءِ مُنْكَرٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِاللَّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ. فَلَوْ كَانَ هَذَا وَضِدُّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءً جَازَ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا وَهَذَا. وَقَوْلُهُ: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 136] دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ سَيِّئٌ، وَالْحُكْمُ السَّيِّئُ هُوَ الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَجُوزُ، فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا. وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ، فَقَدْ نَسَبَ إِلَيْهِ الْحُكْمَ السَّيِّئَ، وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، بَلِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالتَّفْضِيلُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ هُوَ مِنَ الْعَدْلِ وَالْحُكْمِ الْحَسَنِ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ; فَإِذَا جَعَلَ النُّورَ كَالظُّلْمَةِ، [وَالْمُحْسِنَ كَالْمُسِيءِ] (¬1) ، وَالْمُسْلِمَ كَالْمُجْرِمِ كَانَ هَذَا ظُلْمًا وَحُكْمًا سَيِّئًا يُقَدَّسُ وَيُنَزَّهُ عَنْهُ (¬2) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 50] . وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ لَوْ حَكَمَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ لَكَانَ حَسَنًا، وَلَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حُكْمٌ حَسَنٌ وَحُكْمٌ غَيْرُ حَسَنٍ؛ بَلِ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ. فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ هَذَا: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا؟ فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حَسَنٌ لَا أَحْسَنَ مِنْهُ؟ وَالْحُكْمُ الَّذِي يُخَالِفُهُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: سَيِّئًا تَنَزَّهَ عَنْهُ.

سَيِّئٌ لَيْسَ بِحَسَنٍ. وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ صِفَةٌ لِحُكْمِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحُسْنُ إِلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ (¬1) الْأَمْرُ، أَوْ مَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ؛ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ، وَلَمْ يُقَسَّمَ الْحُكْمُ إِلَى حَسَنٍ وَأَحْسَنَ ; لِأَنَّ عِنْدَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ الرَّبُّ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ حَسَنٌ، فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ حُكْمٌ يُنَزَّهُ الرَّبُّ عَنْهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 124] (¬2) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَاسِبُ الرِّسَالَةَ، وَلَوْ كَانَ النَّاسُ مُسْتَوِينَ، وَالتَّخْصِيصُ بِلَا سَبَبٍ، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْعِلْمِ مَعْلُومٌ يَخْتَصُّ بِهِ مَحَلُّ الرِّسَالَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ - كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ - أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [سُورَةُ الْقَمَرِ: 41 - 43] ، وَقَالَ: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الدُّخَانِ: 37] . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانُوا كُفَّارًا وَقَدْ عَذَّبْنَاهُمْ، فَالْكُفَّارُ الَّذِينَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا لَيْسُوا خَيْرًا مِنْ أُولَئِكَ، بَلْ هُمْ مِثْلُهُمْ (¬3) اسْتَحَقُّوا مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ أُولَئِكَ، وَلَوْ كَانُوا خَيْرًا مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَحِقُّوا ذَلِكَ. فَعُلِمَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَيُفَضِّلُ صَاحِبَ الْخَيْرِ فَلَا يُسَوِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ دُونَهُ. ¬

(¬1) و: إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. (¬2) ن، م، و: رِسَالَاتِهِ. (¬3) و: بَلْ هُمْ مِنْهُمْ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 4] ، وَالِاعْتِبَارُ أَنْ يَعْبُرَ مِنْهُمْ إِلَى أَمْثَالِهِمْ، فَيَعْرِفَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ كَمَا فَعَلُوا اسْتَحَقَّ كَمَا اسْتَحَقُّوا وَلَوْ كَانَ تَعَالَى قَدْ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَقَدْ لَا يُسَوِّي، لَمْ يُمْكِنِ الِاعْتِبَارُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ (¬1) مِمَّا يُسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِبَارُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ حُكْمِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ (¬2) ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الِاعْتِبَارِ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْكَلَامِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الِاعْتِبَارِ (¬3) يَتَضَمَّنُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ الرَّبَّ يَفْعَلُ هَذَا فِي حُكْمِهِ، فَإِذَا اعْتَبَرُوا بِهَا فِي أَمْرِهِ الشَّرْعِيِّ لِدَلَالَةِ مُطْلَقِ الِاعْتِبَارِ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلَّا اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى حُكْمِهِ الْخَلْقِيِّ الْكَوْنِيِّ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهُوَ الَّذِي قُصِدَ بِالْآيَةِ فَدَلَالَتُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى؟ . فَعُلِمَ أَنَّ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي الذَّنْبِ مُتَمَاثِلَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ، ¬

(¬1) و: الْمَعْنَى. (¬2) و: الْمَعْنَى. (¬3) ح: لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ، ر: يَكُونُ الِاعْتِبَارُ.

بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَشْرَكْهُمَا فِي ذَلِكَ. وَإِذَا قِيلَ: هَذَا قَدْ عُلِمَ بِخَبَرِهِ. قِيلَ: هُوَ لَمْ يُخْبِرْ قَبْلُ بِهَذَا، بَلْ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ سِوَاهُ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ. وَأَيْضًا فَالنُّصُوصُ قَدْ أَخْبَرَتْ بِالْمِيزَانِ بِالْقِسْطِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا؛ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ إِذَا زِيدَ فِي السَّيِّئَاتِ أَوْ نَقَصَ مِنَ الْحَسَنَاتِ كَانَ ظُلْمًا يُنَزَّهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَزِنُ الْأَعْمَالَ بِالْقِسْطِ الَّذِي هُوَ الْعَدْلُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ خِلَافَ ذَلِكَ لَيْسَ قِسْطًا، بَلْ ظُلْمٌ (¬1) تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَا (¬2) عَدْلٌ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى الْمُوَازَنَةِ ; فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ التَّعْذِيبُ وَالتَّنْعِيمُ بِلَا قَانُونٍ عَدْلِيٍّ، بَلْ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ، لَمْ يُحْتَجْ إِلَى الْمُوَازَنَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 108] قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: قَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّهُ يُعَذِّبُ مَنْ عَذَّبَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ. وَقَالَ آخَرُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُمْ بِلَا جُرْمٍ، فَسَمَّى هَذَا ظُلْمًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 42] وَقَوْلِهِ: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ 233] ، وَقَوْلِهِ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} ¬

(¬1) بَلْ ظُلْمٌ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَلْ ظُلْمًا. (¬2) ح: هَذَا.

[سُورَةُ الطَّلَاقِ: 7] ، وَأَمَرَ بِتَقْوَاهُ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] ، وَقَدْ دَعَاهُ الْمُؤْمِنُونَ بِقَوْلِهِمْ: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 286] فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ (¬1) . فَدَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا مَا تَعْجِزُ عَنْهُ، خِلَافًا لِلْجَهْمِيَّةِ الْمُجَبِّرَةِ (¬2) وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ الْمُخْطِئَ وَالنَّاسِيَ، خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَالْمُجْتَهِدُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إِمَامٍ وَحَاكِمٍ وَعَالِمٍ وَنَاظِرٍ وَمُنَاظِرٍ وَمُفْتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِذَا اجْتَهَدَ وَاسْتَدَلَّ فَاتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ، كَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي كَلَّفَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّوَابِ إِذَا اتَّقَاهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ الْبَتَّةَ، خِلَافًا لِلْجَهْمِيَّةِ الْمُجَبِّرَةِ (¬3) ، وَهُوَ مُصِيبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ، لَكِنْ قَدْ يَعْلَمُ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ لَا يَعْلَمُهُ، خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَنِ اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ عَلِمَ الْحَقَّ، فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ؛ بَلْ كُلُّ مَنِ اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ اسْتَحَقَّ الثَّوَابَ. وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ مَنْ بَلَغَتْهُ (¬4) دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَارِ الْكُفْرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَآمَنَ بِهِ، وَآمَنَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَاتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ، كَمَا فَعَلَ النَّجَاشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْهِجْرَةُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/320 (¬2) و: الْجَبْرِيَّةِ. (¬3) و: الْجَبْرِيَّةِ. (¬4) مَنْ بَلَغَتْهُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَنْ بَلَغَهُ.

وَلَا الْتِزَامُ جَمِيعِ شَرَائِعِ (¬1) الْإِسْلَامِ، لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنَ الْهِجْرَةِ، وَمَمْنُوعًا مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يُعَلِّمُهُ جَمِيعَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ؛ فَهَذَا مُؤْمِنٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، كَمَا كَانَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ مَعَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَكَمَا كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، بَلْ وَكَمَا كَانَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَهْلِ مِصْرَ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا، وَلَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُمْ كُلَّ مَا يَعْرِفُهُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ. قَالَ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [سُورَةُ غَافِرٍ: 34] . وَكَذَلِكَ النَّجَاشِيُّ هُوَ وَإِنْ كَانَ مَلِكَ النَّصَارَى فَلَمْ يُطِعْهُ قَوْمُهُ فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، بَلْ إِنَّمَا دَخَلَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ. وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ (¬2) يُصَلِّي عَلَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ: خَرَجَ بِالْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّهُمْ صُفُوفًا وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَوْتِهِ يَوْمَ مَاتَ، وَقَالَ: " «إِنَّ أَخًا لَكُمْ صَالِحًا مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ مَاتَ» " (¬3) . ¬

(¬1) ن: شَعَائِرِ. (¬2) ب فَقَطْ: أَحَدٌ. (¬3) حَدِيثُ نَعْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ صَفَّ الْمُسْلِمِينَ صُفُوفًا رُوِيَ مِنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/51 كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ مَوْتِ النَّجَاشِيِّ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ. وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 2/656 - 658 كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابٌ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَانْظُرْ: مِفْتَاحَ كُنُوزِ السُّنَّةِ، (النَّجَاشِيُّ) .

وَكَثِيرٌ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَكْثَرُهَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِيهَا لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُهَاجِرْ وَلَمْ يُجَاهِدْ وَلَا حَجَّ الْبَيْتِ، بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَلَا يَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَلَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَظْهَرُ عِنْدَ قَوْمِهِ فَيُنْكِرُونَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ مُخَالَفَتُهُمْ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْقُرْآنِ. وَاللَّهُ قَدْ فَرَضَ عَلَى نَبِيِّهِ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ إِذَا جَاءَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إِلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَحَذَّرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهُ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ. وَهَذَا مِثْلُ الْحُكْمِ فِي الزِّنَا لِلْمُحْصَنِ بِحَدِّ الرَّجْمِ، وَفِي الدِّيَاتِ بِالْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ فِي الدِّمَاءِ بَيْنَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالنَّجَاشِيُّ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ الْقُرْآنِ ; فَإِنَّ قَوْمَهُ لَا يُقِرُّونَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَثِيرًا مَا يَتَوَلَّى الرَّجُلُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّتَارِ قَاضِيًا - بَلْ وَإِمَامًا - وَفِي نَفْسِهِ أُمُورٌ مِنَ الْعَدْلِ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا، فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، بَلْ هُنَاكَ مَنْ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ (¬1) ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عُودِيَ وَأُوذِيَ عَلَى بَعْضِ مَا أَقَامَهُ مِنَ الْعَدْلِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ سُمَّ عَلَى ذَلِكَ. ¬

(¬1) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (و) عَنْ ذَلِكَ.

فَالنَّجَاشِيُّ وَأَمْثَالُهُ سُعَدَاءُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَلْتَزِمُوا (¬1) مَعَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْتِزَامِهِ، بَلْ كَانُوا يَحْكُمُونَ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي يُمْكِنُهُمُ الْحُكْمُ بِهَا، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 199] . وَهَذِهِ الْآيَةُ قَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ (¬2) ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَهَذَا مُرَادُ الصَّحَابَةِ، لَكِنْ (¬3) هُوَ الْمُطَاعُ ; فَإِنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَفْظُ الْجَمْعِ لَمْ يُرَدْ بِهَا وَاحِدٌ، وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ (¬4) الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٍ مِنَ الرُّومِ كَانُوا (¬5) عَلَى دِينِ عِيسَى فَآمَنُوا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) . ¬

(¬1) و: لَمْ يَلْزَمُوا. (¬2) و: وَفِي الصَّحَابَةِ. (¬3) ب: وَلَكِنْ. (¬4) أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬5) ب: وَكَانُوا. (¬6) انْظُرْ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: الدُّرَّ الْمَنْثُورَ لِلسُّيُوطِيِّ 2/113؛ وَذَكَرَ مِنْ وُجُوهِ تَأْوِيلِ الْآيَةِ: وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ وَفِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ آمَنُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ وَصَدَّقُوا بِهِ. وَانْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ ط. الْمَعَارِفِ 7/496 - 500، زَادَ الْمَسِيرِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1/532 - 533 وَذَكَرَ الْوَجْهَ الرَّابِعَ مِنْ وُجُوهِ تَأْوِيلِ الْآيَةِ: فِي أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَثَلَاثِينَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٍ مِنَ الرُّومِ كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى فَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَهُ عَطَاءٌ. وَانْظُرْ: تَفْسِيرَ ابْنِ عَطِيَّةَ: الْمُحَرَّرُ الْوَجِيزُ فِي تَفْسِيرِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَقِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ عَطِيَّةَ الْأَنْدَلُسِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 546 هـ، تَحْقِيقُ الْمَجْلِسِ الْعِلْمِيِّ، فَاسَ الْمَغْرِبِ، 1397 1977 ص 327 - 328 وَانْظُرْ: تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ ط. الشَّعْبِ 2/168 - 169.

وَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلَاءِ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ يَهُودِيًّا، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يُقَالُ فِيهِمْ: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 199] وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهِجْرَتِهِمْ وَدُخُولِهِمْ فِي جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ الْمُجَاهِدِينَ، يُقَالُ: إِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا لَا يُقَالُ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا مُشْرِكِينَ: وَإِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ مَا بَقُوا يُسَمَّوْنَ مُشْرِكِينَ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَيْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَقَدْ آمَنُوا بِالرَّسُولِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمَقْتُولِ خَطَأً: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 92] (¬1) فَهُوَ مِنَ الْعَدُوِّ، وَلَكِنْ هُوَ كَانَ قَدْ آمَنَ وَمَا أَمْكَنَهُ الْهِجْرَةُ وَإِظْهَارُ الْإِيمَانِ وَالْتِزَامُ شَرَائِعِهِ؛ فَسَمَّاهُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ فَعَلَ مِنَ الْإِيمَانِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِمَكَّةَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَخْفُونَ ¬

(¬1) فِي (ح) ، (ب) : وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ إِلَى قَوْلِهِ: عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَهُوَ خَطَأٌ إِذْ أَنَّهُ يُخَالِفُ تَرْتِيبَ كَلِمَاتِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

بِإِيمَانِهِمْ، وَهُمْ عَاجِزُونَ عَنِ الْهِجْرَةِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا - إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا - فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} سُورَةُ النِّسَاءِ 97 - 99] فَعَذَرَ سُبْحَانَهُ الْمُسْتَضْعَفَ الْعَاجِزَ عَنِ الْهِجْرَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 75] فَأُولَئِكَ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ إِقَامَةِ دِينِهِمْ، فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُمْ مَا عَجَزُوا عَنْهُ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَنْ كَانَ مُشْرِكًا وَآمَنَ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَآمَنَ؟ . وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 92] قِيلَ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ لِبَاسُ أَهْلِ الْحَرْبِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ (¬1) فِي صَفِّهِمْ (¬2) فَيُعْذَرُ الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِ، فَتَسْقُطُ عَنْهُ الدِّيَةُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. ¬

(¬1) ر، ح، ي، و: مِثْلَ مَنْ يَكُونُ. (¬2) ن، م: فِي صِفَتِهِمْ.

وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ. لَكِنَّ هَذَا قَدْ أَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ. وَقِيلَ: إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَلَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَرْبِ دِيَتُهُ (¬1) ، بَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ. وَسَوَاءٌ عُرِفَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَقُتِلَ خَطَأً، أَوْ ظُنَّ أَنَّهُ كَافِرٌ. وَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، كَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُقَاتِلٍ وَابْنِ زَيْدٍ؛ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إِنَّهَا فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (¬2) . فَهَذَا إِنْ أَرَادَ بِهِ مَنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَعْدُودًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَهُوَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ أَرَادَ الْعُمُومَ، فَهُوَ كَالثَّانِي. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَرَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُ مَنْ أَدْخَلَ فِيهَا مِثْلَ ابْنِ سَلَامٍ وَأَمْثَالِهِ ضَعِيفٌ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِمْ: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 199] . أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ ابْنَ سَلَامٍ أَسْلَمَ فِي أَوَّلِ مَا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، وَقَالَ: " «فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَلِمْتُ (¬3) أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ» " (¬4) . ¬

(¬1) ح: دِيَةٌ، ي: الدِّيَةُ. (¬2) انْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 114 (¬3) أ، ب: عَرَفْتُ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/65 كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ بَابُ 15 وَنَصُّهُ: (لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/423 كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، 2/1083 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ، بَابُ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/340 - 341 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ اللَّيْلِ، 2/275، كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ بَابٌ فِي إِفْشَاءِ السَّلَامِ، الْمُسْنَدُ (ط. الْحَلَبِيِّ 5/451) .

وَسُورَةُ آلِ عِمْرَانَ إِنَّمَا نَزَلَ ذِكْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيهَا لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ. وَثَانِيًا: أَنَّ ابْنَ سَلَامٍ وَأَمْثَالَهُ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَذَلِكَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ. فَلَا يُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ (¬1) مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ أُجُورٌ مِثْلُ أُجُورِ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ، وَهُمْ مُلْتَزِمُونَ جَمِيعَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ؛ فَأَجْرُهُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَمْرَ هَؤُلَاءِ كَانَ ظَاهِرًا مَعْرُوفًا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَشُكُّ فِيهِمْ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْإِخْبَارِ بِهِمْ؟ . وَمَا هَذَا إِلَّا كَمَا يُقَالُ: الْإِسْلَامُ دَخَلَ فِيهِ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا وَمَنْ كَانَ كِتَابِيًّا. وَهَذَا مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِأَنَّهُ دِينٌ لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ فِيهِ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ إِمَّا مُشْرِكًا وَإِمَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِمَّا كِتَابِيًّا وَإِمَّا أُمِّيًّا، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْإِخْبَارِ بِهَذَا؟ . ¬

(¬1) ب فَقَطْ: إِنَّ.

بِخِلَافِ أَمْرِ النَّجَّاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِمَّنْ كَانُوا مُتَظَاهِرِينَ بِكَثِيرٍ مِمَّا عَلَيْهِ النَّصَارَى ; فَإِنَّ أَمْرَهُمْ قَدْ يَشْتَبِهُ، وَلِهَذَا ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ النَّجَاشِيُّ (¬1) صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَائِلٌ: نُصَلِّي عَلَى هَذَا الْعِلْجِ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ فِي أَرْضِهِ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. هَذَا مَنْقُولٌ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَاشَرُوا الصَّلَاةَ عَلَى النَّجَاشِيِّ (¬2) . وَهَذَا بِخِلَافِ ابْنِ سَلَامٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ; فَإِنَّهُ إِذَا صَلَّى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ فِيهِمْ مُنَافِقٌ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا نَزَلَ (¬3) فِي حَقِّ ابْنِ أُبَيٍّ وَأَمْثَالِهِ، وَأَنَّ مَنْ هُوَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَالنَّجَاشِيِّ. وَيُشْبِهُ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ فَقَالَ: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ - لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ - ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ - يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} ¬

(¬1) النَّجَاشِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (ح) (¬2) ن، م: الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَانْظُرِ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 112 (¬3) ر، ح، ي: كَمَا نَزَلَتْ.

[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110 - 114] . وَهَذِهِ الْآيَةُ (¬1) قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ (¬2) . وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ نَمَطِ الَّذِي قَبْلَهُ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَا بَقُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ لَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُهَاجِرُونَ الْمُجَاهِدُونَ، كَمُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ: هُوَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 28] فَهُوَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ. ¬

(¬1) الْآيَةُ: لَيْسَتْ فِي (م) ، (و) . (¬2) يَقُولُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الْمُؤْمِنُونَ الْمُصَدِّقُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَخُوهُ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَهْ وَأَخُوهُ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِمَّنْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّبَعُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ: يَعْنِي الْخَارِجُونَ عَنْ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ دِينِ الْيَهُودِ اتِّبَاعَ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالتَّصْدِيقَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ دِينِ النَّصَارَى اتِّبَاعَ مَا فِي الْإِنْجِيلِ وَالتَّصْدِيقَ بِهِ وَبِمَا فِي التَّوْرَاةِ؛ وَكِلَا الْفِرْقَتَيْنِ أَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مُكَذِّبَةٌ، فَذَلِكَ فِسْقُهُمْ وَخُرُوجُهُمْ عَنْ دِينِهِمُ الَّذِي يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِهِ، الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ. وَيَقُولُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي زَادِ الْمَسِيرِ: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ: مَنْ أَسْلَمَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ، يَعْنِي: الْكَافِرِينَ وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا.

وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] . وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] ثُمَّ قَالَ: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] ثُمَّ قَالَ: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 111] وَهَذَا عَائِدٌ إِلَيْهِمْ جَمِيعِهِمْ لَا إِلَى أَكْثَرِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 111] . وَقَدْ يُقَاتِلُونَ وَفِيهِمْ مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، يَشْهَدُ الْقِتَالَ مَعَهُمْ وَلَا يُمْكِنُهُ الْهِجْرَةُ، وَهُوَ مُكْرَهٌ عَلَى الْقِتَالِ، وَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ. كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يَغْزُو جَيْشٌ هَذَا الْبَيْتَ، فَبَيْنَمَا هُمْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ إِذْ خُسِفَ بِهِمْ ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِيهِمُ الْمُكْرَهُ؟ فَقَالَ: " يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» " (¬1) . ¬

(¬1) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 2/149 كِتَابُ الْحَجِّ بَابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ، وَجَاءَ مُطَوَّلًا عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/65 - 66 كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا ذُكِرَ مَا فِي الْأَسْوَاقِ، وَنَصُّهُ: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ؛ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ) قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) وَرَوَى النَّسَائِيُّ الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ 5/162 - 163 كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقَيْنِ وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَخَصَّصَ ابْنُ مَاجَهْ بَابًا فِي سُنَنِهِ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ 2/1350 - 1351 كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ جَيْشِ الْبَيْدَاءِ، ذَكَرَ فِيهِ الْحَدِيثَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ حَفْصَةَ وَصَفِيَّةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ، وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: لَعَلَّ فِيهِمُ الْمُكْرَهُ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ. وَالْحَدِيثُ عَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) . 6/318

وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَإِنْ قُتِلَ (¬1) وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِمَا يُحْكَمُ عَلَى الْكُفَّارِ، فَاللَّهُ يَبْعَثُهُ عَلَى نِيَّتِهِ. كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مِنَّا يُحْكَمُ لَهُمْ فِي الظَّاهِرِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ (¬2) وَيُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، فَالْجَزَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ الظَّوَاهِرِ (¬3) . وَلِهَذَا رُوِيَ «أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنْتُ مُكْرَهًا. قَالَ: " أَمَّا ظَاهِرُكَ فَكَانَ عَلَيْنَا، وَأَمَّا سَرِيرَتُكَ فَإِلَى اللَّهِ» " (¬4) . وَبِالْجُمْلَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْكُفْرِ، وَقَدْ آمَنَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنِ الْهِجْرَةِ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرَائِعِ مَا يَعْجِزُ عَنْهَا، بَلِ الْوُجُوبُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ حُكْمَهُ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ مُدَّةً لَمْ يُصَلِّ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَدَاءِ ¬

(¬1) ن، م، و، أ: قُوتِلَ. (¬2) ن: بِالظَّاهِرِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، ح: فِي الظَّاهِرِ بِالْإِسْلَامِ. (¬3) ن، م: الظَّاهِرِ. (¬4) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ أَوْرَدَ أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ ط. الْمَعَارِفِ 5/105 - 106 حَدِيثًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَاءَ فِيهِ أَنَّ أَبَا الْيُسْرِ بْنَ عَمْرٍو أَسَرَ الْعَبَّاسَ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَبَّاسُ افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ أَخِيكَ، وَقَالَ (الْعَبَّاسُ) : إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي، قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقًّا فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا،. . . الْحَدِيثَ، قَالَ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ".

الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فَشَرِبَهَا لَمْ يُحَدَّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ (¬1) . وَكَذَلِكَ لَوْ عَامَلَ بِمَا يَسْتَحِلُّهُ مِنْ رِبًا أَوْ مَيْسِرٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ: هَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ أَمْ لَا؟ كَمَا لَا يَفْسَخُهُ (¬2) لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ نِكَاحًا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ عَلَى عَادَتِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ رَأَى أَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِبَعْضِ شُرُوطِهِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ فِي عِدَّةٍ وَقَدِ انْقَضَتْ، فَهَلْ يَكُونُ هَذَا فَاسِدًا أَوْ يُقَرُّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ عَقَدَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ. وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الشَّرَائِعَ هَلْ تَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهَا؟ أَمْ لَا تَلْزَمُ أَحَدًا (¬3) إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الشَّرَائِعِ النَّاسِخَةِ وَالْمُبْتَدَأَةِ؟ هَذَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، هِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ؛ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ فِي كِتَابٍ لَهُ، وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَ الْمُفَرِّقَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغَهُ النَّاسِخُ (¬4) ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِثُبُوتِهِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَنْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِوُجُوبِهَا، أَوْ صَلَّى (¬5) فِي الْمَوْضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالنَّهْيِ، هَلْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؟ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: الصَّلَوَاتُ. (¬2) ب فَقَطْ: نَفْسَخُهُ. (¬3) أَحَدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬4) ح، ر: حَتَّى يَبْلُغَهُ النَّسْخُ. (¬5) ن، م: وَصَلَّى.

فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْضِي مَا لَمْ يَعْلَمْ وَجُوبَهُ (¬1) . فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ الْحَبْلُ (¬2) الْأَبْيَضُ مِنَ الْأَسْوَدِ (¬3) ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ (¬4) . وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَمْكُثُ جُنُبًا مُدَّةً لَا يُصَلِّي، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ جَوَازَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ، كَأَبِي ذَرٍّ، وَكَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَمَّارٍ ¬

(¬1) ن، م: مَا لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهِ. (¬2) أ، ب، م: الْخَيْطُ. (¬3) أ، ب، م: مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 6/26 كِتَابُ التَّفْسِيرِ بَابُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) مُسْلِمٌ 2/766 - 767 كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّوْمِ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَنَصُّ الْحَدِيثِ عَنْ عَدِيٍّ فِي مُسْلِمٍ: قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 187] قَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ: عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ، أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ، إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/408 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ وَقْتِ السُّحُورِ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/5 - 6 (كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ مَتَى يُمْسِكُ الْمُتَسَحِّرُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) .

لَمَّا أَجْنَبَا، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْقَضَاءِ (¬1) . وَلَا شَكَّ أَنَّ خَلْقًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ وَالْبَوَادِي صَارُوا يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى بَلَغَهُمُ النَّسْخُ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَهَذَا يُطَابِقُ الْأَصْلَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْجُمْهُورُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. فَالْوُجُوبُ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ؛ وَالْعُقُوبَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ مَأْمُورٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ. ¬

(¬1) ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 5/153 - 155 حَدِيثًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِيهِ: فَكَانَتْ تُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ، فَأَمْكُثُ الْخَمْسَ وَالسِّتَّ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبُو ذَرٍّ؟ فَقَالَ. . . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ) كَمَا ذَكَرَ حَدِيثًا آخَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ وَلَمْ أَجِدْ مَاءً، فَقَالَ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَابَتْنَا جَنَابَةٌ، فَلَمْ نَجِدِ الْمَاءَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ وَتَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ) الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 1/71 كِتَابُ التَّيَمُّمِ، بَابُ الْمُتَيَمِّمِ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا؟)

فصل كلام الذام للخلفاء ولغيرهم من الصحابة هو من باب الكلام في الأعراض وفيه حق لله تعالى

[فَصْلٌ كَلَامُ الذَّامِّ لِلْخُلَفَاءِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ هُوَ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ فِي الْأَعْرَاضِ وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى] فَصْلٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ حُكْمَ النَّاسِ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَأَنَّ فَاعِلَ السَّيِّئَاتِ تَسْقُطُ عَنْهُ عُقُوبَةُ جَهَنَّمَ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ. فَإِذَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُجْتَهِدِينَ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُذْنِبِينَ حُكْمًا عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ، فَكَيْفَ فِي أَصْحَابِ (¬1) رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَإِذَا كَانَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَمِنَ الْمُذْنِبِينَ (¬2) يَنْدَفِعُ عَنْهُمُ الذَّمُّ وَالْعِقَابُ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَسْبَابِ، فَكَيْفَ بِالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؟ . وَنَحْنُ نَبْسُطُ هَذَا وَنُنَبِّهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى؛ فَنَقُولُ: كَلَامُ الذَّامِّ لِلْخُلَفَاءِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - مِنْ رَافِضِيٍّ وَغَيْرِهِ - هُوَ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ فِي الْأَعْرَاضِ، وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنِ الْوَلَايَةِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ، وَفِيهِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ أَيْضًا (¬3) . وَمَعْلُومٌ أَنَّا إِذَا تَكَلَّمْنَا فِيمَنْ هُوَ دُونَ الصَّحَابَةِ، مِثْلَ الْمُلُوكِ الْمُخْتَلِفِينَ عَلَى الْمُلْكِ، وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي (¬4) الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ لَا بِجَهْلٍ وَظُلْمٍ ; فَإِنَّ الْعَدْلَ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ. وَالظُّلْمُ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا، لَا يُبَاحُ قَطُّ بِحَالٍ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ¬

(¬1) ن، م: بِأَصْحَابِ. (¬2) ن، ب: وَالْمُذْنِبِينَ. (¬3) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬4) ن، م: عَلَى.

[سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 8] وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِسَبَبِ بُغْضِهِمْ لِلْكَفَّارِ، وَهُوَ بُغْضٌ مَأْمُورٌ بِهِ. فَإِذَا كَانَ الْبُغْضُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَدْ نُهِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يَظْلِمَ مَنْ أَبْغَضَهُ (¬1) ، فَكَيْفَ فِي بُغْضِ مُسْلِمٍ بِتَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ أَوْ بِهَوَى نَفْسٍ؟ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ لَا يَظْلِمَ، بَلْ يَعْدِلَ عَلَيْهِ (¬2) . وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ مَنْ عَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. وَالْعَدْلُ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْأَرْضِ عَلَى مَدْحِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِهِ وَمَحَبَّتِهِمْ. وَالظُّلْمُ مِمَّا اتَّفَقُوا (¬3) عَلَى بُغْضِهِ وَذَمِّهِ (¬4) وَتَقْبِيحِهِ، وَذَمِّ أَهْلِهِ وَبُغْضِهِمْ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الْكَلَامَ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ، فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ (¬5) ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الْعَدْلَ مَحْمُودٌ مَحْبُوبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَحْبُوبٌ فِي النُّفُوسِ، مَرْكُوزٌ حُبُّهُ فِي الْقُلُوبِ، تُحِبُّهُ الْقُلُوبُ وَتَحْمَدُهُ، وَهُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْقُلُوبُ، وَالظُّلْمُ مِنَ الْمُنْكَرِ الَّذِي تُنْكِرُهُ الْقُلُوبُ فَتُبْغِضُهُ وَتَذُمُّهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ الرُّسُلَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 25] (¬6) . وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} ¬

(¬1) ح، ب: مَنْ يُبْغِضُهُ. (¬2) ن، م: يُعَذَّبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ح، ب: مِمَّا اتُّفِقَ. (¬4) عَلَى بُغْضِهِ وَذَمِّهِ، كَذَا فِي (ن) ، (م) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَلَى ذَمِّهِ. (¬5) لِابْنِ تَيْمِيَةَ رِسَالَةٌ فِي مَسْأَلَةِ تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ، نُشِرَتْ فِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ 8/428 - 436. (¬6) آيَةُ سُورَةِ الْحَدِيدِ لَيْسَتْ فِي ن، (م) .

[سُورَةُ الشُّورَى: 17] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 58] . وَقَالَ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 42] . وَقَالَ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 48] فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْقِسْطِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِسْطَ هُوَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هُوَ الْقِسْطُ، وَالْقِسْطُ هُوَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْعَدْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 58] فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِظُلْمٍ أَبَدًا، وَالشَّرْعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ الْحُكْمُ بِهِ عَدْلٌ كُلُّهُ، لَيْسَ فِي الشَّرْعِ ظُلْمٌ أَصْلًا، بَلْ حُكْمُ اللَّهِ أَحْسَنُ الْأَحْكَامِ (¬1) . وَالشَّرْعُ هُوَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ; فَكُلُّ مَنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ حَكَمَ بِالْعَدْلِ، لَكِنَّ الْعَدْلَ قَدْ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ، فَيَكُونُ الْعَدْلُ فِي كُلِّ شِرْعَةٍ بِحَسَبِهَا. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ¬

(¬1) ن، م، و، ر: الْحُكْمِ.

{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ - إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ 42 - 44] . إِلَى قَوْلِهِ: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ - وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ - أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ 47 - 50] . ذَكَرَ سُبْحَانَهُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْآنِ وَلَا يَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا فَجَعَلَ لِمُوسَى وَعِيسَى مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ (¬1) ، وَجَعَلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) ح، ر: وَالْمَنَاهِجِ.

وَسَلَّمَ - مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ (¬1) ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَحَذَّرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهُ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ، وَمَنِ ابْتَغَى غَيْرَهُ فَقَدِ ابْتَغَى حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ 44] . وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ (¬2) فَهُوَ كَافِرٌ، فَمَنِ اسْتَحَلَّ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يَرَاهُ هُوَ عَدْلًا مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ لِمَا أَنْزَلَ (¬3) اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ ; فَإِنَّهُ مَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تَأْمُرُ بِالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَدْلُ فِي دِينِهَا مَا رَآهُ أَكَابِرُهُمْ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ يَحْكُمُونَ بِعَادَاتِهِمُ الَّتِي لَمْ يُنْزِلْهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَسَوَالِفِ الْبَادِيَةِ، وَكَأَوَامِرِ الْمُطَاعِينَ فِيهِمْ (¬4) ، وَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ دُونَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَهَذَا هُوَ الْكُفْرُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ أَسْلَمُوا، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا يَحْكُمُونَ إِلَّا بِالْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ لَهُمُ الَّتِي يَأْمُرُ بِهَا الْمُطَاعُونَ، فَهَؤُلَاءِ إِذَا عَرَفُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ إِلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَلَمْ يَلْتَزِمُوا ذَلِكَ، بَلِ اسْتَحَلُّوا أَنْ يَحْكُمُوا بِخِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُمْ كُفَّارٌ، وَإِلَّا كَانُوا جُهَّالًا، كَمَنْ تَقَدَّمَ أَمْرُهُمْ (¬5) . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ إِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ ¬

(¬1) ح، ر: وَالْمَنَاهِجِ. (¬2) ر: عَلَى رُسُلِهِ. (¬3) و: لِمَا أَنْزَلَهُ. (¬4) فِيهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬5) أَمْرُهُمْ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَمْرُهُ.

وَالرَّسُولِ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ 59] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ 65] فَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ تَحْكِيمَ (¬1) اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُلْتَزِمًا لِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، لَكِنْ عَصَى وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْعُصَاةِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهَا الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ وُلَاةِ الْأَمْرِ الَّذِينَ لَا يَحْكُمُونَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، ثُمَّ يَزْعُمُونَ أَنَّ اعْتِقَادَهُمْ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ هُنَا، وَمَا ذَكَرْتُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا، فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ، وَالْحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ عَدْلٌ خَاصٌّ، وَهُوَ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الْعَدْلِ وَأَحْسَنُهَا، وَالْحُكْمُ بِهِ وَاجِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ فِي كُلِّ مَا تَنَازَعَتْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ. قَالَ تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} ¬

(¬1) و: بِحُكْمِ.

[سُورَةُ الْبَقَرَةِ 213] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [سُورَةُ الشُّورَى 10] . وَقَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ 59] فَالْأُمُورُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْأُمَّةِ لَا يُحَكَّمُ فِيهَا إِلَّا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ (¬1) بِقَوْلِ عَالِمٍ وَلَا أَمِيرٍ وَلَا شَيْخٍ وَلَا مَلِكٍ. وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَحُكَّامُ الْمُسْلِمِينَ يَحْكُمُونَ فِي الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ، لَا يَحْكُمُونَ فِي الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ، وَإِذَا حَكَمُوا فِي الْمُعَيَّنَاتِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ بِرَأْيِهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ ; فَمَنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَمَنْ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» " (¬2) . وَإِذَا حَكَمَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ ; فَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ (¬3) فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهَيْنِ (¬4) . ¬

(¬1) ن، م، و: الْإِنْسَانَ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/312 (¬3) ح، ر، ي: فَإِنْ أَصَابَ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/422.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَ عُمُومِ (¬1) الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ إِلَّا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَيُرَدُّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فَذَاكَ فِي أَمْرِ الصَّحَابَةِ أَظْهَرُ. فَلَوْ طَعَنَ طَاعِنٌ فِي بَعْضِ وُلَاةِ الْأُمُورِ، مِنْ مَلِكٍ وَحَاكِمٍ وَأَمِيرٍ وَشَيْخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَجَعَلَهُ كَافِرًا مُعْتَدِيًا عَلَى غَيْرِهِ فِي وِلَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَجَعَلَ غَيْرَهُ هُوَ الْعَالِمُ الْعَادِلُ الْمُبَرَّأُ مِنْ كُلِّ خَطَأٍ وَذَنْبٍ، وَجَعَلَ كُلَّ مَنْ أَحَبَّ الْأَوَّلَ وَتَوَلَّاهُ كَافِرًا أَوْ ظَالِمًا مُسْتَحِقًّا لِلسَّبِّ وَأَخَذَ يَسُبُّهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ. وَالرَّافِضَةُ سَلَكُوا فِي الصَّحَابَةِ مَسْلَكَ التَّفَرُّقِ، فَوَالَوْا بَعْضَهُمْ وَغَالَوْا فِيهِ وَعَادَوْا بَعْضَهُمْ وَغَالَوْا فِي مُعَادَاتِهِ وَقَدْ يَسَلُكُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مَا يُشْبِهُ هَذَا فِي أُمَرَائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ وَشُيُوخِهِمْ، فَيَحْصُلُ بَيْنَهُمْ رَفْضٌ فِي غَيْرِ الصَّحَابَةِ: تَجِدُ أَحَدَ الْحِزْبَيْنِ يَتَوَلَّى فُلَانًا وَمُحِبِّيهِ، وَيُبْغِضُ فُلَانًا وَمُحِبِّيهِ، وَقَدْ يَسُبُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالتَّشَيُّعِ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ 159] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 102 - 103] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ - وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ¬

(¬1) ح، ر: وَالْمَقْصُودُ هُنَا إِذَا وَجَبَ فِيمَا بَيْنَ عُمُومِ.

[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 105 - 107] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ (¬1) . وَلِهَذَا كَانَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ وَغَيْرُهُ يَتَأَوَّلُهَا فِي الْخَوَارِجِ. فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ أَنْ يَعْتَصِمُوا بِحَبْلِهِ جَمِيعًا وَلَا يَتَفَرَّقُوا، وَقَدْ فَسَّرَ حَبْلَهُ بِكِتَابِهِ، وَبِدِينِهِ، وَبِالْإِسْلَامِ، وَبِالْإِخْلَاصِ، وَبِأَمْرِهِ، وَبِعَهْدِهِ، وَبِطَاعَتِهِ، وَبِالْجَمَاعَةِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مَنْقُولَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ (¬2) ; فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَأْمُرُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ هُوَ عَهْدُهُ وَأَمْرُهُ وَطَاعَتُهُ، وَالِاعْتِصَامُ بِهِ جَمِيعًا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْجَمَاعَةِ، وَدِينُ الْإِسْلَامِ حَقِيقَتُهُ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ» (¬3) ". ¬

(¬1) فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ 2/63: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو نَصْرٍ فِي الْإِبَانَةِ وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ وَاللَّاكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ: قَالَ تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَةِ. وَأَوْرَدَ اللَّاكَائِيُّ هَذَا الْأَثَرَ فِي كِتَابِ شَرْحِ أُصُولِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ 1/71 - 72 تَحْقِيقُ الدُّكْتُورِ أَحْمَد سَعْد حِمْدَان، دَارِ طَيْبَةَ لِلنَّشْرِ، الرِّيَاضِ 1402. (¬2) انْظُرْ وُجُوهَ تَفْسِيرِ حَبْلِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ ط. الْمَعَارِفِ 7/70 - 76 زَادِ الْمَسِيرِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1/432 - 433. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/161 - 162

وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ ظُلْمَ الْمُسْلِمِينَ: أَحْيَائِهِمْ وَأَمْوَاتِهِمْ، وَحَرَّمَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» (¬1) ". وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ 58] فَمَنْ آذَى مُؤْمِنًا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، فَقَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، فَإِذَا آذَاهُ مُؤْذٍ (¬2) فَقَدْ آذَاهُ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبَ، وَمَنْ كَانَ مُذْنِبًا وَقَدْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ، أَوْ غُفِرَ لَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ فَآذَاهُ مُؤْذٍ، فَقَدْ آذَاهُ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبَ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ بِفِعْلِهِ مُصِيبَةٌ. وَلَمَّا «حَاجَّ مُوسَى آدَمَ (¬3) ، وَقَالَ: لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَمُ: بِكَمْ وَجَدْتَ مَكْتُوبًا عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [سُورَةُ طه 121] قَالَ: بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» . وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬4) ، لَكِنْ غَلَطَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي مَعْنَاهُ، فَظَنُّوا أَنَّ آدَمَ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى أَنَّ الذَّنْبَ (¬5) لَا يُلَامُ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا بَعْدَ هَذَا: بَيْنَ مُكَذِّبٍ بِلَفْظِهِ وَمُتَأَوِّلٍ لِمَعْنَاهُ تَأْوِيلَاتٍ فَاسِدَةً. وَهَذَا فَهْمٌ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/319 (¬2) و، ر، ي: فَآذَاهُ مُؤْذٍ. (¬3) آدَمَ: كَذَا فِي (م) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِآدَمَ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/78 - 79. (¬5) الذَّنْبَ: كَذَا فِي (ن) ، (ي) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْمُذْنِبَ.

فَاسِدٌ وَخَطَأٌ عَظِيمٌ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَقَلِّ النَّاسِ عِلْمًا وَإِيمَانًا ; أَنْ يُظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَذْنَبَ فَلَا مَلَامَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الذَّنْبِ مُقَدَّرًا عَلَيْهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَعْذِيبِهِ لِقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَقَوْمِ فِرْعَوْنَ وَمَدْيَنَ، وَقَوْمِ لُوطٍ (¬1) وَغَيْرِهِمْ. وَالْقَدَرُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، فَلَوْ كَانَ الْمُذْنِبُ مَعْذُورًا لَمْ يُعَذَّبْ هَؤُلَاءِ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ مُحَمَّدًا وَغَيْرَهُ مِنْ عُقُوبَاتِ الْمُعْتَدِينَ، كَمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ (¬2) ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمُفْسِدِينَ، وَمِنْ قِتَالِ الْكَافِرِينَ، وَمَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ إِنْصَافِ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَمَا يَقْضِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ عِبَادِهِ مِنْ عُقُوبَةِ الْكُفَّارِ (¬3) ، وَالِاقْتِصَاصِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. لَكِنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ أَنَّ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ مِنَ الْمَصَائِبِ فَهِيَ مُقَدَّرَةٌ عَلَيْهِ، يَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ لِقَدَرِ اللَّهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ 11] . قَالَ عَلْقَمَةُ: هُوَ الرَّجُلُ (¬4) تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. وَرَوَى الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَهْدِ قَلْبَهُ لِلْيَقِينِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ وَابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّهُ إِذَا ابْتُلِيَ، صَبَرَ وَإِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ شَكَرَ، وَإِذَا ظُلِمَ غَفَرَ. ¬

(¬1) ن، م، و، ي، أ: وَمَدْيَنَ وَلُوطٍ. (¬2) ن فَقَطِ: الْمُعْتَدِينَ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ. (¬3) ح، ب: الْكَافِرِينَ. (¬4) ح، ر، ب، ي: هُوَ الْعَبْدُ.

وَإِنْ كَانَتِ الْمُصِيبَةُ بِسَبَبِ فِعْلِ الْأَبِ أَوِ الْجَدِّ، فَإِنَّ آدَمَ قَدْ تَابَ مِنَ الْأَكْلِ، فَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مَلَامٌ لِلتَّوْبَةِ، وَالْمُصِيبَةُ كَانَتْ مُقَدَّرَةً، فَلَا مَعْنَى لِلَوْمِ آدَمَ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُؤْذِيَ مُؤْمِنًا جَرَى لَهُ عَلَى يَدَيْهِ (¬1) مَا هُوَ مُصِيبَةٌ فِي حَقِّهِ. وَالْمُؤْمِنُ إِمَّا مَعْذُورٌ وَإِمَّا مَغْفُورٌ لَهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ حَصَلَ لَهُ مُصِيبَةٌ (¬2) أَوْ فَوَاتُ غَرَضٍ بِبَعْضِ الْمَاضِينَ يُسْرِعُ بِذَمِّهِ، كَمَا يَظُنُّ (¬3) بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا هُمُ السَّبَبَ فِي مَنْعِ حَقِّهِمْ ظُلْمًا، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ. أَوْ يَقُولُونَ: بِسَبَبِهِمْ ظَلَمْنَا غَيْرَهُمْ، وَهَذَا عُدْوَانٌ عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا عَادِلِينَ مُتَّبِعِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ بِسَبَبِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَبِذُنُوبِهِ أُصِيبَ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعِيبَ الرَّسُولَ وَمَا جَاءَ بِهِ، لِكَوْنِهِ فِيهِ (¬4) الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ، أَوْ لِكَوْنِهِ بِسَبَبِ تَقْدِيمِهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدَّمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ، كَمَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِسَبَبِ تَقْدِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (¬5) . لِأَبِي بَكْرٍ (* وَعُمَرَ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ «كَانُوا يَقْرَءُونَ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَوْا عَلَى فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا سَمِعَهَا قَالَ ¬

(¬1) ن، أ: عَلَى يَدِهِ. (¬2) ن، ر، م: مَعْصِيَةٌ. (¬3) ح، و، ر: يَطْعَنُ. (¬4) ن، م، ر، ح: لِكَوْنِ فِيهِ. (¬5) ح، ب: وَالرَّسُولِ

لِأَصْحَابِهِ: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ بَلَاءَكُمْ مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، يَقُولُ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» . وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ *) (¬1) أَنْ يَقُولَ بِسَبَبِ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ (¬2) اخْتَلَفَتِ الْأُمَّةُ فِي التَّأْوِيلِ وَاقْتَتَلُوا، إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يُجْعَلُ الشَّرُّ الْوَاقِعُ فِيهَا بِسَبَبِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ; فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بَاطِلٌ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ. قَالَ تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَالُوا (¬3) لِرُسُلِهِمْ: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ - قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [سُورَةُ يس 18 - 19] . وَقَالَ عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ 131] . وَقَالَ لَمَّا ذَكَرَ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ وَأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُبْطِئُ عَنْهُ {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا - مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ 78 - 79] . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬2) ن، م، ر، ي: بِسَبَبِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَنُزُولِهِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، ح: بِسَبَبِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَنُزُولِهِ بِلِسَانِ الْأَعْرَابِ. (¬3) و: أَنَّهُمْ قَالُوا.

وَالْمُرَادُ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ هُنَا النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ، كَمَا قَدْ سَمَّى اللَّهُ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ وَسَيِّئَاتٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ 168] وَقَوْلِهِ: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ 50] . وَلِهَذَا قَالَ: مَا أَصَابَكَ وَلَمْ يَقُلْ: مَا أَصَبْتَ. وَهَكَذَا قَالَ السَّلَفُ. فَفِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ (¬1) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْحَسَنَةَ: الْخِصْبُ (¬2) وَالْمَطَرُ، وَالسَّيِّئَةَ: الْجَدْبُ وَالْغَلَاءُ. وَفِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ عَنْهُ: أَنَّ الْحَسَنَةَ: الْفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ، وَالسَّيِّئَةَ الْهَزِيمَةُ وَالْجِرَاحُ وَنَحْوُ ذَلِكَ (¬3) . وَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ: مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالسَّيِّئَةُ مَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْحَسَنَةُ: الْغَنِيمَةُ وَالنِّعْمَةُ (¬4) ، وَالسَّيِّئَةُ الْبَلِيَّةُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْحَسَنَةَ: الطَّاعَةُ، وَالسَّيِّئَةَ: الْمَعْصِيَةُ. وَهَذَا يَظُنُّهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ، فَقَالَ مُثْبِتَةُ الْقَدَرِ هَذَا حُجَّةٌ لَنَا، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ 78] . وَقَالَ نُفَاتُهُ: بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لَنَا لِقَوْلِهِ: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ 79] . وَحُجَّةُ كُلِّ فَرِيقٍ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْآخَرِ. وَالْقَوْلَانِ ¬

(¬1) وَهَكَذَا. . . أَبِي صَالِحٍ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَهَكَذَا قَالَ فِي مَعْنَى رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ. (¬2) ر، ح، ي، ب: الْحَسَنَةَ هِيَ الْخِصْبُ. (¬3) ح، ب: وَالْجِرَاحُ وَالْهَزِيمَةُ، وَسَقَطَتْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) ن، م، و، أ: الْحَسَنَةُ النِّعْمَةُ.

بَاطِلَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; فَإِنَّ الْمُرَادَ: النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ وَالضَّمِيرُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَعُودُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: عَلَى الْيَهُودِ، وَقِيلَ: عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ. وَلِهَذَا قِيلَ: هَذَا لَا يُعَيَّنُ قَائِلُهُ ; لِأَنَّهُ دَائِمًا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَكُلُّ مَنْ قَالَهُ تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ ; فَإِنَّ الطَّاعِنِينَ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ (¬1) مِنْ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ، بَلْ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَوْ عِنْدَهُ جَهْلٌ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ، لِظَنِّهِ خَطَأَ صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ هُوَ الْمُخْطِئَ، فَإِذَا أَصَابَهُمْ نَصْرٌ وَرِزْقٌ، قَالُوا: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَا يُضِيفُهُ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَهُ. وَإِنْ أَصَابَهُمْ نَقْصُ رِزْقٍ وَخَوْفٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَظُهُورِهِ، قَالُوا: هَذَا مِنْ عِنْدِكَ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْجِهَادِ فَجَرَى مَا جَرَى، وَأَنَّهُمْ تَطَيَّرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ، كَمَا تَطَيَّرَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى. وَالسَّلَفُ ذَكَرُوا الْمَعْنَيَيْنِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِشُؤْمِكَ. وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: بِسُوءِ تَدْبِيرِكَ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ 78] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ، أَمَّا الْحَسَنَةُ فَأَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَابْتَلَاكَ بِهَا. فَمَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا! ؟ وَقَدْ قِيلَ فِي مِثْلِ هَذَا: لَمْ يَفْقَهُوهُ (¬2) وَلَمْ يَكَادُوا، وَأَنَّ النَّفْيَ مُقَابِلُ الْإِثْبَاتِ. وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَاهُ فَقِهُوهُ (¬3) بَعْدَ أَنْ كَادُوا لَا يَفْقَهُونَهُ (¬4) . كَقَوْلِهِ ¬

(¬1) ح، ب: الرُّسُلُ. (¬2) ح، ب: لَمْ يَفْقَهُوا. (¬3) ح، ب: فَقِهُوا. (¬4) ن، م: لَا يَفْقَهُوهُ، ح: لَا يَفْقَهُوهُ، ب: لَا يَفْقَهُونَ.

: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ 71] ، فَالْمَنْفِيُّ بِهَا مُثْبَتٌ، وَالْمُثْبَتُ بِهَا مَنْفِيٌّ (¬1) ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الِاسْتِعْمَالِ. وَقَدْ يُقَالُ (¬2) : يُرَادُ بِهَا هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً ; فَإِذَا صَرَّحْتَ بِإِثْبَاتِ الْفِعْلِ فَقَدْ وُجِدَ، فَإِذَا لَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالنَّفْيِ الْمَحْضِ كَقَوْلِهِ: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} وَ {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} فَهَذَا نَفْيٌ مُطْلَقٌ، وَلَا قَرِينَةَ مَعَهُ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مُطْلَقِهَا وَمُقَيَّدِهَا. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِلنُّحَاةِ، وَقَالَ بِكُلِّ قَوْلٍ طَائِفَةٌ. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ بِعَدَمِ الْفِقْهِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ 7] . وَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ 16] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَفْقَهُونَ الْقُرْآنَ. لَكِنَّ قَوْلَهُ حَدِيثًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، كَمَا قَالَ فِي الْكَهْفِ: {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ 93] . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ (¬3) لَا بُدَّ أَنْ يَفْقَهُوا بَعْضَ الْأَقْوَالِ، وَإِلَّا فَلَا يَعِيشُ الْإِنْسَانُ بِدُونِ ذَلِكَ، فَعَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَفْقَهُونَ بَعْدَ أَنْ كَادُوا لَمْ يَفْقَهُوهُ (¬4) . ¬

(¬1) ن، م، و، ر، ي: مُنْتَفٍ. (¬2) ن، م: وَقَدْ قِيلَ. (¬3) ن، م، أ: أَنَّهُ. (¬4) م، أ: كَادُوا لَا يَفْقَهُونَ، ح: كَادُوا لَمْ يَفْقَهُوا.

وَكَذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ (¬1) ، وَهَذَا أَظْهَرُ أَقْوَالِ النُّحَاةِ (¬2) وَأَشْهَرُهَا. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ فَقِهُوا الْقُرْآنَ لَعَلِمُوا أَنَّكَ مَا أَمَرْتَهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَمَا نَهَيْتَهُمْ إِلَّا عَنْ شَرٍّ، وَأَنَّهُ لَمْ تَكُنِ الْمُصِيبَةُ الْحَاصِلَةُ لَهُمْ بِسَبَبِكَ، بَلْ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ 79] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا (¬3) كَتَبْتُهَا عَلَيْكَ. وَقِيلَ: إِنَّهَا فِي حَرْفٍ عِنْدَ اللَّهِ (¬4) وَأَنَا قَدَّرْتُهَا عَلَيْكَ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [سُورَةُ الشُّورَى 30] ، وَقَوْلِهِ: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 165] وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} [سُورَةُ الشُّورَى 48] . وَأَمَّا رِوَايَةُ كَرْدَمٍ عَنْ يَعْقُوبَ: فَمِنْ نَفْسِكَ، فَمَعْنَاهَا يُنَاقِضُ الْقِرَاءَةَ الْمُتَوَاتِرَةَ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا. وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ: " «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ» " (¬5) . وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ نَسَبَ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمُصِيبَةِ إِلَى مَا ¬

(¬1) م، و، أ، ر: الرَّوِيَّةِ، ي: الرُّؤْيَةِ. (¬2) ح، ر، ب: الْأَقْوَالُ لِلنُّحَاةِ. (¬3) ن: فَأَنَا. (¬4) عِنْدَ اللَّهِ، كَذَا فِي (ن) ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) ، (ن) ، (ي) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَبْدِ اللَّهِ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/139

أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ (¬1) . فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ بِسَبَبِ تَقْدِيمِهِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاسْتِخْلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِمَا، حَصَلَ لَهُمْ (¬2) مُصِيبَةٌ. قِيلَ: مُصِيبَتُكُمْ بِسَبَبِ ذُنُوبِكُمْ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سُورَةُ الطَّلَاقِ 2 - 3] ، بَلْ هَذَا كُلُّهُ مِنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 12] . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «الْغَيْبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ". قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: " إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» (¬4) ". فَمَنْ رَمَى أَحَدًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَهُ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ؟ . وَمَنْ قَالَ عَنْ مُجْتَهِدٍ: إِنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ وَتَعَمَّدَ (¬5) مَعْصِيَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمُخَالَفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَهَتَهُ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ ذَلِكَ فَقَدِ اغْتَابَهُ، لَكِنْ يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَبَاحَهُ (¬6) اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَهُوَ مَا يَكُونُ (¬7) ¬

(¬1) ن: مَا كَانَ. (¬2) ن، م: لَهُ. (¬3) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 4/2001 كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الْغَيْبَةِ، وَأَوَّلُهُ: أَتَدْرُونَ مَا الْغَيْبَةُ، الْحَدِيثَ وَهُوَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/370 - 371 كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي الْغَيْبَةِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/220 - 221 كِتَابُ الْبَرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغَيْبَةِ، سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/299 كِتَابُ الرُّقَاقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغَيْبَةِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 12/132 - 133. 17/95، 105، 19/70. (¬5) ح، ب: أَوْ تَعَمَّدَ. (¬6) ن: مَا أَبَاحَ. (¬7) ن: مَا كَانَ يَكُونُ.

عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ وَالْعَدْلِ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ وَنَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِ الْمُشْتَكِي الْمَظْلُومِ: فُلَانٌ ضَرَبَنِي وَأَخَذَ مَالِي وَمَنَعَنِي حَقِّي وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 148] ، وَقَدْ نَزَلَتْ فِيمَنْ ضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يُقْرُوهُ، لِأَنَّ قِرَى الضَّيْفِ وَاجِبٌ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ (¬1) الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَلَمَّا مَنَعُوهُ حَقَّهُ كَانَ لَهُ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَاقِبَهُمْ (¬2) بِمِثْلِ قِرَاهُ فِي زَرْعِهِمْ وَمَالِهِمْ، وَقَالَ: " نَصْرُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " (¬3) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ (¬4) مِنَ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ» " (¬5) . وَأَمَّا الْحَاجَةُ فَمِثْلُ اسْتِفْتَاءِ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا ¬

(¬1) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬2) يُعَاقِبَهُمْ: كَذَا فِي (ح) ، (ر) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَعْقُبَهُمْ. (¬3) أَوْرَدَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ 2/394 - 396 الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ 148 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَمِنْهَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ أَحْمَدُ بِهِ فِي مَسْنَدِهِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/133 عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَضَافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا، فَإِنَّ حَقًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ نَصْرُهُ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى اللَّيْلَةِ لَيْلَتِهِ، مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ. وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُسْنَدِ وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ 2/194 (¬4) ن، م: بِمَنْعِهِ. (¬5) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/128 - 129 كِتَابُ الْمَظَالِمِ وَالْغَصْبِ، بَابُ أَعِنْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا 9/22 كِتَابُ الْإِكْرَاهِ، بَابُ يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ أَنَّهُ أَخُوهُ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/326 - 357 كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ 59 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 3/99، 201

«قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي وَبَنِيَّ مَا يَكْفِينِي بِالْمَعْرُوفِ. فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ (¬1) ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا قَوْلَهَا، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْمَظْلُومِ. وَأَمَّا النَّصِيحَةُ فَمِثْلُ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ لَمَّا اسْتَشَارَتْهُ فِيمَنْ خَطَبَهَا فَقَالَتْ: خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ. فَقَالَ: " أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ " وَفِي لَفْظٍ: " يَضْرِبُ النِّسَاءَ "، " انْكِحِي أُسَامَةَ» " (¬2) فَلَمَّا اسْتَشَارَتْهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ (¬3) ذَكَرَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنِ اسْتَشَارَ رَجُلًا فِيمَنْ (¬4) يُعَامِلُهُ. وَالنَّصِيحَةُ مَأْمُورٌ بِهَا وَلَوْ لَمْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/79 كِتَابُ الْبُيُوعِ بَابُ مَنْ أَجْرَى الْأَمْصَارَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى كَثِيرَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ فِي ط. الدُّكْتُورِ مُصْطَفَى الْبُغَا: الْأَرْقَامَ: 2328، 3613، 5044، 5049، 5055، 6265، 6742، 6758، وَأَوْرَدَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ عَائِشَةَ 3/1338 - 1339 كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ قَضِيَّةِ هِنْدٍ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: مُسْلِمٍ 2/1114 كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا نَفَقَةَ لَهَا، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 2/383 كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابٌ فِي نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 2/301 - 302 كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنْ لَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 6/411، 412 وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَالْمُوَطَّأِ. (¬3) ح، ر، ب: فِيمَنْ تَتَزَوَّجُ. (¬4) ن، م، و، ي: مِمَّنْ.

يُشَاوِرْهُ ; فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ» " ثَلَاثًا. قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " (¬1) . وَكَذَلِكَ بَيَانُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِمَنْ غَلِطَ فِي رِوَايَةٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَنْقِلُ عَنْهُ الْعِلْمَ. وَكَذَلِكَ بَيَانُ مَنْ غَلِطَ فِي رَأْيٍ رَآهُ فِي أَمْرِ الدِّينِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ ; فَهَذَا إِذَا تَكَلَّمَ فِيهِ الْإِنْسَانُ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَقَصَدَ النَّصِيحَةَ، فَاللَّهُ تَعَالَى يُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ فِيهِ دَاعِيًا إِلَى بِدْعَةٍ، فَهَذَا يَجِبُ بَيَانُ أَمْرِهِ لِلنَّاسِ، فَإِنَّ دَفْعَ شَرِّهِ عَنْهُمْ أَعْظَمُ مِنْ دَفْعِ شَرِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَحُكْمُ الْمُتَكَلِّمِ بِاجْتِهَادِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ حُكْمُ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ. ثُمَّ قَدْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا، وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الرَّجُلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِاللِّسَانِ أَوِ الْيَدِ مُجْتَهِدًا يَعْتَقِدُ الصَّوَابَ مَعَهُ، وَقَدْ يَكُونَانِ جَمِيعًا مُخْطِئَيْنِ مَغْفُورًا لَهُمَا، كَمَا ذَكَرْنَا نَظِيرَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يَجْرِي بَيْنَ الصَّحَابَةِ. وَلِهَذَا يُنْهَى عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ سَوَاءً كَانُوا مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ (¬2) ، فَإِذَا تَشَاجَرَ مُسْلِمَانِ فِي قَضِيَّةٍ، وَمَضَتْ وَلَا تَعَلُّقٌ لِلنَّاسِ بِهَا، وَلَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَتَهَا، كَانَ كَلَامُهُمْ فِيهَا كَلَامًا (¬3) بِلَا عِلْمٍ وَلَا عَدْلٍ يَتَضَمَّنُ أَذَاهُمَا (¬4) بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ عَرَفُوا أَنَّهُمَا مُذْنِبَانِ أَوْ مُخْطِئَانِ، لَكَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/528 (¬2) أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (ر) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ. (¬3) ن فَقَطْ: ذَكَرَ. (¬4) ح، ب: أَذَاهُمْ.

مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مِنْ بَابِ الْغَيْبَةِ الْمَذْمُومَةِ. لَكِنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (¬1) أَعْظَمُ حُرْمَةً، وَأَجَلُّ قَدْرًا، وَأَنْزَهُ أَعْرَاضًا. وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ فَضَائِلِهِمْ خُصُوصًا وَعُمُومًا مَا لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِمْ، فَلِهَذَا كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي فِيهِ ذَمُّهُمْ عَلَى مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ أَعْظَمَ إِثْمًا مِنَ الْكَلَامِ فِي غَيْرِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ (¬2) تَسُبُّونَ الرَّافِضَةَ وَتَذُمُّونَهُمْ وَتَذْكُرُونَ عُيُوبَهُمْ. قِيلَ: ذِكْرُ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ غَيْرُ ذِكْرِ الْأَشْخَاصِ الْمُعَيَّنَةِ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً، كَقَوْلِهِ: " «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا» (¬3) " وَ " «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ» " (¬4) ، وَ " «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» " (¬5) وَقَالَ: " «الْمَدِينَةُ ¬

(¬1) ن، م، أ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ي، ر: رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. (¬2) ن: فَأَنْتُمْ فِيهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَ: فَأَنْتُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/568 - 569 (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/568 (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي مُسْلِمٍ 3/1567 كِتَابُ الْأَضَاحِيِّ، بَابُ تَحْرِيمِ الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَعْنِ فَاعِلِهِ وَنَصُّ الرِّوَايَةِ الْأُولَى حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ عُمَرُ بْنُ وَاثِلَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ وَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ النَّاسَ، غَيْرَ أَنَّهُ حَدَّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ: قَالَ: فَقَالَ: مَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَلَدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ) . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 13/141: الْمُرَادُ بِمَنَارِ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَامَاتُ حُدُودِهَا، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/204 - 205 كِتَابُ الضَّحَايَا، بَابُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 2/156 وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 3/266، 4/292 - 293، 326 - 327

حَرَمٌ (¬1) مَا بَيْنَ عِيرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثِ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» " (¬2) . وَقَالَ: " «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ» " (¬3) وَقَالَ: " «لَعَنَ اللَّهُ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ» " (¬4) وَقَالَ: " «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ (¬5) أَبِيهِ، ¬

(¬1) ح، م، ب: حَرَامٌ. (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3/20 كِتَابُ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ، بَابُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنَ الْبُخَارِيِّ انْظُرْ ط. د. الْبُغَا الْأَرْقَامَ: 3001، 3008، 6374، 6870 وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 2/994 - 999 كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي مُسْلِمٍ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَمَسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬3) جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ قَلِيلٍ، وَنَصُّهُ فِي: الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 3/266: (مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أَبَاهُ، مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ أُمَّهُ، مَلْعُونٌ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، مَلْعُونٌ مَنْ كَمَّهَ أَعْمَى عَنْ طَرِيقٍ، مَلْعُونٌ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، مَلْعُونٌ مَنْ عَمَلَ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ) وَصَحَّحَ أَحْمَدُ شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَدِيثَ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثَ الْأُخْرَى رَقْمَ 2817، 2915، 2916، 2917 وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ 3/9 كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ حَدِيثًا عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَنَصُّهُ: (مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) (¬4) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 7/159 كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ إِخْرَاجِ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَلَفْظُهُ: لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/194 كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، وَهُوَ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/280 - 281 كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابُ لَعْنِ الْمُخَنَّثِينَ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ، الْمُسْنَدُ ط. الْمَعَارِفِ 3/305 - 314 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى. (¬5) م، و: لِغَيْرِ، ن: مِنْ غَيْرِ.

أَوْ تَوَلَّى (¬1) غَيْرَ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» " (¬2) . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ - الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 44 - 45] . فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ مِنْ ذَمِّ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ وَذَمِّ أَهْلِهَا وَلَعْنِهِمْ، تَحْذِيرًا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَإِخْبَارًا بِمَا يَلْحَقُ أَهْلَهُ مِنَ الْوَعِيدِ. ثُمَّ الْمَعَاصِي الَّتِي يَعْرِفُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ عَاصٍ [يَتُوبُ مِنْهَا، وَالْمُبْتَدَعُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ كَالْخَوَارِجِ وَالنَّوَاصِبِ الَّذِي نَصَبُوا الْعَدَاوَةَ وَالْحَرْبَ] (¬3) لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَابْتَدَعُوا بِدْعَةً، وَكَفَّرُوا مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَيْهَا، فَصَارَ بِذَلِكَ ضَرَرُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمَ مِنْ ضَرَرِ الظَّلَمَةِ، الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الظُّلْمَ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ كَانَتْ عُقُوبَةُ أَحَدِهِمْ فِي الْآخِرَةِ لِأَجْلِ التَّأْوِيلِ قَدْ تَكُونُ أَخَفَّ، لَكِنْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) ن: وَتَوَلَّى، وَ: وَمَنْ تَوَلَّى. (¬2) ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ 4/449 - 450 كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَنْتَمِي إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ ثَلَاثَ أَحَادِيثَ: الْأَوَّلُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَصُّهُ: (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) ، وَالثَّانِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذَنْ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ) وَالثَّالِثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ أَدْمَجَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ، وَانْظُرْ حَدِيثَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ ج [0 - 9] الْأَرْقَامَ 1454، 1497، 1499، 1504، 1553 وَانْظُرِ الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 5/267 وَقَدْ صَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ حَدِيثَ أَنَسٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 5/233 - 234 (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

بِقِتَالِهِمْ، وَنَهَى عَنْ قِتَالِ الْأُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ، وَتَوَاتَرَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ. فَقَالَ: فِي الْخَوَارِجِ: " «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ» " (¬1) . وَقَالَ فِي بَعْضِهِمْ: " «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ: وَيَدْعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ» " (¬2) . وَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: " «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تُلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» " (¬3) أَيْ تُلْقُونَ مَنْ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْكُمْ بِالْمَالِ وَلَا يُنْصِفُكُمْ، فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي قِتَالِهِمْ. وَقَالَ أَيْضًا: " «سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَطْلُبُونَ مِنْكُمْ حَقَّكُمْ وَيَمْنَعُونَكُمْ حَقَّهُمْ ". قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " أَدَّوْا إِلَيْهِمْ ¬

(¬1) انْظُرْ مَا سَبَقَ مِنَ الْكَلَامِ عَنْ أَحَادِيثِ الْخَوَارِجِ فِي هَذَا الْكِتَابِ 1/66 (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُهُ - وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ - بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَهَبِيَّةٍ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ. الْحَدِيثَ: وَفِيهِ إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ إِلَخْ، وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 4/137 كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا الْآيَةَ 9/127 كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، مُسْلِمٍ 2/741 - 742 كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/335 كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ بِشَرْحِ السُّيُوطِيِّ 5/65 - 66 كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، 7/108 - 109 كِتَابُ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ، مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي النَّاسِ الْمُسْنِدَ ط. الْمَعَارِفِ 7/308 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنَ الْحَدِيثِ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/240

حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ» " (¬1) . وَقَالَ: " «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» " (¬2) . وَقَالَ: " «مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» " (¬3) . وَقَالَ: " «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشَرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ". قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: " لَا مَا صَلَّوْا» " (¬4) . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ، إِلَى أَحَادِيثَ أَمْثَالِهَا. فَهَذَا أَمْرُهُ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ، وَهَذَا نَهْيُهُ عَنْ قِتَالِ الْوُلَاةِ الظَّلَمَةِ. وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ بَاغٍ يَجُوزُ قِتَالُهُ. وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّ الظَّالِمَ الَّذِي (¬5) يَسْتَأْثِرُ بِالْمَالِ وَالْوِلَايَاتِ لَا يُقَاتِلُ فِي الْعَادَةِ إِلَّا لِأَجْلِ الدُّنْيَا (¬6) ، يُقَاتِلُهُ (¬7) النَّاسُ حَتَّى يُعْطِيَهُمُ الْمَالَ وَالْوِلَايَاتِ، وَحَتَّى لَا يَظْلِمَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ أَصْلُ قِتَالِهِمْ لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَلِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَلَا كَانَ قِتَالُهُمْ مِنْ جِنْسِ قِتَالِ الْمُحَارِبِينَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ (¬8) : " «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/118 (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/113 (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/112 - 113 (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/116 (¬5) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) الدُّنْيَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) ن، م: يُقَاتِلُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) ن، م: الَّذِينَ قُتِلَ فِيهِمْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ [دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ] (¬1) حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» " (¬2) لِأَنَّ أُولَئِكَ مُعَادُونَ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَجَمِيعُ النَّاسِ يُعِينُونَ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ الْعَدَاوَةُ وَالْحَرْبُ، فَلَيْسُوا وُلَاةَ أَمْرٍ قَادِرِينَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْأَخْذِ، بَلْ هُمْ بِالْقِتَالِ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْخُذُوا أَمْوَالَ النَّاسِ وَدِمَاءَهُمْ، فَهُمْ مُبْتَدِءُونَ النَّاسَ بِالْقِتَالِ، بِخِلَافِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّهُمْ لَا يَبْتَدِءُونَ بِالْقِتَالِ لِلرَّعِيَّةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ (¬3) مَنْ تُقَاتِلُهُ دَفْعًا وَبَيْنَ مَنْ تُقَاتِلُهُ ابْتِدَاءً. وَلِهَذَا هَلْ يَجُوزُ فِي حَالِ الْفِتْنَةِ قِتَالُ الدَّفْعِ؟ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ وَالْمَعَانِي. وَبِالْجُمْلَةِ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ أَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ يَكُونُ لِطَلَبِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْمَالِ وَالْإِمَارَةِ، وَهَذَا قِتَالٌ عَلَى الدُّنْيَا. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ح) ، (ب) ، (أ) ، وَفِي (ر) : دُونَ دَمِهِ. (¬2) لَمْ أَجِدْ عِبَارَةَ: وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَلَكِنْ وَجَدْتُ حَدِيثًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) وَالْحَدِيثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/339 كِتَابُ السُّنَّةِ بَابٌ فِي قِتَالِ اللُّصُوصِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 2/435، 436 كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ مَا جَاءَ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، زَادَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُنَنَ النَّسَائِيِّ 7/105 - 107 كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، بَابُ مَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ، بَابُ مَنْ قَاتَلَ دُونَ دِينِهِ، بَابُ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/861 كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَجَاءَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، فِي الْبُخَارِيِّ 3/136 كِتَابُ الْمَظَالِمِ، بَابُ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ، مُسْلِمٍ 1/124، 125 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابٌ عَنْ أَنَّ مَنْ قَصَدَ أَخْذَ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 3/119، 10/43، 11/153، 154 (¬3) بَيْنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَفِتْنَةِ الْقُرَّاءِ مَعَ الْحَجَّاجِ، وَفِتْنَةِ مَرْوَانَ بِالشَّامِ: هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا يُقَاتِلُونَ عَلَى الدُّنْيَا، وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ كَالْخَوَارِجِ فَهُمْ يُرِيدُونَ إِفْسَادَ دِينِ النَّاسِ، فَقِتَالُهُمْ قِتَالٌ عَلَى (¬1) الدِّينِ. وَالْمَقْصُودُ بِقِتَالِهِمْ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. فَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ قِتَالُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْخَوَارِجِ (¬2) ثَابِتًا بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ، وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَائِرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قِتَالُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَكَانَ قِتَالَ فِتْنَةٍ، كَرِهَهُ فُضَلَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ. حَتَّى الَّذِينَ حَضَرُوهُ كَانُوا كَارِهِينَ لَهُ، فَكَانَ كَارِهُهُ فِي الْأُمَّةِ أَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِنْ حَامِدِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَسِّمُ مَالًا فَجَاءَ ذُو الْخُوَيْصِرَةَ التَّمِيمِيُّ، وَهُوَ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، نَاتِئِ الْجَبِينِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ. فَقَالَ: " وَيْحَكَ وَمَنْ (¬3) يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ " ثُمَّ قَالَ: أَيَأْمَنُنِي (¬4) مَنْ فِي السَّمَاءِ وَلَا تَأْمَنُونِي (¬5) ؟ " فَقَالَ لَهُ: بَعْضُ الصَّحَابَةِ: دَعْنِي ¬

(¬1) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (و) (ر) (ي) : عَنْ. (¬2) م، ب: الْخَوَارِجَ. (¬3) ن، م: فَمَنْ. (¬4) ب فَقَطْ: وَيْحَكَ أَيَأْمَنُنِي. (¬5) م: وَلَا تَأْمَنُونِي فِي الْأَرْضِ.

أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ: " يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَقْوَامٌ يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ» " الْحَدِيثَ (¬1) . فَهَذَا كَلَامُهُ فِي هَؤُلَاءِ الْعِبَادِ لِمَا كَانُوا مُبْتَدِعِينَ. وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا أُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ جَلَدَهُ الْحَدَّ، فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ مَرَّةً فَلَعَنَهُ رَجُلٌ، وَقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " لَا تَلْعَنْهُ ; فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " (¬2) فَنَهَى عَنْ لَعْنِ هَذَا الْمُعَيَّنِ الْمُدْمِنَ الَّذِي يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَشَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، مَعَ لَعْنَةِ شَارِبِ الْخَمْرِ عُمُومًا. فَعُلِمَ الْفِرَقُ بَيْنَ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ وَالْخَاصِّ الْمُعَيَّنِ، وَعُلِمَ أَنَّ أَهْلَ الذُّنُوبِ الَّذِينَ يَعْتَرِفُونَ بِذُنُوبِهِمْ أَخَفُّ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةٍ يَسْتَحِلُّونَ بِهَا عُقُوبَةَ مَنْ يُخَالِفُهُمْ. وَالرَّافِضَةُ أَشَدُّ بِدْعَةً مِنَ الْخَوَارِجِ، وَهُمْ يُكَفِّرُونَ مَنْ لَمْ تَكُنِ الْخَوَارِجُ تُكَفِّرُهُ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَيَكْذِبُونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ كَذِبًا مَا كَذِبَ أَحَدٌ مِثْلَهُ، وَالْخَوَارِجُ لَا يَكْذِبُونَ، لَكِنَّ الْخَوَارِجَ كَانُوا أَصْدَقَ وَأَشْجَعَ مِنْهُمْ، وَأَوْفَى بِالْعَهْدِ مِنْهُمْ، فَكَانُوا أَكْثَرَ قِتَالًا مِنْهُمْ، وَهَؤُلَاءِ أَكْذَبُ وَأَجْبَنُ وَأَغْدَرُ وَأَذَلُّ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 4/200 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، مُسْلِمٍ 2/744 - 745 كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمُ الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 3/65، 68، 73/353، 354 - 355 وَانْظُرْ جَامِعَ الْأُصُولِ لِابْنِ الْأَثِيرِ 10/436 - 440 سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/60 - 61 الْمُقَدِّمَةُ بَابٌ فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/457 - 458

وَهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِالْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ إِذَا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِعَدُوٍّ كَافِرٍ كَانُوا مَعَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَمَا جَرَى لِجَنْكِزْخَانَ (¬1) مَلِكِ التَّتَرِ (¬2) الْكُفَّارِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ أَعَانَتْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (¬3) . وَأَمَّا إِعَانَتُهُمْ لِهُولَاكُو ابْنِ ابْنِهِ لَمَّا جَاءَ إِلَى خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ فَهَذَا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، فَكَانُوا بِالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْصَارِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (¬4) ، وَكَانَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ بِبِغَدْادَ (¬5) الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ مِنْهُمْ (¬6) ، فَلَمْ يَزَلْ يَمْكُرُ بِالْخَلِيفَةِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَسْعَى فِي قَطْعِ أَرْزَاقِ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَضَعْفِهِمْ، وَيَنْهَى الْعَامَّةَ عَنْ قِتَالِهِمْ، وَيَكِيدُ أَنْوَاعًا مِنَ الْكَيْدِ، حَتَّى دَخَلُوا فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ بِضْعَةَ عَشْرَ أَلْفِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ، وَلَمْ يُرَ فِي الْإِسْلَامِ مَلْحَمَةٌ مِثْلَ مَلْحَمَةِ التُّرْكِ الْكُفَّارِ الْمُسَمَّيْنَ بِالتَّتَرِ، وَقَتَلُوا الْهَاشِمِيِّينَ وَسَبَوْا نِسَاءَهُمْ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَغَيْرِ الْعَبَّاسِيِّينَ (¬7) ، فَهَلْ يَكُونُ مُوَالِيًا لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُسَلِّطُ الْكُفَّارَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَعَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؟ . ¬

(¬1) ن: لِجَنْكِشْخَانَ، ي، ر، أ، م: لِجَنْكِسْخَانَ. (¬2) مَلِكِ التَّتَرِ: كَذَا فِي (ن) ، (م) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَلِكِ التُّرْكِ. (¬3) انْظُرْ عَنْ غَزْوِ جَنْكِزْخَانَ لِمَنَاطِقَ مِنَ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ أَحْدَاثَ سَنَةِ 617 هـ فِي تَارِيخِ ابْنِ الْأَثِيرِ 12/137 - 153 الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 13/86 - 91 وَقَدْ تُوُفِّيَ جَنْكِزْخَانَ سَنَةَ 624 وَانْظُرْ عَنْهُ: الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 13/117 - 121 ; دَائِرَةَ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَقَالَةَ بَارُتُولْدَ. (¬4) ح، ب: بَاطِنًا وَظَاهِرًا. (¬5) بِبَغْدَادَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬6) الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ مِنْهُمْ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ. (¬7) ن، م: وَغَيْرِهِمْ، وَانْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ، ص 21 (م) وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ ص [0 - 9] 25 - 326 حَيْثُ نَقَلَ عَنِ الْخُوَانَسَارِيِّ فِي كِتَابِهِ رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ص 578 عِنْدَ تَرْجَمَةِ نَصِيرِ الدِّينِ الطُّوسِيِّ قَوْلَهُ عَنْهُ: وَمَجِيئُهُ فِي مَوْكِبِ السُّلْطَانِ الْمُؤَيَّدِ هُولَاكُو مَعَ كَمَالِ الِاسْتِعْدَادِ إِلَى دَارِ السَّلَامِ بَغْدَادَ، لِإِرْشَادِ الْعُبَّادِ وَإِصْلَاحِ الْعِبَادِ، وَقَطْعِ دَابِرِ سِلْسِلَةِ الْبَغِيِّ وَالْفَسَادِ، وَإِخْمَادِ ثَائِرَةِ الْجَوْرِ وَالْإِلْبَاسِ، بِإِبَادَةِ دَائِرَةِ مُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَإِيقَاعِ الْقَتْلِ الْعَامِّ، مِنْ أَتْبَاعِ أُولَئِكَ الطَّغَامِ، إِلَى أَنْ أَسَالَ دِمَاءَهُمُ الْأَقْذَارَ، كَأَمْثَالِ الْأَنْهَارِ، فَانْهَارَ بِهَا فِي مَاءِ دِجْلَةَ، وَمِنْهَا إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَارِ الْبَوَارِ، وَمَحَلِّ الْأَشْقِيَاءِ وَالْأَشْرَارِ. وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي ص 20 مِنَ الْكِتَابِ، وَانْظُرْ تَعْلِيقَهُ فِي هَامِشِ ص 326 - 327 عَلَى ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ وَكَلَامَهُ عَلَى دَوْرِهِ فِي تَحْرِيضِ هُولَاكُو عَلَى الزَّحْفِ عَلَى بَغْدَادَ وَخِدَاعِهِ لِلْخَلِيفَةِ الْمُسْتَعْصِمِ. . . إِلَخْ.

وَهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى الْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَتَلَ الْأَشْرَافَ، وَلَمْ يَقْتُلِ الْحَجَّاجُ هَاشِمِيًّا قَطُّ، مَعَ ظُلْمِهِ وَغَشْمِهِ ; فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَتَلَ نَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ غَيْرَ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ تَزَوَّجَ هَاشِمِيَّةً، وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَمَا مَكَّنَهُ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ ذَلِكَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَقَالُوا: لَيْسَ الْحَجَّاجُ كُفُوًا لِشَرِيفَةٍ هَاشِمِيَّةٍ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ (¬1) بِالشَّامِ مِنَ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ لَهُمْ كَلِمَةٌ أَوْ سِلَاحٌ يُعِينُونَ الْكُفَّارَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمِنَ النَّصَارَى (¬2) أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، عَلَى قَتْلِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ. وَالْخَوَارِجُ مَا عَمِلَتْ مِنْ هَذَا شَيْئًا، بَلْ كَانُوا هُمْ (¬3) يُقَاتِلُونَ النَّاسَ، لَكِنْ مَا كَانُوا يُسَلِّطُونَ الْكُفَّارَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. ¬

(¬1) ن: وَكَانَ كَذَلِكَ مَنْ كَانَ. (¬2) ن: وَالنَّصَارَى. (¬3) هُمْ: فِي (ن) ، (م) ، (أ) فَقَطْ.

وَدَخَلَ فِي الرَّافِضَةِ مِنَ الزَّنَادِقَةِ الْمُنَافِقِينَ (¬1) : الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ وَالنَّصِيرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ (¬2) لَمْ يَكُنْ يَجْتَرِئُ أَنْ يَدْخُلَ عَسْكَرَ الْخَوَارِجِ، لِأَنَّ الْخَوَارِجَ كَانُوا عُبَّادًا مُتَوَرِّعِينَ، كَمَا قَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ [وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ] » " (¬3) الْحَدِيثَ (¬4) ، فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ مِنَ الْخَوَارِجِ؟ . وَالرَّافِضَةُ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مُتَعَبِّدٌ مُتَوَرِّعٌ زَاهِدٌ، لَكِنْ لَيْسُوا فِي ذَلِكَ مِثْلَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَالْمُعْتَزِلَةُ أَعْقَلُ مِنْهُمْ وَأَعْلَمُ وَأَدْيَنُ، وَالْكَذِبُ وَالْفُجُورُ فِيهِمْ أَقَلُّ مِنْهُ فِي الرَّافِضَةِ. وَالزَّيْدِيَّةُ مِنَ الشِّيعَةِ خَيْرٌ مِنْهُمْ: أَقْرَبُ إِلَى الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وِالْعِلْمِ (¬5) ، وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَصْدَقُ وَلَا أَعْبَدُ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَمَعَ هَذَا فَأَهْلُ السُّنَّةِ يَسْتَعْمِلُونَ مَعَهُمُ الْعَدْلَ وَالْإِنْصَافَ وَلَا يَظْلِمُونَهُمْ ; فَإِنَّ الظُّلْمَ حَرَامٌ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، بَلْ هُمْ لِلرَّافِضَةِ خَيْرٌ وَأَعْدَلُ مِنْ بَعْضِ الرَّافِضَةِ لِبَعْضٍ. وَهَذَا مِمَّا يَعْتَرِفُونَ هُمْ بِهِ، وَيَقُولُونَ: أَنْتُمْ تُنْصِفُونَنَا (¬6) مَا لَا يُنْصِفُ ¬

(¬1) الْمُنَافِقِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬2) أ، ب: مَنْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (و) وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ الْخَوَارِجِ فِي الصَّفَحَاتِ السَّابِقَةِ. (¬4) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 150، 154 (¬5) ن، م، أ: وَالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ. (¬6) أَنْتُمْ تُنْصِفُونَنَا: كَذَا فِي (ح) ، وَفِي (أ) ، (ي) ، (و) ، (ر) أَنْتُمْ تُنْصِفُونَا، وَفِي (ن) (م) : أَنَّهُمْ يُنْصِفُونَا.

بَعْضُنَا بَعْضًا. وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي اشْتَرَكُوا فِيهِ أَصْلٌ فَاسِدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى جَهْلٍ وَظُلْمٍ، وَهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي ظُلْمِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي ظُلْمِ النَّاسِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُسْلِمَ الْعَالِمَ الْعَادِلَ أَعْدَلُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَالْخَوَارِجُ تُكَفِّرُ أَهْلَ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الرَّافِضَةِ وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ فُسِّقَ. وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ يَبْتَدِعُونَ رَأْيًا، وَيُكَفِّرُونَ (¬1) مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَا يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ وَأَرْحَمُ بِالْخَلْقِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آلِ عِمْرَانَ 110] . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ (¬2) . وَأَهْلُ السُّنَّةِ نَقَاوَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ. وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِسَاحِلِ الشَّامِ جَبَلٌ كَبِيرٌ، فِيهِ أُلُوفٌ مِنَ الرَّافِضَةِ يَسْفِكُونَ دِمَاءَ النَّاسِ، وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَقَتَلُوا خَلْقًا عَظِيمًا وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَلَمَّا انْكَسَرَ الْمُسْلِمُونَ سَنَةَ غَازَانَ (¬3) ، أَخَذُوا الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ ¬

(¬1) وَيُكَفِّرُونَ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ فَيُكَفِّرُونَ. (¬2) وَرَدَ هَذَا الْأَثَرُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/37 - 38 كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ، بَابُ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وَنَصُّهُ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ 2/77 ط. دَارَ الشَّعْبِ. (¬3) ن، م: فِي غَازَانَ، و: سَنَةَ قَازَانَ، أ: سَنَةَ عَازَابَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ ص 329 ت [0 - 9] مَا يَلِي: سَنَةَ غَازَانَ هِيَ سَنَةُ 699 وَغَازَانُ 670 - 703 هُوَ أَخُو خَدَابِنَدَاهُ 680 - 716 الَّذِي أَلَّفَ لَهُ الرَّافِضِيُّ الْكِتَابَ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعْرِيفُ بِهِ وَبِأَسْلَافِهِ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى خُطْبَةِ هَذَا الْكِتَابِ ص 18 وَالْوَاقِعَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ هِيَ أَنَّ دِمَشْقَ كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْحِينِ تَابِعَةً لِلْمَلِكَةِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ مَلِكُ مِصْرَ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ الَّذِي عَادَ مِنْ مَنْفَاهُ بِالْكَرْكَ بَعْدَ قَتْلِ الْمَنْصُورِ لَاجِينَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ 698 وَكَانَ نَائِبُ السُّلْطَانِ الْمِصْرِيِّ فِي دِمَشْقَ وَبِلَادِ الشَّامِ آقُوشَ الْأَفْرَمَ بَعْدَ أَنْ فَرَّ سَلَفُهُ سَيْفُ الدِّينِ قَبْجَقُ الْمَنْصُورِيُّ إِلَى إِيرَانَ وَالْتَحَقَ بِمَلِكِهَا غَازَانَ الْمَذْكُورِ، فَوَرَدَتِ الْأَخْبَارُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ 698 بِزَحْفِ غَازَانَ مِنْ إِيرَانَ نَحْوَ حَلَبَ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ فَخَرَجَ مِنْ مِصْرَ إِلَى غَزَّةَ فِي مُحَرَّمٍ 699 وَلَبِثَ فِيهَا شَهْرَيْنِ يَسْتَعِدُّ وَيُرَاقِبُ حَرَكَاتِ غَازَانَ، وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ 699 وَصَلَ النَّاصِرُ إِلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ الْوَقْتُ شِتَاءَ دِيسِمْبِرَ 1219 م فَتَمَوَّنَ مِنْ دِمَشْقَ بِالرِّجَالِ وَالْأَمْوَالِ وَالْعَتَادِ حَتَّى اقْتَرَضُوا أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ، وَزَحَفَ إِلَى الشَّمَالِ، فَالْتَقَى بِالتَّتَارِ فِي وَادِي سَلَمْيَةَ يَوْمَ 27 رَبِيعٍ الْأَوَّلِ 699 وَكَانَتْ مَلْحَمَةً انْكَسَرَتْ فِيهَا جُيُوشُ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، وَوَاصَلَ غَازَانُ زَحْفَهُ فَاسْتَوْلَى عَلَى بَعْلَبَكَّ وَالْبِقَاعِ، فَنَزَحَ أَعْيَانُ دِمَشْقَ إِلَى مِصْرَ يَتَّبِعُونَ الْمَلِكَ النَّاصِرَ فِي انْسِحَابِهِ، وَبَقِيَتْ دِمَشْقُ بِلَا رُعَاةٍ، وَالْتَفَّ الشَّامِيُّونَ حَوْلَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْخُرُوجَ لِمُقَابَلَةِ غَازَانَ وَطَلَبِ الْأَمَانِ لِلشَّعْبِ، وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا جَرَى بَيْنَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَغَازَانَ فِي لِقَاءٍ بَيْنِهِمَا، ثُمَّ ذَكَرَ مَا جَرَى مِنَ التَّتَارِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى أَوَاسِطِ شَعْبَانَ سَنَةَ 699 انْظُرْ هَامِشَ ص 330 - 332 وَانْظُرْ عَنْ سَنَةِ غَازَانَ أَوْ وَقْعَةِ غَازَانَ: الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 14/6 - 11.

وَالْأَسْرَى (¬1) وَبَاعُوهُمْ لِلْكُفَّارِ النَّصَارَى (¬2) بِقُبْرُصَ، وَأَخَذُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْجُنْدِ، وَكَانُوا أَضَرَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْدَاءِ، وَحَمَلَ بَعْضُ أُمَرَائِهِمْ رَايَةَ النَّصَارَى، وَقَالُوا لَهُ: أَيُّمَا (¬3) خَيْرٌ: الْمُسْلِمُونَ أَوِ النَّصَارَى؟ فَقَالَ: بَلِ النَّصَارَى. فَقَالُوا لَهُ: مَعَ مَنْ تُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: مَعَ النَّصَارَى. وَسَلَّمُوا إِلَيْهِمْ (¬4) بَعْضَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. ¬

(¬1) ح، ب: وَالْأُسَارَى. (¬2) ح، ب: لِلْكُفَّارِ وَالنَّصَارَى. (¬3) ن، م: مِنْ. (¬4) ح: لَهُمْ.

وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا اسْتَشَارَ بَعْضُ (¬1) وُلَاةِ الْأَمْرِ فِي غَزْوِهِمْ، وَكَتَبْتُ جَوَابًا مَبْسُوطًا فِي غَزْوِهِمْ، وَذَهَبْنَا إِلَى نَاحِيَتِهِمْ وَحَضَرَ عِنْدِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، وَجَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مُنَاظَرَاتٌ وَمُفَاوَضَاتٌ يَطُولُ وَصْفُهَا، فَلَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بَلَدَهُمْ (¬2) ، وَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، نَهَيْتُهُمْ عَنْ قَتْلِهِمْ وَعَنْ سَبْيِهِمْ (¬3) ، وَأَنْزَلْنَاهُمْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مُتَفَرِّقِينَ لِئَلَّا يَجْتَمِعُوا. فَمَا أَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ (¬4) ذَمِّ الرَّافِضَةِ وَبَيَانِ كَذِبِهِمْ وَجَهْلِهِمْ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَعْرِفُهُ مِنْهُمْ، وَلَهُمْ شَرٌّ كَثِيرٌ لَا أَعْرِفُ تَفْصِيلَهُ. وَمُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الرَّافِضَةِ، إِنَّمَا نُقَابِلُهُمْ بِبَعْضِ مَا فَعَلُوهُ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا ; فَإِنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَإِلَى خِيَارِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَجَعَلُوهُمْ شِرَارَ النَّاسِ، وَافْتَرَوْا عَلَيْهِمُ الْعَظَائِمَ، وَجَعَلُوا حَسَنَاتِهِمْ سَيِّئَاتٍ (¬5) ، وَجَاءُوا إِلَى شَرِّ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَهُمُ الرَّافِضَةُ بِأَصْنَافِهَا: غَالِيُّهَا وَإِمَامِيُّهَا وَزَيْدِيُّهَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ، وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (¬6) ، لَيْسَ فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ مَعَ بِدْعَةٍ وَضَلَالَةٍ شَرٌّ مِنْهُمْ: لَا أَجْهَلَ وَلَا أَكْذَبَ، وَلَا أَظْلَمَ، وَلَا أَقْرَبَ إِلَى الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَأَبْعَدَ عَنْ حَقَائِقِ ¬

(¬1) بَعْضُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) و: فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ بَلَدَهُمْ. (¬3) ح: وَسَبْيِهِمْ. (¬4) ح، ب: فِي. (¬5) ح، ب: سَيِّئَاتِهِمْ. (¬6) ن، م، أ، و: وَكَفَى بِهِ عَلِيمًا.

الْإِيمَانِ مِنْهُمْ، فَزَعَمُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ ; فَإِنَّ مَا سِوَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كُفَّارٌ، وَهَؤُلَاءِ كَفَّرُوا الْأُمَّةَ كُلَّهَا أَوْ ضَلَّلُوهَا، سِوَى طَائِفَتِهِمُ الَّتِي (¬1) يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الطَّائِفَةُ الْمُحِقَّةُ، وَأَنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَجَعَلُوهُمْ صَفْوَةَ بَنِي آدَمَ. فَكَانَ مَثَلُهُمْ كَمَنْ جَاءَ إِلَى غَنَمٍ كَثِيرَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَعْطِنَا خَيْرَ هَذِهِ الْغَنَمِ لِنُضَحِّيَ بِهَا، فَعَمَدَ إِلَى شَرِّ تِلْكَ الْغَنَمِ: إِلَى شَاةٍ عَوْرَاءَ عَجْفَاءَ عَرْجَاءَ مَهْزُولَةٍ لَا نَقَى لَهَا (¬2) ، فَقَالَ: هَذِهِ خِيَارُ هَذِهِ الْغَنَمِ لَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ إِلَّا بِهَا، وَسَائِرُ هَذِهِ الْغَنَمِ لَيْسَتْ غَنَمًا، وَإِنَّمَا هِيَ خَنَازِيرُ يَجِبُ قَتْلُهَا، وَلَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ (¬3) بِهَا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ حَمَى اللَّهُ لَحْمَهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " (¬4) . وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ: إِمَّا مُنَافِقٌ وَإِمَّا جَاهِلٌ، فَلَا يَكُونُ رَافِضِيٌّ وَلَا جَهْمِيٌّ إِلَّا مُنَافِقًا أَوْ جَاهِلًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكُونُ فِيهِمْ أَحَدٌ عَالِمًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مَعَ الْإِيمَانِ بِهِ، فَإِنَّ مُخَالَفَتَهُمْ لِمَا جَاءَ ¬

(¬1) أ، ح، ر، و: الَّذِينَ. (¬2) فِي اللِّسَانِ: النَّقَاوَةُ أَفْضَلُ مَا انْتَقَيْتَ مِنَ الشَّيْءِ، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَجَمْعُ النَّقَاوَةِ نُقًا وَنُقَاءٌ. (¬3) ن، م: التَّضْحِيَةُ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/373 كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَنْ رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ غَيْبَتَهُ، وَلَفْظُهُ: مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ. أَرَاهُ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمَى لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ. وَالْحَدِيثُ فِي: الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/441 وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 6/193.

بِهِ الرَّسُولُ وَكَذِبَهُمْ عَلَيْهِ لَا يَخْفَى قَطُّ إِلَّا عَلَى مُفْرِطٍ فِي الْجَهْلِ وَالْهَوَى. وَشُيُوخُهُمُ الْمُصَنِّفُونَ فِيهِمْ طَوَائِفُ يَعْلَمُونَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَقُولُونَهُ كَذِبٌ، وَلَكِنْ يُصَنِّفُونَ لَهُمْ لِرِيَاسَتِهِمْ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا الْمُصَنِّفُ يَتَّهِمُهُ النَّاسُ بِهَذَا، وَلَكِنْ صَنَّفَ لِأَجْلِ أَتْبَاعِهِ ; فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ بَاطِلٌ وَيُظْهِرُهُ وَيَقُولُ: إِنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُوَ مِنْ جِنْسِ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ، وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ. وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَقٌّ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى نِهَايَةِ جَهْلِهِ وَضَلَالِهِ. فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ ... وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ وَهُمْ فِي دِينِهِمْ لَهُمْ عَقْلِيَّاتٌ وَشَرْعِيَّاتٌ، فَالْعَقْلِيَّاتُ مُتَأَخِّرُوهُمْ فِيهَا أَتْبَاعُ الْمُعْتَزِلَةِ، إِلَّا مَنْ تَفَلْسَفَ مِنْهُمْ (¬1) ، فَيَكُونُ إِمَّا فَيْلَسُوفًا، وَإِمَّا مُمْتَزِجًا مِنْ فَلْسَفَةٍ وَاعْتِزَالٍ، وَيُضَمُّ إِلَى ذَلِكَ الرَّفْضُ، مِثْلَ مُصَنِّفِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَمْثَالِهِ، فَيَصِيرُونَ بِذَلِكَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ (¬2) الْمَحْضِ. وَأَمَّا شَرْعِيَّاتِهِمْ فَعُمْدَتُهُمْ فِيهَا عَلَى مَا يُنْقَلُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ (¬3) ، مِثْلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ وَغَيْرِهِمَا. ¬

(¬1) ن، م: فِيهِمْ. (¬2) ح، ب: الْإِسْلَامِ. (¬3) ن، م: أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَئِمَّةِ الدِّينِ، وَلِأَقْوَالِهِمْ مِنَ الْحُرْمَةِ وَالْقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَمْثَالُهُمْ، لَكِنْ كَثِيرٌ مِمَّا يُنْقَلُ عَنْهُمْ كَذِبٌ، وَالرَّافِضَةُ لَا خِبْرَةَ لَهَا بِالْأَسَانِيدِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ هُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ أَشْبَاهِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كُلُّ مَا (¬1) يَجِدُونَهُ فِي الْكُتُبِ مَنْقُولًا عَنْ أَسْلَافِهِمْ قَبِلُوهُ، بِخِلَافِ أَهْلِ السُّنَّةِ ; فَإِنَّ لَهُمْ مِنَ الْخِبْرَةِ بِالْأَسَانِيدِ مَا يُمَيِّزُونَ بِهِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَإِذَا صَحَّ النَّقْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (¬2) فَلَهُ أُسْوَةٌ نُظَرَاؤُهُ كَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِمَا، كَمَا كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] . فَأَمَرَ بِرَدِّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَالرَّافِضَةُ لَا تَعْتَنِي بِحِفْظِ الْقُرْآنِ، وَمَعْرِفَةِ مُعَانِيهِ وَتَفْسِيرِهِ، وَطَلَبِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهِ. وَلَا تَعْتَنِي أَيْضًا بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْرِفَةِ صَحِيحِهِ مِنْ سَقِيمِهِ، وَالْبَحْثِ عَنْ مَعَانِيهِ، وَلَا تَعْتَنِي بِآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، حَتَّى تَعْرِفَ مَآخِذَهُمْ وَمَسَالِكَهُمْ، وَيُرَدُّ (¬3) مَا ¬

(¬1) ب فَقَطْ: فَكُلُّ. (¬2) ن: عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ح، ب: وَتُرَدُّ.

تُنَازِعُوا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، بَلْ عُمْدَتُهَا آثَارٌ تُنْقَلُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ فِيهَا صِدْقٌ وَكَذِبٌ. وَقَدْ أَصَّلْتُ لَهَا ثَلَاثَةَ أُصُولٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ إِمَامٌ مَعْصُومٌ بِمَنْزِلَةِ النَّبِيِّ، لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُ، وَلَا يُرَدُّ مَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فَيَقُولُونَ عَنْهُ مَا كَانَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَنْقُلُ كُلَّ مَا أَقُولُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَا لَيْتَهُمْ قَنَعُوا بِمَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ كَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، بَلْ يَأْتُونَ إِلَى مَنْ تَأَخَّرَ زَمَانُهُ كَالْعَسْكَرِيِّينَ فَيَقُولُونَ: كُلُّ مَا قَالَهُ وَاحِدٌ مِنْ أُولَئِكَ فَالنَّبِيُّ قَدْ قَالَهُ. وَكُلُّ مَنْ لَهُ عَقْلٌ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَسْكَرِيِّينَ بِمَنْزِلَةِ أَمْثَالِهِمَا مِمَّنْ كَانَ فِي زَمَانِهِمَا مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَمْتَازُونَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِمْ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَلَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَأْخُذُونَ عَنْهُمْ، كَمَا يَأْخُذُونَ عَنْ عُلَمَاءِ زَمَانِهِمْ، وَكَمَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي زَمَنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَابْنِ ابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ أَخَذَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَنْهُمْ، كَمَا كَانُوا يَأْخُذُونَ

زعم الرافضة أن إجماعهم هو إجماع العترة وأن إجماع العترة معصوم

عَنْ أَمْثَالِهِمْ، بِخِلَافِ الْعَسْكَرِيِّينَ وَنَحْوِهِمَا (¬1) ; فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفُونَ بِالْعِلْمِ عَنْهُمْ شَيْئًا، فَيُرِيدُونَ أَنْ يَجْعَلُوا مَا قَالَهُ الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ هُوَ قَوْلُ الرَّسُولِ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ، بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُتَوَاتِرِ مِنَ السُّنَنِ. وَهَذَا مِمَّا لَا يَبْنِي عَلَيْهِ دِينَهُ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ. [زعم الرافضة أن إِجْمَاعَهم هُوَ إِجْمَاعُ الْعِتْرَةِ وَأن إِجْمَاعُ الْعِتْرَةِ مَعْصُومٌ] وَأَصَّلُوا أَصْلًا ثَالِثًا: وَهُوَ أَنَّ إِجْمَاعَ الرَّافِضَةِ هُوَ إِجْمَاعُ الْعِتْرَةِ، وَإِجْمَاعُ الْعِتْرَةِ مَعْصُومٌ. وَالْمُقْدِمَةُ الْأَوْلَى كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ. وَالثَّانِيَةُ فِيهَا نِزَاعٌ، فَصَارَتِ الْأَقْوَالُ الَّتِي فِيهَا صِدْقٌ وَكَذِبٌ عَلَى أُولَئِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ لَهُمْ، وَبِمَنْزِلَةِ السُّنَّةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنَ الرَّسُولِ، وَبِمَنْزِلَةِ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَحْدَهَا. وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ وَتَصَوَّرَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَمُجُّهُ أَعْظَمَ مِمَّا يَمُجُّ الْمِلْحَ الْأُجَاجَ وَالْعَلْقَمَ، لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِطُرُقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا سِيَّمَا مَذَاهِبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الرِّوَايَاتِ الصَّادِقَةِ الَّتِي لَا رَيْبَ فِيهَا عَنِ الْمَعْصُومِ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ جَعَلُوا الرَّسُولَ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى الْخَلْقِ هُوَ إِمَامُهُمُ الْمَعْصُومُ، عَنْهُ يَأْخُذُونَ دِينَهُمْ، فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالِدَيْنُ مَا شَرَعَهُ، وَكُلُّ قَوْلٍ يُخَالِفُ قَوْلَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْلَمِهِمْ، وَهُوَ مَأْجُورٌ فِيهِ عَلَى اجْتِهَادِهِ، لَكِنَّهُمْ لَا يُعَارِضُونَ قَوْلَ اللَّهِ وَقَوْلَ رَسُولِهِ بِشَيْءٍ أَصْلًا: لَا نَقْلَ نُقِلَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا رَأْيَ رَآهُ غَيْرُهُ. وَمَنْ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّمَا هُمْ وَسَائِطُ فِي التَّبْلِيغِ عَنْهُ: إِمَّا لِلَفْظِ حَدِيثِهِ، وَإِمَّا لِمَعْنَاهُ. فَقَوْمٌ بَلَّغُوا مَا سَمِعُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ، وَقَوْمٌ ¬

(¬1) ر، ي: وَأَمْثَالِهِمَا.

الحق لا يخرج عن أهل السنة

تَفَقَّهُوا فِي ذَلِكَ عَرَفُوا مَعْنَاهُ، وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ رَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. [الحق لا يخرج عن أهل السنة] فَلِهَذَا لَمْ يَجْتَمِعْ قَطُّ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ قَطُّ، وَكُلُّ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ خَارِجِيٍّ وَرَافِضِيٍّ وَمُعْتَزِلِيٍّ وَجَهْمِيٍّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، فَإِنَّمَا يُخَالِفُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ مَنْ خَالَفَ مَذَاهِبَهُمْ فِي الشَّرَائِعِ الْعَمَلِيَّةِ كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يُوَافِقُهُمْ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ الْآخَرَ، فَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمِلَلِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي الْإِسْلَامِ كَأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الْمِلَلِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. [إجماع الصحابة يغني عن دعوى أي إجماع آخر] فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ يَخْرُجُ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَلِمَ لَمْ يُذْكَرْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ، وَذُكِرَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ، كَمَا تَكَلَّمَ عَلَى إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعِ الْعِتْرَةِ؟ . قِيلَ: لِأَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ لَا يَتَّفِقُونَ إِلَّا عَلَى مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (¬1) وَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ مُغْنِيًا (¬2) عَنْ دَعْوَى إِجْمَاعٍ يُنَازِعُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةَ بَعْضِ النَّاسِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ يَدَّعِي إِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِجْمَاعًا ; فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ لَا نَصَّ فِيهَا، بَلِ النَّصُّ عَلَى خِلَافِهَا. [وَكَذَلِكَ الْمُدَّعُونَ إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ يَدَّعُونَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ لَا نَصَّ مَعَهُمْ ¬

(¬1) ح، ب: مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. (¬2) ن، م، أ: مُعِينًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

أهل الكتاب معهم حق وباطل

فِيهَا، بَلِ النَّصُّ عَلَى خِلَافِهَا] (¬1) ، فَاحْتَاجَ هَؤُلَاءِ إِلَى دَعْوَى مَا يَدْعُونَهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ حُجَّةٌ. وَأَمَّا أَهْلُ الْحَدِيثِ فَالنُّصُوصُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ عُمْدَتُهُمْ، وَعَلَيْهَا يَجْمَعُونَ إِذَا أَجْمَعُوا، لَا سِيَّمَا وَأَئِمَّتُهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَكُونُ قَطُّ إِجْمَاعٌ صَحِيحٌ عَلَى خِلَافِ نَصٍّ إِلَّا وَمَعَ الْإِجْمَاعِ نَصٌّ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ، يُعْرَفُ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِذَلِكَ النَّصِّ الْآخَرِ. فَإِذَا كَانُوا لَا يُسَوِّغُونَ أَنْ تُعَارَضَ النُّصُوصُ بِمَا يُدَّعَى مِنْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، لِبُطْلَانِ تَعَارُضِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ إِذَا عُورِضَتِ النُّصُوصُ بِمَا يُدَّعَى مِنْ إِجْمَاعِ الْعِتْرَةِ أَوْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ . وَكُلُّ مَنْ سِوَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مِنَ الْفِرَقِ فَلَا يَنْفَرِدُ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِقَوْلٍ صَحِيحٍ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ مَا هُوَ حَقٌّ. وَبِسَبَبِ ذَلِكَ وَقَعَتِ الشُّبْهَةُ، وَإِلَّا فَالْبَاطِلُ الْمَحْضُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلِهَذَا سُمِّيَ أَهْلُ الْبِدَعِ أَهْلَ الشُّبَهَاتِ، وَقِيلَ فِيهِمْ: إِنَّهُمْ يَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ. [أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَهُمْ حَقٌّ وَبَاطِلٌ] وَهَكَذَا أَهْلُ الْكِتَابِ مَعَهُمْ حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى لَهُمْ: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 42] ، وَقَالَ: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 8] ، وَقَالَ عَنْهُمْ: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 150] ، وَقَالَ عَنْهُمْ: ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 91] . وَذَلِكَ لِأَنَّهُمُ ابْتَدَعُوا بِدَعًا خَلَطُوهَا بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَفَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا (¬1) شِيَعًا، فَصَارَ (¬2) فِي كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْحَقِّ الَّذِي مَعَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَيُصَدِّقُونَ بِالْبَاطِلِ الَّذِي مَعَهُمْ. [وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ كُلِّهِمْ ; فَإِنَّ مَعَهُمْ] (¬3) حَقًّا وَبَاطِلًا (¬4) ، فَهُمْ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ فَرِيقٍ يُكَذِّبُ بِمَا مَعَ الْآخَرِ مِنَ الْحَقِّ وَيُصَدِّقُ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْبَاطِلِ، كَالْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ ; فَهَؤُلَاءِ يُكَذِّبُونَ بِمَا ثَبَتَ مِنْ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُصَدِّقُونَ بِمَا رُوِيَ فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَيُصَدِّقُونَ بِمَا ابْتَدَعُوهُ مِنْ تَكْفِيرِهِ وَتَكْفِيرِ مَنْ يَتَوَلَّاهُ وَيُحِبُّهُ. وَهَؤُلَاءِ يُصَدِّقُونَ بِمَا رُوِيَ فِي فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَيُكَذِّبُونَ بِمَا رُوِيَ فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَيُصَدِّقُونَ بِمَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ التَّكْفِيرِ وَالطَّعْنِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَدِينُ الْإِسْلَامِ وَسَطٌ بَيْنِ الْأَطْرَافِ الْمُتَجَاذِبَةِ. فَالْمُسْلِمُونَ وَسَطٌ فِي التَّوْحِيدِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَالْيَهُودُ (¬5) تَصِفُ الرَّبَّ بِصِفَاتِ النَّقْصِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْمَخْلُوقُ، وَيُشَبِّهُونَ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ. كَمَا قَالُوا: إِنَّهُ بَخِيلٌ، وَإِنَّهُ فَقِيرٌ، وَإِنَّهُ لَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ تَعِبَ. وَهُوَ سُبْحَانُهُ ¬

(¬1) أ، ي، ر، و: وَصَارُوا. (¬2) ح، ب: فَكَانَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) حَقًّا وَبَاطِلًا: كَذَا فِي (ب) ، فَقَطْ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: حَقٌّ وَبَاطِلٌ. (¬5) ن فَقَطْ: فَالنَّصَارَى، وَهُوَ خَطَأٌ.

الْجَوَّادُ الَّذِي لَا يَبْخَلُ وَالْغَنِيُّ الَّذِي لَا يُحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْقَادِرُ الَّذِي لَا يَمَسُّهُ لُغُوبٌ. وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْغِنَى عَمَّا (¬1) سِوَاهُ هِيَ صِفَاتُ الْكَمَالِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ سَائِرَهَا. وَالنَّصَارَى يَصِفُونَ الْمَخْلُوقَ بِصِفَاتِ الْخَالِقِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا، وَيُشَبِّهُونَ الْمَخْلُوقَ بِالْخَالِقِ، حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَقَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَاتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} . فَالْمُسْلِمُونَ وَحَّدُوا اللَّهَ وَوَصَفُوهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنَزَّهُوهُ عَنْ جَمِيعِ صِفَاتِ النَّقْصِ، وَنَزَّهُوهُ عَنْ أَنْ يُمَاثِلَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي شَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ لَا بِصِفَاتِ النَّقْصِ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. وَكَذَلِكَ فِي النُّبُوَّاتِ ; فَالْيَهُودُ تَقْتُلُ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ، وَتَسْتَكْبِرُ عَنِ اتِّبَاعِهِمْ، وَتُكَذِّبُهُمْ (¬2) وَتَتَّهِمُهُمْ بِالْكَبَائِرِ. وَالنَّصَارَى يَجْعَلُونَ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَلَا رَسُولٍ نَبِيًّا وَرَسُولًا، كَمَا يَقُولُونَ فِي الْحَوَارِيِّينَ: إِنَّهُمْ رُسُلٌ، بَلْ يُطِيعُونَ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ كَمَا تُطَاعُ الْأَنْبِيَاءُ. فَالنَّصَارَى تُصَدِّقُ بِالْبَاطِلِ، وَالْيَهُودُ تُكَذِّبُ بِالْحَقِّ. وَلِهَذَا كَانَ فِي مُبْتَدِعَةِ أَهْلِ الْكَلَامِ شَبَهٌ (¬3) مِنَ الْيَهُودِ، وَفِي مُبْتَدِعَةِ أَهْلِ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: عَمَّنْ. (¬2) وَتُكَذِّبُهُمْ: كَذَا فِي (ن) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَتُكَذِّبُ بِهِمْ. (¬3) ن، م: شُبْهَةٌ.

التَّعَبُّدِ شَبَهٌ (¬1) مِنَ النَّصَارَى ; فَآخِرُ أُولَئِكَ الشَّكُّ وَالرَّيْبُ، وَآخِرُ هَؤُلَاءِ الشَّطْحُ وَالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةُ، لِأَنَّ أُولَئِكَ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ فَصَارُوا إِلَى الشَّكِّ، وَهَؤُلَاءِ صَدَّقُوا بِالْبَاطِلِ فَصَارُوا إِلَى الشَّطْحِ، فَأُولَئِكَ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ، [يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ] (¬2) ، وَهَؤُلَاءِ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا. فَمُبْتَدِعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِمَا ابْتَدَعُوهُ، وَلَمْ يَتَّبِعُوا الْعِلْمَ الْمَشْرُوعَ وَيَعْمَلُوا بِهِ، فَانْتَهَوْا إِلَى الشَّكِّ الْمُنَافِي لِلْعِلْمِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ بِالْمَشْرُوعِ، لَكِنْ زَاغُوا فَأَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَكَانُوا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ. وَمُبْتَدِعَةُ الْعُبَّادِ (¬3) طَلَبُوا الْقُرْبَ مِنَ اللَّهِ بِمَا ابْتَدَعُوهُ فِي الْعِبَادَةِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ إِلَّا الْبُعْدُ مِنْهُ ; فَإِنَّهُ مَا ازْدَادَ مُبْتَدِعٌ اجْتِهَادًا إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بُعْدًا. وَالْبُعْدُ عَنْ رَحْمَتِهِ (¬4) ، هُوَ اللَّعْنَةُ وَهُوَ غَايَةُ النَّصَارَى. وَأَمَّا الشَّرَائِعُ فَالْيَهُودُ مَنَعُوا الْخَالِقَ أَنْ يَبْعَثَ رَسُولًا بِغَيْرِ شَرِيعَةِ الرَّسُولِ الْأَوَّلِ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ مَا شَرَعَهُ. وَالنَّصَارَى جُوَّزُوا لِأَحْبَارِهِمْ أَنْ يُغَيِّرُوا مِنَ الشَّرَائِعِ مَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ (¬5) ، فَأُولَئِكَ عَجَّزُوا الْخَالِقَ، وَمَنَعُوهُ مَا ¬

(¬1) ن، م: شُبْهَةٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) ، (ي) وَفِي (ر) : لُجِّيٍّ إِلَى قَوْلِهِ: بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. (¬3) ن، أ، ر: الْعِبَادَةِ. (¬4) ن، م: عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. (¬5) ن، م: رُسُلَهُ.

تَقْتَضِيهِ قُدْرَتُهُ وَحِكْمَتُهُ فِي النُّبُوَّاتِ وَالشَّرَائِعِ. وَهَؤُلَاءِ جَوَّزُوا لِلْمَخْلُوقِ أَنْ يُغَيِّرَ مَا شَرَعَهُ الْخَالِقُ، فَضَاهَوُا الْمَخْلُوقَ بِالْخَالِقِ (¬1) . وَكَذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ ; فَالنَّصَارَى يَعْبُدُونَهُ بِبِدَعٍ ابْتَدَعُوهَا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. وَالْيَهُودُ مُعْرِضُونَ عَنِ الْعِبَادَاتِ، حَتَّى فِي يَوْمِ السَّبْتِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَتَفَرَّغُوا فِيهِ لِعِبَادَتِهِ، إِنَّمَا يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِالشَّهَوَاتِ. فَالنَّصَارَى مُشْرِكُونَ بِهِ وَالْيَهُودُ مُسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ. وَالْمُسْلِمُونَ عَبَدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ بِمَا شَرَعَ، وَلَمْ يَعْبُدُوهُ بِالْبِدَعِ. وَهَذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَسْلِمَ الْعَبْدُ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ دِينُ إِبْرَاهِيمَ. فَمَنِ اسْتَسْلَمَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَانَ مُشْرِكًا، وَمَنْ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لَهُ فَهُوَ مُسْتَكْبِرٌ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 48] . وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 60] . وَكَذَلِكَ فِي أَمْرِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: فِي الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّجَاسَاتِ ; فَالنَّصَارَى لَا تُحَرِّمُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَسْتَحِلُّونَ الْخَبَائِثَ الْمُحَرَّمَةَ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، حَتَّى أَنَّهُمْ يَتَعَبَّدُونَ بِالنَّجَاسَاتِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَلَا يَغْتَسِلُونَ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا يَتَطَهَّرُونَ لِلصَّلَاةِ، وَكُلَّمَا كَانَ الرَّاهِبُ عِنْدَهُمْ أَبْعَدَ عَنِ الطَّهَارَةِ، وَأَكْثَرَ مُلَابَسَةً لِلنَّجَاسَةِ كَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَهُمْ. ¬

(¬1) ح: الْمَخْلُوقَاتِ بِالْخَالِقِ، و: الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ.

وَالْيَهُودُ (¬1) حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٌ أُحِلَّتْ لَهُمْ، فَهُمْ يُحَرِّمُونَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ مَا هُوَ مَنْفَعَةٌ لِلْعِبَادِ، وَيَجْتَنِبُونَ الْأُمُورَ الطَّاهِرَاتِ (¬2) مَعَ النَّجَاسَاتِ، فَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ لَا يَأْكُلُونَ مَعَهَا وَلَا يُجَالِسُونَهَا، فَهُمْ فِي آصَارٍ وَأَغْلَالٍ عُذِّبُوا بِهَا. فَأُولَئِكَ (¬3) يَتَنَاوَلُونَ الْخَبَائِثَ الْمُضِرَّةَ، مَعَ أَنَّ الرُّهْبَانَ يُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ، فَيُحَرِّمُونَ الطَّيِّبَاتِ وَيُبَاشِرُونَ النَّجَاسَاتِ، وَهَؤُلَاءِ يُحَرِّمُونَ الطَّيِّبَاتِ النَّافِعَةَ، مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ قُلُوبًا، وَأَفْسَدِهِمْ بَوَاطِنَ. وَطَهَارَةُ الظَّاهِرِ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا طَهَارَةُ الْقَلْبِ، فَهُمْ يُطَهِّرُونَ ظَوَاهِرَهُمْ وَيُنَجِّسُونَ قُلُوبَهُمْ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي الْإِسْلَامِ مُتَوَسِّطُونَ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ. فَهُمْ فِي عَلِيٍّ وَسَطٌ بَيْنِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ. وَكَذَلِكَ فِي عُثْمَانَ وَسَطٌ بَيْنَ الْمَرْوَانِيَّةِ وَبَيْنَ الزَّيْدِيَّةِ. وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَسَطٌ بَيْنَ الْغُلَاةِ فِيهِمْ وَالطَّاعِنِينَ عَلَيْهِمْ. وَهُمْ فِي الْوَعِيدِ وَسَطٌ بَيْنِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ. وَهُمْ فِي الْقَدَرِ وَسَطٌ بَيْنِ الْقَدَرِيَّةِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَبَيْنَ الْقَدَرِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ. وَهُمْ فِي الصِّفَاتِ وَسَطٌ بَيْنِ الْمُعَطِّلَةِ وَبَيْنَ الْمُمَثِّلَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ سِوَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ الْمُتَّبِعِينَ آثَارَ ¬

(¬1) ح، ر، ي، ب: فَالْيَهُودُ. (¬2) ح، ب: الطَّاهِرَةَ. (¬3) ب فَقَطْ: وَأُولَئِكَ.

أقوال الرافضة التي انفردوا بها عن الجماعة في غاية الفساد

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْفَرِدُونَ عَنْ سَائِرِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ (¬1) إِلَّا بِقَوْلٍ فَاسِدٍ، لَا يَنْفَرِدُونَ قَطُّ بِقَوْلٍ صَحِيحٍ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَنِ السُّنَّةِ أَبْعَدَ، كَانَ انْفِرَادُهُ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْبَاطِلَةِ أَكْثَرَ. وَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ أَبْعَدُ عَنْ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الرَّافِضَةِ. [أقوال الرافضة التي انْفَرَدُوا بِهِا عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ] فَلِهَذَا تَجِدُ فِيمَا انْفَرَدُوا بِهِ عَنِ الْجَمَاعَةِ أَقْوَالًا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، مِثْلَ تَأْخِيرِهِمْ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْكَوْكَبُ مُضَاهَاةً لِلْيَهُودِ، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ (¬2) . وَمَثَّلَ صَوْمَهُمْ قَبْلَ النَّاسِ بِيَوْمَيْنِ، وَفِطْرَهُمْ قَبْلَ النَّاسِ بِيَوْمَيْنِ مُضَاهَاةً لِمُبْتَدِعَةِ (¬3) أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَدَلُوا عَنِ الصَّوْمِ بِالْهِلَالِ إِلَى الِاجْتِمَاعِ، وَجَعَلُوا الصَّوْمَ بِالْحِسَابِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا تَحْسُبُ وَلَا تَكْتُبُ، إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا ; فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» " (¬4) . ¬

(¬1) ن، م: عَنْ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ. (¬2) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ السَّيِّدُ سَابِق فِي كِتَابِهِ " فِقْهِ السُّنَّةِ " ط 1365 فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ص 174 - 176 عَنْ تَعْجِيلِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ مَا أَوْرَدَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 1/277 - 278 فِي ذَلِكَ. (¬3) ب فَقَطْ: لِلْمُبْتَدِعَةِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/27 - 28 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ، وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 2/761 كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 2/398 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامَ: 5017، 5137، 5536، 6041، وَجَمَعَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كَلَامِهِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَصُّهُ فِي: مُسْلِمٍ 2/759 - 760 مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ وَالرِّوَايَاتِ، الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ. وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ 3/26 - 27 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَلَفْظُهُ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ.

وَمِثْلَ تَحْرِيمِهِمْ بَعْضَ أَنْوَاعِ السَّمَكِ، مُضَاهَاةً لِلْيَهُودِ فِي تَحْرِيمِ (¬1) الطَّيِّبَاتِ وَمِثْلَ مُعَاوَنَةِ الْكُفَّارِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْغِيبِ الْكُفَّارِ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ مِنْ فِرَقِ الْأُمَّةِ. وَمِثْلَ تَنْجِيسِ الْمَائِعَاتِ الَّتِي يُبَاشِرُهَا أَهْلُ السُّنَّةِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ دِينِ السَّامِرَةِ وَهُمْ رَافِضَةُ الْيَهُودِ، هُمْ فِي الْيَهُودِ كَالرَّافِضَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالرَّافِضَةُ تُشَابِهُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ; فَإِنَّ السَّامِرَةَ لَا تُؤْمِنُ بِنَبِيٍّ بَعْدَ مُوسَى وَهَارُونَ غَيْرَ يُوشَعَ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ لَا تُقِرُّ لِأَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ وَالصَّحَابَةِ بِفَضْلٍ وَلَا إِمَامَةٍ إِلَّا لِعَلِيٍّ. وَالسَّامِرَةُ تُنَجِّسُ وَتُحَرِّمُ مَا بَاشَرَهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمَائِعَاتِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. وَالسَّامِرَةُ لَا يَأْكُلُونَ إِلَّا ذَبَائِحَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ فَإِنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيُحَرِّمُ أَكْثَرُهُمْ ذَبَائِحَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عِنْدَهُمْ، وَذَبِيحَةُ (¬2) الْمُرْتَدِّ لَا تُبَاحُ. وَالسَّامِرَةُ فِيهِمْ كِبَرٌ وَرُعُونَةٌ وَحُمْقٌ وَدَعَاوٍ كَاذِبَةٌ، مَعَ الْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ. ¬

(¬1) ن: تَحْرِيمِهِمُ. (¬2) ح، ب: لِأَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ وَعِنْدَهُمْ ذَبِيحَةُ. . . إِلَخْ.

وَالرَّافِضَةُ تَجْعَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ، فَيُصَلُّونَ دَائِمًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، وَهَذَا لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ مِنْ فِرَقِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ يُشْبِهُ دِينَ الْيَهُودِ ; فَإِنَّ الصَّلَوَاتِ عِنْدَهُمْ ثَلَاثٌ (¬1) . وَغُلَاةُ الْعِبَادِ يُوجِبُونَ عَلَى أَصْحَابِهِمْ صَلَاةَ الضُّحَى وَالْوِتْرَ وَقِيَامَ اللَّيْلِ، فَتَصِيرُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ سَبْعًا، وَهُوَ دِينُ النَّصَارَى. وَالرَّافِضَةُ لَا تُصَلِّي جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً لَا خَلْفَ أَصْحَابِهِمْ وَلَا غَيْرِ أَصْحَابِهِمْ وَلَا يُصَلُّونَ إِلَّا خَلْفَ الْمَعْصُومِ، وَلَا مَعْصُومَ عِنْدَهُمْ. وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الْفِرَقِ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَدُ فِي الرَّافِضَةِ. فَسَائِرُ أَهْلِ الْبِدَعِ (¬2) سِوَاهُمْ، لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ إِلَّا خَلْفَ أَصْحَابِهِمْ، كَمَا هُوَ دِينُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ ذَلِكَ بِحَالٍ، فَهَذَا لَيْسَ إِلَّا لِلرَّافِضَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يُؤَمِّنُونَ فِي الصَّلَاةِ هُمْ (¬3) أَوْ بَعْضُهُمْ وَهَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ فِرَقِ الْأُمَّةِ، بَلْ هُوَ دِينُ الْيَهُودِ ; فَإِنَّ الْيَهُودَ حَسَدُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّأْمِينِ. وَقَدْ حَكَى طَائِفَةٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُحَرِّمُ لَحْمَ الْإِبِلِ، وَكَانَ ذَلِكَ (¬4) لِرُكُوبِ عَائِشَةَ عَلَى الْجَمَلِ. وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكُفْرِ ; وَهُوَ (¬5) مِنْ جِنْسِ دِينِ الْيَهُودِ. ¬

(¬1) انْظُرْ عَنِ السَّامِرَةِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 1/199 - 200، الْفِصَلُ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/177 - 178، 202 (¬2) ن، م، و، ي: أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَدُ فِي سَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ، أ: أَكْثَرُ مِمَّا يُوجَدُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ. (¬3) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (أ) ، (ب) . (¬4) ح، ب: وَذَلِكَ. (¬5) ح، ب: فَهُوَ.

وَكَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّهِمْ يَقُولُ (¬1) : إِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِرِضَا الْمَرْأَةِ، وَعُلَمَاؤُهُمْ يُنْكِرُونَ هَذَا. وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ (¬2) . وَهُمْ يَقُولُونَ بِإِمَامٍ مُنْتَظَرٍ مَوْجُودٍ غَائِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ، وَلَا يُعْلَمُ (¬3) بِحِسٍّ وَلَا خَبَرٍ، لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ. وَيَقُولُونَ: أُصُولُ الدِّينِ أَرْبَعَةٌ: التَّوْحِيدُ، وَالْعَدْلُ، وَالنُّبُوَّةُ، وَالْإِمَامَةُ. وَهَذَا مُنْتَهَى الْإِمَامِ عِنْدَهُمُ: الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ مَعْصُومٌ غَائِبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ كَائِنٌ (¬4) فِي الْأَمْصَارِ، سَيُخْرِجُ (¬5) الدِّينَارَ مِنْ قَعْرِ الْبِحَارِ، يَطْبَعُ الْحَصَى، وَيُورِقُ الْعَصَا. دَخَلَ سِرْدَابَ سَامِرَا سَنَةَ سِتِّينَ، وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ (¬6) إِمَّا سَنَتَانِ، وَإِمَّا ثَلَاثٌ وَإِمَّا خَمْسٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي قَدْرِ عُمُرِهِ، ثُمَّ إِلَى الْآنِ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ خَبَرٌ. وَدِينُ الْخَلْقِ مُسَلَّمٌ إِلَيْهِ ; فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ كَرَاهَتُهُمْ لِأَسْمَاءٍ نَظِيرِ أَسْمَاءِ مَنْ يُبْغِضُونَهُ (¬7) ، وَمَحَبَّتُهُمْ لِأَسْمَاءٍ نَظِيرِ أَسْمَاءِ مَنْ يُحِبُّونَهُ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْمُسَمَّى، وَكَرَاهَتُهُمْ لِأَنَّ يُتَكَلَّمَ أَوْ يُعْمَلَ بِشَيْءٍ (¬8) عَدَدُهُ عَشَرَةٌ لِكَرَاهَتِهِمْ نَفَرًا عَشَرَةً، وَاشْتِفَاؤُهُمْ (¬9) مِمَّنْ ¬

(¬1) ح، ب: يَقُولُونَ. (¬2) ح، أ، ب، ي، ر، و: أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ. (¬3) و: وَلَا يُعْرَفُ. (¬4) أ، ب: حَاضِرٌ. (¬5) و: يَسْتَخْرِجُ.، (¬6) مِنَ الْعُمُرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) (أ) . (¬7) أ: يُبْغِضُونَهُمْ. (¬8) ن، ر، و، ي: شَيْءٍ، ح، أ: شَيْئًا. (¬9) وَاشْتِفَاؤُهُمْ: كَذَا فِي (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَاشْتِفَائِهِمْ.

يُبْغِضُونَهُ كَعُمَرَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا، بِأَنْ (¬1) يُقَدِّرُوا جَمَادًا كَالْحَيْسِ (¬2) ، أَوْ حَيَوَانًا كَالشَّاةِ الْحَمْرَاءِ، أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعَادُونَهُ، وَيُعَذِّبُونَ تِلْكَ الشَّاةَ تَشَفِّيًا مِنَ الْعَدُوِّ، مِنَ الْجَهْلِ الْبَلِيغِ الَّذِي لَمْ يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ إِقَامَةُ الْمَآتِمِ وَالنَّوَائِحِ، وَلَطْمُ الْخُدُودِ، وَشَقُّ الْجُيُوبِ، وَفَرْشُ الرَّمَادِ، وَتَعْلِيقُ الْمُسُوحِ، وَأَكْلُ الْمَالِحِ حَتَّى يَعْطَشَ، وَلَا يَشْرَبُ مَاءً، تَشَبُّهًا بِمَنْ ظُلِمَ وَقُتِلَ، وَإِقَامَةُ مَأْتَمٍ (¬3) بَعْدَ خَمْسِمِائَةٍ أَوْ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ قَتْلِهِ، لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ. وَمَفَارِيدُ الرَّافِضَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ كَثِيرَةٌ لَمْ نَقْصِدْ ذِكْرَهَا هُنَا. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ سِوَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ الْمُتَّبِعِينَ لِآثَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْفَرِدُونَ عَنْ سَائِرِ الطَّوَائِفِ بِحَقٍّ، وَالرَّافِضَةُ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةِ فَإِنَّهُمْ أَيْضًا لَمْ يَنْفَرِدُوا (¬4) عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ (* بِحَقٍّ، بَلْ كُلُّ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْحَقِّ فَفِي أَهْلِ السُّنَّةِ (¬5) مَنْ يَقُولُ بِهِ، لَكِنْ لَمْ يَبْلُغْ (¬6) هَؤُلَاءِ مِنْ قِلَّةِ الْعَقْلِ وَكَثْرَةِ الْجَهْلِ مَا بَلَغَتِ الرَّافِضَةُ. ¬

(¬1) أ: بَلْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب فَقَطْ: كَالْجِبْسِ، وَفِي اللِّسَانِ: هُوَ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ. (¬3) و: مَأْتَمِهِ. (¬4) ح، ب: لَا يَنْفَرِدُونَ. (¬5) ب فَقَطْ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. (¬6) ح، ر: لَكِنْ مَا يَبْلُغُ، ب: وَلَكِنْ مَا يَبْلُغُ.

الأقوال التي انفردت بها الطوائف المنتسبة إلى السنة من أهل الكلام والرأي

[الأقوال التي انفردت بها الطوائف الْمُنْتَسِبة إِلَى السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ] وَكَذَلِكَ الطَّوَائِفُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ، مِثْلِ الْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ، وَمِثْلُ طَوَائِفِ الْفِقْهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالسُّفْيَانِيَّةِ وَالْأَوْزَاعِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالدَّاوُدِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، مَعَ تَعْظِيمِ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ *) (¬1) ، لَا يُوجَدُ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَوْلٌ انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ سَائِرِ الْأُمَّةِ وَهُوَ صَوَابٌ، بَلْ مَا مَعَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مَنِ الصَّوَابِ يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ (¬2) مِنَ الطَّوَائِفِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُونَ بِخَطَأٍ لَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، لَكِنْ قَدْ تَنْفَرِدُ طَائِفَةٌ بِالصَّوَابِ عَمَّنْ يُنَاظِرُهَا مِنَ الطَّوَائِفِ، كَأَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ: قَدْ يُوجَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ (¬3) مِنْهُمْ أَقْوَالٌ انْفَرَدَ بِهَا، وَكَانَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ مَعَهُ دُونَ الثَّلَاثَةِ، لَكِنْ يَكُونُ قَوْلُهُ قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، بِخِلَافِ مَا انْفَرَدُوا بِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا خَطَأً. وَكَذَلِكَ أَهِلُ الظَّاهِرِ كُلُّ قَوْلٍ انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ سَائِرِ الْأُمَّةِ فَهُوَ خَطَأٌ، وَأَمَّا مَا انْفَرَدُوا بِهِ عَنِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ صَوَابٌ فَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُمْ مِنَ السَّلَفِ. وَأَمَّا الصَّوَابُ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَكَثِيرٌ (¬4) ، لَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَتْبَاعِ الثَّلَاثَةِ. وَذَلِكَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ الْمَقْطُوعَ وَمَا أَشْبَهَهُ كَالْجُمْجُمِ وَالْمَدَاسِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ (¬5) وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: بِأَنَّ (¬6) الْجِدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَكَقَوْلِهِ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَسْحِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) ح، ب، ر، ي، و: غَيْرُهَا. (¬3) وَاحِدٍ، فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬4) ح، ب: فَهُوَ كَثِيرٌ. (¬5) ح، ب: الشَّافِعِيِّ. (¬6) بِأَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ح) ، (ب) : إِنَّ.

يُشْتَرَطُ لَهَا دَوَامُ الطَّهَارَةِ دُونَ ابْتِدَائِهَا، وَقَوْلُهُ: إِنَّ النَّجَاسَةَ تَزُولُ بِكُلِّ مَا يُزِيلُهَا، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بِأَنَّهَا تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ. وَمِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ بِأَنَّ الْخُمُسَ مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي خُمُسِ الرِّكَازِ (¬1) : هَلْ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ أَوْ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ (¬2) ؟ وَإِذَا صُرِفَ مَصْرِفَ الْفَيْءِ فَإِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِخُمُسِ الْغَنِيمَةِ. وَمِثْلُ قَوْلِهِ بِجَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ جَازَتْ مُعَاهَدَتُهُ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَلَا بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَا يُعْتَبَرُ قَطُّ أَمْرُ النَّسَبِ، بَلِ الدِّينِ (¬3) فِي الذِّمَّةِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَحَلِّ الذَّبَائِحِ وَالْمَنَاكِحِ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ; فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ إِلَّا فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَحَدٌ بَعْدَ نُزُولِ (¬4) آيَةِ الْجِزْيَةِ، بَلْ كَانَ جَمِيعُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ قَدْ أَسْلَمُوا. وَمِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَمِثْلُ مَذْهَبِهِ فِي الْحُكْمِ بِالدَّلَائِلِ (¬5) وَالشَّوَاهِدِ، وَفِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ ¬

(¬1) أ: الزَّكَاةِ. (¬2) ن، م: الْفَيْءُ وَالزَّكَاةُ. (¬3) أ، ر، ح، ي: الَّذِينَ. (¬4) بَعْدَ عِبَارَةِ " بَعْدَ نُزُولِ " تُوجَدُ وَرَقَةٌ نَاقِصَةٌ مِنْ مُصَوَّرَةِ (م) . (¬5) ن: وَمِثْلُ حُكْمِهِ بِالدَّلَائِلِ.

وَرِعَايَةِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ مَذْهَبِهِ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي أَكْثَرَ ذَلِكَ. وَمِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعِيبُ هَذَا عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَغَلَطُوا فِي ذَلِكَ، بَلِ الصَّوَابُ قَوْلُهُ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ (¬1) فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَقَوْلُهُ بِفِعْلِ (¬2) ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَمِثْلُ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي نِكَاحِ الْبَغِيِّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى تَتُوبَ. وَقَوْلُهُ بِأَنَّ الصَّيْدَ إِذَا جُرِحَ ثُمَّ غَابَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرٌ آخَرُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ بِأَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ يُصَامُ عَنِ الْمَيِّتِ، بَلْ وَكُلُّ الْمَنْذُورَاتِ تُفْعَلُ عَنِ الْمَيِّتِ، وَرَمَضَانُ يُطْعَمُ عَنْهُ. وَبَعْضُ النَّاسِ يُضَعِّفُ هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ (¬3) ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَفْهَمُوا غَوْرَهُ (¬4) . وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَالْإِزَارَ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ وَالسَّرَاوِيلَ بِلَا قَطْعٍ وَلَا فَتْقٍ ; فَإِنَّ هَذَا كَانَ (¬5) آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

(¬1) ن: وَهَذَا وَجْهٌ. (¬2) أ، ر، ي، ح، ب: تَفْعَلُ. (¬3) الصَّحَابَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) أ: غَيْرُهُ. (¬5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (و) .

وَقَوْلُهُ بِأَنَّ مُرُورَ الْمَرْأَةِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَالْحِمَارِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. وَقَوْلُهُ بِأَنَّ الْجَدَّةَ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيٌّ. وَقَوْلُهُ بِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: إِنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ بِأَنَّ الْوَقْفَ إِذَا تَعَطَّلَ نَفْعُهُ بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَفِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى قَوْلِ (¬1) أَحْمَدَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ فِي (¬2) مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي إِبْدَالِ الْوَقْفِ، كَإِبْدَالِ مَسْجِدٍ بِغَيْرِهِ، وَيَجْعَلُ الْأَوَّلَ غَيْرَ مَسْجِدٍ، كَمَا فَعَلَ (¬3) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَفِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ جَوَازُ (¬4) الْإِبْدَالِ لِلْحَاجَةِ فِي مَوَاضِعَ. وَقَوْلُهُ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَقَوْلُهُ بِأَنَّ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الْإِعَادَةُ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ جَائِزٌ مَشْرُوعٌ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ، وَقَوْلُهُ بِأَنَّ الْقَارِنَ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَقِرَانُهُ أَفْضَلُ (¬5) مِنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ. ¬

(¬1) ح، ب: مَذْهَبِ. (¬2) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) و: كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ. (¬4) ح، ب، ر: يَجُوزُ. (¬5) و: الْهُدَيُ فَهُوَ أَفْضَلُ.

الحق دائما مع السنة والآثار الصحيحة

[الحق دائما مع السنة والآثار الصحيحة] وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا اخْتَصَّ بِهِ كُلُّ إِمَامٍ مِنَ الْمَحَاسِنِ وَالْفَضَائِلِ كَثِيرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَائِهِ ; فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الْحَقَّ دَائِمًا مَعَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآثَارِهِ الصَّحِيحَةِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ (¬1) طَائِفَةٍ تُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ إِذَا انْفَرَدَتْ بِقَوْلٍ عَنْ سَائِرِ الْأُمَّةِ، لَمْ يَكُنِ الْقَوْلُ الَّذِي انْفَرَدُوا بِهِ (¬2) إِلَّا خَطَأً، بِخِلَافِ الْمُضَافَيْنِ إِلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ ; فَإِنَّ الصَّوَابَ مَعَهُمْ دَائِمًا، وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ دَائِمًا لِمُوَافَقَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ فَإِنَّ الصَّوَابَ مَعَهُمْ دُونَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الدِّينِ ; فَإِنَّ الْحَقَّ مَعَ الرَّسُولِ، فَمَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِسَنَتِهِ وَأَتْبَعَ لَهَا كَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ لَا يَنْتَصِرُونَ إِلَّا لِقَوْلِهِ، وَلَا يُضَافُونَ إِلَّا إِلَيْهِ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِسُنَّتِهِ وَأَتْبَعُ لَهَا. وَأَكْثَرُ سَلَفِ الْأُمَّةِ كَذَلِكَ، لَكِنَّ التَّفَرُّقَ وَالِاخْتِلَافَ كَثِيرٌ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالَّذِينَ رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهُمْ فِي الْأُمَّةِ هُوَ بِمَا أَحْيَوْهُ مِنْ سُنَّتِهِ وَنُصْرَتِهِ. وَهَكَذَا سَائِرُ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ،، بَلْ سَائِرُ طَوَائِفِ الْخَلْقِ، كُلٌّ حُيِّرَ مَعَهُمْ فِيمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ خَطَأٍ أَوْ ذَنْبٍ فَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ إِذَا تَكَلَّمُوا فِي مَسْأَلَةٍ بِاجْتِهَادِهِمْ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي ; فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأٌ فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ. كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْكَلَالَةِ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوَّضَةِ إِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَكِلَاهُمَا (¬3) أَصَابَ فِيمَا قَالَهُ بِرَأْيِهِ، لَكِنْ قَالَ الْحَقَّ ; فَإِنَّ الْقَوْلَ إِذَا كَانَ ¬

(¬1) أ، ب، ح، ر، ي: وَأَنَّ كُلَّ. (¬2) ح، ب: الَّذِي انْفَرَدَتْ بِهِ. (¬3) و: وَكُلٌّ مِنْهُمَا.

صَوَابًا فَهُوَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَنِ اللَّهِ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأٌ فَاللَّهُ لَمْ يَبْعَثِ الرَّسُولَ بِخَطَأٍ، فَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنَ الشَّيْطَانِ، لَا مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَالْمَقْصُودُ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ (¬1) الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إِلَاهِيَّتِهِ، مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ وَالشَّرْعِ وَالدِّينِ، وَأَنَّهُ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَيُثِيبُ فَاعِلَهُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْخَلْقِ، فَكُلُّ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ. وَالنَّاسُ لَمْ يَسْأَلُوا الصَّحَابَةَ عَمَّا مَنَّ اللَّهُ خَلْقًا وَتَقْدِيرًا، فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ فَمِنْهُ. وَالْعَرَبُ كَانَتْ فِي جَاهِلِيَّتِهَا تُقِرُّ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: مَا زَالَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا وَإِسْلَامِهَا مُقِرَّةً بِالْقَدَرِ (¬2) . وَقَدْ (¬3) قَالَ عَنْتَرَةُ: يَا عَبْلُ أَيْنَ مَنِ الْمَنِيَّةِ مَهْرَبٌ ... إِنْ كَانَ رَبِّي فِي السَّمَاءِ قَضَاهَا وَإِنَّمَا كَانَ سُؤَالُ النَّاسِ عَمَّا مَنَّ اللَّهُ مِنْ جِهَةِ أَمْرِهِ وَدِينِهِ وَشَرْعِهِ الَّذِي يَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ وَيُثِيبُ أَهْلَهُ. وَقَدْ عَلِمَ الصَّحَابَةُ أَنَّ مَا خَالَفَ الشَّرْعَ وَالدِّينَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَإِنْ كَانَ يُعْفِي عَنْ صَاحِبِهِ، كَمَا يُعْفِي عَنِ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ. وَنِسْيَانُ الْخَيْرِ يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 68] . وَقَالَ فَتَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 63] وَقَالَ: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 42] . ¬

(¬1) ر، ح، ي، ب: وَالْمَقْصُودُ هُنَا بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ. (¬2) ب فَقَطْ: مُقِرَّةً بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ. (¬3) وَقَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

وَلَمَّا نَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فِي الْوَادِي عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ: " «هَذَا وَادٍ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» " (¬1) . وَقَالَ: " «إِنِ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا فَجَعَلَ يُهَدِّيهِ (¬2) كَمَا يُهَدَّى الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ» " (¬3) فَإِنَّهُ كَانَ وَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يَكْلَأَ لَهُمُ الصُّبْحَ (¬4) ، مَعَ قَوْلِهِ: " «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ» " (¬5) وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ ¬

(¬1) و: شَيْطَانٌ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ: 1/471 - 472 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَاسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ قَضَائِهَا، وَلَفْظُهُ: (عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ) قَالَ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) التَّعْرِيسُ: نُزُولُ الْمُسَافِرِينَ آخِرَ اللَّيْلِ لِلنَّوْمِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/240 كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ بَابُ كَيْفَ يَقْضِي الْفَائِتَ مِنَ الصَّلَاةِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 18/152 وَأَمَّا لَفْظُ هَذَا وَادٍ حَضَرْنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ، فَانْظُرْ عَنْهُ التَّعْلِيقَ التَّالِي. (¬2) ح: يَهُدُّهُ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُوَطَّأِ 1/14 - 15 كِتَابُ وُقُوتِ الصَّلَاةِ، بَابُ النُّوَّمِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَنَصُّهُ: عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَوَكَلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ، فَرَقَدَ بِلَالٌ وَرَقَدُوا، حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ وَقَدْ فَزِعُوا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، وَقَالَ: (إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ) فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، الْحَدِيثَ وَفِيهِ: ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: (إِنِ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَضْجَعَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَدِّئُهُ كَمَا يُهَدَّأُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ) إِلَخْ، وَفِي التَّعْلِيقِ (هَذَا مُرْسَلٌ بِاتِّفَاقِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ) . (¬4) يَكْلَأَ لَهُمُ الصُّبْحَ: أَيْ يَرْقُبَهُ وَيَحْفَظَهُ وَيَحْرُسَهُ، وَمَصْدَرُهُ الْكِلَاءُ. (¬5) هَذِهِ عِبَارَةٌ جَاءَتْ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/472 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ قَضَاءِ صَلَاةِ الْفَائِتَةِ وَلَفْظُهُ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمُ) الْحَدِيثَ.

أَرْوَاحَنَا» " (¬1) . [وَقَالَ لَهُ بِلَالٌ: " أَخَذَ بِنَفْسَيِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ "] (¬2) وَقَالَ: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» ". وَمَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 286] قَالَ تَعَالَى " قَدْ فَعَلْتَ " (¬3) . وَكَذَلِكَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مِنَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَإِنْ كَانَ مَغْفُورًا لِصَاحِبِهِ. وَكَذَلِكَ الِاحْتِلَامُ فِي الْمَنَامِ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: رُؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي الْمَنَامِ» " (¬4) . فَالنَّائِمُ يَرَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «رُفِعَ ¬

(¬1) جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَبْلَ قَلِيلٍ، وَجَاءَتْ عِبَارَةٌ مُمَاثِلَةٌ فِي حَدِيثِ ذِي مِخْمَرٍ الْحَبَشِيِّ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/90 - 91. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (أ) وَفِي (و) : أَخَذَ بِنَفْسِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وَالْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ: (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ) إِلَخْ جَاءَتْ فِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ 1/471 وَانْظُرْ مَا يَلِي بَعْدَ صَفَحَاتٍ ص 211. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/458 (¬4) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مُسْلِمٍ 4/1773 كِتَابُ الرُّؤْيَا أَوَّلُ الْكِتَابِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 3/363 كِتَابُ الرُّؤْيَا بَابُ أَنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/416 - 417 كِتَابُ الْأَدَبِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1285 كِتَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، بَابُ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 14/60، 61 وَاخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْلِمٍ أَوَّلُهَا: (إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ) الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ (فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) ، وَرُؤْيَا تَخْزِينٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ بِهِ نَفْسَهُ.

الْقَلَمُ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» " (¬1) . وَأَعْذَرَهُمُ النَّائِمُ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي تُسْمَعُ مِنْهُ (¬2) فِي الْمَنَامِ حُكْمٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، فَلَوْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ تَبَرَّعَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ كَانَ لَغْوًا، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، فَإِنَّ أَقْوَالَهُ قَدْ تُعْتَبَرُ، إِمَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَإِمَّا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فِي مَوَاضِعَ بِالنَّصِّ، وَفِي مَوَاضِعَ بِالْإِجْمَاعِ. وَكَذَلِكَ الْوَسْوَاسُ فِي النَّفْسِ يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ تَارَةً وَمِنَ النَّفْسِ تَارَةً. قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [سُورَةُ ق: 16] . وَقَالَ: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} [سُورَةُ طه: 120] (¬3) ، وَقَالَ: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 20] . وَالْوَسْوَسَةُ مِنْ جِنْسِ الْوَشْوَشَةِ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (¬4) ، وَمِنْهُ وَسْوَسَةُ (¬5) الْحِلَى، وَهُوَ الْكَلَامُ الْخَفِيُّ وَالصَّوْتُ الْخَفِيُّ. ¬

(¬1) الْحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/197 - 199 كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابٌ فِي الْمَجْنُونِ يَسْرِقُ أَوْ يُصِيبُ حَدًّا، فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 2/438 كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/658 كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ طَلَاقِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّغِيرِ وَالنَّائِمِ، سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/171 كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 6/100 101 144 وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْبُخَارِيِّ 7/46 كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْإِغْلَاقِ وَالْكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرُهُمَا. 8/165 كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابٌ لَا يُرْجَمُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ. (¬2) عِنْدَ عِبَارَةِ الَّتِي تُسْمَعُ مِنْهُ تَعُودُ نُسْخَةَ (م) . (¬3) آيَةُ سُورَةِ طه فِي (أ) ، (ب) فَقَطْ. (¬4) الْمُعْجَمَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) . (¬5) ن، ر: وَشْوَشَةُ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ - مَلِكِ النَّاسِ - إِلَهِ النَّاسِ - مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ - الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ - مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [سُورَةُ النَّاسِ: 1 - 6] . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى: مِنَ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ: مِنَ الْجِنَّةِ وَمِنَ النَّاسِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ النَّاسَ أَوَّلًا تَتَنَاوَلُ الْجِنَّةَ وَالنَّاسَ، فَسَمَّاهُمْ نَاسًا، كَمَا سَمَّاهُمْ رِجَالًا. قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: مِنْ شَرِّ الْمُوَسْوِسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنِّ، وَمِنْ شَرِّ النَّاسِ مُطْلَقًا. قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَنَّ (¬1) الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ شَرِّ الْمُوَسْوِسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَمِنَ النَّاسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ، فَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ (¬2) . كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 112] . وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ¬

(¬1) أَنَّ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬2) انْظُرِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي فِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ زَادَ الْمَسِيرِ 9/279 وَذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ فَذَكَرَ آيَةَ 112 مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الْقُرْطُبِيُّ قَبْلَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَقَالَ: (أَخْبَرَ أَنَّ الْمُوَسْوِسَ قَدْ يَكُونُ مِنَ النَّاسِ قَالَ الْحَسَنُ: هُمَا شَيْطَانَانِ، أَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ فَيُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَأَمَّا شَيْطَانُ الْإِنْسِ فَيَأْتِي عَلَانِيَةً، وَقَالَ قَتَادَةُ، إِنَّ مِنَ الْجِنِّ شَيَاطِينَ وَإِنَّ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينَ، فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ، رِوَايَةً مُخَالِفَةً لِلْحَدِيثِ هُنَا، وَأَوْرَدَ آيَةَ 112 مِنْ [سُورَةِ الْأَنْعَامِ] .

بِطُولِهِ قَالَ: " «يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ لِلْإِنْسِ شَيَاطِينُ؟ قَالَ: " نَعَمْ، شَرٌّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ» " (¬1) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 14] . وَالْمَنْقُولُ عَنْ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَالَ: إِنَّهُمْ شَيَاطِينُ الْجِنِّ (¬2) . فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ: أَنَّهُمْ رُءُوسُهُمْ (¬3) فِي الْكُفْرِ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٍ: إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَعَنِ الضَّحَّاكِ وَابْنِ السَّائِبِ: كَهَنَتُهُمْ (¬4) . وَالْآيَةُ تَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ وَغَيْرَهُ، وَلَفْظُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ، لِأَنَّهُ قَالَ: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 14] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَيْطَانَ (¬5) الْجِنِّ مَعَهُمْ لَمَّا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَخْلُوا بِهِ (¬6) ، وَشَيْطَانُ الْجِنِّ هُوَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/242 كِتَابُ الِاسْتِعَاذَةِ، بَابُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَهُوَ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/178، 179، 265 وَأَوَّلُهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: قُمْ فَصَلِّ. قَالَ: فَقُمْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ. . . الْحَدِيثَ. (¬2) إِنَّهُمْ شَيَاطِينُ الْجِنِّ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِنَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ (¬3) ح، ب: رُؤَسَاؤُهُمْ. (¬4) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ ط. الشَّعْبِ لِلْآيَةِ 1/76 - 77 زَادَ الْمَسِيرِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1/34 - 35. (¬5) شَيْطَانَ، كَذَا فِي (و) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: شَيَاطِينَ. (¬6) ن، م، ح، ب: أَنْ يَخْلُوَ بِهِ، و: أَنْ يَخْلُونَهُ.

الَّذِي أَمَرَهُمْ بِالنِّفَاقِ وَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا حَتَّى يَخْلُوَ (¬1) مَعَهُمْ، وَيَقُولُ: إِنَّا مَعَكُمْ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 13] ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ (¬2) بِذَلِكَ شَيْطَانٌ لَمْ يَرْضَوْهُ. وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: كُلُّ مُتَمَرِّدٍ عِنْدَ الْعَرَبِ شَيْطَانٌ. وَفِي اشْتِقَاقِهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ مَنْ شَطَنَ يَشْطُنُ إِذَا بَعُدَ عَنِ الْخَيْرِ، وَالنُّونُ أَصْلِيَّةٌ. قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ فِي صِفَةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَيُّمَا شَاطِنٍ (¬3) عَصَاهُ عَكَاهُ ثُمَّ يُلْقَى فِي السِّجْنِ وَالْأَغْلَالِ (¬4) عَكَاهُ: أَوْثَقُهُ. وَقَالَ النَّابِغَةُ: نَأَتْ بِسُعَادَ عَنْكَ نَوَى شُطُونِ ... فَبَانَتْ وَالْفُؤَادُ بِهَا رَهِينُ (¬5) وَلِهَذَا قُرِنَتْ بِهِ (¬6) اللَّعْنَةُ ; فَإِنَّ اللَّعْنَةَ هِيَ الْبُعْدُ مِنَ الْخَيْرِ، وَالشَّيْطَانُ بَعِيدٌ مِنَ الْخَيْرِ، فَيَكُونُ وَزْنُهُ: فَيْعَالًا، وَفَيْعَالٌ (¬7) نَظِيرُ فَعَّالٍ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمُبَالَغَةِ، مِثْلُ الْقَيَّامِ وَالْقَوَّامِ، فَالْقَيَّامُ فَيْعَالٌ، وَالْقَوَّامُ فَعَّالٌ، وَمِثْلُ الْعَيَّاذِ وَالْعَوَّاذِ (¬8) . وَفِي قِرَاءَةِ عُمَرَ: الْحَيُّ الْقِيَامُ. ¬

(¬1) أ، ر: حَتَّى يَخْلُوَ. (¬2) ن: أَمَرَهُمْ. (¬3) و، أ: شَيْطَانٍ. (¬4) الْبَيْتُ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِي ط. الْمَعَارِفِ 1/112 وَهُوَ فِي دِيوَانِهِ تَحْقِيقُ د. عَبْدِ الْحَفِيظِ السَّطَلِيِّ ص 445 (¬5) فِي دِيوَانِ النَّابِغَةِ تَحْقِيقُ الدُّكْتُورِ شُكْرِي فَيْصَل ص 256 (¬6) ح: قَارَنَتْهُ، ر: قَرَنَتْهُ. (¬7) وَفَيْعَالٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) . (¬8) و: الْعَيَّادِ وَالْعَوَّادِ، أ: الْعَبَّادِ وَالْقَوَّادِ.

فَالشَّيْطَانُ الْمُتَّصِفُ بِصِفَةٍ ثَابِتَةٍ قَوِيَّةٍ فِي كَثْرَةِ الْبُعْدِ عَنِ الْخَيْرِ، بِخِلَافِ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ مَرَّةً وَقَرُبَ مِنْهُ أُخْرَى ; فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْطَانًا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: تَشَيْطَنَ يَتَشَيْطَنُ شَيْطَنَةً، وَلَوْ كَانَ مِنْ شَاطَ يَشِيطُ لَقِيلَ: تَشَيَّطَ يَتَشَيَّطُ. وَالَّذِي قَالَ: هُوَ مِنْ شَاطَ يَشِيطُ إِذَا احْتَرَقَ وَالْتَهَبَ، جَعَلَ النُّونَ زَائِدَةً وَقَالَ: وَزْنُهُ فَعْلَانُ. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا الْبَطَلُ (¬1) . وَهَذَا يَصِحُّ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ الِاتِّفَاقُ فِي جِنْسِ الْحُرُوفِ، كَمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ: الْعَامَّةُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَمَى، مَا رَضِيَ اللَّهُ أَنْ يُشَبِّهَهُمْ (¬2) بِالْأَنْعَامِ حَتَّى قَالَ: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} وَهَذَا كَمَا يُقَالُ السُّرِّيَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ السِّرِّ، وَهُوَ النِّكَاحُ. وَلَوْ جَرَتْ عَلَى الْقِيَاسِ لَقِيلَ: سَرِيرَةٌ (¬3) فَإِنَّهَا عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ (¬4) . وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُعَاقِبُ بَيْنَ الْحَرْفِ الْمُضَاعَفِ وَالْمُعْتَلِّ، كَمَا يَقُولُونَ: تَقَضَّى الْبَازِي وَتَقَضَّضَ. قَالَ الشَّاعِرُ: تَقَضِّيَ الْبَازِي إِذَا (¬5) الْبَازِي كَسَرْ (¬6) وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 259] ، وَهَذِهِ الْهَاءُ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَصْلِيَّةً فَجُزِمَتْ بِلَمْ، وَيَكُونُ مِنْ سَانَهَتْ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَاءَ السَّكْتِ، كَالْهَاءِ مِنْ كِتَابِيَهْ ¬

(¬1) الْبَيْتُ لِلْأَعْشَى فِي دِيوَانِهِ ط. جَابِرٍ ص 40 وَصَدْرُهُ: قَدْ نَطْعَنُ الْعِيرَ فِي مَكْنُونِ فَائِلِهِ. (¬2) أ، و: أَنْ شَبَّهَهُمْ. (¬3) أ: سَرِيَّةٌ. (¬4) ن، أ، ر: فُعْلِيَّةٍ. (¬5) ن، و، ح: إِنِ. (¬6) الْبَيْتُ لِلْعَجَّاجِ فِي دِيوَانِهِ ط. د. عَزَّةَ حَسَنْ ص [0 - 9] 8

وَ " حِسَابِيَهْ " وَ " اقْتَدِهْ " وَ " مَالِيَهْ " وَ " سُلْطَانِيَهْ ". وَأَكْثَرُ الْقُرَّاءِ يُثْبِتُونَ الْهَاءَ وَصَلًا وَوَقْفًا، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَحْذِفَانِهَا مِنَ الْوَصْلِ هُنَا وَمِنِ " اقْتَدِهْ " فَعَلَى قِرَاءَتِهِمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَاءَ السَّكْتِ، فَإِنَّ الْأَصْلِيَّةَ لَا تُحْذَفُ، فَتَكُونُ لَفْظَةُ: " لَمْ يَتَسَنَّ "، كَمَا تَقُولُ: لَمْ يَتَغَنَّ، وَتَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنْ قَوْلِهِمْ: تَسَنَّى يَتَسَنَّى. وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ تَكُونُ مِنْ: تَسَنَّهَ يَتَسَنَّهُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمَرِّ السِّنِينَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَاللَّفْظُ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّنَهِ، يُقَالُ (¬1) : سَانَهَتِ النَّخْلَةُ إِذَا حَمَلَتْ عَامًا. وَحَالَتْ عَامًا فَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ لُغَةَ مَنْ جَعَلَ الْهَاءَ أَصْلِيَّةً، وَفِيهَا لُغَتَانِ: يُقَالُ: عَامَلْتُهُ مُسَانَهَةً وَمُسَانَاةً. وَمِنَ الشَّوَاهِدِ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَوْلُ الشَّاعِرِ: فَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةٍ (¬2) وَلَكِنْ عَرَايَا (¬3) فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ (¬4) يَمْدَحُ النَّخْلَةَ، وَالْمَقْصُودُ مَدْحُ صَاحِبِهَا بِالْجُودِ، فَقَالَ: إِنَّهُ (¬5) يُعَرِّيهَا لِمَنْ يَأْكُلُ ثَمَرَهَا، لَا يُرَجِّبُهَا (¬6) لِتَخْلِيَةِ (¬7) ثَمَرِهَا (¬8) وَلَا هِيَ بِسَنْهَاءَ (¬9) . وَالْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ فِي الْآيَةِ: مَعْنَاهُ: لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَأَمَّا لُغَةُ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَصْلَهُ سُنْوَةٌ فَهِيَ مَشْهُورَةٌ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي جَمْعِهَا: سَنَوَاتٌ، ¬

(¬1) م، ر، ي: يَقُولُ، ح، ب: تَقُولُ. (¬2) و: وَلَا رَحَبِيَّهْ، ب، ر: وَلَا رَحَيِيَةٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَا عَرَبِيَّةٍ. (¬3) ن، م، و، أ: عَرَابًا. (¬4) أ: الْحَوَايِجِ، وَذَكَرَ ابْنُ مَنْظُورٍ الْبَيْتَ فِي اللِّسَانِ كَمَا أَثْبَتَهُ هُنَا، وَقَالَ إِنَّ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ وَهُوَ سُوِيدُ بْنُ الصَّامِتِ. (¬5) أ: بِالْجُودِ وَأَنَّهُ. (¬6) أ، ر، ي، ح: لَا يُرَجِّيهَا. (¬7) أ، ر: لِتَحْلِيَةٍ، و: لِنَحْلِيَتِهِ. (¬8) و: الثَّمَرَةُ. (¬9) أ: وَلَا هِيَ مِنْهَا.

وَيُشَابِهُهُ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ الْمَاءُ الْآسِنُ، وَهُوَ الْمُتَغَيِّرُ الْمُنْتِنُ، وَيُشَابِهُهُ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَصْغَرِ الْحَمَأُ الْمَسْنُونُ، فَإِنَّهُ مِنْ سَنَّ، يُقَالُ: سَنَنْتُ الْحَجَرَ عَلَى الْحَجَرِ إِذَا حَكَكْتُهُ، وَالَّذِي يَسِيلُ بَيْنَهُمَا (¬1) سَنَنٌ (¬2) ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مُنْتِنًا (¬3) . وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْمَسْنُونُ الْمَصْبُوبُ عَلَى سِنَةِ الْوَجْهِ، أَوِ الْمَصْبُوبُ (¬4) الْمُفَرَّغُ، أَيْ أَبْدَعَ صُورَةَ الْإِنْسَانِ ; فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ خُلِقَ مِنَ الْحَمَأِ (¬5) الْمَسْنُونِ، وَنَفْسُ الْحَمَأِ لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَلَا صُورَةِ وَجْهٍ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ الْمُنْتِنُ. فَقَوْلُهُ: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 15] ، فَإِنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَسَنَ يَأْسِنُ ; فَهَذَا مِنْ جِنْسِ الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي السِّينِ وَالنُّونِ وَالنُّونِ (¬6) الْأُخْرَى، وَالْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ مُتَقَارِبَتَانِ فَإِنَّهُمَا حَرْفَا حَلْقٍ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ إِذَا اشْتَرَكَا فِي أَكْثَرِ الْحُرُوفِ وَتَفَاوَتَا فِي بَعْضِهَا، قِيلَ: أَحَدُهُمَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْآخَرِ، وَهُوَ الِاشْتِقَاقُ الْأَكْبَرُ، وَالْأَوْسَطُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْحُرُوفِ لَا فِي تَرْتِيبِهَا، كَقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ: الِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنَ السِّمَةِ وَالِاشْتِقَاقُ الْأَصْغَرُ الْخَاصُّ الِاشْتِرَاكُ فِي الْحُرُوفِ وَتَرْتِيبِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَقَوْلِكَ: عَلِمَ يَعْلَمُ فَهُوَ عَالَمٌ. ¬

(¬1) و: مِنْهُمَا. (¬2) ب فَقَطْ: سِنِينٌ. (¬3) أ: مَبْنِيًّا ر: سَنَنًا و: مَسْنِنًا. (¬4) ن: وَالْمَصْبُوبُ، و: أَيِ الْمَصْبُوبُ. (¬5) أ، ب، ن: الْحَمَّاءِ. (¬6) وَالنُّونِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) .

وَعَلَى هَذَا فَالشَّيْطَانُ مُشْتَقٌّ مِنْ شَطَنَ، وَعَلَى الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ هُوَ مِنْ بَابِ (¬1) شَاطَ يَشِيطُ، لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الشِّينِ وَالطَّاءِ. وَالنُّونُ وَالْيَاءُ مُتَقَارِبَتَانِ. فَهُوَ سُبْحَانُهُ (¬2) أَمَرَ فِي سُورَةِ النَّاسِ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ: شَرِّ الْوَسْوَاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَسْوَسَةُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ لَهُ، وَوَسْوَسَةُ غَيْرِهِ لَهُ. وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ مَبْسُوطٌ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ (¬3) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ (¬4) فِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرْكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ إِذَا (¬5) هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ» " (¬6) . ¬

(¬1) بَابِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ح، ب: فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ. (¬3) و: فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ. . . إِلَخْ، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لَهُ مُصَنَّفًا مُفْرَدًا عَنْ آيَةِ 259 مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلَمْ أَجِدْ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ مَرَاجِعَ وَمَخْطُوطَاتٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى السُّورَةِ مَبْسُوطٌ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَيَكُونُ مَقْصُودُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ سُورَةُ النَّاسِ، فَإِنَّ لَهُ رِسَالَةً خَاصَّةً فِي تَفْسِيرِهَا نُشِرَتْ فِي مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ 17/509 - 536 (¬4) ن: فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ. (¬5) ن، م: وَإِذَا. (¬6) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 8/103 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِسَيِّئَةٍ) مُسْلِمٍ 1/117 - 118 كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ إِذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 4/330 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، [سُورَةُ الْأَنْعَامِ] وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَسُنَنِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (¬1) : " «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعُ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ - يَعْنِي الْإِقَامَةَ - فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ (¬3) بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَضِلَّ (¬4) الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» " (¬5) . ¬

(¬1) ن، م، و: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 7/46 كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْإِغْلَاقِ وَالْكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ، وَأَوَّلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي) الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: لِأُمَّتِي، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 1/116 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ. سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 2/355 كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابٌ فِي الْوَسْوَسَةِ بِالطَّلَاقِ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 6/127 - 128 فِي مَوْضِعَيْنِ كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ مَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ مَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 2/425) (¬3) ن: حَتَّى يَحْضُرَ. (¬4) ح، ي، ب، و: يَظَلَّ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/121 كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ فَضْلِ التَّأْذِينِ، وَأَوَّلُهُ: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ، مُسْلِمٍ 1/291 - 292 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ فَضْلِ الْأَذَانِ وَهَرَبِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ سَمَاعِهِ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 2/19 كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ فَضْلِ التَّأْذِينِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 16/42 - 43 ط. الْحَلَبِيِّ 2/460، 522.

فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا التَّذْكِيرَ وَالْوَسْوَاسَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّهُ يُنْسِيهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، وَأَمَرَهُ بِسَجْدَتِي السَّهْوِ، وَلَمْ يُؤَثِّمْهُ بِذَلِكَ. وَالْوَسْوَاسُ الْخَفِيفُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ هُوَ الْأَغْلَبَ، فَقِيلَ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَامٌّ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ وَسْوَاسٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ (¬1) بِالْإِعَادَةِ، لَكِنْ يَنْقُصُ أَجْرُهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكِ إِلَّا مَا عَقِلْتَ مِنْهَا. وَفِي السُّنَنِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فَخَفَّفَهَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هَلْ نَقَصْتُ مِنْهَا شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي بَدَرْتُ الْوَسْوَاسَ، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا، إِلَّا تُسْعُهَا، إِلَّا ثُمُنُهَا، حَتَّى قَالَ: إِلَّا نِصْفُهَا» " (¬2) . وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى ابْنِ حَامِدٍ ; فَإِنَّ أَدْنَى مَا ذُكِرَ نِصْفُهَا، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ عُشْرُهَا. وَأَدَاءُ الْوَاجِبِ لَهُ مَقْصُودَانِ: أَحَدُهُمَا: بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، بِحَيْثُ يَنْدَفِعُ عَنْهُ الذَّمُّ وَالْعِقَابُ الْمُسْتَحَقُّ بِالتَّرْكِ، فَهَذَا لَا تَجِبُ مَعَهُ الْإِعَادَةُ، فَإِنَّ الْإِعَادَةَ يَبْقَى مَقْصُودُهَا حُصُولُ ثَوَابٍ مُجَرَّدٍ، وَهُوَ شَأْنُ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: وَلَمْ يُؤْمَرْ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/294 كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ مَا جَاءَ فِي نُقْصَانِ الصَّلَاةِ، وَلَفْظُهُ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا) وَحَسَّنَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2/65

التَّطَوُّعَاتِ، لَكِنَّ حُصُولَ الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ لِلسَّيِّئَاتِ (¬1) لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْقَبُولِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّوَابُ، فَبِقَدْرِ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ يُكَفَّرُ عَنْهُ بِهِ (¬2) مِنَ السَّيِّئَاتِ الْمَاضِيَةِ، وَمَا لَا ثَوَابَ فِيهِ لَا يُكَفَّرُ وَإِنْ بَرِئَتْ بِهِ الذِّمَّةُ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ: " «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ (¬3) ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ» " (¬4) يَقُولُ: إِنَّهُ تَعِبَ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَنْفَعَةٌ، لَكِنْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ (¬5) ، فَسَلِمَ مِنَ الْعِقَابِ فَكَانَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَزْدَدْ بِذَلِكَ خَيْرًا. وَالصَّوْمُ إِنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ التَّقْوَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 183 - 184] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الصِّيَامُ (¬6) جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ ¬

(¬1) ن، م، أ: السَّيِّئَاتِ، و: بِالسَّيِّئَاتِ. (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (و) : بِهِ عَنْهُ. (¬3) إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي (و) : حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْعَطَشُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِلَّا الْعَطَشُ. (¬4) الْحَدِيثُ: مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/539 كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغِيبَةِ وَالرَّفَثِ لِلصَّائِمِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِيهِ بِلَفْظِ (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ. . . إِلَخْ، وَهُوَ فِي: سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/301 كِتَابُ الرِّقَاقِ بَابٌ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّوْمِ، وَلَفْظُهُ: كَمْ مِنْ صَائِمٍ وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 17/35 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ 18/204 وَصَحَّحَهُ أَيْضًا، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ بِرِوَايَتَيْنِ لَهُ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 3/174) (¬5) ح، ب: لَكِنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ وَإِنْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ. (¬6) ح، ب: الصَّوْمُ.

صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» ". وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. قِيلَ: يَقُولُ (¬1) فِي نَفْسِهِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَقُولُ (¬2) بِلِسَانِهِ. وَقِيلَ: يُفَرِّقُ بَيْنَ الْفَرْضِ فَيَقُولُ (¬3) بِلِسَانِهِ وَالنَّفْلِ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ ; فَإِنَّ صَوْمَ الْفَرْضِ مُشْتَرَكٌ، وَالنَّفْلُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّيَاءِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقُولُ (¬4) بِلِسَانِهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ; فَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُطْلَقَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللِّسَانِ، وَأَمَّا مَا (¬5) فِي النَّفْسِ فَمُقَيَّدٌ، كَقَوْلِهِ: " «عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» " ثُمَّ قَالَ: " «مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» " فَالْكَلَامُ الْمُطْلَقُ إِنَّمَا هُوَ الْكَلَامُ الْمَسْمُوعُ. وَإِذَا قَالَ بِلِسَانِهِ: إِنِّي (¬6) صَائِمٌ بَيْنَ عُذْرِهِ فِي إِمْسَاكِهِ عَنِ الرَّدِّ، وَكَانَ أَزْجَرَ لِمَنْ بَدَأَهُ بِالْعُدْوَانِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» " (¬7) . بَيَّنَ (¬8) ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/24 - 25 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ فَضْلِ الصَّوْمِ، 9/143 كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ، مُسْلِمٍ 2/806 - 807 كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ فَضْلِ الصِّيَامِ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 2/412 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ، فِي بَاقِي كُتُبِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَسُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. (¬2) ح، ب: يَقُولُهُ. (¬3) ح، ب، ر: فَيَقُولُهُ. (¬4) ح، ب: يَقُولُهُ. (¬5) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: أَنَا. (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/26 كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، 8/17 - 18 كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 2/412 كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ. (¬8) ح، ب، ر، ي: فَبَيَّنَ.

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى الصَّائِمِ الْأَكْلَ لِحَاجَتِهِ إِلَى تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، كَمَا يُحَرِّمُ السَّيِّدُ عَلَى عَبِيدِهِ بَعْضَ مَالِهِ، بَلِ الْمَقْصُودُ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ حُصُولُ التَّقْوَى، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ فَقَدْ أَتَى بِمَا لَيْسَ فِيهِ مَحَبَّةٌ وَرِضًا، فَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يُعَاقَبُ (¬1) عُقُوبَةَ التَّارِكِ. وَالْحَسَنَاتُ الْمَقْبُولَةُ تُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (¬2) : " «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» " (¬3) وَلَوْ كَفَّرَ الْجَمِيعَ بِالْخَمْسِ (¬4) لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْجُمُعَةِ، لَكِنَّ التَّكْفِيرَ بِالْحَسَنَاتِ الْمَقْبُولَةِ. وَغَالِبُ النَّاسِ لَا يُكْتَبُ لَهُ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا بَعْضُهَا، فَيُكَفِّرُ ذَلِكَ بِقَدْرِهِ، وَالْبَاقِي يَحْتَاجُ إِلَى تَكْفِيرٍ. وَلِهَذَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّلَاةُ ; فَإِنْ أُكْمِلَتْ وَإِلَّا قِيلَ: انْظُرُوا هَلْ لَهُ مَنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتْ بِهِ (¬5) الْفَرِيضَةُ، ثُمَّ يُصْنَعُ فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ (¬6) كَذَلِكَ» " (¬7) . ¬

(¬1) ب فَقَطْ: وَلَكِنْ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ. (¬2) ن، م: فِي الصَّحِيحِ. (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/209 كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 1/138 كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَحَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (¬4) أ: بِالْجِنْسِ. (¬5) و: كُمِّلَتْ بِهِ. (¬6) أ: الْأَفْعَالِ، ح، ب: أَعْمَالِهِ. (¬7) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/258 - 259 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، وَأَوَّلُهُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدِيثَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/317 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُتِمُّهَا صَاحِبُهَا، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 1/187 - 189 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْمُحَاسِبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/458 كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَوَّلِ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 15/19 - 26 وَقَالَ أَحْمَدُ شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَتَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى كَثِيرَةٍ.

وَتَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ (¬1) بِالتَّطَوُّعِ مُطْلَقٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ الْجَزَاءِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَرَكَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ، فَإِذَا كَانَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ (¬2) تَطَوُّعٌ سَدَّ مَسَدَّهُ فَلَا يُعَاقَبُ، وَإِنْ (¬3) كَانَ ثَوَابُهُ نَاقِصًا وَلَهُ تَطَوُّعٌ سَدَّ مَسَدَّهُ فَكَمُلَ ثَوَابَهُ. وَهُوَ فِي الدُّنْيَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يُعِيدَ حَيْثُ تُمْكِنُ إِعَادَةُ مَا فَعَلَهُ (¬4) نَاقِصًا مِنَ الْوَاجِبَاتِ (¬5) ، أَوْ يَجْبُرُهُ بِمَا يَنْجَبِرُ بِهِ، كَسَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ، وَكَالدَّمِ الْجَابِرِ لِمَا تَرَكَهُ مِنَ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَمِثْلَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ الَّتِي فُرِضَتْ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَهُ (¬6) أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهِ، بَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ بِهِ (¬7) . كَمَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَعَذَّرَ فِعْلُهُ يَوْمَ (¬8) الْجَزَاءِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ إِلَّا الْحَسَنَاتُ. وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ ¬

(¬1) ن، م: الْفَرْضُ. (¬2) أ: مِنْ حَسَنَةٍ. (¬3) ن: فَإِنْ. (¬4) ر، ي: إِلَّا مَا فَعَلَهُ. (¬5) ن، م، و، ي، ر: نَاقِصُ الْوَاجِبَاتِ. (¬6) ر، ح، ي: إِذَا أَمْكَنَ. (¬7) ن: مَطْلُوبٌ مِنْهُ بِهِ. (¬8) و: لِيَوْمِ.

عَمْدًا فَعَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ مَا دَامَ يُمْكِنُ فِعْلُهَا، وَهُوَ إِعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ. هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، لَكِنَّ مَالِكَ وَأَحْمَدَ يَقُولَانِ: قَدْ يَجِبُ فِيهَا مَا يَسْقُطُ بِالسَّهْوِ، وَيَكُونُ سُجُودُ السَّهْوِ عِوَضًا عَنْهُ، وَسُجُودُ السَّهْوِ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَيَقُولُ: كُلُّ مَا وَجَبَ بَطَلَتِ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. وَسُجُودُ السَّهْوِ عِنْدَهُ (¬1) لَيْسَ بِوَاجِبٍ ; فَإِنَّ مَا صَحَّتِ الصَّلَاةُ مَعَ السَّهْوِ عَنْهُ (¬2) لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَلَا مُبْطِلًا. وَالْأَكْثَرُونَ يُوجِبُونَ سُجُودَ السَّهْوِ، كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَيَقُولُونَ: قَدْ أَمَرَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَيَقُولُونَ: الزِّيَادَةُ فِي الصَّلَاةِ لَوْ فَعَلَهَا عَمْدًا بَطَلَتِ الصَّلَاةُ بِالِاتِّفَاقِ، مِثْلَ أَنْ يَزِيدَ رَكْعَةً خَامِسَةً عَمْدًا، أَوْ يُسَلِّمَ عَمْدًا قَبْلَ إِكْمَالِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ إِذَا فَعَلَهُ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. فَهَذَا سُجُودٌ لِمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ سَهْوَةٍ دُونَ عَمْدِهِ. وَكَذَلِكَ مَا نَقَصَهُ مِنْهَا ; فَإِنَّ السُّجُودَ يَكُونُ لِلزِّيَادَةِ تَارَةً وَلِلنَّقْصِ أُخْرَى، كَسُجُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ عَمْدًا بَطُلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيُوجِبُ (* فِي الصَّلَاةِ مَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ (¬3) لَا (¬4) عَمْدًا وَلَا سَهْوًا، وَيَقُولُ: هُوَ مُسِيءٌ بِتَرْكِهِ، كَالطُّمَأْنِينَةِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. ¬

(¬1) ن، م، ر، ح، و، ي: عِنْدَهُمْ. (¬2) ن، م: عَنِ السَّهْوِ عَنْهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) و: مَا لَا يُبْطِلُ تَرْكُهُ. (¬4) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَهَذَا مِمَّا نَازَعَهُ فِيهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقَالُوا: مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ الْمُمْكِنَةُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِهِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ. وَقَدْ أَخْرَجَا (¬1) فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، لَمَّا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ *) (¬2) : " «ارْجِعْ فَصَلِّ ; فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» " وَأَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا طُمَأْنِينَةٌ (¬3) ، فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ مَا فَعَلَهُ صَلَاةً، بَلْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ. وَالشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) لَا يَنْفِي الِاسْمَ إِلَّا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ وَاجِبَاتِهِ، فَقَوْلُهُ: " «فَإِنَّكَ (¬5) لَمْ تُصَلِّ» " لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ وَاجِبَاتِهَا وَلَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ تَامَّةً مُقَامَةً الْإِقَامَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 103] فَقَدْ أَمَرَ بِإِتْمَامِهَا. وَلِهَذَا لَمَّا أَمَرَ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ¬

(¬1) ن، م، ر: وَقَدْ أَخْرَجَاهُ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُطَوَّلٌ أَوَّلُهُ عِبَارَةُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فِي الْبُخَارِيِّ 8/135 - 136 كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِذَا حَنَثَ نَاسِيًا فِي الْأَيْمَانِ، مُسْلِمٍ 1/298 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 1/185 - 187 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي وَصْفِ الصَّلَاةِ، وَالْحَدِيثُ فِيهَا عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 2، 96 كِتَابُ الِافْتِتَاحِ بَابُ فَرْضِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/336 - 337 كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ. (¬4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬5) ر، ح، ب: إِنَّكَ، ن: لِأَنَّكَ.

[سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 196] أَلْزَمَ (¬1) الشَّارِعَ فِيهِمَا فِعْلُ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ، فَإِذَا (¬2) تُرِكَ بَعْضُهَا فَلَا بُدَّ مِنَ الْجُبْرَانِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْتِ (¬3) بِالْمَأْمُورِ بِهِ تَامًّا التَّمَامَ الْوَاجِبَ (¬4) وَإِلَّا فَعَلَيْهِ مَا يُمْكِنُ مِنْ إِعَادَةٍ أَوْ جُبْرَانٍ. وَكَذَلِكَ أَمَرَ الَّذِي رَآهُ يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَنْ يُعِيدَ. وَقَالَ: " «لَا صَلَاةَ لِفَذٍّ خَلْفَ الصَّفِّ» " (¬5) . وَقَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ. فَإِنْ قِيلَ: فَفِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ¬

(¬1) أَلْزَمَ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَزِمَ. (¬2) فَإِذَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَإِذَا. (¬3) إِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) ، (ي) ، وَفِي (و) : مَنْ لَمْ يَأْتِ. (¬4) ح، ب: الْمَأْمُورُ بِهِ بِإِتْمَامِ الْوَاجِبِ. (¬5) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/320 كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ وَلَفْظُهُ: خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ صَلَّيْنَا وَرَاءَهُ صَلَاةً أُخْرَى، فَقَضَى الصَّلَاةَ، فَرَأَى رَجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ، قَالَ: اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ، لَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ، وَجَاءَ فِي التَّعْلِيقِ فِي الزَّوَائِدِ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/23 مَوَارِدُ الظَّمْآنِ إِلَى زَوَائِدِ ابْنِ حِبَّانَ، ص 116 حَدِيثٌ رَقْمُ 401، 402 ط. السَّلَفِيَّةِ، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 1/322 وَفِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 2/328 - 329 وَتَكَلَّمَ طَوِيلًا عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ 2/323 - 330 وَتَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْمُسْنَدِ.

رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ جَعَلَ مَا تَرَكَهُ (¬1) مِنْ ذَلِكَ يُؤَاخَذُ بِتَرْكِهِ (¬2) فَقَطْ، وَيُحْسَبُ لَهُ مَا فَعَلَ، وَلَا يَكُونُ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ (¬3) : مَنْ فَعَلَهَا وَتَرَكَ بَعْضَ وَاجِبَاتِهَا لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهَا، بَلْ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ، وَيُعَاقَبُ عَلَى مَا تَرَكَ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ لِدَفْعِ عُقُوبَةِ مَا تَرَكَ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ، فَإِذَا (¬4) كَانَ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْبَعْضِ لَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ جُبْرَانٌ أَوْ أَمْكَنَ فِعْلُهُ وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ مُفْرَدًا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا (¬5) لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُفْرَدًا طَاعَةً لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ أَوَّلًا. قِيلَ: هُوَ أَوَّلًا فَعَلَهُ وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، أَوْ كَانَ سَاهِيًا، كَالَّذِي يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ، أَوْ يَسْهُو عَنِ الْقِرَاءَةِ وَالسُّجُودِ الْمَفْرُوضِ، فَيُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ، وَلَا يُعَاقَبُ بِنِسْيَانِهِ وَخَطَئِهِ، لَكِنْ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ أَوَّلًا، كَالنَّائِمِ إِذَا اسْتَيْقَظَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهَا إِذَا أَمْكَنَ، وَإِلَّا صَلَّاهَا أَيَّ وَقْتٍ (* اسْتَيْقَظَ ; فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤْمَرُ بِهَا. وَأَمَّا إِذَا أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ *) (¬6) مُفْرَدًا (¬7) ، فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ مُفْرَدًا (¬8) . ¬

(¬1) ن، م، ر، ي، و: مَا تَرَكَ، ح: مَنْ تَرَكَ. (¬2) أ: بِمَا يَتْرُكُهُ، و: بِمَا تَرَكَهُ. (¬3) ن، م، و، أ: يَقُولُ. (¬4) ب فَقَطْ: فَإِنْ. (¬5) ن، م: فَإِنْ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ أ. (¬7) ح، ب: مُنْفَرِدًا. (¬8) ح، ب: مُنْفَرِدًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ تَعَمَّدَ أَنْ يَفْعَلَهَا مَعَ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَعْلَمُ وُجُوبَهَا. قِيلَ: هَذَا مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ ; فَإِنَّهُ عَاصٍ بِهَذَا الْفِعْلِ، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ إِثْمُهُ كَإِثْمِ التَّارِكِ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا قَدْ (¬1) يُثَابُ، فَإِنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ (¬2) ثَوَابَ مَنْ فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ كَمَا أَمَرَ بِهِ، بَلْ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ: إِنَّ لَهُ عَلَيْهِ ثَوَابًا بِحَسَبِهِ (¬3) ، لَكِنَّ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ أَوْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ: 7 - 8] . وَالْقُرْآنُ وَذِكْرُ اللَّهِ وَدُعَاؤُهُ خَيْرٌ. وَإِلَّا فَالْمُسْلِمُ لَا يُصَلِّي إِلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ يُمْكِنُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ (* اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ مُذْنِبٌ لَا عَلَى طَرِيقِ (¬4) الِاسْتِهَانَةِ (¬5) وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ، بَلْ عَلَى طَرِيقِ الْكَسَلِ، أَنْ يُثَابَ عَلَى مَا فَعَلَهُ، كَمَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ الْمَجْبُورَةِ بِدَمٍ، لَكِنْ لَا يَكُونُ ثَوَابُهُ كَمَا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ *) (¬6) غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ الْجَوَابُ عَنْ شُبْهَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَفَاضَلُ وَلَا يَنْقُصُ. قَالُوا: لِأَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ مِنْهُ جُزْءٌ ذَهَبَ كُلُّهُ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُرَكَّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ ¬

(¬1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬2) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) ن، م، أ، ي: يَحْسِبُهُ. (¬4) طَرِيقِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) الِاسْتِهَانَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ)

مَتَى (¬1) ذَهَبَ مِنْهُ جُزْءٌ ذَهَبَ كُلُّهُ، كَالصَّلَاةِ إِذَا تَرَكَ مِنْهَا وَاجِبًا بَطَلَتْ. وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ تَشَعَّبَتْ بِهِمُ الطُّرُقُ (¬2) . وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فَقَالُوا: إِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ (¬3) خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ» (¬4) . ¬

(¬1) ن، م: إِذَا. (¬2) يَقُولُ الْأَشْعَرِيُّ فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/198 - 201 إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ مِنَ الْمُرْجِئَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَا يَتَفَاضَلُ أَهْلُهُ فِيهِ. وَالْإِيمَانُ عِنْدَ الصَّالِحِيَّةِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَيَقُولُ الْأَشْعَرِيُّ: إِنَّ السِّمَّرِيَّةَ أَصْحَابَ يُونُسَ السِّمَّرِيِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ وَالْخُضُوعُ لَهُ وَهُوَ تَرْكُ الِاسْتِكْبَارِ عَلَيْهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ، فَمَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَقَدْ يَكُونُ كَافِرًا لَوْ تَرَكَ خَصْلَةً مِنْهَا، وَقَوْلُ الشِّمْرِيَّةِ أَصْحَابِ أَبِي شِمْرٍ وَالْيُونُسِيَّةُ أَصْحَابُ يُونُسَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا فَهْمٌ يَقُولُونَ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ وَالْخُضُوعُ لَهُ وَالْمَحَبَّةُ لَهُ بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَالْإِقْرَارُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِمْ، وَلَا يُسَمُّونَ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ إِيمَانًا وَلَا بَعْضَ إِيمَانٍ حَتَّى تَجْتَمِعَ هَذِهِ الْخَصَالُ، مِثْلَ الْفَرَسِ لَا تُسَمَّى بَلْقَاءَ حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا السَّوَادُ وَالْبَيَاضُ، وَالشَّبِيبَةُ مِنْ مُرْجِئَةِ الْخَوَارِجِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِإِصَابَةِ كُلِّ خِصَالِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْخَصْلَةَ مِنَ الْإِيمَانِ قَدْ تَكُونُ طَاعَةً وَبَعْضَ إِيمَانٍ وَلَكِنْ يَكُونُ صَاحِبُهَا كَافِرًا بِتَرْكِ بَعْضِ الْإِيمَانِ. (¬3) أ، و: حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/93 كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَبَيَانِهِ، وَلَفْظُهُ: لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالٌ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يُدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ، وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ، فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/84 كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكِبْرِ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/22 - 23 الْمُقَدِّمَةُ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ، كِتَابُ صِفَةِ جَهَنَّمَ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ لِلنَّارِ نَفَسَيْنِ، وَلَفْظُهُ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمَنْ شَكَّ فَلْيَقْرَأْ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَذَكَرُهُ السُّيُوطِيُّ، وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: صَحِيحٌ وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ النَّسَائِيِّ.

وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ: إِذَا نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ وَاجِبَاتِهِ فَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْكَمَالُ وَالتَّمَامُ، وَيَجُوزُ نَفْيُ الِاسْمِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ ذَلِكَ الْكَمَالِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ: إِنْ كَانَ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَهُ، أَوْ كَانَ ذَنْبًا اسْتَغْفَرَ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ يَصِيرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِثَوَابِ اللَّهِ الْمَحْضِ الْخَالِصِ عَنِ الْعِقَابِ. وَأَمَّا إِذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْهُ أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ; فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ عَلَى مَا فَعَلَ. وَالْمَنْفِيُّ إِنَّمَا هُوَ الْمَجْمُوعُ لَا كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، كَمَا إِذَا ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشْرَةِ، لَمْ تَبْقَ الْعَشْرَةُ عَشَرَةً، لَكِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ أَجْزَائِهَا. وَكَذَلِكَ جَاءَتِ السُّنَّةُ فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ (¬1) مِنْهَا وَيُعَاقَبُ عَلَى الْبَاقِي، حَتَّى إِنَّهُ (¬2) إِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ جُبِرَ مَا تَرَكَ بِالتَّطَوُّعِ، وَلَوْ كَانَ مَا فَعَلَ بَاطِلًا وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ لَمْ يُجْبَرْ بِالنَّوَافِلِ شَيْءٌ. وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّ حَدِيثُ الْمُسِيءِ الَّذِي فِي السُّنَنِ (¬3) : أَنَّهُ إِذَا نَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا أُثِيبَ عَلَى مَا فَعَلَهُ. فَإِنْ قُلْتَ: فَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ وَحَجُّهُ إِذَا تَرَكَ مِنْهُ رُكْنًا. قِيلَ: لِأَنَّ الْبَاطِلَ فِي عُرْفِهِمْ ضِدُّ الصَّحِيحِ، وَالصَّحِيحُ فِي عُرْفِهِمْ مَا ¬

(¬1) ح، ب: عَلَى مَا فَعَلَ. (¬2) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬3) و: حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِي السُّنَنِ فِي الْمُسِيءِ.

حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. وَلِهَذَا يَقُولُونَ: الصَّحِيحُ مَا أَسْقَطَ الْقَضَاءَ. فَصَارَ قَوْلُهُمْ: بَطَلَتْ، بِمَعْنَى: وَجَبَ الْقَضَاءُ، لَا بِمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ فِي الْآخِرَةِ. وَهَكَذَا جَاءَ النَّفْيُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» " (¬1) ، وَقَوْلُهُ: " «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» " (¬2) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 2] ، وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 15] ; فَإِنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ عَمَّنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْهُ أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3/136 كِتَابُ الْمَظَالِمِ، بَابُ النَّهْيِ بِغَيْرِ إِذَنْ صَاحِبِهِ، 7/104 كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ، 8/157 كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ، 8/164 كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ إِثْمِ الزُّنَاةِ، مُسْلِمٍ 1/76 - 77 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الْإِيمَانِ بِالْمَعَاصِي، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/306 كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 4/127 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1298 - 1299 كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ النُّهْبَةِ، سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/115 كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ بَابٌ فِي التَّغْلِيظِ لِمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 13/41 وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ 3/136: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ.) (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُسْنَدِ، ط. الْحَلَبِيِّ 3/135 وَأَوَّلُهُ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَاطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ. وَهُوَ أَيْضًا فِيهِ 3/154، 210، 251

فِيهِ كَنَفْيِ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ: " «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» " (¬1) . وَقَوْلُهُ لِلْمُسِيءِ: " «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» " (¬2) . وَقَوْلُهُ لِلْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ: " «لَا صَلَاةَ لِفَذٍّ خَلْفَ الصَّفِّ» " (¬3) وَقَوْلُهُ: " «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» " (¬4) . وَمَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ هَذَا لِنَفْيِ الْكَمَالِ. قِيلَ لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ الْكَمَالَ الْمُسْتَحَبَّ ; فَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ قَطُّ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ: أَنَّهُ يَنْفِي عَمَلًا فَعَلَهُ الْعَبْدُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْفِيهِ لِتَرْكِ بَعْضِ الْمُسْتَحَبَّاتِ. بَلِ الشَّارِعُ لَا يَنْفِي عَمَلًا إِلَّا إِذَا لَمْ يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ. ¬

(¬1) و: إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَبِلَفْظِ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/147 - 148 كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، مُسْلِمٍ 1/295 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 1/301 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاتِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَفْظُهُ: وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَصَاعِدًا. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْأَلْبَانِيُّ كَلَامًا مُفَصَّلًا فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 2/10 - 12 حَدِيثٌ رَقْمُ 302 (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ. (¬4) جَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/260 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ، بَابُ التَّغْلِيظِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَرَّةً وَبِلَفْظِ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/245 كِتَابُ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 2/337 - 338 وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى رِوَايَاتٍ أُخْرَى لَهُ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ نُفِيَ بِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ، لَكَانَ عَامَّةُ النَّاسِ لَا صَلَاةَ لَهُمْ وَلَا صِيَامَ. فَإِنَّ الْكَمَالَ الْمُسْتَحَبَّ مُتَفَاوِتٌ، وَلَا أَحَدَ يُصَلِّي كَصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَكُلُّ مَنْ لَمْ يُكْمِلْهَا كَتَكْمِيلِ الرَّسُولِ يُقَالُ: لَا صَلَاةَ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ فَرْضًا مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا يُؤْمَرُونَ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَالْإِيمَانُ إِذَا تُرِكَ بَعْضُ فَرَائِضِهِ لَا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ؟ . قِيلَ: لَيْسَ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ مُطْلَقًا، بَلْ يُؤْمَرُ بِالْمُمْكِنِ ; فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِعَادَةُ أَعَادَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُمِرَ أَنْ يَفْعَلَ حَسَنَاتٍ غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ أُمِرَ بِالظُّهْرِ فَلَا تَسُدُّ مَسَدَّ الْجُمُعَةِ، بَلِ الْإِثْمُ الْحَاصِلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ يَزُولُ جَمِيعُهُ بِالظُّهْرِ. وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ عَمْدًا ; فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا مَا دَامَ يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ أُمِرَ بِالدَّمِ الْجَابِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْقِطًا عَنْهُ إِثْمَ التَّفْوِيتِ (* مُطْلَقًا، بَلْ هَذَا الَّذِي يُمَكِّنُهُ مِنَ الْبَدَلِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ تَوْبَةً تَغْسِلُ إِثْمَ التَّفْوِيتِ *) (¬1) ، كَمَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ تَوْبَةً تَغْسِلُ إِثْمَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ بِحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ فَوَّتَ وَاجِبًا لَا (¬2) يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُهُ، وَأَمَّا إِذَا أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكُهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ. وَهَكَذَا نَقُولُ (¬3) فِيمَنْ تَرَكَ بَعْضَ وَاجِبَاتِ الْإِيمَانِ، بَلْ كُلَّ مَأْمُورٍ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ جُزْءًا مِنْ إِيمَانِهِ، فَيَسْتَدْرِكُهُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ فَاتَ وَقْتُهُ تَابَ وَفَعَلَ حَسَنَاتٍ أُخَرَ غَيْرَهُ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬2) ح، ب: لَمْ. (¬3) ن، م، و: يَقُولُ.

وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ يُمْكِنُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ (¬1) ، كَمَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ دُخُولِ الْعَصْرِ، وَيُؤَخِّرُ (¬2) الْعَصْرَ إِلَى الِاصْفِرَارِ ; فَهَذَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ إِثْمُ التَّأْخِيرِ، وَهُوَ مِنَ الْمَذْمُومِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [سُورَةُ الْمَاعُونِ: 4 - 5] وَقَوْلِهِ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 59] ، فَإِنَّ تَأْخِيرَهَا (¬3) عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِعْلُهَا فِيهِ هُوَ إِضَاعَةٌ لَهَا وَسَهْوٌ عَنْهَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ (¬4) . وَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ بِذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا: " «صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً» " (¬5) . وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، وَالْعَصْرَ ¬

(¬1) و: أَوِ الْمُشْتَرَكِ. (¬2) و: أَوْ يُؤَخِّرُ. (¬3) فَإِنَّ تَأْخِيرَهَا كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَإِنَّ إِضَاعَتَهَا تَأْخِيرُهَا، وَفِي (ن) : فَإِنَّ إِضَاعَتَهَا تَأَخُّرُهَا. (¬4) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمِ 14/449 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعُ الصَّلَاةِ، بَابُ كَرَاهِيَةِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، وَنَصُّهُ: عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ: نُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةَ خَلْفَ أُمَرَاءَ، فَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ، قَالَ: فَضَرَبَ فَخْذِي ضَرْبَةً أَوْجَعَتْنِي وَقَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ عَنْ ذَلِكَ، فَضَرَبَ فَخْذِي وَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً) قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذُكِرَ لِي أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فَخْذَ أَبِي ذَرٍّ وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/279 كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 5/159 وَانْظُرْ: 4/338

إِلَى وَقْتِ الِاصْفِرَارِ. وَذَلِكَ مِمَّا هُمْ مَذْمُومُونَ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ لَيْسُوا كَمَنْ تَرَكَهَا أَوْ فَوَّتَهَا حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ، وَنَهَى عَنْ قِتَالِ أُولَئِكَ. «فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ أُمَرَاءُ وَيَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ. قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: " لَا، مَا صَلَّوْا» " (¬1) وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ الَّتِي يُؤَخِّرُونَهَا وَأَمَرَ أَنْ تُصَلَّى فِي الْوَقْتِ، وَتُعَادَ مَعَهُمْ نَافِلَةً ; فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ، وَلَوْ كَانُوا لَمْ يُصَلُّوا لَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» (¬2) " مَعَ قَوْلِهِ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (¬3) : " «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» " (¬4) . ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/116 (¬2) الْعَصْرَ: فِي (و) ، (ب) فَقَطْ: وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظِ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ. فِي الْبُخَارِيِّ 1/116 كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفَضْلِهَا بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَةً، مُسْلِمٍ 1/424 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظِ: (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ الْحَدِيثَ) وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 1/112 كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، مُسْلِمٍ 1/425 الْمَوْضِعِ السَّابِقِ وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ، 1/272 - 275 رَقْمُ 252، 253. (¬3) ن، م: فِي الصَّحِيحِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/434 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ بِالْعَصْرِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 1/107 كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْعَصْرِ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 1/203 كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ، بَابُ التَّشْدِيدِ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ، وَقَدْ سَبَقَ الْحَدِيثُ 4/31

وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» " (¬2) . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬3) أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» " (¬4) . وَقَالَ أَيْضًا: " «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ» " (¬5) . وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» " (¬6) . فَاتَّفَقُوا ¬

(¬1) ن، م: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِلَفْظِ: الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ إِلَخْ فِي الْبُخَارِيِّ 1/111 كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ، مُسْلِمٍ 1/435 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ التَّغْلِيظِ فِي تَفْوِيتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ، 1/436 بِلَفْظِ: مَنْ فَاتَتْهُ، وَالْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي كُتُبِ السُّنَنِ وَفِي الْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ. (¬3) ن، م: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/111 كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 1/191، كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ. وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْحَدِيثِ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ رَقْمُ 255. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 1/568 كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَأَوَّلُهُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ فَقَالَ: وَآخِرُهُ: كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/208 كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ، بَابُ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 6/396 - 397. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/118 - 119 كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، مُسْلِمٍ 1/477 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدِّارِمِيِّ وَالْمُسْنِدِ وَالْمُوَطَّأِ، وَانْظُرْ إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ 1/291 - 293.

عَلَى أَنَّ النَّائِمَ يُصَلِّي إِذَا اسْتَيْقَظَ، وَالنَّاسِيَ إِذَا ذَكَرَ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ، كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَيَجْعَلُ قَضَاءَ النَّائِمِ وَالنَّاسِي عَلَى التَّرَاخِي، وَمَنْ (¬1) نَسِيَ بَعْضَ وَاجِبَاتِهَا فَهُوَ كَمَنْ نَسِيَهَا، فَلَوْ صَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَعَادَ، كَمَا أَعَادَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا لَمَّا صَلَّوْا بِالنَّاسِ، ثُمَّ ذَكَرُوا بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّهُمْ كَانُوا جُنُبًا فَأَعَادُوا، وَلَمْ يَأْمُرُوا الْمَأْمُومِينَ بِالْإِعَادَةِ. وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (¬2) . وَكَذَلِكَ إِذَا أَخَّرَهَا تَأْخِيرًا يَرَى أَنَّهُ جَائِزٌ. كَمَا أَخَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَحْزَابِ وَصَلَّاهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ (¬3) فَإِنَّ ذَلِكَ التَّأْخِيرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِنِسْيَانٍ مِنْهُ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ جَائِزًا إِذَا كَانُوا مَشْغُولِينَ بِقِتَالِ الْعَدُوِّ أَنْ يُؤَخِّرُوا الصَّلَاةَ. ¬

(¬1) ن، م: فَمَنْ. (¬2) لَعَلَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 5/240 رَقْمُ 3657 وَلَفْظُهُ، أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةَ لَيْلًا فَنَزَلْنَا دَهَاسًا أَيْ: سَهْلًا مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: مَنْ يَكْلَؤُنَا؟ فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، قَالَ: إِذَنْ تَنَامُ. قَالَ: لَا. فَنَامَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فِيهِمْ عُمَرُ، فَقَالَ: اهْضِبُوا فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: افْعَلُوا مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ، فَلَمَّا فَعَلُوا قَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا، لِمَنْ نَامَ مِنْكُمْ أَوْ نَسِيَ. وَصَحِّحْ أَحْمَدُ شَاكِر الْحَدِيثَ، وَانْظُرْ إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ، 1/293 وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/179 كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ مَنْ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/411

وَالْعُلَمَاءُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: يُصَلِّي حَالَ الْقِتَالِ وَلَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ (¬1) ، وَتَأْخِيرُ الْخَنْدَقِ مَنْسُوخٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَ تَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا. لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُصَلُّوا الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَخَّرَتْ (¬2) الصَّلَاةَ فَصَلَّوْا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَكَانَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ قَالُوا: لَمْ يُرِدْ مِنَّا إِلَّا الْمُبَادَرَةَ إِلَى الْعَدُوِّ لَا تَفْوِيتَ (¬3) الصَّلَاةِ. فَصَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ، فَلَمْ يُعَنِّفِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ. وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (¬4) . وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الشَّامِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: بَلْ يُؤَخِّرُونَهَا كَمَا فَعَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. فَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَنْ أَخَّرَهَا تَأْخِيرًا يُعْذَرُ بِهِ إِمَّا لِنِسْيَانٍ أَوْ لِخَطَأٍ فِي الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ فَأَخَّرَهَا حَتَّى طَلَعَتْ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ بَاقٍ فَأَخَّرَهَا حَتَّى غَرَبَتْ فَإِنَّ هَذَا يُصَلِّي. وَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مَا بَقِيَ تَأْخِيرُهَا جَائِزًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا، وَلَوْ أَخَّرَهَا بِاجْتِهَادِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ (¬5) ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ ¬

(¬1) الصَّلَاةَ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬2) ب فَقَطْ: أَخَّرُوا. (¬3) أ: وَلَا تَفُوتُ، م: لَا تُفَوَّتُ، ن: وَلَا تَفْوِيتَ. (¬4) وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ قَلِيلٍ وَسَبَقَ فِيمَا مَضَى 3/411 (¬5) ح، ب: أَخْطَأَ بِاجْتِهَادِهِ.

الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: " «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدَ (¬1) حَبِطَ عَمَلُهُ» " (¬2) فَإِنَّ هَذَا مُجْتَهِدٌ مُتَأَوِّلٌ مُخْطِئٌ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ» " (¬3) . وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ (¬4) . وَأَمَّا مَنْ فَوَّتَهَا عَمْدًا عَالِمًا بِوُجُوبِهَا، أَوْ فَوَّتَ بَعْضَ وَاجِبَاتِهَا الَّذِي يَعْلَمُ وُجُوبَهُ مِنْهَا ; فَهَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ. فَقِيلَ فِي الْجَمِيعِ: يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَهَا بَعْدَ التَّفْوِيتِ، وَيَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَيُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَ، وَيُعَاقَبُ عَلَى التَّفْوِيتِ، كَمَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَقُولُونَ (¬5) : هُوَ (¬6) فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَجَبَ (¬7) إِعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ فَيَجِبُ إِعَادَتُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَأَمَّا مَالُكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا يُعَادُ فِي الْوَقْتِ وَمَا يُعَادُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ فَرْضًا بَلْ وَاجِبًا - وَهُوَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ سُنَّةً - أَمَرُوا بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ إِذَا تَرَكَهُ فِي الْوَقْتِ، كَمَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ. وَأَمَّا مَا كَانَ فَرْضًا، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالطَّهَارَةِ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ، فَيُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ. ¬

(¬1) فَقَدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬2) مَضَى الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ. (¬3) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 4/458 (¬4) الصَّحِيحُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ي) ، (ر) . (¬5) أ، ح، و، ر، ي: يَقُولُونَهُ. (¬6) هُوَ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬7) ب فَقَطْ: وَجَبَتْ.

وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. وَصَنَّفَ الْمُزَنِيُّ مُصَنَّفًا رَدَّ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً مِنْهَا هَذِهِ. وَقَدْ رَدَّ عَلَى الْمُزَنِيِّ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ (¬1) وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ. وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ إِنْ (¬2) فُعِلَتْ كَمَا أُمِرَ بِهَا الْعَبْدُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تُفْعَلْ كَمَا أُمِرَ بِهَا الْعَبْدُ فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ، فَيُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ وَاجِبٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ قَطُّ أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنِ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ أَوْكَدَ مِمَّا تَرَكَ لَمْ يُعِدْ بَعْدَ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْوَقْتِ يُمْكِنُهُ تَلَافِيهَا ; فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَ النَّجَاسَةِ أَوْ عُرْيَانًا خَيْرٌ مِنَ الصَّلَاةِ بِلَا نَجَاسَةٍ بَعْدَ الْوَقْتِ، فَلَوْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُعِيدَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَكُنَّا نَأْمُرُهُ بِأَنْقَصِ مِمَّا صَلَّى، وَهَذَا لَا يَأْمُرُ بِهِ الشَّارِعُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْهَا، فَذَاكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَيُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ. وَهَذَا الْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ وَاجِبَاتِهَا (¬3) مَا هُوَ رُكْنٌ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ تَتِمُّ بِدُونِهِ (¬4) ، إِمَّا مَعَ السَّهْوِ وَإِمَّا مُطْلَقًا. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوجِبُ فِيهَا مَا لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ الْإِعَادَةُ بِحَالٍ. فَإِذَا ¬

(¬1) ن، م: الْبُهْرِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمِيمِيُّ الْأَبْهَرِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 289 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 375، لَهُ تَصَانِيفُ فِي شَرْحِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالرَّدِّ عَلَى مُخَالِفِيهِ انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَارِيخِ بَغْدَادَ 5/462 - 463، الْأَعْلَامِ 7/98 (¬2) ن، م: إِذَا. (¬3) بَعْدَ عِبَارَةِ مِنْ وَاجِبَاتِهَا، يُوجَدُ سَقْطٌ طَوِيلٌ فِي نُسْخَةِ (ي) ، يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ نَتِيجَةَ ضَيَاعِ أَوْرَاقٍ مِنَ الْمَخْطُوطَةِ إِذْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ بِهِ الشِّرْكُ بَلْ أَرَادَتِ التَّقِيَّ الَّذِي لَا يُقْدِمُ عَلَى الْفُجُورِ، وَوَجَدْتُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي ص 3/73 (ب) . (¬4) ر، ح: تَتِمُّ بِهِ.

أَوْجَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيهَا مَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الشَّرْعِ. وَأَحْمَدُ مَعَ مَالِكٍ يُوجِبَانِ فِيهَا مَا يَسْقُطُ بِالسَّهْوِ وَيُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، ثُمَّ ذَلِكَ الْوَاجِبُ إِذَا تَرَكَهُ عَمْدًا أَمَرَهُ أَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ بِالْإِعَادَةِ كَمَا لَوْ تَرَكَ فَرْضًا، وَأَمَّا مَالِكٌ فَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلَانِ فِيمَنْ تَرَكَ مَا يَجِبُ السُّجُودُ لِتَرْكِهِ سَهْوًا، كَتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَتَرْكِ تَكْبِيرَتَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ قِرَاءَةِ (¬1) السُّورَةِ وَالْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي مَوْضِعِهِمَا. وَقَدِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ مِنْهَا مَا يُجْبَرُ الْحَجُّ مَعَ تَرْكِهِ، وَمِنْهَا مَا يَفُوتُ الْحَجُّ مَعَ تَرْكِهِ فَلَا يُجْبَرُ، كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَكَذَلِكَ (¬2) الصَّلَاةُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي الْوَقْتِ إِذَا تُرِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ، كَالْجُمُعَةِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ ; فَإِنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ الْوَقْتِ عِبَادَةٌ لَا تُشْرَعُ إِلَّا إِذَا شَرَعَهَا الشَّارِعُ، فَلَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً إِلَّا بِشَرْعِهِ، وَلَا وَاجِبَةً إِلَّا بِأَمْرِهِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ (¬3) لَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ رَمْيُ الْجِمَارِ لَا تُرْمَى بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى، سَوَاءٌ فَاتَتْهُ (¬4) لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ (¬5) . كَذَلِكَ الْجُمُعَةُ لَا يَقْضِيهَا الْإِنْسَانُ سَوَاءٌ فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ ¬

(¬1) أَوْ قِرَاءَةِ: كَذَا فِي (م) ، (ح) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَقِرَاءَةِ. (¬2) ن، م: وَكَذَلِكَ. (¬3) ن، م، و: أَوْ غَيْرِهِ. (¬4) أ: فَاتَهُ، ن، م: فَاتَتْ. (¬5) ن، م: لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، ح: لِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، و، ر: بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ.

عُذْرٍ (¬1) ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَوَّتَهَا (¬2) أَهْلُ الْمِصْرِ كُلُّهُمْ لَمْ يُصَلُّوهَا (¬3) يَوْمَ السَّبْتِ. وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَعْذُورَ يُصَلِّيهَا إِذَا أَمْكَنَهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» " (¬4) . وَكَذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ أَمْرَ اللَّهُ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ وَالْحَائِضَ أَنْ يَصُومُوا (¬5) نَظِيرَهُ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ. وَالْوَقْتُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقْتٌ (¬6) لِجَوَازِ فِعْلِهِمَا (¬7) جَمِيعًا عِنْدَ الْعُذْرِ، وَإِنْ فُعِلَتَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَفَاعِلُهُمَا آثِمٌ، لَكِنَّ هَذِهِ قَدْ فُعِلَتْ فِي وَقْتٍ هُوَ وَقْتُهَا فِي الْجُمْلَةِ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ خَلْفَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ، وَنَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ، مَعَ ذَمِّهِمْ وَظُلْمِهِمْ. وَأُولَئِكَ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ، فَجَاءَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ (¬8) فَصَارُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْأُولَى دَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَدَخَلَ فِي الْوَقْتِ الْمُشْتَرِكِ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْعُذْرِ، مِنْ تَأْوِيلِ الْوُلَاةِ وَتَصْحِيحِ الصَّلَاةِ مَعَ إِثْمِ التَّفْوِيتِ، مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّفْوِيتِ الْمُطْلَقِ ; كَمَنْ يُفْطِرُ شَهْرَ رَمَضَانَ عَمْدًا وَيَقُولُ: أَنَا أَصُومُ فِي شَوَّالٍ، أَوْ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ¬

(¬1) ن: بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، م: بِعُذْرٍ وَلَا بِغَيْرِهِ. (¬2) ح: لَوْ سَهَى. (¬3) و: وَكَذَلِكَ لَوْ فَوَّتَ أَهْلُ الْمِصْرِ كُلُّهُمْ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُصَلُّوهَا. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 212 (¬5) أ، و، ر: أَنْ يَصُومَ، ح، ب: أَنْ تَصُومَ. (¬6) وَقْتٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬7) ن، م: فِعْلِهَا. (¬8) و: طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ.

عَمْدًا، وَيَقُولُ: أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَيُؤَخِّرُ (¬1) الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَقُولُ: أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْفَجْرِ، أَوْ يُؤَخِّرُ الْفَجْرَ وَيَقُولُ: أُصَلِّيهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَهَذَا تَفْوِيتٌ مَحْضٌ بِلَا عُذْرٍ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ «فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» "، وَقَالَ: " «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» " (¬2) ، فَلَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِدْرَاكُ لَمْ يُحْبَطْ عَمَلُهُ. وَقَوْلُهُ: " «وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» " أَيْ صَارَ وِتْرًا لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالَ، وَلَوْ كَانَ فِعْلُهَا مُمْكِنًا بِاللَّيْلِ لَمْ يَكُنْ مَوْتُورًا. وَقَالَ: " «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ» " (¬3) فَلَوْ كَانَ فِعْلُهَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ صَحِيحًا مُطْلَقًا، لَكَانَ مُدْرِكًا، سَوَاءٌ أَدْرَكَ رَكْعَةً أَوْ لَمْ يُدْرِكْ ; فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا إِثْمٍ، بَلْ يَأْثَمُ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِأَنْ تُصَلَّى الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا الَّذِي حَدَّهُ، وَأَنْ لَا يُؤَخَّرَ الْعَصْرُ إِلَى مَا بَعْدَ الِاصْفِرَارِ، فَفِعْلُهَا قَبْلَ الِاصْفِرَارِ وَاجِبٌ بِأَمْرِهِ، وَقَوْلُهُ: " «صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» " (¬4) . فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْإِدْرَاكَ لَا يَرْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ غَيْرِ الْمَعْذُورِ، بَلْ يَكُونُ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: أَوْ يُؤَخِّرُ. (¬2) مَضَى هَذَانِ الْحَدِيثَانِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 212 (¬3) ب فَقَطْ: فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص [0 - 9] 11 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا قَبْلَ صَفَحَاتٍ 5/209 وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ وَجَاءَتْ أَحْيَانًا بِلَفْظِ صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَأَحْيَانًا بِلَفْظِ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَجَمَعَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي صَحِيحِهِ 1/448 - 449 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعُ الصَّلَاةِ، بَابُ كَرَاهِيَةِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَهِيَ أَحَادِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ فِي أَوَّلِهَا: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قَالَ: قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: (صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ.) وَفِي آخِرِ حَدِيثِ رَقْمِ 244 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً) وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/173 - 174 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ إِذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الْوَقْتِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 1/113 - 114 كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ إِذَا أَخَّرَهَا الْإِمَامُ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 1/398 - 399 كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا إِذَا أَخَّرُوا الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا.

قَدْ صَلَّاهَا مَعَ الْإِثْمِ، فَلَوْ كَانَتْ أَيْضًا تُصَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ مَعَ الْإِثْمِ، لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّيهَا عِنْدَ الِاصْفِرَارِ أَوْ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَاكَ أَعْظَمُ إِثْمًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كُلَّمَا أَخَّرَهَا كَانَ أَعْظَمَ إِثْمًا، فَحَيْثُ جَازَ الْقَضَاءُ مَعَ وُجُوبِ التَّقْدِيمِ كُلَّمَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ كَانَ أَعْظَمَ لِإِثْمِهِ. وَمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا ; [فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا] (¬1) . وَإِذَا أَخَّرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ، كَمَا يَأْثَمُ مَنْ أَخَّرَ الْوَاجِبَ عَلَى الْفَوْرِ، وَيَصِحُّ فِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَتِ الْعَصْرَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، لَمْ يَكُنْ لِتَحْدِيدِ وَقْتِهَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَوْلُهُ: " «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ» " (¬2) فَائِدَةٌ، بَلْ كَانَتْ تَكُونُ كَالْوَاجِبِ عَلَى الْفَوْرِ إِذَا أَخَّرَهُ، أَوْ كَانَتْ تَكُونُ كَالْمَغْرِبِ إِذَا أَخَّرَهَا إِلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَدْ يَجُوزُ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ، كَمَا يُسَنُّ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ 5/12

وَأَمَّا فِعْلُ الْعَصْرِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ (¬1) ، فَلَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ قَطُّ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ، كَمَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. قَالَ هَؤُلَاءِ: وَالصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَيِّ حَالٍ بِتَرْكِ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ لِأَجْلِ الْوَقْتِ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ، أَوْ بِلَا قِرَاءَةٍ، أَوْ بِلَا إِتْمَامِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، أَوْ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ يُصَلِّي عُرْيَانًا، أَوْ كَيْفَمَا أَمْكَنَ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْوَقْتِ مَعَ تَمَامِ الْأَفْعَالِ. وَهَذَا مِمَّا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَامَّتُهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. فَعُلِمَ أَنَّ الْوَقْتَ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ. وَحِينَئِذٍ فَمَنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ بِلَا قِرَاءَةٍ، أَوْ عُرْيَانًا مُتَعَمِّدًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، إِذَا أُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْوَقْتِ بِقِرَاءَةٍ وَسُتْرَةٍ، كَانَ مَا أُمِرَ بِهِ دُونَ مَا فَعَلَهُ. وَلِهَذَا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا أَحَدُهُمَا، وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ بِلَا قِرَاءَةٍ وَلَا سُتْرَةٍ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا وَيُصَلِّي بَعْدَ الْوَقْتِ بِقِرَاءَةٍ وَسُتْرَةٍ. فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ التَّفْوِيتَ (¬2) مَا بَقِيَ اسْتِدْرَاكُهُ مُمْكِنًا، وَأَمَّا الْمَعْذُورُ فَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْوَقْتَ فِي حَقِّهِ مَتَى أَمْكَنَهُ، فَمَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ أَوْ بَعْضَ وَاجِبَاتِهَا صَلَّاهَا مَتَى ذَكَرَهَا (¬3) ، وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ وَإِذَا قِيلَ: صَلَاتُهُ فِي الْوَقْتِ كَانَتْ أَكْمَلَ. قِيلَ: نَعَمْ، لَكِنَّ تِلْكَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ بِالنَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إِذَا اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ، كَمَا نَقُولُ فِي الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ ¬

(¬1) ح، ب: بَعْدَ الْغُرُوبِ. (¬2) ح، ب: التَّوْقِيتَ. (¬3) ن، م، و: مَتَى ذَكَرَ.

فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَهِيَ حِينَئِذٍ مَأْمُورَةٌ بِالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَتَكُونُ مُصَلِّيَةً لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهَا أَدَاءً، وَكَذَلِكَ إِذَا طَهُرَتْ آخِرَ اللَّيْلِ صَلَّتِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَكَانَتِ الْمَغْرِبُ فِي حَقِّهَا أَدَاءً كَمَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنَ السُّنَّةِ الَّتِي كَانَ الصَّحَابَةُ يَعْرِفُونَهَا ; فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا يَقَعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، حَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ الْمَوَاقِيتَ ثَلَاثَةً فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ، وَهَذِهِ مَعْذُورَةٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ " وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (¬2) ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ مُشْتَرَكٌ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ، فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ. لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ، وَطَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، كَالْخِرَقِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، قَالُوا: تَجِبُ النِّيَّةُ فِي الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ النِّيَّةُ لَا لِهَذَا وَلَا لِهَذَا. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ (¬3) ، وَهُوَ الصَّوَابُ، كَمَا بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬4) . وَقَضِيَّةُ (¬5) الْحَائِضِ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا الَّذِي أَمَرَ بِهَا ¬

(¬1) ح، ب: النَّبِيِّ. (¬2) بْنِ حَنْبَلٍ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬3) عِبَارَةُ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) ن، م: فِي مَوْضِعِهِ. (¬5) وَقَضِيَّةُ: كَذَا فِي (أ) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: قِصَّةُ.

فِيهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ; فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُمْكِنًا لَكَانَتِ الْحَائِضُ تُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ أَمْرَ إِيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ (¬1) . فَإِذَا قِيلَ: يُسْقَطُ الْقَضَاءُ عَنْهَا تَخْفِيفًا. قِيلَ: فَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُصَلِّيَ قَضَاءً لِتُحَصِّلَ (¬2) ثَوَابِ الصَّلَاةِ الَّتِي فَاتَتْهَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا مَشْرُوعًا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ لَهَا أَنْ تُصَلَّى مِنَ النَّوَافِلِ مَا ; شَاءَتْ فَإِنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ مَأْمُورَةً بِهَا فِي وَقْتِهَا. وَالصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا إِلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ الْعَبْدَ، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَعْذُورًا مِنْ نَائِمٍ وَنَاسٍ وَمُخْطِئٍ، فَهَؤُلَاءِ مَأْمُورُونَ بِهَا فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، فَلَمْ يُصَلُّوا إِلَّا فِي وَقْتِ الْأَمْرِ، كَمَا أُمِرَتِ الْحَائِضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَقِيلَ فِي الْمُتَعَمِّدِ لِفِطْرِهِ: لَا يَجْزِيهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَلَوْ صَامَهُ. قَالُوا: وَالنَّاسِي إِنَّمَا أُمِرَ بِالصَّلَاةِ إِذَا ذَكَرَهَا، لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَذَلِكَ هُوَ الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ، فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا فِي وَقْتِهَا، وَكَذَلِكَ النَّائِمُ إِذَا اسْتَيْقَظَ إِنَّمَا صَلَّى فِي الْوَقْتِ. قَالُوا: وَلَمْ يُجَوِّزِ اللَّهُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا، وَلَا يَقْبَلَهَا مِنْهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَلْبَتَّةَ. وَكَذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ. وَفِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنَّ صَامَهُ» " (¬3) قَالُوا: وَإِنَّمَا يَقْبَلُ اللَّهُ صِيَامَهُ فِي غَيْرِ الشَّهْرِ مِنَ الْمَعْذُورِ، ¬

(¬1) ن، م، و، أ: إِيجَابٍ أَوِ اسْتِحْبَابٍ. (¬2) ن، م: لِتَحْصِيلِ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/32 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 2/422 - 423 كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ التَّغْلِيظِ فِيمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 2/113 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِفْطَارِ مُتَعَمِّدًا.

كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ، وَمَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الشَّهْرُ فَتَحَرَّى فَصَامَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ الصِّيَامُ، أَمَّا الْمُعْتَمِدُ لِلْفِطْرِ فَلَا. قَالُوا: وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي جَامَعَ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ بِصَوْمٍ، بَلْ أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ فَقَطْ. وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ أَمْرِهِ بِالْقَضَاءِ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ ضَعَّفَهُ الْعُلَمَاءُ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ (¬1) . وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الَّذِي يَسْتَقِيءُ عَمْدًا أَنَّهُ يُعِيدُ، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْذُورَ الَّذِي اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِقَاءُ، أَوِ الْمَرِيضُ الَّذِي احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَسْتَقِيءَ فَاسْتِقَاءَ ; فَإِنَّ الِاسْتِقَاءَةَ لَا تَكُونُ فِي الْعَادَةِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَإِلَّا فَلَا يَقْصِدُ الْعَاقِلُ أَنْ يَسْتَقِيءَ بِلَا حَاجَةٍ (¬2) ، فَيَكُونُ الْمُسْتَقِيءُ مُتَدَاوِيًا بِالِاسْتِقَاءَةِ، كَمَا يَتَدَاوَى ¬

(¬1) انْظُرْ كَلَامَ ابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي 3/109 - 110 عَنْ حُكْمِ مَنْ جَامَعَ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ، وَرَأْيَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِيهَا، وَرَأْيَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُجَامِعِ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَلْزَمُهُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ. قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ وَأَنَا صَائِمٌ، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَأَعْطَاهُ عَرَقَ فِيهِ تَمْرٌ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ وَقَالَ لَهُ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 4/88 - 93 وَكَلَامُهُ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ وَمُخَالَفَتُهُ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ اسْتَشْهَدَ بِكَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ 4/150 حَيْثُ قَالَ: وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ تَعْرِفُ أَنَّ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ قَوْلُ النَّبِيِّ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ أَصْلًا. (¬2) ن، م: لِغَيْرِ حَاجَةٍ.

بِالْأَكْلِ، وَهَذَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْقَضَاءُ وَيُؤْمَرُ بِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ، وَبِكُلِّ حَالٍ هَذَا مَعْنَاهُ (¬1) . فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ، وَحَدِيثَ: " «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ» " فَتُحْمَلُ أَحَادِيثُهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى الِاخْتِلَافِ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ (¬2) دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ حَزْمٍ (¬3) ، وَغَيْرِهِمْ. قَالُوا: وَالْمُنَازِعُونَ لَنَا لَيْسَ لَهُمْ قَطُّ حُجَّةٌ يُرَدُّ إِلَيْهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ: لَا يُجِبِ الْقَضَاءُ إِلَّا بِأَمْرٍ ثَانٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ هُنَا أَمْرٌ. وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَقَطْ، بَلْ نُنَازِعُ فِي قَبُولِ الْقَضَاءِ مِنْهُ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، فَنَقُولُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا الْمُخْتَصِّ وَالْمُشْتَرَكِ، الْمُضَيَّقِ وَالْمُوَسَّعِ، كَالْجُمُعَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، وَكَالْحَجِّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَكَرَمْيِ الْجِمَارِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا. وَالْوَقْتُ صِفَةٌ لِلْفِعْلِ، وَهُوَ مِنْ آكَدِ وَاجِبَاتِهِ، فَكَيْفَ تُقْبَلُ الْعِبَادَةُ بِدُونِ صِفَاتِهَا (¬4) الْوَاجِبَةِ فِيهَا؟ . ¬

(¬1) انْظُرْ كَلَامَ الْأَلْبَانِيِّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 4/51 - 53 وَقَدْ صَحَّحَهُ مَرْفُوعًا وَنَصُّهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمِنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ. عَلَى أَنْ لِلْحَدِيثِ وَجْهًا آخَرَ ضَعِيفٌ، انْظُرْ 4/53 (¬2) ن، م: وَقَوْلُ. (¬3) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنِ اسْتَقَاءَ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُحَلَّى 6/175 - 177، 180 - 185 (¬4) ح، ب: صِفَتِهَا.

وَهُوَ لَوْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ إِلَّا بَاطِلَةً، وَكَذَلِكَ إِذَا صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُشْتَرَكِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، مِثْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَالْمَغْرِبَ قَبْلَ الْمَغِيبِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا، مِثْلَ الْأَسِيرِ إِذَا ظَنَّ دُخُولَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَمِثْلَ الْمُسَافِرِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا اجْتَهَدُوا فَصَلَّوُا الظُّهْرَ: قَبْلَ الزَّوَالِ أَوِ الْمَغْرِبَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ; فَهَؤُلَاءِ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْعُلَمَاءِ. وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُمْ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْمُشْتَرَكِ، كَصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْعِشَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، فَقِيَاسُ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ، فَإِنَّهُ جَمَعَ لِعُذْرٍ وَهُوَ لَا يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ أَجْزَأَهُ لِجَوَازِ الْجَمْعِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْمَغْرِبِ، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ مَعَ أَمْثَالِهِ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ وَتَقْدِيمُ الْعَصْرِ، وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ وَتَقْدِيمُ الْعِشَاءِ، كَمَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ إِذَا فُعِلَتْ هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ الْخَاصِّ أَجْزَأَتْهُ. قَالُوا: فَالنِّزَاعُ فِي صِحَّةِ مِثْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، كَالنِّزَاعِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ [لَا يُفْعَلُ بَعْدَ الْوَقْتِ] (¬1) . قَالَ لَهُمُ الْأَوَّلُونَ: مَا قِسْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ وَرَمْيِ الْجِمَارَ لَا يُفْعَلُ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ فِي الشَّرْعِ بِحَالٍ، لَا لِمَعْذُورٍ وَلَا لِغَيْرِ مَعْذُورٍ (¬2) . فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مُخْتَصَّةٌ بِزَمَانٍ كَمَا هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِمَكَانٍ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬2) ن، م، و: وَلَا لِغَيْرِهِ.

وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَيَجُوزُ فِعْلُهَا لِلْمَعْذُورِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَوْقَاتِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ، وَأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا، كَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي تِلْكَ الْعِبَادَاتِ. قَالَ الْآخَرُونَ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ وَقْتِهَا لِلْمَعْذُورِ، تَوْسِعَةً مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةً (¬1) ، وَأَمَّا النَّائِمُ وَالنَّاسِي فَلَا (¬2) ذَنْبَ لَهُمَا، فَوَسَّعَ اللَّهُ لَهُمَا عِنْدَ الذِّكْرِ وَالِانْتِبَاهِ، إِذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُمَا الصَّلَاةُ إِلَّا حِينَئِذٍ. فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِمُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ فِي تَفْوِيتِهَا؟ وَالْحَجُّ إِذَا فَاتَهُ فِي عَامٍ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحُجَّ فِي عَامٍ قَابِلٍ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ إِذَا فَاتَهُ جُعِلَ لَهُ بَدَلٌ عَنْهَا وَهُوَ النُّسُكُ. وَالْجُمُعَةُ إِذَا فَاتَتْ صَلَّى الظُّهْرَ. فَكَانَ (¬3) الْمَعْذُورُ إِذَا فَاتَتْهُ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ الْمُؤَقَّتَةُ شَرَعَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَدَلِهَا، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْذُورِ فَجُعِلَ لَهُ الْبَدَلُ أَيْضًا فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ الْحَجَّ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ ; فَإِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ جَازَ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُفْرِطًا (¬4) فَإِذَا جَازَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ فَلَأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَأْتِيَ هُوَ بِالْبَدَلِ بِطَرِيقِ الْأَحْرَى وَالْأَوْلَى ; فَإِنَّ الدَّمَ الَّذِي يُخْرِجُهُ هُوَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ عَنْهُ. وَأَمَّا الْجُمُعَةُ إِذَا فَاتَتْهُ، فَإِنَّمَا يُصَلِّي الظُّهْرَ، لِأَنَّهَا الْفَرْضُ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، لَا لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنِ الْجُمُعَةِ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ: إِمَّا ¬

(¬1) ح، ر: وَرَحْمَةً لَهُمَا. (¬2) أ، ب: لِأَنَّ النَّائِمَ وَالنَّاسِيَ لَا. (¬3) ن، م، و: وَكَانَ. (¬4) ح: مَفْرُوضًا.

الْجُمُعَةُ وَإِمَّا الظُّهْرُ ; فَإِذَا أَمْكَنَهُ (¬1) الْجُمُعَةُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلَّى الظُّهْرَ، فَإِذَا فَاتَتِ الْجُمُعَةُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا إِذَا فَاتَتِ الْجُمُعَةُ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِحَالٍ، وَكَذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ إِنْ (¬2) كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ الصَّوْمُ، وَأَطْعَمَ هُوَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِيَامِ الْإِنْسَانِ عَنْ وَلِيِّهِ، فَذَاكَ فِي النُّذُرِ، كَمَا فَسَّرَتْهُ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ رَوَوْهُ بِهَذَا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ ; فَإِنَّهُ قَالَ: " «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» " (¬3) وَالنَّذْرُ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ (¬4) عَلَيْهِ، وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَلَيْسَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا هُوَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ سَاقِطٌ عَنِ الْعَاجِزِ عَنْهُ. فَلَمَّا كَانَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَصِيَامُ رَمَضَانَ لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَصْلًا، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَدَلٌ، بِخِلَافِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، فَلِهَذَا وَسَّعَ الشَّارِعُ فِي قَضَائِهِمَا لِلْمَعْذُورِ لِحَاجَتِهِ بِهِ إِلَى ذَلِكَ تَوْسِعَةً مِنْهُ وَرَحْمَةً، وَغَيْرُهُمَا لَمْ يُوَسِّعْ فِي قَضَائِهِ لِأَحَدٍ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ (¬5) إِلَى قَضَائِهِ لِمَا شُرِعَ مِنَ الْبَدَلِ، ¬

(¬1) ن، م: أَمْكَنَتْهُ، ح: أَمْكَنَتْ. (¬2) ح، ب: إِذَا. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/35 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ مُسْلِمٍ 2/803 كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ قَضَاءِ الصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 2/423 - 424 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابٌ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا فِي النُّذُرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. (¬4) ن، م، و: فَهُوَ. (¬5) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

إِمَّا عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالظُّهْرِ عَنِ الْجُمُعَةِ، وَالدَّمِ عَنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَإِمَّا فِعْلُ الْغَيْرِ، كَالْحَجِّ عَنِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَيِّتِ. فَهَذَا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، وَبَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ مَنْ وَسَّعَ فِيهِمَا لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ (¬1) كَمَا يُوَسِّعُ لِلْمَعْذُورِ فَقَدْ أَخْطَأَ الْقِيَاسَ. الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّا لَمْ نَقِسْ قِيَاسًا اسْتَفَدْنَا بِهِ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنَ الْأَصْلِ ; فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ ثَابِتٌ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى الْقِيَاسِ مَعَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ ذَكَرْنَا الْقِيَاسَ لِيَتَصَوَّرَ الْإِنْسَانُ مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ فِي هَذَا، كَمَا يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلتَّفْهِيمِ وَالتَّصْوِيرِ، لَا لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ. وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْقِيَاسِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوَقْتِ، حَيْثُ حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ تَأْخِيرَهَا، بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ. وَالْمَقْصُودُ تَمْثِيلُ الْحُكْمِ بِالْحُكْمِ، لَا تَمْثِيلُ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ، فَيُعْرَفُ (¬2) أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَا بَقِيَتْ تُقْبَلُ وَلَا تَصِحُّ، كَمَا لَا تُقْبَلُ هَذِهِ وَلَا تَصِحُّ ; فَإِنَّ مِنَ الْجُهَّالِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ تَهْوَيْنُ (¬3) أَمْرِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ مَنْ فَوَّتَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ، فَيَدْعُو ذَلِكَ السُّفَهَاءَ إِلَى تَفْوِيتِهَا. وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، بَلْ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَنْ فَوَّتَهَا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَلَكِنَّ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِثْلَ تَفْوِيتِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَمْدًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مِنْ ¬

(¬1) ن، م: أَنَّ مَنْ وَسَّعَ لِغَيْرِهِ. (¬2) ن: فَيُعْلَمُ. (¬3) ح، ب: تُوهِيَنُ.

جَمِيعِ الطَّوَائِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا أُصَلِّي صَلَاةَ النَّهَارِ إِلَّا بِاللَّيْلِ، فَهُوَ كَمَنْ قَالَ: لَا أَصُومُ رَمَضَانَ (¬1) إِلَّا فِي شَوَّالٍ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَجِيزُ تَأْخِيرَهَا وَيَرَى ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ، فَهُوَ كَمَنْ يَرَى تَأْخِيرَ رَمَضَانَ جَائِزًا. وَهَذَا وَهَذَا يَجِبُ (¬2) اسْتِتَابَتُهُمَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنْ تَابَا وَاعْتَقَدَا وُجُوبَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي وَقْتِهِمَا وَإِلَّا قُتِلَا. وَكَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْجُهَّالِ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ تَأْخِيرِهَا إِلَى اللَّيْلِ بِأَدْنَى شُغْلٍ، وَيَرَى أَنَّ صَلَاتَهَا بِاللَّيْلِ خَيْرٌ مِنْ أَنَّ يُصَلِّيَهَا بِالنَّهَارِ مَعَ الشُّغْلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ هَذَا كُفْرٌ (¬3) . وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَرَى جَوَازَهَا فِي الْوَقْتِ إِلَّا مَعَ كَمَالِ الْأَفْعَالِ، وَأَنَّهُ إِذَا صَلَّاهَا بَعْدَ الْوَقْتِ مَعَ كَمَالِ الْأَفْعَالِ كَانَ أَحْسَنَ، وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَمِنْ أَسْبَابِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ تَجْوِيزُ الْقَضَاءِ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهَا تَصِحُّ وَتُقْبَلُ وَإِنْ أَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ، فَجَعَلُوا فِعْلَهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ كَفِعْلِ الْعَصْرِ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ، وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَهُ. فَلَوْ عَلِمَتِ الْعَامَّةُ أَنَّ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ كَتَفْوِيتِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَاجْتَهَدُوا فِي فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ. وَمِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّ رَمَضَانَ يَشْتَرِكُ فِي صَوْمِهِ جَمِيعُ النَّاسِ، وَالْوَقْتُ مُطَابِقٌ لِلْعِبَادَةِ لَا يُفْصَلُ (¬4) عَنْهَا، وَلَيْسَ لَهُ شُرُوطٌ كَالصَّلَاةِ. وَالصَّلَاةُ وَقْتُهَا مُوَسَّعٌ، فَيُصَلِّي بَعْضُ النَّاسِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبَعْضُهُمْ فِي ¬

(¬1) ن: لَا أَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ. (¬2) ح: وَهَذَا قَدْ يَجِبُ، ر، م: وَهَذَا يَجِبُ، ب: وَهَذَانِ يَجِبُ. (¬3) ن، م: بَلْ هُوَ كُفْرٌ. (¬4) ح، ب: لَا يَنْفَصِلُ.

آخِرِهِ، وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ، وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ يَظُنُّ الْجُهَّالُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا إِلَّا مَعَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ مُطْلَقًا، فَيَقُولُونَ: نَفْعَلُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ بِدُونِ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ. فَهَذَا الْجَهْلُ أَوْجَبَ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ التَّفْوِيتَ (¬1) الْمُحَرَّمَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ فَوَّتَهَا: لَا شَيْءَ عَلَيْكَ، أَوْ تَسْقُطُ عَنْكَ الصَّلَاةُ، وَإِنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَكِنْ يُبَيَّنُ لَهُ أَنَّكَ بِمَنْزِلَةٍ مَنْ زَنَى وَقَتَلَ النَّفْسَ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ عَمْدًا، إِذْ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا مَا بَقِيَ لَهُ جُبْرَانٌ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ. بَلْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَكَيْفَ بِالتَّفْوِيتِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ وَحِينَئِذٍ فَعَلَيْكَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ أَكْثَرَ مِنْ قَضَائِهَا، فَصَلِّ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً، لَعَلَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِهَا عَنْكَ مَا فَوَّتَّهُ، وَأَنْتِ مَعَ ذَلِكَ عَلَى خَطَرٍ، وَتَصَدَّقْ فَإِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَلْهَاهُ بُسْتَانُهُ عَنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَتَصَدَّقَ بِبُسْتَانِهِ. وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ لَمَّا فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ بِسَبَبِ الْخَيْلِ، طَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ، فَعَقَرَهَا كَفَّارَةً لِمَا صَنَعَ. فَمَنْ فَوَّتَ صَلَاةً وَاحِدَةً عَمْدًا فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً عَظِيمَةً، فَلْيَسْتَدْرِكْ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ تَوْبَةٍ وَأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ. وَلَوْ قَضَاهَا لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ (¬2) الْقَضَاءِ رَافِعًا إِثْمَ مَا فَعَلَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْقَضَاءُ، يَقُولُونَ: نَأْمُرُهُ بِأَضْعَافِ الْقَضَاءِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ. وَإِذَا قَالُوا: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إِلَّا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ تَخْفِيفٌ وَرَحْمَةٌ، كَمَا فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ. وَالرَّحْمَةُ وَالتَّخْفِيفُ تَكُونُ لِلْمَعْذُورِ وَالْعَاجِزِ، لَا تَكُونُ ¬

(¬1) التَّفْوِيتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مُجَرَّدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) .

لِأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ الْمُتَعَمِّدِينَ لَهَا، الْمُفَرِّطِينَ فِي عَمُودِ الْإِسْلَامِ. وَالصَّلَاةُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَعَجَزَ عَنْهُ، أَوْ نَذَرَ صِيَامًا أَوْ حَجًّا فَمَاتَ، هَلْ يُفْعَلُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: " «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ أَوْ أُمِّكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ، أَمَا كَانَ يُجْزِي عَنْهُ؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَ: " فَاللَّهُ (¬1) أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» " (¬2) . وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْقَضَاءِ عَنِ الْمَعْذُورِ مِنْ بَنِي آدَمَ ; فَإِنَّ اللَّهَ أَرْحَمُ وَأَكْرَمُ، فَإِذَا كَانَ الْآدَمِيُّونَ يَقْبَلُونَ الْقَضَاءَ عَمَّنْ مَاتَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِهِ أَيْضًا، لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُقْضَى حُقُوقُهُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهِيَ أَوْجَبُ مَا يُقْضَى مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّ دَيْنَ الْمَيِّتِ لَا يَجِبْ عَلَى الْوَرَثَةِ قَضَاؤُهُ، لَكِنْ يُقْضَى مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ فِعْلُ مَا وَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ نَذْرٍ. وَالسَّائِلُ إِنَّمَا سَأَلَ عَنِ الْإِجْزَاءِ وَالْقَبُولِ، لَمْ يَسْأَلْ عَنِ الْوُجُوبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُجَابَ عَنْ سُؤَالِهِ، فَعَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَضَاءِ الْعِبَادَاتِ وَقَبُولِ الْقَضَاءِ مِنْ بَابِ الْإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ (¬3) ، وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلْمَعْذُورِ (¬4) . وَأَمَّا صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ الْمُفَوِّتُ عَمْدًا (¬5) فَلَا يَسْتَحِقُّ تَخْفِيفًا وَلَا رَحْمَةً، لَكِنْ إِذَا تَابَ فَلَهُ ¬

(¬1) ح، ب: إِنَّ اللَّهَ. (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: مُسْلِمٍ 2/804 كِتَابُ الصِّيَامِ بَابُ قَضَاءِ الصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 2/110 كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (¬3) وَالرَّحْمَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) (ر) . (¬4) ح، ر: لِلْمَعْرِفَةِ. (¬5) ح، ب: الْكَبِيرَةِ الْمُتَعَمِّدُ، وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ (الْمُفَوِّتُ عَمْدًا) مِنْ (و) .

أُسْوَةٌ بِسَائِرِ التَّائِبِينَ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَيَجْتَهِدُ فِي طَاعَةِ (¬1) اللَّهِ وَعِبَادَاتِهِ بِمَا أَمْكَنَ، وَالَّذِينَ أَمَرُوهُ بِالْقَضَاءِ مِنَ الْعُلَمَاءِ (¬2) لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ [يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِثْمُ، بَلْ يَقُولُونَ: بِالْقَضَاءِ] (¬3) يَخِفُّ عَنْهُ الْإِثْمُ، وَأَمَّا إِثْمُ التَّفْوِيتِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فَهُوَ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي تَحْتَاجُ: إِمَّا إِلَى تَوْبَةٍ، وَإِمَّا إِلَى حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، وَإِمَّا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْقُطُ بِهِ الْعِقَابُ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الطَّاقَةِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، كَالنَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ مُدِحَ مِنَ الْأُمَّةِ (¬4) أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ عَلَى شَيْءٍ أَثَابَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَفَعَ بِهِ قَدْرَهُ، فَهُوَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالثَّوَابُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ (¬5) ، وَالنُّصْرَةُ لِمَنْ نَصَرَهُ، وَالسَّعَادَةُ لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ (¬6) عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَالْمُعَلِّمِينَ لِلنَّاسِ دِينَهُ، وَالْحَقُّ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، وَأَعْلَمُ الْخَلْقِ بِالْحَقِّ وَأَتْبَعُهُمْ لَهُ أَعَمَلُهُمْ بِسُنَّتِهِ وَأَتْبَعُهُمْ لَهَا، وَكُلُّ قَوْلٍ خَالَفَ قَوْلَهُ فَهُوَ إِمَّا دِينٌ مَنْسُوخٌ وَإِمَّا دِينٌ مُبَدَّلٌ لَمْ يُشْرَعْ قَطُّ. وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُفَاوَضَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " خَيْرُنَا أَتْبَعْنَا لِهَذَا الدِّينِ " وَعُثْمَانُ يُوَافِقُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ] (¬7) . ¬

(¬1) ح، ب: طَاعَاتِ. (¬2) مِنَ الْعُلَمَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ر، ح: الْأَئِمَّةِ. (¬5) الرَّسُولُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) . (¬6) ن: وَسَلَامُهُ، أ: وَالْمَلَائِكَةُ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فصل الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد فسبهم الرافضة

[فَصْلٌ اللَّهَ أَمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَسَبَّهُمُ الرَّافِضَةُ] فَصْلٌ وَلَمَّا قَالَ السَّلَفُ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَسَبَّهُمُ الرَّافِضَةُ (¬1) ، كَانَ هَذَا كَلَامًا حَقًّا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» " (¬2) يَقْتَضِي تَحْرِيمَ سَبِّهِمْ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالنَّهْيِ عَنْ سَبِّهِمْ عَامٌّ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» " (¬3) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 11] فَقَدْ نَهَى عَنِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّمْزِ وَالتَّنَابُزِ بِالْأَلْقَابِ. وَاللَّمْزُ: الْعَيْبُ وَالطَّعْنُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 58] أَيْ يَعِيبُكَ وَيَطْعَنُ عَلَيْكَ، وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 79] وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 49] أَيْ لَا يَلْمِزْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَقَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] ¬

(¬1) و: أَمَرَنَا بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَسَبُّوهُمْ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21 (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/499

وَقَوْلِهِ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 54] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْهُمَزَةِ: 1] وَالْهَمْزُ: الْعَيْبُ (¬1) وَالطَّعْنُ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ، وَمِنْهُ هَمَزَ الْأَرْضَ بِعَقِبِهِ، وَمِنْهُ الْهَمْزَةُ وَهِيَ نَبْرَةٌ مِنَ الصَّدْرِ. وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 19] . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يَمُوتُ. وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَغْفِرُ لِلْمُنَافِقِينَ حَتَّى نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ (¬2) . فَكُلُّ مُسْلِمٍ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مُنَافِقٌ جَازَ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بِدَعَةٌ أَوْ فِسْقٌ، لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّاعِي إِلَى الْبِدْعَةِ وَالْمُظْهِرِ لِلْفُجُورِ مَصْلَحَةٌ مِنْ جِهَةِ انْزِجَارِ النَّاسِ، فَالْكَفُّ عَنِ الصَّلَاةِ كَانَ مَشْرُوعًا لِمَنْ كَانَ (¬3) يُؤْثِرُ تَرْكَ صَلَاتِهِ فِي الزَّجْرِ بِأَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ: ¬

(¬1) ب فَقَطْ: لِعَيْبٍ. (¬2) فِي الْبُخَارِيِّ 2/96 - 97 كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ مَا يُكْرِهُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجَاهُ عُمَرُ أَلَّا يَفْعَلَ فَقَالَ لَهُ: أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ: (إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي زِدْتُ عَلَى السَبْعِينَ فَغُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا.) قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) إِلَى (وَهُمْ فَاسِقُونَ) [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 84] الْحَدِيثُ وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ النَّسَائِيِّ وَأَحَمْدَ وَانْظُرْ كَلَامَ الْأَلْبَانِيِّ عَلَيْهِ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ 3/123 - 124 (¬3) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) .

" «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» " (¬1) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْغَالِّ: " «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» " (¬2) وَقَدْ قِيلَ لِسُمْرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ: إِنَّ ابْنَكَ لَمْ يَنَمِ الْبَارِحَةَ. فَقَالَ: أَبَشَمًا (¬3) ؟ قَالُوا: بَشَمًا. قَالَ: لَوْ مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ. يَعْنِي: لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ. وَلِلْعُلَمَاءِ هُنَا نِزَاعٌ: هَلْ يُتْرَكُ (¬4) الصَّلَاةُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ (¬5) فَقَطْ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» "؟ أَمْ هَذَا التَّرْكُ يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَمْ مَشْرُوعٌ لِمَنْ تُطْلَبُ صلَاتُهُ؟ وَهَلِ الْإِمَامُ هُوَ الْخَلِيفَةُ أَوِ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ؟ وَهَلْ هَذَا مُخْتَصٌّ بِهَذَيْنِ أَمْ هُوَ ثَابِتٌ لِغَيْرِهِمَا؟ فَهَذِهِ كُلُّهَا مَسَائِلٌ تُذْكَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. لَكِنْ بِكُلِّ حَالٍ الْمُسْلِمُونَ الْمُظْهِرُونَ لِلْإِسْلَامِ قِسْمَانِ: إِمَّا مُؤْمِنٌ، ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/265، كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقْتُلُ نَفْسَهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَنَصُّهُ: أَنْ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا وَأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ، مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 4/53 كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/91 كِتَابُ الْجِهَادِ بَابٌ فِي تَعْظِيمِ الْغُلُولِ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 4/52 كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ غَلَّ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/950 كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ الْغُلُولِ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/192 الْمُسْتَدْرَكِ 2/127 وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 3/174 - 175 وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ. (¬3) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: الْبَشَمُ: التُّخَمَةُ مِنَ الدَّسَمِ. (¬4) ن، م، و: تَرَكَ، أ: تُتْرَكُ. (¬5) الْإِمَامِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) .

وَإِمَّا مُنَافِقٌ. فَمَنْ عُلِمَ نِفَاقُهُ لَمْ تَجُزِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ. وَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْهُ (¬1) صُلِّيَ عَلَيْهِ. وَإِذَا عَلِمَ شَخْصٌ نِفَاقَ شَخْصٍ لَمْ يُصَلِّ هُوَ عَلَيْهِ، وَصَلَّى (¬2) عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ نِفَاقَهُ. وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَدْ عَرَفَ الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَى الْفَتْكِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عُقُوبَةِ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا عَلَى ذَنْبِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ ; فَإِنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالشَّارِبَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْعُصَاةِ تُقَامُ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ، وَمَعَ هَذَا فَيُحْسَنُ إِلَيْهِمْ (¬3) بِالدُّعَاءِ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ; فَإِنَّ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةَ إِنَّمَا شُرِعَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ بِعِبَادِهِ، فَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ (¬4) وَإِرَادَةِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ (¬5) . وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُعَاقِبُ النَّاسَ عَلَى الذُّنُوبِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ وَالرَّحْمَةَ لَهُمْ، كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ تَأْدِيبَ وَلَدِهِ، وَكَمَا يَقْصِدُ الطَّبِيبُ مُعَالَجَةَ الْمَرِيضِ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ» " (¬6) . . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 6] ¬

(¬1) ح، ب: عَنْهُ. وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (و) . (¬2) ب فَقَطْ: وَيُصَلِّي. (¬3) ح، ب: عَلَيْهِمْ. (¬4) عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ. (¬5) ح، ب، ر، أ: لَهُمْ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1 كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ كَرَاهِيَةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَنَصُّهُ: إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا وَلَا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرُّمَّةِ، وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ، 1/36 - 37 كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الِاسْتِطَابَةِ بِالرَّوْثِ، وَأَوَّلُهُ فِيهِ: إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ، وَهُوَ أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/114 كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 13/100، 139 وَصَحَّحَ أَحْمَدُ شَاكِر الْحَدِيثَيْنِ

وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ (¬1) . وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: فَإِنَّ نِسَاءَهُ إِنَّمَا كُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ تَبَعًا لَهُ، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَالْأَبِ لَمْ يَكُنْ نِسَاؤُهُ كَالْأُمَّهَاتِ. وَالْأَنْبِيَاءُ أَطِبَّاءُ الدِّينِ، وَالْقُرْآنُ أَنْزَلَهُ اللَّهُ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ، فَالَّذِي يُعَاقِبُ النَّاسَ عُقُوبَةً شَرْعِيَّةً إِنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ (¬2) وَخَلِيفَةٌ لَهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ (¬3) تَأْتُونَ بِهِمْ فِي الْأَقْيَادِ وَالسَّلَاسِلِ تُدْخِلُونَهُمُ الْجَنَّةَ (¬4) . أَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَيْرُ الْأُمَمِ لِبَنِي آدَمَ: فَإِنَّهُمْ يُعَاقِبُونَهُمْ بِالْقَتْلِ (¬5) وَالْأَسْرِ، وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ، وَسَوْقُهُمْ إِلَى كَرَامَةِ ¬

(¬1) أَوْرَدَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ 21/77 وَالْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ 14/123 وَابْنُ كَثِيرٍ 6/382. (¬2) ح، ب: نَائِبٌ لَهُ. (¬3) أ، ب: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، ح: كُنْتُمْ خَيْرًا لِلنَّاسِ. (¬4) وَرَدَ هَذَا الْأَثَرُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/37 - 38 كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ، بَابُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَنَصُّهُ فِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ 2/77 ط. دَارِ الشَّعْبِ. (¬5) ن، م، و، أ، ر: بِالْقِتَالِ.

اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ، وَإِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ. وَهَكَذَا الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ: إِنْ لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ بَيَانَ الْحَقِّ وَهُدَى الْخَلْقِ وَرَحْمَتَهُمْ وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ، لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ صَالِحًا. وَإِذَا غَلَّظَ فِي ذَمِّ بِدْعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ (¬1) كَانَ قَصْدُهُ بَيَانَ مَا فِيهَا مِنَ الْفَسَادِ لِيَحْذَرَهَا الْعِبَادُ، كَمَا فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ يُهْجَرُ الرَّجُلُ عُقُوبَةً وَتَعْزِيرًا، وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ رَدَعُهُ وَرَدَعُ أَمْثَالِهِ، لِلرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ، لَا لِلتَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ. كَمَا هَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ الثَّلَاثَةَ الَّذِي خُلِّفُوا لَمَّا جَاءَ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنِ الْغُزَاةِ يَعْتَذِرُونَ وَيَحْلِفُونَ وَكَانُوا يَكْذِبُونَ. وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ صَدَقُوا وَعُوقِبُوا بِالْهَجْرِ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِبَرَكَةِ الصِّدْقِ (¬2) . وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الذَّنْبَ لَا يُوجِبُ كُفْرَ صَاحِبِهِ، كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ، بَلْ وَلَا تَخْلِيدَهُ فِي النَّارِ وَمَنْعَ الشَّفَاعَةِ فِيهِ، كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ. الثَّانِي أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الَّذِي قَصْدُهُ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ لَا يَكْفُرُ، بَلْ (¬3) وَلَا يَفْسُقُ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ. وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ النَّاسِ فِي الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ. وَأَمَّا مَسَائِلُ الْعَقَائِدِ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ كَفَّرَ (¬4) الْمُخْطِئِينَ فِيهَا. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعَرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا عَنْ (¬5) أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ ¬

(¬1) ن، م: وَإِذَا غَلَّظَ ذَمَّ مَعْصِيَةٍ. (¬2) انْظُرْ ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ 1/65، 4/459 (¬3) ب: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (و) . (¬4) ح، ب: كَفَّرُوا. (¬5) ح، ب: وَلَا يُعْرَفُ عُذْرُ.

الْبِدَعِ، الَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ، كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ، كَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ يَسْلُكُونَ فِي التَّكْفِيرِ ذَلِكَ ; فَمِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرُ أَهْلَ الْبِدَعِ مُطْلَقًا، ثُمَّ يَجْعَلُ كُلَّ مَنْ خَرَجَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ قَوْلُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الْجَهْمِيَّةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا يُوجَدُ (¬1) فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَيْسَ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ (¬2) وَلَا غَيْرِهِمْ (¬3) ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ كَفَّرَ كُلَّ مُبْتَدِعٍ، بَلِ الْمَنْقُولَاتُ الصَّرِيحَةُ عَنْهُمْ تُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ يُنْقَلُ عَنْ أَحَدِهِمْ (¬4) أَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ قَالَ بَعْضَ الْأَقْوَالِ، وَيَكُونُ مَقْصُودُهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ لِيُحَذِّرَ، وَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ الْقَوْلُ كُفْرًا أَنْ يَكَفِّرَ كُلَّ مَنْ قَالَهُ مَعَ الْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ ; فَإِنَّ ثُبُوتَ الْكُفْرِ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ، كَثُبُوتِ الْوَعِيدِ فِي الْآخِرَةِ فِي حَقِّهِ، وَذَلِكَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ، كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كُفَّارًا لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ، فَيَكُونُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ. وَإِذَا قَالَ الْمُؤْمِنُ (¬5) : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 10] يَقْصِدُ كُلَّ (¬6) مَنْ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: لَا يُوجَدُ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) سَاقِطٌ مَنَّ (أ) ، (ب) . (¬3) و: وَهَذَا الْقَوْلُ يُوجَدُ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ: مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَلَا غَيْرِهِمْ. (¬4) ر: قَدْ يَنْقُلُ أَحَدٌ عَنْهُمْ. (¬5) ح، ب، ر، و: الْمُسْلِمُ. (¬6) كُلَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ح) .

سَبَقَهُ مِنْ قُرُونِ الْأُمَّةِ بِالْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلٍ تَأَوَّلَهُ فَخَالَفَ السُّنَّةَ، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَإِنَّهُ مِنْ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ بِالْإِيمَانِ، فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِنَّهُ مَا مِنْ فِرْقَةٍ إِلَّا وَفِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ لَيْسُوا كُفَّارًا، بَلْ مُؤْمِنِينَ فِيهِمْ ضَلَالٌ وَذَنْبٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْوَعِيدَ، كَمَا يَسْتَحِقُّهُ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ، بَلْ جَعَلَهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُمْ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ. فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ ; فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ فِيهِمْ بِدْعَةٌ، مِنْ جِنْسِ بِدَعِ الرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ. وَأَصْحَابُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ لَمْ يُكَفِّرُوا الْخَوَارِجَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ، بَلْ أَوَّلُ مَا خَرَجُوا عَلَيْهِ وَتَحَيَّزُوا بِحَرُورَاءَ، وَخَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، قَالَ لَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَنَا (¬1) وَلَا حَقَّكُمْ مِنَ الْفَيْءِ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ نَحْوُ نِصْفِهِمْ، ثُمَّ قَاتَلَ الْبَاقِيَ وَغَلَبَهُمْ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَسْبِ لَهُمْ ذُرِّيَّةً، وَلَا غَنِمَ لَهُمْ مَالًا، وَلَا سَارَ فِيهِمْ سِيرَةَ الصَّحَابَةِ فِي الْمُرْتَدِّينَ، كَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَمْثَالِهِ، بَلْ كَانَتْ سِيرَةُ عَلِيٍّ وَالصَّحَابَةِ فِي الْخَوَارِجِ مُخَالِفَةً لِسِيرَةِ الصَّحَابَةِ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى عَلِيٍّ ذَلِكَ، فَعُلِمَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ (¬2) . قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ (¬3) : " وَقَدْ وَلِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ¬

(¬1) أ، ب: مِنْ مَسَاجِدِنَا. (¬2) ن، م: عَنِ الْإِسْلَامِ. (¬3) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ فِيمَا سَبَقَ 2/106

قِتَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ مَا رَوَى، وَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَحَكَمَ فِيهِمْ بِأَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ. وَكَذَلِكَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا: " حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ مُفَضَّلٍ (¬1) بْنِ مُهَلْهَلٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ، فَقِيلَ لَهُ: أَمُشْرَكُونَ هُمْ؟ قَالَ: مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا. فَقِيلَ: فَمُنَافِقُونَ (¬2) ؟ قَالَ: الْمُنَافِقُونَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ ". (* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا: " حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سُفْيَانَ (¬3) ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: مَنْ دُعِيَ (¬4) إِلَى الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ يَوْمَ قُتِلَ الْمُشْرِكُونَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا. قَالَ: الْمُنَافِقُونَ؟ قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ فَنَصَرَنَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: حَدَّثَنَا (¬5) إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي خَالِدَةَ (¬6) ، عَنْ ¬

(¬1) ن، م، و، أ: حَدَّثَنَا مُفَضَّلُ. (¬2) ح، ب: أَفَمُنَافِقُونَ. (¬3) أ، ب: عَنْ عَامِرِ بْنِ شَفِيقٍ. (¬4) أ، ر، و: مَنْ دَعَا. (¬5) حَدَّثَنَا: زِيَادَةٌ فِي (و) فَقَطْ. (¬6) و: عَنِ ابْنِ أَبِي حَلْد.

حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالُوا لِعَلِيٍّ حِينَ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ: أَمُشْرِكُونَ هُمْ؟ قَالَ: مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا. قِيلَ: فَمُنَافِقُونَ؟ قَالَ: الْمُنَافِقُونَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ حَارَبُونَا فَحَارَبْنَاهُمْ وَقَاتَلُونَا فَقَاتَلْنَاهُمْ *) (¬1) . قُلْتُ: الْحَدِيثُ (¬2) الْأَوَّلُ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحَانِ فِي أَنَّ عَلِيًّا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْخَوَارِجِ الْحَرُورِيَّةِ أَهْلِ النَّهَرَوَانِ، الَّذِينَ اسْتَفَاضَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَمِّهِمْ وَالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ، وَهُمْ يُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ كَانَ عِنْدَهُمْ كَافِرًا وَدَارُهُمْ دَارُ كُفْرٍ، فَإِنَّمَا دَارُ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُمْ هِيَ دَارُهُمْ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ: " أَجْمَعَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬3) ". وَمَعَ هَذَا عَلِيٌّ قَاتَلَهُمْ لَمَّا بَدَءُوهُ بِالْقِتَالِ فَقَتَلُوا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ خَبَّابٍ، وَطَلَبَ عَلِيٌّ مِنْهُمْ قَاتِلَهُ، فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ، وَأَغَارُوا عَلَى مَاشِيَةِ النَّاسِ (¬4) . وَلِهَذَا قَالَ فِيهِمْ: " قَوْمٌ قَاتَلُونَا فَقَاتَلْنَاهُمْ، وَحَارَبُونَا فَحَارَبْنَاهُمْ " وَقَالَ: " قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ ". وَقَدِ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُمْ عَلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ ; فَإِنَّهُمْ بُغَاةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، سِوَى مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِمْ، وَهُمْ يَبْدَءُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ، وَلَا يَنْدَفِعُ شَرُّهُمْ إِلَّا بِالْقِتَالِ ; فَكَانُوا أَضَرَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. فَإِنَّ أُولَئِكَ إِنَّمَا مَقْصُودُهُمُ الْمَالُ، (* فَلَوْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) ح، ر: وَأَمَّا الْحَدِيثُ. (¬3) قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 1/156 وَأَجْمَعَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى إِكْفَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنْ حَكَّمَ. . . . (¬4) ح، ب: عَلَى مَاشِيَةٍ فَقَتَلُوا النَّاسَ.

أُعْطُوهُ لَمْ يُقَاتِلُوا، وَإِنَّمَا يَتَعَرَّضُونَ لِبَعْضِ النَّاسِ *) (¬1) وَهَؤُلَاءِ يُقَاتِلُونَ النَّاسَ عَلَى الدِّينِ حَتَّى يَرْجِعُوا عَمَّا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إِلَى مَا ابْتَدَعَهُ هَؤُلَاءِ بِتَأْوِيلِهِمُ الْبَاطِلِ وَفَهْمِهِمُ الْفَاسِدِ لِلْقُرْآنِ. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ صَرَّحَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ لَيْسُوا كُفَّارًا وَلَا مُنَافِقِينَ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ، كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، يَقُولُونَ: " لَا نُكَفِّرُ إِلَّا مَنْ يَكْفُرُ " (¬2) فَإِنَّ الْكُفْرَ لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ، بَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ (¬3) ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى مَنْ يَكْذِبُ (¬4) عَلَيْهِ، وَلَا يَفْعَلُ الْفَاحِشَةَ بِأَهْلِ مَنْ فَعَلَ الْفَاحِشَةَ بِأَهْلِهِ، بَلْ وَلَوِ اسْتَكْرَهَهُ رَجُلٌ عَلَى اللِّوَاطَةِ (¬5) ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَكْرِهَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِتَجْرِيعِ خَمْرٍ أَوْ تَلَوَّطَ بِهِ (¬6) لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ (¬7) ، لِأَنَّ هَذَا حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ سَبَّ النَّصَارَى نَبِيَّنَا، لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنَّ نَسُبَّ الْمَسِيحَ. وَالرَّافِضَةُ إِذَا كَفَّرُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُكَفِّرَ عَلِيًّا. وَحَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ يُوَافِقُ ذَيْنَكَ الْحَدِيثَيْنِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَوْمُ النَّهْرَوَانِ أَيْضًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ قَوْلٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ عَلِيًّ يَوْمَ الْجَمَلِ أَوْ يَوْمَ (¬8) صِفِّينَ رَجُلًا يَغْلُو فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ: ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (أ) . (¬2) ح، ب، ر، و: إِلَّا مَنْ يُكَفِّرُنَا. (¬3) ح: اللَّهِ. (¬4) أ، و: كَذَبَ. (¬5) ن، م: وَلَوِ اسْتَكْرَهَهُ عَلَى اللُّوطِيَّةِ، و، ر: وَلَوِ اسْتَكْرَهَهُ رَجُلٌ عَلَى اللُّوطِيَّةِ. (¬6) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) ، (ب) ، (ح) ، (ر) . (¬7) و: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ. (¬8) ح، ب: وَيَوْمَ.

لَا تَقُولُوا إِلَّا خَيْرًا، إِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ زَعَمُوا إِنَّا بَغَيْنَا عَلَيْهِمْ، وَزَعَمْنَا أَنَّهُمْ بَغُوا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ. فَذُكِرَ لِأَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمُ السِّلَاحَ. فَقَالَ: مَا كَانَ أَغْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ أَصْحَابَ عَلِيٍّ سَأَلُوهُ عَمَّنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مَا هُمْ؟ قَالَ: هُمْ مُؤْمِنُونَ (¬1) . وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: مَرَّ عَلِيٌّ وَهُوَ مُتَّكِئٌ (¬2) عَلَى الْأَشْتَرِ عَلَى قَتْلَى صِفِّينَ، فَإِذَا حَابِسٌ الْيَمَانِيُّ مَقْتُولٌ، فَقَالَ الْأَشْتَرُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، هَذَا حَابِسٌ الْيَمَانِيُّ مَعَهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَيْهِ عَلَامَةُ مُعَاوِيَةَ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَهِدْتُهُ (¬3) مُؤْمِنًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْآنَ هُوَ مُؤْمِنٌ. قَالَ: وَكَانَ حَابِسٌ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالِاجْتِهَادِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي مَطَرٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: مَتَى يَنْبَعِثُ أَشْقَاهَا؟ قِيلَ: مَنْ أَشْقَاهَا؟ قَالَ: الَّذِي يَقْتُلُنِي. فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ بِرَأْسِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ بِقَتْلِهِ. فَقَالَ: لَا تَقْتُلُوا الرَّجُلَ، فَإِنْ بَرِئْتُ فَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ، وَإِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ. فَقَالَ: إِنَّكَ مَيِّتٌ. قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: كَانَ سَيْفِي مَسْمُومًا (¬4) . ¬

(¬1) مُؤْمِنُونَ كَذَا فِي (ن) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ الْمُؤْمِنُونَ. (¬2) ن، ح: وَهُوَ يَبْكِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: عَلِمْتُهُ. (¬4) انْظُرْ خَبَرَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ 5/143 - 147

وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ (¬1) ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَهُوَ ابْنُ الْحَكَمِ النَّخَعِيُّ عَنْ رَبَاحِ (¬2) بْنِ الْحَارِثِ (¬3) ، قَالَ: إِنَّا لَبِوَادٍ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَكَادُ تَمَسُّ (¬4) رُكْبَةَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَفَرَ وَاللَّهِ أَهْلُ الشَّامِ (¬5) . فَقَالَ عَمَّارٌ: لَا تَقُلْ ذَلِكَ، فَقِبْلَتُنَا وَاحِدَةٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ، فَحَقَّ عَلَيْنَا قِتَالُهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَبَاحِ (¬6) بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: دِينُنَا وَاحِدٌ، وَقِبْلَتُنَا وَاحِدَةٌ، وَدَعْوَتُنَا وَاحِدَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ. قَالَ ابْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: لَا تَقُولُوا كَفَرَ أَهْلُ الشَّامِ، قُولُوا: فَسَقُوا، قُولُوا: ظَلَمُوا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: هُوَ كَافِرٌ، خَبَرٌ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ كُفْرَ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ، وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ فِي دَمِ عُثْمَانَ، فَهُوَ لِتَكْفِيرِ عُثْمَانَ أَشَدُّ إِنْكَارًا ". قُلْتُ: وَالْمَرْوِيُّ فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ، أَنْكَرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ ¬

(¬1) و: وَبِهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ. (¬2) ح، ب: رِيَاحِ. (¬3) و: بْنِ الْحَرْبِ. (¬4) ن، م، أ: لَتَمَسُّ. (¬5) ب فَقَطِ: الشَّأْمِ. (¬6) ب فَقَطْ: رِيَاحِ.

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ: أَتَكْفُرُ بِرَبٍّ آمَنَ بِهِ عُثْمَانُ؟ وَحَدَّثَهُ بِمَا يُبَيِّنَ بُطْلَانَ ذَلِكَ الْقَوْلِ. فَيَكُونُ عَمَّارٌ: إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا فَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ حِينَ بَيَّنَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ (¬1) قَوْلٌ بَاطِلٌ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُكَفِّرُوا الْخَوَارِجَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَهُمْ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ (¬2) يُصَلُّونَ (¬3) خَلَفَ نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ، وَكَانُوا أَيْضًا يُحَدِّثُونَهُمْ وَيُفْتُونَهُمْ وَيُخَاطِبُونَهُمْ، كَمَا يُخَاطِبُ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يُجِيبُ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ، وَحَدِيثُهُ فِي الْبُخَارِيِّ (¬4) . وَكَمَا أَجَابَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ عَنْ مَسَائِلَ مَشْهُورَةٍ (¬5) ، وَكَانَ نَافِعٌ يُنَاظِرُهُ فِي أَشْيَاءَ بِالْقُرْآنِ، كَمَا يَتَنَاظَرُ الْمُسْلِمَانِ. وَمَا زَالَتْ سِيرَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا، مَا جَعَلُوهُمْ مُرْتَدِّينَ كَالَّذِينَ ¬

(¬1) ر، ح، ب، ن، م: حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ. (¬2) مِنَ الصَّحَابَةِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬3) ح، ب: كَانُوا يُصَلُّونَ. (¬4) ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 3/1444 - 1445 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ النِّسَاءِ الْغَازِيَاتِ يُرْضَخُ لَهُنَّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ، الْحَدِيثَ، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَسْنَدِهِ ط. الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامَ: 1967، 2235، 685، 2812، 2943 وَذَكَرَ أَحْمَدُ شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالشَّوْكَانِيِّ، وَلَمْ أَعْرِفْ مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ. (¬5) ذَكَرَ سَزْكِينُ فِي مَوْضِعَيْنِ م [0 - 9] ، جـ[0 - 9] ص [0 - 9] 30 م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ص [0 - 9] : أَنَّ نَجْدَةَ بْنَ عَامِرٍ الْحَرُورِيَّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 69 كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ مُتَنَوِّعَةٍ أَشَارَ سَزْكِينُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ ذُكِرَتْ فِي الْأَنْسَابِ لِلْبَلَاذُرِيِّ 1/715 وَلِسَانِ الْمِيزَانِ لِابْنِ حَجَرٍ 6/148 وَإِنَّهُ قَدْ وَصَلَ إِلَيْنَا قِسْمٌ مِنْ هَذِهِ الْمُرَاسَلَاتِ فِي الْمُدَوَّنَةِ 3/6، كَمَا كَتَبَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ أُمُورٍ انْظُرِ الْعِلَلَ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ 1/307.

قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. هَذَا مَعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ (¬1) فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُمْ " «شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتِيلٍ (¬2) مَنْ قَتَلُوهُ» " فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو أُمَامَةَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ (¬3) . أَيْ أَنَّهُمْ شَرٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ شَرًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ: لَا الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِي قَتْلِ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يُوَافِقُهُمْ، مُسْتَحِلِّينَ لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ، مُكَفِّرِينَ لَهُمْ، وَكَانُوا مُتَدَيِّنِينَ بِذَلِكَ لِعَظْمِ جَهْلِهِمْ وَبِدْعَتِهِمُ الْمُضِلَّةِ. وَمَعَ هَذَا فَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ، وَلَا جَعَلُوهُمْ مُرْتَدِّينَ، وَلَا اعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، بَلِ اتَّقَوُا اللَّهَ فِيهِمْ، وَسَارُوا فِيهِمُ السِّيرَةِ الْعَادِلَةِ. وَهَكَذَا سَائِرُ فِرَقِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ; وَغَيْرِهِمْ فَمَنْ كَفَّرَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَبْعِينَ فِرْقَةً ¬

(¬1) مَعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَعَ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقِتَالِهِمْ. (¬2) ن، م، و، أ: قَتْلَى. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/294 كِتَابُ التَّفْسِيرِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَنَصُّهُ: عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قَالَ: رَأَى أَبُو أُمَامَةَ رُءُوسًا مَنْصُوبَةً عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: كِلَابُ النَّارِ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ، ثُمَّ قَرَأَ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) إِلَى آخَرَ الْآيَةِ. قُلْتُ لِأَبِي أُمَامَةَ: أَنْتِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى عَدَّ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/62 الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ الْمُسْنِدَ ط. الْحَلَبِيِّ 5/253، 256 مُطَوَّلًا.

كُلَّهُمْ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَبْعِينَ فِرْقَةً لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ لَكِنْ حَسَّنَهُ غَيْرُهُ أَوْ صَحَّحَهُ، كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ (¬1) . وَلَيْسَ قَوْلُهُ: " «ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ» " بِأَعْظَمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 10] وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 30] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ بِدُخُولِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّارَ. ¬

(¬1) تَكَلَّمْتُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُقَدِّمَةِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ ص [0 - 9] 2 مِنَ الطَّبْعَةِ الْأَوْلَى، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْأَلْبَانِيُّ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ حَدِيثٍ رَقْمِ 203 كَلَامًا مُفَصَّلًا، وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/276 كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ شَرْحِ السُّنَّةِ، سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 4/134 - 135 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ افْتِرَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1321 كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 16/169 وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ شَاكِر وَأَشَارَ إِلَى تَصْحِيحِ السُّيُوطِيِّ لَهُ، الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/128 وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ الْحَدِيثِ رَقْمِ 204 وَانْظُرْ: سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/276 - 277 سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 4/135، سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/1322 سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/241، كِتَابُ السِّيَرِ، بَابٌ فِي افْتِرَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، الْمُسْتَدْرَكَ، لِلْحَاكِمِ 1/128 الْمَسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 3/145، وَانْظُرْ إِلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنِ الْحَدِيثِ فِي الْفِصَلِ 3/292

وَمَعَ هَذَا فَلَا نَشْهَدُ لِمُعَيَّنٍ بِالنَّارِ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ تَابَ، أَوْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ مَحَتْ سَيِّئَاتَهُ، أَوْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَصَائِبَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلِ الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، الَّذِي قَصَدَ اتِّبَاعَ الْحَقِّ وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، إِذَا أَخْطَأَ وَلَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَعْذِرَهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْمُتَعَمِّدِ الْعَالِمِ بِالذَّنْبِ ; فَإِنَّ هَذَا عَاصٍ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَذَابِ بِلَا رَيْبٍ، وَأَمَّا ذَلِكَ فَلَيْسَ مُتَعَمِّدًا لِلذَّنَبِ بَلْ هُوَ مُخْطِئٌ، وَاللَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. وَالْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا تَكُونُ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ خَيْرًا مِمَّنْ لَمْ يُعَاقَبُ، كَمَا يُعَاقَبُ الْمُسْلِمُ الْمُتَعَدِّي لِلْحُدُودِ، وَلَا يُعَاقَبُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَالْمُسْلِمُ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْهُمْ. وَأَيْضًا فَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ يَبْقَى صَاحِبُ هَوًى يَعْمَلُ لِهَوَاهِ لَا دِيَانَةً، وَيَصْدُرُ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي يُخَالِفُهُ هَوَاهُ، فَهَذَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ عَلَى هَوَاهُ، وَمِثْلُ هَذَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَمَنْ فَسَقَ مِنَ السَّلَفِ الْخَوَارِجِ وَنَحْوَهُمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ - الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 26 - 27] فَقَدْ يَكُونُ هَذَا قَصَدَهُ، لَا سِيَّمَا إِذَا تَفَرَّقَ النَّاسُ، فَكَانَ مِمَّنْ يَطْلُبُ (¬1) الرِّيَاسَةَ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ. وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ الَّذِي يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ قَدْ يُقَاتِلُهُمْ شَجَاعَةً وَحَمِيَّةً وَرِيَاءً، وَذَلِكَ لَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِأَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُخَاصِمُونَ وَيُقَاتِلُونَ ¬

(¬1) أ، ب: فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ.

عَلَيْهَا؟ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ شَجَاعَةً وَحَمِيَّةً، وَرُبَّمَا يُعَاقَبُونَ لَمَّا اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ هُدَى مِنَ اللَّهِ، لَا لِمُجَرَّدِ (¬1) الْخَطَأِ الَّذِي اجْتَهَدُوا فِيهِ. وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَأَنْ أَتَكَلَّمَ فِي عِلْمٍ يُقَالُ لِي فِيهِ: أَخْطَأْتَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ فِي عِلْمٍ يُقَالُ لِي فِيهِ: كَفَرْتَ ". فَمِنْ عُيُوبِ أَهْلِ الْبِدَعِ تَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَمِنْ مَمَادِحِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يُخَطِّئُونَ وَلَا يُكَفِّرُونَ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِكَفْرٍ كُفْرًا، [وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا] (¬2) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلرَّسُولِ وَسَبٌّ لِلْخَالِقِ، وَالْآخَرُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ هَذَا الْعَالِمُ بِحَالِهِ يَكْفُرُ إِذَا قَالَهُ، أَنْ يَكْفُرَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ. وَالنَّاسُ لَهُمْ فِيمَا يَجْعَلُونَهُ (¬3) كُفْرًا طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ (¬4) ; فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْكُفْرُ تَكْذِيبُ مَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ، ثُمَّ النَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْكُفْرُ هُوَ الْجَهْلُ بِاللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قَدْ يُجْعَلُ الْجَهْلُ بِالصِّفَةِ كَالْجَهْلِ بِالْمَوْصُوفِ وَقَدْ لَا يَجْعَلُهَا، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الصِّفَاتِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحُدُّهُ بِحَدٍّ، بَلْ كُلُّ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ أَمْرِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ جَعَلَهُ كُفْرًا، إِلَى طُرُقٍ أُخَرَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْكُفْرَ مُتَعَلِّقٌ بِالرِّسَالَةِ، فَتَكْذِيبُ الرَّسُولِ كُفْرٌ، وَبُغْضُهُ ¬

(¬1) لِمُجَرَّدِ: كَذَا فِي (أ) ، (و) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ بِمُجَرَّدِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ح، ر: يَجْعَلُونَ. (¬4) مُتَعَدِّدَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَسَبُّهُ وَعَدَاوَتُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِصِدْقِهِ فِي الْبَاطِنِ كُفْرٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَأَئِمَّةِ الْعِلْمِ وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ، إِلَّا الْجَهْمَ وَمَنْ وَافَقَهُ كَالصَّالِحِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا كُفْرٌ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا إِلَّا إِذَا اسْتَلْزَمَ الْجَهْلَ، بِحَيْثُ (¬1) لَا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ شَيْءٌ مِنَ التَّصْدِيقِ بِالرَّبِّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ فِي الْقَلْبِ لَا يَتَفَاضَلُ، وَلَا يَكُونُ فِي الْقَلْبِ بَعْضٌ مِنَ الْإِيمَانِ. وَهُوَ خِلَافُ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ، وَخِلَافُ الْوَاقِعِ، وَلِبَسْطِ هَذَا مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ تَابَ مِنْ أَهَّلِ الْبِدَعِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الذَّنْبُ مُتَعَلِّقًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ حَقٌّ مَحْضٌ لِلَّهِ، فَيَجِبُ أَنَّ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْبَابِ (¬2) قَاصِدًا لِوَجْهِ اللَّهِ، مُتْبِعًا لِرَسُولِهِ، لِيَكُونَ عَمَلُهُ خَالِصًا صَوَابًا. قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 111 - 112] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 125] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ: مَعْنَى الْآيَةِ: أَخْلَصَ دِينَهُ وَعَمَلَهُ (¬3) لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي عَمَلِهِ. ¬

(¬1) ن: حَتَّى. (¬2) ح، ب: فَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْبَابِ. (¬3) وَعَمَلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ ن، فَقَطْ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 20] أَخْلَصْتُ عَمَلِي. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي إِلَى اللَّهِ. وَهُوَ كَمَا قَالُوا، كَمَا قَدْ ذُكِرَ تَوْجِيهُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَهَذَا الْمَعْنَى يَدُورُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَعِبَادَتُهُ فِعْلُ مَا أَمَرَ، وَتَرْكُ مَا حَظَرَ. وَالْأَوَّلُ هُوَ إِخْلَاصُ الدِّينِ وَالْعَمَلُ لِلَّهِ. وَالثَّانِي هُوَ الْإِحْسَانُ، وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا، وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا ". وَهَذَا هُوَ الْخَالِصُ الصَّوَابُ، كَمَا قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [سُورَةُ هُودٍ: 7] . قَالَ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ. قَالُوا: يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ: حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا. وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ. وَالْأَمْرُ بِالسُّنَّةِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْبِدْعَةِ هُوَ (¬1) أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَبْتَغِيَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْأَمْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلِيمًا (¬2) بِمَا يَأْمُرُ بِهِ ; عَلِيمًا (¬3) بِمَا يَنْهَى عَنْهُ، رَفِيقًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ، [رَفِيقًا فِيمَا ¬

(¬1) ح، ب: هُمَّا. (¬2) ح، ب: عَالِمًا. (¬3) ح، ب: عَالِمًا.

يَنْهَى عَنْهُ] (¬1) ، حَلِيمًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ، حَلِيمًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ» " (¬2) . فَالْعِلْمُ قَبْلَ الْأَمْرِ، وَالرِّفْقُ مَعَ الْأَمْرِ، وَالْحِلْمُ بَعْدَ (¬3) الْأَمْرِ ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْفُوَ مَا (¬4) لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَلَمْ يَكُنْ رَفِيقًا، كَانَ كَالطَّبِيبِ الَّذِي لَا رِفْقَ فِيهِ، فَيُغْلِظُ عَلَى الْمَرِيضِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَكَالْمُؤَدِّبِ الْغَلِيظِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْوَلَدُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [سُورَةُ طه: 44] . ثُمَّ إِذَا أَمَرَ وَنَهَى (¬5) فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤْذَى فِي الْعَادَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ وَيَحْلُمَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [سُورَةُ: لُقْمَانَ 17] . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ إِمَامُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ لِلَّهِ، وَقَصْدُهُ طَاعَةَ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ (¬6) . وَهُوَ يُحِبُّ صَلَاحَ الْمَأْمُورِ، أَوْ إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ لِنَفْسِهِ وَلِطَائِفَتِهِ، وَتَنْقِيصِ غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ حَمِيَّةً (¬7) لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِطَلَبِ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ كَانَ عَمَلُهُ حَابِطًا. ثُمَّ إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَأُوذِيَ (¬8) أَوْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ. (¬3) أ، ب: مَعَ. (¬4) ح، ر: فِيمَا. (¬5) ح، ر، ب: أَوْ نَهَى. (¬6) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ح) ، (ب) ، (ر) : فِيمَا أَمَرَ بِهِ. (¬7) ح، ب، ر: خَطِيئَةً. (¬8) ح، ب: أَوْ أُوذِيَ.

نُسِبَ إِلَى أَنَّهُ مُخْطِئٌ وَغَرَضُهُ فَاسِدٌ، طَلَبَتْ نَفْسُهُ الِانْتِصَارَ لِنَفْسِهِ، وَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ، فَكَانَ مَبْدَأُ عَمَلِهِ لِلَّهِ، ثُمَّ صَارَ لَهُ هَوًى يَطْلُبُ بِهِ أَنْ يَنْتَصِرَ عَلَى مَنْ آذَاهُ، وَرُبَّمَا اعْتَدَى عَلَى ذَلِكَ الْمُؤْذِي. وَهَكَذَا يُصِيبُ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ، وَأَنَّهُ عَلَى السُّنَّةِ ; فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ قَدْ صَارَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ هَوًى أَنْ يَنْتَصِرَ جَاهُهُمْ أَوْ رِيَاسَتُهُمْ وَمَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ، لَا يَقْصِدُونَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، بَلْ يَغْضَبُونَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَعْذُورًا لَا يَغْضَبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيَرْضَوْنَ عَمَّنْ يُوَافِقُهُمْ (¬1) ، وَإِنَّ كَانَ جَاهِلًا سَيِّئَ الْقَصْدِ، لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ وَلَا حُسْنُ قَصْدٍ، فَيُفْضِي هَذَا إِلَى أَنْ يَحْمَدُوا مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَيَذِمُّوا مَنْ لَمْ يَذِمَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَتَصِيرُ مُوَالَاتُهُمْ وَمُعَادَاتُهُمْ عَلَى أَهْوَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَا عَلَى دِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَهَذَا حَالُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَطْلُبُونَ إِلَّا أَهْوَاءَهُمْ، وَيَقُولُونَ: هَذَا صَدِيقُنَا وَهَذَا عَدُوُّنَا، وَبِلُغَةُ الْمُغْلِ: هَذَا بَالٍ، هَذَا بَاغٍ، لَا يَنْظُرُونَ إِلَى مُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمُعَادَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمِنْ هُنَا تَنْشَأُ الْفِتَنُ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 39] ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَكَانَتْ فِتْنَةٌ. وَأَصْلُ الدِّينِ أَنْ يَكُونَ الْحُبُّ لِلَّهِ، وَالْبُغْضُ لِلَّهِ، وَالْمُوَالَاةُ لِلَّهِ، وَالْمُعَادَاةُ لِلَّهِ، وَالْعِبَادَةُ لِلَّهِ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ، وَالْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ، وَالرَّجَاءُ ¬

(¬1) ح، ب: عَمَّنْ كَانَ يُوَافِقُهُمْ ; و: عَمَّنْ وَافَقَهُمْ.

لِلَّهِ، وَالْإِعْطَاءُ لِلَّهِ، وَالْمَنْعُ لِلَّهِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ بِمُتَابَعَةِ رَسُولِ اللَّهِ، الَّذِي أَمْرُهُ أَمْرُ اللَّهِ، وَنَهْيُهُ نَهْيُ اللَّهِ، وَمُعَادَاتُهُ مُعَادَاةُ اللَّهِ، وَطَاعَتُهُ طَاعَةُ اللَّهِ، وَمَعْصِيَتُهُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ. وَصَاحِبُ الْهَوَى يُعْمِيهِ الْهَوَى وَيُصِمُّهُ، فَلَا يَسْتَحْضِرُ مَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَطْلُبُهُ، وَلَا يَرْضَى لِرِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا يَغْضَبُ لِغَضَبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ يَرْضَى إِذَا حَصَلَ مَا يَرْضَاهُ بِهَوَاهُ، وَيَغْضَبُ إِذَا حَصَلَ مَا يَغْضَبُ لَهُ بِهَوَاهُ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مَعَهُ شُبْهَةُ دِينٍ: أَنَّ الَّذِي يَرْضَى لَهُ وَيَغْضَبُ لَهُ أَنَّهُ (¬1) السُّنَّةُ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ الدِّينُ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الَّذِي مَعَهُ هُوَ الْحَقُ الْمَحْضُ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، بَلْ قَصَدَ الْحَمِيَّةَ لِنَفْسِهِ وَطَائِفَتِهِ أَوِ الرِّيَاءَ، لِيُعَظَّمَ هُوَ وَيُثْنَى عَلَيْهِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ شَجَاعَةً وَطَبْعًا، أَوْ لِغَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الَّذِي يَدَّعِي الْحَقَّ وَالسُّنَّةَ هُوَ كَنَظِيرِهِ، مَعَهُ حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَسُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ، وَمَعَ خَصْمِهِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَسُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ؟ . وَهَذَا حَالُ الْمُخْتَلِفِينَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، وَكَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَفَسَّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ - وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 4 - 5] . وَقَالَ تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 213] ، يَعْنِي: ¬

(¬1) ح، ب، و، ر، أ: هُوَ.

فَاخْتَلَفُوا، كَمَا فِي سُورَةِ يُونُسَ، وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ. وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْكُفْرِ (¬1) . وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَدْ قَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [سُورَةُ يُونُسَ: 19] فَذَمَّهُمْ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَقًّا. وَالِاخْتِلَافُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مَذْمُومًا، كَقَوْلِهِ: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 176] . وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ، كَقَوْلِهِ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} ¬

(¬1) انْظُرْ " تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ " (ط. الشَّعْبِ) لِلْآيَةِ 1/364 - 365 وَفِيهِ: ". . عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) ، قَالَ: كَانُوا عَلَى الْهُدَى جَمِيعًا، (فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) فَكَانَ أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ نُوحًا، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلًا، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) يَقُولُ: كَانُوا كُفَّارًا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ سَنَدًا وَمَعْنًى، لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَامَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ.

[سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] . لَكِنْ إِذَا أُطْلِقَ الِاخْتِلَافُ فَالْجَمِيعُ مَذْمُومٌ كَقَوْلِهِ: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ} خَلَقَهُمْ [سُورَةُ هُودٍ: 118 - 119] . وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» ". (¬1) وَلِهَذَا فَسَّرُوا الِاخْتِلَافَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِأَنَّهُ كُلَّهُ مَذْمُومٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي اخْتِلَافِهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: كُفْرُ بَعْضِهِمْ بِكِتَابِ بَعْضٍ، وَالثَّانِي: تَبْدِيلُ مَا بَدَّلُوا. وَهُوَ كَمَا قَالَ ; فَإِنَّ الْمُخْتَلِفِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَكُونُ مَعَهُ حَقٌّ وَبَاطِلٌ، فَيَكْفُرُ بِالْحَقِّ الَّذِي مَعَ الْآخَرِ، وَيُصَدِّقُ بِالْبَاطِلِ الَّذِي مَعَهُ، وَهُوَ تَبْدِيلُ مَا بُدَّلَ. فَالِاخْتِلَافُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ النَّوْعَيْنِ. وَلِهَذَا ذَكَرَ كُلٌّ مِنَ السَّلَفِ أَنْوَاعًا (¬2) مِنْ هَذَا: أَحَدُهَا: الِاخْتِلَافُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ، فَالْيَوْمُ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ يَوْمُ (¬3) الْجُمُعَةِ، فَعَدَلَتْ عَنْهُ الطَّائِفَتَانِ ; فَهَذِهِ أَخَذَتِ السَّبْتَ، وَهَذِهِ أَخَذَتِ الْأَحَدَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/534 (¬2) أَنْوَاعًا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ نَوْعًا. (¬3) يَوْمُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) .

بَعْدِهِمْ، فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، النَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى» " (¬1) . وَهَذَا الْحَدِيثُ يُطَابِقُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 203] . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي يَقُولُ: " اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» " (¬2) وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هَدَى الْمُؤْمِنِينَ لِغَيْرِ مَا كَانَ فِيهِ الْمُخْتَلِفُونَ ; فَلَا كَانُوا مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا مَعَ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ كُلَّهُ مَذْمُومٌ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْقِبْلَةُ. فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَشْرِقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَغْرِبِ. وَكِلَاهُمَا مَذْمُومٌ لَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ. وَالثَّالِثُ: إِبْرَاهِيمُ. قَالَتِ الْيَهُودُ كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى كَانَ ¬

(¬1) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ: " حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ " الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/2، 6 كِتَابُ الْجُمُعَةِ، بَابُ فَرْضِ الْجُمُعَةِ، بَابُ هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ، 4/177 كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، مُسْلِمٍ 2/585 - 586 كِتَابُ الْجُمُعَةِ، بَابُ هِدَايَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامُ 7213، 7308، 7395، 8484، 10537 وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ أَيْضًا. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيث فِيمَا مَضَى 1/19

نَصْرَانِيًّا. وَكِلَاهُمَا كَانَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمَذْمُومِ: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 67] . وَالرَّابِعُ: عِيسَى. جَعَلَتْهُ الْيَهُودُ لِغَيَّةً (¬1) ، وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى إِلَهًا. وَالْخَامِسُ: الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ. آمَنَ هَؤُلَاءِ بِبَعْضٍ، وَهَؤُلَاءِ بِبَعْضٍ. وَالسَّادِسُ: الدِّينُ. أَخَذَ هَؤُلَاءِ بِدِينٍ، وَهَؤُلَاءِ بِدِينٍ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 113] . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ قَالَ: اخْتَصَمَتْ يَهُودُ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتِ الْيَهُودُ: لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا، وَكَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى. وَقَالَتِ النَّصَارَى: لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، وَكَفَرُوا بِالتَّوْرَاةِ وَمُوسَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي قَبْلَهَا» (¬2) . وَاخْتِلَافُ أَهْلِ الْبِدَعِ هُوَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ ; فَالْخَارِجِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ الشِّيعِيُّ عَلَى شَيْءٍ. وَالشِّيعِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ الْخَارِجِيُّ عَلَى شَيْءٍ. وَالْقَدَرِيُّ النَّافِي يَقُولُ: لَيْسَ الْمُثْبِتُ عَلَى شَيْءٍ. وَالْقَدَرِيُّ الْجَبْرِيُّ الْمُثْبِتُ يَقُولُ: لَيْسَ النَّافِي عَلَى شَيْءٍ. وَالْوَعِيدِيَّةُ تَقُولُ: لَيْسَتِ الْمُرْجِئَةُ عَلَى شَيْءٍ. وَالْمُرْجِئَةُ تَقُولُ: لَيْسَتِ الْوَعِيدِيَّةُ عَلَى شَيْءٍ. بَلْ وَيُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ ¬

(¬1) ح: ابْنُ بَغِيَّةٍ، ر: بَغِيَّةً. (¬2) انْظُرْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ 1/223 - 224؛ زَادَ الْمَسِيرِ 1/133

الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ. فَالْكُلَّابِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ الْكَرَّامِيُّ عَلَى شَيْءٍ. وَالْكَرَّامِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ الْكُلَّابِيُّ عَلَى شَيْءٍ. وَالْأَشْعَرِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ السَّالِمِيُّ عَلَى شَيْءٍ. وَالسَّالِمِيُّ يَقُولُ: لَيْسَ الْأَشْعَرِيُّ عَلَى شَيْءٍ. وَيُصَنِّفُ (¬1) السَّالِمِيُّ كَأَبِي عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيِّ كِتَابًا فِي مَثَالِبِ الْأَشْعَرِيِّ (¬2) وَيُصَنِّفُ (¬3) الْأَشْعَرِيُّ كَابْنِ عَسَاكِرَ كِتَابًا يُنَاقِضُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَذَكَرَ فِيهِ مَثَالِبَ السَّالِمِيَّةِ (¬4) . وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا، لَا سِيَّمَا وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ قَدْ تَلَبَّسَ بِبَعْضِ الْمَقَالَاتِ الْأُصُولِيَّةِ، وَخَلَطَ هَذَا بِهَذَا فَالْحَنْبَلِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْمَالِكِيُّ يَخْلِطُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ شَيْئًا مِنْ أُصُولِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَيُضِيفُهُ إِلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيُّ يَخْلِطُ بِمَذَاهِبِ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْئًا مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ، وَيُضِيفُهُ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الرَّفْضِ وَالتَّشَيُّعِ، لَكِنَّهُ تَشَيُّعٌ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الطَّوَائِفِ وَالْعُلَمَاءِ، لَا تَشَيُّعٌ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ¬

(¬1) ح، ب: وَصَنَّفَ. (¬2) ذَكَرَ هَذَا الْكِتَابَ سَزْكِينُ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 6 وَمُؤَلِّفُهُ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَهْوَازِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 446، وَذَكَرَ سَزْكِينُ أَنَّهُ تُوجَدُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِيَّةِ بِدِمَشْقَ. (¬3) ب فَقَطْ: وَصَنَّفَ. (¬4) وَهُوَ كِتَابُ تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي فِيمَا نُسِبَ إِلَى الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، لِأَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ الدِّمَشْقِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 571، وَطُبِعَ الْكِتَابُ بِدِمَشْقَ عَامَ 1347.

وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ قَصْدِهِ تَوْحِيدَ اللَّهِ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ، يَدُورُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَتَّبِعُهُ أَيْنَ وَجَدَهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ هُمُ الصَّحَابَةُ، فَلَا يَنْتَصِرُ لِشَخْصٍ انْتِصَارًا مُطْلَقًا عَامًّا، إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِطَائِفَةٍ انْتِصَارًا مُطْلَقًا عَامًّا، إِلَّا لِلصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. فَإِنَّ الْهُدَى يَدُورُ مَعَ الرَّسُولِ حَيْثُ دَارَ، وَيَدُورُ مَعَ أَصْحَابِهِ دُونَ أَصْحَابِ غَيْرِهِ حَيْثُ دَارُوا ; فَإِذَا أَجْمَعُوا لَمْ يُجْمِعُوا (¬1) عَلَى خَطَأٍ قَطُّ، بِخِلَافِ أَصْحَابِ عَالِمٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ يُجْمِعُونَ (¬2) عَلَى خَطَأٍ، بَلْ كُلُّ قَوْلٍ قَالُوهُ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ (¬3) لَا يَكُونُ إِلَّا خَطَأً ; فَإِنَّ الدِّينَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ (¬4) لَيْسَ مُسَلَّمًا إِلَى عَالِمٍ وَاحِدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ الشَّخْصُ نَظِيرًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِ الرَّافِضَةِ فِي الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ الْحَقَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ (¬5) بِهِ الرَّسُولَ، قَبْلَ وُجُودِ الْمَتْبُوعِينَ الَّذِينَ تُنْسَبُ إِلَيْهِمُ الْمَذَاهِبُ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ جَاءُوا بِحَقٍّ يُخَالِفُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَإِنَّ كُلَّ مَا خَالَفَ الرَّسُولَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ عَلِمَ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ مَا يُخَالِفُ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ، فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - إِنْ ¬

(¬1) ح، ب: اجْتَمَعُوا لَمْ يَجْتَمِعُوا، ر: أَجْمَعُوا لَمْ يَجْتَمِعُوا. (¬2) ح، ر، و، أ، ب: يَجْتَمِعُونَ. (¬3) ب فَقَطْ: مِنَ الْأَئِمَّةِ. (¬4) ن، م: رُسُلَهُ. (¬5) اللَّهُ: فِي (ح) ، (ب) فَقَطْ

كَانَ حَقًّا - مَأْخُوذًا عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، مَوْجُودًا فِيمَنْ قَبْلَهُ، وَكُلُّ قَوْلٍ قِيلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، مُخَالِفٌ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَلْ قَالُوا خِلَافَهُ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ذَكَرَ أَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ، وَجَاءَهُمُ الْعِلْمُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا بَغْيًا. وَلِهَذَا ذَمَّهُمُ اللَّهُ وَعَاقَبَهُمْ ; فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُجْتَهِدِينَ مُخْطِئِينَ (¬1) ، بَلْ كَانُوا قَاصِدِينَ الْبَغْيَ، عَالِمِينَ بِالْحَقِّ، [مُعْرِضِينَ عَنِ الْقَوْلِ وَعَنِ الْعَمَلِ بِهِ] (¬2) . وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 19] قَالَ الزَّجَّاجُ: اخْتَلَفُوا لِلْبَغْيِ لَا لِقَصْدِ الْبُرْهَانِ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 93] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ - وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ - إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ - ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ - إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ - هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 16 - 20] . ¬

(¬1) ن: مُخْلِصِينَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) .

فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مِنَ الْقُرْآنِ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ مَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ وَالْبَيِّنَاتُ، فَاخْتَلَفُوا لِلْبَغْيِ وَالظُّلْمِ، لَا لِأَجْلِ اشْتِبَاهِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الِاخْتِلَافِ الْمَذْمُومِ مَنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كُلِّهِمْ ; لَا يَخْتَلِفُونَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمُ (¬1) الْحَقُّ ; وَيَجِيئَهُمُ، الْعِلْمُ (¬2) فَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. ثُمَّ الْمُخْتَلِفُونَ الْمَذْمُومُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَبْغِي عَلَى الْآخَرِ، فَيُكَذِّبُ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْحَقِّ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ حَقٌّ، وَيُصَدِّقُ بِمَا مَعَ نَفْسِهِ مِنَ الْبَاطِلِ، مَعَ الْعِلْمِ (¬3) أَنَّهُ بَاطِلٌ. وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مَذْمُومُونَ. وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الِاخْتِلَافِ الْمُطْلَقِ (¬4) كُلُّهُمْ مَذْمُومِينَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ; فَإِنَّهُ مَا مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ خَالَفَ حَقًّا وَاتَّبَعَ بَاطِلًا. وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ الرُّسُلَ أَنْ تَدْعُوَ إِلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ، وَهُوَ دِينُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [سُورَةُ الشُّورَى: 13] . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ - وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ - فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 51 - 53] ¬

(¬1) لَهُمْ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬2) الْعِلْمُ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬3) أ، ب: مَعَ عِلْمِهِ. (¬4) الْمُطْلَقُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

أَيْ كُتُبًا، اتَّبَعَ كُلُّ قَوْمٍ كِتَابًا مُبْتَدَعًا غَيْرَ كِتَابِ اللَّهِ فَصَارُوا مُتَفَرِّقِينَ مُخْتَلِفِينَ، لِأَنَّ أَهْلَ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ لَيْسُوا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ الْمَحْضَةِ، الَّتِي هِيَ الْإِسْلَامُ الْمَحْضُ، الَّذِي هُوَ إِخْلَاصُ الدِّينِ لِلَّهِ، الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 5] وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ - مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ - مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [سُورَةُ الرُّومِ: 30 - 32] ، فَنَهَاهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، وَأَعَادَ حَرْفَ " مِنْ " لِيُبَيِّنَ أَنَّ الثَّانِيَ بَدَلٌ مِنَ الْأَوَّلِ. وَالْبَدَلُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْكَلَامِ، وَمَا قَبْلَهُ تَوْطِئَةٌ لَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 110] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 18 - 119] فَأَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَ الرَّحْمَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمُ الْإِسْلَامُ. كَمَا قَالَ - تَعَالَى - عَنْ نُوحٍ: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 91] ، وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ:

{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 131 - 132] ، وَقَالَ يُوسُفُ: {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 101] . {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 84] ، وَقَالَ عَنِ السَّحَرَةِ: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 126] . وَقَالَ عَنْ بِلْقِيسَ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 44] . وَقَالَ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 44] . وَقَالَ: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 111] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ دِينُنَا وَاحِدٌ» " (¬1) . وَتَنَوُّعُ الشَّرَائِعِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ وَاحِدًا وَهُوَ ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ 4/167 كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ بَابُ " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ "، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَخَوَاتُ عَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ "، وَرَوَى حَدِيثًا آخَرَ يُقَارِبُهُ، فِي اللَّفْظِ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ، وَرَوَى مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ فِي صَحِيحِهِ 4/1837 كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ فَضَائِلِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " (ط. السَّلَفِيَّةِ) ، 6/489 وَالْعَلَّاتُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الضَّرَائِرُ وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى كَأَنَّهُ عَلَّ مِنْهَا، وَالْعَلَلُ، الشُّرْبُ بَعْدَ الشُّرْبِ، وَأَوْلَادُ الْعَلَّاتِ الْإِخْوَةُ مِنَ الْأَبِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ فِي: " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " 4/302 كِتَابُ السُّنَّةِ بَابٌ: فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/319، 406، 463، 482، 541 تَرْتِيبُ مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ 2/84.

الْإِسْلَامُ، كَالدِّينِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا وَآخِرًا. وَكَانَتِ الْقِبْلَةُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ صَارَتِ الْقِبْلَةُ الْكَعْبَةَ، وَفِي كِلَا الْحَالَيْنِ الدِّينُ وَاحِدٌ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ. فَهَكَذَا سَائِرُ مَا شُرِعَ لِلْأَنْبِيَاءِ قَبْلَنَا. وَلِهَذَا حَيْثُ ذَكَرَ اللَّهُ الْحَقَّ فِي الْقُرْآنِ جَعَلَهُ وَاحِدًا، وَجَعَلَ الْبَاطِلَ مُتَعَدِّدًا. كَقَوْلِهِ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 153] . وَقَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 6 - 7] . وَقَوْلِهِ: {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 121] . وَقَوْلِهِ: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 2] . وَقَوْلِهِ: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 257] . وَهَذَا يُطَابِقُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمُطْلَقَ كُلَّهُ مَذْمُومٌ، بِخِلَافِ الْمُقَيَّدِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] . فَهَذَا قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، كَمَا قَالَ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 19] .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) أَنَّهَا نَزَلَتِ فِي الْمُقْتَتِلِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: فِي حَمْزَةَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٍّ ابْنِ عَمِّهِ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ عَمِّهِ (¬2) ، وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَارَزَهُمْ: عُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ (¬3) . وَقَدْ تَدَبَّرْتُ كُتُبَ الِاخْتِلَافِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا مَقَالَاتُ النَّاسِ إِمَّا نَقْلًا مُجَرَّدًا، مِثْلَ كِتَابِ الْمَقَالَاتِ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَكِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ لِلشَّهْرِسْتَانِيِّ، وَلِأَبِي عِيسَى الْوَرَّاقِ، أَوْ مَعَ انْتِصَارٍ لِبَعْضِ الْأَقْوَالِ، كَسَائِرِ مَا صَنَّفَهُ أَهْلُ الْكَلَامِ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ فَرَأَيْتُ عَامَّةَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمَذْمُومِ. وَأَمَّا الْحَقُّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ فَلَا يُوجَدُ فِيهَا فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ، بَلْ يَذْكُرُ أَحَدُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ عِدَّةَ أَقْوَالٍ، وَالْقَوْلُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا يَذْكُرُونَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ وَلَا يَذْكُرُونَهُ، بَلْ لَا يَعْرِفُونَهُ. وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ يَذُمُّونَ هَذَا الْكَلَامَ. وَلِهَذَا يُوجَدُ الْحَاذِقُ ¬

(¬1) فِي الصَّحِيحَيْنِ: كَذَا فِي (ح) ، (ر) ، (و) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فِي الصَّحِيحِ. (¬2) ح، ب: وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ ابْنَيْ عَمَّيْهِ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ: الْبُخَارِيِّ 6/98 كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ الْحَجِّ مُسْلِمٍ 4/2323 كِتَابُ التَّفْسِيرِ، بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ فِيهَا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ يَوْمَ بَرَزُوا فِي بَدْرٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 5/401

مِنْهُمُ الْمُنْصِفُ (¬1) الَّذِي غَرَضُهُ الْحَقُّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ يُصَرِّحُ بِالْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ، إِذْ لَمْ يَجِدْ فِي الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي نَظَرَ فِيهَا وَنَاظِرٌ مَا هُوَ حَقٌّ مَحْضٌ. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتْرُكُ الْجَمِيعَ وَيَرْجِعُ إِلَى دِينِ الْعَامَّةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَجَائِزُ وَالْأَعْرَابُ. كَمَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَقْتَ السِّيَاقِ: " لَقَدْ خُضْتُ الْبَحْرَ الْخِضَمَّ، وَخَلَّيْتُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُمْ، وَدَخَلْتُ فِي الَّذِي نَهَوْنِي عَنْهُ. وَالْآنَ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِابْنِ الْجُوَيْنِيِّ، وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي ". وَكَذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ عُمْرِهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى الْوَقْفِ وَالْحَيْرَةِ، بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ طُرُقِ النُّظَّارِ: أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ، وَسَلَكَ مَا تَبَيَّنَ (¬2) لَهُ مِنْ طُرُقِ الْعِبَادَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَالزُّهْدِ، وَفِي آخِرِ عُمْرِهِ اشْتَغَلَ بِالْحَدِيثِ: بِالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. وَكَذَلِكَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ (¬3) مِنْ أَخْبَرِ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْمَقَالَاتِ وَالِاخْتِلَافِ، وَصَنَّفَ فِيهَا كِتَابَهُ الْمَعْرُوفَ بِنِهَايَةِ الْإِقْدَامِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَقَالَ (¬4) : " قَدْ (¬5) أَشَارَ عَلَيَّ (¬6) مَنْ إِشَارَتُهُ غُنْمٌ، وَطَاعَتُهُ حَتْمٌ، أَنْ أَذْكُرَ لَهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ (¬7) الْأُصُولِ مَا أُشْكِلَ عَلَى ذَوِي الْعُقُولِ (¬8) ، وَلَعَلَّهُ ¬

(¬1) ن، م، ر، و: الْمُصَنَّفُ، أ: الْمُتَّصِفُ. (¬2) أ، ب: تَيَسَّرَ. (¬3) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (أ) ، (ب) . (¬4) ص 3 تَحْقِيقُ الفرد جيوم. (¬5) نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ. (¬6) نِهَايَةُ الْإِقْدَامِ: إِلَيَّ. (¬7) نِهَايَةِ: أَنْ أَجْمَعَ لَهُ. (¬8) نِهَايَةِ. . الْأُصُولِ، وَأَحِلَّ لَهُ مَا انْعَقَدَ مِنْ غَوَامِضِهَا عَلَى أَرْبَابِ الْعُقُولِ.

اسْتَسْمَنَ (¬1) ذَا وَرَمٍ، وَنَفَخَ فِي غَيْرِ ضَرَمٍ، لَعَمْرِي: لَقَدْ طُفْتُ (¬2) الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سَنَّ نَادِمِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ إِلَّا حَائِرًا شَاكًّا وَمُرْتَابًا، أَوْ مَنِ اعْتَقَدَ ثُمَّ نَدِمَ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ. فَالْأَوَّلُ فِي الْجَهْلِ الْبَسِيطِ: كَظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وَهَذَا دَخَلَ فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ جَهِلَ فَنَدِمَ، وَلِهَذَا تَجِدُهُ فِي الْمَسَائِلِ يَذْكُرُ أَقْوَالَ الْفِرَقِ وَحُجَجِهِمْ (¬3) ، وَلَا يَكَادُ يُرَجِّحُ شَيْئًا لِلْحَيْرَةِ. وَكَذَلِكَ الْآمِدِيُّ، الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْوَقْفُ وَالْحَيْرَةُ. وَأَمَّا الرَّازِيُّ فَهُوَ فِي الْكِتَابِ الْوَاحِدِ، بَلْ فِي الْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ مِنْهُ، يَنْصُرُ قَوْلًا، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ أَوْ مِنْ كِتَابٍ آخَرَ يَنْصُرُ نَقِيضَهُ. وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى الْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ. وَلِهَذَا لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ أَكْمَلَ الْعُلُومِ الْعِلْمُ بِاللَّهِ (¬4) وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، ذُكِرَ أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا إِشْكَالٌ (¬5) . وَقَدْ ذَكَرْتُ ¬

(¬1) نِهَايَةِ: الْعُقُولِ؛ لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِي أَنَّي وَقَفْتُ عَلَى نِهَايَاتِ النَّظَرِ، وَفُزْتُ بِغَايَاتِ مَطَارِحِ الْفِكَرِ، وَلَعَلَّهُ اسْتَسْمَنَ. . . (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي " نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ "، وَجَاءَتِ الْعِبَارَاتُ السَّابِقَةُ فِي دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، 1/159 وَذَكَرْتُ فِي تَعْلِيقِي هُنَاكَ فِي هَامِشِ (ص 2 ط) رَدَّ عَلَيْهِ الْفَقِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ - عَفَى اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ: لَعَلَّكَ أَهْمَلْتَ الطَّوَافَ بِمَعْهَدِ الرَّسُولِ وَمَنْ لَاقَاهُ مِنْ كُلِّ عَالِمِ. فَمَا حَارَ مَنْ يُهْدَى بِهَدْيِ مُحَمَّدٍ وَلَسْتَ تَرَاهُ قَارِعًا سَنَّ نَادِمِ (¬3) ح، ر: أَقْوَالَهَا وَحُجَجَهُمْ، ب: أَقْوَالَ الْفِرَقِ وَحُجَجَهَا. (¬4) و: فَقَالَ لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْعِلْمَ بِاللَّهِ، أ: وَلِهَذَا لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْعِلْمَ بِاللَّهِ. (¬5) أ: ذُكِرَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مِنْهَا إِشْكَالٌ، ب، ح: ذُكِرَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهَا إِشْكَالٌ.

كَلَامَهُ، وَبَيَّنْتُ مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالْحَقِّ، وَخَلَقَ عِبَادَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَمَنْ كَمَّلَ فِطْرَتَهُ بِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَجَدَ الْهُدَى وَالْيَقِينَ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، وَلَمْ يَتَنَاقَضْ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَفْسَدُوا فِطْرَتَهُمُ الْعَقْلِيَّةَ وَشِرْعَتَهُمُ السَّمْعِيَّةَ، بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَالِاخْتِلَافِ، الَّذِي لَمْ يَهْتَدُوا مَعَهُ إِلَى الْحَقِّ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ قَالَ: وَمَنِ الَّذِي وَصَلَ إِلَى هَذَا الْبَابِ وَمَنِ الَّذِي ذَاقَ هَذَا (¬1) الشَّرَابَ. نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ وَأَكْثَرُ سَعْيِ الْعَالِمِينَ ضَلَالُ وَأَرْوَاحَنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ وَلَمْ نَسْتَفِدْ مَنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا وَقَالَ (¬2) : " لَقَدْ تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأَيْتُهَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا تَرْوِي غَلِيلًا. وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ ; اقْرَأْ فِي الْإِثْبَاتِ (¬3) : {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 10] ¬

(¬1) أ، ب: مِنْ هَذَا، وَكَذَا جَاءَ النَّصُّ فِي " دَرْءِ. . . " 1/160 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّنِي لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكَلَامَ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِيمَا بَيْنَ يَدِي مِنْ كُتُبِ الرَّازِيِّ الْمَطْبُوعَةِ أَوِ الْمَخْطُوطَةِ، وَأَنَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَذْكُرُ أَنَّ الرَّازِيَّ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْكَلَامِ فِي كِتَابِهِ أَقْسَامِ اللَّذَّاتِ، وَهَذَا الْكِتَابُ مَخْطُوطٌ بِالْهِنْدِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بروكلمان ضِمْنَ مُؤَلِّفَاتِ الرَّازِيِّ، وَذَكَرْتُ فِي تَعْلِيقِي عَلَى " دَرْءِ. . " أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَذْكُرُ هَذَا النَّصَّ كَثِيرًا فِي كُتُبِهِ، مِثْلَ مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ 4/71 الْفُرْقَانِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، ص 97 مِنْ مَجْمُوعَةِ الرَّسَائِلِ الْكُبْرَى ط. صُبَيْحٍ، مَعَارِجِ الْوُصُولِ، ص 185 مِنَ الْمَجْمُوعَةِ السَّابِقَةِ. (¬2) وَقَالَ: فِي (ح) ، (ر) ، (ب) فَقَطْ. (¬3) و، م: الْآيَاتِ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سُورَةُ طه: 5] (¬1) وَاقْرَأْ فِي النَّفْيِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سُورَةُ الشُّورَى: 11] (¬2) ، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [سُورَةُ طَه: 110] (¬3) وَمَنْ جَرَّبٍ مِثْلَ تَجْرِبَتِي، عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي ". وَهُوَ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْ بُحُوثِهِ فِي الطُّرُقِ الْكَلَامِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ سِوَى أَنْ جَمَعَ قِيلَ وَقَالُوا، وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِيهَا مَا يَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا يَرْوِي غَلِيلًا، فَإِنَّ مَنْ تَدَبَّرَ كُتُبَهُ كُلَّهَا (¬4) لَمْ يَجِدْ فِيهَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ مُوَافِقَةً لِلْحَقِّ [الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ] (¬5) الْمَنْقُولُ وَالْمَعْقُولُ، بَلْ يَذْكُرُ فِي الْمَسْأَلَةِ عِدَّةَ أَقْوَالٍ، وَالْقَوْلُ الْحَقُّ لَا يَعْرِفُهُ فَلَا يَذْكُرُهُ. وَهَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ، لَيْسَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، وَلَا يَخْرُجُ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ: فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (¬6) . وَهَؤُلَاءِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ، بَلْ هُمْ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 176] . ¬

(¬1) وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ، فِي (و) فَقَطْ: وَجَاءَ آيَةُ سُورَةِ طَه قَبْلَ آيَةِ سُورَةِ فَاطِرٍ فِي " دَرْءِ. . . " 1/160. (¬2) وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، فِي (ح) ، (ر) ، (ب) فَقَطْ، وَلَيْسَتْ فِي " دَرْءِ. . ". (¬3) فِي " دَرْءِ. . . " جَاءَتْ بَعْدَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ آيَةُ سُورَةِ مَرْيَمَ (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) . (¬4) كُلَّهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (أ) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ح، ب، ر: فَطَرَ عَلَيْهَا عِبَادَهُ، وَ: فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا عِبَادَهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي خُطْبَةِ مُصَنَّفِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي مَحْبَسِهِ (¬1) فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ قَالَ (¬2) : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَتْرَةً مِنَ الرُّسُلِ، بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى، يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى (¬3) ، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الضَّلَالَةِ وَالْعَمَى (¬4) ، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ تَائِهٍ ضَالٍّ (¬5) قَدْ (¬6) هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ (¬7) النَّاسِ عَلَيْهِمْ. يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ، وَأَطْلَقُوا عِنَانَ (¬8) الْفِتْنَةِ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ، مُتَّفِقُونَ (¬9) عَلَى مُفَارَقَةِ الْكِتَابِ، (* يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ، وَفِي اللَّهِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ *) (¬10) ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْكَلَامِ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُلَبِّسُونَ (¬11) عَلَيْهِمْ ". ¬

(¬1) ن: حَبْسِهِ. (¬2) ص [0 - 9] 2 تَحْقِيقُ النَّشَّارِ، مَجْمُوعَةُ عَقَائِدِ السَّلَفِ، دَارُ الْمَعَارِفِ، الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ، 1971، ص 85، تَحْقِيقُ د. عَبْدِ الرَّحْمَنْ عَمِيرَةْ، دَارُ اللِّوَاءِ الرِّيَاضُ 1397/1977. (¬3) نُسْخَةُ النَّشَّارِ، وَ: يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى. (¬4) ح: الضَّلَالِ وَالْعَمَى، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ الضَّلَالَةِ مِنَ النُّسْخَتَيْنِ الْمَطْبُوعَتَيْنِ. (¬5) نُسْخَتَا النَّشَّارِ وَعَمِيرَةَ: ضَالٌّ تَائِهٌ. (¬6) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) نُسْخَتَا الرَّدِّ: وَأَقْبَحَ أَثَرَ. (¬8) نُسْخَتَا الرَّدِّ: عِقَالَ (¬9) نُسْخَتَا الرَّدِّ: مُجْمِعُونَ. (¬10) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬11) نُسْخَتَا الرَّدِّ: بِمَا يُشَبِّهُونَ.

وَهُوَ كَمَا وَصَفَهُمْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ; فَإِنَّ الْمُخْتَلِفِينَ أَهْلُ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ: إِمَّا نَقْلًا مُجَرَّدًا لِلْأَقْوَالِ، وَإِمَّا نَقْلًا وَبَحْثًا وَذِكْرًا لِلْجِدَالِ (¬1) مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ، كُلٌّ مِنْهُمْ يُوَافِقُ بَعْضًا وَيَرُدُّ بَعْضًا، وَيَجْعَلُ مَا يُوَافِقُ رَأْيَهُ هُوَ الْمُحْكَمُ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَمَا يُخَالِفُهُ (¬2) هُوَ الْمُتَشَابِهُ الَّذِي يَجِبُ تَأْوِيلُهُ أَوْ تَفْوِيضُهُ. وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَنْ صَنَّفَ (¬3) فِي الْكَلَامِ وَذَكَرَ (¬4) النُّصُوصَ الَّتِي (¬5) يَحْتَجُّ (¬6) بِهَا وَيُحْتَجُّ بِهَا عَلَيْهِ ; تَجِدُهُ يَتَأَوَّلُ النُّصُوصَ الَّتِي تُخَالِفُ قَوْلَهُ تَأْوِيلَاتٍ لَوْ فَعَلَهَا غَيْرُهُ لَأَقَامَ الْقِيَامَةَ عَلَيْهِ، وَيَتَأَوَّلُ الْآيَاتِ بِمَا يَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُرِدْهُ، وَبِمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ أَصْلًا (¬7) ، وَبِمَا هُوَ خِلَافُ (¬8) التَّفْسِيرِ الْمَعْرُوفِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَخِلَافُ نُصُوصٍ أُخْرَى. ¬

(¬1) ح: لِلْجَدَلِ. (¬2) ن، م، و، أ: وَمَا خَالَفَهُ. (¬3) فِي مَكَانِ عِبَارَةِ مَنْ صَنَّفَ بَيَاضٌ فِي (ح) ، (ر) ، وَفِي (أ) فِي كُلِّ مُصَنَّفٍ، وَفِي (ن) ، (م) فِي كُلِّ صِنْفٍ. (¬4) وَذَكَرَ: كَذَا فِي (و) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَيَذْكُرُ. (¬5) و: الَّذِي. (¬6) عِبَارَةُ الَّتِي يَحْتَجُّ مَكَانَهَا بَيَاضٌ فِي (ح) ، (ر) . (¬7) ح: لَمْ يُرِدْهُ وَبَعْدَهَا بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَةِ الْعِلْمِ، وَبِمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ أَصْلًا مِنَ الْجَهْلِ وَشَابَهَتْ (ر) ، نُسْخَةَ (ح) إِلَّا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهَا بَيَاضٌ بَعْدَ عِبَارَةِ (لَمْ يُرِدْهُ وَفِي (أ) : لَمْ يُرِدْهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ أَصْلًا وَفِي (ن) ، (م) ، (و) لَمْ يُرِدْهُ، وَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ أَصْلًا، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ، وَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ يُوجَدُ كَلَامٌ اسْتَغْرَقَ حَوَالَيْ أَرْبَعَ صَفَحَاتٍ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فِي (ب) ، (ح) ، (ر) ، (أ) وَسَأُشِيرُ إِلَى مَكَانِهِ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬8) ن، م: وَهُوَ خِلَافُ، ر، ب: وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافُ التَّفْسِيرِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ مَوْجُودَةٌ فِي (ب) فِي مُنْتَصَفِ الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ 3/70

وَلَوْ ذَكَرْتُ مَا أَعْرِفُهُ مِنْ ذَلِكَ لَذَكَرْتُ خَلْقًا، وَلَا اسْتَثْنِي أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ (¬1) : لَا مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالْبِدَعِ الْكِبَارِ مِنْ مُعْتَزِلِيٍّ وَرَافِضِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ كَرَّامِيٍّ وَأَشْعَرِيٍّ وَسَالِمِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ صَنَّفَ عَلَى طَرِيقِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا. هَذَا كُلُّهُ رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي بَحْثِهِمْ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ، وَالْقُرْآنِ، وَمَسَائِلِ الْقَدَرِ، وَمَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، وَالْإِيمَانِ (¬2) وَالْإِسْلَامِ، وَمَسَائِلِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ (¬3) فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِنَا غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ (¬4) " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " وَغَيْرِهِ. وَمِنْ أَجْمَعِ الْكُتُبِ الَّتِي رَأَيْتُهَا فِي مَقَالَاتِ النَّاسِ الْمُخْتَلِفِينَ (¬5) فِي أُصُولِ الدِّينِ كِتَابُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ مِنَ الْمَقَالَاتِ وَتَفَاصِيلِهَا (¬6) مَا لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ فِيهِ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ بِحَسْبِ مَا فَهِمَهُ عَنْهُمْ. وَلَيْسَ فِي جِنْسِهِ أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِنْهُ، وَمَعَ هَذَا نَفْسُ الْقَوْلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَقَالَ بِهِ الصَّحَابَةُ (¬7) وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: فِي الْقُرْآنِ، وَالرُّؤْيَةِ (¬8) ، ¬

(¬1) وَ: مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ. (¬2) أ، ب: الْأَسْمَاءِ وَأَحْكَامِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) و: وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. (¬4) ح، ب: فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فِي كُتُبِنَا غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، و: فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا، وَسَقَطَ الْكَلَامُ فِي (و) ، بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَمِنْ أَجْمَعِ الْكُتُبِ. (¬5) ن: فِي الْمَقَالَاتِ لِلنَّاسِ الْمُخْتَلِفِينَ. (¬6) ح، ب: وَتَفْصِيلِهَا. (¬7) و: وَقَالَتِ الصَّحَابَةُ. (¬8) ب فَقَطْ: وَفِي الرُّؤْيَةِ.

وَالصِّفَاتِ، وَالْقَدَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ لَيْسَ فِي كِتَابِهِ، وَقَدِ اسْتَقْصَى مَا عَرَفَهُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ، فَعِلْمٌ آخَرُ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ، الْمُخْتَلِفِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ. وَلِهَذَا كَانَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا مُتَّفِقِينَ عَلَى ذَمِّ أَهْلِ الْكَلَامِ ; فَإِنَّ كَلَامَهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى تَصْدِيقٍ بِبَاطِلٍ، وَتَكْذِيبٍ بِحَقٍّ (¬1) ، وَمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ (¬2) وَالسُّنَّةِ، فَذَمُّوهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْخَطَأِ وَالضَّلَالِ. وَلَمْ يَذُمَّ السَّلَفُ مَنْ كَانَ كَلَامُهُ حَقًّا، [فَإِنَّ مَا كَانَ حَقًّا] (¬3) فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، (وَهَذَا لَا يَذُمُّهُ السَّلَفُ الْعَارِفُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ) (¬4) ، وَمَعَ هَذَا فَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ (¬5) نَقْضُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَبَيَانُ فَسَادِ قَوْلِهِ، فَإِنَّ الْمُخْتَلِفِينَ كُلُّ كَلَامِهِمْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْبَاطِلِ (¬6) ، وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَقْصِدُ بَيَانَ بُطْلَانِ (¬7) قَوْلِ (¬8) الْأُخْرَى، فَيَبْقَى الْإِنْسَانُ عِنْدَ دَلَائِلَ كَثِيرَةٍ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْكِتَابِ. وَهَذَا مِمَّا مُدِحَ بِهِ الْأَشْعَرِيُّ ; فَإِنَّهُ بَيَّنَ مِنْ فَضَائِحِ الْمُعْتَزِلَةِ وَتَنَاقُضِ ¬

(¬1) ح: عَلَى تَصْدِيقِ بَاطِلٍ وَتَكْذِيبِ حَقٍّ، ر: عَلَى تَصْدِيقِ بَاطِلٍ وَتَكْذِيبٍ بِحَقٍّ. (¬2) و: لِلْكِتَابِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (أ) . (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (أ) ، (ب) . (¬5) كَلِمَةُ كَلَامِهِمْ فِي أَوَّلِ ص 71 وَهُنَا اضْطِرَابٌ فِي تَرْتِيبِ الصَّفَحَاتِ فِي (ب) أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ. (¬6) و: فِيهِ بَاطِلٌ، أ: فِيهِ قَوْلٌ مِنَ الْبَاطِلِ. (¬7) بُطْلَانُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ح) ، (ر) . (¬8) قَوْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .

أَقْوَالِهِمْ وَفَسَادِهَا مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ، وَكَانَ قَدْ دَرَسَ الْكَلَامَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ ذَكِيًّا، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ، وَصَنَّفَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَنَصَرَ فِي الصِّفَاتِ طَرِيقَةَ ابْنِ كُلَّابٍ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَلَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَبِيرًا بِالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَتَفْسِيرِ السَّلَفِ لِلْقُرْآنِ. وَالْعِلْمُ بِالسُّنَّةِ الْمَحْضَةِ إِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا (¬1) . وَلِهَذَا يَذْكُرُ (¬2) فِي الْمَقَالَاتِ مَقَالَةَ الْمُعْتَزِلَةِ مُفَصَّلَةً: يَذْكُرُ (¬3) قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمَا بَيْنَهُمْ مِنَ النِّزَاعِ فِي الدِّقِّ وَالْجِلِّ، كَمَا يَحْكِي ابْنُ (¬4) أَبِي زَيْدٍ (¬5) مَقَالَاتِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَكَمَا يَحْكِي أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ (¬6) اخْتِلَافَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيَذْكُرُ أَيْضًا مَقَالَاتِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ (¬7) ، لَكِنَّ نَقْلَهُ لَهَا (¬8) مِنْ كُتُبِ أَرْبَابِ الْمَقَالَاتِ، لَا عَنْ مُبَاشَرَةٍ ¬

(¬1) ن، م، و، أ: مِنْ هُنَا. (¬2) ح، ر، ب: ذَكَرَ. (¬3) يَذْكُرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) . (¬4) م، ر، ح: كَمَا يُحْكَى عَنْ. (¬5) أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي زَيْدٍ النَّفزاوِيُّ الْقَيْرَوَانِيُّ، إِمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فِي عَصْرِهِ، يُلَقَّبُ بِمَالِكٍ الْأَصْغَرِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: كَانَ عَلَى أُصُولِ السَّلَفِ فِي الْأُصُولِ، لَا يَدْرِي الْكَلَامَ وَلَا يَتَأَوَّلُ، أَشْهَرُ كُتُبِهِ الرِّسَالَةُ، فِي اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ، طُبِعَتْ وَشَرَحَهَا كَثِيرُونَ. وُلِدَ سَنَةَ 310 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 386 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/131، الدِّيبَاجِ الْمُذْهَبِ لِابْنِ فَرْحُونَ، ص 136 - 138، الْأَعْلَامِ 4/230 - 231 (¬6) أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْقُدُورِيُّ، انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْعِرَاقِ، وَصَنَّفَ الْمُخْتَصَرَ الْمَعْرُوفَ بِاسْمِهِ الْقُدُورِيُّ فِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ طُبِعَ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 362 وَتُوفِّيَ بِهَا سَنَةَ 428 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/60 - 61، الْجَوَاهِرِ الْمُضِيَّةِ 1/93 - 94، النُّجُومِ الزَّاهِرَةِ 5/24 - 25، الْأَعْلَامِ 1/206 (¬7) و: وَالرَّافِضَةِ. (¬8) أ: لَكِنْ نَقْلًا لَهَا، ب، و: لَكِنْ نَقْلًا لَهَا، ر: لَكِنْ يَعْلَمُ، ح: لَا لِأَنْ يَعْلَمَ.

مِنْهُ لِلْقَائِلِينَ، وَلَا عَنْ خِبْرَةٍ بِكُتُبِهِمْ، وَلَكِنْ فِيهَا تَفْصِيلٌ عَظِيمٌ، وَيَذْكُرُ مَقَالَةَ ابْنِ كُلَّابٍ عَنْ خِبْرَةٍ بِهَا وَنَظَرٍ فِي كُتُبِهِ، وَيَذْكُرُ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ عِدَّةِ كُتُبٍ (¬1) . فَإِذَا جَاءَ إِلَى (¬2) مَقَالَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ ذَكَرَ أَمْرًا مُجْمَلًا، يَلْقَى (¬3) أَكْثَرَهُ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ (¬4) ، وَبَعْضَهُ عَمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ مِنْ حَنْبَلِيَّةِ بَغْدَادَ وَنَحْوِهِمْ. وَأَيْنَ الْعِلْمُ الْمُفَصَّلُ مِنَ الْعِلْمِ الْمُجْمَلِ؟ (¬5) وَهُوَ يُشْبِهُ (¬6) مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، عَلِمْنَا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْصِيلًا (¬7) ، وَعَلِمْنَا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مُجْمَلًا، لِمَا نَقَلَهُ النَّاسُ عَنْ (¬8) التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَبِمَنْزِلَةِ عِلْمِ الرَّجُلِ الْحَنَفِيِّ أَوِ الشَّافِعِيِّ أَوِ الْمَالِكِيِّ أَوِ الْحَنْبَلِيِّ بِمَذْهَبِهِ الَّذِي عَرَفَ أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ، وَاخْتِلَافَ أَهْلِهِ وَأَدِلَّتِهِ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ خِلَافِ الْمَذْهَبِ الْآخَرِ (¬9) ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَعْرِفَةً مُجْمَلَةً. ¬

(¬1) عِبَارَةُ مِنْ عِدَّةِ كُتُبٍ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ فِي (ر) . (¬2) إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬3) سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬4) أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ الضَّبِّيُّ الْبَصْرِيُّ السَّاجِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَمِنَ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ وُلِدَ سَنَةَ 220 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 307، لَهُ كِتَابُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتُ الشَّافِعِيَّةِ 3/299 - 301 الْأَعْلَامِ 3/81 (¬5) عِبَارَةُ مِنَ الْعِلْمِ الْمُجْمَلِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ح، (ر) ، وَفِي (أ) ، (ب) مِنَ الْأَمْرِ الْمُجْمَلِ. (¬6) عِنْدَ عِبَارَةِ وَهُوَ يُشْبِهُ نَعُودُ إِلَى صَفْحَةِ 3/69 مِنْ نُسْخَةِ (ب) حَيْثُ يُوجَدُ الْخَطَأُ فِي تَرْتِيبِ الْكَلَامِ، وَيُوجَدُ خَطَأٌ مُمَاثِلٌ فِي (ح) ، (ر) ، (أ) . (¬7) أ، ب: مُفَصَّلًا. (¬8) ح، ب: مِنَ. (¬9) ح، ب: الْمَذَاهِبِ الْأُخَرِ.

فَهَكَذَا (¬1) مَعْرِفَتُهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَعْرَفِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الِاخْتِلَافِ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ: مِنَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ فُورَكٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ. وَهَؤُلَاءِ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ أَبِي الْمَعَالِي وَذَوِيهِ، وَمِنَ الشَّهْرَسْتَانِيِّ، [وَلِهَذَا كَانَ مَا يَذْكُرُهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ] (¬2) مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ نَاقِصًا عَمَّا يَذْكُرُهُ الْأَشْعَرِيُّ ; فَإِنَّ الْأَشْعَرِيَّ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ بِذَلِكَ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا. وَهَذَا كَالْفَقِيهِ الَّذِي يَكُونُ أَعْرَفَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِالْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ. أَوِ الْمُحَدِّثُ الَّذِي يَكُونُ أَفْقَهَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ. وَالْمُقْرِئُ الَّذِي يَكُونُ أَخْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ بِالنَّحْوِ وَالْإِعْرَابِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ النُّحَاةِ. وَالنَّحْوِيُّ الَّذِي يَكُونُ أَخْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْقُرْآنِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ ذَمِّ الِاخْتِلَافِ فِي الْكِتَابِ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ الْقَوْلِيُّ، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ بِالْيَدِ وَالسَّيْفِ وَالْعَصَا وَالسَّوْطِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الِاخْتِلَافِ. وَالْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ (¬3) يَدْخُلُونَ فِي النَّوْعَيْنِ. وَالْمُلُوكُ الَّذِينَ يَتَقَاتَلُونَ (¬4) عَلَى مَحْضِ الدُّنْيَا يَدْخُلُونَ فِي الثَّانِي. وَالَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْعِلْمِ، وَلَا يَدْعُونَ إِلَى قَوْلٍ ابْتَدَعُوهُ، وَيُحَارِبُونَ عَلَيْهِ مَنْ خَالَفَهُمْ لَا بِيَدٍ، وَلَا بِلِسَانٍ، هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَهَؤُلَاءِ خَطَؤُهُمْ مَغْفُورٌ ¬

(¬1) ح، ر، ب: وَهَكَذَا. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، فَقَطْ. (¬3) ن، م: وَغَيْرُهُمْ. (¬4) ن، م: يُقَاتِلُونَ.

لَهُمْ وَلَيْسُوا مَذْمُومِينَ، إِلَّا أَنْ يَدْخُلَهُمْ هَوًى وَعُدْوَانٌ أَوْ تَفْرِيطٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ ; فَإِنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِالْتِزَامِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ، وَقَدْ شَرَّعَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ نَسْأَلَهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ وَأَفْرَضُهُ وَأَجْمَعُهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَكُلُّ أَحَدٍ مُحْتَاجٌ إِلَى الدُّعَاءِ بِهِ، فَلِهَذَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى الْعَبْدِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ. فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ هُدِيَ هَدًى مُجْمَلًا، مِثْلُ إِقْرَارِهِ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَقٌّ وَالرَّسُولَ حَقٌّ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى التَّفْصِيلِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ وَيَعْتَقِدُهُ، فَيُثْبِتُهُ أَوْ يَنْفِيهِ، وَيُحِبُّهُ أَوْ يُبْغِضُهُ، وَيَأْمُرُ بِهِ أَوْ يَنْهَى عَنْهُ، وَيَحْمَدُهُ أَوْ يَذُمُّهُ. وَهُوَ مُحْتَاجٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ سَمِعَ ذَمَّ الْكَلَامِ مُجْمَلًا، أَوْ سَمِعَ (¬1) ذَمَّ الطَّائِفَةِ الْفُلَانِيَّةِ مُجْمَلًا، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تَفَاصِيلَ الْأُمُورِ: مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَمَنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا فِي الْكَلَامِ، لَمْ يَصِلْ إِلَى الْغَايَاتِ الَّتِي مِنْهَا تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا تَجِدُهُ يَذُمُّ الْقَوْلَ وَقَائِلَهُ بِعِبَارَةٍ، وَيَقْبَلُهُ بِعِبَارَةٍ (¬2) ، وَيَقْرَأُ كُتُبَ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَشُرُوحَ الْحَدِيثِ، وَفِيهَا تِلْكَ الْمَقَالَاتُ الَّتِي كَانَ يَذُمُّهَا، فَيَقْبَلُهَا مِنْ أَشْخَاصٍ أُخَرَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرُوهَا (¬3) بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، أَوْ فِي ضِمْنِ تَفْسِيرِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) سَمِعَ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬2) عِبَارَةٍ، وَيَقْبَلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬3) وَقَدْ ذَكَرُوهَا: كَذَا فِي (أ) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَذَكَرُوهَا.

وَهَذَا مِمَّا يُوجَدُ كَثِيرًا، وَالسَّالِمُ مَنْ سَلَّمَهُ اللَّهُ حَتَّى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ (¬1) يُعَظِّمُ أَئِمَّةً، وَيَذُمُّ أَقْوَالًا، قَدْ يَلْعَنُ قَائِلَهَا أَوْ يُكَفِّرُهُ، وَقَدْ قَالَهَا أُولَئِكَ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ يُعَظِّمُهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ قَالُوهَا لَمَا لَعَنَ الْقَائِلَ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا يَكُونُ قَدْ قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ قَبِلَهَا مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ (¬2) تَقْلِيدِيًّا، فَإِنَّهُ يَتَّبِعُ مَنْ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ أَعْظَمَ، فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ حَقَّقُوا مَا لَمْ يُحَقِّقْهُ أَئِمَّتُهُمْ قَلَّدَهُمْ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الْأَئِمَّةَ أَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْرَفُ بِالْحَقِّ (¬3) وَأَتْبَعُ لِلرَّسُولِ قَلَّدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرِفَ الْحُجَّةَ الْكَلَامِيَّةَ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَبَلَغَهُ أَنَّ أَئِمَّةً يُعَظِّمُهُمْ قَالُوا بِخِلَافِهِ أَوْ جَاءَ (¬4) الْحَدِيثُ بِخِلَافِهِ (¬5) بَقِيَ فِي الْحَيْرَةِ، وَإِنْ رَجَّحَ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ رَجَّحَ عَلَى مَضَضٍ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَبْنِي عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ قَلْبُهُ بِمَا يَعْرِفُ صِحَّةَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ جَزْمًا ; فَإِنَّ التَّقْلِيدَ لَا يُورِثُ الْجَزْمَ، فَإِذَا جَزَمَ بِأَنَّ الرَّسُولَ قَالَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقَّ، جَزَمَ بِذَلِكَ وَإِنْ خَالَفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ. وَعِلْمُ الْإِنْسَانِ بِاخْتِلَافِ هَؤُلَاءِ وَرَدِّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ بَعْضُهُمْ فَسَادَ مَقَالَةِ بَعْضٍ، هُوَ مِنْ (¬6) أَنْفَعِ الْأُمُورِ ; فَإِنَّهُ مَا مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ قَدْ (¬7) فَضَّلَ مَقَالَتَهُ طَوَائِفُ، فَإِذَا عَرَفَ رَدَّ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى عَلَى هَذِهِ ¬

(¬1) عِنْدَ عِبَارَةِ حَتَّى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ تَنْتَهِي الْعِبَارَاتُ الَّتِي جَاءَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فِي نُسَخِ (ح) ، (ر) ، (أ) ، (ب) وَنَعُودُ هُنَا إِلَى صَفْحَةِ 3/71 (ب) فِي ثُلُثِهَا الْأَوَّلِ تَقْرِيبًا. (¬2) ن، م، و: عَنِ الْمُتَكَلِّمِ، ر: عَنِ الْمُتَكَلِّمِينَ. (¬3) وَأَعْرَفُ بِالْحَقِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ح، و، ب: وَجَاءَ. (¬5) أ: بِخِلَافِهَا. (¬6) ر: مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَهَذَا مِنْ. (¬7) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) .

الْمَقَالَةِ عَرَفَ فَسَادَهَا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ عَمَّا فِيهَا مِنَ الْمُنْكَرِ وَالْبَاطِلِ. وَكَذَلِكَ إِذَا عَرِفَ رَدَّ هَؤُلَاءِ عَلَى أُولَئِكَ (¬1) ، فَإِنَّهُ أَيْضًا يَعْرِفُ مَا عِنْدَ أُولَئِكَ مِنَ الْبَاطِلِ، فَيَتَّقِي الْبَاطِلَ الَّذِي مَعَهُمْ. ثُمَّ مَنْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ: إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا خَارِجًا عَنِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَكُونَ بَعْضَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَبَعْضَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَعَرَفَ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَعَلَيْهِ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَتَمَّ عَلَيْهِ النِّعْمَةَ، إِذْ هَدَاهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَجَنَّبَهُ صِرَاطَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالضَّلَالِ. وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ، كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنْ مُوَافَقَةِ هَؤُلَاءِ عَلَى ضَلَالِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ عَلَى ضَلَالِهِمْ، نِعْمَةً فِي حَقِّهِ، وَاعْتَصَمَ بِمَا عَرَفَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُجْمَلًا، وَأَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَكَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ فِي كُلِّ مَا تَكَلَّمَ النَّاسُ بِهِ، وَأَنْتَ تَجِدُهُمْ يَحْكُونَ أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً فِي التَّفْسِيرِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ، بَلْ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالطِّبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَحْكِي الْخِلَافَ وَلَا يَعْرِفُ الْحَقَّ. وَأَمَّا الْخِلَافُ الَّذِي بَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ فَلَا يُحْصِيهِ أَحَدٌ لِكَثْرَتِهِ وَلِتَفَرُّقِهِمْ (¬2) ، فَإِنَّ الْفَلْسَفَةَ الَّتِي (¬3) عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا وَمَنْ نَسَجَ عَلَى مِنْوَالِهِمَا هِيَ فَلْسَفَةُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ التَّعَالِيمِ: الْمَنْطِقِ، وَالطَّبِيعِيِّ، وَمَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ (¬4) . وَالَّذِي (¬5) يَحْكِيهِ الْغَزَالِيُّ ¬

(¬1) ح: عَلَى هَؤُلَاءِ. (¬2) ح، و، ب: وَتَفَرُّقِهِمْ. (¬3) الَّتِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) أ، ب: وَمَا بَعْدَ الطَّبِيعِيِّ، ح، و: وَمَا بَعْدَ الطَّبِيعِيَّةِ. (¬5) ن، م: هُوَ الَّذِي.

وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ (¬1) وَالرَّازِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ مَقَالَاتِ الْفَلَاسِفَةِ هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سِينَا. وَالْفَلَاسِفَةُ أَصْنَافٌ مُصَنَّفَةٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ. وَلِهَذَا يَذْكُرُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي دَقَائِقِ الْكَلَامِ (¬2) وَقَبْلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ مَقَالَاتِ غَيْرِ الْإِسْلَامِيِّينَ (¬3) ، وَهُوَ كِتَابٌ كَبِيرٌ أَكْبَرُ مِنْ مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ أَقْوَالًا كَثِيرَةً لِلْفَلَاسِفَةِ لَا يَذْكُرُهَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ عَنِ ابْن سِينَا. وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْأَشْعَرِيِّ مِثْلُ أَبِي عِيسَى الْوَرَّاقُ (¬4) وَالنُّوبَخْتِيُّ (¬5) وَأَبِي عَلِيٍّ (¬6) وَأَبِي هَاشِمٍ (¬7) وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُتُبَ أَهْلِ الْكَلَامِ يُسْتَفَادُ مِنْهَا رَدُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى رَدِّ الْمَقَالَةِ الْبَاطِلَةِ لِكَوْنِهَا لَمْ تَخْطُرْ بِقَلْبِهِ، وَلَا هُنَاكَ مَنْ يُخَاطِبُهُ بِهَا، وَلَا يُطَالِعُ كِتَابًا هِيَ فِيهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ الرَّدَّ، بَلْ قَدْ يُسْتَضَرُّ بِهِ مَنْ عَرِفَ الشُّبْهَةَ وَلَمْ يَعْرِفْ فَسَادَهَا. وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي فِي كُتُبِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ بَاطِلًا بِبَاطِلٍ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا كَانَ مَذْمُومًا مَمْنُوعًا مِنْهُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُ أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ بَاطِلٌ. ¬

(¬1) ن: يَحْكِيهِ الشَّهْرَسْتَانِيُّ. (¬2) ن، م: دَقِيقِ الْكَلَامِ، وَذَكَرْتُ مِنْ قَبْلُ فِي تَرْجَمَةِ الْبَاقِلَّانِيِّ 1/394 أَنَّ كِتَابَ الدَّقَائِقِ مَفْقُودٌ، وَانْظُرْ سَزْكِينَ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 7 - 51 (¬3) وَهُوَ كِتَابٌ مَفْقُودٌ أَيْضًا وَانْظُرْ سَزْكِينَ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 35 - 39 (¬4) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/501 (¬5) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/72 (¬6) أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/395 (¬7) أَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/278

وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُمْ يَذْكُرُونَ مِنْ عُيُوبِ بَاطِلِ غَيْرِهِمْ وَذَمَّهِ مَا قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ. مِثَالُ ذَلِكَ تَنَازُعُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. فَالْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: صَاحِبُ الْكَبَائِرِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ. ثُمَّ الْخَوَارِجُ تَقُولُ: هُوَ كَافِرٌ، وَالْمُعْتَزِلَةُ تُوَافِقُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى الِاسْمِ. وَالْمُرْجِئَةُ تَقُولُ: هُوَ مُؤْمِنٌ تَامُّ (¬1) الْإِيمَانِ، لَا نَقْصَ فِي إِيمَانِهِ، بَلْ إِيمَانُهُ كَإِيمَانِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ. وَهَذَا نِزَاعٌ فِي الِاسْمِ. ثُمَّ تَقُولُ فُقَهَاؤُهُمْ مَا تَقُولُهُ الْجَمَاعَةُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ: فِيهِمْ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَدْخُلُ. كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. فَهَؤُلَاءِ لَا يُنَازِعُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فِي حُكْمِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا يُنَازِعُونَهُمْ فِي الِاسْمِ. وَيُنَازِعُونَ أَيْضًا فِيمَنْ قَالَ وَلَمْ يَفْعَلْ. وَكَثِيرٌ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ الْمُرْجِئَةِ تَقُولُ: لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا (¬2) مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ يَدْخُلُ النَّارَ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَا يَدْخُلُهَا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهَا جَمِيعُ الْفُسَّاقِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ دُخُولُ بَعْضِهِمْ. وَيَقُولُونَ: مَنْ أَذْنَبَ وَتَابَ لَا يُقْطَعُ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَيْضًا، فَهُمْ يَقِفُونَ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَلِهَذَا سُمُّوا الْوَاقِفَةُ. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. فَيَحْتَجُّ أُولَئِكَ بِنُصُوصِ الْوَعِيدِ وَعُمُومِهَا، وَيُعَارِضُهُمْ هَؤُلَاءِ بِنُصُوصِ الْوَعْدِ وَعُمُومِهَا. فَقَالَ أُولَئِكَ: الْفُسَّاقُ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَعْدِ، لِأَنَّهُمْ (¬3) لَا ¬

(¬1) ن، م: كَامِلُ. (¬2) ن، م: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا. (¬3) م، و: لِأَنَّهُ.

حَسَنَاتِ لَهُمْ (¬1) ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 27] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 264] . وَقَالَ: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 2] . وَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 28] . فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَغَيْرُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاضِيَ مِنَ الْعَمَلِ قَدْ يُحْبَطُ بِالسَّيِّئَاتِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مَعَ التَّقْوَى. وَالْوَعْدُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُؤْمِنِ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مُؤْمِنِينَ (¬2) ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 2] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 15] ، وَبِقَوْلِهِ (¬3) : {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 18] . وَالْفَاسِقُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْوَعْدُ. وَبِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» " (¬4) وَقَوْلُهُ: " «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» " (¬5) وَنَحْوُ ذَلِكَ. ¬

(¬1) ن: لَا حِسَابَ لَهُمْ. (¬2) ب، و: لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ. (¬3) ح، ر، و: الصَّادِقُونَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ ب: الصَّادِقُونَ، وَقَوْلِهِ. (¬4) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 207 (¬5) جَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1/99 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا. الْمُسْنَدُ ط. الْمَعَارِفِ 18/100 وَجَاءَ قِسْمٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا) عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: الْبُخَارِيِّ 9/4 كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا) 9/49 كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، مُسْلِمٌ 1/98 كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) أَوْ (لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ) فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ، فَهُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/370 كِتَابُ الْبُيُوعِ بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْغِشِّ، سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 2/389 كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْغِشِّ فِي الْبُيُوعِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَرِهُوا الْغِشَّ وَقَالُوا: الْغِشُّ حَرَامٌ

وَتَقُولُ الْمُرْجِئَةُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 27] الْمُرَادُ بِهِ: مَنِ اتَّقَى الشِّرْكَ. وَيَقُولُونَ: الْأَعْمَالُ لَا تُحْبَطُ إِلَّا بِالْكُفْرِ، قَالَ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ 65] وَقَالَ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 5] . وَيَقُولُونَ: قَدْ قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ - جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [سُورَةُ فَاطِرٍ 32 - 33] فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ. وَلَكِنَّ هَذَا لَا أَعْرِفُ بِهِ قَائِلًا مُعَيَّنًا فَأَحْكِيهِ عَنْهُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْكِيهِ (¬1) عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ عَلَيْهِ. ¬

(¬1) ن، م، و، أ: مَنْ يَذْكُرُهُ.

وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى - لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 14 - 16] وَقَدْ يَحْتَجُّ بَعْضُ الْجُهَّالِ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 16] قَالَ: فَالْوَعِيدُ شَيْءٌ يُخَوِّفُكُمْ بِهِ. وَيَقُولُونَ: أَمَّا قَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 9] فَهَذِهِ فِي الْكُفَّارِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 8 - 9] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ - فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 25 - 28] ، فَقَدْ أَخْبَرَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّ هَؤُلَاءِ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ، أَيْ: وَسَّعَ لَهُمْ فِي الْعُمْرِ، وَكَانَ هَذَا بِسَبَبِ وَعْدِهِمْ لِلْكُفَّارِ (¬1) بِالْمُوَافَقَةِ، فَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} . وَلِهَذَا فَسَّرَ السَّلَفُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ {كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ} الَّذِينَ كَانُوا سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ. قَالَتِ الْوَعِيدِيَّةُ: اللَّهُ (¬2) - تَعَالَى - إِنَّمَا ¬

(¬1) ح، ب: وَعْدِهِمُ الْكُفَّارَ. (¬2) و: فَاللَّهُ.

وَصَفَهُمْ بِمُجَرَّدِ كَرَاهَةِ مَا نَزَّلَ اللَّهُ، وَالْكَرَاهَةُ (¬1) عَمَلُ الْقَلْبِ. وَعِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ (¬2) وَعِلْمُهُ (¬3) ، هَذَا قَوْلُ جَهْمٍ وَالصَّالِحِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَعِنْدَ فُقَهَاءِ الْمُرْجِئَةِ: هُوَ قَوْلُ اللِّسَانِ مَعَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ عِنْدَهُمْ كَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُصَدِّقًا بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ (¬4) مَعَ كَرَاهَةِ مَا نَزَّلَ (¬5) اللَّهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ هَذَا كَافِرٌ عِنْدَهُمْ. وَالْآيَةُ تَتَنَاوَلُهُ، وَإِذَا دَلَّتْ عَلَى كُفْرِهِ دَلَّتْ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ. قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ اتَّقَوُا الشِّرْكَ. فَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ ; فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ - وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ: 41 - 42] ، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [سُورَةُ الْقَمَرِ: 54] . وَقَالَ: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 1 - 4] . وَقَالَتْ مَرْيَمُ: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 18] ¬

(¬1) ب فَقَطْ: وَالْكَرَاهِيَةُ. (¬2) ح، ب: التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ. (¬3) ن، م، أ: وَعَمَلُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ح، ب: مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، أ: مُصَدِّقًا وَقَلْبُهُ. (¬5) ن، م: أَنْزَلَ.

وَلَمْ تُرِدْ بِهِ الشِّرْكَ (¬1) ، بَلْ أَرَادَتِ التَّقِيَّ الَّذِي يُتَّقَى فَلَا يُقْدِمُ (¬2) عَلَى الْفُجُورِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: 1 - 2] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 29] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 90] . وَقَالَ تَعَالَى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 186] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 18 - 19] . وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 70 - 71] فَهُمْ قَدْ آمَنُوا وَاتَّقَوُا الشِّرْكَ فَلَمْ يَكُنِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ تَرْكِ الشِّرْكِ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 102] . ¬

(¬1) عِنْدَ عِبَارَةِ وَلَمْ تُرِدْ بِهِ الشِّرْكَ تَعُودُ نُسْخَةُ (ي) بَعْدَ السَّقْطِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَشَرْتُ مِنْ قَبْلُ إِلَى أَوَّلِهِ. (¬2) ح، ب، ي، ر: أَرَادَتِ التَّقِيَّ الَّذِي لَا يُقْدِمُ، أ، و: أَرَادَتِ الَّذِي يُتَّقَى فَلَا يَتَقَدَّمُ.

أَفَيَقُولُ مُسْلِمٌ: إِنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ الَّذِينَ يَسْفِكُونَ دِمَاءَ النَّاسِ وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمُ اتَّقَوُا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُشْرِكُوا، وَإِنَّ أَهْلَ الْفَوَاحِشِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَظُلْمِ النَّاسِ اتَّقَوُا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ؟ . وَقَدْ قَالَ السَّلَفُ: ابْنُ مَسْعُودٍ (¬1) وَغَيْرُهُ: كَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ، وَمُقَاتِلٍ: " حَقَّ تُقَاتِهِ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى " (¬2) . وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي تَفْسِيرِ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ أَنْ يُجَاهِدَ الْعَبْدُ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَأَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَأَنْ يَقُومُوا لَهُ بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَآبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ (¬3) . وَفِي الْآيَةِ (¬4) أُخْرَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] وَهَذِهِ مُفَسِّرَةٌ لِتِلْكَ. وَمَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ هِيَ نَاسِخَةٌ لَهَا، فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا رَافِعَةٌ لِمَا يُظَنُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَقِّ تُقَاتِهِ: مَا يَعْجِزُ الْبَشَرُ عَنْهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِهَذَا قَطُّ. وَمَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ، فَقَدْ غَلِطَ. وَلَفْظُ النَّسْخِ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا فِيهِ نَوْعُ رَفْعٍ لِحُكْمٍ، أَوْ ظَاهِرٍ، أَوْ ظَنِّ دَلَالَةٍ حَتَّى يُسَمُّوا تَخْصِيصَ الْعَامِّ نَسْخًا (¬5) ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الِاسْتِثْنَاءَ نَسْخًا إِذَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ. ¬

(¬1) ن، م: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، أ: وَقَالَ السَّلَفُ ابْنُ مَسْعُودٍ (¬2) ن، م: وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ (¬3) أَوْرَدَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ 2/72 (¬4) ب فَقَطْ: وَفِي آيَةٍ. (¬5) عِنْد عِبَارَةِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَفِي أَسْفَلِ الصَّفْحَةِ كَلِمَةُ نَسْخًا تَنْتَهِي نُسْخَةُ (أ) كَمَا أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ.

وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 52] ، فَهَذَا رَفْعٌ لِشَيْءٍ أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يُنَزِّلْهُ اللَّهُ، لَكِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ نَسَخَهُ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ - وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 201 - 202] ، فَمَنْ كَانَ الشَّيْطَانُ لَا يَزَالُ يَمُدُّهُ فِي الْغَيِّ، وَهُوَ لَا يَتَذَكَّرُ وَلَا يُبْصِرُ، كَيْفَ يَكُونُ مِنَ الْمُتَّقِينَ؟ . وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - فِي آيَةِ الطَّلَاقِ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: 2 - 3] . وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ عَمِلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَتْهُمْ» " (¬1) وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذَا تَعَدَّى الرَّجُلُ حَدَّ اللَّهِ فِي الطَّلَاقِ يَقُولُونَ لَهُ: لَوِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ لَجَعَلَ لَكَ مَخْرَجًا وَفَرَجًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى هُنَا مُجَرَّدَ تَقْوَى الشِّرْكِ. وَمِنْ أَوَاخِرِ (¬2) ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1411 كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى، وَنَصُّهُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً وَقَالَ عُثْمَانُ: آيَةً، لَوْ أَخَذَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِهَا لَكَفَتْهُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّةَ آيَةٍ؟ قَالَ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) قَالَ الْمُعَلِّقُ: " فِي الزَّوَائِدِ: هَذَا الْحَدِيثُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، غَيْرَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَأَبُو السَّلِيلِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا ذَرٍّ، قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ ". وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَزَادَ " قَالَ: فَجَعَلَ يَتْلُوهَا وَيُرَدِّدُهَا عَلَيَّ حَتَّى نَعَسْتُ ". ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا خَرَجْتَ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ . . . الْحَدِيثَ.) (¬2) ن، م: وَمِنْ آخِرِ

مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 281] ، فَهَلِ اتِّقَاءُ ذَلِكَ هُوَ مُجَرَّدُ تَرْكِ الشِّرْكِ؟ ، وَإِنْ فَعَلَ كُلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَتَرَكَ كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؟ وَقَدْ قَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ وَمَعَ هَذَا كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَنْسُبُهُ إِلَى الْإِرْجَاءِ قَالَ: التَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَكَوْنُ الْمُتَّقِينَ هُمُ الْأَبْرَارُ الْفَاعِلُونَ (¬1) لِلْفَرَائِضِ، الْمُجْتَنِبُونَ (¬2) لِلْمَحَارِمِ، هُوَ مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَالْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي ذَلِكَ (¬3) . قَالَتِ الْمُرْجِئَةُ: أَمَّا احْتِجَاجُكُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 18] فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ تَمَامَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِقِ الْمُكَذِّبُ ; فَإِنَّهُ قَالَ: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 20] فَقَدْ وَصَفَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَهَذَا وَصْفُ الْمُكَذِّبِ لَا الْعَاصِي. وَقَالُوا مَعَ الْجُمْهُورِ لِلْخَوَارِجِ: لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ كَافِرًا لَكَانَ مُرْتَدًّا وَوَجَبَ قَتْلُهُ. وَاللَّهُ - تَعَالَى - قَدْ أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِي وَأَمَرَ بِجَلْدِ الْقَاذِفِ وَأَمَرَ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: الْفَاعِلِينَ. (¬2) ب فَقَطْ: الْمُجْتَنِبِينَ. (¬3) تَقْتَضِي ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

بِقَطْعِ السَّارِقِ (¬1) ، وَمَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَلْدِ الشَّارِبِ. فَهَذِهِ النُّصُوصُ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الزَّانِيَ وَالشَّارِبَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاذِفَ لَيْسُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ يَسْتَحِقُّونَ الْقَتْلَ، فَمَنْ جَعَلَهُمْ كُفَّارًا فَقَدْ خَالَفَ نَصَّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ. وَقَالُوا لَهُمْ وَلِلْمُعْتَزِلَةِ: قَدْ (¬2) قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9 - 10] قَالُوا: فَقَدْ سَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ مَعَ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ إِخْوَةَ الْمُصْلِحِ (¬3) بَيْنَهُمُ الَّذِي لَمْ يُقَاتِلْ. فَعُلِمَ أَنَّ الْبَغْيَ لَا يُخْرِجُ عَنِ الْإِيمَانِ وَلَا عَنْ أُخُوَّةِ الْإِيمَانِ. قَالَتِ الْمُرْجِئَةُ: وَقَوْلُهُ (¬4) : " لَيْسَ مِنَّا " أَيْ لَيْسَ مِثْلَنَا، أَوْ لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا. فَقِيلَ لَهُمْ: فَلَوْ لَمْ (¬5) يَغِشَّ وَلَمْ يَحْمِلِ السِّلَاحَ، أَكَانَ يَكُونُ مِثْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَوْ كَانَ يَكُونُ مِنْ خِيَارِهِمْ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْكَلَامِ؟ . وَقَالَتِ الْمُرْجِئَةُ: نُصُوصُ الْوَعِيدِ عَامَّةٌ، وَمِنَّا مَنْ يُنْكِرُ صِيَغَ الْعُمُومِ. ¬

(¬1) ن، م: أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ وَبِقَطْعِ السَّارِقِ. (¬2) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (و) ، (ب) . (¬3) ب فَقَطْ: لِلْمُصْلِحِ. (¬4) أَيِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬5) ح، ب: لَوْ لَمْ.

وَمَنْ أَثْبَتَهَا قَالَ: لَا يَعْلَمُ (¬1) تَنَاوُلَهَا (¬2) لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ (¬3) ، فَمَنْ لَمْ يُعَذَّبْ (¬4) لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ قَدْ شَمَلَهُ. فَقِيلَ لِلْوَاقِفَةِ مِنْهُمْ: عِنْدَكُمْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْوَعِيدُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُ نُصُوصِ الْوَعِيدِ، وَلَا تَبْقَى لَا خَاصَّةٌ وَلَا عَامَّةٌ. وَلَيْسَ مَقْصُودُنَا هُنَا اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّمْثِيلُ بِالْمُنَاظَرَاتِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ الْمُتَّبِعُونَ لِلصَّحَابَةِ، مُتَوَسِّطُونَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. لَا يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي النَّارِ، كَمَا تَقُولُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ. لِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي (¬5) الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ (¬6) وَإِخْرَاجُهُ مِنَ النَّارِ مَنْ يَخْرُجُ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ يَشْفَعُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ (¬7) . ¬

(¬1) ن، م: لَا نَعْلَمُ. (¬2) م: بِتَنَاوُلِهَا، ن: بِتَأْوِيلِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ح، م: الْعَالَمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) ح، ر: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يُعَذَّبُ. (¬5) ح، ر، ب، و: مِنَ. (¬6) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 205 (¬7) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/325 كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ فِي الشَّفَاعَةِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/45 كِتَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ، بَابٌ: رَقْمُ 11 وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/213 وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1441 كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ، وَانْظُرْ شَرْحَ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ تَحْقِيقُ شُعَيْب الْأَرْنَؤُوط 1401/1981 ص 198 - 200

[وَهَذِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّا نَقِفُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُطْلَقَةِ، بَلْ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ النَّارَ مَنْ يُدْخِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ] (¬1) ، وَنَاسٌ آخَرُونَ لَا يَدْخُلُونَهَا لِأَسْبَابٍ. لَكِنْ تَنَازَعُوا: هَلْ يَكُونُ الدَّاخِلُونَ بِسَبَبٍ اقْتَضَى ذَلِكَ، كَعِظَمِ (¬2) الذُّنُوبِ وَكَثْرَتِهَا، وَالَّذِينَ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِسَبَبٍ مَنَعَ ذَلِكَ، كَالْحَسَنَاتِ الْمُعَارِضَةِ وَنَحْوِهَا؟ وَأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِحِكْمَةٍ وَأَسْبَابٍ؟ أَمْ قَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ، فَيُعَذِّبُ الشَّخْصَ وَيَعْفُو عَمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ؟ هَذَا لَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ وَالنُّصُوصُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ تَوَافِقُ الْأَوَّلِ. وَإِنَّمَا قَدْ نَقِفُ فِي الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ ; فَلَا نَشْهَدُ لَهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ إِلَّا عَنْ عِلْمٍ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ بَاطِنِهِ وَمَا مَاتَ عَلَيْهِ لَا نُحِيطُ بِهِ، لَكِنْ نَرْجُو لِلْمُحْسِنِ وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ. وَلَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ بِالْجَنَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: مِنْهُمْ مَنْ لَا يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ جَاءَ فِيهِ نَصٌّ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَالثَّالِثُ: يَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ لِهَؤُلَاءِ وَلِمَنْ شَهِدَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» " (¬3) . وَقَالَ: " «يُوشِكُ أَنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬2) كَعِظَمِ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ صَوَابٌ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِعِظَمِ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/498 وَأَوَّلُهُ: (وَجَبَتْ)

تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ " قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ» " (¬1) فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ. وَكَانَ أَبُو ثَوْرٍ يَقُولُ: " أَشْهَدُ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي الْجَنَّةِ " وَيَحْتَجُّ بِهَذَا. وَبَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ يَتَفَاضَلُ، فَيَكُونُ إِيمَانٌ أَكْمَلَ مِنْ إِيمَانٍ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» " (¬2) فَيَقُولُونَ: قَوْلُهُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 27] أَيْ مِمَّنِ اتَّقَاهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْخُلُوَّ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَا مُجَرَّدَ الْخُلُوِّ مِنَ الشِّرْكِ، بَلْ مَنِ اتَّقَاهُ فِي عَمَلٍ قَبِلَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ أُخْرَى، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سُورَةُ هُودٍ: 114] فَلَوْ كَانَتِ الْحَسَنَةُ لَا تُقْبَلُ مِنْ صَاحِبِ السَّيِّئَةِ لَمْ تَمْحُهَا. وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ (¬3) الْمُوَازَنَةُ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَلَوْ كَانَتِ الْكَبِيرَةُ تُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ لَمْ تَبْقَ حَسَنَةٌ تُوزَنُ مَعَهَا. ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/498 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/304 كِتَابُ السُّنَّةِ بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/315 كِتَابُ الرَّضَاعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، 4/122 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابٌ فِي اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/323 كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابٌ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْمَعَارِفِ) 13/133، (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/472، 527، 6/47، 99 (¬3) الْمُتَوَاتِرَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ بَغِيًّا سَقَتْ كَلْبًا فَغَفَرَ اللَّهُ» (¬1) لَهَا بِسَقْيِهِ (¬2) . قَالُوا: وَابْنَا آدَمَ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُشْرِكًا، وَلَكِنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِالطَّيِّبِ مِنْ مَالِهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ. فَلِهَذَا لَمْ يَتَقَبَّلِ اللَّهُ قُرْبَانَهُ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 54] فَجَعَلَ هَذِهِ مَوَانِعَ قَبُولِ النَّفَقَةِ دُونَ مُطْلَقِ الذُّنُوبِ. قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ (¬3) : وَمَنْ نَفَى عَنْهُ الْإِيمَانَ فَلِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ وَاجِبَاتِهِ. وَالْعِبَادَةُ يُنْفَى اسْمُهَا بِنَفْيِ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ كَامِلَةً، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ قَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى بَعْضُهُ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ بَقِيَ مَعَهُ بَعْضُهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِبَادَاتِ فِيهَا وَاجِبٌ كَالْحَجِّ، فِيهِ وَاجِبٌ إِذَا تَرَكَهُ كَانَ حَجُّهُ نَاقِصًا، يَأْثَمُ بِمَا تَرَكَ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، بَلْ يَجْبُرُهُ بِدَمٍ، كَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَإِنْ لَمْ يَجْبُرْهُ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ. فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ يَنْقُصُ بِالذُّنُوبِ، فَإِنْ تَابَ عَادَ، وَإِلَّا بَقِيَ نَاقِصًا نَقْصًا يَأْثَمُ بِهِ. وَقَدْ يَحْرُمُ فِي الْحَجِّ أَفْعَالٌ إِذَا فَعَلَهَا ¬

(¬1) اللَّهُ: فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/173 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ. . . .) ، وَنَصُّهُ فِيهِ: (بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ) وَالْمُوقُ: الْخُفُّ. وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 4/1761 كِتَابُ السَّلَامِ، بَابُ فَضْلِ سَاقِي الْمُحْتَرِمَةِ وَإِطْعَامِهَا، وَأَوَّلُهُ فِيهِ: (إِنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا. . . إِلَخْ) " الْمُسْنَدُ " (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/507 (¬3) وَالسُّنَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) .

نَقَصَ حَجُّهُ وَلَمْ يَبْطُلْ، كَالتَّطَيُّبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ يَجْبُرُ ذَلِكَ وَلَا يُفْسِدُهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَّا الْجِمَاعُ. فَكَذَلِكَ لَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ إِلَّا الْكُفْرُ الْمَحْضُ، الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَ صَاحِبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ. قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُحْبِطُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ. وَأَمَّا مَا دُونُ ذَلِكَ فَقَدْ يُحْبِطُ بَعْضَ الْعَمَلِ، كَمَا فِي آيَةِ الْمَنِّ وَالْأَذَى ; فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ تِلْكَ الصَّدَقَةَ، لَا يُبْطِلُ سَائِرَ أَعْمَالِهِ (¬1) . وَالَّذِينَ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ كُفَّارٌ، وَأَعْمَالُ الْقُلُوبِ، مِثْلُ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَخَشْيَةِ اللَّهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّهَا مِنَ الْإِيمَانِ. وَكَرَاهَةُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ كُفْرٌ. وَأَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 22] . وَقَوْلُهُ فِي السَّابِقِ وَالْمُقْتَصِدِ وَالظَّالِمِ لِنَفْسِهِ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 23] لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ قَدْ عُذِّبَ قَبْلَ هَذَا ثُمَّ يَدْخُلُهَا. وَقَوْلُهُ: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 15] لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصِّلِيِّ نَوْعًا مِنَ التَّعْذِيبِ ; كَمَا قِيلَ: إِنَّ الَّذِي تَصْلِيهِ النَّارُ هُوَ الَّذِي تُحِيطُ بِهِ، وَأَهْلُ الْقِبْلَةِ لَا تَحْرِقُ النَّارُ مِنْهُمْ مَوَاضِعَ السُّجُودِ، أَوْ تَكُونُ نَارًا مَخْصُوصَةً. وَقَوْلُهُ: {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 16] كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى آيَةِ 264 مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) الْآيَةَ.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: " «إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ» " (¬1) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 59] وَالْآيَاتُ الَّتِي خَوَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ (¬2) تَكُونُ سَبَبًا فِي شَرٍّ يَنْزِلُ بِالنَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ وُقِيَ ذَلِكَ الشَّرَّ. وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا حَقِيقَةَ لَهُ أَصْلًا لَمْ يَخَفْ أَحَدٌ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَرَّ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا يَبْقَى التَّخْوِيفُ لِلْجَاهِلِ الْفَدْمِ (¬3) كَمَا يَفْزَعُ الصِّبْيَانُ بِالْخَيَالِ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 16] فَخَوَّفَ الْعِبَادَ مُطْلَقًا، وَأَمْرَهُمْ بِتَقْوَاهُ، لِئَلَّا يُنْزِلَ الْمُخَوِّفَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَالْإِنْذَارُ هُوَ الْإِعْلَامُ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَتِ الْمُخَوِّفَاتُ فِي الدُّنْيَا، وَعَاقَبَ اللَّهُ عَلَى الذُّنُوبِ أُمَمًا كَثِيرَةً، كَمَا قَصَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَكَمَا شُوهِدَ مِنَ الْآيَاتِ، وَأَخْبَرَ عَنْ دُخُولِ أَهْلِ النَّارِ النَّارَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 28] وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الْجَاهِلُ لَكَانَ إِنَّمَا يَخْشَاهُ مِنْ عِبَادِهِ الْجُهَّالُ الَّذِينَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/36 كِتَابُ الْكُسُوفِ بَابُ يُخَوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ، مُسْلِمٍ 2/628 كِتَابُ الْكُسُوفِ، بَابُ ذِكْرِ النِّدَاءِ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَبِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكُسُوفِ فِي كُلٍّ مِنَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُسْنَدِ وَالْمُوَطَّأِ. (¬2) عِبَادَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬3) فِي اللِّسَانِ: الْفَدْمُ مِنَ النَّاسِ: الْعَيِيُّ عَنِ الْحُجَّةِ وَالْكَلَامُ مَعَ ثِقَلٍ وَرَخَاوَةٍ وَقِلَّةِ فَهْمٍ.

يَتَخَيَّلُونَ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَهَذَا كُلُّهُ (¬1) مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ هُنَا التَّمْثِيلُ بِأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفِينَ (¬2) الَّتِي كُلُّهَا بَاطِلَةٌ. وَمِثَالُ ذَلِكَ: إِذَا تَنَازَعَ فِي الْقَدَرِ الْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ (¬3) مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَقَالُوا جَمِيعًا: إِرَادَةُ اللَّهِ هِيَ مَحَبَّتُهُ وَهِيَ رِضَاهُ (¬4) . ثُمَّ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَيَكْرَهُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، فَلَا يَكُونُ مُرِيدًا لَهُ. قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 7] وَقَوْلُهُ: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 10] ، وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 205] . وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْبِرِّ تَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ، وَالْمُسْتَحَبُّ هُوَ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ (¬5) كُلُّهُ مَكْرُوهٌ، كَرِهَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَالْكَرَاهَةُ نَوْعَانِ: كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَكَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - لَمَّا ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 38] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ ¬

(¬1) كُلُّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: التَّمْثِيلُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْمُخْتَلِفِينَ، ي: التَّمْثِيلُ وَأَقْوَالُ الْمُخْتَلِفِينَ. (¬3) ن: وَالْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ. (¬4) ب: هِيَ مَحَبَّتُهُ وَرِضَاهُ، وَ: هِيَ تَحَبُّبُهُ وَهِيَ رِضَاهُ. (¬5) عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

الْمَالِ» " (¬1) وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ» " (¬2) قَالُوا: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْعَالَمِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ لِلَّهِ، [فَلَا يَكُونُ مُرَادًا لِلَّهِ] (¬3) فَيَكُونُ فِي الْعَالَمِ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ، وَهُوَ مَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهِ أَوْ يَنْهَ عَنْهُ (¬4) . قَالُوا: وَالْأَمْرُ لَا يُعْقَلُ أَمْرًا إِلَّا بِإِرَادَةِ الْآمِرِ لِمَا أَمَرَ بِهِ مِنَ الْمَأْمُورِ، وَمَنْ قَدَّرَ أَنَّ الْآمِرَ يَطْلُبُ الْمَأْمُورَ بِهِ طَلَبًا لَا يَكُونُ إِرَادَةً وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلْإِرَادَةِ، فَهَذَا قَدِ ادَّعَى مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ، وَمَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنَ التَّمْثِيلِ بِأَمْرِ الْمُمْتَحِنِ، فَذَاكَ لَمْ يَكُنْ طَالِبًا (¬5) لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَا مُرِيدًا لَهُ فِي الْبَاطِنِ، بَلْ أَظْهَرَ أَنَّهُ مُرِيدٌ طَالِبٌ. [وَقَالُوا] (¬6) : قَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 185] . ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/159 وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/49 كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْعُطَاسِ وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّثَاؤُبِ وَلَفْظُهُ فِيهِ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ 8/50 كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ إِذَا تَثَاءَبَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/180 - 181 كِتَابُ الْأَدَبِ بَابُ مَا جَاءَ فِي خَفْضِ الصَّوْتِ وَتَخْمِيرِ الْوَجْهِ عِنْدَ الْعُطَاسِ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/31 - 33 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ، 18/151 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/571. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) ن، م: أَوْ نَهَى عَنْهُ (¬5) م: طَلَبًا. (¬6) وَقَالُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا - يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 26 - 28] . وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . فَهَذِهِ الْمُرَادَاتُ كُلُّهَا قَدْ أَمَرَ بِهَا عِبَادَهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطَاعَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَصَى، فَعُلِمَ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ مِنَ الْعِبَادِ مَا لَا يَفْعَلُونَهُ، كَمَا يَأْمُرُهُمْ (¬1) بِمَا لَا يَفْعَلُونَهُ. قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ الْجَبْرِيَّةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ: بَلْ إِرَادَتُهُ - تَعَالَى - تَتَنَاوَلُ مَا وُجِدَ دُونَ مَا لَمْ يُوجَدْ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى قَوْلِهِمْ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ إِرَادَةَ مَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَمَنٍّ. وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 27] ، فَكُلُّ مَا يَشَاؤُهُ فَقَدْ فَعَلَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 13] فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُرِدْ هُدَى كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَمَرَ بِهِ. ¬

(¬1) ح، ر، ي: كَمَا أَمَرَهُمْ

وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِضْلَالَ، كَمَا يُرِيدُ شَرْحَ الصَّدْرِ لِلْإِسْلَامِ. وَقَالَ نُوحٌ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 34] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ إِغْوَاءَ مَنْ غَوَى. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 16] ، فَكُلُّ مَا وُجِدَ مِنْ أَفْعَالِ [الْعِبَادِ] (¬1) . وَغَيْرِهَا فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ. [قَالُوا] (¬2) : وَمَا أَرَادَهُ فَقَدْ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ، وَقَوْلُهُ: {لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 205] أَيْ: مِمَّنْ لَمْ يُفْسِدْ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ دِينًا (¬3) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 7] أَيْ: مِمَّنْ لَمْ يَكْفُرْ، أَوْ لَا يَرْضَاهُ (¬4) دِينًا، كَمَا أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْإِيمَانَ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ غَيْرَ دِينٍ. قَالَ الْمُنَازِعُونَ لَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ: فَقَدْ قَالَ: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 108] . وَأُولَئِكَ مُنَافِقُونَ، وَذَاكَ الْقَوْلُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ وَاقِعٌ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ (¬5) . مَا وَقَعَ مِنَ الْمَعَاصِي لَا يَرْضَاهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} ¬

(¬1) الْعِبَادِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬2) قَالُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬3) ن: وَلَا يُحِبُّهُ. (¬4) ن: وَلَا يَرْضَاهُ. (¬5) ب فَقَطْ: أَنَّ

[سُورَةُ الزُّمَرِ: 7] : أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ يَرْضَى كُلَّ مَوْجُودٍ. وَقَوْلُكُمْ: لَا يَرْضَاهُ دِينًا، فَالرِّضَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْفِعْلِ، [لَا بِشَيْءٍ] (¬1) مَحْذُوفٍ، وَكَوْنُهُ لَا يَرْضَاهُ دِينًا عِنْدَكُمْ، مَعْنَاهُ: لَا يُرِيدُ أَنْ يُثِيبَ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِبْلِيسَ وَالشَّيَاطِينَ لَا يَرْضَوْنَهُ دِينًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، مَعَ أَنَّ إِبْلِيسَ يَرْضَى الْكُفْرَ وَيَخْتَارُهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُحِبُّ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَيُبْغِضُ مَا يُحِبُّهُ [اللَّهُ] (¬2) لِيُغْوِيَ النَّاسَ بِذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 50] وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ - وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [سُورَةُ يس: 60 - 61] . قَالُوا: وَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، وَلَا يُحِبُّ الْمَعَاصِيَ وَلَا يَرْضَاهَا. وَاحْتِجَاجُنَا بِهَذَا الْإِجْمَاعِ أَقْوَى مِنِ احْتِجَاجِكُمْ بِقَوْلِهِمْ (¬3) : " مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ " فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَقُولُونَ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ: هَذَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. ¬

(¬1) لَا بِشَيْءٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬2) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (ن) (¬3) ح، ب: بِقَوْلِ، وَ: بِقَوْلِهِ

فَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ فِي قَوْلِكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ مِنَ الْكُفْرِ [وَالْفُسُوقِ] (¬1) وَالْعِصْيَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ. قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْتَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةٍ اهْتَدَوْا بِهَا، بَلْ نِعْمَتُهُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْإِيمَانِ سَوَاءٌ، وَهَذَا خِلَافُ الشَّرْعِ [وَالْعَقْلِ] (¬2) ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 7] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 17] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 53] ، وَقَالَ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [سُورَةُ النُّورِ: 21] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 24] . وَقَالَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 128] . وَقَالَ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 35 - 36] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ التَّكْوِيرِ: 28 - 29] . ¬

(¬1) وَالْفُسُوقِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (و) : الْفِسْقِ (¬2) وَالْعَقْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ

وَقَالَ: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: 19] . [وَقَالَ] (¬1) : {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 30] . وَقَالَ: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ - وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 55 - 56] . وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَقُولَ فِي الصَّلَاةِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 6 - 7] . وَالَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: هُمُ (¬2) الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 69] . وَالْإِنْعَامُ الْمُطْلَقُ إِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى [أَنَّ] الطَّاعَةَ (¬3) الْحَاصِلَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ نِعْمَتُهُ عَلَيْهِمْ كَنِعْمَتِهِ عَلَى الْكُفَّارِ لَكَانَ الْجَمِيعُ مِنَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، أَهْلِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 7] صِفَةٌ لَا اسْتِثْنَاءٌ (¬4) ; لِأَنَّهُ خَفَضَ " غَيْرِ " كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: إِنِّي لَأَمُرُّ بِالصَّادِقِ غَيْرِ ¬

(¬1) وَقَالَ: فِي (ح) ، (ب) فَقَطْ (¬2) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) (¬3) ن: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّاعَةِ، م: فَدَلَّ ذَلِكَ إِنَّمَا الطَّاعَةُ (¬4) ن، م: صِفَةُ الِاسْتِثْنَاءِ

الْكَاذِبِ. فَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ وَالضَّالُّونَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَخْرُجُوا، بَلْ بَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُغَايِرُونَ لِأُولَئِكَ، كَمُغَايَرَةِ الصَّادِقِ لِلْكَاذِبِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 17] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ اهْتَدَى، وَلَوْ هَدَى الْكَافِرَ كَمَا هَدَى الْمُؤْمِنَ لَاهْتَدَى. وَقَالَ الْخَلِيلُ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 40 - 41] فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُهُ مُقِيمَ الصَّلَاةِ. [وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} ] (¬1) [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 73] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 41] فَهُوَ الَّذِي جَعَلَ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةَ هُدًى وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةَ ضَلَالٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 159] فَبَيَّنَ أَنَّ لِينَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 43] . وَقَالَ - تَعَالَى - لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 87 - 90] فَأَخْبَرَ: أَنَّهُ يَخُصُّ بِهَذَا الْهُدَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَخْبَرَ: أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ خَصَّ بِهَذَا الْهُدَى مَنِ اهْتَدَى بِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ بِهِ (¬1) ، وَدَلَّ عَلَى تَخْصِيصِ الْمُهْتَدِينَ بِأَنَّهُ هَدَاهُمْ وَلَمْ يَهْدِ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ. وَالْهُدَى يَكُونُ بِمَعْنَى الْبَيَانِ وَالدَّعْوَةِ، وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ. كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 17] . وَيَكُونُ بِمَعْنَى جَعَلَهُ (¬2) مُهْتَدِيًا، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ بِقَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 7] ، وَبِقَوْلِهِ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 2] . وَذَلِكَ أَنَّ هَدَى بِمَعْنَى دَلَّ وَأَرْشَدَ قَدْ يَكُونُ بِالْقُوَّةِ، فَهَذَا مُشْتَرَكٌ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ فَهَذَا مُخْتَصٌّ. كَمَا تَقُولُ (¬3) : عَلَّمْتُهُ فَتَعَلَّمَ، وَعَلَّمْتُهُ فَمَا تَعَلَّمَ. وَكَذَلِكَ: هَدَيْتُهُ فَاهْتَدَى، وَهَدَيْتُهُ فَمَا اهْتَدَى، فَالْأَوَّلُ مُخْتَصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَالثَّانِي مُشْتَرَكٌ. وَلَيْسَ تَعْلِيمُهُ وَهُدَاهُ كَتَعْلِيمِ الْبَشَرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ، وَالْمُتَعَلِّمُ يَتَعَلَّمُ بِأَسْبَابٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْمُعَلِّمُ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الْعِلْمَ فِي قُلُوبِ (¬4) مَنْ عَلَّمَهُ. وَلِهَذَا يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ فَيُقَالُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْبَشَرِ (¬5) ; فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ. ¬

(¬1) وَ: مَنْ هَدَى بِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَهْدِهِ. (¬2) ن، م: جَعَلْتُهُ (¬3) ن، م: وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِقَوْلِهِ. . (¬4) ح، ب، ي: فِي قَلْبِ (¬5) ن، م: لِبَشَرٍ

وَيَطْلُبُ الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُفَهِّمَهُ وَيُعَلِّمَهُ (¬1) وَيَشْرَحَ صَدْرَهُ، وَأَنْ يُحَبِّبَ إِلَيْهِ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَلَا يَطْلُبُ هَذَا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 22] . وَقَالَ: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] . وَقَالَ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 79] ، فَخَصَّ سُلَيْمَانَ بِالتَّفْهِيمِ مَعَ أَنَّهُمَا كَانَا حَاكِمَيْنِ، لَمْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِعِلْمٍ ظَاهِرٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [سُورَةُ الشَّمْسِ: 7 - 8] . «وَكَانَتْ أَكْثَرُ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبَ» " (¬2) . وَقَالَ: " «مَا مِنْ قَلْبٍ مِنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبِعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ ¬

(¬1) ح، ب: أَنْ يُعَلِّمَهُ وَيُفَهِّمَهُ (¬2) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ 8/128 - 129 كِتَابُ الْأَيْمَانِ بَابُ كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 9/118 كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/48 كِتَابُ النُّذُورِ، بَابُ كَيْفَ كَانَ يَمِينُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/3، كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بَابُ الْحَلِفِ بِمُصَرِّفِ الْقُلُوبِ، فِي مَوْضِعَيْنِ، سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ 1/676 (كِتَابُ الْكَفَّارَاتِ، بَابُ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي كَانَ يَحْلِفُ بِهَا) ، سُنَنُ الدَّارِمِيِّ 2/187 كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ، بَابُ بِأَيِّ أَسْمَاءِ اللَّهِ حَلَفْتَ لَزِمَكَ، الْمُوَطَّأِ 2/480 كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ، بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْمَعَارِفِ) 7/17، 215

الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ» " (¬1) . وَ [قَدْ] قَالَ [تَعَالَى] فِي دُعَاءِ (¬2) الْمُؤْمِنِينَ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 8] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 39] . وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [سُورَةُ يُونُسَ: 99] . وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سُورَةُ هُودٍ: 118] . وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] . وَقَالَ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 13] . وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 112] . وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 107] . وَقَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ - وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} ¬

(¬1) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/72 الْمُقَدِّمَةُ بَابٌ فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ، وَفِي التَّعْلِيقِ: فِي الزَّوَائِدِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/182 وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي تَخْرِيجِ كِتَابِ السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ 1/98 - 99 ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ 1400/1980 وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ. (¬2) ن: وَقَالَ فِي دُعَاءِ. .

[سُورَةُ يس: 8 - 9] . وَالْآيَاتُ وَالنُّصُوصُ الْمُثْبِتَةُ لِلْقَدَرِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ النَّافِيَةِ، فَصَارَ مَعَ هَؤُلَاءِ نُصُوصٌ يَقُولُونَ بِهَا، وَمَعَ هَؤُلَاءِ نُصُوصٌ. وَكُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ يَتَأَوَّلُ نُصُوصَ الْأُخْرَى بِتَأْوِيلَاتٍ فَاسِدَةٍ، وَيُضَمُّ إِلَى النُّصُوصِ الَّتِي يَحْتَجُّ (¬1) بِهَا أُمُورٌ لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا النُّصُوصُ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ] وَعُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَآمَنُوا (¬2) بِالْكِتَابِ كُلِّهِ، وَلَمْ يُحَرِّفُوا شَيْئًا مِنَ النُّصُوصِ، وَقَالُوا: نَحْنُ نَقُولُ: " مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ " وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ، فَكُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ لَهُ (¬3) ، حَادِثٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَشَاؤُهُ وَيَخْلُقُهُ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ اللَّهَ عَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ وَيُكَوِّنَهُ، فَإِنَّ الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]] (¬4) [سُورَةُ فَاطِرٍ: 2] . وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيَنْهَى عَنِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَيُحِبُّ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَرْضَاهُ، وَيَكْرَهُ مَا نَهَى عَنْهُ ¬

(¬1) ن، م: الَّتِي احْتَجَّ. (¬2) ن، م: وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَآمَنُوا. (¬3) ن، م: فَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ لَهُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) .

وَيُسْخِطُهُ، وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ. قَالُوا: وَلَيْسَ كُلُّ مَا أَمَرَ الْعِبَادَ بِهِ وَأَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ، أَرَادَ هُوَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَهُمْ وَيُعِينَهُمْ عَلَيْهِ، بَلْ إِعَانَتُهُ عَلَى الطَّاعَةِ لِمَنْ أَمَرَهُ بِهَا فَضْلٌ مِنْهُ كَسَائِرِ النِّعَمِ، وَهُوَ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ. وَالطَّائِفَتَانِ غَلِطُوا مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ [لَمْ] (¬1) يُمَيِّزُوا بَيْنَ إِرَادَتِهِ لِمَا يَخْلُقُهُ فِي عِبَادِهِ، وَإِرَادَتُهُ لِمَا يَأْمُرُ بِهِ عِبَادَهُ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 54] ، فَالرَّبُّ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ مَا خَلَقَهُ فَبِإِرَادَتِهِ خَلَقَهُ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَمَا لَمْ يَكُنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَمَا كَانَ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ [أَنْ يَخْلُقَ] (¬2) إِلَّا مَا سَبَقَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ سَيَخْلُقُهُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ يُطَابِقُ الْمَعْلُومَ. وَقَدْ أَمَرَ الْعِبَادَ (¬3) بِالْحَسَنَاتِ الَّتِي تَنْفَعُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنِ السَّيِّئَاتِ الَّتِي تَضُرُّهُمْ. وَالْحَسَنَاتُ مَحْبُوبَةٌ لِلَّهِ مَرْضِيَّةٌ (¬4) وَالسَّيِّئَاتُ مَكْرُوهَةٌ لَهُ يَسْخَطُهَا وَيَسْخَطُ عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مَخْلُوقًا لَهُ، فَإِنَّهُ خَلَقَ جِبْرِيلَ وَإِبْلِيسَ، وَهُوَ يُحِبُّ جِبْرِيلَ وَيُبْغِضُ إِبْلِيسَ، وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، وَخَلَقَ الظِّلَّ وَالْحَرُورَ، وَخَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، وَ [خَلَقَ] الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَ [خَلَقَ] الْأَعْمَى (¬5) وَالْبَصِيرَ. ¬

(¬1) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) أَنْ يَخْلُقَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) ن، م: عِبَادَهُ. (¬4) ح، ب: مَحْبُوبَةٌ مَرْضِيَّةٌ لِلَّهِ. (¬5) ن، م: وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْأَعْمَى. .

وَقَدْ قَالَ: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 20] . وَقَالَ: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ - وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ - وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ - وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 19 - 22] . وَقَالَ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ - مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْقَلَمِ: 35 - 36] . وَقَالَ: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [سُورَةُ ص: 28] . وَقَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 21] . وَقَدْ خَلَقَ الطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثَ، وَلَيْسَ (¬1) الطَّيِّبَاتُ كَالْخَبَائِثِ، وَلَا الْفَوَاكِهُ وَالْحُبُوبُ كَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ، وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ، وَهُوَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَهُوَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، وَجَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا خَلَقَهُ يَصْعَدُ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ [طَيِّبًا] (¬2) مَحْبُوبًا لَهُ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ، بَلْ إِنَّمَا يُسْكِنُ فِي جَنَّتِهِ مَنْ يُنَاسِبُهَا وَيَصْلُحُ لَهَا، وَكَذَلِكَ النَّارُ. قَالَ تَعَالَى: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 73] . ¬

(¬1) ب فَقَطْ: وَلَيْسَتِ. (¬2) طَيِّبًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ إِذَا عَبَرَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الصِّرَاطَ، وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ (¬1) مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا بَعْدَ التَّهْذِيبِ وَالتَّنْقِيَةِ (¬2) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 73] . وَلَمَّا قَالَ إِبْلِيسُ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ - قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 12 - 13] ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ فِي الْجَنَّةِ أَنْ يَتَكَبَّرَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ " (¬3) قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا (¬4) أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ؟ قَالَ: " لَا. إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ ¬

(¬1) ح، ب: لِبَعْضٍ، م: بَعْضُهُمْ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/128 (كِتَابُ الْمَظَالِمِ وَالْغَصَبِ، بَابُ قِصَاصِ الْمَظَالِمِ. وَنَصُّهُ: " إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي: الْبُخَارِيِّ 8/111 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ الْقِصَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/13، 57، 63، 74. (¬3) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 205 (¬4) ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا، كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: نَعْلُهُ حَسَنًا وَثَوْبُهُ حَسَنًا.

الْجَمَالَ. الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» " (¬1) وَقَوْلُهُ: " «جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» " أَيْ: يُحِبُّ أَنْ يَتَجَمَّلَ الْعَبْدُ لَهُ وَيَتَزَيَّنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 31] . وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَبْدُ لَهُ عُرْيَانًا، بَلْ يَكْرَهُ - سُبْحَانَهُ - أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ لَهُ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» " (¬2) . وَلِهَذَا [لَمَّا] (¬3) كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِهَذَا، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 28] . فَتَحْسِينُ النَّعْلِ وَالثَّوْبِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ هُوَ مِنَ التَّجَمُّلِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَلَوْ تَزَيَّنَ [بِهِ] (¬4) لِمَعْصِيَةٍ (¬5) لَمْ يُحِبَّ ذَلِكَ. وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ يَظْهَرُ نُورُ الْإِيمَانِ عَلَى وَجْهِهِ، وَيُكْسَى مَحَبَّةً وَمَهَابَةً، وَالْمُنَافِقُ ¬

(¬1) جَمَعَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَهَذَا الْحَدِيثِ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فِيهَا قِطْعَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَقَطْ، هِيَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/161. (¬2) الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ الْحَائِضِ إِلَّا بِخِمَارٍ) عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/234 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ الْحَائِضِ إِلَّا بِخِمَارٍ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ "، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ " فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/213 - 214 كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ إِذَا حَاضَتِ الْجَارِيَةُ لَمْ تُصَلِّ إِلَّا بِخِمَارٍ. وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/218، 259 (¬3) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ، وَفِي (و) : وَلَوْ تَجَمَّلَ بِهِ. (¬5) ح، ر، ي: لِمَعْصِيَتِهِ، ب: لِمَعْصِيَةٍ لَهُ.

بِالْعَكْسِ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الْمُجَرَّدَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَسَنَةً مُشْتَهَاةً، كَشَهْوَةِ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ لِلرِّجَالِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُشْتَهَاةً، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا أَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» " (¬1) ، وَيُقَالُ: وَلَا إِلَى لِبَاسِكُمْ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا - وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 73 - 74] ، وَالْأَثَاثُ: اللِّبَاسُ وَالْمَالُ. وَالرِّئْيُ: الْمَنْظَرُ وَالصُّورَةُ. وَقَالَ - تَعَالَى -[عَنِ الْمُنَافِقِينَ] (¬2) : {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 4] ، فَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمْ أَجْسَامًا وَمَنَاظِرَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ ابْنُ أُبَيٍّ جَسِيمًا، فَصِيحًا، طَلْقَ (¬3) اللِّسَانِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِحُسْنِ الصُّورَةِ وَإِبَانَةِ الْمَنْطِقِ، ثُمَّ أَبَانَ أَنَّهُمْ فِي عَدَمِ الْفَهْمِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِمَنْزِلَةِ الْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ الْمُمَالَةِ إِلَى الْجِدَارِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَشْجَارٍ تُثْمِرُ (¬4) ، [بَلْ هِيَ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ إِلَى ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/1987 (كِتَابُ الْبِرِّ، بَابُ تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1388، كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ الْقَنَاعَةِ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْمَعَارِفِ) 14/277 رَقْمُ 7814 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/539 (¬2) عَنِ الْمُنَافِقِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) و: ذلق (¬4) م: مُثْمِرَةٍ، و: وَثَمَرٍ.

حَائِطٍ] (¬1) ، ثُمَّ عَابَهُمْ بِالْجُبْنِ فَقَالَ: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أَيْ: لَا يَسْمَعُونَ صَوْتًا إِلَّا ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ أُتُوا، لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ أَنْ يَكْشِفَ اللَّهُ أَسْرَارَهُمْ. فَصَاحِبُ الصُّورَةِ الْجَمِيلَةِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ، كَانَ اللَّهُ يُبْغِضُهُ وَلَا يُحِبُّهُ لِجَمَالِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُورَتِهِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قَلْبِهِ وَعَمَلِهِ. وَيُوسُفُ الصِّدِّيقُ، وَإِنْ كَانَ أَجْمَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَفِي الصَّحِيحِ: " «أَنَّهُ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ» " (¬2) ، فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، بَلْ غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، كَإِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ، وَإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٍ، - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَيُوسُفُ، وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ أَجْمَلَ، فَإِنَّ إِيمَانَ هَؤُلَاءِ وَأَعْمَالَهُمْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانِهِ وَعَمَلِهِ، وَهَؤُلَاءِ أُوذُوا عَلَى نَفْسِ الْإِيمَانِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، فَكَانَ الَّذِينَ عَادُوهُمْ مُعَادِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَانَ صَبْرُهُمْ صَبْرًا عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ر) . (¬2) فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ 1/145 - 147 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَفْظِ: أُعْطِيَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَطْرَ الْحُسْنِ. فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/286 الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 2/570 وَقَالَ: يُوسُفُ وَأُمُّهُ شَطْرُ الْحُسْنِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْحَدِيثِ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ 3/470 وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

وَطَاعَتِهِ، وَهَكَذَا سَائِرُ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ. وَيُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا آذَاهُ إِخْوَتُهُ لِتَقْرِيبِ أَبِيهِ لَهُ، حَسَدًا عَلَى حَظٍّ مِنْ حُظُوظِ الْأَنْفُسِ، لَا عَلَى دِينٍ. وَلِهَذَا كَانَ صَبْرُهُ عَلَى الَّتِي رَاوَدَتْهُ، وَحَبْسِ الَّذِينَ حَبَسُوهُ عَلَى ذَلِكَ، أَفْضَلَ لَهُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى أَذَى إِخْوَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا صَبْرٌ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى لَا يَفْعَلَ الْمُحَرَّمَ، وَذَلِكَ صَبْرٌ عَلَى أَذَى الْغَيْرِ الْحَاصِلِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَهَذَا مِنْ جِنْسِ صَبْرِ الْمُصَابِ عَلَى مُصِيبَتِهِ، وَذَاكَ مِنْ جِنْسِ صَبْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الَّذِينَ يَأْمُرُونَهُ بِالْمَعَاصِي، وَيَدْعُونَهُ إِلَيْهَا فَيَصْبِرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَيَغْلِبُ هَوَاهُ وَشَهْوَتَهُ، وَهَذَا أَفْضَلُ. فَأَمَّا صَبْرُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَنَبِيِّنَا - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ، وَعَدَاوَتِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَذَاكَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا (¬1) كُلِّهِ، كَمَا أَنَّ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ تَرْكِ الزِّنَا، وَكَمَا أَنَّ [تِلْكَ] (¬2) الطَّاعَاتِ أَعْظَمُ، فَالصَّبْرُ عَلَيْهَا وَعَلَى مُعَادَاةِ أَهْلِهَا أَعْظَمُ. وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يَطْلُبُونَ قَتْلَ مَنْ يُؤْمِنُ وَإِهْلَاكَهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، لَا يُحِبُّونَ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلًا، بِخِلَافِ يُوسُفَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا ابْتُلِيَ بِالْحَبْسِ (¬3) ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُحِبُّهُ فَلَمْ تُعَاقِبْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 3] ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَصَصُ مَصْدَرَ قَصَّ يَقُصُّ قَصَصًا، أَوْ كَانَ مَفْعُولًا: أَيْ أَحْسَنَ ¬

(¬1) ن، م: ذَلِكَ. (¬2) تِلْكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن: بِالْحُسْنِ.

الْمَقْصُوصِ، فَذَاكَ لَا يَخْتَصُّ بِقِصَّةِ يُوسُفَ، بَلْ قِصَّةُ مُوسَى أَعْظَمُ مِنْهَا قَدْرًا وَأَحْسَنُ، وَلِهَذَا [كَرَّرَ] (¬1) ذِكْرَهَا فِي الْقُرْآنِ وَبَسْطَهَا، قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 25] وَلِهَذَا قَالَ: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 3] وَقَدْ قُرِئَ: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} بِالْكَسْرِ، وَلَا تَخْتَصُّ بِقِصَّةِ يُوسُفَ، بَلْ كُلُّ مَا قَصَّهُ اللَّهُ فَهُوَ أَحْسَنُ الْقَصَصِ، فَهُوَ أَحْسَنُ مَقْصُوصٍ، وَقَدْ قَصَّهُ اللَّهُ أَحْسَنَ قَصَصٍ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» " قَالَهُ جَوَابًا لِلسَّائِلِ فِي بَيَانِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ وَمَا يَكْرَهُهُ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ» " (¬2) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْكِبْرَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ الدَّاخِلِ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَأْمُورٌ بِضِدِّهِ، فَخَافَ السَّائِلُ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَجَمَّلُ بِهِ (¬3) الْإِنْسَانُ، فَيَكُونُ أَجْمَلُ بِهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْمَلْ مِثْلَهُ مِنَ الْكِبْرِ الْمَذْمُومِ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا [وَنَعْلِي حَسَنًا] (¬4) ، أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ؟ وَحُسْنُ ثَوْبِهِ وَنَعْلِهِ هُوَ مِمَّا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَقَصْدِهِ، لَيْسَ هُوَ شَيْئًا مَخْلُوقًا فِيهِ بِغَيْرِ كَسْبِهِ كَصُورَتِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» " فَفَرَّقَ بَيْنَ الْكِبْرِ الَّذِي يَمْقُتُهُ اللَّهُ، وَبَيْنَ الْجَمَالِ ¬

(¬1) كَرَّرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) أَكْثَرَ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 314 (¬3) ن: مَا يَتَحَلَّى بِهِ. (¬4) وَنَعْلِي حَسَنًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ شَخْصًا أَعْظَمَ مِنْ شَخْصٍ، وَأَكْبَرَ مِنْهُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ: إِمَّا فِي جِسْمِهِ، وَإِمَّا فِي قُوَّتِهِ، وَ [إِمَّا فِي] عَقْلِهِ (¬1) ، وَذَكَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مُبْغَضًا، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ، بَلْ هَذَا خُلِقَ فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ هُوَ مُتَكَبِّرًا عَلَى غَيْرِهِ، بِذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَيَكُونُ هَذَا مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي يَمْقُتُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ لِإِبْلِيسَ: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 13] . كَذَلِكَ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ حَسَنَ اللَّوْنِ مُعْتَدِلَ الْقَامَةِ جَمِيلَ الصُّورَةِ، فَهَذَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ أَوْ يُذَمُّ، أَوْ يُثَابُ (¬2) أَوْ يُعَاقَبُ (¬3) وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ أَوْ يُبْغِضُهُ [عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَسْوَدَ أَوْ قَصِيرًا، أَوْ طَوِيلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ أَوْ يُذَمُّ، وَيُثَابُ أَوْ يُعَاقَبُ (¬4) ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ أَوْ يُبْغِضُهُ] (¬5) ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ إِلَّا بِالتَّقْوَى» " (¬6) . وَلِهَذَا [لَمَّا] (¬7) كَانَ الْمُنَافِقُونَ لَهُمْ جَمَالٌ فِي الصُّورَةِ] وَلَيْسَ فِي ¬

(¬1) ن، م: قُوَّتِهِ وَعَقْلِهِ. (¬2) ب فَقَطْ: وَيُثَابُ. (¬3) ن، م، ر، ي: وَيُعَاقَبُ. (¬4) ي، و، ر: وَيُذَمُّ وَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/606 (¬7) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

قُلُوبِهِمْ إِيمَانٌ، شَبَّهَهُمُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بِالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ الْيَابِسَةِ الَّتِي لَا تُثْمِرُ، فَالْخَشَبَةُ [الْيَابِسَةُ] إِذَا كَانَتْ [لَا ثَمَرَ فِيهَا] لَا تُمْدَحُ (¬1) وَلَوْ كَانَتْ عَظِيمَةً، وَهَكَذَا الصُّورَةُ مَعَ الْقَلْبِ (¬2) ، نَعَمْ قَدْ تَكُونُ الصُّورَةُ عَوْنًا عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، [كَمَا تَكُونُ الْقُوَّةُ] وَالْمَالُ (¬3) وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَيُحْمَدُ صَاحِبُهَا إِذَا اسْتَعَانَ بِهَا (¬4) فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَعَفَّ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَيَكُونُ حِينَئِذٍ فِيهِ الْجَمَالُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ أَسْوَدَ، وَفَعَلَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنَ الْجَمَالِ كَانَ أَيْضًا فِيهِ الْجَمَالُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهُوَ الَّذِي يُثَابُ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْن مُطْلَقِ الْإِرَادَةِ وَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ مَوْجُودٌ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، فَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ بَغِيضٌ إِلَيْهِ مَكْرُوهٌ لَهُ ; يُرِيدُهُ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى مَا هُوَ مَحْبُوبٌ لَهُ، كَمَا يُرِيدُ الْمَرِيضُ تَنَاوُلَ (¬5) الدَّوَاءَ الَّذِي يَكْرَهُهُ وَيَتَأَلَّمُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى مَا يُحِبُّهُ مِنَ الْعَافِيَةِ، وَإِلَى زَوَالِ مَا هُوَ أَبْغَضُ إِلَيْهِ مِنَ الْآلَامِ (¬6) . والْجَهْمِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ إِنَّمَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يَشَاؤُهُ وَمَا يُحِبُّهُ ; لِأَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ لِلَّهِ مَحَبَّةً لِبَعْضِ الْأُمُورِ الْمَخْلُوقَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَفَرَحًا بِتَوْبَةِ التَّائِبِ. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا: الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، فَضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ ¬

(¬1) ن: فَالْخَشَبَةُ إِذَا كَانَتْ لَا تُمْدَحُ. (¬2) وَ: الصُّوَرُ مَعَ الْقُلُوبِ. (¬3) ن، م: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْمَالُ. (¬4) ن، م: إِذَا اشْتَغَلَ بِهَا. (¬5) و: بِتَنَاوُلِهِ. (¬6) ح، ب: مِنَ الْأَلَمِ.

عَبْدِ اللَّهِ [الْقَسْرِيُّ] (¬1) وَقَالَ: " ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ فَإِنِّي (¬2) مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَلَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (¬3) ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ [بْنُ دِرْهَمٍ] (¬4) عُلُوًّا كَبِيرًا " ثُمَّ نَزَلَ [عَنِ الْمِنْبَرِ] (¬5) فَذَبَحَهُ (¬6) ، فَإِنَّهُ الْخُلَّةُ مِنْ تَوَابِعِ الْمَحَبَّةِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَصْلِهِ: أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ وَلَا يُحَبُّ، لَمْ يَكُنْ لِلْخُلَّةِ عِنْدَهُ مَعْنًى (¬7) ، وَالرُّسُلُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - إِنَّمَا جَاءُوا بِإِثْبَاتِ هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمَخْلُوقَةِ (¬8) وَيَرْضَاهَا (¬9) ، وَيَسْخَطُ بَعْضَ الْأُمُورِ وَيَمْقُتُهَا، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُرْضِيهِ [تَارَةً] (¬10) وَتُسْخِطُهُ أُخْرَى. قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 28] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18] . وَقَالَ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 55] . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَغْضَبُونَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْأَسَفُ الْغَضَبُ، [يُقَالُ: أَسِفْتُ ¬

(¬1) الْقَسْرِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) ن: يَقْبَلُ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ فَإِنِّي، و: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ فَإِنِّي. (¬3) ن، م، و: لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا. (¬4) بْنُ دِرْهَمٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (و) . (¬5) عَنِ الْمِنْبَرِ: فِي (ح) ، (ر) ، (ب) فَقَطْ. (¬6) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ وَعَلَى هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فِيمَا مَضَى 1/309 (¬7) ن: لِلْخُلَّةِ لَهُ مَعْنًى. (¬8) و: وَيَرْضَى بِهَا. (¬9) ن، م: الْمُخْتَلِفَةِ. (¬10) تَارَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

أَسَفًا، أَيْ: غَضِبْتُ] (¬1) . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 93] . وَ [قَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬2) مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ (¬3) مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا، فَقَالَ (¬4) تَحْتَ شَجَرَةٍ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ، فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا هُوَ بِدَابَّتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ. فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ» " (¬5) . وَالْفَرَحُ إِنَّمَا يَكُونُ بِحُصُولِ الْمَحْبُوبِ، وَالْمُذْنِبُ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ مِنْ مَوْلَاهُ الْفَارِّ مِنْهُ، فَإِذَا تَابَ فَهُوَ كَالْعَائِدِ إِلَى مَوْلَاهُ وَإِلَى طَاعَتِهِ. وَهَذَا الْمَثَلُ (¬6) الَّذِي ضَرَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَفَرَحِهِ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ، وَمِنْ كَرَاهَتِهِ لِمَعَاصِيهِ، مَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ التَّمْثِيلِ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَقَدَ الدَّابَّةَ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ (¬7) ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ عِنْدَهُ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ مِنَ التَّأَذِّي، مِنْ جِهَةِ فَقْدِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْمَرْكَبِ، وَكَوْنِ الْأَرْضُ مَفَازَةً لَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهَا، وَإِذَا طَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا يَئِسَ وَاطْمَأَنَّ إِلَى الْمَوْتِ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَهَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْفَرَحِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِوُجُودٍ (¬8) مَا يُحِبُّهُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬3) ب فَقَطْ: دَاوِيَةٍ. (¬4) ب: فَنَامَ، م: فَمَالَ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/430 (¬6) و: لَكِنَّ هَذَا الْمَثَلَ. (¬7) و: وَشَرَابُهُ فِي الْهَلَكَةِ. (¬8) و: بِوُجُودِهِ.

وَيَرْضَاهُ، بَعْدَ الْفَقْدِ الْمُنَافِي لِذَلِكَ. وَهَذَا يُبَيِّنُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلتَّوْبَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمِنْ كَرَاهَتِهِ لِخِلَافِ ذَلِكَ، مَا يَرُدُّ عَلَى مُنْكِرِي الْفَرْقِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، فَإِنَّ الطَّائِفَتَيْنِ تَجْعَلُ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءً. [ثُمَّ] (¬1) الْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: هُوَ يَقْصِدُ نَفْعَ الْعَبْدِ لِكَوْنِ ذَلِكَ حَسَنًا، وَلَا يَقْصِدُ الظُّلْمَ لِكَوْنِهِ قَبِيحًا، والْجَهْمِيَّةُ يَقُولُونَ: إِذَا كَانَ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَيْءٌ حَسَنٌ وَشَيْءٌ قَبِيحٌ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى أُمُورٍ إِضَافِيَّةٍ لِلْعِبَادِ. فَالْحُسْنُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَبْدِ مَا يُلَائِمُهُ وَمَا تَرَتَّبَ (¬2) عَلَيْهِ ثَوَابٌ يُلَائِمُهُ، وَالْقَبِيحُ (¬3) بِالْعَكْسِ، وَمِنْ هُنَا جَعَلُوا الْمَحَبَّةَ وَالْإِرَادَةَ سَوَاءً، فَلَوْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يُحِبُّ وَيَفْرَحُ بِحُصُولِ مَحْبُوبِهِ - كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ - تَبَيَّنَ لَهُمْ حِكْمَتُهُ، وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ لِحِكْمَةٍ. فَإِنَّ الْجَهْمِيَّةَ قَالُوا: إِذَا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءً، امْتَنَعَ أَنْ يَفْعَلَ لِحِكْمَةٍ، [وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا: يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ] (¬4) تَعُودُ إِلَى الْعِبَادِ. فَقَالَتْ لَهُمُ الْجَهْمِيَّةُ: [تِلْكَ الْحِكْمَةُ] (¬5) يَعُودُ إِلَيْهِ مِنْهَا حُكْمٌ (¬6) أَوْ لَا يَعُودُ؟ فَالْأَوَّلُ (¬7) خِلَافُ الْأَصْلِ الَّذِي أَصَّلْتُمُوهُ (¬8) . وَالثَّانِي مُمْتَنِعٌ، فَيَمْتَنِعُ أَنَّ أَحَدًا يَخْتَارُ الْحَسَنَ عَلَى ¬

(¬1) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب: وَمَا يَتَرَتَّبُ. (¬3) و: وَالْقُبْحُ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬5) تِلْكَ الْحِكْمَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) و: حِكْمَةٌ. (¬7) فَالْأَوَّلُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَالْأَوَّلُ. (¬8) و: أَصَّلُوهُ.

الْقَبِيحِ (¬1) إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ فِعْلِ الْحَسَنِ مَعْنًى يَعُودُ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ فِعْلُ الْحَسَنِ يُنَاسِبُهُ، بِخِلَافِ الْقَبِيحِ. فَإِذَا قُدِّرَ نَفْيُ ذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَفْعَلَ لِحِكْمَةٍ. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ مَحْبُوبًا لِذَاتِهِ هُوَ (¬2) أَصْلُ دِينِ الرُّسُلِ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ دَعَوْا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَالْإِلَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِتَعْظِيمٍ وَمَحَبَّةٍ، وَإِلَّا فَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ لِعِوَضٍ (¬3) يُعْطِيهِ إِيَّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُحِبُّهُ، لَمْ يَكُنْ عَابِدًا [لَهُ] (¬4) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 165] ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْفُونَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ وَيُحَبُّ آخِرُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُ (¬5) لَا يَبْقَى عِنْدَهُمْ فَرْقٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ، وَلَا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَلَا بَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ، وَلَا بَيْنَ بُيُوتِهِ الَّتِي هِيَ الْمَسَاجِدُ وَبَيْنَ الْحَانَاتِ وَمَوَاضِعِ الشِّرْكِ. وَغَايَةُ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْفَرْقِ أَنَّ هَذَا عَلَمٌ عَلَى لَذَّةٍ تَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ، وَهَذَا عَلَمٌ عَلَى أَلَمٍ يَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ (¬6) ، فَإِنْ كَانُوا (¬7) مِنَ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ ¬

(¬1) و، م: الْقُبْحَ. (¬2) ح، ب: وَهُوَ. (¬3) ح: لِعَرَضٍ. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) عِبَارَةٌ " آخِرُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) . (¬6) ن، م، ر، ي: يَحْصُلُ لَهُ، وَسَقَطَتْ " لِلْإِنْسَانِ " مِنْ (و) . (¬7) ح، ر، ب: فَإِنْ كَانَ.

يَجْعَلُونَ الْكَمَالَ فِي فَنَاءِ الْعَبْدِ عَنْ حُظُوظِهِ، دَخَلُوا فِي مَقَامِ الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ: (¬1) الْعَارِفُ لَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً وَلَا يَسْتَقْبِحُ سَيِّئَةً. وَيَجْعَلُونَ (¬2) هَذَا غَايَةَ الْعِرْفَانِ، فَيَبْقَى عِنْدَهُمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ، وَلَا بَيْنَ الْإِيمَانِ (¬3) وَالْكُفْرِ بِهِ، وَلَا بَيْنَ حَمْدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَعِبَادَتِهِ، وَبَيْنَ سَبِّهِ وَشَتْمِهِ، وَجَعْلِهِ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ، وَلَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ (¬4) ، وَلَا بَيْنَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ (¬5) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَا ثَمَّ إِلَّا مَا هُوَ حَظٌّ لِلْعَبْدِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ صَارُوا مُسَخَّرِينَ فِي الْعِبَادَاتِ مُسْتَثْقِلِينَ لَهَا (¬6) ، وَفِي قُلُوبِهِمْ مَرْتَعٌ لِلشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهُمْ: لِمَ لَا يُنْعِمُ بِالثَّوَابِ بِدُونِ هَذَا التَّكْلِيفِ (¬7) ؟ فَإِذَا أَجَابُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَنَّ هَذَا أَلَذُّ (¬8) كَانَ هَذَا (¬9) مِنْ أَبْرَدِ الْأَجْوِبَةِ وَأَسْمَجِهَا (¬10) . ¬

(¬1) و: الَّذِي فِيهِ يَقُولُونَ، ح، ب، م: الَّذِينَ يَقُولُونَ فِيهِ. (¬2) ح، ر: وَيَجْعَلُ. (¬3) ن، و: وَبَيْنَ الْإِيمَانِ بِهِ. (¬4) ن، م: وَلَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي جَهْلٍ، و: وَلَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ. (¬5) ن، م: عَلَى هَذَا. (¬6) ن، م: مُسْتَقِلِّينَ لَهَا. (¬7) ح، ر، ي: التَّكَلُّفِ. (¬8) ح: بِأَنَّ هَذَا الَّذِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) بَعْدَ عِبَارَةِ " كَانَ هَذَا " تُوجَدُ وَرَقَةٌ نَاقِصَةٌ فِي مُصَوَّرَةٍ (م) وَسَأُشِيرُ إِلَى بِدَايَةِ الْكَلَامِ الْمَوْجُودِ فِيهَا عِنْدَ مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬10) وَأَسْمَجِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) .

فَإِنَّ هَذَا [إِنَّمَا] (¬1) يُقَالُ فِي الْمُنَاظِرِينَ (¬2) ، وَأَمَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ فَلَا أَحَدَ إِلَّا [وَهُوَ] (¬3) مُقِرٌّ بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، ثُمَّ يُقَالُ: قَدْ حَصَلَ بِطَلَبِ الْأَلَذِّ مِنْ شَقَاوَةِ الْأَكْثَرِينَ، مَا كَانَ خَلْقُهُمْ فِي الْجَنَّةِ ابْتِدَاءً بِلَا هَذَا الْأَلَذِّ أَجْوَدَ لَهُمْ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ لَذَّاتٍ عَظِيمَةٍ، إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ. وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُرْجِئَةِ، الَّذِينَ إِيمَانُهُمْ بِالْوَعِيدِ ضَعِيفٌ، اسْتَرْسَلَتْ نَفْسُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، حَتَّى يَكُونَ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ. بِخِلَافِ مَنْ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ، وَعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يُحِبُّ الْعِبَادَاتِ، وَأَنَّهُ يُحِبُّ أَفْعَالًا وَأَشْخَاصًا، وَيُبْغِضُ أَفْعَالًا وَأَشْخَاصًا، وَيَرْضَى عَنْ هَؤُلَاءِ، وَيَغْضَبُ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ (¬4) الرَّسُولُ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي بِهِ يَشْهَدُ الْعَبْدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْفَرْقِ، فَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهَ مَعْبُودًا مَحْبُوبًا، فَإِنَّمَا يَشْهَدُ (¬5) أَنْ لَا رَبَّ إِلَّا هُوَ، وَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، لَمْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (¬6) ، وَالرُّسُلُ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثُوا بِتَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ، الْمُتَضَمِّنُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ. [وَأَمَّا تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ] (¬7) مُجَرَّدًا، فَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقِرُّونَ (¬8) بِأَنَّ اللَّهَ (¬9) وَحْدَهُ (¬10) خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ [فِي ¬

(¬1) إِنَّمَا: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬2) ب فَقَطْ: فِي الْمُتَنَاظِرِينِ. (¬3) وَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ن: مِمَّا جَاءَ بِهِ. (¬5) فَإِنَّمَا يَشْهَدُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَإِنَّمَا شَهِدَ. (¬6) و: إِلَّا هُوَ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬8) ح، ر: يُؤْمِنُونَ. (¬9) ن: بِاللَّهِ. (¬10) وَحْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) .

غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ] (¬1) . قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 38] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 106] . وَهَذَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَهَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ مَحَبَّةَ اللَّهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيُعَظِّمُونَ أَمْرَ مَحَبَّتِهِ، وَيَسْتَحِبُّونَ السَّمَاعَ بِالْغِنَاءِ وَالدُّفُوفِ وَالشَّبَّابَاتِ، وَيَرَوْنَهُ قُرْبَةً ; لِأَنَّ ذَلِكَ بِزَعْمِهِمْ يُحَرِّكُ مَحَبَّةَ اللَّهِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَإِذَا حُقِّقَ أَمْرُهُمْ وُجِدَتْ مَحَبَّتُهُمْ تُشْبِهُ مَحَبَّةَ الْمُشْرِكِينَ لَا مَحَبَّةَ الْمُوَحِّدِينَ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ الْمُوَحِّدِينَ بِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ وَالْمُجَاهَدَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 31] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 24] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] . وَهَؤُلَاءِ لَا يُحَقِّقُونَ مُتَابَعَةَ الرَّسُولِ، وَلَا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَلْ كَثِيرٌ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ - يَكْرَهُونَ مُتَابَعَةَ الرَّسُولِ، وَهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَلْ يُعَاوِنُونَ (¬1) أَعْدَاءَهُ، وَيَدَّعُونَ مَحَبَّتَهُ ; لِأَنَّ مَحَبَّتَهُمْ مِنْ جِنْسِ مَحَبَّةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ (¬2) قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 35] . وَلِهَذَا يُحِبُّونَ سَمَاعَ الْقَصَائِدِ أَعْظَمَ مِمَّا يُحِبُّونَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ، وَيَجْتَهِدُونَ (¬3) فِي دُعَاءِ مَشَايِخِهِمْ، وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ، وَفِي حَيَاتِهِمْ فِي مَغِيبِهِمْ، أَعْظَمَ مِمَّا يَجْتَهِدُونَ فِي دُعَاءِ اللَّهِ، وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ [وَالْبُيُوتِ] (¬4) . وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الشِّرْكِ لَيْسَ مَنْ فِعْلِ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ دِينَهُمْ، كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ] (¬5) ، فَأُولَئِكَ أَنْكَرُوا مَحَبَّتَهُ، وَهَؤُلَاءِ دَخَلُوا فِي مَحَبَّةِ الْمُشْرِكِينَ، وَالطَّائِفَتَانِ خَارِجَتَانِ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَنَفْسُ مَحَبَّتِهِ أَصْلٌ لِعِبَادَتِهِ، وَالشِّرْكُ فِي مَحَبَّتِهِ أَصْلُ الْإِشْرَاكِ فِي عِبَادَتِهِ، وَأُولَئِكَ فِيهِمْ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ (¬6) ، وَعِنْدَهُمْ كِبْرٌ مِنْ جِنْسِ كِبْرِ الْيَهُودِ. وَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى، وَفِيهِمْ شِرْكٌ مِنْ جِنْسِ شِرْكِ النَّصَارَى. وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ لَهُمْ عِبَادَةٌ وَرَحْمَةٌ وَرَهْبَانِيَّةٌ لَكِنْ بِلَا عِلْمٍ، وَلِهَذَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ بِلَا عِلْمٍ، قَالَ تَعَالَى [: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} ¬

(¬1) ن: يُعَاقِبُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) الَّذِينَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬3) ن: وَمُجْتَهِدِينَ. (¬4) وَالْبُيُوتِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) ح، ب: شَبَهٌ بِالْيَهُودِ.

[سُورَةُ النِّسَاءِ: 171] . وَقَالَ تَعَالَى] (¬1) : {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 77] أَيْ: وَسَطَ الطَّرِيقِ، وَهِيَ السَّبِيلُ الْقَصْدُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 9] ، وَهِيَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَأَخْبَرَ بِتَقَدُّمِ ضَلَالِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ ضَلَالِهِمْ. وَالْأَهْوَاءُ هِيَ إِرَادَاتُ النَّفْسِ (¬2) بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَكُلُّ مَنْ فَعَلَ مَا تُرِيدُهُ نَفْسُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ يُبَيِّنُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ فَهُوَ مُتَّبِعٌ هَوَاهُ، وَالْعِلْمُ بِالَّذِي هُوَ مَصْلَحَةُ الْعَبْدِ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ [الْعِلْمُ] (¬3) الَّذِي [جَاءَتْ] (¬4) بِهِ الرُّسُلُ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 50] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 120] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 48] . وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 18] . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن: النُّفُوسُ (¬3) الْعِلْمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (و) . (¬4) جَاءَتْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

التعليق على كلام بعض الصوفية الذي يتضمن الاتحاد والحلول ووحدة الوجود

[التعليق على كلام بعض الصوفية الذي يتضمن الاتحاد والحلول ووحدة الوجود] وَلِهَذَا كَانَ مَشَايِخُ الصُّوفِيَّةِ الْعَارِفُونَ أَهْلُ الِاسْتِقَامَةِ يُوصُونَ كَثِيرًا بِمُتَابَعَةِ الْعِلْمِ وَمُتَابَعَةِ الشَّرْعِ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ سَلَكُوا فِي الْعِبَادَةِ لِلَّهِ مُجَرَّدَ (¬1) مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَإِرَادَاتِهَا وَهَوَاهَا، مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْعِلْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَضَلُّوا بِسَبَبِ ذَلِكَ ضَلَالًا يُشْبِهُ ضَلَالَ النَّصَارَى. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ - وَهُوَ أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ (¬2) -: " كُلُّ وَجْدٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهُوَ بَاطِلٌ "، وَقَالَ سَهْلٌ (¬3) : " كُلُّ عَمَلٍ بِلَا اقْتِدَاءٍ فَهُوَ عَيْشُ النَّفْسِ، وَكُلُّ عَمَلٍ بِاقْتِدَاءٍ فَهُوَ عَذَابٌ عَلَى النَّفْسِ ". وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ (¬4) : " مِنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ ¬

(¬1) ح، ر، ى، ب: بِمُجَرَّدِ. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: عَمْرُو بْنُ نُجَيْدٍ، وَأَشَارَ مُحَقِّقُ (ب) إِلَى وُجُودِ نُسْخَةٍ عِنْدَهُ فِيهَا: أَبُو عَمْرِو بْنُ نَجْدٍ، وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجِيدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ ص 454: جَدِّي لِأُمِّي، لَقِيَ الْجُنَيْدَ وَكَانَ أَكْبَرَ مَشَايِخِ وَقْتِهِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 366 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَأَقْوَالَهُ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ 1/171، طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ، ص 454 - 457، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى 1/103 طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/222 - 224 الْمُنْتَظَمَ 7/84 - 85، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 3/50 (¬3) أَبُو مُحَمَّدٍ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ التُّسْتَرِيُّ، مِنْ كِبَارِ الصُّوفِيَّةِ، وُلِدَ سَنَةَ 200 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 283، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَأَقْوَالَهُ فِي طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ ص 206 - 211، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى 1/66 - 68، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 4/46 - 48، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/182 - 184، الْأَعْلَامِ 3/210، وَالنَّصُّ التَّالِي فِي الْقُشَيْرِيَّةِ 1/85 (وَتَرْجَمَةُ سَهْلٍ التُّسْتَرِيِّ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ 1/83 - 85) (¬4) هُوَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحِيرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ وَأَصْلُهُ مِنَ الرَّيِّ، شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ بِنَيْسَابُورَ وَبِهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ 298 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَأَقْوَالَهُ فِي: طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ ص 170 - 175، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 4/85 - 88، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى 1/74 - 75، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 2/111 - 112 تَارِيخِ بَغْدَادَ 9/99 - 102 الْمُنْتَظَمِ 6/106 - 108، الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ 1/109 - 111 وَهَذَا النَّصُّ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ 1/111

بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ [قَوْلًا وَفِعْلًا] (¬1) نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [سُورَةُ النُّورِ: 54] ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " مَا تَرَكَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا لِكِبْرٍ فِي نَفْسِهِ ". وَهُوَ كَمَا قَالُوا، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلْأَمْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كَانَ يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا عَيْشُ النَّفْسِ، وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ شُعْبَةٌ (¬2) مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 124] . وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَصِلُ بِرِيَاضَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ نَفْسِهِ إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ، مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ لِطَرِيقِهِمْ (¬3) ، وَفِيهِمْ طَوَائِفُ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ صَارُوا أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ الْوَلِيَّ (¬4) الَّذِي يَظُنُّونَ هُمْ أَنَّهُ الْوَلِيُّ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَفِيهِمْ (¬5) مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَيَدَّعِي فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ: إِنَّ هَذَا ¬

(¬1) قَوْلًا وَفِعْلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن: شِيعَةٌ. (¬3) ح، ب، ي، ر: لِطَرِيقَتِهِمْ. (¬4) ح، الْأَوْلِيَاءَ. (¬5) ن، و: وَمِنْهُمْ.

الْوُجُودَ الْمَشْهُودَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ مُبَايِنٌ لَهُ. لَكِنَّ هَذَا يَقُولُ: هُوَ اللَّهُ (¬1) ، وَفِرْعَوْنُ أَظْهَرَ الْإِنْكَارَ بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِنْ كَانَ فِرْعَوْنُ فِي الْبَاطِنِ أَعْرَفَ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا لِلصَّانِعِ. وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا (¬2) أَنَّ الْوُجُودَ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْوُجُودُ الْخَالِقُ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الِاتِّحَادِيَّةِ (¬3) . وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ مَنْ عَدَلَ عَنِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي شَرَعَهَا الرَّسُولُ، إِلَى عِبَادَاتٍ بِإِرَادَتِهِ وَذَوْقِهِ وَوَجْدِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَهَوَاهُ، وَأَنَّهُمْ صَارُوا فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الضَّلَالِ، [مَنْ جِنْسِ ضَلَالِ] (¬4) النَّصَارَى. فَفِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي إِسْقَاطَ وَسَاطَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْوُصُولَ إِلَى اللَّهِ بِغَيْرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَدَّعِي مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي الِاتِّحَادَ وَالْحُلُولَ الْخَاصَّ: إِمَّا لِنَفْسِهِ، وَإِمَّا لِشَيْخِهِ، وَإِمَّا لِطَائِفَتِهِ الْوَاصِلِينَ (¬5) ، إِلَى حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ بِزَعْمِهِ (¬6) . وَهَذَا قَوْلُ النَّصَارَى، وَالنَّصَارَى مَوْصُوفُونَ بِالْغُلُوِّ وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ ¬

(¬1) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَةِ " فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ عَرَبِيٍّ فِي دَعْوَى إِيمَانِ فِرْعَوْنَ " فِي " جَامِعِ الرَّسَائِلِ " 1/203 - 210 وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِي هُنَاكَ. (¬2) و: يَظُنُّونَ. (¬3) انْظُرْ " جَامِعَ الرَّسَائِلِ " 1/164 - 167 (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬5) ن: الْوَاصِلَةِ. (¬6) بِزَعْمِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) .

مُبْتَدَعَةُ الْعُبَّادِ الْغُلُوُّ فِيهِمْ وَفِي الرَّافِضَةِ، وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَدَّعِي إِمَّا لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِشَيْخِهِ [الْإِلَهِيَّةَ] (¬1) ، كَمَا يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ (¬2) لِأَئِمَّتِهِمْ بَنِي عُبَيْدٍ، وَكَمَا يَدَّعِيه كَثِيرٌ مِنَ الْغَالِيَةِ: إِمَّا لِلِاثْنَى عَشَرِ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ، كَمَا تَدَّعِيهِ النُّصَيْرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ فِي جِنْسِ الْمُبْتَدِعَةِ الْخَارِجِينَ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّعَبُّدِ [وَالتَّأَلُّهِ] (¬3) وَالتَّصَوُّفِ، مِنْهُمْ طَوَائِفُ مِنَ الْغُلَاةِ يَدَّعُونَ الْإِلَهِيَّةَ، وَدَعْوَى مَا هُوَ فَوْقَ النُّبُوَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُتَفَلْسِفًا يُجَوِّزُ وُجُودَ نَبِيٍّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ، كَالسُّهْرَوَرْدِيِّ الْمَقْتُولِ فِي الزَّنْدَقَةِ (¬4) ، وَابْنِ سَبْعِينَ (¬5) ، وَغَيْرِهِمَا، صَارُوا ¬

(¬1) الْإِلَهِيَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) و: كَمَا تَدَّعِيهِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ص [0 - 9] 0 (¬3) وَالتَّأَلُّهِ زِيَادَةٌ فِي (و) فَقَطْ. (¬4) شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْفُتُوحِ يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أُمَيْرَكَ السُّهْرَوَرْدِيُّ، الْمَوْلُودُ بِسُهْرَوَرْدَ سَنَةَ 549، وَقُتِلَ بِحَلَبَ سَنَةَ 587 هـ، وَعُرِفَ بِفَلْسَفَتِهِ الْإِشْرَاقِيَّةِ، انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ آرَائِهِ: وَفَيَاتَ الْأَعْيَانِ 5/312 - 318 لِسَانَ الْمِيزَانِ 3/156 - 158، النُّجُومَ الزَّاهِرَةَ 6/114 - 115، الْأَعْلَامَ 9/169 - 170 وَانْظُرْ: كِتَابَ: " أُصُولِ الْفَلْسَفَةِ الْإِشْرَاقِيَّةِ " تَأْلِيفُ الدكتور مُحَمَّدْ عَلِي أَبِي رَيَّانَ (ط. الْأَنْجُلُو) الْقَاهِرَةِ 1959، الْكِتَابَ التِّذْكَارِيَّ لِلسُّهْرَوَرْدِيِّ فِي الذِّكْرَى الْمِئَوِيَّةِ الثَّامِنَةِ لِوَفَاتِهِ، أَشْرَفَ عَلَيْهِ الدكتور إِبْرَاهِيمْ مَدْكُورْ، نَشْرُ الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ، الْقَاهِرَةِ 1394/1974 (¬5) سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ 1/366

يَطْلُبُونَ النُّبُوَّةَ (¬1) ، بِخِلَافِ مَنْ أَقَرَّ بِمَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ، وَرَأَى أَنَّ الشَّرْعَ الظَّاهِرَ لَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِهِ ; فَإِنَّهُ يَقُولُ: النُّبُوَّةُ خُتِمَتْ، لَكِنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُخْتَمْ. وَيَدَّعِي مِنَ (¬2) الْوِلَايَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَمَا يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَهُمْ فِي (¬3) الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ نَوْعَانِ (¬4) : نَوْعٌ يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ، كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ، وَيَقُولُونَ فِي النُّبُوَّةِ: إِنَّ الْوِلَايَةَ أَعْظَمُ مِنْهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ: ¬

(¬1) ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " 5/22 وَصَارَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ، أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُفْصِحَ بِذَلِكَ لَوْلَا السَّيْفُ، كَمَا فَعَلَ السُّهْرَوَرْدِيُّ الْمَقْتُولُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا أَمُوتُ حَتَّى يُقَالَ لِي: قُمْ فَأَنْذِرْ. وَكَانَ ابْنُ سَبْعِينَ يَقُولُ: لَقَدْ زَرَّبَ ابْنُ آمِنَةَ حَيْثُ قَالَ: لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى غَارَ حِرَاءَ لِيَنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِ الْوَحْيُ. وَعَلَّقْتُ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ بِقَوْلِي: " يَقُولُ الدكتور مُحَمَّد عَلِي أَبُو رَيَّانَ فِي مُقَدِّمَتِهِ لِكِتَابِ " هَيَاكِلِ النُّورِ " لِلسُّهْرَوَرْدِيِّ ص 11 ط. التِّجَارِيَّةِ الْقَاهِرَةِ 1377/1957 إِنَّ عُلَمَاءَ حَلَبَ سَأَلُوا السُّهْرَوَرْدِيَّ أَثْنَاءَ مُنَاقَشَتِهِ فِي مَسْجِدِ حَلَبَ: هَلْ يَقْدِرُ اللَّهُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ نَبِيًّا آخَرَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ؟ فَأَجَابَهُمُ الشَّيْخُ بِأَنْ: " لَا حَدَّ لِقُدْرَتِهِ ". وَيَقُولُ الدكتور أَبُو الْوَفَا التَّفْتَازَانِيُّ فِي مَقَالَةِ " ابْنُ سَبْعِينَ وَحَكِيمُ الْإِشْرَاقِ "، ص 296 الْكِتَابِ التِّذْكَارِيِّ لِشِهَابِ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيِّ ط. الْقَاهِرَةِ 1394/1974 وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ابْنِ سَبْعِينَ فَإِنَّهُ فِي " بُدِّ الْعَارِفِ " يُصَرِّحُ بِأَنَّ النُّبُوَّةَ رُتْبَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَلَا طَمَعَ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنْ كَانَ فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ أَوْ فِي طَبْعِ جِنْسِهِ أَنْ تُوجَدَ لَهُ النُّبُوَّةُ، فَالْأَنْبِيَاءُ بَشَرٌ "، انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذَانِ فِي الْمَرْجِعَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ الدكتور أَبُو رَيَّانَ فِي: أُصُولُ الْفَلْسَفَةِ الْإِشْرَاقِيَّةِ، ص 304 - 312 مُقَدِّمَةِ كِتَابِ حِكْمَةِ الْإِشْرَاقِ لِلسُّهْرَوَرْدِيِّ ص 11 - 12 " ط بَارِيسَ "، 1952 مَجْمُوعَةٍ فِي الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ لِلسُّهْرَوَرْدِيِّ، كِتَابِ التَّلْوِيحَاتِ، ص 95 - 113 ط. اسْتَانْبُولَ، 1945 (¬2) و: فِي (¬3) و: وَمَا يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُرْسَلُونَ يَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا، يَعْنِي الْقَوْلَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، وَهُمْ فِي. (¬4) و: أَنْوَاعٌ.

مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ ... فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ (¬1) وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي " الْفُصُوصِ " (¬2) : " وَلَيْسَ هَذَا الْعِلْمُ إِلَّا لِخَاتَمِ الرُّسُلِ وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ (¬3) ، وَمَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ (¬4) ، [حَتَّى إِنَّ الرُّسُلَ إِذَا رَأَوْهُ لَا يَرَوْنَهُ -[إِذَا رَأَوْهُ] (¬5) - إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ] (¬6) ، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ - أَعْنِي رِسَالَةَ التَّشْرِيعِ وَنُبُوَّتَهُ (¬7) - تَنْقَطِعَانِ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا (¬8) . فَالْمُرْسَلُونَ، مِنْ كَوْنِهِمْ أَوْلِيَاءَ، لَا يَرَوْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ (¬9) ، فَكَيْفَ بِمَنْ (¬10) دُونَهُمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ؟ وَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) لَمْ أَعْثُرْ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، وَلَكِنْ وَجَدْتُ بَيْتًا بِمَعْنَاهُ فِي كِتَابِ لَطَائِفِ الْأَسْرَارِ لِابْنِ عَرَبِيٍّ تَحْقِيقُ أَحْمَدْ زَكِي عَطِيَّةْ وَطه عَبْد الْبَاقِي سُرُور، دَارِ الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ، 1380/1960 ص 49 وَنَصُّهُ: سَمَاءُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ دُوَيْنَ الْوَلِيِّ وَفَوْقَ الرَّسُولِ وَفِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ 2/252 يَقُولُ: بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَالرِّسَالَةِ بَرْزَخٌ فِيهِ النُّبُوَّةُ حُكْمُهَا لَا يُجْهَلُ وَانْظُرِ الْفُتُوحَاتِ 2/52 - 53 (¬2) فِي فُصُوصِ الْحِكَمِ 1/62 (¬3) فُصُوصُ الْحِكَمِ: مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ الرَّسُولِ الْخَاتَمِ. (¬4) فُصُوصُ الْحِكَمِ: وَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ الْوَلِيِّ الْخَاتَمِ. (¬5) إِذَا رَأَوْهُ فِي (و) ، فَقَطْ، وَفِي " فُصُوصِ الْحِكَمِ " مَتَى رَأَوْهُ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬7) فُصُوصُ الْحِكَمِ: أَعْنِي نُبُوَّةَ التَّشْرِيعِ وَرِسَالَتَهُ. (¬8) الْفُصُوصِ: وَالْوِلَايَةُ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا. (¬9) ن: الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) الْفُصُوصِ: مَنْ.

خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ تَابِعًا فِي الْحُكْمِ لِمَا جَاءَ بِهِ خَاتَمُ الرُّسُلِ مِنَ التَّشْرِيعِ، فَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي مَقَامِهِ، وَلَا يُنَاقِضُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنْ وَجْهٍ يَكُونُ أَنْزَلَ، وَمِنْ وَجْهٍ (¬1) يَكُونُ أَعْلَى ". قَالَ (¬2) : " وَلَمَّا مَثَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[النُّبُوَّةَ] (¬3) بِالْحَائِطِ مِنَ اللَّبِنِ، فَرَآهَا قَدْ كَمُلَتْ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ (¬4) ، فَكَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْضِعَ اللَّبِنَةِ، وَأَمَّا خَاتَمُ (¬5) الْأَوْلِيَاءِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا، فَيَرَى مَا مَثَّلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬6) ، وَيَرَى نَفْسَهُ فِي الْحَائِطِ مَوْضِعَ لَبِنَتَيْنِ، وَيَرَى نَفْسَهُ (¬7) تَنْطَبِعُ [فِي] (¬8) مَوْضِعَ [تَيْنِكَ] (¬9) اللَّبِنَتَيْنِ، فَيَكْمُلُ الْحَائِطُ (¬10) ، وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ رَآهَا لِبِنْتَيْنِ أَنَّ الْحَائِطَ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ¬

(¬1) ن، و: كَمَا أَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ. (¬2) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ بِخَمْسَةِ أَسْطُرٍ 1/63 (¬3) النُّبُوَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) الْفُصُوصِ: مِنَ اللَّبِنِ وَقَدْ كَمُلَ سِوَى مَوْضِعِ لَبِنَةٍ. (¬5) الْفُصُوصِ: فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ اللَّبِنَةَ غَيْرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرَاهَا إِلَّا كَمَا قَالَ لَبِنَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا خَاتَمُ. (¬6) الْفُصُوصِ: فَيَرَى مَا مَثَّلَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬7) الْفُصُوصِ: وَيَرَى فِي الْحَائِطِ مَوْضِعَ لِبِنَتَيْنِ، وَاللَّبِنُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَيَرَى اللَّبِنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَنْقُصُ الْحَائِطَ عَنْهُمَا وَتَكْمُلُ بِهِمَا، لَبِنَةَ ذَهَبٍ وَلَبِنَةَ فِضَّةٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ. (¬8) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬9) تَيْنِكَ: فِي (و) فَقَطْ، وَهِيَ فِي فُصُوصِ الْحُكْمِ. (¬10) الْفُصُوصِ: اللَّبِنَتَيْنِ، فَيَكُونُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ تَيْنِكَ اللَّبِنَتَيْنِ، فَيَكْمُلُ الْحَائِطُ.

وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَاللَّبِنَةُ الْفِضَّةُ هِيَ ظَاهِرُهُ (¬1) وَمَا يَتَّبِعُهُ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، كَمَا هُوَ آخِذٌ عَنِ اللَّهِ فِي السِّرِّ مَا هُوَ فِي الصُّورَةِ (¬2) الظَّاهِرَةِ مُتَّبِعٌ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَرَى الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ هَكَذَا، وَهُوَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ الذَّهَبِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُلْكُ الَّذِي يُوحَى [بِهِ] (¬3) إِلَى الرَّسُولِ ". قَالَ (¬4) : فَإِنْ فَهِمْتَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ (¬5) ، فَقَدْ حَصَلَ لَكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ (¬6) ". قُلْتُ: وَقَدْ بَسَطْنَا الرَّدَّ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ، وَبَيَّنَّا كَشْفَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْخَيَالِ، وَالنِّفَاقِ وَالزَّنْدَقَةِ. وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالِاتِّحَادِ الْخَاصِّ، فَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالنُّصُوصِ [الظَّاهِرَةِ] (¬7) ، وَرَأَى أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ هَذَا مِمَّا يُشَارُ إِلَيْهِ وَيُرْمَزُ بِهِ، وَلَا يُبَاحُ بِهِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ مُعَظِّمًا لِلرَّسُولِ وَالْقُرْآنِ [ظَنَّ أَنَّ الرَّسُولَ] (¬8) كَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَبُحْ بِهِ ; لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْبَشَرُ أَنْ يَبُوحُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) الْفُصُوصِ: لَبِنَتَيْنِ أَنَّهُ تَابِعٌ لِشَرْعِ خَاتَمِ الرُّسُلِ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ الْفِضَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُهُ. (¬2) الْفُصُوصِ: بِالصُّورَةِ. (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) فِي فُصُوصِ الْحُكْمِ 1/63 بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬5) الْفُصُوصِ: مَا أَشَرْتُ بِهِ. (¬6) الْفُصُوصِ: النَّافِعُ بِكُلِّ شَيْءٍ. (¬7) الظَّاهِرَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

غَيْرَ مُعَظِّمٍ لِلرَّسُولِ، زَعَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى حَدَّ الرَّسُولِ، وَهَذَا الضَّلَالُ حَدَثَ قَدِيمًا مِنْ جُهَّالِ الْعِبَادِ. وَلِهَذَا كَانَ الْعَارِفُونَ، كَالْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ: سَيِّدِ الطَّائِفَةِ (¬1) - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - (¬2) لَمَّا سُئِلَ عَنِ التَّوْحِيدِ قَالَ: " التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنِ الْقِدَمِ " (¬3) فَإِنَّهُ كَانَ عَارِفًا، وَرَأَى أَقْوَامًا يَنْتَهِي بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى الِاتِّحَادِ، فَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ، وَكَانَ أَيْضًا [طَائِفَةٌ] (¬4) مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَعُوا فِي الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، الَّذِي لَا يُمَيَّزُ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، فَدَعَاهُمُ الْجُنَيْدُ إِلَى الْفَرْقِ الثَّانِي، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ، الَّذِي يُمَيَّزُ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، فَمِنْهُمْ مَنْ وَافَقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَالَفَهُ، وَمِنْهُمْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ مَا جَرَى مِنْ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَعْرَابِيُّ فِي " طَبَقَاتِ ¬

(¬1) سَيِّدِ الطَّائِفَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) . (¬2) ح، ب: سِرَّهُ، وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُنَيْدِ الْبَغْدَادِيُّ الْخَزَّارُ، أَصْلُ أَبِيهِ مِنْ نَهَاوَنْدَ، وَكَانَ يَبِيعُ الزُّجَاجَ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ الْقَوَارِيرِيُّ، وَالْجُنَيْدُ إِمَامُ الصُّوفِيَّةِ، وَسُمِّيَ بِسَيِّدِ الطَّائِفَةِ لِضَبْطِ مَذْهَبِهِ بِقَوَاعِدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 279 وَقِيلَ 298 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَأَقْوَالَهُ فِي: طَبَقَاتُ الصُّوفِيَّةِ ص 155 - 163، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى 1/72 - 74، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 2/235 - 240، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/323 - 325، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/228 - 230، طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 2/260 - 265، الْأَعْلَامِ 2/137 - 138. (¬3) أَوْرَدَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَنَسَبَهَا إِلَى الْجُنَيْدِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ 1/24 - 25 وَقَالَ: التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْقِدَمِ مِنَ الْحَدَثِ. (¬4) طَائِفَةٌ سَاقِطَةٌ مَنْ (ن) .

النُّسَّاكِ " (¬1) وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْجُنَيْدِ، وَمِنْ شُيُوخِ (¬2) أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ، [كَانَ] (¬3) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَخْبَارِ الزُّهَّادِ وَأَهْلِ الْحَقَائِقِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُنَيْدُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ، بِهِمَا يَزُولُ مَا وَقَعَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ. وَلِهَذَا كَانَ الضُّلَّالُ مِنْهُمْ يَذُمُّونَ الْجُنَيْدَ عَلَى ذَلِكَ، كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ لَهُ كِتَابًا سَمَّاهُ " الْإِسْرَا إِلَى الْمَقَامِ الْأَسْرَى " (¬4) مَضْمُونُهُ حَدِيثُ نَفْسٍ وَوَسَاوِسُ (¬5) شَيْطَانٍ حَصَلَتْ فِي نَفْسِهِ، جَعَلَ ذَلِكَ مِعْرَاجًا كَمِعْرَاجِ الْأَنْبِيَاءِ (¬6) ، وَأَخَذَ يَعِيبُ عَلَى الْجُنَيْدِ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنَ الشُّيُوخِ مَا ذَكَرُوهُ، وَعَابَ عَلَى الْجُنَيْدِ قَوْلَهُ: " التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنِ الْقِدَمِ " وَقَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا جُنَيْدُ، مَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِلَّا مَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُمَا، وَأَنْتَ إِمَّا ¬

(¬1) ن: أَبُو سَعْدٍ الْأَعْرَابِيُّ، وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ، وُلِدَ سَنَةَ 246، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْجُنَيْدِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ النُّورِيِّ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 341، وَذَكَرَ سَزْكِينُ كِتَابَهُ " طَبَقَاتِ النُّسَّاكِ "، وَقَالَ: أَفَادَ مِنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " وَالذَّهَبِيُّ فِي " تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ ". وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَأَقْوَالَهُ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ 1/165، طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ، ص 427 - 430، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/354 - 355، حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 10/375 - 376، لِسَانِ الْمِيزَانِ 1/308 - 309، الْأَعْلَامِ 1/199 سَزْكِينَ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 155 - 156. (¬2) ن: وَمِنْ أَصْحَابِ. (¬3) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) هَذَا الْكِتَابُ لِابْنِ عَرَبِيٍّ ضِمْنَ مَجْمُوعَةِ رَسَائِلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، ط حِيدَرْ آبَادَ الدِّكِنْ 1367/1948 (¬5) و: وَوَسْوَسَةُ. (¬6) انْظُرْ كِتَابَ " الْإِسْرَا إِلَى مَقَامِ الْأَسْرَى وَانْظُرْ قَوْلَهُ ص 9 - 10 " فَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ، وَسِرُّ وُجُودِي مُتَهَجِّدٌ قَائِمٌ، جَاءَنِي رَسُولُ التَّوْفِيقِ، لِيَهْدِيَنِي سَوَاءَ الطَّرِيقِ، وَمَعَ بُرَاقِ الْإِخْلَاصِ، عَلَيْهِ لِبَدُ الْفَوْزِ وَلِجَامُ الْإِخْلَاصِ، فَكَشَفَ عَنْ سَقْفِ مَحَلِّي، وَأَخَذَ فِي نَقْضِي وَحَلِّي، وَشَقَّ صَدْرِي بِسِكِّينِ السَّكِينَةِ، وَأَسْرَى بِي مَنْ حَرَمِ الْأَكْوَانِ، إِلَى قُدُسِ الْجِنَانِ، فَرَبَطْتُ الْبُرَاقَ بِحَلَقَةِ بَابِهِ، وَأُتِيتُ بِالْخَمْرِ وَاللَّبَنِ، فَشَرِبْتُ مِيرَاثَ تَمَامِ اللَّبَنِ، وَتَرَكْتُ الْخَمْرَ، حَذِرًا أَنْ أَكْشِفَ السِّرَّ بِالسُّكْرِ.

قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ، فَكَيْفَ تُمَيِّزُ؟ " (¬1) . وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمُمَيِّزَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ هَذَا، لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ ثَالِثًا، بَلْ كُلُّ إِنْسَانٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هُوَ ثَالِثًا، وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ يُمَيِّزُ نَفْسَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ ثَالِثٌ. وَهَذَا الَّذِي ذَمَّهُ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمْثَالُهُ مِنَ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ، وَقَعَ فِيهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، حَتَّى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ، وَمِنَ الْمُعَظِّمِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، الْمُحِبِّينَ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذَّابِّينَ عَنْهَا - وَقَعُوا فِي هَذَا غَلَطًا لَا تَعَمُّدًا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ هَذَا نِهَايَةُ التَّوْحِيدِ. كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ " مَنَازِلِ السَّائِرِينَ " ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ، وَيَبْدُو أَنَّهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ لِابْنِ عَرَبِيٍّ، وَوَجَدْتُ نَصًّا مِنْ كِتَابِ " التَّجَلِّيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ "، لِابْنِ عَرَبِيٍّ نَشَرَهُ الدكتور عُثْمَانْ يَحْيَى ضِمْنَ مَقَالِهِ " نُصُوصٌ تَارِيخِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِنَظَرِيَّةِ التَّوْحِيدِ فِي التَّفَكُّرِ الْإِسْلَامِيِّ " وَهُوَ مَقَالٌ فِي " الْكِتَابِ التِّذْكَارِيِّ: مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي الذِّكْرَى الْمِئَوِيَّةِ الثَّامِنَةِ لِمِيلَادِهِ " نَشْرُ الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلتَّأْلِيفِ وَالنَّشْرِ. 1389/1969 وَهَذَا النَّصُّ فِي ص 264 وَهُوَ: " رَأَيْتُ الْجُنَيْدَ فِي هَذَا التَّجَلِّي فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي التَّوْحِيدِ: يَتَمَيَّزُ الْعَبْدُ مِنَ الرَّبِّ؟ وَأَيْنَ تَكُونُ أَنْتَ عِنْدَ هَذَا التَّمْيِيزِ؟ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا وَلَا رَبًّا، فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِي بَيْنُونَةٍ تَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ وَالْعِلْمَ بِالْمَقَامَيْنِ، مَعَ تَجَرُّدِكَ عَنْهُمَا حَتَّى تَرَاهُمَا، فَخَجِلَ وَأَطْرَقَ "، وَانْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى ص 268

مَعَ عِلْمِهِ وَسُنَّتِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ وَدِينِهِ (¬1) . وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ " مَنَازِلِ السَّائِرِينَ " أَشْيَاءَ حَسَنَةً نَافِعَةً، وَأَشْيَاءَ بَاطِلَةً. وَلَكِنْ هُوَ فِيهِ يَنْتَهِي إِلَى الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، ثُمَّ إِلَى التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الِاتِّحَادِ. وَلِهَذَا قَالَ (¬2) : " بَابُ التَّوْحِيدِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 18] التَّوْحِيدُ: تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنِ الْحَدَثِ (¬3) . قَالَ (¬4) : وَإِنَّمَا نَطَقَ الْعُلَمَاءُ بِمَا نَطَقُوا بِهِ، وَأَشَارَ الْمُحَقِّقُونَ (¬5) إِلَى مَا أَشَارُوا إِلَيْهِ (¬6) فِي هَذَا الطَّرِيقِ لِقَصْدِ تَصْحِيحِ التَّوْحِيدِ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ حَالٍ أَوْ مَقَامٍ فَكُلُّهُ مَصْحُوبُ الْعِلَلِ ". ¬

(¬1) صَاحِبُ كِتَابِ " مَنَازِلُ السَّائِرِينَ "، هُوَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَرَوِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، كَانَ يُدْعَى شَيْخَ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ إِمَامَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِهَرَاةَ وَيُسَمَّى خَطِيبَ الْعَجَمِ لِتَبَحُّرِ عِلْمِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَنُبْلِهِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 481. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/247 - 248، الذَّيْلِ لِابْنِ رَجَبٍ 1/50 - 68، الْأَعْلَامِ 4/267، تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/1183 - 1190، مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 6/133 - 134. وَانْظُرْ كِتَابَ " شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ الْهَرَوِيِّ "، تَأْلِيفُ دكتور مُحَمَّدْ سَعِيدْ عَبْد الْمَجِيدْ سَعِيدْ الْأَفْغَانِيِّ (ط. دَارِ الْكُتُبِ الْحَدِيثَةِ) الْقَاهِرَةِ 1388/1968 (¬2) ص 110 - 113 (ط. الْمَعْهَدِ الْعِلْمِيِّ الْفَرَنْسِيِّ) ، تَحْقِيقُ س. دي لوجيه، الْقَاهِرَةِ 1962 (¬3) الْحَدِيثُ: كَذَا فِي (و) ، مَنَازِلِ السَّائِرِينَ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْحُدُوثِ. (¬4) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬5) ن: وَأَشَارَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ. (¬6) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: بِمَا أَشَارُوا إِلَيْهِ.

قَالَ (¬1) : " وَالتَّوْحِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (¬2) : الْأَوَّلُ (¬3) : تَوْحِيدُ الْعَامَّةِ الَّذِي يَصِحُّ بِالشَّوَاهِدِ، وَالثَّانِي (¬4) : تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَثْبُتُ بِالْحَقَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: تَوْحِيدٌ قَائِمٌ بِالْقِدَمِ، وَهُوَ تَوْحِيدُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ. فَأَمَّا التَّوْحِيدُ الْأَوَّلُ فَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ] (¬5) ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. هَذَا هُوَ التَّوْحِيدُ الظَّاهِرُ الْجَلِيُّ، الَّذِي نَفَى الشِّرْكَ الْأَعْظَمَ، وَعَلَيْهِ نُصِبَتِ الْقِبْلَةُ، وَبِهِ وَجَبَتِ الذِّمَّةُ، وَبِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ، وَانْفَصَلَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، وَصَحَّتْ بِهِ الْمِلَّةُ لِلْعَامَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِحُسْنِ (¬6) الِاسْتِدْلَالِ، بَعْدَ أَنْ سَلِمُوا (¬7) مِنَ الشُّبْهَةِ وَالْحَيْرَةِ وَالرِّيبَةِ، بِصِدْقِ شَهَادَةٍ صَحَّحَهَا قَبُولُ الْقَلْبِ. هَذَا (¬8) تَوْحِيدُ الْعَامَّةِ الَّذِي يَصِحُّ بِالشَّوَاهِدِ، وَالشَّوَاهِدُ هِيَ الرِّسَالَةُ، وَالصَّنَائِعُ تَجِبُ (¬9) بِالسَّمْعِ، وَتُوجَدُ (¬10) بِتَبْصِيرِ الْحَقِّ، وَتَنْمُو (¬11) عَلَى مُشَاهَدَةِ (¬12) الشَّوَاهِدِ ". ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬2) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: وُجُوهٍ. (¬3) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ. (¬4) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي. (¬5) عِبَارَةُ " وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ " فِي (و) ، مَنَازِلِ السَّائِرِينَ فَقَطْ. (¬6) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ ص 111: بِحَقِّ. (¬7) سَلِمُوا: كَذَا فِي (و) ، مَنَازِلِ السَّائِرِينَ وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَسْلَمُوا. (¬8) هَذَا: كَذَا فِي (و) ، " مَنَازِلِ السَّائِرِينَ "، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَهَذَا. (¬9) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: يَجِبُ. (¬10) ن: وَتَوْحِيدُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ح، ي: وَتُؤْخَذُ، مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: وَيُوجَدُ. (¬11) ن، و: مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: وَيَنْمُو. (¬12) و: مَشَاهِدِ.

قَالَ (¬1) : " وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الثَّانِي الَّذِي يَثْبُتُ بِالْحَقَائِقِ فَهُوَ تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ. وَهُوَ إِسْقَاطُ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ، وَالصُّعُودُ عَنْ (¬2) مُنَازَعَاتِ الْعُقُولِ (¬3) ، وَعَنِ التَّعَلُّقِ بِالشَّوَاهِدِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَشْهَدَ (¬4) فِي التَّوْحِيدِ دَلِيلًا، وَلَا فِي التَّوَكُّلِ سَبَبًا، وَلَا فِي النَّجَاةِ (¬5) وَسِيلَةً (¬6) ، فَيَكُونُ (¬7) مُشَاهِدًا سَبَقَ (¬8) الْحَقُّ بِحُكْمِهِ وَعِلْمِهِ، وَوَضْعِهِ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَتَعْلِيقِهِ (¬9) إِيَّاهَا بِأَحَايِينِهَا، وَإِخْفَائِهِ (¬10) إِيَّاهَا فِي رُسُومِهَا (¬11) ، وَيُحَقِّقُ (¬12) مَعْرِفَةَ الْعِلَلِ، وَيَسْلُكُ (¬13) سَبِيلَ إِسْقَاطِ الْحَدَثِ (¬14) . هَذَا تَوْحِيدُ (¬15) الْخَاصَّةِ الَّذِي يَصِحُّ بِعِلْمِ الْفَنَاءِ، وَيَصْفُو فِي عِلْمِ الْجَمْعِ، وَيَجْذِبُ إِلَى تَوْحِيدِ أَرْبَابِ الْجَمْعِ ". قَالَ (¬16) : " وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الثَّالِثُ فَهُوَ تَوْحِيدٌ اخْتَصَّهُ الْحَقُّ لِنَفْسِهِ، ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً ص 111 (¬2) ح: مِنْ. (¬3) و: الْمَعْقُولِ. (¬4) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ تَشْهَدَ. (¬5) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: لِلنَّجَاةِ. (¬6) عِنْدَ كَلِمَةِ " وَسِيلَةً " تَعُودُ نُسْخَةُ (م) بَعْدَ الِانْقِطَاعِ. (¬7) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: فَتَكُونُ. (¬8) ن: يَسْبِقُ، م: لِسَبْقِ. (¬9) ن، م: وَتَعْلِيقِهَا. (¬10) ب (فَقَطْ) : وَإِخْفَائِهِ. (¬11) و: شُئُونِهَا. (¬12) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ، ر، ح، ي وَتُحَقِّقُ. (¬13) ن، مَنَازِلِ السَّائِرِينَ وَتَسْلُكُ. (¬14) م، ب: الْحُدُوثِ. (¬15) ح، ب: هَذَا هُوَ تَوْحِيدُ. (¬16) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً، ص 112

وَاسْتَحَقَّهُ بِقَدْرِهِ، وَأَلَاحَ مِنْهُ لَائِحًا إِلَى أَسْرَارِ طَائِفَةٍ مِنْ صَفْوَتِهِ، وَأَخْرَسَهُمْ عَنْ نَعْتِهِ، وَأَعْجَزَهُمْ عَنْ بَثِّهِ. وَالَّذِي يُشَارُ [بِهِ] (¬1) إِلَيْهِ عَلَى أَلْسُنِ الْمُشِيرِينَ أَنَّهُ إِسْقَاطُ الْحَدَثِ (¬2) ، وَإِثْبَاتُ الْقِدَمِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّمْزَ فِي ذَلِكَ التَّوْحِيدِ عِلَّةٌ، لَا يَصِحُّ [ذَلِكَ التَّوْحِيدُ] (¬3) إِلَّا بِإِسْقَاطِهَا. هَذَا قُطْبُ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ عَلَى أَلْسُنِ عُلَمَاءِ أَهْلِ هَذَا الطَّرِيقِ (¬4) ، وَإِنْ زَخْرَفُوا لَهُ نُعُوتًا، وَفَصَلُوهُ فُصُولًا (¬5) ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّوْحِيدَ تَزِيدُهُ الْعِبَارَةُ خَفَاءً (¬6) ، وَالصِّفَةُ نُفُورًا، وَالْبَسْطُ صُعُوبَةً، وَإِلَى هَذَا التَّوْحِيدِ (¬7) شَخَصَ أَهْلُ الرِّيَاضَةِ وَأَرْبَابُ الْأَحْوَالِ، وَإِلَيْهِ (¬8) قَصَدَ أَهْلُ التَّعْظِيمِ، وَإِيَّاهُ (¬9) عَنَى الْمُتَكَلِّمُونَ فِي عَيْنِ الْجَمْعِ، وَعَلَيْهِ تَصْطَلِمُ الْإِشَارَاتُ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ عَنْهُ (¬10) لِسَانٌ، وَلَمْ تُشِرْ إِلَيْهِ عِبَارَةٌ، فَإِنَّ التَّوْحِيدَ وَرَاءَ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مُكَوَّنٌ، أَوْ يَتَعَاطَاهُ خَبَرٌ (¬11) ، أَوْ يُقِلُّهُ سَبَبٌ ". قَالَ (¬12) : " وَقَدْ أَجَبْتُ فِي سَالِفِ الدَّهْرِ (¬13) سَائِلًا سَأَلَنِي عَنْ تَوْحِيدِ الصُّوفِيَّةِ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَأُثْبِتُهَا مِنْ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ. (¬2) ب، م: الْحُدُوثِ. (¬3) عِبَارَةُ " ذَلِكَ التَّوْحِيدُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) و: مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: عُلَمَاءِ هَذَا الطَّرِيقِ. (¬5) فُصُولًا كَذَا فِي (ن) ، (م) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: تَفْصِيلًا. (¬6) و: جَفَاءً، ن: حَقًّا. (¬7) ح، ب، ر، ي: وَإِلَى أَهْلِ هَذَا التَّوْحِيدِ. (¬8) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: وَلَهُ. (¬9) ي، ر: وَإِلَيْهِ وَإِيَّاهُ. (¬10) ن، م: بِهِ. (¬11) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ ص 113: حِينٌ. (¬12) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً ص 113 (¬13) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: الزَّمَانِ.

بِهَذِهِ الْقَوَافِي الثَّلَاثِ: مَا وَحَّدَ الْوَاحِدَ مِنْ وَاحِدٍ ... إِذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ تَوْحِيدُ مَنْ يَنْطِقُ عَنْ نَعْتِهِ ... عَارِيَةٌ أَبْطَلَهَا الْوَاحِدُ تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُهُ ... وَنَعْتُ مَنْ يَنْعَتُهُ لَاحِدُ قُلْتُ: وَقَدْ بَسَطْتُ (¬1) الْكَلَامَ عَلَى [هَذَا وَأَمْثَالِهِ] فِي غَيْرِ (¬2) هَذَا الْمَوْضِعِ، لَكِنْ نُنَبِّهُ هُنَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، فَنَقُولُ؟ أَمَّا التَّوْحِيدُ [الْأَوَّلُ] (¬3) الَّذِي ذَكَرَهُ فَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، وَبِهِ بَعَثَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الرُّسُلِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 45] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 36] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 25] . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْ كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ، مِثْلِ نُوحٍ وَهُودٍ، وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ، وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهُمْ قَالُوا لِقَوْمِهِمُ: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. وَهَذَا أَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ وَآخِرُهَا. ¬

(¬1) و: بَسَطْنَا. (¬2) ن، م: عَلَيْهِ فِي غَيْرِ. (¬3) الْأَوَّلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ: " «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» " (¬1) . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا: " «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» " (¬2) . وَقَالَ: " «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» " (¬3) . وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مَمْلُوءٌ مِنْ تَحْقِيقِ هَذَا التَّوْحِيدِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيقِ النَّجَاةِ وَالْفَلَاحِ، وَاقْتِضَاءِ السَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاسَ مُتَفَاضِلُونَ فِي تَحْقِيقِهِ، وَحَقِيقَتُهُ إِخْلَاصُ الدِّينِ كُلِّهِ لِلَّهِ. وَالْفَنَاءُ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ مَقْرُونٌ بِالْبَقَاءِ (¬4) ، وَهُوَ أَنْ تُثْبِتَ إِلَهِيَّةَ الْحَقِّ فِي قَلْبِكَ، وَتَنْفِيَ إِلَهِيَّةَ مَا سِوَاهُ، فَتَجْمَعَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَتَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَالنَّفْيُ هُوَ الْفَنَاءُ، وَالْإِثْبَاتُ هُوَ الْبَقَاءُ. وَحَقِيقَتُهُ أَنْ تَفْنَى بِعِبَادَتِهِ عَمَّا سِوَاهُ، [وَمَحَبَّتِهِ عَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ] (¬5) ، وَبِخَشْيَتِهِ عَنْ خَشْيَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِطَاعَتِهِ عَنْ طَاعَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِمُوَالَاتِهِ عَنْ مُوَالَاةِ مَا سِوَاهُ، وَبِسُؤَالِهِ عَنْ سُؤَالِ مَا سِوَاهُ، وَبِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ عَنْ الِاسْتِعَاذَةِ (¬6) بِمَا سِوَاهُ، وَبِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ عَنِ التَّوَكُّلِ عَلَى ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/121 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 1/55 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا) ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْمَعَارِفِ) 1/376 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/122 (¬4) ن، م: بِالْفَنَاءِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬6) ن: وَبِالِاسْتِغَاثَةِ بِهِ عَنْ الِاسْتِغَاثَةِ.

مَا سِوَاهُ، وَبِالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِ عَنِ التَّفْوِيضِ إِلَى مَا سِوَاهُ، وَبِالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ عَنِ الْإِنَابَةِ إِلَى مَا سِوَاهُ، وَبِالتَّحَاكُمِ إِلَيْهِ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَى مَا سِوَاهُ، وَبِالتَّخَاصُمِ إِلَيْهِ عَنِ التَّخَاصُمِ إِلَى مَا سِوَاهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يَقُولُ: (* إِذَا قَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ (¬1) بَعْدَ التَّكْبِيرِ *) (¬2) : " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ (¬3) وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السِّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ (¬4) أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقَّ (¬5) ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ; فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ» " (¬6) . وَقَالَ - تَعَالَى -: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 14] . ¬

(¬1) ح، ر، ي، ب، م: يَقُولُ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬3) و: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ. (¬4) عِبَارَةُ " وَلَك الْحَمْدُ " لَيْسَتْ فِي (و) . (¬5) ب: أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، ح: أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا فِي الْبُخَارِيِّ 2/48 - 49 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ التَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ) وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/532 - 534 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ الدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقِيَامِهِ) . وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ، وَهُوَ فِيَ " الْمُسْنَدِ " (ط. الْمَعَارِفِ) 4/249 - 250، 291 - 292، 5/125

وَقَالَ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 114] . وَقَالَ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ - وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ - بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 64 - 66] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ - قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 161 - 164] . وَهَذَا التَّوْحِيدُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ أَوَّلُ الدِّينِ وَآخِرُهُ، وَبَاطِنُ الدِّينِ وَظَاهِرُهُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِ هَذَا التَّوْحِيدِ لِأُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، ثُمَّ لِلْخَلِيلَيْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا -. فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا» " (¬1) . ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ سَبَقَ فِيمَا مَضَى 1/475 عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ مَكَانَهُ فِي مُسْلِمٍ وَنَصُّهُ فِيهِ: " إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَجَاءَتِ الْأَلْفَاظُ الْوَارِدَةُ هُنَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/50 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَضْلُ الْعَبَّاسِ، وَنَصُّهُ: " إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ، فَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُجَاهَيْنِ، وَالْعَبَّاسُ بَيْنَنَا مُؤْمِنٌ بَيْنَ خَلِيلَيْنِ "، إِلَّا أَنَّ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الزَّوَائِدِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ مَوْضُوعٌ، وَكَذَا قَالَ عَنْهُ الْأَلْبَانِيُّ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/66

وَأَفْضَلُ الرُّسُلِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِبْرَاهِيمُ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَنْ «خَيْرِ الْبَرِيَّةِ: " إِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ» (¬1) . وَهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ إِمَامًا، وَجَعَلَهُ أُمَّةً، وَالْأُمَّةُ الْقُدْوَةُ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ، فَإِنَّهُ حَقَّقَ هَذَا التَّوْحِيدَ، وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّتُهُ. قَالَ تَعَالَى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ - رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 4 - 6] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ - وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 26 - 28] . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 4/1839 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَلَفْظُهُ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/302 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ) " الْمُسْنَدِ " (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/178، 184

وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: {يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ - إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ - وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ - وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ - وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 78 - 83] . وَقَالَ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ - أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ - فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 75 - 77] . وَالْخَلِيلُ هُوَ الَّذِي تَخَلَّلَتْ مَحَبَّةُ خَلِيلِهِ قَلْبَهُ (¬1) ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْلَكٌ لِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ: قَدْ تَخَلَّلَتْ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ... وَبِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلًا وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ [مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَلِيلِ، وَهُوَ الْفَقِيرُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَلَّةِ بِالْفَتْحِ. كَمَا قِيلَ: ¬

(¬1) و، ي: مَحَبَّةُ الْخَلِيلِ قَلْبَهُ، ح: مَحَبَّتُهُ قَلْبَ خَلِيلِهِ.

وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ ... يَقُولُ لَا غَائِبٌ مَالِي وَلَا حَرَمُ (¬1) وَالصَّوَابُ أَنَّهُ (¬2) مِنَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلثَّانِي فَإِنَّ كَمَالَ] (¬3) حُبِّهِ لِلَّهِ هُوَ مَحَبَّةُ عُبُودِيَّةٍ وَافْتِقَارٍ، لَيْسَتْ كَمَحَبَّةِ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ، فَإِنَّهَا مَحَبَّةُ اسْتِغْنَاءٍ وَإِحْسَانٍ. وَلِهَذَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 111] . فَالرَّبُّ لَا يُوَالِي عَبْدَهُ مِنْ ذُلٍّ (¬4) ، كَمَا يُوَالِي الْمَخْلُوقَ لِغَيْرِهِ، بَلْ يُوَالِيهِ إِحْسَانًا إِلَيْهِ، وَالْوَلِيُّ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَالْوِلَايَةُ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ. وَأَصْلُ الْوِلَايَةِ الْحُبُّ، وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ، وَإِذَا قِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَلِيِّ، وَهُوَ الْقُرْبُ. فَهَذَا جُزْءٌ مَعْنَاهُ (¬5) ، فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَقْرُبُ إِلَى (¬6) وَلِيِّهِ، وَالْعَدُوُّ يَبْعُدُ عَنْ عَدُوِّهِ. وَلَمَّا كَانَتِ الْخَلَّةُ تَسْتَلْزِمُ كَمَالَ الْمَحَبَّةِ وَاسْتِيعَابَ الْقَلْبِ، لَمْ يَصْلُحْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخَالِلَ مَخْلُوقًا (¬7) ، بَلْ قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» " (¬8) . ¬

(¬1) الْبَيْتُ مِنْ شِعْرِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى (دِيوَانُهُ، ط. دَارِ الْكُتُبِ ص 153) (¬2) و: أَنَّهَا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) ح، ب: مِنَ الذُّلِّ. (¬5) و: مَعْنَاهَا. (¬6) ح، ب: مِنْ. (¬7) ن، م: أَحَدًا. (¬8) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512

وَلِهَذَا امْتَحَنَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ. وَالذَّبِيحُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ ابْنُهُ الْكَبِيرُ إِسْمَاعِيلُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ سُورَةُ " الصَّافَّاتِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ (¬1) سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرَهُ بِالْغُلَامِ الْحَلِيمِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ، لِئَلَّا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةُ مَخْلُوقٍ تُزَاحِمُ مَحَبَّةَ الْخَالِقِ، إِذْ كَانَ قَدْ طَلَبَهُ وَهُوَ بِكْرُهُ. وَكَذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ يَقُولُ: " اذْبَحِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ "، وَفِي تَرْجَمَةٍ أُخْرَى " بِكْرُكَ "، وَلَكِنْ أَلْحَقَ الْمُبَدِّلُونَ لَفْظَ إِسْحَاقَ، وَهُوَ بَاطِلٌ (¬2) . فَإِنَّ إِسْحَاقَ هُوَ الثَّانِي مِنْ أَوْلَادِهِ (¬3) بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَيْسَ هُوَ وَحِيدُهُ وَلَا بِكْرُهُ، وَإِنَّمَا وَحِيدُهُ وَبِكْرُهُ إِسْمَاعِيلُ. وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّةَ الذَّبِيحِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ بَعْدَ هَذَا: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 112] . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {فَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [سُورَةُ هُودٍ: 71] . فَكَيْفَ يُبَشِّرُهُ بِوَلَدٍ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِذَبْحِهِ؟ . وَالْبِشَارَةُ بِإِسْحَاقَ وَقَعَتْ لِسَارَّةَ، وَكَانَتْ قَدْ غَارَتْ مِنْ هَاجَرَ لَمَّا وَلَدَتْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَمَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْهَبَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأَمِّهِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ لَمَّا جَاءَ الضَّيْفُ - وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ - لِإِبْرَاهِيمَ، بَشَّرُوهَا (¬4) بِإِسْحَاقَ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ بِذَبْحِ إِسْحَاقَ مَعَ بَقَاءِ إِسْمَاعِيلَ؟ . وَهِيَ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى وُجُودِ إِسْمَاعِيلَ وَحْدَهُ، بَلْ غَارَتْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنٌ ¬

(¬1) قَدْ كَانَ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَانَ قَدْ. (¬2) ح، ي، ر، و: مُمْتَنِعٌ. (¬3) و: مِنَ الْأَوْلَادِ. (¬4) ب فَقَطْ: وَبَشَّرُوهَا.

مِنْ غَيْرِهَا، فَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى ذَبْحِ ابْنِهَا وَبَقَاءِ ابْنِ ضُرَّتِهَا؟ وَكَيْفَ يَأْمُرُ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ (¬1) وَأُمُّهُ مُبَشَّرَةٌ بِهِ وَبِابْنِ ابْنِهِ [يَعْقُوبَ] (¬2) ؟ وَأَيْضًا (¬3) فَالذَّبْحُ إِنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ، وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرْنَيِ الْكَبْشِ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ لِلْحَاجِبِ: " «إِنِّي رَأَيْتُ قَرْنَيِ الْكَبْشِ فِي الْكَعْبَةِ، فَخَمَّرَهُمَا (¬4) ; فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْكَعْبَةِ شَيْءٌ يُلْهِي الْمُصَلِّي» " (¬5) . وَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ هُمَا اللَّذَانِ بَنَيَا الْكَعْبَةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِسْحَاقُ (¬6) كَانَ فِي الشَّامِ. وَالْمَقْصُودُ بِالْأَمْرِ بِالذَّبْحِ أَنْ لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا إِذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا صَارَ لَهُ ابْنَانِ، فَالْمَقْصُودُ لَا ¬

(¬1) و: إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ. (¬2) وَبِابْنِ ابْنِهِ يَعْقُوبَ: كَذَا فِي (م) وَفِي (ن) ، (ر) ، (ي) : وَبِابْنِ ابْنِهِ، وَفِي (ح) ، (ب) وَبِابْنِهِ وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " وَبِابْنِ ابْنِهِ " مِنْ (و) . (¬3) ح، ب: أَيْضًا، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (و) . (¬4) ح، ي، ب: فَخَمَّرَهَا، وَفِي هَامِشِ (ر) " يَعْنِي: فَغَطَّاهُمَا ". (¬5) الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/289 - 290 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابٌ فِي دُخُولِ الْكَعْبَةِ) وَنَصُّهُ: " حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُسَدَّدٌ، قَالُوا: ثِنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ الْحَجَبِيِّ، حَدَّثَنِي خَالِي، عَنْ أُمِّي صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ الْأَسْلَمِيَّةَ تَقُولُ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَعَاكَ؟ قَالَ: قَالَ: إِنِّي نَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَ الْقَرْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ. قَالَ ابْنُ السَّرْحِ: خَالِي مُسَافِعُ بْنُ شَيْبَةَ. وَجَاءَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ رَقَمِ 2030: قَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَرُوِيَ كَمَا قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرُوِيَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِهِ مُسَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنِ امْرَأَةٍ مَنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ خَالِهِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أُمَّهُ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ - مَعَ أَخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/68، 5/380 وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ 1/316 وَقَالَ السُّيُوطِيُّ " حم (أَحْمَدُ) ض (الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْجِنَانِ) ق (الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ) عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ ". (¬6) ن، م: وَإِبْرَاهِيمُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

يَحْصُلُ إِلَّا بِذَبْحِهِمَا جَمِيعًا. وَكُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ إِسْحَاقُ، فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنِ الْيَهُودِ، أَهْلِ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُمْ. [وَقَدْ بَسَطْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ] (¬1) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْخَلِيلَيْنِ هُمَا أَكْمَلُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ تَوْحِيدًا ; فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هُوَ أَكْمَلُ تَوْحِيدًا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَضْلًا عَنِ الرُّسُلِ، فَضْلًا عَنْ أُولِي الْعَزْمِ، فَضْلًا عَنِ الْخَلِيلَيْنِ. وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِمَا بِتَحْقِيقِ إِفْرَادِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ شَيْءٌ لِغَيْرِ اللَّهِ أَصْلًا، بَلْ يَبْقَى الْعَبْدُ (¬2) مُوَالِيًا لِرَبِّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، يُحِبُّ مَا أَحَبَّ، وَيُبْغِضُ مَا أَبْغَضَ، وَيَرْضَى بِمَا رَضِيَ (¬3) ، وَيَسْخَطُ بِمَا سَخِطَ (¬4) ، وَيَأْمُرُ بِمَا أَمَرَ، وَيَنْهَى عَمَّا نَهَى. وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ وَسَمَّاهُ " تَوْحِيدَ الْخَاصَّةِ "، فَهُوَ الْفَنَاءُ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ رُبُوبِيَّةً (¬5) الرَّبُّ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، وَأَنَّهُ وَحْدَهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، وَالْفَنَاءُ إِذَا كَانَ فِي تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ: وَهُوَ (¬6) أَنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (و) بَدَلًا مِنْهُ: " وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ ". وَقَالَ ابْنُ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص 54 " وَلَهُ جَوَابٌ فِي أَنَّ الذَّبِيحَ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ إِسْمَاعِيلُ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ "، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ "، ص 22. (¬2) ب فَقَطْ: لِغَيْرِ اللَّهِ أَصْلًا، وَكَمَالُ هَذَا التَّوْحِيدِ يُوجِبُ أَنْ يَبْقَى الْعَبْدُ. (¬3) رَضِيَ: كَذَا فِي (و) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَرْضَى. (¬4) ن، م، ي: يَسْخَطُ. (¬5) ح، ب، و: بِرُبُوبِيَّةٍ. (¬6) ب فَقَطْ: هُوَ.

يَسْتَوْلِيَ عَلَى الْقَلْبِ شُهُودُ مَعْبُودِهِ وَذِكْرُهُ وَمَحَبَّتُهُ، حَتَّى لَا يُحِسَّ بِشَيْءٍ آخَرَ، مَعَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ مَا أَثْبَتَهُ الْحَقُّ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْحِكَمِ، وَعِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَكِنْ غَلَبَ عَلَى الْقَلْبِ شُهُودُ الْوَاحِدِ، كَمَا يُقَالُ: غَابَ بِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ، وَبِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ، وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ. كَمَا يُذْكَرُ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُحِبُّ آخَرَ، فَوَقَعَ الْمَحْبُوبُ فِي الْيَمِّ، فَأَلْقَى الْمُحِبُّ نَفْسَهُ خَلْفَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَنَا وَقَعْتُ فَلِمَاذَا وَقَعْتَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: غِبْتُ بِكَ عَنِّي، فَظَنَنْتُ أَنَّ أَنِّي (¬1) . فَصَاحِبُ هَذَا الْفَنَاءِ إِذَا غُلِبَ (¬2) فِي ذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ، لِعَجْزِهِ عِنْدَ غَلَبَةِ ذِكْرِ الرَّبِّ عَلَى قَلْبِهِ عَنْ شُعُورِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ، كَمَا يُعْذَرُ مَنْ سَمِعَ الْحَقَّ فَمَاتَ أَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ، وَكَمَا عُذِرَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صُعِقَ حِينَ تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ. وَلَيْسَ هَذَا الْحَالُ غَايَةَ السَّالِكِينَ، وَلَا لَازِمًا لِكُلِّ سَالِكٍ. [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ سَالِكٍ] (¬3) مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، هُمْ أَفْضَلُ. وَمَا أَصَابَ أَحَدًا مِنْهُمْ هَذَا الْفَنَاءُ وَلَا صَعْقٌ وَلَا مَوْتٌ (¬4) عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ. وَإِنَّمَا تَجِدُ (¬5) هَذَا الصَّعْقُ فِي التَّابِعِينَ، لَا سِيَّمَا فِي عُبَّادِ الْبَصْرِيِّينَ. ¬

(¬1) ب: فَظَنَنْتُ أَنَّكَ أَنَا، ن، م: حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَنِّي. (¬2) ح، ر، ب: إِذَا غَابَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ح، ب: وَلَا صُعِقَ وَلَا مَاتَ. (¬5) تَجِدُ: كَذَا فِي (ي) وَفِي (ن) تَجِدُ وَفِي (م) يَجِدُ وَفِي (ح) ، (ر) (و) (ب) تَجَدَّدَ.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ هَذَا الْفَنَاءَ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا سَيْرُ الْعَارِفِينَ. وَهَذَا أَضْعَفُ [مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ] (¬1) . وَمَا يُذْكَرُ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ (¬2) مِنْ قَوْلِهِ: " مَا فِي الْجُبَّةِ إِلَّا اللَّهُ " وَقَوْلِهِ: " أَيْنَ أَبُو يَزِيدَ؟ أَنَا أَطْلُبُ أَبَا يَزِيدَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ " وَنَحْوُ ذَلِكَ (¬3) ، فَقَدْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا أَفَاقَ أَنْكَرَ هَذَا. فَهَذَا وَنَحْوُهُ كُفْرٌ، لَكِنْ إِذَا زَالَ الْعَقْلُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ الْإِنْسَانُ، كَالنَّوْمِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أَبُو يَزِيدَ طَيْفُورُ بْنُ عِيسَى الْبَسْطَامِيُّ وَيُقَالُ: بَا يَزِيدَ، صُوفِيٌّ شَهِيرٌ لَهُ شَطَحَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَقُولُ الزِّرِكْلِيُّ: " وَفِي الْمُسْتَشْرِقِينَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ وَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ قَائِلٍ بِمَذْهَبِ الْفَنَاءِ Nirvana وَيُعْرَفُ أَتْبَاعُهُ بِالطَّيْفُورِيَّةِ أَوِ الْبَسْطَامِيَّةِ "، وُلِدَ سَنَةَ 188 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 261 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمَذْهَبَهُ فِي: طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ ص 67 - 74، الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى 1/65 - 66، صِفَةِ الصَّفْوَةِ 4/89 - 94، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/143 - 144، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/346 - 347، الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ 1/80 - 82، الْأَعْلَامِ 3/339 (¬3) للدكتور عَبْد الرَّحْمَن بَدَوِي كِتَابُ " شَطَحَاتِ الصُّوفِيَّةِ "، أَوْرَدَ فِيهِ الْكَثِيرَ مِنْ شَطَحَاتِ أَبِي يَزِيدَ الْبَسْطَامِيِّ وَنَشَرَ فِيهِ رِسَالَةَ " النُّورُ مِنْ كَلِمَاتِ أَبِي طَيْفُورٍ " الْمَنْسُوبَةَ إِلَى السَّهْلَجِيِّ (ط. النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ) ، الْقَاهِرَةِ 1949 " وَوُجَدْتُ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ النَّصَّ التَّالِيَ ص 65. قَصَدَ أَبَا يَزِيدَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ ذِي النُّونِ فَقَالَ لَهُ: مَنْ تَطْلُبُ؟ قَالَ: أَبَا يَزِيدَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَبُو يَزِيدَ يَطْلُبُ أَبَا يَزِيدَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. فَرَجَعَ إِلَى ذِي النُّونِ وَأَخْبَرَهُ فَغُشِيَ عَلَيْهِ. وَهُوَ نَصٌّ مُقَارِبٌ لِلنَّصِّ الثَّانِي الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (وَانْظُرْ ص 110) . أَمَّا النَّصُّ الْأَوَّلُ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَهُوَ يُنْسَبُ فِي الْغَالِبِ إِلَى الْحَلَّاجِ (انْظُرْ كِتَابَ " مَدْخَلٌ إِلَى التَّصَوُّفِ الْإِسْلَامِيِّ " للدكتور أَبِي الْوَفَا التَّفْتَازَانِيِّ، ص 129 ط. دَارِ الثَّقَافَةِ الْقَاهِرَةِ 1979) ، عَلَى أَنَّ الْبَسْطَامِيَّ لَهُ عِبَارَاتٌ مُشَابِهَةٌ بَلْ أَكْثَرُ شَنَاعَةً مِثْلُ قَوْلِهِ: " سُبْحَانِي مَا أَعْظَمَ سُلْطَانِي "، " شَطَحَاتِ ص 111 " وَقَوْلُهُ لَمَّا جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَرَأَ عِنْدَهُ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لِشَدِيدٌ قَالَ: " وَحَيَاتِهِ إِنَّ بَطْشِي أَشَدُّ مِنْ بَطْشِهِ "، (شَطَحَاتِ ص 111) وَقَوْلِهِ: " كُنْتُ أَطُوفُ حَوْلَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا أَنْ وَصَلْتُ إِلَيْهِ رَأَيْتُ الْبَيْتَ يَطُوفُ حَوْلِي " ص 108

وَالْإِغْمَاءِ، لَمْ يَكُنْ مُؤَاخَذًا بِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ فِي حَالِ عَدَمِ التَّكْلِيفِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مِنْ ضَعْفِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ. وَأَمَّا الْفَنَاءُ الَّذِي يَذْكُرُهُ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ " فَهُوَ الْفَنَاءُ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، لَا فِي تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ (¬1) ، وَهُوَ يُثْبِتُ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ نَفْيِ الْأَسْبَابِ وَالْحُكْمِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ الْمُجْبِرَةِ (¬2) ، كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، وَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ (¬3) ، وَإِنْ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مُبَايَنَةً لِلْجَهْمَيَّةِ فِي الصِّفَاتِ، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَابَهُ " الْفَارُوقُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُثْبِتَةِ وَالْمُعَطَّلَةِ " (¬4) وَصَنَّفَ كِتَابَ " تَكْفِيرُ الْجَهْمِيَّةِ " (¬5) وَصَنَّفَ كِتَابَ " ذَمُّ الْكَلَامِ وَأَهْلِهِ " (¬6) ، وَزَادَ فِي هَذَا الْبَابِ حَتَّى صَارَ يُوصَفُ بِالْغُلُوِّ فِي الْإِثْبَاتِ لِلصِّفَاتِ، لَكِنَّهُ فِي الْقَدَرِ عَلَى رَأْيِ الْجَهْمِيَّةِ، نُفَاةُ الْحِكَمِ وَالْأَسْبَابِ. ¬

(¬1) ن، م: الْأُلُوهِيَّةِ. (¬2) ح، ب: الْقُدْرَةِ وَالْمُجْبِرَةِ. (¬3) وَيَقْصِدُ بِهِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ أَبَا إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيَّ الْأَنْصَارِيَّ صَاحِبُ مُنَازِلِ السَّائِرِينَ (¬4) و: الْفَارُوقُ بَيْنَ الْمُثْبِتَةِ. . وَذَكَرَ مُحَمَّدْ سَعِيدْ الْأَفْغَانِيُّ هَذَا الْكِتَابَ فِي كِتَابِهِ عَنِ الْهَرَوِيِّ وَقَالَ (ص 102) " ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي ص 51 مِنْ كِتَابِهِ " الذَّيْلُ عَلَى طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ " وَأَيْضًا أَشَارَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بَاشَا (الْمُجَلَّدُ الْأَوَّلُ ص 452) وَالْعَلَّامَةُ السُّبْكِيُّ (طَبَقَاتُ الشَّافِعِيَّةِ ج [0 - 9] ص [0 - 9] 20) (¬5) ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ الْأَنْصَارِيُّ فِي كِتَابِهِ " ذَمُّ الْكَلَامِ وَأَهْلِهِ " (انْظُرْ كِتَابَ الْأَفْغَانِيِّ ص 105) (¬6) ذَكَرَهُ مُحَمَّدْ سَعِيدْ الْأَفْغَانِيُّ فِي كِتَابِهِ (ص 104 - 105) وَأَشَارَ إِلَى وُجُودِ نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ مِنْهُ فِي الْمَكْتَبَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَفِي مَكْتَبِ الْمَتْحَفِ الْبِرِيطَانِيِّ بِلُنْدَنَ وَفِي مَعْهَدِ الْإِلَهِيَّاتِ بِأَنْقِرَةَ كَمَا أَنَّ مِنْهُ نُسْخَةً مُصَوَّرَةً فِي مَعْهَدِ الْمَخْطُوطَاتِ بِالْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ لَخَّصَهُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ: " صَوْنُ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ ". وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ نُصُوصًا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فِي " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " 2/82 - 83 7/185

وَالْكَلَامُ فِي الصِّفَاتِ نَوْعٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْقَدَرِ نَوْعٌ، وَهَذَا الْفَنَاءُ عِنْدَهُ لَا يُجَامِعُ الْبَقَاءَ ; فَإِنَّهُ نَفْيٌ لِكُلِّ مَا سِوَى حُكْمِ الرَّبِّ بِإِرَادَتِهِ الشَّامِلَةِ، الَّتِي تُخَصِّصُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُخَصِّصٍ. وَلِهَذَا قَالَ فِي " بَابِ التَّوْبَةِ " فِي لَطَائِفِ أَسْرَارِ التَّوْبَةِ (¬1) : " اللَّطِيفَةُ (¬2) الثَّالِثَةُ: أَنَّ (¬3) مُشَاهَدَةَ الْعَبْدِ الْحُكْمَ لَمْ تَدَعْ لَهُ اسْتِحْسَانَ حَسَنَةٍ وَلَا اسْتِقْبَاحَ سَيِّئَةٍ، لِصُعُودِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَانِي إِلَى مَعْنَى الْحُكْمِ " أَيِ الْحُكْمِ الْقَدَرِيِّ، وَهُوَ خَلْقُهُ لِكُلِّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ ; فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ فِي الْوُجُودِ فَرْقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّبِّ، بَلْ يَقُولُ: كُلُّ مَا سِوَاهُ مَحْبُوبٌ لَهُ، مَرْضِيٌّ لَهُ، مُرَادٌ لَهُ، سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، لَيْسَ يُحِبُّ شَيْئًا وَيُبْغِضُ شَيْئًا، فَإِنَّ مُشَاهَدَةَ هَذَا لَا يَكُونُ مَعَهَ اسْتِحْسَانُ حَسَنَةٍ، وَلَا اسْتِقْبَاحُ سَيِّئَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّبِّ ; إِذْ الِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِقْبَاحُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَبْدِ: يَسْتَحْسِنُ مَا يُلَائِمُهُ، وَيَسْتَقْبِحُ مَا يُنَافِيهِ. وَفِي عَيْنِ الْفَنَاءِ لَا يَشْهَدُ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ، بَلْ لَا يَشْهَدُ إِلَّا فِعْلَ رَبِّهِ، فَعِنْدَ هَذِهِ الْمُشَاهَدَةِ لَا يَسْتَحْسِنُ شَيْئًا وَيَسْتَقْبِحُ آخَرَ، عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ، الْمُتَّبِعِينَ لِجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَمْثَالِهِ. وَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْقَدَرِيَّةَ فِي أَنَّ مَشِيئَةَ الرَّبِّ وَإِرَادَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَرِضَاهُ سَوَاءٌ. ثُمَّ قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ النُّفَاةُ: وَهُوَ لَا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، فَهُوَ لَا يُرِيدُهُ وَلَا يَشَاؤُهُ ; فَيَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ. ¬

(¬1) فِي كِتَابِهِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ ص 11 (¬2) مَنَازِلِ السَّائِرِينَ وَاللَّطِيفَةُ. (¬3) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .

وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ: بَلْ هُوَ يَشَاءُ كُلَّ شَيْءٍ، فَهُوَ يُرِيدُهُ وَيُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ. وَأَمَّا السَّلَفُ وَأَتْبَاعُهُمْ: فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْمَحَبَّةِ. وَأَمَّا الْإِرَادَةُ فَتَكُونُ تَارَةً بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ، وَتَارَةً بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ: قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا. وَقَوْلُ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَاخْتَارَ هُوَ التَّسْوِيَةَ، وَأَبُو الْمَعَالِي يَقُولُ: إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ أَوَّلُ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، لَكِنِّي رَأَيْتُهُ فِي " الْمُوجَزِ " قَدْ حَكَى قَوْلَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَعَنِ ابْنِ كُلَّابٍ، وَعَنِ الْكَرَابِيسِيِّ، وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ يَقُولُ: " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ يُحِبُّهُ، غَيْرُ الْأَشْعَرِيِّ ". وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فَهُوَ فِي " الْمُعْتَمَدِ " يُوَافِقُ الْأَشْعَرِيَّ، وَفِي " مُخْتَصَرِهِ " ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُعْتَمَدِ " قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ يَقُولُ بِالْفَرْقِ، وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ بِتَأْوِيلٍ بَاطِلٍ (¬1) . لَكِنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَيُعَاقِبُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَإِنْ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ شَامِلَةً لِلنَّوْعَيْنِ، فَهُمْ يُسَلِّمُونَ الْفَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِبَادِ، وَالْمُدَّعُونَ لِلْمَعْرِفَةِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْفَنَاءِ فِيهِمَا يَطْلُبُونَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ مُرَادٌ، بَلْ يُرِيدُونَ مَا يُرِيدُ الْحَقُّ - تَعَالَى - ; فَيَقُولُونَ: الْكَمَالُ أَنْ تَفْنَى عَنْ إِرَادَتِكَ، وَتَبْقَى مَعَ إِرَادَةِ رَبِّكَ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ¬

(¬1) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي هَامِشِ نُسْخَتَيْ (ر) (ي) كَتَبَ مَا يَلِي: " وُجِدَ فِي أَصْلِ الْأَصْلِ مَكْتُوبٌ بِخَطِّ مُصَنِّفِهِ مِنْ عِنْدِ الْإِشَارَةِ إِلَى قَوْلِهِ: " وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بَيَانُ قَوْلِهِمْ ". وَالْإِشَارَةُ فِي النُّسْخَتَيْنِ عِنْدَ الْعِبَارَةِ التَّالِيَةِ الَّتِي تَبْدَأُ هَكَذَا: لَكِنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ. . ".

الرَّبِّ سَوَاءٌ، فَلَا يَسْتَحْسِنُونَ حَسَنَةً، وَلَا يَسْتَقْبِحُونَ سَيِّئَةً. وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا مُحَرَّمٌ شَرْعًا، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بَيَانُ قَوْلِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَوْحِيدِهِمْ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الثَّانِي: " إِنَّهُ إِسْقَاطُ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ " فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ شَيْئًا بِسَبَبٍ، بَلْ يَفْعَلُ عِنْدَهُ لَا بِهِ. قَالَ: " وَالصُّعُودُ عَنْ مُنَازَعَاتِ الْعُقُولِ، وَعَنِ التَّعَلُّقِ بِالشَّوَاهِدِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَشْهَدَ فِي التَّوْحِيدِ دَلِيلًا، وَلَا فِي التَّوَكُّلِ سَبَبًا، [وَلَا فِي النَّجَاةِ وَسِيلَةً " وَذَلِكَ ; لِأَنَّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ يَكُونُ سَبَبًا] (¬1) لِشَيْءٍ أَصْلًا، وَلَا شَيْءَ جُعِلَ لِأَجْلِ شَيْءٍ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ بِشَيْءٍ. فَالشِّبَعُ عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ بِالْأَكْلِ، وَلَا الْعِلْمُ الْحَاصِلُ فِي الْقَلْبِ بِالدَّلِيلِ، وَلَا مَا يَحْصُلُ لِلْمُتَوَكِّلِ مِنَ الرِّزْقِ وَالنَّصْرِ لَهُ سَبَبٌ أَصْلًا: لَا فِي نَفْسِهِ، وَلَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا الطَّاعَاتُ عِنْدَهُمْ سَبَبٌ لِلثَّوَابِ، وَلَا الْمَعَاصِي سَبَبٌ لِلْعِقَابِ، فَلَيْسَ لِلنَّجَاةِ وَسِيلَةٌ، بَلْ مَحْضُ الْإِرَادَةِ الْوَاحِدَةِ يَصْدُرُ عَنْهَا كُلُّ حَادِثٍ، وَيَصْدُرُ مَعَ الْآخَرِ مُقْتَرِنًا بِهِ اقْتِرَانًا عَادِيًّا، لَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَلَّقٌ بِالْآخَرِ، أَوْ سَبَبٌ لَهُ، أَوْ حِكْمَةٌ لَهُ، وَلَكِنْ لِأَجْلِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ اقْتِرَانِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا أَمَارَةً وَعَلَمًا، وَدَلِيلًا عَلَى الْآخَرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْمُقْتَرِنَيْنِ عَادَةً كَانَ الْآخَرُ مَوْجُودًا مَعَهُ، وَلَيْسَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ فِي الْقَلْبِ حَاصِلًا بِهَذَا الدَّلِيلِ، بَلْ هَذَا أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الِاقْتِرَانَاتِ الْعَادِيَّةِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَلِهَذَا قَالَ: " فَيَكُونُ مُشَاهِدًا سَبَقَ الْحَقُّ بِحُكْمِهِ وَعِلْمِهِ " أى: يَشْهَدُ أَنَّهُ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ وَحَكَمَ بِهِ، أَيْ أَرَادَهُ وَقَضَاهُ وَكَتَبَهُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا هَذَا. وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ يَتْرُكُونَ الْأَسْبَابَ الدُّنْيَوِيَّةَ، وَيَجْعَلُونَ وُجُودَ السَّبَبِ كَعَدَمِهِ. وَمِنْهُمْ قَوْمٌ يَتْرُكُونَ الْأَسْبَابَ الْأُخْرَوِيَّةَ، فَيَقُولُونَ: إِنْ سَبَقَ الْعِلْمُ وَالْحُكْمُ أَنَّا سُعَدَاءُ فَنَحْنُ سُعَدَاءُ، وَإِنْ سَبَقَ أَنَّا أَشْقِيَاءُ فَنَحْنُ أَشْقِيَاءُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْعَمَلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُ الدُّعَاءَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ (¬1) مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ، وَمُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَمُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ. وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إِسْقَاطِ الْأَسْبَابِ نَظَرًا إِلَى الْقَدَرِ (¬2) ، فَرَدَّ ذَلِكَ. كَمَا [ثَبَتَ] (¬3) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَدَعُ الْعَمَلَ وَنَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابِ؟ فَقَالَ: " لَا. اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» " (¬4) ¬

(¬1) الْفَاسِدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬2) ح، ب: لِلْقَدَرِ. (¬3) ثَبَتَ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬4) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ مَرْوِيٍّ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَكْثَرِ كُتُبِ السُّنَّةِ وَفِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، انْظُرْ مَثَلًا فِي الْبُخَارِيِّ 2/96 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ) 6/170 - 171 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ بَابُ سُورَةِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ، 8/123 - 124 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) ، مُسْلِمٍ 4/2039 - 2040 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ كَيْفِيَّةِ الْخَلْقِ الْآدَمِيِّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/307 - 308 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْقَدَرِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/301 - 302 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ) ، سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ 1 - 31 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي الْقَدَرِ) ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْمَعَارِفِ) ، فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، انْظُرِ الْأَرْقَامَ 621، 1067، 1068، 1110، 1181، 1348. .

وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا أَنَّهُ «قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَا يَكْدَحُ النَّاسُ فِيهِ الْيَوْمَ وَيَعْمَلُونَ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى، أَمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِمَّا أَتَاهُمْ فِيهِ الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ: " بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَدَعُ الْعَمَلَ وَنَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا؟ فَقَالَ: " لَا. اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» (¬1) . وَفِي السُّنَنِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: " هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» (¬2) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 57] . ¬

(¬1) جَمَعَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا بَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَيْنَ جُزْءٍ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَاءَ فِي مُسْلِمٍ 4/2041 - 2042 (الْمَوْضِعِ السَّابِقِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ) وَفِيهِ: أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: " لَا، بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [سُورَةُ الشَّمْسِ: 7، 8] . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/232

وَقَالَ: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [سُورَةُ الْجَاثِيَةِ: 5] . وَقَالَ: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 14] . وَقَالَ: {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 52] . وَقَالَ: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 26] . وَقَالَ: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 16] . وَقَالَ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الشُّورَى: 52] . وَقَالَ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 7] فَكَيْفَ لَا يُشْهَدُ الدَّلِيلُ؟ ! . قَالَ: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 61] . وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [سُورَةُ يُونُسَ: 9] . وَقَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [سُورَةُ الطُّورِ: 21] . وَقَالَ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 1] . وَقَالَ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: 24] .

وَقَالَ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 32] . وَقَالَ: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 29] . وَقَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: 2 - 3] . وَقَالَ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 159] . وَقَالَ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا - وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 160 - 161] . وَقَالَ: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 6] . وَقَالَ: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 85] . وَقَالَ: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 42] . وَقَالَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 190] . وَقَالَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 164] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ.

(* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِسَعْدٍ: " عَسَى أَنْ تُخَلَّفَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ» *) (¬1) ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْصِبْ عَلَى تَوْحِيدِهِ دَلِيلًا، وَلَا جَعَلَ لِلنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهِ وَسِيلَةً، وَلَا جَعَلَ لِمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَوَكِّلُ مِنْ عِبَادِهِ سَبَبًا. وَهُوَ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ، وَخَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ بِسَبَبٍ مِنْهُ، لَكِنَّ الْأَسْبَابَ كَمَا قَالَ فِيهَا (¬2) أَبُو حَامِدٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ [بْنُ الْجَوْزِيِّ] (¬3) وَغَيْرُهُمَا: " الِالْتِفَاتُ إِلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا تَغْيِيرٌ (¬4) فِي وَجْهِ الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ ". وَالتَّوَكُّلُ مَعْنًى يَلْتَئِمُ (¬5) مِنْ مَعْنَى التَّوْحِيدِ (¬6) وَالْعَقْلُ وَالشَّرْعُ، فَالْمُوَحِّدُ (¬7) الْمُتَوَكِّلُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْأَسْبَابِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) ، وَالْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبُخَارِيُّ 2/81 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ رِثَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ) وَنَصُّهُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ مَرَّةً أُخْرَى فِي 5/68 - 69 (كِتَابِ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ. .) ، وَجَاءَ مَرَّةً ثَالِثَةً فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ. (¬2) لَكِنَّ التَّوْحِيدَ كَمَا قَالَ فِيهِ. (¬3) ابْنُ الْجَوْزِيِّ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) . (¬4) ب: تَغْبِيرٌ، وَتَغَيُّرٌ، ن: تُعْتَبَرُ. (¬5) ح، ر: مُلْتَئِمٌ. (¬6) ن، م: وَالتَّوَكُّلُ مَعْنًى يَلْتَئِمُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ مَعْنَى الثَّانِيَةُ مِنْ (ب) . (¬7) ن، م: فَالْمُؤْمِنُ.

وَلَا يَثِقُ بِهَا، وَلَا يَرْجُوهَا، وَلَا يَخَافُهَا ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ سَبَبٌ يَسْتَقِلُّ بِحُكْمٍ، بَلْ كُلُّ سَبَبٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى أُمُورٍ أُخْرَى تُضَمُّ إِلَيْهِ، وَلَهُ مَوَانِعُ وَعَوَائِقُ تَمْنَعُ مُوجِبَهُ، وَمَا ثَمَّ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْإِحْدَاثِ إِلَّا مَشِيئَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا شَاءَ خَلَقَهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يُحْدِثُهَا وَيَصْرِفُ عَنْهُ الْمَوَانِعَ، فَلَا يَجُوزُ التَّوَكُّلُ إِلَّا عَلَيْهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 160] . وَمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ فَهُوَ حَقٌّ. وَقَدْ عَلِمَ وَحَكَمَ بِأَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ يُحْدِثُهُ هُوَ - سُبْحَانَهُ - بِالسَّبَبِ الْفُلَانِيِّ. فَمَنْ نَظَرَ إِلَى عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ فَلْيَشْهَدِ الْحُدُوثَ بِمَا أَحْدَثَهُ، وَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْحُدُوثِ بِلَا سَبَبٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ شُهُودُهُ مُطَابِقًا لِعِلْمِهِ وَحُكْمِهِ. فَمَنْ شَهِدَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الْوَلَدَ لَا مِنْ أَبَوَيْنِ لَسَبْقِ عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ ; فَهَذَا شُهُودُهُ عَمًى، بَلْ يَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - سَبَقَ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ بِأَنْ يَخْلُقَ الْوَلَدَ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَالْأَبَوَانِ سَبَبٌ فِي وُجُودِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ سَبَقَ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ بِحُدُوثِهِ بِلَا سَبَبٍ. وَإِذَا كَانَ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ قَدْ أَثْبَتَ السَّبَبَ، فَكَيْفَ أَشْهَدَ الْأُمُورَ بِخِلَافِ مَا هِيَ [عَلَيْهِ] (¬1) فِي عِلْمِهِ وَحُكْمِهِ؟ وَالْعِلَلُ الَّتِي تُنْفَى نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَعْتَمِدَ عَلَى الْأَسْبَابِ وَتَتَوَكَّلَ عَلَيْهَا. وَهَذَا شِرْكٌ مُحَرَّمٌ (¬2) . وَالثَّانِي: أَنْ تَتْرُكَ مَا أَمِرْتَ بِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ، ¬

(¬1) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) ، (ر) . (¬2) ح: شِرْكٌ وَمُحَرَّمٌ.

وَهَذَا أَيْضًا مُحَرَّمٌ. بَلْ عَلَيْكَ أَنْ تَعْبُدَهُ بِفِعْلِ مَا أَمَرَكَ بِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ فِي أَنْ يُعِينَكَ عَلَى مَا أَمَرَكَ بِهِ، وَأَنْ يَفْعَلَ هُوَ مَا لَا تَقْدِرُ أَنْتَ عَلَيْهِ بِدُونِ سَبَبٍ مِنْكَ (¬1) ، فَلَيْسَتِ الْعِلَّةُ إِلَّا تَرْكَ مَا أَمَرَكَ بِهِ الرَّبُّ أَمْرَ إِيجَابٍ أَوِ اسْتِحْبَابٍ (¬2) ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَا أُمِرَ بِهِ فَلَيْسَ عِنْدَهُ عِلَّةٌ، وَلَكِنْ قَدْ يَجْهَلُ حَقِيقَةَ مَا أُمِرَ بِهِ [كَمَا أُمِرَ بِهِ] (¬3) فَيَكُونُ مِنْهُ عِلَّةٌ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " يَسَلُكُ سَبِيلَ إِسْقَاطِ الْحَدَثِ، إِنْ أَرَادَ أَنِّي (¬4) أَعْتَقِدُ نَفْيَ حُدُوثِ شَيْءٍ، فَهَذَا مُكَابَرَةٌ وَتَكْذِيبٌ بِخَلْقِ الرَّبِّ وَجَحْدٌ لِلصَّانِعِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنِّي أُسْقِطُ الْحَدَثَ مِنْ قَلْبِي فَلَا أَشْهَدُ مُحْدَثًا - وَهُوَ مُرَادُهُمْ - فَهَذَا خِلَافُ مَا أُمِرْتُ بِهِ، وَخِلَافُ الْحَقِّ. بَلْ قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَشْهَدُ حُدُوثَ الْمُحْدَثَاتِ بِمَشِيئَتِهِ بِمَا (¬5) خَلَقَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَلِمَا خَلَقَهُ مِنَ الْحِكَمِ (¬6) ، وَمَا أُمِرْتُ أَنْ لَا أَشْهَدَ بِقَلْبِي حُدُوثَ شَيْءٍ قَطُّ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " يَفْنَى (¬7) مَنْ لَمْ يَكُنْ، وَيَبْقَى (¬8) مَنْ لَمْ يَزُلْ " إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ ¬

(¬1) ح، ر، و، ي: وَأَنْ يَفْعَلَ هُوَ مَا يَفْعَلُهُ بِدُونِ سَبَبٍ مِنْكَ. (¬2) و: بِهِ الرَّبُّ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا، ن: بِهِ الرَّبُّ أَمْرَ إِيجَابٍ وَاسْتِحْبَابٍ، م: بِهِ الرَّبُّ أَمْرَ إِيجَابٍ أَوِ اسْتِحْسَانٍ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) ، (ب) . (¬4) و: أَنْ. (¬5) و: وَبِمَا. (¬6) مِنَ الْحِكَمِ: كَذَا فِي (ح) ، (ي) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مِنَ الْحِكْمَةِ. (¬7) و: فَنَى. (¬8) و: وَبَقِيَ.

يَبْقَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ [بِهِ] (¬1) بِحَيْثُ يَشْهَدُ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْمُحْدِثُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ بِمَا أَحْدَثَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَلِمَا أَرَادَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ، فَهَذَا حَقٌّ. وَإِنْ أَرَادَ (¬2) أَنِّي لَا أَشْهَدُ قَطُّ مَخْلُوقًا، بَلْ لَا أَشْهَدُ إِلَّا الْقَدِيمَ فَقَطْ ; فَهَذَا نَقْصٌ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّحْقِيقِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَهَذَا إِذَا غَلَبَ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ كَانَ مَعْذُورًا. أَمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا (¬3) أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ; فَهَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا مُرَادَهُمْ قَالَ (¬4) : " هَذَا تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ، الَّذِي يَصِحُّ بِعِلْمِ الْفَنَاءِ، وَيَصْفُو فِي عِلْمِ الْجَمْعِ، وَيَجْذِبُ إِلَى تَوْحِيدِ أَرْبَابِ الْجَمْعِ "، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ أَنْ يَشْهَدَ (¬5) الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُجْتَمِعَةً فِي خَلْقِ الرَّبِّ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهَا صَادِرَةٌ بِإِرَادَتِهِ، لَا يُرَجِّحُ (¬6) مَثَلًا عَنْ مَثَلٍ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْن مَأْمُورٍ وَمَحْظُورٍ، وَحَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَأَوْلِيَاءِ [اللَّهِ] وَأَعْدَائِهِ (¬7) . وَالْوُقُوفُ عِنْدَ هَذَا الْجَمْعِ هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْجُنَيْدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ طَرِيقِ أَهْلِ اللَّهِ أَهْلِ الْحَقِّ (¬8) ; فَإِنَّهُمْ أَمَرُوا بِالْفَرْقِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ (¬9) مَعَ هَذَا الْجَمْعِ أَنَّ الرَّبَّ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ وَبَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ، فَأَحَبَّ هَذَا، ¬

(¬1) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ر) ، (ب) ، (ي) . (¬2) و: وَإِنْ أُرِيدَ. (¬3) ح: لِمَا. (¬4) أَيِ: الْأَنْصَارِيُّ الْهَرَوِيُّ، وَهُوَ كَلَامُهُ الَّذِي سَبَقَ مِنْ قَبْلُ. (¬5) ح، ر، ي: أَنْ تَشْهَدَ. (¬6) ح، ر، ي: بِإِرَادَةٍ تُرَجِّحُ. (¬7) ن، م، و: وَأَوْلِيَاءَ وَأَعْدَاءٍ. (¬8) ب فَقَطْ: أَهْلِ التَّحْقِيقِ. (¬9) ح، ر، ي: أَنْ تَشْهَدَ.

وَأَبْغَضَ هَذَا، وَأَثَابَ عَلَى هَذَا، وَعَاقَبَ عَلَى هَذَا، فَيُحِبُّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُبْغِضُ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَشْهَدُ الْفَرْقَ (¬1) فِي الْجَمْعِ، وَالْجَمْعُ فِي الْفَرْقِ، لَا (¬2) يُشْهَدُ جَمْعًا مَحْضًا، وَلَا فَرْقًا مَحْضًا (¬3) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَيَجْذِبُ إِلَى تَوْحِيدِ أَرْبَابِ الْجَمْعِ " فَسَيَأْتِي. وَهَؤُلَاءِ شَرِبُوا مِنَ الْعَيْنِ الَّتِي شَرِبَ مِنْهَا نُفَاةُ الْقَدَرِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا: الْأَمْرُ أُنُفٌ. قَالُوا: إِذَا سَبَقَ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ بِشَيْءٍ، امْتَنَعَ أَنْ يَأْمُرَ بِخِلَافِهِ، وَوَجَبَ وُجُودُهُ. وَفِي ذَلِكَ إِبْطَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لَكِنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُعَظِّمِينَ (¬4) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ; فَظَنُّوا أَنَّ إِثْبَاتَ مَا سَبَقَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ يُنَافِيهِ، فَأَثْبَتُوا الشَّرْعَ وَنَفَوُا الْقَدْرَ. وَهَؤُلَاءِ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ أَيْضًا، لَكِنْ أَثْبَتُوا الْقَدَرَ وَنَفَوْا عَمَّنْ شَاهَدَهُ أَنْ يَسْتَحْسِنَ حَسَنَةً يَأْمُرُ بِهَا، أَوْ يَسْتَقْبِحَ سَيِّئَةً يَنْهَى عَنْهَا ; فَأَثْبَتُوا الْقَدَرَ، وَأَبْطَلُوا الشَّرْعَ عَمَّنْ شَاهَدَ الْقَدَرَ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَشَدُّ مُنَافَاةً لِدِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ قَوْلِ نُفَاةِ الْقَدَرِ. قَالَ: " وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الثَّالِثُ فَهُوَ تَوْحِيدٌ اخْتَصَّهُ الْحَقُّ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَحَقَّهُ بِقَدَرِهِ. . . إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ. فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَئِمَّةُ الطَّرِيقِ، كَالْجُنَيْدِ وَغَيْرِهِ، حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادُ وَالْحُلُولُ الْخَاصُّ، مَنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَحِّدُ هُوَ الْمُوَحَّدُ، وَلَا يُوَحِّدُ ¬

(¬1) و: وَيَشْهَدُ بِهَذَا الْفَرْقِ. (¬2) ح، ر، ي: وَلَا. (¬3) عِبَارَةُ " وَلَا فَرْقًا مَحْضًا " سَاقِطَةٌ مِنْ (و) . (¬4) و: مُعَطَّلِينَ.

اللَّهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكُلُّ مَنْ جَعَلَ غَيْرَ اللَّهِ يُوَحِّدُ اللَّهَ فَهُوَ جَاحِدٌ عِنْدَهُمْ، كَمَا قَالَ: مَا وَحَّدَ الْوَاحِدَ مِنْ وَاحِدٍ (أَيْ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِهِ) ... إِذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ: هُوَ الْمُوَحَّدُ وَالْمُوَحِّدُ. وَلِهَذَا قَالَ: تَوْحِيدُ مَنْ يَنْطِقُ عَنْ نَعْتِهِ ... عَارِيَةٌ أَبْطَلَهَا الْوَاحِدُ يَعْنِي إِذَا تَكَلَّمَ الْعَبْدُ بِالتَّوْحِيدِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ الْمُتَكَلِّمُ، فَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْ نَعْتِ نَفْسِهِ، فَيَسْتَعِيرُ مَا لَيْسَ لَهُ، فَيَتَكَلَّمُ بِهِ، وَهَذِهِ عَارِيَةٌ أَبْطَلَهَا الْوَاحِدُ، وَلَكِنْ إِذَا فَنَى عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ، وَكَانَ الْحَقُّ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى لِسَانِهِ، حَيْثُ فَنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ، وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَزُلْ، فَيَكُونُ الْحَقُّ هُوَ النَّاطِقُ بِنَعْتِ نَفْسِهِ، لَا بِنَعْتِ الْعَبْدِ، وَيَكُونُ هُوَ الْمُوَحَّدُ وَهُوَ الْمُوَحِّدُ، وَلِهَذَا قَالَ: تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُهُ - أَيْ تَوْحِيدُ الْحَقِّ إِيَّاهُ - أَيْ: نَفْسُهُ هُوَ (¬1) ، تَوْحِيدُهُ هُوَ، لَا تَوْحِيدَ الْمَخْلُوقِينَ لَهُ) فَإِنَّهُ لَا يُوَحِّدُهُ عِنْدَهُمْ مَخْلُوقٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ هُوَ النَّاطِقُ بِالتَّوْحِيدِ عَلَى لِسَانِ خَاصَّتِهِ، لَيْسَ النَّاطِقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ، كَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ: إِنَّ اللَّاهُوتَ تَكَلَّمَ بِلِسَانِ النَّاسُوتِ. وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ أَوْ تَصَوَّرَهُ، وَهُوَ يَشْهَدُ غَيْرَ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِمُوَحِّدٍ (¬2) عِنْدَهُمْ. وَإِذَا غَابَ وَفَنَى عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ; فَتَمَّ لَهُ مَقَامُ تَوْحِيدِ الْفَنَاءِ (¬3) ، الَّذِي يَجْذِبُهُ (¬4) ، إِلَى تَوْحِيدِ أَرْبَابِ الْجَمْعِ، صَارَ الْحَقُّ هُوَ ¬

(¬1) ن، م، و: هِيَ. (¬2) ح، ر، ي: فَلَيْسَ يُوَحِّدُ. (¬3) و: تَمَّ لَهُ مَقَامُ الْفَنَاءِ ; ر، ح، ي: فَتَمَّ لَهُ تَوْحِيدُ الْفَنَاءِ. (¬4) ب فَقَطْ: الَّذِي يَجْذِبُهُ.

النَّاطِقُ الْمُتَكَلِّمُ بِالتَّوْحِيدِ، وَكَانَ هُوَ الْمُوَحِّدُ، وَهُوَ الْمُوَحَّدُ، لَا مُوَحِّدَ غَيْرَهُ. وَحَقِيقَةُ هَذَا الْقَوْلِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَنْ يَصِيرَ الرَّبُّ وَالْعَبْدُ شَيْئًا وَاحِدًا، وَهُوَ الِاتِّحَادُ فَيَتَّحِدُ اللَّاهُوتُ وَالنَّاسُوتُ، كَمَا يَقُولُ النَّصَارَى: إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِمَا كَانَ يُسْمَعُ مِنَ الْمَسِيحِ هُوَ اللَّهُ. وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُ هُمْ رُسُلُ اللَّهِ، وَهُمْ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (¬1) . وَلِهَذَا تَكَلَّمَ بِلَفْظِ اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ طَائِفَةٌ مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ وَقَعُوا فِي الِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ مُطْلَقًا وَمُعَيَّنًا، فَكَانُوا يُنْشِدُونَ قَصِيدَةَ ابْنِ الْفَارِضِ، وَيَتَحَلَّوْنَ بِمَا فِيهَا مِنْ تَحْقِيقِ الِاتِّحَادِ الْعَامِّ، وَيَرَوْنَ كُلَّ مَا فِي الْوُجُودِ هُوَ مَجْلًى وَمَظْهَرٌ، ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ الْحَقِّ، وَإِذَا رَأَى أَحَدُهُمْ مَنْظَرًا حَسَنًا (¬2) أَنْشَدَ: يَتَجَلَّى فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ ... بِلِبَاسٍ (¬3) مِنَ الْجَمَالِ جَدِيدِ وَيُنْشِدُ الْآخَرُ: هَيْهَاتَ يَشْهَدُ نَاظِرَيْ مَعَكُمْ سِوَى ... إِذَا أَنْتُمْ عَيْنُ الْجَوَارِحِ وَالْقُوَى (* وَيُنْشِدُ الثَّالِثُ: أُعَايِنُ فِي كُلِّ الْوُجُودِ جَمَالَكُمْ ... وَأَسْمَعُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ نِدَاكُمُ (¬4) ¬

(¬1) و: وَمُوسَى وَعِيسَى. (¬2) و: مَا أُلِفُوا بِهِ. (¬3) و: فِي لِبَاسٍ. (¬4) بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ فِي (ن) ، (م) ، (ي) : " وَأَرْشُفُ "، وَبَعْدَهَا بَيَاضٌ فِي (ن) ، (م) ، وَكُتِبَ فِي (ي) وَيَتْلُوهُ بَيَاضٌ.

وَتَلْتَذُّ (¬1) إِنْ مَرَّتْ عَلَى جَسَدِي يَدِي لِأَنِّيَ فِي التَّحْقِيقِ لَسْتُ سِوَاكُمُ *) (¬2) وَلَمَّا كَانَ ظُهُورُ قَوْلِ النَّصَارَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يَظْهَرُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، لَمْ يُمْكِنْ أَصْحَابَ هَذَا الِاتِّحَادِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ كَمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ النَّصَارَى، بَلْ صَارَ عِنْدَهُمْ مِمَّا يُشْهَدُ وَلَا يُنْطَقُ بِهِ، وَهُوَ عِنْدُهُمْ مِنَ الْأَسْرَارِ الَّتِي لَا يُبَاحُ بِهَا، وَمَنْ بَاحَ بِالسِّرِّ قُتِلَ. وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْحَلَّاجَ لَمَّا بَاحَ (¬3) بِهَذَا السِّرِّ وَجَبَ قَتْلُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ (¬4) : " هُوَ تَوْحِيدٌ اخْتَصَّهُ الْحَقُّ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَحَقَّهُ بِقَدْرِهِ، وَأَلَاحَ مِنْهُ لَائِحًا إِلَى أَسْرَارِ طَائِفَةٍ مِنْ صَفْوَتِهِ، وَأَخْرَسَهُمْ عَنْ نَعْتِهِ، وَأَعْجَزَهُمْ عَنْ بَثِّهِ ". فَيُقَالُ: أَمَّا تَوْحِيدُ الْحَقِّ نَفْسَهُ (¬5) بِنَفْسِهِ، وَهُوَ عِلْمُهُ بِنَفْسِهِ وَكَلَامُهُ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 18] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [سُورَةُ طَه: 14] ; فَذَاكَ صِفَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ، كَمَا تَقُومُ بِهِ سَائِرُ صِفَاتِهِ مِنْ حَيَاتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ لَا يُفَارِقُ ذَاتَ الرَّبِّ وَيَنْتَقِلُ إِلَى غَيْرِهِ أَصْلًا، كَسَائِرِ صِفَاتِهِ، بَلْ صِفَاتُ الْمَخْلُوقِ لَا تُفَارِقُ ذَاتَهُ وَتَنْتَقِلُ إِلَى غَيْرِهِ، فَكَيْفَ بِصِفَاتِ الْخَالِقِ؟ ! . ¬

(¬1) م: وَأَلْتَذُّ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬3) ن، م: أَبَاحَ. (¬4) ن: وَلِهَذَا قُتِلَ قَالَ. (¬5) ح، ب: لِنَفْسِهِ.

وَلَكِنْ هُوَ - سُبْحَانَهُ - يُنَزِّلُ (¬1) عَلَى أَنْبِيَائِهِ مِنْ عِلْمِهِ وَكَلَامِهِ مَا أَنْزَلَهُ (¬2) ، كَمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ (¬3) ، وَهُوَ كَلَامُهُ، عَلَى خَاتَمِ الرُّسُلِ. وَقَدْ قَالَ - سُبْحَانَهُ -: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 18] ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ، وَأُولُو الْعِلْمِ مِنْ عِبَادِهِ يَشْهَدُونَ، وَالشَّهَادَاتُ مُتَطَابِقَةٌ مُتَوَافِقَةٌ. وَقَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ هِيَ هَذِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهَا نَوْعُهَا، وَلَيْسَ نَفْسُ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ هِيَ نَفْسُ صِفَةِ الْخَالِقِ، وَلَكِنَّ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي يَقْرَؤُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ كَلَامُهُ - سُبْحَانَهُ - مَسْمُوعًا مِنَ الْمُبَلِّغِينَ لَهُ، لَيْسَ تِلَاوَةُ الْعِبَادِ لَهُ وَسَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، بِمَنْزِلَةِ سَمْعِ مُوسَى لَهُ مِنَ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، فَإِنَّ مُوسَى سَمِعَ نَفْسَ كَلَامِ الرَّبِّ، كَمَا يَسْمَعُ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهُ، كَمَا يَسْمَعُ الصَّحَابَةُ كَلَامَ الرَّسُولِ مِنْهُ، وَأَمَّا سَائِرُ النَّاسِ فَسَمِعُوهُ مُبَلِّغًا عَنِ اللَّهِ، كَمَا يَسْمَعُ (¬4) التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَلَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَلَّغًا عَنْهُ. وَلِهَذَا قَالَ لِرَسُولِهِ: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] ، وَقَالَ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [سُورَةُ الْجِنِّ: 28] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بَلِّغُوا عَنِّي [وَلَوْ آيَةً] » " (¬5) . وَقَالَ: ¬

(¬1) و: نَزَّلَ. (¬2) و، م: مَا أَنْزَلَ، و: مَا نَزَّلَهُ. (¬3) م: الْفُرْقَانِ. (¬4) و: كَمَا سَمِعَ. (¬5) وَلَوْ آيَةً: زِيَادَةٌ فِي (و) فَقَطْ، وَنَصُّ الْحَدِيثِ " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "، وَهُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/170، (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ بَابُ مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/147 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 9/250 - 251، 11/127، 207

" «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا (¬1) حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ ; فَرُبَّ حَامِلِ فَقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ (¬2) ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» " (¬3) . وَقَالَ: " «أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ لِأُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي» " (¬4) . وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " وَأَلَاحَ مِنْهُ لَائِحًا إِلَى أَسْرَارِ طَائِفَةٍ مِنْ صَفْوَتِهِ، وَأَخْرَسَهُمْ عَنْ نَعْتِهِ، وَأَعْجَزَهُمْ عَنْ بَثِّهِ ". فَيُقَالُ: أَفْضَلُ صَفْوَتِهِ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَأَفْضَلُهُمُ الرُّسُلُ، وَأَفْضَلُ الرُّسُلِ أُولُو الْعَزْمِ، وَأَفْضَلُ أُولِي الْعَزْمِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا أَلَاحَهُ اللَّهُ عَلَى أَسْرَارِ هَؤُلَاءِ فَهُوَ أَكْمَلُ تَوْحِيدٍ عَرِفَهُ الْعِبَادُ، وَهُمْ قَدْ تَكَلَّمُوا بِالتَّوْحِيدِ وَنَعَتُوهُ وَبَثُّوهُ، وَمَا يَقْدِرُ أَحَدٌ قَطُّ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا ¬

(¬1) ح، ب: مِنِّي. (¬2) ح، ب: فِقْهٍ إِلَى غَيْرِ فَقِيهٍ. (¬3) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كَمَا جَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/141 - 142 كِتَابُ الْعِلْمِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَثِّ عَلَى تَبْلِيغِ السَّمَاعِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/438، (كِتَابُ الْعِلْمِ بَابُ فَضْلِ نَشْرِ الْعِلْمِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/84 - 86 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ مَنْ بَلَّغَ عِلْمًا) ، " الْمُسْنَدِ " (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/225 (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/324 (كِتَابُ السُّنَّةِ بَابٌ فِي الْقُرْآنِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/255 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، بَابُ مَا جَاءَ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ".

وَارِثِ نَبِيٍّ، أَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ يَعْلَمُ تَوْحِيدًا لَا يُمْكِنُهُ النُّطْقُ بِهِ، بَلْ كُلُّ مَا عَلِمَهُ الْقَلْبُ أَمْكَنَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، لَكِنْ قَدْ لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا بَعْضُ النَّاسِ. فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يُبَيِّنَ مَا عَرَّفَهُ اللَّهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ. فَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. ثُمَّ يُقَالُ: إِنْ أُرِيدَ بِهَذَا اللَّائِحِ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ نَفْسُهُ هُوَ الْمُوَحِّدُ لِنَفْسِهِ فِي قُلُوبِ صَفْوَتِهِ لِاتِّحَادِهِ بِهِمْ، أَوْ حُلُولِهِ فِيهِمْ. فَهَذَا قَوْلُ النَّصَارَى، وَهُوَ بَاطِلٌ شَرْعًا وَعَقْلًا. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يُعَرِّفُ صَفْوَتَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ مَا لَا يُعَرِّفُهُ غَيْرَهُمْ. فَهَذَا حَقٌّ، لَكِنْ مَا قَامَ بِقُلُوبِهِمْ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الرَّبِّ [الْخَالِقِ] تَعَالَى (¬1) ، بَلْ هُوَ الْعِلْمُ بِهِ وَمَحَبَّتُهُ وَمَعْرِفَتُهُ وَتَوْحِيدُهُ. وَقَدْ يُسَمَّى الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَيُفَسَّرُ بِهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [سُورَةُ الرُّومِ: 27] أَيْ فِي قُلُوبِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَيُقَالُ لَهُ: الْمِثَالُ الْحُبِّيُّ وَالْمِثَالُ الْعِلْمِيُّ (¬2) . وَقَدْ يُخَيَّلُ لِنَاقِصِ الْعَقْلِ إِذَا أَحَبَّ شَخْصًا مَحَبَّةً تَامَّةً، بِحَيْثُ فَنِيَ فِي حُبِّهِ، حَتَّى لَا يَشْهَدَ فِي قَلْبِهِ غَيْرُهُ، أَنَّ نَفْسَ الْمَحْبُوبِ صَارَ (¬3) فِي قَلْبِهِ، وَهُوَ غَالِطٌ (¬4) فِي ذَلِكَ، بَلِ الْمَحْبُوبُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِمَّا فِي بَيْتِهِ، وَإِمَّا فِي الْمَسْجِدِ (¬5) ، وَإِمَّا فِي ¬

(¬1) ن، م: لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الرَّبِّ - تَعَالَى -، ب: لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْخَالِقِ، ح، ر، و، ي: لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الرَّبِّ الْخَالِقِ. (¬2) و: الْمِثَالُ الْعَلِيُّ وَالْمِثَالُ الْحِسِّيُّ. (¬3) ن: صَارَتْ. (¬4) ن، م: وَهَذَا غَلَطٌ. (¬5) ن، م: إِمَّا فِي الْمَسْجِدِ وَإِمَّا فِي بَيْتِهِ.

مَوْضِعٍ آخَرَ. وَلَكِنَّ الَّذِي فِي قَلْبِهِ هُوَ مِثَالُهُ. وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَنْتَ فِي قَلْبِي، وَأَنْتَ فِي فُؤَادِي، وَالْمُرَادُ هَذَا الْمِثَالُ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ ذَاتَهُ، فَإِنَّ ذَاتَهُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ. كَمَا يُقَالُ: أَنْتَ بَيْنَ عَيْنَيْ، وَأَنْتَ دَائِمًا عَلَى لِسَانِي (¬1) ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: مِثَالُكَ فِي عَيْنِي وَذِكْرُكَ فِي فَمِي ... وَمَثْوَاكَ فِي قَلْبِي فَكَيْفَ تَغِيبُ (¬2) وَقَالَ آخَرُ: سَاكِنٌ فِي الْقَلْبِ يَعْمُرُهُ ... لَسْتُ أَنْسَاهُ فَأَذْكُرُهُ فَجَعَلَهُ سَاكِنًا عَامِرًا لِلْقَلْبِ لَا يُنْسَى، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ ذَاتَهُ حَصَلَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَحْصُلُ (¬3) الْإِنْسَانُ السَّاكِنُ فِي بَيْتِهِ، بَلْ هَذَا الْحَاصِلُ هُوَ الْمِثَالُ الْعِلْمِيُّ. (* وَقَالَ آخَرُ: وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي أَحِنُّ إِلَيْهِمُ ... وَأَسْأَلُ عَنْهُمْ مَنْ لَقِيتُ وَهُمْ مَعِي وَتَطْلُبُهُمْ عَيْنِي وَهُمْ فِي سَوَادِهَا ... وَيَشْتَاقُهُمْ قَلْبِي وَهُمْ بَيْنَ أَضْلُعِي *) (¬4) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْقَائِلِ: " الْقَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ " وَمَا يَذْكُرُونَهُ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مِنْ قَوْلِهِ: " مَا وَسِعَتْنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي، وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ، التَّقِيُّ النَّقِيُّ، الْوَرِعُ (¬5) اللَّيِّنُ (¬6) "، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ ¬

(¬1) ح، ر: دَائِمًا فِي لِسَانِي. (¬2) و: فَأَيْنَ تَغِيبُ. (¬3) و: جُعِلَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يَجْعَلُ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬5) الْوَرِعُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْوَارِعُ. (¬6) قَالَ الْعِجْلُونِيُّ فِي " كَشْفِ الْخَفَاءِ " 2/195: " ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ " (أَيِ الْغَزَالِيُّ) ، بِلَفْظِ: قَالَ اللَّهُ: لَمْ يَسَعْنِي سَمَائِي وَلَا أَرْضِي، وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ اللَّيِّنِ الْوَادِعِ - قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ: لَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا. وَوَافَقَهُ فِي " الدُّرَرِ " تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَذَكَرَ الْعِجْلُونِيُّ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَقَالَ: " وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "، ثُمَّ قَالَ: " وَقَالَ فِي " الْمَقَاصِدِ " تَبَعًا لِشَيْخِهِ فِي " اللَّآلِئِ ": لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " الدُّرَرِ الْمُنْتَثِرَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ " ص 175 تَحْقِيقُ الدكتور مُحَمَّدِ بْنِ لُطْفِي الصَّبَّاغِ، ط. الرِّيَاضِ 1403/1983، وَبَيَّنَ الدكتور الصَّبَّاغُ فِي تَعْلِيقِهِ مَوَاضِعَ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ.

نَفْسَهُ يَكُونُ فِي قَلْبِ كُلِّ عَبْدٍ، بَلْ فِي الْقَلْبِ مَعْرِفَتُهُ، وَمَحَبَّتُهُ، وَعِبَادَتُهُ. وَالنَّائِمُ يَرَى فِي الْمَنَامِ إِنْسَانًا يُخَاطِبُهُ وَيُشَاهِدُهُ، وَيُجْرِي مَعَهُ فُصُولًا (¬1) ، وَذَلِكَ الْمَرْئِيُّ قَاعِدٌ فِي بَيْتِهِ، أَوْ مَيِّتٌ فِي قَبْرِهِ، وَإِنَّمَا رَأَى مِثَالَهُ. وَكَذَلِكَ يَرَى فِي الْمِرْآةِ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَرْئِيَّاتِ، وَيَرَاهَا تَكَبُرُ بِكِبَرِ الْمَرْآةِ، وَتَصْغُرُ بِصِغَرِهَا، وَتَسْتَدِيرَ بِاسْتِدَارَتِهَا، وَتَصِفُوا بِصَفَائِهَا، وَتِلْكَ مِثَالُ الْمَرْئِيَّاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمِرْآةِ، وَأَمَّا نَفْسُ الشَّمْسِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، فَلَمْ تَصِرْ ذَاتُهَا فِي الْمِرْآةِ. وَقَدْ خَاطَبَنِي مَرَّةً شَيْخٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَكَانَ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّ الْحَلَّاجَ قَالَ: " أَنَا الْحَقُّ " ; لِكَوْنِهِ كَانَ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ. فَقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَالْحَلَّاجِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 24] وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى نَفْسِهِ. وَأَمَّا الْحَلَّاجُ فَكَانَ فَانِيًا (¬2) عَنْ نَفْسِهِ، وَالْحَقُّ نَطَقَ عَلَى لِسَانِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: أَفَصَارَ الْحَقُّ فِي قَلْبِ الْحَلَّاجِ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ كَمَا يَنْطِقُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ؟ ! ¬

(¬1) و: فُصُولٌ. (¬2) ب فَقَطْ: غَائِبًا.

(1 وَهُوَ سُبْحَانَهُ بَائِنٌ عَنْ قَلْبِ الْحَلَّاجِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ (¬1) 1) ، فَقَلْبُ (¬2) الْحَلَّاجِ أَوْ غَيْرِهِ كَيْفَ يَسَعُ ذَاتَ الْحَقِّ؟ ! ثُمَّ الْجِنِّيُّ يَدْخُلُ فِي جَسَدِ الْإِنْسَانِ وَيَشْغَلُ (¬3) جَمِيعَ أَعْضَائِهِ، (4 وَالْإِنْسَانُ الْمَصْرُوعُ لَا يُحِسُّ بِمَا يَقُولُهُ الْجِنِّيُّ وَيَفْعَلُهُ بِأَعْضَائِهِ (¬4) 4) ، لَا يَكُونُ الْجِنِّيُّ فِي قَلْبِهِ فَقَطْ، فَإِنَّ الْقَلْبَ كُلُّ مَا قَامَ بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ عَرَضٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ، لَيْسَ شَيْئًا مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ الْجِنِّيُّ بِقَلْبِهِ الَّذِي هُوَ رُوحُهُ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَدَّعُونَ (¬5) أَنَّ ذَاتَ الْحَقِّ قَامَتْ بِقَلْبِهِ فَقَطْ، فَهَذَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ (¬6) ، فَكَيْفَ بِالْخَالِقِ جَلَّ جَلَالُهُ؟ ! . وَقَدْ يَحْتَجُّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا، وَلَكَ الْحَمْدُ» " (¬7) ; فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» فَيُقَالُ لَهُمُ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ مَا أَرَدْتُمْ مِنَ الْحُلُولِ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬2) ن، م: فَقُلْتُ، و: وَقُلْتُ. (¬3) و: وَيَسْتَعْمِلُ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (و) . (¬5) و: قَدْ يَزْعُمُونَ. (¬6) و: الْمُكَلَّفِ. (¬7) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَوَّلُهُ - وَهَذِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ - " إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ. . "، الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/303 - 305 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/75 - 76 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ مُبَادِرَةِ الْإِمَامِ) 2/192 - 193 (كِتَابُ التَّطْبِيقِ بَابُ نَوْعٍ آخَرَ مِنَ التَّشَهُّدِ) .

وَالِاتِّحَادِ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ بَلَّغَكُمْ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَأَخْبَرَكُمْ أَنَّهُ يَسْمَعُ (¬1) دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ فَاحْمَدُوهُ أَنْتُمْ، وَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ; حَتَّى يَسْمَعَ اللَّهُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ ; فَإِنَّ الْحَمْدَ قَبْلَ الدُّعَاءِ سَبَبٌ لِاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ. وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ، يَقُولُ الْمُرْسِلُ لِرَسُولِهِ: قُلْ عَلَى لِسَانِي كَذَا وَكَذَا، وَيَقُولُ الرَّسُولُ لِمُرْسِلِهِ: قُلْتُ عَلَى لِسَانِكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَقُولُ الْمُرْسِلُ أَيْضًا: قُلْتُ لَكُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِي (¬2) كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [سُورَةُ الشُّورَى: 51] ، فَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرْسَلَ رَسُولًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ مِنَ الْبَشَرِ بِرِسَالَةٍ، كَانَ مُكَلِّمًا لِعِبَادِهِ بِوَاسِطَةِ رَسُولِهِ، بِمَا أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ، وَكَانَ مُبَيِّنًا لَهُمْ بِذَلِكَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 94] أَيْ: بِوَاسِطَةِ رَسُولِهِ. وَقَالَ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [سُورَةُ الْقِيَامَةِ: 18] ، وَقَالَ: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 3] ، وَقَالَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 3] . فَكَانَتْ تِلْكَ التِّلَاوَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْقَصَصُ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ ; فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ عِبَادَهُ بِوَاسِطَةِ رَسُولٍ يُرْسِلُهُ، فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ; وَلِهَذَا جَاءَ بِلَفْظِ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: سَمِعَ. (¬2) ح: رَسُولِكُمْ.

الْجَمْعِ، فَإِنَّ مَا فَعَلَهُ الْمُطَاعُ بِجُنْدِهِ يُقَالُ فِيهِ: نَحْنُ نَفْعَلُ كَذَا، وَالْمَلَائِكَةُ رُسُلُ اللَّهِ فِيمَا يَخْلُقُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ، فَمَا خَلَقَهُ وَأَمَرَ بِهِ بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ فِيهِ: نَحْنُ فَعَلْنَا، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [سُورَةُ الْقِيَامَةِ: 18] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي قَلْبِكَ، ثُمَّ أَنْ (¬1) نَقْرَأَهُ بِلِسَانِكَ، فَإِذَا قَرَأَهُ جِبْرِيلُ فَاسْتَمِعْ لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ (¬2) . كَمَا قَالَ (¬3) فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [سُورَةُ طه: 114] أَيْ: لَا تَعْجَلْ بِتِلَاوَةِ مَا يَقْرَؤُهُ جِبْرِيلُ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْضِيَ جِبْرِيلُ تِلَاوَتَهُ، بَلِ اسْتَمِعْ لَهُ حَتَّى يَقْضِيَ (¬4) تِلَاوَتَهُ، ثُمَّ ¬

(¬1) أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ -، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ 1/4 (كِتَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ، بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ. .) ، 6/163 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْقِيَامَةِ) 9/152 - 153 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لَا تُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَكَ. .) ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ 1/330 - 331 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الِاسْتِمَاعِ لِلْقِرَاءَةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/278، (مُخْتَصَرًا) 5/69 وَأَوْرَدَ ابْنُ كَثِيرٍ الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرٍ (ط. الشَّعْبِ) 5/312، 8/303 - 304 وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ (الْبُخَارِيِّ 6/163) : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ الَّتِي فِي (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) : لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [سُورَةُ الْقِيَامَةِ: 16، 17] قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ (وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِع (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ. قَالَ: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ ". (¬3) ح، ب: كَمَا قِيلَ. (¬4) ح، ب: تُقْضَى.

بَعْدَ هَذَا اقْرَأْ مَا أَنْزَلَهُ (¬1) إِلَيْكَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَ ذَلِكَ فِي قَلْبِكَ، وَأَنْ تَقْرَأَهُ بِلِسَانِكَ، ثُمَّ أَنْ تُبَيِّنَهُ (¬2) لِلنَّاسِ بَعْدَ ذَهَابِ جِبْرِيلَ عَنْكَ. وَقَوْلُهُ: " وَالَّذِي يُشَارُ إِلَيْهِ عَلَى أَلْسُنِ الْمُشِيرِينَ أَنَّهُ إِسْقَاطُ الْحَدَثِ (¬3) ، وَإِثْبَاتُ الْقِدَمِ ". فَيُقَالُ: مُرَادُهُمْ بِهَذَا نَفْيُ الْمُحْدَثِ (¬4) ، أَيْ: لَيْسَ هُنَا إِلَّا الْقَدِيمُ، وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الْمُحْدَثِ (¬5) بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْقَدِيمُ، فَهَذَا شَرٌّ مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى، إِلَّا أَنَّهُ قَرِيبٌ إِلَى قَوْلِ الْيَعْقُوبِيَّةِ مِنَ النَّصَارَى ; فَإِنَّ الْيَعْقُوبِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنِ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ امْتَزَجَا وَاخْتَلَطَا فَصَارَا جَوْهَرًا وَاحِدًا، وَأُقْنُومًا وَاحِدًا، وَطَبِيعَةً وَاحِدَةً، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْيَدَيْنِ اللَّتَيْنِ سَمَّرَتَا (¬6) هُمَا الْيَدَانِ اللَّتَانِ خُلِقَ بِهِمَا آدَمُ. وَأَمَّا النُّسْطُورِيَّةُ فَيَقُولُونَ بِحُلُولِ اللَّاهُوتِ فِي النَّاسُوتِ، وَالْمَلَكَانِيَّةُ (¬7) يَقُولُونَ: شَخْصٌ وَاحِدٌ، لَهُ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ، بِطَبِيعَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ (¬8) . وَيُشَبِّهُونَهُ بِالْحَدِيدَةِ وَالنَّارِ، وَالنُّسْطُورِيَّةُ يُشَبِّهُونَهُ بِالْمَاءِ فِي الظُّرُوفِ، وَالْيَعْقُوبِيَّةُ يُشَبِّهُونَهُ بِاخْتِلَاطِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ، وَالْمَاءِ وَالْخَمْرِ (¬9) . ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : مَا أُنْزِلَ. (¬2) و: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ. (¬3) ب، م: الْحُدُوثُ. (¬4) و: الْحَدَثِ. (¬5) ح: فَإِنْ أُرِيدَ نَفْيٌ لِلْحَدَثِ. (¬6) ن: شَمَّرْنَا (¬7) ح: وَالْمَلَكِيَّةُ. (¬8) و: وَنِسْبَتَيْنِ. (¬9) ب فَقَطْ: وَالْحُمْرِ، وَانْظُرْ أَقْوَالَ الْيَعْقُوبِيَّةِ وَالنُّسْطُورِيَّةِ وَالْمَلَكَانِيَّةِ مِنَ النَّصَارَى فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ لِلشَّهْرَسْتَانِيِّ 1/203 - 208 الْفِصَلِ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/110 - 132 وَانْظُرْ كِتَابَ " الْجَوَابِ الصَّحِيحِ لِمَنْ بَدَّلَ دِينَ الْمَسِيحِ " لِابْنِ تَيْمِيَّةَ ط. الْمَدَنِيِّ الْقَاهِرَةِ 1379/1959

الكلام على رؤية الله تعالى

فَقَوْلُ الْقَائِلِ: " إِسْقَاطُ الْحُدُوثِ " (¬1) إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمُحْدَثَ عَدَمٌ ; فَهَذَا مُكَابَرَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ إِسْقَاطَ الْمُحْدَثِ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ إِلَّا الْقَدِيمُ ; فَهَذَا إِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتُ الْقَدِيمِ فَهُوَ قَوْلُ النُّسْطُورِيَّةِ مِنَ النَّصَارَى، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَعْرِفَتُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَتَوْحِيدُهُ، أَوْ قِيلَ: مِثْلُهُ، أَوِ الْمِثْلُ (¬2) الْعِلْمِيُّ، أَوْ نُورُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ، فَإِنَّ قُلُوبَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مَمْلُوءَةٌ بِهَذَا، لَكِنْ لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ذَاتُ الرَّبِّ الْقَدِيمِ وَصِفَاتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الِاتِّحَادِ الْعَامِّ فَيَقُولُونَ: مَا فِي الْوُجُودِ إِلَّا الْوُجُودُ الْقَدِيمُ، وَهَذَا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ. وَأَبُو إِسْمَاعِيلَ لَمْ يُرِدْ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِهِ بِتَكْفِيرِ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ الْحُلُولِيَّةِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضَ النَّاسِ. وَلِهَذَا قَالَ: " أَلَاحَ مِنْهُ لَائِحًا إِلَى أَسْرَارِ طَائِفَةٍ مِنْ صَفْوَتِهِ ". [الكلام على رؤية الله تعالى] وَالِاتِّحَادُ وَالْحُلُولُ الْخَاصُّ وَقَعَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُبَّادِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْأَحْوَالِ ; فَإِنَّهُ (¬3) يَفْجَؤُهُمْ مَا يَعْجِزُونَ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وَتَضْعُفُ عُقُولُهُمْ عَنْ تَمْيِيزِهِ، فَيَظُنُّونَهُ ذَاتَ الْحَقِّ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى اللَّهَ بِعَيْنِهِ، وَفِيهِمْ مَنْ يَحْكِي مُخَاطَبَاتِهِ (¬4) لَهُ، وَمُعَاتَبَاتِهِ (¬5) . وَذَاكَ كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ ¬

(¬1) و: الْمُحْدَثِ. (¬2) ح: أَوْ مِثْلُ، ب: أَوِ الْمِثَالُ. (¬3) ح، ب: فَإِنَّهُمْ. (¬4) ح، ب: مُخَاطَبَتَهُ. (¬5) ح، ب: وَمُعَاتَبَتَهُ، ن، م: وَمُعَايَنَاتِهِ.

الْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ بِحَسَبِ إِيمَانِهِمْ بِهِ. وَمِمَّا يُشْبِهُ الْمِثَالَ الْعِلْمِيَّ رُؤْيَةُ الرَّبِّ تَعَالَى (¬1) فِي الْمَنَامِ، فَإِنَّهُ يُرَى فِي صُوَرٍ (¬2) مُخْتَلِفَةٍ، يَرَاهُ كُلُّ عَبْدٍ (¬3) عَلَى حَسَبِ إِيمَانِهِ، وَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ إِيمَانًا مِنْ غَيْرِهِ رَآهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَهِيَ رُؤْيَةُ مَنَامٍ بِالْمَدِينَةِ، كَمَا نَطَقَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَأْثُورَةُ عَنْهُ (¬4) ، وَأَمَّا لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّهُ رَآهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، لَكِنْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي " إِبْطَالِ التَّأْوِيلِ " (¬5) ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الرُّؤْيَةِ هُوَ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) و: رُؤْيَةُ الْحَقِّ. (¬2) ن، م، ر: صُورَةٍ. (¬3) كُلُّ عَبْدٍ كَذَا فِي (و) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَرَاهُ الْعَبْدُ. (¬4) رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/201 (رَقَمْ 2580) ، 221 (رَقْمُ 2634) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " رَأَيْتُ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى ". وَصَحَّحَ أَحْمَدْ شَاكِرْ الْحَدِيثَيْنِ وَقَالَ: " وَهُوَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 1/78 وَقَالَ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ "، وَعَقَدَ أَبُو بَكْرٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " فَصْلًا بِعُنْوَانِ " بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ تَعَالَى " (ص 188 - 193) أَوْرَدَ فِيهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (رَقْمُ 433) وَقَدْ صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَقَالَ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والْآجُرِّيُّ (ص 494) وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ " (ص 444) وَالضِّيَاءُ فِي " الْمُخْتَارَةِ "، وَانْظُرْ كَلَامَ الْأَلْبَانِيِّ عَلَى بَاقِي الْأَحَادِيثِ، وَقَدْ عَلَّقَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 3/168 عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ: " يَعْنِي فِي الْمَنَامِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى ". (¬5) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي يَعْلَى 1/142 وَكِتَابُهُ " إِبْطَالُ التَّأْوِيلِ "، ذَكَرَهُ بروكلمان GAL الْمُلْحَقَ 3/503 وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَوْجُودٌ. عَلَى أَنَّهُ ظَهَرَ مَخْطُوطًا مُؤَخَّرًا، وَهُوَ مَوْضِعُ رِسَالَةٍ لِلدُّكْتُورَاةِ (دِرَاسَةٌ وَتَحْقِيقٌ) مُقَدَّمَةٌ إِلَى قِسْمِ الْعَقِيدَةِ بِكُلِّيَّةِ أُصُولِ الدِّينِ بِجَامِعَةِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعُودٍ الْإِسْلَامِيَّةِ.

وَسَلَّمَ -، وَمَا قَالَهُ أَصْحَابُهُ، فَتَارَةً يَقُولُ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مُتَّبِعًا لِأَبِي ذَرٍّ ; فَإِنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ (¬1) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: " نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» (¬2) . وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا السُّؤَالُ عَنْ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ. وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْعَامَّةِ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ (¬3) : " نَعَمْ رَأَيْتُهُ "، وَأَنَّ عَائِشَةَ سَأَلَتْهُ، فَقَالَ: " لَمْ أَرَهُ " فَهُوَ كَذِبٌ، لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يُجِيبُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مُطْلَقًا، فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ (¬4) . ¬

(¬1) ذَكَرْتُ فِي تَعْلِيقِي عَلَى كَلَامٍ مُمَاثِلٍ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " 8/42 أَنَّنِي بَحَثْتُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " مُسْنَدِ أَبِي ذَرٍّ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ طَبْعَةِ الْحَلَبِيِّ "، فَلَمْ أَجِدْهُ. وَقُلْتُ: " وَلَعَلَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَوَاهُ فِي غَيْرِ الْمُسْنَدِ ". وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ " التَّوْحِيدِ " (تَحْقِيقُ الشَّيْخِ مُحَمَّدُ خَلِيل هَرَّاس رَحِمَهُ اللَّهُ ط. الْقَاهِرَةِ 1387 1968) ص 208 وَنَصُّهُ: " حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ غَيْرَ مَرَّةٍ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثَنَا مَنْصُورٌ وَهُوَ ابْنُ زَاذَانَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الرِّشْكِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَنْبَأَ مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الرِّشْكِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِهِ ". (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/636 - 637 (¬3) وَ: سَأَلَهُ فَقَالَ. (¬4) انْظُرْ كِتَابَ الشَّرِيعَةِ لِلْآجُرِّيِّ بِتَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّد حَامِد الْفِقِي رَحِمَهُ اللَّهُ ط. السُّنَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ 1369 1950 ص 491 - 497 (وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ الشَّيْخِ مُحَمَّد حَامِد) ، وَانْظُرْ كِتَابَ التَّوْحِيدِ لِابْنِ خُزَيْمَةَ ص 197 - 230 وَكِتَابَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ ص 433 - 447 تَحْقِيقُ الشَّيْخِ مُحَمَّد زَاهِد الْكَوْثَرِيُّ ط. السَّعَادَةِ 1358

فَلَمَّا كَانَ أَبُو ذَرٍّ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ اتَّبَعَهُ أَحْمَدُ، مَعَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ (¬1) . وَتَارَةً يَقُولُ أَحْمَدُ: رَآهُ. فَيُطْلِقُ (¬2) اللَّفْظَ وَلَا يُقَيِّدُهُ بِعَيْنٍ وَلَا قَلْبٍ (* اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ، وَتَارَةً يَسْتَحْسِنُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: رَآهُ. وَلَا يَقُولُ بِعَيْنٍ وَلَا قَلْبٍ *) (¬3) ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ الَّذِينَ بَاشَرُوهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَآهُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا نَقَلُوهُ عَنْ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ فِي كِتَابِ " السُّنَّةِ " وَغَيْرِهِ (¬4) . وَكَذَلِكَ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " رَآهُ بِعَيْنِهِ "، بَلِ الثَّابِتُ عَنْهُ إِمَّا الْإِطْلَاقُ، وَإِمَّا التَّقْيِيدُ بِالْفُؤَادِ. وَقَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى (¬5) وَمَنِ اتَّبَعَهُ عَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فِي رُؤْيَتِهِ تَعَالَى: إِحْدَاهَا: أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ، وَاخْتَارُوا ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ اخْتَارَهُ الْأَشْعَرِيُّ وَطَائِفَةٌ. وَلَمْ يَنْقُلْ هَؤُلَاءِ عَنْ ¬

(¬1) رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 1/158 - 159 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) أَثَرَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَوَّلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَآهُ بِقَلْبِهِ وَالثَّانِي، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) [سُورَةُ النَّجْمِ: 11] (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [سُورَةُ النَّجْمِ: 13] قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ 5/70 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ النَّجْمِ) أَثَرًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ "، وَجَاءَ الْأَثَرُ بِنَفْسِ الْمَعْنَى فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/294 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ: " وَنَسَبَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ 6/124 أَيْضًا لِلطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ". (¬2) ح، ب: وَيُطْلِقُ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬4) لَعَلَّ كَلَامَ أَحْمَدَ وَرِوَايَتَهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ بِالْإِسْنَادِ رَوَاهُ عَنْهُ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ " السُّنَّةِ ". (¬5) ن: كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

أَحْمَدَ لَفْظًا صَرِيحًا بِذَلِكَ، وَلَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ الثَّابِتَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ جِنْسِ النُّقُولِ الثَّابِتَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِمَّا تَقْيِيدُ الرُّؤْيَةِ بِالْقَلْبِ، وَإِمَّا إِطْلَاقُهَا، وَأَمَّا تَقْيِيدُهَا بِالْعَيْنِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَا عَنْ أَحْمَدَ وَلَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَمَّا مَنْ سِوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ اتِّفَاقَ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ» " (¬1) ، وَهَذَا لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السَّالِكِينَ يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا يَصْطَلِمُهُ (¬2) ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ، أَوْ أَنَّ الْحَقَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ، أَوْ أَنَّهُ يَرَى الْحَقَّ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الَّذِي يُشَاهِدُونَهُ وَيُخَاطِبُونَهُ هُوَ الشَّيْطَانُ، وَفِيهِمْ مَنْ يَرَى عَرْشًا عَلَيْهِ نُورٌ، وَيَرَى الْمَلَائِكَةَ ¬

(¬1) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ 4/2245 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: " إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ، أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ". وَقَالَ: " تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/345 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الدَّجَّالِ) ، وَفِيهِ: " تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَرَى. . الْحَدِيثَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ ". (¬2) قَالَ الْقَاشَانِيُّ فِي كِتَابِ " اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ " (تَحْقِيقُ د. مُحَمَّد كَمَال جَعْفَر، الْهَيْئَةُ الْمِصْرِيَّةُ الْعَامَّةُ لِلْكِتَابِ 1981) ص 30 " الِاصْطِلَامُ ": هُوَ الْوَلَهُ الْغَالِبُ عَلَى الْقَلْبِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْهَيَمَانِ ". وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي رِسَالَةِ " اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ " ص 240: " الِاصْطِلَامُ: نَوْعُ وَلَهٍ يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ فَيَسْكُنُ تَحْتَ سُلْطَانِهِ ".

فصل الكلام على محبة الله تعالى

حَوْلَ الْعَرْشِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ، وَتِلْكَ الشَّيَاطِينُ حَوْلَهُ، وَقَدْ جَرَى هَذَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ. [فَصْلٌ الكلام على محبة الله تعالى] (فَصْلٌ) وَقَدِ اعْتَرَفَ طَوَائِفُ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ، وَأَنْكَرُوا أَنَّهُ يُحِبُّ غَيْرَهُ إِلَّا بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ أَمْرٌ مَوْجُودٌ فِي الْقُلُوبِ (¬1) وَالْفِطَرِ، شَهِدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَاسْتَفَاضَ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَهْلِ الصَّفْوَةِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْتِذَاذَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّهِ أَعْظَمُ لَذَّةٍ فِي الْجَنَّةِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ: إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ. فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ؟ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ. وَهُوَ الزِّيَادَةُ» " (¬2) . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: " «أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» (¬3) ". ¬

(¬1) ن: الْقَلْبِ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/166 (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ وَالتَّعْلِيقُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى 2/114 - 115، 3/166 - 167

فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ» " يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّذَّةَ الْحَاصِلَةَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ فِي الْجَنَّةِ، وَالْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا يَجِدُ فِي قَلْبِهِ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَذِكْرِ مَحَامِدِهِ، وَآلَائِهِ، وَعِبَادَتِهِ، مِنَ اللَّذَّةِ مَا لَا يَجِدُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» " (¬1) ، وَكَانَ يَقُولُ: " «أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ» " (¬2) وَفِي الْحَدِيثِ: " «إِذَا مَرَرْتُمْ ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَصُّهُ: " حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ "، وَهُوَ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/58 - 60 (كِتَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ، بَابُ حُبِّ النِّسَاءِ) ، وَأَوَّلُهُ: " حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا. . الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/128 - 119 - 285 وَأَضَافَ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ وَفِي السُّنَنِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ " 3/87 وَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى " مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ " لِلتِّبْرِيزِيِّ 2/669 (ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ دِمَشْقَ 1381 1961) : " وَقَدِ اشْتَهَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ " ثَلَاثٌ " وَلَا أَصْلَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ، بَلْ هِيَ مُفْسِدَةٌ لِلْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى ". وَانْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ عَنِ الْحَدِيثِ وَعَنِ الزِّيَادَةِ فِي " جَامِعِ الرَّسَائِلِ " 2/118 - 119 (¬2) ح، ر، وَ: أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالُ. وَالْحَدِيثُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي سُنَنِ دَاوُدَ 4/406 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ) وَنَصُّهُ: عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ - قَالَ مِسْعَرٌ: أَرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ -: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا ". وَالْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/364 ثُمَّ جَاءَ الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بَعْدَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَنَصُّهُ: عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبِي إِلَى صِهْرٍ لَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: يَا جَارِيَةُ ائْتُونِي بِوَضُوءٍ لَعَلِّي أُصَلِّي فَأَسْتَرِيحَ، قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ ". وَالْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/371 وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ " 1/393 وَفِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/284

بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا ". قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: " مَجَالِسُ الذِّكْرِ» " (¬1) . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ: " «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» " (¬2) ; فَإِنَّ هَذَا كَانَ أَعْظَمَ مَجَالِسِ الذِّكْرِ. وَالْمُنْكِرُونَ لِرُؤْيَتِهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ تُنْكِرُ هَذِهِ اللَّذَّةَ، وَقَدْ يُفَسِّرُهَا مَنْ يَتَأَوَّلُ (¬3) الرُّؤْيَةَ بِمَزِيدِ الْعِلْمِ عَلَى لَذَّةِ الْعِلْمِ بِهِ، كَاللَّذَّةِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا بِذِكْرِهِ، لَكِنْ تِلْكَ أَكْمَلُ. وَهَذَا قَوْلُ مُتَصَوِّفَةِ الْفَلَاسِفَةِ وَالنُّفَاةِ، كَالْفَارَابِي، وَكَأَبِي حَامِدٍ، وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ مَا فِي كُتُبِهِ مِنَ " الْإِحْيَاءِ " وَغَيْرِهِ مِنْ لَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى (¬4) ، [وَالْفَلَاسِفَةُ تُثْبِتُ اللَّذَّةَ الْعَقْلِيَّةَ، وَأَبُو نَصْرٍ الْفَارَابِيُّ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/194 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابٌ مِنْهُ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ) وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/150 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 2/61 (كِتَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، بَابُ فَضْلِ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ) ، وَهُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/23 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ، بَابٌ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى. . .) وَزَادَ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي 8/121 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابٌ فِي الْحَوْضِ) 9/105 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ، بَابُ مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. .) ، سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 5/376 - 377 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ) ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ. (¬3) ن: مَنْ يُنْكِرُ. (¬4) يَتَكَلَّمُ الْغَزَالِيُّ عَلَى لَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي " الْإِحْيَاءِ " 14/62 - 76 فَيَقُولُ: 14 " 62 اعْلَمْ أَنَّ اللَّذَّاتِ تَابِعَةٌ لِلْإِدْرَاكَاتِ "، وَيُفَصِّلُ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ النُّقْطَةِ، ثُمَّ يَقُولُ 14/64: " وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعِلْمَ لَذِيذٌ، وَأَنَّ أَلَذَّ الْعُلُومِ الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَتَدْبِيرِهِ فِي مَمْلَكَتِهِ مِنْ مُنْتَهَى عَرْشِهِ إِلَى تُخُومِ الْأَرَضِينَ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ لَذَّةَ الْمَعْرِفَةِ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ اللَّذَّاتِ أَعْنِي لَذَّةَ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ. إِلَخْ ثُمَّ يَقُولُ 14/70: " اعْلَمْ أَنَّ الْمُدْرَكَاتِ تَنْقَسِمُ إِلَى مَا يَدْخُلُ فِي الْخَيَالِ. . . وَإِلَى مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْخَيَالِ، كَذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ، كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا. . إِلَى أَنْ يَقُولَ 14/71 " وَوَافَى اسْتِحْقَاقَ الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ وَقْتٌ مُبْهَمٌ. .، لِأَنَّ فِيهِ يَتَجَلَّى الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَيَتَجَلَّى لَهُ تَجَلِّيًا يَكُونُ انْكِشَافُ تَجَلِّيهِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا عَلِمَهُ كَانْكِشَافِ تَجَلِّي الْمِرْآةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا تَخَيَّلَهُ، وَهَذِهِ الْمُشَاهَدَةُ وَالتَّجَلِّي هِيَ الَّتِي تُسَمَّى رُؤْيَةٌ. . ".

وَأَمْثَالُهُ (¬1) مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ يُثْبِتُ الرُّؤْيَةَ لِلَّهِ، وَيُفَسِّرُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى] (¬2) . وَهَذِهِ اللَّذَّةُ أَيْضًا ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَكِنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ فِي تَحْقِيقِهَا، وَإِثْبَاتِ غَيْرِهَا مِنْ لَذَّاتِ الْآخِرَةِ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا أَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَنَحْوُهُمَا فَيُنْكِرُونَ أَنْ يَلْتَذَّ أَحَدٌ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ (¬3) مَعَ النَّظَرِ إِلَيْهِ لَذَّةٌ بِبَعْضِ ¬

(¬1) م: الْفَارَابِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ وَأَمْثَالِهِ، وَيَقُولُ الدُّكْتُورُ إِبْرَاهِيمُ مَدْكُور فِي كِتَابِهِ " فِي الْفَلْسَفَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: مَنْهَجٌ وَتَطْبِيقٌ ص 35 - 36 ط. عِيسَى الْحَلَبِيِّ 1367 - 1947 " لَعَلَّ أَخَصَّ خَصَائِصِ النَّظَرِيَّةِ الصُّوفِيَّةِ الَّتِي قَالَ بِهَا الْفَارَابِيُّ إِنَّهَا قَائِمَةٌ عَلَى أَسَاسٍ عَقْلِيٍّ فَلَيْسَ تَصَوُّفُهُ بِالتَّصَوُّفِ الرُّوحِيِّ الْبَحْتِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى مُحَارَبَةِ الْجِسْمِ وَالْبُعْدِ عَنِ اللَّذَائِذِ لِتَطْهُرَ النَّفْسُ وَتَرْقَى فِي مَدَارِجِ الْكَمَالِ، بَلْ هُوَ تَصَوُّفٌ نَظَرِيٌّ يَعْتَمِدُ عَلَى الدِّرَاسَةِ وَالتَّأَمُّلِ. . إِلَخْ "، وَيَقُولُ الْفَارَابِيُّ فِي " كِتَابِ آرَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْفَاضِلَةِ " ص 16 - 17 ط. مَكْتَبَةِ الْحُسَيْنِ التِّجَارِيَّةِ، الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ 1368 1948 " وَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ وُجُودُهُ أَفْضَلُ الْوُجُودِ، فَجَمَالُهُ فَائِتٌ لِجَمَالِ كُلِّ ذِي الْجَمَالِ، وَكَذَلِكَ زِينَتُهُ وَبَهَاؤُهُ، وَاللَّذَّةُ وَالسُّرُورُ وَالْغِبْطَةُ إِنَّمَا يُنْتَجُ وَيَحْصُلُ أَكْثَرَ بِأَنْ يُدْرَكَ الْأَجْمَلُ وَالْأَبْهَى وَالْأَزْيَنُ بِالْإِدْرَاكِ الْأَتْقَنِ وَالْأَتَمِّ، فَإِذَا كَانَ هُوَ الْأَجْمَلَ فِي النِّهَايَةِ وَالْأَبْهَى وَالْأَزْيَنَ، فَإِدْرَاكُهُ لِذَاتِهِ الْإِدْرَاكُ الْأَتْقَنُ فِي الْغَايَةِ وَعِلْمُهُ بِجَوْهَرِهِ الْعِلْمُ الْأَفْضَلُ. . لَذَّةٌ لَا نَفْهَمُ نَحْنُ كُنْهَهَا وَلَا نَدْرِي مِقْدَارَ عِظَمِهَا إِلَّا بِالْقِيَاسِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى مَا نَجِدُهُ مِنَ اللَّذَّةِ عِنْدَمَا نَكُونُ قَدْ أَدْرَكْنَا مَا هُوَ عِنْدَنَا أَكْمَلُ وَأَبْهَى إِدْرَاكًا وَأَتْقَنُ وَأَتَمُّ. . إِلَخْ ". (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬3) وَ: أَنْ نَجْعَلَ.

الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَتَكُونُ اللَّذَّةُ مَعَ النَّظَرِ بِذَلِكَ الْمَخْلُوقِ (¬1) . وَسَمِعَ ابْنُ عَقِيلٍ رَجُلًا يَقُولُ: أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ. فَقَالَ: هَبْ أَنَّ لَهُ وَجْهًا أَفَتَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ؟ ! . وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى ابْنِ عَقِيلٍ ; فَإِنَّهُ كَانَ فَاضِلًا ذَكِيًّا، وَكَانَ تَتَلَوَّنُ آرَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ; وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ كَثِيرٌ مِمَّا يُوَافِقُ فِيهِ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَهَذَا مِنْ ذَاكَ. وَكَذَلِكَ أَبُو الْمَعَالِي بَنَى هَذَا عَلَى أَصْلِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِي وَافَقَهُمْ فِيهِ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ ذَاتَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَعَ الصُّوفِيَّةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ بَقَايَا أَقْوَالِ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَوْ يُحَبُّ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَشَيْخُهُ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ أَنْكَرَ حَقِيقَةَ تَكْلِيمِ اللَّهِ لِمُوسَى وَغَيْرِهِ، وَكَانَ جَهْمُ يَنْفِي الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءَ، ثُمَّ انْتَقَلَ بَعْضُ (¬2) ذَلِكَ إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ; فَنَفَوُا الصِّفَاتِ دُونَ الْأَسْمَاءِ. وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا (¬3) ، بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَقَّ بِأَنْ يُحَبَّ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُحَبَّ غَيْرُهُ إِلَّا لِأَجْلِهِ وَكُلُّ مَا يُحِبُّهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ إِلَّا لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكَلَامَ فِيمَا بَيْنَ يَدِي مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْجُوَيْنِيِّ، وَلَعَلَّهُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ الْمَفْقُودَةِ. (¬2) ر، ب، ح، ي: بَعْدَ. (¬3) ح، ب: وَأَئِمَّتِهِمْ.

سُبْحَانَهُ، الْمُتَضَمِّنَةِ لِمَحَبَّتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَخَلَقَ فِيهِمُ الشَّهَوَاتِ لِيَتَنَاوَلُوا بِهَا مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ (¬1) عَلَى عِبَادَتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْبُدِ اللَّهَ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ هَالِكٌ، وَاللَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فَيُعْبَدَ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ عَطَّلَ عِبَادَتَهُ فَلَمْ يَعْبُدْهُ الْبَتَّةَ كَفِرْعَوْنَ وَأَمْثَالِهِ؟ ! . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 48] ، [وَالتَّعْطِيلُ لَيْسَ دُونَ الشِّرْكِ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَالْمُسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ، فَأُولَئِكَ أَوْلَى (¬2) ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِي قَلْبِهِ حُبُّ اللَّهِ] (¬3) ، وَلَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا مَحَبَّتَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ - وَهُمْ مُؤْمِنُونَ - لَوْ رَجَعُوا إِلَى فِطْرَتِهِمُ الَّتِي فُطِرُوا عَلَيْهَا، وَاعْتَبَرُوا أَحْوَالَ قُلُوبِهِمْ عِنْدَ عِبَادَتِهِ ; لَوَجَدُوا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ مَحَبَّتِهِ مَا لَا يُعَبِّرُ عَنْ قَدْرِهِ، وَهُمْ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ نَظَرًا فِي الْعِلْمِ بِهِ وَبِصِفَاتِهِ وَذِكْرِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ (¬4) ، وَإِلَّا فَمَا لَا يُحَبُّ لَا تَحْرِصُ النُّفُوسُ عَلَى ذِكْرِهِ إِلَّا لِتَعَلُّقِ حَاجَتِهَا بِهِ ; وَلِهَذَا يُقَالُ: مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ. وَالْمُؤْمِنُ يَجِدُ نَفْسَهُ مُحْتَاجَةً إِلَى اللَّهِ فِي تَحْصِيلِ مَطَالِبِهِ، وَيَجِدُ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةَ اللَّهِ غَيْرَ هَذَا، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى اللَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ رَبُّهُ، وَمِنْ جِهَةِ ¬

(¬1) ح: بِهَا. (¬2) وَ: أَعْظَمُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) وَ: وَذَلِكَ طَرِيقُ مَحَبَّتِهِ.

أَنَّهُ إِلَهُهُ، قَالَ تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَابِدًا لِلَّهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِينًا بِهِ ; وَلِهَذَا كَانَ هَذَا فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَهُ فِي صِلَاتِهِ. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الرَّبِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ (¬1) الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ، جَمَعَ سِرَّهَا فِي الْأَرْبَعَةِ، وَجَمَعَ سِرَّ الْأَرْبَعَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَجَمَعَ سِرَّ (¬2) الْقُرْآنِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَجَمَعَ (¬3) سِرَّ الْفَاتِحَةِ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ: [ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ] (¬4) ; وَلِهَذَا ثَنَّاهَا اللَّهُ [فِي كِتَابِهِ] (¬5) فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [سُورَةُ هُودٍ: 123] ، وَقَوْلِهِ: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [سُورَةُ هُودٍ: 88] ، وَقَوْلِهِ: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 30] ، وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: 2 - 3] وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَهُمْ يَتَأَوَّلُونَ مَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: فَيَمْتَنِعُ فِي الْفِطْرَةِ أَنْ يُحِبَّ الْإِنْسَانُ طَاعَةَ مُطَاعٍ وَعِبَادَتَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلَّهِ، وَإِلَّا فَمَا لَا يُحَبُّ فِي نَفْسِهِ (¬6) لَا يُحِبُّ الْإِنْسَانُ لَا ¬

(¬1) عَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬2) سِرَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، (ر) . (¬3) و، ح، ر، ي: وَجَعَلَ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ح) ، (ر) ، (ب) فَقَطْ. (¬5) فِي كِتَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬6) ح، ب: فَمَا لَا يُحَبُّ لِنَفْسِهِ.

طَاعَتَهُ وَلَا عِبَادَتَهُ، وَمَنْ كَانَ إِنَّمَا يُحِبُّ الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ لِلْعِوَضِ الْمَخْلُوقِ، فَهُوَ لَا يُحِبُّ إِلَّا ذَلِكَ الْعِوَضَ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا يُحِبُّ اللَّهَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَافِرَ وَالظَّالِمَ وَمَنْ يُبْغِضُهُ الْمُؤْمِنُ قَدْ يَسْتَأْجِرُ الْمُؤْمِنَ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، فَيَعْمَلُ الْمُؤْمِنُ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْعِوَضِ، وَلَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُحِبًّا لِلْكَافِرِ وَلَا لِلظَّالِمِ إِذَا عَمِلَ لَهُ بِعِوَضٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ إِلَّا الْعِوَضَ. فَمَنْ كَانَ لَا يُرِيدُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا الْعِوَضَ عَلَى عَمَلِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّهُ [قَطُّ] (¬1) إِلَّا كَمَا يُحِبُّ الْفَاعِلُ لِمَنْ يَسْتَأْجِرُهُ (¬2) وَيُعْطِيهِ الْعِوَضَ [عَلَى عَمَلِهِ] (¬3) ، فَإِنَّ كُلَّ مَحْبُوبٍ، إِمَّا أَنْ يُحَبَّ لِنَفْسِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُحَبَّ لِغَيْرِهِ، فَمَا أُحِبَّ لِغَيْرِهِ فَالْمَحْبُوبُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ ذَلِكَ الْغَيْرُ، وَأَمَّا هَذَا فَإِنَّمَا أُحِبَّ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى الْمَحْبُوبِ، وَالْوَسِيلَةُ قَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً غَايَةَ الْكَرَاهَةِ، لَكِنْ يَتَحَمَّلُهَا (¬4) الْإِنْسَانُ لِأَجْلِ الْمَقْصُودِ، كَمَا يَتَجَرَّعُ الْمَرِيضُ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ لِأَجْلِ مَحَبَّتِهِ لِلْعَافِيَةِ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ. فَإِنْ كَانَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ لَا يُحَبُّ إِلَّا لِمَا يَخْلُقُهُ مِنَ النِّعَمِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَبُّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 165] ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُحِبُّونَ الْأَنْدَادَ كَحُبِّ اللَّهِ. ¬

(¬1) قَطُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَ: اسْتَأْجَرَهُ. (¬3) عَلَى عَمَلِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬4) ن، م، و، (ي) : يَحْتَمِلُهَا.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ مَحَبَّةً قَوِيَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 93] ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُقَالُ: [إِنَّهُ] (¬1) لِمَا يَظُنُّونَهُ فِيهِمْ مِنْ أَنَّهَا تَنْفَعُهُمْ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الشَّيْءَ يُحَبُّ لِهَذَا وَلِهَذَا، وَلَكِنْ إِذَا ظُنَّ فِيهِ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ (¬2) أَشَدَّ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ نَفْعِهِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى: " «أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي» " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (¬3) ; فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ وَاجِبَةً لِإِحْسَانِهِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: الْمَحَبَّةُ لِلْإِحْسَانِ مَحَبَّةُ الْعَامَّةِ، وَتِلْكَ مَحَبَّةُ الْخَاصَّةِ - لَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ لِذَاتِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ. وَمَنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. وَمَنْ قَالَ: إِنِّي لَا أَجِدُ (¬4) هَذِهِ الْمَحَبَّةَ فِي قَلْبِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا، فَإِنَّ أَبَا جَهْلٍ وَأَبَا لَهَبٍ ¬

(¬1) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: الْمَحَبَّةُ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/329 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ بَابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ". وَالْحَدِيثُ فِي: الْمُسْتَدْرَكِ 3/149 - 150 (كِتَابُ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ، بَابُ وَمِنْ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ "، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: " صَحِيحٌ ". وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَزِيَادَتِهِ " 1/98 (¬4) ن: لَأَجِدُ، وَهُوَ خَطَأٌ، ر: لَا ثُمَّ أَجِدُ.

وَأَمْثَالَهُمَا إِذَا قَالُوا ذَلِكَ كَانُوا صَادِقِينَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُمْ كُفَّارٌ أَخْبَرُوا عَمَّا فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ، مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ فِي قُلُوبِهِمْ مَحَبَّةُ اللَّهِ (¬1) لَكِنْ مَعَ الشِّرْكِ بِهِ، فَإِنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ; وَلِهَذَا أَبْغَضُوا الرَّسُولَ وَعَادُوهُ ; لِأَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَرَفْضِ مَا يُحِبُّونَهُ مَعَهُ، فَنَهَاهُمْ أَنْ يُحِبُّوا شَيْئًا كَحُبِّهِ (¬2) ، فَأَبْغَضُوهُ عَلَى هَذَا. فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، يُفَضِّلُ ذَلِكَ النِّدَّ عَلَى اللَّهِ فِي أَشْيَاءَ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ، لَكِنْ تَهْوَى نُفُوسُهُمْ ذَلِكَ النِّدَّ أَكْثَرَ. وَالرَّبُّ تَعَالَى إِذَا جَعَلَ مَنْ يُحِبُّ الْأَنْدَادَ كَحُبِّهِ مُشْرِكِينَ، فَمَنْ أَحَبَّ النِّدَّ أَكْثَرَ كَانَ أَعْظَمَ شِرْكًا وَكُفْرًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 108] ، فَلَوْلَا تَعْظِيمُهُمْ لِآلِهَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ لَمَا سَبُّوا اللَّهَ إِذَا سُبَّتْ آلِهَتُهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 136] ، «وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ: أُعْلُ هُبَلْ أُعْلُ هُبَلْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَلَا تُجِيبُوهُ؟ فَقَالُوا: وَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى، وَلَا عُزَّى لَكُمْ. قَالَ: أَلَا تُجِيبُوهُ؟ قَالُوا: ¬

(¬1) و، ر، ي: مَحَبَّةٌ لِلَّهِ. (¬2) ح، ب: كَحُبِّ اللَّهِ.

وَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، وَلَا مَوْلَى لَكُمْ» (¬1) . وَيُوجَدُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَحْلِفُ بِنِدٍّ جَعَلَهُ لِلَّهِ، وَيَنْذِرُ لَهُ، وَيُوَالِي فِي مَحَبَّتِهِ، وَيُعَادِي مَنْ يُبْغِضُهُ، وَيَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَكْذِبُ، وَيُوفِي بِمَا نَذَرَهُ لَهُ (¬2) ، وَهُوَ يَكْذِبُ إِذَا حَلَفَ بِاللَّهِ، وَلَا يُوفِي بِمَا نَذَرَهُ لِلَّهِ، وَلَا يُوَالِي فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَلَا يُعَادِي فِي اللَّهِ، كَمَا يُوَالِي وَيُعَادِي لِذَلِكَ النِّدِّ. فَمَنْ قَالَ: إِنِّي لَا أَجِدُ فِي قَلْبِي أَنَّ اللَّهَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا سِوَاهُ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فَيَكُونُ كَافِرًا مُخَلَّدًا فِي النَّارِ، مِنَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَالِطًا فِي قَوْلِهِ: لَا أَجِدُ فِي قَلْبِي هَذَا. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مَعَارِفُ وَإِرَادَاتٌ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهَا فِي قَلْبِهِ، فَوُجُودُ الشَّيْءِ فِي الْقَلْبِ شَيْءٌ، وَالدِّرَايَةُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ ; وَلِهَذَا يُوجَدُ الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَطْلُبُ تَحْصِيلَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي قَلْبِهِ، فَتَرَاهُ يَتْعَبُ تَعَبًا كَثِيرًا لِجَهْلِهِ، وَهَذَا كَالْمُوَسْوَسِ (¬3) فِي الصَّلَاةِ ; فَإِنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا بِاخْتِيَارِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ (¬4) ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ، وَوُجُودُ ذَلِكَ بِدُونِ النِّيَّةِ - الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ - مُمْتَنِعٌ، فَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ (¬5) ، ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/523 وَانْظُرْ هَذَا الْجُزْءَ، ص 21 (¬2) ن، م: بِمَا نَذَرَ لَهُ. (¬3) ن، م: مَا فَعَلَهُ. (¬4) وَ: كَالْوَسْوَسَةِ. (¬5) وُ: مُرِيدٌ لِلصَّلَاةِ.

فَطَلَبَ مِثْلَ هَذَا لِتَحْصِيلِ النِّيَّةِ مِنْ جَهْلِهِ بِحَقِيقَةِ النِّيَّةِ وَوُجُودِهَا فِي نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ مُسْلِمٌ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّوْمِ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِلصَّوْمِ (¬1) ، فَهَذَا نِيَّةُ الصَّوْمِ. وَهُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلِهَذَا يُفَرِّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَعِشَاءِ لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَيْلَةُ الْعِيدِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصُومُ، فَلَا يُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَا يَنْوِيهِ، وَلَا يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ. وَهَذَا مِثْلُ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَمْشِي وَيَرْكَبُ، وَيَلْبَسُ، إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَهَا، وَهَذِهِ نِيَّتُهَا، فَلَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ: أُرِيدُ أَنْ أَضَعَ يَدِيَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ لِآخُذَ لُقْمَةً آكُلُهَا، كَانَ أَحْمَقَ عِنْدَ النَّاسِ. فَهَكَذَا مَنْ يَتَكَلَّمُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصِّيَامِ (¬2) . وَمَعَ هَذَا فَتَجِدُ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُوَسْوَسِينَ بِعِلْمٍ وَعِبَادَةٍ يَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ النِّيَّةِ أَعْظَمَ مِمَّا يَجْتَهِدُ مَنْ يَسْتَخْرِجُ مَا فِي قَعْرِ مَعِدَتِهِ مِنَ الْقَيْءِ، أَوْ مَنْ يَبْتَلِعُ الْأَدْوِيَةَ الْكَرِيهَةَ. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَعَارِفِ، قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ ضَرُورِيًّا وَفِطْرِيًّا، وَهُوَ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ ; لِإِعْرَاضِهِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَعَدَمِ شُعُورِهِ بِشُعُورِهِ. فَهَكَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ نَظَرَ فِي كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ نُفَاةِ الْمَحَبَّةِ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ قَوْلًا صَحِيحًا ; لِمَا ظَنَّهُ مِنْ صِحَّةِ شُبُهَاتِهِمْ، أَوْ تَقْلِيدًا لَهُمْ، فَصَارَ يَقُولُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ، ¬

(¬1) ن، م، و: يُرِيدُ الصَّوْمَ. (¬2) ن: وَالصَّوْمِ.

وَيُنْكِرُ مَا فِي نَفْسِهِ. فَإِنَّ نَافِيَ مَحَبَّةِ اللَّهِ يَقُولُ: الْمَحَبَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمَا يُنَاسِبُ الْمَحْبُوبَ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ، وَبَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ، وَبَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ. فَيُقَالُ: لَفْظُ الْمُنَاسَبَةِ لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا، أَيْ أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ، فَلَا يُنْسَبُ هَذَا إِلَى هَذَا. كَمَا يُقَالُ: لَا نِسْبَةَ لِمَالِ فُلَانٍ إِلَى مَالِ فُلَانٍ، وَلَا نِسْبَةَ لِعِلْمِهِ أَوْ جُودِهِ أَوْ مِلْكِهِ [إِلَى عِلْمِ فُلَانٍ وُجُودِ فُلَانٍ وَمِلْكِ فُلَانٍ،] (¬1) يُرَادُ بِهِ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ حَقِيرَةٌ صَغِيرَةٌ كَلَا نِسْبَةَ، كَمَا يُقَالُ: لَا نِسْبَةَ لِلْخَرْدَلَةِ إِلَى الْجَبَلِ، وَلَا نِسْبَةَ لِلتُّرَابِ إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ. فَإِذَا أُرِيدَ بِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِلْمُحْدَثِ إِلَى الْقَدِيمِ هَذَا الْمَعْنَى وَنَحْوُهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَتِ الْمَحَبَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِهَذِهِ النِّسْبَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنْ لَيْسَ فِي الْقَدِيمِ مَعْنًى يُحِبُّهُ لِأَجْلِهِ الْمُحْدَثُ، فَهَذَا رَأَسُ الْمَسْأَلَةِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمُحْدَثِ وَالْقَدِيمِ مَا يُحِبُّ الْمُحْدَثُ الْقَدِيمَ لِأَجْلِهِ؟ وَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ الْقَدِيمَ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؟ وَالْمَحَبَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ نَقْصًا، بَلْ هِيَ صِفَةُ كَمَالٍ، بَلْ هِيَ أَصْلُ الْإِرَادَةِ. فَكُلُّ إِرَادَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ تَسْتَلْزِمَ مَحَبَّةً؛ فَإِنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُرَادُ ; لِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ، أَوْ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَحْبُوبِ. وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ الْمَحَبَّةِ لَامْتَنَعَتِ الْإِرَادَةُ ; فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ لَازِمَةٌ لِلْإِرَادَةِ، فَإِذَا انْتَفَى اللَّازِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ، وَكَذَلِكَ الْمَحَبَّةُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْإِرَادَةِ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ حُبُّهُ إِيَّاهُ، إِرَادَةً لِبَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهِ. وَلِهَذَا كَانَ خَلْقُهُ تَعَالَى لِمَخْلُوقَاتِهِ لِحِكْمَةٍ (¬1) ، وَالْحِكْمَةُ مُرَادَةٌ مَحْبُوبَةٌ. فَهُوَ خَلَقَ مَا خَلَقَ لِمُرَادٍ مَحْبُوبٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ يُحِبُّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَيُرِيدُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ يُحِبُّونَهُ فَيُرِيدُونَ عِبَادَتَهُ (¬2) [وَطَاعَتَهُ] . وَ [قَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» " (¬4) وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ يَجِدُ فِي قَلْبِهِ لِلرَّسُولِ مِنَ الْمَحَبَّةِ مَا لَا يَجِدُ (¬5) لِغَيْرِهِ، حَتَّى أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ مَحْبُوبًا لَهُ - مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ (¬6) - يَسُبُّ الرَّسُولَ، هَانَ عَلَيْهِ عَدَاوَتُهُ وَمُهَاجَرَتُهُ، بَلْ وَقَتْلُهُ لِحُبِّ الرَّسُولِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. قَالَ تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 22] ، [بَلْ قَدْ] . ¬

(¬1) ح، ر، ي، ب: بِحِكْمَةٍ، وَ: بِحِكْمَتِهِ. (¬2) ن، م: وَيُرِيدُونَ عِبَادَتَهُ (وَسَقَطَتْ: وَطَاعَتَهُ) . (¬3) ن، م: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/447 (¬5) مَا لَا يَجِدُ: كَذَا فِي (ر) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَا لَا يُوجَدُ. (¬6) ب (فَقَطْ) : أَوْ أَصْدِقَائِهِ.

قَالَ تَعَالَى (¬1) : {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 24] ، فَتَوعَّدَ مَنْ كَانَ الْأَهْلُ وَالْمَالُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ (¬2) حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ» " (¬3) . فَوُجُودُ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ لَا تَكُونُ مِنْ مَحَبَّةِ الْعِوَضِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ، بَلِ الْفَاعِلُ الَّذِي لَا يَعْمَلُ إِلَّا لِلْكِرَاءِ لَا يَجِدُ حَالَ الْعَمَلِ إِلَّا التَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ وَمَا يُؤْلِمُهُ، فَلَوْ كَانَ لَا مَعْنَى لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَّا مَحَبَّةَ ¬

(¬1) ن، م: وَقَالَ تَعَالَى. (¬2) بِهِنَّ سَاقِطَةٌ مِنْ (و) ، (ب) . (¬3) جَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/8 (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ) ، 1/9 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ. . .) 9/20، (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ، بَابُ مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ. . .) ، مُسْلِمٍ 1/66، (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابُ بَيَانِ خِصَالِ. . .) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1338 - 1339 (كِتَابُ الْفِتَنِ بَابُ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا وَلَكِنْ بِلَفْظِ: " لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا "، وَذَلِكَ فِي: الْبُخَارِيِّ 8/14 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ) .

مَا سَيَصِيرُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ مِنَ الْأَجْرِ، لَمْ يَكُنْ هُنَا حَلَاوَةُ إِيمَانٍ يَجِدُهَا الْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ وَهُوَ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ وَالِامْتِحَانِ، وَهَذَا خِلَافُ الشَّرْعِ وَخِلَافُ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا قُلُوبَ عِبَادِهِ. فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» " (¬1) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ، فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا» " (¬2) . فَاللَّهُ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَصْلُهَا مَحَبَّةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَمَا مِنْ فِطْرَةٍ لَمْ تَفْسُدْ إِلَّا وَهِيَ تَجِدُ فِيهَا مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ قَدْ تَفْسُدُ الْفِطْرَةُ إِمَّا لِكِبَرٍ وَغَرَضٍ فَاسِدٍ (¬3) كَمَا فِي فِرْعَوْنَ. وَإِمَّا بِأَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ غَيْرُهُ فِي الْمَحَبَّةِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 165] . وَأَمَّا أَهْلُ التَّوْحِيدِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَإِنَّ فِي ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/307 - 308 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 4/2197 - 2198 (كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ) وَأَوَّلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: " أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ. . . وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمُ. . الْحَدِيثَ " وَهُوَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/162 (¬3) وَ: وَعَرَضٍ آخَرَ.

قُلُوبِهِمْ مُحِبَّةَ اللَّهِ، لَا يُمَاثِلُهُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَلِهَذَا كَانَ الرَّبُّ مَحْمُودًا حَمْدًا مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ مَا فَعَلَهُ، وَحَمْدًا خَاصًّا عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَى الْحَامِدِ، فَهَذَا حَمْدُ الشُّكْرِ، وَالْأَوَّلُ حَمْدُهُ (¬1) عَلَى كُلِّ مَا فَعَلَهُ. كَمَا قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 1] ، {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الْآيَةَ [سُورَةُ فَاطِرٍ: 1] . وَالْحَمْدُ ضِدُّ الذَّمِّ. وَالْحَمْدُ خَبَرٌ بِمَحَاسِنَ الْمَحْمُودِ مَقْرُونٌ بِمَحَبَّتِهِ، وَالذَّمُّ خَبَرٌ بِمَسَاوِئِ الْمَذْمُومِ مَقْرُونٌ بِبُغْضِهِ ; فَلَا يَكُونُ حَمْدٌ لِمَحْمُودٍ إِلَّا مَعَ مَحَبَّتِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَمٌّ لِمَذْمُومٍ إِلَّا مَعَ بُغْضِهِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ. وَأَوَّلُ مَا نَطَقَ بِهِ آدَمُ: [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (¬2) ، وَأَوَّلُ مَا سَمِعَ مِنْ رَبِّهِ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ، وَآخِرُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَنَّةِ: أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الْحَمَّادُونَ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. فَلَا تَكُونُ عِبَادَةٌ إِلَّا بِحُبِّ الْمَعْبُودِ (¬3) ، [وَلَا يَكُونُ حَمْدٌ إِلَّا بِحُبِّ الْمَحْمُودِ] (¬4) ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ الْمَعْبُودُ الْمَحْمُودُ. ¬

(¬1) ح: حَمْدٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن، م، ر، ح: يُحِبُّ لِلْمَعْبُودِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) ، (ي) إِلَّا بِحُبٍّ لِلْمَحْمُودِ.

وَأَوَّلُ نِصْفِ الْفَاتِحَةِ الَّذِي لِلرَّبِّ حَمْدُهُ، وَآخِرُهُ عِبَادَتُهُ، أَوَّلُهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وَآخِرُهُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} . كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْقِسْمَةِ: " يَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. يَقُولُ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ; فَيَقُولُ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فَيَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: مَجَّدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. يَقُولُ الْعَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: هَؤُلَاءِ (¬1) لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] (¬2) . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَفْضَلُ مَا قُلْتُ: أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» " (¬3) فَجَمَعَ بَيْنَ التَّوْحِيدِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : هَذَا. (¬2) فِي صَحِيحِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 1/296 - 297 (كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/269 - 270 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ) . (¬3) ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " 1/128 فَقَالَ: " أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ لَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ عَنْ عَلِيٍّ "، وَذَكَرَ الْعَجْلُونِيُّ الْحَدِيثَ فِي " كَشْفِ الْخَفَاءِ " 1/153 فَقَالَ: " أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ مُرْسَلًا، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَزَادَ: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ قَوْلِي وَقَوْلِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ - الْحَدِيثَ، وَزَادَ بَعْدَ: وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ ". وَوَجَدْتُ أَنَّ مَالِكًا قَدْ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مُرْسَلًا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَجْلُونِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ 1/214 - 215 (كِتَابُ الْقُرْآنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ) 2/422 - 423 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ جَامِعِ الْحَجِّ) ، وَفِي التَّعْلِيقِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ، وَلَا أَحْفَظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَحَادِيثُ الْفَضَائِلِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى مُحْتَجٍّ بِهِ، وَقَدْ جَاءَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَمْرٍو ". أَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَقَدْ أَوْرَدَهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَجْلُونِيُّ فِي سُنَنِهِ 5/231 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ بَابٌ فِي فَضَائِلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) ، وَقَالَ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدِينِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ "، وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر فِي تَعْلِيقَاتِهِ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 11/180 إِلَى الْحَدِيثِ وَقَالَ: إِنَّ الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي " التَّرْغِيبِ " مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَنَقَلَ عَنْهُ تَحْسِينَهُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ لِلْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ، وَضَعَّفَهَا الْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/315

وَالتَّحْمِيدِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ غَافِرٍ 65] . وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا قُلْتَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ (¬1) . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» " (¬2) . ¬

(¬1) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ مُسْنَدًا الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ (ط. بُولَاقَ) 24/53 وَنَصُّ كَلَامِهِ فِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلْيَقُلْ عَلَى أَثَرِهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ كَلَامَهُ فِي (ط. الشَّعْبِ) 7/145 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/130 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ مُسْتَجَابَةٌ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا الْحَدِيثَ ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1249 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ فَضْلِ الْحَامِدِينَ) ، وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/362 وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» " (¬1) . وَقَالَ أَيْضًا: " «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» " (¬2) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/360 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ الْهَدْيِ فِي الْكَلَامِ) ، بِلَفْظِ: " كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ "، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: " رَوَاهُ يُونُسُ وَعَقِيلٌ وَشُعَيْبٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا ". وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي سُنَنِهِ 1/610 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ خُطْبَةِ النِّكَاحِ) ، وَلَفْظُهُ: " كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ أَقْطَعُ "، وَجَاءَ فِي التَّعْلِيقِ: وَقَالَ السِّنْدِيُّ: " الْحَدِيثُ قَدْ حَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ". وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَرِوَايَةً ثَالِثَةً بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 4/147 - 148 وَتَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيثِ كَلَامًا مُفَصَّلًا فِي " الْإِرْوَاءِ "، إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ مَنَارِ السَّبِيلِ 1/29 - 32 ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ بَيْرُوتَ 1399 - 1979 وَالْحَدِيثُ صَحَّحَ السُّيُوطِيُّ بَعْضَ رِوَايَاتِهِ وَحَسَّنَ النَّوَوِيُّ بَعْضَهَا، وَانْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ عَنِ الْحَدِيثِ فِي " جَامِعِ الرَّسَائِلِ " 1/108، 2/67 وَانْظُرْ " كَشْفَ الْخَفَاءِ " لِابْنِ الْعَجْلُونِيِّ 2/119؛ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ لِلسَّخَاوِيِّ، ص 322 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 361 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي الْخُطْبَةِ) ، سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 2/386 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي خُطْبَةِ النِّكَاحِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ " الْمُسْنَدُ (ط. الْمَعَارِفِ) 15/170، 16/216 (وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر الْحَدِيثَيْنِ وَأَشَارَ إِلَى تَصْحِيحِ السُّيُوطِيِّ لَهُ) . وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 4/172، وَرِسَالَةِ " الْأَجْوِبَةِ النَّافِعَةِ عَنْ أَسْئِلَةِ لَجْنَةِ مَسْجِدِ الْجَامِعَةِ " ص 56، ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ، الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ، بَيْرُوتْ، 1400

فَلَا بُدَّ فِي الْخُطَبِ (¬1) مِنَ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَمِنْ تَوْحِيدِهِ ; وَلِهَذَا كَانَتِ الْخُطَبُ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُشْتَمِلَةً عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ، وَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَوَّلُهُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ، وَآخِرُهُ الشَّهَادَتَانِ، وَلَا يَكُونُ الثَّنَاءُ إِلَّا عَلَى مَحْبُوبٍ، وَلَا التَّأَلُّهُ إِلَّا لِمَحْبُوبٍ، وَقَدْ بَسَطْنَا (¬2) الْكَلَامَ فِي حَقَائِقِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ. وَإِذَا كَانَ الْعِبَادُ يَحْمَدُونَهُ وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ وَيُحِبُّونَهُ، فَهُوَ (¬3) سُبْحَانَهُ أَحَقُّ بِحَمْدِ نَفْسِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَحَبَّةِ لِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ: " «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» " (¬4) فَلَا ثَنَاءَ مِنْ مُثْنٍ أَعْظَمُ مِنْ ثَنَاءِ الرَّبِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا ثَنَاءَ إِلَّا بِحُبٍّ، وَلَا حُبَّ مِنْ مَحْبُوبٍ لِمَحْبُوبٍ أَعْظَمُ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ لِنَفْسِهِ، وَكُلُّ مَا يُحِبُّهُ مِنْ عِبَادِهِ فَهُوَ تَابِعٌ لِحُبِّهِ لِنَفْسِهِ، فَهُوَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَالصَّابِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ، كُلُّ ذَلِكَ تَبَعًا لِمَحَبَّتِهِ لِنَفْسِهِ (¬5) ; فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ يُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ ; فَيَكُونُ حُبُّهُ لِلرَّسُولِ وَالصَّالِحِينَ تَبَعًا لِحُبِّهِ لِلَّهِ، فَكَيْفَ الرَّبُّ تَعَالَى فِيمَا يُحِبُّهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ؟ ! . إِنَّمَا يُحِبُّهُ تَبَعًا لِحُبِّهِ لِنَفْسِهِ (¬6) ، وَخَلَقَ الْمَخْلُوقَاتِ لِحِكْمَتِهِ الَّتِي يُحِبُّهَا. ¬

(¬1) ح، ب: الْخُطْبَةِ. (¬2) ن، م: وَقَدْ بُسِطَ. (¬3) ح، ب: وَهُوَ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ وَالتَّعْلِيقُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى 2/159 (¬5) ح، ب: تَابِعٌ لِمَحَبَّةِ نَفْسِهِ. (¬6) م: لِمَحَبَّةِ نَفْسِهِ.

فَمَا خَلَقَ شَيْئًا إِلَّا لِحِكْمَةٍ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ قَدْ قَالَ: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 7] ، وَقَالَ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 88] . وَلَيْسَ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى إِلَّا اسْمٌ يُمْدَحُ بِهِ ; وَلِهَذَا كَانَتْ كُلُّهَا حُسْنَى، وَالْحُسْنَى بِخِلَافِ السُّوأَى، فَكُلُّهَا حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنُ مَحْبُوبٌ مَمْدُوحٌ. فَالْمَقْصُودُ بِالْخَلْقِ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَذَلِكَ أَمْرٌ مَمْدُوحٌ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ مَا يُرِيدُهُ ; لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ مَا يُحِبُّهُ وَوَسَائِلِهِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ، كَمَا يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ بِلَا حَيَاةٍ، وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ الْمَوْلُودِ -[مَعَ كَوْنِهِ مَوْلُودًا] (¬1) - بِلَا وِلَادَةٍ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَدِيثِ الِاسْتِفْتَاحِ: " «وَالْخَيْرُ كُلُّهُ (¬2) بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» " (¬3) وَقَدْ قِيلَ: فِي تَفْسِيرِهِ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْأَعْمَالُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، وَقَدْ قِيلَ: ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) كُلُّهُ فِي (ن) ، (م) ، فَقَطْ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/534 - 536 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ الدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقِيَامِهِ) وَنَصُّهُ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ". وَرَوَى أَحْمَدُ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ " ط. الْمَعَارِفِ " 2/134 - 135 (الْأَرْقَامُ 803 - 805) . وَانْظُرْ مِشْكَاةَ الْمَصَابِيحِ لِلتِّبْرِيزِيِّ (ط. دِمَشْقَ) 1/255 - 257 الْأَذْكَارَ لِلنَّوَوِيِّ ص 43

لَا يُضَافُ إِلَيْكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْمَخْلُوقُ. وَالشَّرُّ الْمَخْلُوقُ لَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ مُجَرَّدًا عَنِ الْخَيْرِ [قَطُّ] (¬1) ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ عَلَى أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: إِمَّا مَعَ إِضَافَتِهِ إِلَى الْمَخْلُوقِ، كَقَوْلِهِ: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [سُورَةُ الْفَلَقِ: 2] ، وَإِمَّا مَعَ حَذْفِ الْفَاعِلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 10] . وَمِنْهُ فِي الْفَاتِحَةِ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: 7] ، فَذَكَرَ الْإِنْعَامَ مُضَافًا إِلَيْهِ، وَذَكَرَ الْغَضَبَ مَحْذُوفًا فَاعِلُهُ، وَذَكَرَ الضَّلَالَ مُضَافًا إِلَى الْعَبْدِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 80] . وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 102] ; وَلِهَذَا إِذَا ذُكِرَ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ قُرِنَ بِالْخَيْرِ، كَقَوْلِهِ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى: الضَّارُّ، النَّافِعُ، الْمُعْطِي، الْمَانِعُ، [الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، فَجَمَعَ (¬2) بَيْنَ الِاسْمَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُمُومِ (¬3) وَالشُّمُولُ الدَّالُّ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ وَحْدَهُ يَفْعَلُ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ; وَلِهَذَا لَا يُدْعَى بِأَحَدِ الِاسْمَيْنِ: كَالضَّارِّ، وَالنَّافِعِ، وَالْخَافِضِ، وَالرَّافِعِ، بَلْ يُذْكُرَانِ جَمِيعًا] (¬4) . وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلًا، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلًا. ¬

(¬1) قَطُّ: زِيَادَةٌ فِي (و) . (¬2) و، م: فَيَجْمَعُ. (¬3) لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُمُومِ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِمَا فِي الْعُمُومِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يُغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ؟ وَالْقِسْطُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» " (¬1) ، فَالْإِحْسَانُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَالْعَدْلُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ. كَمَا [ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬2) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَى يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِي يَعْدِلُونَ فِي أَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا» " (¬3) ، وَلِبَسْطِ هَذَا مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا خَلَقَ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ، لِحِكْمَةٍ يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا، فَهُوَ مُرِيدٌ لِكُلِّ مَا خَلَقَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ مَخْلُوقَاتِهِ إِنَّمَا خَلَقَهُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ يُبْغِضُهُ وَلَا يُحِبُّهُ. وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَشِيئَةِ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ، وَأَكْثَرُ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ، كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ (¬4) ، ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/139 (¬2) ن، م: كَمَا فِي الصَّحِيحِ. (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1458 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ) ، سُنَنُ النَّسَائِيِّ 8/195 - 196 (كِتَابُ آدَابِ الْقُضَاةِ، بَابُ فَضْلِ الْحَاكِمِ الْعَادِلِ فِي حُكْمِهِ) . وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِيهِمَا: " إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ. . إِلَخْ "، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 9/249 - 250، 254 (¬4) م: وَالْمَالِكِيَّةِ.

وَالْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ [أَبُو بَكْرٍ] (¬1) : عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ " الْمُقْنِعِ "، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْأَشْعَرِيِّ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَرَجَّحَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ لِلْمُؤْمِنِ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ دِينًا. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَهُمَا (¬2) سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ هُوَ أَبُو الْحَسَنِ. وَالَّذِينَ قَالُوا: هَذَا مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ، كَأَبِي الْمَعَالِي، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا، هُمْ فِي ذَلِكَ تَبَعٌ لِلْأَشْعَرِيِّ، وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَظْهَرُ أَنَّ الْإِرَادَةَ نَوْعَانِ: إِرَادَةٌ أَنْ يَخْلُقَ، وَإِرَادَةٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ. [فَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِهِ] (¬3) فَهُوَ مُرَادٌ إِرَادَةً شَرْعِيَّةً دِينِيَّةً، [مُتَضَمِّنَةً] (¬4) أَنَّهُ يُحِبُّ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَرْضَاهُ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: يُرِيدُ (¬5) مِنْ عَبْدِهِ، فَهُوَ يُرِيدُهُ لَهُ كَمَا يُرِيدُ الْأَمْرَ النَّاصِحَ لِلْمَأْمُورِ الْمَنْصُوحِ، يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْفَعُ [لَكَ] (¬6) ، وَهُوَ إِذَا فَعَلَهُ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَضِيَهُ، وَالْمَخْلُوقَاتُ مُرَادَةٌ إِرَادَةً خَلْقِيَّةً كَوْنِيَّةً، وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِمَا وَقَعَ دُونَ مَا لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُرَادًا لَهُ غَيْرَ مَحْبُوبٍ، بَلْ أَرَادَهُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى وُجُودِ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ لَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي وُجُودِ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ لَهُ. ¬

(¬1) أَبُو بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن، م: وَأَوَّلُ مَنْ جَعَلَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) مُتَضَمِّنَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) ن، ر، و، ي: يُرِيدُهُ. (¬6) لَكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ الْخِلْقِيَّةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] . وَفِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 34] . وَفِي قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَفِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 13] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَالْإِرَادَةُ الْأَمْرِيَّةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 185] . وَفِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا - يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 27 - 28] ، وَفِي قَوْلِهِ: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَإِذَا قِيلَ: الْأَمْرُ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ، أَمْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ؟ قِيلَ: هُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ الْأُولَى، وَهِيَ (¬1) : إِرَادَةُ الْخَلْقِ. فَلَيْسَ كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدَ الْمَأْمُورَ فَاعِلًا لَهُ. وَالْقَدَرِيَّةُ تَنْفِي أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا يَجْعَلُ أَحَدًا فَاعِلًا، وَلَا ¬

(¬1) وَهِيَ كَذَلِكَ فِي (م) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَهُوَ.

يَخْلُقُ فِعْلَ أَحَدٍ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَعِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْأَبْرَارَ أَبْرَارًا، وَالْمُسْلِمِينَ مُسْلِمِينَ، وَعِنْدَهُمْ مَنْ أَمَرَهُ وَجَعَلَهُ فَاعِلًا لِلْمَأْمُورِ صَارَ فَاعِلًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ فَاعِلًا [لَهُ] (¬1) لَمْ يَصِرْ فَاعِلًا لَهُ (¬2) فَأَهْلُ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ أَرَادَ مِنْهُمْ إِيمَانَهُمْ وَطَاعَتَهُمْ أَمْرًا وَخَلْقًا، فَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَأَعَانَهُمْ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُمْ فَاعِلِينَ لِذَلِكَ (¬3) ، وَلَوْلَا إِعَانَتُهُ لَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ لَمَا أَطَاعُوهُ. وَأَهْلُ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ أَمَرَهُمْ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ مُطِيعِينَ، فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْلُقَ طَاعَتَهُمْ، لَكِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِهَا وَأَرَادَهَا مِنْهُمْ إِرَادَةً شَرْعِيَّةً دِينِيَّةً ; لِكَوْنِهَا مَنْفَعَةً لَهُمْ وَمَصْلَحَةً إِذَا فَعَلُوهَا، وَلَمْ يُرِدْ هُوَ أَنْ يَخْلُقَهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَإِذَا كَانَ يُحِبُّهَا بِتَقْدِيرِ وَجُودِهَا، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِأَمْرٍ يَكْرَهُهُ، أَوْ لِفَوَاتِ مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَدَفْعُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ حُصُولِ ذَلِكَ الْمَحْبُوبِ، فَيَكُونُ تَرْكُ هَذَا الْمَحْبُوبِ لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وُجُودِهِ، كَمَا أَنَّ وُجُودَ الْمَكْرُوهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِوُجُودِ الْمَحْبُوبِ يَجْعَلُهُ مُرَادًا لِأَجْلِهِ، إِذَا كَانَ مَحَبَّتُهُ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِعَدَمِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ الْوَسِيلَةُ (¬4) . وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ نَصَحْتَهُ بِقَوْلِكَ عَلَيْكَ أَنْ تُعِينَهُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِهِ. فَالْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ دَائِمًا يَنْصَحُونَ النَّاسَ وَيَأْمُرُونَهُمْ، وَيَدُلُّونَهُمْ عَلَى مَا إِذَا فَعَلُوهُ كَانَ صَلَاحًا لَهُمْ، وَلَمْ يُعَاوِنُونَهُمْ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُونَ قَادِرِينَ، لَكِنْ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ لِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ. ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) ن، م: لَهُ. (¬4) و: وَسِيلَةٌ.

وَالرَّبُّ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَكِنْ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَلَهُ ضِدٌّ يُنَافِيهِ، وَلَهُ لَازِمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ; فَيَمْتَنِعُ وُجُودُ الضِّدَّيْنِ مَعًا، أَوْ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ، كُلٌّ مِنَ الضِّدَّيْنِ مَقْدُورٌ لِلَّهِ، وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ الْآخَرِ، فَأَمَّا وُجُودُ الضِّدَّيْنِ مَعًا فَمُمْتَنِعٌ (¬1) لِذَاتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ. وَالْعِبَادُ قَدْ لَا يَعْلَمُونَ التَّنَافِيَ أَوِ التَّلَازُمَ، فَلَا يَكُونُونَ عَالِمِينَ بِالِامْتِنَاعِ ; فَيَظُنُّونَهُ مُمْكِنَ الْوُجُودِ، مَعَ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ الْمَطْلُوبِ (¬2) لِلرَّبِّ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْعِلْمِ بِالْإِمْكَانِ [وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، وَإِنَّمَا عِنْدُهُمْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، لَا الْعِلْمُ بِالْإِمْكَانِ] (¬3) وَالْعَدَمُ لَا فَاعِلَ لَهُ، فَأَتَوْا مِنْ عَدَمِ عِلْمِهِمْ، وَهُوَ الْجَهْلُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْكُفْرِ (¬4) . وَهُوَ سُبْحَانُهُ إِذَا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ خَلْقَ شَيْءٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ لَوَازِمِهِ وَنَفْيِ أَضْدَادِهِ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: لِمَ لَمْ يَجْعَلْ (¬5) مَعَهُ الضِّدَّ الْمُنَافِيَ؟ أَوْ لِمَ وُجِدَ اللَّازِمُ؟ كَانَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحَقَائِقِ. وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: هَلَّا خَلَقَ زَيْدًا قَبْلَ أَبِيهِ؟ . فَيُقَالُ لَهُ: يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ وَيُخْلَقَ قَبْلَهُ، أَوْ يُخْلَقَ حَتَّى يُخْلَقَ أَبُوهُ، وَالنَّاسُ تَظْهَرُ لَهُمُ الْحِكْمَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَدَبَّرُونَهَا، كَمَا تَظْهَرُ لَهُمُ الْحِكْمَةُ فِي مُلُوحَةِ مَاءِ الْعَيْنِ، وَعُذُوبَةِ مَاءِ الْفَمِ، وَمَرَارَةِ ¬

(¬1) م، ب: فَيَمْتَنِعُ. (¬2) ن، م: الْمُطْلَقِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (ب) ، (ح) : وَإِنَّمَا عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِامْتِنَاعِ الْعِلْمِ بِالْإِمْكَانِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ر: أَصْلُ لِلْكُفْرِ (¬5) ح، ر، ي: تَجْعَلْ.

الكلام على أن القرآن كلام الله غير مخلوق

مَاءِ الْأُذُنِ، وَمُلُوحَةِ مَاءِ الْبَحْرِ. وَذَلِكَ يَدُلُّهُمْ عَلَى الْحِكْمَةِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا حِكْمَتَهُ، فَإِنَّ مَنْ رَأَى إِنْسَانًا بَارِعًا فِي النَّحْوِ أَوِ الطِّبِّ أَوِ الْحِسَابِ أَوِ الْفِقْهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِذَلِكَ، إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ كَلَامِهِ فَلَمْ يَفْهَمْهُ، سَلَّمَ ذَلِكَ إِلَيْهِ. فَرَبُّ الْعَالَمِينَ الَّذِي بَهَرَتِ الْعُقُولَ حِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ، الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، كَيْفَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا جَهِلَهُ (¬1) مِنْ حِكْمَتِهِ إِلَى مَا عَلِمَهُ مِنْهَا؟ ! . وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْكِتَابِ، الَّذِينَ يَرُدُّ كُلٌّ مِنْهُمْ قَوْلَ الْآخَرِ، وَفِي كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمْ حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثَالَيْنِ: مِثَالًا فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَمِثَالًا فِي الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ. [الكلام عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ] وَنَذْكُرُ مِثَالًا ثَالِثًا فِي الْقُرْآنِ ; فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ وَالسَّلَفَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، بَلْ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَلَا إِنَّهُ قَدِيمٌ. وَصَارَ الْمُخْتَلِفُونَ بَعْدَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ: قَوْمٌ (¬2) يَقُولُونَ: هُوَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ [اللَّهُ] فِي غَيْرِهِ (¬3) ، وَاللَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ، وَيَقُولُونَ: الْكَلَامُ صِفَةُ فِعْلٍ لَا صِفَةُ ذَاتٍ، وَمُرَادُهُمْ بِالْفِعْلِ مَا كَانَ مُنْفَصِلًا عَنِ الْفَاعِلِ غَيْرَ قَائِمٍ بِهِ، وَهَذَا لَا يُعْقَلُ أَصْلًا، وَلَا يُعْرَفُ مُتَكَلِّمٌ لَا يَقُومُ بِهِ كَلَامُهُ. ¬

(¬1) ن، م: مَا جَهِلَ. (¬2) ب: فَقَوْمٌ. (¬3) ن، م، و: خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ.

وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا بِالذَّاتِ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَا يَتَكَلَّمُ لَا بِقُدْرَتِهِ وَلَا مَشِيئَتِهِ، وَلَمْ يَزَلْ نِدَاؤُهُ لِمُوسَى أَزَلِيًّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، يَا مُوسَى، يَا عِيسَى. ثُمَّ صَارَ هَؤُلَاءِ حِزْبَيْنِ: حِزْبًا عَرَفُوا أَنَّ مَا كَانَ قَدِيمًا لَمْ يَزَلْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حُرُوفًا، أَوْ حُرُوفًا وَأَصْوَاتًا ; فَإِنَّ الْحُرُوفَ مُتَعَاقِبَةٌ: الْبَاءُ قَبْلَ السِّينِ، وَالصَّوْتُ لَا يَبْقَى، بَلْ يَكُونُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَالْحَرَكَةِ ; فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى قَدِيمًا لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ ; فَقَالُوا: كَلَامُهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ: هُوَ الْأَمْرُ بِكُلِّ مَأْمُورٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَالْخَبَرُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ، إِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ (¬1) كَانَ تَوْرَاةً، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ (¬2) كَانَ إِنْجِيلًا، وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ أَمْرٌ بِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ، وَهُوَ نَهْيٌ عَنْ كُلِّ مَا نَهَى عَنْهُ، وَهُوَ خَبَرٌ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ. وَكَوْنُهُ أَمْرًا، وَنَهْيًا، وَخَبَرًا صِفَاتٌ لَهُ إِضَافِيَّةٌ، مِثْلَ قَوْلِنَا: زَيْدٌ أَبٌ وَعَمٌّ وَخَالٌ، لَيْسَتْ أَنْوَاعًا لَهُ، وَلَا يَنْقَسِمُ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا وَهَذَا. قَالُوا: وَاللَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ، وَلَا بِالتَّوْرَاةِ الْعِبْرَانِيَّةِ (¬3) ، وَلَا بِالْإِنْجِيلِ السُّرْيَانِيَّةِ، وَلَا سَمِعَ مُوسَى وَلَا غَيْرُهُ مِنْهُ بِأُذُنِهِ صَوْتًا، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِهِ، أَوْ أَحْدَثَهُ جِبْرِيلُ أَوْ مُحَمَّدٌ، لِيُعَبِّرَ بِهِ عَمَّا يُرَادُ إِفْهَامُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى (¬4) الْوَاحِدِ. ¬

(¬1) ن، و، ي: بِالْعِبْرِيَّةِ. (¬2) م: بِالْإِسْرَائِيلِيَّةِ، وَ: بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، و، ي: بِالْعِبْرِيَّةِ. (¬4) الْمَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .

فَقَالَ لَهُمْ جُمْهُورُ النَّاسِ: هَذَا الْقَوْلُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ لَيْسَ هُوَ مَعْنَى آيَةِ الدَّيْنِ، وَلَا مَعْنَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، هُوَ مَعْنَى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ، وَقَدْ عَرَّبَ النَّاسُ التَّوْرَاةَ فَوَجَدُوا فِيهَا مَعَانِيَ لَيْسَتْ هِيَ الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآنِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ بِهَا فِي الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يُنْزِلْهَا اللَّهُ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، كَمَا لَمْ يُنْزِلْ عَلَى مُحَمَّدٍ تَحْرِيمَ السَّبْتِ، وَلَا الْأَمْرَ بِقِتَالِ عُبَّادِ الْعِجْلِ، فَكَيْفَ يَكُونُ كُلُّ كَلَامِ اللَّهِ مَعْنًى وَاحِدًا (¬1) ؟ ! . وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْكَلَامَ مَعَانِيَهِ وَحُرُوفَهُ تَنْقَسِمُ إِلَى خَبَرٍ وَإِنْشَاءٍ، وَالْإِنْشَاءُ مِنْهُ الطَّلَبُ، وَالطَّلَبُ يَنْقَسِمُ إِلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَحَقِيقَةُ الطَّلَبِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْخَبَرِ، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ هَذِهِ أَقْسَامُ الْكَلَامِ وَأَنْوَاعِهِ، بَلْ هُوَ مَوْصُوفٌ بِهَا كُلِّهَا؟ ! . (* وَأَيْضًا فَاللَّهُ تَعَالَى يُخْبِرُ أَنَّهُ [لَمَّا] (¬2) أَتَى مُوسَى الشَّجَرَةَ نَادَاهُ، فَنَادَاهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ يُنَادِهِ فِي الْأَزَلِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ *) (¬3) اسْجُدُوا لِآدَمَ} ) . [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 11] . وَقَالَ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 59] . وَقَالَ: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30] إِلَى مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ ¬

(¬1) ن: بِمَعْنًى وَاحِدٍ. (¬2) لَمَّا سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

الْقُرْآنِ تُبَيِّنُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا، مَا زَالَ وَلَا يَزَالُ؟ ! وَكَيْفَ يَكُونُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ؟ ! قَائِلًا: {يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} [سُورَةُ هُودٍ: 48] ، {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 55] ، يَا مُوسَى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [سُورَةُ طَهَ: 14] ، {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ - قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: آيَةُ 1 - 2] . وَقَالَ هَؤُلَاءِ: هَذَا الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ. وَقَالَ هَؤُلَاءِ: كَلَامُ اللَّهِ لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَبَعَّضُ. فَقَالَ لَهُمُ النَّاسُ: مُوسَى لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ أَفْهَمَهُ كَلَامَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ؟ إِنْ قُلْتُمْ: كُلَّهُ ; فَقَدْ صَارَ مُوسَى يَعْلَمُ عِلْمَ اللَّهِ، وَإِنْ قُلْتُمْ: بَعْضَهُ ; فَقَدْ تَبَعَّضَ، وَهُوَ عِنْدُكُمْ وَاحِدٌ لَا يَتَبَعَّضُ. وَكَذَلِكَ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ هُوَ عِنْدَكُمْ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ، أَفَهُوُ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّهِ؟ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ أَمْ عَنْ بَعْضِهِ؟ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ أَيْضًا، إِلَى كَلَامٍ آخَرَ يَطُولُ ذِكْرُهُ هُنَا. وَقَالَ الْحِزْبُ الثَّانِي لَمَّا رَأَوْا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ:، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ، وَإِنَّهُ حُرُوفٌ، أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ، وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلَامُ اللَّهِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْمَنْزِلَ هُوَ الْقُرْآنُ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ عَرَبِيٌّ. وَأَخَذُوا يُشَنِّعُونَ عَلَى أُولَئِكَ إِنْكَارَهُمْ (¬1) أَنْ يَكُونَ هَذَا كَلَامَ اللَّهِ ; فَإِنَّ ¬

(¬1) ن، م، ب: بِإِنْكَارِهِمْ.

أُولَئِكَ أَثْبَتُوا قُرْآنَيْنِ: قُرْآنًا قَدِيمًا، وَقُرْآنًا مَخْلُوقًا. فَأَخَذَ هَؤُلَاءِ يُشَنِّعُونَ عَلَى أُولَئِكَ بِإِثْبَاتِ قُرْآنَيْنِ. فَقَالَ لَهُمْ أُولَئِكَ: فَأَنْتُمْ إِذَا جَعَلْتُمُ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ - وَهُوَ قَدِيمٌ - كَلَامَ اللَّهِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا، وَكُنْتُمْ مُوَافِقِينَ لِلْمُعْتَزِلَةِ ; فَإِنَّ قَوْلَكُمْ: إِنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ قَدِيمٌ. مُمْتَنِعٌ فِي صَرَائِحِ الْعُقُولِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، وَنَحْنُ وَجَمِيعُ الطَّوَائِفِ نُنْكِرُ عَلَيْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ، وَنَقُولُ: إِنَّكُمُ ابْتَدَعْتُمُوهُ وَخَالَفْتُمْ بِهِ الْمَعْقُولَ وَالْمَنْقُولَ، وَإِلَّا فَكَيْفَ تَكُونُ السِّينُ الْمُعَيَّنَةُ الْمَسْبُوقَةُ بِالْبَاءِ الْمُعَيَّنَةِ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً (¬1) ، وَتَكُونُ الْحُرُوفُ الْمُتَعَاقِبَةُ قَدِيمَةً، وَالصَّوْتُ (¬2) الَّذِي كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ قَدِيمًا؟ ! . وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَقُولُونَهُ، وَيَقُولُهُ ابْنُ سَالِمٍ وَأَصْحَابُهُ (¬3) ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ ; فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ ذَكَرَ فِي " نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ " أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ السَّلَفِ، وَلَا قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَلَا أَصْحَابِهِ الْقُدَمَاءِ، وَلَا جُمْهُورِهِمْ. فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُوَافِقِينَ لِلسَّالِمِيَّةِ، وَأُولَئِكَ الْمُوَافِقِينَ لِلْكُلَّابِيِّةِ، بَيْنَهُمْ مُنَازَعَاتٌ وَمُخَاصَمَاتٌ، بَلْ وَفِتَنٌ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا: إِنَّ ¬

(¬1) ن: قَدِيمَةً وَأَزَلِيَّةً. (¬2) و، ر، ي: أَوِ الصَّوْتُ. (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَنِ السَّالِمِيَّةِ 1/156

الْقُرْآنَ قَدِيمٌ. وَهِيَ أَيْضًا بِدْعَةٌ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنَّمَا السَّلَفُ كَانُوا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ (¬1) ، وَكَانَ قَوْلُهُمْ أَوَّلًا: إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ كَافِيًا (¬2) عِنْدَهُمْ. فَإِنَّ مَا كَانَ كَلَامًا لِمُتَكَلِّمٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَإِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ فِي الْكَلَامِ، وَفِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةٍ لَا تَكُونُ قَطُّ قَائِمَةً بِهِ، بَلْ لَا تَكُونُ إِلَّا بَائِنَةً عَنْهُ. وَمَا يَزْعُمُهُ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ وَإِرَادَتَهُ، وَمَحَبَّتَهُ وَكَرَاهَتَهُ، وَرِضَاهُ وَغَضَبَهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ - كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقَاتٌ لَهُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ ; هُوَ مِمَّا أَنْكَرَهُ السَّلَفُ عَلَيْهِمْ وَجُمْهُورُ الْخَلَفِ، بَلْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ الرَّسُولِ (¬3) ، وَجُحُودِ مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ. وَكَلَامُ السَّلَفِ فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ، بَلْ (¬4) وَإِطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ، كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَقُلِ السَّلَفُ: [إِنَّ] (¬5) غَضَبَهُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ قَدِيمٌ، وَلَا أَنَّ فَرَحَهُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ قَدِيمٌ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْجَزَاءِ لِعِبَادِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، مِنْ رِضَاهُ وَغَضَبِهِ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ قَدِيمٌ ; فَإِنَّ الْجَزَاءَ لَا يَكُونُ قَبْلَ الْعَمَلِ. ¬

(¬1) فِي هَامِشِ (ر) ، (ي) كَتَبَ مَا يَلِي: " قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: بَدَأَ مِنْهُ تَنْزِيلًا، وَيَعُودُ إِلَيْهِ حُكْمًا ". (¬2) كَافِيًا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَافٍ. (¬3) وَ: الرُّسُلِ. (¬4) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ب) . (¬5) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

وَالْقُرْآنُ صَرِيحٌ بِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ سَبَبًا لِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 55] ، وَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 28] ، وَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 31] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنَّ كُلًّا مِنَ الرُّسُلِ يَقُولُ: " «إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صِلَاتِهِ قَالَ (¬3) : " أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمُ اللَّيْلَةَ؟ " قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّهُ قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» " (¬4) . ¬

(¬1) ن، م: بَلْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فِيمَا مَضَى 2/401 - 402 (¬3) و: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ. (¬4) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/165 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ) مُسْلِمٍ 1/83 - 84 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ بَيَانِ كُفْرِ مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِالنَّوْءِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/21 (كِتَابُ الطِّبِّ، بَابٌ فِي النُّجُومِ) ، الْمُوَطَّأِ 1/192 (كِتَابُ الِاسْتِسْقَاءِ بَابُ الِاسْتِمْطَارِ بِالنُّجُومِ) .

وَفِي الصَّحِيحِ (¬1) عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» (¬2) . وَفِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ هَذَا مَا يَطُولُ ذِكْرُهُ. وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي كِتَابِ " دَرْءِ (¬3) تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " وَغَيْرِهِ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ بِنِدَائِهِ لِعِبَادِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ مَوَاضِعَ. وَالنِّدَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا صَوْتًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَسَائِرِ النَّاسِ. وَاللَّهُ أَخْبَرَ: أَنَّهُ نَادَى مُوسَى حِينَ جَاءَ الشَّجَرَةَ، فَقَالَ: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 8] ، {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى - إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [سُورَةُ طه: 11 - 12] ، {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 30] ، {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 10] ، {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 52] {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى - إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 15 - 16] ، {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 46] ، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 62 - 74] ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : وَفِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/105 (كِتَابُ الرِّقَاقِ بَابُ التَّوَاضُعِ) ، وَأَوَّلُهُ فِيهِ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ. . . الْحَدِيثَ "، وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/256 (¬3) ن، م: وَقَدْ بَسَطْنَاهُ فِي دَرْءِ. .، و: هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

[فِي مَوْضِعَيْنِ] (¬1) {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 65] ، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 22] . فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُنَادِيًا مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ، فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَالْعَقْلَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ بِنَفْسِهِ (¬2) لَمْ يُنَادِ، وَلَكِنْ خَلَقَ نِدَاءً فِي شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ; لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ هِيَ الْقَائِلَةُ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ. وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِ النَّاسِ: نَادَى الْأَمِيرُ، إِذْ أَمَرَ مُنَادِيًا ; فَإِنَّ الْمُنَادِيَ عَنِ الْأَمِيرِ يَقُولُ: أَمَرَ الْأَمِيرُ بِكَذَا، وَرَسَمَ السُّلْطَانُ بِكَذَا، لَا يَقُولُ: أَنَا أَمَرْتُكُمْ. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَأَهَانَهُ النَّاسُ. وَالْمُنَادِي قَالَ لِمُوسَى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [سُورَةُ طه: 14] ، {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 30] ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ مَلَكٌ إِلَّا إِذَا بَلَّغَهُ عَنِ اللَّهِ، كَمَا نَقْرَأُ نَحْنُ الْقُرْآنَ، وَالْمَلَكُ إِذَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِالنِّدَاءِ قَالَ كَمَا [ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ» " (¬4) فَجِبْرِيلُ إِذَا ¬

(¬1) فِي مَوْضِعَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ر، ح، ي، و: نَفْسُهُ. (¬3) ن، م: كَمَا فِي الصَّحِيحِ. (¬4) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/111 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ بَابُ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ) ، وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ: ". . فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ 8/14 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ الْمِقَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) 9/142 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ كَلَامِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ وَنِدَاءِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ) ، مُسْلِمٍ 4/2030 (كِتَابُ الْبَرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَبَّبَهُ إِلَى عِبَادِهِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/378 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، سُورَةُ مَرْيَمَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/48، 16/209، 18/81 - 82 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/514

نَادَى فِي السَّمَاءِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، وَاللَّهُ إِذَا نَادَى جِبْرِيلَ يَقُولُ: يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا. وَلِهَذَا لَمَّا نَادَتِ الْمَلَائِكَةُ زَكَرِيَّا قَالَ تَعَالَى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 39] ، وَقَالَ: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 42] . وَلَا يَجُوزُ قَطُّ لِمَخْلُوقٍ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهِ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرُ لَهُ؟ وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا خَلَقَ صِفَةً فِي مَحَلٍّ كَانَ الْمَحَلُّ مُتَّصِفًا بِهَا، فَإِذَا خَلَقَ فِي مَحَلٍّ عِلْمًا أَوْ قُدْرَةً أَوْ حَيَاةً أَوْ حَرَكَةً أَوْ لَوْنًا أَوْ سَمْعًا أَوْ بَصَرًا كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ، الْقَادِرُ، الْمُتَحَرِّكُ، الْحَيُّ، الْمُتَلَوِّنُ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، فَإِنَّ الرَّبَّ لَا يَتَّصِفُ بِمَا يَخْلُقُهُ فِي مَخْلُوقَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بِصِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، بَلْ كُلُّ مَوْصُوفٍ لَا يُوصَفُ إِلَّا بِمَا يَقُومُ بِهِ، لَا بِمَا يَقُومُ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ. فَلَوْ كَانَ النِّدَاءُ مَخْلُوقًا فِي الشَّجَرَةِ ; لَكَانَتْ هِيَ الْقَائِلَةُ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ. وَإِذَا كَانَ مَا خَلَقَهُ الرَّبُّ (¬1) فِي غَيْرِهِ كَلَامًا لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَلَامٌ إِلَّا مَا خَلَقَهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ إِنْطَاقُهُ لِأَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَلَامًا لَهُ، وَتَسْبِيحُ الْحَصَى كَلَامًا لَهُ، وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ عَلَى الرَّسُولِ كَلَامًا لَهُ، بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامَهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. ¬

(¬1) ن: اللَّهُ.

وَهَكَذَا طَرْدُ قَوْلِ الْحُلُولِيَّةِ الِاتِّحَادِيَّةِ كَابْنِ عَرَبِيٍّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ (¬1) وَلِهَذَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ (¬2) : مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [سُورَةُ طه: 14] مَخْلُوقٌ، فَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ فِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 42] ، فَإِنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ وَهَذَا مَخْلُوقٌ، يَقُولُ: إِنَّ هَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا خُلِقَ فِيهِ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقَائِلُ لَهُ، كَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ هُوَ الْقَائِلُ لِمَا قَامَ بِهِ. قَالُوا: وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ فِعْلٍ، فِيهِ تَلْبِيسٌ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَتُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُنْفَصِلٌ عَنِ الْمُتَكَلِّمِ؟ أَمْ تُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ قَائِمٌ بِهِ؟ (¬3) . فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَلَا يُعْرَفُ قَطُّ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ، وَكَلَامُهُ مُسْتَلْزِمٌ كَوْنَهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، وَالْفِعْلُ أَيْضًا لَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ قَائِمًا بِالْفَاعِلِ، كَمَا قَالَ السَّلَفُ وَالْأَكْثَرُونَ، وَإِنَّمَا الْمَفْعُولُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بَائِنًا عَنْهُ. ¬

(¬1) الْبَيْتُ لِابْنِ عَرَبِيٍّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي " الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ " (ط. دَارِ الْكُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ الْكُبْرَى الْقَاهِرَةِ 1329) 4/141 وَنَصُّهُ هُنَاكَ: أَلَا كُلُّ قَوْلٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ وَالْبَيْتُ الَّذِي يَتْلُوهُ: يَعُمُّ بِهِ أَسْمَاعَ كُلِّ مُكَوَّنٍ فَمِنْهُ إِلَيْهِ بَدْؤُهُ وَخِتَامُهُ (¬2) سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ، أَبُو أَيُّوبَ، رَوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " خَلْقِ الْأَفْعَالِ "، وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ، ثِقَةٌ صَدُوقٌ، تُوفِّيَ بِبَغْدَادَ، سَنَةَ 219 (وَقِيلَ 220) انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/187 - 188 شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/45، الْعِبَرِ 1/376 - 377 (¬3) ن: إِنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِهِ، م، ر: إِنَّهُ قَائِمٌ.

وَالْمَخْلُوقُ الْمُنْفَصِلُ عَنِ الرَّبِّ لَيْسَ هُوَ خَلْقُهُ إِيَّاهُ، بَلْ خَلْقُهُ لِلسَّمَاوَاتِ (¬1) وَالْأَرْضِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالَّذِينَ قَالُوا: الْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ، فَرُّوا مِنْ أُمُورٍ ظَنُّوهَا مَحْذُورَةً، وَكَانَ مَا فَرُّوا إِلَيْهِ شَرًّا مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ ; فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ الْخَلْقُ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ لَكَانَ إِمَّا قَدِيمًا وَإِمَّا حَادِثًا، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمُ الْمَخْلُوقِ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَلْقٍ آخَرَ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ. فَقَالَ لَهُمُ النَّاسُ: بَلْ هَذَا مَنْقُوضٌ عَلَى أَصْلِكُمْ (¬2) ; فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ يُرِيدُ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ، وَالْمُرَادَاتُ كُلُّهَا حَادِثَةٌ. فَإِنْ كَانَ هَذَا جَائِزًا فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ قَدِيمًا وَالْمَخْلُوقُ حَادِثًا؟ وَإِنْ كَانَ هَذَا غَيْرَ جَائِزٍ، بَلِ الْإِرَادَةُ تُقَارِنُ الْمُرَادَ، لَزِمَ جَوَازُ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ. وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بِهِ خَلْقٌ مُقَارِنٌ لِلْمَخْلُوقِ. فَلَزِمَ فَسَادُ قَوْلِكُمْ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْخَلْقَ حَادِثٌ. فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ. فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: الْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا حَادِثَةٌ، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى خَلْقٍ حَادِثٍ. فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً بِخَلْقٍ حَادِثٍ؟ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُدُوثَهَا بِخَلْقٍ حَادِثٍ أَقْرَبُ إِلَى الْعُقُولِ مِنْ حُدُوثِهَا كُلِّهَا بِلَا خَلْقٍ أَصْلًا ; فَإِنْ كَانَ كُلُّ حَادِثٍ يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ بَطَلَ قَوْلُكُمْ، وَإِنْ ¬

(¬1) ح، ب: السَّمَاوَاتِ. (¬2) ن: فَيُقَالُ لَهُمْ: بَلْ هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَى أَصْلِكُمْ، م: فَيُقَالُ لَهُمْ: خَالَفَهُمُ النَّاسُ: بَلْ.

كَانَ فِيهَا مَا لَا يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ نَفْسُهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ. وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمَقْصُودُ التَّمْثِيلُ بِكَلَامِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْكِتَابِ، الَّذِينَ فِي قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. وَالنَّاسُ لَهُمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ طَرِيقَانِ مُبْتَدَعَانِ وَطَرِيقٌ شَرْعِيٌّ، فَالطَّرِيقُ الشَّرْعِيُّ هُوَ النَّظَرُ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِأَدِلَّتِهِ، وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا ; فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمٍ بِمَا جَاءَ بِهِ (¬1) وَعَمَلٍ بِهِ، لَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا. وَهَذَا الطَّرِيقُ مُتَضَمِّنٌ لِلْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ الْيَقِينِيَّةِ ; فَإِنَّ الرَّسُولَ بَيَّنَ بِالْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ مَا يَتَوَقَّفُ السَّمْعُ عَلَيْهِ، وَالرُّسُلُ بَيَّنُوا لِلنَّاسِ الْعَقْلِيَّاتِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، كَمَا ضَرَبَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ هِدَايَتَهُ. وَأَمَّا الطَّرِيقَانِ الْمُبْتَدَعَانِ: فَأَحَدُهُمَا: طَرِيقُ أَهْلِ الْكَلَامِ الْبِدْعِيِّ وَالرَّأْيِ الْبِدْعِيِّ ; فَإِنَّ هَذَا فِيهِ بَاطِلٌ كَثِيرٌ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِهِ يُفَرِّطُونَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَيَبْقَى هَؤُلَاءِ فِي فَسَادِ عِلْمٍ وَفَسَادِ عَمَلٍ، وَهَؤُلَاءِ مُنْحَرِفُونَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ الْبَاطِلَةِ. وَالثَّانِي: طَرِيقُ أَهْلِ الرِّيَاضَةِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْعِبَادَةِ الْبِدْعِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ ¬

(¬1) ح: مِنْ عِلْمِ مَا جَاءَ بِهِ.

الرد على أهل النظر وأهل الرياضة

مُنْحَرِفُونَ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ الْبَاطِلَةِ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِذَا صَفَّى الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ، فَاضَتْ عَلَيْهِ الْعُلُومُ بِلَا تَعَلُّمٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ تَكُونُ عِبَادَتُهُ (¬1) مُبْتَدَعَةً، بَلْ مُخَالِفَةً لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَبْقُونَ (¬2) فِي فَسَادٍ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ، وَفَسَادٍ مِنْ نَقْصِ الْعِلْمِ، حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَكَثِيرٌ مَا يَقَعُ مِنْ (¬3) هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَتَقْدَحُ كُلُّ طَائِفَةٍ فِي الْأُخْرَى، وَيَنْتَحِلُ كُلٌّ مِنْهُمُ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ. وَالرَّسُولُ لَيْسَ مَا جَاءَ بِهِ مُوَافِقًا لِمَا قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 67] ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابُهُ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ، وَلَا عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَوُّفِ، بَلْ كَانَ عَلَى مَا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ. [الرد على أهل النظر وأهل الرياضة] وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ، بِلَا عِبَادَةٍ وَلَا دِينٍ وَلَا تَزْكِيَةٍ لِلنَّفْسِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ طَرِيقَ الرِّيَاضَةِ بِمُجَرَّدِهِ تَحْصُلُ الْمَعَارِفُ (¬4) ، بِلَا تَعَلُّمٍ وَلَا نَظَرٍ، وَلَا تَدَبُّرٍ لِلْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ. ¬

(¬1) ح، ب، ر: عِبَادَاتُهُ. (¬2) ح، ب: فَيَقَعُونَ. (¬3) مِنْ: كَذَا فِي (و) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَيْنَ. (¬4) ن، م: طَرِيقَ الرِّيَاضَةِ الْمُجَرَّدَةِ تَحْصُلُ الْمَعَارِفُ، و: طَرِيقَ الرِّيَاضَةِ بِمُجَرَّدِ تَحْصِيلِ الْمَعَارِفِ، ح، ب: طَرِيقَ الرِّيَاضَةِ بِمُجَرَّدِهَا تَحْصُلُ الْمَعَارِفُ.

وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ غَالِطٌ، بَلْ لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ بِالْعِلْمِ وَتَقْوَى اللَّهِ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ، لَكِنْ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَظَرٍ وَتَدَبُّرٍ وَفَهْمٍ لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرَّسُولَ. وَلَوْ تَعَبَّدَ الْإِنْسَانُ مَا عَسَى أَنْ يَتَعَبَّدَ، لَمْ يَعْرِفْ مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَظَرَ وَاسْتَدَلَّ مَاذَا عَسَى أَنْ يَنْظُرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَطْلُوبُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يَحْصُلُ التَّعَلُّمُ الْمُطَابِقُ (¬1) النَّافِعُ إِلَّا مَعَ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [سُورَةُ الصَّفِّ: 5] . وَقَالَ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ - وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [سُورَةُ الِأَنْعَامِ: 109 - 110] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 155] ، وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 14] . وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 100] . وَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا - وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا - وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 66 - 68] . ¬

(¬1) ح، ب: اللَّائِقُ.

وَقَالَ: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 15 - 16] . وَقَالَ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 138] . وَقَالَ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 2] . وَكَذَلِكَ لَوْ جَاعَ وَسَهِرَ وَخَلَا وَصَمَتَ وَفَعَلَ مَاذَا عَسَى أَنْ يَفْعَلَ لَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا إِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ بِالْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَقَّ عِلْمَ الْغَيْبِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ. قَالَ تَعَالَى لِأَفْضَلِ الْخَلْقِ الَّذِي كَانَ أَزْكَى النَّاسِ نَفْسًا، وَأَكْمَلَهُمْ عَقْلًا قَبْلَ الْوَحْيِ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [سُورَةُ الشُّورَى: 52] . وَقَالَ: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 50] . وَقَالَ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا - وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سُورَةُ طه: 123 - 126] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}

[سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 36] أَيْ: عَنِ الذِّكْرِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْشُ عَنْهُ فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى كَلَامِهِ وَلَا يَخَافُ عِقَابَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 50] ، وَقَوْلُهُ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 2] ، وَشَاهِدُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [سُورَةُ طه: 124] ثُمَّ قَالَ: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سُورَةُ طه: 126] فَكُلُّ مَنْ عَشَا عَنِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ يُقَيَّضُ لَهُ شَيْطَانٌ يُضِلُّهُ، وَلَوْ تَعَبَّدَ بِمَا تَعَبَّدَ. " وَيَعْشُ " رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " يَعْمَى " وَكَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَكَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: " تُظْلِمُ عَيْنُهُ " (¬1) وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَرَجَّحَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: " يُعْرِضُ ". وَالْعَشَا ضَعْفٌ فِي الْبَصَرِ، وَلِهَذَا قِيلَ: فِيهِ يَعْشُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعْرِضُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ، وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ (¬2) ، وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى ; فَإِنَّ قَوْلَهُ: " يَعْشُ " ضُمِّنَ مَعْنَى " يُعْرِضْ " وَلِهَذَا عُدِّيَ بِحِرَفِ الْجَارِّ (¬3) " عَنْ " كَمَا يُقَالُ: أَنْتَ أَعْمَى عَنْ مَحَاسِنِ فُلَانٍ، إِذَا أَعْرَضْتَ فَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا. فَقَوْلُهُ: " يَعْشُ " أَيْ: يَكُنْ (¬4) أَعْشَى عَنْهَا (¬5) ، وَهُوَ دُونَ الْعَمَى (¬6) ، فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا إِلَّا نَظَرًا ضَعِيفًا. ¬

(¬1) ن، ر: عَيْنَيْهِ. (¬2) انْظُرْ " زَادَ الْمَسِيرِ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 7/314 - 315 (¬3) ب فَقَطْ: الْجَرِّ. (¬4) يَكُنْ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ يَكُونُ. (¬5) ح: مِنْهَا. (¬6) الْعَمَى: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ الْأَعْمَى.

وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الضَّلَالِ الَّذِينَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِيهِ كَمَا يَنْظُرُونَ فِي كَلَامِ سَلَفِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَهُمُ الَّذِينَ عَشَوْا عَنْهُ فَقُيِّضَتْ لَهُمُ الشَّيَاطِينُ، تَقْتَرِنُ بِهِمْ وَتَصُدُّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. وَلِهَذَا لَا تَجِدُ فِي كَلَامِ مَنْ لَمْ يَتَّبِعِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ بَيَانَ الْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلًا أَبَدًا ; لِكَثْرَةِ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيَاطِينِ (¬1) . وَحَدَّثَنِي غَيْرُ مَرَّةٍ رَجُلٌ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالذَّكَاءِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالدِّينِ، أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَرَأَ عَلَى شَخْصٍ سَمَّاهُ لِي، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، دُرُوسًا مِنَ " الْمُحَصَّلِ " لِابْنِ الْخَطِيبِ، وَأَشْيَاءَ مِنْ " إِشَارَاتِ " ابْنِ سِينَا. قَالَ: فَرَأَيْتُ حَالِي قَدْ تَغَيَّرَ، وَكَانَ لَهُ نُورٌ وَهُدًى، وَرُؤِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ سَيِّئَةٌ، فَرَآهُ صَاحِبُ النُّسْخَةِ بِحَالٍ سَيِّئَةٍ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، فَقَالَ: هِيَ مِنْ كِتَابِكَ. وَإِشَارَاتُ ابْنِ سِينَا يَعْرِفُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِيهَا إِلْحَادًا كَثِيرًا، بِخِلَافِ " الْمُحَصَّلِ " يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ فِيهِ بُحُوثًا تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ. قَالَ فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ: مُحَصَّلٌ فِي أُصُولِ الدِّينِ حَاصِلُهُ مِنْ بَعْدِ تَحْصِيلِهِ أَصْلٌ بِلَا دِينِ أَصْلُ الضَّلَالَاتِ وَالشَّكِّ الْمُبِينِ فَمَا فِيهِ فَأَكْثَرُهُ وَحْيُ الشَّيَاطِينِ قُلْتُ: وَقَدْ سُئِلْتُ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى " الْمُحَصَّلِ " مَا يُعْرَفُ بِهِ الْحَقُّ فِيمَا ¬

(¬1) ح، ب: الشَّيْطَانِ.

ذَكَرَهُ، فَكَتَبْتُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ (¬1) ، وَكَذَلِكَ تَكَلَّمْتُ عَلَى مَا فِي الْإِشَارَاتِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ (¬2) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى الْجُمَلِ، فَمَا (¬3) فِي " الْمُحَصَّلِ " وَسَائِرِ كُتُبِ الْكَلَامِ الْمُخْتَلِفِ أَهْلُهُ: كُتُبُ (¬4) الرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ، وَكُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ، لَا يُوجَدُ فِيهَا مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ، بَلْ يُوجَدُ فِيهَا حَقٌّ مَلْبُوسٌ بِبَاطِلٍ. وَيَكْفِيكَ نَفْسُ مَسْأَلَةِ خَلْقِ الرَّبِّ مَخْلُوقَاتِهِ لَا تَجِدُ فِيهَا إِلَّا قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ والْجَهْمِيَّةِ وَالدَّهْرِيَّةِ: إِمَّا الْعِلَّةُ الَّتِي تُثْبِتُهَا الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ، أَوِ الْقَادِرُ الَّذِي تُثْبِتُهُ الْمُعْتَزِلَةُ والْجَهْمِيَّةُ. ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ أَثْبَتَ تِلْكَ الْإِرَادَةَ الْكُلَّابِيَّةَ (¬5) ، وَمَنْ عَرَفَ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ مُخَالَفَةٌ لِصَرَائِحِ الْعُقُولِ (¬6) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي النُّبُوَّاتِ، فَالْمُتَفَلْسِفَةُ تُثْبِتُ النُّبُوَّةَ عَلَى أَصْلِهِمُ ¬

(¬1) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص 37: " وَلَهُ كِتَابُ شَرْحِ أَوَّلِ الْمُحَصَّلِ مُجَلَّدٌ "، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " أَسْمَاءِ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ " ص 19 وَالْمَقْصُودُ كِتَابُ " مُحَصَّلِ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ " لِلرَّازِيِّ. (¬2) قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " كِتَابِ الصَّفَدِيَّةِ " 2/281: " كَمَا قَدْ كَتَبْنَا بَعْضَ كَلَامِ النُّظَّارِ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فِي الْكَلَامِ " الْمُحَصَّلِ " وَعَلَى " مَنْطِقِ الْإِشَارَاتِ " وَعَلَى " الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ ": مُصَنَّفٌ كَبِيرٌ وَمُصَنَّفٌ مُخْتَصَرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ ". (¬3) ن، م: كَمَا. (¬4) ح، ب: وَكُتُبُ، ر: كَكُتُبِ. (¬5) ح، ب: ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ مَنْ أَثْبَتَ تِلْكَ الْإِرَادَاتِ الْكُلِّيَّةَ، ي، ر: ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنَ الْكُلَّابِيَّةِ مَنْ أَثْبَتَ تِلْكَ الْإِرَادَةَ الْكُلِّيَّةَ. (¬6) ح، ب: لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ.

الْفَاسِدِ: أَنَّهَا قُوَّةٌ قُدْسِيَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَا بَعْضُ النُّفُوسِ (¬1) ; لِكَوْنِهَا أَقْوَى نَيْلًا لِلْعِلْمِ، وَأَقْوَى تَأْثِيرًا فِي الْعَالَمِ، وَأَقْوَى تَخَيُّلًا لِمَا تَعْقِلُهُ (¬2) فِي صُوَرٍ مُتَخَيَّلَةٍ وَأَصْوَاتٍ مُتَخَيَّلَةٍ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ عِنْدَهُمْ خَاصَّةُ النَّبِيِّ، وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَا فَهُوَ نَبِيُّ الْقُوَّةِ الْقُدْسِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَالتَّأْثِيرُ فِي الْهَيُولِيِّ، وَمَا يَتَخَيَّلُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَصْوَاتٍ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ، وَمِنْ صُوَرٍ هِيَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةُ [اللَّهِ] (¬3) . وَمَعْلُومٌ عِنْدَ مَنِ اعْتَبَرَ الْعَالَمَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُوجَدُ لِكَثِيرٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلِهَذَا طَمِعَ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ عِلْمًا بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَلَا قُدْرَةً، وَلَا كَلَامًا يَتَكَلَّمُ بِهِ تَنْزِلُ بِهِ مَلَائِكَتُهُ (¬4) . ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ تَارَةً رَدًّا مُقَارِبًا، وَتَارَةً رَدًّا ضَعِيفًا ; لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا صَانِعَ الْعَالَمِ يُرَجِّحُ أَحَدَ الْمُتَمَاثِلِينَ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَجَعَلُوا الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَزَعَمَ أَكْثَرُهُمْ (¬5) أَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي التَّامِّ لَا يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ، فَفَزِعُوا (¬6) مِنَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ. وَلَفْظُ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ مُجْمَلٌ، فَالَّذِي ادَّعَتْهُ الْمُتَفَلْسِفَةُ بَاطِلٌ ; ¬

(¬1) ح، ب: يَخْتَصُّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ. (¬2) ب فَقَطْ: يَعْقِلُهُ. (¬3) ن، ب: هِيَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةٌ، ح، ي: عِنْدَهُمْ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، ر: هِيَ عِنْدَهُمْ هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، وَ: هِيَ مَلَائِكَةُ اللَّهِ. (¬4) ب: يَنْزِلُ بِهِ مَلَائِكَتُهُ، وَ: يُنْزِلُ مَلَائِكَةً. (¬5) ن: بَعْضُهُمْ. (¬6) ن، م، ب: فَفَرَعُوا.

فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا مُوجِبًا بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الصِّفَاتِ يَسْتَلْزِمُ مَفْعُولَاتِهِ، حَتَّى لَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ شَيْءٌ، وَأَثْبَتُوا لَهُ مِنَ الْوَحْدَةِ مَا يُضَمِّنُونَهُ نَفْيَ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَقَالُوا: الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَالْوَاحِدُ الَّذِي ادَّعُوهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَالْكَلَامُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ وَإِبْطَالِهَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ تَنَاقُضًا وَاضْطِرَابًا، وَأَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْمَعْلُولِ (¬1) أَزَلًا وَأَبَدًا فَاسِدَةٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: هُوَ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوجِبُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ ; فَهَذَا هُوَ الْفَاعِلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَتَسْمِيَةُ الْمُسَمَّى لَهُ مُوجِبًا بِذَاتِهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ. وَأَكْثَرُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَلْزَمُ وُجُودُ مَقْدُورِهِ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، فَيُرَجِّحُ (¬2) إِنْ حَصَلَ بِلَا مُرَجِّحٍ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ تُثْبِتُ نُبُوَّةً لَا تَسْتَلْزِمُ فَصْلَ صَاحِبِهَا وَلَا كَمَالَهُ، وَلَا اخْتِصَاصَهُ قَطُّ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ (¬3) النَّاسِ نَبِيًّا. ثُمَّ الْجَهْمِيَّةُ الْمَحْضَةُ عِنْدَهُمْ يَخْلُقُ اللَّهُ كَلَامًا فِي غَيْرِهِ فَيَنْزِلُ بِهِ الْمَلَكُ. وَأَمَّا الْكُلَّابِيَّةُ فَعِنْدَهُمُ النُّبُوَّةُ تَعَلُّقُ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ بِالنَّبِيِّ، بِمَعْنَى أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي. فَيَقُولُونَ فِي النُّبُوَّةِ مِنْ جِنْسِ مَا قَالُوهُ فِي ¬

(¬1) ن، م: لِلْمَفْعُولِ. (¬2) و: فَرَجَّحَ. (¬3) ح، م، ب: مَنْ هُوَ أَجْهَلُ.

أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلْحُكْمِ مَعْنًى إِلَّا تَعَلُّقُ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ بِهِ، وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ لَا يُثْبِتُونَ (¬1) فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْأَعْمَالِ الصَّالْحَةِ خَاصَّةً تَمَيَّزَتْ بِهِ (¬2) عَنِ السَّيِّئَاتِ، حَتَّى أَمَرَ بِهَا لِأَجْلِهَا، وَكَذَلِكَ فِي النُّبُوَّةِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ شَرِيعَةً بِالْقِيَاسِ عَلَى عِبَادِهِ، فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا يُحَرَّمُ (¬3) عَلَيْهِمْ، وَلَا يَجْعَلُونَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَحُبَّهُ وَبُغْضَهُ، وَرِضَاهُ وَسُخْطَهُ - لَهُ ثأثيرٌ فِي الْأَعْمَالِ، بَلْ صِفَاتُهَا ثَابِتَةٌ بِدُونِ الْخِطَابِ، وَالْخِطَابُ مُجَرَّدُ كَاشِفٍ، بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ بِمَا هِيَ مُتَّصِفَةٌ بِهِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وَالِاصْطِفَاءُ افْتِعَالٌ مِنَ التَّصْفِيَةِ، كَمَا أَنَّ الِاخْتِيَارَ افْتِعَالٌ مِنَ الْخِيرَةِ، فَيَخْتَارُ مَنْ يَكُونُ مُصْطَفًى. وَقَدْ قَالَ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 124] (¬4) فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَجْعَلُهُ رَسُولًا مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلْهُ رَسُولًا، وَلَوْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ يَصْلُحُ لِلرِّسَالَةِ (¬5) لَامْتَنَعَ هَذَا. وَهُوَ عَالِمٌ بِتَعْيِينِ الرَّسُولِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ بِالرِّسَالَةِ، كَمَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَتْ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا فَجَأَ الْوَحْيُ النَّبِيَّ (¬6) ¬

(¬1) ح: لَا يُثْبِتُونَهُ. (¬2) ب: بِهَا. (¬3) ح: مَا يُحَرِّمُونَ. (¬4) ن، م، و: حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ. (¬5) ح، ر: يَصِلُ إِلَى الرِّسَالَةِ، ي: يَصِلُ لِلرِّسَالَةِ. (¬6) فَجَاءَ الْوَحْيُ النَّبِيَّ: كَذَا فِي (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بِالنَّبِيِّ.

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَافَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ: " كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ " (¬1) ، وَكَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَعْقَلُ وَأَعْلَمُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، حَيْثُ رَأَتْ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ الشَّرِيفَةِ، الْمُتَضَمِّنَةِ لِعَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، لَا يُخْزِيهِ اللَّهُ فَإِنَّ حِكْمَةَ الرَّبِّ تَأْبَى ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ هَذَا لَا يَعْلَمُ، بَلْ قَدْ يُخْزِي مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُنَبَّأُ شَرُّ النَّاسِ، كَأَبِي جَهْلٍ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْمَازِرِيُّ (¬2) وَغَيْرُهُ عَلَى خَدِيجَةَ، كَمَا أَنْكَرُوا عَلَى هِرَقْلَ اسْتِدْلَالَهُ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الْمَشْهُورِ لَمَّا سَأَلَ عَنْ صِفَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) . ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/419 - 420 (¬2) ح، ر، ي: الْمَازِنِيُّ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ الْمَازِرِيُّ، مُحَدِّثٌ وَمِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، يُنْسَبُ إِلَى مَازِرَ بِجَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ، وُلِدَ سَنَةَ 453 هـ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 536 هـ، وَلَهُ كِتَابُ " الْكَشْفِ وَالْإِنْبَاءِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ "، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/413 الدِّيبَاجِ الْمُذَهَّبِ لِابْنِ فَرْحُونَ ص 279 - 281 شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/114 الْعِبَرِ 4/100 - 101، الْأَعْلَامِ 7/164، وَانْظُرْ سِيرَةَ الْغَزَالِيِّ ص 72 - 73 - 79 - 81، 109 - 110، 112 - 121 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/434 وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ هِرَقْلَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا: 1/4 - 6 (كِتَابُ بَدْءِ الْوَحْيِ بَابٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) ، انْظُرِ الْمَوَاضِعَ الْأُخْرَى فِي طَبْعَةِ د. الْبُغَا فِي الْأَرْقَامِ 51، 2535، 2650، 2738، 2778، إِلَخْ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 3/1393 - 1397 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ. .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/110 - 114 وَقَالَ أَحْمَدُ شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ (ص 110) : " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ ابْنُ مَاجَهْ، كَمَا قَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ 1/70 "

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا اتَّخَذَ رَسُولًا فَضَلَّهُ بِصِفَاتٍ أُخْرَى لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِيهِ قَبْلَ إِرْسَالِهِ، كَمَا كَانَ يَظْهَرُ لِكُلِّ مَنْ رَأَى مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ. وَتِلْكَ الصِّفَاتُ غَيْرُ الْوَحْيِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يُقَالُ: إِنَّ النُّبُوَّةَ مُجَرَّدُ صِفَةٍ إِضَافِيَّةٍ كَأَحْكَامِ الْأَفْعَالِ كَمَا تَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ. وَلِهَذَا [لَمَّا] (¬1) صَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ - كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ - لَيْسَ عِنْدَهُمْ إِلَّا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ، تَجِدُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَفِي سَائِرِ كُتُبِهِمْ، يَذْكُرُونَ أَقْوَالًا كَثِيرَةً مُتَعَدِّدَةً كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، لَا يَذْكُرُونَ الْحَقَّ، مِثْلَ تَفْسِيرِهِ لِلْهِلَالِ (¬2) ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 189] فَذَكَرَ قَوْلَ أَهْلِ الْحِسَابِ فِيهِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ، وَذَكَرَ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يَحْدُثُ فِيهِ الضَّوْءُ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا وَلَا لِحِكْمَةٍ (¬3) . وَكَذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ فِي الْمَطَرِ يَذْكُرُ قَوْلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَهُ حَاصِلًا عَنْ مُجَرَّدِ الْبُخَارِ الْمُتَصَاعِدِ وَالْمُنْعَقِدِ فِي الْجَوِّ، وَقَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ أَحْدَثَهُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ بِلَا سَبَبٍ، وَيَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ نَزَلَ مِنَ ¬

(¬1) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ح) ، (ر) ، (ي) (¬2) أَيِ الرَّازِيِّ. (¬3) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ " التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ " أَوْ " مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ "، " ط. عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّد، الْقَاهِرَةِ 1357 1938) 5/132 - 136 وَانْظُرْ قَوْلَهُ (ص 132) : " وَأَمَّا السَّنَةُ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الزَّمَانِ الْحَاصِلِ مِنْ حَرَكَةِ الشَّمْسِ مِنْ نُقْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْفَلَكِ بِحَرَكَتِهَا الْحَاصِلَةِ عَنْ خِلَافِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، إِلَى أَنْ تَعُودَ إِلَى تِلْكَ النُّقْطَةِ بِعَيْنِهَا، إِلَّا أَنَّ الْقَوْمَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ تِلْكَ النُّقْطَةَ. . إِلَخْ ".

الْأَفْلَاكِ. وَقَدْ يُرَجِّحُ (¬1) هَذَا الْقَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ (¬2) ، وَيَجْزِمُ بِفَسَادِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ، [بَلْ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ] (¬3) مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَطَرَ نَزَلَ مِنَ السَّحَابِ. وَلَفْظُ " السَّمَاءِ " فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا عَلَا، فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِلْعَالِي، لَا يَتَعَيَّنُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِمَا يُضَافُ إِلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 15] ، وَقَالَ: {الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 99] ، وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ تَبَارَكَ: 16] ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمِيعِ الْعُلُوُّ، ثُمَّ يَتَعَيَّنُ هُنَا بِالسَّقْفِ وَنَحْوِهِ، وَهُنَا (¬4) بِالسَّحَابِ، وَهُنَاكَ بِمَا فَوْقَ الْعَالَمِ كُلِّهِ. فَقَوْلُهُ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 99] أَيْ مِنَ الْعُلُوِّ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ جِسْمٍ مُعَيَّنٍ. لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِنُزُولِهِ مِنَ السَّحَابِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ - أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 68 - 69] وَالْمُزْنُ: السَّحَابُ. ¬

(¬1) ن، م: رَجَّحَ. (¬2) انْظُرْ مَثَلًا تَفْسِيرَ الرَّازِيِّ 4/223 (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) ب: وَهُنَاكَ.

وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [سُورَةُ النُّورِ: 43] ، وَالْوَدْقُ: الْمَطَرُ، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [سُورَةُ الرُّومِ: 48] ، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَبْسُطُ السَّحَابَ فِي السَّمَاءِ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالسَّمَاءِ هُنَا الْأَفْلَاكَ ; فَإِنَّ السَّحَابَ لَا يُبْسَطُ فِي الْأَفْلَاكِ، بَلِ النَّاسُ يُشَاهِدُونَ السَّحَابَ يُبْسَطُ فِي الْجَوِّ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي مَوْضِعٍ عَالٍ: إِمَّا عَلَى جَبَلٍ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، وَالسَّحَابُ يُبْسَطُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَيَنْزِلُ مِنْهُ الْمَطَرُ، وَالشَّمْسُ فَوْقَهُ. وَالرَّازِيُّ (¬1) لَا يَثْبُتُ عَلَى قَوْلٍ [وَاحِدٍ] (¬2) ، بَلْ هُوَ دَائِمًا يَنْصُرُ هُنَا قَوْلًا، وَهُنَاكَ مَا يُنَاقِضُهُ لِأَسْبَابٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَفْهَمُونَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنًى فَاسِدٌ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ يُعَارِضُ الْعَقْلَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ " دَرْءَ تَعَارُضِ (¬3) الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " وَذَكَرْنَا فِيهِ عَامَّةَ مَا يَذْكُرُونَ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ فِي مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَقَعُ إِلَّا إِذَا كَانَ مَا سَمَّى مَعْقُولًا فَاسِدًا، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى كَلَامِ أَهْلِ الْبِدَعِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ (¬4) مَا أُضِيفَ ¬

(¬1) ر، و، ي: وَالرَّازِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. (¬2) وَاحِدٍ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬3) و: فِي مُصَنَّفٍ كَثِيرٍ لَعَلَّ الصَّوَابَ: كَبِيرٍ مُفْرَدٍ مَنْعَ تَعَارُضِ. (¬4) ح، ر، ب، ي: أَوْ يَكُونُ.

إِلَى الشَّرْعِ لَيْسَ مِنْهُ: إِمَّا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَإِمَّا فَهْمٌ فَاسِدٌ مِنْ نَصٍّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِمَّا نَقْلُ إِجْمَاعٍ بَاطِلٍ. وَمِنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ذَمَّ الْأَحْكَامَ النُّجُومِيَّةَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا مَذْمُومَةٌ بِالشَّرْعِ مَعَ الْعَقْلِ، وَأَنَّ الْخَطَأَ فِيهَا أَضْعَافُ الصَّوَابِ، وَأَنَّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فِي تَصَرُّفَاتِهِ، وَأَعْرَضَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ. لَكِنْ قَدْ (¬1) يَرُدُّونَهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْجَهْمِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ بِأَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِشَيْءٍ مِنَ الْعُلْوِيَّاتِ فِي السُّفْلِيَّاتِ أَصْلًا: إِمَّا عَلَى طَرِيقَةِ (¬2) الْجَهْمِيَّةِ، لَكِنْ تِلْكَ لَا تَنْفِي الْعَادَاتِ الِاقْتِرَانِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُثْبِتْ سَبَبًا وَمُسَبَّبًا وَحِكْمَةً، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى نَفْيِ الْعَادَةِ (¬3) فِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَدْ يُنَازِعُونَ (¬4) فِي اسْتِدَارَةِ الْأَفْلَاكِ، وَيَدَّعُونَ شَكْلًا آخَرَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي جَوَابِ الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلْتُ عَنْهَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِالْأَسَانِيدِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَوْضِعِهَا، بَلْ قَدْ نَقَلَ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (¬5) ، الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِالْمَنْقُولَاتِ، كَأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنَادِي، أَحَدِ أَكَابِرِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ ¬

(¬1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (و) (¬2) ن، م، و: الطَّرِيقَةِ. (¬3) وَ: الْعِبَادَةِ، ب: الْعَادَاتِ. (¬4) ن، و: تَنَازَعُوا. (¬5) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " الْمَسْأَلَةِ الْعَرْشِيَّةِ " فِي فَتَاوَى الرِّيَاضِ 6/545 - 583، وَخَاصَّةً 557، وَانْظُرْ إِجَابَتَهُ لِمَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا 6/586 - 591

أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ (¬1) ، وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ الْأَنْدَلُسِيِّ، وَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ. وَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي " الْإِحَاطَةِ " (¬2) وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ الْمَطَرُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُهُ مِنَ الْهَوَاءِ وَمِنَ الْبُخَارِ الْمُتَصَاعِدِ، لَكِنَّ خَلْقَهُ لِلْمَطَرِ مِنْ هَذَا، كَخَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةٍ، وَخَلْقُهُ لِلشَّجَرِ وَالزَّرْعِ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، فَهَذَا مَعْرِفَةٌ (¬3) بِالْمَادَّةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا، وَنَفْسُ الْمَادَّةِ لَا تُوجِبُ مَا خُلِقَ مِنْهَا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ لَا بُدَّ مِمَّا بِهِ يَخْلُقُ تِلْكَ الصُّورَةَ (¬4) عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ الْحَكِيمِ، الَّذِي يَخْلُقُ الْمَطَرَ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَالْبَلَدِ الْجُرُزِ (¬5) يَسُوقُ إِلَيْهِ (¬6) الْمَاءَ مِنْ حَيْثُ أَمْطَرَ، كَمَا قَالَ: ¬

(¬1) أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنَادِي، وُلِدَ سَنَةَ 256 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 336، عَالِمٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَمِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/3 - 6، الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 11/219، الْمَنْهَجِ الْأَحْمَدِ فِي تَرَاجِمِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلِيمِيِّ 2/37 - 39 (ط. الْمَدَنِيِّ، بِتَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ مُحْيي الدِّينِ عَبْدِ الْحَمِيدِ 1383 1963) ، مَنَاقِبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (تَحْقِيقِ الدُّكْتُورِ عَبْدِ اللَّهِ التُّرْكِيِّ) ص 617، تَارِيخَ بَغْدَادَ 4/69 - 70، الْأَعْلَامَ 1/103 (¬2) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ (الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ) ص 51 مِنْ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ (الْإِحَاطَةِ الْكُبْرَى) وَفِي ص 52 (وَالْإِحَاطَةِ الصُّغْرَى) . (¬3) ح، ر، ب، ي: مَعْرِفَتُهُ. (¬4) ح: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَادَّةٍ يَخْلُقُ تِلْكَ الصُّوَرَ، ر: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَادَّةٍ تَخْلُقُ تِلْكَ الصُّورَةَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَاءٍ بِهِ تُخْلَقُ تِلْكَ الصُّورَةُ، م: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَائِهِ يَخْلُقُ تِلْكَ الصُّورَةَ. (¬5) فِي " اللِّسَانِ ": " وَأَرْضٌ مَجْرُوزَةٌ وَجُرُزٌ وَجُرْزٌ وَجَرْزٌ: لَا تُنْبِتُ كَأَنَّهَا تَأْكُلُ النَّبْتَ أَكْلًا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي قَدْ أُكِلَ نَبَاتُهَا، وَقِيلَ: هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ ". (¬6) ح، ب: إِلَيْهَا.

{يَسْمَعُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 27] ، فَالْأَرْضُ الْجُرُزُ لَا (¬1) تُمْطِرُ مَا يَكْفِيهَا، كَأَرْضِ مِصْرَ: لَوْ أَمْطَرَتِ الْمَطَرَ الْمُعْتَادَ لَمْ يَكْفِهَا ; فَإِنَّهَا أَرْضٌ إِبْلِيزٌ (¬2) . وَإِنْ أَمْطَرَتْ كَثِيرًا مِثْلَ مَطَرِ شَهْرٍ خَرُبَتِ (¬3) الْمَسَاكِنُ، فَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ الْبَارِي وَرَحْمَتِهِ أَنْ أَمْطَرَ مَطَرًا أَرْضًا بَعِيدَةً، ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ الْمَاءَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ. فَهَذِهِ الْآيَاتُ (¬4) يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى عِلْمِ الْخَالِقِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَإِثْبَاتِ الْمَادَّةِ الَّتِي خَلَقَ مِنْهَا الْمَطَرَ وَالشَّجَرَ وَالْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حِكْمَتِهِ (¬5) . وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ شَيْئًا قَطُّ خُلِقَ إِلَّا مِنْ مَادَّةٍ، وَلَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِمَخْلُوقٍ إِلَّا مِنْ مَادَّةٍ. وَكَذَلِكَ كَوْنُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَغَيْرِهِ سَبَبًا لِبَعْضِ الْحَوَادِثِ هُوَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ، فَفِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا ¬

(¬1) ح، ر: مَا. (¬2) ح، ر: تَلِينُ، ي: إِبْلِينٌ، وَفِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ " الْإِبْلِيزُ: " الطِّينُ الَّذِي يُخَلِّفُهُ نَهْرُ النِّيلِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ ذَهَابِهِ ". (¬3) ح: أَخْرَبَتِ. (¬4) ح، ب: الْآيَةُ. (¬5) ح، ر، و، ي: الْحِكْمَةِ.

لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - يُخَوِّفُ [اللَّهُ] بِهِمَا (¬1) عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ» " (¬2) . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِرُكُوعٍ زَائِدٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَأَنَّهُ طَوَّلَهَا تَطْوِيلًا لَمْ يُطَوِّلْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَوَاتِ الْجَمَاعَاتِ، وَأَمَرَ عِنْدَ الْكُسُوفِ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَالْعَتَاقَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ (¬3) . وَقَوْلُهُ: " «يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ» " كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 59] ، وَلِهَذَا كَانَتِ الصَّلَوَاتُ مَشْرُوعَةً عِنْدَ الْآيَاتِ عُمُومًا، مِثْلَ تَنَاثُرِ الْكَوَاكِبِ وَالزَّلْزَلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالتَّخْوِيفُ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَا هُوَ سَبَبٌ لِلشَّرِّ الْمُخَوِّفِ، كَالزَّلْزَلَةِ وَالرِّيحِ الْعَاصِفِ. وَإِلَّا فَمَا وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَخْوِيفٌ. فَعُلِمَ أَنَّ الْكُسُوفَ سَبَبٌ لِلشَّرِّ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ (¬4) عَنْهُ شَرٌّ، ثُمَّ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ: هَلْ هُوَ سَبَبٌ؟ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ، أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ اقْتِرَانِ عَادَةٍ كَمَا يَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ؟ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عِنْدَ (¬5) أَسْبَابِ الشَّرِّ بِمَا يَدْفَعُهَا مِنَ ¬

(¬1) ن، ح، ر: يُخَوِّفُ بِهِمَا. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 299 (¬3) انْظُرْ إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ 3/126 - 132 وَانْظُرِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَتَعْلِيقَ الْأَلْبَانِيِّ عَلَيْهَا. (¬4) بِ: ثُمَّ قَدْ لَا يَكُونُ، و: ثُمَّ هَلْ هُوَ قَدْ يَكُونُ. (¬5) ب فَقَطْ: عَنْ.

الْعِبَادَاتِ، الَّتِي تُقَوِّي مَا انْعَقَدَ (¬1) سَبَبُهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَتَدْفَعُ أَوْ تُضْعِفُ مَا انْعَقَدَ سَبَبُهُ مِنَ الشَّرِّ. كَمَا قَالَ: " «إِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَلْتَقِيَانِ فَيَعْتَلِجَانِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» " (¬2) . وَالْفَلَاسِفَةُ تَعْتَرِفُ (¬3) بِهَذَا، لَكِنْ هَلْ ذَلِكَ بِنَاءً (¬4) عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةَ تُؤَثِّرُ؟ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ. وَيُحْكَى عَنْ بَطْلَيْمُوسَ (¬5) أَنَّهُ قَالَ: " ضَجِيجُ الْأَصْوَاتِ، فِي هَيَاكِلِ الْعِبَادَاتِ، بِفُنُونِ اللُّغَاتِ، تَحْلُلُ (¬6) مَا عَقَّدَتْهُ الْأَفْلَاكُ الدَّائِرَاتُ "، وَعَنْ ¬

(¬1) ن: مَا اعْتَقَدَ. (¬2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ رَوَى الْمُنْذِرِيُّ فِي " التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ " 3/142 (ط. مُصْطَفَى مُحَمَّد عِمَارَة 1352 1933) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُغْنِي حَذَرٌ عَنْ قَدْرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: " رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، يَعْتَلِجَانِ: أَيْ يَتَصَارَعَانِ وَيَتَدَافَعَانِ ". (¬3) و: تَعْرِفُ (¬4) ن، م: لَكِنْ هُوَ بِنَاءً. (¬5) بَطْلَيْمُوسُ الْقَلْوَذِيُّ الْعَالِمُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ كِتَابِ الْمَجَسْطِي فِي الْفَلَكِ، إِمَامٌ فِي الرِّيَاضَةِ، كَانَ فِي أَيَّامِ أَنْدَرْيَاسْيُوسْ وَفِي أَيَّامِ أَنْطَمْيُوسْ مِنْ مُلُوكِ الرُّومِ وَبَعْدَ أَيْرَقِسْ بِمِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً، فَأَمَّا كِتَابُ الْمَجَسْطِي فَهُوَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَقَالَةً، وَأَوَّلُ مَنْ عُنِي بِتَفْسِيرِهِ وَإِخْرَاجِهِ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ. انْظُرْ عَنْهُ: تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ ص 95 - 98 طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ص 35 - 38 الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ ص [0 - 9] 67 - 268 خُطَطَ الْمَقْرِيزِيِّ 1/154 (¬6) ح، ر: تَحُلُّ.

أَبِقْرَاطَ (¬1) أَنَّهُ قَالَ: " وَاعْلَمْ أَنَّ طِبَّنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى طِبِّ أَرْبَابِ الْهَيَاكِلِ كَطِبِّ الْعَجَائِزِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طِبِّنَا ". فَالْقَوْمُ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِمَا وَرَاءَ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ وَالْفَلَكِيَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُجَرَّدُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ، كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ سِينَا وَطَائِفَةٌ (¬2) ، بَلْ مَلَائِكَةٌ مَلْءُ (¬3) الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَالْجِنُّ أَيْضًا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ قَدْ وَكَّلَ الْمَلَائِكَةَ بِتَدْبِيرِ هَذَا الْعَالَمِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ الْكَثِيرَةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ. وَالْمَلَائِكَةُ أَحْيَاءٌ نَاطِقُونَ، لَيْسُوا أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِغَيْرِهَا، كَمَا يَزْعُمُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ. وَلَا هِيَ مُجَرَّدُ الْعُقُولِ الْعَشْرَةِ وَالنُّفُوسِ التِّسْعَةِ، بَلْ هَذِهِ (¬4) بَاطِلَةٌ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ (¬5) . ¬

(¬1) أَبِقْرَاطُ Hippocrates طَبِيبٌ مَاهِرٌ عَاشَ خَمْسًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، تَتَلْمَذَ فِي الطِّبِّ عَلَى أَسْقَلِيمْبِيُوسْ، تَكَلَّمَ عَنْهُ مُبَشِّرُ بْنُ فَاتَكٍ فِي كِتَابِهِ (مُخْتَارُ الْحِكَمِ) وَحُنَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ: " نَوَادِرُ الْفَلَاسِفَةِ " تُوُفِّيَ سَنَةَ 357 ق. م. انْظُرْ: عُيُونَ الْأَنْبَاءِ فِي طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ص 24، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ وَالْحُكَمَاءِ لِابْنِ جُلْجُلٍ ص 16 - 19 تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ لِلْقِفْطِيِّ ص 90 الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ ص 287 - 288. (¬2) ح، ب: وَطَائِفَتُهُ. (¬3) بَلْ مَلَائِكَةٌ مَلْءُ: كَذَا فِي (و) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَلْ بِمَلِيكِهِ بَلْ. (¬4) ن، م: هِيَ. (¬5) انْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ فِي كِتَابِي " مُقَارَنَةٌ بَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ " (ط. دَارِ الْقَلَمِ، الْكُوَيْتِ 1395 1975) ص 89 - 92 مِنْ رَدِّ ابْنِ تَيْمِيَّةَ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ وَمَوَاضِعُ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي ذَلِكَ. وَانْظُرِ: الرَّدَّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ، ص 493 - 499 الصَّفَدِيَّةَ 1/196 - 202

وَمَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْمُجَرَّدَاتِ الْمُفَارَقَاتِ لَا يَحْصُلُ مَعَهُمْ مِنْهُ غَيْرُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ ; فَإِنَّهَا تُفَارِقُ بَدَنَهَا. وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ مَعَهُمْ عَلَى طَرِيقِهِمْ إِلَّا الْمُجَرَّدَاتُ الْمَعْقُولَةُ فِي الْأَذْهَانِ، وَهِيَ الْكُلِّيَّاتُ الْمَعْقُولَةُ، وَلَكِنَّهُمْ يَظُنُّونَ ثُبُوتَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، كَمَا يَظُنُّ شِيعَةُ أَفْلَاطُونَ (¬1) ثُبُوتَ الْمُثُلِ الْأَفْلَاطُونِيَّةِ فِي الْخَارِجِ، فَتَثْبُتُ (¬2) كُلِّيَّاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ مُفَارِقَةٌ (¬3) كَإِنْسَانٍ كُلِّيٍّ. وَهَذَا هُوَ غَلَطُهُمْ (¬4) ، حَيْثُ ظَنُّوا مَا هُوَ فِي الْأَذْهَانِ مَوْجُودًا فِي الْأَعْيَانِ، وَكَذَلِكَ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْعَقْلُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَادَّةُ، وَالصُّورَةُ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَشِيعَةِ أَفْلَاطُونَ (¬5) تُثْبِتُ جَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الدَّهْرُ، وَجَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الْخَيْرُ، وَتُثْبِتُ جَوْهَرًا عَقْلِيًّا هُوَ الْمَادَّةُ الْأُولَى الْمُعَارِضَةُ لِلصُّورَةِ. وَكُلُّ هَذِهِ الْعَقْلِيَّاتِ الَّتِي يُثْبِتُونَهَا إِذَا حُقِّقَتْ غَايَةَ التَّحْقِيقِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أُمُورٌ مَعْقُولَةٌ فِي النَّفْسِ، فَيَتَصَوَّرُهَا فِي نَفْسِهِ، فَهِيَ مَعْقُولَاتٌ فِي قَلْبِهِ، وَهِيَ مُجَرَّدَةٌ عَنْ جُزْئِيَّاتِهَا الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ ; فَإِنَّ الْعَقْلَ دَائِمًا يَنْتَزِعُ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَشْهُودَةِ كُلِّيَّاتٍ مُشْتَرَكَةً عَقْلِيَّةً، كَمَا يَتَصَوَّرُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا، ثُمَّ يَتَصَوَّرُ إِنْسَانًا مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا يَنْطَبِقُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ، ¬

(¬1) م، ر، و: أَفْلَاطُنَ. (¬2) ن، و: فَيَثْبُتُ. (¬3) ن، م: مُقَارِنَةٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ح، ر: وَعَلَى هَذَا مِنْ غَلَطِهِمْ. (¬5) ن، م، و، ر: أَفْلَاطُنَ.

وَلَكِنَّ هَذَا الْمُشْتَرَكَ إِنَّمَا هُوَ فِي قَلْبِهِ وَذِهْنِهِ، يَعْقِلُهُ بِقَلْبِهِ، لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إِنْسَانٌ مُشْتَرَكٌ كُلِّيٌّ يَشْتَرِكُ (¬1) فِيهِ هَذَا وَهَذَا، بَلْ كُلُّ إِنْسَانٍ يَخْتَصُّ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا قَامَ بِهِ قَطُّ. وَإِذَا قِيلَ: الْإِنْسَانِيَّةُ مُشْتَرَكَةٌ أَوِ الْحَيَوَانِيَّةُ، فَالْمُرَادُ أَنَّ فِي هَذَا حَيَوَانِيَّةً وَإِنْسَانِيَّةً تُشَابِهُ مَا فِي هَذَا مِنَ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّةِ، وَذَلِكَ الْمُسَمَّى إِذَا أَخَذَ مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي الذِّهْنِ. وَهُوَ تَارَةً يُوجَدُ (¬2) مُطْلَقًا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ، إِلَّا مَنْ أَثْبَتَ الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّةَ فِي الْخَارِجِ. وَتَارَةً يُوجَدُ (¬3) مُطْلَقًا لَا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَاتِ، وَهَذَا قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ مُعَيَّنًا مُقَيَّدًا مَخْصُوصًا. فَيُقَالُ: هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا الْحَيَوَانُ، وَهَذَا الْفَرَسُ، وَأَمَّا وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ [مَعَ] (¬4) كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي الْخَارِجِ فَهَذَا بَاطِلٌ. وَلِهَذَا كَانَ مِنَ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ ثَابِتَةٌ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَمَعْنَاهُ الصَّحِيحُ أَنَّ مَا هُوَ كُلِّيٌّ إِذَا كَانَ فِي الذِّهْنِ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ، لَكِنْ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ كُلِّيًّا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ (¬5) : مَا يَتَصَوَّرُهُ الذِّهْنُ قَدْ يُوجَدُ فِي ¬

(¬1) ن، م: مُشْتَرَكٌ. (¬2) ح، ر: يُؤْخَذُ. (¬3) ح، ر: يُؤْخَذُ. (¬4) مَعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) ح: كَمَا يَقُولُ.

الْخَارِجِ وَقَدْ لَا يُوجَدُ، وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ (¬1) نَفْسَ الصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ تَكُونُ بِعَيْنِهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَكِنْ يُرَادُ بِهِ أَنَّ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الذِّهْنِ قَدْ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ، كَمَا يُوجَدُ أَمْثَالُهُ فِي الْخَارِجِ. كَمَا يَتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ (¬2) دَارًا يَبْنِيهَا وَعَمَلًا يَعْمَلُهُ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ: جِئْتَ بِمَا كَانَ فِي نَفْسِي، وَفَعَلْتَ هَذَا كَمَا كَانَ فِي نَفْسِي، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فِي بَدِيهَتِهِ بِأَحْسَنَ مِنْهَا ". وَهَذَا كُلُّهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ ; فَإِنَّ الشَّيْءَ لَهُ وُجُودٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَهُ مِثَالٌ مُطَابِقٌ [لَهُ] (¬3) فِي الْعِلْمِ، وَلَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ، وَخَطٌّ يُطَابِقُ ذَلِكَ اللَّفْظَ. وَيُقَالُ: لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ، وَوُجُودٌ فِي الْأَذْهَانِ، وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ، وَوُجُودٌ فِي الْبَنَانِ (¬4) ، وَوُجُودٌ عَيْنِيٌّ، وَعِلْمِيٌّ، وَلَفْظِيٌّ، وَرَسْمِيٌّ، كَالشَّمْسِ الْمَوْجُودَةِ، وَالْكَعْبَةِ الْمَوْجُودَةِ، ثُمَّ إِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ الشَّمْسَ يُمَثِّلُهَا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ: شَمْسٌ، وَكَعْبَةٌ، ثُمَّ يَكْتُبُ بِخَطِّهِ: شَمْسٌ، وَكَعْبَةٌ، فَإِذَا كَتَبَ وَقِيلَ: هَذِهِ الشَّمْسُ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، وَهَذِهِ الْكَعْبَةُ الَّتِي يُصَلِّي إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ الْخَطَّ هُوَ الشَّمْسُ وَالْكَعْبَةُ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوفٌ. كَمَا إِذَا قَالَ (¬5) : يَا زَيْدُ، فَالْمُنَادِي لَا يُنَادِي الصَّوْتَ، وَإِذَا قَالَ: ضَرَبْتُ ¬

(¬1) أَنَّ: كَذَا فِي (م) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ أَنَّهُ. (¬2) و: الرَّجُلُ. (¬3) لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ح، م: الْبَيَانِ. (¬5) ب: قِيلَ.

زَيْدًا، لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ ضَرَبَ الْحُرُوفَ، لَكِنْ قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إِذَا أَطْلَقَ الْأَسْمَاءَ فَالْمُرَادُ مُسَمَّيَاتُهَا الَّتِي جُعِلَتِ الْأَسْمَاءُ دَالَّةً عَلَيْهَا، وَإِذَا كُتِبَتِ الْأَسْمَاءُ فَالْمُرَادُ بِالْخَطِّ مَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ. فَإِذَا قِيلَ: لِمَا فِي الْوَرَقَةِ هَذِهِ الْكَعْبَةُ مِنَ الْحِجَازِ، فَالْمُرَادُ الْمُسَمَّى (¬1) بِالِاسْمِ اللَّفْظِيِّ الَّذِي طَابَقَهُ الْخَطُّ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ. فَإِذَا قِيلَ لِمَا فِي النَّفْسِ: لَيْسَ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، أَيْ: مَا تَصَوَّرْتَهُ [فِي] (¬2) النَّفْسِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، لَكِنْ يُطَابِقُهُ مُطَابَقَةَ الْمَعْلُومِ لِلْعِلْمِ. فَإِذَا قِيلَ: الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْ: يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مَا يُطَابِقُهُ الْكُلِّيُّ (¬3) الطَّبِيعِيُّ، فَإِنَّهُ الْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطٍ، فَيُطَابِقُ الْمُعَيَّنَاتِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُطَابِقُ الْمُعَيَّنَاتِ. وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: [إِنَّ] (¬4) فِي الْخَارِجِ أَمْرًا كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا فِيهِ بِعَيْنِهِ، هُوَ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ وَهَذَا الْمُعَيَّنِ، فَهَذَا (¬5) بَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ طَائِفَةٌ، وَأَثْبَتُوا مَاهِيَّاتٍ مُجَرَّدَةً فِي الْخَارِجِ عَنِ الْمُعَيَّنَاتِ، وَقَالُوا: إِنَّ تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ غَشِيَتْهَا غَوَاشٍ غَرِيبَةٌ، وَإِنَّ أَسْبَابَ الْمَاهِيَّةِ غَيْرُ أَسْبَابِ الْوُجُودِ، وَهَذَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْطِقِ وَعَلَى " الْإِشَارَاتِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبُيِّنَ أَنَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَذْهَانِ لَيْسَ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي ¬

(¬1) ح: بِالْمُسَمَّى. (¬2) فِي سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ح: بِالْكُلِّيِّ. (¬4) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ح) ، (ب) ، (ر) . (¬5) ن: وَهَذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الْأَعْيَانِ، فَمَنْ عَنَى بِالْمَاهِيَّةِ مَا فِي الذِّهْنِ، وَبِالْوُجُودِ مَا فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ مُصِيبٌ فِي قَوْلِهِ: الْوُجُودُ مُغَايِرٌ لِلْمَاهِيَّةِ، وَأَمَّا إِذَا عَنَى بِالْمَاهِيَّةِ مَا فِي الْخَارِجِ، وَبِالْوُجُودِ مَا فِي الْخَارِجِ، وَبِالْمَاهِيَّةِ مَا فِي الذِّهْنِ، وَبِالْوُجُودِ مَا فِي الذِّهْنِ، وَادَّعَى أَنَّ فِي الذِّهْنِ شَيْئَيْنِ، وَأَنَّ فِي الْخَارِجِ شَيْئَيْنِ: وُجُودٌ وَمَاهِيَّةٌ، فَهَذَا يَتَخَيَّلُ (¬1) خَيَالًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ الْحَاصِلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَفْظُ " الْمَاهِيَّةِ " مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ: مَا هُوَ؟ وَمَا هُوَ سُؤَالٌ عَمَّا يَتَصَوَّرُهُ الْمَسْئُولُ لِيُجِيبَ عَنْهُ، وَتِلْكَ هِيَ الْمَاهِيَّةُ لِلشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَالْمَعْنَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلَّفْظِ ; فَتَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالتَّضَمُّنِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى لَازِمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالِالْتِزَامِ (¬2) . وَلَيْسَتْ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ، كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَا دَلَالَةَ (¬3) التَّضَمُّنِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي جُزْءِ مَعْنَاهُ، وَلَا دَلَالَةَ (¬4) الِالْتِزَامِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ. بَلْ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَبَيْنَ مَا عَنَاهُ الْمُتَكَلِّمُ بِاللَّفْظِ، وَبَيْنَ مَا يَحْمِلُ الْمُسْتَمِعُ عَلَيْهِ اللَّفْظَ، فَالْمُتَكَلِّمُ إِذَا اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي ¬

(¬1) و: مُتَخَيَّلٌ. (¬2) فِي هَامِشِ (ر) كَتَبَ مَا يَلِي: " كَلَامٌ فِي أَقْسَامِ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ: الْمُطَابَقَةُ وَالتَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ ". (¬3) ح، ب، و: وَدَلَالَةُ. (¬4) ح، ب.، و: وَدَلَالَةُ.

مَعْنًى فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي عَنَاهُ بِاللَّفْظِ، وَسُمِّيَ " مَعْنًى " (¬1) لِأَنَّهُ عَنَى بِهِ (¬2) أَيْ قُصِدَ وَأُرِيدَ بِذَلِكَ، فَهُوَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ وَمَقْصُودُهُ بِلَفْظِهِ. ثُمَّ قَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا [فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا] (¬3) فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ الْمَجَازُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَجَازُ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْجَمِيعِ فِي الْبَعْضِ، وَمِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَعْنَى، وَهِيَ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّلَالَةُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازِيَّةً (¬4) ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ: إِذَا كَانَ لَهُ جُزْءٌ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ تَضَمُّنٌ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ تَضَمَّنَ (¬5) ذَلِكَ الْجُزْءَ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى لَازِمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى هِيَ دَلَالَةُ الْمَلْزُومِ، وَكُلُّ لَفْظٍ اسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى فَدَلَالَتُهُ عَلَيْهِ مُطَابِقَةٌ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ طَابَقَ الْمَعْنَى بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ، سَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا. فَالْمَاهِيَّةُ الَّتِي يَعْنِيهَا الْمُتَكَلِّمُ بِلَفْظِهِ دَلَالَةُ لَفْظِهِ عَلَيْهَا [دَلَالَةً] (¬6) مُطَابِقَةً، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهَا دَلَالَةُ تَضَمُّنٍ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا يَلْزَمُهَا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهَا دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ. ¬

(¬1) و: مَعْنَاهُ. (¬2) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) ح، ر: حَقِيقَةً أَوْ مَجَازِيَّةً، و: حَقِيقَتَهُ أَوْ مَجَازَتَهُ. (¬5) ح، ر: يَضْمَنُ. (¬6) دَلَالَةً: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

فَإِذَا قِيلَ: الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ الدَّاخِلَةُ فِي الْمَاهِيَّةِ وَالْخَارِجَةُ عَنِ الْمَاهِيَّةِ، وَعُنِي بِالدَّاخِلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِالتَّضَمُّنِ، وَبِالْخَارِجِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ (¬1) ، فَهَذَا صَحِيحٌ. وَهَذَا الدُّخُولُ وَالْخُرُوجُ هُوَ بِحَسَبِ مَا تَصَوَّرَهُ الْمُتَكَلِّمُ، فَمَنْ تَصَوَّرَ حَيَوَانًا نَاطِقًا فَقَالَ: إِنْسَانٌ، كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مُطَابِقَةً، وَعَلَى أَحَدِهِمَا تَضَمُّنٌ، وَعَلَى اللَّازِمِ - مِثْلَ كَوْنِهِ ضَاحِكًا - الْتِزَامٌ، وَإِذَا تَصَوَّرَ إِنْسَانًا ضَاحِكًا كَانَتْ دَلَالَةُ إِنْسَانٍ عَلَى الْمَجْمُوعِ مُطَابِقَةً، وَعَلَى أَحَدِهِمَا تَضَمُّنٌ، وَعَلَى اللَّازِمِ مِثْلَ كَوْنِهِ (¬2) نَاطِقًا الْتِزَامٌ. وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ الصِّفَاتُ اللَّازِمَةُ لِلْمَوْصُوفِ فِي الْخَارِجِ: بَعْضُهَا دَاخِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ، [وَبَعْضُهَا خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ] (¬3) ، وَالدَّاخِلُ هُوَ الذَّاتِيُّ، وَالْخَارِجُ يَنْقَسِمُ إِلَى لَازِمٍ لِلْمَاهِيَّةِ (¬4) وَالْوُجُودِ، وَإِلَى لَازِمٍ لِلْوُجُودِ دُونَ الْمَاهِيَّةِ ; فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ [فِي مَوَاضِعَ] (¬5) ، وَبَيَّنَّا مَا فِي الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ مِنَ الْأَغَالِيطِ، الَّتِي بَعْضُهَا مِنْ مُعَلِّمِهِمُ الْأَوَّلِ، وَبَعْضُهَا مِنْ تَغْيِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَتَكَلَّمْنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ [وَاحِدًا وَاحِدًا] (¬6) كَابْنِ سِينَا ¬

(¬1) و: بِالْإِلْزَامِ. (¬2) ح، ي، ر: وَعَلَى كَوْنِهِ ضَاحِكًا الْتِزَامٌ، و: وَعَلَى كَوْنِهِ ضَاحِكًا إِلْزَامٌ، ن، م: مِثْلَ كَوْنِهِ نَاطِقًا الْتِزَامٌ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) ن: إِلَى اللَّازِمِ لِلْمَاهِيَّةِ، ح، و: إِلَى لَازِمِ الْمَاهِيَّةِ. (¬5) فِي مَوَاضِعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) وَاحِدًا وَاحِدًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَنَّهُ (¬1) يُوجَدُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنْفُسِهِمْ (¬2) ، وَمِنْ رَدِّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، مَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَقْسِيمِ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْمَوْصُوفِ إِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ، إِلَّا إِذَا جُعِلَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الذِّهْنِ مِنَ الْمَاهِيَّةِ، لَا بِاعْتِبَارِ مَاهِيَّةٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ. وَكَذَلِكَ مَا فَرَّعُوهُ عَلَى هَذَا مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ، فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ (¬3) ذِهْنِيٌّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَتَرَكُّبُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ مِنْ جِنْسِ تَركُّبِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالضَّاحِكِ، إِذَا جُعِلَ كُلٌّ مِنَ الصِّفَتَيْنِ (¬4) لَازِمًا مَلْزُومًا، وَأُرِيدَ الضَّاحِكُ بِالْقُوَّةِ وَالنَّاطِقُ بِالْقُوَّةِ (¬5) . وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: [فِي الْخَارِجِ] (¬6) الْإِنْسَانُ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا. فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَوْصُوفٌ بِهَذَا وَهَذَا، فَهَذَا (¬7) صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ (¬8) إِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْإِنْسَانِ، الَّتِي لَا يَكُونُ إِنْسَانًا إِلَّا بِهَا، كَالْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّاطِقِيَّةِ، وَالضَّاحِكِيَّةِ، وَبَيْنَ مَا يَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ، كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ، فَهَذَا صَحِيحٌ. أَمَّا إِذَا قِيلَ: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ، وَهِيَ أَجْزَاءٌ لَهُ، وَهِيَ ¬

(¬1) ن: فَإِنَّهُ. (¬2) ح، ب: بِأَنْفُسِهِمْ. (¬3) و: الْمُرَكَّبَ. (¬4) ح، ر، و: الصِّنْفَيْنِ. (¬5) ن: وَبِالنَّاطِقِ بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَسَقَطَتِ الْعِبَارَةُ مِنْ (م) . (¬6) فِي الْخَارِجِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) ن: فَهُوَ. (¬8) ح، ر، ب، ي: وَهَكَذَا.

مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهِ تَقَدُّمًا ذَاتِيًّا - فَإِنَّ الْجُزْءَ قَبْلَ الْكُلِّ، وَالْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ -، وَأُرِيدَ بِذَلِكَ التَّرْكِيبُ فِي الْخَارِجِ، فَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ. فَإِنَّ الصِّفَةَ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ، فَكَيْفَ تَكُونُ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؟ وَإِذَا قِيلَ: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنَ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّاطِقِيَّةِ، أَوْ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ، فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جَوْهَرَيْنِ قَائِمَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مَوْصُوفٍ جَوَاهِرُ كَثِيرَةٌ بِعَدَدِ صِفَاتِهِ، فَيَكُونُ فِي الْإِنْسَانِ جَوْهَرٌ هُوَ جِسْمٌ، وَجَوْهَرٌ هُوَ حَسَّاسٌ، وَجَوْهَرٌ هُوَ نَامٍ، وَجَوْهَرٌ هُوَ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ، وَجَوْهَرٌ هُوَ نَاطِقٌ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ، بَلِ الْإِنْسَانُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، فَيُقَالُ: جِسْمٌ حَسَّاسٌ (¬1) نَامٍ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ نَاطِقٌ. وَإِنْ أُرِيدَ [بِهِ] (¬2) أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ عَرَضَيْنِ، فَالْإِنْسَانُ جَوْهَرٌ، وَالْجَوْهَرُ لَا يَتَرَكَّبُ مِنْ أَعْرَاضٍ لَاحِقَةٍ لَهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ سَابِقَةً لَهُ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةَ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي جَعْلِ الْأُمُورِ الذِّهْنِيَّةِ الْمَعْقُولَةِ فِي النَّفْسِ، فَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ أُمُورًا مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ، فَأَصْحَابُ فِيثَاغُورْسَ الْقَائِلُونَ بِالْأَعْدَادِ الْمُجَرَّدَةِ فِي الْخَارِجِ مِنْ هُنَا كَانَ غَلَطُهُمْ (¬3) ، ¬

(¬1) ن: جِسْمٌ جَوْهَرٌ حَسَّاسٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) بِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (و) . (¬3) فِيثَاغُورْسُ Pythagoras فَيْلَسُوفٌ وَرِيَاضِيٌّ شَهِيرٌ، عُرِفَ حَوَالَيْ مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ السَّادِسِ قَبْلَ الْمِيلَادِ. قَالَ: إِنَّ الْعَالَمَ أَشْبَهُ بِعَالَمِ الْأَعْدَادِ مِنْهُ بِعَالَمِ الْمَاءِ أَوِ النَّارِ أَوِ التُّرَابِ، وَقَالَ: إِنَّ الْمَوْجُودَاتِ أَعْدَادٌ وَأَنَّ الْعَالَمَ عَدَدٌ وَنَغَمٌ، وَقَالَ بِالتَّنَاسُخِ، انْظُرْ عَنْهُ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/78 - 79، تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ لِلْقِفْطِيِّ ص 258، 259، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ، 1/60 - 68، تَارِيخَ ابْنِ الْعِبْرِيِّ ص 50، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ لِكَرَمٍ ص 20 - 26، فَجْرَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ، ص 70 - 92، نَشْأَةَ الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيِّ 38 - 60، رَبِيعَ الْفِكْرِ الْيُونَانِيِّ ص 106 - 116، الْفَلْسَفَةَ عِنْدَ الْيُونَانِ ص 69 - 82 Greek Philosophy، pp، 36 - 40.

وَأَصْحَابُ أَفْلَاطُونَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّةَ مِنْ \ هُنَا كَانَ غَلَطُهُمْ (¬1) ، وَأَصْحَابُ صَاحِبِهِ أَرِسْطُو الَّذِينَ أَثْبَتُوا جَوَاهِرَ مَعْقُولَةً مُجَرَّدَةً فِي الْخَارِجِ مُقَارَنَةً لِلْجَوَاهِرِ الْمَوْجُودَةِ الْمَحْسُوسَةِ، كَالْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَالْمَاهِيَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ، مِنْ هُنَا كَانَ غَلَطُهُمْ (¬2) . وَهُمْ إِذَا أَثْبَتُوا هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ، قِيلَ لَهُمْ: أَهِيَ فِي الذِّهْنِ أَمْ فِي الْخَارِجِ؟ فَفِي أَيِّهِمَا أَثْبَتُوهَا ظَهَرَ غَلَطُهُمْ، وَإِذَا قَالُوا: نُثْبِتُهَا مُطْلَقَةً، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ ¬

(¬1) أَفْلَاطُونَ، وَجَاءَ فِي (ن) ، (و) ، (ر) أَفْلَاطُنَ Plato: هُوَ الْفَيْلَسُوفُ الْيُونَانِيُّ الشَّهِيرُ. وُلِدَ 428 ق. م وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 348 ق. م انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ آرَائِهِ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/94 - 101، تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ لِلْقِفْطِيِّ ص 17 - 27، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ لِابْنِ أَبِي أُصَيْبِعَةَ 78 - 84، أَفْلَاطُونْ لِلدُّكْتُورِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَوِيّ، مَكْتَبَةُ النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْقَاهِرَةِ 1954، الْفَلْسَفَةَ عِنْدَ الْيُونَانِ، ص 165 - 243، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ لِيُوسُفَ كَرَم ص 62 - 111، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْغَرْبِيَّةِ لِبِرْتِرَانْد رَسِل تَرْجَمَةُ د. زَكِي نَجِيب مَحْمُود ص 176 - 257 Greek Philosophy pp 58 - 255 AE Taylor: Plato، London، 1963 (¬2) أَرِسْطُو الَّذِي عُرِفَ بِالْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَشْهَرُ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وُلِدَ سَنَةَ 384 ق. م وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 322 ق. م انْظُرْ عَنْهُ وَعَنْ آرَائِهِ: الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ 2/128 - 145 تَارِيخَ الْحُكَمَاءِ ص 27 - 53، طَبَقَاتِ الْأَطِبَّاءِ ص 84 - 105، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ، ص 112 - 209، تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ الْغَرْبِيَّةِ ص 258 - 331، الْفَلْسَفَةَ عِنْدَ الْيُونَانِ ص 245 - 364، أَرِسْطُو لِلدُّكْتُورِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَوِي، مَكْتَبَةُ النَّهْضَةِ الْمِصْرِيَّةِ، الْقَاهِرَةِ 1944 Greek Philosophy pp، 257 - 380. Ross Aristotle London، 1974.

عَنْ هَذَا، وَهَذَا أَوْ أَعَمَّ (¬1) مِنْ هَذَا وَهَذَا، قِيلَ: عَدَمُ نَظَرِ النَّاظِرِ لَا يُغَيِّرُ الْحَقَائِقَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: إِمَّا فِي الذِّهْنِ، وَإِمَّا فِي الْخَارِجِ. وَمَا كَانَ أَعَمَّ مِنْهَا فَهُوَ أَيْضًا فِي الذِّهْنِ ; فَإِنَّكَ إِذَا قَدَّرْتَ مَاهِيَّةً لَا فِي الذِّهْنِ، وَلَا فِي الْخَارِجِ لَمْ تَكُنْ مُقَدِّرًا (¬2) إِلَّا فِي الذِّهْنِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ فِي الذِّهْنِ، لَا أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الَّتِي قِيلَ: عَنْهَا لَيْسَتْ فِي الذِّهْنِ - هِيَ فِي الذِّهْنِ، بَلِ الْمَاهِيَّةُ الَّتِي تَصَوَّرَهَا الْإِنْسَانُ فِي ذِهْنِهِ يُمْكِنُهُ تَقْدِيرُهَا لَيْسَتْ فِي ذِهْنِهِ، مَعَ أَنَّ تَقْدِيرَهَا لَيْسَتْ فِي ذِهْنِهِ هُوَ فِي ذِهْنِهِ، وَإِنْ كَانَ تَقْدِيرًا مُمْتَنِعًا. بَلْ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُقَيَّدَةِ بِكَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ، وَبَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي لَا تَتَقَدَّرُ بِذِهْنٍ وَلَا خَارِجٍ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَاهِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَكُونُ أَيْضًا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، وَإِنْ أَعْرَضَ الذِّهْنُ عَنْ كَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ. فَكَوْنُهَا فِي الذِّهْنِ شَيْءٌ، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِهَا فِي الذِّهْنِ شَيْءٌ آخَرُ. وَهَؤُلَاءِ يَتَصَوَّرُونَ (¬3) أَشْيَاءَ وَيُقَدِّرُونَهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَكِنْ حَالَ مَا يَتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ [شَيْئًا] (¬4) فِي ذِهْنِهِ وَيُقَدِّرُهُ، قَدْ لَا يَشْعُرُ بِكَوْنِهِ فِي الذِّهْنِ، كَمَنْ رَأَى الشَّيْءَ فِي الْخَارِجِ، فَاشْتَغَلَ بِالْمَرْئِيِّ عَنْ كَوْنِهِ رَائِيًا لَهُ. وَهَذَا يُشْبِهُ مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمُ الْفَنَاءَ، الَّذِي يَفْنَى بِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ، ¬

(¬1) م، ب: وَأَعَمَّ (¬2) ن، م: لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً (¬3) ن، م: وَهَؤُلَاءِ يُصَوِّرُونَ، ح،: وَهُمْ لَا يَتَصَوَّرُونَ (¬4) شَيْئًا: فِي (ب) وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ

وَبِمَحْبُوبِهِ عَنْ مَحَبَّتِهِ، وَبِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَمَا يُقَدِّرُ الشَّيْءَ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا قَدَّرَ أَنَّ الْجَبَلَ مِنْ يَاقُوتٍ، وَالْبَحْرَ مِنْ زِئْبَقٍ، فَتَقْدِيرُ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ هُوَ تَقْدِيرُ اعْتِقَادَاتٍ بَاطِلَةٍ. وَالِاعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ لَا (¬1) تَكُونُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ، فَمَنْ قَدَّرَ مَاهِيَّةً لَا فِي الذِّهْنِ وَلَا فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ مِثْلُ مَنْ قَدَّرَ مَوْجُودًا لَا وَاجِبًا وَلَا مُمْكِنًا، وَلَا قَدِيمًا وَلَا مُحْدَثًا، وَلَا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَلَا قَائِمًا بِغَيْرِهِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي الذِّهْنِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَيَّنَّا فَسَادَ احْتِجَاجِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ بِالتَّقْدِيرَاتِ الذِّهْنِيَّةِ عَلَى الْإِمْكَانَاتِ الْخَارِجِيَّةِ، كَمَا يَقُولُهُ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ: الْمَوْجُودُ إِمَّا دَاخِلَ الْعَالَمِ، وَإِمَّا خَارِجَ الْعَالَمِ، وَإِمَّا لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَكُلٌّ (¬2) مَوْجُودٍ إِمَّا مُبَايِنٌ لِغَيْرِهِ وَإِمَّا مُحَايِثٌ لَهُ، وَإِمَّا لَا مُبَايِنٌ وَمُحَايِثٌ ; فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ. وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْنَا: الْمَوْجُودُ إِمَّا مُتَحَيِّزٌ وَإِمَّا قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ، وَإِمَّا لَا مُتَحَيِّزٌ، وَلَا قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِ الْقِسْمِ [الثَّالِثِ] (¬3) وَهَذَا غَلَطٌ ; فَإِنَّ هَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: الْمَوْجُودُ إِمَّا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَإِمَّا قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَإِمَّا لَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى إِمْكَانِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَإِنَّ هَذَا غَلَطٌ. ¬

(¬1) وَالِاعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ لَا: عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ تَنْتَهِي نُسْخَةُ (و) الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ فِي ص 282 مِنْهَا، كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ. (¬2) ر، ي: أَوْ كُلُّ. (¬3) الثَّالِثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: إِمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا مُحْدَثٌ، وَإِمَّا لَا قَدِيمٌ وَلَا مُحْدَثٌ، وَإِمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُمْكِنٌ، وَإِمَّا لَا وَاجِبٌ وَلَا مُمْكِنٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ هَذَا. وَدَخَلَ الْغَلَطُ عَلَى هَؤُلَاءِ حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ مُجَرَّدَ تَقْدِيرِ الذِّهْنِ وَفَرْضِهِ يَقْتَضِي إِمْكَانُ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الذِّهْنُ يَفْرِضُ أُمُورًا مُمْتَنِعَةً، لَا يَجُوزُ وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَا تَكُونُ تِلْكَ التَّقْدِيرَاتُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا ذِكْرُ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْحَالَ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ: هَلْ يُمْكِنُ [كُلُّ] (¬1) أَحَدٍ اجْتِهَادٌ يَعْرِفُ بِهِ الْحَقَّ؟ أَمِ (¬2) النَّاسُ يَنْقَسِمُونَ إِلَى قَادِرٍ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِ قَادِرٍ؟ . وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الْمُجْتَهِدُ الْعَاجِزُ عَنْ مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ: هَلْ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ أَمْ لَا يُعَاقِبُ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ وَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ بَعْضِ الصَّوَابِ؟ وَإِذَا عُرِفَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ، فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[جَمِيعُ] (¬3) مَا يُطْعَنُ بِهِ فِيهِمْ أَكْثَرُهُ كَذِبٌ، وَالصِّدْقُ مِنْهُ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا أَوْ خَطَأً، وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ، وَالذَّنْبُ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ تُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (¬4) أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يُوجِبُ النَّارَ ¬

(¬1) كُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن: بَلْ. (¬3) جَمِيعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ر، ب، ي: أَحَدًا.

مناقشة ابن المطهر على كلامه عن مثالب أبي بكر في زعمه

لَا مَحَالَةَ. وَكَثِيرٌ مِمَّا يُطْعَنُ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمْ يَكُونُ مِنْ مَحَاسِنِهِ وَفَضَائِلِهِ، فَهَذَا (¬1) جَوَابٌ مُجْمَلٌ (¬2) . ثُمَّ نَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى مَا ذَكَرَتْهُ الرَّافِضَةُ مِنَ الْمَطَاعِنِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، كَمَا ذَكَرَهُ أَفْضَلُ الرَّافِضَةِ فِي زَمَنِهِ (¬3) صَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ، لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْكَلْبِيَّ صَنَّفَ كِتَابًا فِي " الْمَثَالِبِ " (¬4) . [مناقشة ابن المطهر على كلامه عن مثالب أبي بكر في زعمه] قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) " وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْهَا (¬6) أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَنَحْنُ (¬7) نَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا يَسِيرًا. مِنْهَا مَا رَوَوْهُ (¬8) عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَصِمُ (¬9) بِالْوَحْيِ، وَإِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي» ، وَكَيْفَ يَجُوزُ (¬10) إِمَامَةُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِالرَّعِيَّةِ عَلَى تَقْوِيمِهِ، مَعَ أَنَّ الرَّعِيَّةَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ؟ ". ¬

(¬1) ر، ح، ي: وَهَذَا. (¬2) هُنَا يَنْتَهِي الِاسْتِطْرَادُ الطَّوِيلُ الَّذِي بَدَأَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ 3/29 (ب) وَيَعُودُ فِيمَا يَلِي إِلَى مُنَاقَشَةِ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ. (¬3) ح، ب: فِي زَمَانِهِ. (¬4) بَعْدَ كَلِمَةِ " الْمَثَالِبِ " فِي (ي) الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَفِي (ن) ، (م) : ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، زَادَتْ (م) : فَصْلٌ. (¬5) عِبَارَةُ قَالَ الرَّافِضِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 132 (م) . (¬6) ك: مِنْهُمْ. (¬7) وَنَحْنُ: كَذَا فِي (م) ، (ك) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: نَحْنُ. (¬8) ح، ب: رَوَاهُ. (¬9) ن، م: كَانَ يُعْصَمُ. (¬10) يَجُوزُ: كَذَا فِي (ي) (ك) وَفِي (ح) ، (ر) ، (ب) : تَجُوزُ

وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَكْبَرِ فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَدَلِّهَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ [يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، فَلَمْ يَكُنْ] (¬1) طَالِبَ رِيَاسَةٍ، وَلَا كَانَ ظَالِمًا، وَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِ اسْتَقَمْتُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَأَعِينُونِي عَلَيْهَا، وَإِنْ زِغْتُ عَنْهَا فَقَوِّمُونِي، كَمَا قَالَ أَيْضًا: [أَيُّهَا النَّاسُ] (¬2) أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ. وَالشَّيْطَانُ الَّذِي يَعْتَرِيهِ يَعْتَرِي جَمِيعَ بَنِي (¬3) آدَمَ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا [وَقَدْ] (¬4) وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ قَرِينَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَرِينَهُ مِنَ الْجِنِّ. وَالشَّيْطَانُ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ (¬5) مَجْرَى الدَّمِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ قَرِينَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَرِينَهُ مِنَ الْجِنِّ " قِيلَ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " وَأَنَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ " (¬6) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا مَرَّ بِهِ بَعْضُ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ مَعَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أَيُّهَا النَّاسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن: جَمِيعَ النَّاسِ. (¬4) وَقَدْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ر: مِنْ بَنِي آدَمَ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظِ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَخْ فِي مُسْلِمٍ 4/2167 - 2168 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ، بَابُ تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ وَبَعْثِ سَرَايَاهُ. .) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/306 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَمَعَهُ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/235 - 236، 293 - 294، 306 6/182 (بِلَفْظِ: مَا مِنْ أَحَدٍ. .) .

صَفِيَّةَ لَيْلًا، قَالَ: " عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ (¬1) [بِنْتُ حُيَيٍّ] (¬2) " ثُمَّ قَالَ: " إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» " (¬3) . وَمَقْصُودُ الصِّدِّيقِ بِذَلِكَ: إِنِّي لَسْتُ مَعْصُومًا كَالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا حَقٌّ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: كَيْفَ تَجُوزُ إِمَامَةُ مَنْ يَسْتَعِينُ عَلَى تَقْوِيمِهِ بِالرَّعِيَّةِ؟ كَلَامُ جَاهِلٍ بِحَقِيقَةِ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ هُوَ رَبًّا لِرَعِيَّتِهِ (¬4) حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُمْ، وَلَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ. وَإِنَّمَا هُوَ وَالرَّعِيَّةُ شُرَكَاءُ يَتَعَاوَنُونَ هُمْ وَهُوَ عَلَى مَصْلَحَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِعَانَتِهِمْ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إِعَانَتِهِ، كَأَمِيرِ الْقَافِلَةِ الَّذِي يَسِيرُ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ: إِنْ سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ اتَّبَعُوهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ عَنِ الطَّرِيقِ (¬5) نَبَّهُوهُ وَأَرْشَدُوهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ صَائِلٌ يَصُولُ عَلَيْهِمْ تَعَاوَنَ هُوَ وَهُمْ عَلَى دَفْعِهِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ أَكْمَلَهُمْ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَرَحْمَةً كَانَ ذَلِكَ أَصْلَحَ لِأَحْوَالِهِمْ. ¬

(¬1) ح، ب: لَصَفِيَّةُ. (¬2) بِنْتُ حُيَيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ 4/124 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ بَابُ صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ) ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْبُخَاريِّ 3/50 (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ، بَابُ زِيَارَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي اعْتِكَافِهِ، بَابُ هَلْ يَدْرَأُ الْمُعْتَكِفُ عَنْ نَفْسِهِ) 9/70 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الشَّهَادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. .) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬4) ح، ب: رَبَّ الرَّعِيَّةِ. (¬5) ح، ر: فِي الطَّرِيقِ.

وَكَذَلِكَ إِمَامُ الصَّلَاةِ إِنِ اسْتَقَامَ صَلُّوا بِصَلَاتِهِ، وَإِنْ سَهَا سَبَّحُوا بِهِ فَقَوَّمُوهُ إِذَا زَاغَ. وَكَذَلِكَ دَلِيلُ الْحَاجِّ إِنْ مَشَى بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ مَشَوْا خَلْفَهُ، وَإِنْ غَلِطَ قَوَّمُوهُ. وَالنَّاسُ بَعْدَ الرَّسُولِ لَا يَتَعَلَّمُونَ الدِّينَ مِنَ الْإِمَامِ (¬1) ، بَلِ الْأَئِمَّةُ وَالْأُمَّةُ كُلُّهُمْ يَتَعَلَّمُونَ الدِّينَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ عِنْدَ التَّنَازُعِ بِرَدِّ الْأَمْرِ إِلَى الْأَئِمَّةِ، بَلْ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الْآيَةَ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] ، (2 فَأَمَرَ بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ 2) (¬2) لَا إِلَى الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ تَبَعًا لِطَاعَةِ الرَّسُولِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» " (¬3) ، وَقَالَ: " «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» " (¬4) ، وَقَالَ: " «مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ» " (¬5) . ¬

(¬1) ن: لَا يَتَعَلَّمُونَ الدِّينَ إِلَّا مِنَ الْإِمَامِ. (¬2) (2 - 2) سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/562، 3/388 (ت [0 - 9] ) (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/388 (ت [0 - 9] ) (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/388 (ت [0 - 9] )

وَقَوْلُ الْقَائِلِ: كَيْفَ تَجُوزُ إِمَامَةُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِالرَّعِيَّةِ عَلَى تَقْوِيمِهِ، مَعَ أَنَّ الرَّعِيَّةَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ؟ وَارِدٌ فِي كُلِّ مُتَعَاوِنَيْنِ وَمُتَشَارِكَيْنِ يَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، حَتَّى الشُّرَكَاءِ فِي التِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ، وَإِمَامُ الصَّلَاةِ هُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِنَّ الْمَأْمُومِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَحْمِلُ عَنْهُمُ السَّهْوَ وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ يَسْتَعِينُ بِهِمْ إِذَا سَهَا فَيُنَبِّهُونَهُ عَلَى سَهْوِهِ وَيُقَوِّمُونَهُ، وَلَوْ زَاغَ فِي الصَّلَاةِ (¬1) فَخَرَجَ عَنِ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَتَّبِعُوهُ فِيهَا، وَنَظَائِرُهُ مُتَعَدِّدَةٌ. ثُمَّ يُقَالُ: اسْتِعَانَةُ عَلِيٍّ بِرَعِيَّتِهِ وَحَاجَتُهُ إِلَيْهِمْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنِ اسْتِعَانَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ تَقْوِيمُ أَبِي بَكْرٍ لِرَعِيَّتِهِ وَطَاعَتُهُمْ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ تَقْوِيمِ عَلِيٍّ لِرَعِيَّتِهِ وَطَاعَتِهِمْ لَهُ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانُوا إِذَا نَازَعُوهُ أَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْهِ، كَمَا أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى عُمَرَ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَانُوا إِذَا أَمَرَهُمْ أَطَاعُوهُ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَأَنَّهُ (¬2) اتَّفَقَ رَأْيُهُ وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَى أَنْ يُبَعْنَ، فَقَالَ لَهُ قَاضِيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ. وَكَانَ يَقُولُ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ; فَإِنِّي أَكْرَهُ الْخِلَافَ، حَتَّى يَكُونَ النَّاسُ جَمَاعَةً أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. وَكَانَتْ رَعِيَّتُهُ كَثِيرَةَ الْمَعْصِيَةِ لَهُ، وَكَانُوا يُشِيرُونَ عَلَيْهِ بِالرَّأْيِ الَّذِي ¬

(¬1) ح، ب: عَنِ الصَّلَاةِ. (¬2) ح، ر، ب: الْأَوْلَادِ أَنَّهُ.

يُخَالِفُهُمْ فِيهِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّ الصَّوَابَ كَانَ مَعَهُمْ، كَمَا أَشَارَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ بِأُمُورٍ، مِثْلِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ دُونَ الْمُبَايَعَةِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَأَنْ لَا يُقَاتِلَ بِصِفِّينَ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْزِلَ مُعَاوِيَةَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ السِّيَاسَةَ انْتَظَمَتْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مَا لَمْ تَنْتَظِمْ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنْ كَانَ هَذَا لِكَمَالِ الْمُتَوَلِّي وَكَمَالِ الرَّعِيَّةِ، كَانُوا هُمْ وَرَعِيَّتُهُمْ أَفْضَلَ. وَإِنْ كَانَ لِكَمَالِ الْمُتَوَلِّي وَحْدَهُ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي فَضْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِفَرْطِ نَقْصِ رَعِيَّةِ عَلِيٍّ، كَانَ رَعِيَّةُ عَلِيٍّ أَنْقَصَ مِنْ رَعِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَرَعِيَّتُهُ هُمُ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ، وَأَقَرُّوا بِإِمَامَتِهِ. وَرَعِيَّةُ الثَّلَاثَةِ كَانُوا مُقِرِّينَ بِإِمَامَتِهِمْ. فَإِذَا كَانَ الْمُقِرُّونَ بِإِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلَ مِنَ الْمُقِرِّينَ بِإِمَامَةِ عَلِيٍّ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَأَيْضًا فَقَدِ انْتَظَمَتِ السِّيَاسَةُ لِمُعَاوِيَةَ (¬1) مَا لَمْ تَنْتَظِمْ لِعَلِيٍّ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ رَعِيَّةُ مُعَاوِيَةَ خَيْرًا مِنْ رَعِيَّةِ عَلِيٍّ، وَرَعِيَّةُ مُعَاوِيَةَ شِيعَةُ عُثْمَانَ، وَفِيهِمُ النَّوَاصِبُ الْمُبْغِضُونَ لِعَلِيٍّ، فَتَكُونُ شِيعَةُ عُثْمَانَ وَالنَّوَاصِبُ أَفْضَلَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ، فَيَلْزَمُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثَةُ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ شِيعَةُ عُثْمَانَ وَالنَّوَاصِبُ أَفْضَلَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَالرَّوَافِضِ. وَأَيُّهُمَا كَانَ لَزِمَ فَسَادُ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ ; فَإِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ عَلِيًّا أَكْمَلُ ¬

(¬1) ن، م: انْتَظَمَتِ الْأُمُورُ لِمُعَاوِيَةَ.

مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ شِيعَتَهُ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا الثَّلَاثَةَ، فَضْلًا عَنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ. وَالْمَعْلُومُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ أَنَّ الْأَمْرَ انْتَظَمَ لِلثَّلَاثَةِ وَلِمُعَاوِيَةَ مَا لَمْ يَنْتَظِمْ لِعَلِيٍّ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِمَامُ الْكَامِلُ وَالرَّعِيَّةُ الْكَامِلَةُ - عَلَى رَأْيِهِمْ - أَعْظَمَ اضْطِرَابًا وَأَقَلَّ انْتِظَامًا مِنَ الْإِمَامِ النَّاقِصِ وَالرَّعِيَّةِ النَّاقِصَةِ؟ بَلْ مِنَ الْكَافِرَةِ وَالْفَاسِقَةِ عَلَى رَأْيِهِمْ؟ وَلَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ عَلِيٍّ مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ، إِلَّا مَا هُوَ دُونَ مَا فِي رَعِيَّةِ الثَّلَاثَةِ. فَلَمْ يَكُونُوا أَصْلَحَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الدِّينِ. وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ لِلشِّيعَةِ إِمَامٌ ذُو سُلْطَانٍ مَعْصُومٌ بِزَعْمِهِمْ أَعْظَمَ مِنْ عَلِيٍّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَقِيمُوا مَعَهُ كَانُوا أَنْ لَا يَسْتَقِيمُوا مَعَ مَنْ هُوَ دُونَهُ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ شَرٌّ وَأَنْقَصُ (¬1) مِنْ غَيْرِهِمْ. وَهُمْ يَقُولُونَ: الْمَعْصُومُ إِنَّمَا وَجَبَتْ عِصْمَتُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ اللُّطْفِ بِالْمُكَلَّفِينَ وَالْمَصْلَحَةِ لَهُمْ. فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ مَصْلَحَةَ غَيْرِ الشِّيعَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ خَيْرٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الشِّيعَةِ، وَاللُّطْفَ لَهُمْ أَعْظَمُ مِنَ اللُّطْفِ لِلشِّيعَةِ، عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ (¬2) مِنْ إِثْبَاتِ الْعِصْمَةِ بَاطِلٌ. وَتَبَيَّنَ حِينَئِذٍ حَاجَةُ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الصِّدِّيقَ هُوَ الَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَأَقَامَ الْعَدْلَ أَكْثَرَ (¬3) مِنْ غَيْرِهِ. ¬

(¬1) ح، ر، ب، ي: أَنَّهُمْ أَنْقَصُ. (¬2) ح: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ. (¬3) ح، ر، ي: أَعْظَمَ.

كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه

[كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬2) " وَقَالَ: أَقِيلُونِي فَلَسْتُ (¬3) بِخَيْرِكُمْ، وَعَلِيٌّ فِيكُمْ (¬4) . فَإِنْ كَانَتْ إِمَامَتُهُ حَقًّا كَانَتِ اسْتِقَالَتُهُ مِنْهَا مَعْصِيَةً، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَزِمَ الطَّعْنُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْلُومٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: " وَعَلِيٌّ فِيكُمْ "، بَلِ الَّذِي ثَبَتَ (¬5) عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ: بَايِعُوا أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَلْ أَنْتَ سَيِّدُنَا، وَخَيْرُنَا (¬6) ، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ " عُمَرُ: كُنْتُ (¬7) وَاللَّهِ لَأَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي، لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ تَأَمُّرِي (¬8) عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ (¬9) . ثُمَّ لَوْ قَالَ: " وَعَلِيٌّ فِيكُمْ " لَاسْتَخْلَفَهُ مَكَانَ عُمَرَ، فَإِنَّ أَمْرَهُ كَانَ مُطَاعًا. ¬

(¬1) ي: الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ: وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ فَصْلٍ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬2) فِي (ك) 132 (م) - 133 (م) . (¬3) ن: لَيْسَ، ك: لَسْتُ. (¬4) كُتِبَتْ عِبَارَةُ وَعَلِيٌّ فِيكُمْ فِي (ك) بَيْنَ السَّطْرَيْنِ. (¬5) ب (فَقَطْ) : بَلِ الْحَدِيثُ الَّذِي ثَبَتَ. (¬6) ن، م: خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا. (¬7) ب (فَقَطْ) : كَانَ. (¬8) ن، م: مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ. (¬9) سَبَقَ حَدِيثُ السَّقِيفَةِ فِيمَا مَضَى 1/518، 2/50، 51

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنْ كَانَتْ إِمَامَتُهُ حَقًّا كَانَتِ اسْتِقَالَتُهُ مِنْهَا مَعْصِيَةً ". فَيُقَالُ: إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَوْنَهَا حَقًّا إِمَّا بِمَعْنَى كَوْنِهَا جَائِزَةً، وَالْجَائِزُ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَإِمَّا بِمَعْنَى كَوْنِهَا وَاجِبَةً إِذَا لَمْ يُوَلُّوا غَيْرَهُ، وَلَمْ يُقِيلُوهُ. وَأَمَّا إِذَا أَقَالُوهُ وَوَلَّوْا غَيْرَهُ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَعْقِدُ بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً، وَيَكُونُ الْعَقْدُ حَقًّا، ثُمَّ يَطْلُبُ الْإِقَالَةَ وَهُوَ لِتَوَاضُعِهِ وَثِقَلِ الْحِمْلِ عَلَيْهِ قَدْ يَطْلُبُ الْإِقَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ، وَتَوَاضُعُ الْإِنْسَانِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ. فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : وَقَالَ عُمَرُ: كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ (¬3) شَرَّهَا، فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ، وَلَوْ كَانَتْ إِمَامَتُهُ صَحِيحَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ فَاعِلُهَا الْقَتْلَ، فَيَلْزَمُ تَطَرُّقُ الطَّعْنِ إِلَى عُمَرَ. وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَزِمَ الطَّعْنُ عَلَيْهِمَا مَعًا " (¬4) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ سَيَأْتِي. قَالَ فِيهِ: " فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: " إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً فَتَمَّتْ. أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ " (¬5) وَمَعْنَاهُ أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ بُودِرَ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرَيُّثٍ وَلَا انْتِظَارٍ ; لِكَوْنِهِ ¬

(¬1) سَقَطَتْ كَلِمَةُ " فَصْلٌ " مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ (¬2) فِي (ك) 133 (م) . (¬3) الْمُسْلِمِينَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) ، (ب) . (¬4) ح، ر ي، ب جَمِيعًا. (¬5) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ كَامِلًا بَعْدَ قَلِيلٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

كَانَ مُتَعَيِّنًا لِهَذَا الْأَمْرِ. كَمَا قَالَ عُمَرُ: " لَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ ". وَكَانَ ظُهُورُ فَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَنْ سِوَاهُ، وَتَقْدِيمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَمْرًا ظَاهِرًا مَعْلُومًا. فَكَانَتْ دَلَالَةُ النُّصُوصِ عَلَى تَعْيِينِهِ تُغْنِي عَنْ مُشَاوَرَةٍ وَانْتِظَارٍ وَتَرَيُّثٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ مُبَايَعَتُهُ إِلَّا بَعْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَالِانْتِظَارِ وَالتَّرَيُّثِ، فَمَنْ بَايَعَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ عَنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ وَتَشَاوُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَهَذَا قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا فِي خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحِ، الَّتِي خَطَبَ بِهَا مَرْجِعَهُ مِنَ الْحَجِّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (¬1) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ (¬2) : " كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا (¬3) أَنَا فِي مَنْزِلِهِ (¬4) بِمِنًى، وَهُوَ عِنْدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ (¬5) ، ¬

(¬1) ن، م: فِي الصَّحِيحِ. (¬2) سَبَقَ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ 3/386 (ت 6) وَالْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 8/168 - 170 (كِتَابُ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، بَابُ رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إِذَا زَنَتْ) ، وَسَأُقَابِلُ النَّصَّ التَّالِيَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَجَاءَتْ قِطَعٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ (انْظُرْ ط. دَارِ الْقَلَمِ تَحْقِيقُ د. مُصْطَفَى الْبَغَا دِمَشْقَ وَبَيْرُوتَ 1401/1981) ، الْأَرْقَامُ 2330، 3261، 3713، 3796، 6441، 6892 (¬3) ن، م، ر، ي: فَبَيْنَا، ح: فَيْنَنَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ح، فِي مَنْزِلِي، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) بْنِ عَوْفٍ: لَيْسَتْ فِي " الْبُخَارِيِّ ".

فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ (¬1) بَايَعْتُ فُلَانًا، فَوَاللَّهِ، مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ؟ فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ (¬2) : إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ، فَقَالَ (¬3) عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا تَفْعَلْ ; فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وَإِنَّهُمْ (¬4) هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا (¬5) أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لَا يَعُوهَا، وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدِمَ الْمَدِينَةَ ; فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَقَالَتَكَ (¬6) مُتَمَكِّنًا (¬7) ، فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا (¬8) عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَقَالَ (¬9) عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْتُ بِالرَّوَاحِ (¬10) حِينَ زَاغَتِ ¬

(¬1) لَقَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) . (¬2) ح: فَقَالَ. (¬3) الْبُخَارِيُّ: قَالَ. (¬4) الْبُخَارِيِّ: فَإِنَّهُمْ. (¬5) وَأَنَا: كَذَا فِي (ب) وَالْبُخَارِيِّ وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَأَنَا. (¬6) الْبُخَارِيِّ: مَا قُلْتَ. (¬7) ح: مُسْتَمْكِنًا. (¬8) ح: وَيَضَعُوهَا. (¬9) ن، م، ر، ي: قَالَ. (¬10) الْبُخَارِيِّ: عَجَّلْنَا الرَّوَاحَ (وَفِي نُسْخَةٍ مِنْهُ، عَجَّلْتُ بِالرَّوَاحِ) .

الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (¬1) ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا قُلْتُ: لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ [بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ] (¬2) : لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ. فَأَنْكَرَ عَلَيَّ، وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ؟ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ (¬3) قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا (¬4) أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ (¬5) الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: [وَاللَّهِ] (¬6) مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى [إِذَا أُحْصِنَ] (¬7) مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ، ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ ¬

(¬1) ح، ب: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬2) بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي (ر) ، (ي) الْبُخَارِيِّ فَقَطْ. (¬3) ح، م، ب: الْمُؤَذِّنُ. (¬4) الْبُخَارِيِّ مِمَّا (وَفِي قِرَاءَةٍ فِيهِ: فِيمَا) . (¬5) الْبُخَارِيِّ: أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ. (¬6) وَاللَّهِ: فِي الْبُخَارِيِّ (ب) فَقَطْ. (¬7) إِذَا أُحْصِنَ، فِي (ب) وَالْبُخَارِيِّ فَقَطْ.

اللَّهِ: [أَنْ] (¬1) لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ (¬2) ، أَلَا إِنَّ (¬3) رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَّارِي عِيسَى (¬4) ابْنَ مَرْيَمَ، وَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» " ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ (¬5) يَقُولُ: وَاللَّهِ، لَوْ مَاتَ عُمَرُ لَبَايَعْتُ (¬6) فُلَانًا، فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً (¬7) فَتَمَّتْ (¬8) ، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ (¬9) مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ ¬

(¬1) أَنْ فِي (ب) وَالْبُخَارِيِّ فَقَطْ. (¬2) الْبُخَارِيِّ: عَنْ آبَائِكُمْ أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ. (¬3) ب: أَلَا وَإِنَّ، الْبُخَارِيِّ أَلَا ثُمَّ إِنَّ. (¬4) الْبُخَارِيِّ كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى، م: لَا تُطْرُونِي إِطْرَاءَ النَّصَارَى عِيسَى. (¬5) أَنَّ قَائِلًا مِنْكَ: كَذَا فِي (ب) وَالْبُخَارِيِّ وَفِي (ح) ، (ر) ، (ي) : أَنَّ قَائِلًا فِيكُمْ، وَفِي (ن) ، (م) : أَنَّ فُلَانًا فِيكُمْ وَفِي هَامِشِ (ي) كُتِبَ مَا يَلِي: " وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ آيَةَ الرَّجْمِ الَّتِي نُسِخَتْ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَرَاجِمُوهُمْ أَلْبَتَّةَ. وَقَدْ أَبْقَى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ نَظِيرَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَدْرَؤُ عَنْهَا الْعَذَابَ [سُورَةُ النُّورِ: 8] . (¬6) الْبُخَارِيِّ: بَايَعْتُ. (¬7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِلْحَدِيثِ فَتْحِ الْبَارِي 12/147: " أَيْ: فَجْأَةً وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ "، ثُمَّ قَالَ (فَتْحِ الْبَارِي 12/149) : " الْفَلْتَةُ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُشَكُّ فِيهَا: هَلْ هِيَ مِنْ رَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ، وَهَلْ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَوْ صَفَرٍ؟ كَانَ الْعَرَبُ لَا يُشْهِرُونَ السِّلَاحَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَكَانَ مَنْ لَهُ ثَأْرٌ تَرَبَّصَ، فَإِذَا جَاءَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ انْتَهَزَ الْفُرْصَةَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ انْسِلَاخُ الشَّهْرِ فَيَتَمَكَّنُ مِمَّنْ يُرِيدُ إِيقَاعَ الشَّرِّ بِهِ وَهُوَ آمِنٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الشَّرُّ الْكَثِيرُ، فَشَبَّهَ عُمَرُ الْحَيَاةَ النَّبَوِيَّةَ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَالْفَلْتَةَ بِمَا وَقَعَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَوَقَى اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ النُّهُوضِ فِي قِتَالِهِمْ وَإِخْمَادِ شَوْكَتِهِمْ، كَذَا قَالَ (ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ) وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا انْتِهَازُ الْفُرْصَةِ، لَكِنْ كَانَ يَنْشَأُ عَنْ أَخْذِ الثَّأْرِ الشَّرُّ الْكَثِيرُ فَوَقَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّ ذَلِكَ ". (¬8) الْبُخَارِيِّ: وَتَمَّتْ. (¬9) الْبُخَارِيِّ: مِنْكُمْ (وَفِى قِرَاءَةٍ فِيهِ: فِيكُمْ) .

أَبِي بَكْرٍ (¬1) ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا (¬2) ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا (¬3) حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ (¬4) الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا (¬5) ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ، فَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ (¬6) مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ [لَا] (¬7) تَقْرَبُوهُمُ. اقْضُوا أَمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، لَنَأْتِيَنَّهُمْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ (¬8) بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوَعَكُ (¬9) . ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ السَّابِقَ مِنْكُمُ الَّذِي لَا يَلْحَقُ فِي الْفَضْلِ لَا يَصِلُ إِلَى مَنْزِلَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَا يَطْمَعْ أَحَدٌ أَنْ يَقَعَ لَهُ مِثْلَمَا وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ مِنَ الْمُبَايَعَةِ لَهُ أَوَّلًا فِي الْمَلَأِ الْيَسِيرِ، ثُمَّ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِمْ عَلَيْهِ ". (¬2) انْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ 3/386 (¬3) فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْبُخَارِيِّ: مِنْ خَيْرِنَا. وَالْمَعْنَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مِنْ خَيْرِ الْمُسْلِمِينَ حِينَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4) الْبُخَارِيِّ: إِلَّا أَنَّ. (¬5) ن، م: وَمَنْ تَبِعَهُمَا. (¬6) ح، ر، ي: نُرِيدُ هَؤُلَاءِ إِخْوَانَنَا. (¬7) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " مُزَمَّلٌ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ: مُغَلَّفٌ ". (¬9) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " يُوعَكُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: يَحْصُلُ لَهُ الْوَعْكُ وَهُوَ الْحُمَّى بِنَافِضٍ وَلِذَلِكَ زُمِّلَ ".

فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ (¬1) الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ (¬2) مِنْ قَوْمِكُمْ، [فَإِذَا هُمْ] (¬3) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا (¬4) مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا (¬5) مِنَ الْأَمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ (¬6) أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ زَوَّرْتُ (¬7) مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ (¬8) . فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ. وَاللَّهِ، مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا، حَتَّى سَكَتَ. فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ (¬9) هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ ¬

(¬1) ح، ر، ي، ب: مَعَاشِرَ. (¬2) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ: أَيْ عَدَدٌ قَلِيلٌ، وَأَصْلُهُ مِنَ الدَّفِّ، وَهُوَ السَّيْرُ الْبَطِيءُ فِي جَمَاعَةٍ ". (¬3) فَإِذَا هُمْ: فِي (ب) وَالْبُخَارِيِّ فَقَطْ. (¬4) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " يَخْتَزِلُونَا: بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَزَايٍ: أَيْ يَقْتَطِعُونَا عَنِ الْأَمْرِ وَيَنْفَرِدُوا بِهِ دُونَنَا، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: خَزَلْتُهُ عَنْ حَاجَتِهِ: عَوَّقْتُهُ عَنْهَا، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْأَصْلِ: مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الْأَمْرِ ". (¬5) ح، ر، ي: أَنْ يَجْتَثُّونَا، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) ، (م) ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " وَأَنْ يَحْضُنُونَا بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَاءٍ مُعْجَمَةٍ، وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: أَيْ يُخْرِجُونَا، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: حَضَنَهُ وَاحْتَضَنَهُ عَنِ الْأَمْرِ: أَخْرَجَهُ فِي نَاحِيَةٍ عَنْهُ وَاسْتَبَدَّ بِهِ أَوْ حَبَسَهُ عَنْهُ. (¬6) ح، ر، ي، ن: وَأَرَدْتُ. (¬7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " قَدْ زَوَّرْتُ، بِزَايٍ ثُمَّ رَاءٍ: أَيْ هَيَّأْتُ وَحَسَّنْتُ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: رَوَيْتُ مِنَ الرَّوِيَّةِ ضِدُّ الْبَدِيهَةِ ". (¬8) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عَلَى رِسْلِكَ: بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ أَيْ: عَلَى مَهَلِكَ بِفَتْحَتَيْنِ. (¬9) ن، ح، ر، ي: وَلَنْ نَعْرِفَ.

نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا. فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ، أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ لِي (¬1) نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ (¬2) الْآنَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ (¬3) ، مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعْتُهُ (¬4) الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا (¬5) عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ [مِنْهُمْ] (¬6) : قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا وَاللَّهِ ¬

(¬1) الْبُخَارِيِّ: إِلَيَّ، " وَفِي قِرَاءَةٍ: لِي ". (¬2) ر: إِلَّا أَجِدُهُ. (¬3) فِي هَامِشِ (ر) ، (ح) كُتِبَ مَا يَلِي: (قَالَهُ (ح) : الْقَائِلُ هُوَ) ، الْحُبَابُ بْنُ مُنْذِرٍ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ (ر: الْإِمَامُ أَحْمَدُ) ، فِي الْمُسْنَدِ، وَفِي هَامِشِ (ي) : " وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ "، وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ: " الْجُذَيْلُ تَصْغِيرُ جِذْلٍ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ، وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي يُنْصَبُ لِلْإِبِلِ الْجَرْبَى لِتَحْتَكَّ بِهِ، وَهُوَ تَصْغِيرُ تَعْظِيمٍ، أَيْ أَنَا مِمَّنْ يُسْتَشْفَى بِرَأْيهِ، كَمَا تُسْتَشْفَى الْإِبِلُ الْجَرْبَى بِالِاحْتِكَاكِ بِهَذَا الْعُودِ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ شَدِيدُ الْبَأْسِ صُلْبُ الْمَكْسَرِ، الْعُذَيْقُ: تَصْغِيرُ الْعَذْقِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الذَّالِ، وَهُوَ النَّخْلَةُ، وَهُوَ تَصْغِيرُ تَعْظِيمٍ أَيْضًا، الْمُرَجَّبُ: مِنَ التَّرْجِيبِ، وَهُوَ أَنْ تُعَمَّدَ النَّخْلَةُ الْكَرِيمَةُ بِبِنَاءٍ مِنْ حِجَارَةٍ أَوَ خَشَبٍ إِذَا خِيفَ عَلَيْهَا لِطُولِهَا وَكَثْرَةِ حِمْلِهَا أَنْ تَقَعَ. (¬4) ح، ر، ي، ن: ثُمَّ بَايَعَهُ. (¬5) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " وَنَزَوْنَا: بِنُونٍ وَزَايٍ مَفْتُوحَةٍ أَيْ: وَثَبْنَا ". (¬6) مِنْهُمْ: فِي (ب) وَالْبُخَارِيِّ فَقَطْ.

مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ (¬1) عَلَى مَا لَا نَرْضَى (¬2) ، وَإِمَّا أَنْ نُخَالِفَهُمْ (¬3) فَيَكُونَ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ (¬4) مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُتَابِعُ (¬5) هُوَ وَلَا الَّذِي (¬6) بَايَعَهُ تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلَا " (¬7) قَالَ مَالِكٌ (¬8) : وَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقِيَاهُمَا (¬9) . عُوَيْمِرُ (¬10) (ط. الْمَعَارِفِ 1/327. بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ - وَهُمَا مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا (¬11) - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ ¬

(¬1) ح، ر: فَإِمَّا أَنْ نُبَايِعَهُمْ، ي: فَإِمَّا أَنْ نُبَايِعَهُمْ بَايَعْنَاهُمْ. (¬2) ت: عَلَى مَا لَا يَرْضَى اللَّهُ. (¬3) الْبُخَارِيِّ: وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ. (¬4) ح، ب: رَجُلًا مِنْ غَيْرِ، رَجُلًا غَيْرَ. (¬5) ح، ي، ن: فَلَا يُبَايِعُ. (¬6) ح، ب: هُوَ وَالَّذِي. (¬7) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا، وَجَاءَتْ قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مُسْلِمٍ 3/1317 (كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ رَجْمِ الثَّيِّبِ فِي الزِّنَا) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/203 - 204 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابٌ فِي الرَّجْمِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/422 - 443 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْقِيقِ الرَّجْمِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/853 (كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ الرَّجْمِ) ، الْمُوَطَّأِ 2/823 (كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/323 - 327 وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ مُطَوَّلًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر فِي شَرْحِهِ لِلْحَدِيثِ: " وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سَنَةِ 23 قُبَيْلَ مَقْتَلِ عُمَرَ ". (¬8) وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَاوِي الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يُورِدْهُ فِي الْمُوَطَّأِ كَامِلًا بَلْ أَوْرَدُ قِطْعَةً مُخْتَصَرَةً مِنْهُ، وَالزِّيَادَةُ التَّالِيَةُ فِي الْمُسْنَدِ " ط. الْمَعَارِفِ " 1/327 (¬9) ي: اللَّذَيْنِ لَقِيَاهُمَا (¬10) عُوَيْمِرُ كَذَا فِي الْمُسْنَدِ وَفِي جَمِيعِ النُّسَخِ: عُوَيْمٌ (¬11) عِبَارَةُ " وَهُمَا مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا " إِيضَاحٌ مِنَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَلَيْسَتْ فِي " الْمُسْنَدِ " وَلَا فِي (م) .

الَّذِي قَالَ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ: الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (¬1) عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ (¬2) فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ، مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ (¬3) : " وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي قَلْبِي (¬4) إِلَّا ذَاكَ - وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬5) فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فَقَبَّلَهُ] (¬6) فَقَالَ (¬7) : بِأَبِي وَأُمِّي (¬8) ، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ (¬9) : أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا (¬10) فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى (¬11) : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ¬

(¬1) ن، م: مُسْلِمٍ، وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/6 - 7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) . (¬2) فِي الْبُخَارِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: بِالْعَالِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فَتْحِ الْبَارِي 7/29 " تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي أَوَّلِ الْجَنَائِزِ وَأَنَّهُ بِسُكُونِ النُّونِ، وَضَبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ بِضَمِّهَا، وَقَالَ: إِنَّهُ مَنَازِلُ بَنِي الْحَارِثِ مِنَ الْخَزْرَجِ بِالْعَوَالِي، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مِيلٌ ". (¬3) فِي الْبُخَارِيِّ: قَالَتْ. (¬4) الْبُخَارِيِّ: فِي نَفْسِي. (¬5) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) ، (ح) ، (ب) ، (ي) . (¬6) فَقَبَّلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) الْبُخَارِيِّ: قَالَ. (¬8) الْبُخَارِيِّ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. (¬9) ح، ب: فَقَالَ. (¬10) الْبُخَارِيِّ: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬11) ن: وَقَالَ اللَّهُ، الْبُخَارِيِّ: وَقَالَ.

[سُورَةُ الزُّمَرِ: 30] ، وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ، مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي، خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ، لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا. وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ (¬1) أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ. فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ. فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ (¬2) . فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ (¬3) ". وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَتْ (¬4) : " مَا كَانَ (¬5) مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ¬

(¬1) ن، م، ب: وَأَرْفَعُهُمْ. (¬2) ر، ح، ي: قَتَلْتُمْ سَعْدًا، ب: قَتَلْتُمْ وَاللَّهِ سَعْدًا. (¬3) جَاءَ خَبَرُ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ فِي: 2/71 \ 72 كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ. .) (¬4) الْبُخَارِيِّ 5/7 بَعْدَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬5) الْبُخَارِيِّ: فَمَا كَانَتْ.

لَنِفَاقًا، فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى، وَعَرَّفَهُمُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ ". وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (¬1) : أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ (¬2) حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَشَّهَدَ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَدْبُرَنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ ; فَإِنْ يَكُنْ (¬3) مُحَمَّدٌ (¬4) قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ (¬5) قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ (¬6) نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ، بِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا (¬7) ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَإِنَّهُ (¬8) أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ (¬9) الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ ". وَعَنْهُ (¬10) : " قَالَ: سَمِعْتُ (¬11) عُمَرَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ الْمِنْبَرَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ [الْمِنْبَرَ] (¬12) فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً ". ¬

(¬1) الْبُخَارِيِّ 9/81 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ بَابُ الِاسْتِخْلَافِ) . (¬2) ح، ر، ب، ي: الْأَخِيرَةَ. (¬3) الْبُخَارِيِّ: فَإِنْ يَكُ. (¬4) م، ح، ر: مُحَمَّدًا. (¬5) الْبُخَارِيِّ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى. (¬6) ر، ي: قَدْ جَعَلَ لَكُمْ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. (¬7) الْبُخَارِيِّ: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬8) الْبُخَارِيِّ: فَإِنَّهُ " وَفِي قِرَاءَةٍ، وَإِنَّهُ ". (¬9) ب (فَقَطْ) : بَيْعَتُهُ. (¬10) فِي: الْبُخَارِيِّ 9/81 (الْحَدِيثُ التَّالِي مُبَاشَرَةً) . (¬11) الْبُخَارِيِّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: سَمِعْتُ. (¬12) الْمِنْبَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه عند الاحتضار والرد عليه

وَفِي طَرِيقٍ (¬1) أُخْرَى لِهَذِهِ الْخُطْبَةِ (¬2) : " أَمَّا بَعْدُ فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي (¬3) هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ (¬4) ، فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا، لِمَا هَدَى اللَّهُ (¬5) بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬6) ". [كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه عند الاحتضار والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬7) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬8) : " وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَيْتَنِي كُنْتُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِي هَذَا الْأَمْرِ حَقٌّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي شَكٍّ مِنْ إِمَامَتِهِ وَلَمْ تَقَعْ صَوَابًا ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ (¬9) عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنِ احْتَجَّ فِي أَيِّ مَسْأَلَةٍ كَانَتْ بِشَيْءٍ مِنَ النَّقْلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ إِسْنَادًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَطْعَنُ فِي السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ بِمُجَرَّدِ حِكَايَةٍ لَا إِسْنَادَ لَهَا؟ ثُمَّ يُقَالُ: هَذَا يَقْدَحُ فِيمَا تَدَّعُونَهُ (¬10) مِنَ النَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ ¬

(¬1) ن: طَرِيقَةٍ. (¬2) فِي: الْبُخَارِيِّ 9/91 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَوَّلَ الْكِتَابِ) ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ. (¬3) ح، ب: وَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي. (¬4) الْبُخَارِيِّ: رَسُولَكُمْ. (¬5) الْبُخَارِيِّ: وَإِنَّمَا هَدَى اللَّهُ (وَفِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى: لِمَا هَدَى اللَّهُ. .) . (¬6) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ. (¬7) ي: الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ فَصْلٍ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬8) فِي (ك) ص 133 (م) . (¬9) ح: كَذَّابٌ. (¬10) ن، م: يَدَّعُوهُ.

نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ لِلْأَنْصَارِ فِيهِ حَقٌّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَكٌّ. (فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَقَالَ عِنْدَ احْتِضَارِهِ: لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي! يَا لَيْتَنِي (¬3) كُنْتُ تِبْنَةً فِي لَبِنَةٍ، مَعَ أَنَّهُمْ [قَدْ] (¬4) نَقَلُوا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْ مُحْتَضِرٍ يَحْتَضِرُ إِلَّا وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ» (¬5) ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ تَكَلُّمَهُ بِهَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ بِلَا رَيْبٍ، بَلِ الثَّابِتُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ، وَتَمَثَّلَتْ عِنْدَهُ عَائِشَةُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قَوْلِي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [سُورَةُ ق: 19] . ¬

(¬1) ي: الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " فَصْلٌ " مِنْ (ن) ، (م) ، (ر) ، (ح) . (¬2) فِي (ك) ص 133 (م) . (¬3) ح، ب: لَيْتَنِي. (¬4) قَدْ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) ك: أَوِ النَّارِ، وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا بِمَعْنَاهُ وَنَصُّهُ فِي الْبُخَارِيِّ 2/99 \ 100 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وَتَكَرَّرَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 4/117 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ) 8/107 (كِتَابُ الرِّقَاقِ بَابُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ) ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ 4/2199 (كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ عَلَيْهِ. .)

وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ: لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي! وَنَحْوُ هَذَا قَالَهُ خَوْفًا - إِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُ. وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ مَنْقُولٌ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوهُ خَوْفًا وَهَيْبَةً مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أُحَاسَبَ وَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَبَيْنَ أَنْ أَصِيرَ تُرَابًا، لَاخْتَرْتُ أَنْ أَصِيرَ تُرَابًا. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " (¬1) قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ (¬2) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى. قَالَ (¬3) : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " لَوْ وَقَفْتُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَقِيلَ لِي: اخْتَرْ فِي أَيِّهِمَا تَكُونُ، أَوْ تَكُونُ رَمَادًا، لَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ رَمَادًا " (¬4) . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (¬5) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، أَكُونَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَكِنَّ هَاهُنَا رَجُلٌ وَدَّ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ لَمْ يُبْعَثْ، يَعْنِي نَفْسَهُ. وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا (¬6) : هَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ أَمْ لَا؟ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. لَكِنَّ ¬

(¬1) ح، ر، ب، ي: فِي الْحِلْيَةِ، وَهَذَا الْأَثَرُ فِي " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " 1/133 (¬2) ح، ر، ي: حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، وَالْمُثْبَتُ هُوَ مَا فِي " الْحِلْيَةِ ". (¬3) فِي " الْحِلْيَةِ "، بْنُ يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ قَالَ. (¬4) الْحِلْيَةِ اخْتَرْ نُخَيِّرْكَ مِنْ أَيِّهِمَا تَكُونُ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَوْ تَكُونُ رَمَادًا لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ رَمَادًا (¬5) بْنُ حَنْبَلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) . (¬6) ح، ر، ي: فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ.

الْكَلَامَ الصَّادِرَ عَنْ خَوْفِ الْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِهِ بِاللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لِمَنْ خَافَهُ حِينَ أَمَرَ أَهْلَهُ بِتَحْرِيقِهِ وَتَذْرِيَةِ نِصْفِهِ فِي الْبَرِّ وَنِصْفِهِ فِي الْبَحْرِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. وَقَالَ: «وَاللَّهِ، لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ; فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ. وَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ، فَغَفَرَ لَهُ» ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) . فَإِذَا كَانَ مَعَ شَكِّهِ فِي الْقُدْرَةِ وَالْمَعَادِ، إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ غُفِرَ لَهُ بِخَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ، عُلِمَ أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ لِلْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ، إِذَا قُدِّرَ أَنَّهَا ذُنُوبٌ. (فَصْلٌ) (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْتَنِي فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ ضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى يَدِ (¬4) أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، فَكَانَ (¬5) هُوَ الْأَمِيرَ، وَكُنْتُ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 9/145 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) مُسْلِمٍ 4/2109 - 2110 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى) ، وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ فِيهَا نَفْسُ الْخَبَرِ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْبُخَارِيِّ 4/176 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ الْبَابُ الْأَخِيرُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ 8/101 (كِتَابُ الرِّقَاقِ بَابُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ) ، عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، مُسْلِمٍ 4/2110، 2111 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ) حَدِيثٌ 25، 27 وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1421 (كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ ذِكْرِ التَّوْبَةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/77 - 78، 5/4، 383، 407 - 408 (¬2) سَقَطَتْ كَلِمَةُ " فَصْلٌ " مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ. (¬3) فِي (ك) ص 133 (م) (¬4) يَدِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) . (¬5) ك: وَكَانَ.

كلام الرافضي على عدم خروج أبي بكر وعمر مع جيش أسامة والرد عليه

الْوَزِيرَ ". قَالَ (¬1) : " وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا يَرْتَضِي لِنَفْسِهِ الْإِمَامَةَ " (¬2) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا إِنْ كَانَ قَالَهُ (¬3) فَهُوَ أَدَلُّ دَلِيلٍ (¬4) عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْإِمَامَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَائِلَ هَذَا إِنَّمَا يَقُولُهُ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُضَيِّعَ حَقَّ الْوِلَايَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا وَلَّى غَيْرَهُ، وَكَانَ وَزِيرًا لَهُ، كَانَ أَبْرَأَ لِذِمَّتِهِ، فَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ الْإِمَامَ، لَكَانَتْ تَوْلِيَتُهُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ إِضَاعَةً لِلْإِمَامَةِ أَيْضًا، وَكَانَ يَكُونُ وَزِيرًا لِظَالِمٍ غَيْرِهِ، وَكَانَ قَدْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ، وَيَطْلُبُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ. وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ وَصَّى بِدُيُونٍ، فَاعْتَقَدَ الْوَارِثُ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا شَخْصٌ، فَأَرْسَلَهَا إِلَيْهِ مَعَ رَسُولِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا لَيْتَنِي (¬5) أَرْسَلْتُهَا مَعَ مَنْ هُوَ أَدْيَنُ مِنْهُ، خَوْفًا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ الْأَوَّلُ مُقَصِّرًا فِي الْوَفَاءِ، تَفْرِيطًا أَوْ خِيَانَةً. وَهُنَاكَ شَخْصٌ حَاضِرٌ يَدَّعِي أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلدَّيْنِ دُونَ ذَلِكَ الْغَائِبِ، فَلَوْ عَلِمَ الْوَارِثُ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ ; لَكَانَ يُعْطِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِرْسَالِ بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْغَائِبِ. [كلام الرافضي على عدم خروج أبي بكر وعمر مع جيش أسامة والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬6) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬7) : " وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬2) ك: يَرْتَضِي نَفْسَهُ لِلْإِمَامَةِ. (¬3) ح: أَنَّهُ إِنْ كَانَ هَذَا قَالَهُ. (¬4) ح، ر، ي: فَهُوَ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ. (¬5) ح، ب: قَالَ لَيْتَنِي. (¬6) سَقَطَتْ كَلِمَةُ فَصْلٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ. (¬7) فِي (ك) ص 133 (م) .

مَرَضِ مَوْتِهِ، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، مُكَرِّرًا لِذَلِكَ: «أَنْفِذُوا (¬1) جَيْشَ أُسَامَةَ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَخَلِّفَ عَنْ جَيْشِ أُسَامَةَ، وَكَانَ الثَّلَاثَةُ مَعَهُ، وَمُنِعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْ ذَلِكَ» ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَعْرِفُ السِّيرَةَ (¬2) ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُثْمَانَ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ، وَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ فِي عُمَرَ، وَكَيْفَ يُرْسِلُ أَبَا بَكْرٍ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَهُ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ مُدَّةَ مَرَضِهِ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ مَرَضِهِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ إِلَى الْخَمِيسِ إِلَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ يُقَدِّمْ فِي الصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَلَمْ تَكُنِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً وَلَا صَلَاتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، حَتَّى يُظَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ التَّلْبِيسِ، وَأَنَّ عَائِشَةَ قَدَّمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، بَلْ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ مُدَّةَ مَرَضِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ مُتَّفِقُونَ (¬3) عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، وَعَلَى أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ عِدَّةَ (¬4) أَيَّامٍ. وَأَقَلُّ مَا قِيلَ: إِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ سَبْعَةَ عَشْرَةَ صَلَاةً، صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَخَطَبَ بِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. ¬

(¬1) انْفُذُوا: كَذَا فِي (ب) ، (ك) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: نَفِّذُوا. (¬2) ح، ب: السِّيَرَ. (¬3) فِي هَامِشِ (ر) ، (ي) كُتِبَ مَا يَلِي: " وُجِدَ فِي أَصْلِ الْأَصْلِ مَكْتُوبٌ بِخَطِّ مُصَنِّفِهِ مِنْ هُنَا إِلَى عِنْدِ قَوْلِهِ لَكِنْ خَرَجَ النَّبِيُّ ". (¬4) ح، ب: مُدَّةَ.

هَذَا مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي بِهِمْ إِلَى فَجْرِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ: صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَكَشَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّتَارَةَ، فَرَآهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ كَادُوا يُفَتَنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ، ثُمَّ أَرْخَى السِّتَارَةَ. وَكَانَ ذَلِكَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِهِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى قَرِيبًا مِنَ الزَّوَالِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ (¬1) الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَ (¬2) فَيَكُونُ قَدْ صَلَّى بِهِمْ مُدَّةَ مَرَضِهِ كُلَّهَا، لَكِنْ (¬3) «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَمَّا وَجَدَ خِفَّةً فِي نَفْسِهِ، فَتَقَدَّمَ وَجَعَلَ أَبَا بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) ، وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ» ، وَقَدْ كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَوَجْهُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، فُسِّرَ بِذَلِكَ لَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ يَرَوْهُ بَعْدَهَا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا كَانَتْ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. وَقِيلَ: صَلَّى خَلْفَهُ غَيْرَهَا. فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْخُرُوجِ فِي الْغَزَاةِ وَهُوَ يَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ؟ ! ¬

(¬1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬2) ح، ب: الَّتِي قِيلَ، وَبَعْدَ " قَبْلَ " يُوجَدُ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ فِي (ي) . (¬3) فِي هَامِشِ (ر) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ " كُتِبَ إِلَى هُنَا دُونَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ فِي أَصْلِ الْأَصْلِ ". (¬4) عِنْدَ عِبَارَةِ " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَنْتَهِي ص 241 وَكُتِبَ فِي أَسْفَلِ الصَّفْحَةِ مَا يَلِي: " اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَلِي رَبْطَ آخَرِ هَذِهِ الْوَرَقَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالنَّاسُ أَوَّلَ الْوَرَقَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَهُ فَتَنَبَّهْ "، وَوُجِدَتْ هَذِهِ الصَّفْحَةُ فِي غَيْرِ مَكَانِهَا فِي نُسْخَةِ (ي) إِذَا جَاءَتْ فِي ص 252

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَهَّزَ جَيْشَ أُسَامَةَ قَبْلَ أَنْ يَمْرَضَ، فَإِنَّهُ أَمَّرَهُ عَلَى جَيْشٍ عَامَّتُهُمُ الْمُهَاجِرُونَ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانُوا (¬1) ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أَهْلِ مُؤْتَةَ، وَعَلَى جَانِبِ فِلَسْطِينَ، حَيْثُ أُصِيبَ أَبُوهُ، وَجَعْفَرٌ، وَابْنُ رَوَاحَةَ، فَتَجَهَّزَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ لِلْغَزْوِ، وَخَرَجَ فِي ثِقَلِهِ إِلَى الْجَرْفِ، وَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا لِشَكْوَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَامَةَ فَقَالَ: " «اغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَالنَّصْرِ وَالْعَافِيَةِ. ثُمَّ أَغِرْ (¬2) حَيْثُ أَمَرْتُكَ أَنْ تُغِيرَ " قَالَ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَصْبَحْتَ ضَعِيفًا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ عَافَاكَ، فَأْذَنْ لِي فَأَمْكُثُ حَتَّى يَشْفِيَكَ اللَّهُ، فَإِنِّي إِنْ خَرَجْتُ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ خَرَجْتُ وَفِي نَفْسِي مِنْكَ قُرْحَةٌ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْكَ النَّاسَ " فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ، فَلَمَّا جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ لِلْخِلَافَةِ أَنْفَذَهُ مَعَ ذَلِكَ الْجَيْشِ، غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَهُ فِي (¬3) أَنْ يَأْذَنَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْإِقَامَةِ ; لِأَنَّهُ ذُو رَأْيٍ نَاصِحٍ لِلْإِسْلَامِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَسَارَ أُسَامَةُ لِوَجْهِهِ الَّذِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَصَابَ فِي ذَلِكَ (¬4) الْعَدُوِّ مُصِيبَةً عَظِيمَةً، وَغَنِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَتَلَ قَاتِلَ أَبِيهِ، وَرَدَّهُمُ اللَّهُ سَالِمِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ» . ¬

(¬1) ح، ب: وَكَانَ. (¬2) ن، م: ثُمَّ أَغِرْ. (¬3) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬4) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .

كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوله أبدا والرد عليه

وَإِنَّمَا أَنْفَذَ جَيْشَ أُسَامَةَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: لَا أَحُلُّ رَايَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَشَارَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنْ يَرُدَّ الْجَيْشَ خَوْفًا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يَطْمَعَ النَّاسُ فِي الْجَيْشِ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَامْتَنَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ رَدِّ الْجَيْشِ وَأَمَرَ بِإِنْفَاذِهِ، فَلَمَّا رَآهُمُ النَّاسُ يَغْزُونَ عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ ذَلِكَ مِمَّا أَيَّدَ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ، وَشَدَّ بِهِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَذَلَّ بِهِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ مَعْرِفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَإِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ وَتَدْبِيرِهِ [وَرَأْيِهِ] (¬1) . [كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يوله أبدا والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَأَيْضًا لَمْ يُوَلِّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَلْبَتَّةَ عَمَلًا فِي وَقْتِهِ، بَلْ وَلَّى عَلَيْهِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ تَارَةً وَأُسَامَةَ أُخْرَى، وَلَمَّا أَنْفَذَهُ (¬4) بِسُورَةِ " بَرَاءَةَ " رَدَّهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَرْتَضِي (¬5) الْعَاقِلُ إِمَامَةَ مَنْ لَا يَرْتَضِيهِ النَّبِيُّ (¬6) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ لِأَدَاءِ عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ " بَرَاءَةَ "؟ ! ". ¬

(¬1) وَرَأْيِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) سَقَطَتْ كَلِمَةُ فَصْلٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ. (¬3) فِي (ك) ص 134 (م) . (¬4) أَنْفَذَهُ كَذَا فِي (ب) ، (ك) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ نَفَّذَهُ. (¬5) ح، م، ر، ي، ب: يَرْضَى. (¬6) ح، ب، ي، ر: رَسُولُ اللَّهِ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبِ ; فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ عَامَ تِسْعٍ، وَهُوَ أَوَّلُ حَجٍّ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ حَجٌّ فِي الْإِسْلَامِ، إِلَّا الْحَجَّةَ الَّتِي أَقَامَهَا عَتَّابُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ مَكَّةَ، فَإِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتَ سَنَةَ ثَمَانِ، أَقَامَ الْحَجَّ ذَلِكَ الْعَامَ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدٍ، الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ لِلْحَجِّ، بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفِيهَا أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ بِالْمُنَادَاةِ فِي الْمَوْسِمِ: «أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ» ، وَلَمْ يُؤَمِّرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ، فَوَلَايَةُ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ مِنْ خَصَائِصِهِ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَمِّرْ عَلَى الْحَجِّ أَحَدًا كَتَأْمِيرِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلَى الصَّلَاةِ أَحَدًا كَاسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ عَلِيٌّ مِنْ رَعِيَّتِهِ فِي هَذِهِ الْحِجَّةِ، فَإِنَّهُ لَحِقَهُ فَقَالَ: أَمِيرٌ أَوْ (¬1) مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ مَأْمُورٌ، وَكَانَ عَلِيٌّ يُصَلِّي خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ، وَيَأْتَمِرُ لِأَمْرِهِ كَمَا يَأْتَمِرُ لَهُ سَائِرُ مَنْ مَعَهُ، وَنَادَى عَلِيٌّ مَعَ النَّاسِ (¬2) فِي هَذِهِ الْحِجَّةِ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَمَّا وَلَايَةُ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَتْ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ، كَوَلَايَةِ عَلِيٍّ ¬

(¬1) ب فَقَطْ: أَمْ. (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ النَّاسِ فِي أَسْفَلِ نُسْخَةِ (ي) كُتِبَ مَا يَلِي: " اعْلَمْ أَنَّ رَبْطَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحِجَّةِ، فِي الْوَرَقَةِ الْخَامِسَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْوَرَقَةِ " وَوَجَدْتُ الْكَلَامَ التَّالِيَ فِي ص 244

وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ وَلَايَةٌ إِلَّا وَلِغَيْرِهِ مِثْلُهَا، بِخِلَافِ وَلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلَمْ يُوَلِّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَلَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. فَأَمَّا تَأْمِيرُ أُسَامَةَ عَلَيْهِ فَمِنَ (¬1) الْكَذِبِ الْمُتَّفَقِ عَلَى كَذِبِهِ. وَأَمَّا قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَرْسَلَ عَمْرًا فِي سَرِيَّةٍ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ (¬2) ، وَكَانَتْ إِلَى بَنِي عُذْرَةَ، وَهُمْ أَخْوَالُ عَمْرٍو، فَأَمَّرَ عَمْرًا لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ، لِلْقَرَابَةِ الَّتِي لَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. وَقَالَ: " «تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا» " فَلَمَّا لَحِقَ عَمْرًا قَالَ: أُصَلِّي بِأَصْحَابِي وَتُصِلِّي بِأَصْحَابِكَ، قَالَ: بَلْ أَنَا أُصَلِّي بِكُمْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مَدَدٌ لِي. فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أُطَاوِعَكَ، فَإِنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ. قَالَ: فَإِنَّى أَعْصِيكَ، فَأَرَادَ عَمْرُو أَنْ يُنَازِعَهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَ (¬3) ، وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ أَنَّ ذَلِكَ أَصْلَحُ لِلْأَمْرِ، فَكَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ عَمْرٍو، مَعَ عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ (¬4) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو (¬5) . ¬

(¬1) ح، ب: فَهُوَ مِنَ. (¬2) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي (زَادِ الْمَعَادِ) 3/386 " وَهِيَ وَرَاءَ وَادِي الْقُرَى بِضَمِّ السِّينِ الْأُولَى وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ ثُمَّ قَالَ 3/387 وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ نُزُولَهُمْ عَلَى مَاءٍ لِجُذَامٍ يُقَالُ لَهُ: السَّلْسَلُ. وَقَالَ: وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتُ السَّلَاسِلِ. (¬3) ح، ب: أَبُو بَكْرٍ لَا تَفْعَلْ، ر، ي: أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا تَفْعَلَ. (¬4) ح، ب: كُلِّ وَاحِدٍ. (¬5) عِبَارَةُ " تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا " مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَرِدْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إِلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُمَا: " يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا ". وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَالْجِهَادِ وَالْأَدَبِ وَالْمَغَازِي (فِي طَبْعَةِ د. الْبُغَا فِي الْأَرْقَامِ: 2873، 4086 - 4088، 5773، 6751) وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 3/1358، 1359 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَابٌ فِي الْأَمْرِ بِالتَّيْسِيرِ وَتَرْكِ التَّنْفِيرِ) وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/412، 417 وَأَمَّا حَدِيثُ غَزْوَةِ السَّلَاسِلِ فَهُوَعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/151 وَنَصُّهُ: قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَاسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، وَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى الْأَعْرَابِ، فَقَالَ لَهُمَا: تَطَاوَعَا. قَالَ: وَكَانُوا يُؤْمَرُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى بَكْرٍ، فَانْطَلَقَ عَمْرٌو فَأَغَارَ عَلَى قُضَاعَةَ، لِأَنَّ بَكْرًا أَخْوَالُهُ، فَانْطَلَقَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَكَ عَلَيْنَا، وَإِنَّ ابْنَ فُلَانٍ قَدِ ارْتَبَعَ أَمْرَ الْقَوْمِ، وَلَيْسَ لَكَ مَعَهُ أَمْرٌ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ نَتَطَاوَعَ، فَأَنَا أُطِيعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ عَصَاهُ عَمْرٌو ". قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شاكر رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِإِرْسَالِهِ، عَامِرٌ هُوَ ابْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ، وَهُوَ إِمَامٌ كَبِيرٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ حُجَّةٌ: وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عَمْرًا فَأَوْلَى أَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا عُبَيْدَةَ. . . ارْتَبَعَ أَمْرَ الْقَوْمِ: أَيِ: انْتَظَرَ أَنْ يُؤَمَّرَ عَلَيْهِمْ "، وَانْظُرْ خَبَرَ الْغَزْوَةِ فِي (زَادِ الْمَعَادِ) 3/386 - 387، سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/272 - 274، إِمْتَاعَ الْأَسْمَاعِ ص 352 - 354.

وَكَانَ ذَلِكَ لِفَضْلِهِمْ (¬1) وَصَلَاحِهِمْ ; لِأَنَّ عَمْرًا كَانَتْ إِمَارَتُهُ قَدْ تَقَدَّمَتْ لِأَجْلِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَأَلُّفِ (¬2) قَوْمِهِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَقَارِبَهُ، وَيَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْمَفْضُولِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، كَمَا أُمِّرَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ لِيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، لَمَّا قُتِلَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، فَكَيْفَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَمِّرْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحَدًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ؟ ! بَلْ قَدْ عُلِمَ بِالنَّقْلِ الْعَامِّ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عِنْدَهُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ (¬3) وَلَا أَخَصَّ بِهِ، وَلَا أَكْثَرَ اجْتِمَاعًا بِهِ لَيْلًا ونَهَارًا، سِرًّا وَعَلَانِيَةً، مِنْ أَبِي بَكْرٍ، ¬

(¬1) ح، ب، ي: مِنْ فَضْلِهِمْ. (¬2) ح، ب: مِنْ تَأْلِيفِ. (¬3) إِلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .

وَلَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَتَكَلَّمُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَهُ، فَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَيَخْطُبُ وَيُفْتِي، يُوَقِّرُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ رَاضِيًا بِمَا يَفْعَلُ. وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَقَدُّمًا بَيْنَ يَدَيْهِ، بَلْ بِإِذْنٍ مِنْهُ قَدْ عَلِمَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعُونَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَبْلِيغًا عَنْهُ، وَتَنْفِيذًا لِأَمْرِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَهُمْ بِالرَّسُولِ وَأَحَبَّهُمْ (¬1) إِلَى الرَّسُولِ وَأَتْبَعَهُمْ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: إِنَّهُ لَمَّا أَنْفَذَهُ بِبَرَاءَةَ رَدَّهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَذِبٌ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ، ذَهَبَ كَمَا أَمَرَهُ، وَأَقَامَ الْحَجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، عَامَ تِسْعٍ، لِلنَّاسِ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى قَضَى الْحَجَّ، وَأَنْفَذَ فِيهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ، وَكَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَكَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ عُهُودٌ مُطْلَقَةٌ، فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: «أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ، فَنَادَى بِذَلِكَ مَنْ أَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِالنِّدَاءِ ذَلِكَ الْعَامَ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ نَادَى بِذَلِكَ فِي الْمَوْسِمِ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَكِنْ لَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ أَرْدَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَنْبِذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الْعُهُودَ. قَالُوا: وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ لَا يَعْقِدَ الْعُهُودَ وَلَا يَفْسَخُهَا إِلَّا الْمُطَاعُ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. فَبَعَثَ عَلِيًّا لِأَجْلِ فَسْخِ الْعُهُودِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، لَمْ يَبْعَثْهُ لِشَيْءٍ آخَرَ، وَلِهَذَا كَانَ عَلِيٌّ يُصَلِّي خَلْفَ ¬

(¬1) ح، ر، ي: وَأَخَصَّهُمْ.

كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه أنه قطع يسار سارق والرد عليه

أَبِي بَكْرٍ، وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ فِي الْحَجِّ، كَسَائِرِ رَعِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْمَوْسِمِ. وَكَانَ هَذَا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَاسْتِخْلَافِهِ لَهُ فِيهَا عَلَى مَنْ تَرَكَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ لَهُ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ؟ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْمَوْسِمِ، وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ مَأْمُورًا عَلَيْهِ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ هَذَا مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً لَهُ، إِلَّا مُدَّةَ مَغِيبِهِ عَنِ الْمَدِينَةِ فَقَطْ. ثُمَّ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَامَ تِسْعٍ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ هَذَا بَعَثَ عَلِيًّا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَرَجَعَ عَلِيٌّ وَأَبُو مُوسَى إِلَيْهِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ أَهَلَّ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَّا مُعَاذٌ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَّا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه أنه قطع يسار سارق والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَقَطَعَ يَسَارَ سَارِقٍ (¬3) ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْقَطْعَ لِلْيَدِ الْيُمْنَى " (¬4) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَجْهَلُ هَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُجِيزُ ذَلِكَ (¬5) ، لَكَانَ ذَلِكَ قَوْلًا سَائِغًا ; ¬

(¬1) سَقَطَتْ كَلِمَةُ " فَصْلٌ " مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 134 (م) . (¬3) ح، ر، ن، م، ي: يَدَ سَارِقٍ ب: يَدَ السَّارِقِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬4) ر، م: الْيَمِينِ. (¬5) ذَلِكَ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) .

كلام الرافضي على أبي بكر أنه أحرق الفجاءة السلمي بالنار والرد عليه

لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ مَا يُعَيِّنُ الْيَمِينَ، لَكِنَّ تَعْيِينَ (¬1) الْيَمِينِ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا " وَبِذَلِكَ مَضَتِ السُّنَّةُ. وَلَكِنْ أَيْنَ النَّقْلُ بِذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَطَعَ الْيُسْرَى؟ وَأَيْنَ الْإِسْنَادُ الثَّابِتُ؟ بِذَلِكَ وَهَذِهِ كُتُبُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ مَوْجُودَةً لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ، وَلَا نَقَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالِاخْتِلَافِ ذَلِكَ (¬2) قَوْلًا، مَعَ تَعْظِيمِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [كلام الرافضي على أبي بكر أنه أحرق الفجاءة السلمي بالنار والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬3) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَأَحْرَقَ الْفُجَاءَةَ السُّلَمِيَّ بِالنَّارِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ (¬5) الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ ". الْجَوَابُ: أَنَّ الْإِحْرَاقَ بِالنَّارِ عَنْ عَلِيٍّ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ مِنْهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، [وَأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬6) . أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِقَوْمٍ زَنَادِقَةٍ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ، فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ بِالنَّارِ ; لَنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَضَرَبْتُ أَعْنَاقَهُمْ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» " (¬7) . ¬

(¬1) ر: تَعُيُّنَ. (¬2) ن، م: بِالِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ. (¬3) سَقَطَتْ كَلِمَةُ " فَصْلٌ " مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ. (¬4) فِي (ك) ص 134 (م) . (¬5) ك: مِنَ. (¬6) ي: فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، ن، م: فَفِي الصَّحِيحِ (¬7) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/307 وَفِي هَامِشِ (ر) ، (ي) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ: " وَمِمَّا قَالَ فِي ذَلِكَ عَلِيٌّ: لَمَّا رَأَيْتُ الْأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرَا أَجَّجْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قُنْبُرَا

كلام الرافضي أن أبا بكر خفي ليه أكثر أحكام الشريعة والرد عليه

فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الْفَضْلِ مَا أَسْقَطَهُ عَلَى الْهَنَاتِ. فَعَلِيٌّ حَرَّقَ جَمَاعَةً بِالنَّارِ، فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ مُنْكَرًا، فَفِعْلُ عَلِيٍّ أَنْكَرُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُ عَلِيٍّ مِمَّا لَا يُنْكَرُ مِثْلُهُ عَلَى الْأَئِمَّةِ، فَأَبُو بَكْرٍ أَوْلَى أَنْ لَا يُنْكَرَ عَلَيْهِ. [كلام الرافضي أن أبا بكر خفي َلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، فَلَمْ (¬3) يَعْرِفْ حُكْمَ الْكَلَالَةِ، وَقَالَ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُ (¬4) صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُ (¬5) خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَقَضَى فِي الْجَدِّ بِسَبْعِينَ قَضِيَّةً، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى قُصُورِهِ فِي الْعِلْمِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ. كَيْفَ (¬6) يَخْفَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَقْضِي وَيُفْتِي إِلَّا هُوَ؟ ! وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (¬7) مِنْهُ لَهُ وَلِعُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَعْظَمَ اخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ ثُمَّ عُمَرُ. ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 134 (م) . (¬3) ح، ب، ن، م: وَلَمْ. (¬4) ح، ب: يَكُنْ، ك: كَانَ. (¬5) ك: كَانَ. (¬6) ب: وَكَيْفَ. (¬7) ن، م: مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِثْلُ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرِهِ، إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ. وَهَذَا بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي وَلَايَتِهِ فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَصَّلَهَا هُوَ بِعِلْمٍ يُبَيِّنُهُ لَهُمْ، وَحُجَّةٍ يَذْكُرُهَا لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ مَوْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَثْبِيتَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَقِرَاءَتَهُ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ (¬1) ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ مَوْضِعَ دَفْنِهِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةَ [لَمَّا اسْتَرَابَ فِيهِ عُمَرُ] (¬2) ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، لَمَّا ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَكُونُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ. وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَوَّلِ حَجَّةٍ حُجَّتْ مِنْ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعِلْمُ الْمَنَاسِكِ أَدَقُّ مَا (¬3) فِي الْعِبَادَاتِ، وَلَوْلَا سَعَةُ عِلْمِهِ بِهَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ اسْتَخْلَفَهُ فِيهَا، وَلَوْلَا عِلْمُهُ بِهَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ غَيْرَهُ لَا فِي حَجٍّ وَلَا فِي صَلَاةٍ. وَكِتَابُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهُ أَنَسٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَهُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِيهَا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ. وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي بَكْرٍ مَسْأَلَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ غَلِطَ فِيهَا، وَقَدْ عُرِفَ لِغَيْرِهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَدْ تَنَازَعَتِ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ فِي مَسَائِلَ: مِثْلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، وَمِثْلِ ¬

(¬1) فِي هَامِشِ (ر) ، (ي) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ، " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ. .) الْآيَةَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .

الْعُمْرَتَيْنِ، وَمِثْلِ الْعَوْلِ (¬1) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ (* الْفَرَائِضِ وَتَنَازَعُوا فِي مَسْأَلَةِ (¬2) . الْحَرَامِ، وَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ، وَالْخَلِيَّةِ (¬3) .، وَالْبَرِيَّةُ (¬4) ، وَالْبَتَّةُ (¬5) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي مَسَائِلَ *) (¬6) . صَارَتْ مَسَائِلَ نِزَاعٍ بَيْنَ الْأُمَّةِ إِلَى الْيَوْمِ. وَكَانَ تَنَازُعُهُمْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ نِزَاعَ اجْتِهَادٍ مَحْضٍ: كُلٌّ مِنْهُمْ يُقِرُّ صَاحِبَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ، كَتَنَازُعِ (¬7) . الْفُقَهَاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ. وَأَمَّا فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَقَوِيَ النِّزَاعُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، حَتَّى صَارَ يَحْصُلُ كَلَامٌ غَلِيظٌ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَلَكِنْ لَمْ يُقَاتِلْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْيَدِ (¬8) . وَلَا بِسَيْفٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَأَمَّا فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ فَتَغَلَّظَ النِّزَاعُ، حَتَّى تَقَاتَلُوا بِالسُّيُوفِ. ¬

(¬1) ن: الْعَزْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَفِي " التَّعْرِيفَاتِ " لِلْجُرْجَانِيِّ: " الْمَيْلُ إِلَى الْجَوْرِ وَالرَّفْعِ، وَفِي الشَّرْعِ: زِيَادَةُ السِّهَامِ عَلَى الْفَرِيضَةِ، فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ إِلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ، فَيَدْخُلُ النُّقْصَانُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ ". وَفِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ "، وَالْعَوْلُ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ: " زِيَادَةُ الْأَنْصِبَاءِ عَلَى الْفَرِيضَةِ فَتَنْقُصُ قِيمَتُهَا بِقَدْرِ الْحِصَصِ ". (¬2) ن: مَسَائِلِ (¬3) فِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ ": " وَالْخَلِيَّةُ كَلِمَةٌ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ: إِذَا نَوَى الْقَائِلُ بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ " (¬4) فِي " الْمُحَلَّى " لِابْنِ حَزْمٍ 10/186 " ط. الْمُنِيرِيَّةِ 1352 ": " وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ أَلْبَتَّةَ، نَوَى بِهَا طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ، لَا فِي فُتْيَا وَلَا فِي قَضَاءٍ، مِثْلَ الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ، وَأَنْتِ مُبْرَأَةٌ، وَقَدْ بَارَأْتُكِ، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، وَالْحَرَجُ، وَقَدْ وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ، أَوْ لِمَنْ يَذْكُرُ غَيْرَ الْأَهْلِ. .) (¬5) فِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ ": " بَتَّ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ جَعَلَهُ بَاتًّا لَا رَجْعَةَ فِيهِ ". وَانْظُرِ الْمُحَلَّى 10/187 - 194 (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬7) ن، م: كَسَائِرِ (¬8) ب (فَقَطْ) : بِيَدٍ

وَأَمَّا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ اسْتَقَرَّ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ ; وَذَلِكَ لِكَمَالِ عِلْمِ الصِّدِّيقِ، وَعَدْلِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي تُزِيلُ النِّزَاعَ، فَلَمْ يَكُنْ يَقَعُ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ إِلَّا أَظْهَرَ الصِّدِّيقُ مِنَ الْحُجَّةِ الَّتِي تَفْصِلُ النِّزَاعَ مَا يَزُولُ مَعَهَا (¬1) . النِّزَاعُ، وَكَانَ عَامَّةُ الْحُجَجِ الْفَاصِلَةِ لِلنِّزَاعِ يَأْتِي بِهَا الصِّدِّيقُ ابْتِدَاءً، وَقَلِيلٌ مِنْ ذَلِكَ يَقُولُهُ عُمَرُ أَوْ غَيْرُهُ، فَيُقِرُّهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ وَرَعِيَّتَهُ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ وَرَعِيَّتِهِ، وَعُثْمَانَ وَرَعِيَّتِهِ، وَعَلِيٍّ وَرَعِيَّتِهِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَرَعِيَّتَهْ أَفْضَلُ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ الْأَقْوَالُ الَّتِي خُولِفَ فِيهَا الصِّدِّيقُ بَعْدَ مَوْتِهِ، قَوْلُهُ فِيهَا أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَطَرْدُ ذَلِكَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، فَإِنَّ قَوْلَ الصِّدِّيقِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرِهِمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْإِخْوَةُ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ (¬2) . مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، كَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَيُذْكَرُ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَالَّذِينَ قَالُوا: بِتَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ، كَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، اخْتَلَفُوا (¬3) . اخْتِلَافًا مَعْرُوفًا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ قَالَ قَوْلًا خَالَفَهُ فِيهِ الْآخَرُ، وَانْفَرَدَ بِقَوْلِهِ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ¬

(¬1) ب: مَا يَزُولُ بِهِ، ح: مَا يُزِيلُ مَعَهُ (¬2) ن، ر: طَائِفَةٍ (¬3) ح، ر، ي: وَاخْتَلَفُوا

فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَبَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَ الصِّدِّيقِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، [لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهَا] (¬1) . . وَكَذَلِكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي زَمَنِ صِدِّيقِ الْأُمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ جَوَازِ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ بِالتَّمَتُّعِ، وَأَنَّ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ هُوَ الرَّاجِحُ، دُونَ مَنْ يُحَرِّمُ الْفَسْخَ وَيُلْزِمُ بِالثَّلَاثِ ; فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، دُونَ الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حَالِ الصِّدِّيقِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ وَلِيَ الْأُمَّةَ، بَلْ وَمِمَّنْ وَلِيَ غَيْرَهَا مِنَ الْأُمَمِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: " «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ وَيَكْثُرُونَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: " فُوا (¬2) بَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ» " (¬3) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ (¬4) . مَنْ تَوَلَّى بَعْدَ الْفَاضِلِ إِذَا كَانَ فِيهِ نَقْصٌ كَثِيٌر عَنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص 59 مِنْ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: " وَلَهُ مَسْأَلَةٌ فِي أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ " وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُفْرَدَةٌ لَمْ تُنْشَرْ فِيمَا أَعْلَمُ. وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضِمْنَ إِجَابَتِهِ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ فِي ص 342 - 343 مِنْ مُجَلَّدِ 31 مِنْ فَتَاوَى الرِّيَاضِ (¬2) ح، ب: أَوْفُوا. (¬3) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 1/117 (¬4) ب فَقَطْ: أَنْ

سِيَاسَةِ الْأَوَّلِ، ظَهَرَ ذَلِكَ (¬1) . النَّقْصُ ظُهُورًا بَيِّنًا، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ حَالِ الْوُلَاةِ إِذَا تَوَلَّى مَلِكٌ بَعْدَ مَلِكٍ، أَوْ قَاضٍ بَعْدَ قَاضٍ، أَوْ شَيْخٌ بَعْدَ شَيْخٍ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ; فَإِنَّ الثَّانِي إِذَا كَانَ نَاقِصَ الْوَلَايَةِ نَقْصًا بَيِّنًا ظَهَرَ ذَلِكَ فِيهِ، وَتَغَيَّرَتِ الْأُمُورُ الَّتِي كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ نَظَّمَهَا وَأَلَّفَهَا، ثُمَّ الصِّدِّيقُ تَوَلَّى بَعْدَ أَكْمَلِ الْخَلْقِ سِيَاسَةً، فَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْإِسْلَامِ نَقْصٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، بَلْ قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ حَتَّى عَادَ الْأَمْرُ إِلَى مَا كَانَ [عَلَيْهِ] (¬2) ، وَأَدْخَلَ النَّاسَ فِي الْبَابِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَلَّمَ الْأُمَّةَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ، وَقَوَّاهُمْ لَمَّا ضَعُفُوا، وَشَجَّعَهُمْ لَمَّا جَبُنُوا، وَسَارَ فِيهِمْ سِيرَةً تُوجِبُ صَلَاحَ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَأَصْلَحَ اللَّهُ بِسَبَبِهِ الْأُمَّةَ فِي عِلْمِهِمْ، وَقُدْرَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا حَفِظَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْأُمَّةِ دِينَهَا، وَهَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ أَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِخِلَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " لَمْ يَعْرِفْ حُكْمَ الْكَلَالَةِ حَتَّى قَالَ فِيهَا بِرَأْيهِ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ عِلْمِهِ ; فَإِنَّ هَذَا الرَّأْيَ الَّذِي رَآهُ فِي الْكَلَالَةِ قَدِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا فِي الْكَلَالَةِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَالْقَوْلُ بِالرَّأْيِ هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، كَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، لَكِنَّ الرَّأْيَ الْمُوَافِقَ لِلْحَقِّ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِصَاحِبِهِ ¬

(¬1) ح، ب: ظَهَرَ لَكَ (¬2) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ح) ، (ر) ، (ي) .

أَجْرَانِ، كَرَأْيِ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي غَايَةُ صَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ. وَقَدْ قَالَ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ لِعَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ مَسِيرَكَ هَذَا: أَلِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ؟ فَقَالَ: بَلْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (¬1) . . فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الرَّأْيِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ مَا حَصَلَ، لَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا، فَكَيْفَ بِذَلِكَ الرَّأْيِ الَّذِي اتَّفَقَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى حُسْنِهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَضَائِهِ فِي الْجَدِّ (¬2) . بِسَبْعِينَ قَضِيَّةً، فَهَذَا كَذِبٌ. وَلَيْسَ هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا نُقِلَ هَذَا عَنْ [أَبِي بَكْرٍ] (¬3) ، بَلْ نَقْلُ هَذَا عَنْ أَبِي ¬

(¬1) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ مَرَّتَيْنِ فِي: مُسْلِمٍ 4/2143 - 2144 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ، أَوَّلَ الْكِتَابِ الْحَدِيثَانِ رَقْمُ 9، 10) ، وَنَصُّ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: قُلْتُ لِعَمَّارٍ أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ فِي أَمْرِ عَلِيٍّ، أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ أَوْ شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَكِنَّ حُذَيْفَةَ أَخْبَرَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ وَأَرْبَعَةٌ " لَمْ أَحْفَظْ مَا قَالَ شُعْبَةُ فِيهِمْ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 17/125: أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي أَصْحَابِي " فَمَعْنَاهُ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَى صُحْبَتِي، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: " فِي أُمَّتِي " وَسَمُّ الْخَيَّاطِ بِفْتَحِ السِّينَ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا، الْفَتْحُ أَشْهَرُ، وَبِهِ قَرَأَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ، وَهُوَ ثُقْبُ الْإِبْرَةِ، وَأَمَّا الدُّبَيْلَةُ فَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِسِرَاجٍ مِنْ نَارٍ. . " وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/300 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ) (¬2) ن: الْحَدِيثَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) ن، م: عَنْهُ.

بَكْرٍ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ جَهْلِ هَؤُلَاءِ الرَّوَافِضِ وَكَذِبِهِمْ، وَلَكِنْ نَقَلَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِسَبْعِينَ قَضِيَّةً، وَمَعَ هَذَا هُوَ بَاطِلٌ (¬1) ، عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِي خِلَافَتِهِ سَبْعُونَ جَدًّا كُلٌّ مِنْهُمْ كَانَ لِابْنِ ابْنِهِ إِخْوَةٌ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْوَقَائِعُ تَحْتَمِلُ سَبْعِينَ قَوْلًا مُخْتَلِفَةً، بَلْ هَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يَحْتَمِلُهُ كُلُّ جَدٍّ فِي الْعَالَمِ (¬2) .، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ. وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ فِي الْجَدِّ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ أَبًا، وَهُوَ قَوْلُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ [كَأَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، كَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ، وَيُذْكَرُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ] (¬3) . كَمَا تَقَدَّمَ (¬4) .، وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي الدَّلِيلِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: لَا يُعْرَفُ لِأَبِي بَكْرٍ خَطَأٌ فِي الْفُتْيَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ; فَإِنَّ قَوْلَهُ (¬5) فِي الْجَدِّ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ، وَالَّذِينَ وَرَّثُوا الْإِخْوَةَ مَعَ الْجَدِّ، وَهُمْ عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعُمَرُ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، تَفَرَّقُوا فِي ذَلِكَ. وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَالْفُقَهَاءُ فِي الْجَدِّ: إِمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِمَّا عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ الَّذِي أَمْضَاهُ عُمَرُ. وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُتْيَا إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْجَدِّ، وَذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ; فَإِنَّ زَيْدًا قَاضِي عُمَرَ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِ زِيدٍ. ¬

(¬1) ن، م، ي: مَعَ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ، ر: مَعَ هَذَا بَاطِلٌ. (¬2) ن، م: فِي الْعِلْمِ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب) (¬4) عِبَارَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي (ن) ، (م) ، (ب) فَقَطْ (¬5) ح: قَوْلَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وَعُمَرُ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي الْجَدِّ، وَقَالَ: " ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَهُنَّ لَنَا: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا " (¬1) . . وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْجَدَّ أَبًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 27] ، وَقَوْلُهُ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 78] ، وَقَدْ قَالَ: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} ، {يَا بَنِي آدَمَ} ، فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَإِذَا كَانَ ابْنُ الِابْنِ ابْنًا، كَانَ أَبُو الْأَبِ أَبًا، وَلِأَنَّ الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ النِّزَاعِ ; فَإِنَّهُ يُسْقِطُ وَلَدَ الْأُمِّ كَالْأَبِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ، سِوَى الْبَنِينَ كَالْأَبِ، وَيَأْخُذُ مَعَ الْوَلَدِ السُّدُسَ كَالْأَبِ، وَيُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ مَعَ الْبَنَاتِ كَالْأَبِ. وَأَمَّا فِي الْعُمَرِيَّتَيْنِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، وَزَوْجَةٍ (¬2) وَأَبَوَيْنِ ; فَإِنَّ الْأُمَّ تَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ (¬3) .، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا (¬4) . جَدٌّ لَأَخَذَتِ الثُّلُثَ كُلَّهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ إِلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّ الْأُمَّ أَقْرَبُ مِنَ الْجَدِّ، ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 7/106 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ مِنَ الشَّرَابِ) ، وَنَصُّهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: " وَثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ وَأَبْوَابٌ مِنَ الرِّبَا. . الْحَدِيثَ، وَهُوَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي مُسْلِمٍ 4/2322 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ بَابٌ فِي نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/444 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ بَابٌ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ) (¬2) ب فَقَطْ: أَوْ زَوْجَةٍ (¬3) ن، م: لِلْجَدِّ (¬4) ح، ر، ي: مَعَهُمَا

وَإِنَّمَا الْجَدَّةُ نَظِيرُ الْجَدِّ، وَالْأُمُّ تَأْخُذُ مَعَ الْأَبِ الثُّلُثَ، وَالْجَدَّةُ لَا تَأْخُذُ مَعَ الْجَدِّ إِلَّا السُّدُسَ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوَّى بِهِ الْجَدُّ ; وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ مَعَ الْجَدِّ الْأَدْنَى كَالْأَعْمَامِ مَعَ الْجَدِّ الْأَعْلَى. وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ الْأَعْلَى يُقَدَّمُ عَلَى الْأَعْمَامِ، فَكَذَلِكَ الْجَدُّ الْأَدْنَى يُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ ; لِأَنَّ نِسْبَةَ الْإِخْوَةِ إِلَى الْجَدِّ الْأَدْنَى كَنِسْبَةِ الْأَعْمَامِ إِلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى ; وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ لَوْ كَانُوا لِكَوْنِهِمْ بَنِي الْأَبِ (¬1) . يُشَارِكُونَ الْجَدَّ، لَكَانَ بَنُو الْإِخْوَةِ كَذَلِكَ، كَمَا يَقُومُ بَنُو الْبَنِينَ مَقَامَ آبَائِهِمْ، وَلَمَّا كَانَ بَنُو الْإِخْوَةِ لَا يُشَارِكُونَ الْجَدَّ، كَانَ آبَاؤُهُمُ الْإِخْوَةُ كَذَلِكَ، وَعَكْسُهُ الْبَنُونَ: لَمَّا كَانَ الْجَدُّ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْبَنِينَ، فُرِضَ لَهُ مَعَ بَنِي الْبَنِينَ (¬2) . . وَأَمَّا الْحُجَّةُ الَّتِي تُورَى عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ فِي أَنَّ الْإِخْوَةَ يُشَارِكُونَ الْجَدَّ، حَيْثُ شَبَّهُوا ذَلِكَ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ خَرَجَ مِنْهَا فَرْعٌ، خَرَجَ مِنْهُ غُصْنَانِ، فَأَحَدُ الْغُصْنَيْنِ أَقْرَبُ إِلَى الْآخَرِ مِنْهُ إِلَى الْأَصْلِ، وَبِنَهْرٍ خَرَجَ مِنْهُ نَهْرٌ آخَرُ، وَمِنْهُ جَدْوَلَانِ، فَأَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ (¬3) . مِنَ الْجَدْوَلِ إِلَى النَّهْرِ الْأَوَّلِ. فَمَضْمُونُ هَذِهِ الْحُجَّةِ: أَنَّ الْإِخْوَةَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَيِّتِ مِنَ الْجَدِّ. وَمَنْ تَدَبَّرَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ عَلِمَ أَنَّ حُجَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ لَا تُعَارِضُهَا هَذِهِ الْحُجَّةُ ; فَإِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَ بَنُو الْأَخِ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ، وَلَكَانَ الْعَمُّ أَوْلَى مِنْ جَدِّ الْأَبِ، فَإِنَّ نِسْبَةَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ إِلَى ¬

(¬1) ن، م: لِكَوْنِهِمْ مِنَ الْأَبِ (¬2) ح: مَعَ ابْنِ الْبَنِينَ (¬3) ر: فَأَحَدُهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْآخَرِ

كلام الرافضي على علم علي رضي الله عنه والرد عليه

الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ، كَنِسْبَةِ الْأَعْمَامِ بَنِي الْجَدِّ الْأَعْلَى إِلَى الْجَدِّ الْأَعْلَى جَدِّ الْأَبِ، فَلَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنَ الْأَعْمَامِ، كَانَ الْجَدُّ الْأَدْنَى أَوْلَى مِنَ الْإِخْوَةِ. وَهَذِهِ حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ تَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْجَدِّ عَلَى الْإِخْوَةِ. وَأَيْضًا فَالْقَائِلُونَ بِمُشَارَكَةِ الْإِخْوَةِ لِلْجَدِّ لَهُمْ أَقْوَالٌ مُتَعَارِضَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ الْفَرَائِضَ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْجَدِّ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ دَائِمًا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ. [كلام الرافضي على علم علي رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " فَأَيُّ نِسْبَةٍ لَهُ بِمَنْ قَالَ (¬3) : سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، سَلُونِي عَنْ طُرُقِ السَّمَاءِ فَإِنِّي أَعْرَفُ بِهَا مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ (¬4) .، قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: رَأَيْتُ عَلِيًّا صَعِدَ الْمِنْبَرَ بِالْكُوفَةِ وَعَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مُتَقَلِّدًا بِسَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (* مُتَعَمِّمًا (¬5) بِعِمَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي إِصْبَعِهِ (¬6) خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى ¬

(¬1) فَصْلٌ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 134 (م) 135 (م) . (¬3) ك: إِلَى مَنْ قَالَ. (¬4) ك: الْأَرْضِ، سَلُونِي عَمَّا دُونَ الْعَرْشِ (¬5) ن، م، ب: مُعْتَمًّا. (¬6) ن، م، ب: وَفِي يَدِهِ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - *) (¬1) فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَشَفَ (¬2) . عَنْ بَطْنِهِ، فَقَالَ: سَلُونِي [مِنْ] (¬3) . قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَإِنَّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ مِنِّي عِلْمٌ جَمٌّ، هَذَا سَفَطُ (¬4) . الْعِلْمِ، هَذَا لُعَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَذَا مَا زَقَّنِي (¬5) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِقًّا (¬6) مِنْ غَيْرِ وَحْيٍ إِلَيَّ (¬7) ، فَوَاللَّهِ، لَوْ ثُنِيَتْ (¬8) . لِي وِسَادَةٌ فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا لَأَفْتَيْتُ أَهْلَ (¬9) . التَّوْرَاةِ بِتَوْرَاتِهِمْ، وَأَهْلَ (¬10) . الْإِنْجِيلِ بِإِنْجِيلِهِمْ، حَتَّى يُنْطِقَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فَتَقُولُ (¬11) : صَدَقَ عَلِيٌّ، قَدْ أَفْتَاكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيَّ، {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ". وَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ " سَلُونِي " فَإِنَّمَا كَانَ يُخَاطِبُ بِهَذَا (¬12) . أَهْلَ الْكُوفَةِ لِيُعَلِّمَهُمُ الْعِلْمَ وَالدِّينَ ; فَإِنَّ غَالِبَهُمْ كَانُوا جُهَّالًا لَمْ يُدْرِكُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ الَّذِينَ (¬13) حَوْلَ مِنْبَرِهِ هُمْ أَكَابِرُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬2) ح، ر، ب: فَكَشَفَ (¬3) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) ن، م: ضَغَطُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) ح، ب، م: رَزَقَنِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَفِي (ك) : زَفَّنِي بِهِ. (¬6) ح، ب، م: رِزْقًا. (¬7) ح، ب، ن، م، ي: مِنْ غَيْرِ وَحْيٍ أُوحِيَ إِلَيَّ. (¬8) لَوْ ثُنِيَتْ كَذَا فِي (م) ، (ك) ، وَفِي (ح) ، (ر) (ن) ، (ي) بُنِيَتْ وَفِي (ب) بُيِّتَتْ (¬9) ك: لِأَهْلِ (¬10) ك: وَلِأَهْلِ (¬11) ك: فَيَقُولُ، وَكُتِبَ بَيْنَ السُّطُورِ عِبَارَةٌ غَيْرُ وَاضِحَةٍ كَأَنَّهَا: " أَيْ كُلُّ وَرَقَةٍ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ". (¬12) ر، ح، ي: بِهَا (¬13) ح، م: الَّذِي

أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الَّذِينَ تَعَلَّمُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلْمَ وَالدِّينَ، فَكَانَتْ رَعِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ أَعْلَمَ الْأُمَّةِ وَأَدْيَنَهَا، وَأَمَّا الَّذِينَ كَانَ عَلِيٌّ يُخَاطِبُهُمْ فَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ عَوَامِّ النَّاسِ التَّابِعِينَ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ شِرَارِ التَّابِعِينَ، وَلِهَذَا كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَذُمُّهُمْ وَيَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَكَانَ التَّابِعُونَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ خَيْرًا مِنْهُمْ. وَقَدْ جَمَعَ النَّاسُ الْأَقْضِيَةَ وَالْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَوَجَدُوا أَصْوَبَهَا وَأَدَلَّهَا عَلَى عِلْمِ صَاحِبِهَا أُمُورَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ. وَلِهَذَا كَانَ مَا يُوجَدُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي وُجِدَ نَصٌّ يُخَالِفُهَا عَنْ عُمَرَ أَقَلَّ مِمَّا وُجِدَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ نَصٌّ يُخَالِفُهُ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَفْصِلُ الْأُمُورَ الْمُشْتَبِهَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ مِنْهُمُ اخْتِلَافٌ عَلَى عَهْدِهِ. وَعَامَّةُ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ كَانَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَلِيٍّ كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَا تَجُوزُ نِسْبَةُ مِثْلِهِ إِلَى عَلِيٍّ ; فَإِنَّ [عَلِيًّا] (¬1) . أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِدِينِ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، إِذْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَحَدٍ إِلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ (* وَإِذَا تَحَاكَمَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا [بَيْنَهُمْ] (¬2) . إِلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ *) (¬3) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} ¬

(¬1) ن، م: فَإِنَّهُ (¬2) بَيْنَهُمْ فِي (ب) فَقَطْ (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) .

[سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 41] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 42] إِلَى قَوْلِهِ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَائَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعْلِنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 48] إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 49] (¬1) . وَإِذَا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَنَّ الْحَاكِمَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، سَوَاءٌ وَافَقَ مَا بِأَيْدِيهِمْ (¬2) مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ، كَانَ مَنْ نَسَبَ عَلِيًّا إِلَى أَنَّهُ (¬3) يَحْكُمَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَوْ يُفْتِيهِمْ بِذَلِكَ، وَيَمْدَحُهُ بِذَلِكَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْهَلِ (¬4) النَّاسِ بِالدِّينِ، وَبِمَا يُمْدَحُ بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ زِنْدِيقًا مُلْحِدًا أَرَادَ الْقَدْحَ فِي عَلِيٍّ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ، دُونَ الْمَدْحِ وَالثَّوَابِ. ¬

(¬1) ن، م: لَفَاسِقُونَ الْآيَةَ. (¬2) ن، م: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. (¬3) ح، ر، ي، ب: إِلَى أَنْ. (¬4) ر: مِنْ جَهْلِ.

كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والتعليق عليه

[كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والتعليق عليه] (فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ (¬3) بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ (¬4) قَالَ: " «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ (¬5) فِي عِلْمِهِ، وَإِلَى نُوحٍ (¬6) فِي تَقْوَاهُ، وَإِلَى إِبْرَاهِيمَ (¬7) فِي حِلْمِهِ (¬8) ، وَإِلَى مُوسَى (¬9) فِي هَيْبَتِهِ، وَإِلَى عِيسَى (¬10) فِي عِبَادَتِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى [عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ] (¬11) فَأَثْبَتَ لَهُ (¬12) مَا تَفَرَّقَ فِيهِمْ» ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: أَيْنَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ؟ وَالْبَيْهَقِيُّ يَرْوِي فِي الْفَضَائِلِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ضَعِيفَةً، بَلْ مَوْضُوعَةً، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيُقَالُ: ثَانِيًا: هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 135 (م) . (¬3) ن، م: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ ; ك: وَعَنِ الْبَيْهَقِيِّ فِي كِتَابِهِ. (¬4) أَنَّهُ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) ك: آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬6) ك: نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬7) ك: إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬8) ك: فِي خِلَّتِهِ. (¬9) ك: مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬10) ك: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬11) بْنِ أَبِي طَالِبٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬12) ك: بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَثْبَتَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا رَيْبٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬1) ، وَلِهَذَا لَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانُوا حُرَّاصًا عَلَى جَمْعِ فَضَائِلِ عَلِيٍّ كَالنَّسَائِيِّ ; فَإِنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْمَعَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ " الْخَصَائِصَ "، وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ ذَكَرَ أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً فِي فَضَائِلِهِ، وَفِيهَا (¬2) مَا هُوَ ضَعِيفٌ بَلْ مَوْضُوعٌ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا وَنَحْوَهُ. (فَصْلٌ) (¬3) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ (¬5) : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بَعْدَ نَبِيِّهِ: " سَلُونِي " مِنْ شِيثٍ (¬6) إِلَى مُحَمَّدٌ إِلَّا عَلِيٌّ، فَسَأَلَهُ الْأَكَابِرُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَشْبَاهُهُمَا (¬7) ، حَتَّى انْقَطَعَ ¬

(¬1) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ - فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/370 وَقَالَ: " هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ وَأَبُو عُمَرَ مَتْرُوكٌ "، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلٌّ مِنَ السُّيُوطِيِّ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " 1/355 - 356 " الشَّوْكَانِيِّ فِي " الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ " ص 367 - 368 (وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ) ، وَابْنِ عِرَاقٍ الْكِنَانِيِّ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " 1/385 (¬2) ب: وَمِنْهَا. (¬3) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ. (¬4) فِي (ك) ص 135 (م) . (¬5) ك: أَبُو الْعَبَّاسِ تَغْلِبُ، وَالصَّوَابُ: أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ، وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ سَيَّارٍ النَّحْوِيُّ الْمَعْرُوفُ بِثَعْلَبٍ، قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ كَانَ إِمَامَ الْكُوفِيِّينَ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، سَمِعَ ابْنَ الْأَعْرَابِيِّ وَالزَّبِيرَ بْنَ بَكَّارٍ، وَرَوَى عَنْهُ الْأَخْفَشُ الْأَصْغَرُ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ وَأَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 291 انْظُرْ وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/84 - 87 (¬6) مَنْ شِئْتَ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) وَأَشْبَاهُهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) .

السُّؤَالُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا (¬1) : يَا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادِ، إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْمًا (¬2) جَمًّا لَوْ أَصَبْتُ (¬3) لَهُ حَمَلَةً ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا النَّقْلَ إِنْ صَحَّ عَنْ ثَعْلَبٍ فَثَعْلَبٌ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا حَتَّى يُحْتَجَّ بِهِ. وَلَيْسَ ثَعْلَبٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ، حَتَّى يُقَالَ: قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ. كَمَا إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَحْمَدُ أَوْ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَوِ الْبُخَارِيُّ وَنَحْوُهُمْ، بَلْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ ثَعْلَبٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَا أَصْلَ لَهَا، فَكَيْفَ ثَعْلَبٌ؟ ! وَهُوَ قَدْ سَمِعَ هَذَا مِنْ بَعْضِ النَّاسِ الَّذِينَ لَا يَذْكُرُونَ (¬4) مَا يَقُولُونَ عَنْ أَحَدٍ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ، لَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ هَذَا فِي خِلَافَتِهِ فِي الْكُوفَةِ ; لِيُعَلِّمَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مَا يَنْبَغِي لَهُمْ عِلْمُهُ، وَكَانَ (¬5) هَذَا لِتَقْصِيرِهِمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْمُرُهُمْ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالسُّؤَالِ. وَحَدِيثُ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ (¬6) يَدُلُّ عَلَى هَذَا ; فَإِنَّ كُمَيْلًا مِنَ التَّابِعِينَ لَمْ ¬

(¬1) ك: بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ. (¬2) ح، ر، ي: عِلْمًا. (¬3) ك: لَوْ وَجَدْتُ. (¬4) ن، م: الَّذِينَ لَا يَدْرُونَ. (¬5) ن: وَقَدْ كَانَ. (¬6) كُمَيْلُ بْنُ زِيَادِ بْنِ نَهِيكِ النَّخَعِيُّ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ، وَقَتَلَهُ الْحَجَّاجُ سَنَةَ 82 هـ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَانَ ثِقَةً قَلِيلَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 8/447 - 448، الْأَعْلَامِ 6/93

يَصْحَبْهُ إِلَّا بِالْكُوفَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى تَقْصِيرًا مِنْ أُولَئِكَ عَنْ كَوْنِهِمْ حَمَلَةً لِلْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، بَلْ كَانَ عَظِيمَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَسْأَلْ عَلِيًّا قَطُّ عَنْ شَيْءٍ. وَأَمَّا عُمَرُ فَكَانَ يُشَاوِرُ الصَّحَابَةَ: عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَغَيْرَهُمْ، فَكَانَ عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى، كَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ (¬1) أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا غَيْرُهُمَا، مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ يَخُصَّانِ عَلِيًّا بِسُؤَالٍ. وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ عَلِيًّا أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ (¬2) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ مَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ حَدِيثًا اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنَ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومَ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ إِلَّا (¬3) غَفَرَ اللَّهُ لَهُ» " (¬4) . ¬

(¬1) ح: وَلَا كَانَ. (¬2) ح، ب، ر: عَنِ. (¬3) ح، ر، ي: ثُمَّ يَسْتَغْفِرَ إِلَّا. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/114 - 115 (كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابٌ فِي الِاسْتِغْفَارِ) ، وَنَصُّهُ: كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنَ الطَّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ "، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/252 - 253 (كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. . " 4/296 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ "، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/446 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَفَّارَةٌ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/154، 174، 178 وَصَحَّحَ أَحْمَدُ شَاكِر هَذِهِ الرِّوَايَاتِ.

كلام الرافضي على أبي بكر أنه أهمل حدود الله فلم يقتص من خالد بن الوليد والرد عليه

[كلام الرافضي على أبي بكر أنه أَهْمَلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يَقْتَصَّ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَأَهْمَلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يَقْتَصَّ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَلَا حَدَّهُ حَيْثُ (¬3) قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَكَانَ مُسْلِمًا (¬4) ، وَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ [فِي] (¬5) لَيْلَةَ قَتَلَهُ وَضَاجَعَهَا، وَأَشَارَ عَلَيْهِ (¬6) عُمَرُ بِقَتْلِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ " (¬7) . وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: إِنْ كَانَ تَرْكُ قَتْلِ قَاتِلِ الْمَعْصُومِ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْأَئِمَّةِ، كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ حُجَّةِ شِيعَةِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ ; فَإِنَّ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْ مَلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَهُوَ خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا بِلَا تَأْوِيلٍ مُسَوِّغٍ لِقَتْلِهِ، وَعَلِيٌّ لَمْ يَقْتُلْ قَتَلَتَهُ، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا امْتَنَعَتْ بِهِ شِيعَةُ عُثْمَانَ عَنْ مُبَايَعَةِ عَلِيٍّ ; ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 135 (م) . (¬3) ك: حِينَ. (¬4) عِبَارَةُ، " وَكَانَ مُسْلِمًا " سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) . (¬5) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب) ، وَفِي (ك) : مِنْ. (¬6) ك: إِلَيْهِ. (¬7) ح، ب: فَلَمْ يَقْتُلْهُ، ر، ي، ي: فَلَمْ يَقْبَلْ، ك: فَلَمْ يَقْتُلْ.

فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَعُذْرُ أَبِي بَكْرٍ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَاتِلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ أَقْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ فَعَلِيٌّ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. وَأَمَّا مَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَتَرْكِ إِنْكَارِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا عَلَى عَلِيٍّ ; فَهَذَا مِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَتَنَاقُضِهِمْ. وَكَذَلِكَ إِنْكَارُهُمْ عَلَى عُثْمَانَ كَوْنَهُ لَمْ يَقْتُلْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِالْهُرْمُزَانِ، هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ (¬1) . وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: عَلِيٌّ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ ; لِأَنَّ شُرُوطَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُوجَدْ: إِمَّا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَعْيَانِ الْقَتَلَةِ، وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهِمْ ذَوِي شَوْكَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. قِيلَ: فَشُرُوطُ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُوجَدْ فِي قَتْلِ قَاتِلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَقَتْلِ قَاتِلِ الْهُرْمُزَانِ ; لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ. ¬

(¬1) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي " الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ " ص 106 - 108 (ط. السَّلَفِيَّةِ 1371) بِتَحْقِيقِ أُسْتَاذِي مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ: " وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ عَنْ قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهُرْمُزَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْ فَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، وَالْأَمْرُ فِي أَوَّلِهِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْهُرْمُزَانَ سَعَى فِي قَتْلِ عُمَرَ، وَحَمَلَ الْخِنْجَرَ وَظَهَرَ تَحْتَ ثِيَابِهِ، وَكَانَ قَتْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ لَهُ وَعُثْمَانُ لَمْ يَلِ بَعْدُ، وَلَعَلَّ عُثْمَانَ كَانَ لَا يَرَى عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ حَقًّا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ حَالِ الْهُرْمُزَانِ وَفِعْلِهِ. . "، وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الطَّبَرِيِّ مِنْ خَبَرِ الْقَمَاذَبَانِ بْنِ الْهُرْمُزَانِ الَّذِي قَالَ إِنَّ عُثْمَانَ مَكَّنَهُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ: " يَا بُنَيَّ هَذَا قَاتِلُ أَبِيكَ، وَأَنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنَّا، فَاذْهَبْ فَاقْتُلْهُ "، وَكَيْفَ عَفَا عَنْهُ الْقَمَاذَبَانُ. . إِلَخْ، وَانْظُرْ أَيْضًا " الْعَوَاصِمَ مَنِ الْقَوَاصِمِ " ص 146

وَإِذَا قَالُوا: عُمَرُ أَشَارَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ (¬1) ، وَعَلِيٌّ أَشَارَ عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قِيلَ: وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا أَشَارُوا عَلَى عَلِيٍّ بِقَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالْقَوَدِ، أَقَامَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً سَلَّمُوا لَهَا (¬2) : إِمَّا لِظُهُورِ الْحَقِّ مَعَهُ، وَإِمَّا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. وَعَلِيٌّ لَمَّا لَمْ يُوَافِقِ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ، جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْحُرُوبِ مَا قَدْ عُلِمَ، وَقَتْلُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَهْوَنُ مِمَّا جَرَى بِالْجَمَلِ وَصِفِّينَ (¬3) ، فَإِذَا كَانَ فِي هَذَا اجْتِهَادٌ سَائِغٌ، فَفِي ذَلِكَ أَوْلَى. وَإِنْ قَالُوا: عُثْمَانُ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ. قِيلَ لَهُمْ: فَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ إِبَاحَةَ دَمِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ أَظْهَرُ مِنْ إِبَاحَةِ دَمِ عُثْمَانَ، بَلْ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ (¬4) ، ¬

(¬1) ن، م، ي: بِقَتْلِ الْهُرْمُزَانِ، وَهُوَ خَطَأٌ، (وَفِي هَامِشِ ي صُحِّحَتْ بِقَوْلِهِ: لَعَلَّهُ: بِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ) . (¬2) ن، م: سَلَّمُوهَا. (¬3) ن: وَبِصِفِّينَ. (¬4) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " 6/321 - 322 عَنْ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّمِيمِيِّ (انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الْأَعْلَامِ 6/145) : " كَانَ قَدْ صَانَعَ سَجَاحَ حِينَ قَدِمَتْ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا اتَّصَلَتْ بِمُسَيْلِمَةَ - لَعَنَهُمَا اللَّهُ - ثُمَّ تَرَحَّلَتْ إِلَى بِلَادِهَا، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ نَدِمُ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَتَلَوَّمَ فِي شَأْنِهِ، وَهُوَ نَازِلٌ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْبِطَاحُ، فَقَصَدَهَا خَالِدٌ بِجُنُودِهِ. . فَلَمَّا وَصَلَ الْبِطَاحَ وَعَلَيْهَا مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ فَبَثَّ خَالِدٌ السَّرَايَا فِي الْبِطَاحِ يَدْعُونَ النَّاسَ فَاسْتَقْبَلَهُ أُمَرَاءُ بَنِي تَمِيمٍ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَبَذَلُوا الزِّكَوَاتِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ فَإِنَّهُ مُتَحَيِّرٌ فِي أَمْرِهِ، مُتَنَحٍّ عَنِ النَّاسِ، فَجَاءَتْهُ السَّرَايَا فَأَسَرُوهُ وَأَسَرُوا مَعَهُ أَصْحَابَهُ، وَاخْتَلَفَتِ السَّرِيَّةُ فِيهِمْ، فَشَهِدَ أَبُو قَتَادَةَ - الْحَارِثُ بْنُ رَبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ -، أَنَّهُمْ أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُؤَذِّنُوا بِالصَّلَاةِ وَلَا صَلُّوا فَيُقَالُ: إِنَّ الْأُسَارَى بَاتُوا فِي كُبُولِهِمْ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَنَادَى مُنَادِي خَالِدٍ: أَنْ أَدْفِئُوا أَسْرَاكُمْ، فَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَتْلَ، فَقَتَلُوهُمْ، وَقَتَلَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَيُقَالُ بَلِ اسْتَدْعَى خَالِدٌ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ فَأَنَّبَهُ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ مُتَابَعَةِ سَجَاحَ وَعَلَى مَنْعِهِ الزَّكَاةَ، وَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا قَرِينَةُ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ كَانَ يَزْعُمُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَهُوَ صَاحِبُنَا وَلَيْسَ بِصَاحِبِكَ؟ يَا ضِرَارُ اضْرِبْ عُنُقَهُ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. .، إِلَخْ، وَانْظُرْ إِلَى ص 323 وَقَدْ أَسْلَمَتْ سَجَاحُ بَعْدَ مَقْتَلِ مُسَيْلِمَةَ انْظُرِ الْأَعْلَامَ 3/112

وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَنَا. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ، وَبَيْنَ عُثْمَانَ وَمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ مِنَ الْفَرْقِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلِيًّا مَعْصُومَ الدَّمِ، وَلَا الْحُسَيْنُ ; فَإِنَّ عِصْمَةَ دَمِ عُثْمَانَ أَظْهَرُ مِنْ عِصْمَةِ دَمِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ، وَعُثْمَانُ أَبْعَدُ عَنْ (¬1) مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مِنْ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ، وَشُبْهَةُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَضْعَفُ بِكَثِيرٍ مِنْ شُبْهَةِ قَتَلَةِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ ; فَإِنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَقْتُلْ مُسْلِمًا، وَلَا قَاتَلَ أَحَدًا عَلَى وِلَايَتِهِ [وَلَمْ يَطْلُبْ قِتَالَ أَحَدٍ عَلَى وِلَايَتِهِ] (¬2) أَصْلًا (¬3) ; فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ: مَنْ قَتَلَ خَلْقًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وِلَايَتِهِ [إِنَّهُ] (¬4) مَعْصُومُ الدَّمِ، وَإِنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا فَعَلَهُ، فَلَأَنْ يُقَالَ: عُثْمَانُ مَعْصُومُ الدَّمِ، [وَإِنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا فَعَلَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْوِلَايَاتِ (¬5) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. ¬

(¬1) ح، ر، ي: مِنْ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أَصْلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) . (¬4) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) ، (ب) . (¬5) ح، ب: وَالْوِلَايَةُ.

ثُمَّ يُقَالُ: غَايَةُ مَا يُقَالُ: فِي قِصَّةِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ: إِنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ] (¬1) ، وَإِنَّ خَالِدًا قَتَلَهُ بِتَأْوِيلٍ، وَهَذَا لَا يُبِيحُ قَتْلَ خَالِدٍ، كَمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا قَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ [يَا أُسَامَةُ، (¬2) . أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟] » (¬3) فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قَوَدًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} الْآيَةَ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 94] نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مِرْدَاسٍ، رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَيْشًا إِلَى قَوْمِهِ، عَلَيْهِمْ غَالِبٌ اللَّيْثِيُّ، فَفَرَّ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يَفِرَّ. قَالَ: إِنِّي مُؤْمِنٌ، فَصَبَّحَتْهُ الْخَيْلُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَدِّ أَمْوَالِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَبِدِيَتِهِ إِلَيْهِمْ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ» (¬4) . وَكَذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ قَتَلَ بَنِي جَذِيمَةَ مُتَأَوِّلًا، وَرَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» " (¬5) ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْتُلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا. فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْتُلْهُ مَعَ قَتْلِهِ (¬6) غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) عِبَارَةُ يَا أُسَامَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ي) (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/560 " (¬4) انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 9/76 - 78 (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/487 (¬6) ح: مَعَ قَتْلِ.

الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ لِلتَّأْوِيلِ (¬1) ، فَلِأَنْ لَا يَقْتُلَهُ أَبُو بَكْرٍ لِقَتْلِهِ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ مِنْ فِعْلِ خَالِدٍ بِبَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْتُلْهُ، فَكَيْفَ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ حُجَّةً لِأَبِي بَكْرٍ فِي أَنْ لَا يَقْتُلَهُ؟ ! لَكِنْ مَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ أَعْمَاهُ عَنِ اتِّبَاعِ الْهُدَى. وَقَوْلُهُ: إِنَّ عُمَرَ أَشَارَ بِقَتْلِهِ. فَيُقَالُ: غَايَةُ هَذَا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةَ اجْتِهَادٍ، كَانَ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا أَنْ لَا يُقْتَلَ خَالِدًا، وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ فِيهَا قَتْلَهُ، وَلَيْسَ عُمَرُ بِأَعْلَمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ: لَا عِنْدَ السُّنَّةِ (¬2) ، وَلَا عِنْدَ الشِّيعَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَرْكُ رَأْيِهِ لِرَأْيِ عُمَرَ، وَلَمْ يَظْهَرْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ هُوَ الرَّاجِحُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ مِثْلَ هَذَا عَيْبًا لِأَبِي بَكْرٍ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عِلْمًا وَدِينًا؟ وَلَيْسَ عِنْدَنَا أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ جَرَى عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ قَتْلَ خَالِدٍ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَزَوُّجِهِ بِامْرَأَتِهِ لَيْلَةَ قَتْلِهِ، فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ ثُبُوتُهُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ هُنَاكَ تَأْوِيلٌ يَمْنَعُ الرَّجْمَ، وَالْفُقَهَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ: هَلْ تَجِبُ لِلْكَافِرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا: هَلْ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ عِدَّةُ وَفَاةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِلْمُسْلِمِينَ (¬3) بِخِلَافِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ ; فَإِنَّ تِلْكَ سَبَبُهَا (¬4) الْوَطْءُ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ. وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَتَجِبُ ¬

(¬1) ن، م: مَعَ التَّأْوِيلِ. (¬2) ب: السُّنِّيَّةِ. (¬3) ح ر، ي: فِي الْمُسْلِمِينَ. (¬4) ح، ب: بِسَبَبِ.

بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهَلْ تَعْتَدُّ مِنَ الْكَافِرِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نِزَاعٌ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَقَدْ حَاضَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ حَيْضَةً. هَذَا إِذَا كَانَ الْكَافِرُ أَصْلِيًّا، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ إِذَا قُتِلَ، أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ، بَلْ عِدَّةُ فُرْقَةٍ بَائِنَةٍ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ بَطَلَ بِرِدَّةِ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ لَيْسَتْ طَلَاقًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهِيَ طَلَاقٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ; وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهَا عِدَّةَ وَفَاةٍ، بَلْ عِدَّةَ فُرْقَةٍ بَائِنَةٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، كَمَا لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنَ الطَّلَاقِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَالِدًا قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ ; لِأَنَّهُ رَآهُ مُرْتَدًّا، فَإِذَا كَانَ (¬1) لَمْ يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (¬2) ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةٍ لَا بِعِدَّةٍ كَامِلَةٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، وَفِي الْآخَرِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا فَلَيْسَ عَلَى امْرَأَتِهِ عِدَّةُ وَفَاةٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ. وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ اسْتِبْرَاءً بِحَيْضَةٍ فَقَدْ تَكُونُ حَاضَتْ. وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَجْعَلُ بَعْضَ الْحَيْضَةِ اسْتِبْرَاءً، فَإِذَا كَانَتْ فِي آخِرِ الْحَيْضِ جَعَلَ ذَلِكَ اسْتِبْرَاءً لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَنَحْنُ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ الْقَضِيَّةَ وَقَعَتْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَالطَّعْنُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلَا عِلْمٍ، وَهَذَا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. ¬

(¬1) ن، م: فَإِنْ. (¬2) ح، ب: الْفُقَهَاءِ، ز، ي: الْفُقَهَاءِ الْعُلَمَاءِ.

(فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَخَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) فِي تَوْرِيثِ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنَعَهَا فَدَكًا (¬4) ، وَتَسَمَّى بِخَلِيفَةِ (¬5) رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ ". وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْمِيرَاثُ فَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، مَا خَلَا بَعْضَ الشِّيعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الثَّابِتِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ قَوْلَ الرَّافِضَةِ بَاطِلٌ قَطْعًا. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَ مِنْ فَدَكٍ، وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَمْ يَتَعَلَّقَا مِنْ فَدَكٍ وَلَا غَيْرِهَا مِنَ الْعَقَارِ بِشَيْءٍ وَلَا أَعْطَيَا أَهْلَهُمَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَقَدْ أَعْطَيَا بَنِي هَاشِمٍ أَضْعَافَ أَضْعَافِ ذَلِكَ. ثُمَّ لَوِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَمْنَعُ الْمَالَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، حَتَّى أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْضَ مَالِ الْبَصْرَةِ وَذَهَبَ لَهُ، لَمْ يَكُنِ الْجَوَابُ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا بِأَنَّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ قَاصِدٌ لِلْحَقِّ، لَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَأَبُو بَكْرٍ ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) وَفِي (ي) الْفَصْلُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 136 (م) . (¬3) ك: أَمْرَ اللَّهِ. (¬4) ح، ب: فَدَكَ. (¬5) ك: وَيُسَمَّى خَلِيفَةُ.

أَعْظَمُ مَحَبَّةً لِفَاطِمَةَ وَمُرَاعَاةً لَهَا مِنْ عَلِيٍّ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بِعَلِيٍّ أَشْبَهُ مِنْ فَاطِمَةَ بِأَبِي بَكْرٍ ; فَإِنَّ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى فَاطِمَةَ أَعْظَمُ مِنْ فَضْلِ عَلِيٍّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَيْسَ تَبْرِئَةُ (¬1) الْإِنْسَانِ لِفَاطِمَةَ مِنَ الظَّنِّ وَالْهَوَى بِأَوْلَى مِنْ تَبْرِئَةِ (¬2) أَبِي بَكْرٍ ; فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِمَامٌ لَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْمَالُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَفَاطِمَةُ تَطْلُبُ لِنَفْسِهَا، وَبِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ (¬3) أَنَّ بُعْدَ الْحَاكِمِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْخَصْمِ الطَّالِبِ لِنَفْسِهِ ; فَإِنَّ عِلْمَ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ بِمِثْلِ (¬4) هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِكَثْرَةِ مُبَاشَرَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ عِلْمِ فَاطِمَةَ. وَإِذَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوْلَى بِعِلْمِ مِثْلِ (¬5) ذَلِكَ، وَأَوْلَى بِالْعَدْلِ، فَمَنْ جَعَلَ فَاطِمَةَ أَعْلَمَ (¬6) مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَأَعْدَلَ، كَانَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، لَا سِيَّمَا وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا غَرَضَ لَهُمْ هُمْ (¬7) مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَجَمِيعُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُوَرِّثُونَ مَالًا، وَكُلُّهُمْ يُحِبُّ فَاطِمَةَ وَيُعَظِّمُ قَدْرَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، لَكِنْ لَا يُتْرَكُ مَا عَلِمُوهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنْ يَأْخُذُوا دِينَهُمْ مِنْ غَيْرِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عَنْ أَقَارِبِهِ، وَلَا عَنْ غَيْرِ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِهِ. ¬

(¬1) ح، ر، ي، م: تَنْزِيهُ. (¬2) ح، ر، ي، م: تَنْزِيهِ. (¬3) ح، ب: تَعْلَمُ. (¬4) ح، ب: لِمِثْلِ. (¬5) مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) . (¬6) ح، ب: أَعْظَمَ. (¬7) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (م) فَهُمْ.

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا (¬1) أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» " (¬2) ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْأُمَّةِ أَنْ تَعْدِلَ عَمَّا عَلِمَتْهُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا يُحْكَى عَنْ فَاطِمَةَ فِي كَوْنِهَا طَلَبَتِ الْمِيرَاثَ، تَظُنُّ أَنَّهَا تَرِثُ (¬3) . (فَصْلٌ) وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ سَمَّوْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ هُوَ الْمُسْتَخْلَفُ، كَمَا ادَّعَاهُ هَذَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِ اسْتَخْلَفَهُ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ ¬

(¬1) ح، ب: مَا. (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَصُّهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/8 (كِتَابُ الْبُخَارِيِّ بَابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ) ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَلْحَقُ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً "، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي الْبُخَارِيِّ 9/55 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ. .) ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/360 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ 60 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَنَدِيُّ) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/200 (كِتَابُ آدَابِ الْقُضَاةِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ اسْتِعْمَالِ النِّسَاءِ) ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) ، مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ (تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ، أَسْنَدُوا. .) . انْظُرْ 5/38، 43، 47، 50، 51 (¬3) ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ إِحْسَان إِلَهِي ظَهيِر فِي كِتَابِهِ " الشِّيعَةُ وَأَهْلُ الْبَيْتِ "، أَنَّ مِنَ الشِّيعَةِ مَنْ قَالَ بِمُوَافَقَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. يَقُولُ الْأُسْتَاذُ إِحْسَانُ (ص 84 - 85 ط. بَاكِسْتَانُ 1403 1983) بَلْ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الشِّيعِيَّةِ أَنَّهَا رَضِيَتْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَرْوِيهِ ابْنُ الْمِيثَمِ فِي شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ: " إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: إِنَّ لَكِ مَا لِأَبِيكِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ يَأْخُذُ مِنْ فَدَكٍ قُوتَكُمْ، وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ وَيَحْمِلُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ أَنْ أَصْنَعَ بِهَا كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ وَأَخَذَتِ الْعَهْدَ عَلَيْهِ بِهِ " (شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ لِابْنِ مَيْثَمٍ الْبَحْرَانِيِّ ج [0 - 9] ص 107 ط. طَهْرَانَ) ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ذَكَرَ الدُّنْبُلِيُّ فِي شَرْحِهِ " الدُّرَّةَ النَّجَفِيَّةَ " ص 331، 332 (ط. إِيرَانَ) ، وَانْظُرِ " الشِّيعَةُ وَأَهْلُ الْبَيْتِ " ص 84 - 92

الْخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي خَلَفَ غَيْرَهُ - وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ كَمَا يَقُولُهُ الْجُمْهُورُ - لَمْ يَحْتَجْ فِي هَذَا الِاسْمِ إِلَى الِاسْتِخْلَافِ. [وَالِاسْتِعْمَالُ الْمَوْجُودُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ خَلَفَ غَيْرَهُ: سَوَاءٌ اسْتَخْلَفَهُ] (¬1) أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 14] ، وَقَوْلِهِ [تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 165] ، وَقَالَ:] (¬2) {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 60] ، وَقَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 69] ، وَفِي الْقِصَّةِ الْأُخْرَى: {خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 74] {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 142] فَهَذَا اسْتِخْلَافٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 62] ، وَقَالَ: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سُورَةُ يُونُسَ: 6] أَيْ: هَذَا يَخْلُفُ هَذَا، وَهَذَا يَخْلُفُ هَذَا، فَهُمَا يَتَعَاقَبَانِ، وَقَالَ مُوسَى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

[سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 129] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [سُورَةُ النُّورِ: 55] ، وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30] ، وَقَالَ: {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [سُورَةُ ص: 26] . فَغَالِبُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِيَكُونَ الثَّانِي خَلِيفَةً عَنِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ. وَسُمِّيَ الْخَلِيفَةُ خَلِيفَةً ; لِأَنَّهُ يَخْلُفُ مَنْ قَبْلَهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ يَخْلُفُهُ، كَمَا جَعَلَ اللَّيْلَ يَخْلُفُ النَّهَارَ، وَالنَّهَارَ يَخْلُفُ اللَّيْلَ، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَلِيفَةٌ عَنِ اللَّهِ، كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ النَّاسِ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالنَّاسُ يُسَمُّونَ وُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الْخُلَفَاءَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي» " (¬1) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلِيًّا، وَعُمَرُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَاحِدًا مُعَيَّنًا، وَكَانَ يَقُولُ: " إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ، وَإِنْ لَمْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَخْلِفْ ". وَكَانَ مَعَ هَذَا يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ خُلَفَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ مَنْ قَبْلَهُ. فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْمَ عَامٌّ فِيمَنْ خَلَفَ غَيْرَهُ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/164

وَفِي الْحَدِيثِ -[إِنْ صَحَّ]- (¬1) : " «وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ» " أَوْ قَالَ: " «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى خُلَفَائِي ". قَالُوا: وَمَنْ خُلَفَاؤُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي، وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ» " (¬2) . وَهَذَا إِنْ صَحَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَضَعَهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الْخَلِيفَةِ " فِيمَنْ خَلَفَ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، فَإِذَا قَامَ مَقَامَهُ وَسَدَّ مَسَدَّهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ فَهُوَ خَلِيفَةٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ. ¬

(¬1) إِنْ صَحَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " 1/535 وَأَوَّلُهُ: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى خُلَفَائِي وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " أَبُو النَّصْرِ السِّجْزِيُّ فِي الْإِبَانَةِ كِرْ " ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ " عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.

فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه

[فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه] [كلام عمر رضي الله عنه عند الاحتضار] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَمِنْهَا مَا رَوَوْهُ (¬3) عَنْ عُمَرَ، رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ (¬4) " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " أَنَّهُ قَالَ (¬5) لَمَّا احْتَضَرَ قَالَ (¬6) : يَا لَيْتَنِي كُنْتُ كَبْشًا لِقَوْمِي فَسَمَّنُونِي (¬7) مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ جَاءَهُمْ أَحَبُّ قَوْمِهِمْ إِلَيْهِمْ فَذَبَحُونِي، فَجَعَلُوا (¬8) نِصْفِي شِوَاءً وَنِصْفِي قَدِيدًا، فَأَكَلُونِي، فَأَكُونُ عُذْرَةً وَلَا أَكُونُ بَشَرًا، وَهَلْ هَذَا إِلَّا مُسَاوٍ لِقَوْلِ الْكَافِرِ (¬9) : {يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} ) [سُورَةُ النَّبَأِ: 40] ". قَالَ (¬10) .: " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ احْتِضَارِهِ: لَوْ أَنَّ لِي مِلْءَ ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الثَلَاثُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 136 (م) . (¬3) ح: مَا رَوَاهُ. (¬4) ح، ب: فِي كِتَابِهِ. (¬5) قَالَ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬6) قَالَ: لَيْسَتْ فِي (ح) ، (ب) . (¬7) ن: فَيُسَمِّنُونِي، م: فَيُسَمُّونِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ح، ب: وَجَعَلُوا. (¬9) ك: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُ الْكَافِرُ. (¬10) أَيِ: الرَّافِضِيُّ بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً

الْأَرْضِ ذَهَبًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَيْتُ بِهِ نَفْسِي مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ (¬1) : {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 47] . فَلْيَنْظُرِ الْمُنْصِفُ الْعَاقِلُ قَوْلَ الرَّجُلَيْنِ عِنْدَ احْتِضَارِهِمَا، وَقَوْلَ عَلِيٍّ (¬2) : مَتَى أَلْقَى الْأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ (¬3) مَتَّى أَلْقَاهَا مَتَى يُبْعَثُ (¬4) أَشْقَاهَا وَقَوْلَهُ حِينَ قَتَلَهُ [ابْنُ مُلْجَمٍ] : فُزْتُ (¬5) وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْجَهَالَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ جَهْلِ قَائِلِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ قَدْ نُقِلَ مِثْلُهُ عَمَّنْ هُوَ دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ [وَعَلِيٍّ] (¬6) ، بَلْ نُقِلَ مِثْلُهُ عَمَّنْ يُكَفِّرُ عَلِيَّ [بْنَ أَبِي طَالِبٍ] (¬7) مِنَ الْخَوَارِجِ، كَقَوْلِ بِلَالٍ عَتِيقِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَامْرَأَتُهُ تَقُولُ: وَاحَرْبَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاطَرَبَاهُ غَدًا أَلْقَى الْأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ. وَكَانَ عُمَرُ قَدْ دَعَا لَمَّا عَارَضُوهُ فِي قِسْمَةِ الْأَرْضِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ " فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَفِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ (¬8) . ¬

(¬1) ك: قَوْلِهِ تَعَالَى. (¬2) ك: عَلِيٍّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (¬3) هَذَا الْبَيْتُ فِي (ك) هُوَ الثَّانِي فِي التَّرْتِيبِ وَيَسْبِقُهُ الْبَيْتُ التَّالِي. (¬4) ر، ي: يَنْبَعِثُ، ك: يُبْتَعَثُ. (¬5) ك: وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قُتِلَ: فُزْتُ، ح، ب: وَقَوْلَهُ حِينَ ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ: فُزْتُ. ن، م: وَقَوْلَهُ حِينَ قَتَلَهُ: فُزْتُ. (¬6) وَعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: يُكَفِّرُ عَلِيًّا. (¬8) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِهِ الْأَمْوَالِ ص 81 تَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّد خَلِيل هَرَّاس، ط. الْكُلِّيَّاتُ الْأَزْهَرِيَّةُ 1389 1969 فَقَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْمَاجِشُونُ، قَالَ: قَالَ بِلَالٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقُرَى الَّتِي افْتَتَحَهَا عَنْوَةً: اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، وَخُذْ خُمُسَهَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَا هَذَا عَيْنُ الْمَالِ، وَلَكِنِّي أَحْبِسُهُ فِيمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ: اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ، قَالَ: فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ: لَا تَظُنُّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا عَلَى بِلَالٍ وَأَصْحَابِهِ بِالْمَوْتِ، كَيْفَ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِي شَأْنِ بِلَالٍ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا أَعْتَقَ سَيِّدَنَا. يَعْنِي بِلَالًا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَكْفِيَهُ اللَّهُ خُصُومَتَهُمْ مَعَهُ، وَانْظُرْ خَبَرَ تَقْسِيمِ أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمَوْقِفِ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي " أَخْبَارِ عُمَرَ " لِعَلِيٍّ وَنَاجِي الطَّنْطَاوِيِّ ص 113 ط. دِمَشْقَ 1379 1959

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْحِلْيَةِ " (¬1) : حَدَّثَنَا الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (¬2) ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ (¬3) ، قَالَ: طُعِنَ مُعَاذٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ (¬4) . فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّهُ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ (¬5) ، وَقَبْضُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، اللَّهُمَّ آتِ آلَ مُعَاذٍ النَّصِيبَ الْأَوْفَرَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ، فَمَا أَمْسَى حَتَّى طُعِنَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِكْرُهُ الَّذِي كَانَ يُكَنَّى بِهِ (¬6) ، وَأَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَوَجَدَهُ (¬7) مَكْرُوبًا (¬8) . فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَيْفَ ¬

(¬1) الْكَلَامَ التَّالِيَ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 1/240 (¬2) الْحِلْيَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْيَقْطِينِيُّ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ (¬3) الْحِلْيَةِ: مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ. (¬4) ن، م: فِي يَوْمِ أُحُدٍ. (¬5) الْحِلْيَةِ: رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬6) ح، ب، ي، ر: بِهِ يُكَنَّى. (¬7) ن، م: فَوَجَدُوهُ. (¬8) ب فَقَطْ: مَقْرُوبًا.

أَنْتَ؟ قَالَ (¬1) : يَا أَبَتِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ (¬2) مِنَ الْمُمْتَرِينَ. قَالَ (¬3) : وَأَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَتَجِدُنِي مِنَ الصَّابِرِينَ (¬4) . فَأَمْسَكَهُ لَيْلَهُ (¬5) ثُمَّ دَفَنَهُ مِنَ الْغَدِ، وَطُعِنَ مُعَاذٌ (¬6) ، فَقَالَ حِينَ اشْتَدَّ بِهِ النَّزْعُ، [نَزْعُ الْمَوْتِ] (¬7) ، فَنَزَعَ نَزْعًا لَمْ يَنْزِعْهُ أَحَدٌ، وَكَانَ كُلَّمَا أَفَاقَ فَتَحَ طَرَفَهُ، وَقَالَ (¬8) : رَبِّ اخْنُقْنِي خَنْقَكَ (¬9) ، فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ قَلْبِي يُحِبُّكَ ". وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَدْ قَالَهَا مَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ، قَالَهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَمَّا قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ، قَالَ الْعُلَمَاءُ بِالسِّيَرِ: طَعَنَهُ جَبَّارُ بْنُ سَلْمَى فَأَنْفَذَهُ، فَقَالَ عَامِرٌ: فُزْتُ وَاللَّهِ، فَقَالَ جَبَّارٌ: مَا قَوْلُهُ: فُزْتُ وَاللَّهِ؟ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: يَرَوْنَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ دَفَنَتْهُ (¬10) . ¬

(¬1) الْحِلْيَةِ: فَاسْتَجَابَ لَهُ فَقَالَ. (¬2) الْحِلْيَةِ: فَلَا تَكُنْ، م: فَلَا تَكُ. (¬3) الْحِلْيَةِ: فَقَالَ مُعَاذٌ. (¬4) ب: وَأَنَا سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، ن، م: وَأَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. (¬5) ح، ر، ي، ب: فَأَمْسَكَ لَيْلَةً، ن، م: فَأَمْسَكُهُ لَيْلَةً. (¬6) الْحِلْيَةِ: فَطُعِنَ. (¬7) عِبَارَةُ (نَزْعِ الْمَوْتِ) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ح) ، (ب) . (¬8) الْحِلْيَةِ: أَفَاقَ مِنْ غَمْرَةٍ فَتَحَ طَرَفَهُ ثُمَّ قَالَ. (¬9) الْحِلْيَةِ: اخْنُقْنِي خَنْقَتَكَ، ن: احْتِفْنِي حَتْفَكَ. (¬10) انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/196، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ، ص 172 زَادِ الْمَعَادِ 3/247 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ وَإِشَارَتَهُ إِلَى وُجُودِ الْخَبَرِ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ.

[وَشَبِيبٌ الْخَارِجِيُّ] (¬1) لَمَّا طُعِنَ دَخَلَ فِي الطَّعْنَةِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى. [وَأَعْرِفُ شَخْصًا مِنْ أَصْحَابِنَا لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ يَقُولُ: حَبِيبِي هَا قَدْ جِئْتُكَ، حَتَّى خَرَجَتْ نَفْسُهُ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ] (¬2) ] . وَأَمَّا خَوْفُ عُمَرَ، فَفِي [صَحِيحِ] الْبُخَارِيِّ (¬3) عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (¬4) وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ - أَيْ يُزِيلُ جَزَعَهُ (¬5) - يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَئِنْ (¬6) كَانَ ذَلِكَ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ الْمُسْلِمِينَ (¬7) فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ، فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ (¬8) مَنٌّ مِنَ اللَّهِ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ (¬9) مَنٌّ مِنَ اللَّهِ (¬10) مَنَّ بِهِ عَلَيَّ. وَأَمَّا مَا تَرَى ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: فَفِي الْبُخَارِيِّ وَالْخَبَرُ التَّالِي فِيهِ 5/12 - 13 كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. (¬4) الْبُخَارِيِّ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. (¬5) عِبَارَةٌ أَيْ يُزِيلُ جَزَعَهُ، لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ. (¬6) ح، ب: لَئِنْ. (¬7) الْبُخَارِيِّ: ثُمَّ صَحِبْتَ صُحْبَتَهُمْ. (¬8) ح، ب: قِرَاءَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ: فَإِنَّ ذَلِكَ. (¬9) ح، ب، ن، م: فَإِنَّ ذَلِكَ. (¬10) الْبُخَارِيِّ: اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ.

مِنْ جَزَعِي فَهُوَ مِنْ أَجْلِكِ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ [ذَهَبًا] (¬1) لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ ". وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (¬2) عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فِي حَدِيثِ قَتْلِ عُمَرَ " يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي، فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ (¬3) فَقَالَ: غُلَامُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ قَتْلِي (¬4) بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ؛ أَيْ: إِنْ شِئْتَ قَتْلَنَا (¬5) . قَالَ: كَذَبْتَ، بَعْدَ مَا تَعَلَّمُوا (¬6) بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ، فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ (¬7) ، فَعَلِمُوا (¬8) أَنَّهُ مَيِّتٌ. فَدَخَلْنَا (¬9) عَلَيْهِ، ¬

(¬1) ذَهَبًا سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَأَثْبَتُّهَا مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَفِي فَتْحِ الْبَارِي 7/52 طِلَاعَ الْأَرْضِ بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ؛ أَيْ: مِلْأَهَا، وَأَصْلُ الطِّلَاعِ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَطْلُعُ عَلَيْهَا وَيَشْرُفُ فَوْقَهَا مِنَ الْمَالِ. (¬2) 5/16 - 17 كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ قِصَّةِ الْبَيْعَةِ. (¬3) ح، ب: ثُمَّ جَاءَهُ، (¬4) ر، م، ي: قِتْلَتِي، الْبُخَارِيِّ: مِيتَتِي. (¬5) ح، م، ب: قَتَلْنَاهُمْ. (¬6) الْبُخَارِيِّ: تَكَلَّمُوا. (¬7) ن، م، ر، ي، ب: قِرَاءَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ جَوْفِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحِ الْبَارِي 7/65) الْمُرَادُ بِالنَّبِيذِ الْمَذْكُورِ تَمَرَاتٌ نُبِذَتْ فِي مَاءٍ، أَيْ نُقِعَتْ فِيهِ، كَانُوا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ لِاسْتِعْذَابِ الْمَاءِ. (¬8) ن، م، ر، ي، قِرَاءَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ: فَعَرَفُوا. (¬9) ح، ب: وَدَخَلْنَا.

[وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ] (¬1) ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدَمٍ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَوَلِيتَ (¬2) فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٍ. قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ (¬3) ذَلِكَ كَفَافًا (¬4) لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الْأَرْضَ. فَقَالَ (¬5) : رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ إِزَارَكَ (¬6) ، فَإِنَّهُ أَبْقَى (¬7) لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ (¬8) مِنَ الدَّيْنِ. فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ (¬9) سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ، قَالَ: إِنْ وَفَّى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ [فَأَدِّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ] (¬10) وَإِلَّا فَسَلْ (¬11) فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ وَإِلَّا فَسَلْ (¬12) فِي قُرَيْشٍ، وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ، انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) الْبُخَارِيِّ: ثُمَّ وَلِيتَ. (¬3) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬4) الْبُخَارِيِّ: كَفَانِ وَفِي قِرَاءَةٍ كَفَافًا. (¬5) الْبُخَارِيِّ: قَالَ. (¬6) الْبُخَارِيِّ: ثَوْبَكَ، م: رِدَاءَكَ. (¬7) ب: قِرَاءَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ: أَنْقَى. (¬8) ن، م: مَاذَا عَلَيَّ. (¬9) ح، ب: فَحَسَبَهُ فَوَجَدَهُ. (¬10) عِبَارَةُ فَأَدِّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ر) ، (ي) وَفِي الْبُخَارِيِّ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. (¬11) ح، ب: فَاسْأَلْ. (¬12) ح، ب: أَمْوَالُهُمْ وَإِلَّا فَاسْأَلْ، الْبُخَارِيِّ: أَمْوَالَهُمْ فَسَلْ.

السَّلَامَ - وَلَا تَقُلْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا - وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. (* فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ (¬1) وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ *) (¬2) . فَقَالَتْ (¬3) : كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ (¬4) عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ. فَقَالَ (¬5) : ارْفَعُونِي. فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ مِنْ ذَلِكَ (¬6) ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ (¬7) فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ وَقُلْ (¬8) : يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي (¬9) إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ " وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. فَفِي نَفْسِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ وَرَعِيَّتُهُ عَنْهُ رَاضُونَ (¬10) مُقِرُّونَ بِعَدْلِهِ فِيهِمْ، وَلَمَّا مَاتَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يُصَابُوا بِمُصِيبَةٍ قَبْلَ مُصِيبَتِهِ، لِعِظَمِهَا عِنْدَهُمْ. ¬

(¬1) ح، ب: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، ن: يَقْرَأُ عَلَيْكُمْ عُمَرُ السَّلَامَ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (م) . (¬3) ح، ر، ي: قَالَتْ. (¬4) الْبُخَارِيِّ: وَلَأُوثِرَنَّ (فَتْحَ الْبَارِي وَلَأُوثِرَنَّهُ بِهِ الْيَوْمَ) . (¬5) الْبُخَارِيِّ: قَالَ. (¬6) الْبُخَارِيِّ: مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ. (¬7) ح، ر، ي، م، ب: قِرَاءَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ: قُبِضْتُ. (¬8) الْبُخَارِيِّ: فَقُلْ. (¬9) ر، ي، ب: فَرُدُّونِي. (¬10) ب: رِضْوَانٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِي تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» ". (¬1) وَلَمْ يَقْتُلْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِرِضَا الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ كَافِرٌ فَارِسِيٌّ مَجُوسِيٌّ. وَخَشْيَتُهُ مِنَ اللَّهِ لِكَمَالِ عِلْمِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 28] . وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ» (¬2) . «وَقَرَأَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 41] قَالَ: " حَسْبُكَ " فَنَظَرْتُ إِلَى عَيْنَيْهِ وَهُمَا تَذْرِفَانِ» (¬3) . وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 9] . ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا مَضَى 1/116. (¬2) الْحَدِيثَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/12 كِتَابِ السَّهْوِ، بَابِ الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ، وَنَصُّهُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ، يَعْنِي يَبْكِي، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/25 - 26 وَأَوَّلُهُ فِيهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ. (¬3) الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/196 كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، بَابِ قَوْلِ الْمُقْرِئِ لِلْقَارِئِ حَسْبُكَ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامَ 3551، 3606، 4118 تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ، ط. الْمَعَارِفِ 8/370.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، قَالَ: " مَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ» " (¬1) . وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2) - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتً تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ " وَقَوْلُهُ: " وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ " قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ، لَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - (¬3) . وَقَالَ - تَعَالَى -: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ - وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ ـ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ 2/72 كِتَابِ الْجَنَائِزِ بَابِ الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ. 5/67 كِتَابِ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابِ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْمَدِينَةَ، 9/34 - 35 كِتَابِ التَّعْبِيرِ، بَابِ رُؤْيَا النِّسَاءِ 9/38 الْكِتَابِ السَّابِقِ، بَابِ الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَخِيرِ: عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكِ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ، قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ، الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 6/436، وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ. (¬2) هُنَا تُوجَدُ وَرَقَةٌ نَاقِصَةٌ مِنْ مُصَوَّرَةٍ (م) وَسَأُشِيرُ إِلَى أَوَّلِ مَا يُوجَدُ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/629

57 - 59] وَفِي التِّرْمِذِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (¬1) : " [قُلْتُ] : (¬2) يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَخَافُ؟ فَقَالَ: " لَا يَا بِنْتَ (¬3) الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يُصَلِّي (¬4) وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ» " (¬5) . وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " وَهَلْ هَذَا إِلَّا مُسَاوٍ لِقَوْلِ الْكَافِرِ: {يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [سُورَةُ النَّبَأِ: 40] . فَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ؛ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَقُولُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةٌ، وَلَا تَنْفَعُ حَسَنَةٌ (¬6) . وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، فَهَذَا يَقُولُهُ فِي دَارِ الْعَمَلِ عَلَى وَجْهِ الْخَشْيَةِ لِلَّهِ، فَيُثَابُ عَلَى خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ. وَقَدْ قَالَتْ مَرْيَمُ: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 23] . وَلَمْ يَكُنْ هَذَا كَتَمَنِّي الْمَوْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَا يُجْعَلُ هَذَا كَقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 77] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} ¬

(¬1) ن: إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ. (¬2) قُلْتُ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬3) ح، ب: يَا ابْنَةَ. (¬4) ن: الرَّجُلُ الَّذِي يُصَلِّي. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/268 (¬6) ن: تَوْبَتُهُ وَلَا تَنْفَعُ حَسَنَتُهُ.

[سُورَةُ الزُّمَرِ: 47] ؛ فَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ (¬1) يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُ تَوْبَةٌ وَلَا خَشْيَةٌ. وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَالْعَبْدُ إِذَا خَافَ رَبَّهُ كَانَ خَوْفُهُ مِمَّا يُثِيبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَمَنْ خَافَ [اللَّهَ] فِي الدُّنْيَا (¬2) أَمَّنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ جَعَلَ خَوْفَ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَبِّهِ فِي الدُّنْيَا كَخَوْفِ الْكَافِرِ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ كَمَنْ جَعَلَ الظُّلُمَاتِ كَالنُّورِ، وَالظِّلَّ كَالْحَرُورِ، وَالْأَحْيَاءَ كَالْأَمْوَاتِ، وَمَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِمْ عَدْلًا يَشْهَدُ بِهِ (¬3) عَامَّتُهُمْ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ ظَلَمَ، فَهُوَ (¬4) أَفْضَلُ مِمَّنْ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْ رَعِيَّتِهِ: إِنَّهُ ظُلْمٌ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ آمِنٌ مِنَ الْعَذَابِ، مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَالْخَوَارِجُ الَّذِينَ كَفَّرُوا عَلِيًّا، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ ظَالِمٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ، مَعَ كَوْنِهِمْ ضُلَّالًا مُخْطِئِينَ، هُمْ رَاضُونَ عَنْ عُمَرَ مُعَظِّمُونَ لِسِيرَتِهِ وَعَدْلِهِ. وَبِعَدْلِ عُمَرَ يُضْرَبُ الْمَثَلُ، حَتَّى يُقَالَ: سِيرَةُ الْعُمَرَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ (¬5) ، كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، أَوْ كَانَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَمَا تَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (¬6) كَأَبِي عُبَيْدٍ [وَغَيْرِهِ] (¬7) ؛ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. ¬

(¬1) ب: أَحْوَالُهُمْ. (¬2) ن: فَمَنْ خَافَ فِي الدُّنْيَا. (¬3) ن: يَشْهَدُهُ. (¬4) فَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) ، وَفِي (ن) : هُوَ. (¬5) ن: أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. (¬6) ن: مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. (¬7) وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّعِيَّةِ لِرَاعِيهَا أَعْظَمُ مِنْ شَهَادَتِهِ هُوَ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 143] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ: " وَجَبَتْ وَجَبَتْ " وَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: " وَجَبَتْ وَجَبَتْ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قَوْلُكَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ قَالَ: " هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقُلْتُ: وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ، وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقُلْتُ: وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» " (¬1) . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يُوشِكُ أَنْ تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ "، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ . قَالَ: " بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَبِالثَّنَاءِ السَّيِّئِ» " (¬2) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَعِيَّةَ عُمَرَ انْتَشَرَتْ شَرْقًا وَغَرْبًا، [وَكَانَتْ رَعِيَّةُ عُمَرَ خَيْرًا مِنْ رَعِيَّةِ عَلِيٍّ] (¬3) ، وَكَانَتْ (¬4) رَعِيَّةُ عَلِيٍّ جُزْءًا (¬5) مِنْ رَعِيَّةِ عُمَرَ، وَمَعَ هَذَا فَكُلُّهُمْ يَصِفُونَ عَدْلَهُ وَزُهْدَهُ وَسِيَاسَتَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ (¬6) ، وَالْأُمَّةُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ تَصِفُ عَدْلَهُ وَزُهْدَهُ وَسِيَاسَتَهُ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا طَعَنَ فِي ذَلِكَ. ¬

(¬1) ح، ب: فِي أَرْضِهِ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/498 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/498 (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) ح، ب: وَكَانَ. (¬5) ن: خَيْرٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن: وَيَعْلَمُونَهُ.

وَالرَّافِضَةُ لَمْ تَطْعَنْ فِي ذَلِكَ، بَلْ لَمَّا غَلَتْ فِي عَلِيٍّ جَعَلَتْ ذَنْبَ عُمَرَ كَوْنَهُ تَوَلَّى، وَجَعَلُوا يَطْلُبُونَ لَهُ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ (¬1) ظُلْمُهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يُحِبُّونَهُ وَيَتَوَلَّوْنَهُ، وَيَشْهَدُونَ بِأَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ، لَكِنَّ نِصْفَ رَعِيَّتِهِ يَطْعَنُونَ فِي عَدْلِهِ؛ فَالْخَوَارِجُ يُكَفِّرُونَهُ، وَغَيْرُ الْخَوَارِجِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ [وَغَيْرِ أَهْلِ بَيْتِهِ] (¬2) يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يُنْصِفْهُمْ، وَشِيعَةُ عُثْمَانَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ عُثْمَانَ، وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَظْهَرْ لَعَلِيٍّ مِنَ الْعَدْلِ، مَعَ كَثْرَةِ الرَّعِيَّةِ وَانْتِشَارِهَا، مَا ظَهَرَ لِعُمَرَ، وَلَا قَرِيبٌ مِنْهُ. وَعُمَرُ لَمْ يُوَلِّ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، وَعَلِيٌّ وَلَّى أَقَارِبَهُ، كَمَا وَلَّى عُثْمَانُ أَقَارِبَهُ، وَعُمَرُ مَعَ هَذَا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ ظَلَمَهُمْ، فَهُوَ أَعْدَلُ وَأَخْوَفُ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَلِيٍّ، فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ. وَعُمَرُ مَعَ رِضَا رَعِيَّتِهِ عَنْهُ، يَخَافُ أَنْ يَكُونَ ظَلَمَهُمْ، وَعَلِيٌّ يَشْكُو مِنْ رَعِيَّتِهِ وَتَظَلُّمِهِمْ (¬3) ، وَيَدْعُو عَلَيْهِمْ وَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُهُمْ وَيُبْغِضُونِي (¬4) ، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي (¬5) . اللَّهُمَّ فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْرًا مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرًّا مِنِّي. {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ؟ ¬

(¬1) بِهِ: كَذَا فِي (ر) ، وَفِي (ن) ، (ح) ، (ي) : لَهُ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن، ب: وَيَظْلِمُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ر: وَيُبْغِضُونَنِي. (¬5) ب: وَأَسْأَمُهُمْ وَيَسْأَمُونِي، ن: وَلِشَتْمِهِمْ وَيَشْتُمُونِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فصل موقف عمر رضي الله عنه عند مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته

[فصل موقف عمر رضي الله عنه عند مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَرَوَى أَصْحَابُ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ (¬3) مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: ائْتُونِي بِدَوَاةٍ وَبَيَاضٍ (¬4) .، أَكْتُبْ (¬5) . لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بِهِ مِنْ بَعْدِي، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَهْجُرُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اخْرُجُوا عَنِّي، لَا يَنْبَغِي (¬6) التَّنَازُعُ لَدَيَّ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرَّزِيَّةُ كُلُّ الرَّزِيَّةِ مَا (¬7) حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كِتَابِ (¬8) رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ عُمَرُ (¬9) لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا مَاتَ مُحَمَّدٌ (¬10) وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِيَ رِجَالٍ ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الْحَادِي وَالثَلَاثُونَ. (¬2) فِي (ك) ص [0 - 9] 36 (م) . (¬3) السِّتَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬4) ح، ر، ب، ي: وَقِرْطَاسٍ (¬5) ك: لِأَكْتُبَ (¬6) ح، ب: مَا يَنْبَغِي. (¬7) ك: فِيمَا. (¬8) ح، ر، ن، ي: كِتَابَةِ. (¬9) عُمَرُ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬10) ك: وَاللَّهِ مَا مَاتَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

وَأَرْجُلَهُمْ، فَلَمَّا نَهَاهُ (¬1) أَبُو بَكْرٍ وَتَلَا عَلَيْهِ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 30] وَقَوْلَهُ: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] قَالَ: كَأَنِّي مَا سَمِعْتُ (¬2) هَذِهِ الْآيَةَ» ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَمَّا عُمَرُ فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدٍ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» "، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ " مُحَدِّثُونَ ": مُلْهَمُونَ (¬3) . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّهُ قَدْ (¬4) كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ (¬5) مُحَدِّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ] » " (¬6) وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ (¬7) : " «لَقَدْ كَانَ ¬

(¬1) ك: نَبَّهَهُ. (¬2) ن: مَا كَأَنِّي سَمِعْتُ. (¬3) الْحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي مُسْلِمٍ 4/1864 كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابِ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ. (¬4) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬5) مِنَ الْأُمَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ي) ، (ر) . (¬6) بْنُ الْخَطَّابِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/174 كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ، بَابِ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/285 كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 6/55، (¬7) ن، ح، ب: وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ.

فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلِّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ (¬1) فَعُمَرُ» (¬2) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ [فِيهِ لَبَنٌ] (¬3) ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى أَنِّي لَأَرَى (¬4) الرَّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْعِلْمُ» " (¬5) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ ". قَالُوا: مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الدِّينُ» " (¬6) ¬

(¬1) ن: أَحَدٌ مِنْهُمْ. (¬2) " الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/12 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابِ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ. . (¬3) فِيهِ لَبَنٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ح، ر، ي: أَرَى. (¬5) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ 1/23 - 24 كِتَابِ الْعِلْمِ، بَابِ فَضْلِ الْعِلْمِ، 9/35. كِتَابِ التَّعْبِيرِ، بَابِ اللَّبَنِ، بَابِ إِذَا جَرَى اللَّبَنُ فِي أَطْرَافِهِ وَأَظَافِيرِهِ 9/40 كِتَابِ التَّعْبِيرِ، بَابِ إِذَا أَعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِي النَّوْمِ، 9/41 كِتَابِ التَّعْبِيرِ بَابِ الْقَدَحِ فِي النَّوْمِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ 4/1859 - 1860 كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابِ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/282 كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابِ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَابِ 69، الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامَ 5554، 6142، 6143، 6343، 6344، 6426. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/12 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابِ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ 9/35 - 36 كِتَابِ التَّعْبِيرِ، بَابِ الْقَمِيصِ فِي الْمَنَامِ، 9/36، كِتَابِ التَّعْبِيرِ، بَابِ جَرِّ الْقَمِيصِ فِي الْمَنَامِ، مُسْلِمٍ 4/1859 كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابِ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ، الْمُسْنَدَ 3/86، 5/374.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ (¬1) : فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أَسَارَى بَدْرٍ ". (¬2) . وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 125] (¬3) وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ، وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ أَزْوَاجِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ، أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللَّهُ رَسُولَهُ خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَتْ (¬4) إِحْدَى نِسَائِهِ فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ، أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} الْآيَةَ [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 5] (¬5) . ¬

(¬1) عِنْدَ عِبَارَةِ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ تَعُودُ نُسْخَةُ (م) . (¬2) وَجَدْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مُسْلِمٍ 4/1865 كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابِ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ، وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ب) فَقَطْ. (¬4) ر، ن، ي: أَتَيْتُ. (¬5) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/85 كِتَابِ الصَّلَاةِ بَابِ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ، 5/20، كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَابِ قَوْلِهِ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 1/323، 263، وَالْحَدِيثُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، الْأَرْقَامَ 434، 435، 437، 493، 494، 495، 682.

وَأَمَّا قِصَّةُ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَهُ، فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ: " ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» " سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/492، 511. وَفِي [صَحِيحِ] الْبُخَارِيِّ (¬1) عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: «قَالَتْ عَائِشَةُ: وَا رَأْسَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ (¬2) فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ ". قَالَتْ عَائِشَةُ: وَا ثُكْلَاهُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنَّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهُ. لَقَدْ هَمَّتْ أَنْ (¬3) أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدُ (¬4) : أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، وَيَدْفَعَ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ» " (¬5) . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (¬6) عَنْ [ابْنِ] (¬7) أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، ¬

(¬1) ن: وَفِي الْبُخَارِيِّ: وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 7/119 كِتَابِ الْمَرْضَى، بَابِ قَوْلِ الْمَرِيضِ إِنِّي وَجِعٌ أَوْ وَا رَأْسَاهُ. (¬2) م: لَوْ كَانَ ذَاكَ وَأَنَا حَيٌّ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: ذَاكَ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ. (¬3) الْبُخَارِيِّ: لَقَدْ هَمَمْتُ ـ أَوْ أَرَدْتُ ـ أَنْ. (¬4) ح، ب: فَأَعْهَدُ. (¬5) الْبُخَارِيِّ: الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ، وَانْظُرِ الْحَدِيثَ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ 9/80 - 81 كِتَابِ الْأَحْكَامِ، بَابِ الِاسْتِخْلَافِ. (¬6) 4/1856 كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابِ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. (¬7) ابْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

وَسُئِلْتُ: مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، فَقِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ. قِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَنْ بَعْدَ عُمَرَ؟ قَالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ (¬1) بْنُ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا (¬2) وَأَمَّا عُمَرُ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ هَلْ كَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ، أَوْ كَانَ مِنْ أَقْوَالِهِ الْمَعْرُوفَةِ؟ وَالْمَرَضُ جَائِزٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ: " مَا لَهُ؟ أَهَجَرَ (¬3) ؟ " فَشَكَّ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّهُ هَجَرَ، وَالشَّكُّ جَائِزٌ عَلَى عُمَرَ، فَإِنَّهُ لَا مَعْصُومَ إِلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا وَقَدْ شَكَّ (¬4) بِشُبْهَةٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَرِيضًا، فَلَمْ يَدْرِ أَكَلَامُهُ (¬5) كَانَ مِنْ وَهَجِ الْمَرَضِ، كَمَا يَعْرِضُ لِلْمَرِيضِ، أَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَجِبُ قَبُولُهُ؟ وَكَذَلِكَ (¬6) . ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ حَتَّى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ (¬7) . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَزَمَ عَلَى (¬8) أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ الَّذِي ¬

(¬1) عَامِرٌ: فِي (ح) فَقَطْ، وَلَيْسَتْ فِي مُسْلِمٍ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/497. (¬3) انْظُرْ عَنْ كَلَامِ عُمَرَ عِنْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ النَّبِيِّ: ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا، الْحَدِيثَ، حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّالِي الَّذِي قَالَ فِيهِ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ. . . إِلَخْ، وَانْظُرْ مَوَاضِعَ الْحَدِيثِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ، فَهِيَ نَفْسُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا كَلَامُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬4) ن: يَشُكُّ. (¬5) ن: فَلَمْ يَدْرِ أَنَّ كَلَامَهُ، ب: فَلَمْ يَدْرِ أَكَلَامُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ب: وَلِذَلِكَ (¬7) ن: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. (¬8) ن: عَرَضَ عَلَيَّ.

ذَكَرَهُ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الشَّكَّ قَدْ وَقَعَ، عَلِمَ أَنَّ الْكِتَابَ لَا يَرْفَعُ الشَّكَّ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُهُمْ عَلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: " «وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» ". وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: " إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ " (¬1) يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْحَائِلَ كَانَ رَزِيَّةً، وَهُوَ رَزِيَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ شَكَّ (¬2) . فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، أَوِ اشْتَبَهَ (¬3) عَلَيْهِ الْأَمْرُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ كِتَابٌ لَزَالَ هَذَا الشَّكُّ، فَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّ خِلَافَتَهُ حَقٌّ فَلَا رَزِيَّةَ فِي حَقِّهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ كَانَ بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ فَهُوَ ضَالٌّ بِاتِّفَاقِ [عَامَّةِ النَّاسِ] (¬4) عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَمُتَّفِقُونَ عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَتَقْدِيمِهِ. وَأَمَّا الشِّيعَةُ (¬5) الْقَائِلُونَ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْإِمَامَةِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى إِمَامَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَصًّا جَلِيًّا ظَاهِرًا مَعْرُوفًا، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلَى كِتَابٍ. ¬

(¬1) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 1/30 كِتَابِ الْعِلْمِ، بَابِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ 6/9 - 10 كِتَابِ الْمَغَازِي، بَابِ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَّ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ 7/130 كِتَابِ الْمَرْضَى، بَابِ قَوْلِ الْمَرِيضِ قُومُوا عَنِّي، 9/111 - 112 كِتَابِ الِاعْتِصَامِ، بَابِ كَرَاهِيَةِ الْخِلَافِ، مُسْلِمٍ 3/1257 - 1258 كِتَابِ الْوَصِيَّةِ بَابِ تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 4/356، 5/45 (¬2) ن: مَنْ يَشُكُّ (¬3) ح، ر، م، ي: وَاشْتَبَهَ. (¬4) مِنْ مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن: وَأَمَّا أَهْلُ الشِّيعَةِ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْأُمَّةَ جَحَدَتِ النَّصَّ الْمَعْلُومَ الْمَشْهُورَ، فَلِأَنْ تَكْتُمَ (¬1) كِتَابًا حَضَرَهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَأَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْكِتَابِ لِشَكِّ مَنْ شَكَّ، فَلَوْ كَانَ مَا يَكْتُبُهُ فِي الْكِتَابِ مِمَّا يَجِبُ بَيَانُهُ وَكِتَابَتُهُ، لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُهُ وَيَكْتُبُهُ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ، فَإِنَّهُ أَطْوَعُ الْخَلْقِ لَهُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الْكِتَابَ لَمْ يَكُنِ الْكِتَابُ وَاجِبًا، وَلَا كَانَ فِيهِ مِنَ الدِّينِ مَا تَجِبُ كِتَابَتُهُ حِينَئِذٍ، إِذْ لَوْ وَجَبَ لَفَعَلَهُ، وَلَوْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، فَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِمَّنْ يُفْتِي وَيَقْضِي بِأُمُورٍ وَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِخِلَافِهَا، مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ قَدْ عَلِمَ حُكْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي الْحَقِّ أَخَفُّ مِنَ الْجَزْمِ بِنَقِيضِهِ. وَكُلُّ هَذَا [إِذَا كَانَ] (¬2) بِاجْتِهَادٍ سَائِغٍ كَانَ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَطَأِ الَّذِي رَفَعَ اللَّهُ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ، كَمَا قَضَى عَلِيٌّ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، مَعَ مَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا السَّنَابِلِ بْنَ بَعْكَكٍ أَفْتَى بِذَلِكَ لِسُبَيْعَةَ (¬3) الْأَسْلَمِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كَذَبَ ¬

(¬1) ح، ر: فَلِأَنْ يَكْتُبَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ن، م، ي: فَلِأَنْ يَكْتُمَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (ح) ، (ب) . (¬3) ب: سُبَيْعَةَ.

أَبُو السَّنَابِلِ، [بَلْ حَلَلْتِ] » (¬1) فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ " (¬2) . فَقَدْ كَذَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الَّذِي أَفْتَى بِهَذَا، وَأَبُو السَّنَابِلِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهَذَا مَعَ حُضُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِنْ كَانَا أَفْتَيَا بِذَلِكَ، [لَكِنْ] (¬3) كَانَ ذَلِكَ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُمَا قِصَّةُ سُبَيْعَةَ. وَهَكَذَا سَائِرُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، إِذَا اجْتَهَدُوا فَأَفْتَوْا وَقَضَوْا وَحَكَمُوا بِأَمْرٍ، وَالسُّنَّةُ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ تَبْلُغْهُمُ السُّنَّةُ، كَانُوا مُثَابِينَ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، مُطِيعِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِيمَا فَعَلُوهُ مِنَ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِمْ، وَلَهُمْ أَجْرٌ عَلَى ذَلِكَ (¬4) ، وَمَنِ اجْتَهَدَ مِنْهُمْ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ. وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ: هَلْ يُقَالُ: كُلٌّ مُجْتَهِدٌ مُصِيبٌ؟ أَمِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ؟ وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّهُ [إِنْ] (¬5) أُرِيدَ بِالْمُصِيبِ الْمُطِيعُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ فَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَهَذَا عَاجِزٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَسَقَطَ [عَنْهُ] (¬6) . ¬

(¬1) بَلْ حَلَلْتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَقَطَتْ بَلْ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/243. (¬3) لَكِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: وَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَجْرٌ. (¬5) إِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) ن: فَيُسْقِطُهُ، م: فَيَسْقُطُ عَنْهُ.

وَإِنْ عَنِيَ بِالْمُصِيبِ الْعَالِمَ بِحُكْمِ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَالْمُصِيبُ لَيْسَ إِلَّا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ. وَهَذَا كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقِبْلَةِ، إِذَا أَفْضَى اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى جِهَةٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْفَرْضُ سَاقِطٌ عَنْهُ بِصَلَاتِهِ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي اعْتَقَدَ أَنَّهَا الْكَعْبَةُ، وَلَكِنَّ الْعَالِمَ بِالْكَعْبَةِ الْمُصَلِّيَ إِلَيْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ، وَهَذَا قَدْ فَضَّلَهُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَأَجْرُهُ أَعْظَمُ، كَمَا أَنَّ " «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) وَكَذَلِكَ قَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُفَوَّضَةِ بِأَنَّ مَهْرَهَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، مَعَ قَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرَوْعِ بِنْتِ وَاشِقٍ بِأَنَّ لَهَا مَهْرَ نِسَائِهَا (¬2) . وَكَذَلِكَ طَلَبُهُ نِكَاحَ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى غَضَبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ (¬3) «وَقَوْلُهُ لَمَّا نَدَبَهُ وَفَاطِمَةَ [النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬4) إِلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ، فَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ لَمَّا قَالَ: " أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ " (¬5) فَقَالَ ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 4/2052 كِتَابِ الْقَدَرِ، بَابِ فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/31 الْمُقَدِّمَةِ، بَابِ فِي الْقَدَرِ، 2/1395 كِتَابِ الزُّهْدِ، بَابِ التَّوَكُّلِ وَالْيَقِينِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 16/321، 17/20. (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 4/183 (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 4/250 - 251. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) أَلَا تُصَلِّيَانِ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَلَا تُصَلُّونَ.

عَلِيٌّ: إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَوَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: " {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} » " (¬1) وَأَمْثَالُ هَذَا إِذَا (¬2) لَمْ يَقْدَحْ فِي عَلِيٍّ لِكَوْنِهِ كَانَ مُجْتَهِدًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنَ الْحَقِّ، فَكَذَلِكَ عُمَرُ لَا يُقْدَحُ فِيهِ مَا قَالَهُ بِاجْتِهَادِهِ، مَعَ رُجُوعِهِ إِلَى مَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنَ الْحَقِّ. وَالْأُمُورُ الَّتِي كَانَ يَنْبَغِي لِعَلِيٍّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا (¬3) أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَ يَنْبَغِي لِعُمَرَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا (¬4) ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ رَجَعَ عَنْ عَامَّةِ تِلْكَ الْأُمُورِ، وَعَلِيٌّ عُرِفَ رُجُوعُهُ عَنْ بَعْضِهَا فَقَطْ، كَرُجُوعِهِ عَنْ خِطْبَةِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ، وَأَمَّا بَعْضُهَا: كَفُتْيَاهُ بِأَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلَ تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، وَأَنَّ الْمُفَوِّضَةَ لَا مَهْرَ لَهَا إِذَا مَاتَ الزَّوْجُ، وَقَوْلُهُ: [إِنَّ الْمُخَيَّرَةَ] (¬5) إِذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ (¬6) ، مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ نِسَاءَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا. فَهَذِهِ لَمْ يُعْرَفْ إِلَّا بَقَاؤُهُ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ، وَكَذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ " (¬7) وَذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ¬

(¬1) مَضَى الْحَدِيثُ فِيمَا سَبَقَ 3/85. (¬2) إِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬3) ن: مِنْهَا. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ر) . (¬5) إِنَّ الْمُخَيَّرَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن: إِذَا اجْتَازَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، م: إِذَا اخْتَارَهَا نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ. (¬7) ذَكَرَ سَزْكِينُ هَذَا الْكِتَابَ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ ضِمْنَ الْمُجَلَّدِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِهِ الْأُمِّ، انْظُرْ سَزْكِينَ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 185 وَوَجَدْتُ هَذَا الْكِتَابَ ضِمْنَ الْجُزْءِ السَّابِعِ مِنْ ص 163 - 191 مِنْ كِتَابِ الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ، تَصْحِيحُ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ زَهْرِيٍّ النَّجَّارِ، الْقَاهِرَةَ 1381 1961

فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه والكلام على موقفه من فدك

الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ " رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ " (¬1) وَأَكْثَرُهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ، إِمَّا بِإِسْنَادٍ، وَإِمَّا بِغَيْرِ إِسْنَادٍ، مِثْلُ مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَسُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَمُصَنَّفِ وَكِيعٍ، وَمُصَنَّفِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُنَنِ الْأَثْرَمِ، وَمَسَائِلِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، وَصَالِحٍ، وَأَمْثَالُهُمْ مِثْلُ كِتَابِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ (¬2) ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ. [فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه والكلام على موقفه من فدك] فَصْلٌ (¬3) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَلَمَّا وَعَظَتْ فَاطِمَةُ (¬5) . أَبَا بَكْرٍ فِي فَدَكٍ، كَتَبَ لَهَا كِتَابًا بِهَا (¬6) ، وَرَدَّهَا عَلَيْهَا، فَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ، ¬

(¬1) لَمْ يَذْكُرْ سَزْكِينُ هَذَا الْكِتَابَ ضِمْنَ الْكُتُبِ الْمَخْطُوطَةِ الْمَوْجُودَةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ: انْظُرْ: م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 97 - 198، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ كِتَابًا بِهَذَا الْعُنْوَانِ لِلْبُخَارِيِّ انْظُرْ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 258 (¬2) وَالطَّحَاوِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: فِي (ح) ، (ب) : الطَّبَرِيُّ وَابْنُ نَصْرٍ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " وَالطَّحَاوِيِّ " مِنْ (ر) ، (ي) . (¬3) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَلَاثُونَ. (¬4) فِي (ك) ص 137 (م) . (¬5) ك: فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ (¬6) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ك) .

فَلَقِيَهَا (¬1) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَحَرَّقَ (¬2) الْكِتَابَ، فَدَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا فَعَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ بِهِ، وَعَطَّلَ حُدُودَ (¬3) اللَّهِ فَلَمْ يَحُدَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، وَكَانَ (¬4) . يُعْطِي عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَغَيَّرَ حُكْمَ اللَّهِ فِي الْمَنْفَيِّينَ (¬5) ، وَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ فِي الْأَحْكَامِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَسْتَرِيبُ (¬6) فِيهِ عَالِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُعْرَفْ لَهُ إِسْنَادٌ، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكْتُبْ فَدَكًا قَطُّ لِأَحَدٍ لَا لِفَاطِمَةَ، وَلَا غَيْرِهَا (¬7) ، وَلَا دَعَتْ فَاطِمَةُ عَلَى عُمَرَ. وَمَا فَعَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ كَرَامَةٌ فِي حَقِّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَعْظَمُ مِمَّا فَعَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَا فَعَلَهُ قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ. فَإِنَّ أَبَا لُؤْلُؤَةَ كَافِرٌ قَتَلَ عُمَرَ كَمَا يَقْتُلُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ أَعْظَمُ مِنْ شَهَادَةِ مَنْ يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ؛ فَإِنَّ قَتِيلَ الْكَافِرِ أَعْظَمُ دَرَجَةٍ مِنْ قَتِيلِ الْمُسْلِمِينَ (¬8) ، وَقَتْلُ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لِعُمَرَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ بِمُدَّةِ ¬

(¬1) ن: فَلَفَتَهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) فَحَرَّقَ: كَذَا فِي (ك) ، (م) ، وَفِي (ب) فَمَزَّقَ، وَفِي (ن) ، (ر) ، (ح) ، (ي) فَخَرَقَ. (¬3) ك: حَدَّ. (¬4) ك: فَكَانَ (¬5) ن: الْمُتَّقِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: لَمْ يَسْتَرِبْ. (¬7) ب: وَلَا لِغَيْرِهَا. (¬8) ن، م: فَإِنَّ قَتْلَ الْكُفَّارِ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ.

خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ (¬1) أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ بِسَبَبِ دُعَاءٍ حَصَلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. وَالدَّاعِي إِذَا دَعَا عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنْ يَقْتُلَهُ كَافِرٌ، كَانَ ذَلِكَ دُعَاءً (¬2) لَهُ لَا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لِأَصْحَابِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: " «يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ " فَيَقُولُونَ: لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ» ! [وَكَانَ] (¬3) . إِذَا دَعَا لِأَحَدٍ بِذَلِكَ اسْتُشْهِدَ (¬4) وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ عَلِيًّا ظَلَمَ أَهْلَ صِفِّينَ وَالْخَوَارِجَ حَتَّى دَعَوْا عَلَيْهِ بِمَا فَعَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ، لَمْ يَكُنْ هَذَا أَبْعَدُ عَنِ الْمَعْقُولِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إِنَّ آلَ [سُفْيَانَ بْنِ] حَرْبٍ (¬5) دَعَوْا عَلَى الْحُسَيْنِ بِمَا فُعِلَ بِهِ. ¬

(¬1) ن، م: يَعْلَمُ. (¬2) ر، ح، ي: الدُّعَاءُ. (¬3) وَكَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬4) الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَمَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/130 - 131 كِتَابِ الْمَغَازِي بَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، 9/7 - 8 كِتَابِ الدِّيَّاتِ، بَابِ إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلَا دِيَةَ لَهُ، مُسْلِمٍ 3/1427 - 1429 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، 3/1433 - 1441 كِتَابِ السَّابِقِ، بَابِ غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ وَغَيْرِهَا، وَهَذِهِ أَوْفَى الرِّوَايَاتِ وَأَدُلُّهَا عَلَى مَا قَصَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَفِيهَا 3/1440: فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا عَامِرٌ، قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ، قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْلَا مَا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ، فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/46، 47 - 48، 50، 51 - 52. (¬5) ن، م: إِنَّ آلَ حَرْبٍ.

وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي فَدَكٍ؛ [لَمْ] (¬1) يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، وَلَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي حِرْمَانِ [أَهْلِ] (¬2) . بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ كَانَ يُقَدِّمُهُمْ فِي الْعَطَاءِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَيُفَضِّلُهُمْ فِي الْعَطَاءِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، حَتَّى أَنَّهُ «لَمَّا وَضَعَ الدِّيوَانَ لِلْعَطَاءِ، وَكَتَبَ أَسْمَاءَ النَّاسِ، قَالُوا: نَبْدَأُ بِكَ؟ قَالَ: لَا ابْدَأُوا بِأَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعُوا عُمَرَ حَيْثُ وَضَعَهُ اللَّهُ، فَبَدَأَ بِبَنِي هَاشِمٍ، وَضَمَّ إِلَيْهِمْ بَنِي الْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ " (¬3) فَقَدَّمَ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَفَرَضَ لَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّا فَرَضَ لِنُظَرَائِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِلِ، وَفَضَّلَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْعَطَاءِ، فَغَضِبَ ابْنُهُ وَقَالَ: تُفَضِّلُ عَلَيَّ أُسَامَةَ؟ قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْكَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَحَبَّ إِلَى [رَسُولِ اللَّهِ] مِنْ أَبِيكَ» (¬4) . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِهِ بَنِي هَاشِمٍ وَتَفْضِيلِهِ لَهُمْ أَمْرٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ بِالسِّيَرِ، لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ اثْنَانِ، فَمَنْ تَكُونُ هَذِهِ مُرَاعَاتُهُ لِأَقَارِبِ الرَّسُولِ وَعِتْرَتِهِ، أَيَظْلِمُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَسَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهِيَ مُصَابَةٌ [بِهِ] (¬5) فِي يَسِيرٍ مِنَ الْمَالِ، وَهُوَ يُعْطِي أَوْلَادَهَا أَضْعَافَ ¬

(¬1) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/594 (¬4) ن، م، ي: أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِيكَ، ر: أَحَبَّ إِلَى أَبِيهِ مِنْكَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ي) .

قول الرافضي أن عمر عطل حدود الله فلم يحد المغيرة بن شعبة والرد عليه

ذَلِكَ الْمَالِ، وَيُعْطِي مَنْ هُوَ أَبْعَدُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا وَيُعْطِي عَلِيًّا؟ ! . ثُمَّ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ بِأَنَّ طُلَّابَ الْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ، بَلْ يُكْرِمُونَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ لَا يَصْلُحْنَ لِلْمُلْكِ، فَكَيْفَ يُجْزِلُ (¬1) الْعَطَاءَ لِلرِّجَالِ، وَالْمَرْأَةُ يَحْرِمُهَا مِنْ حَقِّهَا، لَا لِغَرَضٍ أَصْلًا لَا دِينِيٍّ وَلَا دُنْيَوِيٍّ؟ ! [قَوْلُ الرَّافِضِيِّ أن عمر عَطَّلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يُحِدَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ والرد عليه] وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " وَعَطَّلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يُحِدَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي قِصَّةِ الْمُغِيرَةِ، وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ إِذَا لَمْ تَكْمُلْ حَدَّ الشُّهُودَ، وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ لَمْ يُنَازِعْ فِي أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا يَرُدُّ عَلَى عَلِيٍّ بِتَعْطِيلِ إِقَامَةِ (¬2) الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَعْظَمُ، فَإِذَا كَانَ الْقَادِحُ فِي عَلِيٍّ مُبْطِلًا، فَالْقَادِحُ فِي عُمَرَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. وَالَّذِي فَعَلَهُ بِالْمُغِيرَةِ كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَأَقَرُّوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ مِنْهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إِقْرَارِ عَلِيٍّ [لَهُ] (¬3) . أَنَّهُ لَمَّا جَلَدَ الثَّلَاثَةَ الْحَدَّ، أَعَادَ أَبُو بَكْرَةَ الْقَذْفَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ زَنَى، فَهَمَّ عُمَرُ بِجِلْدِهِ ثَانِيًا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ كُنْتَ جَالِدَهُ فَارْجُمِ الْمُغِيرَةَ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إِنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ (¬4) . فَقَدْ حُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ (¬5) بِمَنْزِلَةِ قَوْلٍ ثَانٍ فَقَدْ ¬

(¬1) ح: يُجِيزُ. (¬2) إِقَامَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) ن: إِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَوَّلَ، م: إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ (¬5) ح، ر، ي: وَإِنْ جُعِلَ.

تَمَّ النِّصَابُ [أَرْبَعَةٌ] (¬1) ، فَيَجِبُ رَجْمُهُ (¬2) . فَلَمْ يَحُدَّهُ عُمَرُ (¬3) ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى رِضَا عَلِيٍّ بِحَدِّهِمْ أَوَّلًا (¬4) . دُونَ الْحَدِّ الثَّانِي، وَإِلَّا كَانَ أَنْكَرَ حَدَّهُمْ أَوَّلًا، كَمَا أَنْكَرَ الثَّانِيَ. وَكَانَ مَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ يُرَاجِعُ عُمَرَ وَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيَرْجِعُ عُمَرُ إِلَى قَوْلِهِ؛ فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (¬5) : " قَدَّمَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ عَلَى [ابْنِ] (¬6) أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ (¬7) ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ (¬8) يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابُ مَجَالِسِ (¬9) عُمَرَ كُهُولًا (¬10) كَانُوا أَوْ شُبَّانًا. فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي لَكَ وَجْهٌ (¬11) عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ (¬12) لِي عَلَيْهِ. فَقَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ ¬

(¬1) أَرْبَعَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) عِبَارَةُ (فَيَجِبُ رَجْمُهُ) سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬3) ن، م: فَلَمْ يَجْلِدْهُ عُمَرُ. (¬4) ن، م: وَهَذَا دَلِيلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْدُّهُمْ أَوَّلًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) جَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ 6/60 كِتَابِ التَّفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ 9/94 كِتَابِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابِ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬6) ابْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) الْبُخَارِيِّ: عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ. (¬8) ن: الَّذِي. (¬9) ح، ب: الْبُخَارِيُّ ج [0 - 9] : مَجْلِسٌ. (¬10) الْبُخَارِيِّ: عُمَرُ وَمُشَاوَرَتُهُ كُهُولًا. (¬11) الْبُخَارِيِّ: هَلْ لَكَ وَجْهٌ. (¬12) الْبُخَارِيِّ ج [0 - 9] : فَتَسْتَأْذِنُ.

لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ (¬1) . فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 199] وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ عُمَرُ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ ". وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنَ الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، حَتَّى أَنَّهُ أَقَامَ عَلَى ابْنِهِ الْحَدَّ لَمَّا شَرِبَ (¬2) بِمِصْرَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ضَرَبَهُ الْحَدَّ، [لَكِنْ] (¬3) كَانَ (¬4) ضَرَبَهُ سِرًّا فِي الْبَيْتِ، وَكَانَ النَّاسُ يُضْرَبُونَ عَلَانِيَةً، فَبَعَثَ عُمَرُ إِلَى عَمْرٍو يَزْجُرُهُ وَيَتَهَدَّدُهُ (¬5) ، لِكَوْنِهِ حَابَى ابْنَهُ، ثُمَّ طَلَبَهُ فَضَرَبَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا لَكَ هَذَا، فَزَجَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَذِبٌ عَلَى عُمَرَ، وَضَرْبُ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ (¬6) . وَأَخْبَارُ عُمَرَ الْمُتَوَاتِرَةُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ هُنَا. ¬

(¬1) الْبُخَارِيِّ: هَمَّ بِهِ، وَفِي قِرَاءَةِ هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، وَفِي قِرَاءَةِ: هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ. (¬2) ح، ر، ي: لَمَّا أَنْ شَرِبَ. (¬3) لَكِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) . (¬5) ن، م: وَيَتَوَعَّدُهُ. (¬6) ن، م: لَا يَحِلُّ، وَانْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، ص 207 - 209 وَانْظُرْ قَوْلَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ ص 209 فَسَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ عَلَى قَتَبٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمْرٌو، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى عُمَرَ جَلَدَهُ وَعَاقَبَهُ مِنْ أَجْلِ مَكَانِهِ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَلَبِثَ شَهْرًا صَحِيحًا، ثُمَّ أَصَابَهُ قَدَرُهُ، فَتَحَسَّبَ عَامَّةُ النَّاسِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْ جَلْدِهِ، قُلْتُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَإِنَّمَا شَرِبَ النَّبِيذَ مُتَأَوِّلًا يَظُنُّ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ لَا يُسْكِرُ، وَكَذَلِكَ أَبُو سَرْوَعَةَ، وَأَبُو سَرْوَعَةَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَلَمَّا خَرَجَ بِهِمَا الْأَمْرُ إِلَى السُّكْرِ طَلَبَا التَّطْهِيرَ بِالْحَدِّ، وَقَدْ كَانَ يَكْفِيهِمَا مُجَرَّدُ النَّدَمِ عَلَى التَّفْرِيطِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا غَضِبَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا الْمُفْرِطَةِ، فَأَسْلَمَاهَا إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَأَمَّا كَوْنُ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى وَلَدِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ حَدًّا، وَإِنَّمَا ضَرَبَهُ غَضَبًا وَتَأْدِيبًا وَإِلَّا فَالْحَدُّ لَا يُكَرَّرُ، وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْمٌ مِنَ الْقُصَّاصِ فَأَبَدَأُوا فِيهِ وَأَعَادُوا، فَتَارَةً يَجْعَلُونَ هَذَا الظَّنَّ مَضْرُوبًا عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَتَارَةً عَلَى الزِّنَا، وَيَذْكُرُونَ كَلَامًا مُلَفَّقًا يُبْكِي الْعَوَامَّ، وَانْظُرْ أَخْبَارَ عُمَرَ لِعَلِيٍّ وَنَاجِي طَنْطَاوِيٍّ ص 382 - 383.

كلام الرافضي على عطايا عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم

وَأَيُّ غَرَضٍ كَانَ لِعُمَرَ فِي الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؟ ! وَكَانَ عُمَرُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَالْمِيزَانِ الْعَادِلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إِلَى ذَا الْجَانِبِ وَلَا ذَا الْجَانِبِ. [كلام الرافضي على عطايا عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم] وَقَوْلُهُ: " وَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، وَكَانَ يُعْطِي عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ مِنَ الْمَالِ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ". فَالْجَوَابُ: أَمَّا حَفْصَةُ فَكَانَ يُنْقِصُهَا مِنَ الْعَطَاءِ لِكَوْنِهَا ابْنَتَهُ، كَمَا نَقَصَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ (¬1) . وَهَذَا مِنْ كَمَالِ احْتِيَاطِهِ فِي الْعَدْلِ، وَخَوْفِهِ مَقَامَ رَبِّهِ، وَنَهْيِهِ نَفْسَهُ عَنِ الْهَوَى، وَهُوَ كَانَ يَرَى التَّفْضِيلَ فِي الْعَطَاءِ بِالْفَضْلِ، فَيُعْطِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِمَّا يُعْطِي غَيْرَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، كَمَا كَانَ يُعْطِي بَنِي هَاشِمٍ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ وَآلِ الْعَبَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي أَعْدَادَهُمْ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِلِ، فَإِذَا فَضَّلَ شَخْصًا كَانَ لِأَجْلِ اتِّصَالِهِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِسَابِقَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: ¬

(¬1) ن، م: عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ.

فصل الرد على قول الرافضي في عمر: وغير حكم الله في المنفيين

لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ وَغِنَاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَسَابِقَتُهُ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ، فَمَا (¬1) كَانَ يُعْطِي مَنْ يُتَّهَمُ عَلَى إِعْطَائِهِ بِمُحَابَاةٍ فِي صَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ، بَلْ كَانَ يُنْقِصُ ابْنَهُ وَابْنَتَهُ وَنَحْوَهُمَا عَنْ نُظَرَائِهِمْ فِي الْعَطَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُفَضِّلُ بِالْأَسْبَابِ الدِّينِيَّةِ الْمَحْضَةِ، وَيُفَضِّلُ أَهْلَ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ الْبُيُوتَاتِ وَيُقَدِّمُهُمْ. وَهَذِهِ السِّيرَةُ لَمْ يَسِرْهَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ لَا عُثْمَانُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا، فَإِنْ قُدِحَ فِيهِ بِتَفْضِيلِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُقْدَحْ فِيهِ بِتَفْضِيلِ رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ وَتَقْدِيمِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ. [فصل الرد على قول الرافضي في عمر: وغيَّر حكم الله في المنفيين] فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَغَيَّرَ (¬2) حُكْمَ اللَّهِ فِي الْمَنْفَيِّينَ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّغْيِيرَ لِحُكْمِ اللَّهِ بِمَا يُنَاقِضُ (¬3) حُكْمَ اللَّهِ، مِثْلُ إِسْقَاطِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَالنَّفْيُ فِي الْخَمْرِ كَانَ (¬4) مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يُقَدِّرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّهَا لَا قَدْرَهُ وَلَا صِفَتَهُ، بَلْ جَوَّزَ فِيهَا (¬5) الضَّرْبَ ¬

(¬1) ن: كَمَا. (¬2) ن، م: فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ: وَغَيَّرَ. . . (¬3) م، ر، ي: يَكُونُ بِمَا يُنَاقِضُ. (¬4) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬5) ح، ب: فِيهِ.

بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ (¬1) وَعُثْكُولِ النَّخْلِ (¬2) . وَالضَّرْبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالزِّنَا إِنَّمَا يَكُونُ بِالسَّوْطِ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فِي الْخَمْرِ (¬3) فَقَدْ ضَرَبَ الصَّحَابَةُ أَرْبَعِينَ، وَضَرَبُوا ثَمَانِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " وَكُلٌّ سُنَّةٌ " (¬4) . وَالْفُقَهَاءُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، قِيلَ: الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِينَ حَدٌّ وَاجِبٌ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ [عَنْهُ] (¬5) . وَقِيلَ: هُوَ تَعْزِيرٌ، لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَأَنْ يَتْرُكَهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْلِقُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَيَنْفِي أَيْضًا، وَكَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ التَّعْزِيرِ الْعَارِضِ فِيهَا. وَقَدْ «رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي [الثَّالِثَةِ أَوْ] الرَّابِعَةِ» (¬6) . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا (¬7) . ¬

(¬1) ن: النَّبَاتُ. (¬2) فِي اللِّسَانِ: الْعِثْكَالُ وَالْعُثْكُولُ وَالْعُثْكُولَةُ الْعِذْقُ، وَالْعُثْكُولُ وَالْعِثْكَالُ الشِّمْرَاخُ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْبُسْرُ مِنْ عِيدَانِ الْكِبَاسَةِ، وَهُوَ فِي النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الْعُنْقُودِ مِنَ الْكَرْمِ. (¬3) ر، ي: فِي حَدِّ الْخَمْرِ. (¬4) فِي مُسْلِمٍ 3/1331 - 1332 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، أَثَرٌ جَاءَ فِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ، وَجَاءَ هَذَا الْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/228 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/858 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ حَدِّ السَّكْرَانِ. (¬5) عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬6) ن، م: فِي الرَّابِعَةِ. (¬7) جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا النَّصُّ عَلَى قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ الَّذِي يَتَكَرَّرُ شُرْبُهُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، مِنْهَا حَدِيثٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فَاقْتُلُوهُمْ) وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/228 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ إِذَا تَتَابَعَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَفِي نَفْسِ الْبَابِ 4/229 - 230 أَحَادِيثُ بِنَفْسِ الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَجَاءَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/449 - 450 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ مَا جَاءَ: مَنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ، وَعَلَّقَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيقًا طَوِيلًا ذَكَرَ فِيهِ أَسْمَاءَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ وَجَاءَ فِي تَعْلِيقِهِ مَا يَلِي: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، إِلَخْ، وَانْظُرْ أَيْضًا: سُنَنَ ابْنِ مَاجَهْ 2/859 كِتَابَ الْحُدُودِ بَابَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا، سُنَنَ الدَّارِمِيِّ 2/175 - 176 كِتَابَ الْحُدُودِ بَابَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ إِذَا أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ، سُنَنَ النَّسَائِيِّ 8/281 كِتَابَ الْأَشْرِبَةِ بَابَ الرِّوَايَاتِ الْمُغَلَّظَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ، الْأَرْقَامَ 6553، 7003 إِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ وَانْظُرِ التَّعْلِيقَ الطَّوِيلَ الَّذِي كَتَبَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ رَحِمَهُ لِلَّهِ 9/49 - 91 وَكَلَامُهُ عَنْ وُرُودِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبَابِ.

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مُحْكَمٌ؟ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَلَا يَجِبُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَضْرِبُ فِي الْحَدِّ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ، وَقَالَ: " مَا أَحَدٌ أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَيَمُوتُ، فَأَجِدُ فِي نَفْسِي إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ لَوَدَيْتُهُ، فَإِنَّهُ شَيْءٌ فَعَلْنَاهُ بِرَأْيِنَا " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (¬1) وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يُفْعَلُ بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ أَوْ قِصَاصٌ فَمَاتَ ¬

(¬1) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/158 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، مُسْلِمٍ 3/1332 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 2/222 - 223، 244.

فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم حامل

مِنْ ذَلِكَ، هَلْ يُضْمَنُ؟ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنِ الْوَاجِبَ الْمُقَدَّرَ [كَالْحَدِّ لَا تُضْمَنُ سَرَايَتُهُ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُبَاحِ، كَالْقِصَاصِ، وَفِي غَيْرِ الْمُقَدَّرِ] (¬1) كَالتَّعْزِيرِ، وَضَرْبِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَضَرْبِ الرَّائِضِ لِلدَّابَّةِ، وَالْمُؤَدِّبِ لِلصَّبِيِّ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَالِكٍ فِيمَا أَظُنُّ (¬2) . وَقِيلَ: يَضْمَنُ فِي الْمُبَاحِ دُونَ الْوَاجِبِ [الَّذِي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ] (¬3) لِأَنَّ لَهُ تَرْكَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ أَخْطَأَ إِذَا تَلِفَ بِهِ. [فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم حامل] فَصْلٌ (¬4) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " وَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْكَامِ: أَمَرَ (¬6) بِرَجْمِ حَامِلٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (¬7) : إِنْ كَانَ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، فَلَا سَبِيلَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا، فَأَمْسَكَ، وَقَالَ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَخْلُو مِنْ أَنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) عِبَارَةٌ فِيمَا أَظُنُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، (ح) ، (ي) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) فَصْلٌ: فِي (ن) فَقَطْ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالثَلَاثُونَ. (¬5) فِي (ك) ص 137 (م) . (¬6) ك: وَأَمَرَ. (¬7) ك: فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

يَكُونُ عُمَرُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ بِحَمْلِهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَالْإِمَامُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّةَ لِلْقَتْلِ أَوِ الرَّجْمِ حَامِلٌ، فَعَرَّفَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِحَالِهَا، كَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ إِخْبَارِهِ بِأَحْوَالِ النَّاسِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَمِنْ جِنْسِ مَا يَشْهَدُ بِهِ عِنْدَهُ الشُّهُودُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ قَدْ غَابَ عَنْهُ كَوْنُ الْحَامِلِ لَا تُرْجَمُ، فَلَمَّا ذَكَّرَهُ عَلِيٌّ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَمْسَكَ، وَلَوْ كَانَ رَأْيُهُ أَنَّ الْحَامِلَ تُرْجَمَ لَرَجَمَهَا، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى رَأْيِ غَيْرِهِ، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «- فِي الْغَامِدِيَّةِ، لَمَّا قَالَتْ: إِنِّي حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِيهِ» " (¬1) . وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى عَرَفَهُ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ سَاسَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ، يُعْطِي الْحُقُوقَ، وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَيَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَفِي زَمَنِهِ انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ، وَظَهَرَ ظُهُورًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مِثْلُهُ، وَهُوَ دَائِمًا يَقْضِي وَيُفْتِي، وَلَوْلَا كَثْرَةُ عِلْمِهِ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ، فَإِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ قَضِيَّةٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ قَضِيَّةٍ ثُمَّ عَرَفَهَا (¬2) ، أَوْ كَانَ نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا، فَأَيُّ عَيْبٍ فِي ذَلِكَ؟ ! ¬

(¬1) حَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ الَّتِي زَنَتْ ثُمَّ تَابَتْ وَطَلَبَتْ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا، سَيَرِدُ فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 174 وَسَأَذْكُرُ هُنَاكَ مَوَاضِعَ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَانْظُرْ: مُسْلِمٍ 3/1323 وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: إِمَّا لَا، فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/212 - 213 سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/180، الْمُسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ 5/348 قَالَ لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى تَلِدِي. (¬2) ح، ر: ثُمَّ كَانَ عَرَفَهَا.

وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضْعَافُ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ. ثُمَّ يُقَالُ: عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ وَعَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِالذُّرِّيَّةِ أَنَّهُ (¬1) كَانَ لَا يَفْرِضُ لِلصَّغِيرِ (¬2) حَتَّى يُفْطَمَ (¬3) ، وَيَقُولُ: يَكْفِيهِ اللَّبَنَ، فَسَمِعَ امْرَأَةً تُكْرِهُ ابْنَهَا عَلَى الْفِطَامِ لِيُفْرَضَ لَهُ، فَأَصْبَحَ فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَفْرِضُ لِلْفَطِيمِ وَالرَّضِيعِ (¬4) . وَتَضَرُّرُ الرَّضِيعِ كَانَ بِإِكْرَاهِ أُمِّهِ لَا بِفِعْلِهِ هُوَ، لَكِنْ رَأَى أَنْ يُفْرَضَ لِلرُّضَعَاءِ لِيَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ إِيذَائِهِمْ (¬5) . فَهَذَا إِحْسَانُهُ إِلَى ذُرِّيَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إِذَا أَمْكَنَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى بِهَا الْجَانِي كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبَ (¬6) . وَمَعَ هَذَا فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي تَرْكِ عُقُوبَةِ الْجَانِي أَعْظَمَ مِنَ الْفَسَادِ فِي عُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يَجْنِ، دَفَعَ أَعْظَمَ الْفَسَادَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا، كَمَا رَمَى «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الطَّائِفِ بِالْمَنْجَنِيقِ» (¬7) ، مَعَ أَنَّ الْمَنْجَنِيقَ قَدْ يُصِيبُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. ¬

(¬1) ح، ب: أَنْ. (¬2) ح، ر، ي: لِصَغِيرٍ. (¬3) م: حَتَّى يُطْعَمَ. (¬4) ر، ي: لِلرَّضِيعِ وَلِلْفَطِيمِ. (¬5) ح، ب: أَذَاهُمْ. (¬6) ن، م: فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ، ح: كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا، ب: كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا. (¬7) فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ ط. بَيْرُوتَ 1376 1957 وَأَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَذَكَرَ الْخَبَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ 3/496 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ 4/126: وَرَمَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَنْجَنِيقِ، حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَنْجَنِيقِ، رَمَى أَهْلَ الطَّائِفِ، وَانْظُرْ خَبَرَ الرَّمْيِ بِالْمَنْجَنِيقِ فِي جَوَامِعِ السِّيرَةِ ص 243، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ 1/417 - 418

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ» " (¬1) . وَلَوْ صَالَتِ الْمَرْأَةُ (¬2) الْحَامِلُ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ الْمَعْصُومَةِ، فَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهَا إِلَّا بِقَتْلِهَا (¬3) قُتِلَتْ، وَإِنْ قُتِلَ جَنِينُهَا. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظَنَّ أَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ (¬4) ، لَمْ يَكُنْ هَذَا بِأَعْظَمَ مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، الَّذِي أَفْضَى إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَسَادِ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مَعَ نَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ، لَا يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ إِلَى مَا بَلَغَ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ لَمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ. ¬

(¬1) الْحَدِيثَ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 4/61 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابِ أَهْلِ الدَّارِ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ. .) مُسْلِمٍ 3/1364 - 1365 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَابِ جَوَازِ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/73 - 74 كِتَابِ الْجِهَادِ بَابِ فِي قَتْلِ النِّسَاءِ. (¬2) الْمَرْأَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ي) ، (ر) . (¬3) عِبَارَةُ (إِلَّا بِقَتْلِهَا) سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) . (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .

فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم مجنونة

[فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم مجنونة] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَأَمَرَ بِرَجْمِ مَجْنُونَةٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، فَأَمْسَكَ، وَقَالَ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَعْرُوفَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ (¬3) . وَرَجْمُ الْمَجْنُونَةِ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ بِجُنُونِهَا فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عِلْمِهِ بِالْأَحْكَامِ، أَوْ كَانَ ذَاهِلًا عَنْ ذَلِكَ فَذُكِّرَ بِذَلِكَ، أَوْ يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ الْعُقُوبَاتِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَجْنُونُ قَدْ يُعَاقَبُ لِدَفْعِ عُدْوَانِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعُقَلَاءِ وَالْمَجَانِينِ، وَالزِّنَا هُوَ مِنَ الْعُدْوَانِ، فَيُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - الَّتِي لَا تُقَامُ إِلَّا عَلَى الْمُكَلَّفِ. وَالشَّرِيعَةُ قَدْ جَاءَتْ بِعُقُوبَةِ الصِّبْيَانِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» " (¬4) . ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ. (¬2) ن، م: وَقَوْلُ الرَّافِضِيِّ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 138 (م) . (¬3) سَيَذْكُرُ ابْنُ تَيْمِيَةَ نَصَّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بَعْدَ قَلِيلٍ ص [0 - 9] 9 وَهُوَ: رَفْعُ الْقَلَمِ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى 5/185. (¬4) الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جِدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/193 كِتَابِ الصَّلَاةِ بَابِ مَتَى يُؤْمَرُ الْغُلَامُ بِالصَّلَاةِ، الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 10/217 - 218 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي: الْمُسْتَدْرَكِ 1/197

وَالْمَجْنُونُ إِذَا صَالَ وَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهُ إِلَّا بِقَتْلِهِ قُتِلَ، بَلِ الْبَهِيمَةُ إِذَا صَالَتْ وَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهَا إِلَّا بِقَتْلِهَا قُتِلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى قَاتِلِهَا ضَمَانٌ لِلْمَالِكِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّهُ يَضْمَنُهَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ قَتَلَهَا لِمَصْلَحَتِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: هُنَاكَ قَتْلُهَا بِسَبَبٍ مِنْهُ لَا بِسَبَبِ عُدْوَانِهَا (¬1) ، وَهُنَا قَتْلُهَا بِسَبَبِ عُدْوَانِهَا (¬2) . فَفِي الْجُمْلَةِ قَتْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ، لِدَفْعِ عُدْوَانِهِمْ [جَائِزٌ بِالنَّصِّ وَالِاتِّفَاقِ، (¬3) إِلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ] (¬4) كَقَتْلِهِمْ فِي الْإِغَارَةِ وَالْبَيَاتِ وَبِالْمَنْجَنِيقِ وَقَتْلِهِمْ لِدَفْعِ صِيالِهِمْ. وَحَدِيثُ: " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» " إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ لَا [يَدُلُّ] (¬5) عَلَى مَنْعِ الْحَدِّ (¬6) إِلَّا بِمُقَدِّمَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَنْ لَا قَلَمَ عَلَيْهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ فِيهَا خَفَاءٌ؛ فَإِنَّ مَنْ لَا قَلَمَ عَلَيْهِ (¬7) قَدْ يُعَاقَبُ أَحْيَانًا، وَلَا يُعَاقَبُ أَحْيَانًا، وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ خَفِيٍّ، وَلَوِ اسْتَكْرَهَ الْمَجْنُونُ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، وَلَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِقَتْلِهِ، فَلَهَا قَتْلُهُ، بَلْ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. ¬

(¬1) ن: عَدَاوَتِهَا. (¬2) ن: عَدَاوَتِهَا. (¬3) ي: وَاتِّفَاقُ الْأَئِمَّةِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) يَدُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ح، ب: رُفِعَ. (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .

فَلَوِ اعْتَقَدَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ أَنَّ الزِّنَا عُدْوَانٌ، كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عُدْوَانًا بِقَوْلِهِ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 7] فَيَقْتُلُ بِهِ الْمَجْنُونَ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا حَدُّ اللَّهِ، فَلَا يُقَامُ (¬1) إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْمَجْنُونُ لَمْ يَعْلَمِ التَّحْرِيمَ، لَمْ يُشَنَّعْ عَلَيْهِ فِي هَذَا إِلَّا مَنْ شَنَّعَ بِأَعْظَمَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ. فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ هُوَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ، فَلَا يُعَاقَبُونَ حَتَّى يَعْلَمُوا الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ، وَأَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ [الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ (¬2) عَلِيٌّ] (¬3) لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُمْ ذَنْبًا، فَلَمْ يَجُزْ لِعَلِيٍّ قِتَالُهُمْ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ذَنْبٌ، وَإِنْ كَانُوا مُذْنِبِينَ فَإِنَّ غَايَةَ مَا يُقَالُ (¬4) : إِنَّهُمْ تَرَكُوا الطَّاعَةَ الْوَاجِبَةَ، لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرَهُمْ - لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ عَلِيٍّ وَمُتَابَعَتُهُ، بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنَ الشُّبَهَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ مَا يَمْنَعُ عِلْمَهُمْ بِالْوُجُوبِ، فَكَيْفَ جَازَ قِتَالُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا، أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مَعْصُومًا؟ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا قَدْحًا فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي إِمَامَةِ عُمَرَ؟ ! لَا سِيَّمَا وَالْقِتَالُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ إِنَّمَا يُشْرَعُ إِذَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الْقِتَالِ أَقَلَّ مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَالْمَصْلَحَةُ بِالْقِتَالِ أَعْظَمَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ بِتَرْكِهِ. ¬

(¬1) ن: فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ. (¬2) ح، ب: قَتَلَهُمْ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) (م) . (¬4) ح، ب: مَا يُقَالُ لَهُمْ.

وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْقِتَالَ لَمْ يُحَصِّلِ الطَّاعَةَ الْمَطْلُوبَةَ، بَلْ زَادَ بِذَلِكَ عِصْيَانُ النَّاسِ لِعَلِيٍّ، حَتَّى عَصَاهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ خَوَارِجُ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَقَاتَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ جَيْشِهِ، وَأَكْثَرُهُمْ (¬1) لَمْ يَكُونُوا مُطِيعِينَ لَهُ مُطْلَقًا، وَكَانُوا قَبْلَ الْقِتَالِ أَطْوَعَ لَهُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقِتَالِ. فَإِنْ قِيلَ: عَلِيٌّ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ، مُعْتَقِدًا أَنَّهُ بِالْقِتَالِ يُحَصِّلُ الطَّاعَةَ. قِيلَ: فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الِاجْتِهَادِ مَغْفُورًا، مَعَ أَنَّهُ أَفْضَى إِلَى قَتْلِ أُلُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ حَصَلَ الْفَسَادُ، وَلَمْ يَحْصُلِ الْمَطْلُوبُ مِنَ الصَّلَاحِ، أَفَلَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ، لَوْ قُتِلَ لَحَصَلَ بِهِ نَوْعُ الْمَصْلَحَةِ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ الْفَوَاحِشِ، اجْتِهَادًا مَغْفُورًا؟ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ، بَلْ هَمَّ بِهِ وَتَرَكَهُ. وَوَلِيُّ الْأَمْرِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فِي السِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ (¬2) فِي الْحُدُودِ الْجُزْئِيَّةِ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ: لَكِنَّ (¬3) الْمُشْكِلَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ: هَلْ يُعَاقَبُ لِدَفْعِ الْفَسَادِ؟ هَذَا مَوْضِعٌ مُشْتَبَهٌ؛ فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَاءَ بِعُقُوبَةِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي دَفْعِ الْفَسَادِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِحُصُولِ مَصْلَحَةِ النَّاسِ، وَالْغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخِضْرُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ ¬

(¬1) ر، ي، م: أَوْ أَكْثَرُهُمْ. (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬3) لَكِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) .

كَانَ لَمْ يَبْلُغِ [الْحُلُمَ] (¬1) وَقَتَلَهُ لِدَفْعِ صَوْلِهِ عَلَى أَبَوَيْهِ بِأَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» " (¬2) ، إِنَّمَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْمَأْثَمِ لَا رَفْعَ الضَّمَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ أَتْلَفُوا نَفْسًا أَوْ مَالًا ضَمِنُوهُ، وَأَمَّا رَفْعُ الْعُقُوبَةِ إِذَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا أَوْ زَنَى أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، فَهَذَا عِلْمٌ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّغِيرَ الَّذِي لَيْسَ بِمُمَيَّزٍ لَيْسَ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْحُقُوقِ فِي أَمْوَالِهِمْ كَالنَّفَقَاتِ وَالْأَثْمَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّكَاةِ؛ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ - كَأَبِي حَنِيفَةَ -: إِنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ كَالصَّلَاةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ - كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ -: بَلِ الزَّكَاةُ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَالْعُشْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ. فَإِذَا كَانَ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ قَدْ تَشْتَبِهُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ: هَلْ تَجِبُ فِي مَالِهِ أَمْ لَا؟ فَكَذَلِكَ بَعْضُ الْعُقُوبَاتِ قَدْ تُشْتَبَهُ: هَلْ يُعَاقَبُ بِهَا أَمْ لَا؟ لِأَنَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ مَا يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ بِالِاتِّفَاقِ، [وَمِنْهَا مَا لَا يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ بِالِاتِّفَاقِ] (¬3) وَبَعْضُهَا يَشْتَبِهُ: هَلْ هُوَ مِنْ هَذَا أَوْ هَذَا؟ ¬

(¬1) الْحُلُمَ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ي) . (¬2) انْظُرْ كَلَامِي قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 45 (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ: مِنْهَا مَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ (¬1) بِالِاتِّفَاقِ، كَالْقَتْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ لَا يُقْتَلُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمِنْهَا مَا يُعَاقَبُ بِهِ، كَدَفْعِ صِيَالِهِ، وَمِنْهَا مَا قَدْ يُشْتَبَهُ. وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَهُ (¬2) لِيَنْزَجِرَ، لَكِنَّ الْعُقُوبَةَ (¬3) الَّتِي فِيهَا قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ هِيَ الَّتِي تَسْقُطُ عَنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَهَذَا إِنَّمَا عُلِمَ بِالشَّرْعِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ حَتَّى يُعَابَ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَهَا. وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنَ الْمَجَانِينِ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ - يَكُونُ لَهُ حَالُ إِفَاقَةٍ وَعَقْلٍ، فَلَعَلَّ عُمَرَ ظَنَّ أَنَّهَا زَنَتْ فِي حَالِ عَقْلِهَا وَإِفَاقَتِهَا، وَلَفْظُ " الْمَجْنُونِ " (¬4) يُقَالُ (¬5) عَلَى مَنْ بِهِ الْجُنُونُ الْمُطْبَقُ (¬6) ، وَالْجُنُونُ الْخَانِقُ، وَلِهَذَا يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْمَجْنُونَ إِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، وَالْجُنُونُ الْمُطْبَقُ قَلِيلٌ، وَالْغَالِبُ هُوَ الْخَانِقُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَطَاعِنِ فِي عُمَرَ وَغَيْرِهِ يَرْجِعُ إِلَى شَيْئَيْنِ: إِمَّا نَقْصُ الْعِلْمِ، وَإِمَّا نَقْصُ الدِّينِ، وَنَحْنُ الْآنَ فِي ذِكْرِهِ، فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِ فَاطِمَةَ وَمُحَابَاتِهِ فِي الْقَسَمِ وَدَرْءِ الْحَدِّ (¬7) وَنَحْوُ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ¬

(¬1) ن، م، ي: مَا لَا يُؤَاخَذُ، ر: مَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. (¬2) فَعَلَهُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَعَلَ. (¬3) ح، ب: الْعُقُوبَاتِ. (¬4) ن، ي: الْجُنُونِ. (¬5) ن، م: يُطْلَقُ. (¬6) ن، م: الْمُطْلَقُ. (¬7) ح، ب، ي: الْحُدُودِ.

عَادِلًا بَلْ كَانَ ظَالِمًا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصِّ وَالْعَامِّ أَنَّ عَدْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَلَأَ الْآفَاقَ، وَصَارَ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ، كَمَا قِيلَ: سِيرَةُ الْعُمَرَيْنِ، وَأَحَدُهُمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالْآخَرُ قِيلَ: إِنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ [مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ] (¬1) . وَقِيلَ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (¬2) وَالنَّحْوِ. وَيَكْفِي الْإِنْسَانَ أَنَّ الْخَوَارِجَ، الَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تَعَنُّتًا (¬3) ، رَاضُونَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي سِيرَتِهِمَا، وَكَذَلِكَ الشِّيعَةُ الْأُولَى أَصْحَابُ عَلِيٍّ كَانُوا يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ مَرْوَانَ الْفِلَسْطِينِيُّ (¬4) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعُمَرُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلَا شَوْقًا إِلَيْهَا، وَلَكِنْ أَخَافُ هَوْلَ الْمَطْلَعِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا تَبْكِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَسْلَمْتَ فَكَانَ إِسْلَامُكَ فَتْحًا، وَلَقَدْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ح، ب: الْعِلْمِ. (¬3) ح، ب: تَعَصُّبًا. (¬4) ر، ح: كَثِيرُ بْنُ مَعْدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْفِلَسْطِينِيِّ، ن، م، ب: كَثِيرُ بْنُ مَعْدَانَ الْفِلَسْطِينِيُّ، ي: كَثِيرُ بْنُ مَعْدَانَ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْفِلَسْطِينِيِّ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أُثْبِتُهُ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ كَثِيرُ بْنُ مَرْوَانَ الْفِهْرِيُّ الْمَقْدِسِيُّ، رَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يَكْذِبُ فِي حَدِيثِهِ. وَقَالَ يَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ق [0 - 9] ج [0 - 9] ص 157، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/409 - 410، لِسَانِ الْمِيزَانِ 4/483 - 484

أُمِّرْتَ فَكَانَتْ إِمَارَتُكَ فَتْحًا، وَلَقَدْ مَلَأْتَ الْأَرْضَ عَدْلًا، وَمَا مِنْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَتُذْكَرُ عِنْدَهُمَا إِلَّا رَضِيَا بِقَوْلِكَ (¬1) وَقَنِعَا بِهِ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَجْلِسُونِي، فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ عُمَرُ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلَامَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ: نَعَمْ (¬2) ، فَأَعَادَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَتَشْهَدُ لِي بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا أَشْهَدُ لَكَ بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهَذَا عَلِيٌّ يَشْهَدُ لَكَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ جَالِسٌ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (¬3) . وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْعِلْمِ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَنِ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ مَعَ أَحَدٍ، بَلْ يُرَجِّحُونَ قَوْلَ هَذَا الصَّاحِبِ (¬4) تَارَةً، وَقَوْلَ هَذَا الصَّاحِبِ (¬5) تَارَةً، بِحَسَبِ مَا يَرَوْنَهُ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، مِثْلَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ. ¬

(¬1) ر: إِلَّا رَضِيَا بِذَلِكَ. (¬2) عِبَارَةُ (قَالَ: نَعَمْ) فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬3) رَوَى هَذَا الْخَبَرَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " ص 193، وَنَقَلَهُ عَنْهُ عَلِيٌّ وَنَاجِي الطَّنْطَاوِيُّ فِي " أَخْبَارِ عُمَرَ " ص 528 (¬4) ح، ب: الصَّحَابِيِّ. (¬5) ب، ن، م: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/23 - 24.

وَمِنْ بَعْدِهِمْ كَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِثْلُ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وَمِثْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، ثُمَّ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ (¬1) . وَأَمْثَالُهُمْ مِثْلُ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَأَمْثَالُهُمْ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، إِلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَشَرِيكٍ، إِلَى وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَالْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَمَنْ لَا ¬

(¬1) وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فِي (ن) ، (ب) فَقَطْ.

كلام العلماء في مناقب عمر رضي الله عنه

يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ مِنْ أَصْنَافِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كُلُّهُمْ خَاضِعُونَ لِعَدْلِ عُمَرَ وَعِلْمِهِ. [كلام العلماء في مناقب عمر رضي الله عنه] وَقَدْ أَفْرَدَ الْعُلَمَاءُ مَنَاقِبَ عُمَرَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي سِيَرِ النَّاسِ كَسِيرَتِهِ، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ، قَالَ (¬1) : " مَا دَارَ الْفَلَكُ عَلَى شَكْلِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كَانَ عُمَرُ أَحْوَذِيًّا نَسِيجَ وَحْدِهِ، قَدْ أَعَدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا، وَكَانَتْ تَقُولُ: زَيِّنُوا مَجَالِسَكُمْ بِذِكْرِ عُمَرَ (¬2) . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَفَرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةً: ابْنَةُ (¬3) صَاحِبِ مَدْيَنَ إِذْ قَالَتْ: {يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 26] وَخَدِيجَةُ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ " (¬4) . وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ عَدْلَ عُمَرَ كَانَ أَتَمَّ مِنْ عَدْلِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ، وَعِلْمَهُ كَانَ أَتَمَّ مِنْ عِلْمِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ. ¬

(¬1) لَمْ أَجِدِ الْكَلَامَ التَّالِيَ فِي كُتُبِ الْجُوَيْنِيِّ الْمَطْبُوعَةِ وَلَا أَعْلَمُ أَيْنَ يَنْتَهِي كَلَامُهُ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ عِبَارَةَ اسْتَخْلَفَ عُمَرُ، وَيَذْكُرُ الدُّكْتُورُ عَبْدُ الْعَظِيمِ الدِّيبُ فِي كِتَابِهِ " إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ " ط. دَارِ الْقَلَمِ الْكُوَيْتِ 1401 1981 ص 59 أَنَّ الْمَصَادِرَ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ كِتَابَ الشَّامِلِ يَقَعُ فِي خَمْسَةِ مُجَلَّدَاتٍ، وَأَحْسَبُ أَنَّ الْمَطْبُوعَ مِنْهُ لَيْسَ كُلَّ الْكِتَابِ، وَلَعَلَّ الْكَلَامَ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. (¬2) سَيَأْتِي كَلَامُ عَائِشَةَ عَنْ عُمَرَ بَعْدَ قَلِيلٍ ص 62 (¬3) ب: بِنْتُ. (¬4) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِي: الْمُسْتَدْرَكِ 3/90 وَنَصُّهُ: إِنَّ أَفَرَسَ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: الْعَزِيزُ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي رَأَتْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَتْ لِأَبِيهَا: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ الْحَاكِمُ: فَرَضِيَ اللَّهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَقَدْ أَحْسَنَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمْ بِهَذَا) الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ.

وَأَمَّا التَّفَاوُتُ (¬1) بَيْنَ سِيرَةِ عُمَرَ وَسِيرَةِ مَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ فَأَمْرٌ قَدْ عَرَفَتْهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ؛ فَإِنَّهَا أَعْمَالٌ ظَاهِرَةٌ، وَسِيرَةٌ بَيِّنَةٌ، يَظْهَرُ لِعُمَرَ فِيهَا مَنْ حُسْنِ النِّيَّةِ، وَقَصْدِ الْعَدْلِ، وَعَدَمِ الْغَرَضِ، وَقَمْعِ الْهَوَى مَا لَا يَظْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا رَآكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» " (¬2) ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يَسْتَطِيلُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِهَوَاهُ، وَعُمَرُ قَمَعَ هَوَاهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ» (¬3) ". ¬

(¬1) ر، ح، ي: التَّفَاضُلُ. (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَسَيَرِدُ فِي ص 70 مُطَوَّلًا، رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ، فِي الْبُخَارِيِّ 4/126 كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ بَابِ صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ 5/11 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابِ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَوَّلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ. (¬3) أَوْرَدَ ابْنُ تَيْمِيَةَ هَذَا الْحَدِيثَ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذَا الْجُزْءِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ ص 69 وَنَصَّ هُنَاكَ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ، وَوَجَدْتُ السُّيُوطِيَّ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَقَالَ عَنْهُ: عُدَّ؛ أَيْ: ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. كر (أَيِ: ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عُدَّ عَنْ بِلَالٍ وَنَاحَ وَقَالَ عُدَّ: غَيْرَ مَحْفُوظٍ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْمَوْضُوعَاتِ 1/320 - 321 مِنْ طَرِيقَيْنِ ثُمَّ قَالَ: هَذَانِ حَدِيثَانِ لَا يَصِحَّانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ سَبَبَ وَضْعِهِمَا، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَرَّتَيْنِ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/428 رَقْمَ 676 وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي تَعْلِيقِهِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِإِبْهَامِ الرَّجُلِ، وَأَشَارَ إِلَى ذِكْرِ السُّيُوطِيِّ لَهُ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/302، وَالشَّوْكَانِيِّ فِي الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ ص 336، وَإِلَى تَعْلِيقِ الْمُعَلِّمِي ص 337 بِمَا يُشِيرُ إِلَى وَضْعِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ جَاءَ الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى رَقْمَ 677، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ.

وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» " (¬1) . وَوَافَقَ رَبَّهُ فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ بِمِثْلِ مَا قَالَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ (¬2) . وَهَذَا لِكَمَالِ نَفْسِهِ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 115] فَاللَّهُ - تَعَالَى - بَعَثَ الرُّسُلَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ؛ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَتَمَّ عِلْمًا وَعَدْلًا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ. وَهَذَا كَانَ فِي عُمَرَ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي الْعَمَلِ وَالْعَدْلِ ظَاهِرٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَأَمَّا الْعِلْمُ فَيُعْرَفُ بِرَأْيِهِ وَخِبْرَتِهِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا يَنْفَعُهُمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيُعْرَفُ بِمَسَائِلِ النِّزَاعِ الَّتِي لَهُ فِيهَا قَوْلٌ وَلِغَيْرِهِ فِيهَا قَوْلٌ؛ فَإِنَّ صَوَابَ عُمَرَ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ وَمُوَافَقَتَهُ لِلنُّصُوصِ أَكْثَرُ مِنْ صَوَابِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ. ¬

(¬1) جَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ، وَبِلَفْظٍ: وَضَعَ الْحَقَّ، وَبِلَفْظٍ: ضَرَبَ الْحَقَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/191 - 192 كِتَابِ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابِ فِي تَدْوِينِ الْعَطَاءِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/280 كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابِ مَنَاقِبِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/40 الْمُقَدِّمَةِ، بَابِ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 7/155، 8/77 ط. الْحَلَبِيِّ 2/401، 5/145، 165، 177 (¬2) سَيَأْتِي هَذَا الْأَثَرُ فِي الصَّفْحَةِ التَّالِيَةِ فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ.

وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى قَوْلِهِ أَمْيَلَ، وَمَذْهَبُهُمْ أَرْجَحُ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ أَهْلُ مَدِينَةٍ أَعْلَمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْدِيمِ قَوْلِ عُمَرَ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ. ، وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ، فَالطَّبَقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ يُقَدِّمُونَ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، وَأُولَئِكَ أَفْضَلُ الْكُوفِيِّينَ حَتَّى قُضَاتُهُ (¬1) شُرَيْحٌ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَأَمْثَالُهُمَا كَانُوا يُرَجِّحُونَ قَوْلَ عُمَرَ [وَعَلِيٍّ] عَلَى قَوْلِهِ وَحْدَهُ (¬2) . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ إِلَّا وَأَنَا يُخَيَّلُ لِي أَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ (¬3) . وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا كُنَّا نَبْعُدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ (¬4) . وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: كَانَ ¬

(¬1) ن، م: حَتَّى قَضَى بِهِ. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: قَوْلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَحْدَهُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أُثْبِتُهُ. (¬3) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/247، بِإِسْنَادٍ قَالَ عَنْهُ الْمُحَقِّقُ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/72 وَقَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ وَرِجَالُ أَحَدِهَا رِجَالُ الصَّحِيحِ. (¬4) الْأَثَرُ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/249 رَقْمَ 310 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَذَكَرَ أَنَّ الْفَسَوِيَّ أَخْرَجَهُ فِي تَارِيخِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 2/147 وَقَالَ أَحْمَدُ شَاكِرٍ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ 1/42 وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/67: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَجَاءَ الْأَثَرُ مَرَّةً أُخْرَى فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/330 رَقْمَ 470 وَصَحَّحَ الْمُحَقِّقُ سَنَدَهُ وَسَبَقَ الْأَثَرُ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ مَنْسُوبًا إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَكَرَ مُحَقِّقُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ وَرَدَ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، انْظُرْ ت 1 ص 249، وَذَكَرَ الْأَثَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ 1/270 عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ: كُنَّا نَرَى وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ السَّمَّانِ فِي الْمُوَافَقَةِ وَالْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ فِي مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ.

الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَالرَّجُلِ الْمُقْبِلِ، لَا يَزْدَادُ إِلَّا قُرْبًا، فَلَمَّا قُتِلَ كَانَ كَالرَّجُلِ الْمُدْبِرِ لَا يَزْدَادُ إِلَّا بُعْدًا، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ (¬1) . وَقَالَ أَيْضًا: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيْهَلَا بِعُمَرَ، كَانَ إِسْلَامُهُ نَصْرًا، وَإِمَارَتُهُ فَتْحًا (¬2) . وَقَالَ أَيْضًا: كَانَ عُمَرُ أَعْلَمَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَفْقَهَنَا فِي دِينِ اللَّهِ، وَأَعْرَفَنَا بِاللَّهِ، وَاللَّهِ لَهُوَ أَبْيَنُ مِنْ طَرِيقِ السَّاعِينَ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ يَعْرِفُهُ النَّاسُ (¬3) ¬

(¬1) هَذَا الْأَثَرُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَقْمَ 368 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ رَقْمَ 372 وَحَسَّنَ الْمُحَقِّقُ سَنَدَهُ رَقْمَ 615 قَالَ الْمُحَقِّقُ: إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَحَدَ رِجَالِ السَّنَدِ وَالْبَاقُونَ ثِقَاتٌ، وَذَكَرَ الْأَثَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ 1/257 وَقَالَ: خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/11 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ بَابِ مَنَاقِبِ عُمَرَ 5/48 كِتَابِ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابِ إِسْلَامِ عُمَرَ. (¬2) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ الْأَرْقَامَ 340، 353، 357 وَجَاءَ الْأَثَرُ فِيهِ مُخْتَصَرًا حَتَّى قَوْلُهُ فَحَيْهَلَا بِعُمَرَ، وَصَحَّحَ الْمُحَقِّقُ سَنَدَهَا، وَجَاءَ الْأَثَرُ مُطَوَّلًا وَلَكِنْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، الْأَرْقَامَ 356، 475 وَصَحَّحَ الْمُحَقِّقُ سَنَدَ الْأَوَّلِ، وَضَعَّفَ الثَّانِيَ، وَجَاءَتِ الْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ: كَانَ إِسْلَامُهُ نَصْرًا وَإِمَارَتُهُ فَتْحًا، بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ فِي الْأَثَرِ رَقْمَ 307 وَإِسْنَادُهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِ حَسَنٌ، وَجَاءَ الْأَثَرُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/67، 77، 78 (¬3) ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ هَذَا الْأَثَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ فِي (مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ) الْأُولَى 9 وَقَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي وَفَاةِ عُمَرَ، وَذَكَرَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً ضِمْنَ أَثَرٍ طَوِيلٍ 9/77 - 78 وَفِيهِ (فَوَاللَّهِ فَهِيَ أَبْيَنُ مر طَرِيقِ السَّيْلَحِينِ) وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ وَرِجَالُ أَحَدِهَا رِجَالُ الصَّحِيحِ، كَمَا ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ مُطَوَّلًا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ص 214.

وَقَالَ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَنَّ عِلَمَ عُمَرَ وُضِعَ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ، وَوُضِعَ عِلْمُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَيْضًا لَمَّا مَاتَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذَا قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَإِنِّي لَأَحْسَبُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ ذَهَبَ مَعَ عُمَرَ يَوْمَ أُصِيبَ (¬1) . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرُوا مَا صَنَعَ عُمَرُ فَخُذُوا بِرَأْيِهِ (¬2) . وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: إِنَّمَا كَانَ عُمَرُ مِيزَانًا لَا يَقُولُ كَذَا وَلَا يَقُولُ كَذَا (¬3) . وَهَذِهِ الْآثَارُ وَأَضْعَافُهَا مَذْكُورَةٌ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِ الْكَذَّابِينَ، وَالْكُتُبُ الْمَوْجُودَةُ فِيهَا هَذِهِ الْآثَارُ الْمَذْكُورَةُ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. ¬

(¬1) ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ الْأَثَرَيْنِ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/69 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ: لَوْ أَنَّ عِلْمَ عُمَرَ وُضِعَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوُضِعَ عِلْمُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَ عِلْمُهُ بِعِلْمِهِمْ، قَالَ وَكِيعٌ: قَالَ الْأَعْمَشُ: فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ فَأَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ لَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: إِنِّي لَأَحْسَبُ تِسْعَةَ أَعْشُرِ الْعِلْمِ ذَهَبَ يَوْمَ ذَهَبَ عُمَرُ، قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ، وَرِجَالُ هَذَا رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ أَسَدِ بْنِ مُوسَى وَهُوَ ثِقَةٌ، وَذَكَرَ الْأَثَرَ مُطَوَّلًا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ص 214 (¬2) جَاءَ ذِكْرُ الْأَثَرِ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/264 رَقْمَ 342، وَأَوَّلُهُ: إِذَا اخْتَلَفُوا. . . وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. (¬3) جَاءَ الْأَثَرُ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/259 رَقْمَ 332 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَجَاءَ بِمَعْنَاهُ بِرَقْمِ 47 وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَيْضًا.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ (¬1) . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ قَالَ: " «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ". قَالَ: فَغَدَا عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، وَفِي لَفْظٍ: " أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ» " (¬2) . وَرَوَى النَّضْرُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدِ انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا (¬3) . ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ قَبْلَ صَفْحَتَيْنِ ص 58 وَالسَّنَدُ الْمَذْكُورُ هُنَا يَخْتَلِفُ قَلِيلًا عَنْ أَسَانِيدِ رِوَايَاتِ هَذَا الْأَثَرِ. (¬2) الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/279 - 280، كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابِ مَنَاقِبِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ، وَقَالَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ وَهُوَ يَرْوِي مَنَاكِيرَ، وَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ 1/39 الْمُقَدِّمَةِ بَابِ فَضْلِ عُمَرَ، بِلَفْظِ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَاصَّةً، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَالْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 8/76 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3/83 عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَجَاءَ أَيْضًا فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/249 - 250، رَقْمَ 311، 312 وَفِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ 1/257 (¬3) الْأَثَرُ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/248 رَقْمَ 308 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَجْلِ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي عُمَرَ الْخَزَّازِ، وَقَدْ سَبَقَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ 3/85، مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْحِمَّانِيِّ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ أَيْضًا فِي تَلْخِيصِهِ، وَفِي تَصْحِيحِهِمَا لَهُ نَظَرٌ، إِذْ كَيْفَ يَكُونُ صَحِيحَ الْإِسْنَادِ وَفِيهِ النَّضْرُ أَبُو عُمَرَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/62، 65 رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ النَّضْرُ أَبُو عُمَرَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.

وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ عُمَرُ حَائِطًا حَصِينًا عَلَى الْإِسْلَامِ، يَدْخُلُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحَائِطُ، فَالنَّاسُ الْيَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْهُ (¬1) . وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِالْإِسْنَادِ (¬2) الْمَعْرُوفِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ قَالَتْ: وَهِيَ الْإِسْلَامُ يَوْمَ مَاتَ عُمَرُ (¬3) . وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَالرَّجُلِ الْمُقْبِلِ لَا يَزْدَادُ إِلَّا قُرْبًا، فَلَمَّا قُتِلَ كَانَ كَالرَّجُلِ الْمُدْبِرِ لَا يَزْدَادُ إِلَّا بُعْدًا (¬4) . ¬

(¬1) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ص 213، وَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا. . . إِلَخْ، وَجَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، 1/271 رَقْمَ 357 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ 3/93 عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَالطَّبَرَانِيُّ بَعْضَهُ مِنْ طُرُقٍ، وَمِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ كَمَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/78 قُلْتُ: الصَّوَابُ 9/77 وَجَاءَ الْأَثَرُ مَرَّةً أُخْرَى فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/338 - 339 رَقْمَ 486 بِإِسْنَادٍ قَالَ عَنْهُ الْمُحَقِّقُ: ضَعِيفٌ جِدًّا. وَقَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ 3/371 نَحْوَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ بِبَعْضِهِ، وَذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ أَيْضًا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ 2/103 - 104. (¬2) ن، م: وَرَوَى أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ. (¬3) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ص 216 وَجَاءَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/245 رَقْمَ 303 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. (¬4) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ص 214 وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ 2/104، ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ 3/373.

وَمِنْ طَرِيقِ الْمَاجِشُونِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَقُولُ: مَنْ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلِمَ أَنَّهُ خُلِقَ غِنَاءً لِلْإِسْلَامِ، كَانَ وَاللَّهِ أَحْوَذِيًّا (¬1) نَسِيجَ وَحْدِهِ، قَدْ أَعَدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا (¬2) . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي " السِّيرَةِ ": " أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَ رَجُلًا ذَا شَكِيمَةٍ لَا يُرَامُ مَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَامْتَنَعَ بِهِ [أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عَزُّوا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَقْدِرُ أَنْ نُصَلِّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتَّى صَلَّى] (¬3) عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْنَدًا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ، وَاللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُصَلِّيَ بِالْكَعْبَةِ ظَاهِرِينَ، حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا فَصْلَيْنَا (¬4) . ¬

(¬1) فِي هَامِشِ (ر) كُتِبَ مَا يَلِي: أَحْوَذِيٌّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ حَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَهُوَ الْخَفِيفُ فِي الْمَشْيِ لِحِذْقِهِ. (¬2) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ ص 215 وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ 2/105، أَخْبَارَ عُمَرَ لِلطَّنْطَاوِيَّيْنِ ص 550، وَقَالَا: وَالْأَحْوَذِيُّ الْمُشَمِّرُ لِلْأُمُورِ الْقَاهِرُ لَهَا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَجَاءَ فِيهِمَا: فَامْتَنَعَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ إِلَخْ. (¬4) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ 1/256 - 257 وَجَاءَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/278 رَقْمَ 370 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ وَهُوَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 1/342 وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ: مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ 9/63 مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْقَاسِمُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ، قُلْتُ: قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا أَنَّ الْقَاسِمَ لَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ ابْنَ مَسْعُودٍ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ غُضَيْفٍ، «عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ ". وَفِي لَفْظٍ: " جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ (¬1) وَقَلْبُهُ، أَوْ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ» " وَهَذَا مَرْوِيٌّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ (¬2) . وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا كُنَّا نَبْعُدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ، ثَبَتَ هَذَا عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُوَ قَدْ رَأَى عَلِيًّا، وَهُوَ مِنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِأَصْحَابِهِ وَحَدِيثِهِ (¬3) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» " (¬4) . وَثَبَتَ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُحَدِّثَ عُمَرَ بِالْحَدِيثِ فَيَكْذِبُ الْكِذْبَةَ فَيَقُولُ: احْبِسْ هَذِهِ، ثُمَّ يُحَدِّثُهُ الْحَدِيثَ فَيَقُولُ: احْبِسْ هَذِهِ، فَيَقُولُ: كُلُّ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ حَقٌّ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي أَنْ أَحْبِسَهُ. ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) (ب) . (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ ص 56 وَعَلَّقْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ. (¬3) سَبَقَ الْأَثَرُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 56، ص 57 وَعَلَّقْتُ عَلَيْهِ فِي ص 57. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ ص 20، 21

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ " بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ. قَالَ: فَبَيْنَا عُمَرُ (¬1) يَخْطُبُ فِي النَّاسِ، فَجَعَلَ يَصِيحُ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ. قَالَ: فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمُونَا (¬2) ، فَإِذَا بِصَائِحٍ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ، يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ. فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا إِلَى الْجَبَلِ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ. فَقِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحَ بِذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ ". (¬3) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 125] وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرَّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرَتْهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، قَالَ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاؤُهُ فِي الْغِيرَةِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} ، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ " (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬2) ح: فَهُزِمْنَا. (¬3) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ص 149 - 150 وَهُوَ فِي أَخْبَارِ عُمَرَ لِلطَّنْطَاوِيَّيْنِ ص 451 - 452 تَهْذِيبَ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ لِلنَّوَوِيِّ ق 1، ج [0 - 9] ص 10 - 11، الرِّيَاضَ النَّضِرَةَ 2/15 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْجُزْءِ ص 22

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا قَامَ دَنَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ مُنَافِقٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 84] وَأَنْزَلَ اللَّهُ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} » [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 80] (¬1) . وَثَبَتَ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ يَتَحَدَّثُ عَلَى لِسَانِهِ مَلَكٌ (¬2) . وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى الرَّأْيَ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «رَأَيْتُ كَأَنَّ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ ". قَالُوا (¬3) : فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الدِّينُ» " (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي (¬5) أَتَيْتُ بِقَدَحٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى أَنِّي لَا أَرَى الرَّيَّ يَخْرُجُ مِنْ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى وَأَوَّلُهُ: أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ. 5/235 (¬2) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ص 218 وَفِيهِ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ. (¬3) ب: قَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 21 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ. (¬5) ح: رَأَيْتُ أَنِّي.

أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " قَالُوا: مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْعِلْمُ» " (¬1) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ: " «رَأَيْتُ كَأَنِّي أَنْزِعُ عَلَى قَلِيبٍ بِدَلْوٍ، فَأَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» " (¬2) . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " لَوْ أَنَّ عِلْمَ عُمَرَ وُضِعَ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ وَوُضِعَ عِلْمُ [خِيَارِ] (¬3) أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَ عَلَيْهِمْ بِعِلْمِهِ ". قَالَ الْأَعْمَشُ: فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، وَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَدْ قَالَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: " إِنِّي لَأَحْسَبُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ ذَهَبَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " (¬4) . وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: أَنَّ رَجُلًا أَقْرَأَهُ مَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ [أَبُو عُمَيْرَةَ] (¬5) آيَةً، وَأَقْرَأَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ آخَرَ، فَسَأَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْهَا، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟ قَالَ: أَبُو عُمَيْرَةَ بْنُ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 21. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/489 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ. . . . . إِلَخْ. (¬3) خِيَارِ: فِي (ر) ، (ي) فَقَطْ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص [0 - 9] 9 (¬5) أَبُو عُمَيْرَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَالَ لِلْآخَرِ: مَنْ أَقْرَأَكَهَا؟ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَبَكَى ابْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى كَثُرَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْهَا كَمَا أَقْرَأَكَهَا عُمَرُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ أَقْرَأَنَا لِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَعْلَمَنَا بِدِينِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ حِصْنًا حَصِينًا [عَلَى الْإِسْلَامِ] (¬1) يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحِصْنُ ثُلْمَةً لَا يَسُدُّهَا (¬2) أَحَدٌ بَعْدَهُ، وَكَانَ إِذَا سَلَكَ طَرِيقًا اتَّبَعْنَاهُ وَوَجَدْنَاهُ سَهْلًا، فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيْهَلَا بِعُمَرَ [، فَحَيْهَلَا بِعُمَرَ، فَحَيْهَلَا بِعُمَرَ] (¬3) . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْعَوَامُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرُوا مَا صَنَعَ عُمَرُ فَخُذُوا بِهِ " (¬4) . وَرَوَى ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدًا الْحَذَّاءَ يَقُولُ: نَرَى أَنَّ النَّاسِخَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْحُلْوَانِيِّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا صَلَّى الْعَصْرَ فَصَفَّ لَهُ أَهْلُ نَجْرَانَ صَفَّيْنِ، فَلَمَّا صَلَّى أَوْمَأَ رَجُلٌ ¬

(¬1) عَلَى الْإِسْلَامِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) . (¬2) ر: لَا سَدَّهُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ر) ، (ي) وَجَاءَتِ الْعِبَارَةُ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ فِي (ح) وَالْأَثَرُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 3/371 - 372 وَبِإِسْنَادٍ مُخْتَلِفٍ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/338 - 339 رَقْمَ 486 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَسَبَقَ الْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 58 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ: ص 59 وَعَلَّقْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ.

مِنْهُمْ إِلَى رَجُلٍ، فَأَخْرَجَ كِتَابًا فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَرَأَهُ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا أَهْلَ نَجْرَانَ - أَوْ يَا أَصْحَابِي - هَذَا وَاللَّهِ خَطِّي بِيَدِي، وَإِمْلَاءُ عُمَرَ عَلَيَّ. فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِنَا مَا فِيهِ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ رَادًّا عَلَى عُمَرَ يَوْمًا فَالْيَوْمَ يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَسْتُ رَادًّا عَلَى عُمَرَ شَيْئًا صَنَعَهُ، إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الْأَمْرِ، وَإِنَّ عُمَرَ أَعْطَاكُمْ خَيْرًا مِمَّا أَخَذَ مِنْكُمْ، وَأَخَذَ مِنْكُمْ خَيْرًا مِمَّا أَعْطَى، وَلَمْ يَجْرِ لِعُمَرَ نَفْعٌ مَعَ أَخْذٍ لِنَفْسِهِ، إِنَّمَا أَخَذَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (¬1) . وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو (¬2) عَبْدِ الرَّحْمَنَ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا حَيْوَةَ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ (¬3) ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " (¬4) . ¬

(¬1) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ص 213 (¬2) أَبُو: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) وَهِيَ فِي الْمُسْنَدِ. (¬3) ح، ب: عَاهَانَ، ر: عَاهِنٍ، وَالْمُثْبَتُ فِي (ن) ، (م) ، (ي) وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُسْنَدِ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/281 - 282 كِتَابِ الْمَنَاقِبِ بَابِ مَنَاقِبِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مِشْرَحِ بْنِ عَاهَانَ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/154، الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3/85 وَتَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْحَدِيثِ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ رَقْمَ 327 وَحَسَّنَهُ.

وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَحٍ، فَهُوَ ثَابِتٌ عَنْهُ (¬1) . وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخَطْمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ كَانَ غَيْرِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ". وَفِي لَفْظٍ: " لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ» " وَهَذَا اللَّفْظُ فِي التِّرْمِذِيِّ (¬2) . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ (¬3) ، حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ (¬4) ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ خَبَرُ عُمَرَ، فَكَلَّمَ امْرَأَةً فِي بَطْنِهَا شَيْطَانٌ، فَقَالَتْ: حَتَّى يَجِيءَ شَيْطَانِي فَأَسْأَلُهُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ مُتَّزِرًا بِكِسَاءٍ يَهْنَأُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ (¬5) ، وَذَلِكَ (¬6) لَا يَرَاهُ الشَّيْطَانُ إِلَّا خَرَّ لِمَنْخَرَيْهِ (¬7) لِلْمَلَكِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، رُوحُ (¬8) الْقُدُسِ يَنْطِقُ (¬9) عَلَى لِسَانِهِ (¬10) . وَمِثْلُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ ¬

(¬1) قَالَ الْأَلْبَانِيُّ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ النِّجَادَ رَوَاهُ فِي الْفَوَائِدِ الْمُنْتَقَاةِ 17/1 - 2 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَحٍ بِهِ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ وَالتَّعْلِيقُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 55. (¬3) فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/246، رَقْمَ 304 (¬4) فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ: عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ. (¬5) يَهْنَأُ الْإِبِلَ؛ أَيْ: يُطْلِيهَا بِالْقَطِرَانِ. (¬6) فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ: وَقَالَ. (¬7) ن، م: لِمِنْخَرِهِ. (¬8) فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ: وَرُوحُ. (¬9) ر، ح، ي: تَنْطِقُ. (¬10) قَالَ مُحَقِّقُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ فَابْتَدَرْنَ (¬1) الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْحَكُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " عَجِبْتُ (¬2) مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ ". فَقَالَ عُمَرُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ (¬3) أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَيْ عُدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، تَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬4) . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» " (¬5) . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْ حِسِّ عُمَرَ» (¬6) . ¬

(¬1) ن: يَبْتَدِرْنَ، م: ابْتَدَرْنَ. (¬2) ح، ر: عَجِبَ. (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا قَبْلَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 55، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/244 - 245 رَقْمَ 301 - 302، 1/256 - 257 رَقْمَ 326. (¬6) لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذَا اللَّفْظِ: وَلَكِنْ أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ 5/284 - 285 كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابِ مَنَاقِبِ عُمَرَ، حَدِيثًا عَنْ عَائِشَةَ أَوَّلُهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ تَعَالِي فَانْظُرِي، الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَانْظُرِ الْحَدِيثَ السَّابِقَ عَلَيْهِ 5/283 - 284

رسالة عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ مُصَفَّدَةً فِي إِمَارَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ وَثَبَتَ. وَهَذَا بَابٌ طَوِيلٌ قَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِيهِ مُجَلَّدَاتٍ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ مِثْلَ كِتَابِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ (¬1) وَغَيْرِهِمَا، غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ، مِثْلَ مَا صَنَّفَهُ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ. [رِسَالَةُ عُمَرَ فِي الْقَضَاءِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ] وَرِسَالَةُ عُمَرَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْقَضَاءِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ تَدَاوَلَهَا الْفُقَهَاءُ، وَبَنَوْا عَلَيْهَا وَاعْتَمَدُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْفِقْهِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ، وَمِنْ طُرُقِهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُمَا بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ (¬2) : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ (¬3) ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ (¬4) لَا نَفَاذَ ¬

(¬1) م، ي: شَيْبَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ زَيْدِ ـ لَقَبُهُ شَبَّةُ ـ بْنُ عُبَيْدَةَ بْنِ رَيْطَةَ النُّمَيْرِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 173 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 264 وَذَكَرَهُ سَزْكِينُ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 205 - 207، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كُتُبِهِ الْمَخْطُوطَةِ كِتَابَ مَنَاقِبِ عُمَرَ، كَمَا لَمْ يَذْكُرِ الْكِتَابَ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/460، 461 وَفِي تَارِيخِ بَغْدَادَ 11/208 - 210 وَفِي الْأَعْلَامِ 5/206 - 207 وَفِي الْفِهْرِسْتِ لِابْنِ النَّدِيمِ ص 112 - 113 وَفِي مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 4/286 (¬2) ذَكَرَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ 2/82 - 83 وَجَاءَتْ فِي أَخْبَارِ عُمَرَ لِلطَّنْطَاوِيَّيْنِ ص 217 - 218 نَقْلًا عَنِ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ 2/37، مِفْتَاحِ الْأَفْكَارِ 89، عُيُونِ الْأَخْبَارِ 1/66 صُبْحِ الْأَعْشَى 1/193 نِهَايَةِ الْأَرَبِ 6/257 (¬3) ح: عَلَيْكَ، وَزَادَ أَخْبَارُ عُمَرَ وَأَنْفِذْ إِذَا تَبَيَّنَ لَكَ، وَفِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ: وَأَنْفِذِ الْحَقَّ إِذَا وَضَحَ. (¬4) ح، ب: بِالْحَقِّ.

لَهُ (¬1) ، آسِ (¬2) بَيْنَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِكَ وَوَجْهِكَ وَقَضَائِكَ (¬3) ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ (¬4) الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى (¬5) ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وَمَنِ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا فَامْدُدْ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ فَأَعْطِهِ حَقَّهُ، وَإِنْ أَعْجَزَهُ ذَلِكَ اسْتَحْلَلْتَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ أَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ، وَأَجْلَى لِلْعَمَى (¬6) . وَلَا يَمْنَعُكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ الْيَوْمَ (¬7) فَرَاجَعْتَ فِيهِ رَأْيَكَ (¬8) فَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ (¬9) ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَلَيْسَ يُبْطِلُهُ شَيْءٌ (¬10) ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ (¬11) . وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ (¬12) ؛ عَلَى بَعْضٍ، إِلَّا مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ (¬13) ¬

(¬1) فِي أَخْبَارِ عُمَرَ: فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ حَقٌّ لَا نَفَاذَ لَهُ. (¬2) أَيْ: سَوِّ. (¬3) الرِّيَاضَ النَّضِرَةِ: فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ " وَقَضَائِكَ " مِنْ أَخْبَارِ عُمَرَ. (¬4) الرِّيَاضَ النَّضِرَةِ: حَتَّى لَا يَيْأَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِكَ، وَلَا يَطْمَعَ الشَّرِيفُ فِي عَدْلِكَ. (¬5) ح، ر، ي: عَلَى الْمُدَّعِي. (¬6) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَاءَتْ فِي كُلٍّ مِنَ الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ، أَخْبَارِ عُمَرَ، بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ بِعِدَّةِ أَسْطُرٍ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ. (¬7) الرِّيَاضَ، أَخْبَارَ: بِالْأَمْسِ. (¬8) الرِّيَاضَ، أَخْبَارَ: نَفْسَكَ. (¬9) الرِّيَاضَ: أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ. (¬10) وَلَيْسَ يُبْطِلُهُ شَيْءٌ: سَاقِطَةٌ مِنَ الرِّيَاضِ، وَفِي أَخْبَارِ عُمَرَ: لَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ. (¬11) الْعِبَارَاتُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ يُخَالِفُ مَكَانَهَا هُنَا، مَكَانُهَا فِي الرِّيَاضِ، أَخْبَارِ. (¬12) أَخْبَارَ عُمَرَ: عُدُولٌ فِي الشَّهَادَةِ بَعْضُهُمْ. (¬13) الرِّيَاضَ: أَوْ وِرَاثَةٍ، أَخْبَارَ عُمَرَ: أَوْ قَرَابَةٍ.

فَإِنَّ اللَّهَ تَوَلَّى مِنَ الْعِبَادِ السَّرَائِرَ، وَسَتَرَ عَلَيْهِمُ الْحُدُودَ إِلَّا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ (¬1) . ثُمَّ الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ وَفِيمَا وَرَدَ (¬2) عَلَيْكَ، مِمَّا لَيْسَ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ (¬3) ، ثُمَّ قَايِسِ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ اعْرِفِ الْأَمْثَالَ (¬4) ، ثُمَّ اعْمِدْ فِيمَا تَرَى إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ (¬5) ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّيَ بِالْخُصُومِ؛ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ مِمَّا يُوجِبُ [اللَّهُ] بِهِ الْأَجْرَ، وَيَحْسُنُ بِهِ الذُّخْرُ (¬6) ، فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ فِي الْحَقِّ، وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ (¬7) ، وَمَنْ تَزَيَّنَ بِمَا لَيْسَ فِي نَفْسِهِ شَانَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (¬8) ؛ (¬9) فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا ¬

(¬1) الرِّيَاضَ، أَخْبَارَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَوَلَّى مِنْكُمُ السَّرَائِرَ، وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، أَخْبَارَ الشُّبَهَاتِ. (¬2) ب: وَوَرَدَ. (¬3) الرِّيَاضَ، أَخْبَارَ: الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يَخْتَلِجُ (أَخْبَارَ: تَلَجْلَجُ) فِي صَدْرِكَ، مِمَّا لَمْ يَبْلُغْكَ، (أَخْبَارَ: مِمَّا لَيْسَ) فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. (الرِّيَاضَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) . (¬4) الرِّيَاضَ، أَخْبَارَ: وَاعْرِفِ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ (أَخْبَارَ: الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ) ، ثُمَّ قِسِ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ. (¬5) الرِّيَاضَ، أَخْبَارَ: فَاعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى، وَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ جَاءَتْ عِبَارَاتٌ أُخْرَى فِي الرِّيَاضِ، أَخْبَارٌ، اسْتَغْرَقَتْ سَطْرَيْنِ وَلَمْ تَرِدْ هُنَا. (¬6) الرِّيَاضَ، أَخْبَارَ: وَإِيَّاكَ وَالْقَلَقَ (الرِّيَاضَ: وَالْغَلَقَ) ، وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ وَالتَّنَكُّرَ لِلْخُصُومِ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ الَّتِي يُوجِبُ اللَّهُ بِهَا الْأَجْرَ وَيَحْسُنُ الذُّخْرُ وَفِي: ن، م: مِمَّا يَجِبُ بِهِ الْأَجْرُ. (¬7) الرِّيَاضَ: فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحُ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ يَكْفِيهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، أَخْبَارَ: فَإِنَّهُ مَنْ يُخْلِصُ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، (¬8) الرِّيَاضَ: وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ يَشِنْهُ اللَّهُ، أَخْبَارَ: وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ فِيمَا يَعْلَمُ اللَّهُ خِلَافَهُ مِنْهُ شَانَهُ اللَّهُ. (¬9) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَقَطَتْ مِنَ الرِّيَاضِ، أَخْبَارٌ.

يَقْبَلُ مِنَ الْعَبْدِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابٍ (¬1) عِنْدَ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ " (¬2) . وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يَعْلَى النَّاجِيِّ، حَدَّثَنَا الْعُتْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ بُويِعَ لَهُ فَقَالَ (¬3) : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ابْتَلَانِي بِكُمْ، وَابْتَلَاكُمْ بِي، وَأَبْقَانِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِ صَاحِبِي، مَنْ كَانَ مِنْكُمْ شَاهِدًا بَاشَرْنَاهُ، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا وَلَيَّنَا أَمْرَهُ أَهْلَ الْقُوَّةِ عِنْدَنَا، فَإِنْ أَحْسَنَ زِدْنَاهُ، وَإِنْ أَسَاءَ لَمْ نُنَاظِرْهُ، أَيَّتُهَا الرَّعِيَّةُ إِنَّ لِلْوُلَاةِ عَلَيْكُمْ حَقًّا، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِمْ حَقًّا، وَاعْلَمُوا (¬4) أَنَّهُ لَيْسَ حُلْمٌ (¬5) أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَأَعْظَمَ نَفْعًا مِنْ حِلْمِ (¬6) إِمَامٍ وَعَدْلِهِ، وَلَيْسَ جَهْلٌ أَبْغَضَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ جَهْلِ وَالٍ وَخَرْقِهِ، وَأَنَّهُ مَنْ يَأْخُذُ الْعَافِيَةَ مِمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ يُعْطِهِ اللَّهُ الْعَافِيَةَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ ". قُلْتُ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَحْنَفِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: الْوَالِي إِذَا طَلَبَ الْعَافِيَةَ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْعَافِيَةَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ ¬

(¬1) ح، ب: بِالثَّوَابِ. (¬2) الرِّيَاضَ: فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ، أَخْبَارَ: فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابٍ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ وَالسَّلَامُ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي آخِرِ الرِّسَالَةِ: خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. (¬3) ذَكَرَ بَعْضَ هَذِهِ الْخُطْبَةِ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ 3/275 وَجَاءَ بَعْضُهَا فِي أَخْبَارِ عُمَرَ ص 74، الرِّيَاضَ النَّضِرَةَ 2/88. (¬4) وَاعْلَمُوا كَذَا فِي (ح) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَاعْلَمْ. (¬5) ح، ر، ي: حُكْمٌ. (¬6) ح، ر، ي: حُكْمِ.

يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ (¬1) ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لَوْلَا ثَلَاثٌ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ لَحِقْتُ بِاللَّهِ، لَوْلَا أَنْ أَسِيرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ أَضَعَ جَبْهَتِي فِي التُّرَابِ سَاجِدًا، أَوْ أُجَالِسَ قَوْمًا يَلْتَقِطُونَ طِيبَ الْكَلَامِ كَمَا يُلْتَقَطُ طِيبُ الثَّمَرِ " (¬2) . وَكَلَامُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَجْمَعِ الْكَلَامِ [وَأَكْمَلِهِ، فَإِنَّهُ مُلْهَمٌ] (¬3) مُحَدِّثٌ، كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلَامِهِ تَجْمَعُ عِلْمًا كَثِيرًا، مِثْلَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهُنَّ (¬4) ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالْجِهَادَ وَالْعِلْمَ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ الْجِهَادُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الصَّلَاةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: الْعِلْمُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْآخَرِينَ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، وَهَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ يَفْعَلُونَ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَعُمَرُ جَمَعَ الثَّلَاثَ. وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ¬

(¬1) يَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، (ر) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: يَحْيَى بْنُ أَبِي جَعْدَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ، رَوَى عَنْهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ: ثِقَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 11/192 - 193 (¬2) ح، ر، ي: التَّمْرِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مَكَانَهُ بَيَاضٌ فِي (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: الَّتِي ذَكَرَهَا.

فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه منع المغالاة في المهور

عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، اللِّينُ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، الْجَوَادُ فِي (¬1) غَيْرِ سَرَفٍ، الْمُمْسِكُ فِي غَيْرِ بُخْلٍ، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَعْرِفُهُ غَيْرَ عُمَرَ. وَعَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ عُمَرُ قَالَ: لِلَّهِ دَرُّ عُمَرَ، لَقَلَّ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ، يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ قَطُّ يَتَخَوَّفَهُ إِلَّا كَانَ حَقًّا. [فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه منع المغالاة في المهور] فَصْلٌ (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَقَالَ فِي خُطْبَةٍ لَهُ: مَنْ غَالَى فِي مَهْرِ امْرَأَةٍ جَعَلْتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: كَيْفَ تَمْنَعُنَا مَا أَعْطَانَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حِينَ قَالَ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 20] ؟ فَقَالَ: كُلُّ أَحَدٍ (¬4) أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ فَضْلِ عُمَرَ وَدِينِهِ وَتَقْوَاهُ، وَرُجُوعِهِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ، وَأَنَّهُ يَقْبَلُ الْحَقَّ حَتَّى مِنِ امْرَأَةٍ، وَيَتَوَاضَعُ لَهُ، وَأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِفَضْلِ الْوَاحِدِ عَلَيْهِ، وَلَوْ فِي أَدْنَى مَسْأَلَةٍ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ ¬

(¬1) ح، ر، ي: مِنْ. (¬2) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الْخَامِسُ وَالثَلَاثُونَ. (¬3) فِي (ك) ص 138 (م) . (¬4) ك: كُلُّ النَّاسِ.

الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يُنَبِّهَهُ الْمَفْضُولُ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ الْهُدْهُدُ لِسُلَيْمَانَ: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 22] وَقَدْ قَالَ مُوسَى لِلْخِضْرِ: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 66] وَالْفَرْقُ بَيْنَ مُوسَى وَالْخِضْرِ أَعْظَمُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ عُمَرَ وَبَيْنَ أَشْبَاهِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا بِالَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخِضْرُ قَرِيبًا مِنْ مُوسَى، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ، بَلِ الْأَنْبِيَاءُ الْمُتَّبِعُونَ لِمُوسَى، كَهَارُونَ وَيُوشَعَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، أَفْضَلُ مِنَ الْخِضْرِ. وَمَا كَانَ عُمَرُ قَدْ رَآهُ فَهُوَ مِمَّا يَقَعُ مِثْلُهُ لِلْمُجْتَهِدِ الْفَاضِلِ، فَإِنَّ الصَّدَاقَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ - تَعَالَى، لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ، فَإِنَّ الْمَالَ وَالْمَنْفَعَةِ يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ، وَيَجُوزُ بَذْلُهُ بِلَا عِوَضٍ، وَأَمَّا الْبُضْعُ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ، وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِحْلَالِ الْبُضْعِ بِنِكَاحٍ لَا صَدَاقَ فِيهِ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنْ يَجُوزُ عَقْدُهُ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ لِلصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالثَّانِي: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي بِرْوَعِ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ (¬1) ، فَكَانَ هَذَا قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَعُمَرُ لَمْ يَسْتَقِرَّ قَوْلُهُ ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى بِرْوَعِ بِنْتِ وَاشِقٍ 4/183

عَلَى خِلَافِ النَّصِّ، فَكَانَ حَالُهُ أَكْمَلَ مِنْ حَالِ مَنِ اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ (¬1) ، وَإِذَا كَانَ الصَّدَاقُ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ، كَالزَّكَاةِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِلَى أَنَّ أَقَلَّهُ مُقَدَّرٌ (¬2) بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، وَإِذَا جَازَ تَقْدِيرُ أَقَلِّهِ جَازَ تَقْدِيرُ أَكْثَرِهِ، وَإِذَا كَانَ مُقَدَّرًا اعْتُبِرَ بِالسُّنَّةِ، فَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِهِ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِسَائِهِ وَبَنَاتِهِ. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هَذَا لَا يَسُوغُ، كَانَتْ (¬3) قَدْ بُذِلَتْ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، فَلَا يُعْطَاهَا الْبَاذِلُ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ، وَلَا الْآخِذُ لِكَوْنِهِ [لَا] (¬4) يَسْتَحِقُّهَا، فَتُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، كَمَا تَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ الْمُتَّجِرَ بِمَالِ غَيْرِهِ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَكَمَا يَقُولُهُ مُحَقِّقُو الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ بَاعَ سِلَاحًا فِي الْفِتْنَةِ، أَوْ عَصِيرًا أَوْ عِنَبًا لِلْخَمْرِ: إِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ. فَفِي الْجُمْلَةِ عُمَرُ لَوْ نَفَذَ اجْتِهَادُهُ لَمْ يَكُنْ أَضْعَفَ مِنْ كَثِيرٍ مِنِ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ الَّذِي أَنْفَذَهُ، وَكَيْفَ لَمْ يُنْفِذْهُ؟ ! وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 20] يَتَأَوَّلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْهَا، بِأَنْ يَقُولُوا: هَذَا قِيلَ لِلْمُبَالَغَةِ، كَمَا قَالُوا فِي ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬2) ن: يُقَدَّرُ. (¬3) ح، ب: لَا يَسُوغُ فَإِنْ كَانَتْ. (¬4) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» " (¬1) ، أَنَّهُ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ، فَإِذَا كَانَ الْمُقَدِّرُونَ لِأَدْنَاهُ يَتَأَوَّلُونَ مِثْلَ هَذَا، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَدَّرُ لِأَعْلَاهُ يَتَأَوَّلُ مِثْلَ هَذَا. وَإِذَا كَانَ فِي هَذَا مَنْعٌ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْتَحِقَّةِ، فَكَذَلِكَ مَنَعَ الْمُفَوَّضَةَ الْمَهْرَ (¬2) الَّذِي اسْتَحَقَّتْهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا سِيَّمَا وَالْمُزَوَّجَةُ بِلَا تَسْمِيَةٍ لَمْ تُغَالِ فِي الصَّدَاقِ، وَعُمَرُ مَعَ هَذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ رَجَعَ إِلَى الْحَقِّ. فَعَلِمَ أَنَّ تَأْيِيدَ اللَّهِ لَهُ وَهِدَايَتَهُ إِيَّاهُ أَعْظَمُ مِنْ تَأْيِيدِهِ لِغَيْرِهِ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُ، وَأَنَّ أَقْوَالَهُ الضَّعِيفَةَ الَّتِي رَجَعَ عَنْهَا وَلَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا خَيْرٌ مِنْ أَقْوَالِ غَيْرِهِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا. ¬

(¬1) هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَرَدَتْ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 7/6 - 7 كِتَابِ النِّكَاحِ بَابِ تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ، وَأَوَّلُهُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةً فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، فَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. . . . الْحَدِيثَ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَكِتَابِ اللِّبَاسِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، انْظُرْ بَعْضَ رِوَايَاتِهِ فِي طَبْعَةِ د. الْبَغَا الْأَرْقَامَ 2186، 4799، 4833، 4842، 4847، 4854، 4855 وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 2/1040 - 1041 كِتَابِ النِّكَاحِ، بَابِ الصَّدَاقِ، وَجَوَازُ كَوْنِهِ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَخَاتَمَ حَدِيدٍ، وَالْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ. (¬2) الْمَهْرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ر) ، وَفِي (ن) ، (م) : الْمُمَيَّزَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَاللَّهُ - تَعَالَى - قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَعَ (¬1) عَنْهُ؟ وَقَدْ ثَبَتَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا أَنَّ اجْتِهَادَاتِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانَتْ أَكْمَلَ مِنِ اجْتِهَادَاتِ (¬2) الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّ صَوَابَهُمْ أَكْمَلُ مِنْ صَوَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَخَطَأَهُمْ أَخَفُّ مِنْ خَطَأِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَالَّذِينَ قَالُوا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ خَطَؤُهُمْ أَيْسَرُ مِنْ خَطَأِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا، قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَالَّذِينَ قَالُوا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِجَوَازِ الدِّرْهَمِ بِدِرْهَمَيْنِ خَطَؤُهُمْ أَخَفُّ مِنْ خَطَأِ مَنْ جَوَّزَ الْحِيَلَ الرِّبَوِيَّةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّ الَّذِينَ أَنْكَرُوا مَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ، عُمَرُ وَغَيْرُهُ، فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ أَنَّ زَوْجَهَا إِذَا أَتَى خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَهْرِهَا - قَوْلُهُمْ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِأُصُولِ الشَّرْعِ، وَالَّذِينَ عَدُّوا هَذَا خِلَافَ الْقِيَاسِ، وَقَالُوا: لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إِذَا حَكَمَ بِهِ، قَالُوا ذَلِكَ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَآخِذِ الصَّحَابَةِ وَدِقَّةِ فَهْمِهِمْ (¬3) ؛ فَإِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى وَقْفِ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ وَهُوَ أَصْلٌ شَرِيفٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ. وَكَذَلِكَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ جَعْلِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَيْئًا هُوَ فِيهِ عَلَى الصَّوَابِ، دُونَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ عَلَى الصَّوَابِ، دُونَ مَنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. ¬

(¬1) ن، م، ي: بِمَا رَجَعُوا، ر: بِمَنْ رَجَعُوا. (¬2) ح، ر: مِنِ اجْتِهَادِ. (¬3) ح، ر، ي: الصَّحَابَةِ وَفِقْهِهِمْ، م: الصَّحَابَةِ وَدِقَّةِ فَهْمِهِمْ

وَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ، قَوْلُهُمْ فِيهَا هُوَ الصَّوَابُ، دُونَ قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا بَابٌ يَطُولُ وَصْفُهُ، فَالصَّحَابَةُ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ وَأَفْقَهُهَا وَأَدْيَنُهَا، وَلِهَذَا أَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ: " هُمْ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ [وَفِقْهٍ] (¬1) وَدِينٍ وَهُدًى، وَفِي كُلِّ سَبَبٍ يُنَالُ بِهِ عِلْمٌ وَهُدًى، وَرَأْيُهُمْ لَنَا خَيْرٌ مِنْ رَأْيِنَا لِأَنْفُسِنَا " أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: " أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ (¬2) ، [فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ] (¬3) أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ كَانُوا أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ: أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ ". وَقَالَ حُذَيْفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا وَخُذُوا طَرِيقَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَقَمْتُمْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ". ¬

(¬1) وَفِقْهٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ح: بِمَنْ كَانَ قَدْ مَاتَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه لم يحد قدامة في الخمر

[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه لم يحد قدامة في الخمر] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَلَمْ يَحُدَّ قُدَامَةَ (¬3) فِي الْخَمْرِ، لِأَنَّهُ تَلَا عَلَيْهِ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 93] الْآيَةَ، فَقَالَ [لَهُ] (¬4) عَلِيٌّ: لَيْسَ قُدَامَةُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ يَحُدُّهُ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حِدَّهُ ثَمَانِينَ، إِنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ إِذَا شَرِبَهَا (¬5) [سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ] (¬6) هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ [الْبَيِّنِ] (¬7) الظَّاهِرُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَإِنَّ عِلْمَ ابْنِ الْخَطَّابِ بِالْحُكْمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ، فَإِنَّهُ قَدْ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ قَبْلَهُ، وَكَانُوا يَضْرِبُونَ فِيهَا تَارَةً أَرْبَعِينَ وَتَارَةً ثَمَانِينَ، وَكَانَ عُمَرُ أَحْيَانًا يُعَزَّرُ فِيهَا بِحَلْقِ الرَّأْسِ وَالنَّفْيِ، وَكَانُوا يَضْرِبُونَ فِيهَا تَارَةً بِالْجَرِيدِ، وَتَارَةً بِالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالثَلَاثُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 138 م. (¬3) ك: قُّدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) ح، ب: إِذَا شَرِبَ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) الْبَيِّنِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) .

وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، وَقَدْ تَنَازَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي الزَّائِدِ عَنِ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الثَمَانِينَ: هَلْ هُوَ حَدٌّ يَجِبُ إِقَامَتُهُ؟ أَوْ تَعْزِيرٌ يَخْتِلَفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، أَحَدُهُمَا (¬1) : أَنَّهُ (¬2) حَدٌّ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ، وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ، وَادَّعَى أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ مَا نُقِلَ مِنَ الضَّرْبِ أَرْبَعِينَ كَانَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ، فَكَانَتِ الْأَرْبَعُونَ قَائِمَةً مَقَامَ الثَمَانِينَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ جَائِزٌ، فَلَيْسَ بِحَدٍّ وَاجِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ (¬3) وَغَيْرُهُمَا. وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ، وَقَالَ: جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ (¬4) سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ (¬5) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَفَعَلَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ عُمَرُ فَاسْتَشَارَ النَّاسَ فِي الْحُدُودِ، ¬

(¬1) أَحَدُهُمَا: كَذَا فِي (ح) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِحْدَاهُمَا. (¬2) ر: أَنَّهَا. (¬3) ن: أَبُو بَكْرٍ وَمُحَمَّدٌ. (¬4) ح: وَالْكُلُّ. (¬5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص [0 - 9] 9

فَقَالَ ابْنُ عَوْفٍ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ» (¬1) . وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ الضَّرْبُ فِيهِ بِغَيْرِ السَّوْطِ، كَالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ، فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ صِفَةُ الضَّرْبِ مُقَدَّرَةً (¬2) ، بَلْ يَرْجِعُ فِيهَا إِلَى الِاجْتِهَادِ، فَكَذَلِكَ مِقْدَارُ الضَّرْبِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَحْوَالَ الشَّارِبِينَ تَخْتَلِفُ، وَلِهَذَا أَمَرَ أَوَّلًا بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مُحْكَمٌ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ تَعْزِيرٌ جَائِزٌ يُفْعَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالثَّوْبِ لَيْسَ أَمْرًا مَحْدُودًا، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ، وَخِفَّتِهِ وَغِلْظَتِهِ، وَالنُّفُوسُ قَدْ لَا تَنْتَهِي فِيهِ عِنْدَ مِقْدَارٍ، فَرُدَّتْ أَكْثَرُ الْعُقُوبَةِ (¬3) فِيهِ إِلَى الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهَا مُقَدَّرًا، كَمَا أَنَّ (¬4) مِنَ التَّعْزِيرَاتِ مَا يُقَدَّرُ أَكْثَرُهُ وَلَا يُقَدَّرُ أَقَلُّهُ. وَأَمَّا قِصَّةُ قُدَامَةَ فَقَدْ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ [وَغَيْرُهُ حَدِيثَهُ] (¬5) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬6) : أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا يَحْمِلُكَ (¬7) عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ¬

(¬1) الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 3/1330 - 1331 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْهُ مُخْتَصَرًا فِي: الْبُخَارِيِّ 8/158 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ. (¬2) ح: فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الضَّرْبُ مُقَدَّرًا. (¬3) ح، ب: الْعُقُوبَاتِ. (¬4) ح، ب: كَمَا كَانَ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ح، ب: حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ. (¬7) ح، ر، ي: مَا يَحْمِلُكُمْ.

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 93] وَإِنِّي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ. فَقَالَ عُمَرُ: أَجِيبُوا الرَّجُلَ، فَسَكَتُوا عَنْهُ. فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَجِبْهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عُذْرًا لِلْمَاضِينَ لِمَنْ شَرِبَهَا قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ، وَأَنْزَلَ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 90] حُجَّةً (¬1) عَلَى النَّاسِ. ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ عَنِ الْحَدِّ فِيهَا، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إِذَا شَرِبَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَاجْلِدْهُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً (¬2) ، فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ. فَفِيهِ أَنَّ عَلِيًّا أَشَارَ بِالثَمَانِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ أَرْبَعِينَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، لَمَّا جَلَدَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، وَأَنَّهُ أَضَافَ الثَمَانِينَ إِلَى عُمَرَ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَشَارَ بِالثَمَانِينَ (¬3) ، فَلَمْ يَكُنْ جَلْدُ الثَمَانِينَ مِمَّا اسْتَفَادَهُ عُمَرُ مِنْ عَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ قَدْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ جَلَدَ فِي خِلَافَتِهِ ثَمَانِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْلِدُ تَارَةً أَرْبَعِينَ وَتَارَةً ثَمَانِينَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ، فَأَجِدَ فِي نَفْسِي، إِلَّا صَاحِبِ الْخَمْرِ، [فَإِنَّهُ] لَوْ مَاتَ (¬4) لَوَدَيْتُهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّهُ لَنَا (¬5) . ¬

(¬1) ن، م: لِمَنْ شَرِبَهَا قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ و: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) حُجَّةٌ. (¬2) ح، ر، ي: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ. (¬3) انْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 39. (¬4) ن، م، ي، ر: الْخَمْرِ وَلَوْ مَاتَ، ح: الْخَمْرِ لَوْ مَاتَ. (¬5) انْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 40

وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْأَرْبَعِينَ فَمَا دُونَهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ عَلِيٍّ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ. وَإِنَّمَا تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ (¬1) فِيمَا إِذَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَتَلِفَ: هَلْ يَضْمَنُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: لَا يَضْمَنُ أَيْضًا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُهُ إِمَّا بِنِصْفِ الدِّيَةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ جَعَلَا لَهُ قَدْ تَلِفَ بِفِعْلٍ مُضَمَّنٍ وَغَيْرِ مُضَمَّنٍ (¬2) ، وَإِمَّا أَنْ تُقَسَّطَ الدِّيَةَ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ كُلِّهَا، فَيَجِبُ مِنَ الدِّيَةِ (¬3) بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَالشَّافِعِيُّ بَنَى هَذَا عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ تَعْزِيرٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ بِعُقُوبَةٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ ضُمِّنَ، لِأَنَّهُ بِالتَّلَفِ يَتَبَيَّنُ عُدْوَانُ الْمُعَزَّرِ، كَمَا إِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَالْمُؤَدِّبُ الصَّبِيَّ، وَالرَّائِضُ الدَّابَّةَ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي الْأَصْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي أَحَدِهِمَا، فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَقُولَانِ: الثَمَانُونَ حَدٌّ وَاجِبٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى يَقُولُ (¬4) : كُلُّ مَنْ تَلِفَ بِعُقُوبَةٍ جَائِزَةٍ، فَالْحَقُّ قَتْلُهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مُبَاحَةً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُقَدَّرَةً أَوْ غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ، وَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ سِرَايَةَ الْقَوَدِ فِي الطَّرَفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ فِي عُقُوبَةٍ ¬

(¬1) ن: الْعُلَمَاءُ. (¬2) ح: مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ. (¬3) ر، ي: فَتَجِبُ مِنْهُ الدِّيَةُ. (¬4) ح، ر، ي: وَفِي الْأُخْرَى أَحْمَدُ يَقُولُ.

فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه أنه أسقطت حامل خوفا منه

مُقَدَّرَةٍ وَاجِبَةٍ لَا يَضْمَنُ، كَالْجَلْدِ فِي الزِّنَا، وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَتَنَازَعُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَضْمَنُ فِي الْجَائِزِ وَلَا يَضْمَنُ فِي الْوَاجِبِ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَضْمَنُ سِرَايَةَ الْقَوَدِ وَلَا يَضْمَنُ سِرَايَةَ التَّعْزِيرِ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى -. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَضْمَنُ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ، وَلَا يَضْمَنُ فِي الْمُقَدَّرِ، سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا (¬1) كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يَضْمَنُ لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. [فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه أنه أسقطت حامل خوفا منه] فَصْلٌ (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَأَرْسَلَ إِلَى حَامِلٍ يَسْتَدْعِيهَا (¬4) فَأَسْقَطَتْ خَوْفًا. فَقَالَ لَهُ الصَّحَابَةُ: نَرَاكَ مُؤَدِّبًا وَلَا شَيْءَ (¬5) عَلَيْكَ. ثُمَّ سَأَلَ (¬6) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ تَنَازَعَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُشَاوِرُ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْحَوَادِثِ، يُشَاوِرُ عُثْمَانَ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) . (¬2) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالثَلَاثُونَ. (¬3) فِي (ك) ص 138 (م) . (¬4) ك: فَأُجْهِضَتْ. (¬5) ك: فَلَا شَيْءَ. (¬6) ن: سَلْ.

وَعَلِيًّا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَغَيْرَهُمْ، حَتَّى كَانَ يُشَاوِرُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهَذَا كَانَ مِنْ كَمَالِ فَضْلِهِ وَعَقْلِهِ وَدِينِهِ، وَلِهَذَا (¬1) كَانَ مِنْ أَسَدِّ (¬2) النَّاسِ رَأْيًا، وَكَانَ يَرْجِعُ تَارَةً إِلَى رَأْيِ هَذَا وَتَارَةً إِلَى رَأْيِ هَذَا. وَقَدْ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، فَاتَّفَقُوا عَلَى رَجْمِهَا، وَعُثْمَانُ سَاكِتٌ، فَقَالَ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: أَرَاهَا تَسْتِهَلُّ بِهِ اسْتِهْلَالَ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ، فَرَجَعَ (¬3) فَأَسْقَطَ الْحَدَّ عَنْهَا لَمَّا ذَكَرَ لَهُ عُثْمَانُ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهَا تَجْهَرُ بِهِ وَتَبُوحُ بِهِ، كَمَا يَجْهَرُ الْإِنْسَانُ وَيَبُوحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَا يَرَاهُ قَبِيحًا، مِثْلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالتَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي. وَالِاسْتِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمِنْهُ اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ، وَهُوَ رَفْعُهُ صَوْتَهُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَإِذَا كَانَتْ لَا تَعْلَمُهُ قَبِيحًا كَانَتْ جَاهِلَةً بِتَحْرِيمِهِ، وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ بَلَغَهُ (¬4) التَّحْرِيمُ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 15] وَقَالَ - تَعَالَى -: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 165] . وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ حَتَّى يُدْعَوْا إِلَى الْإِسْلَامِ. وَلِهَذَا مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَمْ يَعْلَمُ تَحْرِيمَهَا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِكَوْنِهِ نَشَأَ بِمَكَانِ جَهْلٍ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَاقِبِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَكَلَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْخَيْطُ ¬

(¬1) ب: فَلِهَذَا. (¬2) ن، م، ي: مِنْ أَشَدِّ. (¬3) فَرَجَعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ي) . (¬4) ح، ر، ي، ب: وَالْحَدُّ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ.

الْأَبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا فِي التَّأْوِيلِ. وَلَمْ يُعَاقِبْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا قَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لِأَنَّهُ ظَنَّ جَوَازَ قَتْلِهِ، لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّهُ قَالَهَا تَعَوُّذًا. وَكَذَلِكَ السَّرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَتِ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: إِنَّهُ مُسْلِمٌ، وَأَخَذَتْ مَالَهُ، لَمْ يُعَاقِبْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَأَوِّلَةً، وَكَذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لَمَّا قَتَلَ بَنِي جَذِيمَةَ لَمَّا قَالُوا: صَبَأْنَا، لَمْ يُعَاقِبْهُ لِتَأْوِيلِهِ. وَكَذَلِكَ الصِّدِّيقُ لَمْ يُعَاقَبْ خَالِدًا عَلَى قَتْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا. وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ لَمَّا قَالَ هَذَا لِهَذَا: أَنْتَ مُنَافِقٌ، لَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا (¬1) . وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: الشُّبْهَةُ الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ شُبْهَةُ اعْتِقَادٍ، أَوْ شُبْهَةُ مِلْكٍ؛ فَمَنْ تَزَوَّجَ نِكَاحًا اعْتَقَدَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَوَطِئَ فِيهِ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فِي الْبَاطِنِ، وَأَمَّا إِذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَعْلَمِ الْعُقُوبَةَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ. كَمَا حَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ إِذْ كَانَ قَدْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الزِّنَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ يُرْجَمُ، فَرَجَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُعَاقَبُ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .

بِالرَّجْمِ (¬1) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُشَاوِرُهُمْ، وَأَنَّهُ مَنْ ذَكَرَ مَا هُوَ حَقٌّ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي الْقِصَّةِ الْمُعَيَّنَةِ مَنَاطُ الْحُكْمِ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ، كَقَوْلِ عُثْمَانَ: إِنَّهَا جَاهِلَةٌ بِالتَّحْرِيمِ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُفِدْهُمْ مَعْرِفَةَ الْحُكْمِ الْعَامِّ، بَلْ أَفَادَهُمْ إِنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَلِيٍّ إِنَّ هَذِهِ مَجْنُونَةٌ، قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا، فَأَخْبَرَهُ بِجُنُونِهَا أَوْ بِحَمْلِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَبَيَّنَ نَصًّا (¬2) أَوْ مَعْنَى نَصٍّ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ الْعَامِّ، كَتَنْبِيهِ الْمَرْأَةِ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 20] ، وَكَإِلْحَاقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّ الشَّارِبِ بِحَدِّ الْقَاذِفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 3/1323 - 1324 كِتَابَ الْحُدُودِ بَابِ مَنِ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَرَدَّهُ. . . . فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ الْكَلَامُ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ الَّتِي زَنَتْ ثُمَّ تَابَتْ. . . . . إِلَخْ، وَانْظُرْ مَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 174، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ ذِكْرِ اسْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/68 - 69 (كِتَابِ الْأَحْكَامِ بَابِ مَنْ حَكَمَ فِي الْمَسْجِدِ) ، وَانْظُرْ بَابَ الشَّهَادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، بَعْدَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ 9/69 وَفِيهِ: وَأَقَرَّ مَاعِزٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّنَا أَرْبَعًا فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَأَوْرَدَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 3/1318 - 1321 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ مَنِ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا) وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ 4/204 - 211 (كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ رَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ) عِدَّةَ أَحَادِيثَ فِيهَا تَفْصِيلُ خَبَرِ مَاعِزٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَانْظُرْ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 19/41 - 42 (¬2) ح، ب: نَصَّ.

فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه تنازعت عنده امرأتان في طفل وأفتاه علي رضي الله عنه

[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه تنازعت عنده امرأتان في طفل وأفتاه علي رضي الله عنه] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَتَنَازَعَتِ امْرَأَتَانِ فِي طِفْلٍ، وَلَمْ (¬3) يَعْلَمِ الْحُكْمَ، وَفَزِعَ فِيهِ (¬4) إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (¬5) ، فَاسْتَدْعَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَرْأَتَيْنِ (¬6) وَوَعَظَهُمَا فَلَمْ تَرْجِعَا، فَقَالَ: ائْتُونِي بِمِنْشَارٍ، فَقَالَتِ الْمَرْأَتَانِ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ (¬7) فَقَالَ: أَقُدُّهُ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ فَتَأْخُذُ (¬8) كُلُّ وَاحِدَةٍ نِصْفًا، فَرَضِيَتْ وَاحِدَةٌ (¬9) . وَقَالَتِ الْأُخْرَى: اللَّهَ اللَّهَ يَا أَبَا الْحَسَنِ، إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ سَمَحْتُ لَهَا بِهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ (¬10) هُوَ ابْنُكِ دُونَهَا، وَلَوْ كَانَ ابْنُهَا لَرَقَّتْ عَلَيْهِ، فَاعْتَرَفَتِ الْأُخْرَى أَنَّ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبَتِهَا، فَفَرِحَ عُمَرُ، وَدَعَا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ". ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الثَّامِنُ وَالثَلَاثُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 138 (م) ، 139 (م) . (¬3) ك: فَلَمْ. (¬4) فِيهِ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) عَلِيٍّ: لَيْسَتْ فِي (ك) ، وَفِيهَا: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬6) ك: فَاسْتَدْعَى الْمَرْأَتَيْنِ. (¬7) ك: الْمَرْأَتَانِ لَهُ، مَا تَصْنَعُ. (¬8) ك: أَقُدُّهُ بِنِصْفَيْنِ تَأْخُذُ. (¬9) ر، ي، ن، م: الْوَاحِدَةُ، ك: إِحْدَاهُمَا. (¬10) ك: إِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَقَدْ سَمَحْتُ بِهِ لَهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ قِصَّةٌ (¬1) لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا (¬2) ، وَلَا يُعْرَفُ صِحَّتُهَا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرَهَا، [وَلَوْ كَانَ لَهَا حَقِيقَةٌ لَذَكَرُوهَا،] (¬3) وَلَا تُعْرَفُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَلَكِنَّ هِيَ مَعْرُوفَةٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتْ هَذِهِ (¬4) لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمْكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، مَا كُنَّا نَقُولُ: إِلَّا الْمُدْيَةَ» (¬5) . ¬

(¬1) ح، ر، ي: قَضِيَّةٌ. (¬2) ن، م، ح، ب: إِسْنَادٌ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬5) الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/162 كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ. . .) وَأَوَّلُهُ: مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ، وَقَالَ: كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 8/156 - 157 (كِتَابِ الْفَرَائِضِ، بَابِ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ ابْنًا) مُسْلِمٍ 3/1344 - 1345 كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ بَابِ بَيَانِ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَأَوَّلُهُ فِيهِ: بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، وَكَذَلِكَ أَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/206 - 207 كِتَابِ آدَابِ الْقُضَاةِ بَابِ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَجَاءَتْ فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى 8/207 بَابُ السِّعَةِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِلشَّيْءِ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 16/202

فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر فرده علي

فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: عَلِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ، سَمِعُوهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَمِعَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ سَمِعُوهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهَذَا غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - فَهَّمَ سُلَيْمَانَ مِنَ الْحِكَمِ مَا لَمْ يُفَهِّمْهُ لِدَاوُدَ (¬1) كَمَا فَهَّمَهُ الْحُكْمَ: إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ سَأَلَ رَبَّهُ حُكْمًا يُوَافِقُ حُكْمَهُ، وَمَعَ هَذَا فَلَا يُحْكَمُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بِأَنَّ سُلَيْمَانَ أَفْضَلُ مِنْ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. [فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر فرده علي] فَصْلٌ (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَأَمَرَ بِرَجْمِ امْرَأَةٍ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ خَاصَمْتُكَ بِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - خَصَمْتُكَ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 15] وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 233] ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَسْتَشِيرُ الصَّحَابَةَ، فَتَارَةً يُشِيرُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ بِمَا يَرَاهُ صَوَابًا، وَتَارَةً يُشِيرُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، وَتَارَةً يُشِيرُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَتَارَةً يُشِيرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ. وَبِهَذَا مَدَحَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ الشُّورَى: 38] وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا ظَهَرَ بِهَا ¬

(¬1) ح، ب: دَاوُدَ. (¬2) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ التَّاسِعُ وَالثَلَاثُونَ. (¬3) فِي (ك) ص 139 (م) .

حَمْلٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ وَلَا ادَّعَتْ شُبْهَةً: هَلْ تُرْجَمُ؟ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالسَّلَفِ: أَنَّهَا تُرْجَمُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ: لَا تُرْجَمُ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالُوا: لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُسْتَكْرَهَةً عَلَى الْوَطْءِ، أَوْ مَوْطُوءَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ حَمَلَتْ بِغَيْرِ وَطْءٍ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الثَّابِتُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، وَقَالَ: الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوِ الِاعْتِرَافُ (¬1) . فَجُعِلَ الْحَبَلُ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَا كَالشُّهُودِ، وَهَكَذَا (¬2) هَذِهِ الْقَضِيَّةُ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الشَّارِبِ هَلْ يُحَدُّ إِذَا تَقَيَّأَ أَوْ وُجِدَتْ مِنْهُ الرَّائِحَةُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ وَالْمَعْرُوفُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ (¬3) الرَّاشِدِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحُدُّونَ بِالرَّائِحَةِ وَبِالْقَيْءِ (¬4) ، وَكَانَ الشَّاهِدُ إِذَا شَهِدَ أَنَّهُ تَقَيَّأَهَا كَانَ كَشَهَادَتِهِ بِأَنَّهُ شَرِبَهَا، وَالِاحْتِمَالَاتُ الْبَعِيدَةُ هِيَ مِثْلُ احْتِمَالِ غَلَطِ الشُّهُودِ أَوْ كَذِبِهِمْ، وَغَلَطِهِ فِي ¬

(¬1) الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْبُخَارِيِّ 8/168 كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، بَابِ الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا، وَأَوَّلُهُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ. . . . . إِلَخْ، وَالْأَثَرُ فِي مُسْلِمٍ 3/1317 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابِ رَجْمِ الثَّيِّبِ فِي الزِّنَا، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/203 - 204 كِتَابِ الْحُدُودِ بَابٌ فِي الرَّجْمِ، وَالْأَثَرُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 1/274 - 391 (¬2) ن، م: وَكَذَلِكَ. (¬3) م، ب: وَالْخُلَفَاءِ. (¬4) ح، ب: وَالْقَيْءُ.

الْإِقْرَارِ أَوْ كَذِبِهِ، بَلْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ الظَّاهِرَةُ يَحْصُلُ بِهَا مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يَحْصُلُ بِكَثِيرٍ مِنَ الشَّهَادَاتِ وَالْإِقْرَارَاتِ. وَالشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا لَا يَكَادُ يُقَامُ بِهَا حَدٌّ، وَمَا أَعْرَفُ حَدًّا أُقِيمَ بِهَا (¬1) ، وَإِنَّمَا تُقَامُ الْحُدُودُ (¬2) إِمَّا بِاعْتِرَافٍ، وَإِمَّا بِحَبَلٍ، وَلَكِنْ يُقَامُ بِهَا مَا دُونُ الْحَدِّ، كَمَا إِذَا رُئِيَا مُتَجَرِّدَيْنِ فِي لِحَافٍ وَنَحْوِ (¬3) ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْحَدَّ يُقَامُ بِالْحَبَلِ، فَلَوْ وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. وَالْوِلَادَةُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ نَادِرَةٌ إِلَى الْغَايَةِ، وَالْأُمُورُ النَّادِرَةُ قَدْ لَا تَخْطُرُ بِالْبَالِ، فَأَجْرَى عُمَرُ ذَلِكَ عَلَى الْأَمْرِ الْمُعْتَادِ الْمَعْرُوفِ فِي النِّسَاءِ، كَمَا فِي أَقْصَى الْحَمْلِ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مَنِ النِّسَاءِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلِدُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ يُوجَدُ قَلِيلًا مَنْ تَلِدُ لِسَنَتَيْنِ، وَوُجِدَ نَادِرًا مَنْ وُلِدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَوُجِدَ مَنْ وُلِدَتْ لِسَبْعِ سِنِينَ، فَإِذَا وَلَدَتِ امْرَأَةٌ بَعْدَ إِبَانَةِ زَوْجِهَا لِهَذِهِ الْمُدَّةِ، فَهَلْ يَلْحَقُهُ النَّسَبُ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ. فَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَحُدُّ لِأَقْصَى الْحَمْلِ الْمُدَّةَ النَّادِرَةَ، هَذَا يَحُدُّ سَنَتَيْنِ، وَهَذَا يَحُدُّ أَرْبَعًا (¬4) ، وَهَذَا يَحُدُّ سَبْعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ نَادِرٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَإِذَا أَبَانَهَا وَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ، مَعَ ظُهُورِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ، لَمْ يَجِبْ إِلْحَاقُهُ بِهِ. ¬

(¬1) ح، ب: وَمَا أَعْرَفُ أَحَدًا أَقَامَ بِهَا، (¬2) وَإِنَّمَا يُقَامُ الْحَدُّ، (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬4) ح، ب: أَرْبَعَ سِنِينَ.

فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه كان يضطرب في الأحكام

[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه كان يضطرب في الأحكام] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَكَانَ يَضْطَرِبُ فِي الْأَحْكَامِ فَقَضَى فِي الْجَدِّ بِمِائَةِ قَضِيَّةٍ " (¬3) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْعَدَ الصَّحَابَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْجَدِّ بِالْحَقِّ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَنَّهُ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، كَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، كَابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَيُذْكَرُ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ نِسْبَةَ بَنِي الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ إِلَى الْجَدِّ، كَنِسْبَةِ الْأَعْمَامِ بَنِي الْجَدِّ إِلَى الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ أَوْلَى مِنَ الْأَعْمَامِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَوْلَى مِنَ الْإِخْوَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لَوْ كَانُوا لِكَوْنِهِمْ يُدْلُونَ بِبُنُوَّةِ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ، لَكَانَ أَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ بَنُو الْإِخْوَةِ، كَذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ أَوْلَادُهُمْ لَيْسُوا ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) الْفَصْلُ الْأَرْبَعُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 139 (م) . (¬3) ك: وَقَضَى فِي الْجَدِّ بِثَمَانِينَ قَضِيَّةً.

بِمَنْزِلَتِهِمْ، عُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَتَقَدَّمُونَ بِبُنُوَّةِ الْأَبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ لَمَّا كَانَ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ كَانَ ابْنُهُ [- ابْنُ الِابْنِ -] (¬1) بِمَنْزِلَتِهِ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَدَّةَ كَالْأُمِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَدُّ كَالْأَبِ، وَلِأَنَّ الْجَدَّ يُسَمَّى أَبًا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ الْقَوْلَانِ، وَلَكِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي التَّفْصِيلِ (¬2) اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا. وَجُمْهُورُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى مَذْهَبِ زَيْدٍ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ فِي الْجَدِّ فَلَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي بِهِ، وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ فِيهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابَ، فَهُوَ قَوْلٌ لِعُمَرَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ قَوْلٌ لِعُمَرَ. وَإِنَّمَا نَفَذَ قَوْلُ زَيْدٍ فِي النَّاسِ لِأَنَّهُ كَانَ قَاضِيَ عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ يُنْفِذُ قَضَاءَهُ (¬3) فِي الْجَدِّ لِوَرَعِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا صَارَ جَدًّا تَوَرَّعَ (¬4) وَفَوَّضَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لِزَيْدٍ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " إِنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِمِائَةِ قَضِيَّةٍ ". إِنَّ صَحَّ هَذَا، لَمْ يَرِدْ بِهِ أَنَّهُ قَضَى فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ بِمِائَةِ قَوْلٍ؛ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَيْسَ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ نِزَاعٌ أَكْثَرُ مِمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْخَرْقَاءِ ¬

(¬1) ابْنُ الِابْنِ: فِي (ح) ، (ر) فَقَطْ. (¬2) ح، ب، ي: التَّفْضِيلُ. (¬3) ن، م: قَضَايَاهُ. (¬4) م، ر، ي: تَوَزَّعَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

أُمٍّ وَأُخْتٍ وَجَدٍّ، وَالْأَقْوَالُ فِيهَا سِتَّةٌ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِنْ كَانَ صَحِيحًا: أَنَّهُ قَضَى فِي مِائَةِ حَادِثَةٍ مِنْ حَوَادِثِ الْجَدِّ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ مُمْكِنٌ، لَكِنْ لَمْ يَخْرُجْ قَوْلُهُ عَنْ قَوْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ مُخْتَلِفٌ أَيْضًا. وَأَهْلُ الْفَرَائِضِ يَعْلَمُونَ هَذَا وَهَذَا، مَعَ (¬1) أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، فَإِنَّ وُجُودَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ فِي الْفَرِيضَةِ قَلِيلٌ جِدًّا فِي النَّاسِ، وَعُمَرُ إِنَّمَا تَوَلَّى عَشْرَ سِنِينَ، وَكَانَ قَدْ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْجَدِّ. وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَيَّنَهُنَّ لَنَا: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا " (¬2) . وَمَنْ كَانَ مُتَوَقِّفًا لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِشَيْءٍ. وَمِمَّا يُبَيِّنْ هَذَا أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا نَقَلُوا عَنْ عُمَرَ فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ قَضَاءَيْنِ. قَضَى (¬3) فِي الْمُشْرِكَةِ، فَرُوِيَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَضَى فِيهَا مَرَّةً بِعَدَمِ التَّشْرِيكِ، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ. وَقَضَى فِي نَظِيرِهَا فِي الْعَامِ الثَّانِي بِالتَّشْرِيكِ، وَقَالَ: ذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّهُمَا وَغَيْرِهِمَا مُقَلِّدَانِ لِزَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ، وَهِيَ رِوَايَةُ حَرْبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقُضُ بِالِاجْتِهَادِ. ¬

(¬1) ب: هَذَا مَعَ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا مَضَى 5/412 (¬3) ن، م: قَضَا، ر: قَضَاءً.

وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " كَانَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ يُبَعْنَ " فَقَالَ لَهُ قَاضِيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: " رَأْيُكُ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ " فَعَلِيٌّ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَضَى بِهِ فِي عِتْقِهِنَّ وَمَنْعِ بَيْعِهِنَّ هُوَ وَعُمَرُ لَمْ يَكُنْ يَنْقُضُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَرَى أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِيمَا بَعْدُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُنَّ. وَالْمَسَائِلُ الَّتِي لِعَلِيٍّ فِيهَا قَوْلَانِ وَأَكْثَرُ كَثِيرَةً، وَنَفْسُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ قَدْ نُقِلَ عَنْهُ فِيهَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ بَعْضَ نُوَّابِهِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَضِيَّةٍ فِي ذَلِكَ يَأْمُرُهُ فِيهَا بِاجْتِهَادِهِ وَيَقُولُ: قَطِّعِ الْكِتَابَ؛ فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا بِالِاجْتِهَادِ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الْمُعَيَّنَةِ، وَكَرِهَ أَنْ يُقَلِّدَهُ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ مِنْهُ، فَأَمَرَهُ بِتَقْطِيعِ الْكِتَابِ لِذَلِكَ. بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ مَعَهُ فِيهَا نَصٌّ، فَإِنَّهُ كَانَ يُبَلِّغُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِتَبْلِيغِهِ، وَلَا يَأْمُرُ بِقَطْعِ كِتَابِهِ. وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي بَيْعِ الْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا الْعِلْمُ بِالرَّأْيِ، هَلْ يَجُوزُ [بَيْعُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ فِيهِ؟] (¬1) عَلَى قَوْلَيْنِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ح) ، (ر) ، (ي) فَقَطْ.

فصل كلام الرافضي أن عمر كان يفضل في الغنيمة والعطاء

[فصل كلام الرافضي أن عمر كان يفضل في الغنيمة والعطاء] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَكَانَ يُفَضِّلُ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْعَطَاءِ، وَأَوْجَبَ (¬3) اللَّهُ - تَعَالَى - التَّسْوِيَةَ ". وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْغَنِيمَةُ فَلَمْ يَكُنْ يُقَسِّمُهَا هُوَ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُقَسِّمُهَا الْجَيْشُ الْغَانِمُونَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَكَانَ الْخُمُسُ يُرْسَلُ إِلَيْهِ، كَمَا يُرْسَلُ إِلَى غَيْرِهِ، فَيُقَسِّمُهُ بَيْنَ أَهْلِهِ، وَلَمْ يَقُلْ عُمَرُ وَلَا غَيْرُهُ: إِنَّ الْغَنِيمَةَ يَجِبُ فِيهَا التَّفْضِيلُ، وَلَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَضِّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ، إِذَا تَبَيَّنَ (¬4) لَهُ زِيَادَةُ نَفْعٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، إِحْدَاهُمَا (¬5) : أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَلَ فِي بِدَايَتِهِ الرُّبُعَ بَعْدِ الْخُمُسِ، وَفِي رَجَعْتِهِ الثُّلُثَ بَعْدِ الْخُمُسِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (¬6) . وَهَذَا تَفْضِيلٌ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، وَلِأَنَّ فِي ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الْحَادِيُ وَالْأَرْبَعُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 139 (م) . (¬3) ح، ر، ي: وَأَحَبَّ. (¬4) تَبَيَّنَ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: ظَهَرَ. (¬5) ح، ي، ب: أَحَدُهُمَا. (¬6) الْحَدِيثَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرَيِّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/106 - 107 كِتَابِ الْجِهَادِ بَابِ فِيمَنْ قَالَ: الْخُمُسُ قَبْلَ النَّفْلِ، الْمُسْنَدُ ط. الْحَلَبِيِّ 4/159، 160، 5/319 - 320

الصَّحِيحِ (¬1) صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ سَهْمَ رَاجِلٍ وَفَارِسٍ فِي غَزْوَةِ الْغَابَةِ، وَكَانَ رَاجِلًا، لِأَنْ أَتَى مِنَ الْقَتْلِ وَالْغَنِيمَةِ وَإِرْهَابِ الْعَدُوِّ بِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُهُ» (¬2) . وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٌ يَقُولُ: لَا يَكُونُ النَّفْلُ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬3) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ نَجْدٍ، فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا (¬4) اثَّنَى عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا بَعِيرًا» (¬5) . وَهَذَا النَّفْلُ لَا يَقُومُ بِهِ خُمُسُ الْخُمُسِ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، فَإِذَا كَانَ عُمَرُ يَسُوغُ التَّفْضِيلَ لِلْمَصْلَحَةِ، فَهُوَ الَّذِي ضَرَبَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ (¬6) . وَأَمَّا التَّفْضِيلُ فِي الْعَطَاءِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُفَضِّلُ فِيهِ وَيَجْعَلُ ¬

(¬1) الصَّحِيحِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬2) انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ الطَّوِيلِ فِي: مُسْلِمٍ 3/1433 - 1441 كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابِ غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ وَغَيْرِهَا، وَنَصُّ الْخَبَرِ ص 1439 ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَيْنِ: سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/53 (¬3) ح، ب: فِي الصَّحِيحَيْنِ، (¬4) ر: سِهَامُنَا. (¬5) جَاءَ الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/160 (كِتَابِ الْمَغَازِي، بَابِ السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ) الْمُسْنَدَ ط. الْمَعَارِفِ 6/261، 262، 7/195 (¬6) ن، م: وَيَدِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

النَّاسَ فِيهِ عَلَى مَرَاتِبَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَجْعَلَنَّ النَّاسَ بَابًا (¬1) وَاحِدًا، أَيْ نَوْعًا وَاحِدًا. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسَوِّي فِي الْعَطَاءِ، وَكَانَ عَلِيٌّ يُسَوِّي أَيْضًا، وَكَانَ عُثْمَانُ يُفَضِّلُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، فَهَلْ لِلْإِمَامِ التَّفْضِيلُ فِيهِ لِلْمَصْلَحَةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَالتَّسْوِيَةُ فِي الْعَطَاءِ اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالتَّفْضِيلُ قَوْلُ مَالِكٍ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: " إِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ فِيهِ ". فَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا، وَلَوْ ذَكَرَ دَلِيلًا لَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ، كَمَا نَتَكَلَّمُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَالَّذِينَ أُمِرُوا بِالتَّسْوِيَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ احْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ قَسَّمَ الْمَوَارِيثَ بَيْنَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِالسَّوَاءِ، وَلَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا بِصِفَةٍ، وَأَجَابَ الْمُفَضِّلُونَ بِأَنَّ تِلْكَ تَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ لَا بِعَمَلٍ (¬2) . وَاحْتَجُّوا «بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَّى فِي الْمَغَانِمِ بَيْنَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا وَاحِدًا، وَأَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ» ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬3) . . وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقِيلَ: ¬

(¬1) ن، م: بَيَانًا، ب: بِبَانَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن: لَا يَعْلَمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/136 - 137 كِتَابِ الْمَغَازِي، بَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَنَصُّهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ، وَانْظُرِ الْبُخَارِيَّ 4 كِتَابَ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابَ سِهَامِ الْفُرْسِ، مُسْلِمٌ 3/1383 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ، سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ 3/101 كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي سُهْمَانِ الْخَيْلِ، سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 3/56 كِتَابُ السِّيَرِ بَابٌ فِي سَهْمِ الْخَيْلِ

أَعْطَاهُ سَهْمَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ، وَالثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ عَامُ خَيْبَرَ أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَكَانَتِ الْخَيْلُ مِائَتَيْ فَرَسٍ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِائَةً، فَقَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، كُلُّ مِائَةٍ فِي سَهْمٍ، فَأَعْطَى أَهْلَ الْخَيْلِ سِتَّمِائَةِ سَهْمٍ، وَكَانُوا مِائَتَيْنِ، وَأَعْطَى أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ لِأَلْفٍ وَمِائَتَيْ رَجُلٍ، وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ رُكْبَانًا عَلَى الْإِبِلِ، فَلَمْ يُسْهِمْ لِلْإِبِلِ عَامَ خَيْبَرَ» (¬1) . وَالْمُجَوِّزُونَ لِلتَّفْضِيلِ قَالُوا: بَلِ الْأَصْلُ التَّسْوِيَةُ، وَكَانَ أَحْيَانًا يُفَضِّلُ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّفْضِيلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ: أَنْ (¬2) الْأَصْلَ التَّسْوِيَةُ، وَأَنَّ التَّفْضِيلَ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ جَائِزٌ. وَعُمَرُ لَمْ يُفَضِّلْ لِهَوًى وَلَا حَابَى، بَلْ قَسَّمَ الْمَالَ عَلَى الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ، فَقَدَّمَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ [مِنْ] (¬3) الصَّحَابَةِ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَكَانَ يُنْقِصُ نَفْسَهُ وَأَقَارِبَهُ عَنْ نُظَرَائِهِمْ، فَنَقَصَ ابْنَهُ وَابْنَتَهُ عَمَّنْ كَانَا أَفْضَلَ مِنْهُ. ¬

(¬1) فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/101 - 102 كِتَابِ الْجِهَادِ، بَابِ فِيمَنْ أَسْهَمَ لَهُ سَهْمًا عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَأُوا الْقُرْآنَ، قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، فِيهِمْ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَأَرَى الْوَهْمَ فِي حَدِيثِ مُجَمِّعٍ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ، وَكَانُوا مِائَتَيْ فَارِسٍ. (¬2) ن، ر: لِأَنَّ. (¬3) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَإِنَّمَا يُطْعَنُ فِي تَفْضِيلِ مَنْ فَضَّلَ لِهَوًى، أَمَّا مَنْ كَانَ قَصْدُهُ وَجْهَ اللَّهِ - تَعَالَى وَطَاعَةَ رَسُولِهِ، وَتَعْظِيمَ مَنْ عَظَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتَقْدِيمَ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ - فَهَذَا يُمْدَحُ وَلَا يُذَمُّ. وَلِهَذَا كَانَ يُعْطِي عَلِيًّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مَا لَا يُعْطِي لِنُظَرَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَقَارِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ سَوَّى لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ إِلَّا بَعْضُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْخُمُسُ فَقَدِ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: سَقَطَ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ شَيْئًا بِالْخُمُسِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ يَتِيمٌ أَوْ مِسْكِينٌ، فَيُعْطَى لِكَوْنِهِ يَتِيمًا أَوْ مِسْكِينًا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ لِذِي قُرْبَى وَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَهُ، فَكُلُّ وَلِيِّ أَمْرٍ (¬1) يُعْطِي أَقَارَبَهُ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ، مِنْهُمْ [الْحَسَنُ وَ] أَبُو ثَوْرٍ (¬2) فِيمَا أَظُنُّ (¬3) . وَقَدْ نُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُثْمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْخُمُسُ يُقَسَّمُ خَمْسَةَ أَقْسَامِ التَّسْوِيَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْخُمُسُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ يُقَسِّمُهُ بِنَفْسِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا يُقَسَّمُ الْفَيْءُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ ¬

(¬1) ن، م: فَكُلُّ امْرِئٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ. (¬3) فِيمَا أَظُنُّ: لَيْسَتْ فِي (ح) ، (ر) ، (ي) .

أَحْمَدَ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ. فَمَصْرِفُ الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ وَاحِدٌ، فَكَانَ دِيوَانُ الْعَطَاءِ الَّذِي لِعُمَرَ يُقَسَّمُ فِيهِ الْخُمُسُ وَالْعَطَاءُ جَمِيعًا. وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّ خُمُسَ مَكَاسِبِ الْمُسْلِمِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَيُصْرَفُ إِلَى مَنْ يَرَوْنَهُ هُوَ نَائِبُ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَابَةِ: لَا بَنِي هَاشِمٍ وَلَا غَيْرِهِمْ. وَكُلُّ مَنْ نَقَلَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ أَوْ عُلَمَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ، كَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ سِيرَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَدْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَبَعْضَ أُخْرَى، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا، بَلْ لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ قَطُّ خُمُسٌ مَقْسُومٌ، أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَمَا خَمَّسَ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ أَمْوَالَهُمْ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِذَا غُنِمْتَ مِنْهُمُ الْأَمْوَالُ (¬1) خُمِّسَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَكِنَّ فِي عَهْدِهِ لَمْ يَتَفَرَّغِ الْمُسْلِمُونَ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ، بِسَبَبِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالِاخْتِلَافِ. وَكَذَلِكَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَمِّسْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا طَالَبَ أَحَدًا (¬2) قَطُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِخُمُسِ ¬

(¬1) ب: أَمْوَالٌ. (¬2) ن، م، ب: وَلَا طَلَبَ أَحَدًا، ر، ي: وَلَا طَلَبَ طَالِبٌ أَحَدًا، ح: وَلَا طَلَبَ طَالِبٌ أَحَدًا. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أُثْبِتُهُ.

مَالِهِ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمُ الصَّدَقَاتِ، وَيَقُولُ: لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالْجِهَادِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسِّمُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: يُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَهْلِهَا، وَيُقَسِّمُ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ. وَهَذِهِ هِيَ الْأَمْوَالُ الْمُشْتَرَكَةُ السُّلْطَانِيَّةُ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ يَتَوَلَّوْنَ قِسْمَتَهَا (¬1) . وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ لَهَا كُتُبًا مُفْرَدَةً، وَجَمَعُوا بَيْنَهَا فِي مَوَاضِعَ: يَذْكُرُونَ قَسْمَ الْغَنَائِمِ وَالْفَيْءِ وَالصَّدَقَةِ. وَالَّذِي تَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ لَهُمْ فِيهِ مَأْخَذٌ، فَتَنَازَعُوا فِي الْخُمُسِ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ فِي الْقُرْآنِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 41] . وَقَالَ فِي الْفَيْءِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] . وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 6] . وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ، وَاللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَأَعْطَاهُمُ الْأَمْوَالَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى عِبَادَتِهِ، فَالْكُفَّارُ لَمَّا كَفَرُوا بِاللَّهِ وَعَبَدُوا غَيْرَهُ لَمْ يَبْقُوا ¬

(¬1) ح، ب، ر، ي: قَسْمَهَا.

مُسْتَحِقِّينَ لِلْأَمْوَالِ، فَأَبَاحَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ قَتْلَهُمْ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، فَصَارَتْ فَيْئًا أَعَادَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهُ، وَكُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ الْكُفَّارِ قَدْ يُسَمَّى فَيْئًا حَتَّى الْغَنِيمَةِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَنَائِمِ حُنَيْنٍ: " «لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» " (¬1) . لَكِنْ لَمَّا قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 6] ، وَقَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] صَارَ اسْمُ الْفَيْءِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَمَّا أَخَذَ مِنَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْفَيْءَ لَا يُخَمَّسُ، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ قَاطِبَةً، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْخِرَقِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: يُخَمَّسُ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَإِنَّ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ تَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يَخْمُسُوا فَيْئًا قَطُّ، بَلْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِكَانَتْ أَوَّلَ الْفَيْءِ، وَلَمْ يَخْمُسْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ خَمَسَ غَنِيمَةَ بَدْرٍ، وَخَمَسَ خَيْبَرَ وَغَنَائِمَ حُنَيْنٍ. وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، لَمْ يَكُونُوا يَخْمُسُونَ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَفْظُ آيَةِ الْخُمُسِ وَآيَةِ الْفَيْءِ وَاحِدًا، اخْتَلَفَ فَهْمُ النَّاسِ لِلْقُرْآنِ، فَرَأَتْ طَائِفَةٌ أَنَّ آيَةَ الْخُمُسِ تَقْتَضِي أَنْ يُقْسَّمَ الْخُمُسُ بَيْنَ الْخَمْسَةِ بِالسَّوِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/208 - 209

الظَّاهِرِيِّ، لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، ثُمَّ إِنْ آيَةَ الْفَيْءِ لَفْظُهَا كَلَفْظِ آيَةِ الْخُمُسِ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْفَيْءَ كُلَّهُ يُصْرَفُ أَيْضًا مَصْرِفَ الْخُمُسِ إِلَى هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ، وَهَذَا قَوْلُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ وَأَتْبَاعِهِ، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ. وَهُوَ قَوْلٌ يَقْتَضِي فَسَادَ الْإِسْلَامِ إِذَا دُفِعَ الْفَيْءُ كُلُّهُ إِلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَهَؤُلَاءِ يَتَكَلَّمُونَ أَحْيَانًا بِمَا يَظُنُّونَهُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ، وَلَا يَتَدَبَّرُونَ عَوَاقِبَ قَوْلِهِمْ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي آيَةِ الْفَيْءِ: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] الْمُرَادُ بِذَلِكَ: خُمُسُ الْفَيْءِ، فَرَأَوْا أَنَّ الْفَيْءَ يُخْمَسُ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ قَالَ: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] ، لَمْ يَقُلْ: خُمُسُهُ لِهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَالَ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8] ، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 9] {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 10] وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْفَيْءِ كُلِّهِ، فَكَيْفَ يَقُولُ: الْمُرَادُ خُمُسُهُ؟ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: " هَذِهِ عَمَّتِ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ ". وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فَوَافَقُوا هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ يَسْتَحِقُّهُ هَؤُلَاءِ، لَكِنْ قَالُوا: إِنَّ سَهْمَ الرَّسُولِ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ فِي حَيَّاتِهِ، وَذَوُو قُرْبَاهُ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ لِنَصْرِهِمْ لَهُ، وَهَذَا قَدْ سَقَطَ بِمَوْتِهِ فَسَقَطَ سَهْمُهُمْ، كَمَا سَقَطَ سَهْمُهُ.

وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَالَا: بَلْ يُقَسَّمُ سَهْمُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ، إِمَّا فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَإِمَّا فِي الْمَصَالِحِ مُطْلَقًا، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ: هَلْ كَانَ الْفَيْءُ مِلْكًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ذَوُو الْقُرْبَى هُمْ ذَوُو قُرْبَى (¬1) الْقَاسِمِ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ الرَّسُولُ فِي حَيَاتِهِ، وَمَنْ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَهُ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا أَطْعَمَ اللَّهُ نَبِيًّا طُعْمَةً إِلَّا كَانَتْ لِمَنْ (¬2) يَتَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَهُ» " (¬3) . وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَكْثَرِ السَّلَفِ: أَنَّ مَصْرِفَ الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُصْرَفُ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالرَّسُولُ هُوَ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] . ¬

(¬1) قُرْبَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬2) ن، م: لِلَّذِي. (¬3) الْحَدِيثَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/198 كِتَابِ الْخَوَارِجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابِ فِي صَفَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَنَصُّهُ: عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً فَهِيَ لِلَّذِي يَقُومُ بَعْدَهُ، وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي اللَّفْظِ، فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 1/160 وَصَحَّحَ أَحْمَدُ شَاكِرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَدِيثَ.

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» " (¬1) . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْطِي الْمَالَ لِمَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ لَا لِمَنْ يُرِيدُ هُوَ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ رَسُولَ اللَّهِ لَا لِكَوْنِهِ مَالِكًا لَهُ. وَهَذَا بِخِلَافِ نَصِيبِهِ مِنَ الْمَغْنَمِ وَمَا وُصِّيَ لَهُ بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الْفَيْءُ مَالَ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ الْمَالُ الَّذِي يَجِبُ صَرْفُهُ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ؛ أَيْ: فِي طَاعَةِ اللَّهِ، أَيْ لَا يَصْرِفُهُ أَحَدٌ فِيمَا يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ. وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سُورَةُ النُّورِ: 33] فَإِنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إِلَى الرَّسُولِ بَلْ جَعَلَهُ مِمَّا آتَاهُمُ اللَّهُ، قَالُوا: وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] تَخْصِيصُ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ لِلِاعْتِنَاءِ بِهِمْ، لَا لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالْمَالِ، وَلِهَذَا قَالَ: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] أَيْ لَا تَتَدَاوَلُونَهُ وَتَحْرِمُونَ الْفُقَرَاءَ، وَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالْفُقَرَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَغْنِيَاءِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ دُولَةً. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْقَاسِمُ لِلْفَيْءِ وَالْمَغَانِمِ، وَلَوْ كَانَتْ مَقْسُومَةً مَحْدُودَةً كَالْفَرَائِضِ، لَمْ يَكُنْ لِلرَّسُولِ أَمْرٌ فِيهَا وَلَا نَهْيٌ. وَأَيْضًا فَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَمِّسْ قَطُّ خُمُسًا ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/206

فصل كلام الرافضي أن عمر كان يأخذ بالرأي والحدس والظن

خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَلَا خُلَفَاؤُهُ، وَلَا كَانُوا يُعْطُونَ الْيَتَامَى مِثْلَ مَا يُعْطُونَ الْمَسَاكِينَ، بَلْ يُعْطُونَ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَسَاكِينُ أَكْثَرَ مِنَ الْيَتَامَى الْأَغْنِيَاءِ، وَقَدْ كَانَ (¬1) بِالْمَدِينَةِ يَتَامَى أَغْنِيَاءُ فَلَمْ يَكُونُوا يُسَوُّونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ، بَلْ وَلَا عُرِفَ أَنَّهُمْ أَعْطَوْهُمْ، بِخِلَافِ ذَوِي الْحَاجَةِ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهَا. [فصل كلام الرافضي أن عمر كان يأخذ بالرأي والحدس والظن] فَصْلٌ (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَقَالَ بِالرَّأْيِ وَالْحَدْسِ وَالظَّنِّ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَلْ عَلِيٌّ كَانَ مِنْ أَقَوْلِهِمْ بِالرَّأْيِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَزَيْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَقُولُونَ بِالرَّأْيِ، وَكَانَ رَأْيُ عَلِيٍّ فِي دِمَاءِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَظَائِمِ. كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (¬4) وَغَيْرِهِ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ (¬5) قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِكَ هَذَا، أَعْهَدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: مَا عَهِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيَّ شَيْئًا (¬6) وَلَكِنَّهُ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ، وَهَذَا أَمْرٌ ثَابِتٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ عَلِيٌّ ¬

(¬1) ح، ر: وَقَدْ يَكُونُ، ب: قَدْ كَانَ. (¬2) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ (¬3) فِي (ك) ص 139 (م) . (¬4) 4/300 كِتَابِ السُّنَّةِ، بَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ. (¬5) ن، ح: عُبَادَةَ. (¬6) سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ: بِشَيْءٍ.

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِتَالِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ شَيْئًا، كَمَا رَوَاهُ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ، بَلْ رَوَى الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ، وَأَمَّا قِتَالُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ نَصًّا إِلَّا الْقَاعِدُونَ؛ فَإِنَّهُمْ رَوَوُا الْأَحَادِيثَ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ أُمِرَ بِقَتْلِ (¬1) النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ فَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّأْيَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا فَلَا لَوْمَ عَلَى مَنْ قَالَ بِهِ (¬3) ، وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا فَلَا رَأْيَ أَعْظَمُ ذَمًّا مِنْ رَأْيٍ أُرِيقَ بِهِ دَمُ أُلُوفٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنَ ¬

(¬1) ر: بِقِتَالِ. (¬2) ذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 3/139 - 140 حَدِيثَيْنِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ الْأَوَّلُ: قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ. وَالثَّانِي: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: تُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ بِالطُّرُقَاتِ وَالنَّهَرَوَانَاتِ وَبِالشَّعَفَاتِ، قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَعَ مَنْ تُقَاتِلُ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامُ؟ قَالَ: مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَمْ يُعَلِّقِ الْحَاكِمُ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَلْخِيصِ الْمُسْتَدْرَكِ: قُلْتُ: لَمْ يَصِحَّ، وَسَاقَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ، ضَعِيفَيْنِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عِرَاقٍ الْكِنَانِيُّ فِي تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ 1/387 بِلَفْظِ: أُمِرْنَا بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ مَعَ عَلِيٍّ ثُمَّ قَالَ: (حب) وَفِيهِ أَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ، وَعَنْهُ: عَلِيُّ بْنُ الْخَرُوزِ، شِيعِيٌّ مَتْرُوكٌ، تُعِقِّبَ بِأَنَّ لَهُ طُرُقًا أُخْرَى غَيْرَ هَذِهِ، فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْأَرْبَعِينَ، مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ: أُمِرْتُ بِقِتَالِ ثَلَاثَةٍ، فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْخَطِيبُ وَالْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي إِيضَاحِ الْإِشْكَالِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: وَأَسَانِيدُهَا لَيِّنَةٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيٌّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ ص 383 وَقَالَ: وَفِي إِسْنَادِهِ مَتْرُوكَانِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي أَيُّوبَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. (¬3) ر: عَلَى مَنْ قَالَهُ.

الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِقَتْلِهِمْ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا فِي دِينِهِمْ وَلَا فِي دُنْيَاهُمْ، بَلْ نَقَصَ الْخَيْرُ عَمَّا كَانَ، وَزَادَ الشَّرُّ عَلَى مَا كَانَ. فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الرَّأْيِ لَا يُعَابُ (¬1) بِهِ، فَرَأْيُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ وَالطَّلَاقِ أَوْلَى أَنْ لَا يُعَابَ (¬2) . مَعَ أَنَّ عَلِيًّا شَرَكَهُمْ فِي هَذَا الرَّأْيِ، وَامْتَازَ بِرَأْيِهِ فِي الدِّمَاءِ. وَقَدْ كَانَ ابْنُهُ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ لَا يَرَوْنَ الْقِتَالَ مَصْلَحَةً، وَكَانَ هَذَا الرَّأْيُ أَصْلَحَ (¬3) مِنْ رَأْيِ الْقِتَالِ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ فِي الْجَدِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ كَانَ بِالرَّأْيِ، وَقَدْ قَالَ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَالْآنَ فَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ يُبَعْنَ، فَقَالَ لَهُ قَاضِيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُكَ مَعَ رَأْيِ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكِ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الِاخْتِلَافَ، حَتَّى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ، أَوْ أَمُوتُ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي "، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ كَذِبٌ (¬4) . وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تُرِكَتْ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَبَلَغَتْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَثِيرٌ مِنْهَا قَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِخِلَافِهِ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلُ، فَإِنَّ مَذْهَبَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا ¬

(¬1) ن، م: أُرِيقَتْ، (¬2) ح: يُعَاقَبَ. (¬3) ح: أَصَحُّ. (¬4) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْبُخَارِيِّ 5/19 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابِ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ.

تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا «جَاءَتْهُ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ وَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: " كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ، بَلْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» " (¬1) . وَكَانَ زَوْجُهَا قَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِالرَّأْيِ ذَنْبًا، فَذَنْبُ غَيْرِ عُمَرَ - كَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِ - أَعْظَمُ، فَإِنَّ ذَنْبَ مَنِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِرَأْيٍ، هُوَ ذَنْبٌ أَعْظَمُ مِنْ ذَنْبِ مَنْ حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ جُزْئِيَّةٍ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ مَا هُوَ صَوَابٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ خَطَأٌ، فَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْعَدُ بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الصَّوَابَ فِي رَأْيِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي رَأْيِ غَيْرِهِ، وَالْخَطَأُ فِي رَأْيِ غَيْرِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي رَأْيِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّأْيُ كُلُّهُ صَوَابًا، فَالصَّوَابُ (¬2) الَّذِي مَصْلَحَتُهُ أَعْظَمُ هُوَ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ مِنَ الصَّوَابِ الَّذِي مَصْلَحَتُهُ دُونَ ذَلِكَ، وَآرَاءُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ مَصَالِحُهُا أَعْظَمَ لِلْمُسْلِمِينَ. فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ عُمَرُ فَوْقَ الْقَائِلِينَ بِالرَّأْيِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيمَا يُحْمَدُ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْهُمْ فِيمَا يُذَمُّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» " (¬3) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَأْيَ الْمُحَدِّثِ الْمُلْهَمِ أَفْضَلُ مِنْ رَأْيِ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ فَوْقُهُ إِلَّا النَّصَّ الَّذِي هُوَ حَالُ الصِّدِّيقِ الْمُتَلَقِّي مِنَ الرَّسُولِ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ الصِّدِّيقَ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ، لَكِنَّ عُمَرَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِهِمْ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/243. (¬2) ح، ب: فَإِنَّ الصَّوَابَ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.

وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى -: " «ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» " (¬1) . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِشَيْءٍ إِنِّي لَأَرَاهُ كَذَا وَكَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَقُولُ. (¬2) فَالنُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ وَالِاعْتِبَارُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَأْيَ عُمَرَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ رَأْيِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِهَذَا كَانَتْ آثَارُ رَأْيِهِ مَحْمُودَةً، فِيهَا صَلَاحُ (¬3) الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَهُوَ الَّذِي فَتَحَ بِلَادَ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَأَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَأَذَلَّ بِهِ الْكُفْرَ وَالنِّفَاقَ، وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ الدِّيوَانَ، وَفَرَضَ الْعَطَاءَ، وَأَلْزَمَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالصَّغَارِ وَالْغِيَارِ، وَقَمْعِ الْفُجَّارِ، وَقَوَّمَ الْعُمَّالَ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِ أَعَزَّ مَا كَانَ. وَمَا يَتَمَارَى فِي كَمَالِ سِيرَةِ عُمَرَ وَعِلْمِهِ وَعَدْلِهِ وَفَضْلِهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ وَإِنْصَافٍ، وَلَا يَطْعَنُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِلَّا أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا رَجُلٌ مُنَافِقٌ زِنْدِيقٌ مُلْحِدٌ عَدُوٌّ لِلْإِسْلَامِ، يَتَوَصَّلُ بِالطَّعْنِ فِيهِمَا إِلَى الطَّعْنِ فِي الرَّسُولِ وَدِينِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا حَالُ الْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ لِلرَّافِضَةِ، أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَعَ الرَّفْضَ، وَحَالُ أَئِمَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَإِمَّا جَاهِلٌ مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ وَالْهَوَى، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى عَامَّةِ الشِّيعَةِ، إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فِي الْبَاطِنِ. وَإِذَا قَالَ الرَّافِضِيُّ: عَلِيٌّ كَانَ مَعْصُومًا لَا يَقُولُ بِرَأْيِهِ، بَلْ كُلُّ مَا قَالَهُ فَهُوَ مِثْلُ نَصِّ الرَّسُولِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ الْمَنْصُوصُ عَلَى إِمَامَتِهِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ. ¬

(¬1) مَضَّى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. (¬2) الْأَثَرُ فِي الْبُخَارِيِّ: 5/48 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .، بَابِ إِسْلَامِ عُمَرَ. (¬3) ر: صَالِحُ.

قِيلَ لَهُ: نَظِيرُكَ فِي الْبِدْعَةِ الْخَوَارِجُ، كُلُّهُمْ يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا، مَعَ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ وَأَصْدَقُ وَأَدْيَنُ مِنَ الرَّافِضَةِ، لَا يَسْتَرِيبُ فِي هَذَا كُلُّ مَنْ عَرَفَ حَالَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ: " «يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ» " (¬1) وَقَدْ قَاتَلُوهُ فِي حَيَاتِهِ، وَقَتْلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلَهُمْ جُيُوشٌ وَعُلَمَاءُ وَمَدَائِنُ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُمْ مُبْتَدِعَةٌ ضَالُّونَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهُمْ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ، وَأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِهِ قِتَالُهُ الْخَوَارِجَ. وَقَدِ اتَّفَقَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ، مِثْلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكِنْ هَلْ يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ؟ فَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ، (¬2) وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: لَا يُقَاتِلُونَ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْكُفَّارِ، وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ (¬3) خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالُوا: يُغْزَى مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا إِذَا كَانَ الْغَزْوُ الَّذِي يَفْعَلُهُ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/47، 150. (¬2) سَقَطَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ (ح) ، وَفِي (ي) فَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ، وَفِي (ن) ، (م) ، فَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ر) ، (ي) . (¬3) ن: الصَّحَابَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

جَائِزًا، فَإِذَا قَاتَلَ الْكُفَّارَ أَوِ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ نَاقِضِي الْعَهْدِ أَوِ الْخَوَارِجَ قِتَالًا مَشْرُوعًا قُوتِلَ مَعَهُ، وَإِنْ قَاتَلَ قِتَالًا غَيْرَ جَائِزٍ لَمْ يُقَاتَلْ مَعَهُ، فَيُعَاوَنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا يُعَاوَنُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يُسَافِرُ مَعَ مَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَافِلَةِ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ. فَالظَّالِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاوَنَ عَلَى الظُّلْمِ، لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 2] . وَقَالَ مُوسَى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 17] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [سُورَةُ هُودٍ: 113] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 85] . وَالشَّفِيعُ: الْمُعِينُ، فَكُلُّ مَنْ أَعَانَ شَخْصًا عَلَى أَمْرٍ فَقَدْ شَفَّعَهُ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ أَحَدٌ: لَا وَلِيُّ أَمْرٍ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ ذُنُوبٌ، وَقَدْ فَعَلَ بِرًّا، فَهَذَا إِذَا أُعِينَ عَلَى الْبِرِّ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مُحَرَّمًا، كَمَا لَوْ أَرَادَ مُذْنِبٌ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ، أَوْ يَحُجَّ، أَوْ يَقْضِيَ دُيُونَهُ، أَوْ يَرُدَّ بَعْضَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَظَالِمِ، أَوْ يُوصِيَ عَلَى بَنَاتِهِ - فَهَذَا إِذَا أُعِينَ عَلَيْهِ فَهُوَ إِعَانَةٌ عَلَى بِرٍّ وَتَقْوًى، لَيْسَ إِعَانَةً عَلَى إِثْمٍ وَعُدْوَانٍ، فَكَيْفَ الْأُمُورُ الْعَامَّةُ؟

وَالْجِهَادُ لَا يَقُومُ بِهِ إِلَّا وُلَاةُ الْأُمُورِ، فَإِنْ لَمْ يَغْزُ مَعَهُمْ، لَزِمَ أَنَّ أَهْلَ الْخَيْرِ الْأَبْرَارَ لَا يُجَاهِدُونَ، فَتَفْتُرُ عَزَمَاتُ أَهْلِ الدِّينِ عَنِ الْجِهَادِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَعَطَّلَ، وَإِمَّا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ الْفُجَّارُ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِيلَاءُ الْكُفَّارِ، أَوْ ظُهُورُ الْفُجَّارِ، لِأَنَّ الدِّينَ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ. وَهَذَا الرَّأْيُ مِنْ أَفْسَدِ الْآرَاءِ، وَهُوَ رَأْيُ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى قِيلَ لِبَعْضِ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ: إِذَا جَاءَ الْكُفَّارُ إِلَى بِلَادِنَا فَقَتَلُوا النُّفُوسَ وَسَبَوُا الْحَرِيمَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ، هَلْ نُقَاتِلُهُمْ؟ فَقَالَ: لَا، الْمَذْهَبُ أَنَّا لَا نَغْزُو إِلَّا مَعَ الْمَعْصُومِ، فَقَالَ ذَلِكَ الْمُسْتَفْتِي مَعَ عَامِّيَّتِهِ (¬1) : وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمَذْهَبٌ نَجِسٌ، فَإِنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ يُفْضِي إِلَى فَسَادِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ تَوَرَّعَ (¬2) فِيمَا يَظُنُّهُ ظُلْمًا، فَوَقَعَ فِي أَضْعَافِ مَا تَوَرَّعَ (¬3) عَنْهُ بِهَذَا الْوَرَعِ الْفَاسِدِ، وَأَيْنَ ظُلْمُ بَعْضِ وُلَاةِ الْأُمُورِ مِنِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ، بَلْ مِنِ اسْتِيلَاءِ مَنْ هُوَ أَظْلَمُ مِنْهُ؟ فَالْأَقَلُّ ظُلْمًا يَنْبَغِي أَنْ يُعَاوَنَ (¬4) عَلَى الْأَكْثَرِ ظُلْمًا؛ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ، وَتَقْلِيلِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَمَعْرِفَةِ خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ وَشَرِّ الشَّرَّيْنِ، حَتَّى يُقَدَّمَ عِنْدَ التَّزَاحُمِ (¬5) خَيْرُ الْخَيْرَيْنِ وَيُدْفَعَ شَرُّ الشَّرَّيْنِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَرَّ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْخَوَارِجِ أَعْظَمُ مِنْ شَرِّ الظَّالِمِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُونُوا يَظْلِمُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُقَاتِلُ لَهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَظْلِمَهُمْ، فَهَذَا عُدْوَانٌ مِنْهُ، فَلَا يُعَاوَنُ عَلَى الْعُدْوَانِ. ¬

(¬1) ح، ر، ي: مَعَ عَامَّتِهِ. (¬2) ح، ر، ي: نُوزِعَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ح، ر، ي: نُوزِعَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: أَنْ يُعَانَ. (¬5) ح، ر: عِنْدَ الْتِزَامٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى بعده وخالف من تقدمه

[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى بعده وخالف من تقدمه] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَجَعَلَ الْأَمْرُ شُورَى بَعْدَهُ، وَخَالَفَ فِيهِ مَنْ تَقَدَّمَهُ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَوِّضِ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى اخْتِيَارِ النَّاسِ، وَلَا نَصَّ عَلَى إِمَامٍ بَعْدَهُ، بَلْ تَأَسَّفَ عَلَى سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي (¬3) حُذَيْفَةَ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَخْتَلِجْنِي فِيهِ شَكٌّ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ حَاضِرٌ. (¬4) وَجَمَعَ فِيمَنْ يَخْتَارُ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ (¬5) ، وَمِنْ حَقِّ الْفَاضِلِ التَّقَدُّمُ عَلَى الْمَفْضُولِ. ثُمَّ طَعَنَ (¬6) فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنِ اخْتَارَهُ لِلشُّورَى، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ (¬7) أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَيِّتًا كَمَا تَقَلَّدَهُ (¬8) حَيًّا. ثُمَّ تَقَلَّدَهُ [مَيِّتًا] (¬9) بِأَنْ جَعَلَ الْإِمَامَةَ فِي سِتَّةٍ، ثُمَّ نَاقَصَ (¬10) فَجَعَلَهَا فِي أَرْبَعَةٍ، ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ فِي وَاحِدٍ، فَجَعَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الِاخْتِيَارَ، بَعْدَ أَنْ وَصَفَهُ ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، وَفِي (ي) : الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ. (¬2) فِي (ك) ص 139 (م) ، 140 م. (¬3) أَبِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬4) ك: وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَاضِرٌ. (¬5) ن، م: وَجَمَعَ بَيْنَ مَنْ يَخْتَارُ مِنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ، ح، ب: وَجَمَعَ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ. (¬6) ح: ثُمَّ إِذَا طَعَنَ. (¬7) ك: أَنْ يُقَلِّدَ. (¬8) ك: كَمَا تَقَلَّدَ. (¬9) مَيِّتًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ك) . (¬10) ن، ح، ي، ب: نَاقَضَ.

بِالضَّعْفِ وَالْقُصُورِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِ اجْتَمَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (¬1) وَعُثْمَانُ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَاهُ، وَإِنْ صَارُوا ثَلَاثَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي صَارَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، لِعِلْمِهِ أَنَّ عَلِيًّا (¬2) وَعُثْمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ (¬3) ، وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا يَعْدِلُ الْأَمْرَ (¬4) عَنْ أَخِيهِ وَهُوَ عُثْمَانُ وَابْنُ عَمِّهِ (¬5) ، ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ إِنْ تَأَخَّرُوا عَنِ الْبَيْعَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (¬6) ، مَعَ أَنَّهُمْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ (¬7) ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ الْأَرْبَعَةَ مِنْهُمْ (¬8) ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ الثَّلَاثَةَ [الَّذِينَ بَيْنَهُمْ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ (¬9) ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلدِّينِ. وَقَالَ لِعَلِيٍّ: وَإِنْ (¬10) وَلِيتَهَا - وَلَيْسُوا فَاعِلِينَ (¬11) - لَتَرْكَبَنَّهُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُوَلُّونَهُ إِيَّاهَا، قَالَ لِعُثْمَانَ: إِنْ وَلِيتَهَا لَتَرْكَبَنَّ آلُ أَبِي مُعَيْطٍ (¬12) عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَإِنْ (¬13) فَعَلْتَ لَتُقْتَلَنَّ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَمْرِ بِقَتْلِهِ ". ¬

(¬1) ك: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬2) ك: عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬3) وَاحِدٌ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬4) ك: بِالْأَمْرِ. (¬5) ح، ب: عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، ك: عَنْ أَخِيهِ وَهُوَ عُثْمَانُ وَابْنُ عَمِّهِ أَيْضًا. (¬6) ن، م: أَتَاهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (ك) . (¬8) عِبَارَةُ (وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ الْأَرْبَعَةَ) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي هَامِشِ (ك) وَلَكِنَّهَا سَقَطَتْ مِنَ الطِّبَاعَةِ فِي الطَّبْعَةِ الْأُولَى لِلْكِتَابِ. (¬9) الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَذَا فِي (ك) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الثَّلَاثَةُ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. (¬10) ح، ب: لِعَلِيٍّ إِنْ، ك: لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنْ. (¬11) ح، ب: بِفَاعِلِينَ. (¬12) ن، م: إِلَى ابْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. ح، ر، ب: آلُ بَنِي مُغَيْطٍ، ك: آلُ أَبِي مُغَيْطٍ وَالَّذِي أَثْبَتُّهُ هُوَ مَا فِي ي، ك الْمَطْبُوعَةِ بَعْدَ تَصْحِيحِ الْأَصْلِ. (¬13) ك: لَئِنْ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ قِسْمَيْنِ: إِمَّا كَذِبٌ فِي النَّقْلِ، وَإِمَّا قَدْحٌ فِي الْحَقِّ، فَإِنَّ مِنْهُ مَا هُوَ كَذِبٌ مَعْلُومُ الْكَذِبِ أَوْ غَيْرُ مَعْلُومِ الصِّدْقِ، وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ صِدْقٌ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الطَّعْنَ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَلْ ذَلِكَ مَعْدُودٌ مِنْ فَضَائِلِهِ وَمَحَاسِنِهِ الَّتِي خَتَمَ اللَّهُ بِهَا عَمَلَهُ. وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وَهَوَاهُمْ يَقْلِبُونَ الْحَقَائِقَ فِي الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، فَيَأْتُونَ إِلَى الْأُمُورِ الَّتِي وَقَعَتْ وَعُلِمَ أَنَّهَا وَقَعَتْ، فَيَقُولُونَ: مَا وَقَعَتْ، وَإِلَى أُمُورٍ مَا كَانَتْ وَيُعْلَمُ أَنَّهَا مَا كَانَتْ، فَيَقُولُونَ: كَانَتْ، وَيَأْتُونَ إِلَى الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ، فَيَقُولُونَ: هِيَ فَسَادٌ وَإِلَى الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ فَسَادٌ، فَيَقُولُونَ: هِيَ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ؛ فَلَيْسَ لَهُمْ لَا (¬1) عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ، بَلْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سُورَةُ الْمُلْكِ: 10] . وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " وَجَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَعْدَهُ وَخَالَفَ فِيهِ مَنْ تَقَدَّمَهُ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ: خِلَافُ تَضَادٍّ، وَخِلَافُ تَنَوُّعٍ، فَالْأَوَّلُ: مِثْلَ أَنْ يُوجِبُ هَذَا شَيْئًا وَيُحَرِّمُهُ الْآخَرُ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مِثْلُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا يَخْتَارُ قِرَاءَةً، وَهَذَا يَخْتَارُ قِرَاءَةً، كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ، بَلِ اسْتَفَاضَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ¬

(¬1) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

" «إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ (¬1) عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ» " (¬2) . وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ وَهِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ اخْتَلَفَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ، فَقَرَأَهَا هَذَا عَلَى وَجْهٍ، وَهَذَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ لِكِلَيْهِمَا: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ " (¬3) . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَنْوَاعُ التَّشَهُّدَاتِ كَتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَتَشَهُّدِ أَبِي مُوسَى الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَلْفَاظُهُمَا مُتَقَارِبَةٌ، وَتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَتَشَهُّدِ عُمَرَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَشَهُّدِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ اللَّوَاتِي (¬4) ¬

(¬1) ح، ب، ي: أُنْزِلَ. (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3/122 (كِتَابُ الْخُصُومَاتِ، بَابُ كَلَامِ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ) 6/184 - 185 كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، بَابُ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، 9/17 - 18 كِتَابُ الْمُرْتَدِّينَ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِينَ 9/158 كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ، مُسْلِمٍ 1/560 كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/263 - 264 كِتَابُ الْقِرَاءَاتِ بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/101 - 102 كِتَابُ الْوَتْرِ، بَابُ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/116 - 117 كِتَابُ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 1/224، 274 - 275، 283 - 284 وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ (الْبُخَارِيِّ) 3/122 سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لِي: أَرْسِلْهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْرَأْ. فَقَرَأَ. قَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ. فَقَرَأْتُ فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَأُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ. (¬3) انْظُرِ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ. (¬4) ح، ب: الَّتِي.

رَوَاهَا أَهْلُ السُّنَنِ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬1) فَكُلُّ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ سَائِغٌ وَجَائِزٌ، وَإِنِ اخْتَارَ كُلٌّ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ التَّشَهُّدَاتِ: إِمَّا لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي عَلِمَهُ وَلِاعْتِيَادِهِ إِيَّاهُ، وَإِمَّا لِاعْتِقَادِهِ رُجْحَانَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. وَكَذَلِكَ التَّرْجِيعُ فِي الْآذَانِ وَتَرْكُ (¬2) التَّرْجِيعِ؛ فَإِنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي أَذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ، وَرُوِيَ فِي أَوَّلِهِ التَّكْبِيرُ مَرَّتَيْنِ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرُوِيَ أَرْبَعًا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَتَرْكُ التَّرْجِيعِ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ ¬

(¬1) انْظُرْ عَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْبُخَارِيِّ 1/162 - 163، كِتَابَ الْأَذَانِ بَابَ التَّشَهُّدِ فِي الْآخِرَةِ، مُسْلِمٍ 1/301 - 302 كِتَابَ الصَّلَاةِ، بَابَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَنْ تَشَهُّدِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مُسْلِمٍ 1/303 - 304 الْمَوْضِعَ السَّابِقَ، وَعَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مُسْلِمٍ 1/302 - 303 الْمَوْضِعَ السَّابِقَ، وَعَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 1/350 - 351 كِتَابَ الصَّلَاةِ، بَابَ التَّشَهُّدِ، وَعَنْ تَشَهُّدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمُوَطَّأَ 1/90 - 91 كِتَابَ الصَّلَاةِ، بَابَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَنْ تَشَهُّدِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: الْمُوَطَّأَ 1/91 - 92 الْمَوْضِعَ السَّابِقَ، وَانْظُرْ أَيْضًا الْأَبْوَابَ السَّابِقَةَ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، الْبُخَارِيِّ 2/63، 8/51 - 52، 59، 72، 9/116، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/177 - 178 كِتَابَ الصَّلَاةِ بَابَ مَا جَاءَ فِي التَّشَهُّدِ، وَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/408 - 409، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/290 - 291 كِتَابَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ بَابَ مَا جَاءَ فِي التَّشَهُّدِ، وَذَكَرَ فِي آخِرِهِ تَشَهُّدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَانْظُرْ إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ 2/26 - 28 صِفَةَ صَلَاةِ النَّبِيِّ لِلْأَلْبَانِيِّ ط 11، 1403 1983 ص 142 - 145 (¬2) ن، م: وَتَرْكُهُ.

السُّنَنِ فِي أَذَانِ بِلَالٍ (¬1) . وَكَذَلِكَ وَتْرُ الْإِقَامَةِ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي أَذَانِ بِلَالٍ، وَشَفْعُ الْإِقَامَةِ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي أَذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ، فَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ أَخَذُوا بِأَذَانِ بِلَالٍ وَإِقَامَتِهِ، وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِأَذَانِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَإِقَامَةِ بِلَالٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَخَذَ بِأَذَانِ بِلَالٍ وَإِقَامَةِ أَبِي مَحْذُورَةَ (¬2) . وَكُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ جَائِزَةٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَكْرَهُ بَعْضَ ذَلِكَ، لِاعْتِقَادِهِ (¬3) أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ سُنَّ فِي الْأَذَانِ، فَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي عِلْمِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ، كَصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَصَلَاةِ عُسْفَانَ وَصَلَاةِ نَجْدٍ، فَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ بِعُسْفَانَ جَمَاعَةً صَلَاةً (¬4) وَاحِدَةً، لَكِنْ جَعَلَهُمْ صَفَّيْنِ، فَالصَّفُّ الْوَاحِدُ رَكَعُوا مَعَهُ جَمِيعًا، وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ، وَتَخَلَّفَ الصَّفُّ (¬5) ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي 1/357: التَّرْجِيعُ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، يَخْفِضُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ، ثُمَّ يُعِيدُهَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ، وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/287 كِتَابِ الصَّلَاةِ، بَابِ صِفَةِ الْأَذَانِ، وَانْظُرْ أَحَادِيثَ الْأَذَانِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/195 - 202 كِتَابِ الصَّلَاةِ، بَابِ كَيْفَ الْأَذَانُ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/123 - 124 كِتَابِ الصَّلَاةِ، بَابِ مَا جَاءَ فِي التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/5 - 6 كِتَابِ الْأَذَانِ، بَابِ كَيْفَ الْأَذَانُ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/234 - 235 كِتَابِ الْأَذَانِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا، بَابِ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/408 - 409، وَانْظُرِ الْمُغْنِيَ لِابْنِ قُدَامَةَ 1/356 - 361 (¬2) انْظُرْ فِي ذَلِكَ: الْمُغْنِيَ لِابْنِ قُدَامَةَ 1/358 - 359، إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ 1/227 - 265 (¬3) ن، م: إِمَّا لِاعْتِقَادِهِ. (¬4) صَلَاةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ي) ، (ر) . (¬5) الصَّفُّ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) .

الْآخَرُ عَنِ الْمُتَابَعَةِ لِيَحْرُسُوا، ثُمَّ أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافِ الصَّلَاةِ الْمُعْتَادَةِ، تَخَلَّفَ أَحَدُ الصَّفَّيْنِ عَنِ السُّجُودِ مَعَهُ لِأَجْلِ الْحَرْسِ، وَهَذِهِ مَشْرُوعَةٌ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ وِجَاهَ الْقِبْلَةِ. وَصَارَ هَذَا أَصْلًا لِلْفُقَهَاءِ فِي تَخَلُّفِ الْمَأْمُومِ (¬1) لِعُذْرٍ فِيمَا دُونَ الرَّكْعَةِ، كَالزَّحْمَةِ وَالنَّوْمِ وَالْخَوْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا تَخَلَّفَ عَنْهُ. وَأَكْثَرُ الصَّلَوَاتِ كَانَ يَجْعَلُهُمْ طَائِفَتَيْنِ، وَهَذَا يَتَعَيَّنُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ (¬2) فَتَارَةً يُصَلِّي بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ يُفَارِقُونَهُ (¬3) وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ قَبْلَ سَلَامِهِ فَيُسَلِّمُ بِهِمْ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُونَ أَحْرَمُوا مَعَهُ، وَالْآخَرُونَ سَلَّمُوا مَعَهُ، كَمَا صَلَّى بِهِمْ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَهَذِهِ أَشْهَرُ الْأَنْوَاعِ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَخْتَارُونَهَا، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ أَنْ تُسَلِّمَ الثَّانِيَةُ بَعْدَهُ كَالْمَسْبُوقِ، كَمَا يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ، وَالْأَكْثَرُونَ يَخْتَارُونَ مَا ثَبَتَ بِهِ النَّقْلُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ قَدْ صَلَّى غَيْرُهُ مَعَ الْإِمَامِ (¬4) الصَّلَاةَ كُلَّهَا فَيُسَلِّمُ بِهِمْ، بِخِلَافِ هَذَا، فَإِنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَمْ تُتِمَّ مَعَهُ الصَّلَاةَ، فَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا بِهِمْ، لِيَكُونَ تَسْلِيمُهُ بِالْمَأْمُومِينَ. ¬

(¬1) ن، م: الْإِمَامِ. (¬2) ح، ب: الْقِبْلَةِ. (¬3) ب: يُفَارِقُونَ. (¬4) ح، ر، ب، ي: قَدْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ غَيْرُهُ.

فَإِنَّ فِي السُّنَنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» " فَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ (¬1) . وَمِنْهَا صَلَاةُ نَجْدٍ: صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ ذَهَبَتْ إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ (¬2) الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَصَلَّى بِهِمُ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ الْأَوَّلُونَ فَأَتَمُّوا بِرَكْعَةٍ (¬3) ، ثُمَّ رَجَعَ هَؤُلَاءِ فَأَتَمُّوا بِرَكْعَةٍ (¬4) . وَهَذِهِ يَخْتَارُهَا أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ، إِذْ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْعَمَلُ الْكَثِيرُ وَاسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ (¬5) لِعُذْرٍ، وَهُوَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَمِنْهَا صَلَوَاتٌ (¬6) أُخْرَى. وَالصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِغَيْرِهِ: أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ يَخْتَارُ بَعْضَ ذَلِكَ فَهَذَا مِنِ اخْتِلَافِ التَّنَوُّعِ (¬7) . وَمِنْ ذَلِكَ أَنْوَاعُ الِاسْتِفْتَاحَاتِ فِي الصَّلَاةِ، كَاسْتِفْتَاحِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/47 كِتَابِ الطَّهَارَةِ بَابِ فَرْضِ الْوُضُوءِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/5 - 6 كِتَابِ الطَّهَارَةِ، بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ مِفْتَاحَ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/101 كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَسُنَنِهَا، بَابِ مِفْتَاحِ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 2/218 - 240 وَانْظُرْ: إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ 2/9 - 10. (¬2) ح: وَجَاءَتْهُ. (¬3) ن، م: رَكْعَةً. (¬4) ن، م: رَكْعَةً. (¬5) ن، م: الْكَعْبَةِ. (¬6) ن، م: صَلَاةٌ. (¬7) انْظُرْ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا: الْمُغْنِيَ لِابْنِ قُدَامَةَ 2/332 - 349 إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ 3/42 - 50

رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاسْتِفْتَاحِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَاسْتِفْتَاحِ عُمَرَ الَّذِي كَانَ يَجْهَرُ بِهِ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمَهُ النَّاسَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِفْتَاحَاتِ (¬1) . وَمِنْ ذَلِكَ صِفَاتُ الِاسْتِعَاذَةِ، وَأَنْوَاعُ الْأَدْعِيَةِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَأَنْوَاعُ الْأَذْكَارِ الَّتِي تُقَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ التَّسْبِيحِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ: يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ بِاللَّيْلِ وَالْمُخَافَتَةِ (¬2) إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ. وَمِنْ ذَلِكَ تَخْيِيرُ الْحَاجِّ بَيْنَ التَّعْجِيلِ (¬3) فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى وَبَيْنَ التَّأَخُّرِ إِلَى (¬4) الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُ (¬5) الْإِنْسَانُ مُخَيَّرًا فِيهِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ بِدُونِ اجْتِهَادٍ فِي أَصْلَحِهِمَا، وَالثَّانِي يَكُونُ تَخْيِيرُهُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ. وَتَخْيِيرُ الْمُتَصَرِّفِ لِغَيْرِهِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَالْوَكِيلِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالشَّرِيكِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّنْ تَصَرَّفَ (¬6) ¬

(¬1) انْظُرْ عَنْ أَدْعِيَةِ الِاسْتِفْتَاحِ فِي الصَّلَاةِ، إِرْوَاءَ الْغَلِيلِ 2/48 - 53 صِفَةَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 72 - 76 الْمُغْنِيَ لِابْنِ قُدَامَةَ 1/415 - 416، الْكَلِمَ الطَّيِّبَ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، تَحْقِيقُ مُحَمَّدِ نَاصِرِ الدَّيْنِ الْأَلْبَانِيِّ ص 59 - 63 ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ، 1397 (¬2) ح، ب: الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ بِاللَّيْلِ. (¬3) ب: التَّعَجُّلِ. (¬4) ن، م: التَّأْخِيرِ فِي. (¬5) ن، م: أَنْ يَكُونَ. (¬6) ن، م: يَتَصَرَّفُ.

لِغَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ هَذَا النَّقْدِ وَهَذَا النَّقْدِ، أَوْ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، أَوْ بَيْنَ ابْتِيَاعِ هَذَا الصِّنْفِ وَهَذَا الصِّنْفِ، أَوِ الْبَيْعِ فِي هَذَا السُّوقِ وَهَذَا السُّوقِ، فَهُوَ تَخْيِيرُ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَمَّا يَرَاهُ أَصْلَحَ لِمَنِ ائْتَمَنَهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ تُسَوِّغُ لَهُ تَرْكَهُ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَصَرُّفُ وَلِيِّ الْأَمْرِ لِلْمُسْلِمِينَ، كَالْأَسِيرِ الَّذِي يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَلِهَذَا «اسْتَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فِيهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَخْذِ الْفِدَاءِ، وَشَبَّهَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى، وَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْقَتْلِ، وَشَبَّهَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنُوحٍ وَمُوسَى، وَلَمْ يَعِبْ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِمَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِهِ، بَلْ مَدَحَهُ وَشَبَّهَهُ بِالْأَنْبِيَاءِ» (¬1) . وَلَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ حَتْمًا لَمَا اسْتَشَارَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُ. وَكَذَلِكَ اجْتِهَادُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِيمَنْ يُوَلِّي، فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَصْلَحَ مَنْ يَرَاهُ، ثُمَّ إِنَّ الِاجْتِهَادَ يَخْتَلِفُ وَيَكُونُ جَمِيعُهُ صَوَابًا، كَمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ رَأْيُهُ أَنْ يُوَلِّيَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي حُرُوبِهِ، وَكَانَ عُمَرُ يُشِيرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَعْزِلَهُ، فَلَا يَعْزِلُهُ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ سَيْفٌ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ لَمَّا تَوَلَّى عَزَلَهُ وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَمَا فَعَلَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ أَصْلَحَ فِي وَقْتِهِ؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ فِيهِ لِينٌ، وَعُمَرَ كَانَ فِيهِ ¬

(¬1) انْظُرْ نَصَّ الْحَدِيثِ وَتَعْلِيقِي عَلَيْهِ بَعْدَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 131 - 135

شِدَّةٌ، وَكَانَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَشِيرُهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «إِذَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى شَيْءٍ لَمْ أُخَالِفْكُمَا» " (¬1) . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ: " إِنْ يُطِعِ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا» ". (¬2) . وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ " «كَيْفَ تَرَوْنَ الْقَوْمَ صَنَعُوا حِينَ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ وَأَرْهَقَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ؟ " قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " أَلَيْسَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ إِنْ يُطِيعُوهُمَا [فَقَدْ رَشَدُوا وَرَشَدَتْ أُمَّتُهُمْ، وَإِنْ يَعْصُوهُمَا] (¬3) فَقَدْ غَوَوْا وَغَوَتْ أُمَّتُهُمْ " قَالَهَا ثَلَاثًا» (¬4) . ¬

(¬1) رَوَى الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/52 وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيَّدَنِي بِكُمَا، وَلَوْلَا أَنَّكُمَا تَخْتَلِفَانِ عَلَيَّ مَا خَالَفْتُكُمَا. قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِيهِ حَبِيبُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ كَاتِبُ مَالِكٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. ثُمَّ رَوَى الْهَيْثَمِيُّ 9/53: وَعَنِ ابْنِ غَنْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: لَوِ اجْتَمَعْتَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا. قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ ابْنَ غَنْمٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬2) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ فِي: مُسْلِمٍ 1/472 - 474 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَاسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ قَضَائِهَا. وَأَوَّلُهُ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ. الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا. الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/298 وَفِيهِ: وَإِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا. قَالَهَا ثَلَاثًا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬4) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ.

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (¬1) مِنْ حَدِيثِ [ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ] عُمَرَ (¬2) قَالَ: " «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابِهِ وَهُمْ (¬3) ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ (¬4) رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ (¬6) يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: " اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِنِي (¬7) مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ (¬8) هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ " فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ (¬9) الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ (¬10) ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ (¬11) ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ (¬12) مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، [فَإِنَّهُ] (¬13) سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 9] فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ» . قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: «فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ ¬

(¬1) \ 3 1383 - 1385 كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ الْإِمْدَادِ بِالْمَلَائِكَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ. (¬2) ن، م: مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ. (¬3) وَهُمْ: لَيْسَتْ فِي مُسْلِمٍ (م) . (¬4) وَتِسْعَةَ عَشَرَ: كَذَا فِي (ب) ، مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَسَبْعَةَ عَشَرَ. (¬5) مُسْلِمٍ: نَبِيُّ اللَّهِ. (¬6) فَجَعَلَ: كَذَا فِي (ب) ، مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَجَعَلَ. (¬7) مُسْلِمٍ: آتِ. (¬8) ح، ب، ر، ي: إِنَّكَ إِنْ تَهْلِكْ. (¬9) ح، ب: مُسْتَقْبِلًا. (¬10) مَنْكِبَيْهِ: كَذَا فِي (ب) ، (ن) ، مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ مَنْكِبِهِ. (¬11) مَنْكِبَيْهِ: كَذَا فِي (ب) ، (ن) ، مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ مَنْكِبِهِ. (¬12) م، ي: مُسْلِمٌ فِي قِرَاءَةٍ: كَذَاكَ. (¬13) فَإِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ (¬1) ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا قَدْ (¬2) خُطِمَ (¬3) أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ (¬4) . فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ (¬5) رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " صَدَقْتَ، ذَلِكَ (¬6) مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ " فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. فَقَالَ (¬7) أَبُو زُمَيْلٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: " مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: [يَا نَبِيَّ اللَّهِ] (¬8) هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونَ (¬9) لَنَا قُوَّةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ (¬10) ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى ¬

(¬1) حَيْزُومُ: كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْفَرَسِ مَعْلُومَةٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَقِيلَ: اسْمُ فَرَسِ الْمَلَكِ. (¬2) مُسْلِمٍ: فَإِذَا هُوَ قَدْ. (¬3) الْخَطْمُ: الْأَثَرُ عَلَى الْأَنْفِ. (¬4) كَضَرْبَةِ السَّوْطِ: كَذَا فِي (ب) ، مُسْلِمٍ، وَفِي (ن) ، (م) : لِضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لِضَرْبِهِ بِالسَّوْطِ. (¬5) بِذَلِكَ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: ذَلِكَ. (¬6) ح، ر، م: ذَاكَ. (¬7) مُسْلِمٍ: قَالَ. (¬8) يَا نَبِيَّ اللَّهِ: فِي (ب) ، مُسْلِمٍ فَقَطْ. (¬9) فَتَكُونَ: كَذَا فِي (ب) ، مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: تَكُونُ. (¬10) مُسْلِمٍ: الْكُفَّارِ.

الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي (¬1) أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنَا (¬2) فَنَضْرِبَ (¬3) أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي (¬4) مِنْ فُلَانٍ - نَسِيبٍ (¬5) . لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا (¬6) ، فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ (¬7) أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ (¬8) ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ [قَاعِدَيْنِ] (¬9) يَبْكِيَانِ. قُلْتُ (¬10) : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ (¬11) ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بِكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ (¬12) مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ((¬13) شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى (¬14) - ¬

(¬1) وَلَكِنِّي: كَذَا فِي (ب) ، مُسْلِمٍ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَلَكِنْ. (¬2) مُسْلِمٍ: تُمَكِّنَّا. (¬3) ي: فَتَضْرِبَ. (¬4) ن، ر، ي، ب: وَتُمَكِّنَنِي. (¬5) مُسْلِمٍ: نَسِيبًا (¬6) صَنَادِيدُهَا: أَيْ أَشْرَفُهَا. (¬7) ن، م: مَا قَالَهُ. (¬8) ن، م، ي: مَا قُلْتُهُ. (¬9) قَاعِدَيْنِ: فِي (ب) ، مُسْلِمٍ فَقَطْ. (¬10) ن، م: فَقُلْتُ. (¬11) مُسْلِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ. (¬12) ن، م: عَلَى الَّذِي عَرَضَ مِنْ أَصْحَابِكَ. (¬13) ن، م: لِشَجَرَةٍ. (¬14) مُسْلِمٍ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (¬1) الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 67] " قَالَ (¬2) : " فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمُ الْغَنِيمَةَ» (¬3) . وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ فِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 36] أَوْ كَمَثَلِ عِيسَى قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 118] وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [سُورَةُ نُوحٍ: 26] " وَقَالَ: " يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى (¬4) قَالَ: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} » ) [سُورَةُ يُونُسَ: 88] (¬5) ". ¬

(¬1) مُسْلِمٍ: الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 69] . (¬2) قَالَ: لَيْسَتْ فِي مُسْلِمٍ. (¬3) مُسْلِمٍ: فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ، وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 1/244 - 245 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْحَدِيثُ نَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْمُسْنَدِ 4/18 - 19، وَقَالَ: وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ بِهِ، وَصَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ. (¬4) ح، ب: دَيَّارًا أَوْ كَمَثَلِ مُوسَى. (¬5) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3/21 - 22 وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 5/227 - 229، وَقَالَ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ، وَانْظُرْ كَلَامَهُ عَلَيْهِ، وَأَوْرَدَ ابْنُ كَثِيرٍ الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ (السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ) . تَحْقِيقُ مُصْطَفَى عَبْد الْوَاحِدِ 2/458 - 459 وَقَالَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا فِي سُنَنِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ 3/129 كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشُورَةِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، 4/335 - 336 كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ الْأَنْفَالِ، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ وَالْحَدِيثُ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/181 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَرُوِّينَاهُ فِي جُزْءِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ (¬1) : " «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى (¬2) ؟ " فَقَالَ (¬3) أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ، اسْتَبْقِهِمْ وَاسْتَأْنِ بِهِمْ، لَعَلَّ اللَّهَ يَتُوبُ (¬4) عَلَيْهِمْ. وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ (¬5) ، قَرِّبْهُمْ وَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: " فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ ¬

(¬1) الرِّوَايَةُ التَّالِيَةُ هِيَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 5/227 - 229 (¬2) الْمُسْنَدِ: الْأَسْرَى. (¬3) فَقَالَ: كَذَا فِي الْمُسْنَدِ، ح، ب: وَفِي بَاقِي النُّسَخِ: قَالَ. (¬4) الْمُسْنَدِ: أَنْ يَتُوبَ. (¬5) الْمُسْنَدِ: أَخْرَجُوكَ وَكَذَّبُوكَ.

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " إِنَّ مَثَلَكَ (¬1) يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 36] وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 118] وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [سُورَةُ نُوحٍ: 26] وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى قَالَ: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} » [سُورَةُ يُونُسَ: 88] . وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ مِنْ حَدِيثِ الزِّنْجِيِّ ابْنِ خَالِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: " لَوْلَا أَنَّكُمَا تَخْتَلِفَانِ عَلَيَّ مَا خَالَفْتُكُمَا» " (¬2) . وَكَانَ السَّلَفُ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِهِمَا حَتَّى شِيعَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ شَيْخِهِ الْمَعْرُوفِ بِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ حُدَيْرٍ (¬3) ، قَالَ: " قَدِمَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ (¬4) الْكُوفَةَ، قَالَ لَنَا شِمْرُ بْنُ ¬

(¬1) فِي الْمُسْنَدِ 5/228 فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيَشُدُّ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ. (¬2) انْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ ص 129 فِي تَعْلِيقِي عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. (¬3) ر: زِيَادِ بْنِ جُدَيْرٍ، وَالْمُثْبَتُ عَنْ (ن) ، وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 5/221 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَبُو مَرْيَمَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ، رَوَى عَنْهُ شِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ، وَأَمَّا حُدَيْرٌ فَلَعَلَّهُ حُدَيْرُ بْنُ كُرَيْبٍ الْحَضْرَمِيُّ، تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/218 - 219 (¬4) وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 8/63 - 67، وَمَاتَ سَنَةَ 126 وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

عَطِيَّةَ (¬1) : قُومُوا إِلَيْهِ (¬2) ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَتَحَدَّثُوا، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَشُكُّ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَتَقْدِيمِهِمَا، وَقَدِمْتُ الْآنَ وَهُمْ يَقُولُونَ وَيَقُولُونَ، وَلَا وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَقُولُونَ ". وَقَالَ: حَدَّثَنَا النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَسَنٍ (¬3) ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ (¬4) يَقُولُ: أَدْرَكْتُ الشِّيعَةَ الْأُولَى وَمَا يُفَضِّلُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحَدًا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: " حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ (¬5) ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: حُبٌّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعْرِفَةُ فَضْلِهِمَا مِنَ السُّنَّةِ ". (* وَمَسْرُوقٌ مِنْ أَجَلِّ تَابِعِي الْكُوفَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ: " حُبُّ ¬

(¬1) تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/364 - 365 وَفِيهَا رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (¬2) ن، م: مِنْ مَوَالِيهِ. (¬3) ن، م: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ضَمْرَةَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأُرَجِّحُ أَنَّ فِي الْأَسْمَاءِ تَحْرِيفًا وَلَعَلَّهُ ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حَسَنَةَ أَوِ ابْنِ أَبِي حَنَّةَ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/461 وَهُوَ ثِقَةٌ. (¬4) ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/420 - 423 وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَثَّقَهُ الْبَعْضُ وَضَعَّفَهُ كَثِيرُونَ مِنْهُمُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَوْرَدَ الذَّهَبِيُّ الْخَبَرَ بِلَفْظِ: قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ الشِّيعَةَ الْأُولَى بِالْكُوفَةِ وَمَا يُفَضِّلُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحَدًا. وَابْنُ شَوْذَبٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ 5/255: وَعَنْهُ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُوَ رَاوِيَتُهُ، فَلَعَلَّ السَّنَدَ صِحَّتُهُ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ. (¬5) ن، م: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ أَبُو سَلَمَةَ، رَوَى عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَعَنْهُ السُّفْيَانَانِ، تَرْجَمْتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/95 - 96

أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعْرِفَةُ فَضْلِهِمَا مِنَ السُّنَّةِ *) ". (¬1) وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَكَيْفَ لَا تُقَدِّمُ الشِّيعَةُ الْأُولَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ". (¬2) وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، قِيلَ: إِنَّهَا تَبْلُغُ ثَمَانِينَ طَرِيقًا. وَقَدْ رَوَاهُ (¬3) الْبُخَارِيُّ عَنْهُ [فِي صَحِيحِهِ] (¬4) مِنْ حَدِيثِ الْهَمْدَانِيِّينَ الَّذِينَ هُمْ أَخَصُّ النَّاسِ بِعَلِيٍّ حَتَّى كَانَ يَقُولُ: وَلَوْ (¬5) كُنْتُ بَوَّابًا عَلَى بَابِ جَنَّةٍ لَقُلْتُ لِهَمْدَانَ ادْخُلِي (¬6) بِسَلَامٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، [وَهُوَ هَمْدَانِيٌّ] (¬7) عَنْ مُنْذِرٍ [وَهُوَ هَمْدَانِيٌّ] (¬8) عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أَوَمَا تَعْرِفُ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ. وَهَذَا يَقُولُهُ لِابْنِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ تُقْيَةً وَيَرْوِيَهُ عَنْ أَبِيهِ خَاصَّةً، وَقَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/11 - 12، 308، 2/72 (¬3) ح، ب: وَقَدْ رَوَى. (¬4) فِي صَحِيحِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: لَوْ. (¬6) ن، م: ادْخُلُوا. (¬7) وَهُوَ هَمْدَانِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/12

وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " لَا أُوتَى بِأَحَدٍ يُفَضِّلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا جَلَدْتُهُ جَلْدَ الْمُفْتَرِي " (¬1) . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» " (¬2) . وَلِهَذَا كَانَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ - وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ - أَنَّ قَوْلَهُمَا إِذَا اتَّفَقَا حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا. وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. كَمَا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ اتِّفَاقَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِمْ. وَكَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا بِأَعْدَلِ الْأُمُورِ وَأَكْمَلِهَا، فَهُوَ الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ، وَهُوَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ. بَلْ أُمَّتُهُ مَوْصُوفُونَ بِذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] [وَقَوْلِهِ تَعَالَى] (¬3) : {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] . فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ شِدَّةِ هَذَا وَلِينِ هَذَا، فَيَأْمُرُ بِمَا هُوَ الْعَدْلُ (¬4) ، وَهُمَا يُطِيعَانِهِ، فَتَكُونُ أَفْعَالُهُمَا عَلَى كَمَالِ الِاسْتِقَامَةِ، فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا خَلِيفَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ خِلَافَةَ نُبُوَّةٍ، كَانَ مِنْ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ (¬5) يُوَلِّيَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/308 وَجَاءَ الْأَثَرُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/83 رَقْمُ 49 وَضَعَّفَ الْمُحَقِّقُ إِسْنَادَهُ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/489 (¬3) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِي (ب) فَقَطْ. (¬4) ن، م: الْغَالِبُ. (¬5) ر: أَنَّهُ.

الشَّدِيدَ وَيَسْتَعِينَ بِهِ لِيَعْتَدِلَ أَمْرُهُ، وَيَخْلِطَ الشِّدَّةَ بِاللِّينِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ اللِّينِ يُفْسِدُ، وَمُجَرَّدَ الشِّدَّةِ تُفْسِدُ، وَيَكُونُ قَدْ قَامَ مَقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ (¬1) يَسْتَعِينُ بِاسْتِشَارَةِ عُمَرَ وَبِاسْتِنَابَةِ خَالِدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا مِنْ كَمَالِهِ الَّذِي صَارَ بِهِ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِهَذَا اشْتَدَّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ شِدَّةً بَرَزَ بِهَا عَلَى عُمَرَ وَغَيْرِهِ. حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ [لَهُ] (¬2) : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلَّفِ النَّاسَ. فَقَالَ: عَلَامَ أَتَأَلَّفُهُمْ: أَعَلَى حَدِيثٍ مُفْتَرًى؟ أَمْ عَلَى شِعْرٍ مُفْتَعَلٍ؟ . وَقَالَ أَنَسٌ: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ عَقِيبَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّا لَكَالثَّعَالِبِ، فَمَا زَالَ يُشَجِّعُنَا حَتَّى صِرْنَا كَالْأُسُودِ. وَأَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ شَدِيدًا فِي نَفْسِهِ، فَكَانَ مِنْ كَمَالِهِ اسْتِعَانَتُهُ بِاللَّيِّنِ لِيَعْتَدِلَ أَمْرُهُ، فَكَانَ يَسْتَعِينُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ مُقْرِنٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالزُّهْدِ، الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ زُهْدًا وَعِبَادَةً مِنْ مِثْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ [وَأَمْثَالِهِ] (¬3) . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَمْرُ الشُّورَى، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ كَثِيرَ الْمُشَاوَرَةِ لِلصَّحَابَةِ فِيمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَإِنَّ الشَّارِعَ نُصُوصُهُ كَلِمَاتٌ جَوَامِعُ، وَقَضَايَا كُلِّيَّةٌ، وَقَوَاعِدُ عَامَّةٌ، يَمْتَنِعُ أَنْ ¬

(¬1) ن، م: وَكَانَ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) وَأَمْثَالِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

يَنُصَّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْعَالَمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْمُعَيَّنَاتِ: هَلْ تَدْخُلُ فِي كَلِمَاتِهِ (¬1) الْجَامِعَةِ أَمْ لَا؟ وَهَذَا الِاجْتِهَادُ يُسَمَّى " تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ "، وَهُوَ مِمَّا (¬2) اتَّفَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ: نُفَاةُ الْقِيَاسِ وَمُثْبِتَتُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَمَرَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ ذَوَا عَدْلٍ، فَكَوْنُ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ مِنْ ذَوِي الْعَدْلِ لَا يُعْلَمُ بِالنَّصِّ بَلْ بِاجْتِهَادٍ خَاصٍّ. وَكَذَلِكَ إِذَا أَمَرَ أَنْ تُؤَدَّى الْأَمَانَاتُ إِلَى أَهْلِهَا وَأَنْ يُوَلَّى الْأُمُورَ مَنْ يَصْلُحُ لَهَا، فَكَوْنُ هَذَا الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ صَالِحًا لِذَلِكَ أَوْ رَاجِحًا عَلَى غَيْرِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، بَلْ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ خَاصٍّ. وَالرَّافِضِيُّ إِنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْصُومٌ، فَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنَ الرَّسُولِ، وَنُوَّابُهُ وَعُمَّالُهُ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى كُلِّ مُعَيَّنَةٍ، وَلَا يُمْكِنَ النَّبِيَّ وَلَا الْإِمَامَ أَنْ يَعْلَمَ الْبَاطِنَ فِي كُلِّ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَلِّي الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ فِيهِ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6] (¬3) . وَقَدْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْحَقَّ فِي قَضِيَّتِهِ (¬4) مَعَ بَنِي أُبَيْرِقٍ (¬5) ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ: ¬

(¬1) كَلِمَاتِهِ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَلِمَتِهِ. (¬2) ن، م: مَا. (¬3) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 7/350 - 351، الْمَسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ، 4/279 حَدِيثَ الْحَارِثِ بْنِ ضِرَارٍ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَانْظُرْ رَأْيَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَإِنْكَارَ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ لِذَلِكَ فِي الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ ص 90 - 94. (¬4) ن، م: فِي قِصَّةٍ، ي: فِي قَضِيَّةٍ. (¬5) ب: مَعَ ابْنِ أُبَيْرِقٍ.

{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 105] الْآيَاتِ (¬1) . وَأَمَّا عَلِيٌّ (¬2) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَظُهُورُ الْأَمْرِ لَهُ (¬3) فِي الْجُزْئِيَّاتِ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ كَثِيرٌ [جِدًّا] (¬4) ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ مِنَ الْمَعْصُومِينَ وَغَيْرِ الْمَعْصُومِينَ (¬5) . وَفِي الصَّحِيحِ (¬6) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» " (¬7) . فَحُكْمُهُ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ إِنَّمَا هُوَ بِاجْتِهَادِهِ، وَلِهَذَا نَهَى الْمَحْكُومُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ إِذَا كَانَ الْبَاطِنُ بِخِلَافِ مَا ظَهَرَ [لِلْحَاكِمِ] (¬8) . وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِمَامٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَاجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ هَؤُلَاءِ السِّتَّةَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ كَمَا رَأَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَحَقُّ مِنْهُمْ. [وَجَعَلَ التَّعْيِينَ إِلَيْهِمْ خَوْفًا أَنْ ¬

(¬1) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 2/358 - 360 (¬2) ن، م: وَأَمَّا عُمَرُ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬4) جِدًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬5) ن، م: وَغَيْرِهِمْ. (¬6) ر: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬7) انْظُرْ كَلَامِي عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 412 (¬8) لِلْحَاكِمِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) ، (ي) .

يُعَيِّنَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَيَكُونُ غَيْرُهُ أَصْلَحَ لَهُمْ، فَإِنَّهُ] (¬1) ظَهَرَ لَهُ (¬2) رُجْحَانُ السِّتَّةِ دُونَ رُجْحَانِ التَّعْيِينِ، وَقَالَ: الْأَمْرُ فِي التَّعْيِينِ إِلَى السِّتَّةِ يُعِيِّنُونَ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وَهَذَا أَحْسَنُ، اجْتِهَادُ إِمَامٍ عَالِمٍ عَادِلٍ نَاصِحٍ لَا هَوَى لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ الشُّورَى: 38] ، وَقَالَ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 159] . فَكَانَ مَا فَعَلَهُ مِنَ الشُّورَى مَصْلَحَةً، وَكَانَ مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ تَعْيِينِ عُمَرَ هُوَ الْمَصْلَحَةَ أَيْضًا؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ كَمَالِ عُمَرَ وَفَضْلِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْأَمْرِ مَا لَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إِلَى الشُّورَى، وَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الرَّأْيِ الْمُبَارَكِ الْمَيْمُونِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ مُنْصِفٍ يَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيًّا أَوْ طَلْحَةَ أَوِ الزُّبَيْرَ أَوْ سَعْدًا أَوْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ لَا يَقُومُ (¬3) مَقَامَ عُمَرَ، فَكَانَ تَعْيِينُ عُمَرَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَتَعْيِينِ أَبِي بَكْرٍ فِي مُبَايَعَتِهِمْ لَهُ. وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: بِنْتُ صَاحِبِ مَدْيَنَ حَيْثُ قَالَتْ: {يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 26] وَامْرَأَةُ الْعَزِيزِ حَيْثُ قَالَتْ: {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 9] وَأَبُو بَكْرٍ حَيْثُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ " (¬4) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: فَظَهَرَ لَهُ. (¬3) لَا يَقُومُ: كَذَا فِي (ح) ، (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَا يَقُومُونَ. (¬4) انْظُرْ كَلَامِي عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِيمَا مَضَى مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 54

وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي خُطْبَتِهَا (¬1) : " أَبِي وَمَا أُبَيْهُ (¬2) وَاللَّهِ لَا تُعْطُوهُ (¬3) الْأَيْدِيَ (¬4) . ذَاكَ طَوْدٌ مُنِيفٌ (¬5) ، وَفَرْعٌ (¬6) مَدِيدٌ. هَيْهَاتَ! كَذَبَتِ الظُّنُونُ! أَنْجَحَ (¬7) إِذْ أَكْدَيْتُمْ (¬8) ، وَسَبَقَ إِذْ وَنَيْتُمْ (¬9) سَبْقَ الْجَوَادِ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْأَمَدِ (¬10) ، فَتَى قُرَيْشٍ نَاشِئًا، وَكَهْفُهَا كَهْلًا (¬11) ، يَفُكُّ عَانِيَهَا (¬12) ، وَيَرِيشُ مُمْلِقَهَا (¬13) ، وَيَرْأَبُ شَعْبَهَا (¬14) حَتَّى حَلِيَتْهُ قُلُوبُهَا (¬15) ، ثُمَّ اسْتَشْرَى ¬

(¬1) أَوْرَدَ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ 1/189 - 190 وَنَقَلَهَا الْأُسْتَاذُ عَلِيٌّ الطَّنْطَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ط. السَّلَفِيَّةِ، الْقَاهِرَةُ 1372 ص 18 - 19. (¬2) ح، ب: وَمَا أَبِي (¬3) لَا تُعْطُوهُ: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَا يُعْطُوهُ. (¬4) أَيْ: لَا تَبْلُغُهُ فَتَتَنَاوَلُهُ مِنْ شَرْحِ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيب عَلَى الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ ص 364. (¬5) جَبَلٌ شَامِخٌ. (¬6) الْفَرْعُ: أَعْلَى الشَّيْءِ، وَفَرْعُ الْقَوْمِ شَرِيفُهُمْ. (¬7) أَيْ صَارَ نَاجِحًا. (¬8) ر: إِذْ كَدَّبْتُمْ، م، ح، ي: إِذْ كَذَّبْتُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَأَكْدَى: أَصْلُهُ مِنَ الْكُدْيَةِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْغَلِيظَةُ الْقَوِيَّةُ، وَأَكْدَى أَيْ: بَلَغَ هَذِهِ الْأَرْضَ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْحَفْرُ مِنْ شَرْحِ الْأُسْتَاذِ عَلِيٍّ الطَّنْطَاوِيِّ. (¬9) أَيْ: فَتَرْتُمْ وَقَصَّرْتُمْ. (¬10) الْأَمَدُ: الْغَايَةُ. (¬11) الْكَهْفُ: الْمَلْجَأُ، وَالْكَهْلُ: مَنْ جَاوَزَ الرَّابِعَةَ وَالثَّلَاثِينَ وَلَمْ يُجَاوِزِ الْوَاحِدَةَ وَالْخَمْسِينَ. (¬12) الْعَانِي: الْأَسِيرُ. (¬13) رَاشَ السَّهْمَ أَيْ وَضَعَ فِيهِ الرِّيشَ، وَالْمُرَادُ يُسَاعِدُ فَقِيرَهَا. (¬14) م، ح، ب: شَعَثَهَا، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ر) ، (ي) ، وَالْكَلِمَةُ فِي (ن) غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ، وَفِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ: وَيَرْأَبُ شَعْبَهَا وَيَلُمُّ شَعَثَهَا، وَالرَّأْبُ: جَمْعُ الشَّيْءِ وَشَدُّهُ بِرِفْقٍ، وَالشَّعْبُ: الصَّدْعُ وَهُوَ الشِّقُّ فِي الشَّيْءِ، أَرَادَتْ أَنَّهُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَ أَمْرِ الْأُمَّةِ وَكَلِمَتِهَا. (¬15) ح، ر، ي، ب: جَلَبَتْهُ، ن: حليتها، بِدُونِ نَقْطٍ، م: حبسها، بِدُونِ نَقْطٍ، وَالْمُثْبَتُ مِنَ الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ، وَكَذَا أَثْبَتَهَا الْأُسْتَاذُ عَلِيٌّ الطَّنْطَاوِيُّ وَشَرَحَ الْكَلِمَةَ فَقَالَ: أَيِ اسْتَحْلَتْهُ.

فِي اللَّهِ (¬1) ، فَمَا بَرِحَتْ شَكِيمَتُهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى تَشْتَدُّ (¬2) ، حَتَّى اتَّخَذَ بِفَنَائِهِ مَسْجِدًا (¬3) ، يُحْيِي فِيهِ مَا أَمَاتَ الْمُبْطِلُونَ. وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَزِيرَ الدَّمْعَةِ، وَقِيذَ الْجَوَانِحِ (¬4) ، شَجِيَّ النَّشِيجِ (¬5) ، فَتَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسْوَانُ مَكَّةَ وَوِلْدَانُهَا (¬6) ، يَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 15] فَأَكْبَرَتْ ذَلِكَ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ فَحَنَتْ لَهُ قِسِيَّهَا (¬7) ، وَفَوَّقَتْ لَهُ سِهَامَهَا (¬8) ، وَانْتَبَلُوهُ غَرَضًا (¬9) ، فَمَا فَلُّوا لَهُ ¬

(¬1) الرِّيَاضُ النَّضِرَةُ، الْمُنْتَقَى: اسْتَشْرَى فِي دِينِهِ، الطَّنْطَاوِيُّ: فِي دِينِ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ: اسْتَشْرَى فِي اللَّهِ تَعَالَى، اسْتَشْرَى: أَيْ جَدَّ وَقَوِيَ وَاهْتَمَّ وَأَلَحَّ. (¬2) تَشْتَدُّ فِي (ب) ، وَالْمُنْتَقَى فَقَطْ. وَالشَّكِيمَةُ: الْأَنَفَةُ وَالْإِبَاءُ. (¬3) قَالَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيب (الْمُنْتَقَى ص 365) : تُشِيرُ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي أَقَامَهُ أَبُوهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي سَاحَةِ مَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ الدَّعَايَةِ لِلْإِسْلَامِ. (¬4) وَقِيذَ الْجَوَانِحِ: كَذَا فِي (ب) ، الْمُنْتَقَى، الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ، (أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ) لِلطَّنْطَاوِيِّ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَقِيذَ الْجَوَارِحِ، وَالْمَعْنَى: مَحْزُونُ الْقَلْبِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: حَتَّى كَأَنَّ الْحُزْنَ صَيَّرَهُ لَا حَرَاكَ بِهِ. مِنَ الْوَقْذِ: وَهُوَ الضَّرْبُ حَتَّى يَصِيرَ الْمَضْرُوبُ لَا حَرَاكَ بِهِ. (¬5) الشَّجْوُ: الْحُزْنُ، وَالشَّجِيُّ: الْمُحْزَنُ، وَالنَّشِيجُ: الصَّوْتُ الَّذِي يَتَرَدَّدُ فِي الْحَلْقِ، أَرَادَتْ كَأَنَّهُ يُحْزِنُ مَنْ يَسْمَعُهُ يَقْرَأُ لِأَنَّ فِي صَوْتِ بُكَائِهِ رِقَّةٌ وَحَنَانٌ. (¬6) فَتَنْقَصِفُ عَلَيْهِ. . . إِلَخْ: كَذَا فِي (ب) ، الْمُنْتَقَى، وَفِي (ن) : انْفَضَّتْ إِلَيْهَا، وَفِي (م) : فَانْفَضَّتْ إِلَيْهِ، وَفِي (ح) ، (ر) ، (ي) فَانْقَضَتْ إِلَيْهِ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ فَتَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، أَيْ: يَزْدَحِمُونَ. (¬7) الْقِسِيُّ: جَمْعُ قَوْسٍ، وَفِي اللِّسَانِ: فَحَنَتْ لَهَا قَوْسَهَا أَيْ وَتَرَتْ؛ لِأَنَّهَا إِذَا وَتَرَتْهَا عَطَفَتْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ: حَنَّتْ مُشَدَّدَةً، يُرِيدُ صَوَّتَتْ. (¬8) فُوقُ السَّهْمِ: مَوْضِعُ الْوَتَرِ مِنْهُ، وَفَوَّقَتْ سَدَّدَتْ. (¬9) ح، ر، ي: وَانْبَتَلُوا عَرَضًا، ن، ب: وَانْتَثَلُوهُ غَرَضًا، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، الْمُنْتَقَى، وَفِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ، الطَّنْطَاوِيِّ: وَامْتَثَلُوهُ غَرَضًا، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ: فَانْتَثَلُوهُ عَرَضًا، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ، وَالْمَعْنَى: أَيْ: اتَّخَذُوهُ هَدَفًا لِنِبَالِهِمْ.

صَفَاةً (¬1) ، وَلَا قَصَفُوا لَهُ قَنَاةً، وَمَرَّ عَلَى سِيسَائِهِ (¬2) ، حَتَّى إِذَا ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ (¬3) ، وَأَلْقَى بَرْكَهُ (¬4) ، وَرَسَتْ (¬5) أَوْتَادُهُ، وَدَخْلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا، وَمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ أَرْسَالًا وَأَشْتَاتًا (¬6) ، اخْتَارَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِنْدَهُ. فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ نَصَبَ الشَّيْطَانُ رُوَاقَهُ (¬7) ، وَمَدَّ طُنُبَهُ (¬8) ، وَنَصَبَ حَبَائِلَهُ (¬9) ، فَظَنَّ رِجَالٌ أَنْ قَدْ تَحَقَّقَتْ أَطْمَاعُهُمْ، وَلَاتَ (¬10) حِينَ الَّذِي يَرْجُونَ، وَأَنَّى وَالصِّدِّيقُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَامَ حَاسِرًا مُشَمِّرًا، فَجَمَعَ حَاشِيَتَهُ وَرَفَعَ قُطْرَيْهِ (¬11) ، فَرَدَّ (¬12) نَشْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى غَرِّهِ (¬13) ، وَلَمَّ شَعَثَهُ ¬

(¬1) ن، م: فَمَا فَاصُوالَهُ صَفَاةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ أَنْ يَكْسِرُوا لَهُ حَجَرًا، وَالصَّفَاةُ: صَخْرَةٌ مَلْسَاءُ. (¬2) سِيسَاءُ الظَّهْرِ مِنَ الدَّوَابِّ: مُجْتَمَعُ وَسَطِهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ. (¬3) الْجِرَانُ: بَاطِنُ الْعُنُقِ: أَيْ: قَرَّ قَرَارُهُ وَاسْتَقَامَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَرَكَ وَاسْتَرَاحَ مَدَّ عُنُقَهُ عَلَى الْأَرْضِ. (¬4) الْبَرْكُ: الصَّدْرُ. (¬5) وَرَسَتْ: أَيْ: وَثَبَتَتْ. (¬6) أَرْسَالًا: جَمْعُ رَسَلٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْقَطِيعُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، فَاسْتُعِيرَ لِلْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ وَأَشْتَاتًا: مُتَفَرِّقِينَ. (¬7) الرَّوْقُ وَالرُّوَاقُ: مَا بَيْنَ يَدَيِ الْبَيْتِ. (¬8) الطُّنُبُ: الْحَبْلُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ أَطْرَافُ الْخَيْمَةِ. (¬9) أَيْ مَصَايِدَهُ: وَاحِدُهَا حِبَالَةٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ. (¬10) لَاتَ: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا لَيْسَ، وَقِيلَ: إِنَّهَا " لَا " زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ. (¬11) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: وَرَفَعَ فِطْرَتَهُ، وَالَّذِي أَثْبَتُّهُ قِرَاءَةٌ فِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَقُطْرَا الشَّيْءِ: جَانِبَاهُ، وَكَتَبَهَا الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيب " وَضَمَّ قُطْرَيْهِ " وَقَالَ: صَحَّحْنَاهَا مِنَ النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ. (¬12) ن، م: وَرَدَّ. (¬13) عَلَى غَرِّهِ: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ، عَلَى عَرَبِ، (ح: عَرَبِهِ) ، وَيُقَالُ: طَوَى الثَّوْبَ عَلَى غَرِّهِ الْأَوَّلِ، أَيْ كَمَا كَانَ مَطْوِيًّا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَعَادَهُ إِلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

بِطِبِّهِ (¬1) ، وَأَقَامَ أَوَدَهُ بِثِقَافِهِ (¬2) ، فَدَقَّ (¬3) النِّفَاقَ بِوَطْأَتِهِ، وَانْتَاشَ الدِّينَ فَمَنَعَهُ (¬4) ، فَلَمَّا أَرَاحَ الْحَقَّ عَلَى أَهْلِهِ (¬5) ، وَقَرَّرَ (¬6) الرُّءُوسَ عَلَى كَوَاهِلِهَا، وَحَقَنَ الدِّمَاءَ فِي أُهُبِهَا (¬7) ، أَتَتْهُ مَنِيَّتُهُ، فَسُدَّ ثَلْمُهُ (¬8) بِنَظِيرِهِ (¬9) فِي الرَّحْمَةِ، وَشَقِيقِهِ فِي السِّيرَةِ وَالْمَعْدَلَةِ، ذَاكَ (¬10) ابْنُ الْخَطَّابِ، [لِلَّهِ] (¬11) أُمٌّ حَمَلَتْ بِهِ (¬12) ، [وَدَرَّتْ عَلَيْهِ] (¬13) ، لَقَدْ أَوْحَدَتْ (¬14) بِهِ، فَفَنَّخَ الْكَفَرَةَ وَدَيَّخَهَا (¬15) ، وَشَرَّدَ الشِّرْكَ (¬16) شَذَرَ مَذَرَ (¬17) ، وَبَعَجَ الْأَرْضَ وَبَخَعَهَا (¬18) ، ¬

(¬1) ن، م: بِطَنِّهِ. ر، الرِّيَاضُ النَّضِرَةُ: بِطَيِّهِ، وَلَمَّ شَعَثَهُ، جَمَعَ مَا تَفَرَّقَهُ مِنْ أَمْرِهِ. (¬2) ب: بِثِفَاقِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ، وَالْأَوَدُ: الْعِوَجُ: وَالثِّقَافُ: تَقْوِيمُ الْمُعْوَجِّ. (¬3) فَدَقَّ: كَذَا فِي (ح) ، وَفِي (ن) ، (م) : فَانْدَفَرَ وَفِي (ر) ، (ي) فَانْدَقَرَ، وَفِي (ب) ، الْمُنْتَقَى: فَوَقَذَ. وَفِي الرِّيَاضِ النَّضِرَةِ: امْذَقَرَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) فَمَنَعَهُ: كَذَا فِي (ح) ، (ر) ، وَفِي (ن) ، (م) : فَنَغَهُ، وَفِي (ي) : فَنَعَهُ، وَفِي (ب) : فَنَعَشَهُ، وَفِي الْمُنْتَقَى، الرِّيَاضِ: بِنَعْشِهِ، وَانْتَاشَ الدِّينَ: تَنَاوَلَهُ وَاسْتَنْقَذَهُ وَانْتَشَلَهُ. (¬5) ن، م: فَلَمَّا رَاحَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، ح، ر، ي: فَلَمَّا زَاحَ الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْمُنْتَقَى، الرِّيَاضِ، وَالْمَعْنَى: رَدَّ الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ. (¬6) ن، م: وَقَرَّتِ. (¬7) جَمْعُ إِهَابٍ، وَهُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ الدَّبْغِ. (¬8) ثُلْمَةً: كَذَا فِي (ب) ، الْمُنْتَقَى وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: ثُلْمَتَهُ. (¬9) ن، م: بِنَظَرِهِ. (¬10) ح، ر، ي: ذَلِكَ. (¬11) لِلَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬12) ب، الْمُنْتَقَى: حَفَلَتْ لَهُ. (¬13) وَدَرَّتْ عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬14) ن، ر، ي: أَوْجَدَتْ. (¬15) ب، الْمُنْتَقَى: فَقَبَّحَ الْكُفْرَ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ، (أَبُو بَكْرٍ) لِلطَّنْطَاوِيِّ، وَفَنَّخَ الْكَفَرَةَ: أَيْ أَذَلَّهُمْ، وَدَيَّخَهَا: أَيْ دَوَّخَهَا وَقَهَرَهَا. (¬16) ن، م: الْكُفْرَ. (¬17) شَذَرَ مَذَرَ: أَيْ فِي كُلِّ جِهَةٍ. (¬18) ح، ر: وَنَجَعَهَا، ب، م: وَبَجَعَهَا، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ي) ، (ن) : الْمُنْتَقَى، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا ذَكَرَتْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: وَبَخَعَ الْأَرْضَ فَقَاءَتْ أُكْلَهَا: أَيْ قَهَرَ أَهْلَهَا وَأَذَلَّهُمْ وَاسْتَخْرَجَ مَا فِيهَا مِنَ الْكُنُوزِ وَأَمْوَالِ الْمُلُوكِ.

فَقَاءَتْ أُكْلَهَا، وَلَفَظَتْ خَبِيئَهَا (¬1) ، تَرْأَمُهُ وَيَصْدِفُ عَنْهَا (¬2) ، وَتَصَدَّى لَهُ وَيَأْبَاهَا، ثُمَّ وَرِعَ (¬3) فِيهَا وَوَدَّعَهَا كَمَا صَحِبَهَا. فَأَرُونِي مَا تُرِيبُونَ (¬4) ، وَأَيُّ يَوْمٍ تَنْقِمُونَ (¬5) : أَيَوْمَ إِقَامَتِهِ إِذْ عَدَلَ فِيكُمْ؟ أَمْ يَوْمَ ظَعْنِهِ وَقَدْ (¬6) نَظَرَ لَكُمْ؟ [أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَ] أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ " (¬7) . وَرَوَى هَذِهِ الْخُطْبَةَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَهَؤُلَاءِ رُوَاةُ الصَّحِيحَيْنِ. وَقَدْ رَوَاهَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وَبَعْضُهُمْ رَوَاهَا عَنْ هِشَامٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عُرْوَةَ (¬8) . وَأَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَأَى الْأَمْرَ فِي السِّتَّةِ مُتَقَارِبًا، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِبَعْضٍ، فَلِذَلِكَ الْمَفْضُولِ مَزِيَّةٌ أُخْرَى لَيْسَتْ لِلْآخَرِ، وَرَأَى أَنَّهُ إِذَا عَيَّنَ وَاحِدًا فَقَدْ يَحْصُلُ بِوِلَايَتِهِ نَوْعٌ مِنَ الْخَلَلِ، فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ، فَتَرَكَ التَّعْيِينَ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ (¬9) أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ: بَيْنَ ¬

(¬1) ن، ر: جَنِيَّهَا، م: حَيَّهَا. (¬2) تَرْأَمُهُ وَيَصْدِفُ عَنْهَا: كَذَا فِي (م) ، الطَّنْطَاوِيِّ. وَفِي (ب) ، (ح) الْمُنْتَقَى: تَرْأَمُهُ وَيَصُدُّ عَنْهَا، وَفِي (ن) : تَرْأَمُهُ وَتَصَدَّقَ عَنْهَا، وَفِي (ر) ، (ي) : تَرْأَمُهُ وَبِصِدْقٍ عَنْهَا، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ، وَالْمَعْنَى: تَعْطِفُ عَلَيْهِ وَيُعْرِضُ عَنْهَا. (¬3) ح، ر، ي، م: وَزَعَ. (¬4) ح، ر، ي: فَأَرْوَى مَا يُرِيبُونَ. (¬5) ب، الْمُنْتَقَى، الطَّنْطَاوِيُّ: وَأَيُّ يَوْمِي أَبِي تَنْقِمُونَ. (¬6) وَقَدْ: كَذَا فِي (ب) ، الْمُنْتَقَى، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَقَدْ. وَفِي الرِّيَاضِ، الطَّنْطَاوِيِّ: إِذْ. (¬7) ح، ر، ي، ن، م: اسْتَغْفَرَ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْمُنْتَقَى، الطَّنْطَاوِيِّ، الرِّيَاضِ. (¬8) ن، م: فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ. (¬9) ن، م: لَيْسَ أَحَدٌ.

تَعْيِينِهِمْ إِذْ لَا أَحَقَّ مِنْهُمْ، وَتَرَكَ تَعْيِينَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَا تَخَوَّفَهُ (¬1) مِنَ التَّقْصِيرِ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَفْعَلَ الْمَصْلَحَةَ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ. فَكَانَ مَا فَعَلَهُ غَايَةَ مَا يُمْكِنُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ. وَإِذَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ [أُمُورٌ] (¬2) لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا، فَتِلْكَ لَا تَدْخُلُ فِي التَّكْلِيفِ. وَكَانَ كَمَا رَآهُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ إِنْ وَلَّى وَاحِدًا مِنَ السِّتَّةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ نَوْعٌ مِنَ التَّأَخُّرِ عَنْ سِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (¬3) ، وَأَنْ يَحْصُلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُشَاجَرَةٌ، كَمَا جَبَلَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ [طِبَاعَ] (¬4) بَنِي آدَمَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ. وَذَكَرَ [فِي] (¬5) كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السِّتَّةِ الْأَمْرَ (¬6) الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ تَعْيِينِهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ. ثُمَّ إِنَّ الصَّحَابَةَ اجْتَمَعُوا عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ كَانَتْ أَعْظَمَ مَصْلَحَةٍ وَأَقَلَّ مَفْسَدَةٍ مِنْ وِلَايَةِ غَيْرِهِ. وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مَصْلَحَةً، وَأَقَلُّهُمَا مَفْسَدَةً. وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَافَ أَنْ يَتَقَلَّدَ أَمْرًا يَكُونُ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَرَأَى أَنَّهُمْ إِذَا بَايَعُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ حَصَلَتِ الْمَصْلَحَةُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ حَالِ الْمَحْيَا وَحَالِ الْمَمَاتِ: أَنَّهُ فِي الْحَيَاةِ يَتَوَلَّى أَمْرَ ¬

(¬1) ن، م: يَتَخَوَّفُهُ. (¬2) أُمُورٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن، م: سِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ. (¬4) طِبَاعَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن: الْأُمَرَاءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَصْلَحَ مَنْ يُمْكِنُهُ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ (* مُعَيَّنًا إِذَا كَانُوا يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَمْثَلِهِمْ. كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ اسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ كِتَابَةِ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَهُ لِأَبِي بَكْرٍ. وَأَيْضًا فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ *) (¬1) بَعْدَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ عُمَرُ وَاجِبًا. وَلِهَذَا رُوجِعَ فِي اسْتِخْلَافِ الْمُعَيَّنِ. وَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّكَ اسْتَرْعَيْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ يُضَيِّعُ (¬2) دِينَهُ وَلَا خِلَافَتَهُ وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ عُجِّلَ بِي أَمْرٌ، فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ [السِّتَّةِ] (¬3) الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ (¬4) لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى غَايَةِ مَا يُمْكِنُ مِنَ الصَّلَاحِ، لَا لِرَفْعِ الْفَسَادِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي الطَّبِيعَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ؛ إِذْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فَسَادٍ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30] . وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا وَفِيهَا شَرٌّ وَفَسَادٌ. وَأَمْثَلُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬2) ن، م: مُضَيِّعٌ. (¬3) السِّتَّةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ح: بَعَثَ الرَّسُولَ وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ، ر: أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ.

الْأُمَمِ قَبْلَنَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ فِيهِمْ مِنَ الْفَسَادِ وَالشَّرِّ مَا قَدْ عُلِمَ بَعْضُهُ. وَأَمَّتُنَا خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ، وَخَيْرُهَا الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ، وَأَفْضَلُهُمُ الصَّحَابَةُ. وَفِي أُمَّتِنَا شَرُّ كَثِيرٌ، لَكِنَّهُ أَقَلُّ مِنْ شَرِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَشَرُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَقَلُّ مِنْ شَرِّ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوا نَبِيًّا كَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ. وَكُلُّ خَيْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَفِي أُمَّتِنَا خَيْرٌ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ أَوَّلُ هَذِهِ الْأَمَةِ وَآخِرُهَا، فَكُلُّ خَيْرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَفِي الْمُتَقَدِّمِينَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَكُلُّ شَرٍّ فِي الْمُتَقَدِّمِينَ فَفِي الْمُتَأَخِّرِينَ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 16] . وَلَا رَيْبَ أَنَّ السِّتَّةَ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ عُمَرُ، لَا يُوجَدُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ مَا كَرِهَهُ، فَإِنَّ غَيْرَهُمْ يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ أَعْظَمُ. وَلِهَذَا لَمْ يَتَوَلَّ بَعْدَ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا أَحْسَنُ سِيرَةً، وَلَا تَوَلَّى بَعْدَ عَلِيٍّ خَيْرٌ مِنْهُ (¬1) ، وَلَا تَوَلَّى مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ أَحْسَنُ سِيرَةً مِنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا ذَكَرَ النَّاسُ سِيرَتَهُ وَفَضَائِلَهُ. وَإِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ لَهُ ذُنُوبٌ، فَغَيْرُهُمْ أَعْظَمُ ذُنُوبًا، وَأَقَلُّ حَسَنَاتٍ. فَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُعْرَفَ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِمَنْزِلَةِ الذُّبَابِ الَّذِي لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى الْعَقِيرِ (¬2) وَلَا يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْعَاقِلُ يَزِنُ الْأُمُورَ جَمِيعًا: هَذَا وَهَذَا. ¬

(¬1) ح، ر، ب، ي: بَعْدَ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: الْعَقَرِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ، وَالْعَقِيرُ: الْجَرِيحُ.

وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، يَعِيبُونَ عَلَى مَنْ يَذُمُّونَهُ مَا يُعَابُ أَعْظَمُ مِنْهُ عَلَى مَنْ يَمْدَحُونَهُ، فَإِذَا سُلِكَ مَعَهُمْ مِيزَانُ الْعَدْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي ذَمُّوهُ أَوْلَى بِالتَّفْضِيلِ مِمَّنْ مَدَحُوهُ. وَأَمَّا مَا يُرْوَى مِنْ ذِكْرِهِ لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْإِمَامَةَ فِي قُرَيْشٍ، كَمَا اسْتَفَاضَتْ بِذَلِكَ السُّنَنُ [عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬1) . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ فِي النَّاسِ اثْنَانِ " وَفِي لَفْظٍ: " مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ: مُؤْمِنُهُمْ تَبَعٌ لِمُؤْمِنِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» " (¬3) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: " «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» " (¬4) . وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ» " (¬5) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/382 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/384 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/385 (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/385

الرد على قول الرافضي إن عمر جمع بين الفاضل والمفضول

وَهَذَا مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ. فَكَيْفَ يُظَنُّ بِعُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوَلِّي رَجُلًا مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ؟ ! بَلْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنَّهُ كَانَ يُوَلِّيهِ وِلَايَةً جُزْئِيَّةً (¬1) ، أَوْ يَسْتَشِيرُهُ فِيمَنْ يُوَلَّى وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَصْلُحُ لَهَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَإِنَّ سَالِمًا كَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَؤُمُّهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ. [الرد على قول الرافضي إن عمر جمع بين الفاضل والمفضول] وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " وَجَمَعَ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ، وَمِنْ حَقِّ الْفَاضِلِ التَّقَدُّمُ [عَلَى الْمَفْضُولِ] (¬2) ". فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: [هَؤُلَاءِ] (¬3) كَانُوا مُتَقَارِبِينَ فِي الْفَضِيلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدُّمُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ظَاهِرًا، كَتَقَدُّمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى الْبَاقِينَ. وَلِهَذَا كَانَ (¬4) فِي الشُّورَى تَارَةً يُؤْخَذُ بِرَأْيِ عُثْمَانَ، وَتَارَةً [يُؤْخَذُ] (¬5) بِرَأْيِ عَلِيٍّ، وَتَارَةً بِرَأْيِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَكُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ فَضَائِلُ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا الْآخَرُ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ ثَانِيًا: وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ فَاضِلٌ وَمَفْضُولٌ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ عَلِيًّا هُوَ الْفَاضِلُ، وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُ هُمُ الْمَفْضُولُونَ؟ وَهَذَا الْقَوْلُ خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، [كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، مِنْهُمْ ¬

(¬1) ن، م: حُرُوبِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) عَلَى الْمَفْضُولِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) كَانَ: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: كَانُوا. (¬5) يُؤْخَذُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ي) ، (ر) .

أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ] (¬1) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: " كُنَّا نُفَاضِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ ". وَفِي لَفْظٍ: " ثُمَّ نَدَعُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ " (¬2) . فَهَذَا إِخْبَارٌ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[مِنْ تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَبْلُغُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬3) فَلَا يُنْكِرُهُ (¬4) . وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ هَذَا التَّفْضِيلُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ. وَإِلَّا فَيَكُونُ ثَابِتًا بِمَا ظَهَرَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَبِمَا ظَهَرَ لَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ؛ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَايَعُوا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ، وَلَمْ يُنْكِرْ هَذِهِ الْوِلَايَةَ مُنْكِرٌ مِنْهُمْ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 5/4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . . .، بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ، بَابُ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ) وَلَفْظُهُ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ 5/14 - 15 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/287 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّفْضِيلِ) عَنْ طَرِيقَيْنِ فِي أَوَّلِهِمَا زِيَادَةٌ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ) الْأَرْقَامُ 53 - 58، 61 - 63، 401؛ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/58؛ الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامُ 4626، 4797 (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) ن: فَلَمْ يُنْكِرْهُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى بَيْعَةِ أَحَدٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ " وَسُئِلَ عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فَقَالَ: " كُلُّ بَيْعَةٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ ". وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي آخِرِ وِلَايَةِ عُمَرَ أَعَزَّ مَا كَانُوا وَأَظْهَرَ مَا كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ. وَكُلُّهُمْ بَايَعَ (¬1) عُثْمَانَ بِلَا رَغْبَةٍ بَذَلَهَا [لَهُمْ] (¬2) وَلَا رَهْبَةٍ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِ أَحَدًا عَلَى وِلَايَتِهِ لَا مَالًا وَلَا وِلَايَةً. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي بَايَعَهُ لَمْ يُولِّهِ وَلَمْ يُعْطِهِ مَالًا. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْأَغْرَاضِ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ شَاوَرَ جَمِيعَ النَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ لِبَنِي أُمَيَّةَ شَوْكَةٌ، وَلَا كَانَ فِي الشُّورَى مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ عُثْمَانَ. مَعَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] . [وَقَدْ بَايَعُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ حَيْثُمَا كَانُوا، لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ] (¬3) ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وِلَايَةَ عُثْمَانَ، بَلْ كَانَ فِي الَّذِينَ بَايَعُوهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَصُهَيْبٌ وَأَبُو ذَرٍّ وَخَبَّابٌ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَلَّيْنَا أَعْلَانَا ذَا فُوقٍ وَلَمْ نَأْلُ. وَفِيهِمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَفِيهِمْ مِنَ النُّقَبَاءِ مِثْلُ عُبَادَةَ بْنِ ¬

(¬1) ح، ب: بَايَعُوا. (¬2) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الصَّامِتِ وَأَمْثَالِهِ، وَفِيهِمْ مِثْلُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَمْثَالِهِ. وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ (¬1) لَوْ تَكَلَّمَ بِالْحَقِّ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُذْرٌ يُسْقِطُهُ (¬2) عَنْهُ، فَقَدْ كَانَ يَتَكَلَّمُ مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وِلَايَةِ مَنْ يُوَلَّى (¬3) وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْوِلَايَةِ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ ضَرَرٌ. وَتَكَلَّمَ طَلْحَةُ وَغَيْرُهُ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَتَكَلَّمَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فِي وِلَايَةِ أُسَامَةَ [بْنِ زَيْدٍ] (¬4) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانُوا يُكَلِّمُونَ عُمَرَ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ [وَيَعْزِلُهُ. وَعُثْمَانُ، بَعْدَ وِلَايَتِهِ وَقُوَّةِ شَوْكَتِهِ وَكَثْرَةِ أَنْصَارِهِ وَظُهُورِ بَنِي أُمَيَّةَ، كَانُوا يُكَلِّمُونَهُ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ] (¬5) وَيُعْطِيهِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ فِي آخِرِ الْأَمْرِ (¬6) لَمَّا اشْتَكَوْا مِنْ بَعْضِهِمْ عَزَلَهُ، وَلَمَّا اشْتَكَوْا مِنْ بَعْضِ مَنْ يَأْخُذُ بَعْضَ الْمَالِ مَنَعَهُ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوهُ مِنْ عَزْلٍ وَمَنْعٍ مِنَ الْمَالِ، وَهُمْ أَطْرَافٌ مِنَ النَّاسِ، وَهُوَ (¬7) فِي عِزَّةِ (¬8) وِلَايَتِهِ. فَكَيْفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ الصَّحَابَةِ - أَئِمَّتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ - مَعَ عِزِّهِمْ وَقُوَّتِهِمْ (¬9) لَوْ تَكَلَّمُوا فِي وِلَايَةِ عُثْمَانَ؟ ! وَقَدْ تَكَلَّمُوا مَعَ الصِّدِّيقِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ، وَقَالُوا: مَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ وَقَدْ وَلَّيْتَ عَلَيْنَا فَظًّا غَلِيظًا؟ فَقَالَ: أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونِي؟ أَقُولُ: وَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ. فَلَمْ يُحَابُوا الصِّدِّيقَ فِي عَهْدِهِ لِعُمَرَ مَعَ شِدَّتِهِ. ¬

(¬1) ب: وَمِنْ غَيْرِهِمْ. (¬2) ح: يُسْقِطُ. (¬3) ن، م: تَوَلَّى. (¬4) بْنِ زَيْدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م، ي: وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ. (¬7) ح، ر، ي: وَهُمْ. (¬8) ن، م: غَيْرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ن، م: مَعَ غَيْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَمِنْ شَأْنِ النَّاسِ أَنْ يُرَاعُوا مَنْ يُرَشَّحُ لِلْوِلَايَةِ فَيُحَابُونَهُ، خَوْفًا مِنْهُ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُمْ إِذَا وُلِّيَ، وَرَجَاءً لَهُ، وَهَذَا مَوْجُودٌ. فَهَؤُلَاءِ لَمْ يُحَابُوا عُمَرَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ مَعَ وِلَايَتِهِمَا، فَكَيْفَ يُحَابُونَ عُثْمَانَ، وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَتَوَلَّ [وَلَا شَوْكَةَ لَهُ] ؟ (¬1) فَلَوْلَا عِلْمُ الْقَوْمِ بِأَنَّ عُثْمَانَ أَحَقُّهُمْ بِالْوِلَايَةِ لَمَا وَلَّوْهُ. وَهَذَا أَمْرٌ كُلَّمَا تَدَبَّرَهُ الْخَبِيرُ ازْدَادَ بِهِ خِبْرَةً وَعِلْمًا، وَلَا يَشُكُّ فِيهِ إِلَّا مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاسْتِدْلَالِ، (2 أَوْ مَنْ هُوَ جَاهِلٌ بِالْوَاقِعِ أَوْ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ 2) (¬2) . وَالْجَهْلُ بِالْأَدِلَّةِ أَوْ بِالنَّظَرِ فِيهَا يُورِثُ الْجَهْلَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا وَقَعَ وَبِالْأَدِلَّةِ، وَعَالِمًا بِطَرِيقَةِ (¬3) النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ قَطْعًا لَا يَتَمَارَى فِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ أَحَقَّهُمْ بِالْخِلَافَةِ، وَأَفْضَلَ مَنْ بَقِيَ بَعْدَهُ. فَاتِّفَاقُهُمْ (¬4) عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ بِغَيْرِ نَكِيرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ أَصْلَحُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ كَرَاهِيَةٌ فِي الْبَاطِنِ مِنْ بَعْضِهِمْ لِاجْتِهَادٍ أَوْ هَوًى، فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا، كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْوِلَايَاتِ، كَوِلَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَوِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ وِلَايَةَ عُثْمَانَ [كَانَ] (¬5) فِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْخَيْرَاتِ مَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ. وَمَا حَصَلَ فِيهَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي كَرِهُوهَا، كَتَأْمِيرِ بَعْضِ بَنِي ¬

(¬1) وَلَا شَوْكَةَ لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬3) ب: بِطَرِيقِ. (¬4) ن، م: بِاتِّفَاقِهِمْ. (¬5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الرد على قول الرافضي إن عمر رضي الله عنه طعن في كل واحد ممن اختاره

أُمَيَّةَ، وَإِعْطَائِهِمْ بَعْضَ الْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ حَصَلَ مِنْ وِلَايَةِ مَنْ بَعْدَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ، وَلَمْ يَحْصُلْ فِيهَا مِنَ الصَّلَاحِ مَا حَصَلَ فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ. وَأَيْنَ إِيثَارُ بَعْضِ النَّاسِ بِوِلَايَةٍ أَوْ مَالٍ، مِنْ كَوْنِ الْأُمَّةِ يَسْفِكُ بَعْضُهَا دِمَاءَ بَعْضٍ وَتَشْتَغِلُ بِذَلِكَ عَنْ مَصْلَحَةِ دِينِهَا وَدُنْيَاهَا حَتَّى يَطْمَعَ الْكُفَّارُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؟ وَأَيْنَ اجْتِمَاعُ (¬1) الْمُسْلِمِينَ وَفَتْحُ بِلَادِ الْأَعْدَاءِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَالْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَجْزِهِمْ عَنِ الْأَعْدَاءِ حَتَّى يَأْخُذُوا بَعْضَ بِلَادِهِمْ أَوْ بَعْضَ أَمْوَالِهِمْ قَهْرًا أَوْ صُلْحًا؟ [الرد على قول الرافضي إن عمر رضي الله عنه طعن في كل واحد ممن اختاره] وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " إِنَّهُ طَعَنَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنِ اخْتَارَهُ لِلشُّورَى، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَيِّتًا كَمَا تَقَلَّدَهُ حَيًّا، ثُمَّ تَقَلَّدَهُ بِأَنْ جَعَلَ الْإِمَامَةَ فِي سِتَّةٍ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَطْعَنْ فِيهِمْ طَعْنَ مَنْ يَجْعَلُ غَيْرَهُمْ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُمْ، بَلْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُمْ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. لَكِنْ [بَيَّنَ] (¬2) عُذْرَهُ الْمَانِعَ لَهُ مِنْ تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَكَرِهَ أَنْ يَتَقَلَّدَ وِلَايَةَ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يَكْرَهْ أَنْ يَتَقَلَّدَ تَعْيِينَ السِّتَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمْ، فَالَّذِي (¬3) عَلِمَهُ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ فِيهِ [إِنْ] (¬4) تَقَلَّدَهُ هُوَ (¬5) ¬

(¬1) ن، م: إِجْمَاعُ. (¬2) بَيَّنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن، م: وَالَّذِي. (¬4) إِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) هُوَ: فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَهُوَ.

اخْتِيَارُ السِّتَّةِ، وَالَّذِي (¬1) خَافَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِيهِ تَبِعَةٌ، وَهُوَ تَعْيِينُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، تَرَكَهُ. وَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَقْلِهِ وَدِينِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَيْسَ كَرَاهَتُهُ لِتَقَلُّدِهِ مَيِّتًا كَمَا تَقَلَّدَهُ حَيًّا لِطَعْنِهِ فِي تَقَلُّدِهِ حَيًّا؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا تَقَلَّدَ الْأَمْرَ حَيًّا بِاخْتِيَارِهِ، وَبِأَنَّ تَقَلُّدَهُ كَانَ خَيْرًا لَهُ وَلِلْأُمَّةِ، وَإِنْ كَانَ خَائِفًا مِنْ تَبِعَةِ الْحِسَابِ. فَقَدْ «قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 60] . قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَخَافُ أَنْ يُعَاقَبَ؟ قَالَ: " لَا يَا بِنْتَ (¬2) الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ (¬3) وَيَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ» " (¬4) . فَخَوْفُهُ (¬5) مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الطَّاعَةِ مِنْ كَمَالِ الطَّاعَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَقَلُّدِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا أَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ كَانَ رَقِيبًا عَلَى نُوَّابِهِ، مُتَعَقِّبًا لِأَفْعَالِهِمْ، يَأْمُرُهُمْ بِالْحَجِّ كُلِّ عَامٍ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّعِيَّةِ، فَكَانَ مَا يَفْعَلُونَهُ مِمَّا يَكْرَهُهُ يُمْكِنُهُ مَنْعُهُمْ مِنْهُ وَتَلَافِيهِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ [لَا] (¬6) مَنْعُهُمْ مِمَّا يَكْرَهُهُ، وَلَا تَلَافِي ذَلِكَ؛ فَلِهَذَا كَرِهَ تَقَلُّدَ الْأَمْرِ (¬7) مَيِّتًا. ¬

(¬1) ن: وَهُوَ الَّذِي. (¬2) م: يَا ابْنَةَ. (¬3) وَيَتَصَدَّقُ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَيَتَعَبَّدُ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/268 (¬5) فَخَوْفُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬6) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ن، م: تَقْلِيدَ الْأُمَرَاءِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الرد على قول الرافضي في عمر ثم ناقص حتى جعل الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف

وَأَمَّا تَعْيِينُ السِّتَّةِ فَهُوَ عِنْدَهُ وَاضِحٌ بَيِّنٌ، لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ. [الرد على قول الرافضي في عمر ثم ناقص حتى جعل الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " ثُمَّ نَاقَصَ (¬1) فَجَعَلَهَا فِي أَرْبَعَةٍ، ثُمَّ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ فِي وَاحِدٍ، فَجَعَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الِاخْتِيَارَ، بَعْدَ أَنْ وَصَفَهُ بِالضَّعْفِ وَالْقُصُورِ ". فَالْجَوَابُ (¬2) : أَوَّلًا: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنِ احْتَجَّ بِالْمَنْقُولِ أَنْ يُثْبِتَهُ (¬3) أَوَّلًا. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: هَذَا غَيْرُ مَعْلُومِ الصِّحَّةِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ. وَالنَّقْلُ الثَّابِتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، بَلْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ هَذَا، وَأَنَّ السِّتَّةَ هُمُ الَّذِينَ جَعَلُوا الْأَمْرَ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ الثَّلَاثَةُ جَعَلُوا الِاخْتِيَارَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لَيْسَ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ (¬4) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا طُعِنَ قَالَ (¬5) : " إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: [اسْتَخْلِفْ،] وَإِنَّ الْأَمْرَ (¬6) إِلَى هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ: عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، وَيَشْهَدُهُمْ ¬

(¬1) ح، م، ي، ب: نَاقَضَ. (¬2) فَالْجَوَابُ: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَالْجَوَابُ. (¬3) ن، م: أَنْ يُبَيِّنَهُ. (¬4) ن، م: عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالْكَلَامُ التَّالِي مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، فِي الْبُخَارِيِّ: 5/15 - 18 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ، قِصَّةُ الْبَيْعَةِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَى عُثْمَانَ) (¬5) الْكَلَامُ التَّالِي مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/17 (¬6) ن، م: يَقُولُونَ إِنَّ الْأَمْرَ.

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ (¬1) الْأَمْرِ شَيْءٌ، فَإِنْ أَصَابَتِ الْخِلَافَةُ سَعْدًا، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ مَنْ وُلِّيَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ (¬2) عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ ". ثُمَّ قَالَ (¬3) : " أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأُوصِيهِ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ (¬4) : أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ: أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ [خَيْرًا] (¬5) ، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَجُبَاةُ الْأَمْوَالِ، لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ مِنْ حَوَاشِي (¬6) أَمْوَالِهِمْ فَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ يُوَفَّى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَيُقَاتَلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ (¬7) ، وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ ". فَقَدْ وَصَّى (¬8) الْخَلِيفَةُ مَنْ بَعْدَهُ بِجَمِيعِ أَجْنَاسِ الرَّعِيَّةِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَوْصَاهُ بِسُكَّانِ الْأَمْصَارِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ¬

(¬1) ن، م: فِي. (¬2) ح، م، ب: مِنْ. (¬3) فِي الْبُخَارِيِّ 5/17 (¬4) ن: مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَمْوَالِهِمْ. (¬5) خَيْرًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ر، ي: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي، ح: أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَوَاشِي، ب: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مِنْ حَوَاشِي. (¬7) ن، م: مِنْ دُونِهِمْ. (¬8) ب: أَوْصَى.

وَأَوْصَاهُ بِأَهْلِ الْبَوَادِي وَبِأَهْلِ الذِّمَّةِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ (¬1) : " فَلَمَّا قُبِضَ انْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَقَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (¬2) . قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ، فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ. قَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. وَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ (¬3) : قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ [بْنِ عَوْفٍ] (¬4) . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ؟ وَاللَّهِ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامِ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَ مَنْ فِي (¬5) نَفْسِهِ. فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ؟ وَاللَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمَا. قَالَا: نَعَمْ. فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَاللَّهِ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لِتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أُمِّرْتُ عَلَيْكَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ. ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ. فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ (¬6) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْمُسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ (¬7) : ". . أَنَّ الرَّهْطَ ¬

(¬1) فِي الْبُخَارِيِّ 5/17 - 18 (¬2) ن، م: يَسْتَأْذِنُ ابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، م: سَعِيدٌ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) بْنِ عَوْفٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬6) انْظُرْ أَيْضًا مَا سَبَقَ 5/58 - 59 (¬7) الْكَلَامُ التَّالِي فِي: الْبُخَارِيِّ 9/78 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ كَيْفَ يُبَايِعُ الْإِمَامَ النَّاسُ) وَسَبَقَ وُرُودُ الْحَدِيثِ مِنْ قَبْلُ وَالتَّعْلِيقُ عَلَيْهِ فِي 5/61 - 62 وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ.

الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا (¬1) ، وَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَلَكِنْ (¬2) إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ. فَجَعَلُوا ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬3) بْنِ عَوْفٍ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ مَالَ (¬4) النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ (¬5) ، وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ ". قَالَ (¬6) : " وَمَالَ النَّاسُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا (¬7) ، قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا، وَاللَّهِ (¬8) مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ (¬9) بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ لِي (¬10) الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُمَا (¬11) فَشَاوَرَهُمَا. ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ (¬12) : ادْعُ لِي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ ¬

(¬1) ن، م: وَتَشَاوَرُوا. (¬2) الْبُخَارِيُّ: وَلَكِنَّكُمْ. (¬3) الْبُخَارِيُّ: إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ. (¬4) الْبُخَارِيُّ: فَمَالَ. (¬5) عِبَارَةُ " الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ " لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ. (¬6) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬7) الْبُخَارِيُّ: مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ. (¬8) الْبُخَارِيُّ: فَوَاللَّهِ. (¬9) هَذِهِ اللَّيْلَةَ: كَذَا فِي (ن) ، (م) ، الْبُخَارِيِّ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: هَذِهِ الثَّلَاثَ وَهِيَ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْبُخَارِيِّ. (¬10) لِي: لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ. (¬11) الْبُخَارِيُّ: فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ. (¬12) ر: فَقَالَ لِي.

كلام الرافضي على ما تم في بيعة عثمان رضي الله عنه

شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ، [فَدَعَوْتُهُ] (¬1) ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى النَّاسُ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ (¬2) أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، أَرْسَلَ (¬3) إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا (¬4) تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِّي (¬5) قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا. فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ ". [كلام الرافضي على ما تم في بيعة عثمان رضي الله عنه] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " [ثُمَّ قَالَ] (¬6) : إِنِ اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ فَالْقَوْلُ مَا قَالَاهُ، وَإِنْ صَارُوا ثَلَاثَةً، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِينَ (¬7) [صَارَ] (¬8) فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، لِعِلْمِهِ أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى أَمْرٍ، وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا يَعْدِلُ بِالْأَمْرِ عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ وَابْنِ عَمِّهِ ". فَيُقَالُ لَهُ: مَنِ الَّذِي قَالَ إِنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ؟ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ (¬9) ¬

(¬1) فَدَعَوْتُهُ: مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَسَقَطَتْ مِنَ النُّسَخِ. (¬2) ن: فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ الصُّبْحَ اجْتَمَعَ، م: فَلَمَّا دَخَلُوا النَّاسُ اجْتَمَعَ. وَفِي جَمِيعِ النُّسَخِ: اجْتَمَعَ، وَالْمُثْبَتُ مِنَ الْبُخَارِيِّ. (¬3) الْبُخَارِيُّ: فَأَرْسَلَ. (¬4) وَافَوْا: كَذَا فِي (م) ، وَالْبُخَارِيِّ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَافَقُوا. (¬5) ن، م: فَإِنِّي. (¬6) عِبَارَةُ " ثُمَّ قَالَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) ح، ب: الَّذِي. (¬8) صَارَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، م: قَدْ قَالَهُ.

فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ (¬1) أَنَّهُ كَانَ غَرَضُهُ وِلَايَةَ عُثْمَانَ مُحَابَاةً لَهُ، وَمَنْعَ عَلِيٍّ مُعَادَاةً لَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ هَذَا لَوَلَّى عُثْمَانَ ابْتِدَاءً، وَلَمْ يَنْتَطِحْ فِيهَا عَنْزَانِ. كَيْفَ وَالَّذِينَ عَاشُوا بَعْدَهُ قَدَّمُوا عُثْمَانَ بِدُونِ تَعْيِينِ عُمَرَ لَهُ؟ فَلَوْ كَانَ [عُمَرُ] (¬2) عَيَّنَهُ، لَكَانُوا أَعْظَمَ مُتَابَعَةً (¬3) لَهُ وَطَاعَةً، سَوَاءٌ كَانُوا كَمَا يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ: أَهْلَ دِينٍ وَخَيْرٍ وَعَدْلٍ، أَوْ كَانُوا كَمَا يَقُولُهُ الْمُنَافِقُونَ الطَّاعِنُونَ فِيهِمْ: إِنَّ مَقْصُودَهُمُ الظُّلْمُ وَالشَّرُّ. لَا سِيَّمَا عُمَرُ كَانَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا يَخَافُ أَحَدًا، وَالرَّافِضَةُ تُسَمِّيهِ: فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَإِذَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَخَفْ مِنْ تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأَمْرُ فِي أَوَّلِهِ، وَالنُّفُوسُ لَمْ تَتَوَطَّنْ (¬4) عَلَى طَاعَةِ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا صَارَ لِعُمَرَ أَمْرٌ، فَكَيْفَ يَخَافُ مِنْ تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مَطِيعُوهُ، وَقَدْ تَمَرَّنُوا (¬5) عَلَى طَاعَتِهِ؟ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ لَقَدَّمَهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الدَّوْرَةِ (¬6) الْبَعِيدَةِ. ثُمَّ أَيُّ غَرَضٍ يَكُونُ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عُثْمَانَ دُونَ عَلِيٍّ؟ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ مِنْ أَسْبَابِ الصِّلَةِ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ، لَا مِنْ جِهَةِ الْقَبِيلَةِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْقَبِيلَةِ. ¬

(¬1) ن، م، ي: فِيهِ. (¬2) عُمَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ر، ن، ي: مُبَايَعَةً. (¬4) ن: تَسْتَوْطِنْ. (¬5) ن، م: وَقَدْ مُرِّنُوا. (¬6) ب: الدُّوَيْرَةِ.

وَعُمَرُ قَدْ أَخْرَجَ مِنَ الْأَمْرِ ابْنَهُ، وَلَمْ يُدْخِلْ فِي الْأَمْرِ ابْنَ عَمِّهِ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لِأَعْيَانِهِمْ بِالْجَنَّةِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ (¬1) . وَهُمْ (¬2) مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي عَدِيٍّ. وَلَا كَانَ يُوَلِّي مِنْ بَنِي عَدِيٍّ أَحَدًا، بَلْ وَلَّى رَجُلًا مِنْهُمْ ثُمَّ عَزَلَهُ. وَكَانَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَأَيُّ دَاعٍ يَدْعُوهُ إِلَى مُحَابَاةِ زَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو بِلَا غَرَضٍ يُحَصِّلُهُ (¬3) مِنَ الدُّنْيَا (¬4) ؟ فَمَنْ أَقْصَى عَشِيرَتَهُ، وَأَمَرَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يُوَفَّى إِلَّا مَنْ مَالِ أَقَارِبِهِ، ثُمَّ مِنْ مَالِ بَنِي عَدِيٍّ، ثُمَّ مِنْ مَالِ قُرَيْشٍ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ، وَلَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُ إِلَى عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يُقَدِّمَهُ؟ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لَا فِي أَهْلِهِ الَّذِينَ يَخْلُفُهُمْ وَلَا فِي دَيْنِهِ الَّذِي عَلَيْهِ؟ وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يُحَابِي مَنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ. فَمَنْ لَا يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ لَا إِلَى هَذَا وَلَا إِلَى هَذَا، فَأَيُّ دَاعٍ يَدْعُوهُ إِلَى ذَلِكَ؟ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ وَقْتٌ يُسْلِمُ فِيهِ الْكَافِرُ، وَيَتُوبُ فِيهِ الْفَاجِرُ. فَلَوْ عَلِمَ أَنَّ لِعَلِيٍّ حَقًّا دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَدِّمَهُ حِينَئِذٍ: إِمَّا تَوْبَةً إِلَى اللَّهِ، [وَإِمَّا تَخْفِيفًا لِلذَّنْبِ] (¬5) ، (6 فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَانِعٌ دُنْيَوِيٌّ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الدِّينُ، فَلَوْ كَانَ الدِّينُ يَقْتَضِي ذَلِكَ 6) (¬6) ¬

(¬1) سَبْقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/501 وَهُوَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَوَّلَهُ: عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ. (¬2) ي: وَهُوَ. (¬3) ح، ب: يَحْصُلُ. (¬4) عِنْدَ عِبَارَةِ " مِنَ الدُّنْيَا " تَنْتَهِي نُسْخَةُ (ي) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (ح) .

لَفَعَلَهُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَفْعَلُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَا فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا (¬1) ، بَلْ لَا يَفْعَلُ مَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا، وَيَتْرُكُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، مَعَ صِحَّةِ الْعَقْلِ [وَحُضُورِهِ] (¬2) وَطُولِ الْوَقْتِ. وَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّهُ كَانَ عَدُوًّا مُبْغِضًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَايَةَ الْبِغْضَةِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ نَالَ بِسَبَبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَالَهُ مِنَ السَّعَادَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَادِقٌ مُصَدَّقٌ (¬3) ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَذْكَى النَّاسِ، وَدَلَائِلُ النُّبُوَّةِ مِنْ أَظْهَرِ الْأُمُورِ، فَهُوَ يَعْلَمُ (¬4) أَنَّهُ إِنِ اسْتَمَرَّ عَلَى مُعَادَاتِهِ يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ وَقْتَ الْمَوْتِ غَرَضٌ فِي وِلَايَةِ عُثْمَانَ وَنَحْوِهِ، فَكَيْفَ يَصْرِفُ الْأَمْرَ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ؟ وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَخَافُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ رَجَعَ وَتَابَ، كَمَا خَافَ أَبُو طَالِبٍ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقْتَ الْمَوْتِ. فَيُقَالُ: قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ وِلَايَةَ عَلِيٍّ بِلَا إِظْهَارِ تَوْبَةٍ، فَإِنَّهُ لَوْ وَلَّى عَلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لَسَمِعَ النَّاسُ وَأَطَاعُوا، وَلَمْ يَنْتَطِحْ فِي ذَلِكَ عَنْزَانِ. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ مَظَالِمُ فَيُؤَدِّيهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ ظَالِمًا، فَيُوصِي وَقْتَ ¬

(¬1) ن، م: وَلَا فِي دُنْيَا. (¬2) وَحُضُورِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ح، ب: مَصْدُوقٌ. (¬4) ن، م: الْأُمُورِ فَعَلِمَ.

الْمَوْتِ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَلِفُلَانٍ بِكَذَا، وَيَجْعَلُهَا وَصِيَّةً، وَيَكُونُ إِمَّا مُعْتَقِدًا وَإِمَّا خَائِفًا أَنْ يَكُونَ حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لِعُمَرَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّ أَقَارِبَهُ صَرَفَ الْأَمْرَ عَنْهُمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا أَعْدَلُ وَأَتْقَى مِنْ أَنْ يَظْلِمَهُمْ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَنْتَقِمُ مِنَ الَّذِينَ [لَمْ] (¬1) يُبَايِعُوهُ أَوَّلًا، فَبَنُو عَدِيٍّ كَانُوا أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ (¬2) لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَلَا كَانُوا كَثِيرِينَ، وَهُمْ كُلُّهُمْ مُحِبُّونَ لِعَلِيٍّ مُعَظِّمُونَ لَهُ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا أَوْ يُبْغِضُهُ عَلِيٌّ، وَلَا قَتَلَ عَلِيٌّ مِنْهُمْ أَحَدًا لَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ. وَكَذَلِكَ بَنُو تَيْمٍ (¬3) كُلُّهُمْ يُحِبُّونَ عَلِيًّا [وَعَلِيٌّ يُحِبُّهُمْ] (¬4) ، وَلَمْ يَقْتُلْ عَلِيٌّ مِنْهُمْ أَحَدًا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ. وَيُقَالُ ثَانِيًا: عُمَرُ مَا زَالَ إِذَا رُوجِعَ رَجَعَ، وَمَا زَالَ يَعْتَرِفُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ (¬5) هَذَا تَوْبَةٌ. وَيَقُولُ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ، وَيُجَدِّدُ التَّوْبَةَ لَمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُتَابُ مِنْهُ. فَهَذَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ ذُو سُلْطَانٍ عَلَى الْأَرْضِ، فَكَيْفَ لَا يَفْعَلُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ؟ وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْتَالَ لِعَلِيٍّ بِحِيلَةٍ يَتَوَلَّى بِهَا، وَلَا يُظْهِرُ مَا بِهِ يُذَمُّ (¬6) ، كَمَا أَنَّهُ احْتَالَ لِعُثْمَانَ. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ كَانَ لِعَلِيٍّ دُونَ غَيْرِهِ، لَكَانَ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِي تَعْيِينِهِ تَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ. ¬

(¬1) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ر: فَإِنَّهُمْ، م: فَإِنْ. (¬3) ن: بُيُوتُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) وَعَلِيٌّ يُحِبُّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م، ر: وَإِنَّ. (¬6) ح، ر: نَدِمَ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُ عَلِمَ (¬1) أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى أَمْرٍ، كَذِبٌ [عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬2) . وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ نِزَاعٌ فِي حَيَاةِ عُمَرَ أَصْلًا، بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إِلَى صَاحِبِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَرْبَعَةِ إِلَيْهِمَا (¬3) ، [كِلَاهُمَا] (¬4) مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَمَا زَالَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ يَدًا وَاحِدَةً، حَتَّى أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَتَى عَلِيًّا عَقِبَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ، لِكَوْنِ عَلِيٍّ كَانَ ابْنَ عَمِّ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبُو سُفْيَانَ كَانَ (¬5) فِيهِ بَقَايَا مِنْ جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ، يَكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى عَلَى النَّاسِ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَكَذَلِكَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ كَانَ غَائِبًا، فَلَمَّا قَدِمَ تَكَلَّمَ مَعَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَقَالَ: أَرْضَيْتُمْ أَنْ يَخْرُجَ الْأَمْرُ عَنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ؟ وَكُلُّ مَنْ يَعْرِفُ الْأُمُورَ الْعَادِيَّةَ، وَيَعْرِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سِيرَةِ الْقَوْمِ، يَعْلَمُ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا فِي غَايَةِ الِاتِّفَاقِ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، حَتَّى أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ يَكْشِفُ الْخَبَرَ، وَرَآهُ الْعَبَّاسُ، أَخَذَهُ وَأَرْكَبَهُ خَلْفَهُ، وَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ أَنْ يُشَرِّفَهُ بِشَيْءٍ لَمَّا قَالَ لَهُ: إِنَّ ¬

(¬1) إِنَّهُ عَلِمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬3) إِلَيْهِمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: إِلَيْهِ. (¬4) كِلَاهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (م) .

أَبَا سُفْيَانَ [رَجُلٌ] (¬1) يُحِبُّ الشَّرَفَ (¬2) . وَكُلُّ هَذَا مِنْ مَحَبَّةِ الْعَبَّاسِ لِأَبِي سُفْيَانَ وَبَنِي أُمَيَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ. وَحَتَّى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ (¬3) مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُنَازَعَةٌ فِي حَدٍّ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ فِي مَوْكِبٍ فِيهِمْ مُعَاوِيَةُ لِيَقِفُوا عَلَى الْحَدِّ، فَابْتَدَرَ مُعَاوِيَةُ وَسَأَلَ عَنْ مَعْلَمٍ مِنْ مَعَالِمِ الْحَدِّ: هَلْ كَانَ هَذَا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ (¬4) . فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا ظُلْمًا لَغَيَّرَهُ عُمَرُ. فَانْتَصَرَ مُعَاوِيَةُ لِعَلِيٍّ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ حَاضِرًا، بَلْ كَانَ قَدْ وَكَّلَ ابْنَ جَعْفَرٍ. وَكَانَ [عَلِيٌّ] (¬5) يَقُولُ: " إِنَّ لِلْخُصُومَاتِ قُحَمًا (¬6) ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا " وَكَانَ قَدْ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَنْهُ فِي الْمُحَاكَمَةِ. وَبِهَذَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الْخُصُومَةِ بِدُونِ اخْتِيَارِ الْخَصْمِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَ [أَصْحَابِ] أَحْمَدَ (¬7) وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ؟ ¬

(¬1) رَجُلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) سَبْقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا مَضَى 5/434 وَهُوَ كَلَامٌ ذَكَرَهُ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ. (¬3) آخَرَ زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬4) ح: فَقَالُوا لَا نَعْلَمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَالْقُحَمُ: الْأُمُورُ الْعِظَامُ الَّتِي لَا يَرْكَبُهَا كُلُّ أَحَدٍ وَلِلْخُصُومَةِ قُحَمٌ، أَيْ: أَنَّهَا تُقْحِمُ بِصَاحِبِهَا عَلَى مَا لَا يُرِيدُهُ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنَّهُ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ بِالْخُصُومَةِ، وَقَالَ: إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا، وَهِيَ الْأُمُورُ الْعِظَامُ الشَّاقَّةُ، وَاحِدَتُهَا قُحْمَةٌ. (¬7) ن، م: الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.

فَعَلَ لِأَجَلِ الْمَنَافِيَّةِ. أَيْ لِأَجْلِ أَنَّا جَمِيعًا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَكَانَتْ قَدْ وَقَعَتْ حُكُومَةٌ شَاوَرَنِي فِيهَا بَعْضُ قُضَاةِ الْقُضَاةِ، وَأَحْضَرَ لِي كِتَابًا فِيهِ هَذِهِ الْحُكُومَةُ، وَلَمْ يَعْرِفُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ: لَفْظَةَ " الْمَنَافِيَّةِ " فَبَيَّنْتُهَا لَهُمْ وَفَسَّرْتُ لَهُمْ مَعْنَاهَا. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ كَانُوا مُتَّفِقِينَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمَّا تَفَرَّقُوا فِي الْإِمَارَةِ. كَمَا أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَعَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَإِنَّمَا حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ لَمَّا وَلِيَ بَنُو الْعَبَّاسِ، وَصَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَعْضِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ (¬1) فُرْقَةٌ وَاخْتِلَافٌ. وَهَكَذَا عَادَةُ النَّاسِ، يَكُونُ الْقَوْمُ مُتَّفِقِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ مَا يَتَنَازَعُونَ عَلَيْهِ مِنْ جَاهٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ خَصْمٌ كَانُوا جَمِيعًا إِلْبًا (¬2) وَاحِدًا عَلَيْهِ، فَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِمْ تَنَازَعُوا وَاخْتَلَفُوا. فَكَانَ بَنُو هَاشِمٍ مِنْ آلِ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ الْأُمَوِيَّةِ مُتَّفِقِينَ لَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ، وَلَمَّا خَرَجَ مَنْ يَدْعُو إِلَيْهِمْ صَارَ يَدْعُو إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَلَا يُعِيِّنُهُ، وَكَانَتِ الْعَلَوِيَّةُ تَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ (¬3) فِيهِمْ، وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي بَنِي الْعَبَّاسِ، فَلَمَّا أَزَالُوا (¬4) الدَّوْلَةَ الْأُمَوِيَّةَ، وَصَارَتِ الدَّوْلَةُ هَاشِمِيَّةً، وَبَنَى السَّفَّاحُ مَدِينَةً ¬

(¬1) ن، م: وَصَارَ بَيْنَ بَعْضِهِمْ وَبَيْنَ بَعْضِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ، (ر) : وَصَارَ بَيْنَهُمْ وَبَعْضِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ. (¬2) فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: وَهُمْ إِلْبٌ وَاحِدٌ، أَيْ: جَمْعٌ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَالْفَتْحُ لُغَةً. (¬3) ب: أَنْ يَكُونَ. (¬4) ن: فَلَمَّا زَالَتْ.

سَمَّاهَا الْهَاشِمِيَّةَ، ثُمَّ (¬1) تَوَلَّى الْمَنْصُورُ، وَقَعَ (¬2) نِزَاعٌ بَيْنَ الْهَاشِمِيِّينَ، فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ عَلَى الْمَنْصُورِ، وَسَيَّرَ الْمَنْصُورُ إِلَيْهِمَا مَنْ يُقَاتِلُهُمَا، وَكَانَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ قُتِلَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ. ثُمَّ إِنَّ الْعَبَّاسِيِّينَ وَقَعَ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ، كَمَا وَقَعَ بَيْنَ الْأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ أُمُورٌ أُخَرُ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ [وَنَحْوُهَا مِنَ الْأُمُورِ] (¬3) الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ (¬4) . [ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا جَمِيعًا (¬5) اتَّفَقَا عَلَى تَفْوِيضِ الْأَمْرِ (¬6) إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْرَهَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ] (¬7) . وَقَوْلُهُ: " إِنَّ عُمَرَ عَلِمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا يَعْدِلُ الْأَمْرَ عَنْ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ ". فَهَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ عَلَى عُمَرَ وَعَلَى أَنْسَابِهِمْ؛ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْسَ أَخًا لِعُثْمَانَ وَلَا ابْنَ عَمِّهِ وَلَا مِنْ قَبِيلَتِهِ أَصْلًا، بَلْ هَذَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَهَذَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ. [وَبَنُو] زُهْرَةَ (¬8) إِلَى بَنِي هَاشِمٍ أَكْثَرُ مَيْلًا مِنْهُمْ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّ [بَنِي] زُهْرَةَ (¬9) أَخْوَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ¬

(¬1) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) . (¬2) ر: وَوَقَعَ. (¬3) وَنَحْوُهَا مِنَ الْأُمُورِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَسَقَطَتْ " وَنَحْوُهَا " مِنْ (ح) ، (ر) . (¬4) م، ح، ر: الْعَادَاتُ. (¬5) جَمِيعًا: زِيَادَةٌ فِي ح، ر. (¬6) ر: تَفْوِيضِ الِاخْتِيَارِ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م، ر: وَزُهْرَةَ. (¬9) ن، م، ر: فَإِنَّ زُهْرَةَ.

عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي (¬1) امْرُؤٌ خَالَهُ» " (¬2) . وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مُؤَاخَاةٌ وَلَا مُخَالَطَةٌ (¬3) ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَاخِ بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ وَمُهَاجِرِيٍّ (¬4) ، وَلَا بَيْنَ أَنْصَارِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ، وَإِنَّمَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَآخَى بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَحَدِيثُهُ مَشْهُورٌ ثَابِتٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ (¬5) ، وَلَمْ يُؤَاخِ قَطُّ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ. ¬

(¬1) ن، م: فَلْيُرِنِي، كَذَا فِي (ن) ، (م) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَلْيُكْرِمْنَ. (¬2) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/313 كِتَابُ مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي إِسْحَاقَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ، وَكَانَ سَعْدُ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَتْ أَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، لِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَالِي. (¬3) ن، م: وَلَا مُخَالَفَةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ر: بَيْنَ مُهَاجِرٍ وَمُهَاجِرٍ. (¬5) رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا 5/69 كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَنَصُّهُ: وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. بَيْنَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي نَفْسِ الْبَابِ وَنَفْسِ الصَّفْحَةِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ. الْحَدِيثَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ، انْظُرْ طَبْعَةَ الدُّكْتُورِ أَلْبَغَا الْأَرْقَامُ: 1943، 1944، 2171، 3570، 3721، 3722، 4853، 4858، 4860، 4872، 5732، 6023، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/220 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي مُوَاسَاةِ الْأَخِ) ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/190، 204 - 205، 271

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ إِنْ تَأَخَّرُوا عَنِ الْبَيْعَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ". فَيُقَالُ: أَوَّلًا: مَنْ قَالَ إِنَّ هَذَا الصَّحِيحُ؟ وَأَيْنَ النَّقْلُ الثَّابِتُ بِهَذَا؟ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ أَمَرَ الْأَنْصَارَ [أَنْ] (¬1) أَنْ لَا يُفَارِقُوهُمْ حَتَّى يُبَايِعُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ. ثُمَّ يُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ عَلَى عُمَرَ، وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِسْنَادٍ يُعْرَفُ، وَلَا أَمَرَ عُمَرُ قَطُّ بِقَتْلِ السِّتَّةِ الَّذِينَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ خِيَارُ الْأُمَّةِ. وَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِمْ، وَإِذَا قُتِلُوا كَانَ الْأَمْرُ [بَعْدَ قَتْلِهِمْ] (¬2) أَشَدَّ فَسَادًا؟ ثُمَّ لَوْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ لَقَالَ وَلُّوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْأَمْرِ، وَلَا يُوَلِّي بَعْدَهُمْ أَحَدًا؟ وَأَيْضًا فَمَنِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ، وَالْأُمَّةُ كُلُّهَا مُطِيعَةٌ لَهُمْ، وَالْعَسَاكِرُ وَالْجُنُودُ مَعَهُمْ؟ وَلَوْ أَرَادَتِ الْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ قَتْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ الْأَنْصَارَ مِنْ ذَلِكَ. فَكَيْفَ يَأْمُرُ طَائِفَةً قَلِيلَةً مِنَ الْأَنْصَارِ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ [جَمِيعًا] (¬3) ؟ وَلَوْ قَالَ هَذَا عُمَرُ فَكَيْفَ كَانَ يَسْكُتُ هَؤُلَاءِ السِّتَّةُ، وَيُمَكِّنُونَ الْأَنْصَارَ مِنْهُمْ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَنْ يَنْصُرُهُمْ؟ وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ السِّتَّةَ لَمْ يَتَوَلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لَمْ يَجِبْ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ [بِذَلِكَ] (¬4) بَلْ تَوَلَّى (¬5) غَيْرُهُمْ. وَهَذَا [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ عُمَرَ (¬6) كَانَ دَائِمًا ¬

(¬1) أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) بَعْدَ قَتْلِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) جَمِيعًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ب: بَلْ يُوَلِّي، ن: بَلْ وَلَّى. (¬6) ن، م: وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ.

تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْوِلَايَاتُ، فَلَا يَتَوَلَّى، وَمَا قَتَلَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ عُيِّنَ لِلْخِلَافَةِ يَوْمَ الْحَكَمَيْنِ [فَتَغَيَّبَ عَنْهُ] (¬1) وَمَا آذَاهُ أَحَدٌ قَطُّ، وَمَا سُمِعَ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا امْتَنَعَ مِنَ الْوِلَايَةِ فَقُتِلَ عَلَى ذَلِكَ. فَهَذَا مِنِ اخْتِلَاقِ مُفْتَرٍ [لَا يَدْرِي] مَا يَكْتُبُ (¬2) لَا شَرْعًا وَلَا عَادَةً. ثُمَّ نَقُولُ جَوَابًا مُرَكَّبًا: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَمَرَ بِهَذَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَمَرَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَ إِنْكَارُهُ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَيْسَ كَوْنُ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ كَوْنُهُ وَلِيًّا لِلَّهِ مِمَّا يَمْنَعُ قَتْلَهُ إِذَا اقْتَضَى الشَّرْعُ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ، وَقَالَ: " «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ. وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ» " (¬3) فَهَذِهِ يَشْهَدُ لَهَا الرَّسُولُ بِذَلِكَ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْحَدُّ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهَا أَمَرَ بِرَجْمِهَا. وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ قِصَاصٌ، وَكَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَتَابَ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ تَوْبَةً نَصُوحًا، لَوَجَبَ أَنْ يُمَكَّنَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ مِنْهُ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ، وَيَكُونُ قَتْلُهُ كَفَّارَةً لَهُ. ¬

(¬1) فَتَغَيَّبَ عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ح) ، (ر) فَغَيَّبَ غَيْبَةً. (¬2) ن، م: اخْتِلَافِ مُفْتَرٍ بِمَا يَكْذِبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 3/1323، 1324 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَنِ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي. وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/212 - 213 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهَا مِنْ جُهَيْنَةَ) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/179 - 180 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الْحَامِلِ إِذَا اعْتَرَفَ بِالزِّنَا) ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/348

وَالتَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ إِذَا لَمْ تَحْصُلِ الْمَصْلَحَةُ بِدُونِهِ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ (¬1) ، كَقَتْلِ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ، لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ (¬2) قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: [يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَالثَّانِي:] (¬3) لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» " (¬4) وَقَالَ فِي «شَارِبِ الْخَمْرِ: " إِنْ شَرِبَهَا (¬5) فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» " (¬6) . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحُكْمِ: هَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَمْ لَا؟ فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِقَتْلِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ السَّائِغِ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فِي الْجَنَّةِ، وَلَمْ يَقْدَحْ لَا فِي عَدْلِ هَذَا، وَلَا فِي دُخُولِ هَذَا الْجَنَّةَ. فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ ثُمَّ مِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَ عُمَرُ بِقَتْلِهِمْ، بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ، يَسْتَحِقُّونَ الْقَتْلَ إِلَّا عَلِيًّا. فَإِنْ كَانَ عُمَرُ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَلِمَاذَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ يُحَابِيهِمْ فِي الْوِلَايَةِ وَيَأْمُرُ ¬

(¬1) ح، ر: مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ. (¬2) ر: فِيهَا، ح: فِيهِمَا. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564 (¬5) ن، م: إِنْ شَرِبَ. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 39 - 40

بِقَتْلِهِمْ؟ فَهَذَا جَمَعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: كَانَ مَقْصُودُهُ قَتْلَ عَلِيٍّ. قِيلَ: لَوْ بَايَعُوا إِلَّا عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَضُرُّ الْوِلَايَةَ، فَإِنَّمَا يَقْتُلُ مَنْ يَخَافُ. وَقَدْ تَخَلَّفَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ يَضْرِبُوهُ وَلَمْ يَحْبِسُوهُ، فَضْلًا عَنِ الْقَتْلِ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا وَبَنِي هَاشِمٍ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يَقُولُ (¬1) : إِنَّهُمْ لَمْ يَضْرِبُوا أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا أَكْرَهُوهُ عَلَى الْبَيْعَةِ. فَإِذَا لَمْ يُكْرَهْ أَحَدٌ عَلَى مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ مُتَعَيَّنَةٌ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ النَّاسِ عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ، وَهِيَ عِنْدَهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنَةٍ؟ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مُدَّةَ خِلَافَتِهِمَا مَا زَالَا [مُكْرِمَيْنِ] (¬2) غَايَةَ الْإِكْرَامِ لِعَلِيٍّ وَسَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ يُقَدِّمُونَهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَيَقُولُ [أَبُو بَكْرٍ] (¬3) : أَيُّهَا النَّاسُ ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ (¬4) بَيْتِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ يَذْهَبُ وَحْدَهُ إِلَى بَيْتِ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ بَنُو هَاشِمٍ، فَيَذْكُرُ لَهُمْ (¬5) فَضْلَهُمْ، وَيَذْكُرُونَ لَهُ فَضْلَهُ، وَيَعْتَرِفُونَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْخِلَافَةَ، وَيَعْتَذِرُونَ مِنَ التَّأَخُّرِ، وَيُبَايِعُونَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ وَحْدَهُ. وَالْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ بِمَا كَانَ بَيْنَ الْقَوْمِ (¬6) مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالِائْتِلَافِ تُوجِبُ كَذِبَ مَنْ نَقَلَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. ¬

(¬1) ح، ب: يَقُولُونَ. (¬2) مُكْرِمَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) أَبُو بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ن، م، ر: فِي آلِ. (¬5) ح: فَيُذَكِّرُهُمْ. (¬6) ن، م: بَيْنَ النَّاسِ.

وَلَوْ أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ [فِي وِلَايَتِهِمَا] (¬1) إِيذَاءَ عَلِيٍّ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، لَكَانَا أَقْدَرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ظَلَمُوهُ فِي حَالٍ كَانَ فِيهَا أَقْدَرَ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَنْعِهِمَا مِنْ ظُلْمِهِ، وَكَانَا أَعْجَزَ عَنْ ظُلْمِهِ لَوْ أَرَادَا ذَلِكَ (¬2) ، فَهَلَّا ظَلَمَاهُ بَعْدَ قُوَّتِهِمَا وَمُطَاوَعَةِ النَّاسِ لَهُمَا إِنْ كَانَا مُرِيدَيْنِ لِظُلْمِهِ؟ وَمِنَ الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى وِلَايَةً، وَهُنَاكَ مَنْ هُوَ مُرَشَّحٌ لَهَا يَخَافُ أَنْ يُنَازِعَهُ (¬3) ، أَنَّهُ لَا يَقَرُّ حَتَّى يَدْفَعَهُ عَنْ ذَلِكَ: إِمَّا بِحَبْسٍ، وَإِمَّا بِقَتْلٍ (¬4) سِرًّا أَوْ عَلَانِيَةً (¬5) ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ. فَإِذَا كَانَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا ظَالِمَانِ لَهُ، وَهُوَ مَظْلُومٌ يَعْرِفُ أَنَّهُ مَظْلُومٌ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِلْوِلَايَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَخَافَا مِنْهُ. فَكَانَ يَنْبَغِي لَوْ كَانَ هَذَا حَقًّا أَنْ يَسْعَيَا فِي قَتْلِهِ أَوْ حَبْسِهِ وَلَوْ بِالْحِيلَةِ. وَهَذَا لَوْ أَرَادَاهُ (¬6) لَكَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمَا مِنْ مَنْعِهِ ابْتِدَاءً مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَلَوْ أَرَادَا تَأْمِيرَهُ عَلَى بَعْضِ الْجُيُوشِ، وَأَوْصَيَا (¬7) بَعْضَ أَهْلِ الْجُيُوشِ (¬8) أَنْ يَقْتُلَهُ ¬

(¬1) فِي وِلَايَتِهِمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: وَكَانُوا أَعْجَزَ عَنْ ظُلْمِهِ لَوْ أَرَادُوا ذَلِكَ. (¬3) ن، م، ر: أَنْ يَنْزِعَهُ. (¬4) بِقَتْلٍ: كَذَا فِي (م) ، (ب) ، وَفِي (ن) ، (ح) ، (ر) : بِقَيْدٍ. (¬5) ن، م: سِرًّا وَعَلَانِيَةً. (¬6) ن: لَوْ أَرَادَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن: وَأَوْصَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن، ر: الْجَيْشِ.

وَيَسُمَّهُ، كَانَ هَذَا مُمْكِنًا. فَفِي الْجُمْلَةِ دَفْعُ الْمُتَوَلِّي لِمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُنَازِعُهُ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُ، أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَذَلِكَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ إِهَانَةٍ وَإِيذَاءٍ وَحَبْسٍ وَقَتْلٍ وَإِبْعَادٍ. وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَا زَالَا مُكْرِمَيْنِ لَهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، مُقَدِّمَيْنِ لَهُ، [بَلْ] (¬1) وَلِسَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الْعَطَاءِ، مُقَدِّمَيْنِ لَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْحُرْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَالَاةِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، كَمَا يَفْعَلَانِ بِنُظَرَائِهِ، وَيُفَضِّلَانِهِ بِمَا فَضَّلَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُمْ (¬2) كَلِمَةُ سُوءٍ فِي عَلِيٍّ قَطُّ، [بَلْ] (¬3) وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُعَادَاةَ الَّتِي فِي الْقَلْبِ تُوجِبُ إِرَادَةَ الْأَذَى لِمَنْ يُعَادَى. فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَادِرًا، اجْتَمَعَتِ الْقُدْرَةُ مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ. فَلَوْ كَانَا مُرِيدَيْنِ بِعَلِيٍّ سُوءًا، لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ ظُهُورَهُ لِقُدْرَتِهِمَا. فَكَيْفَ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا إِلَّا الْمَحَبَّةُ وَالْمُوَالَاةُ؟ ! وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ مِنْ مَحَبَّتِهِمَا وَمُوَالَاتِهِمَا وَتَعْظِيمِهِمَا وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَّةِ (¬4) ، مَا يُعْلَمُ بِهِ حَالُهُ فِي ذَلِكَ. وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ قَطُّ كَلِمَةُ سُوءٍ فِي حَقِّهِمَا، وَلَا أَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمَا. وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ (¬5) الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ الْمُتَوَاتِرَةَ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَالْمَنْقُولَةَ بِأَخْبَارِ الثِّقَاتِ. ¬

(¬1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن: مِنْهُمْ (¬3) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ر: الْأَئِمَّةِ. (¬5) ن، م: يَعْرِفُ.

الرد على قول الرافضي أن عمر رضي الله عنه أمر بقتل من خالف الأربعة ثم الثلاثة

وَأَمَّا مَنْ رَجَعَ إِلَى مَا يَنْقُلُهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالْمَنْقُولَاتِ، وَأَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ أُمُورِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِافْتِرَاءِ الْكَذِبِ الْكَثِيرِ، الَّذِي لَا يَرُوجُ إِلَّا عَلَى الْبَهَائِمِ، وَيَرُوجُ كَذِبُهُ عَلَى قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ الْإِسْلَامَ: إِمَّا قَوْمٌ سُكَّانُ الْبَوَادِي، أَوْ رُءُوسِ الْجِبَالِ، أَوْ بَلَدٌ أَهْلُهُ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عِلْمًا وَأَكْثَرِهِمْ كَذِبًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَضِلُّ. وَهَكَذَا الرَّافِضَةُ لَا يُتَصَوَّرُ قَطُّ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ يَرُوجُ عَلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ، فِيهَا أَهْلُ عِلْمٍ وَدِينٍ. وَإِنَّمَا يَرُوجُ عَلَى جُهَّالٍ [سَكَنُوا الْبَوَادِيَ وَالْجِبَالَ] (¬1) أَوْ عَلَى مَحِلَّةٍ فِي مَدِينَةٍ أَوْ بُلَيْدَةٍ، أَوْ طَائِفَةٍ يُظْهِرُونَ لِلنَّاسِ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ، حَتَّى أَنَّ الْقَاهِرَةَ لَمَّا كَانَتْ مَعَ الْعُبَيْدِيِّينَ، وَكَانُوا يُظْهِرُونَ التَّشَيُّعَ، لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى مَنَعُوا مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْ إِظْهَارِ عِلْمِهِمْ. وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا خَائِفِينَ مِنْ سَائِرِ مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ، يُقَدَّمُ عَلَيْهِمُ الْغَرِيبُ مِنَ الْبَلَدِ الْبَعِيدِ (¬2) ، فَيَكْتُمُونَ عَنْهُ قَوْلَهُمْ، وَيُدَاهِنُونَهُ وَيَتَّقُونَهُ، كَمَا يُخَافُ الْمَلِكُ الْمُطَاعُ، وَهَذَا لِأَنَّهُمْ أَهْلُ فِرْيَةٍ وَكَذِبٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 152] قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: هِيَ لِكُلِّ مُفْتَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. [الرد على قول الرافضي أن عمر رضي الله عنه أمر بقتل من خالف الأربعة ثم الثلاثة] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ [الْأَرْبَعَةَ وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ] (¬3) الثَّلَاثَةَ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ". ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ب فَقَطْ: مِنَ الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

فَيُقَالُ: هَذَا (¬1) مِنَ الْكَذِبِ الْمُفْتَرَى. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عُمَرُ [قَدْ] (¬2) خَالَفَ الدِّينَ، بَلْ يَكُونُ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ يَقْصِدُ الْفِتْنَةَ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» " (¬3) . وَالْمَعْرُوفُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ بِبَيْعَةٍ بِلَا مُشَاوَرَةٍ لِأَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَأَمَّا قَتْلُ الْوَاحِدِ الْمُتَخَلِّفِ عَنِ الْبَيْعَةِ إِذَا لَمْ تَقُمْ فِتْنَةٌ، فَلَمْ يَأْمُرْ عُمَرُ بِقَتْلِ [مِثْلِ] (¬4) هَذَا، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ مِثْلِ هَذَا. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ الْإِشَارَةِ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَمِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى تَرْكِ وِلَايَةِ عَلِيٍّ، كَذِبٌ بَيِّنٌ عَلَى عُمَرَ. فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لَئِنْ فَعَلْتَ لَيَقْتُلَنَّكَ [النَّاسُ] (¬5) " إِخْبَارٌ عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ لَهُمْ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " لَا يُوَلُّونَهُ إِيَّاهَا ". إِخْبَارٌ عَمَّا سَيَقَعُ، لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ لَهُمْ عَنِ الْوِلَايَةِ. مَعَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِهَذَا السِّيَاقِ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ عُمَرَ. بَلْ هُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ. [وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ] (¬6) . ¬

(¬1) ن، م: فَهَذَا. (¬2) قَدْ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564 (¬4) مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) سَقَطَتْ كَلِمَةُ (النَّاسُ) مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (ن) لَقَتَلْنَكَ وَفِي (م) : لَقَتَلَتْكَ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬6) وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ر) ، (ب) .

فصل كلام الرافضي على عثمان رضي الله عنه

[فصل كلام الرافضي على عثمان رضي الله عنه] [الأمور التي أنكرها الرافضي على عثمان رضي الله عنه] فَصْلٌ (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَأَمَّا عُثْمَانُ فَإِنَّهُ وَلَّى أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْوِلَايَةِ، حَتَّى ظَهَرَ مِنْ بَعْضِهِمُ الْفُسُوقُ (¬3) ، وَمِنْ بَعْضِهِمُ الْخِيَانَةُ، وَقَسَّمَ الْوِلَايَاتِ بَيْنَ أَقَارِبِهِ، وَعُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا فَلَمْ يَرْجِعْ، وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ سَكْرَانُ. وَاسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ عَلَى الْكُوفَةِ، وَظَهَرَ مِنْهُ مَا أَدَّى إِلَى أَنْ أَخْرَجَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْهَا. وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ (¬4) مِصْرَ حَتَّى تَظَلَّمَ مِنْهُ أَهْلُهَا، وَكَاتَبَهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى وِلَايَتِهِ سِرًّا، خِلَافَ مَا كَتَبَ إِلَيْهِ جَهْرًا، وَأَمَرَ (¬5) بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ الشَّامَ، فَأَحْدَثَ مِنَ الْفِتَنِ مَا أَحْدَثَ. وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ (¬6) الْبَصْرَةَ (¬7) ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬2) فِي (ك) ص 140 (م) 141 (م) . (¬3) ن، م، ر: الْفِسْقُ. (¬4) ك: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَرْحٍ. (¬5) ك: وَأَمَرَهُ. (¬6) ب فَقَطْ: عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ الْأُمَوِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِيَ الْبَصْرَةَ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ سَنَةَ 29 هـ وُلِدَ بِمَكَّةَ سَنَةَ 4 هـ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ 59، وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، انْظُرِ الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ: 3/206، الْإِصَابَةَ 2/320 - 321، الْأَعْلَامَ 4/228 (¬7) ك: الْعِرَاقَ.

فَفَعَلَ مِنَ الْمَنَاكِيرِ (¬1) مَا فَعَلَ. وَوَلَّى مَرْوَانَ أَمْرَهُ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ مَقَالِيدَ أُمُورِهِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ خَاتَمَهُ، فَحَدَثَ مِنْ ذَلِكَ قَتْلُ عُثْمَانَ، وَحَدَثَ مِنَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ مَا حَدَثَ. وَكَانَ يُؤْثِرُ أَهْلَهُ بِالْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (¬2) ، حَتَّى أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ - زَوَّجَهُمْ بَنَاتِهِ - أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَدَفَعَ إِلَى مَرْوَانَ أَلْفَ [أَلْفَ] دِينَارٍ (¬3) . وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَطْعَنُ عَلَيْهِ وَيُكَفِّرُهُ، وَلَمَّا حَكَمَ ضَرَبَهُ حَتَّى مَاتَ. وَضَرَبَ عَمَّارًا حَتَّى صَارَ بِهِ فَتْقٌ. وَقَدْ قَالَ فِيهِ (¬4) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَمَّارٌ جِلْدَةٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ (¬5) تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَكَانَ عَمَّارٌ يَطْعَنُ عَلَيْهِ. وَطَرَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ عَمَّ عُثْمَانَ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ مَرْوَانُ، فَلَمْ يَزَلْ هُوَ - وَابْنُهُ - طَرِيدًا (¬6) فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ آوَاهُ وَرَدَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَعَلَ مَرْوَانَ كَاتِبَهُ وَصَاحِبَ تَدْبِيرِهِ. مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 22] . ¬

(¬1) ك: الْمَنَاكِرِ. (¬2) ك: مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. (¬3) ن، م: أَلْفَ دِينَارٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) فِيهِ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) ب فَقَطْ: جِلْدَةُ مَا بَيْنَ عَيْنَيَّ. (¬6) ك: فَلَمْ يَزَلْ طَرِيدًا هُوَ وَابْنُهُ، ح: فَلَمْ يَزَلْ هُوَ وَابْنُهُ طَرِيدَانِ، ب: فَلَمْ يَزَلْ هُوَ وَابْنُهُ طَرِيدَيْنِ.

وَنَفَى أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَقِّهِ: «مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى (¬1) ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ» . وَقَالَ (¬2) : «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنَّهُ يُحِبُّ أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِي وَأَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ. فَقِيلَ (¬3) : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: سَيِّدُهُمْ عَلِيٌّ وَسَلْمَانُ وَالْمِقْدَادُ (¬4) وَأَبُو ذَرٍّ» . وَضَيَّعَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يُقْتَلْ (¬5) عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حِينَ قَتَلَ الْهُرْمُزَانَ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (¬6) بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَطْلُبُ عُبَيْدَ اللَّهِ لِإِقَامَةِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ، فَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ. وَأَرَادَ أَنْ يُعَطِّلَ حَدَّ الشُّرْبِ (¬7) فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ (¬8) حَتَّى حَدَّهُ (¬9) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ: لَا يَبْطُلُ حَدُّ اللَّهِ (¬10) وَأَنَا حَاضِرٌ. وَزَادَ الْأَذَانَ الثَّانِيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ، وَصَارَ (¬11) سُنَّةً ¬

(¬1) ب: مَنْ. (¬2) ك: وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬3) ك: وَأَمَرَنِي بِهِمْ، قِيلَ لَهُ. (¬4) ك: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيِّدُهُمْ وَسَلْمَانُ وَمِقْدَادٌ. (¬5) ك: فَلَمْ يَحُدَّ. (¬6) ك: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬7) ن: حَدَّ الشَّرَابِ، ك: حَدَّ الضَّرْبِ. (¬8) ك: الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ح، ر: حَتَّى جَلَدَهُ. (¬10) ن، م: لَا تَبْطُلُ حُدُودُ اللَّهِ، ر: لَا تُبْطِلُ حَدَّ اللَّهِ، ب: لَا يُعَطَّلُ حَدُّ اللَّهِ. (¬11) ح، ر: بِدْعَةٌ صَارَ.

إِلَى الْآنِ. وَخَالَفَهُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ حَتَّى قُتِلَ، وَعَابُوا أَفْعَالَهُ، وَقَالُوا لَهُ: غِبْتَ عَنْ بَدْرٍ، وَهَرَبْتَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ تَشْهَدْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ. وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ (¬1) أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ نُوَّابُ عَلِيٍّ خَانُوهُ وَعَصَوْهُ أَكْثَرَ مِمَّا خَانَ عُمَّالُ عُثْمَانَ لَهُ وَعَصَوْهُ. وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ كُتُبًا فِيمَنْ وَلَّاهُ (¬2) عَلِيٌّ فَأَخَذَ الْمَالَ وَخَانَهُ، وَفِيمَنْ تَرَكَهُ وَذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ. وَقَدْ وَلَّى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَبَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ قَاتِلَ الْحُسَيْنِ، وَوَلَّى الْأَشْتَرَ النَّخَعِيَّ، وَوَلَّى مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَأَمْثَالَ هَؤُلَاءِ. وَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ خَيْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الشِّيعَةَ يُنْكِرُونَ عَلَى عُثْمَانَ مَا يَدَّعُونَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَبْلَغَ فِيهِ مِنْ عُثْمَانَ. فَيَقُولُونَ: إِنَّ عُثْمَانَ وَلَّى أَقَارِبَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلِيًّا وَلَّى أَقَارِبَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، كَعَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيِ الْعَبَّاسِ. فَوَلَّى عُبَيْدَ اللَّهِ [بْنَ عَبَّاسٍ] (¬3) عَلَى الْيَمَنِ، وَوَلَّى عَلَى مَكَّةَ وَالطَّائِفِ قُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ. وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَقِيلَ: إِنَّهُ وَلَّى عَلَيْهَا سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ. وَقِيلَ: ثُمَامَةَ بْنَ الْعَبَّاسِ. وَأَمَّا الْبَصْرَةُ فَوَلَّى عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ. وَوَلَّى عَلَى مِصْرَ رَبِيبَهُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي رَبَّاهُ فِي حِجْرِهِ. ثُمَّ إِنَّ الْإِمَامِيَّةَ تَدَّعِي أَنَّ عَلِيًّا نَصَّ عَلَى أَوْلَادِهِ فِي الْخِلَافَةِ، أَوْ عَلَى ¬

(¬1) ك: بِذَلِكَ. (¬2) ح، ر، ب: وَلَّى. (¬3) بْنَ عَبَّاسٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَلَدِهِ، وَوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِهِ الْآخَرِ، وَهَلُمَّ جَرًّا. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ تَوْلِيَةُ الْأَقْرَبِينَ مُنْكَرًا، فَتَوْلِيَةُ الْخِلَافَةِ الْعُظْمَى أَعْظَمُ مِنْ إِمَارَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ (¬1) ، وَتَوْلِيَةُ الْأَوْلَادِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِنْكَارِ مِنْ تَوْلِيَةِ بَنِي الْعَمِّ. وَلِهَذَا كَانَ الْوَكِيلُ وَالْوَلِيُّ الَّذِي لَا يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ لَا يَشْتَرِي لِابْنِهِ [أَيْضًا] (¬2) فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَالَّذِي دَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ لِيُعْطِيَهُ لِمَنْ يَشَاءُ (¬3) لَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا يُعْطِيهُ لِوَلَدِهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي الْخِلَافَةِ: هَلْ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُوصِيَ بِهَا لِوَلَدِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالشَّهَادَةُ لِابْنِهِ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ لِبَنِي عَمِّهِ. وَهَكَذَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» " (¬4) . وَقَالَ: " «لَيْسَ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ» ". (¬5) ¬

(¬1) ن، م: مِنْ تُوَلِّيهِ إِمْرَةَ بَعْضِ الْعُمَّالِ، ر: أَعْظَمُ مِنْ إِمْرَةِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ. (¬2) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ح، ب: لِمَنْ شَاءَ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/769 (كِتَابُ التِّجَارَاتِ، بَابُ مَا لِلرَّجُلِ مِنْ مَالٍ وَلَدِهِ) وَجَاءَ فِي التَّعْلِيقِ: فِي الزَّوَائِدِ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَأَوْرَدَ الْهَيْثَمِيُّ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي بَابِ مَالِ الْوَلَدِ 4/154 - 155 مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنِ الْحَدِيثِ: إِنَّ ابْنَ مَاجَهْ رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ، وَإِنَّ الطَّبَرَانِيَّ رَوَاهُ عَنْ سَمُرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، 2/25 وَتَكَلَّمْ كَلَامًا مُفَصَّلًا عَلَى طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 3/323 - 330 رَقْمَ 838 (¬5) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/394 - 395 (كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ، بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) وَنَصُّهُ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ، فِيمَا يُعْطِي لِوَلَدِهِ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ. وَالْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/299 (كِتَابُ الْوَلَاءِ وَالْهِبَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/222 - 223 (كِتَابُ الْهِبَةِ، بَابُ رُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) ، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامِ 2119، 4810، 5493 وَصَحَّحَ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَدِيثَ.

الرد على قولهم أن عليا رضي الله عنه فعل ذلك بالنص وبيان غلو الرافضة في علي والأئمة

[الرد على قولهم أن عليا رضي الله عنه فعل ذلك بالنص وبيان غلو الرافضة في علي والأئمة] فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ. قِيلَ (¬1) : أَوَّلًا: نَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّ عَلِيًّا خَلِيفَةٌ رَاشِدٌ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ. لَكِنْ قَبْلَ أَنْ نَعْلَمَ حُجَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا فَعَلَ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ تَطَرُّقَ الظُّنُونِ وَالتُّهَمِ إِلَى مَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ أَعْظَمُ مِنْ تَطَرُّقِ التُّهَمِ وَالظُّنُونِ إِلَى مَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: لِعَلِيٍّ حُجَّةٌ فِيمَا فَعَلَهُ (¬2) . قِيلَ لَهُ: وَحَجَّةُ عُثْمَانَ فِيمَا فَعَلَهُ أَعْظَمُ. وَإِذَا ادُّعِيَ لِعَلِيٍّ الْعِصْمَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَقْطَعُ عَنْهُ أَلْسِنَةَ الطَّاعِنِينَ، كَانَ مَا يُدَّعَى لِعُثْمَانَ مِنَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يَقْطَعُ أَلْسِنَةَ الطَّاعِنِينَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْقُولِ [وَالْمَنْقُولِ] (¬3) . فَإِنَّ الرَّافِضِيَّ يَجِيءُ إِلَى أَشْخَاصٍ ظَهَرَ بِصَرِيحِ (¬4) الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَكْمَلُ سِيرَةٍ مِنْ بَعْضٍ، فَيَجْعَلُ الْفَاضِلَ مَذْمُومًا مُسْتَحِقًّا لِلْقَدْحِ، وَيَجْعَلُ الْمَفْضُولَ مَعْصُومًا مُسْتَحِقًّا لِلْمَدْحِ، كَمَا فَعَلَتِ النَّصَارَى: يَجِيئُونَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ ¬

(¬1) قِيلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَمَكَانُهَا فِيهِمَا بَيَاضٌ. (¬2) ن، م: فِيمَا فَعَلَ. (¬3) وَالْمَنْقُولِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (م) : أَقْرَبُ إِلَى الْعُقُولِ. (¬4) ن، م: تَصْرِيحٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ.

الرد على دعوى الرافضة بالنص وعصمة الأئمة

عَلَى بَعْضٍ، فَيَجْعَلُونَ الْمَفْضُولَ إِلَهًا وَالْفَاضِلَ مَنْقُوصًا دُونَ الْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ صَحِبُوا الْمَسِيحَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَلْبًا لِلْحَقَائِقِ. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ لَيْسُوا أَنْبِيَاءً مَعْصُومِينَ عَنِ الْخَطَأِ، وَيَقْدَحُونَ فِي بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كَسُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْمَسِيحِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ، بَلْ وَكَذَلِكَ مُوسَى. فَكَيْفَ يَجْعَلُ الَّذِينَ صَحِبُوا الْمَسِيحَ أَفْضَلَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ؟ وَهَذَا مِنَ الْجَهْلِ وَالْغُلُوِّ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ تَعَالَى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 171] . وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ مَوْصُوفُونَ بِالْغُلُوِّ عِنْدَ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ فِيهِمْ مَنِ ادَّعَى الْإِلَهِيَّةَ فِي عَلِيٍّ. وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنَ النَّصَارَى، وَفِيهِمْ (¬1) مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِيهِ. وَمَنْ أَثْبَتَ نَبِيًّا بَعْدَ مُحَمَّدٍ فَهُوَ شَبِيهٌ بِأَتْبَاعِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُتَنَبِّئِينَ، إِلَّا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ كَمُسَيْلِمَةَ وَأَمْثَالِهِ. [الرد على دعوى الرافضة بالنص وعصمة الأئمة] وَهَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةُ يَدَّعُونَ ثُبُوتَ إِمَامَتِهِ بِالنَّصِّ، وَأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا هُوَ وَكَثِيرٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ ظَلَمُوهُ وَغَصَبُوهُ. وَدَعْوَى الْعِصْمَةِ تُضَاهِي الْمُشَارَكَةَ فِي النُّبُوَّةِ. فَإِنَّ الْمَعْصُومَ يَجِبُ ¬

(¬1) ن، م: وَمِنْهُمْ.

اتِّبَاعُهُ فِي [كُلِّ] مَا يَقُولُ (¬1) ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالَفَ فِي شَيْءٍ. وَهَذِهِ خَاصَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِهَذَا أُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 136] ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَقُولَ: آمَنَّا بِمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ. وَقَالَ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 285] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 177] . فَالْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّونَ مِمَّا أُمِرْنَا أَنْ نَقُولَهُ وَنُؤْمِنَ بِهِ. وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ: أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِكُلِّ نَبِيٍّ، وَمَنْ كَفَرَ بِنَبِيٍّ وَاحِدٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَبَّهُ وَجَبَ قَتْلُهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ، سَوَاءٌ سُمُّوا أَوْلِيَاءَ أَوْ أَئِمَّةً [أَوْ حُكَمَاءَ] (¬2) أَوْ عُلَمَاءَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. فَمَنْ جَعَلَ بَعْدَ الرَّسُولِ مَعْصُومًا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا يَقُولُهُ فَقَدْ أَعْطَاهُ مَعْنَى النُّبُوَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَفْظَهَا. وَيُقَالُ لِهَذَا: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا ¬

(¬1) ن: فِيمَا يَقُولُ. (¬2) أَوْ حُكَمَاءَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

مَأْمُورِينَ بِاتِّبَاعِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ؟ وَكَثِيرٌ مِنَ الْغُلَاةِ فِي الْمَشَايِخِ يَعْتَقِدُ أَحَدُهُمْ فِي شَيْخِهِ نَحْوَ ذَلِكَ. وَيَقُولُونَ (¬1) : الشَّيْخُ مَحْفُوظٌ، وَيَأْمُرُونَ بِاتِّبَاعِ الشَّيْخِ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُ، لَا يُخَالَفُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ غُلُوِّ الرَّافِضَةِ وَالنَّصَارَى وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ: تَدَّعِي فِي أَئِمَّتِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا مَعْصُومِينَ. وَأَصْحَابُ ابْنِ تُومَرْتَ (¬2) الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مَعْصُومٌ، وَيَقُولُونَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ: الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ وَالْمَهْدِيُّ الْمَعْلُومُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَتَلُوا بَعْضَ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُخَالِفَةٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ: لِلْكِتَابِ (¬3) وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الْآيَةَ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] ¬

(¬1) ح، ر: وَيَقُولُ، م: وَتَقُولُ. (¬2) ر: ابْنِ التُّومَرْتِ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تُومَرْتَ الْمَصْمُودِيُّ الْبَرْبَرِيُّ، الْمُلَقَّبُ بِالْمَهْدِيِّ، أَوْ بِمَهْدَيِّ الْمُوَحِّدِينَ: مُؤَسِّسُ دَوْلَةِ الْمُوَحِّدِينَ الَّتِي قَامَتْ عَلَى أَنْقَاضِ دَوْلَةِ الْمُرَابِطِينَ اخْتُلِفَ فِي سَنَةِ مَوْلِدِهِ، وَلَكِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 524 وَعُمْرُهُ يَتَرَاوَحُ بَيْنَ 51 عَامًا، 55 عَامًا مِنْ كُتُبِهِ كِتَابُ " أَعَزُّ مَا يُطْلَبُ "، وَقَدْ نَشَرَهُ جُولْد تَسْيِهر، الْجَزَائِرُ 1903، وَكِتَابُ كَنْزُ الْعُلُومِ، وَهُوَ مَخْطُوطٌ، وَالْمُرْشِدَةُ وَهِيَ رِسَالَةٌ صَغِيرَةٌ طُبِعَتْ ضِمْنَ بَعْضِ الْكُتُبِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ وَقَدْ نَشَرَهَا الْأُسْتَاذُ عَبْدُ اللَّهِ كَنُون حَدِيثًا ضِمْنَ كِتَابِ نُصُوصٍ فَلْسَفِيَّةٍ مُهْدَاةٍ إِلَى الدُّكْتُورِ إِبْرَاهِيم مَدْكُور، ص 114 - 115، الْقَاهِرَةُ 1976، انْظُرْ عَنْ حَيَاةِ ابْنِ التَّوْمَرْتِ وَمَذْهَبِهِ، بَحْثَ الْأُسْتَاذِ عَبْدِ اللَّهِ كَنُون الْمُشَارَ إِلَيْهِ، ص 99 - 115 كِتَابَ تَارِيخِ فَلْسَفَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْقَارَّةِ الْأَفْرِيقِيَّةِ لِلدُّكْتُورِ يَحْيَى هُوَيْدِي 1/223 - 243 وَانْظُرْ أَيْضًا: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 4/137 - 146 الْكَامِلَ لِابْنِ الْأَثِيرِ 10 201 - 205، الْأَعْلَامَ 7/104 - 105 (¬3) ح: الْكِتَابَ.

، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلَّا إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (¬1) ، فَمَنْ أَثْبَتَ شَخْصًا مَعْصُومًا غَيْرَ الرَّسُولِ أَوْجَبَ رَدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ (¬2) إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ عِنْدَهُ إِلَّا الْحَقَّ كَالرَّسُولِ. وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَعْصُومَ تَجِبُ طَاعَتُهُ مُطْلَقًا بِلَا قَيْدٍ، وَمُخَالِفُهُ يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ. وَالْقُرْآنُ إِنَّمَا أَثْبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الرَّسُولِ خَاصَّةً. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 69] . وَقَالَ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [سُورَةُ الْجِنِّ: 23] . فَدَلَّ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي ذَلِكَ طَاعَةَ مَعْصُومٍ آخَرَ. وَمَنْ عَصَى الرَّسُولَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَطَاعَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، فَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، وَبَيْنَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَبَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبَيْنَ الْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَجَعَلَهُ الْقَسِيمَ الَّذِي قَسَّمَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ، فَمَنِ اتَّبَعَهُ فَهُوَ السَّعِيدُ، وَمَنْ خَالَفَهُ فَهُوَ الشَّقِيُّ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِغَيْرِهِ. وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ - أَهْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - عَلَى أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬2) ن، م، ر: مَا تُنُوزِعَ فِيهِ.

سِوَى الرَّسُولِ فَإِنَّهُ (¬1) يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ، فَإِنَّهُ الْمَعْصُومُ الَّذِي (¬2) لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وَهُوَ الَّذِي يُسْأَلُ النَّاسُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 6] . وَهُوَ الَّذِي يُمْتَحَنُ بِهِ النَّاسُ (¬3) فِي قُبُورِهِمْ، فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ وَيُقَالُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ. وَلَوْ ذَكَرَ بَدَلَ الرَّسُولِ مَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ (¬4) وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، وَلَا يُمْتَحَنُ فِي قَبْرِهِ بِشَخْصٍ غَيْرِ الرَّسُولِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَا يُعْتَذَرُ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ فِيمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ يُعْتَذَرُ بِأَقْوَى (¬5) مِنْهُ عَنْ عُثْمَانَ، فَإِنَّ عَلِيًّا قَاتَلَ عَلَى الْوِلَايَةِ، وَقُتِلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ [عَظِيمٌ] (¬6) ، وَلَمْ يَحْصُلْ فِي وِلَايَتِهِ لَا قِتَالٌ لِلْكُفَّارِ، وَلَا فَتْحٌ لِبِلَادِهِمْ، وَلَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي زِيَادَةِ خَيْرٍ، وَقَدْ وَلَّى مِنْ أَقَارِبِهِ مَنْ وَلَّاهُ، فَوِلَايَةُ الْأَقَارِبِ مُشْتَرَكَةٌ، وَنُوَّابُ عُثْمَانَ كَانُوا أَطْوَعَ مِنْ نُوَّابِ عَلِيٍّ وَأَبْعَدَ عَنْ ¬

(¬1) فَإِنَّهُ: سَاقِطٌ مِنْ (ر) . (¬2) ب: الَّذِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ. (¬3) ن، م: النَّاسُ بِهِ. (¬4) م، ح، ر: مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ. (¬5) بِأَقْوَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬6) عَظِيمٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَسَقَطَتْ " كَثِيرَةٌ " مِنْ (ر) .

الشَّرِّ. وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الَّتِي تَأَوَّلَ فِيهَا [عُثْمَانُ] (¬1) ، فَكَمَا تَأَوَّلَ عَلِيٌّ فِي الدِّمَاءِ. وَأَمْرُ الدِّمَاءِ أَخْطَرُ وَأَعْظَمُ. وَيُقَالُ: ثَانِيًا: هَذَا النَّصُّ الَّذِي تَدَّعُونَهُ أَنْتُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ اخْتِلَافًا يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَكُمْ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهِ، بَلْ كُلُّ قَوْمٍ مِنْكُمْ يَفْتَرُونَ مَا شَاءُوا. وَأَيْضًا فَجَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّا نَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينًا (¬2) ، بَلْ ضَرُورِيًّا كَذِبَ هَذَا النَّصِّ، بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَبْسُوطَةٍ فِي مَوَاضِعِهَا. وَيُقَالُ (¬3) : ثَالِثًا: إِذَا كَانَ كَذَلِكَ ظَهَرَتْ حُجَّةُ عُثْمَانَ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ يَقُولُ: إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي حَيَاتِهِ، وَاسْتَعْمَلَهُمْ بَعْدَهُ مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِقَرَابَةٍ: فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَا نَعْرِفُ قَبِيلَةً مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ فِيهَا عُمَّالٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِينَ، وَكَانَ فِيهِمْ شَرَفٌ وَسُؤْدُدٌ، فَاسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِزَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَفْضَلِ الْأَرْضِ مَكَّةَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى نَجْرَانَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَاسْتَعْمَلَ [أَيْضًا] (¬4) خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي مَذْحِجٍ ¬

(¬1) عُثْمَانُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ح، ر، م: يَقِينًا (¬3) ح، ر: وَقِيلَ. (¬4) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَعَلَى صَنْعَاءَ الْيَمَنِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا (¬1) حَتَّى مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَعْمَلَ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى تَيْمَاءَ وَخَيْبَرَ وَقُرَى عُرَيْنَةَ، وَاسْتَعْمَلَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى بَعْضِ السَّرَايَا، ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبَحْرِينِ فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَعْمَلَ (¬2) الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ حَتَّى أَنْزَلَ [اللَّهُ] فِيهِ: (¬3) {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6] . فَيَقُولُ عُثْمَانُ: أَنَا لَمْ أَسْتَعْمِلْ إِلَّا مَنِ اسْتَعْمَلَهُ (¬4) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ (¬5) وَمِنْ جِنْسِهِمْ وَمِنْ قَبِيلَتِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بَعْدَهُ، [فَقَدْ وَلَّى أَبُو بَكْرٍ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي فُتُوحِ الشَّامِ، وَأَقَرَّهُ عُمَرُ، ثُمَّ وَلَّى عُمَرُ بَعْدَهُ أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ] (¬6) . وَهَذَا النَّقْلُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اسْتِعْمَالِ هَؤُلَاءِ ثَابِتٌ مَشْهُورٌ [عَنْهُ] (¬7) ، بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ (¬8) أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمِنْهُ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ (¬9) ، وَمِنْهُ مَا يَعْرِفُهُ الْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ، وَلَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ عَنِ ¬

(¬1) عَلَيْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) ، (م) . (¬2) ن، م: حَتَّى اسْتَعْمَلَ. (¬3) ن، م: حَتَّى أُنْزِلَ فِيهِ. (¬4) ح، ر: مَنِ اسْتَعْمَلَ. (¬5) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) ، (م) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن: عَنْ. (¬9) ن: عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَظْهَرَ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ مِنْ دَعْوَى كَوْنِ الْخِلَافَةِ فِي وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ، [وَذَاكَ صِدْقٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ (¬1) . وَأَمَّا بَنُو هَاشِمٍ فَلَمْ يَسْتَعْمِلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْيَمَنِ. وَوَلَّى أَيْضًا عَلَى الْيَمَنِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَوَلَّى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى قِتَالِ مُؤْتَةَ، وَوَلَّى قَبْلَ جَعْفَرٍ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ (¬2) [مَوْلَاهُ] (¬3) ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدِّمُ فِي الْوِلَايَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ، وَهُوَ مِنْ كَلْبٍ، عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَهُ وِلَايَةً فَلَمْ يُولِّهِ إِيَّاهَا. وَلَيْسَ فِي بَنِي هَاشِمٍ بَعْدَ عَلِيٍّ أَفْضَلُ مِنْ حَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ [وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ] (¬4) ، فَحَمْزَةُ (¬5) لَمْ يَتَوَلَّ شَيْئًا، فَإِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمَا يَنْقُلُهُ بَعْضُ التُّرْكِ، بَلْ وَشُيُوخُهُمْ، مِنْ سِيرَةِ حَمْزَةَ وَيَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَيَذْكُرُونَ لَهُ حُرُوبًا وَحِصَارَاتٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَكُلُّهُ (¬6) كَذِبٌ، مِنْ جِنْسِ مَا يَذْكُرُهُ الذَّاكِرُونَ (¬7) مِنَ الْغَزَوَاتِ الْمَكْذُوبَةِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ح: وَوُلِّيَ بَعْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، ر: وَوَلَّاهُ بَعْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. (¬3) مَوْلَاهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: وَحَمْزَةُ. (¬6) ن: فَإِنَّهُ. (¬7) ن، م: الْكَذَّابُونَ.

طَالِبٍ، بَلْ وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [مِنْ جِنْسِ مَا يَذْكُرُهُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَكْرِيُّ صَاحِبُ " تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ " فِيمَا وَضَعَهُ مِنَ السِّيرَةِ (¬1) ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَفْتَرِيهِ الْكَذَّابُونَ مِنْ سِيرَةِ دَاهِمَةٍ وَالْبَطَّالِينَ (¬2) وَالْعَيَّارِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ] (¬3) . فَإِنَّ مَغَازِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْرُوفَةٌ مَضْبُوطَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَتْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، لَكِنْ لَمْ يَكُنِ الْقِتَالُ مِنْهَا إِلَّا فِي تِسْعِ مُغَازٍ: بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَبَنِي الْمُصْطَلَقِ، وَالْغَابَةِ، وَفَتْحِ خَيْبَرَ، وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ، وَالطَّائِفِ، وَهِيَ آخِرُ غَزَوَاتِ الْقِتَالِ. لَكِنْ لَمَّا حَاصَرَ الطَّائِفَ (¬4) ، وَكَانَ بَعْدَهَا غَزْوَةُ تَبُوكَ، وَهِيَ آخِرُ الْمَغَازِي وَأَكْثَرُهَا عَدَدًا وَأَشَقُّهَا عَلَى النَّاسِ، وَفِيهَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ بَرَاءَةَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ. وَمَا يَذْكُرُهُ جُهَّالُ الْحُجَّاجِ مِنْ حِصَارِ تَبُوكَ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بِتَبُوكَ حِصْنٌ وَلَا مُقَاتِلَةٌ. وَقَدْ أَقَامَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) تَكَلَّمَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى الْبَكْرِيِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَذَكَرَهُ فِي تَلْخِيصِ كِتَابِ الِاسْتِغَاثَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَكْرِيِّ ص 7، ط. السَّلَفِيَّةِ 1346 وَذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى الرِّيَاضِ 18 351 وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيُّ الْمُتَوَفَّى حَوَالَيْ سَنَةَ 250، قَالَ عَنْهُ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/112: ذَاكَ الْكَذَّابُ الدَّجَّالُ وَاضِعُ الْقِصَصِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ قَطُّ وَيُقْرَأُ لَهُ فِي سُوقِ الْكُتْبِيِّينَ كِتَابُ ضِيَاءِ الْأَنْوَارِ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ أَيْضًا فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ 1/202، الأعلام 1/148 - 149 (¬2) ر: وَالْبَطَّالُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) لَكِنْ لَمَّا حَاصَرَ الطَّائِفَ: كَذَا فِي جَمِيعِ النَّسْخِ، وَالْكَلَامُ نَاقِصٌ لَمْ يَتِمَّ. (¬5) رَسُولُ اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

فصل قاعدة كلية أن لا نعتقد بعصمة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم

عِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ. وَإِذَا كَانَ جَعْفَرٌ أَفْضَلَ بَنِي هَاشِمٍ بَعْدَ عَلِيٍّ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَعَ هَذَا أَمَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ - وَهُوَ مِنْ كَلْبٍ - عَلَيْهِ (¬1) ، عُلِمَ أَنَّ التَّقْدِيمَ بِفَضِيلَةِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَبِحَسْبِ أُمُورٍ أُخَرَ، بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ لَا بِالنَّسَبِ. وَلِهَذَا قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى أَقَارِبِهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَيْسَ مِنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ بِأَهْوَائِهِمْ لِأَقَارِبِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ وَأَصْدِقَائِهِمْ. وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَتَّى قَالَ عُمَرُ: " مَنْ أَمَّرَ رَجُلًا لِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ يَجِدُ فِي الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَخَانَ الْمُؤْمِنِينَ ". [فصل قاعدة كلية أن لا نعتقد بعصمة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم] (فَصْلٌ) (¬2) وَالْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ فِي هَذَا أَنْ لَا نَعْتَقِدَ أَنَّ أَحَدًا مَعْصُومٌ (¬3) بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلِ الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُ الْخُلَفَاءِ (¬4) يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْخَطَأُ، وَالذُّنُوبُ الَّتِي تَقَعُ مِنْهُمْ، قَدْ يَتُوبُونَ مِنْهَا، وَقَدْ تُكَفَّرُ (¬5) عَنْهُمْ بِحَسَنَاتِهِمُ الْكَثِيرَةِ، وَقَدْ يُبْتَلَوْنَ [أَيْضًا] (¬6) بِمَصَائِبَ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِهَا، ¬

(¬1) ن، م: أَمَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَهُوَ مِنْ كِلَابَ. (¬2) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: مَعْصُومًا. (¬4) ن، م: الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُهُمْ. (¬5) ن، م: يُكَفَّرُ. (¬6) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَدْ يُكَفَّرُ عَنْهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ. فَكُلُّ (¬1) مَا يُنْقَلُ عَنْ عُثْمَانَ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا أَوْ خَطَأً. وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ حَصَلَتْ لَهُ أَسْبَابُ الْمَغْفِرَةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا سَابِقَتُهُ وَإِيمَانُهُ وَجِهَادُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ طَاعَاتِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهِدَ لَهُ، بَلْ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ (¬2) . وَمِنْهَا أَنَّهُ تَابَ مِنْ عَامَّةِ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ عَظِيمٍ، فَكَفَّرَ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ، وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا مَظْلُومًا. وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا. [وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا تُنْكِرُهُ الْخَوَارِجُ وَغَيْرُهُمْ عَلَيْهِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا أَوْ خَطَأً، وَكَانَ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ أَسْبَابُ الْمَغْفِرَةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. مِنْهَا سَابِقَتُهُ وَإِيمَانُهُ وَجِهَادُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَشَهَادَةِ (¬3) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْجَنَّةِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ تَابَ مِنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ وَنَدِمَ ¬

(¬1) ن، م: وَكُلُّ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/8 - 9 \، 12 - 13، 13 - 14 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ. . . . أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ، وَلَفْظُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 4/1867 - 1869 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ عُثْمَانَ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيُّ 5/294 - 295 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) بَابٌ رَقْمُ 81 حَدِيثٌ رَقْمُ 3794، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/393، 406، 407 (¬3) ر: مِنْ طَاعَاتِهِ وَمِنْهَا شَهَادَةُ.

عَلَيْهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا] (¬1) . فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُغْنِينَا أَنْ نَجْعَلَ كُلَّ مَا فَعَلَ [وَاحِدٌ مِنْهُمْ] (¬2) هُوَ الْوَاجِبَ أَوِ الْمُسْتَحَبَّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِنَا إِلَى ذَلِكَ. وَالنَّاسُ الْمُنْحَرِفُونَ فِي هَذَا الْبَابِ صِنْفَانِ: الْقَادِحُونَ الَّذِينَ يَقْدَحُونَ فِي الشَّخْصِ بِمَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لَهُ. وَالْمَادِحُونَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْأُمُورَ الْمَغْفُورَةَ مِنْ بَابِ السَّعْيِ الْمَشْكُورِ. فَهَذَا يَغْلُو فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ حَتَّى يَجْعَلَ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ. وَذَلِكَ يَجْفُو فِيهِ حَتَّى يَجْعَلَ السَّيِّئَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهُ مُحْبِطَةً لِلْحَسَنَاتِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ [كُلُّهُمْ] (¬3) - حَتَّى الْخَوَارِجُ - عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ تُمْحَى بِالتَّوْبَةِ، وَأَنَّ مِنْهَا مَا يُمْحَى بِالْحَسَنَاتِ. وَمَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (¬4) أَنْ يَقُولَ: إِنَّ عُثْمَانَ [أَوْ عَلِيًّا أَوْ غَيْرَهُمَا] لَمْ يَتُوبُوا (¬5) مِنْ ذُنُوبِهِمْ. فَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَعَلَى الشِّيعَةِ الَّذِينَ يَقْدَحُونَ فِي عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى النَّاصِبَةِ الَّذِينَ يَخُصُّونَ عَلِيًّا بِالْقَدْحِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَقَابَلَتْ (¬6) فِيهِ طَائِفَتَانِ: شِيعَتُهُ (¬7) مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ، وَمُبْغِضُوهُ (¬8) مِنَ الْخَوَارِجِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَاحِدٌ مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) كُلُّهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، ب: أَحَدًا. (¬5) ن، م: إِنَّ عُثْمَانَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَتُوبُوا. (¬6) ب: تَقَاتَلَتْ. (¬7) ن، م، ر: شِيعَةٌ. (¬8) ح، ر: وَمُبْغِضُونَ.

لَكِنَّ شِيعَتَهُ أَقَلُّ غُلُوًّا فِيهِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ، فَمَا بَلَغَنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمُ اعْتَقَدَ فِيهِ بِخُصُوصِهِ إِلَاهِيَّةً وَلَا نُبُوَّةً، وَلَا بَلَغَنَا أَنَّ أَحَدًا اعْتَقَدَ ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ مَنْ يَغْلُو فِي جِنْسِ الْمَشَايِخِ، وَيَعْتَقِدُ فِيهِمُ الْحُلُولَ أَوِ الِاتِّحَادَ أَوِ الْعِصْمَةَ (¬1) ، يَقُولُ ذَلِكَ فِي هَؤُلَاءِ، لَكِنْ لَا يَخُصُّهُمْ بِذَلِكَ. وَلَكِنْ شِيعَةُ عُثْمَانَ، الَّذِينَ كَانَ فِيهِمِ انْحِرَافٌ عَنْ عَلِيٍّ، كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً يَقْبَلُ (¬2) مِنْهُ الْحَسَنَاتِ وَيَتَجَاوَزُ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِ الشِّيعَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَعُلَمَائِهَا. وَلِهَذَا لَمَّا حَجَّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَتَكَلَّمَ مَعَ أَبِي حَازِمٍ فِي ذَلِكَ، قَالَ لَهُ أَبُو حَازِمٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [سُورَةُ ص: 26] . وَمَوْعِظَةُ أَبِي حَازِمٍ لِسُلَيْمَانَ مَعْرُوفَةٌ (¬3) . ¬

(¬1) ب: الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ وَالْعِصْمَةَ، ح، ر: الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ أَوِ الْعِصْمَةَ. (¬2) ح، ر: تُقْبَلُ. (¬3) أَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ الْمَخْزُومِيُّ، أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ، عَالِمُ الْمَدِينَةِ وَقَاضِيهَا، كَانَ عَابِدًا زَاهِدًا، تُوُفِّيَ سَنَةَ 140، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4/143 - 144 تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/133 - 134، الْأَعْلَامِ 3/171 - 172 وَانْظُرْ مَوْعِظَتَهُ لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 3/234 - 237 صِفَةِ الصَّفْوَةِ 2/89 - 90

وَلَمَّا تَوَلَّى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَظْهَرَ مِنَ السُّنَّةِ وَالْعَدْلِ مَا كَانَ قَدْ خَفِيَ، ثُمَّ مَاتَ، فَطَلَبَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يَسِيرَ سِيرَتَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ عِشْرُونَ شَيْخًا مِنْ شُيُوخِ [الشِّيعَةِ] (¬1) الْعُثْمَانِيَّةِ، فَحَلَفُوا لَهُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً تَقَبَّلَ مِنْهُ الْحَسَنَاتِ وَتَجَاوُزَ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ، حَتَّى أَمْسَكَ عَنْ مِثْلِ طَرِيقَةِ عُمَرَ [بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ] (¬2) . وَلِهَذَا كَانَتْ فِيهِمْ طَاعَةٌ مُطْلَقَةٌ لِمُتَوَلِّي أَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ طَاعَةَ وَلِيِّ أَمْرِهِمْ مُطْلَقًا، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ كَانَ يَعْتَقِدُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ عَلَى ذَنْبٍ، كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ سَيِّئَاتِ الْوُلَاةِ مُكَفَّرَةٌ بِحَسَنَاتِهِمْ، كَمَا تُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ. فَهَؤُلَاءِ إِذَا كَانُوا لَا يَرَوْنَ خُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ، مُعَاوِيَةَ فَمَنْ بَعْدَهُ، مُؤَاخَذِينَ بِذَنْبٍ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ فِي عُثْمَانَ - مَعَ سَابِقَتِهِ [وَفَضْلِهِ] (¬3) وَحُسْنِ سِيرَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؟ وَأَمَّا الْخَوَارِجُ، فَأُولَئِكَ يُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا جَمِيعًا. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ اخْتِصَاصٌ بِذَمِّ عُثْمَانَ. وَأَمَّا شِيعَةُ عَلِيٍّ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ - يَذُمُّ عُثْمَانَ، حَتَّى الزَّيْدِيَّةُ الَّذِينَ يَتَرَحَّمُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فِيهِمْ مَنْ يَسُبُّ عُثْمَانَ وَيَذُمُّهُ، وَخِيَارُهُمُ الَّذِي يَسْكُتُ عَنْهُ فَلَا يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْعَنُهُ. ¬

(¬1) الشِّيعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) وَفَضْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَدْ كَانَ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ مَنْ يَسُبُّ عَلِيًّا، وَيَجْهَرُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَنَابِرِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَجْلِ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. وَكَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ تُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَكَانَ الْمُتَمَسِّكُ بِالسُّنَّةِ يُظْهِرُ مَحَبَّةَ عَلِيٍّ وَمُوَالَاتَهُ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ (¬1) فِي مَوَاقِيتِهَا. حَتَّى رُئِيَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجَمَلِيُّ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: شَيْخُ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ، بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِحُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَافَظَتِي عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَوَاقِيتِهَا. وَغَلَتْ شِيعَةُ عَلِيٍّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، حَتَّى صَارُوا يُصَلُّونَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ دَائِمًا قَبْلَ وَقْتِهَا الْخَاصِّ، وَيُصَلُّونَ الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ دَائِمًا قَبْلَ وَقْتِهَا الْخَاصِّ، فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ دَائِمًا فِي وَقْتِ الْأُولَى. وَهَذَا خِلَافُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْجَمْعَ إِنَّمَا كَانَ [يَفْعَلُهُ] (¬2) لِسَبَبٍ، لَا سِيَّمَا الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى، فَإِنَّ الَّذِي تَوَاتَرَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِعَرَفَةَ. وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ بِغَيْرِهَا فَفِيهِ نِزَاعٌ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ دَائِمًا لَا فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي السَّفَرِ، بَلْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَمْ يَجْمَعْ إِلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ. وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْهُ الْجَمْعُ فِي غَزْوَةِ (¬3) تَبُوكَ. وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ، لَكِنْ نَادِرًا لِسَبَبٍ. وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْجَمْعِ. فَكَيْفَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ دَائِمًا؟ وَأُولَئِكَ إِذَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ تَقْدِيمِ (¬4) الْعَصْرِ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ. فَإِنَّ جَمْعَ التَّأْخِيرِ خَيْرٌ مِنْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ. فَإِنَّ ¬

(¬1) ب: الصَّلَوَاتِ. (¬2) يَفْعَلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) غَزْوَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) . (¬4) ح، ر، م: مِمَّنْ يُقَدِّمُ.

الصَّلَاةَ يَفْعَلُهَا النَّائِمُ وَالنَّاسِي قَضَاءً بَعْدَ الْوَقْتِ. وَأَمَّا الظُّهْرُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا تُصَلَّى بِحَالٍ. وَهَكَذَا تَجِدُ فِي غَالِبِ الْأُمُورِ بِدَعَ هَؤُلَاءِ أَشْنَعَ مِنْ بِدَعِ أُولَئِكَ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَتَعَرَّضُ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا بِالْمَحَبَّةِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، وَلَا بَلَغَنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ كَفَّرَ عَلِيًّا، كَمَا كَفَّرَتْهُ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَإِنَّمَا غَايَةُ مَنْ يَعْتَدِي (¬1) مِنْهُمْ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَقُولَ: كَانَ ظَالِمًا، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الْخُلَفَاءِ، وَيَرْوُونَ عَنْهُ أَشْيَاءَ مِنَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَالْإِشَارَةِ بِقَتْلِهِ فِي الْبَاطِنِ، وَالرِّضَا بِقَتْلِهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ حَلَفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الصَّادِقُ بِلَا يَمِينٍ - أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ عُثْمَانَ، وَلَا مَالَأَ عَلَى قَتْلِهِ، بَلْ وَلَا رَضِيَ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ يَلْعَنُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ مِنْهُ بِدُونِ قَوْلِهِ. فَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يُعِينَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، أَوْ يَرْضَى بِذَلِكَ. فَمَا قَالَتْهُ شِيعَةُ عَلِيٍّ فِي عُثْمَانَ أَعْظَمُ مِمَّا قَالَتْهُ شِيعَةُ عُثْمَانَ فِي عَلِيٍّ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُكَفِّرُ عُثْمَانَ. وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَمْ تُكَفِّرْ عَلِيًّا. وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ يَسُبُّهُ وَيَبْغَضُهُ أَعْظَمَ مِمَّا كَانَتْ شِيعَةُ عُثْمَانَ تُبْغِضُ عَلِيًّا. وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَتَوَلَّوْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا جَمِيعًا، وَيَتَبَرَّءُونَ مِنَ التَّشَيُّعِ وَالتَّفَرُّقِ فِي الدِّينِ، الَّذِي يُوجِبُ مُوَالَاةَ أَحَدِهِمَا وَمُعَادَاةَ الْآخَرِ. وَقَدِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ مَشْهُودٌ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَلِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمَا ¬

(¬1) ح، ر: يَتَعَدَّى

مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ الرَّسُولُ بِالْجَنَّةِ، [كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ] (¬1) . وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَقُولُونَ: لَا نَشْهَدُ (¬2) بِالْجَنَّةِ إِلَّا الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَطَائِفَةٍ أُخْرَى مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، كَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِ (¬3) ، يَقُولُونَ: هُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا يَقُولُونَ (¬4) : نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ. وَالصَّوَابُ أَنَّا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ كَمَا اسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَقَدْ نَاظَرَ أَحْمَدُ [بْنُ حَنْبَلٍ] (¬5) لِعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَنَا بِخَبَرِ الصَّادِقِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْكَلَامُ هُنَا فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمْ مِنْ أُمُورٍ يُرَادُ بِهَا الطَّعْنُ عَلَيْهِمْ. فَطَائِفَةٌ تَغْلُو فِيهِمْ فَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهُمْ مَعْصُومِينَ [أَوْ كَالْمَعْصُومِينَ] (¬6) . وَطَائِفَةٌ تُرِيدُ أَنْ تَسُبَّهُمْ وَتَذُمَّهُمْ بِأُمُورٍ، إِنْ كَانَتْ صِدْقًا فَهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ، أَوْ هُمْ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ بِهَا، فَإِنَّهُ مَا ثَمَّ إِلَّا ذَنْبٌ أَوْ خَطَأٌ فِي الِاجْتِهَادِ. وَالْخَطَأُ قَدْ رَفَعَ اللَّهُ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَالذَّنْبُ لِمَغْفِرَتِهِ عِدَّةُ أَسْبَابٍ كَانَتْ مَوْجُودَةٌ فِيهِمْ. وَهُمَا (¬7) أَصْلَانِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ. أَمَّا الْعَامُّ فَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَسْبَابُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عِنْدَ عَامَّةِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ح، ر: لَا يَشْهَدُ. (¬3) ن، م: وَغَيْرِهِمْ. (¬4) ن، م، ر: وَلَا يَقُولُ. (¬5) بْنُ حَنْبَلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) أَوْ كَالْمَعْصُومِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬7) ن، م: وَهُنَا.

الْمُسْلِمِينَ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ بِإِحْسَانٍ] (¬1) وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ مَعَ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَا ثَمَّ إِلَّا مُثَابٌ فِي الْآخِرَةِ أَوْ مُعَاقَبٌ، وَمَنْ دَخَلَ النَّارَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا: لَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْكَبِيرَةَ تُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ، وَلَا يَبْقَى مَعَ صَاحِبِهَا مِنِ الْإِيمَانِ شَيْءٌ. وَقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِخْرَاجُ قَوْمٍ (¬2) مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا امْتُحِشُوا. وَثَبَتَ أَيْضًا شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ. وَالْآثَارُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، أَعْظَمُ مِنْ تَوَاتُرِ الْآثَارِ بِنِصَابِ (¬3) السَّرِقَةِ، وَرَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَنُصُبِ الزَّكَاةِ، وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ، وَمِيرَاثِ الْجَدَّةِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. لَكِنْ (¬4) هَذَا الْأَصْلُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مِثْلِ (¬5) عُثْمَانَ وَأَمْثَالِهِ مِمَّنْ شُهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَأَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُ فِي الْآخِرَةِ، بَلْ نَشْهَدُ أَنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ أَهْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ أَهْلَ بَدْرٍ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا ثَبَتَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ (¬6) عَنِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ، [الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى] (¬7) . وَقَدْ دَخَلَ فِي الْفِتْنَةِ خَلْقٌ مِنْ ¬

(¬1) لَهُمْ بِإِحْسَانٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) . (¬2) ح، ب: أَقْوَامٍ. (¬3) ن: بِتَوَاتُرِ. (¬4) ح، ب: وَلَكِنْ. (¬5) مِثْلِ: لَيْسَتْ فِي (ح) ، (ب) . (¬6) ن، م: فِي ذَلِكَ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنْ (ن) ، (م) ، وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " مِنْ (ر) .

العقوبة عن الذنوب في الآخرة تندفع بنحو عشرة أسباب

هَؤُلَاءِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَالَّذِي قَتَلَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ هُوَ أَبُو الْغَادِيَةِ (¬1) ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ. فَنَحْنُ نَشْهَدُ لِعَمَّارٍ بِالْجَنَّةِ، وَلِقَاتِلِهِ إِنْ كَانَ مِنْ [أَهْلِ] بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ (¬2) بِالْجَنَّةِ. وَأَمَّا عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطِلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَهُمْ أَجَّلُ قَدْرًا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ مِنْهُمْ مَا كَانَ، فَنَحْنُ لَا نَشْهَدُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُذْنِبُ، بَلِ الَّذِي نَشْهَدُ بِهِ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ إِذَا أَذْنَبَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُدْخِلُهُ النَّارَ، بَلْ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِلَا رَيْبٍ، وَعُقُوبَةُ الْآخِرَةِ تَزُولُ عَنْهُ: إِمَّا بِتَوْبَةٍ مِنْهُ، وَإِمَّا بِحَسَنَاتِهِ الْكَثِيرَةِ (¬3) ، وَإِمَّا بِمَصَائِبِهِ الْمُكَفِّرَةِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ. [العقوبة عن الذنوب في الآخرة تندفع بنحو عشرة أسباب] [السبب الأول التوبة] فَإِنَّ الذُّنُوبَ مُطْلَقًا مِنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ سَبَبُ الْعَذَابِ، لَكِنَّ الْعُقُوبَةَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ فِي جَهَنَّمَ تَنْدَفِعُ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ. ¬

(¬1) ح، ب: أَبُو الْغَاوِيَةِ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ فِي (ر) وَهُوَ أَبُو الْغَادِيَةِ الْجُهَنِيُّ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي أُسْدِ الْغَابَةِ 6/237: اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ: يَسَارُ بْنُ أُزَيْهِرٍ، وَقِيلَ: اسْمُهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ هَامِشِ 4/150: فَقِيلَ: يَسَارُ بْنُ سَبْعٍ، وَقِيلَ: يَسَارُ بْنُ أَزْهَرَ، وَقِيلَ: اسْمُهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ 4/150: سَكَنَ الشَّامَ، أَبُو الْغَادِيَةِ الْجُهَنِيُّ قَاتِلُ عَمَّارٍ لَهُ صُحْبَةٌ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي الْغَادِيَةِ الْمُزَنِيِّ، انْظُرِ الْإِصَابَةَ 3/627، 4/151 - 150، الِاسْتِيعَابَ 3/629، 4/150 - 151 أُسْدَ الْغَابَةِ 5/513، 6/237 وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ 1/42: إِنَّهُ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ أَبُو الْغَادِيَةِ الْجُهَنِيُّ سَنَةَ 37 وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي جَوَامِعِ السِّيرَةِ مَرَّتَيْنِ ص 308، 322 ضِمْنَ الصَّحَابَةِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ. (¬2) ن، م: وَلِلْقَاتِلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ - سَقَطَتْ (أَهْلِ) مِنْ (ن) - بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ. (¬3) ن: وَإِمَّا بِاجْتِنَابِهِ الْكَبِيرَةَ.

السَّبَبُ الْأَوَّلُ: التَّوْبَةُ؛ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. وَالتَّوْبَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ: الْكُفْرِ، وَالْفُسُوقِ، وَالْعِصْيَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 38] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 11] . وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 73 - 74] . وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [سُورَةُ الْبُرُوجِ: 10] . قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، فَتَنُوا أَوْلِيَاءَهُ وَعَذَّبُوهُمْ بِالنَّارِ، ثُمَّ هُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ. وَالتَّوْبَةُ عَامَّةٌ لِكُلِّ [عَبْدٍ] (¬1) مُؤْمِنٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا - لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 72 - 73] . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ تَوْبَةِ أَنْبِيَائِهِ وَدُعَائِهِمْ بِالتَّوْبَةِ، كَقَوْلِهِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 37] ¬

(¬1) عَبْدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 127، 128] . وَقَالَ مُوسَى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ - وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 155، 156] . وَقَوْلِهِ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 16] . وَقَوْلِهِ: {تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 143] . وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا الْمَأْثُورُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ فَكَثِيرٌ مَشْهُورٌ. وَأَصْحَابُهُ كَانُوا أَفْضَلَ قُرُونِ الْأُمَّةِ، فَهُمْ أَعْرَفُ الْقُرُونِ بِاللَّهِ، وَأَشَدَّهُمْ لَهُ خَشْيَةً، وَكَانُوا أَقْوَمَ النَّاسِ بِالتَّوْبَةِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ. فَمَنْ ذَكَرَ مَا عِيبَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَوْبَتَهُمْ، الَّتِي بِهَا رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَتَهُمْ، كَانَ ظَالِمًا لَهُمْ، كَمَا جَرَى مِنْ بَعْضِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَدْ تَابُوا مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ قَصْدُهُمُ الْخَيْرَ. وَكَذَلِكَ قِصَّةُ حَاطِبِ [بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ] تَابَ مِنْهَا (¬1) ، بَلْ زَانِيهِمْ كَانَ يَتُوبُ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ، كَمَا تَابَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ وَأَتَى [إِلَى] (¬2) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى ¬

(¬1) ن، م: قِصَّةُ حَاطِبٍ تَابَ مِنْهَا، وَانْظُرْ مَا سَبَقَ 3/399 (¬2) إِلَى: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .

طَهَّرَهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (¬1) . وَكَذَلِكَ الْغَامِدِيَّةُ [بَعْدَهُ] (¬2) . وَكَذَلِكَ كَانُوا زَمَنَ عُمَرَ [وَغَيْرِهِ] (¬3) إِذَا شَرِبَ أَحَدُهُمُ الْخَمْرَ أَتَى إِلَى أَمِيرِهِ، فَقَالَ: طَهِّرْنِي وَأَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ. فَهَذَا فِعْلُ مَنْ يَأْتِي الْكَبِيرَةَ مِنْهُمْ حِينَ (¬4) يَعْلَمُهَا حَرَامًا، فَكَيْفَ إِذَا أَتَى أَحَدُهُمُ الصَّغِيرَةَ (¬5) أَوْ ذَنْبًا تَأَوَّلَ فِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ؟ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَابَ تَوْبَةً ظَاهِرَةً مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي صَارُوا (¬6) يُنْكِرُونَهَا، وَيَظْهَرُ لَهُ (¬7) أَنَّهَا مُنْكَرٌ. وَهَذَا مَأْثُورٌ مَشْهُورٌ عَنْهُ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ -] (¬8) . وَكَذَلِكَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَدِمَتْ عَلَى مَسِيرِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْهُ تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا. وَكَذَلِكَ طَلْحَةُ نَدِمَ عَلَى [مَا ظَنَّ مِنْ] (¬9) تَفْرِيطِهِ فِي نَصْرِ عُثْمَانَ وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَالزُّبَيْرُ نَدِمَ عَلَى مَسِيرِهِ يَوْمَ الْجَمَلِ. ¬

(¬1) حَدِيثُ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ جَاءَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَلَكِنَّ النَّصَّ عَلَى أَنَّهُ تَابَ وَأَنَّ اللَّهَ قَبِلَ تَوْبَتَهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1321 - 1323 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَنِ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا) وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْهُ: لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ. (¬2) بَعْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَسَبَقَ حَدِيثُ تَوْبَةِ الْغَامِدِيَّةِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، ص 174 فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬3) وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) . (¬4) ن، م: الَّتِي. (¬5) ن: بِالصَّغِيرَةِ. (¬6) ن، م: جَاءُوا. (¬7) ن، م: لَهُمْ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَدِمَ عَلَى أُمُورٍ فَعَلَهَا مِنَ الْقِتَالِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَقَدْ عَجَزْتُ عَجْزَةً لَا أَعْتَذِرْ ... سَوْفَ أَكِيسُ بَعْدَهَا وَأَسْتَمِرّْ وَأَجْمَعُ الرَّأْيَ الشَّتِيتَ الْمُنْتَشِرْ وَكَانَ يَقُولُ لَيَالِيَ صِفِّينَ: " لِلَّهِ دَرُّ مَقَامٍ قَامَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ؛ إِنْ كَانَ بِرًّا إِنَّ أَجْرَهُ لَعَظِيمٌ، وَإِنْ كَانَ إِثْمًا إِنَّ خَطَرَهُ لَيَسِيرٌ " وَكَانَ يَقُولُ: " يَا حَسَنُ يَا حَسَنُ مَا ظَنَّ أَبُوكَ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ إِلَى هَذَا، وَدَّ أَبُوكَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ هَذَا بِعِشْرِينَ سَنَةً ". وَلِمَا رَجَعَ مِنْ صِفِّينَ تَغَيَّرَ كَلَامُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: " لَا تَكْرَهُوا إِمَارَةَ (¬1) مُعَاوِيَةَ، فَلَوْ قَدْ فَقَدْتُمُوهُ لَرَأَيْتُمُ الرُّءُوسَ تَتَطَايَرُ عَنْ كَوَاهِلِهَا ". وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ وَجْهَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَتَوَاتَرَتِ الْآثَارُ بِكَرَاهَتِهِ (¬2) الْأَحْوَالَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، وَرُؤْيَتِهِ اخْتِلَافَ النَّاسِ وَتَفَرُّقَهُمْ، وَكَثْرَةَ الشَّرِّ الَّذِي أَوْجَبَ أَنَّهُ لَوِ اسْتَقْبَلَ مِنْ أَمْرِهِ مَا اسْتَدْبَرَ مَا فَعَلَ مَا فَعَلَ. وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ كُلَّ وَاحِدٍ تَابَ، وَلَكِنْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ التَّوْبَةَ مَشْرُوعَةٌ لِكُلِّ عَبْدٍ: لِلْأَنْبِيَاءِ وَلِمَنْ دُونَهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - يَرْفَعُ عَبْدَهُ بِالتَّوْبَةِ، وَإِذَا ابْتَلَاهُ بِمَا يَتُوبُ مِنْهُ، فَالْمَقْصُودُ كَمَالُ النِّهَايَةِ لَا نَقْصُ الْبِدَايَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَهُوَ يُبَدِّلُ بِالتَّوْبَةِ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ. ¬

(¬1) ن: وِلَايَةَ. (¬2) ن: بِكَرَاهِيَةِ، م: لِكَرَاهَتِهِ.

السبب الثاني الاستغفار

وَالذَّنْبُ مَعَ التَّوْبَةِ يُوجِبُ لِصَاحِبِهِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَالْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَفْعَلُ الذَّنْبَ فَيَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَيَفْعَلُ الْحَسَنَةَ (* فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ. يَفْعَلُ الذَّنْبَ فَلَا يَزَالُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ (¬1) ، إِذَا ذَكَرَهُ تَابَ إِلَى اللَّهِ وَدَعَاهُ وَخَشَعَ لَهُ فَيَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَيَفْعَلُ الْحَسَنَةَ *) (¬2) فَيُعْجَبُ بِهَا فَيَدْخُلُ النَّارَ. وَفِي الْأَثَرِ: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَخِفْتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ، وَهُوَ الْعُجْبُ» . وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: «لَوْ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ» . وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: " «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَسَتِي، وَأَهْلُ شُكْرِي أَهْلُ زِيَادَتِي، وَأَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ كَرَامَتِي، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِي لَا أُقَنِّطُهُمْ (¬3) مِنْ رَحْمَتِي، إِنْ تَابُوا فَأَنَا حَبِيبُهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] (¬4) ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَأَنَا طَبِيبُهُمْ، أَبْتَلِيهِمْ بِالْمَصَائِبِ لِأُطَهِّرَهُمْ مِنَ الْمَعَايِبِ» " (¬5) . وَالتَّائِبُ حَبِيبُ اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ شَابًّا أَوْ شَيْخًا. [السبب الثاني الاستغفار] ُ؛ فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ [هُوَ] (¬6) طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ، وَهُوَ مَقْرُونٌ بِالتَّوْبَةِ فِي الْغَالِبِ [وَمَأْمُورٌ ¬

(¬1) ن: فَلَا يَزَالُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) ن: لَا أُوَيِّسُهُمْ. (¬4) وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: لِأُكَفِّرَ عَنْهُمْ مِنَ الْمَعَايِبِ. (¬6) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

بِهِ] (¬1) ، لَكِنْ قَدْ يَتُوبُ الْإِنْسَانُ [وَلَا يَدْعُو] (¬2) ، وَقَدْ يَدْعُو وَلَا يَتُوبُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَذْنَبَ (¬3) عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: [أَيْ] (¬4) رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: [أَيْ] (¬5) رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي» " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ» " (¬6) . وَالتَّوْبَةُ تَمْحُو جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَغْفِرُ جَمِيعَ الذُّنُوبِ إِلَّا التَّوْبَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ. وَأَمَّا التَّوْبَةُ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 53] وَهَذِهِ لِمَنْ تَابَ. [وَلِهَذَا قَالَ: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} بَلْ تُوبُوا إِلَيْهِ] ، وَقَالَ بَعْدَهَا: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [سُورَةُ الزُّمُرِ: 54] ¬

(¬1) وَمَأْمُورٌ بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) وَلَا يَدْعُو: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: إِذَا أَذْنَبَ. (¬4) أَيْ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬5) أَيْ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 9/145 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) ؛ مُسْلِمٍ 4/2112 - 2113 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابُ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ) ؛ الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 15 92 - 93 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ.

السبب الثالث الأعمال الصالحة

(¬1) . وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ بِدُونِ التَّوْبَةِ، فَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَغْفِرَةَ، وَلَكِنْ هُوَ سَبَبٌ مِنَ الْأَسْبَابِ. [السبب الثالث الأعمال الصالحة] ُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سُورَةُ هُودٍ: 114] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ يُوصِيهِ: " «يَا مُعَاذُ اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ] (¬3) : " «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬4) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) وَجَاءَتْ بَدَلًا مِنْهُ: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ الْآيَةَ، فَهَذِهِ لِمَنْ تَابَ. (¬2) جَاءَ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِدُونِ عِبَارَةِ: يَا مُعَاذُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/239 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي مُعَاشَرَةِ النَّاسِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ثُمَّ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا بَعْدَهُ ص 240 وَأَوَّلُ سَنَدِهِ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. قَالَ مَحْمُودٌ: وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ. وَجَاءَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/323 (كِتَابُ الرُّقَاقِ، بَابٌ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ) الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/153 وَفِي آخِرِهِ: وَقَالَ وَكِيعٌ: وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً عَنْ مُعَاذٍ، فَوَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ السَّمَاعُ الْأَوَّلُ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى 5/158 وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فَقَطْ 5/177 وَجَاءَ الْحَدِيثُ، وَأَوَّلُهُ: يَا مُعَاذُ. عَنْ مُعَاذٍ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/228 - 236 وَحَسَّنَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَمُعَاذٍ وَأَنَسٍ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 1/86 (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/198

إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» " (¬1) . وَقَالَ: " «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» " (¬2) . وَقَالَ: " «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ بِبَابِ أَحَدِكُمْ نَهْرًا غَمْرًا يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ كَانَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: كَذَلِكَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا كَمَا يَمْحُو الْمَاءُ الدَّرَنَ» ". وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ (¬3) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَقَطْ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ: وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/12 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ صَوْمِ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الْإِيمَانِ) 3/26 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً) 3/45 - 46 (كِتَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، بَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ؛ مُسْلِمٍ 1/523 - 524 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/66 - 67 (كِتَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ، بَابٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) . (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 2/133 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ) ؛ مُسْلِمٍ 2/983 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابٌ فِي فَضْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُسْنَدِ. (¬3) الْحَدِيثُ بِدُونِ كَلِمَةِ " غَمْرًا " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/108 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابٌ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسِ كَفَّارَةٌ) ؛ مُسْلِمٍ 1/462 - 463 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ) وَأَمَّا كَلِمَةُ غَمْرًا فَجَاءَتْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 1/463 وَنَصُّهُ: مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: وَمَا يُبْقِي ذَلِكَ مِنَ الدَّرَنِ؟ ! وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَسْنَدِهِ ط. الْمَعَارِفِ 18 143 رَقْمَ 9501 عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ 18 144 رَقْمِ 9502 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَالْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/317 وَجَاءَ حَدِيثٌ ثَالِثٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 3/67 - 68 أَوَّلُهُ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: سَمِعْتُ سَعْدًا أَوْ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: كَانَ رَجُلَانِ أَخَوَانِ. . . . وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي؟ . . وَفِيهِ: إِنَّمَا مَثَلُ الصَّلَاةِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ بِبَابِ رَجُلٍ غَمْرٍ عَذْبٍ، يَقْتَحِمُ فِيهِ. . . .، الْحَدِيثَ. وَفِي الشَّرْحِ: الْغَمْرُ: بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ: الْكَثِيرُ، أَيْ: يَغْمُرُ مَنْ دَخَلَهُ وَيُغَطِّيهِ.

وَقَالَ: " «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (¬1) . وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ - تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سُورَةُ الصَّفِّ: 10 - 12] . وَفِي الصَّحِيحِ: " «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ» " (¬2) وَمَا رُوِيَ: أَنَّ ¬

(¬1) الْحَدِيثَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/124 - 125 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ) وَأَوَّلُهُ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ. قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَجَاءَ حَدِيثُ مُعَاذٍ أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1314 - 1315 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ كَفِّ اللِّسَانِ فِي الْفِتْنَةِ) وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/61 - 62 (كِتَابُ الْجُمُعَةِ: السَّفَرُ، بَابٌ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ) وَأَوَّلُهُ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. كَمَا جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي حَدِيثٍ ثَالِثٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1408 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ الْحَسَدِ) وَأَوَّلُهُ: الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ. وَحَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/231، 237، 248 وَحَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/321، 399 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي مُسْلِمٍ 3/1502 (كِتَابُ الْإِمْرَةِ بَابُ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ؛ الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 12 13

" «شَهِيدَ الْبَحْرِ يُغْفَرُ لَهُ الدَّيْنُ» "، فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (¬1) . وَالدَّيْنُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ (¬2) فَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِيفَائِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ: " «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَصَوْمُ [يَوْمِ] (¬3) عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ» " (¬4) . وَمِثْلُ هَذِهِ النُّصُوصِ كَثِيرٌ، وَشَرْحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَحْتَاجُ إِلَى بَسْطٍ [كَثِيرٍ] (¬5) . ¬

(¬1) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/928 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ فَضْلِ غَزْوِ الْبَحْرِ) وَأَوَّلُهُ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَشَهِيدُ الْبَحْرِ مِثْلُ شَهِيدَيِ الْبَرِّ، الْحَدِيثَ وَفِيهِ: وَيُغْفَرُ لِشَهِيدِ الْبِرِّ الذُّنُوبُ كُلُّهَا إِلَّا الدَّيْنَ، وَلِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبُ وَالدَّيْنُ. وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2/251: مَوْضُوعٌ. وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ فِي سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ 2/222 - 223 (¬2) ح: الْآدَمِيِّ، ب: آدَمِيٌّ. (¬3) يَوْمِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) الْحَدِيثُ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 4/111 - 112 بِلَفْظِ: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً. وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَلَمْ يُخْرِجْهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الصُّغْرَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 2/818 - 819 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ اسْتِحْبَابِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) وَأَوَّلُهُ: رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. وَانْظُرْ كَلَامَ الْأَلْبَانِيِّ عَلَيْهِ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 4/108 - 110 رَقْمَ 952 وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُودِ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ (¬5) كَثِيرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقُولُ: إِذَا كُفِّرَ عَنِّي بِالصَّلَوَاتِ (¬1) [الْخَمْسِ] (¬2) ، فَأَيُّ شَيْءٍ تُكَفِّرُ [عَنِّي] الْجُمُعَةُ (¬3) أَوْ رَمَضَانُ، وَكَذَلِكَ صَوْمُ [يَوْمِ] (¬4) عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ؟ [وَبَعْضُ النَّاسِ يُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُمْ دَرَجَاتٌ إِذَا لَمْ تَجِدْ مَا تُكَفِّرُهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ] (¬5) . فَيُقَالُ (¬6) : أَوَّلًا: الْعَمَلُ الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيُكَفِّرُ بِهِ (¬7) السَّيِّئَاتِ هُوَ الْعَمَلُ الْمَقْبُولُ. وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَالنَّاسُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (8 وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 27] 8) (¬8) [ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ] (¬9) : طَرَفَانِ وَوَسَطٌ. فَالْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولُونَ: لَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ إِلَّا مِمَّنِ اتَّقَى الْكَبَائِرَ. وَعِنْدَهُمْ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَسَنَةٌ (¬10) بِحَالٍ. وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: مَنِ اتَّقَى الشِّرْكَ. وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ يَقُولُونَ: لَا يَتَقَبَّلُ إِلَّا مِمَّنِ اتَّقَاهُ (¬11) فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَفَعَلَهُ ¬

(¬1) ن، م: إِذَا كَفَّرَتِ الصَّلَوَاتُ. (¬2) الْخَمْسِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن: تُكَفِّرُهُ الْجُمُعَةُ. (¬4) يَوْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: فَائِدَةً. (¬7) ن: وَيُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ. (¬8) (8 - 8) زِيَادَةٌ فِي (ن) ، (م) فَقَطْ. (¬9) عِبَارَةُ " ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬10) ن: لَا تُقْبَلُ لَهُ حَسَنَةٌ؛ لَا تُقْبَلُ لَهُ حَسَنَاتٌ. (¬11) ن، م: مِمَّنِ اتَّقَى.

كَمَا أُمِرَ بِهِ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [سُورَةُ هُودٍ: 7] . قَالَ: أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ. قِيلَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا. وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ. فَصَاحِبُ الْكَبَائِرِ (¬1) إِذَا اتَّقَى اللَّهَ فِي عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ، وَمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ إِذَا لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فِي عَمَلٍ لَمْ يَتَقَبَّلْهُ مِنْهُ، وَإِنْ تَقَبَّلَ مِنْهُ عَمَلًا آخَرَ. وَإِذَا كَانَ اللَّهُ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ مِمَّنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ [بِهِ] (¬2) ، فَفِي السُّنَنِ عَنْ عَمَّارٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَنْصَرِفُ عَنْ (¬3) صَلَاتِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا (¬4) إِلَّا نِصْفُهَا، إِلَّا ثُلْثُهَا، إِلَّا رُبْعُهَا، حَتَّى قَالَ: إِلَّا عُشْرُهَا» " (¬5) . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إِلَّا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: " «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ» " (¬6) . وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَغَيْرُهُمَا. ¬

(¬1) ح، ب: الْكَبِيرَةِ. (¬2) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ر) . (¬3) ن، م: مِنْ. (¬4) مِنْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) ، (ر) . (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/195 (¬6) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/196

وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَهُوَ فِي السُّنَنِ: " «الْغَزْوُ غَزْوَانِ: فَغَزْوٌ يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَيُطَاعُ فِيهِ الْأَمِيرُ، وَتُنْفَقُ فِيهِ كَرَائِمُ الْأَمْوَالِ، وَيُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ، وَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ، وَيُتَّقَى فِيهِ الْغُلُولُ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ. وَغَزْوٌ لَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَلَا يُطَاعُ فِيهِ الْأَمِيرُ، وَلَا تُنْفَقُ فِيهِ كَرَائِمُ الْأَمْوَالِ، وَلَا يُيَاسَرُ (¬1) فِيهِ الشَّرِيكُ، وَلَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ، وَلَا يُتَّقَى فِيهِ الْغُلُولُ، فَذَاكَ حَسْبُ صَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ كَفَافًا» " (¬2) . وَقِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ: الْحَاجُّ كَثِيرٌ. فَقَالَ: الدَّاجُّ كَثِيرٌ، وَالْحَاجُّ قَلِيلٌ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. فَالْمَحْوُ وَالتَّكْفِيرُ يَقَعُ بِمَا يُتَقَبَّلُ مِنَ الْأَعْمَالِ. وَأَكْثَرُ النَّاسِ يُقَصِّرُونَ فِي الْحَسَنَاتِ، حَتَّى فِي نَفْسِ صَلَاتِهِمْ. فَالسَّعِيدُ مِنْهُمْ مَنْ يُكْتَبُ لَهُ نِصْفُهَا، وَهُمْ يَفْعَلُونَ السَّيِّئَاتِ كَثِيرًا؛ فَلِهَذَا يُكَفَّرُ بِمَا يُقْبَلُ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ شَيْءٌ، وَبِمَا يُقْبَلُ مِنَ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ، وَبِمَا يُقْبَلُ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ شَيْءٌ آخَرُ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ حَسَنَةٍ تَمْحُو كُلَّ سَيِّئَةٍ، بَلِ الْمَحْوُ يَكُونُ لِلصَّغَائِرِ تَارَةً، وَيَكُونُ لِلْكَبَائِرِ [تَارَةً] (¬3) ، بِاعْتِبَارِ الْمُوَازَنَةِ. وَالنَّوْعُ الْوَاحِدُ مِنَ الْعَمَلِ قَدْ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى وَجْهٍ يَكْمُلُ فِيهِ ¬

(¬1) ن، م: وَلَا يُبَاشَرُ. (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/20 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِيمَنْ يَغْزُو وَيَلْتَمِسُ الدُّنْيَا) ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/41 (كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) 7/139 (كِتَابُ الْبَيْعَةِ، بَابُ التَّشْدِيدِ فِي عِصْيَانِ الْأَمِيرِ) ؛ سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/208 (كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ الْغَزْوِ غَزْوَانِ) الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/234 (¬3) تَارَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

إِخْلَاصُهُ وَعُبُودِيَّتُهُ لِلَّهِ، فَيَغْفِرُ [اللَّهُ] لَهُ بِهِ (¬1) كَبَائِرَ. كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمَا [عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ] (¬2) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، فَيُنْشَرُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدَّ الْبَصَرِ. فَيُقَالُ: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ. فَتَخْرُجُ لَهُ بِطَاقَةٌ قَدْرَ الْكَفِّ، فِيهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ: أَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَتُوضَعُ [هَذِهِ] (¬3) الْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، وَالسِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، فَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ وَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ» " (¬4) . فَهَذِهِ (¬5) حَالُ مَنْ قَالَهَا بِإِخْلَاصٍ وَصِدْقٍ، كَمَا قَالَهَا هَذَا الشَّخْصُ. وَإِلَّا فَأَهْلُ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ دَخَلُوا النَّارَ كُلُّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ¬

(¬1) ن: فَيَغْفِرُ لَهُ بِهِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) هَذِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬4) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/123 - 124 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابٌ فِيمَنْ يَمُوتُ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَأَوَّلُهُ فِيهِ: إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الْحَدِيثَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَهُوَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1437 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ مَا يُرْجَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ؛ الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 11 197 - 200 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ: إِنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/529 وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. وَنَقَلَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَقَالَ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ،. . . . السِّجِلُّ بِكَسْرِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ: هُوَ الْكِتَابُ الْكَبِيرُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْبِطَاقَةُ - بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ - الرُّقْعَةُ، وَأَهْلُ مِصْرَ يَقُولُونَ لِلْبِطَاقَةِ: رُقْعَةٌ. (¬5) ن، م: فَهَذَا.

وَلَمْ يَتَرَجَّحْ قَوْلُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ، كَمَا تَرَجَّحَ قَوْلُ صَاحِبِ الْبِطَاقَةِ. وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ فِيهَا الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ. ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقَى، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ (¬1) ، فَغَفَرَ لَهُ» " (¬2) . وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «إِنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ [لَهُ] مُوقَهَا، [فَسَقَتْهُ بِهِ] ، فَغُفِرَ لَهَا» " (¬3) . وَفِي لَفْظٍ [فِي الصَّحِيحَيْنِ] (¬4) «أَنَّهَا كَانَتْ بَغِيًّا مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ» (¬5) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) ر: لَهُ ذَلِكَ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3/111 - 112 (كِتَابُ الشُّرْبِ وَالْمُسَاقَاةِ، بَابُ فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ) 3/132 - 133 (كِتَابُ الْمَظَالِمِ، بَابُ الْآبَارِ عَلَى الطُّرُقِ إِذَا لَمْ يُتَأَذَّ بِهَا) ؛ مُسْلِمٍ 4/1761 (كِتَابُ السَّلَامِ، بَابُ فَضْلِ سَاقِي الْبَهَائِمِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِطْعَامِهَا) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/33 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الْقِيَامِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْبَهَائِمِ) ؛ الْمُوَطَّأِ 2/929 - 930 (كِتَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) . وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ. (¬3) ن، م: فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَغُفِرَ لَهَا، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/297 (¬4) فِي الصَّحِيحَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) فِي: الْبُخَارِيِّ 4/173؛ مُسْلِمٍ 4/1761 وَأَدْلَعَ لِسَانَهُ: أَدْلَعَ وَدَلَعَ لُغَتَانِ، أَيْ: أَخْرَجَهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ، الْمُوقُ: الْخُفُّ.

قَالَ: " «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي [فِي طَرِيقٍ] (¬1) وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» " (¬2) . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ، رَبَطَتْهَا: لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ» " (¬3) . فَهَذِهِ سَقَتِ الْكَلْبَ بِإِيمَانٍ خَالِصٍ كَانَ فِي قَلْبِهَا (¬4) فَغُفِرَ لَهَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ كُلُّ بَغِيٍّ سَقَتْ كَلْبًا يُغْفَرْ لَهَا. وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي نَحَّى غُصْنَ الشَّوْكِ عَنِ الطَّرِيقِ، فَعَلَهُ إِذْ ذَاكَ بِإِيمَانٍ خَالِصٍ، [وَإِخْلَاصٍ] قَائِمٍ بِقَلْبِهِ (¬5) ، فَغُفِرَ لَهُ بِذَلِكَ. فَإِنَّ الْأَعْمَالَ تَتَفَاضَلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ، وَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونُ مَقَامُهُمَا فِي الصَّفِّ وَاحِدًا، وَبَيْنَ ¬

(¬1) ن، م: بِطَرِيقٍ. (¬2) هَذَا هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/128 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ) ؛ مُسْلِمٍ 3/1521 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ بَيَانِ الشُّهَدَاءِ) 4/2021 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ فَضْلِ إِزَالَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/490 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/230 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) ؛ وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 4/130 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ خَمْسٍ مِنَ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ) وَهُوَ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ فِي الْبُخَارِيِّ؛ مُسْلِمٍ 4/2022 - 2023 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ تَعْذِيبِ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا) وَالْحَدِيثُ فِي مَوْضِعَيْنِ آخَرَيْنِ فِي مُسْلِمٍ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الْمُسْنَدِ. (¬4) عِبَارَةُ كَانَ فِي قَلْبِهَا سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬5) ن، م: بِإِيمَانٍ خَالِصٍ قَامَ بِقَلْبِهِ.

صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ نَحَّى غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ يُغْفَرُ لَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 37] . فَالنَّاسُ (¬1) يَشْتَرِكُونَ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، وَاللَّهُ لَا يَنَالُهُ الدَّمُ الْمُهْرَاقُ وَلَا اللَّحْمُ الْمَأْكُولُ، وَالتَّصَدُّقُ (¬2) بِهِ، لَكِنْ يَنَالُهُ تَقْوَى الْقُلُوبِ. وَفِي الْأَثَرِ: «إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونُ مَقَامُهُمَا فِي الصَّفِّ وَاحِدًا، وَبَيْنَ صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» . فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ يَعْظُمُ قَدْرُهَا [وَيَصْغُرُ قَدْرُهَا] (¬3) بِمَا فِي الْقُلُوبِ، وَمَا فِي الْقُلُوبِ يَتَفَاضَلُ، لَا يَعْرِفُ مَقَادِيرَ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا اللَّهُ - عَرَفَ الْإِنْسَانُ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ كُلَّهُ حَقٌّ، وَلَمْ يَضْرِبْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 60] . وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهُوَ (¬4) الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ (¬5) وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَخَافُ أَنْ يُعَاقَبَ؟ قَالَ: لَا ¬

(¬1) ن، م: فَإِنَّ النَّاسَ. (¬2) ب: وَالْمُتَصَدِّقُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) وَيَصْغُرُ قَدْرُهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: هُوَ. (¬5) م، ر: يَسْرِقُ وَيَزْنِي.

يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ، بَلْ هُوَ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَيَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ» " (¬1) . [وَقَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬2) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أَحَدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» " (¬3) . وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ حِينَ الْإِنْفَاقِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقِلَّةِ أَهْلِهِ، وَكَثْرَةِ الصَّوَارِفِ عَنْهُ، وَضَعْفِ الدَّوَاعِي (¬4) إِلَيْهِ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِثْلُهُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ. وَهَذَا مِمَّا يَعْرِفُ بَعْضَهُ مَنْ ذَاقَ الْأُمُورَ، وَعَرَفَ الْمِحَنَ وَالِابْتِلَاءَ الَّذِي يَحْصُلُ لِلنَّاسِ، وَمَا يَحْصُلُ لِلْقُلُوبِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَهَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِثْلَهُ، فَإِنَّ الْيَقِينَ وَالْإِيمَانَ الَّذِي كَانَ فِي قَلْبِهِ لَا يُسَاوِيهِ فِيهِ أَحَدٌ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ (¬5) : مَا سَبَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ. وَهَكَذَا سَائِرُ الصَّحَابَةِ حَصَلَ لَهُمْ بِصُحْبَتِهِمْ لِلرَّسُولِ، مُؤْمِنِينَ بِهِ مُجَاهِدِينَ مَعَهُ، إِيمَانٌ وَيَقِينٌ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُمْ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/268 (¬2) ر: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬3) ن، م: وَلَا نِصْفَهُ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/20 - 21. (¬4) ح، ر: الدَّاعِي. (¬5) ن: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، م: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ.

وَ [قَدْ ثَبَتَ] فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (¬1) عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: " النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَتْ (¬2) أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» " (¬3) . ¬

(¬1) ن، م: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (¬2) ن: ذَهَبَ. (¬3) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 4/398 - 399 عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَلَكِنَّهُ فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ ابْنٌ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ اسْمُهُ الْحَارِثُ، وَقِيلَ: عَامِرٌ، وَقِيلَ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، انْظُرْ: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 12 18 - 19 تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ 1/95، وَنَصُّ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ 4/1961 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ بَقَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانٌ لِأَصْحَابِهِ) قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ، قَالَ: فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ. قَالَ: أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ. قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ. . الْحَدِيثَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 16 83 وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَمَنَةُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ، وَالْأَمْنُ وَالْأَمَانُ بِمَعْنًى، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النُّجُومَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَالسَّمَاءُ بَاقِيَةٌ، فَإِذَا انْكَدَرَتِ النُّجُومُ وَتَنَاثَرَتْ فِي الْقِيَامَةِ وَهَنَتِ السَّمَاءُ فَانْفَطَرَتْ وَانْشَقَّتْ وَذَهَبَتْ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، أَيْ: مِنِ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ وَارْتِدَادِ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْأَعْرَابِ وَاخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَنْذَرَ بِهِ صَرِيحًا، وَقَدْ وَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ، قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ. مَعْنَاهُ ظُهُورُ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ فِي الدِّينِ وَالْفِتَنِ فِيهِ، وَطُلُوعُ قَرْنِ الشَّيْطَانِ، وَظُهُورُ الرُّومِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَانْتِهَاكُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَيَأْتِينَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو [فِيهِ] (¬1) فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ» " وَفِي لَفْظٍ (¬2) : " «هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو [فِيهِ] (¬3) فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (¬4) فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ» ". هَذَا لَفْظُ بَعْضِ الطُّرُقِ، وَالثَّلَاثُ الطَّبَقَاتُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ، وَأَمَّا الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ فَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَعْضِهَا (¬5) . وَقَدْ ثَبَتَ ثَنَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ يَقُولُ فِيهَا: ¬

(¬1) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) . (¬3) فِيهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ر: مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب: مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح: مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَهُمْ، مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَتْ ن، م: بَعْدَ مَا أَثْبَتُّهُ: ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬5) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 4/37 (كِتَابُ الْجِهَادِ بَابُ مَنِ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ) 4/197 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) 5/2 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَابُ الْأَوَّلُ) ؛ مُسْلِمٍ 4/1962 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) ؛ الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/7

" «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» " وَيَشُكُّ بَعْضُ الرُّوَاةِ هَلْ ذَكَرَ بَعْدَ [قَرْنِهِ] (¬1) قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً (¬2) . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ فَضْلَ الْأَعْمَالِ وَثَوَابَهَا لَيْسَ لِمُجَرَّدِ صُوَرِهَا الظَّاهِرَةِ، بَلْ لِحَقَائِقِهَا الَّتِي فِي الْقُلُوبِ. وَالنَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ ذَلِكَ تُفَاضُلًا عَظِيمًا. وَهَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ رَجَّحَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى كُلِّ [وَاحِدٍ] مِمَّنْ بَعْدَهُمْ (¬3) ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ التَّابِعِينَ، لَكِنْ هَلْ يُفَضَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، وَيُفَضَّلُ مُعَاوِيَةُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ [وَغَيْرُهُ] (¬4) فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّ الْأَكْثَرِينَ يُفَضِّلُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا مَأْثُورٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنْ حُجَّةِ هَؤُلَاءِ أَنَّ أَعْمَالَ التَّابِعِينَ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، وَعَدْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَظْهَرُ مِنْ عَدْلِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ أَزْهَدُ مِنْ مُعَاوِيَةَ، لَكِنَّ الْفَضَائِلَ عِنْدَ اللَّهِ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقُلُوبِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» " (¬5) . قَالُوا: فَنَحْنُ قَدْ نَعْلَمُ أَنَّ أَعْمَالَ [بَعْضِ] (¬6) مَنْ بَعْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَعْمَالِ بَعْضِهِمْ، لَكِنْ مِنْ أَيْنَ نَعْلَمُ (¬7) أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ مِنِ الْإِيمَانِ أَعْظَمُ مِمَّا فِي قَلْبِ ذَلِكَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْبِرُ أَنَّ جَبَلَ ذَهَبٍ مِنَ الَّذِينَ ¬

(¬1) قَرْنِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35 (¬3) ن، م: عَلَى كُلِّ مَنْ بَعْدَهُمْ. (¬4) وَغَيْرُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) . (¬5) ن، م: وَلَا نَصْفَهُ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ ص 223 (¬6) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) . (¬7) ح: يُعْلَمُ.

السبب الرابع الدعاء للمؤمنين

أَسْلَمُوا (¬1) بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ لَا يُسَاوِي نِصْفَ مُدٍّ مِنَ السَّابِقِينَ. وَمَعْلُومٌ فَضْلُ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَعْطَى النَّاسَ حُقُوقَهُمْ وَعَدَلَ فِيهِمْ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهُمْ مُلْكُهُ، وَقَدْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَعْدِلْ ذَلِكَ مِمَّا أَنْفَقَهُ (¬2) السَّابِقُونَ إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا. وَأَيْنَ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا حَتَّى يُنْفِقَهُ الْإِنْسَانُ، وَهُوَ لَا يَصِيرُ مِثْلَ نِصْفِ مُدٍّ؟ وَلِهَذَا يَقُولُ مَنْ يَقُولُ مِنَ السَّلَفِ: غُبَارٌ دَخَلَ [فِي] (¬3) أَنْفِ مُعَاوِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ [عَمَلِ] (¬4) عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إِلَى بَسْطٍ وَتَحْقِيقٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، إِذِ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - مِمَّا يَمْحُو بِهِ السَّيِّئَاتِ الْحَسَنَاتُ، وَأَنَّ الْحَسَنَاتِ تَتَفَاضَلُ بِحَسْبِ مَا فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى. وَحِينَئِذٍ فَيُعْرَفُ أَنَّ مَنْ هُوَ دُونَ الصَّحَابَةِ قَدْ تَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ تَمْحُو مِثْلَ مَا يُذَمُّ مِنْ أَحَدِهِمْ، [فَكَيْفَ الصَّحَابَةُ؟] (¬5) . [السبب الرابع الدعاء للمؤمنين] َ (¬6) ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَيِّتِ وَدُعَاءَهُمْ لَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ. وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ وَاسْتِغْفَارُهُمْ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ. وَالصَّحَابَةُ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يَدْعُونَ لَهُمْ. [السبب الخامس دعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره في حياته وبعد مماته] ِ، كَشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّهُمْ أَخَصُّ النَّاسِ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ فِي مَحْيَاهُ (¬7) وَمَمَاتِهِ. ¬

(¬1) ق، م، ب: مِنَ التَّابِعِينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا. (¬2) ح، ر: مِمَّا يُنْفِقُهُ. (¬3) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) عَمَلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) عِبَارَةُ فَكَيْفَ الصَّحَابَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م، ر: لِلْمُؤْمِنِ. (¬7) ن: فِي حَيَاتِهِ.

السبب السادس ما يفعل بعد الموت من عمل صالح يهدى له

[السبب السادس ما يُفعل بعد الموت من عمل صالح يهدى له] ُ، مِثْلُ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْهُ، وَيَحُجُّ عَنْهُ، وَيَصُومُ عَنْهُ. فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْفَعُهُ، وَهَذَا غَيْرُ دُعَاءِ وَلَدِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1) . فَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ، وَدُعَاؤُهُ مَحْسُوبٌ مِنْ عَمَلِهِ، بِخِلَافِ دُعَاءِ غَيْرِ الْوَلَدِ: فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ عَمَلِهِ، وَاللَّهُ يَنْفَعُهُ بِهِ. [السبب السابع المصائب الدنيوية التي يكفر الله بها الخطايا] (¬2) . (* كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا غَمٍّ وَلَا هَمٍّ (¬3) ، وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» (¬4) ، (¬5) ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَثَلُ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 3/1255 (كِتَابُ الْوَصِيَّةِ، بَابُ مَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنَ الثَّوَابِ بَعْدَ وَفَاتِهِ) ؛ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3 \ - 159 (كِتَابُ الْوَصَايَا بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَيِّتِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/418 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَقْفِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/210 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَيِّتِ) ؛ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/88 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ ثَوَابِ مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) ؛ الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 17 28 - 29 (¬2) ح، ر: خَطَايَاهُ. (¬3) ر: وَلَا هَمٍّ وَلَا غَمٍّ. (¬4) *) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬5) جَمَعَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا بَيْنَ حَدِيثِينَ، الْأَوَّلُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَنَصُّهُ: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي مُسْلِمٍ 4/1992 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يُصِيبُهُ) وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْبَابِ نَفْسِهِ مُقَارِبَةً فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/220 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ مَا جَاءَ فِي ثَوَابِ الْمَرَضِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي فِي نَفْسِ الْمَكَانِ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَنَصُّهُ: مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا حَزَنٍ وَلَا وَصَبٍ حَتَّى الْهَمِّ يَهُمُّهُ إِلَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ عَنْ سَيِّئَاتِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْهُمَا فِي: مُسْلِمٍ 4/1992 - 1993 الْمَوْضِعِ السَّابِقِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ، كَمَا جَاءَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي: الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/4، 24، 38، 61

الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا (¬1) الرِّيَاحُ، تُقَوِّمُهَا تَارَةً وَتُمِيلُهَا أُخْرَى. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزَةِ، لَا تَزَالُ ثَابِتَةً عَلَى أَصْلِهَا، حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً» " (¬2) . وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ] (¬3) . وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يُبْتَلَوْنَ بِالْمَصَائِبِ الْخَاصَّةِ، وَابْتُلُوا بِمَصَائِبَ مُشْتَرَكَةٍ، كَالْمَصَائِبِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الْفِتَنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ قُتِلُوا، وَالْأَحْيَاءُ أُصِيبُوا بِأَهْلِيهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ، وَهَذَا أُصِيبَ فِي مَالِهِ، وَهَذَا أُصِيبَ بِجِرَاحَتِهِ، وَهَذَا أُصِيبَ بِذَهَابِ وِلَايَتِهِ وَعِزِّهِ، ¬

(¬1) ح: تَسْفِيهًا. (¬2) انْجِعَافُهَا: أَيِ انْقِلَاعُهَا، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/137 - 138 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) ؛ مُسْلِمٍ 4/2163، 2164 فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ فِي: (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ، بَابٌ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالزَّرْعِ وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَشَجَرِ الْأَرُزِّ) ؛ سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/310 (كِتَابُ الرَّقَائِقِ، بَابٌ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الزَّرْعِ) ؛ الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 12 178، 14 221 وَالْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/349 وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 6/386 (¬3) فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ كُلُّهَا مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا ذُنُوبَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ الصَّحَابَةُ؟ وَهَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬1) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ [فَيَجْتَاحَهُمْ] (¬2) ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» " (¬3) . ¬

(¬1) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬2) فَيَجْتَاحُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 5/247 وَنَصُّهُ: عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً فَأَحْسَنَ فِيهَا الْقِيَامَ وَالْخُشُوعَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَقَالَ: إِنَّهَا صَلَاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ، سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَزَوَى عَنِّي وَاحِدَةً، سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَبْعَثَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَجْتَاحَهُمْ فَأَعْطَانِيهِ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَبْعَثَ عَلَيْهِمْ سَنَةً تَقْتُلُهُمْ جُوعًا فَأَعْطَانِيهِ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَرَدَّهَا عَلَيَّ. وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ وَفِيهِ: سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ أَصَابَهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَى بَيْضَتِكُمْ عَدُوًّا فَيَجْتَاحَهَا فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا. قَالَ السُّيُوطِيُّ: (ع: مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى، طب: الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالضِّيَاءِ) ، عَنْ خَالِدٍ الْخُزَاعِيِّ، (حم، ت، ن، حب، وَالضِّيَاءِ) عَنْ خَبَّابٍ. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ (صَحِيحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2/309 - 310) الْحَدِيثَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا عَنْ ثَوْبَانَ وَآخَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَعْنَاهُمَا مُقَارِبٌ انْظُرْ: مُسْلِمٍ 4/2215 - 2216 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) وَجَاءَ حَدِيثُ ثَوْبَانَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/138 - 139 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ، بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/319 - 320، (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فِي أُمَّتِهِ) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا حَدِيثًا عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَجَاءَ حَدِيثُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 3/60 - 61، 86 وَالسَّنَةُ الْعَامَّةُ: الْقَحْطُ الَّذِي يَعُمُّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 65] . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ " (1 {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَعُوذُ بِوَجْهِكَ " 1) (¬1) {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ: " هَذَا أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ» " (¬2) . فَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْأُمَّةِ عُمُومًا. وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا أَقَلَّ فِتَنًا مِنْ سَائِرِ مَنْ بَعْدِهِمْ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَأَخَّرَ الْعَصْرُ عَنِ النُّبُوَّةِ كَثُرَ التَّفَرُّقُ وَالْخِلَافُ (¬3) . وَلِهَذَا لَمْ تَحْدُثْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِدْعَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَلَمَّا قُتِلَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ حَدَثَتْ بِدْعَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ: بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرِينَ لِعَلِيٍّ، وَبِدْعَةُ الرَّافِضَةِ الْمُدَّعِينَ لِإِمَامَتِهِ وَعِصْمَتِهِ، أَوْ نُبُوَّتِهِ أَوْ إِلَاهِيَّتِهِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ فِي آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ فِي أَوَّلِ عَصْرِ التَّابِعِينَ فِي أَوَاخِرِ الْخِلَافَةِ الْأُمَوِيَّةِ حَدَثَتْ بِدَعَةُ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ وَالْمُشَبِّهَةِ الْمُمَثِّلَةِ. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (¬4) . وَكَذَلِكَ فِتَنُ السَّيْفِ، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَّفِقِينَ يَغْزُونَ الْعَدُوَّ، فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ قُتِلَ الْحُسَيْنُ، وَحُوصِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ جَرَتْ فِتْنَةُ الْحَرَّةِ بِالْمَدِينَةِ. ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (ح) . (¬2) سَبَقَ فِيمَا مَضَى 2/290 (¬3) ن، م: وَالِاخْتِلَافُ. (¬4) ن، م: مِنْ هَذَا.

ثُمَّ لَمَّا مَاتَ يَزِيدُ جَرَتْ فِتْنَةٌ بِالشَّامِ بَيْنَ مَرْوَانَ وَالضَّحَّاكِ بِمْرَجِ رَاهِطٍ. ثُمَّ وَثَبَ الْمُخْتَارُ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ فَقَتَلَهُ وَجَرَتْ فِتْنَةٌ. ثُمَّ جَاءَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَ الْمُخْتَارَ وَجَرَتْ فِتْنَةٌ. ثُمَّ ذَهَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى مُصْعَبٍ فَقَتَلَهُ وَجَرَتْ فِتْنَةٌ. (¬1) وَأَرْسَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَحَاصَرَهُ مُدَّةً ثُمَّ قَتَلَهُ وَجَرَتْ فِتْنَةٌ. ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى الْحَجَّاجُ الْعِرَاقَ خَرَجَ عَلَيْهِ ابْنُ الْأَشْعَثِ (¬2) مَعَ خَلْقٍ عَظِيمٍ مِنَ الْعِرَاقِ (¬3) وَكَانَتْ فِتْنَةٌ كَبِيرَةٌ، فَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ. ثُمَّ جَرَتْ فِتْنَةُ ابْنِ الْمُهَلَّبِ بِخُرَاسَانَ، وَقُتِلَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ آخَرُونَ. ثُمَّ قَامَ أَبُو مُسْلِمٍ وَغَيْرُهُ بِخُرَاسَانَ وَجَرَتْ حُرُوبٌ وَفِتَنٌ يَطُولُ وَصْفُهَا، ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا. فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ مَلِكٌ خَيْرٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَلَا كَانَ النَّاسُ فِي زَمَانِ (¬4) مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ خَيْرًا مِنْهُمْ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، إِذَا نُسِبَتْ أَيَّامُهُ إِلَى أَيَّامِ مَنْ بَعْدَهُ. وَأَمَّا إِذَا نُسِبَتْ إِلَى أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ظَهَرَ التَّفَاضُلُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ مِنْ طَرِيقِهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) . (¬2) ح، ر، ب: مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ، مِنَ الْقَادَةِ الشُّجْعَانِ، قَاتَلَ الْحَجَّاجَ الثَّقَفِيَّ سَنَةَ 81، وَنَشَبَتْ بَيْنَهُمَا مَعَارِكُ كَثِيرَةٌ إِلَى أَنْ دَارَتْ بَيْنَهُمَا مَوْقِعَةُ دَيْرِ الْجَمَاجِمِ، الَّتِي دَامَتْ مِائَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَانْتَهَتْ بِخُرُوجِ ابْنِ الْأَشْعَثِ مِنَ الْكُوفَةِ، حَتَّى تَمَّ قَتْلُهُ سَنَةَ 85، انْظُرِ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 9/35 - 37 - 40، 42، 55 الْعِبَرَ 1/90 الْأَعْلَامَ 4/98 - 99 (¬3) ن، م، ر: مِنَ الْقُرَّاءِ. (¬4) ن، م، ر: زَمَنِ.

عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ (¬1) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَوْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ عَمَلِ مُعَاوِيَةَ لَقَالَ أَكْثَرُكُمْ: هَذَا الْمَهْدِيُّ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ الثَّابِتِ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُمْ مُعَاوِيَةَ لَقُلْتُمْ: هَذَا الْمَهْدِيُّ. وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَوَّاشٍ (¬2) ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُكْتِبُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْأَعْمَشِ، فَذَكَرُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَدْلَهُ، فَقَالَ الْأَعْمَشُ: فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكْتُمْ مُعَاوِيَةَ؟ قَالُوا: فِي حِلْمِهِ؟ (¬3) قَالَ: لَا وَاللَّهِ، بَلْ فِي عَدْلِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فَرَضَ لِلنَّاسِ (¬4) عَلَى أُعْطِيَّةِ (¬5) آبَائِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأَعْطَانِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا (¬6) أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا (¬7) أَبُو أُسَامَةَ، ثَنَا [الثَّقَفِيُّ] (¬8) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، يَعْنِي السَّبِيعِيَّ (¬9) ، أَنَّهُ [ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ] (¬10) ¬

(¬1) ح: بْنِ جَلَبَةَ. (¬2) ن، م: أَحْمَدُ بْنُ حَوَّاسٍ، ر: أَحْمَدُ بْنُ حَوَّاشٍ. (¬3) ح، ر: فِي ظُلْمِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: عَرَضَ النَّاسُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ر: فَرَضَ عَلَى النَّاسِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) أُعْطِيهِ: كَذَا فِي (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَطِيَّةِ. (¬6) ن، م: ثَنَا، ح: أَنَا، ر: نَا. (¬7) ن، م، ح، ر: ثَنَا. (¬8) ن، م: ثَنَا الثِّقَةُ، ب: أَبُو أُسَامَةَ الثَّقَفِيُّ. (¬9) ن: الشَّعْبِيَّ، م: السَّمِيعِيَّ. (¬10) ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

فَقَالَ: لَوْ [أَدْرَكْتُمُوهُ أَوْ] أَدْرَكْتُمْ (¬1) أَيَّامَهُ لَقُلْتُمْ: كَانَ الْمَهْدِيَّ (¬2) . وَرَوَى الْأَثْرَمُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي [بَكْرِ] (¬3) بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ (¬4) بَعْدَهُ مِثْلَهُ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ضِمَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ (¬5) قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ جَعَلَ فِي كُلِّ قَبِيلٍ (¬6) رَجُلًا، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَّا يُكْنَى أَبَا يَحْيَى، يُصْبِحُ كُلَّ يَوْمٍ فَيَدُورُ عَلَى الْمَجَالِسِ: هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ وَلَدٌ؟ هَلْ حَدَثَ اللَّيْلَةَ حَدَثٌ (¬7) ؟ هَلْ نَزَلَ الْيَوْمَ بِكُمْ (¬8) نَازِلٌ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، نَزَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ بِعِيَالِهِ، يُسَمُّونَهُ وَعِيَالَهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقَبِيلِ كُلِّهِ أَتَى الدِّيوَانَ، فَأَوْقَعَ أَسْمَاءَهُمْ فِي الدِّيوَانِ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ [بْنَ أَبِي سُفْيَانَ] (¬9) يَخْطُبُنَا يَقُولُ: إِنَّ فِي بَيْتِ مَالِكُمْ فَضْلًا بَعْدَ أُعْطِيَاتِكُمْ (¬10) ، وَإِنِّي قَاسِمُهُ بَيْنَكُمْ، فَإِنْ كَانَ يَأْتِينَا فَضْلٌ عَامًا قَابِلًا قَسَّمْنَاهُ عَلَيْكُمْ، وَإِلَّا فَلَا عَتَبَةَ عَلَيَّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِي، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ. ¬

(¬1) ن، م: لَوْ أَدْرَكْتُمْ. (¬2) ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ هَذَا الْخَبَرَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/357 وَنَسَبَهُ إِلَى الْأَعْمَشِ وَنَصُّهُ: وَعَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ لَقُلْتُمْ: هَذَا الْمَهْدِيُّ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مُرْسَلًا وَفِيهِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. (¬3) بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن: مَا رَأَيْتُمْ. (¬5) ن، ر: عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ. (¬6) ح، ر: قَبِيلَةٍ. (¬7) ب: حَادِثٌ. (¬8) ن، م: بِكُمُ الْيَوْمَ. (¬9) بْنَ أَبِي سُفْيَانَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬10) ح، ر: عَطِيَّاتِكُمْ، ن، م: عَطَائِكُمْ.

وَفَضَائِلُ مُعَاوِيَةَ فِي حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ كَثِيرَةٌ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ؟ إِنَّهُ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ (¬1) ؟ قَالَ: أَصَابَ إِنَّهُ فَقِيهٌ (¬2) . وَرَوَى الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (¬3) بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِمَامِكُمْ هَذَا. يَعْنِي مُعَاوِيَةَ (¬4) . فَهَذِهِ (¬5) شَهَادَةُ الصَّحَابَةِ بِفِقْهِهِ وَدِينِهِ، وَالشَّاهِدُ بِالْفِقْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَبِحُسْنِ الصَّلَاةِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَهُمَا هُمَا. وَالْآثَارُ الْمُوَافِقَةُ لِهَذَا كَثِيرَةٌ (¬6) . ¬

(¬1) ن، م: أَوْتَرَ رَكْعَةً. (¬2) هَذَا الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبُخَارِيِّ 5/28 - 29 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَنَصُّهُ: هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ، قَالَ: إِنَّهُ فَقِيهٌ. (¬3) ن، م، ر: بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. (¬4) الْأَثَرُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ لِلْهَيْثَمِيِّ 9/357 وَقَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَذْحِجِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ. (¬5) ن، م: فَهَذَا. (¬6) وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 9/357 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْهَيْثَمِيُّ 9/356 - 357 وَجَاءَ أَيْضًا فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 2/913 - 915 عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ مُرْسَلَةٍ وَلَكِنْ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ، وَتَعْلِيقَ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ عَلَى كَلَامِهِ، ص 202 - 211 ط. السَّلَفِيَّةِ، الْقَاهِرَةُ 1371

هَذَا وَمُعَاوِيَةُ لَيْسَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، بَلْ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ. وَقِيلَ: أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَكَانَ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ (¬1) لَيْسَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ. وَهَذِهِ سِيرَتُهُ مَعَ عُمُومِ وِلَايَتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ بِالْمَغْرِبِ، وَمِنْ قُبْرُصَ إِلَى الْيَمَنِ. وَمَعْلُومٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ قَرِيبًا مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَضْلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَكَيْفَ يُشَبَّهُ غَيْرُ الصَّحَابَةِ بِهِمْ؟ وَهَلْ تُوجَدُ سِيرَةُ أَحَدٍ مِنَ الْمُلُوكِ مِثْلُ سِيرَةِ (¬2) مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬3) وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْفِتَنَ الَّتِي بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَالذُّنُوبَ الَّتِي لَهَا بَعْدَ الصَّحَابَةِ، أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ. وَمَعَ هَذَا فَمُكَفِّرَاتُ الذُّنُوبِ مَوْجُودَةٌ لَهُمْ. وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَجُمْهُورُهُمْ وَجُمْهُورُ أَفَاضِلِهِمْ مَا دَخَلُوا فِي فِتْنَةٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ [الْإِمَامِ] أَحْمَدَ (¬4) : حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ [يَعْنِي] السَّخْتِيَانِيَّ (¬5) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةُ آلَافٍ، فَمَا حَضَرَهَا (¬6) مِنْهُمْ مِائَةٌ، بَلْ لَمْ يَبْلُغُوا (¬7) ثَلَاثِينَ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ ¬

(¬1) ح، ب، م: أَنَّهُ. (¬2) سِيرَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي (ن) ، وَفِي (م) : لَعَنَهُ اللَّهُ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ نَاسِخَ (م) كَانَ رَافِضِيًّا، وَقَدْ ظَهَرَ هَذَا أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ سَابِقَةٍ عِنْدَ قَوْلِهِ بَعْدَ كَلِمَةِ عَلِيٍّ: عَلَيْهِ السَّلَامُ. . . . .، إِلَخْ. (¬4) ن، م: بْنِ أَحْمَدَ. (¬5) ن، م، ر: أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ. (¬6) ن، م: مَا حَضَرَهَا. (¬7) ن، م: ثُمَّ لَمْ يَبْلُغُوا.

مِنْ أَصَحِّ إِسْنَادٍ (¬1) عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ [مِنْ] (¬2) أَوَرِعِ النَّاسِ فِي مَنْطِقِهِ، وَمَرَاسِيلُهُ مِنْ أَصَحِّ الْمَرَاسِيلِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، (* حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ يَشْهَدِ الْجَمَلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَإِنْ جَاءُوا بِخَامِسٍ فَأَنَا كَذَّابٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي (¬3) *) ، حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: قِيلَ لِشُعْبَةَ: إِنَّ أَبَا شَيْبَةَ رَوَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: شَهِدَ صِفِّينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعُونَ رَجُلًا. فَقَالَ: كَذَبَ وَاللَّهِ، لَقَدْ ذَاكَرْتُ الْحَكَمَ بِذَلِكَ، وَذَاكَرْنَاهُ فِي بَيْتِهِ، فَمَا وَجَدْنَاهُ شَهِدَ صِفِّينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ غَيْرَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ. قُلْتُ: هَذَا النَّفْيُ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ مَنْ حَضَرَهَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ حَضَرَهَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو أَيُّوبَ. وَكَلَامُ ابْنِ سِيرِينَ مُقَارِبٌ (¬4) فَمَا يَكَادُ يَذْكُرُ مِائَةً وَاحِدٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ: أَمَا إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَخْرُجُوا إِلَّا إِلَى قُبُورِهِمْ. ¬

(¬1) ر: وَهَذَا إِسْنَادُهُ مِنْ أَصَحِّ إِسْنَادٍ، ح: وَهَذَا إِسْنَادٌ مِنْ أَصَحِّ إِسْنَادٍ، ب، ن: وَهَذَا الْإِسْنَادُ أَصَحُّ إِسْنَادٍ. (¬2) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) ح، ر، ب: مُتَقَارِبٌ.

السبب الثامن والتاسع والعاشر من بلاء القبر وأهوال يوم القيامة واقتصاصهم من بعض

[السبب الثامن والتاسع والعاشر من بلاء القبر وأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ واقتصاصهم من بعض] السَّبَبُ الثَّامِنُ: مَا يُبْتَلَى بِهِ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ مِنَ الضَّغْطَةِ وَفِتْنَةِ الْمَلَكَيْنِ. السَّبَبُ التَّاسِعُ: مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ كَرْبِ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. السَّبَبُ الْعَاشِرُ: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا عَبَرُوا الصِّرَاطَ، وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ (¬1) ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ» (¬2) . فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ لَا تَفُوتُ كُلُّهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا الْقَلِيلَ، فَكَيْفَ بِالصَّحَابَةِ (¬3) - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمُ - الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ قُرُونِ (¬4) الْأُمَّةِ؟ وَهَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ، فَكَيْفَ [بِمَا] (¬5) يُكْذَبُ عَلَيْهِمْ؟ فَكَيْفَ بِمَا يُجْعَلُ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ (¬6) وَهُوَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ؟ وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَطْعَنَ فِي عُثْمَانَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَلَمْ يَشْهَدْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ (¬7) . فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا يَوْمُ أُحُدٍ فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. [وَفِي لَفْظٍ: فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ فَعَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَأَذْنَبَ عِنْدَكُمْ ذَنْبًا، فَلَمْ تَعْفُوا عَنْهُ] (¬8) . وَأَمَّا يَوْمُ ¬

(¬1) ن، م: بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/314 وَأَوَّلُهُ: إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ. . الْحَدِيثَ. (¬3) ن، م: الصَّحَابَةُ. (¬4) ن، م: فِرَقِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) بِمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن: سِيَاسَتِهِمْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن: الْعَقَبَةَ، ر: الْحُدَيْبِيَةَ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى من لا يصلح للولاية

بَدْرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْلَفَهُ عَلَى ابْنَتِهِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ. وَأَمَّا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ فَإِنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ عُثْمَانَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ وَبَايَعَ عَنْهُ بِيَدِهِ، وَيَدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ (¬1) . فَقَدْ أَجَابَ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّ مَا يَجْعَلُونَهُ (¬2) عَيْبًا [مَا كَانَ مِنْهُ عَيْبًا] (¬3) ، فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَالْبَاقِي لَيْسَ بِعَيْبٍ، بَلْ هُوَ مِنَ الْحَسَنَاتِ. وَهَكَذَا عَامَّةُ (¬4) مَا يُعَابُ بِهِ عَلَى سَائِرِ (¬5) الصَّحَابَةِ هُوَ إِمَّا حَسَنَةٌ وَإِمَّا مَعْفُوٌّ عَنْهُ. [الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى من لا يصلح للولاية] وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ (¬6) الرَّافِضِيِّ: إِنَّ عُثْمَانَ وَلَّى مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْوِلَايَةِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا بَاطِلًا، وَلَمْ يُوَلِّ إِلَّا مَنْ يَصْلُحُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَلَّى مَنْ لَا يَصْلُحُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَكِنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ، فَظَنَّ أَنَّهُ كَانَ (¬7) يَصْلُحُ وَأَخْطَأَ (¬8) ظَنُّهُ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِيهِ. وَهَذَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ الَّذِي أُنْكِرَ عَلَيْهِ وِلَايَتُهُ قَدِ اشْتُهِرَ فِي التَّفْسِيرِ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 5/15 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ) 5/98 - 99 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) ؛ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/293 - 294 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، مَنَاقِبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) ؛ الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 8/130 - 131، 251 - 252. (¬2) ح، ر: تَجْعَلُونَهُ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) عَامَّةُ: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: غَايَةُ. (¬5) عَلَى سَائِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) ، وَفِي (ر) ، (م) : عَلَى الصَّحَابَةِ. (¬6) ن: فَيُقَالُ قَوْلُ، م: فَصْلٌ: فَقَوْلُ. (¬7) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬8) ح، ب: فَأَخْطَأَ.

وَالْحَدِيثِ [وَالسِّيَرِ] (¬1) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَّاهُ عَلَى صَدَقَاتِ نَاسٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُمْ خَرَجُوا إِلَيْهِ، فَظَنَّ أَنَّهُمْ يُحَارِبُونَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ مُحَارَبَتَهُمْ [لَهُ] (¬2) ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6] (¬3) . فَإِذَا كَانَ حَالُ هَذَا خَفِيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ لَا يَخْفَى عَلَى عُثْمَانَ؟ ! وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ عُثْمَانَ وَلَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَيُقَالُ: بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ [بْنِ أَبِي سَرْحٍ] (¬4) ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا، وَقَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِسْلَامَهُ وَتَوْبَتَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَهْدَرَ دَمَهُ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ عُمَّالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَظُنُّهُ فِيهِمْ. فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي عُثْمَانَ وَلَا غَيْرِهِ. وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّ عُثْمَانَ وَلَّى مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ. أَوْ يُقَالُ: إِنَّ مَحَبَّتَهُ لِأَقَارِبِهِ مَيَّلَتْهُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى صَارَ يَظُنُّهُمْ أَحَقَّ مِنْ ¬

(¬1) وَالسِّيَرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) انْظُرْ: تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ 7/350 - 352 (¬4) ن، م، ر: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، ج: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْحٍ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ ب.

غَيْرِهِمْ، أَوْ أَنَّ مَا فَعَلَهُ (¬1) كَانَ ذَنْبًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ (¬2) أَنَّ ذَنْبَهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى ظَهَرَ مِنْ بَعْضِهِمُ الْفِسْقُ، وَمِنْ بَعْضِهِمُ الْخِيَانَةُ. فَيُقَالُ: ظُهُورُ ذَلِكَ بَعْدَ الْوِلَايَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَانَ ثَابِتًا حِينَ الْوِلَايَةِ، وَلَا عَلَى أَنَّ الْمُوَلِّيَ عَلِمَ ذَلِكَ. وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ شَرِبَ الْخَمْرَ طَلَبَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَكَانَ يَعْزِلُ مَنْ يَرَاهُ مُسْتَحِقًّا لِلْعَزْلِ، وَيُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ يَرَاهُ مُسْتَحِقًّا لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقَسَّمَ الْمَالَ بَيْنَ أَقَارِبِهِ. فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبًا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ؟ فَإِنَّ النَّاسَ تَنَازَعُوا فِيمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ: هَلْ يَسْتَحِقُّهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ بَعْدَهُ، عَلَى قَوْلَيْنِ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي وَلِيِّ (¬3) الْيَتِيمِ: هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ غَنِيًّا أُجْرَتَهُ مَعَ غِنَاهُ، وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ، أَوِ التَّرْكُ وَاجِبٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَمَنْ جَوَّزَ الْأَخْذَ مِنْ مَالِ (¬4) الْيَتِيمِ مَعَ الْغِنَى، جَوَّزَهُ لِلْعَامِلِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَوَّزَهُ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ. وَمَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُهُ مِنْ مَالِ (¬5) بَيْتِ الْمَالِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ عَلَى الزَّكَاةِ الْأَخْذُ مَعَ الْغِنَى، فَإِنَّ الْعَامِلَ عَلَى الزَّكَاةِ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ جَعَالَتِهِ مَعَ غِنَاهُ. ¬

(¬1) ن: وَمَا فَعَلَهُ، م: وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ. (¬2) ح، ب: وَتَقَدَّمَ. (¬3) ن، م: وَصِيِّ. (¬4) ن، م: مِنْ أَمْوَالِ. (¬5) ن، م: مِنْ أَمْوَالِ.

الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه استعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران

وَوَلِيُّ (¬1) الْيَتِيمِ قَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهِ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 6] . وَأَيْضًا فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ (¬2) إِلَى أَنَّ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى هُوَ لِقَرَابَةِ الْإِمَامِ، كَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي أَقَارِبَهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَسَقَطَ حَقُّ ذَوِي قُرْبَاهُ بِمَوْتِهِ. كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ حَقُّهُ بِمَوْتِهِ، فَحَقُّهُ السَّاقِطُ قِيلَ: إِنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْمَصَالِحِ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَقِيلَ: هُوَ لِمَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مِمَّا تَأَوَّلَهُ عُثْمَانُ. وَنُقِلَ (¬3) عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفْسِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا، وَأَنَّهُ يَأْخُذُ بِعَمَلِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَفْضَلُ، فَكَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِهَذَا وَهَذَا، وَكَانَ يُعْطِي أَقْرِبَاءَهُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ، فَكَانَ يُعْطِيهِمْ (¬4) لِكَوْنِهِمْ ذَوِي قُرْبَى الْإِمَامِ، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَعَامَّةُ مَنْ تَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَ عُمَرَ كَانَ يَخُصُّ بَعْضَ أَقَارِبِهِ: إِمَّا بِوِلَايَةٍ، وَإِمَّا بِمَالٍ. وَعَلِيٌّ وَلَّى أَقَارِبَهُ أَيْضًا (¬5) . [الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه استعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران] وَأَمَّا قَوْلُهُ: اسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ حَتَّى ظَهَرَ مِنْهُ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ سَكْرَانُ. ¬

(¬1) ن، ر، ح: وَوَالِي. (¬2) ن، م: الْعُلَمَاءِ. (¬3) ن، م: وَذُكِرَ. (¬4) ن، م: مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ يُعْطِيهِمْ. (¬5) ن: وَلَّى أَرْقَابَ النَّاسِ أَيْضًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه استعمل سعيد بن العاص فظهر منه ما أدى إلى إخراج أهل الكوفة له

فَيُقَالُ: لَا جَرَمَ طَلَبَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِمَشْهَدٍ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: قُمْ فَاضْرِبْهُ. فَأَمَرَ عَلِيٌّ الْحَسَنَ بِضَرْبِهِ، فَامْتَنَعَ. وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: قُمْ فَاضْرِبْهُ، فَضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ. ثُمَّ قَالَ: أَمْسِكْ، ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ [وَغَيْرُهُ] (¬1) . فَإِذَا أَقَامَ الْحَدَّ بِرَأْيِ عَلِيٍّ وَأَمْرِهِ، فَقَدْ فَعَلَ الْوَاجِبَ. [الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه استعمل سعيد بن العاص فظهر منه ما أدى إلى إخراج أهل الكوفة له] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّهُ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ عَلَى الْكُوفَةِ، وَظَهَرَ مِنْهُ مَا أَدَّى إِلَى أَنْ أَخْرَجَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْهَا. فَيُقَالُ: مُجَرَّدُ إِخْرَاجِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَنْبٍ يُوجِبُ ذَاكَ، فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى كُلِّ وَالٍ. قَدْ قَامُوا عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَهُوَ الَّذِي فَتَحَ الْبِلَادَ، وَكَسَرَ جُنُودَ كِسْرَى، وَهُوَ أَحَدُ أَهْلِ الشُّورَى، وَلَمْ يَتَوَلَّ عَلَيْهِمْ نَائِبٌ (¬2) مِثْلُهُ. وَقَدْ شَكَوْا غَيْرَهُ مِثْلَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالْمُغَيَّرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَدَعَا عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ لَبَّسُوا عَلَيَّ فَلَبِّسْ عَلَيْهِمْ. وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ رَاضِيًا بِذَنَبِهِ، وَنُوَّابُ عَلِيٍّ قَدْ أَذْنَبُوا ذُنُوبًا كَثِيرَةً. (3 بَلْ كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ نُوَّابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُذْنِبُونَ ذُنُوبًا كَثِيرَةً 3) (¬3) . وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِمَامُ مُذْنِبًا ¬

(¬1) وَغَيْرُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (ر) . وَسَبَقَ الْأَثَرُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ ص 6/39 وَانْظُرْ عَنْ تَوْلِيَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، الْعَوَاصِمَ مِنَ الْقَوَاصِمِ ص 85 - 87، 90 - 99. (¬2) ن، م: ثَانِيًا، ر: نَائِبًا. (¬3) (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ب) .

الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى ابن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها

إِذَا تَرَكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ إِقَامَةِ حَدٍّ (¬1) ، أَوِ اسْتِيفَاءِ حَقٍّ، أَوِ اعْتِدَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (¬2) . وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هُنَاكَ ذَنْبًا، فَقَدْ عُلِمَ الْكَلَامُ فِيهِ. [الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى ابن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها] وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ مِصْرَ حَتَّى تَظَلَّمَ مِنْهُ أَهْلُهَا، وَكَاتَبَهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى وِلَايَتِهِ سِرًّا، خِلَافَ مَا كَتَبَ إِلَيْهِ جَهْرًا. وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى عُثْمَانَ. وَقَدْ حَلَفَ عُثْمَانُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ بِلَا يَمِينٍ، وَغَايَةُ مَا قِيلَ: إِنَّ مَرْوَانَ كَتَبَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَأَنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ مَرْوَانَ لِيَقْتُلُوهُ، فَامْتَنَعَ. فَإِنْ كَانَ قَتْلُ مَرْوَانَ لَا يَجُوزُ، فَقَدْ فَعَلَ الْوَاجِبَ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ، فَقَدْ فَعَلَ الْجَائِزَ، وَإِنْ كَانَ قَتْلُهُ وَاجِبًا، فَذَاكَ (¬3) مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِمَرْوَانَ ذَنْبٌ يُوجِبُ قَتْلَهُ شَرْعًا، فَإِنَّ مُجَرَّدَ التَّزْوِيرِ لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ الْوَاجِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْجَوَابَ الْعَامَّ (¬4) . [الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه أمر بقتل محمد بن أبي بكر] وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَمَرَ بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ عَلَى عُثْمَانَ. وَكُلُّ ذِي عِلْمٍ بِحَالِ عُثْمَانَ وَإِنْصَافٍ لَهُ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَأْمُرُ بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا أَمْثَالِهِ، وَلَا عُرِفَ مِنْهُ قَطُّ أَنَّهُ قَتَلَ أَحَدًا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، وَقَدْ سَعَوْا فِي ¬

(¬1) ن: الْحَدِّ. (¬2) انْظُرْ عَنْ تَوْلِيَةِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ، ص 374 - 375 وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيب رَحِمَهُ اللَّهُ. (¬3) ح، ب: فَذَا. (¬4) انْظُرْ: الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ وَالتَّعْلِيقَاتِ ص 375 - 377 الْعَوَاصِمَ مِنَ الْقَوَاصِمِ ص 109 - 110 ص 126 - 129

قَتْلِهِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ دَخَلَ، وَهُوَ لَا يَأْمُرُ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَبْتَدِئُ بِقَتْلِ مَعْصُومِ الدَّمِ؟ (¬1) وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، لَمْ يُطْعَنْ عَلَى عُثْمَانَ. بَلْ عُثْمَانُ إِنْ كَانَ أَمَرَ بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِمَّنْ طَلَبَ قَتْلَ مَرْوَانَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ إِمَامُ هُدًى، وَخَلِيفَةٌ رَاشِدٌ، يَجِبُ عَلَيْهِ سِيَاسَةُ رَعِيَّتِهِ، وَقَتْلُ مَنْ لَا يُدْفَعُ شَرُّهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ (¬2) . وَأَمَّا الَّذِينَ طَلَبُوا قَتْلَ مَرْوَانَ فَقَوْمٌ خَوَارِجُ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُمْ قَتْلُ أَحَدٍ، وَلَا إِقَامَةُ حَدٍّ. وَغَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا ظُلِمُوا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَلَيْسَ لِكُلِّ مَظْلُومٍ أَنْ يَقْتُلَ بِيَدِهِ كُلَّ مَنْ ظَلَمَهُ، بَلْ وَلَا يُقِيمَ الْحَدَّ. وَلَيْسَ مَرْوَانُ أَوْلَى بِالْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا هُوَ أَشْهَرَ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْهُ. بَلْ أَخْرَجَ أَهْلُ الصِّحَاحِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ عَنْ مَرْوَانَ، وَلَهُ قَوْلٌ مَعَ أَهْلِ الْفُتْيَا (¬3) ، وَاخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ (¬4) . ¬

(¬1) انْظُرْ: الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ، وَالتَّعْلِيقَاتِ ص 376 - 377 (¬2) ح، ب: إِلَّا بِقَتْلِهِ. (¬3) أَوْرَدَ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي كِتَابِهِ " ذَخَائِرُ الْمَوَارِيثِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَدِيثِ " 3/95 - 96، ط. جَمْعِيَّةِ النَّشْرِ وَالتَّأْلِيفِ الْأَزْهَرِيَّةِ، الْقَاهِرَةُ، 1353 1934 أَحَدَ عَشَرَ حَدِيثًا عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى مِنْهَا 6200 - 6202 فِي الْبُخَارِيِّ وَجَاءَتْ بَاقِي الْأَحَادِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْمُوَطَّأِ. (¬4) ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ 3/455 - 456 وَقَالَ: يُقَالُ: وُلِدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ وَقِيلَ: بِأَرْبَعٍ، وَقَالَ ابْنُ شَاهِينَ: مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَيَكُونُ مَوْلِدُهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ: وُلِدَ عَامَ أُحُدٍ، يَعْنِي سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَقَدْ كَانَ فِي الْفَتْحِ مُمَيِّزًا وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَكِنْ لَا يُدْرَى أَسَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَمْ لَا. ثُمَّ قَالَ: فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَزْيَدُ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَأَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث

وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ النَّاسِ، وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَشْهُرًا قَلِيلَةً: مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ إِلَى أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ وُلِدَ بِالشَّجَرَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَمَرْوَانُ مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ حَيَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ رَآهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، أَوْ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. [وَالَّذِينَ] (¬1) قَالُوا: لَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: إِنَّ أَبَاهُ كَانَ بِالطَّائِفِ، فَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُوهُ بِالطَّائِفِ، وَهُوَ مَعَ أَبِيهِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى أَبَاهُ إِلَى الطَّائِفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ ذَهَبَ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنَّ نَفْيَهُ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ. وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَدْ كَانَ أَبُوهُ بِمَكَّةَ مَعَ سَائِرِ الطُّلَقَاءِ، وَكَانَ هُوَ قَدْ قَارَبَ سِنَّ التَّمْيِيزِ. وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ أَبُوهُ حَجَّ مَعَ النَّاسِ، فَرَآهُ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَعَلَّهُ قَدِمَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَلَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِنَفْيِ رُؤْيَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا أَقْرَانُهُ، كَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَّى (¬2) مُعَاوِيَةَ الشَّامَ، فَأَحْدَثَ مِنَ الْفِتَنِ مَا أَحْدَثَهُ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا وَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. لَمَّا مَاتَ أَخُوهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَلَّاهُ عُمَرُ مَكَانَ أَخِيهِ. وَاسْتَمَرَّ فِي وِلَايَةِ ¬

(¬1) وَالَّذِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ح، ب: وَلَّى.

عُثْمَانَ، وَزَادَهُ عُثْمَانُ فِي الْوِلَايَةِ. وَكَانَتْ سِيرَةُ مُعَاوِيَةَ مَعَ رَعِيَّتِهِ مِنْ خِيَارِ سِيَرِ (¬1) الْوُلَاةِ، وَكَانَتْ رَعِيَّتُهُ يُحِبُّونَهُ (¬2) . وَ [قَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشَرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» " (¬4) . وَإِنَّمَا ظَهَرَ الْإِحْدَاثُ مِنْ مُعَاوِيَةَ فِي الْفِتْنَةِ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ كَانْتِ الْفِتْنَةُ شَامِلَةً لِأَكْثَرِ النَّاسِ، لَمْ يَخْتَصَّ بِهَا مُعَاوِيَةُ، بَلْ كَانَ مُعَاوِيَةُ أَطْلَبَ لِلسَّلَامَةِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَأَبْعَدَ عَنِ (¬5) الشَّرِّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ. وَمُعَاوِيَةُ كَانَ خَيْرًا مِنَ الْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَمِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَمِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ (¬6) بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمِنْ أَبِي الْأَعْوَرِ السُّلَمِيِّ، [وَمِنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ الْمِرْقَالِ] (¬7) ، وَمِنَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ، وَمِنْ بُسْرِ (¬8) بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَمَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ¬

(¬1) ن: سِيرَةِ. (¬2) انْظُرِ: الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ، ص 231، 234، ص 259، 262، 387 - 389. (¬3) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ، ح، ب: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/116، 1/565 (¬5) ح، ب: مِنَ. (¬6) ن: عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: بِشْرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، وَكَانَ مِنْ قُوَّادِ مُعَاوِيَةَ، وُلِدَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 86، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 1/152، الْأَعْلَامِ 2/23 - 24.

الرد على قول الرافضي وولى عبد الله بن عامر البصرة ففعل من المناكير ما فعل

[الرد على قول الرافضي وولى عبد الله بن عامر البصرة فَفَعْلَ مِنَ الْمَنَاكِيرِ مَا فَعَلَ] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْبَصْرَةَ، فَفَعْلَ مِنَ الْمَنَاكِيرِ مَا فَعَلَ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالْمَحَبَّةِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ مَا لَا يُنْكَرُ، وَإِذَا فَعَلَ مُنْكَرًا فَذَنْبُهُ عَلَيْهِ (¬1) . فَمَنْ قَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ بِالْمُنْكَرِ الَّذِي فَعَلَهُ؟ [الرد على قول الرافضي وولى مروان أمره وَأَلْقَى إِلَيْهِ مَقَالِيدَ أُمُورِهِ] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَوَلَّى مَرْوَانَ أَمْرَهُ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ مَقَالِيدَ أُمُورِهِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ خَاتَمَهُ، وَحَدَثَ مِنْ ذَلِكَ قَتْلُ عُثْمَانَ، وَحَدَثَ مِنَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ مَا حَدَثَ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ قَتْلَ عُثْمَانَ وَالْفِتْنَةَ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهَا مَرْوَانَ (¬2) وَحْدَهُ، بَلِ اجْتَمَعَتْ أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْ جُمْلَتِهَا أُمُورٌ تُنْكَرُ مِنْ مَرْوَانَ. وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَدْ كَبُرَ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ أَشْيَاءَ لَا يُعْلِمُونَهُ بِهَا، فَلَمْ يَكُنْ آمِرًا لَهُمْ بِالْأُمُورِ الَّتِي أَنْكَرْتُمُوهَا عَلَيْهِ (¬3) ، بَلْ كَانَ يَأْمُرُ بِإِبْعَادِهِمْ وَعَزْلِهِمْ، [فَتَارَةً يَفْعَلُ ذَلِكَ] (¬4) ، وَتَارَةً لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ (¬5) الْجَوَابُ الْعَامُّ. وَلَمَّا قَدِمَ الْمُفْسِدُونَ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ عُثْمَانَ، وَشَكَوْا أُمُورًا، أَزَالَهَا كُلَّهَا [عُثْمَانُ] (¬6) ، حَتَّى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ إِلَى عَزْلِ مَنْ يُرِيدُونَ عَزْلَهُ، وَإِلَى أَنَّ مَفَاتِيحَ بَيْتِ الْمَالِ تُعْطَى لِمَنْ يَرْتَضُونَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُعْطِي أَحَدًا مِنَ الْمَالِ إِلَّا بِمَشُورَةِ الصَّحَابَةِ وَرِضَاهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ طَلَبٌ. وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ ¬

(¬1) ن: قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ، م: فَقَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ. (¬2) ن: لَمْ تَكُنْ سَنَةَ مَرْوَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. م: لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مَرْوَانَ. (¬3) ر: أَنْكَرْتُمُوهَا عَلَيْهِمْ، ن، م: الَّتِي أُنْكِرَتْ عَلَيْهِمْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ح، ب: وَتَقَدَّمَ. (¬6) عُثْمَانُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه كان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " مَصَصْتُمُوهُ كَمَا يُمَصُّ (¬1) الثَّوْبُ، ثُمَّ عَمَدْتُمْ إِلَيْهِ فَقَتَلْتُمُوهُ ". وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ زُوِّرَ (¬2) عَلَيْهِ كِتَابٌ بِقَتْلِهِمْ (¬3) ، وَأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ فِي الطَّرِيقِ، فَأَنْكَرَ عُثْمَانُ الْكِتَابَ، وَهُوَ الصَّادِقُ. وَأَنَّهُمُ اتَّهَمُوا بِهِ مَرْوَانَ، وَطَلَبُوا تَسْلِيمَهُ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُسَلِّمْهُ. وَهَذَا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، لَا يُبِيحُ [شَيْئًا] مِمَّا فَعَلُوهُ [بِعُثْمَانَ] (¬4) . وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَرْوَانُ قَدْ أَذْنَبَ فِي إِرَادَتِهِ قَتْلَهُمْ، وَ [لَكِنْ] لَمْ يَتِمَّ (¬5) غَرَضُهُ. وَمَنْ سَعَى فِي قَتْلِ إِنْسَانٍ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ. فَمَا كَانَ يَجِبُ قَتْلُ مَرْوَانَ بِمِثْلِ هَذَا. نَعَمْ يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِمَّنْ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا، وَتَأْخِيرُهُ وَتَأْدِيبُهُ. وَنَحْوُ ذَلِكَ. أَمَّا الدَّمُ فَأَمْرٌ عَظِيمٌ. [الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه كان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَكَانَ يُؤْثِرُ أَهْلَهُ بِالْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، حَتَّى أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، زَوَّجَهُمْ بَنَاتِهِ، أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ (¬6) ، وَدَفَعَ إِلَى مَرْوَانَ أَلْفَ أَلْفَ دِينَارٍ ". فَالْجَوَابُ: [أَوَّلًا] (¬7) أَنْ يُقَالَ: أَيْنَ النَّقْلُ الثَّابِتُ بِهَذَا؟ نَعَمْ كَانَ يُعْطِي أَقَارِبَهُ عَطَاءً كَثِيرًا، وَيُعْطِي غَيْرَ أَقَارِبِهِ أَيْضًا، وَكَانَ مُحْسِنًا إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا هَذَا الْقَدْرُ الْكَثِيرُ فَيَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ ثَابِتٍ (¬8) . ¬

(¬1) ن، م، ر: يُمْتَصُّ. (¬2) ن: زَوَّرُوا. (¬3) ن، ر: الْكِتَابُ بِقَتْلِهِمْ، م: الْكِتَابُ لِقَتْلِهِمْ. (¬4) ن، م: لَا يُنِيجُ مَا فَعَلُوهُ. وَكَلِمَةُ يَنْتُجُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) . (¬5) ن، م: وَلَمْ يَتِمَّ. (¬6) ن، م: أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ. (¬7) أَوَّلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) ن، م: بَيِّنٍ.

ثُمَّ يُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَيِّنِ، فَإِنَّهُ لَا عُثْمَانُ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَعْطَوْا أَحَدًا مَا يُقَارِبُ هَذَا الْمَبْلَغَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُعْطِي (¬1) مَنْ يَتَأَلَّفُهُ أَكْثَرَ مِنْ عُثْمَانَ. وَمَعَ هَذَا فَغَايَةُ مَا أَعْطَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ [دِرْهَمٍ] (¬2) . وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِ أَحَدًا قَدْرَ هَذَا قَطُّ. نَعَمْ كَانَ عُثْمَانُ يُعْطِي بَعْضَ أَقَارِبِهِ مَا يُعْطِيهِمْ مِنَ الْعَطَاءِ الَّذِي أُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ فِي ذَلِكَ، وَالْجَوَابُ الْعَامُّ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ تَأْوِيلَانِ فِي إِعْطَائِهِمْ، كِلَاهُمَا مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَا أَطْعَمَ اللَّهُ لِنَبِيٍّ طُعْمَةً إِلَّا كَانَتْ طُعْمَةً لِمَنْ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مَعْرُوفًا مَرْفُوعًا (¬3) ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ الْكَلَامِ فِي جُزْئِيَّاتِ الْمَسَائِلِ. وَقَالُوا: [إِنَّ] (¬4) ذَوِي الْقُرْبِي فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَوُو قُرْبَاهُ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ هُمْ ذَوُو قُرْبَى مَنْ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَهُ. وَقَالُوا: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا (¬5) أَقَارِبُ كَمَا كَانَ لِعُثْمَانَ، فَإِنَّ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ مِنْ أَكْبَرِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُوَازِيهِمْ إِلَّا بَنُو مَخْزُومٍ. وَالْإِنْسَانُ مَأْمُورٌ بِصِلَةِ رَحِمِهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ يَصِلُهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ لِذَوِي الْقُرْبَى، اسْتَحَقُّوا بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يُوصَلُوا مِنْ ¬

(¬1) ن، م: أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي. (¬2) دِرْهَمٍ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 109 (¬4) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬5) لَهُمَا: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: لَهُمْ.

بَيْتِ الْمَالِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ، لِكَوْنِهِمْ أُولِي قُرْبَى الْإِمَامِ. وَذَلِكَ أَنَّ نَصْرَ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَالذَّبَّ عَنْهُ مُتَعَيَّنٌ، وَأَقَارِبُهُ يَنْصُرُونَهُ وَيَذُبُّونَ عَنْهُ مَا لَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُمْ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ ذَوِي أَمْرٍ (¬1) مِنْ أَقْوَامٍ يَأْتَمِنُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَدْفَعُونَ عَنْهُ مَنْ يُرِيدُ ضَرَرَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّاسُ مَعَ إِمَامِهِمْ كَمَا كَانُوا مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، احْتَاجَ الْأَمْرُ إِلَى بِطَانَةٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ كِفَايَةٍ. فَهَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 60] . وَالْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ الْغَنِيُّ لَهُ (¬2) أَنْ يَأْخُذَ بِعِمَالَتِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْعَامِلُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 6] . وَهَلِ الْأَمْرُ لِلْغَنِيِّ بِالِاسْتِعْفَافِ أَمْرُ إِيجَابٍ أَوْ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. (3 وَوَلِيُّ بَيْتِ الْمَالِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ هَلْ هُوَ كَعَامِلِ الصَّدَقَةِ 3) (¬3) (* أَوْ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَإِذَا جُعِلَ وَلِيُّ الْأَمْرِ كَعَامِلِ الصَّدَقَةِ اسْتَحَقَّ مَعَ الْغِنَى *) (¬4) . وَإِذَا جُعِلَ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ (¬5) فَفِيهِ الْقَوْلَانِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَعُثْمَانُ عَلَى قَوْلَيْنِ: كَانَ لَهُ الْأَخْذُ مَعَ الْغِنَى. وَهَذَا مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ، لَيْسَتْ كَأَغْرَاضِ الْمُلُوكِ الَّتِي لَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. ¬

(¬1) ن، م، ر: لِكُلِّ ذِي أَمْرٍ. (¬2) ن، الْمَعْنِيُّ لَهُ، م: الْمُعَيَّنُ لَهُ. (¬3) (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (ح) فَقَطْ. (¬4) - مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬5) ن: وَإِذَا جُعِلَ وَلِيَّ الْيَتِيمِ.

الرد على قول الرافضي أن ابن مسعود كان يطعن على عثمان ويكفره رضي الله عنهما

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ إِنْ كَانَتْ مُطَابَقَةً فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَتْ مَرْجُوحَةً (¬1) فَالتَّأْوِيلَاتُ فِي الدِّمَاءِ الَّتِي جَرَتْ مِنْ عَلِيٍّ لَيْسَتْ بِأَوْجَهَ مِنْهَا. وَالِاحْتِجَاجُ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ أَقْوَى (¬2) مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِقَوْلِ مَنْ رَأَى الْقِتَالَ. [الرد على قول الرافضي أن ابن مسعود كان يطعن على عثمان ويكفره رضي الله عنهما] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَطْعَنُ عَلَيْهِ وَيُكَفِّرُهُ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَيِّنِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ النَّقْلِ يَعْلَمُونَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَا كَانَ يُكَفِّرُ عُثْمَانَ، بَلْ لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ قَالَ: " وَلَّيْنَا أَعْلَانَا ذَا فُوقٍ وَلَمْ نَأْلُ ". وَكَانَ عُثْمَانُ فِي السِّنِينَ الْأُوَلِ (¬3) مِنْ وِلَايَتِهِ لَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَمَّا كَانَتِ السِّنِينَ الْآخِرَةُ (¬4) نَقَمُوا مِنْهُ أَشْيَاءَ، بَعْضُهَا هُمْ مَعْذُورُونَ فِيهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا كَانَ عُثْمَانُ هُوَ الْمَعْذُورَ فِيهِ. مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَمْرُ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ بَقِيَ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُصْحَفِ، لَمَّا فَوَّضَ كِتَابَتَهُ إِلَى زَيْدٍ دُونَهُ، وَأَمَرَ الصَّحَابَةَ (¬5) أَنْ يَغْسِلُوا (¬6) مَصَاحِفَهُمْ. وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ مَعَ عُثْمَانَ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَدِ انْتَدَبَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لِجَمْعِ الْمُصْحَفِ فِي ¬

(¬1) ن، م: أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ إِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَلَا كَلَامَ (م: فَالْكَلَامُ) ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا. (¬2) ن، م: أَوْجَهُ. (¬3) ح، ب: فِي السَّنَةِ الْأُولَى. (¬4) ن: وَلَمَّا كَانَ فِي السِّنِينَ الْآخِرَةِ، م: وَلَمَّا كَانَ فِي السِّنِينَ الْآخِرِ، ح، ب: وَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الْآخِرَةُ. (¬5) ح، ب: وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ. (¬6) أَنْ يَغْسِلُوا: كَذَا فِي (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: أَنْ يَغْلُوا، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَغْسِلُوا الْمَصَاحِفَ، وَكَانَتْ مِنَ الْجِلْدِ أَوِ الْعَظْمِ، مِنَ الْكِتَابَةِ الَّتِي بِهَا.

الصُّحُفِ (¬1) ، فَنَدَبَ عُثْمَانُ مَنْ نَدَبَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَدْ حَفِظَ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ، فَكَانَ اخْتِيَارُ تِلْكَ أَحَبَّ إِلَى الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَارَضَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُرْآنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ. وَأَيْضًا فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْكَرَ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ، وَقَدْ قَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ النِّكَاحَ. وَهَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةُ غَرَضُهُمُ التَّكْفِيرُ أَوِ التَّفْسِيقُ (¬2) لِلْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ بِأَشْيَاءَ لَا يُفَسَّقُ بِهَا وَاحِدٌ مِنَ الْوُلَاةِ، فَكَيْفَ يُفَسَّقُ بِهَا أُولَئِكَ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْخَصْمِ [فِي خَصْمِهِ] (¬3) لَا يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ كَلَامُ أَحَدِ (¬4) الْمُتَشَاجِرَيْنِ فِي الْآخَرِ. ثُمَّ يُقَالُ: بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ مَسْعُودٍ طَعَنَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَيْسَ جَعْلُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي عُثْمَانَ بِأَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ قَدْحًا فِي ابْنِ مَسْعُودٍ. وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهِدًا فِيمَا قَالَهُ أَثَابَهُ اللَّهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ وَغَفَرَ لَهُ خَطَأَهُ، وَإِنْ كَانَ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا ذَنْبٌ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَلِيٌّ لِلَّهِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ، فَذَنْبُ كُلِّ وَاحِدٍ (¬5) مِنْهُمَا لَا يُعَذِّبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. ¬

(¬1) ن: لِجَمْعِ الْمُصْحَفِ لِلصُّحُفِ، م: لِجَمْعِ الْمُصْحَفِ فِي الْمُصْحَفِ. (¬2) ح، ر: أَوِ الْفِسْقُ، ن، م: وَالْفِسْقُ. (¬3) فِي خَصْمِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أَحَدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬5) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) .

وَعُثْمَانُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ. هُوَ أَفْضَلُ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَأَبِي ذَرٍّ [وَمِنْ] غَيْرِهِمْ (¬1) مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ. فَلَيْسَ جَعْلُ كَلَامِ الْمَفْضُولِ قَادِحًا فِي الْفَاضِلِ بِأَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، بَلْ إِنْ أَمْكَنَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَإِلَّا تُكُلِّمَ بِمَا يُعْلَمُ مِنْ فَضْلِهِمَا وَدِينِهِمَا، وَكَانَ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمَا وَتَنَازَعَا فِيهِ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ. وَلِهَذَا أَوْصَوْا (¬2) بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّا لَا نُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ (¬3) . كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا يَدَيَّ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُخَضِّبَ بِهَا لِسَانِي ". وَقَالَ آخَرُ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 134] . لَكِنْ إِذَا ظَهَرَ مُبْتَدِعٌ يَقْدَحُ فِيهِمْ بِالْبَاطِلِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الذَّبِّ عَنْهُمْ، وَذِكْرِ مَا يُبْطِلُ حُجَّتَهُ (¬4) بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ. وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ مِنْ تَكَلُّمِ عَمَّارٍ فِي عُثْمَانَ، وَقَوْلِ الْحَسَنِ فِيهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَقَدْ كَفَرَ عُثْمَانُ كُفْرَةً صَلْعَاءَ "، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَنْكَرَ [ذَلِكَ] (¬5) عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ، وَقَالَ لَهُ: " يَا عَمَّارُ أَتَكْفُرُ بِرَبٍّ آمَنَ بِهِ عُثْمَانُ؟ ". وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي هُوَ وَلِيٌّ لِلَّهِ قَدْ يَعْتَقِدُ كُفْرَ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ وَلِيٌّ لِلَّهِ، وَيَكُونُ مُخْطِئًا فِي هَذَا الِاعْتِقَادِ. وَلَا يَقْدَحُ ¬

(¬1) ن، م: وَغَيْرِهِمْ. (¬2) أَوْصَوْا: كَذَا فِي (ب) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: وَصَّوْا. (¬3) ن، م: لَا بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ. (¬4) ح، ر: حُجَّتَهُمْ. (¬5) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الرد على قول الرافضي أن عثمان حكم بضرب ابن مسعود رضي الله عنهما حتى مات

هَذَا فِي إِيمَانِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَوِلَايَتِهِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ " (¬1) ، وَكَمَا «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: " دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ "، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» " (¬2) . فَعُمَرُ أَفْضَلُ مِنْ عَمَّارٍ، وَعُثْمَانُ أَفْضَلُ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ. وَحُجَّةُ عُمَرَ فِيمَا قَالَ لِحَاطِبٍ أَظْهَرُ مِنْ حُجَّةِ عَمَّارٍ، [وَمَعَ هَذَا] فَكِلَاهُمَا (¬3) مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ عُثْمَانُ وَعَمَّارٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَا قَالَ؟ ! مَعَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ عَمَّارٌ قَالَ ذَلِكَ. [الرد على قول الرافضي أن عثمان حكم بضرب ابن مسعود رضي الله عنهما حتى مات] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬4) : " إِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ ضَرَبَ ابْنَ مَسْعُودٍ حَتَّى مَاتَ ". فَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَلِيَ أَقَرَّ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُوفَةِ، إِلَى أَنْ جَرَى مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [مَا جَرَى. وَمَا مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ] (¬5) مِنْ ضَرْبِ عُثْمَانَ أَصْلًا. وَفِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ عُثْمَانَ ضَرَبَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوْ عَمَّارًا، فَهَذَا لَا ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 4/333 وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/501 (¬3) ن، م: عَمَّارٍ وَكِلَاهُمَا. (¬4) وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَكَانُهَا بَيَاضٌ فِي (ن) ، (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ر) .

يَقْدَحُ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَكَابِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ وَلِيَ اللَّهِ قَدْ يَصْدُرُ مِنْهُ (¬1) مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ الشَّرْعِيَّةَ، فَكَيْفَ بِالتَّعْزِيرِ؟ (¬2) وَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ بِالدِّرَّةِ لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَمْشُونَ خَلْفَهُ. فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: هَذَا ذِلَّةٌ لِلتَّابِعِ وَفِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ. فَإِنْ كَانَ عُثْمَانُ أَدَّبَ هَؤُلَاءِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ مُصِيبًا فِي تَعْزِيرِهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ (¬3) ذَلِكَ الَّذِي عُزِّرُوا عَلَيْهِ تَابُوا مِنْهُ، أَوْ كُفِّرَ عَنْهُمْ بِالتَّعْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَصَائِبِ، أَوْ بِحَسَنَاتِهِمْ (¬4) الْعَظِيمَةِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كَانُوا مَظْلُومِينَ مُطْلَقًا، فَالْقَوْلُ فِي عُثْمَانَ كَالْقَوْلِ فِيهِمْ وَزِيَادَةٍ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَأَحَقُّ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ. وَقَدْ يَكُونُ الْإِمَامُ مُجْتَهِدًا فِي الْعُقُوبَةِ مُثَابًا عَلَيْهَا، وَأُولَئِكَ مُجْتَهِدُونَ فِيمَا فَعَلُوهُ لَا يَأْثَمُونَ بِهِ، بَلْ يُثَابُونَ عَلَيْهِ لِاجْتِهَادِهِمْ. مِثْلَ شَهَادَةِ أَبِي بَكْرَةَ عَلَى الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ مُحْتَسِبًا فِي شَهَادَتِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَعُمَرُ أَيْضًا مُحْتَسِبٌ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ. ¬

(¬1) ن: عَنْهُ. (¬2) انْظُرِ: الْعَوَاصِمَ مِنَ الْقَوَاصِمِ، ص 54 التَّعْلِيقَ ص 63 - 64 (¬3) ح، ر، ب: وَيَكُونُ. (¬4) ن: وَبِحَسَنَاتِهِمْ.

فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَا جَرَى مِنْ عُثْمَانَ فِي تَأْدِيبِ ابْنِ مَسْعُودٍ [وَعَمَّارٍ] (¬1) مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَإِذَا كَانَ الْمُقْتَتِلُونَ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمْ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ فَالْمُخْتَصِمُونَ أَوْلَى بِذَلِكَ (¬2) . وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ مُجْتَهِدًا، وَكَانُوا مُجْتَهِدِينَ. فَمِثْلُ هَذَا (¬3) يَقَعُ كَثِيرًا: يَفْعَلُ الرَّجُلُ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ، وَيَرَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِعُقُوبَتِهِ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِعُقُوبَةِ الْمُتَعَدِّي وَإِنْ تَابَ بَعْدَ رَفْعِهِ (¬4) إِلَى الْإِمَامِ. فَالزَّانِي وَالسَّارِقُ وَالشَّارِبُ إِذَا تَابُوا بَعْدَ الرَّفْعِ إِلَى الْإِمَامِ وَثُبُوتِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنْهُمْ (¬5) بِالتَّوْبَةِ، بَلْ يُعَاقَبُونَ مَعَ كَوْنِهِمْ بِالتَّوْبَةِ مُسْتَحِقِّينَ لِلْجَنَّةِ (¬6) ، وَيَكُونُ الْحَدُّ مِمَّا يُثَابُونَ عَلَيْهِ، وَيُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ، وَيُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّكْفِيرِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ مَنِ اعْتَقَدَهُ مُسْتَحِقًّا لِقَتْلِهِ قِصَاصًا، أَوْ أَخَذَ مَالًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَهُ فِي الْبَاطِنِ، ثُمَّ ادَّعَى أَهْلُ الْمَقْتُولِ، وَأَهْلُ الْمَالِ بِحَقِّهِمْ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ، حُكِمَ لَهُمْ بِهِ، وَعَاقَبَ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَحْكُومِ بِهِ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِيمَا فَعَلَهُ، بَلْ بَرِيئًا فِي الْبَاطِنِ. ¬

(¬1) وَعَمَّارٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: فَهَؤُلَاءِ أَوْلَى بِذَلِكَ. (¬3) ح، ر: وَهَذَا. (¬4) م: بَعْدَ الرَّفْعِ. (¬5) ن: عَنْهُمُ الْحَدُّ. (¬6) ح، ب: الْجَنَّةَ.

الرد على حديث مكذوب يذكره الرافضي عن عمار رضي الله عنه

وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَحِدُّونَ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُتَنَازَعِ (¬1) فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا. وَكَذَلِكَ يَأْمُرُونَ بِقِتَالِ الْبَاغِي الْمُتَأَوِّلِ لِدَفْعِ بَغْيِهِ، وَإِنْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ لَا يُفَسِّقُونَهُ لِتَأْوِيلِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ لَمَّا أَرْسَلَهُ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ هُوَ وَالْحَسَنَ؛ لِيُعِينُوا عَلَى عَائِشَةَ (¬2) ، قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ بِهَا لِيَنْظُرَ: إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ إِيَّاهَا؟ (¬3) فَقَدْ شَهِدَ لَهَا عَمَّارٌ بِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَزَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْآخِرَةِ، وَمَعَ هَذَا دَعَا النَّاسَ إِلَى دَفْعِهَا بِمَا يُمْكِنُ مِنْ قِتَالٍ وَغَيْرِهِ. فَإِذَا كَانَ عَمَّارٌ يَشْهَدُ لَهَا بِالْجَنَّةِ وَيُقَاتِلُهَا، فَكَيْفَ لَا يَشْهَدُ لَهُ عُثْمَانُ بِالْجَنَّةِ وَيَضْرِبُهُ؟ وَغَايَةُ مَا [يُقَالُ: إِنَّ مَا] وَقَعَ كَانَ هَذَا وَهَذَا [وَهَذَا] مُذْنِبِينَ فِيهِ (¬4) . وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ أَنَّ الْقَوْمَ مَشْهُودٌ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذُنُوبٌ. [الرد على حديث مكذوب يذكره الرافضي عن عمار رضي الله عنه] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «عَمَّارٌ جِلْدَةٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ". ¬

(¬1) ن: الْمُنَازَعِ. (¬2) ن، م: لِيُعِينُوا عَلِيًّا. (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/29 كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . .، بَابِ فَضْلِ عَائِشَةَ. . .، 9/55 - 56 (كِتَابِ الْفِتَنِ، بَابِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ) 4/265 (¬4) ن، م: وَغَايَةُ مَا وَقَعَ: يُقَالُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا وَهَذَا مُذْنِبِينَ فِيهِ.

فَيُقَالُ: الَّذِي فِي الصَّحِيحِ: " «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " (¬1) . وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ الْكَرَابِيسِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي» " فَكَذِبٌ مَزِيدٌ فِي الْحَدِيثِ، لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ (¬2) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «عَمَّارٌ جِلْدَةٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ» " لَا يُعْرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ (¬3) . وَلَوْ قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ (* أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بُضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا يُرِيبُهَا» " (¬4) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ *) (¬5) أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» " (¬6) . وَ [ثَبَتَ] عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ (¬7) أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أُسَامَةَ، ثُمَّ يَقُولُ (¬8) : " «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» " (¬9) . وَمَعَ هَذَا لَمَّا قَتَلَ ذَلِكَ الرَّجُلَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ إِنْكَارًا شَدِيدًا، وَقَالَ: ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/413 - 420 (¬2) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬3) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/145 - 242 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: أَنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي. . . . . إِلَخْ، وَانْظُرْ كِتَابَ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، الْأَرْقَامَ 1327، 1328، 1329، 1330، 1334، 1335 (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/534 - 5/74 (¬7) ن: وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ. (¬8) ن، م: وَيَقُولُ. (¬9) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنْ حُبِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: انْظُرْ: سُنَنَ التِّرْمِذِيِّ 5/342 (كِتَابَ الْمَنَاقِبِ، بَابَ مَنَاقِبِ أُسَامَةَ) ، (مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ لِلْهَيْثَمِيِّ 9/286، فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ) 2/834 - 386، تَرْتِيبَ مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، تَأْلِيفُ أَحْمَدْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَنَّا 2/140، ط الْمُنِيرِيَّةِ بِالْأَزْهَرِيَّةِ) 1372 (الْمَسْنَدَ ط. الْحَلَبِيِّ) ، 5/205، 210 وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا. وَسَبَقَ فِيمَا مَضَى 4/39

" «يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ [أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ] (¬1) ؟ " قَالَ: " فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ» " (¬2) . [وَثَبَتَ] عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ (¬3) أَنَّهُ قَالَ: " «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» " الْحَدِيثَ (¬4) . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي عَبْدِ اللَّهِ حَمَّارٍ، أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُهُ (¬5) عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ (¬6) أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬7) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) سَبَقَ هَذَا فِيمَا مَضَى 1/560 (¬3) ن، م: وَعَنْهُ فِي الصَّحِيحِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 4/6 - 7 (كِتَابِ الْوَصَايَا، بَابِ هَلْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالْوَلَدُ فِي الْأَقَارِبِ، وَأَوَّلُهُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. . .، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 6/112 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الشُّعَرَاءِ، بَابِ ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 214] (سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/208 كِتَابِ الْوَصَايَا، بَابِ: إِذَا أَوْصَى لِعَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/305 (كِتَابِ الرِّقَاقِ، بَابِ ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) ) . (¬5) ح، ب: يُضْرَبُ. (¬6) ن، م: وَقَالَ عَنْهُ. (¬7) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/458

وَقَالَ فِي خَالِدٍ: " سَيْفٌ (¬1) مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ " (¬2) وَلَمَّا فَعَلَ فِي بَنِي جَذِيمَةَ مَا فَعَلَ، قَالَ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» " (¬3) . وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: " «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» " (¬4) . وَلَمَّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ قَالَ: " «إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يُزَوِّجُوا ابْنَتَهُمْ (¬5) عَلِيًّا، وَإِنِّي لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُمْ. وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ» " (¬6) . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرٍ يَضْرِبُ عَبْدَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: " «انْظُرُوا مَا يَفْعَلُ الْمُحْرِمُ» " (¬7) وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. ¬

(¬1) ب: إِنَّهُ سَيْفٌ. (¬2) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 4/477 (¬3) مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 4/486 - 487 (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ 4/34 (¬5) ح، ر، م: بِنْتَهُمْ. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ مُخْتَصَرًا ص 259 (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ أَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/223 (كِتَابِ الْمَنَاسِكِ، بَابِ الْمُحْرِمِ يُؤَدِّبُ غُلَامَهُ، وَلَفْظُهُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّاجًا، وَكَانَتْ زِمَالَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَزِمَالَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةً مَعَ غُلَامٍ لِأَبِي بَكْرٍ، فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهِ، فَطَلَعَ وَلَيْسَ مَعَهُ بَعِيرُهُ، قَالَ: أَيْنَ بَعِيرُكَ؟ قَالَ: أَضْلَلْتُهُ الْبَارِحَةَ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَعِيرٌ وَاحِدٌ تُضِلُّهُ؟ قَالَ: فَطَفِقَ يَضْرِبُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْتَسِمُ، وَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ مَا يَصْنَعُ. قَالَ ابْنُ أَبِي رِزْمَةَ: فَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يَقُولَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ مَا يَصْنَعُ. وَيَبْتَسِمُ. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/978 (كِتَابِ الْمَنَاسِكِ، بَابِ التَّوَقِّي فِي الْإِحْرَامِ) ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 3/432 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ.

فَكَوْنُ الرَّجُلِ مَحْبُوبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا يَمْنَعُ أَنْ يُؤَدَّبَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ، وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا [مِنْ] (¬1) خَطَايَاهُ» ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬2) . وَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 123] . «قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جَاءَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ. فَقَالَ: " أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ فَهُوَ مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ» ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (¬3) . وَفِي الْحَدِيثِ: " «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» ". (¬4) . ¬

(¬1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 228، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ: مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ. . . . إِلَخْ. (¬3) هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 1/181 - 182 الْأَرْقَامِ 68 - 71 وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ ط. الْمَعَارِفِ 9/341 - 343 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْأُسْتَاذِ مَحْمُود شَاكِر ص 243 تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 2/370 (وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ) ، وَقَالَ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اللَّأْوَاءُ الشِّدَّةُ وَضِيْقُ الْمَعِيشَةِ) ، وَهُوَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 3/74 - 75 وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَهُوَ عَجَبٌ مِنْهُمَا، فَإِنَّ انْقِطَاعَ سَنَدِهِ بَيِّنٌ. (¬4) لِأَهْلِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ أَنَّ الْهَيْثَمِيَّ فِي كِتَابِهِ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 6/265 - 266 قَدْ خَصَّصَ بَابًا بِعُنْوَانِ: بَابُ هَلْ تُكَفِّرُ الْحُدُودُ الذُّنُوبَ أَمْ لَا؟ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ أَمْ لَا؟ ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادَيْنِ رِجَالُ أَحَدِهِمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ أَحَادِيثَ تُفِيدُ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَارَّاتٌ، مِنْهَا: عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ أَصَابَ شَيْئًا مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ كَفَّرَ عَنْهُ ذَلِكَ الذَّنْبَ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ. ثُمَّ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: الطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ بِنَحْوِهِ، وَفِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ، وَهُوَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا وَذَكَرَ أَحَادِيثَ أُخَرَ أَكْثَرُهَا ضَعِيفٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي (¬1) فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ [مِنْ ذَلِكَ] (¬2) شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» " (¬3) . فَإِذَا كَانَتِ الْمَصَائِبُ السَّمَاوِيَّةُ (¬4) الَّتِي تَجْرِي بِغَيْرِ فِعْلِ بَشَرٍ (¬5) مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا، فَمَا يَجْرِي مِنْ أَذَى الْخَلْقِ وَالْمَظَالِمِ (¬6) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، كَمَا يُصِيبُ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ أَذَى الْكُفَّارِ، وَكَمَا يُصِيبُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ أَذَى مَنْ يُكَذِّبُهُمْ، وَكَمَا يُصِيبُ الْمَظْلُومَ مِنْ أَذَى الظَّالِمِ. ¬

(¬1) ن، م: وَلَا تَعْصُوا. (¬2) مِنْ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 1/8 - 9 (كِتَابِ الْإِيمَانِ، بَابِ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ 5/55 كِتَابِ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابِ وُفُودِ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَبَيْعَةِ الْعَقَبَةِ) 8/159، 162 كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ: الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ، بَابِ تَوْبَةِ السَّارِقِ) ، مُسْلِمٍ 3/1333 - 1334 (كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ: الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/144 (كِتَابِ الْبَيْعَةِ، بَابِ ثَوَابِ مَنْ وَفَّى بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ) ، سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/220 (كِتَابِ السِّيَرِ، بَابِ: فِي بَيْعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) ن، م: السَّمَائِيَّةُ. (¬5) عِبَارَةُ " فِعْلِ بَشَرٍ " مَكَانُهَا بَيَاضٌ فِي (ح) ، (ر) . (¬6) ن: مِنْ أَذَى الْخَلْقِ الظَّالِمِ وَالْكَافِرِ، ر: مِنْ أَذَى الْخَلْقِ كَافِرًا وَالظَّالِمِ، وَيُوجَدُ بَيَاضٌ بَعْدَ كَلِمَةِ الْخَلْقِ، وَمَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ح) ، (ب) ، وَلَكِنْ يُوجَدُ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ فِي (ح) ، بَعْدَ كَلِمَةِ الْخَلْقِ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا مِمَّا يَقَعُ مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَا يَفْعَلُهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِنْ إِقَامَةِ حَدٍّ وَتَعْزِيرٍ يَكُونُ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِهِ أَوْلَى. وَكَانُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ إِذَا شَرِبَ أَحَدُهُمُ الْخَمْرَ جَاءَ بِنَفْسِهِ إِلَى الْأَمِيرِ وَقَالَ: " طَهِّرْنِي ". وَقَدْ جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ وَالْغَامِدِيَّةُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَلَبَا مِنْهُ التَّطْهِيرَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكَوْنُ الرَّجُلِ وَلِيًّا لِلَّهِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، مِنْ تَأْدِيبِ وَلِيِّ الْأَمْرِ الَّذِي أَمَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَإِذَا قِيلَ: هُمْ مُجْتَهِدُونَ مَعْذُورُونَ فِيمَا أَدَّبَهُمْ عَلَيْهِ عُثْمَانُ، فَعُثْمَانُ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ: كَانَ مُجْتَهِدًا مَعْذُورًا فِيمَا أَدَّبَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ مَأْمُورٌ بِتَقْوِيمِ رَعِيَّتِهِ. وَكَانَ عُثْمَانُ أَبْعَدَ عَنِ الْهَوَى، وَأَوْلَى بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ فِيمَا أَدَّبَهُمْ عَلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. وَلَوْ قَدَحَ رَجُلٌ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِأَنَّهُ قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ [وَقَاتَلَ] طَلْحَةَ (¬1) وَالزُّبَيْرَ. لَقِيلَ لَهُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ وَأَوْلَى بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ مِنَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ هُمُ الْعَادِلِينَ (¬2) وَهُوَ ظَالِمٌ لَهُمْ. كَذَلِكَ عُثْمَانُ فِيمَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا هُوَ أَوْلَى بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ مِنْهُمْ. وَإِذَا وَجَبَ الذَّبُّ عَنْ عَلِيٍّ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَالذَّبُّ عَنْ عُثْمَانَ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْلَى. ¬

(¬1) ن، م: وَطَلْحَةَ. (¬2) ح: هُمُ الْعَادِلُونَ.

الرد على زعم الرافضي أن الرسول عليه السلام طرد الحكم وابنه عن المدينة وردهما عثمان وأكرمهما

[الرد على زعم الرافضي أن الرسول عليه السلام طرد الحكم وابنه عن المدينة وردهما عثمان وأكرمهما] وَقَوْلُهُ: " وَطَرَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ عَمَّ عُثْمَانَ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ مَرْوَانُ، فَلَمْ يَزَلْ هُوَ وَابْنُهُ طَرِيدَيْنِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ آوَاهُ وَرَدَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَعَلَ مَرْوَانَ كَاتِبَهُ وَصَاحِبَ تَدْبِيرِهِ. مَعَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الْآيَةَ] (¬1) [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 22] . وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ كَانَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَكَانُوا أَلْفَيْ رَجُلٍ، وَمَرْوَانُ ابْنُهُ كَانَ صَغِيرًا إِذْ ذَاكَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عُمْرُهُ حِينَ الْفَتْحِ سِنَّ التَّمْيِيزِ: إِمَّا سَبْعُ سِنِينَ، أَوْ أَكْثَرُ بِقَلِيلٍ، أَوْ أَقَلُّ بِقَلِيلٍ، فَلَمْ يَكُنْ لِمَرْوَانَ ذَنْبٌ يُطْرَدُ عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ تَكُنِ الطُّلَقَاءُ تَسْكُنُ بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ كَانَ قَدْ طَرَدَهُ، فَإِنَّمَا طَرَدَهُ مِنْ مَكَّةَ لَا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ طَرَدَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ لَكَانَ يُرْسِلُهُ إِلَى مَكَّةَ. وَقَدْ طَعَنَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي نَفْيِهِ، وَقَالُوا: هُوَ ذَهَبَ بِاخْتِيَارِهِ. وَقِصَّةُ نَفْيِ الْحَكَمِ لَيْسَتْ فِي الصِّحَاحِ، وَلَا لَهَا إِسْنَادٌ يُعْرَفُ بِهِ أَمْرُهَا. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْوِي أَنَّهُ حَاكَى (¬2) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِشْيَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ نَفَاهُ إِلَى الطَّائِفِ. ¬

(¬1) الْآيَةُ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: جَاوَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَالطُّلَقَاءُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هَاجَرَ، بَلْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» " (¬1) . وَلَمَّا (¬2) قَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مُهَاجِرًا أَمْرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[بِالرُّجُوعِ] (¬3) إِلَى مَكَّةَ. وَلَمَّا أَتَاهُ الْعَبَّاسُ بِرَجُلٍ (¬4) لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ، أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: " « [إِنِّي] (¬5) أَبْرَرْتُ قَسَمَ عَمِّي وَلَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» ". وَكَانَ الْعَبَّاسُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ وُصُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[إِلَيْهَا] (¬6) عَامَ الْفَتْحِ، فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ. فَلَمْ تَكُنِ الطُّلَقَاءُ تَسْكُنُ بِالْمَدِينَةِ. فَإِنْ كَانَ قَدْ طَرَدَهُ فَإِنَّمَا طَرَدَهُ مِنْ مَكَّةَ لَا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ طَرَدَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ لَكَانَ يُرْسِلُهُ إِلَى مَكَّةَ. وَقَدْ طَعَنَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي نَفْيِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالُوا: هُوَ ذَهَبَ بِاخْتِيَارِهِ. وَالطَّرْدُ هُوَ النَّفْيُ، وَالنَّفْيُ قَدْ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي الزَّانِي وَفِي الْمُخَنَّثِينَ، وَكَانُوا يُعَزَّرُونَ بِالنَّفْيِ. وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَزَّرَ رَجُلًا بِالنَّفْيِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَبْقَى مَنْفِيًّا طُولَ الزَّمَانِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَمْ تَأْتِ الشَّرِيعَةُ بِذَنْبٍ يَبْقَى صَاحِبُهُ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/398 (¬2) ن، م: فَلَمَّا. (¬3) بِالرُّجُوعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) بِرَجُلٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ فِي (ر) . (¬5) إِنِّي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) إِلَيْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

مَنْفِيًّا [دَائِمًا] (¬1) ، بَلْ غَايَةُ النَّفْيِ الْمُقَدَّرِ سَنَةً، وَهُوَ نَفْيُ الزَّانِي وَالْمُخَنَّثِ حَتَّى يَتُوبَ مِنَ التَّخْنِيثِ، فَإِنْ كَانَ تَعْزِيرُ الْحَاكِمِ لِذَنْبٍ حَتَّى يَتُوبَ مِنْهُ، فَإِذَا تَابَ سَقَطَتِ الْعُقُوبَةُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذَنْبٍ مَاضٍ فَهُوَ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ لَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ قَدْرٌ، وَلَمْ يُوَقَّتْ فِيهِ وَقْتٌ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَالنَّفْيُ كَانَ فِي آخِرِ الْهِجْرَةِ، فَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ طَالَتْ مُدَّتُهُ، وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ شَفَعَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ كَاتِبًا لِلْوَحْيِ، وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ فِيمَنْ أَهْدَرَ، ثُمَّ جَاءَ [بِهِ] (¬2) عُثْمَانُ فَقَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَفَاعَتَهُ فِيهِ وَبَايَعَهُ، فَكَيْفَ لَا يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ فِي الْحَكَمِ؟ ! وَقَدْ رَوَوْا أَنَّ عُثْمَانَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ ذَنْبَهُ دُونَ ذَنْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. وَقِصَّةُ [عَبْدِ اللَّهِ] ثَابِتَةٌ (¬3) مَعْرُوفَةٌ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ. وَأَمَّا قِصَّةُ الْحَكَمِ فَعَامَّةُ مَنْ ذَكَرَهَا إِنَّمَا ذَكَرَهَا مُرْسَلَةً، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُؤَرِّخُونَ الَّذِينَ يَكْثُرُ الْكَذِبُ فِيمَا يَرْوُونَهُ، وَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ لَهُمْ نَقْلُهُمْ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَلَمْ يَكُنْ هُنَا (¬4) نَقْلٌ ثَابِتٌ يُوجِبُ الْقَدْحَ فِيمَنْ هُوَ دُونَ عُثْمَانَ. ¬

(¬1) دَائِمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: وَقِصَّةٌ ثَابِتَةٌ. (¬4) ح: هُنَاكَ، ب: هُنَالِكَ.

وَالْمَعْلُومُ مِنْ فَضَائِلِ عُثْمَانَ، وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ، وَثَنَائِهِ عَلَيْهِ، وَتَخْصِيصِهِ بِابْنَتَيْهِ، وَشَهَادَتِهِ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَإِرْسَالِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَمُبَايَعَتِهِ لَهُ عَنْهُ لَمَّا أَرْسَلَهُ إِلَى مَكَّةَ، وَتَقْدِيمِ الصَّحَابَةِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ، وَشَهَادَةِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ لَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ بِأَنَّهُ مِنْ كِبَارِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، فَلَا يُدْفَعُ هَذَا بِنَقْلٍ لَا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ، وَلَا يُعْرَفُ كَيْفَ وَقَعَ، وَيُجْعَلُ لِعُثْمَانَ ذَنْبٌ بِأَمْرٍ لَا يُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ، بَلْ مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِينَ يُعَارِضُونَ الْمُحْكَمَ بِالْمُتَشَابِهِ، وَهَذَا مِنْ فِعْلِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْفِتْنَةَ. (* وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ شِرَارِ الزَّائِغِينَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْفِتْنَةَ *) (¬1) الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ بِنَفْيِ أَحَدٍ دَائِمًا ثُمَّ يَرُدُّهُ عُثْمَانُ مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى مِثْلِ هَذَا (¬2) ، بَلْ هَذَا مِمَّا يَدْخُلُهُ الِاجْتِهَادُ، فَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يَرُدَّاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَطَلَبَهُ مِنْ عُثْمَانَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، أَوْ لَعَلَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمَا تَوْبَتُهُ، وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ. وَغَايَةُ مَا يُقَدَّرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَطَأً مِنَ الِاجْتِهَادِ أَوْ ذَنْبًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ح) ، (ر) . (¬2) ن، م: ذَلِكَ.

وَأَمَّا اسْتِكْتَابُهُ مَرْوَانَ، فَمَرْوَانُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ ذَنْبٌ، لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ الْقَلَمُ، وَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَرْوَانُ لَمْ يَبْلُغِ [الْحُلُمَ] (¬1) بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَكَانَ مُسْلِمًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْفِتْنَةِ مَعْرُوفًا بِشَيْءٍ يُعَابُ بِهِ (¬2) ، فَلَا ذَنْبَ لِعُثْمَانَ فِي اسْتِكْتَابِهِ. وَأَمَّا الْفِتْنَةُ فَأَصَابَتْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَرْوَانَ، وَلَمْ يَكُنْ مَرْوَانُ مِمَّنْ يُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَأَمَّا أَبُوهُ الْحَكَمُ فَهُوَ مِنَ الطُّلَقَاءِ، وَالطُّلَقَاءُ حَسُنَ إِسْلَامُ أَكْثَرِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ فِيهِ نَظَرٌ. وَمُجَرَّدُ ذَنْبٍ يُعَزَّرُ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا فِي الْبَاطِنِ. وَالْمُنَافِقُونَ تَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي الظَّاهِرِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الطُّلَقَاءِ بَعْدَ الْفَتْحِ يُظْهِرُ الْمُحَادَّةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ عُرِفَ نِفَاقُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ [ابْنِ سَلُولٍ] (¬3) وَأَمْثَالِهِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَتَعَصَّبُونَ لَهُمْ أَحْيَانًا، كَمَا تَعَصَّبَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِابْنِ أُبَيٍّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) الْحُلُمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ح، ب: فِيهِ. (¬3) ابْنِ سَلُولٍ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .

وَسَلَّمَ -، وَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: " وَاللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ " (¬1) . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ذَنْبًا مِنْ سَعْدٍ لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ عَنِ الْإِيمَانِ، بَلْ سَعْدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَكَيْفَ بِعُثْمَانَ إِذَا آوَى رَجُلًا لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ؟ ! وَلَوْ كَانَ مُنَافِقًا لَمْ يَكُنِ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِ مُوجِبًا لِلطَّعْنِ [فِي عُثْمَانَ] فَإِنَّ اللَّهَ (¬2) - تَعَالَى - يَقُولُ: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 8] (¬3) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: " «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» " (¬4) . وَقَدْ أَوْصَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ لِقَرَابَةٍ لَهَا مِنَ الْيَهُودِ. فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ قَدْ يَصِلُ أَقَارِبَهُ الْكُفَّارَ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنِ الْإِيمَانِ، فَكَيْفَ إِذَا وَصَلَ أَقَارِبَهُ الْمُسْلِمِينَ، وَغَايَةُ مَا فِيهِمْ أَنْ يُتَّهَمُوا بِالنِّفَاقِ؟ ! ¬

(¬1) هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَرَدَتْ ضِمْنَ حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/33. (¬2) ن، م: مُوجِبًا لِلْقَدْحِ فَإِنَّ اللَّهَ. (¬3) انْظُرْ أَيْضًا: الْعَوَاصِمَ مِنَ الْقَوَاصِمِ ص 77 - 79 (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ 3/164 (كِتَابِ الْهِبَةِ، بَابِ الْهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ) ، مُسْلِمٍ 2/696 (كِتَابِ الزَّكَاةِ، بَابِ فَضْلِ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْأَقْرَبِينَ وَالزَّوْجِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/170 (كِتَابِ الزَّكَاةِ، بَابِ الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 6/344 - 347

الرد على زعم الرافضي أن عثمان نفى أبا ذر وضربه

وَ [أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ] صَفِيَّةُ (¬1) بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ كَانَ أَبُوهَا مِنْ رُءُوسِ الْيَهُودِ (¬2) الْمُحَادِّينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَانَتْ هِيَ امْرَأَةً صَالِحَةً مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَشْهُودِ لَهَا بِالْجَنَّةِ، وَلَمَّا مَاتَتْ أَوْصَتْ لِبَعْضِ أَقَارِبِهَا مِنَ الْيَهُودِ (¬3) ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تُحْمَدُ عَلَيْهِ لَا مِمَّا تُذَمُّ عَلَيْهِ. وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ صِلَةِ الْمُسْلِمِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَالْوَصِيَّةِ لَهُمْ. فَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أَحْسَنَ إِلَى عَمِّهِ الْمُظْهِرِ لِلْإِسْلَامِ؟ ! وَهَذَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ لَمَّا كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِشُهُودِهِ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ، وَقَالَ لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ: " «مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ (¬4) اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» " (¬5) . وَأَيْنَ حَاطِبٌ مِنْ عُثْمَانَ؟ فَلَوْ قُدِّرَ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ مَعَ أَقَارِبِهِ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، لَكَانَ إِحْسَانُنَا الْقَوْلَ فِيهِ، وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِالْجَنَّةِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ. [الرد على زعم الرافضي أن عثمان نفى أبا ذر وضربه] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ نَفَى أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ وَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا، مَعَ أَنَّ ¬

(¬1) ن، م: وَصَفِيَّةُ. (¬2) الْيَهُودِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ب) . (¬3) فِي: سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/427 (كِتَابِ الْوَصَايَا، بَابِ الْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ صَفِيَّةَ أَوْصَتْ لِنَسِيبٍ لَهَا يَهُودِيٍّ (¬4) مَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ. (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/501

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَقِّهِ: «مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى ذِي (¬1) لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ» . وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنَّهُ يُحِبُّ أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِي وَأَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ. فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عَلِيٌّ سَيِّدُهُمْ، وَسَلْمَانُ، وَالْمِقْدَادُ، وَأَبُو ذَرٍّ» ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَكَنَ الرَّبَذَةَ وَمَاتَ بِهَا لِسَبَبِ مَا كَانَ يَقَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ (¬2) رَجُلًا صَالِحًا زَاهِدًا، وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الزُّهْدَ وَاجِبٌ، وَأَنَّ مَا أَمْسَكَهُ الْإِنْسَانُ (¬3) فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ فِي النَّارِ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. احْتَجَّ (¬4) بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 34] ، وَجَعَلَ الْكَنْزَ مَا يَفْضُلُ عَنِ الْحَاجَةِ، وَاحْتَجَّ بِمَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: " «يَا أَبَا ذَرٍّ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا يَمْضِي عَلَيْهِ ثَالِثَةٌ (¬5) وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا دِينَارًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ» ". وَأَنَّهُ قَالَ: " «الْأَكْثَرُونَ هُمُ الْأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا» (¬6) ". ¬

(¬1) ب: مِنْ ذِي. (¬2) ن، م: فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ. . . .، وَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ": لَيْسَتْ فِي (ب) . (¬3) ن، م: الرَّجُلُ. (¬4) ح، ب: وَاحْتَجَّ. (¬5) ن: يَمْضِي عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ، ح: يَمْضِي عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ، م: يَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ. (¬6) هَذَانِ جُزْءَانِ مِنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 3/116 (كِتَابِ الِاسْتِقْرَاضِ، بَابِ أَدَاءِ الدُّيُونِ، 8/94 - 95، (كِتَابِ الرِّقَاقِ، بَابِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا) 8/60 - 61 (كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ، بَابِ مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ) ، مُسْلِمٍ 2/687 - 688 (كِتَابِ الزَّكَاةِ، بَابِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ) .

وَلَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَخَلَّفَ مَالًا، جَعَلَ أَبُو ذَرٍّ ذَلِكَ (¬1) مِنَ الْكَنْزِ الَّذِي يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَعُثْمَانُ يُنَاظِرُهُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى دَخَلَ كَعْبٌ وَوَافَقَ عُثْمَانَ، فَضَرَبَهُ أَبُو ذَرٍّ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ بِهَذَا السَّبَبِ. وَقَدْ وَافَقَ أَبَا ذَرٍّ عَلَى هَذَا طَائِفَةٌ مِنَ النُّسَّاكِ، كَمَا يُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ الشِّبْلِيَّ مِنْ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَجَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَعَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ. [فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ] فِي الصَّحِيحِ (¬2) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ (¬3) أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» " (¬4) . فَنَفَى الْوُجُوبَ فِيمَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَ صَاحِبِهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا أَمْ لَا. وَقَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ: الْكَنْزُ هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ حُقُوقُهُ، وَقَدْ قَسَّمَ ¬

(¬1) ح، ب: جَعَلَ ذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ. (¬2) ن، م: فَفِي الصَّحِيحِ. (¬3) ر: خَمْسَةِ. (¬4) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/107 (كِتَابِ الزَّكَاةِ، بَابِ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ لَيْسَ بِكَنْزٍ) ، مُسْلِمٍ 2/673 - 675 (كِتَابِ الزَّكَاةِ، أَوَّلِ الْكِتَابِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/127 (كِتَابِ الزَّكَاةِ، بَابِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) ، (الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ) 3/6، 30، 44 - 45 وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيِّ.

اللَّهُ - تَعَالَى - الْمَوَارِيثَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا يَكُونُ الْمِيرَاثُ إِلَّا لِمَنْ خَلَّفَ مَالًا. وَقَدْ كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ مَالٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنَ الْأَنْصَارِ، بَلْ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ. وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَهُ مَالٌ. وَكَانَ أَبُو ذَرٌّ يُرِيدُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ يُوجِبِ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيَذُمُّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يَذُمُّهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِي ذَلِكَ، مُثَابٌ عَلَى طَاعَتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَسَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَمْثَالِهِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهِ إِيجَابٌ، إِنَّمَا قَالَ: " «مَا أُحِبُّ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ» " فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ إِخْرَاجِ ذَلِكَ قَبْلَ الثَّالِثَةِ لَا عَلَى وُجُوبِهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ " «الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ» " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ قَلَّتْ حَسَنَاتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا لَمْ يُكْثِرِ الْإِخْرَاجَ (¬1) مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ [الرَّجُلُ] الْقَلِيلُ الْحَسَنَاتِ (¬2) مِنْ أَهْلِ النَّارِ، إِذَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً وَلَمْ يَتْرُكْ فَرِيضَةً [مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ] . وَكَانَ (¬3) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَوِّمُ رَعِيَّتَهُ [تَقْوِيمًا تَامًّا] (¬4) ، فَلَا يَعْتَدِي (¬5) لَا الْأَغْنِيَاءُ وَلَا الْفُقَرَاءُ. فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ تَوَسَّعَ الْأَغْنِيَاءُ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى زَادَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمُبَاحِ فِي الْمِقْدَارِ (¬6) ¬

(¬1) ن، م: إِلَّا مَنْ أَكْثَرَ الْإِخْرَاجَ مِنْهُ، ح، ب: إِذَا لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ. (¬2) ن: أَنْ يَكُونَ قَلِيلَ الْحَسَنَاتِ، م: أَنْ يَكُونَ الْقَلِيلُ الْحَسَنَاتِ. (¬3) ن، م: وَلَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا وَكَانَ، ر: لَمْ يَتْرُكْ (وَبَعْدَهَا بَيَاضٌ) وَكَانَ. (¬4) تَقْوِيمًا تَامًّا: زِيَادَةٌ فِي (ح) ، (ب) . (¬5) فَلَا يَعْتَدِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) . (¬6) ن: الْأَقْدَارِ.

وَالنَّوْعِ، وَتَوَسَّعَ أَبُو ذَرٍّ فِي الْإِنْكَارِ حَتَّى نَهَاهُمْ عَنِ الْمُبَاحَاتِ. وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الْفِتَنِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ. فَكَانَ اعْتِزَالُ أَبِي ذَرٍّ لِهَذَا السَّبَبِ، وَلَمْ يَكُنْ لِعُثْمَانَ مَعَ أَبِي ذَرٍّ غَرَضٌ مِنَ الْأَغْرَاضِ (¬1) . وَأَمَّا كَوْنُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ، فَذَاكَ لَا يُوجِبُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ غَيْرِهِ، بَلْ كَانَ أَبُو ذَرٍّ مُؤْمِنًا ضَعِيفًا. كَمَا [ثَبَتَ] (¬2) فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ: " «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي. لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» " (¬3) . وَ [قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ] فِي الصَّحِيحِ (¬4) أَنَّهُ قَالَ: " «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» " (¬5) . وَأَهْلُ (¬6) الشُّورَى مُؤْمِنُونَ أَقْوِيَاءُ، وَأَبُو ذَرٍّ وَأَمْثَالُهُ مُؤْمِنُونَ ضُعَفَاءُ. ¬

(¬1) ن، م: عَرَضٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ. (¬2) ثَبَتَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1457 - 1458 (كِتَابِ الْإِمَارَةِ، بَابِ كَرَاهَةِ الْإِمَارَةِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/154 - 155 (كِتَابِ الْوَصَايَا، بَابِ مَا جَاءَ فِي الدُّخُولِ فِي الْوَصَايَا) . (¬4) ن، م: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مُسْلِمٍ 4/2052، (كِتَابِ الْقَدَرِ، بَابِ: فِي الْأَمْرِ بِالْقُوَّةِ وَتَرْكِ الْعَجْزِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/31، (الْمُقَدِّمَةِ، بَابِ: فِي الْقَدَرِ) ، 2/1395 (كِتَابِ الزُّهْدِ، بَابِ التَّوَكُّلِ وَالْيَقِينِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/366 - 370 (¬6) ح، ب، م: فَأَهْلُ.

الرد على زعم الرافضي أن عثمان ضيع حدود الله

فَالْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، كَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَفْضَلُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَمْثَالِهِ (¬1) وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِضِيُّ (¬2) ضَعِيفٌ، بَلْ مَوْضُوعٌ (¬3) ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ يَقُومُ بِهِ. [الرد على زعم الرافضي أن عثمان ضيع حدود الله] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ ضَيَّعَ حُدُودَ اللَّهِ، فَلَمْ يَقْتُلْ عُبَيْدَ اللَّهِ (¬4) بْنَ عُمَرَ حِينَ قَتَلَ الْهُرْمُزَانَ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَطْلُبُ عُبَيْدَ اللَّهِ لِإِقَامَةِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ، فَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ (¬5) . وَأَرَادَ أَنْ يُعَطِّلَ حَدَّ الشُّرْبِ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، حَتَّى حَدَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ: لَا تُبْطَلُ حُدُودُ (¬6) اللَّهِ وَأَنَا حَاضِرٌ ". فَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ الْهُرْمُزَانَ كَانَ مَوْلَى عَلِيٍّ " فَمِنَ الْكَذِبِ الْوَاضِحِ، فَإِنَّ الْهُرْمُزَانَ كَانَ مِنَ الْفُرْسِ الَّذِينَ اسْتَنَابَهُمْ كِسْرَى عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَدِمُوا بِهِ عَلَى عُمَرَ، ¬

(¬1) وَانْظُرْ أَيْضًا: الْعَوَاصِمَ مِنَ الْقَوَاصِمِ، ص 73 - 77، الْمُنْتَقَى مِنْ مِنْهَاجِ الِاعْتِدَالِ، ص 380 (ت 6) 396. (¬2) ن، م: الْمُصَنِّفُ. (¬3) سَبَقَ أَنْ تَكَلَّمْتُ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِيمَا سَبَقَ 4/265، وَبَيَّنْتُ أَنَّهُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَهُوَ: وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنَّهُ يُحِبُّ أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِي. . . . . إِلَخْ فَلَمْ أَجِدْهُ. (¬4) ن: عَبْدَ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م، ر: فَلَحِقَ مُعَاوِيَةَ. (¬6) ن، م: لَا يُعَطَّلُ حُدُودُ، ب: لَا تُعَطَّلُ حُدُودُ.

[فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ] (¬1) ، فَمَنَّ (¬2) عَلَيْهِ عُمَرُ وَأَعْتَقَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَاءُ لِمَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ فَهُوَ لِعُمَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، بَلْ هُوَ كَالْأَسِيرِ إِذَا [مُنَّ عَلَيْهِ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ تَنَازَعُوا فِي الْأَسِيرِ إِذَا] (¬3) أَسْلَمَ: هَلْ يَصِيرُ رَقِيقًا بِإِسْلَامِهِ؟ أَمْ يَبْقَى حُرًّا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِ وَالْمُفَادَاةُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ؟ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ عَصَمَ بِالْإِسْلَامِ دَمَهُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، هُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَلَيْسَ لِعَلِيٍّ سَعْيٌ [لَا] (¬4) فِي اسْتِرْقَاقِهِ وَلَا فِي إِعْتَاقِهِ. وَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] كَانَ (¬5) الَّذِي قَتَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ الْكَافِرُ الْمَجُوسِيُّ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ [بْنِ شُعْبَةَ] (¬6) ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهُرْمُزَانِ مُجَانَسَةٌ، وَذُكِرَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رُؤِيَ عِنْدَ الْهُرْمُزَانِ [حِينَ قُتِلَ عُمَرُ] (¬7) فَكَانَ (¬8) مِمَّنِ اتُّهِمَ بِالْمُعَاوَنَةِ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ. وَقَدْ قَالَ [عَبْدُ اللَّهِ] (¬9) بْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قَدْ (¬10) كُنْتَ ¬

(¬1) فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ح، ب: وَمَنَّ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) (م) . (¬4) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬5) ن، م: وَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ كَانَ. (¬6) بْنِ شُعْبَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَكَانَتِ الْعِبَارَةُ فِي س، (ب) : حِينَ قُتِلَ الْهُرْمُزَانُ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬8) ح، ر، ب: وَكَانَ. (¬9) عَبْدُ اللَّهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬10) قَدْ: لَيْسَتْ فِي (ح) ، (ب) .

أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ (¬1) . فَقَالَ إِنْ شِئْتَ أَنْ نَقْتُلَهُمْ. فَقَالَ: " كَذَبْتَ، أَمَّا [بَعْدَ] إِذْ تَكَلَّمُوا (¬2) بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا إِلَى قِبْلَتِكُمْ (¬3) ". فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [بْنِ عُمَرَ، وَأَدْيَنُ وَأَفْضَلُ] (¬4) بِكَثِيرٍ يَسْتَأْذِنُ عُمَرَ فِي قَتْلِ عُلُوجِ الْفُرْسِ مُطْلَقًا الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، لَمَّا اتَّهَمُوهُمْ بِالْفَسَادِ اعْتَقَدَ جَوَازَ مِثْلِ هَذَا، فَكَيْفَ لَا يَعْتَقِدُ عَبْدُ اللَّهِ [جَوَازَ] (¬5) قَتْلِ الْهُرْمُزَانِ؟ فَلَمَّا اسْتَشَارَ عُثْمَانُ النَّاسَ (¬6) فِي قَتْلِهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنَّ أَبَاهُ قُتِلَ بِالْأَمْسِ وَيُقْتَلُ هُوَ الْيَوْمَ، فَيَكُونُ فِي هَذَا فَسَادٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَأَنَّهُمْ وَقَعَتْ لَهُمْ شُبْهَةٌ فِي عِصْمَةِ الْهُرْمُزَانِ، وَهَلْ كَانَ (¬7) مِنَ الصَّائِلِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الدَّفْعَ؟ أَوْ مِنَ الْمُشَارِكِينَ فِي قَتْلِ عُمَرَ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْقَتْلَ؟ وَ [قَدْ] تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي (¬8) الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْقَتْلِ إِذَا بَاشَرَ بَعْضُهُمْ دُونَ ¬

(¬1) ن، م: تَخْتَارَانِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ. (¬2) ن: إِمَّا إِذَا تَكَلَّمُوا، م: أَمَّا إِذْ يَتَكَلَّمُوا. (¬3) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَاءَتْ ضِمْنَ حَدِيثِ قِصَّةِ الْبَيْعَةِ الَّذِي سَبَقَ فِيمَا مَضَى 5/61 - 62 وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/15 - 18 (كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابِ قِصَّةِ الْبَيْعَةِ) ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي ص 16 وَانْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ 161 - 163 (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) جَوَازَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬6) ح، ب: فَلَمَّا قُتِلَ الْهُرْمُزَانُ اسْتَشَارَ عُثْمَانُ النَّاسَ، ن: فَلَمَّا اسْتَشَارَ النَّاسُ عُثْمَانَ. (¬7) ن، م: وَأَنَّهُ كَانَ. (¬8) ن، م: وَتَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ.

بَعْضٍ. فَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْقَوَدُ إِلَّا عَلَى الْمُبَاشِرِ خَاصَّةً. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ: إِذَا كَانَ السَّبَبُ قَوِيًّا وَجَبَ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَالْمُتَسَبِّبِ كَالْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ، وَكَالشُّهُودِ بِالزِّنَا وَالْقِصَاصِ إِذَا رَجَعُوا وَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. ثُمَّ إِذَا أَمْسَكَ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ الْآخَرُ، فَمَالِكٌ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْمُمْسِكِ وَالْقَاتِلِ (¬1) ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ (¬2) الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: لَا قَوَدَ إِلَّا عَلَى الْقَاتِلِ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَدْ تَنَازَعُوا أَيْضًا فِي الْآمِرِ الَّذِي لَمْ يُكْرِهْ، إِذَا أَمَرَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْقَتْلَ مُحَرَّمٌ، هَلْ يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَأَمَّا الرِّدْءُ فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْمُعَاوَنَةِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى الرِّدْءِ وَالْمُبَاشِرِ جَمِيعًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَكَانَ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ] (¬3) يَأْمُرُ بِقَتْلِ الرَّبِيئَةِ (¬4) وَهُوَ النَّاطُورُ (¬5) لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. ¬

(¬1) ح، ب: وَالْمُبَاشِرُ. (¬2) ن، م: وَيُمْسَكُ. (¬3) بْنُ الْخَطَّابِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬4) ح: الرَّئِيَّةِ، ن، م: الرَّئِيَّةِ بِدُونِ نُقَطٍ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: رَبَأَ الْقَوْمَ يَرْبَؤُهُمْ رَبْأً، وَرَبَأَ لَهُمْ: اطَّلَعَ لَهُمْ عَلَى شَرَفٍ، وَرَبَأْتُهُمْ أَيْ رَقَبْتُهُمْ، وَذَلِكَ إِذَا كُنْتُ لَهُمْ طَلِيعَةً فَوْقَ شَرَفٍ، وَالرَّبِيئَةُ الطَّلِيعَةُ. (¬5) ب فَقَطْ: النَّاظُورُ: وَفِي اللِّسَانِ: النَّاطِرُ وَالنَّاطُورُ، مِنْ كَلَامِ أَهْلِ السَّوَادِ: حَافِظُ الزَّرْعِ وَالتَّمْرِ وَالْكَرْمِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ مَحْضَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، هِيَ عَرَبِيَّةٌ وَفِي اللِّسَانِ أَيْضًا: وَالنَّاظِرُ: الْحَافِظُ، وَنَاظُورُ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَغَيْرِهِمَا: حَافِظُهُ، وَالطَّاءُ نَبَطِيَّةٌ.

وَإِذَا كَانَ الْهُرْمُزَانُ مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ جَازَ قَتْلُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قِصَاصًا. وَعُمَرُ هُوَ الْقَائِلُ فِي الْمَقْتُولِ بِصَنْعَاءَ: " لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَأَقَدْتُهُمْ بِهِ ". وَأَيْضًا فَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي قَتْلِ الْأَئِمَّةِ: هَلْ يُقْتَلُ قَاتِلُهُمْ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ حَدًّا، كَمَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ حَدًّا، لِأَنَّ قَتْلَ الْأَئِمَّةِ فِيهِ فَسَادٌ عَامٌّ أَعْظَمُ مِنْ فَسَادِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، فَكَانَ قَاتِلُهُمْ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا. وَعَلَى هَذَا خَرَّجُوا فِعْلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا قَتَلَ ابْنَ مُلْجَمٍ قَاتِلَ عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. وَإِذَا كَانَ الْهُرْمُزَانُ مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ الْمُحَارِبِينَ، فَيَجِبُ قَتْلُهُ لِذَلِكَ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَعْصُومُ [الدَّمِ] يَحْرُمُ قَتْلُهُ (¬1) ، [لَكِنْ] (¬2) كَانَ الْقَاتِلُ مُتَأَوِّلًا يَعْتَقِدُ (¬3) حِلَّ قَتْلِهِ لِشُبْهَةٍ ظَاهِرَةٍ، صَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْقَتْلَ عَنِ الْقَاتِلِ. كَمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا قَتَلَ [ذَلِكَ] (¬4) الرَّجُلَ بَعْدَمَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَعْصِمُهُ، عَزَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَلَامِ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَأَوِّلًا، لَكِنَّ الَّذِي قَتَلَهُ أُسَامَةُ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ الْقَتْلِ، فَشَكَّ فِي الْعَاصِمِ. ¬

(¬1) ن، م: وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمَفْضُولَ مَعْصُومٌ يَحْرُمُ، (م: مُحَرَّمٌ) ، قَتْلُهُ، ح، ر: وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَعْصُومُ الدَّمِ لَكِنَّ قَتْلَهُ يَحْرُمُ. (¬2) لَكِنْ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬3) ب: وَيَعْتَقِدُ. (¬4) ذَلِكَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .

وَإِذَا كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُتَأَوِّلًا يَعْتَقِدُ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ أَبِيهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ، صَارَتْ هَذِهِ شُبْهَةً يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهَا الْمُجْتَهِدُ مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ مَسَائِلَ الْقِصَاصِ فِيهَا مَسَائِلٌ كَثِيرَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ. وَأَيْضًا فَالْهُرْمُزَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَوْلِيَاءٌ يَطْلُبُونَ دَمَهُ (¬1) وَإِنَّمَا وَلِيُّهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ. وَمِثْلُ هَذَا إِذَا قَتَلَهُ قَاتِلٌ كَانَ لِلْإِمَامِ قَتْلُ قَاتِلِهِ، لِأَنَّهُ وَلَيُّهُ، وَكَانَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ [إِلَى الدِّيَةِ لِئَلَّا تَضِيعَ حُقُوقُ الْمُسْلِمِينَ] (¬2) . فَإِذَا (¬3) قُدِّرَ أَنَّ عُثْمَانَ عَفَا عَنْهُ، وَرَأَى قَدْرَ الدِّيَةَ أَنْ يُعْطِيَهَا لِآلِ عُمَرَ، لِمَا كَانَ عَلَى عُمَرَ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ أَلْفًا، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ مِنْ أَمْوَالِ عَصَبَتِهِ (¬4) عَاقِلَتِهِ بَنِي عُدَيٍّ وَقُرَيْشٍ، فَإِنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ هُمُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ كَلَّهُ، وَالدِّيَةُ لَوْ طَالَبَ بِهَا عُبَيْدُ اللَّهِ، أَوْ عُصْبَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ إِذَا كَانَ قَتْلُهُ خَطَأً [أَوْ عَفَا عَنْهُ إِلَى الدِّيَةِ] (¬5) فَهُمُ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ دَيْنَ عُمَرَ، فَإِذَا (¬6) أَعَانَ بِهَا فِي دَيْنِ عُمَرَ كَانَ هَذَا مِنْ مَحَاسِنِ عُثْمَانَ الَّتِي يُمْدَحُ بِهَا لَا يُذَمُّ. وَقَدْ كَانَتْ أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ كَثِيرَةً، وَكَانَ يُعْطِي النَّاسَ عَطَاءً كَثِيرًا أَضْعَافَ هَذَا، فَكَيْفَ لَا يُعْطِي هَذَا لِآلِ عُمَرَ؟ ¬

(¬1) ح، ر، ب: بِدَمِهِ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: وَإِذَا. (¬4) عَصَبَتِهِ: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عُصْبَةِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ن، م: فَإِنْ.

وَبِكُلِّ حَالٍ فَكَانَتْ مَسْأَلَةً اجْتِهَادِيَّةً (¬1) ، وَإِذَا كَانَتْ مَسْأَلَةً اجْتِهَادِيَّةً، وَقَدْ رَأَى طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ (¬2) مِنَ الصَّحَابَةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ، وَرَأَى آخَرُونَ أَنْ يُقْتَلَ، لَمْ يُنْكَرْ عَلَى عُثْمَانَ مَا فَعَلَهُ بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا عَلَى عَلِيٍّ مَا قَالَهُ (¬3) بِاجْتِهَادِهِ (¬4) . وَقَدْ ذَكَرْنَا تَنَازُعَ الْعُلَمَاءِ فِي [قَتْلِ (¬5) ] الْأَئِمَّةِ: هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْفَسَادِ الَّذِي يَجِبُ قَتْلُ صَاحِبِهِ حَتْمًا، كَالْقَاتِلِينَ لِأَخْذِ الْمَالِ؟ أَمْ قَتْلُهُمْ كَقَتْلِ الْآحَادِ الَّذِينَ يَقْتُلُ أَحَدُهُمُ الْآخَرَ لِغَرَضٍ خَاصٍّ فِيهِ، فَيَكُونُ عَلَى قَاتِلِ أَحَدِهِمُ الْقَوْدِ؟ وَذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهُمَا (¬6) الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّ قَتْلَهُمْ حَدٌّ. قَالَ: إِنَّ جِنَايَتَهُمْ تُوجِبُ [مِنْ] (¬7) الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجِبُهُ جِنَايَةُ [بَعْضِ] (¬8) قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَأَخَذِ الْمَالِ، فَيَكُونُ قَاتِلُ الْأَئِمَّةِ مِنَ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، السَّاعِينَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] (¬9) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) ن، م: مَسْأَلَةَ اجْتِهَادٍ. (¬2) ن: كَبِيرَةٌ. (¬3) ن: مَا فَعَلَهُ. (¬4) وَانْظُرْ أَيْضًا: الْعَوَاصِمَ مِنَ الْقَوَاصِمِ وَتَعْلِيقَاتِ ص 106 - 108، الْمُنْتَقَى ص 397. (¬5) قَتْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ح، ر، ب: فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ذَكَرَهَا. (¬7) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬8) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) فِي صَحِيحِهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) .

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» " (¬1) . فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْوَاحِدِ الْمُرِيدِ لِتَفْرِيقِ (¬2) الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ قَتَلَ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ فَرَّقَ جَمَاعَتَهُمْ. وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إِنَّ قَاتِلَ عُمَرَ يَجِبُ قَتْلُهُ حَتْمًا، وَكَذَلِكَ قَتَلَةُ عُثْمَانَ يَجِبُ قَتْلُهُمْ حَتْمًا، [وَكَذَلِكَ قَاتِلُ عَلِيٍّ يَجِبُ قَتْلُهُ حَتْمًا] (¬3) . وَبِهَذَا يُجَابُ عَنِ ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (¬4) وَغَيْرِهِ مَنْ يَعْتَرِضُ عَلَيْهِمْ، فَنَقُولُ (¬5) : كَيْفَ قَتَلُوا قَاتِلَ عَلِيٍّ، وَكَانَ فِي وَرَثَتِهِ صِغَارٌ وَكِبَارٌ، وَالصِّغَارُ لَمْ يَبْلُغُوا؟ فَيُجَابُ عَنِ الْحَسَنِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ وَاجِبًا حَتْمًا، لِأَنَّ قَتْلَ عَلِيٍّ وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَارَبَةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيبُ بِجَوَازِ انْفِرَادِ الْكِبَارِ بِالْقَوَدِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِذَا كَانَ قَتْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَنَحْوِهِمْ مِنْ بَابِ الْمُحَارَبَةِ، فَالْمُحَارَبَةُ يَشْتَرِكُ فِيهَا الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. فَعَلَى هَذَا مَنْ أَعَانَ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564 (¬2) ن، م، ر: تَفْرِيقَ. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) فَقَطْ. (¬4) بْنِ عَلِيٍّ: لَيْسَتْ فِي (ح) ، (ب) . (¬5) ح، ر، ب: فَيَقُولُ.

عَلَى قَتْلِ عُمَرَ، [وَلَوْ بِكَلَامٍ، وَجَبَ قَتْلُهُ. وَكَانَ الْهُرْمُزَانُ مِمَّنْ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ] (¬1) . وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ قَتْلُهُ وَاجِبًا، وَلَكِنْ كَانَ قَتْلُهُ إِلَى الْأَئِمَّةِ، فَافْتَاتَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِقَتْلِهِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنِ افْتَاتَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ يُرِيدُ قَتْلَ (¬2) عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. فَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ قَدْحًا فِي عَلِيٍّ. وَالرَّافِضَةُ لَا عُقُولَ لَهُمْ (¬3) ، يَمْدَحُونَ بِمَا هُوَ إِلَى الذَّمِّ أَقْرَبُ ; فَإِنَّهَا مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ، وَقَدْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِعِصْمَةِ الدَّمِ، فَكَيْفَ يَحِلُّ لِعَلِيٍّ نَقْضُهُ؟ وَعَلِيٌّ لَيْسَ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ، وَلَا طَلَبَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الْقَوَدَ. وَإِذَا كَانَ حَقُّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ. وَهَذَا مِمَّا يُذْكَرُ فِي عَفْوِ عُثْمَانَ، وَهُوَ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ إِلَّا السُّلْطَانَ، وَإِذَا قُتِلَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ، وَلَهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ قَاتِلَهُ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ، [وَالدِّيَةُ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ] (¬4) ، فَيَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِ الْأَمْوَالِ. وَإِذَا تَرَكَ لِآلِ عُمَرَ دِيَةَ مُسْلِمٍ، كَانَ هَذَا بَعْضُ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ عَفْوِ عُثْمَانَ وَحُكْمِهِ بِحَقْنِ دَمِهِ يُبَاحُ قَتْلُهُ (¬5) ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) ح، ر، ب: وَكَانَ عَلِيٌّ يُرِيدُ قَتْلَ. (¬3) ن، م، ر: لَا عَقْلَ لَهُمْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ح، ب: مَا يُبِيحُ قَتْلَهُ.

أَصْلًا. وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا نِزَاعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ؟ ثُمَّ يُقَالُ: يَا لَيْتَ شِعْرِي مَتَى عَزَمَ [عَلِيٌّ] عَلَى (¬1) قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ وَمَتَى تَمَكَّنَ عَلِيٌّ مِنْ قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ أَوْ مَتَى تَفَرَّغَ لَهُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ؟ وَعُبَيْدُ اللَّهِ كَانَ مَعَهُ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَفِيهِمْ خَيْرٌ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِكَثِيرٍ. وَعَلِيٌّ لَمْ يُمْكِنْهُ عَزْلُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ عَزْلٌ مُجَرَّدٌ. أَفَكَانَ يُمْكِنُهُ قَتْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ ! وَمِنْ حِينِ مَاتَ عُثْمَانُ تَفَرَّقَ النَّاسُ، وَعَبْدُ اللَّهِ (¬2) بْنُ عُمَرَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِحَقَ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا، وَلَمْ يَزَلْ مُعْتَزِلَ الْفِتْنَةِ حَتَّى اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، مَعَ مَحَبَّتِهِ لِعَلِيٍّ، وَرُؤْيَتِهِ لَهُ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْخِلَافَةِ، وَتَعْظِيمِهِ لَهُ، وَمُوَالَاتِهِ لَهُ، وَذَمِّهِ لِمَنْ يَطْعَنُ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ كَانَ لَا يَرَى الدُّخُولَ فِي الْقِتَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ مُوَافَقَةِ عَلِيٍّ إِلَّا فِي الْقِتَالِ. وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِحَقَ مُعَاوِيَةَ (¬3) بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، كَمَا لَحِقَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ كَانُوا يَمِيلُونَ إِلَى عُثْمَانَ وَيَنْفِرُونَ عَنْ عَلِيٍّ. وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُعْرَفْ لِعُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ الْقِيَامِ فِي الْفِتْنَةِ مَا عُرِفَ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْقِتَالِ وَقَعَ الْجَمِيعُ فِي الْفِتْنَةِ. وَأَمَّا قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ فَكَانَ أُولَئِكَ مِمَّنْ أَثَارَ الْفِتْنَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. ¬

(¬1) ن، م: مَتَى عَزَمَ عَلَى (¬2) ن فَقَطْ: وَعُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ خَطَأٌ. (¬3) ح، ب: بِمُعَاوِيَةَ.

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ دَمَ الْهُرْمُزَانِ الْمُتَّهَمِ بِالنِّفَاقِ، وَالْمُحَارَبَةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، تُقَامُ فِيهِ الْقِيَامَةُ، وَدَمُ عُثْمَانَ يُجْعَلُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَهُوَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ، الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْجَنَّةِ، الَّذِي هُوَ - وَإِخْوَانُهُ - أَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ! وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ مِنْ أَكَفِّ النَّاسِ عَنِ الدِّمَاءِ، وَأَصْبَرِ النَّاسِ عَلَى مَنْ نَالَ (¬1) مِنْ عِرْضِهِ، وَعَلَى مَنْ سَعَى فِي دَمِهِ فَحَاصَرُوهُ وَسَعَوْا (¬2) فِي قَتْلِهِ، وَقَدْ عَرَفَ إِرَادَتَهُمْ لِقَتْلِهِ، وَقَدْ جَاءَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ يَنْصُرُونَهُ وَيُشِيرُونَ عَلَيْهِ بِقِتَالِهِمْ، وَهُوَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْكَفِّ عَنِ الْقِتَالِ، وَيَأْمُرُ مَنْ يُطِيعُهُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُمْ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِمَمَالِيكِهِ: مَنْ كَفَّ يَدَهُ فَهُوَ حُرٌّ. وَقِيلَ لَهُ: تَذْهَبُ إِلَى مَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَا أَكُونُ مِمَّنْ أَلْحَدَ فِي الْحَرَمِ. فَقِيلَ لَهُ: تَذْهَبُ إِلَى الشَّامِ؟ فَقَالَ: لَا أُفَارِقُ دَارَ هِجْرَتِي. فَقِيلَ لَهُ: فَقَاتِلْهُمْ. فَقَالَ: لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ خَلَفَ مُحَمَّدًا فِي أُمَّتِهِ بِالسَّيْفِ. فَكَانَ صَبْرُ عُثْمَانَ حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدِّمَاءَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي سُفِكَتْ بِاجْتِهَادِ عَلِيٍّ [وَمَنْ قَاتَلَهُ] (¬3) لَمْ يُسْفَكْ قَبْلَهَا مِثْلُهَا مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا كَانَ مَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ مِمَّا لَا يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي عَلِيٍّ، بَلْ [كَانَ] (¬4) دَفْعُ الظَّالِمِينَ لِعَلِيٍّ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّوَاصِبِ ¬

(¬1) ن، م: يَنَالُ. (¬2) ن، م: فَحَاصَرَهُ وَسَعَى. (¬3) وَمَنْ قَاتَلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْقَادِحِينَ فِي عَلِيٍّ وَاجِبًا، فَلَأَنْ يَجِبَ (¬1) دَفْعُ الظَّالِمِينَ [الْقَادِحِينَ] (¬2) فِي عُثْمَانَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، إِذْ كَانَ (¬3) بُعْدُ عُثْمَانَ عَنِ اسْتِحْلَالِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمَ مِنْ بُعْدِ عَلِيٍّ عَنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ (¬4) ، وَكَانَ مَنْ قَدَحَ فِي عُثْمَانَ بِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِلُّ إِرَاقَةَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِتَعْطِيلِ الْحُدُودِ، كَانَ قَدْ طَرَقَ مِنَ الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، وَسَوَّغَ لِمَنْ أَبْغَضَ عَلِيًّا [وَعَادَاهُ وَقَاتَلَهُ] (¬5) أَنْ يَقُولَ: إِنَّ عَلِيًّا عَطَّلَ الْحُدُودَ الْوَاجِبَةَ عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ. وَتَعْطِيلُ تِلْكَ الْحُدُودِ إِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ تَعْطِيلِ حَدٍّ وَجَبَ بِقَتْلِ الْهُرْمُزَانِ. وَإِذَا كَانَ مِنَ الْوَاجِبِ (¬6) الدَّفْعُ عَنْ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْذُورًا (¬7) بِاجْتِهَادٍ أَوْ عَجْزٍ، فَلَأَنْ يُدْفَعَ عَنْ عُثْمَانَ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْذُورًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَرَادَ عُثْمَانُ تَعْطِيلَ حَدِّ الشُّرْبِ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، حَتَّى حَدَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ". فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمَا، بَلْ عُثْمَانُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ عَلِيًّا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، ¬

(¬1) ن، م: فَلَا يَجِبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) الْقَادِحِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ن، م: إِذَا كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) كَثِيرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ب) . (¬5) وَعَادَاهُ وَقَاتَلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) ح، ر: وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ. (¬7) ن، م: بِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.

كَمَا ثَبَتَ [ذَلِكَ] (¬1) فِي الصَّحِيحِ (¬2) ، وَعَلِيٌّ خَفَّفَ عَنْهُ وَجَلَدَهُ (¬3) أَرْبَعِينَ، وَلَوْ جَلَدَهُ ثَمَانِينَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عُثْمَانُ. وَقَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " إِنَّ عَلِيًّا قَالَ: لَا يَبْطُلُ حَدُّ اللَّهِ (¬4) وَأَنَا حَاضِرٌ " فَهُوَ كَذِبٌ. وَإِنْ كَانَ صِدْقًا فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَدْحِ لِعُثْمَانَ ; فَإِنَّ عُثْمَانَ قَبِلَ قَوْلَ عَلِيٍّ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ، مَعَ قُدْرَةِ عُثْمَانَ عَلَى مَنْعِهِ لَوْ أَرَادَ، فَإِنَّ عُثْمَانَ كَانَ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَعَلَهُ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلِيٌّ عَلَى مَنْعِهِ. وَإِلَّا ¬

(¬1) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) الْأَثَرُ عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ فِي مُسْلِمٍ 3/1331 - 1332 (كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، وَنَصُّهُ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ؟ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ. فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا. فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ. . إِلَخِ الْأَثَرَ، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/227 - 228 (كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ الْحَدِّ مِنَ الْخَمْرِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/858 (كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ حَدِّ السَّكْرَانِ) ، وَقَدْ نَاقَشَ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ هَذَا الْخَبَرَ فِي الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ ص 94 - 99، 100 وَهُوَ يَرَى: أَنَّ الشُّهُودَ عَلَى الْوَلِيدِ اثْنَانِ مِنَ الْمَوْتُورِينَ الَّذِينَ تَعَدَّدَتْ شَوَاهِدُ غِلِّهِمْ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: أَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ وَكَلِمَةُ أَزِيدُكُمْ فَهِيَ مِنْ كَلَامِ حُضَيْنٍ وَلَمْ يَكُنْ حُضَيْنٌ مِنَ الشُّهُودِ، وَلَا كَانَ فِي الْكُوفَةِ وَقْتَ الْحَادِثِ الْمَزْعُومِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يُسْنِدْ هَذَا الْعُنْصُرَ مِنْ عَنَاصِرِ الِاتِّهَامِ إِلَى إِنْسَانٍ مَعْرُوفٍ. . . . . إِلَخْ. وَانْظُرْ بَاقِي كَلَامِ الْأُسْتَاذِ الْخَطِيبِ، وَانْظُرْ كَلَامَهُ عَنِ اسْتِبْعَادِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسْقٌ بِنَبَأٍ قَدْ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ. (الْعَوَاصِمِ ص 90 - 93) (¬3) ن، م: خَفَّفَ عَنْهُ جَلْدَهُ. (¬4) ح: لَا تَبْطُلُ حُدُودُ اللَّهِ، ر: لَا تُبْطِلْ حَدَّ اللَّهِ، ب: لَا تُعَطَّلُ حُدُودُ اللَّهِ.

فَلَوْ كَانَ [عَلِيٌّ] (¬1) قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِ مِمَّا فَعَلَهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ مُنْكَرٌ مَعَ قُدْرَتِهِ، كَانَ هَذَا قَدْحًا فِي عَلِيٍّ. فَإِذَا كَانَ عُثْمَانُ أَطَاعَ عَلِيًّا فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ، دَلَّ ذَلِكَ (¬2) عَلَى دِينِ عُثْمَانَ وَعَدْلِهِ. وَعُثْمَانُ وَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ هَذَا عَلَى الْكُوفَةِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ. فَإِنْ كَانَ حَرَامًا وَعَلِيٌّ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ، وَجَبَ عَلَى عَلِيٍّ مَنْعُهُ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ عَلِيٍّ، أَوْ عَلَى عَجْزِ عَلِيٍّ. وَإِذَا عَجَزَ عَنْ مَنْعِهِ عَنِ (¬3) الْإِمَارَةِ، فَكَيْفَ لَا يَعْجِزُ عَنْ ضَرْبِهِ الْحَدَّ؟ فَعُلِمَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ حَدِّ الْوَلِيدِ، لَوْلَا أَنَّ عُثْمَانَ أَرَادَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَرَادَهُ عُثْمَانُ دَلَّ عَلَى دِينِهِ. وَقَائِلُ هَذَا يَدَّعِي أَنَّ الْحُدُودَ مَا زَالَتْ تُبْطَلُ وَعَلِيٌّ حَاضِرٌ، حَتَّى فِي وِلَايَتِهِ يَدَّعُونَ (¬4) أَنَّهُ كَانَ يَدَعُ الْحُدُودَ خَوْفًا وَتَقِيَّةً. فَإِنْ (¬5) كَانَ قَالَ هَذَا وَلَمْ يَقُلْهُ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ عُثْمَانَ وَحَاشِيَتَهُ يُوَافِقُونَهُ عَلَى إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ يَتَّقِي مِنْهُمْ لَمَا قَالَ هَذَا. وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ أَقْدَرَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ قَائِلَ هَذَا يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا لَا يُمْكِنُهُ إِظْهَارُ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ (¬6) . ¬

(¬1) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ح) ، (ر) ، (ب) . (¬3) ن، م: مِنَ. (¬4) ن، م: وَيَدَّعُونَ. (¬5) ن: فَإِذَا، م: وَإِنْ. (¬6) وَانْظُرِ: الْعَوَاصِمَ مِنَ الْقَوَاصِمِ وَالتَّعْلِيقَاتِ ص 93 - 99

الرد على قول الرافضي أن عثمان زاد الأذان الثاني يوم الجمعة

وَدَلِيلُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ عِنْدَهُمْ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَلَى نُوَّابِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ. وَالرَّافِضَةُ تَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ الَّذِي يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا. [الرد على قول الرافضي أن عثمان زاد الأذان الثاني يوم الجمعة] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ زَادَ الْأَذَانَ الثَّانِيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ، فَصَارَ (¬1) سُنَّةً إِلَى الْآنِ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مِمَّنْ يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ وَبَعْدَ مَقْتَلِهِ. وَلِهَذَا لَمَّا صَارَ خَلِيفَةً لَمْ يَأْمُرْ بِإِزَالَةِ هَذَا الْأَذَانِ، كَمَا أَمَرَ بِمَا أَنْكَرَهُ مِنْ وِلَايَةِ طَائِفَةٍ مِنْ عُمَّالِ عُثْمَانَ، بَلْ أَمَرَ بِعَزْلِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِبْطَالَ هَذِهِ الْبِدْعَةِ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْهِ مِنْ عَزْلِ أُولَئِكَ [وَمُقَاتَلَتِهِمُ الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا، فَكَانَ عَلَى إِزَالَةِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ مِنَ الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَعْمَالِهِ أَقْدَرَ مِنْهُ عَلَى إِزَالَةِ أُولَئِكَ، وَلَوْ أَزَالَ ذَلِكَ لَعَلِمَهُ النَّاسُ وَنَقَلُوهُ] (¬2) . فَإِنْ قِيلَ: كَانَ النَّاسُ لَا يُوَافِقُونَهُ عَلَى إِزَالَتِهَا. قِيلَ: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّاسَ وَافَقُوا عُثْمَانَ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَاسْتِحْسَانِهَا، حَتَّى الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ عَلِيٍّ، كَعَمَّارٍ وَسَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. وَإِلَّا فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ لَوْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ لَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ يُنْكِرُ ¬

(¬1) ن، م: أَرَادَ النِّدَاءَ الثَّانِيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ بِدْعَةٌ، وَصَارَ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .

هَذَا (¬1) وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُنْكِرُهُ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يَكُنْ (¬2) هَذَا مِمَّا يُعَابُ بِهِ عُثْمَانُ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: هِيَ بِدْعَةٌ. إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُفْعَلُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ قِتَالُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِدْعَةٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ إِمَامًا قَاتَلَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ قَبْلَ عَلِيٍّ. وَأَيْنَ قِتَالُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْأَذَانِ؟ ! فَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْبِدْعَةُ مَا فُعِلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. قِيلَ لَهُمْ: فَمِنْ أَيْنَ (¬3) لَكُمْ أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ هَذَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؟ وَأَنَّ (¬4) عَلِيًّا قَاتَلَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؟ [وَأَيْضًا] فَإِنَّ عَلِيَّ [بْنَ أَبِي طَالِبٍ]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬5) أَحْدَثَ فِي خِلَافَتِهِ الْعِيدَ الثَّانِي بِالْجَامِعِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ الْمَعْرُوفَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى فِي الْمِصْرِ إِلَّا جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يُصَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ وَالْفِطْرِ إِلَّا عِيدٌ وَاحِدٌ. وَالْجُمُعَةُ كَانُوا يُصَلُّونَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْعِيدُ يُصَلُّونَهُ بِالصَّحْرَاءِ. وَكَانَ (¬6) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَفِي الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ. فَلَمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ قِيلَ لَهُ: إِنَّ بِالْبَلَدِ (¬7) ضُعَفَاءٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ ¬

(¬1) ح، ر، ب: مَنْ كَانَ يُنْكِرُهُ. (¬2) م، ن: فَلَمْ يَكُنْ. (¬3) ح، ب: مِنْ أَيْنَ. (¬4) ن، م: فَإِنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن:. . . شَرْعِيٍّ فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬6) ن، م: فَكَانَ. (¬7) ن: إِنَّ فِي الْبَلَدِ.

الْخُرُوجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا صَلَّى (¬1) بِالنَّاسِ بِالْمَسْجِدِ. قِيلَ: إِنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِتَكْبِيرٍ، وَقِيلَ: بَلْ صَلَّى أَرْبَعًا بِلَا تَكْبِيرٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ عُرِفَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ عَلِيٍّ (¬2) أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ. وَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ مِنَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ بَعْدَهُ: أَهْلُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى مَا سَنَّهُ أَيْضًا عُمَرُ مِنْ جَمْعِ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا مَا سَنَّهُ عَلِيٌّ مِنْ إِقَامَةِ عِيدَيْنِ (¬3) فَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَفِي الْجُمُعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. قِيلَ: إِنَّهُ لَا يُشْرَعُ فِي الْمِصْرِ إِلَّا جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِيدٌ وَاحِدٌ، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ السُّنَّةُ. وَقِيلَ: بَلْ يُشْرَعُ تَعَدُّدُ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْمِصْرِ دُونَ الْجُمُعَةِ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. لَكِنَّ قَائِلَ هَذَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْإِقَامَةُ وَالْعَدَدُ كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ. وَقَالُوا: إِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ (¬4) . وَهَذَا خِلَافُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ. وَقِيلَ: بَلْ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَنْ تُصَلَّى جُمُعَتَانِ فِي الْمِصْرِ، كَمَا صَلَّى عَلِيٌّ عِيدَيْنِ لِلْحَاجَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ¬

(¬1) ح، ب: يُصَلِّي. (¬2) ح، ر، ب: وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ. (¬3) ح، ر، ب: إِقَامَةِ الْعِيدَيْنِ. (¬4) ن، ر: فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ.

أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَهَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ بِفِعْلِ عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ] (¬1) لِأَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ جَوَّزَ التَّعْرِيفَ بِالْأَمْصَارِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَعَلَهُ بِالْبَصْرَةِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَائِبَهُ بِالْبَصْرَةِ. فَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَتَّبِعُونَ عَلِيًّا فِيمَا سَنَّهُ، كَمَا يَتَّبِعُونَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِيمَا سَنَّاهُ. وَآخَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ، لَا يَتَّبِعُونَ عَلِيًّا فِيمَا سَنَّهُ، وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اتِّبَاعِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِيمَا سَنَّاهُ. فَإِنْ جَازَ الْقَدْحُ فِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِيمَا سَنَّاهُ - وَهَذَا حَالُهُ - فَلَأَنْ يُقْدَحَ فِي عَلِيٍّ فِيمَا سَنَّهُ - وَهَذَا حَالُهُ - بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ سَائِغٌ لَا يُقْدَحُ فِيهِ، لِأَنَّهُ بِاجْتِهَادِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ يُتَّبَعُ فِيهِ، فَلَأَنْ يَكُونُ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يُذْكَرُ مِمَّا فَعَلَهُ (¬2) عُمَرُ، مِثْلُ تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ، الَّتِي هِيَ جِزْيَةٌ فِي الْمَعْنَى، عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلَبٍ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. ثُمَّ مِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ تُنْكِرُ شَيْئًا فَعَلَهُ عُثْمَانُ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ عَلَيْهِ، وَاتَّبَعَهُ (¬3) الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ، وَهُمْ قَدْ زَادُوا فِي الْأَذَانِ شِعَارًا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وَلَا نَقَلَ (¬4) أَحَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) ن، م: عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬2) تَذْكُرُ مِمَّا فَعَلَهُ. (¬3) ب: وَتَبِعَهُ. (¬4) ح: وَلَا يُقُلْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَسَلَّمَ]- (¬1) أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْأَذَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: " حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ". وَغَايَةُ مَا يُنْقَلُ إِنْ صَحَّ النَّقْلُ، أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ، كَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ أَحْيَانًا عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، كَمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَهَذَا يُسَمَّى نِدَاءُ الْأُمَرَاءِ، [وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ التَّثْوِيبَ] (¬2) وَرَخَّصَ (¬3) فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَكَرِهَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَرَوَوْا عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَغَيْرِهِمَا كَرَاهَةَ (¬4) ذَلِكَ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْأَذَانَ، الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُهُ بِلَالٌ (¬5) وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، وَأَبُو مَحْذُورَةَ (¬6) بِمَكَّةَ، وَسَعْدِ الْقَرْظِ فِي قُبَاءَ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذَا الشِّعَارُ الرَّافِضِيُّ. وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَنَقَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يُهْمِلُوهُ، كَمَا نَقَلُوا مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْهُ. فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الَّذِينَ نَقَلُوا الْأَذَانَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، عُلِمَ (¬7) أَنَّهَا بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ. وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ كَانُوا يُؤَذِّنُونَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُ تَعَلَّمُوا الْأَذَانَ، وَكَانُوا يُؤَذِّنُونَ فِي أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ: مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ قُبَاءَ. وَأَذَانُهُمْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ح، ب: رَخَّصَ. (¬4) ح، ب: كَرَاهِيَةَ. (¬5) ح، م، ب: يُؤَذِّنُ بِهِ بِلَالٌ. (¬6) ن: وَأَبُو مَجْدُورَةَ. (¬7) ن: عَلِمُوا.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَقْلَ الْمُسْلِمِينَ لِلْأَذَانِ أَعْظَمُ مِنْ نَقْلِهِمْ إِعْرَابَ آيَةٍ، كَقَوْلِهِ: (وَأَرْجُلَكُمْ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا شَيْءَ أَشْهَرُ فِي (¬1) شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَذَانِ، فَنَقْلُهُ أَعْظَمُ مِنْ نَقْلِ [سَائِرِ] (¬2) شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ. وَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِ (¬3) . قِيلَ: بَلْ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِهِ النَّقْلُ فَهُوَ صَحِيحٌ سُنَّةٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعْلِيمَ [النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَبَا مَحْذُورَةَ (¬4) الْأَذَانَ (¬5) ، وَفِيهِ التَّرْجِيعُ، وَالْإِقَامَةَ مُثَنَّاةً كَالْأَذَانِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ بِلَالًا أُمِرَ أَنْ يُشَفِّعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَذَانِهِ تَرْجِيعٌ. فَنَقْلُ إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ، وَنَقْلُ تَثْنِيَتِهَا صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يُصَحِّحُونَ هَذَا وَهَذَا. وَهَذَا مِثْلُ أَنْوَاعِ التَّشَهُّدَاتِ (¬6) الْمَنْقُولَاتِ. وَلَكِنِ اشْتُهِرَ بِالْحِجَازِ آخِرًا إِفْرَادُ الْإِقَامَةِ الَّتِي عَلَّمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا (¬7) . وَأَمَّا التَّرْجِيعُ فَهُوَ يُقَالُ سِرًّا. وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ لِأَبِي مَحْذُورَةَ لِيُثَبِّتَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ، لَا أَنَّهُ مِنَ الْأَذَانِ. فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى ¬

(¬1) ن، م: مِنْ. (¬2) سَائِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: فِي نَقْلِهِ. (¬4) ن: أَنَّ تَعْلِيمَ أَبَا مَحْدُورَةَ، م: أَنَّ تَعْلِيمَ أَبَا مَحْذَرَةَ. (¬5) ن، م: وَالْأَذَانُ. (¬6) ح، ب: التَّشَهُّدِ. (¬7) ن، م: لِبِلَالٍ.

الرد على زعم الرافضي أن المسلمين كلهم خالفوا عثمان رضي الله عنه حتى قتل

أَنَّهُ لَقَّنَهُ أَبَا مَحْذُورَةَ، فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَ النَّاسِ خِلَافٌ فِي نَقْلِ الْأَذَانِ الْمَعْرُوفِ. [الرد على زعم الرافضي أن المسلمين كلهم خالفوا عثمان رضي الله عنه حتى قتل] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَخَالَفَهُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ حَتَّى قُتِلَ (¬1) . وَعَابُوا أَفْعَالَهُ، وَقَالُوا لَهُ: غِبْتَ عَنْ بَدْرٍ، وَهَرَبْتَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ تَشْهَدْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ. وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ". فَالْجَوَابُ (¬2) : أَمَّا قَوْلُهُ " وَخَالَفَهُ الْمُسْلِمُونَ [كُلُّهُمْ] حَتَّى قُتِلَ " (¬3) . فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُ خِلَافًا يُبِيحُ قَتْلَهُ، أَوْ أَنَّهُمْ [كُلَّهُمْ] أَمَرُوا بِقَتْلِهِ، وَرَضُوا بِقَتْلِهِ، وَأَعَانُوا عَلَى قَتْلِهِ (¬4) . فَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إِلَّا طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ بَاغِيَةٌ ظَالِمَةٌ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: " لُعِنَتْ قَتَلَةُ عُثْمَانَ، خَرَجُوا عَلَيْهِ كَاللُّصُوصِ مِنْ وَرَاءِ الْقَرْيَةِ، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ كُلَّ قَتْلَةٍ، وَنَجَا مَنْ نَجَا مِنْهُمْ تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ " يَعْنِي هَرَبُوا لَيْلًا، وَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا غَائِبِينَ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْحَاضِرِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ حَتَّى قَتَلُوهُ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ الْمُسْلِمِينَ خَالَفُوهُ فِي كُلِّ مَا فَعَلَهُ، أَوْ فِي كُلِّ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، فَهَذَا [أَيْضًا] (¬5) كَذِبٌ. فَمَا مِنْ شَيْءٍ أُنْكِرَ عَلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) ن: حَتَّى قِيلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ح، ب: وَالْجَوَابُ. (¬3) نَ: وَخَالَفَهُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى قِيلَ. (¬4) ن: وَأَنَّهُمْ أَمَرُوا بِقَتْلِهِ وَرَضُوا بِهِ أَوْ أَعَانُوا عَلَى قَتْلِهِ، م: أَوْ أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِقَتْلِهِ وَرَضُوا بِهِ أَوْ أَعَانُوا عَلَى قَتْلِهِ. (¬5) أَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ مِنْ عُلَمَائِهِمُ الَّذِينَ لَا يُتَّهَمُونَ بِمُدَاهَنَةٍ، وَالَّذِينَ وَافَقُوا عُثْمَانَ (¬1) عَلَى مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ وَأَفْضَلُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الَّذِينَ وَافَقُوا عَلِيًّا عَلَى مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ: إِمَّا فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَإِمَّا فِي غَالِبِهَا. وَبَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضَ الْأُمُورِ، وَكَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ الصَّوَابُ فِيهِ مَعَ عُثْمَانَ، وَبَعْضُهُ يَكُونُ فِيهِ مُجْتَهِدًا، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْمُخَالِفُ لَهُ مُجْتَهِدًا: إِمَّا مُصِيبًا وَإِمَّا مُخْطِئًا. وَأَمَّا السَّاعُونَ فِي قَتْلِهِ فَكُلُّهُمْ مُخْطِئُونَ، بَلْ ظَالِمُونَ بَاغُونَ مُعْتَدُونَ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ قَدْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ، فَهَذَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا. وَالَّذِي قَالَ (¬2) لَهُ: غِبْتَ عَنْ بَدْرٍ وَبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَهَرَبْتَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَلِيلٌ جِدًّا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلَمْ يُعَيَّنْ مِنْهُمْ (¬3) إِلَّا اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَدْ أَجَابَهُمْ عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ هَذَا السُّؤَالِ، وَقَالُوا: يَوْمَ بَدْرٍ غَابَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَخْلُفَهُ عَنِ ابْنَةِ النَّبِيِّ (¬4) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَرَبَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. وَيَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَايَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عُثْمَانَ بِيَدِهِ. وَيَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ لَهُ مِنْ يَدِهِ لِنَفْسِهِ (¬5) ، وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ ¬

(¬1) ن: عَلِيًّا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ج: وَالَّذِي قَالُوا، ب: وَالَّذِينَ قَالُوا. (¬3) ن، م: فِيهِمْ. (¬4) ح، ب: عَلَى ابْنَتِهِ. (¬5) ح، ر، ب: مِنْ يَدِ نَفْسِهِ.

بِسَبَبِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[رَسُولًا] إِلَى [أَهْلِ] مَكَّةَ (¬1) بَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، فَبَايَعَ أَصْحَابَهُ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا وَعَلَى الْمَوْتِ، فَكَانَ عُثْمَانُ شَرِيكًا فِي الْبَيْعَةِ، مُخْتَصًّا بِإِرْسَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ، وَطَلَبَتْ مِنْهُ قُرَيْشٌ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ (¬2) عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ [لَهُ] (¬3) بِمَكَّةَ شَوْكَةٌ يَحْمُونَهُ، وَأَنَّ عُثْمَانَ لَهُ بِمَكَّةَ بَنُو أُمَيَّةَ، وَهُمْ مِنْ أَشْرَافِ مَكَّةَ، فَهُمْ يَحْمُونَهُ. وَأَمَّا التَّوَلِّي يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سُورَةُ آلَ عِمْرَانَ: 155] فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْ جَمِيعِ الْمُتَوَلِّينَ (¬4) يَوْمَ أُحُدٍ، فَدَخَلَ فِي الْعَفْوِ مَنْ هُوَ دُونَ عُثْمَانَ، فَكَيْفَ لَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ مَعَ فَضْلِهِ وَكَثْرَةِ حَسَنَاتِهِ (¬5) ¬

(¬1) ن، م: لَمَّا أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَكَّةَ. (¬2) ن، م، ر: وَكَانَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْسِلَ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعِهِمْ جَمِيعِ الْمُتَوَلِّينَ. (¬5) ن، م: إِحْسَانِهِ، وَعِنْدَ كَلِمَةِ " حَسَنَاتِهِ " تَنْتَهِي نُسْخَةُ (ح) فِي ص 164 مِنْهَا، كَمَا تَنْتَهِي نُسْخَةُ (ر) فِي ص 383 مِنْهَا، وَكُتِبَ فِي نُسْخَةِ (ح) بَعْدَ ذَلِكَ: تَمَّ الْكِتَابُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَحْرِيرِهِ ضَحْوَةَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ 1321 عَلَى يَدِ كَاتِبِهِ الْفَقِيرِ إِلَى رَحْمَةِ مَوْلَاهُ، الرَّاجِي عَفْوَهُ وَرِضَاهُ، عَبْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَايِضٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ خَطَايَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَلِمَنْ دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوَانِ، وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، يَا رَحْمَنُ، وَيَتْلُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمُجَلَّدُ الْخَامِسُ، قَالَ الرَّافِضِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ. . . . إِلَخْ. وَكَتَبَ تَحْتَ هَذَا الْكَلَامِ بِخَطٍّ مُخْتَلِفٍ: وَيَتْلُوهُ الْجُزْءُ الرَّابِعُ مِنْ أَجْزَاءٍ أَرْبَعَةٍ وَالْخَامِسُ أَوَّلُهُ: قَالَ الرَّافِضِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ إِلَخْ، وَبِهِ تَمَّ الْكِتَابُ. وَتُوجَدُ بَعْدَ ص 164 سِتُّ وَرَقَاتٍ تَضَمَّنَتْ قَصِيدَتَيْنِ أَشَرْتُ إِلَيْهِمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ وَذَكَرْتُ أَنَّنِي قَدْ سَبَقَ لِي نَشْرُهُمَا ضِمْنَ مُقَدِّمَةِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ طَبْعَةِ دَارِ الْعُرُوبَةِ الْمُحَقَّقَةِ ص 35 (م) - 50 (م) . أَمَّا فِي نُسْخَةِ (ر) فَكَتَبَ فِيهَا بَعْدَ كَلِمَةِ حَسَنَاتِهِ مَا يَلِي: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، آمِينَ آمِينَ آمِينَ. آخِرُ الْمُجَلَّدِ الرَّابِعِ مِنْ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي نَقْضِ كَلَامِ الشِّيعَةِ الْقَدَرِيَّةِ لِلشَّيْخِ (الْكَلِمَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ مَطْمُوسَتَانِ) تَقِيُّ الدِّينِ الْمُجْتَهِدُ الْمُفَسِّرُ، الْحَبْرُ وَالْبَحْرُ، أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تَيْمِيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَجَزَاهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا بِمَنِّهِ. وَكَتَبَ أَسْفَلَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مَا يَلِي: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ. وَعَلَى يَسَارِ هَذِهِ الصَّفْحَةِ وَفِي أَعْلَاهَا كَتَبَ مَا يَلِي: بَلَغَ مُقَابَلَةً عَلَى أَصْلِهِ وَذَلِكَ يَوْمَ الْإِثْـ. . . . جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ - وَلَمْ تَظْهَرْ فِي الْمُصَوَّرَةِ أَرْقَامُ السَّنَةِ بِوُضُوحٍ -، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَصَلَّى عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَأَسْفَلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ كَتَبَ مَا يَلِي: يَتْلُوهُ فِي الْمُجَلَّدِ الْخَامِسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: قَالَ الرَّافِضِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ. . . . إِلَخْ. وَأَمَّا الصَّفْحَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ مِنَ الْجُزْءِ الرَّابِعِ ص 384، 385 فَيَتَضَمَّنَانِ تَعْلِيقًا عَلَى كَلَامٍ لِابْنِ تَيْمِيَةَ يَبْدَأُ كَمَا يَلِي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الْكِتَابُ؟ فَلْسَفَةٌ مِنْ رُؤَسَاءَ الْمُتَكَلِّمِينَ كَالرَّازِيِّ وَالشَّهْرَسْتَانِيِّ وَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ قَيَّمٍ الْجَوْزِيَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِمِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ. . . .، وِلَايَةُ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ: وَقَدْ يَقَعُ فِي وَهْمِ كَثِيرٍ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّ. . . . " وَيَسْتَمِرُّ هَذَا التَّعْلِيقُ حَتَّى نِهَايَةِ صَفْحَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ وَيَنْتَهِي بِالْعِبَارَاتِ التَّالِيَةِ: وَقَالَ: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) . وَهَذِهِ مُنَاظَرَاتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ لِخُصُومِهِمْ وَإِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ، لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ مُفْرِطُ الْجَهْلِ.

فصل نقل الرافضي عن الشهرستاني ما ذكره من التنازع الذي وقع بين الصحابة في مرض النبي عليه السلام

[فصل نقل الرافضي عن الشهرستاني ما ذكره من التنازع الذي وقع بين الصحابة في مرض النبي عليه السلام] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَقَدْ ذَكَرَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَهُوَ مِنْ (¬2) أَشَدِّ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ، أَنَّ مَثَارَ الْفَسَادِ بَعْدَ شُبْهَةِ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) . فَأَوَّلُ تَنَازُعٍ وَقَعَ فِي مَرَضِهِ مَا رَوَاهُ (¬4) الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَضُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ: ائْتُونِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ، أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ (¬5) . فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الرَّجُلَ (¬6) لَيَهْجِرُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ. وَكَثُرَ اللَّغَطُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قُومُوا عَنِّي، لَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ» ". الْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مَا يَنْقُلُهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ، عَامَّتُهُ مِمَّا يَنْقُلُهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَرَّرْ فِيهِ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 142 (م) . (¬2) مَنْ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬3) ك: أَنَّ مَنْشَأَ الْفَسَادِ بَعْدَ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ -، ن: أَنَّ مَثَارَ ذَلِكَ الْفَسَادِ بَعْدَ شُبْهَةِ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬4) ك: فِيمَا رَوَاهُ. (¬5) ك: بَعْدِي. (¬6) ك: صَاحَبَكُمْ.

أَقْوَالُ الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُذْكَرِ الْإِسْنَادُ فِي عَامَّةِ مَا يَنْقُلُهُ، بَلْ هُوَ يَنْقُلُ مِنْ كُتُبِ مَنْ صَنَّفَ الْمَقَالَاتِ قَبْلَهُ، مِثْلَ أَبِي عِيسَى الْوَرَّاقِ وَهُوَ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ لِلرَّافِضَةِ، الْمُتَّهَمِينَ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَنْقُلُونَهُ (¬1) ، وَمِثْلَ أَبِي يَحْيَى وَغَيْرِهِمَا مِنَ الشِّيعَةِ. وَيَنْقُلُ أَيْضًا مِنْ كُتُبِ بَعْضِ الزَّيْدِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الطَّاعِنِينَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَلِهَذَا تَجِدُ (¬2) نَقْلَ الْأَشْعَرِيِّ أَصَحَّ مِنْ نَقْلِ هَؤُلَاءِ ; لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَقَالَاتِ، وَأَشَدُّ احْتِرَازًا مِنْ كَذِبَ الْكَذَّابِينَ فِيهَا، مَعَ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي نَقْلِهِ، وَنَقْلِ عَامَّةِ مَنْ يَنْقُلُ الْمَقَالَاتِ بِغَيْرِ أَلْفَاظِ أَصْحَابِهَا وَلَا إِسْنَادٍ عَنْهُمْ، مِنَ الْغَلَطِ مَا يَظْهَرُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ وَبَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ. حَتَّى فِي نَقْلِ الْفُقَهَاءِ بَعْضِهِمْ مَذَاهِبَ بَعْضٍ، فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِيهَا غَلَطٌ كَثِيرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّاقِلُ مِمَّنْ يَقْصِدُ الْكَذِبَ، بَلْ يَقَعُ الْغَلَطُ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي الْكَذِبِ عَنْهُ (¬3) ، بَلْ هُوَ مُعَظِّمٌ لَهُ أَوْ مُتَّبِعٌ لَهُ (¬4) . وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى مُوَالَاتِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ، وَمَعَ هَذَا فَغَيْرُ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ يَكْثُرُ فِي نَقْلِهِمُ الْغَلَطُ عَلَيْهِ، وَيَزِيدُونَ فِي كَلَامِهِ وَيُنْقِصُونَ نَقْصًا يُفْسِدُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ، بَلْ يَغْلَطُونَ فِي مَعْرِفَةِ أُمُورِهِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ. ¬

(¬1) انْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ عَنِ الْوَرَّاقِ فِيمَا مَضَى 2/501 (¬2) ن: نَجِدُ. (¬3) ن، م: عَنْهُمْ. (¬4) ن: لَهُ وَلِرَسُولِهِ.

وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا قَدْ بَيَّنَّا كَذِبَ كَثِيرٍ مِمَّا يَنْقُلُهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ (¬1) يَنْقُلُ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ، لَا هَذَا وَلَا نَحْوَهُ، لَكِنْ وَقَعَ إِمَّا تَعَمُّدًا لِلْكَذِبِ (¬2) مِنْ بَعْضِهِمْ، وَإِمَّا غَلَطًا (¬3) وَسُوءَ حِفْظٍ، ثُمَّ قَبِلَهُ الْبَاقُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ وَلِهَوَاهُمْ، فَإِنَّ الْهَوَى يُعْمِي وَيُصِمُّ وَصَاحِبُ الْهَوَى يَقْبَلُ مَا وَافَقَ هَوَاهُ بِلَا حُجَّةٍ تُوجِبُ صِدْقَهُ وَيَرُدُّ مَا خَالَفَ هَوَاهُ بِلَا حُجَّةٍ تُوجِبُ رَدَّهُ. وَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ أَكْثَرُ تَكْذِيبًا بِالصِّدْقِ وَتَصْدِيقًا بِالْكَذِبِ مِنَ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّ رُءُوسَ مَذْهَبِهِمْ وَأَئِمَّتِهِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوهُ وَأَسَّسُوهُ كَانُوا مُنَافِقِينَ زَنَادِقَةً، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْخَوَارِجِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَنْ جَهْلٍ بِتَأَوُّلِ الْقُرْآنِ، وَغُلُوٍّ فِي تَعْظِيمِ الذُّنُوبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْوَعِيدِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، كَانَ عَنْ تَعْظِيمِ الذُّنُوبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ، كَانَ أَصْلُ مَقْصُودِهِمْ نَفْيُ التَّكْفِيرِ عَمَّنْ صَدَّقَ الرُّسُلَ. وَلِهَذَا رُؤُوسُ الْمَذَاهِبِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ، بِخِلَافِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّ رُءُوسَهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ وَلَا كُفَّارًا، بَلْ بَعْضُهُمْ لَهُ إِيمَانٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُخْطِئٌ يُغْفَرُ لَهُ خَطَايَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ صَاحِبُ ذَنْبٍ يُرْجَى لَهُ مَغْفِرَةُ اللَّهِ، لَكِنَّ الْجَهْلَ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ¬

(¬1) ن، م: مِمَّا. (¬2) ن، م: لِكَذِبٍ. (¬3) ن، م: عَلَطْ.

شَامِلٌ لَهُمْ كُلَّهُمْ، فَلَيْسَ فِيهِمْ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ. وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ إِنَّمَا ابْتَدَعَهُ زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ، مُرَادُهُمْ إِفْسَادُ (¬1) دِينِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ رَأَيْتُ كَثِيرًا مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي يَنْقُلُونَ فِيهَا مَذَاهِبَ النَّاسِ، وَرَأَيْتُ أَقْوَالَ أُولَئِكَ (¬2) ، فَرَأَيْتُ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاقِلِينَ لَيْسَ قَصْدُهُ الْكَذِبَ، لَكِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِحَقِيقَةِ أَقْوَالِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ أَلْفَاظِهِمْ وَسَائِرِ مَا بِهِ يُعْرَفُ مُرَادُهُمْ قَدْ يَتَعَسَّرُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَى بَعْضِهِمْ. ثُمَّ إِنَّ غَالِبَ كُتُبِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّاقِلِينَ لِلْمَقَالَاتِ، يَنْقُلُونَ فِي أُصُولِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ مِنَ الْمَقَالَاتِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ. وَنَفْسُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَمَا يَقُولُهُ أَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي حَكَوْا فِيهِ أَقْوَالَ النَّاسِ، لَا يَنْقُلُونَهُ، [لَا] (¬3) تَعَمُّدًا مِنْهُمْ لِتَرْكِهِ، بَلْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ وَلَا سَمِعُوهُ، لِقِلَّةِ خِبْرَتِهِمْ بِنُصُوصِ الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ. وَكِتَابُ " الْمَقَالَاتِ " لِلْأَشْعَرِيِّ أَجْمَعُ هَذِهِ الْكُتُبِ وَأَبْسُطُهَا، وَفِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَتَحْرِيرِهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا. وَقَدْ نَقَلَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ وَظَنَّهُ قَوْلَهُمْ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَقُولُ بِكُلِّ مَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ. وَجَاءَ بَعْدَهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ - كَابْنِ فُورَكٍ (¬4) - مَنْ لَمْ يُعْجِبْهُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ، فَنَقَصَ ¬

(¬1) ب: فَسَادُ. (¬2) ن، ب: أَقْوَالُ ذَلِكَ. (¬3) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ، فَقِيهٌ شَافِعِيٌّ وَمُتَكَلِّمٌ أَشْعَرِيٌّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 406، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 4/127 - 135 تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي، ص 232 - 233 وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/402، النُّجُومِ الزَّاهِرَةِ 4/240، الْأَعْلَامِ 6/313، وَانْظُرْ مُقَدِّمَةَ كِتَابِ " مُشْكِلِ الْحَدِيثِ وَبَيَانِهِ " لِابْنِ فُورَكٍ، تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ مُوسَى مُحَمَّدْ عَلِي ص 14 - 26

مِنْ ذَلِكَ وَزَادَ، مَعَ هَذَا فَلِكَوْنِ خِبْرَتِهِ بِالْكَلَامِ أَكْثَرَ مِنْ خِبْرَتِهِ بِالْحَدِيثِ وَمَقَالَاتِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ، قَدْ ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَنْهُمْ أَقْوَالًا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ لَا تُنْقَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَصْلًا مِثْلُ ذَلِكَ (¬1) الْإِطْلَاقِ، لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، بَلِ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ عَنْهُمْ يَكُونُ فِيهِ تَفْصِيلٌ (¬2) فِي نَفْيِ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى الْمُرَادِ وَإِثْبَاتِهِ، وَهُمْ مُنْكِرُونَ الْإِطْلَاقَ الَّذِي أَطْلَقَهُ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ، وَمُنْكِرُونَ لِبَعْضِ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ قَدْ نَقَلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَقْوَالًا ضَعِيفَةً، يَعْرِفُهَا مَنْ يَعْرِفُ مَقَالَاتِ النَّاسِ، مَعَ أَنَّ كِتَابَهُ أَجْمَعُ مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي الْمَقَالَاتِ وَأَجْوَدُ نَقْلًا، لَكِنَّ هَذَا الْبَابَ وَقَعَ فِيهِ مَا وَقَعَ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ خَبِيرًا بِقَوْلِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَقَوْلِ ابْنِ سِينَا وَنَحْوِهِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، كَانَ أَجْوَدُ مَا نَقَلَهُ قَوْلُ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، فَلَا هُوَ وَلَا أَمْثَالُهُ يَعْرِفُونَ أَقْوَالَهُمْ، بَلْ وَلَا سَمِعُوهَا عَلَى وَجْهِهَا بِنَقْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهَا (¬3) بِالْأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَإِنَّمَا سَمِعُوا جُمَلًا تَشْتَمِلُ عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ. وَلِهَذَا إِذَا اعْتُبِرَتْ مَقَالَاتُهُمُ الْمَوْجُودَةُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمُ الثَّابِتَةِ بِالنَّقْلِ ¬

(¬1) ذَلِكَ سَاقِطَةٌ مَنْ (ب) . (¬2) ن، م: تَفْضِيلٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب، ن: أَنَّهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الرد على زعم الرافضي أن الشهرستاني من أشد المتعصبين على الإمامية

عَنْهُمْ، وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ تِلْكَ النُّقُولَ عَنْهُمْ. وَهَذَا مِنْ جِنْسِ نَقْلِ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ (¬1) وَالْمَقَاطِيعِ وَغَيْرِهِمَا، مِمَّا فِيهِ صَحِيحٌ وَضَعِيفٌ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ [فَنَقُولُ:] (¬2) مَا عُلِمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، مِنْ مَحَاسِنِ الصَّحَابَةِ وَفَضَائِلِهِمْ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ بِنُقُولٍ بَعْضُهَا مُنْقَطِعٌ، وَبَعْضُهَا مُحَرَّفٌ (¬3) ، وَبَعْضُهَا لَا يَقْدَحُ فِيمَا عُلِمَ، فَإِنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَنَحْنُ قَدْ تَيَقَّنَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ قَبْلَنَا، وَمَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ مِنْ (¬4) أَدِلَّةِ الْعَقْلِ، مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أُمُورٌ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَكَيْفَ إِذَا عُلِمَ بُطْلَانُهَا؟ ! . [الرد على زعم الرافضي أن الشهرستاني من أشد المتعصبين على الإمامية] وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ مِنْ أَشَدِّ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ ". فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَمِيلُ كَثِيرًا إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِهِمْ، بَلْ يَذْكُرُ أَحْيَانًا أَشْيَاءً (¬5) مِنْ كَلَامِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ مِنْهُمْ وَيُوَجِّهُهُ (¬6) . وَلِهَذَا اتَّهَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ [بِأَنَّهُ] (¬7) مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ مَنِ اتَّهَمَهُ شَوَاهِدَ مِنْ كَلَامِهِ وَسِيرَتِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مَعَ الشِّيعَةِ بِوَجْهٍ، وَمَعَ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ بِوَجْهٍ. ¬

(¬1) ب: الْمُرَاسَلَاتِ. (¬2) فَنَقُولُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬3) ن: مُخَرَّقٌ. (¬4) ب: عَنْ. (¬5) أَشْيَاءً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬6) ن: وَبِوَجْهِهِ، ب: وَتَوْجِيهُهُ. (¬7) بِأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْوُعَّاظِ، وَكَانُوا يَدْعُونَ بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ فِي صَحِيفَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا كَذِبًا عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّهْرَسْتَانِيُّ يُظْهِرُ الْمَيْلَ إِلَى الشِّيعَةِ، إِمَّا بِبَاطِنِهِ وَإِمَّا مُدَاهَنَةً لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْكِتَابَ - كِتَابَ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " صَنَّفَهُ لِرَئِيسٍ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ دِيوَانَيْهِ. وَكَانَ لِلشَّهْرَسْتَانِيِّ مَقْصُودٌ فِي اسْتِعْطَافِهِ لَهُ. وَكَذَلِكَ (¬1) صَنَّفَ لَهُ كِتَابَ " الْمُصَارَعَةِ " بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ سِينَا (¬2) ، لِمَيْلِهِ إِلَى التَّشَيُّعِ وَالْفَلْسَفَةِ. وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الشِّيعَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، أَعْنِي الْمُصَنِّفَ لَهُ. وَلِهَذَا تَحَامَلَ فِيهِ لِلشِّيعَةِ (¬3) تَحَامُلًا بَيِّنًا. ¬

(¬1) ن: وَلِذَلِكَ. (¬2) وَهُوَ كِتَابُ " مُصَارَعَةِ الْفَلَاسِفَةِ "، الَّذِي حَقَّقَتْهُ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ مُحَمَّدْ مُخْتَارْ ط. الْقَاهِرَةِ، 1396 1976 وَجَاءَ فِي أَوَّلِهِ ص 13 أَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ أَلَّفَهُ لِأَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُوسَوِيِّ، وَذَكَرَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ أَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيَّ أَلَّفَ كِتَابَ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " أَيْضًا لَهُ، وَلَيْسَ لِلْوَزِيرِ نَصِيرِ الدِّينِ، الَّذِي كَانَ يَتَوَلَّى وَزَارَةَ السُّلْطَانِ سِنْجِرْ عَامَ 521 كَمَا ذَكَرَ الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ بْنُ فَتْحِ اللَّهِ بَدْرَانُ فِي الطَّبْعَةِ الْأُولَى مِنْ كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/3 - 5 وَنَقَلَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ الْمُصَارَعَةِ (ص 29) عَنْ صَدْرِ الدِّينِ الشِّيرَازِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْفَارِ الْأَرْبَعَةِ 2/275 قَوْلَهُ: وَقَدْ أَلَّفَ هَذَا الْكِتَابَ لِمَجْدِ الدِّينِ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُوسَوِيِّ، وَهُوَ ضِدُّ ابْنِ سِينَا فِي حَوَالَيْ عَامِ 540 وَلَمْ أَجِدْ تَرْجَمَةً لِعَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ مَرَاجِعَ، وَذَكَرَتِ الدُّكْتُورَةُ سُهَيْرُ أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ وَيَمْتَدُّ نَسَبُهُ إِلَى مُوسَى الْكَاظِمِ، وَقَدْ تَوَلَّى عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ حُكْمَ تِرْمِذَ، وَدَعَا الْعُلَمَاءُ إِلَيْهِ مِنْ شَتَّى مُدُنِ إِقْلِيمِ خُرَاسَانَ وَمِنْهُمُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ الَّذِي أَلَّفَ لَهُ الْمِلَلَ وَالنِّحَلَ ثُمَّ مُصَارَعَةَ الْفَلَاسِفَةِ. (¬3) فِي م: الشِّيعَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِ يُبْطِلُ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَاهَنَةِ لَهُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِأَجْلِ مَنْ صَنَّفَهُ لَهُ. وَأَيْضًا فَهَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي حَكَاهَا الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ " عَنْ إِبْلِيسَ فِي مُنَاظَرَتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، بَلْ لَا إِسْنَادَ لَهَا أَصْلًا. فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ تُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِينَ، وَلَا هِيَ أَيْضًا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ (¬1) . وَهَذِهِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَبَعْضِ كُتُبِ النَّصَارَى. وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ أَكْثَرُ مَا يَنْقُلُهُ مِنَ الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ. فَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ وَضَعَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيَجْعَلَهَا حُجَّةً عَلَى الْمُثْبِتِينِ لِلْقَدَرِ، كَمَا يَضَعُونَ شِعْرًا عَلَى لِسَانِ يَهُودِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنَ الْقَدَرِيَّةِ يَضَعُونَ عَلَى لِسَانِ الْكُفَّارِ مَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ، ¬

(¬1) انْظُرْ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/23 - 25 وَقَالَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي أَوَّلِهَا (ص 24) قَالَ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ: إِنِّي سَلَّمْتُ أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى إِلَهِي وَإِلَهَ الْخَلْقِ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّهُ مَهْمَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ حَكِيمٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَسَاقِ حِكْمَتِهِ أَسْئِلَةٌ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا هِيَ؟ وَكَمْ هِيَ؟ قَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ: سَبْعٌ. ثُمَّ أَوْرَدَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ سَبْعَةَ أَسْئِلَةٍ عَلَى لِسَانِ إِبْلِيسَ (ص 24 - 25) وَذَكَرَ فِي آخِرِهَا (ص 25) : قَالَ شَارِحُ الْإِنْجِيلِ: فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: قُولُوا لَهُ: إِنَّكَ فِي تَسْلِيمِكَ الْأَوَّلِ. . . . إِلَخْ.

الرد على زعم الرافضي عن الاختلاف الواقع في مرض النبي صلى الله عليه وسلم

وَأَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِهِ فَقَدْ جَعَلَ لِلْخَلْقِ حُجَّةً عَلَى الْخَالِقِ، كَمَا وَجَدْنَا كَثِيرًا مِنَ الشِّيعَةِ يَضَعُ حُجَجًا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الْيَهُودِ، لِيُقَالَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ: أَجِيبُوا هَذَا الْيَهُودِيَّ، وَيُخَاطِبُ بِذَلِكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ أَنْ يُبَيِّنَ فَسَادَ تِلْكَ الْحُجَّةِ مِنْ جُهَّالِ الْعَامَّةِ. [الرد على زعم الرافضي عن الاختلاف الواقع في مرض النبي صلى الله عليه وسلم] وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: " إِنَّ مَثَارَ الْفَسَادِ بَعْدَ شُبْهَةِ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ [الْكَذِبِ] (¬1) الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ قَصْدُهُ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ ذَنْبٍ أُذْنِبَ، فَهَذَا بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ. وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ اخْتِلَافٍ وَقَعَ بَعْدَ تِلْكَ الشُّبْهَةِ، فَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ شُبْهَةَ إِبْلِيسَ لَمْ تُوقِعْ خِلَافًا بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا سَمِعَهَا الْآدَمِيُّونَ مِنْهُ حَتَّى يُوقِعَ بَيْنَهُمْ خِلَافًا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْخِلَافَ مَا زَالَ بَيْنَ بَنِي آدَمَ مِنْ زَمَنِ نُوحٍ، وَاخْتِلَافِ النَّاسِ قَبْلَ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ اخْتِلَافِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 213] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " كَانَ بَيْنَ آدَمَ ¬

(¬1) الْكَذِبِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ " (¬1) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [سُورَةُ يُونُسَ: 19] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 118، 119] . وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30] . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ابْنَيْ آدَمَ قَتَلَ أَحَدُهُمَا أَخَاهُ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» " (¬2) . وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 253] . ¬

(¬1) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/275، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُودْ شَاكِرْ فِي تَعْلِيقِهِ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 2/546 - 547 وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَسَبَقَ وُرُودُ هَذَا الْأَثَرِ مِنْ قَبْلُ فِيمَا مَضَى 5/257 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/351

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 105] . فَهَذِهِ نُصُوصُ الْقُرْآنِ تُخْبِرُ بِالِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ الَّذِي كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً " (¬1) . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِ عَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ لِأَنْبِيَائِهِمْ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» " (¬2) . وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 64] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 14] . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا مِنَ الِاخْتِلَافِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/249 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَوَّلُهُ: دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ. . . . .، فِيمَا مَضَى 1/551

وَالنِّزَاعِ. وَالْخِلَافُ الْوَاقِعُ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَلِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي أَهْلِ الْمِلَلِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ إِلَى مُتَابَعَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَقْرَبُ، كَانَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ أَقَلَّ. فَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ عَنْ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَأَمْثَالِهِمْ أَمْرٌ لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، وَبَعْدَهُ الْخِلَافُ عَنْ أَعْظَمِ الْمِلَلِ ابْتِدَاعًا كَالرَّافِضَةِ فِينَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ الْخِلَافُ الَّذِي بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُ الْفِرَقِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْجَمَاعَةِ، كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ (¬1) اخْتِلَافُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُمْ أَقَلُّ الطَّوَائِفِ اخْتِلَافًا فِي أُصُولِهِمْ، لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ أَعْظَمُ مِنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِمْ فَعَصَمَهُمْ حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي اعْتَصَمُوا بِهِ فَقَالَ (¬2) {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] . فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا: إِنَّ مَثَارَ الْفَسَادِ بَعْدَ شُبْهَةِ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَكَمْ قَدْ (¬3) وَقَعَ مِنَ الْفَسَادِ وَالِاخْتِلَافِ قَبْلَ هَذَا؟ . وَالتَّحْدِيدُ بِشُبْهَةِ إِبْلِيسَ وَالِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِي الْمَرَضِ بَاطِلٌ. فَأَمَّا شُبْهَةُ إِبْلِيسَ فَلَا يُعْرَفُ لَهَا أَثَرُ إِسْنَادٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْكَذِبُ ظَاهِرٌ عَلَيْهَا. وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدْ كَانَ يَقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَقَدْ وَقَعَ قِتَالٌ بَيْنَ أَهْلِ قُبَاءَ حَتَّى خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ. ¬

(¬1) ن: وَنَحْوِهِمْ وَلَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ، م: وَنَحْوِهِمْ هَؤُلَاءِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ. (¬2) م: حَيْثُ قَالَ. (¬3) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

وَقَدْ تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْأَنْفَالِ، فَقَالَ الْآخِذُونَ: هِيَ لَنَا، وَقَالَ الذَّاهِبُونَ خَلْفَ الْعَدُوِّ: هِيَ لَنَا. وَقَالَ الْحَافِظُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ لَنَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 1] . وَقَدْ كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ خِلَافٌ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، حَتَّى هَمَّ الْحَيَّانِ بِالِاقْتِتَالِ، فَسَكَّنَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَخْصٍ هَلْ يَجُوزُ قَتْلُهُ أَمْ لَا يَجُوزُ؟ . وَقَدْ وَقَعَ نِزَاعٌ بَيْنَ الْأَنْصَارِ مَرَّةً بِسَبَبِ يَهُودِيٍّ كَانَ يُذَكِّرُهُمْ حُرُوبَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، حَتَّى اخْتَصَمُوا وَهَمُّوا بِالْقِتَالِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 100، 101] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ فَاقْتَتَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانِيكُمْ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» " (¬1) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 6/153 - 154، 154 - 155 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الْمُنَافِقُونَ) ، (مُسْلِمٍ 4/1998 - 1999 (كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابِ نَصْرِ الْأَخِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) . سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/90 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الْمُنَافِقُونَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/338 - 385، 392 - 393

وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَنَازَعُونَ فِي مُرَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُصَلِّي وَلَا نَتْرُكُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَصَلُّوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَمَا عَنَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْهُمْ» (¬1) . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدُ تَمِيمٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ (¬2) . وَقَالَ عُمَرُ: أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. فَقَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 2] فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدِّثُهُ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ (¬3) . ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/411 (¬2) ن، م: بْنِ حَكِيمٍ، ب: بْنِ حَكَمٍ، وَكُلُّهُ خَطَأٌ. وَهُوَ الْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ زَيْدٍ التَّمِيمِيُّ الدَّارِمِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، تَرْجَمَتُهُ فِي الْإِصَابَةِ 3/230 - 231، الِاسْتِيعَابِ بِهَامِشِ الْإِصَابَةِ 3/251 - 252، أُسْدِ الْغَابَةِ 4/409 (¬3) انْظُرْ تَفْسِيرَ آيَةِ 2 مِنْ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ 7/346 وَقَوْلَهُ: وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ. حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ هَذَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِ ذَلِكَ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِدُونِ الْعِبَارَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْبُخَارِيِّ 6/137 - 138 (كِتَابِ التَّفْسِيرِ، سُورَةِ الْحُجُرَاتِ، وَأَخِي السِّرَارِ: الصَّوْتِ الْمُنْخَفِضِ أَوِ الْهَمْسِ.

وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِشَيْءٍ أَوْ يَأْذَنُ فِيهِ، فَيُرَاجَعُ فِيهِ، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ. «كَمَا أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِكَسْرِ الْأَوَانِي الَّتِي فِيهَا لُحُومُ الْحُمُرِ قَالُوا: أَلَا نُرِيقُهَا؟ قَالَ: أَرِيقُوهَا (¬1) . وَلَمَّا كَانُوا فِي سَفَرٍ اسْتَأْذَنُوهُ (¬2) فِي نَحْرِ ظُهُورِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ. حَتَّى جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَذِنْتَ فِي ذَلِكَ نَفِدَ ظَهْرُهُمْ، وَلَكِنِ اجْمَعْ مَا مَعَهُمْ، وَادْعُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» (¬3) . وَمِنْ ذَلِكَ «حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَغْلَتَهُ، وَقَالَ: " اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ، فَضَرَبَهُ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: ارْجِعْ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَلَا تَفْعَلْ ; فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَخَلِّهِمْ ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَنَّ الْقُدُورَ الَّتِي فِيهَا لُحُومُهَا أُكْفِئَتْ، انْظُرِ: الْبُخَارِيَّ 7/95 - 96 (كِتَابَ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ، بَابَ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) ، مُسْلِمٍ 3/1537 - 1540 (كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، بَابِ تَحْرِيمِ أَكْلِ لَحْمِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) . (¬2) ن، م: اسْتَأْذَنَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ 3/137 - 138 (كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ، الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَأَوَّلُهُ: نَادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ (. وَجَاءَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 18/123 رَقْمِ 9447

يَعْمَلُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَخَلِّهِمْ» " (¬1) . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي مَرَضِهِ كَانَ مِنْ أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ وَأَبْيَنِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي مَرَضِهِ: " «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي ". ثُمَّ قَالَ: " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» " (¬2) فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ هَمَّ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا، فَقَالَ عُمَرُ: " مَالَهُ أَهَجَرَ؟ (¬3) " فَشَكَّ عُمَرُ هَلْ هَذَا الْقَوْلُ مَنْ هُجْرِ الْحُمَّى أَوْ هُوَ مِمَّا يَقُولُ عَلَى عَادَتِهِ فَخَافَ عُمَرُ أَنَّ يَكُونَ مِنْ هُجْرِ الْحُمَّى، أَوْ هَذَا مِمَّا خَفِيَ عَلَى عُمَرَ كَمَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ هَاتُوا كِتَابًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأْتُوا بِكِتَابٍ. فَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْكِتَابَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّهُمْ يَشُكُّونَ: هَلْ أَمْلَاهُ مَعَ تَغَيُّرِهِ بِالْمَرَضِ؟ أَمْ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ ذَلِكَ؟ فَلَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ فَتَرَكَهُ. وَلَمْ تَكُنْ كِتَابَةُ الْكِتَابِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَهُ أَوْ يُبَلِّغَهُ فِي ذَلِكَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ، فِي مُسْلِمٍ 1/59 - 61 (كِتَابِ الْإِيمَانِ، بَابِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا) . (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/492، 2/51 - 52 (¬3) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ 4/240: أَهَجَرَ: أَيِ: اخْتَلَفَ كَلَامُهُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ: هَلْ تَغَيَّرَ كَلَامُهُ وَاخْتَلَطَ لِأَجْلِ مَا بِهِ مِنَ الْمَرَضِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِ، وَلَا يُجْعَلُ إِخْبَارًا فَيَكُونُ إِمَّا مِنَ الْفُحْشِ أَوِ الْهَذَيَانِ، وَالْقَائِلُ كَانَ عُمَرُ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ.

الْوَقْتِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَرَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مِمَّا رَآهُ مَصْلَحَةً لِدَفْعِ النِّزَاعِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَرَأَى أَنَّ الْخِلَافَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ. وَقَدْ سَأَلَ رَبَّهُ لِأُمَّتِهِ ثَلَاثًا، فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَهُ وَاحِدَةً. سَأَلَهُ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَسَأَلَهُ أَنْ لَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَ (¬1) سَأَلَهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَهُ إِيَّاهَا (¬2) . وَهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " الرَّزِيَّةُ كُلُّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ " (¬3) . فَإِنَّهَا رَزِيَّةٌ، أَيْ مُصِيبَةٌ فِي حَقِّ الَّذِينَ شَكُّوا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطَعَنُوا فِيهَا. وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَنَحْوِهِمْ. وَإِلَّا فَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ يُفْتِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى ¬

(¬1) جَاءَتْ فِي (ب) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَفِي (ن) ، (م) فَمُنِعَهَا، وَالْحَدِيثُ سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص 230) (¬2) جَاءَتْ فِي (ب) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَفِي (ن) ، (م) فَمُنِعَهَا، وَالْحَدِيثُ سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص 230) (¬3) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا 1/30 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ، وَنَصُّهُ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعُهُ قَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: هَلُمَّ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا، فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ، فَقَالَ: قُومُوا عَنِّي لَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلُّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ كِتَابِهِ. وَسَبَقَ الْحَدِيثُ وَبَيَّنْتُ مَوَاضِعَ وُرُودِهِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ (ص 25)

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِمَا أَفْتَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَهَذَا ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمَنْ عَرَفَ حَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ يُفَضِّلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ كِتَابَةَ الْكِتَابِ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، وَلَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى إِرَادَةِ الْكِتَابِ مَا قَدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ. وَمِثْلُ هَذَا النِّزَاعِ قَدْ كَانَ يَقَعُ فِي صِحَّتِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَالَّذِي وَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ قُبَاءَ وَغَيْرِهِمْ كَانَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ، حَتَّى أُنْزِلَ فِيهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] ، لَكِنْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ (¬1) . وَمِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ كَانَ كِتَابُهُ بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَهَذَا لَيْسَ فِي الْقِصَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. وَلَا [فِي] ¬

(¬1) جَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 3/183 (كِتَابِ الصُّلْحِ، الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَنَصُّهُ: أَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَكِبَ حِمَارًا، فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ، وَهِيَ أَرْضُ سَبْخَةٌ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي، وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتَنُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ. فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتَمَهُ، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ 3/1424 (كِتَابِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابٌ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَبْرِهِ عَلَى أَذَى الْمُنَافِقِينَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/157 - 219 وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 7/353 - 354

الرد على زعم الرافضي عن الخلاف في تجهيز جيش أسامة

شَيْءٍ (¬1) مِنَ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ أَنَّهُ جَعَلَ عَلِيًّا خَلِيفَةً. كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ. ثُمَّ يَدَّعُونَ مَعَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ (¬2) قَدْ نَصَّ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ نَصًّا جَلِيًّا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَغْنَى عَنِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ لَا يُطِيعُونَهُ فَهُمْ أَيْضًا لَا يُطِيعُونَ الْكِتَابَ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ لَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا؟ . [الرد على زعم الرافضي عن الخلاف في تجهيز جيش أسامة] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬3) : " الْخِلَافُ الثَّانِي: الْوَاقِعُ فِي مَرَضِهِ (¬4) : أَنَّهُ قَالَ جَهِّزُوا جَيْشَ أُسَامَةَ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ. فَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ عَلَيْنَا امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَأُسَامَةُ قَدْ بَرَزَ (¬5) ، وَقَالَ قَوْمٌ: قَدِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَلَا يَسَعُ (¬6) قُلُوبُنَا الْمُفَارَقَةَ ". فَالْجَوَابُ (¬7) : " أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّقْلِ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: " «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ» " وَلَا نُقِلَ هَذَا بِإِسْنَادٍ ثَبَتَ، بَلْ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَصْلًا، وَلَا امْتَنَعَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ أُسَامَةَ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ لَوْ خَرَجَ، بَلْ كَانَ أُسَامَةُ ¬

(¬1) ن، م، ب: وَلَا شَيْءَ. وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ يَتِمُّ بِهِ الْكَلَامُ. (¬2) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) 142 (م) . (¬4) ك: الثَّانِي وَهُوَ فِي مَرَضِهِ. (¬5) ك: قَدْ بَرَزَ عَنِ الْمَدِينَةِ. (¬6) ب: وَلَا تَسَعُ. (¬7) ن، م: وَالْجَوَابُ

هُوَ الَّذِي تَوَقَّفَ فِي الْخُرُوجِ، لَمَّا خَافَ أَنْ يَمُوتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: كَيْفَ أَذْهَبُ وَأَنْتَ هَكَذَا، أَسْأَلُ عَنْكَ الرُّكْبَانَ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُقَامِ. وَلَوْ عَزَمَ عَلَى أُسَامَةَ فِي الذَّهَابِ لَأَطَاعَهُ، وَلَوْ ذَهَبَ أُسَامَةُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، وَقَدْ ذَهَبُوا جَمِيعُهُمْ مَعَهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَكِنْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ فِيهِمْ، وَكَانَ عُمَرُ خَارِجًا مَعَ أُسَامَةَ لَكِنْ طَلَبَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْمُقَامِ عِنْدَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ كَانَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى تَجْهِيزِ أُسَامَةَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُجَهِّزَهُ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَدُوِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ رَايَةً عَقَدَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ إِنْفَاذُهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَالِحِ الَّتِي فَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نِزَاعٌ مُسْتَقِرٌّ أَصْلًا (¬1) . وَالشَّهْرَسْتَانِيُّ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْحَدِيثِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَلِهَذَا نَقَلَ فِي كِتَابِهِ هَذَا مَا يَنْقُلُهُ مِنَ اخْتِلَافِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتِلَافِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَنْقُلْ مَعَ هَذَا مَذْهَبَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأُصُولِ ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى سَرِيَّةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا حَدَثَ فِيهَا فِيمَا مَضَى 4/276 - 280

الْكِبَارِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ هَذَا هُوَ وَأَمْثَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا يَنْقُلُونَ مَا يُحَدِّثُونَهُ فِي كُتُبِ الْمَقَالَاتِ، وَتِلْكَ فِيهَا أَكَاذِيبُ كَثِيرَةٌ (¬1) مِنْ جِنْسِ مَا فِي التَّوَارِيخِ. وَلَكِنَّ أَهْلَ الْفِرْيَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْجَيْشَ كَانَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَنَّ مَقْصُودَ الرَّسُولِ كَانَ إِخْرَاجَهُمَا لِئَلَّا يُنَازِعَا عَلِيًّا. وَهَذَا إِنَّمَا يُكَذِّبُهُ وَيَفْتَرِيهِ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ، وَأَعْظَمِ النَّاسِ تَعَمُّدًا لِلْكَذِبِ، وَإِلَّا فَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طُولَ مَرَضِهِ يَأْمُرُ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ حَاضِرُونَ، وَلَوْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ مَنْ وَلَّاهُ لَأَطَاعُوهُ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يُحَارِبُونَ مَنْ نَازَعَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ نَصَرُوا دِينَهُ أَوَّلًا وَآخِرًا. وَلَوْ أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلِيًّا فِي الصَّلَاةِ: هَلْ كَانَ يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَرُدَّهُ؟ وَلَوْ أَرَادَ تَأْمِيرَهُ عَلَى الْحَجِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ مَعَهُ هَلْ كَانَ يُنَازِعُهُ أَحَدٌ؟ وَلَوْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَذَا هُوَ الْأَمِيرُ عَلَيْكُمْ وَالْإِمَامُ بَعْدِي، هَلْ كَانَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ؟ . وَمَعَهُ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كُلُّهُمْ مُطِيعُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا، وَلَا مَنْ قَتَلَ عَلِيٌّ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ. وَقَدْ دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ: سُلَيْمٌ أَلْفٌ، وَمُزَيْنَةُ أَلْفٌ، وَجُهَيْنَةُ أَلْفٌ، وَغِفَارُ أَلْفٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالنَّبِيُّ - ¬

(¬1) كَثِيرَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا» " (¬1) ، وَيَقُولُ: " «قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَجُهَيْنَةُ مَوَالِيَّ دُونَ النَّاسِ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» " (¬2) . وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَقْتُلْ عَلِيٌّ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا أَحَدًا مِنَ الْأَنْصَارِ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشَدَّ عَدَاوَةً مُنْذُ أَسْلَمَ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عَلِيٍّ، فَكَانُوا يُبْغِضُونَهُ أَعْظَمَ مِنْ بُغْضِهِمْ لِسَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَكَانَ النَّاسُ يَنْفِرُونَ عَنْ عُمَرَ لِغِلْظَتِهِ وَشِدَّتِهِ، أَعْظَمَ مِنْ نُفُورِهِمْ عَنْ عَلِيٍّ، حَتَّى كَرِهَ بَعْضُهُمْ تَوْلِيَةَ أَبِي بَكْرٍ لَهُ، وَرَاجَعُوهُ لِبُغْضِ النُّفُوسِ لِلْحَقِّ، لِأَنَّهُ كَانَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَلَمْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ 5/181 (كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابِ ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ، وَنَصُّهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَبَقَ فِيمَا مَضَى، وَأَوَّلُهُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ. . . فَفِي إِحْدَى رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/26 (كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، بَابِ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. قَالَ النَّبِيُّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ. وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي حَدِيثٍ ثَالِثٍ أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 1/470 (كِتَابِ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابِ اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، عَنْ خِفَافِ بْنِ إِيمَاءٍ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كَمَا وَرَدَتْ فِي حَدِيثٍ رَابِعٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ فِي: مُسْلِمٍ 4/1922 (كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابِ: مِنْ فَضَائِلِ أَبِي ذَرٍّ) ، وَعَقَدَ مُسْلِمٌ فَصْلًا آخَرَ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 4/1952 - 1954 (بَابِ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغِفَارَ وَأَسْلَمَ) . ذَكَرَ فِيهِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ جَاءَ فِيهَا هَذَا الدُّعَاءُ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ، وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 5/181 (كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابِ ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ. وَهُوَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/385 (كِتَابِ الْمَنَاقِبِ، بَابٍ فِي غِفَارَ وَأَسْلَمَ وَجُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ.

يَكُنْ قَطُّ سَبَبٌ يَدْعُو الْمُسْلِمِينَ إِلَى تَأْخِيرِ مَنْ قَدَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيمِ مَنْ يُرِيدُ تَأْخِيرَهُ وَحِرْمَانَهُ. وَلَوْ أَرَادَ إِخْرَاجَهُمَا فِي جَيْشِ أُسَامَةَ خَوْفًا مِنْهُمَا، لَقَالَ لِلنَّاسِ: لَا تُبَايِعُوهُمَا. فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِمَّنْ كَانَ يَخَافُ الرَّسُولُ؟ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ وَأَعَزَّهُ، وَحَوْلَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ الَّذِينَ لَوْ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ لَفَعَلُوا. وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ بَرَاءَةٍ، وَكَشَفَ فِيهَا حَالَ الْمُنَافِقِينَ، وَعَرَّفَهُمُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا مَدْحُوضِينَ مَذْمُومِينَ عِنْدَ الرَّسُولِ وَأُمَّتِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا (¬1) أَقْرَبَ النَّاسِ عِنْدَهُ، وَأَكْرَمَ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَحَبَّهُمْ إِلَيْهِ، وَأَخَصَّهُمْ بِهِ، وَأَكْثَرَ النَّاسِ لَهُ صُحْبَةً لَيْلًا وَنَهَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ مُوَافَقَةً لَهُ وَمَحَبَّةً لَهُ، وَأَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ وَإِعْلَاءِ دِينِهِ. فَكَيْفَ يُجَوِّزُ عَاقِلٌ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ عِنْدَ الرَّسُولِ مِنْ جِنْسِ الْمُنَافِقِينَ؟ ، الَّذِينَ كَانَ أَصْحَابُهُ قَدْ عَرَفُوا إِعْرَاضَهُ عَنْهُمْ وَإِهَانَتَهُ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ يُقَرِّبُ أَحَدًا مِنْهُمْ بَعْدَ سُورَةِ بَرَاءَةٍ. بَلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا - مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 60، 61] فَانْتَهَوْا عَنْ إِظْهَارِ النِّفَاقِ وَانْقَمَعُوا. هَذَا وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ أَعَزُّ النَّاسِ وَأَكْرَمُهُمْ وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ. ¬

(¬1) ن، م: كَانُوا، وَهُوَ خَطَأٌ.

الرد على كلام الرافضي على ما كان من عمر عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

[الرد على كلام الرافضي على ما كان من عمر عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) : " الْخِلَافُ الثَّالِثُ فِي مَوْتِهِ " (¬2) . فَالْجَوَابُ: لَا رَيْبَ أَنَّ عُمَرَ خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْتُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ مِنَ الْغَدِ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا فِي إِنْكَارِ مَوْتِهِ، فَارْتَفَعَ الْخِلَافُ. وَلَيْسَ لَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ. وَلَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ". قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا (¬3) النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا. فَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: " وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَعُقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ ¬

(¬1) أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) ، 142 (م) . (¬2) اخْتَصَرَ هُنَا ابْنُ تَيْمِيَةَ كَلَامَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي 142 م 143 (م) ، هُوَ: الثَّالِثُ فِي مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -، قَالَ عُمَرُ: مَنْ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - قَدْ مَاتَ قَتَلْتُهُ بِسَيْفِي هَذَا، وَإِنَّمَا رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا رُفِعَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ يَعْبُدُ إِلَهَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -، فَإِنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. (¬3) ب: فَنَقَلَهَا.

قال الرافضي الخلاف الرابع في الإمامة

إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا، عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَاتَ " (¬1) . [قال الرافضي الخلاف الرابع في الإمامة] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬2) : " الْخِلَافُ الرَّابِعُ: فِي الْإِمَامَةِ. وَأَعْظَمُ خِلَافٍ بَيْنِ الْأُمَّةِ خِلَافُ (¬3) الْإِمَامَةِ، إِذْ مَا سُلَّ سَيْفٌ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى قَاعِدَةٍ دِينِيَّةٍ مِثْلُ مَا سُلَّ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ " (¬4) . فَالْجَوَابُ (¬5) : أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْغَلَطِ، فَإِنَّهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَمْ يُسَلَّ سَيْفٌ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَنِهِمْ نِزَاعٌ فِي الْإِمَامَةِ، فَضْلًا عَنِ السَّيْفِ، وَلَا كَانَ بَيْنَهُمْ سَيْفٌ مَسْلُولٌ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ. وَالْأَنْصَارُ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْبُخَارِيِّ 2/71 - 72 (كِتَابِ الْجَنَائِزِ، بَابِ الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/6 - 7، 7 (كِتَابِ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابِ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/520 (كِتَابِ الْجَنَائِزِ، بَابِ ذِكْرِ وَفَاتِهِ وَدَفْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/219 - 220 (¬2) أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) (ص 143) (م) (¬3) ك: خِلَافَاتُ. (¬4) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ كَلَامَ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) (ص 143) (م) وَبَاقِي كَلَامِهِ هُوَ: وَاخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، وَاتَّفَقُوا عَلَى رَئِيسِهِمْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، فَاسْتَدْرَكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِأَنْ حَضَرَا سَقِيفَةَ بَنِي سَاعِدَةَ، وَمَدَّ عُمَرُ يَدَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَبَايَعَهُ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ، قَالَ عُمَرُ: إِنَّهَا كَانَتْ فَلْتَةٌ وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا، فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَشْغُولٌ بِمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - مِنْ دَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَمُلَازَمَةِ قَبْرِهِ، وَتَخَلَّفَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ عَنِ الْبَيْعَةِ. (¬5) ن، م: وَالْجَوَابُ.

أَفَاضِلُهُمْ، كَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ هُوَ (¬1) أَفْضَلُ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ نَفْسًا وَبَيْتًا. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: " «خَيْرُ دُوْرِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُوْرِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ» " (¬2) . فَأَهْلُ الدُّورِ الثَّلَاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ: دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، وَبَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُمْ مَنْ نَازَعَ فِي الْإِمَامَةِ، بَلْ رِجَالُ بَنِي النَّجَّارِ كَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ، كُلُّهُمْ لَمْ يَخْتَارُوا إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ هُوَ الَّذِي كَانَ مُقَدَّمَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَهُوَ كَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَهُوَ كَانَ يَأْمُرُ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ رِجَالِ الْأَنْصَارِ. وَإِنَّمَا نَازَعَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، ثُمَّ رَجَعَ هَؤُلَاءِ وَبَايَعُوا الصِّدِّيقَ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. ¬

(¬1) ن، م: مِمَّنْ هُمْ. (¬2) رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ كَامِلًا عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صَحِيحِهِ 4/1949 - 1950 (كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٍ: فِي خَيْرِ دُوْرِ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَوَّلُهُ: خَيْرُ دُوْرِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ. . . . . الْحَدِيثَ، وَانْظُرِ الْأَرْقَامَ 177 - 179، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا فِي صَحِيحِهِ 8/17 (كِتَابِ الْأَدَبِ، بَابِ خَيْرِ دُوْرِ الْأَنْصَارِ.

وَسَعْدٌ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، فَلَيْسَ هُوَ مَعْصُومًا، بَلْ لَهُ ذُنُوبٌ يَغْفِرُهَا اللَّهُ، وَقَدْ (¬1) عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. فَمَا ذَكَرَهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَنْصَارَ اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِهِمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ هُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّقْلِ، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْكَذِبَ لَكِنْ يَنْقُلُونَ مِنْ كُتُبِ مَنْ يَنْقُلُ عَمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ مَشْغُولًا بِمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَمُلَازَمَةِ قَبْرِهِ، فَكَذِبٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا يَدَّعُونَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُدْفَنْ إِلَّا بِاللَّيْلِ، لَمْ يُدْفَنْ بِالنَّهَارِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا دُفِنَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِمُلَازَمَةِ قَبْرِهِ، وَلَا لَازَمَ عَلِيٌّ قَبْرَهُ، بَلْ قُبِرَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَعَلِيٌّ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا. ثُمَّ كَيْفَ يَأْمُرُ بِمُلَازَمَةِ قَبْرِهِ، وَقَدْ أَمَرَ - بِزَعْمِهِمْ - أَنْ يَكُونَ إِمَامًا بَعْدَهُ؟ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِتَجْهِيزِهِ عَلِيٌّ وَحْدَهُ، بَلْ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَبَنُو الْعَبَّاسِ، وَمَوْلَاهُ شُقْرَانُ، وَبَعْضُ الْأَنْصَارِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَغَيْرُهُمَا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ حَاضِرِينَ غُسْلَهُ وَتَجْهِيزَهُ، لَمْ يَكُونُوا حِينَئِذٍ فِي بَنِي سَاعِدَةَ. لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَوَلَّى الْمَيِّتَ أَهْلُهُ، فَتَوَلَّى أَهْلُهُ غُسْلَهُ وَأَخَّرُوا دَفْنَهُ لِيُصَلِّيَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ (¬2) ، فَإِنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ أَفْرَادًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، ¬

(¬1) ن، م: اللَّهُ قَدْ. (¬2) ب: لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.

رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ: خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَلَمْ يَتَّسِعْ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِذَلِكَ مَعَ تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ، بَلْ صَلَّوْا عَلَيْهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءَ، وَدُفِنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ. وَأَيْضًا فَالْقِتَالُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانِ لَمْ يُقَاتِلُوا عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ غَيْرِ عَلِيٍّ، وَلَا كَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ: أَنَا (¬1) الْإِمَامُ دُونَ عَلِيٍّ، وَلَا قَالَ ذَلِكَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ. فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ قَاتَلَ عَلِيًّا قَبْلَ الْحَكَمَيْنِ (¬2) نَصَبَ إِمَامًا يُقَاتِلُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقِتَالِ عَلَى قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامَةِ الْمُنَازَعِ فِيهَا، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ يُقَاتِلُ طَعْنًا فِي خِلَافَةِ (¬3) الثَّلَاثَةِ، وَلَا ادِّعَاءً لِلنَّصِّ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَا طَعْنًا فِي جَوَازِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ. فَالْأَمْرُ الَّذِي تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ أَمْرِ الْإِمَامَةِ، كَنِزَاعِ الرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَصْلًا، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْإِمَامَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ عَلِيٌّ، وَلَا قَالَ: إِنَّ الثَّلَاثَةَ كَانَتْ إِمَامَتُهُمْ بَاطِلَةٌ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَكُلَّ مَنْ وَالَاهُمَا كَافِرٌ. فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ أَوَّلَ سَيْفٍ سُلَّ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَانَ مَسْلُولًا عَلَى قَوَاعِدِ الْإِمَامَةِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا النَّاسُ، دَعْوَى كَاذِبَةٌ ظَاهِرَةُ الْكَذِبِ، يُعْرَفُ كَذِبُهَا بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، مَعَ الْعِلْمِ بِمَا وَقَعَ. ¬

(¬1) ب: إِنَّهُ. (¬2) ب: الْمُحَكِّمَيْنِ. (¬3) ب: إِمَامَةِ.

وَإِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ قِتَالُ (¬1) فِتْنَةٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ هُوَ (¬2) مِنْ بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْعَذْلِ (¬3) وَالْبَغْيِ، وَهُوَ الْقِتَالُ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ لِطَاعَةِ غَيْرِ (¬4) الْإِمَامِ لَا عَلَى قَاعِدَةٍ دِينِيَّةٍ. وَلَوْ أَنَّ عُثْمَانَ نَازَعَهُ مُنَازِعُونَ فِي الْإِمَامَةِ وَقَاتَلَهُمْ، لَكَانَ قِتَالُهُمْ مِنْ جِنْسِ قِتَالِ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُولَئِكَ نِزَاعٌ فِي الْقَوَاعِدِ الدِّينِيَّةِ. وَلَكِنَّ أَوَّلَ سَيْفٍ سُلَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَوَاعِدِ الدِّينِيَّةِ سَيْفُ الْخَوَارِجِ، وَقِتَالُهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْقِتَالِ، وَهُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا أَقْوَالًا خَالَفُوا فِيهَا الصَّحَابَةَ وَقَاتَلُوا عَلَيْهَا، وَهُمُ الَّذِينَ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ بِذِكْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» " (¬5) . وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُقَاتِلْ أَحَدًا عَلَى إِمَامَةِ مَنْ قَاتَلَهُ، وَلَا قَاتَلَهُ أَحَدٌ عَلَى إِمَامَتِهِ نَفْسِهِ، وَلَا ادَّعَى أَحَدٌ قَطُّ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ: لَا عَائِشَةَ، وَلَا طَلْحَةَ، وَلَا الزُّبَيْرَ، وَلَا مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ، وَلَا الْخَوَارِجَ، بَلْ كُلُّ الْأُمَّةِ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِفَضْلِ عَلِيٍّ وَسَابِقَتِهِ بَعْدَ قَتْلِ ¬

(¬1) قِتَالُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ن، ب: وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَهُوَ. (¬3) ب: الْعَدْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن: عَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/306

عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُمَاثِلُهُ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ، كَمَا كَانَ عُثْمَانُ كَذَلِكَ لَمْ يُنَازِعْ قَطُّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي إِمَامَتِهِ وَخِلَافَتِهِ وَلَا تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي أَنَّ غَيْرَهُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ، فَضْلًا عَنِ الْقِتَالِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ يَعْلَمُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُخَاصَمَةٌ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ (¬1) فِي إِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ، فَضْلًا عَنْ قِتَالٍ. وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ: لَمْ يَتَخَاصَمْ طَائِفَتَانِ فِي أَنَّ غَيْرَهُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ كَارِهًا لِوِلَايَةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ، فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ. فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ كَارِهًا لِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ لَا يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ يَكْرَهُ إِمَامَةَ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ. لَكِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّوَائِفِ نِزَاعٌ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ بِالْقَوْلِ، فَضْلًا عَنِ السَّيْفِ. كَمَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ نِزَاعٌ فِي مَقَالَاتٍ مَعْرُوفَةٍ بَيْنَهُمْ، فِي الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ وَالْعَقَائِدِ (¬2) الْعِلْمِيَّةِ، وَقَدْ تَجْتَمِعُ طَائِفَتَانِ فَيَتَنَازَعُونَ وَيَتَنَاظَرُونَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ. وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِمْ طَائِفَتَانِ يَظْهَرُ بَيْنَهُمُ (¬3) النِّزَاعُ، ¬

(¬1) ب: بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ. (¬2) ن: وَالْعَقَايِلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: بَيْنَهُمَا.

لَا فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وَلَا فِي تَقْدِيمِ عُمَرَ وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وَلَا فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وَلَا فِي (¬1) أَنَّ عَلِيًّا مُقَدَّمٌ بَعْدَ هَؤُلَاءِ. وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ بَعْدَهُمْ (¬2) مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَلَا تَنَازَعَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ خِلَافَةِ عُثْمَانَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي جَيْشِ عَلِيٍّ أَفْضَلُ مِنْهُ، لَمْ تُفَضِّلْ طَائِفَةٌ مَعْرُوفَةٌ عَلَيْهِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَضْلًا أَنْ يُفَضَّلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ. فَإِنْ قَاتَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ لِشُبْهَةٍ عَرَضَتْ لَهُمْ، فَلَمْ يَكُنِ الْقِتَالُ لَهُ لَا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَلَا أَنَّهُ الْإِمَامُ دُونَهُ، وَلَمْ يَتَسَمَّ قَطُّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرُ بِاسْمِ الْإِمَارَةِ، وَلَا بَايَعَهُمَا أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ. وَعَلِيٌّ بَايَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَكْثَرُهُمْ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. وَلَمْ يُبَايِعْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا طَلَبَ أَحَدٌ مِنْهُمَا ذَلِكَ، وَلَا دَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا أَفْضَلَ وَأَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَفْعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَةُ لَمْ يُبَايِعْهُ أَحَدٌ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ عَلَى الْإِمَامَةِ، وَلَا حِينَ كَانَ يُقَاتِلُ عَلِيًّا بَايَعَهُ أَحَدٌ عَلَى الْإِمَامَةِ، وَلَا تَسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا سَمَّاهُ أَحَدٌ بِذَلِكَ، وَلَا ادَّعَى مُعَاوِيَةُ وِلَايَةً قَبْلَ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ (¬3) . وَعَلِيٌّ يُسَمِّي نَفْسَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُدَّةِ خِلَافَتِهِ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) بَعْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) ب: الْمُحْكَمَيْنِ.

يُسَمُّونَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. لَكِنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مَا كَانُوا يُقِرُّونَ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَا دَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ، مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَلَكِنِ ادَّعَوْا مَوَانِعَ تَمْنَعُهُمْ عَنْ طَاعَتِهِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُحَارِبُوهُ، وَلَا دَعَوْهُ وَأَصْحَابَهُ إِلَى أَنْ يُبَايِعَ مُعَاوِيَةَ، وَلَا قَالُوا: أَنْتَ، وَإِنْ كُنْتَ أَفْضَلَ مِنْ مُعَاوِيَةَ لَكِنَّ مُعَاوِيَةَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْكَ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتْبَعَهُ، وَإِلَّا قَاتَلْنَاكَ. كَمَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْ خِيَارِ الشِّيعَةِ الزَّيْدِيَّةِ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَكِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ الدِّينِيَّةُ تَقْتَضِي خِلَافَةَ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نُفُورٌ عَنْ عَلِيٍّ بِسَبَبِ مَنْ قَتَلَهُ مِنْ أَقَارِبِهِمْ، فَمَا كَانَتِ الْكَلِمَةُ تَتَّفِقُ عَلَى طَاعَتِهِ فَجَازَ تَوْلِيَةُ الْمَفْضُولِ لِأَجْلِ ذَلِكَ. فَهَذَا الْقَوْلُ يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ خِيَارِ الشِّيعَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ ظَنُّوا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَفْضَلَ، وَعَلِمُوا أَنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَقٌّ لَا يُمْكِنُ الطَّعْنُ فِيهَا، فَجَمَعُوا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا بِهَذَا الْوَجْهِ. وَهَؤُلَاءِ عُذْرُهُمْ آثَارٌ سَمِعُوهَا، وَأُمُورٌ ظَنُّوهَا، تَقْتَضِي فَضْلَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ، كَمَا يَقَعُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا بَيْنَ الْأُمَّةِ، يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَكِنِ الْآخَرُونَ مَعَهُمْ مَنْقُولَاتٍ ظَنُّوهَا صِدْقًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِأَنَّهَا كَذِبٌ، وَمَعَهُمْ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَأْوِيلَاتٌ ظَنُّوهَا مُرَادَةً وَمِنَ النَّصِّ، وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَمَعَهُمْ نَوْعٌ مِنَ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ ظَنُّوهُ حَقًّا، وَهُوَ بَاطِلٌ.

فَهَذَا مَجْمُوعُ مَا يُورِثُ الشُّبَهَ فِي ذَلِكَ إِذَا خَلَتِ النُّفُوسُ عَنِ الْهَوَى وَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنِ الْهَوَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 23] . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ جَوَازَ تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ لِأَسْبَابٍ مَانِعَةٍ مِنْ تَوْلِيَةِ الْفَاضِلِ هُوَ قَوْلٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ طَوَائِفُ مِنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنِ الَّذِينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ الْإِمَامُ وَالْخَلِيفَةُ، وَإِنَّ عَلَى عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ مُبَايَعَتَهُ وَطَاعَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَفْضَلَ، لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ أَصْلَحَ. فَهَذَا لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَهُ، وَلَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ لِعُمُومِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا بَدَأُوا عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ بِقِتَالٍ أَصْلًا. وَلِأَنَّ الْخَوَارِجَ بِدَأُوهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ لَمَّا اجْتَازَ بِهِمْ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، فَحَدَّثَهُمْ حَدِيثًا فِي تَرْكِ الْفِتَنِ، وَكَانَ قَصْدُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُجُوعَهُمْ عَنِ الْفِتْنَةِ، فَقَتَلُوهُ، وَبَقِيَ دَمُهُ مِثْلُ الشِّرَاكِ فِي الدِّمَاءِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ يَقُولُ: سَلِّمُوا إِلَيْنَا قَاتِلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ. فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ. ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ النَّاسِ، وَهِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي أَرْسَلُوهَا تَسْرَحُ مَعَ الرِّعَاءِ. فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ أَنَّهُمُ اسْتَحَلُّوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، ذَكَرَ النُّصُوصَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَتِهِمْ وَفِي الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ، وَرَأَى تِلْكَ الصِّفَةَ مُنْطَبِقَةً عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ، وَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَفَرِحَ بِذَلِكَ، وَسَجَدَ لِلَّهِ شُكْرًا لَمَّا جَاءَهُ خَبَرُ الْمُخَدَّجِ أَنَّهُ مَعَهُمْ، فَإِنَّهُ هُوَ كَانَ الْعَلَامَةَ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِهِمْ فَقِتَالُهُ لِلْخَوَارِجِ كَانَ بِنَصٍّ مِنَ الرَّسُولِ وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.

وَأَمَّا قِتَالُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَقَدْ ذَكَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَصٌّ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ رَأْيًا. وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ لَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى هَذَا الْقِتَالِ، بَلْ أَكْثَرُ أَكَابِرِ (¬1) الصَّحَابَةِ لَمْ يُقَاتِلُوا: لَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا مَعَ هَؤُلَاءِ، كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، مَعَ أَنَّهُمْ مُعَظِّمُونَ لِعَلِيٍّ، يُحِبُّونَهُ وَيُوَالُونَهُ وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ، وَلَا يَرَوْنَ أَنَّ أَحَدًا أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ فِي زَمَنِهِ لَكِنْ لَمْ يُوَافِقُوهُ فِي رَأْيِهِ فِي الْقِتَالِ. وَكَانَ مَعَهُمْ نُصُوصٌ سَمِعُوهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ وَالدُّخُولِ فِي الْفِتْنَةِ خَيْرٌ مِنَ الْقِتَالِ، وَفِيهَا مَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ، وَالْآثَارُ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ، فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الْمَشْهُورِينَ أَحَدٌ، بَلْ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ بَعْضُ السَّابِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ مُعَاوِيَةَ أَحَدٌ، وَأَكْثَرُهُمُ اعْتَزَلُوا الْفِتْنَةَ. وَقِيلَ: كَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَعْضُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِيِنَ، وَإِنَّ قَاتِلَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ هُوَ أَبُو الْغَادِيَةِ (¬2) ، وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ. ¬

(¬1) أَكَابِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ب: أَبُو الْعَادِيَةِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ عَلَى إِمَامَةِ غَيْرِهِ، وَلَا دَعَاهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ تَحْتَ وِلَايَةِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا رُفِعَتِ الْمَصَاحِفُ وَدَعُوا إِلَى التَّحْكِيمِ وَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَى عَزْلِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ: " هَذَا عَزَلَ صَاحِبَهُ، وَأَنَا لَمْ أَعْزِلْ صَاحِبِي " وَمَالَ أَبُو مُوسَى إِلَى تَوْلِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنِ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى عَزْلِ مُعَاوِيَةَ عَنْ كَوْنِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ هَذَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ عَزَلَهُ عَنْ وِلَايَتِهِ عَلَى الشَّامِ ; فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا وَلَّانِي الْخَلِيفَتَانِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَأَنَا بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِي حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى الْإِمَامِ. فَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ عَلَى أَنْ يُعْزَلَ عَلِيٌّ عَنْ إِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُعَاوِيَةُ عَنْ إِمْرَةِ الشَّامِ. وَكَانَ مَقْصُودُ أَحَدِهِمَا إِبْقَاءَ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُظْهِرْ مَا فِي نَفْسِهِ. فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا فِي نَفْسِهِ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ وَلَمْ يَقَعْ بَعْدَ هَذَا قِتَالٌ. فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ فِي هَذَا الْحَالِ صَارَ يَدَّعِي أَصْحَابُهُ أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ قُوتِلَ عَلَى إِمَامَةِ مُعَاوِيَةَ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إِمَامًا وَهُوَ مُطِيعٌ لَهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْإِمَامَةَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَكَانَ هُوَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، بَلْ عُثْمَانُ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ قَبْلَ جُمْهُورِ النَّاسِ.

وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَعْلَمُ وَأَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا لِعَلِيٍّ: بَايِعْ مُعَاوِيَةَ، بَلْ يَقُولُوا لَهُ (¬1) : بَايِعْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَهُمَا (¬2) مِنْ أَهْلِ الشُّورَى. فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَبَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ عُثْمَانَ أَرْبَعَةٌ. فَأَمَّا سَعْدٌ فَاعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي قِتَالِ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَاشَ بَعْدَهُمْ كُلَّهُمْ، وَهُوَ آخِرُ الْعَشَرَةِ مَوْتًا، وَاعْتَزَلَ بِالْعَقِيقِ، وَلَمَّا مَاتَ حُمِلَ عَلَى الْأَعْنَاقِ فَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ فَجَاءَ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ " (¬3) . وَابْنُهُ عُمَرُ هَذَا كَانَ يُحِبُّ الرِّيَاسَةَ، وَلَوْ حَصَلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْمُومِ، وَلِهَذَا لَمَّا وُلِّيَ وِلَايَةً، وَقِيلَ لَهُ: لَا نُوَلِّيكَ حَتَّى تَتَوَلَّى قِتَالَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، كَانَ هُوَ أَمِيرَ تِلْكَ السَّرِيَّةِ. وَأَمَّا سَعْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ مُسَدَّدًا فِي زَمَنِهِ، ¬

(¬1) ن، م: بَلْ يَقُولُوا إِنَّهُ. (¬2) ب: وَغَيْرُهُمَا. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/65، 3/161

وَهُوَ الَّذِي فَتَحَ الْعِرَاقَ، وَكَسَرَ جُنُودَ كِسْرَى، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ فِتَنٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» " (¬1) . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَمْ يَقْتَتِلُوا قَطُّ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ أَصْلًا، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي شَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ: لَا فِي الصِّفَاتِ وَلَا [فِي] الْقَدَرِ (¬2) ، وَلَا مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ (¬3) ، وَلَا مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ. لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ بِالِاخْتِصَامِ بِالْأَقْوَالِ، فَضْلًا عَنِ الِاقْتِتَالِ بِالسَّيْفِ، بَلْ كَانُوا مُثْبِتِينَ لِصِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، نَافِينَ عَنْهَا تَمْثِيلَهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، مُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، مُثْبِتِينَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، مُثْبِتِينَ لِحِكْمَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ مُثْبِتِينَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ وَاسْتِطَاعَتِهِ وَلِفِعْلِهِ مَعَ إِثْبَاتِهِمْ لِلْقَدَرِ. [ثُمَّ] (¬4) لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ مَنْ يَحْتَجُّ لِلْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ، وَيَجْعَلُ الْقَدَرَ (¬5) حُجَّةً لِمَنْ عَصَى أَوْ كَفَرَ، وَلَا مَنْ يُكَذِّبُ بِعِلْمِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ (ص 230) (¬2) ن: وَلَا الْقَدَرِ. (¬3) ب: وَلَا مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ. (¬4) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ب: الْقُدْرَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَقُدْرَتِهِ الْعَامَّةِ وَخَلْقِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَيُنْكِرُ فَضْلَ اللَّهِ وَإِحْسَانَهُ وَمَنِّهِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَخَصَّهُمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، دُونَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَلَا مَنْ يُنْكِرُ افْتِقَارَ الْعَبْدِ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ فِي كُلِّ دِقٍّ وَجِلٍّ، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَيَنْهَى عَنْ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ إِبْلِيسُ وَفِرْعَوْنُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلَ الْأَنْبِيَاءُ النَّارَ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ النَّافِيَةِ، وَلَا الْقَدَرِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ الْجَهْمِيَّةِ. وَلَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِتَخْلِيدِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي النَّارِ، وَلَا مَنْ يُكَذِّبُ بِشَفَاعَةٍ (¬1) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِيمَانُ (* الْفُسَّاقِ كَإِيمَانِ الْأَنْبِيَاءِ. بَلْ قَدْ (¬2) ثَبَتَ عَنْهُمْ بِالنُّقُولِ الصَّحِيحَةِ الْقَوْلُ بِخُرُوجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ *) (¬3) مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ إِيمَانَ النَّاسِ يَتَفَاضَلُ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. وَمَنْ نَقَلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِتَخْلِيدِ قَاتِلِ النَّفْسِ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ (¬4) . وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ ¬

(¬1) ب: يُكَذِّبُ شَفَاعَةَ. (¬2) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْفِصَلِ مَرَّتَيْنِ 3/274، 4/80 أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ بِتَخْلِيدِ الْقَاتِلِ عَمْدًا فِي النَّارِ، إِلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ ذَلِكَ 3/275 - 289، 4/81 - 99 بِمَا يُبَيِّنُ خَطَأَ هَذَا الْكَلَامِ، وَهُوَ يَذْكُرُ أَثَرًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ 4/93 يُعَارِضُ الرَّأْيَ السَّابِقَ فَيَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) [سُورَةُ هُودٍ: 109] قَالَ: مَا وُعِدُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا.

عَبَّاسٍ، فَفِي تَوْبَةِ الْقَاتِلِ، لَا الْقَوْلُ بِتَخْلِيدِهِ وَتَوْبَتِهِ فِيهَا، رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ . وَلَا كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا أَئِمَّةً وَلَا كَانَتْ خِلَافَتُهُمْ صَحِيحَةً، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ خِلَافَتَهُمْ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، وَلَا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ كَانَ غَيْرُ عَلِيٍّ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلَا أَحَقَّ مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ. فَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي اخْتُلِفَ فِيهَا مِنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْخُصُومَاتِ، فَضْلًا عَنِ السَّيْفِ، وَلَا قَاتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى قَاعِدَةٍ فِي الْإِمَامَةِ. فَقَبْلَ خِلَافَةِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فِي الْإِمَامَةِ وَلَا فِي وِلَايَتِهِ (¬1) لَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ تَابِعًا لِذَاكَ. وَالَّذِينَ قَاتَلُوا عَلِيًّا لَمْ يُقَاتِلُوا لِاخْتِصَاصِ عَلِيٍّ دُونَ الْأَئِمَّةِ قَبْلَهُ بِوَصْفٍ، بَلِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ كَانُوا يُقِرُّونَ بِإِمَامَةِ مَنْ قَبْلَهُ، وَشَائِعًا بَيْنَهُمْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَقَدْ تَوَاتَرَ (¬2) عَنْهُ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَلَمْ يَظْهَرْ عَنِ الشِّيعَةِ (¬3) الْأُوَلِ تَقْدِيمُ عَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَضْلًا عَنِ الطَّعْنِ فِي إِمَامَتِهِمَا. ¬

(¬1) ب: فِي وِلَايَةِ. (¬2) ن: تَوَاتَرَتْ. (¬3) م: وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى الشِّيعَةِ، ب: وَلَمْ تُظْهِرِ الشِّيعَةُ.

وَبِكُلِّ حَالٍ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدْعَةِ، أَنَّ الْقِتَالَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ لِمُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ، إِلَّا لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، لَمْ يَكُنْ لِكَوْنِهِمْ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَأَمَّا الْحَرْبُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَبَيْنَ عَلِيٍّ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُقَاتِلُ عَنْ نَفْسِهِ ظَانًّا أَنَّهُ يَدْفَعُ صَوْلَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ غَرَضٌ فِي قِتَالِهِمْ، وَلَا لَهُمْ غَرَضٌ فِي قِتَالِهِ، بَلْ كَانُوا قَبْلَ قُدُومِ عَلِيٍّ يَطْلُبُونَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَكَانَ لِلْقَتَلَةِ مِنْ قَبَائِلِهِمْ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ وَعَرَّفُوهُ مَقْصُودَهُمْ (¬1) ، عَرَّفَهُمْ أَنَّ هَذَا أَيْضًا رَأْيُهُ، لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ حَتَّى يَنْتَظِمَ الْأَمْرُ، فَلَمَّا عَلِمَ بَعْضُ الْقَتَلَةِ ذَلِكَ، حَمَلَ [عَلَى] أَحَدِ الْعَسْكَرَيْنِ (¬2) ، فَظَنَّ الْآخَرُونَ أَنَّهُمْ بَدَأُوا بِالْقِتَالِ، فَوَقَعَ الْقِتَالُ بِقَصْدِ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا بِقَصْدِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، ثُمَّ وَقَعَ قِتَالٌ عَلَى الْمُلْكِ. فَلَمْ يَكُنْ مَا وَقَعَ قَدْحًا فِي خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، مِثْلَ الْفِتْنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ يَزِيدَ، ثُمَّ بَيْنَ مَرْوَانَ وَابْنِهِ. وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى مُوَالَاةِ عُثْمَانَ، وَقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ فَضْلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَكَذَلِكَ الْفِتْنَةُ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ يَزِيدَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ - فِتْنَةُ الْحَرَّةِ - فَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَصْحَابِ السُّلْطَانِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَصْحَابِ يَزِيدَ، لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَصْلًا، بَلْ كَانَ كُلُّ مَنْ بِالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَّفِقِينَ عَلَى وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. ¬

(¬1) ن: مَقْصُودَهُ، وَهُوَ خَطَأً. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: حَمَلَ أَحَدُ الْعَسْكَرِيِّينَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا خَرَجَ إِلَى الْكُوفَةِ إِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ مَكَانَ يَزِيدَ، لَمْ يَكُنْ يُقَاتِلُ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ. وَلَمْ يَكُنْ هُوَ حِينَ قُتِلَ طَالِبًا لِلْوِلَايَةِ، وَلَا كَانَ مَعَهُ جَيْشٌ يُقَاتِلُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَدْ رَجَعَ مُنْصَرِفًا وَطَلَبَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى يَزِيدَ ابْنِ عَمِّهِ، أَوْ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْمَدِينَةِ، أَوْ يَسِيرَ إِلَى الثَّغْرِ، فَمَنَعَهُ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ مِنَ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، فَلَمْ يُقْتَلْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يُقَاتِلُ عَلَى وِلَايَةٍ، بَلْ قُتِلَ وَهُوَ يَطْلُبُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ لِئَلَّا يُؤْسَرَ وَيُظْلَمَ. وَالْحَسَنُ أَخُوهُ قَدْ كَانَتْ مَعَهُ الْجُيُوشُ الْعَظِيمَةُ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ نَزَلَ عَنِ الْأَمْرِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ (¬1) بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬2) . ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ قَامَ مَنْ يَطْلُبُ بِدَمِهِ مَعَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَقَتَلُوا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ. ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَتَلَ الْمُخْتَارَ فَإِنَّهُ كَذِبَ وَادَّعَى (¬3) أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَيَكُونُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» (¬4) "، وَكَانَ الْكَذَّابُ هُوَ الَّذِي سُمِّيَ (¬5) الْمُخْتَارَ، ¬

(¬1) ن: وَأَنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ، م: وَأَنَّ اللَّهَ سَيُصْلِحُ بِهِ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 - 540. (¬3) ب: وَادَّحَى، وَهِيَ غَلْطَةٌ مَطْبَعِيَّةٌ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/69 (¬5) ن، م: يُسَمَّى.

وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُخْتَارِ. وَالْمُبِيرُ هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ، وَالْفِتْنَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِهِ فِتْنَةُ ابْنِ الْأَشْعَثِ، خَرَجَ عَلَيْهِ، وَمَعَهُ الْقُرَّاءُ، كَانَتْ بِظُلْمِهِ وَعَسْفِهِ. فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ لِأَجْلِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عَلَى وِلَايَةِ سُلْطَانِ الْوَقْتِ، فَإِذَا جَاءَ قَوْمٌ يُنَازِعُونَهُ، قَامَ مَعَهُ نَاسٌ، وَقَامَ عَلَيْهِ أُنَاسٌ. وَهَكَذَا كَانَتِ الْفِتَنُ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ هَذَا فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ ; فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَمَّا خَرَجَ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ وَطَلَبِ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ، كَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُ عَلَى قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامَةِ الَّتِي يَقُولُهَا الرَّافِضَةُ. وَلَمَّا خَرَجَ أَبُو مُسْلِمٍ وَشِيعَةُ بَنِي هِشَامٍ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ إِنَّمَا قَاتَلُوا مَنْ كَانَ مُتَوَلِّيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَنْصَارُهُ. وَمَا زَالَ بَنُو الْعَبَّاسِ مُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ الْأَرْبَعَةِ (¬1) ، مُقَدِّمِينَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى الْمَنَابِرِ. فَلَمْ يُقَاتِلْ (¬2) أَحَدٌ مِنْ شِيعَتِهِمْ وَلَا مِنْ شِيعَةِ بَنِي أُمَيَّةَ قَدْحًا فِي خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ. وَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بِالْبَصْرَةِ، إِنَّمَا (¬3) خَرَجَا - وَمَنْ مَعَهُمَا - عَلَى الْمَنْصُورِ، لَا ¬

(¬1) ب: لِخِلَافَةِ الْعَبَّاسِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب: يَقْتُلُ. (¬3) ن، م: وَإِنَّمَا.

عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمَا بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ كُلُّهُمْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَهَذِهِ - وَأَمْثَالُهَا - الْفِتَنُ الْكِبَارُ الَّتِي كَانَتْ فِي السَّلَفِ وَكَذَلِكَ لَمَّا صَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الدَّاخِلُ إِلَى الْأَنْدَلُسِ وَدَامَتْ وِلَايَتُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ يَكُنِ النِّزَاعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِيِّينَ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ (¬1) . فَهَذِهِ الْوِلَايَاتُ الْكِبَارُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ، الْقَائِمُونَ فِيهَا وَالْخَارِجُونَ عَلَى الْوُلَاةِ لَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ فِيهَا عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامَةِ، الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالرَّافِضَةُ. وَإِنَّمَا ظَهَرَ مَنْ دَعَا إِلَى الرَّفْضِ (¬2) ، وَتَسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (¬3) ، وَأَظْهَرَ الْقِتَالَ عَلَى ذَلِكَ، وَحَصَلَ لَهُمْ مُلْكٌ وَأَعْوَانٌ مُدَّةَ بَنِي (¬4) عُبَيْدِ اللَّهِ (¬5) الْقَدَّاحِ، الَّذِينَ أَقَامُوا بِالْمَغْرِبِ مُدَّةً، وَبِمِصْرَ نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ. وَهَؤُلَاءِ - بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ - كَانُوا (¬6) مَلَاحِدَةً، وَنَسَبُهُمْ بَاطِلٌ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِالرَّسُولِ اتِّصَالُ نَسَبٍ فِي الْبَاطِنِ وَلَا دِينٌ، وَإِنَّمَا أَظْهَرُوا النَّسَبَ الْكَاذِبَ وَأَظْهَرُوا التَّشَيُّعَ، لِيَتَوَسَّلُوا بِذَلِكَ إِلَى مُتَابَعَةِ الشِّيعَةِ، إِذْ كَانَتْ أَقَلَّ الطَّوَائِفِ عَقْلًا وَدِينًا، وَأَكْثَرَهَا جَهْلًا، وَإِلَّا فَأَمْرُ ¬

(¬1) ن: أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ، م: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ (¬2) ن: وَإِنَّمَا دَعَا مَنْ ظَهَرَ إِلَى الرَّفْضِ، ب: وَإِنَّمَا دَعَا مَنْ ظَهَرَ إِلَى الرَّافِضَةِ. (¬3) ن: وَيُسَمَّى بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، م: وَيُسَمَّى (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ. (¬4) ن، م، ب: مُدَّةَ بَنُو، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ب: عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

هَؤُلَاءِ الْعُبَيْدِيَّةِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مُسْلِمٍ. وَلِهَذَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ - الَّذِينَ هُمْ مُؤْمِنُونَ - فِي طَوَائِفِ الشِّيعَةِ يَتَبَرَّأُونَ (¬1) مِنْهُمْ، فَالزَّيْدِيَّةُ وَالْإِمَامِيَّةُ تُكَفِّرُهُمْ وَتَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَنْتَسِبُ إِلَيْهِمُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ الْمَلَاحِدَةُ، الَّذِينَ فِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ مَا لَيْسَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَابْنِ الصَّبَّاحِ (¬2) الَّذِي أَخْرَجَ (¬3) لَهُمُ السِّكِّينَ. وَشَرٌّ مِنْهُمْ قَرَامِطَةُ الْبَحْرَيْنِ، أَصْحَابُ أَبِي سَعِيدٍ الْجُنَّابِيِّ (¬4) ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا يَتَظَاهَرُونَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ قَتَلُوا الْحَجَّاجَ، وَأَخَذُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ. فَهَذِهِ - وَأَمْثَالُهَا - الْمَلَاحِمُ وَالْفِتَنُ (¬5) الَّتِي كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ، لَيْسَ فِيهَا مَا وَقَعَ الْقِتَالُ فِيهِ حَقِيقَةً عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامَةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا الرَّافِضَةُ، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْخَارِجِينَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ مَنْ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ، وَمَعَهُ مَنْ يُقَاتِلُ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ سُكَّانِ الْجِبَالِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي وَالْأَمْصَارِ الصِّغَارِ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَهُمْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مَقْمُوعُونَ (¬6) مَعَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ لَهُمْ سَيْفٌ مَسْلُولٌ عَلَى الْجُمْهُورِ، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: أَعْظَمُ خِلَافٍ وَقَعَ بَيْنَ الْأُمَّةِ خِلَافُ الْإِمَامَةِ، أَوْ مَا سُلَّ فِي الْإِسْلَامِ سَيْفٌ مِثْلَ مَا سُلَّ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ. ¬

(¬1) ن، م: يَتَبَرَّأُ. (¬2) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ ابْنِ الصَّبَاحِ 4/101 (¬3) ب: خَرَّجَ. (¬4) ب: أَبُو سَعِيدٍ الْجُبَّائِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 1/316 (¬5) ب: الْمَلَاحِمُ الْفِتَنُ. (¬6) ب: مُنْقَمِعُونَ.

وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْتَتِلُ (¬1) النَّاسُ عَلَى الْإِمَامَةِ، الَّتِي هِيَ وِلَايَةُ شَخْصٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. فَقَوْمٌ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ، وَقَوْمٌ يَخْرُجُونَ عَلَيْهِ. فَهَذَا لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ فِي شَيْءٍ ; فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ دِينُهُمْ وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ، إِذَا اقْتَتَلُوا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِهَؤُلَاءِ مَنْ يُقَدِّمُونَهُ فَيَجْعَلُونَهُ مُتَوَلِّيًا، وَلِهَؤُلَاءِ مَنْ يُقَدِّمُونَهُ فَيَجْعَلُونَهُ مُتَوَلِّيًا، فَيُقَاتِلُ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى إِمَارَةِ مَنْ جَعَلُوهُ هُمْ إِمَامَهُمْ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الدِّينِيَّةِ، مِنْ كَوْنِ الْإِمَامَةِ ثَبَتَتْ (¬2) بِالنَّصِّ لِعَلِيٍّ (¬3) ، وَلَا أَنَّ خِلَافَةَ الثَّلَاثَةِ بَاطِلَةٌ. بَلْ عَامَّةُ هَؤُلَاءِ مُعْتَرِفُونَ بِإِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ. ثُمَّ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَقْتَتِلُوا عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ (¬4) وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالنِّزَاعِ بَيْنَهُمْ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ خِلَافَتَهُمْ كَانَتْ بِلَا سَيْفٍ مَسْلُولٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ السَّيْفُ مَسْلُولًا فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ. فَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْحًا، فَالْقَدْحُ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ السَّيْفُ فِي زَمَانِهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ. وَهَذِهِ حُجَّةٌ لِلْخَوَارِجِ، وَحُجَّتُهُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَّةِ الشِّيعَةِ، كَمَا أَنَّ سُيُوفَهُمْ أَقْوَى مِنْ سُيُوفِ الشِّيعَةِ، وَدِينُهُمْ أَصَحُّ، وَهُمْ صَادِقُونَ لَا يَكْذِبُونَ، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) ن: يَقْبَلُ، م: يَقْتُلُ، غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ. (¬2) ن: تَثْبُتُ. (¬3) لِعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) ن، م: لَا عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ.

قال الرافضي الخلاف الخامس في فدك والتوارث

وَسَلَّمَ - وَاتِّفَاقِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ مُبْتَدِعُونَ مُخْطِئُونَ ضُلَّالٌ، فَكَيْفَ بِالرَّافِضَةِ، الَّذِينَ هُمْ أَبْعَدُ مِنْهُمْ عَنِ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالصِّدْقِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْوَرَعِ وَعَامَّةِ خِصَالِ الْخَيْرِ؟ ! . وَلَمْ يُعْرَفْ فِي الطَّوَائِفِ أَعْظَمُ مِنْ سَيْفِ الْخَوَارِجِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُقَاتِلِ الْقَوْمُ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِمَامَتِهِمَا وَمُوَالَاتِهِمَا. [قال الرافضي الخلاف الخامس في فدك والتوارث] وَقَوْلُهُ (¬1) : " الْخِلَافُ (¬2) الْخَامِسُ: فِي فَدَكٍ وَالتَّوَارُثِ. رَوَوْا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «نَحْنُ مَعَاشِرَ (¬3) الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» (¬4) ". فَيُقَالُ: هَذَا أَيْضًا اخْتِلَافٌ فِي مَسْأَلَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَقَدْ زَالَ الْخِلَافُ فِيهَا وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ دُونَ الْخِلَافِ فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ (¬5) ، وَمِيرَاثُ الْجَدَّةِ مَعَ ابْنِهَا، وَحَجْبُ الْأُمِّ الْأَخَوَيْنِ (¬6) ، وَجَعْلُ الْجَدِّ مَعَ الْأُمِّ كَالْأَبِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ الَّتِي تَنَازَعُوا فِيهَا. فَالْخِلَافُ فِي هَذَا أَعْظَمُ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ تَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ ¬

(¬1) أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرَ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) (ص 143) (م) . (¬2) الْخِلَافُ: لَيْسَتْ فِي ك. (¬3) ك: وَالتَّوَارُثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -، وَدَفَعَهَا أَبُو بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -: نَحْنُ مَعَاشِرَ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/195 - 196 (¬5) ن: الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ وَالْجَارِيَةِ، م: الْإِخْوَةُ وَالْعُمُومَتَيْنِ وَالْجَارِيَةُ. (¬6) ن: وَحَجْبُ الْإِمَامِ لِأَخَوَيْنِ، م: وَحَجْبُ الْأُمِّ بِالْأَخَوَيْنِ.

لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورَثُ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَمْ يُرْوَ لَهُمْ مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا رُوِيَ لَهُمْ فِي مِيرَاثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّالِثُ: الْخِلَافُ هُنَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَعَدَّدُ، وَالنِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ جِنْسٍ مُتَعَدِّدٍ، وَعَامَّةُ النِّزَاعِ فِي تِلْكَ هِيَ [نِزَاعٌ] فِي (¬1) قَلِيلٍ مِنَ الْمَالِ: هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ نَاسٌ مُعَيَّنُونَ؟ . وَأُولَئِكَ الْقَوْمُ قَدْ أَعْطَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْ مَالِ اللَّهِ، بِقَدْرِ مَا خَلَّفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا كَانَتْ مِيرَاثًا، مَعَ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْهُمْ قَرْيَةً لَيْسَتْ كَبِيرَةً، لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ مَدِينَةً وَلَا قَرْيَةً عَظِيمَةً. وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا، وَيَكُونُ النِّزَاعُ فِي مَوَارِيثِ الْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَضْعَافِ أَمْوَالِ فَدَكٍ، وَلَا يُنْسَبُ الْمُتَنَازِعُونَ فِيهَا إِلَى ظُلْمٍ، إِذَا كَانُوا قَائِلِينَ بِاجْتِهَادِهِمْ. فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ اجْتَهَدُوا، فَأَعْطَوُا الْمِيرَاثَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، كَانَ أَضْعَافُ هَذَا يَقَعُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ، الَّذِينَ هُمْ دُونَ الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي الْبَاطِنِ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِاجْتِهَادِهِمْ، فَكَيْفَ بِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ. ¬

(¬1) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .

قال الرافضي الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة

وَإِنَّمَا يُعَظِّمُ الْقَوْلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْهَوَى، الَّذِينَ لَهُمْ غَرَضٌ فِي فَتْحِ بَابِ الشَّرِّ عَلَى الصَّحَابَةِ بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ. وَقَدْ تَوَلَّى عَلِيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَارَ فَدَكٌ وَغَيْرُهَا تَحْتَ حُكْمِهِ، وَلَمْ يُعْطِهَا لِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ، وَلَا [أَخَذَ] (¬1) مِنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا وَلَدِ الْعَبَّاسِ شَيْئًا مِنْ مِيرَاثِهِ. فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَقَدَرَ عَلَى إِزَالَتِهِ، لَكَانَ هَذَا أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ قِتَالِ مُعَاوِيَةَ وَجُيُوشِهِ. أَفَتُرَاهُ يُقَاتِلُ مُعَاوِيَةَ، مَعَ مَا جَرَى فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّرِّ الْعَظِيمِ، وَلَا يُعْطِي هَؤُلَاءِ قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ وَأَمْرُهُ أَهْوَنُ بِكَثِيرٍ؟ . [قال الرافضي الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة] [وَأَمَّا قَوْلُهُ] (¬2) : " الْخِلَافُ (¬3) السَّادِسُ: فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةَ، قَاتَلَهُمْ (¬4) أَبُو بَكْرٍ وَاجْتَهَدَ عُمَرُ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ، فَرَدَّ السَّبَايَا وَالْأَمْوَالَ إِلَيْهِمْ، وَأَطْلَقَ الْمَحْبُوسِينَ ". فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عَرَفَ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ مَانِعِي الزَّكَاةِ اتَّفَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى قِتَالِهِمْ، بَعْدَ أَنْ رَاجَعَهُ عُمَرُ فِي ذَلِكَ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬

(¬1) أَخَذَ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ. (¬2) وَأَمَّا قَوْلُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) : وَقَوْلُهُ. وَالْمَقْصُودُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيُّ فِي (ك) (ص 143) (م) . (¬3) الْخِلَافُ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬4) ك: فَقَاتَلَهُمْ.

«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» (¬1) ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ يَقُلْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ (¬2) ؟ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّهَا. وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ (¬3) أَنَّهُ الْحَقُّ (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَصْدِيقُ فَهْمِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا» " (¬5) . فَعُمَرُ وَافَقَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ. وَأَقَرَّ أُولَئِكَ بِالزَّكَاةِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِمْ مِنْهَا (¬6) ، وَلَمْ تُسْبَ لَهُمْ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/75 - 76 (¬2) عِبَارَةُ " وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَجَاءَتْ عِبَارَاتٌ فِي (ن) بَعْدَ عِبَارَةِ وَإِلَّا بِحَقِّهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، ثُمَّ عَادَ النَّاسِخُ إِلَى الْعِبَارَاتِ الْأَصْلِيَّةِ. (¬3) م: فَعَلِمْتُ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِيمَا مَضَى 1/75 - 76، 2/121، 5/346 وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُطَوَّلَةُ فَهِيَ فِي الْبُخَارِيِّ 9/15، مُسْلِمٍ 1/51 - 52 (¬5) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي الْمَوَاضِعِ السَّابِقَةِ مَعَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَانْظُرْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ خَاصَّةً فِي الْبُخَارِيِّ 1/10، مُسْلِمٍ 1/53 (¬6) ن، م: مِنْهُمْ.

قال الرافضي الخلاف السابع في نص أبي بكر على عمر في الخلافة

ذُرِّيَّةٌ، وَلَا حُبِسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ حَبْسٌ لَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ. فَكَيْفَ يَمُوتُ وَهُمْ فِي حَبْسِهِ؟ (¬1) . وَأَوَّلُ حَبْسٍ اتُّخِذَ فِي الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، اشْتَرَى عُمَرُ مِنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ دَارَهُ، وَجَعَلَهَا حَبْسًا بِمَكَّةَ. وَلَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: سَبَى أَبُو بَكْرٍ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَعُمَرُ أَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا إِذَا وَقَعَ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ اخْتِلَافِهِمَا فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عُمَرُ كَانَ مُوَافِقًا عَلَى جَوَازِ سَبْيِهِمْ لَكِنْ رَدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ كَمَا رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ بَعْدَ أَنْ قَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِالرَّدِّ وَإِلَّا عَوَّضَهُ (¬2) مِنْ عِنْدِهِ لَمَّا أَتَى أَهْلُهُمْ مُسْلِمِينَ، فَطَلَبُوا رَدَّ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ. وَأَهْلُ الرِّدَّةِ كَانَ (¬3) قَدِ اتَّفَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَلَا حَمْلِ السِّلَاحِ بَلْ يُتْرَكُونَ يَتَّبِعُونَ أَذْنَابَ الْبَقَرِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ حُسْنَ إِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِعُمَرَ حُسْنُ إِسْلَامِهِمْ رَدَّ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ جَائِزٌ. [قال الرافضي الخلاف السابع في نص أبي بكر على عمر في الخلافة] وَقَوْلُهُ (¬4) : " الْخِلَافُ (¬5) السَّابِعُ: فِي تَنْصِيصِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ فِي الْخِلَافَةِ (¬6) فَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: " وَلَّيْتَ عَلَيْنَا فَظًّا غَلِيظًا ". ¬

(¬1) أَيْ: كَيْفَ يَمُوتُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ أَنَّهُمْ كَانُوا مَحْبُوسِينَ، مَا زَالُوا فِي حَبْسِهِ.؟ (¬2) ن: عَوَّدَهُ. (¬3) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيِّ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) (ص 143) (م) . (¬5) الْخِلَافُ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬6) ك: بِالْخِلَافَةِ.

قال الرافضي الخلاف الثامن في إمرة الشورى

وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ جَعْلَ (¬1) مِثْلِ هَذَا خِلَافًا فَقَدْ كَانَ مِثْلُ هَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ طَعَنَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي إِمَارَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَبَعْضُهُمْ فِي إِمَارَةِ أُسَامَةَ ابْنِهِ، وَقَدْ كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ يَطْعَنُ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلَ لَهَا كَانَ طَلْحَةُ وَقَدْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا [لِعُمَرَ] (¬2) ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ زَيْدٍ وَأُسَامَةَ رَجَعُوا عَنْ طَعْنِهِمْ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. [قال الرافضي الخلاف الثامن في إمرة الشورى] وَقَوْلُهُ (¬3) : " الْخِلَافُ (¬4) الثَّامِنُ: فِي إِمْرَةِ (¬5) الشُّورَى، وَاتَّفَقُوا بَعْدَ الِاخْتِلَافِ عَلَى إِمَارَةِ عُثْمَانَ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي اتَّفَقَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَلَكِنْ بَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّاسَ لَا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، وَأَنَّهُ شَاوَرَ حَتَّى الْعَذَارَى فِي خُدُورِهِنَّ. وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ أَحَدٍ كَرَاهَةٌ، لَمْ يَنْقُلْ - أَوْ قَالَ - أَحَدٌ شَيْئًا وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا. فَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَجْرِي فِي مِثْلِ (¬6) هَذِهِ الْأُمُورِ. وَالْأَمْرُ الَّذِي يَتَشَاوَرُ فِيهِ النَّاسُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ كَلَامٍ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْحَزْرِ. ¬

(¬1) إِنَّ جَعْلَ: كَذَا فِي (م) فَقَطْ، وَسَقَطَتْ " إِنَّ " مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬2) لِعُمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬3) أَيِ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) ص 144 (م) . (¬4) الْخِلَافُ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) ك: فِي أَمْرِ. (¬6) عِبَارَةُ " هَذَا قَدْ يَجْرِي فِي مِثْلِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

فَلَمَّا عَلِمْنَا نَقْلًا صَحِيحًا أَنَّهُ مَا كَانَ اخْتِلَافٌ فِي وِلَايَةِ عُثْمَانَ، وَلَا أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَتْ: وَلُّوا عَلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، كَمَا نُقِلَ نِزَاعُ بَعْضِ الْأَنْصَارِ فِي خِلَافَةٍ أَبِي بَكْرٍ - فَالْمُدَّعِي لِذَلِكَ مُفْتَرٍ. وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " لَمْ يَتَّفِقِ النَّاسُ عَلَى بَيْعَةٍ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ ". وَعُثْمَانُ (¬1) وَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ تَشَاوُرِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُمْ مُؤْتَلِفُونَ مُتَّفِقُونَ مُتَحَابُّونَ مُتَوَادُّونَ مُعْتَصِمُونَ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَقَدْ أَظْهَرَهُمُ اللَّهُ وَأَظْهَرَ بِهِمْ (¬2) مَا بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْكُفَّارِ وَفَتَحَ بِهِمْ بِلَادَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَبَعْضَ خُرَاسَانَ. فَلَمْ يَعْدِلُوا بِعُثْمَانَ غَيْرَهُ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَلِهَذَا بَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، كَمَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَى عُثْمَانَ (¬3) سِيرَةَ الشَّيْخَيْنِ فَلَمْ يُجِبْ إِمَّا لِعَجْزِهِ عَنْ مِثْلِ سِيرَتِهِمَا وَإِمَّا لِأَنَّ التَّقْلِيدَ غَيْرُ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَى عَلِيٍّ (¬4) سِيرَةَ الشَّيْخَيْنِ فَأَجَابَهُ لِإِمْكَانِ مُتَابَعَتِهِمَا أَوْ جَوَازِ تَقْلِيدِهِمَا فَهَذَا النَّقْلُ [بَاطِلٌ] (¬5) لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ ثَابِتٌ، ¬

(¬1) وَعُثْمَانُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ن، ب: وَأَظْهَرَهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: عَلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) م: عَلَى عُثْمَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) بَاطِلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) وَمَكَانُهَا فِي (ن) : ثَابِتٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الرد على مزاعم الرافضي عن اختلافات كثيرة وقعت من عثمان رضي الله عنه

فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ، الَّذِي فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَقِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَغْتَمِضْ فِي لَيَالِيهَا بِكَثِيرِ نَوْمٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ يُشَاوِرُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ غَيْرَهُ، بَلْ رَأَوْهُ أَحَقَّ وَأَشْبَهَ بِالْأَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى عَلِيٍّ إِلَّا الْعَدْلَ فَقَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: " اللَّهَ عَلَيْكَ إِنْ وَلَّيْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَإِنْ وَلَّيْتُ عَلَيْكَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ " فَيَقُولُ: " نَعَمْ " (¬1) . فَشَرَطَ عَلَى الْمُتَوَلِّي الْعَدْلَ وَعَلَى الْمُتَوَلَّى عَلَيْهِ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. [الرد على مزاعم الرافضي عن اختلافات كثيرة وقعت من عثمان رضي الله عنه] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬2) : وَوَقَعَتِ اخْتِلَافَاتٌ (¬3) كَثِيرَةٌ مِنْهَا رَدُّهُ الْحَكَمَ بْنَ أُمَيَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ طَرَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُسَمَّى طَرِيدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَشْفَعُ إِلَى (¬4) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَيَّامَ خِلَافَتِهِمَا، فَمَا أَجَابَاهُ (¬5) إِلَى ذَلِكَ، وَنَفَاهُ عُمَرُ مِنْ مُقَامِهِ بِالْيَمَنِ أَرْبَعِينَ فَرْسَخًا ". فَيُقَالُ: مِثْلُ هَذَا إِنْ جَعْلَهُ اخْتِلَافًا جُعِلَ كُلَّمَا حَكَمَ خَلِيفَةٌ بِحُكْمٍ وَنَازَعَهُ فِيهِ قَوْمٌ اخْتِلَافًا، وَقَدْ كَانَ ذِكْرُكَ (¬6) لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْمَوَارِيثِ ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ بَيْعَةِ عُثْمَانَ فِيمَا مَضَى 5/61 - 62. (¬2) وَهُوَ الرَّافِضِيُّ فِي (ك) ص 144 (م) . (¬3) ك: اخْتِلَالَاتٌ. (¬4) ن، م: وَبَعْدَ أَنْ كَانَ يَشْفَعُ إِلَى، ك: بَعْدَ أَنْ تَشَفَّعَ إِلَى. (¬5) ك: فَمَا أَجَابَا. (¬6) ن، ب: ذِكْرُ ذَلِكَ.

وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَصَحَّ وَأَنْفَعَ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ مَنْقُولٌ عِنْدَ [أَهْلِ] (¬1) الْعِلْمِ، يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِذِكْرِهِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِيهِ. وَهُوَ خِلَافٌ فِي أَمْرٍ كُلِّيٍّ يَصْلُحُ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمُنَاظَرَةُ. وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمُورُ فَغَايَتُهَا جُزْئِيَّةٌ، وَلَا تُجْعَلُ مَسَائِلَ خِلَافٍ يَتَنَاظَرُ فِيهَا النَّاسُ. هَذَا مَعَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ كَذِبًا كَثِيرًا (¬2) ، مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ الْحَكَمِ، وَأَنَّهُ طَرَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ يُسَمَّى طَرِيدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ اسْتَشْفَعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَيَّامَ خِلَافَتِهِمَا فَمَا أَجَابَاهُ إِلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ عُمَرَ نَفَاهُ مِنْ مُقَامِهِ بِالْيَمَنِ أَرْبَعِينَ فَرْسَخًا. فَمَنِ الَّذِي نَقَلَ ذَلِكَ؟ وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ؟ وَمَتَى ذَهَبَ هَذَا إِلَى الْيَمَنِ؟ وَمَا الْمُوجِبُ لِنَفْيِهِ إِلَى الْيَمَنِ، وَقَدْ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا يَدْعُونَهُ بِالطَّائِفِ، وَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنَ الْيَمَنِ؟ فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ أَقَرَّهُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَمَا الْمُوجِبُ لِنَفْيِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (¬3) إِلَى الْيَمَنِ؟ . وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَفْيَ الْحَكَمِ بَاطِلٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْفِهِ إِلَى الطَّائِفِ، بَلْ هُوَ ذَهَبَ بِنَفْسِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ نَفَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا إِسْنَادًا صَحِيحًا بِكَيْفِيَّةِ الْقِصَّةِ وَسَبَبِهَا. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَيْسَ فِيمَنْ يَجِبُ نَفْيُهُ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ ¬

(¬1) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) ن: مَعَ هَذَا أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ كَذِبٌ كَثِيرٌ، م: هَذَا مَعَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ كَذِبٌ كَثِيرٌ. (¬3) ن: الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ، م: بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

النَّفْيَ الدَّائِمَ، بَلْ مَا مِنْ ذَنْبٍ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ النَّفْيَ إِلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِعَادَةَ إِلَى وَطَنِهِ، فَإِنَّ النَّفْيَ إِمَّا مُؤَقَّتٌ، كَنَفِي الزَّانِي الْبِكْرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَنَةً، فَهَذَا يُعَادُ بَعْدَ السَّنَةِ، وَإِمَّا نَفْيٌ مُطْلَقٌ، كَنَفِي الْمُخَنَّثِ، فَهَذَا يُنْفَى (¬1) إِلَى أَنْ يَتُوبَ. وَكَذَلِكَ نَفَى عُمَرُ فِي تَعْزِيرِ الْخَمْرِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذَنْبَ الْحَكَمِ الَّذِي نُفِي مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فِي مُدَّةِ بِضْعِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَإِذَا تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ - مَعَ طُولِ هَذِهِ الْمُدَّةِ - جَازَ أَنْ يُعَادَ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَجْرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا خَمْسِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَلَّمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ. وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَى صُبَيْغَ بْنَ عَسَلٍ التَّمِيمِيَّ لَمَّا أَظْهَرَ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَضَرَبَهُ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِهَجْرِهِ سَنَةً بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ، فَلَمَّا تَابَ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِكَلَامِهِ (¬2) . ¬

(¬1) ب: فَهَذَا يَبْقَى. (¬2) أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " ص [0 - 9] 08 - 110 خَبَرَ صُبَيْغِ بْنِ عَسَلٍ مُفَصَّلًا، وَذَكَرَ خَبَرَهُ مَعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ أَسْنَدَهَا إِلَى عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، كَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ 6/385 نَقْلًا عَنْ كِتَابِ أَخْبَارِ عُمَرَ لِلْأُسْتَاذَيْنِ عَلِيٍّ وَنَاجِي طَنْطَاوِيِّ ص 224 - 225 (ط. دِمَشْقَ) ، 1379 1959 وَجَاءَ الْخَبَرُ فِي سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 1/54 - 56 (الْمُقَدِّمَةِ، بَابِ مَنْ هَابَ الْفُتْيَا وَكَرِهَ التَّنَطُّعَ وَالتَّبَدُّعَ) ، وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي " صَوْنِ الْمَنْطِقِ " 1/50 - 51 وَالْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِهِ الشَّرِيعَةِ ص [0 - 9] 3 - 74 وَانْظُرْ دَرْءَ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ 7/172، الِاسْتِقَامَةَ 1/258

الرد على زعم الرافضي أن عثمان رضي الله عنه زوج مروان بن الحكم وسلمه خمس غنائم إفريقية

وَبِهَذَا أَخَذَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الْبِدْعَةِ إِذَا تَابَ يُؤَجَّلُ سَنَةً، كَمَا أَجَّلَ عُمَرُ صُبَيْغًا، وَكَذَلِكَ الْفَاسِقُ إِذَا تَابَ، وَاعْتَبَرَ مَعَ التَّوْبَةِ صَلَاحَ الْعَمَلِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّ النَّفْيَ الدَّائِمَ، فَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا اجْتَهَدَهُ عُثْمَانُ فِي رَدِّهِ، لِصَاحِبِهِ أَجْرٌ مَغْفُورٌ لَهُ، أَوْ ذَنْبًا لَهُ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ تُوجِبُ غُفْرَانَهُ. [الرد على زعم الرافضي أن عثمان رضي الله عنه زوج مروان بن الحكم وسلمه خمس غنائم إفريقية] وَقَوْلُهُ (¬1) : " وَمِنْهَا نَفْيُهُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ (¬2) ، وَتَزْوِيجُهُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ، وَتَسْلِيمُهُ خُمُسَ غَنَائِمَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَقَدْ بَلَغَتْ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ ". فَيُقَالُ: أَمَّا قِصَّةُ أَبِي ذَرٍّ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ مَرْوَانَ ابْنَتَهُ فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُجْعَلُ اخْتِلَافًا؟ . وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُ خُمُسَ غَنَائِمَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَقَدْ بَلَغَتْ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، فَمِنَ الَّذِي نَقَلَ ذَلِكَ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ (¬3) قَوْلُهُ: " إِنَّهُ أَعْطَاهُ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ " وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ خُمُسَ إِفْرِيقِيَةَ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ. ¬

(¬1) أَيِ: ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) ص 144 (م) . (¬2) ن: الرَّنْدَهْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَقَالَ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ 2/749 (ط. فَلَوْجَلَ) : وَالرَّبَذَةُ مِنْ قُرَى الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ قَرِيبَةٍ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ عَلَى طَرِيقِ الْحِجَازِ إِذَا رَحَلْتَ مِنْ فَيْدَ تُرِيدُ مَكَّةَ، وَبِهَذَا الْمَوْضِعِ قَبْرُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْمُهُ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ إِلَيْهَا مُغَاضِبًا لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ فِي سَنَةِ 32 (¬3) ب: وَتَقَدَّمَ.

وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُحِبُّ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ يُوَالِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ أَمْوَالًا كَثِيرَةً. وَمَا فَعَلَهُ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ كَمَا أَنَّنَا (¬1) لَا نُنْكِرُ أَنَّ عَلِيًّا وَلَّى أَقَارِبَهُ، وَقَاتَلَ وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا (¬2) مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَيَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ (¬3) . لَكِنْ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَاتَلَهُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ قِتَالُهُ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ لَا غَرَضَ لَهُمْ. وَأَمْرُ الدِّمَاءِ أَخْطَرُ مِنْ أَمْرِ الْأَمْوَالِ، وَالشَّرُّ الَّذِي حَصَلَ فِي الدِّمَاءِ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَضْعَافُ الشَّرِّ الَّذِي حَصَلَ بِإِعْطَاءِ الْأَمْوَالِ. فَإِذَا كُنَّا نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَنُحِبُّهُ وَنَذْكُرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ فَضَائِلِهِ (¬4) ، مَعَ أَنَّ الَّذِي جَرَى فِي خِلَافَتِهِ أَقْرَبُ إِلَى الْمَلَامِ مِمَّا جَرَى فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَجَرَى فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ مِنَ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَجْرِ مِثْلُهُ فِي خِلَافَتِهِ فَلَأَنْ (¬5) نَتَوَلَّى عُثْمَانَ وَنُحِبَّهُ، وَنَذْكُرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ (¬6) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ فِي الْمَالِ فَلَهُ ثَلَاثَةُ مَآخِذَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَامِلٌ عَلَيْهِ وَالْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ مَعَ الْغِنَى. ¬

(¬1) ن، م: كَمَا أَنَّا. (¬2) كَثِيرًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) ن، م: وَصَلُّوا. (¬4) ن، م: عَلَى فَضَائِلِهِ. (¬5) ب: أَفَلَا. (¬6) ن: وَنَذْكُرَ مَنْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، م: وَنَذْكُرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَضَائِلِهِ.

الرد على زعم الرافضي أن عثمان آوى ابن أبي سرح وولاه مصر بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه

الثَّانِي: أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى (¬1) هُمْ ذَوُو قُرْبَى الْإِمَامِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ كَانُوا قَبِيلَةً كَثِيرَةً، لَيْسُوا مِثْلَ قَبِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَكَانَ يَحْتَاجُ إِلَى إِعْطَائِهِمْ وَوِلَايَتِهِمْ، أَكْثَرَ مِنْ حَاجَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَى تَوَلِّيةِ أَقَارِبِهِمَا وَإِعْطَائِهِمَا. وَهَذَا مِمَّا نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّا لَا نَدَّعِي عِصْمَةً فِي أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الذَّنْبِ، فَضْلًا عَنِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ. وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33، 35] . وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 16] . [الرد على زعم الرافضي أن عثمان آوى ابن أبي سرح وولاه مصر بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه] وَقَوْلُهُ (¬2) : " وَمِنْهَا إِيوَاؤُهُ (¬3) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بَعْدَ أَنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهُ، وَتَوْلِيَتُهُ مِصْرَ، " (¬4) . فَالْجَوَابُ (¬5) : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُهْدَرَ الدَّمِ حَتَّى وَلَّاهُ عُثْمَانُ، كَمَا ¬

(¬1) ن: الثَّانِي ذِي الْقُرْبَى، م: الثَّانِي ذَوِي الْقُرْبَى. (¬2) أَيِ الرَّافِضِيُّ فِي (ك) ص 144 (م) . (¬3) ن، م: إِيوَاهُ، ك: إِيوَائُهُ. (¬4) ك:. . . . مِصْرَ، وَتَوْلِيَتُهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْبَصْرَةَ، حَتَّى أَحْدَثَ فِيهَا مَا أَحْدَثَ. (¬5) ب: وَالْجَوَابُ.

يُفْهَمُ مِنَ الْكَلَامِ. فَهَذَا لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِيرَتِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ فِي عَامِ [فَتْحِ] مَكَّةَ (¬1) ، بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَرَ دَمَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، أَتَى عُثْمَانُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَايَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مُرَاجَعَةِ عُثْمَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَحَقَنَ دَمَهُ، وَصَارَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْصُومِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ. وَقَدْ كَانَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ [النَّاسِ] مُعَادَاةً لِلنَّبِيِّ (¬2) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ. وَإِنَّمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَرَ دَمَهُ كَمَا أَهْدَرَ دِمَاءَ قَوْمٍ بِغِلَظِ كُفْرِهِمْ إِمَّا بِرِدَّةٍ مُغَلَّظَةٍ، كَمَقِيسِ بْنِ صُبَابَةَ. «وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا كَانَ كَاتِبًا لِلْوَحْيِ فَارْتَدَّ، وَافْتَرَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ بِهِ عُثْمَانُ عَفَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ بَايَعَهُ. فَقَالَ: " أَمَا فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَنْظُرُ إِلَيَّ وَقَدْ أَعْرَضْتُ عَنْ هَذَا فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَّا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ؟ فَقَالَ: " مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنَّ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» " (¬3) . ¬

(¬1) ن، م: فِي عَامِ مَكَّةَ. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: مَنْ أَعْظَمَ مُعَادَاةَ النَّبِيِّ. . . إِلَخْ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّتَيْنِ: 3/79 - 80 (كِتَابِ الْجِهَادِ، بَابِ قَتْلِ الْأَسِيرِ وَلَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ 4/183 (كِتَابِ الْحُدُودِ، بَابِ الْحُكْمِ فِيمَنِ ارْتَدَّ) ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/97 - 98 (كِتَابِ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابِ الْحُكْمِ فِي الْمُرْتَدِّ) ، وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 2/307، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ. . . إِلَخْ.

الرد على كلام الرافضي على عمال عثمان رضي الله عنه

ثُمَّ لَمَّا بَايَعَهُ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الْخَيْرُ، وَكَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ رَعِيَّتِهِ فِي مَغَازِيهِ، وَقَدْ كَانَتْ عَدَاوَةُ غَيْرِهِ مِنَ الطُّلَقَاءِ أَشَدُّ مِنْ عَدَاوَتِهِ، مِثْلُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِمْ، وَذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 7] فَجَعَلَ بَيْنَ أُولَئِكَ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوَدَّةً تَجُبُّ (¬1) تِلْكَ الْعَدَاوَةَ وَاللَّهُ قَدِيرٌ عَلَى تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ وَهُوَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، غَفَرَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنَ السَّيِّئَاتِ بِمَا بَدَّلُوهُ (¬2) مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. [الرد على كلام الرافضي على عمال عثمان رضي الله عنه] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬3) : " كَانَ عَامِلُ جُنُودِهِ (¬4) مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامِلَ الشَّامِ، وَعَامِلُ الْكُوفَةِ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ (¬5) ، وَبَعْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ عَامِلُ الْبَصْرَةِ ". فَيُقَالُ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَوَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا مَاتَ أَخُوهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مَكَانَهُ، ثُمَّ وَلَّاهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الشَّامَ كُلَّهُ، وَكَانَتْ سِيرَتُهُ ¬

(¬1) ن، م: تَحِتُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، ب: بَذَلُوهُ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص 144 (م) . (¬4) ك: وَكَانَ أُمَرَاءُ جُنُودِهِ. (¬5) ك: وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ عَامِلَ الْكُوفَةِ.

كلام الرافضي على الخلاف التاسع الذي ذكره الشهرستاني

فِي (¬1) أَهْلِ الشَّامِ مِنْ أَحْسَنِ السِّيَرِ (¬2) ، وَكَانَتْ رَعِيَّتُهُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ مَحَبَّةً لَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ» " (¬3) . وَكَانَ مُعَاوِيَةُ تُحِبُّهُ رَعِيَّتُهُ وَتَدْعُو لَهُ وَهُوَ يُحِبُّهَا وَيَدْعُو لَهَا. وَأَمَّا تَوْلِيَتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَأَهْلُ الْكُوفَةِ كَانُوا دَائِمًا يَشْكُونَ (¬4) مِنْ وُلَاتِهِمْ. وَلِيَ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَهُمْ يَشْكُونَ مِنْهُمْ، وَسِيَرُهُمْ فِي هَذَا مَشْهُورَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْكُونَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ أَكْثَرَ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَّى أَقَارِبَهُ وَحَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا حَصَلَ. [كلام الرافضي على الخلاف التاسع الذي ذكره الشهرستاني] وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬5) : " الْخِلَافُ (¬6) التَّاسِعُ: فِي زَمَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬7) بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَعَقْدِ (¬8) الْبَيْعَةِ لَهُ، فَأَوَّلًا خُرُوجُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ حَمْلُ عَائِشَةَ إِلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ نَصْبُ ¬

(¬1) ب: إِلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن: مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/116 (¬4) ب: فَأَهْلُ الْكُوفَةِ رُبَّمَا كَانُوا يَشْكُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) وَهُوَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) (ص 144) (م) 145 (م) . (¬6) الْخِلَافُ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬7) ك: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (¬8) ن، ب: وَعَهْدِ.

الْقِتَالِ مَعَهُ (¬1) ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِحَرْبِ الْجَمَلِ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ (¬2) مُعَاوِيَةَ، وَحَرْبُ صِفِّينَ، وَمُغَادَرَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَكَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّرَاةِ (¬3) الْمَارِقِينَ بِالنَّهْرَوَانِ. وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ (¬4) وَالْحَقُّ مَعَهُ، وَظَهَرَ فِي زَمَانِهِ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِ (¬5) ، مِثْلُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَمِسْعَرِ بْنِ فَدَكِيٍّ التَّمِيمِيِّ (¬6) ، وَزَيْدِ بْنِ حُصَيْنٍ الطَّائِيِّ (¬7) وَغَيْرِهِمْ، وَظَهَرَ فِي زَمَنِهِ (¬8) الْغُلَاةُ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ. وَمِنَ الْفِرْقَتَيْنِ ابْتَدَأَتِ الضَّلَالَةُ وَالْبِدَعُ (¬9) ، وَصَدَقَ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَهْلَكُ فِيكَ اثْنَانِ: مُحِبٌّ غَالٍ وَمُبْغِضٌ قَالٍ» . ¬

(¬1) ك: مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬2) ك: بَيْنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَ. (¬3) ن، م: السُّرَاةِ. (¬4) ن: كَانَ عَلِيٌّ فِي الْحَقِّ، م: كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَقِّ، ك: كَانَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ الْحَقِّ. (¬5) عَلَيْهِ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬6) ن، م، ب: وَمَسْعُودِ بْنِ مَالِكٍ التَّمِيمِيِّ، ك: مَسْعُودِ بْنِ مُذَكًّى التَّمِيمِيِّ، الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/33 مَسْعُودِ بْنِ فَدَكِيٍّ التَّمِيمِيِّ، وَكُلُّهُ خَطَأُ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الْوَارِدُ فِي تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ انْظُرْ مَثَلًا 5/11، 49، 51، 55، 76، 77 وَانْظُرْ أَيْضًا: الْأَخْبَارَ الطِّوَالَ لِلدِّينَوَرِيِّ (ط. الْقَاهِرَةِ) 1960 (ص 191) (¬7) ن، م: زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الطَّائِيِّ، ب: يَزِيدَ بْنِ حُصَيْنٍ الطَّائِيِّ، ك: يَزِيدَ بْنَ الْحُصَيْنِ الطَّائِيِّ، وَكَذَا فِي الْأَخْبَارِ الطِّوَالِ، (ص 202) - 204، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الْوَارِدُ فِي تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ انْظُرْ مَثَلًا 5/49، 51، 75 - 77، 85 (¬8) ك: فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬9) ك: وَمِنَ الْفَرِيقَيْنِ ابْتَدَتِ الْبِدْعَةُ وَالضَّلَالَةُ.

فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ إِلَى كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ، هَلْ خَرَجَ مُوجِبُ الْفِتْنَةِ (¬1) عَنِ الْمَشَايِخِ أَوْ تَعَدَّاهُمْ؟ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ هَذَا الْكَلَامُ مِمَّا يُبَيِّنُ تَحَامُلُ الشَّهْرَسْتَانِيِّ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعَ الشِّيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ أَحْوَالِهِمْ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ دُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ. وَلَمَّا ذَكَرَ عَلِيًّا قَالَ (¬2) : " وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ وَعَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ " (¬3) وَالنَّاقِلُ الَّذِي لَا غَرَضَ لَهُ: إِمَّا أَنْ يَحْكِيَ الْأُمُورَ بِالْأَمَانَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ. فَأَمَّا دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْحَقَّ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ وَعَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ، وَتَخْصِيصُهُ بِهَذَا دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ الشِّيعَةِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ فَسَادَ هَذَا الْكَلَامِ قَوْلُهُ: " إِنَّ الِاخْتِلَافَ وَقَعَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَعَقْدِ الْبَيْعَةِ لَهُ ". وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا بَايَعُوهُ، حَتَّى كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ الَّذِينَ رَأَوْهُ لَمْ يَكُونُوا بَايَعُوهُ، دَعِ الَّذِينَ كَانُوا بَعِيدِينَ، كَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ. وَكَيْفَ يُقَالُ مِثْلُ هَذَا فِي بَيْعَةِ عَلِيٍّ وَلَا يُقَالُ فِي بَيْعَةِ عُثْمَانَ الَّتِي (¬4) اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَتَنَازَعْ فِيهَا اثْنَانِ؟ . ¬

(¬1) ن: مُوجِبُ الْفَقِيهِ، م: مِنْ حُبِّ الْفِتْنَةِ. (¬2) أَيِ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/33 (¬3) نَصُّ كَلَامِ الشَّهْرَسْتَانِيِّ كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَهُ. (¬4) ن: الَّذِي.

وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالطَّعْنِ عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ لَهُمْ عُذْرًا وَلَا رُجُوعًا. وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ لَمْ يَكُونَا قَاصِدَيْنِ قِتَالَ عَلِيٍّ ابْتِدَاءً. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمْ قِتَالُهُ وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ قِتَالُ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ. وَلَكِنَّ حَرْبَ الْجَمَلِ جَرَى (¬1) بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَا اخْتِيَارِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى الْمُصَالَحَةِ (¬2) وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَتَوَاطَأَتِ الْقَتَلَةُ عَلَى إِقَامَةِ الْفِتْنَةِ آخِرًا كَمَا أَقَامُوهَا أَوَّلًا، فَحَمَلُوا عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأَصْحَابِهِمَا فَحَمَلُوا دَفْعًا عَنْهُمْ وَأَشْعَرُوا عَلِيًّا أَنَّهُمَا حَمَلَا عَلَيْهِ (¬3) ، فَحَمَلَ عَلِيٌّ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَصْدُهُ دَفْعَ الصِّيَالِ لَا ابْتِدَاءَ الْقِتَالِ. هَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ. فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ قَدْ جَرَى عَلَى وَجْهٍ لَا مَلَامَ فِيهِ فَلَا كَلَامَ (¬4) ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ خَطَأٌ أَوْ ذَنْبٌ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَقَدْ عُرِفَ أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَنَّهُمْ مِنْ خِيَارِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ، وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ (¬5) . ¬

(¬1) جَرَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: جَرَتْ. (¬2) فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ: الْمَصْلَحَةِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) ن: إِنَّمَا حَمَلَا عَلَيْهِ، ب: إِنَّمَا حُمِلَ عَلَيْهِ. (¬4) ن، ب: وَلَا كَلَامَ. (¬5) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 7/230 - 251 وَمَا جَاءَ فِي الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ، عَنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ مَعَ تَعْلِيقَاتِ الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ ص 147 - 161 وَانْظُرْ أَيْضًا كِتَابَ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ (3) الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، لِلْأُسْتَاذِ مَحْمُودْ شَاكِرْ ص 267 - 271 (ط. الْمَكْتَبِ الْإِسْلَامِيِّ) 1403 1983

وَقَوْلُ هَذَا الرَّافِضِيِّ: " انْظُرْ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ إِلَى كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ (¬1) ، هَلْ خَرَجَ مُوجِبُ الْفِتْنَةِ عَنِ الْمَشَايِخِ أَوْ تَعَدَّاهُمْ؟ ". فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا الْفِتْنَةُ فَإِنَّمَا ظَهَرَتْ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الشِّيعَةِ، فَإِنَّهُمْ أَسَاسُ كُلِّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ، وَهُمْ قُطْبُ رَحَى الْفِتَنِ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ قَتْلُ عُثْمَانَ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «ثَلَاثٌ مَنْ نَجَا مِنْهُنَّ فَقَدْ نَجَا: مَوْتِي، وَقَتْلِ خَلِيفَةٍ مُضْطَهَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالدَّجَّالِ» " (¬2) . وَمَنِ (¬3) اسْتَقْرَأَ أَخْبَارَ الْعَالَمِ فِي جَمِيعِ الْفِرَقِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ طَائِفَةٌ أَعْظَمُ اتِّفَاقًا عَلَى الْهُدَى وَالرُّشْدِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الْفِتْنَةِ وَالتَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بِشَهَادَةِ اللَّهِ لَهُمْ بِذَلِكَ، إِذْ يَقُولُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] . كَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ أَعْظَمُ اجْتِمَاعًا عَلَى الْهُدَى، وَأَبْعَدُ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ، مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّهُمْ أَكْمَلُ اعْتِصَامًا بِحَبْلِ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ كِتَابُهُ الْمُنَزَّلُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ نَبِيِّهِ الْمُرْسَلِ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الِاعْتِصَامِ ¬

(¬1) وَهُوَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/545 (¬3) ب: فَمَنِ.

بِحَبْلِ اللَّهِ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَانَ أَوْلَى بِالْهُدَى وَالِاجْتِمَاعِ وَالرُّشْدِ وَالصَّلَاحِ وَأَبْعَدَ عَنِ الضَّلَالِ وَالِافْتِرَاقِ وَالْفِتْنَةِ. وَاعْتَبِرْ ذَلِكَ بِالْأُمَمِ، فَأَهْلُ الْكِتَابِ أَكْثَرُ اتِّفَاقًا وَعِلْمًا وَخَيْرًا مِنَ الْخَارِجِينَ عَنِ الْكُتُبِ، وَالْمُسْلِمُونَ أَكْثَرُ اتِّفَاقًا وَهُدًى وَرَحْمَةً وَخَيْرًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ قَبْلَنَا تَفَرَّقُوا وَبَدَّلُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَأَظْهَرُوا الْبَاطِلَ، وَعَادُوا الْحَقَّ وَأَهْلَهُ. وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي أُمَّتِنَا نَظِيرُ مَا يُوجَدُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: " فَمَنِ النَّاسُ؟» " (¬1) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَتَأْخُذَنَّ أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ". قَالُوا: فَارِسَ وَالرُّومَ؟ قَالَ: " فَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ؟» " (¬2) . لَكِنَّ أُمَّتَنَا لَا تَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وَلِهَذَا لَا يُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/628 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 9/102 - 103 (كِتَابِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَلَفْظُهُ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ) فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ؟ وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ.

غَيْرِهِمْ فَيَجْتَاحَهُمْ، كَمَا ثَبَتَ هَذَا وَهَذَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّهُ: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِهِ ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» " (¬1) . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ: " «سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَاهُ (¬2) ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ فَأَعْطَاهُ (¬3) ، ذَلِكَ وَسَأَلَهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدًا فَمَنَعَهُ ذَلِكَ» " (¬4) . وَمَنْ قَبْلَنَا كَانَ الْحَقُّ (¬5) يَغْلِبُ فِيهِمْ حَتَّى لَا تَقُومَ بِهِ طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ مَنْصُورَةٌ. وَلِهَذَا كَانَ الْعَدُوُّ يُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ فَيَجْتَاحَهُمْ، كَمَا سُلِّطَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ (¬6) يَبْقَ لَهُمْ مُلْكٌ. وَنَحْنُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَمْ يَزَلْ لِأُمَّتِنَا سَيْفٌ مَنْصُورٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، فَيَكُونُونَ عَلَى الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرَّسُولَ. فَلِهَذَا لَمْ نَزَلْ وَلَا نَزَالُ. وَأَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْمَهْدِيَّةِ الْمَنْصُورَةِ هُمُ الرَّافِضَةُ، لِأَنَّهُمْ أَجْهَلُ وَأَظْلَمُ طَوَائِفِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَخِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُمُ الصَّحَابَةُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَّةِ أَعْظَمُ اجْتِمَاعًا عَلَى الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَلَا أَبْعَدُ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ مِنْهُمْ. وَكُلُّ مَا يُذْكَرُ عَنْهُمْ مِمَّا فِيهِ نَقْصٌ فَهَذَا إِذَا قِيسَ إِلَى مَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ كَانَ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ. وَإِذَا قِيسَ مَا يُوجَدُ فِي الْأُمَّةِ إِلَى مَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الْأُمَمِ ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/461 (¬2) ن، م: وَأَعْطَاهُ. (¬3) ن، م: وَأَعْطَاهُ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 230 (¬5) ب: الْخَلْفُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: وَلَمْ.

كَانَ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ. وَإِنَّمَا يَغْلَطُ مَنْ يَغْلَطُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى السَّوَادِ الْقَلِيلِ فِي الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى الثَّوْبِ الْأَسْوَدِ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ. وَهَذَا مِنَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، بَلْ يُوزَنُ هَؤُلَاءِ بِنُظَرَائِهِمْ، فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ وَالرُّجْحَانُ. وَأَمَّا مَا يَقْتَرِحُهُ (¬1) كُلُّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَمْ يُخْلَقْ، فَهَذَا لَا اعْتِبَارَ بِهِ. فَهَذَا يَقْتَرِحُ مَعْصُومًا فِي الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا يَقْتَرِحُ مَا هُوَ كَالْمَعْصُومِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ مَعْصُومًا، فَيَقْتَرِحُ فِي الْعَالِمِ وَالشَّيْخِ وَالْأَمِيرِ وَالْمَلِكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مَعَ كَثْرَةِ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَمَحَاسِنِهِ، وَكَثْرَةِ مَا فَعَلَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، يَقْتَرِحُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يُخْطِئُ فِي مَسْأَلَةٍ (¬2) ، وَأَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْبَشَرِيَّةِ فَلَا يَغْضَبُ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُقْتَرَحُ فِيهِمْ (¬3) مَا لَا يُقْتَرَحُ فِي الْأَنْبِيَاءِ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نُوحًا وَمُحَمَّدًا أَنْ يَقُولَا: {لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [سُورَةُ هُودٍ: 31] فَيُرِيدُ الْجُهَّالُ مِنَ الْمَتْبُوعِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكُلِّ مَا يُسْئَلُ عَنْهُ، قَادِرًا عَلَى كُلِّ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ، غَنِيًّا عَنِ الْحَاجَاتِ الْبَشَرِيَّةِ كَالْمَلَائِكَةِ. وَهَذَا الِاقْتِرَاحُ مِنْ وُلَاةِ الْأَمْرِ كَاقْتِرَاحِ الْخَوَارِجِ فِي عُمُومِ الْأُمَّةِ، أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ ذَنْبٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ذَنْبٌ كَانَ عِنْدَهُمْ كَافِرًا مُخَلَّدًا فِي النَّارِ. ¬

(¬1) ن: مَا يُقِرُّ بِهِ. (¬2) م: فَلَا يُخْطِئُ فِي مَسَائِلِهِ. (¬3) ن، م: فِيهِ.

وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ خِلَافَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ، وَخِلَافَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ. فَاقْتِرَاحُ هَؤُلَاءِ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ، كَاقْتِرَاحِ أُولَئِكَ عَلَيْهِ فِيمَنْ يُرْسِلُهُ، وَكَاقْتِرَاحِ هَؤُلَاءِ فِيمَنْ يَرْحَمُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ. وَالْبِدَعُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْكُفْرِ، فَمَا مِنْ قَوْلٍ مُبْتَدَعٍ إِلَّا وَفِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْكُفْرِ. وَكَمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرُونِ أَكْمَلُ مِنْ قَرْنِ الصَّحَابَةِ، فَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ بَعْدَهُمْ أَكْمَلُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ. فَكُلُّ مَنْ كَانَ لِلْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ أَتْبَعُ كَانَ أَكْمَلَ، وَكَانَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ أَوْلَى بِالِاجْتِمَاعِ وَالْهُدَى وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ، وَأَبْعَدَ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْفِتْنَةِ. وَكُلُّ مَنْ بَعُدَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ أَبْعَدَ عَنِ الرَّحْمَةِ وَأَدْخَلَ فِي الْفِتْنَةِ. فَلَيْسَ الضَّلَالُ وَالْغَيُّ (¬1) فِي طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ أَكْثَرَ مِنْهُ [فِي] الرَّافِضَةِ (¬2) ، كَمَا أَنَّ الْهُدَى وَالرَّشَادَ وَالرَّحْمَةَ لَيْسَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الْمَحْضَةِ، الَّذِينَ لَا يَنْتَصِرُونَ إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُمْ خَاصَّتُهُ، وَهُوَ إِمَامُهُمُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يَغْضَبُونَ لِقَوْلِ غَيْرِهِمْ إِلَّا إِذَا اتَّبَعَ قَوْلَهُ، وَمَقْصُودُهُمْ نَصْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَإِذَا (¬3) كَانَ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الْمَحْضَةِ، أَوْلَى ¬

(¬1) ب: وَالْبَغْيُ. (¬2) ن، م: أَكْثَرَ مِنَ الرَّافِضَةِ. (¬3) ب: وَإِنْ.

بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَأَبْعَدُ (¬1) الطَّوَائِفِ عَنِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ (¬2) ، فَالرَّافِضَةُ بِالْعَكْسِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الرَّجُلُ (¬3) فِيهِ مِنَ الْبَاطِلِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ، وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ إِلَّا مَنْ هُوَ جَاهِلٌ، وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ لَهُ بِالشِّيعَةِ إِلْمَامٌ وَاتِّصَالٌ، وَأَنَّهُ دَخَلَ فِي هَوَاهُمْ (¬4) بِمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُلَمَاءِ النَّقْلِ وَالْآثَارِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ نَقَلَةِ التَّوَارِيخِ الَّتِي لَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا أُولُو الْأَبْصَارِ. وَمَنْ كَانَ عِلْمُهُ بِالصَّحَابَةِ وَأَحْوَالِهِمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ (¬5) ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ جُمْلَةِ أُولِي الْأَلْبَابِ. وَمِنَ الَّذِي يَدَعُ كُتُبَ النَّقْلِ الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ عَلَى صِحَّتِهَا، وَيَدَعُ مَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضِهَا (¬6) ، كَالصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ، وَالْمُعْجَمَاتِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْفَضَائِلِ، وَكُتُبِ أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكُتُبِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ ذَلِكَ، وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي مَنْ نَظَرَ فِيهَا عَلِمَ بِالتَّوَاتُرِ الْيَقِينِيِّ (¬7) ضِدَّ (¬8) مَا فِي النَّقْلِ الْبَاطِلِ، وَعَلِمَ أَنَّ ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: أَبْعَدُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) ب: وَالْبَغْيِ. (¬3) وَهُوَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ. (¬4) ن، م: هَوَايِهِمْ. (¬5) ن: الْكِلَابِ، م: الْكَذَّابِ. (¬6) ن، ب: عَلَى نَفْسِهَا. (¬7) ن، ب: النَّفْسِيِّ. (¬8) ب: صِدْقَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا أَئِمَّةَ الْهُدَى، وَمَصَابِيحَ الدُّجَى، وَأَنَّ أَصْلَ كُلِّ (¬1) فِتْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ هُمُ الشِّيعَةُ وَ [مَنِ] انْضَوَى (¬2) إِلَيْهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنَ السُّيُوفِ الَّتِي سُلَّتْ فِي الْإِسْلَامِ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَعُلِمَ أَنَّ أَصْلَهُمْ وَمَادَّتَهُمْ مُنَافِقُونَ، اخْتَلَقُوا أَكَاذِيبَ، وَابْتَدَعُوا آرَاءً فَاسِدَةً، لِيُفْسِدُوا بِهَا دِينَ الْإِسْلَامِ، وَيَسْتَزِلُّوا بِهَا مَنْ لَيْسَ مَنْ أُولِي (¬3) الْأَحْلَامِ، فَسَعَوْا فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، وَهُوَ أَوَّلُ الْفِتَنِ ثُمَّ انْزَوَوْا إِلَى عَلِيٍّ، لَا حُبًّا فِيهِ وَلَا فِي أَهْلِ الْبَيْتِ، لَكِنْ لِيُقِيمُوا سُوقَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَعَوْا مَعَهُ مِنْهُمْ مَنْ كَفَّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاتَلَهُ، كَمَا فَعَلَتِ الْخَوَارِجُ، وَسَيْفُهُمْ أَوَّلُ سَيْفٍ سُلَّ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَظْهَرَ الطَّعْنَ عَلَى (¬4) الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، كَمَا فَعَلَتِ الرَّافِضَةُ، وَبِهِمْ تَسَتَّرَتِ الزَّنَادِقَةُ، كَالْغَالِيَةِ مِنَ النُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنَ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَهُمْ مَنْشَأُ كُلِّ فِتْنَةٍ، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَنْشَأُ كُلِّ عِلْمٍ وَصَلَاحٍ، وَهُدَى وَرَحْمَةً فِي الْإِسْلَامِ. وَلِهَذَا تَجِدُ الشِّيعَةَ يَنْتَصِرُونَ لِأَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّينَ، كَبَنِي حَنِيفَةَ أَتْبَاعِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مَظْلُومِينَ، كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ، وَيَنْتَصِرُونَ لِأَبِي لُؤْلُؤَةَ الْكَافِرِ الْمَجُوسِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ أَبِي لُؤْلُؤَةَ وَاحْشُرْنِي مَعَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي بَعْضِ ¬

(¬1) ن: وَأَنَّ كُلَّ أَصْلٍ. (¬2) ن: وَانْضَوَى. (¬3) ب: مَنْ لَيْسُوا بِأُولَى. (¬4) ن، م: فِي.

مَا يَفْعَلُهُ مِنْ (¬1) مُحَارَبَتِهِمْ: وَاثَارَاتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ! كَمَا يَفْعَلُونَهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يُقَدِّرُونَ فِيهَا صُورَةَ عُمَرَ مِنَ الْجِبْسِ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَبُو لُؤْلُؤَةَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، كَانَ مَجُوسِيًّا مِنْ عُبَّادِ النِّيرَانِ، وَكَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ يَصْنَعُ الْأَرْحَاءَ (¬2) ، وَعَلَيْهِ خَرَاجٌ لِلْمُغِيرَةِ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمٍ، وَكَانَ قَدْ رَأَى مَا عَمِلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِذَا رَأَى سَبْيَهُمْ يُقْدِمُ إِلَى (¬3) الْمَدِينَةِ، يَبْقَى (¬4) فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْ عُمَرَ أَنْ يُكَلِّمَ مَوْلَاهُ فِي خَرَاجِهِ، فَتَوَقَّفَ عُمَرُ، وَكَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَقَتَلَ عُمَرَ بُغْضًا فِي الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَحُبًّا لِلْمَجُوسِ، وَانْتِقَامًا لِلْكُفَّارِ، لِمَا فَعَلَ بِهِمْ عُمَرُ حِينَ فَتَحَ بِلَادَهُمْ، وَقَتَلَ رُؤَسَاءَهُمْ، وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ. كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ حَيْثُ يَقُولُ: " «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» " (¬5) وَعُمَرُ هُوَ الَّذِي أَنْفَقَ كُنُوزَهُمَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ¬

(¬1) ن: عَنْ. (¬2) فِي اللِّسَانِ: الرَّحَى مَعْرُوفَةٌ الَّتِي يُطْحَنُ بِهَا، وَالْجَمْعُ أَرْحٍ، وَأَرْحَاءٌ، وَرُحِيٌّ، وَرِحِيٌّ، وَأَرْحِيَةٌ، الْأَخِيرَةُ نَادِرَةٌ (¬3) إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) ب: بَقِيَ (¬5) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُخَارِيِّ 8/129 (كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابِ كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مُسْلِمٍ 4/2236 2237 (كِتَابِ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامِ 7184، 7266، 7472، 7664 (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/92 - 99 وَالْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/337 (كِتَابِ الْفِتَنِ، بَابِ مَا جَاءَ إِذَا ذَهَبَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ) .

خِلَافَتِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُنْفِقُ هَذَيْنِ الْكَنْزَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَمَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ، لَمْ يُنْفِقِ الْأَمْوَالَ فِي أَهْوَاءِ النُّفُوسِ الْمُبَاحَةِ، فَضْلًا عَنِ الْمُحَرَّمَةِ، فَهَلْ يَنْتَصِرُ لِأَبِي لُؤْلُؤَةَ مَعَ هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ كُفْرًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبُغْضًا فِي الْإِسْلَامِ، وَمُفْرِطٌ (¬1) فِي الْجَهْلِ لَا يَعْرِفُ حَالَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ؟ . وَدَعْ مَا يُسْمَعُ وَيُنْقَلُ عَمَّنْ خَلَا، فَلْيَنْظُرْ كُلُّ عَاقِلٍ فِيمَا يَحْدُثُ فِي زَمَانِهِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْ زَمَانِهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالشُّرُورِ وَالْفَسَادِ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مُعْظَمَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الرَّافِضَةِ، وَتَجِدُهُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ فِتَنًا وَشَرًّا، وَأَنَّهُمْ لَا يَقْعُدُونَ عَمَّا يُمْكِنُهُمْ مِنَ الْفِتَنِ وَالشَّرِّ وَإِيقَاعِ الْفَسَادِ بَيْنَ الْأُمَّةِ. وَنَحْنُ نَعْرِفُ بِالْعَيَانِ وَالتَّوَاتُرِ الْعَامِّ وَمَا كَانَ (¬2) فِي زَمَانِنَا، مِنْ حِينِ خَرَجَ (¬3) جِنْكِزْخَانْ (¬4) مَلِكُ التُّرْكِ الْكُفَّارِ، وَمَا جَرَى فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الشَّرِّ. فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَا بِغَيْرِهَا مِنَ الْمَبَانِي الْخَمْسِ، وَلَا يَصُومُونَ شَهْرَ (¬5) رَمَضَانَ، وَلَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَلَا بِمَلَائِكَتِهِ، وَلَا بِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. ¬

(¬1) ن: وَمُفْرِطًا، م: أَوْ مُفْرِطًا. (¬2) ن، م: وَمَا كَانَ. (¬3) ن: يَخْرُجُ. (¬4) ن: حِنْكَشْجَانْ، م: جِنْكَسِيخَانْ. (¬5) شَهْرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

وَأَعْلَمُ مَنْ فِيهِمْ وَأَدْيَنُ مُشْرِكٍ يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْأَوْثَانَ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا، لَهُ رَئِيٌّ (¬1) مِنَ الْجِنِّ، وَفِيهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْفَوَاحِشِ مَا هُمْ بِهِ شَرٌّ مِنَ الْكُهَّانِ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْعَرَبِ. فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ اسْتِيلَاءَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى أَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، كَذُرِّيَّةِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، بِالْقَتْلِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَسَبْيِ النِّسَاءِ وَاسْتِحْلَالِ فُرُوجِهِنَّ، وَسَبْيِ الصِّبْيَانِ وَاسْتِعْبَادِهِمْ، وَإِخْرَاجِهِمْ عَنْ دِينِ اللَّهِ إِلَى الْكُفْرِ، وَقَتْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ، وَتَعْظِيمِ بُيُوتِ الْأَصْنَامِ - الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْبَذْخَانَاتِ (¬2) وَالْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ - عَلَى الْمَسَاجِدِ، وَرَفْعِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُشْرِكُونَ (¬3) وَأَهْلُ الْكِتَابِ أَعْظَمُ عِزًّا، وَأَنْفَذُ كَلِمَةً، وَأَكْثَرُ حُرْمَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ هَذَا أَضَرُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ قِتَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَأَى مَا جَرَى (¬4) عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ هَذَا، كَانَ كَرَاهَتُهُ (¬5) لَهُ، وَغَضَبُهُ مِنْهُ، أَعْظَمُ مِنْ كَرَاهَتِهِ (¬6) لِاثْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ تَقَاتَلَا عَلَى الْمُلْكِ، وَلَمْ يَسْبِ ¬

(¬1) ن: رَأْيٌ، م: رِيٌّ. (¬2) ن: الْبَدَخَانَاهْ، م: الْبَدْخَانْ. (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ، وَفِي (ن) ، (م) بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُشْرِكِينَ، إِلَخْ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ. (¬4) ن، م: مَا يَجْرِي. (¬5) ن، ب: كَرَاهِيَتُهُ. (¬6) ن، ب: كَرَاهِيَتِهِ.

أَحَدُهُمَا حَرِيمَ الْآخَرِ، وَلَا نَفَعَ (¬1) كَافِرًا، وَلَا أَبْطَلَ شَيْئًا مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَشَعَائِرِهِ الظَّاهِرَةِ. ثُمَّ مَعَ هَذَا الرَّافِضَةُ يُعَاوِنُونَ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ، وَيَنْصُرُونَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَمَا قَدْ شَاهَدَهُ النَّاسُ (¬2) ، لَمَّا دَخَلَ هُولَاكُو مَلِكُ الْكُفَّارِ التُّرْكِ الشَّامَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ الَّذِينَ كَانُوا بِالشَّامِ بِالْمَدَائِنِ وَالْعَوَاصِمِ مِنْ أَهْلِ حَلَبَ وَمَا حَوْلَهَا، وَمِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا، وَغَيْرَهُمْ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا عَلَى إِقَامَةِ مُلْكِهِ، وَتَنْفِيذِ أَمْرِهِ فِي زَوَالِ مُلْكِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَكَذَا يَعْرِفُ النَّاسُ - عَامَّةً وَخَاصَّةً - مَا كَانَ بِالْعِرَاقِ لَمَّا قَدِمَ هُولَاكُو إِلَى الْعِرَاقِ، وَقَتَلَ الْخَلِيفَةَ، وَسَفَكَ فِيهَا مِنَ الدِّمَاءِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، فَكَانَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ، وَالرَّافِضَةُ هُمْ بِطَانَتُهُ، الَّذِينَ أَعَانُوهُ (¬3) عَلَى ذَلِكَ بِأَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ، بَاطِنَةٍ وَظَاهِرَةٍ، يَطُولُ وَصْفُهَا. وَهَكَذَا ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ جِنْكِزْخَانْ (¬4) ، وَقَدْ رَآهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِسَوَاحِلِ الشَّامِ وَغَيْرِهَا، إِذَا اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ وَالنَّصَارَى هَوَاهُمْ مَعَ النَّصَارَى، يَنْصُرُونَهُمْ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَيَكْرَهُونَ فَتْحَ مَدَائِنِهِمْ، كَمَا كَرِهُوا فَتْحَ عَكَّا وَغَيْرِهَا، وَيَخْتَارُونَ إِدَالَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَنَّهُمْ لَمَّا انْكَسَرَ ¬

(¬1) م: وَلَا رَفَعَ. (¬2) م: كَمَا قَدْ شَاهَدَهُ النَّاسُ مَلَكَ، ن: كَمَا قَدْ قَالَ شَاهَدَهُ النَّاسُ مَلَكَ، ب. . . . . كَمَا قَدْ قَالَ شَاهِدَةُ النَّاسِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) ب: عَاوَنُوهُ. (¬4) ن: جِنْكِشْنِخَانْ، م: جِنْكِشِيحَانْ.

عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ سَنَةَ غَازَانَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَخَلَتِ الشَّامُ مِنْ جَيْشِ [الْمُسْلِمِينَ] (¬1) ، عَاثُوا فِي الْبِلَادِ، وَسَعَوْا فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَسَادِ، مِنَ الْقَتْلِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَحَمْلِ رَايَةِ الصَّلِيبِ، وَتَفْضِيلِ النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَحَمْلِ السَّبْيِ وَالْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى النَّصَارَى، أَهْلِ الْحَرْبِ بِقُبْرُسَ وَغَيْرِهَا. فَهَذَا - وَأَمْثَالُهُ - قَدْ عَايَنَهُ النَّاسُ، وَتَوَاتَرَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُعَايِنْهُ. وَلَوْ ذَكَرْتُ أَنَا مَا سَمِعْتُهُ وَرَأَيْتُهُ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ لَطَالَ الْكِتَابُ، وَعِنْدَ غَيْرِي مِنْ أَخْبَارِ ذَلِكَ وَتَفَاصِيلِهِ مَا لَا أَعْلَمُهُ. فَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُودٌ مِنْ مُعَاوَنَتِهِمْ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمِنَ اخْتِيَارِهِمْ لِظُهُورِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ ظَلَمَةٌ فَسَقَةٌ، وَمُظْهِرُونَ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْ سَبِّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، لَكَانَ الْعَاقِلُ يَنْظُرُ فِي خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ وَشَرِّ الشَّرَّيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مَا يَقُولُونَ، لَكِنْ لَا يُعَاوِنُونَ الْكُفَّارَ عَلَى دِينِهِمْ، وَلَا يَخْتَارُونَ ظُهُورَ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَلَى ظُهُورِ بِدْعَةٍ دُونَ ذَلِكَ؟ . وَالرَّافِضَةُ إِذَا تَمَكَّنُوا لَا يَتَّقُونَ. وَانْظُرْ مَا حَصَلَ لَهُمْ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ خَدَابَنْدَا (¬2) ، الَّذِي صَنَّفَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ، كَيْفَ ظَهَرَ فِيهِمْ مِنَ الشَّرِّ، الَّذِي لَوْ دَامَ وَقَوِيَ أَبْطَلُوا بِهِ عَامَّةَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ! لَكِنْ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. ¬

(¬1) الْمُسْلِمِينَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) م: حَذَابَنْدَا، ب: خَدَابَنْدَ.

وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ وَالصَّحَابَةُ فَكُلُّ خَيْرٍ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِلَى - يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْإِيمَانِ [وَالْإِسْلَامِ] (¬1) ، وَالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، وَالْمَعَارِفِ وَالْعِبَادَاتِ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، وَانْتِصَارِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ، وَعُلُوِّ كَلِمَةِ اللَّهِ - فَإِنَّمَا هُوَ بِبَرَكَةِ مَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ، الَّذِينَ بَلَّغُوا الدِّينَ، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَكُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِاللَّهِ فَلِلصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَيْهِ فَضْلٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكُلُّ خَيْرٍ فِيهِ الشِّيعَةُ وَغَيْرُهُمْ فَهُوَ بِبَرَكَةِ (¬2) الصَّحَابَةِ. وَخَيْرُ الصَّحَابَةِ تَبَعٌ لِخَيْرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، فَهُمْ كَانُوا أَقْوَمَ بِكُلِّ خَيْرٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَؤُلَاءِ مَنْبَعَ الشَّرِّ، وَيَكُونُ أُولَئِكَ الرَّافِضَةُ مَنْبَعَ الْخَيْرِ؟ ! . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّافِضِيَّ يُوَالِي أُولَئِكَ الرَّافِضَةَ وَيُعَادِي الصَّحَابَةَ، فَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ شَرِّ مَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ؟ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ، وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الثَّلَاثَةَ فِيهِمْ مِنَ الشَّرِّ وَالْفِتَنِ مَا لَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَلَا يُقَابَلُ بَيْنَ الرَّافِضَةِ وَالصَّحَابَةِ وَالْجُمْهُورِ. فَنَقُولُ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ (¬3) : أَنَّا لَمْ نَذْكُرْ هَذَا لِلْمُقَابَلَةِ، بَلْ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَمْ تَخْرُجْ إِلَّا عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَنَحْنُ قَدْ عَلِمْنَا بِالْمُعَايَنَةِ وَالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْفِتَنَ وَالشُّرُورَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي لَا تُشَابِهُهَا فِتَنٌ، ¬

(¬1) وَالْإِسْلَامِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م: مِنْ بَرَكَةِ. (¬3) ن، م: مِنْ وَجْهَيْنِ الْجَوَابُ.

إِنَّمَا تَخْرُجُ عَنْ طَائِفَتِهِ الَّتِي يَتَوَلَّاهَا، وَيَزْعُمُ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَعَلِمْنَا أَنَّ الْخَيْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا يُوَازِيهِ خَيْرٌ، إِنَّمَا ظَهَرَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، لِنُبَيِّنَ عَظِيمَ افْتِرَاءِ هَذَا الْمُفْتَرِي، وَإِنَّ مَثَلَهُ فِي ذَلِكَ مَثَلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَتْبَاعِ إِخْوَانِهِ الْكَذَّابِينَ (¬1) الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، كَأَئِمَّةِ الْعُبَيْدِيِّينَ (¬2) وَغَيْرِهِمْ (¬3) مِنَ الْمَلَاحِدَةِ، وَأَتْبَاعِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَبِي لُؤْلُؤَةَ قَاتِلِ عُمَرَ، وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يُعَظِّمُهُ هَذَا الْمُفْتَرِي، إِذَا قَالَ: " انْظُرْ هَلْ ظَهَرَتِ الْفِتَنُ (¬4) إِلَّا مِنْ مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ؟ ". فَيُقَالُ لَهُ: بَلِ الْفِتَنُ (¬5) إِنَّمَا ظَهَرَتْ عَنْ أَصْحَابِكَ وَإِخْوَانِكَ، الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَيُعَظِّمُونَ الْكَذَّابِينَ الْمُفْتَرِينَ، كَتَعْظِيمِ الْعُبَيْدِيِّينَ الْمَلَاحِدَةِ وَتَعْظِيمِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَتَعْظِيمِ الطُّوسِيِّ الْمُلْحِدِ وَأَمْثَالِهِ. وَقَدْ رَأَيْنَاكَ وَأَمْثَالَكَ تُعَظِّمُونَ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةَ - عُلَمَاءَهُمْ (¬6) وَوُلَاتِهِمْ (¬7) عَلَى أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَكُمْ أَوْفَرُ نَصِيبٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 51، 52] . ¬

(¬1) ب: إِخْوَانِهِ مِنَ الْكَذَّابِينَ. (¬2) ن: الْعَبْدِيِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: وَغَيْرِهِمْ وَنَحْوِهِمْ، م: وَنَحْوِهِمْ. (¬4) ن، م: الْفِتْنَةُ. (¬5) ن، م: الْفِتْنَةُ. (¬6) ب: عِلْمًا لَهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ن، م: عُلَمَائَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) وَوُلَاتِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي (ن) وُلَاتِهِمْ.

فَإِنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ مِنْ أَكَابِرِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَكَذَلِكَ أَمْثَالُهُ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ الْعُبَيْدِيِّينَ، وَأَمْثَالُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَدَّعُونَ الْإِلَهِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ، أَوْ يَدَّعِي أَنَّ الْفَيْلَسُوفَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَإِنَّ الْمُبْتَدِعَةَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ، يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، فَيَحِقُّ عَلَيْهِمْ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ حَيْثُ قَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 52] . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُعَظِّمُ الشِّرْكَ وَالسِّحْرَ وَالْأَحْوَالَ الشَّيْطَانِيَّةَ، مِمَّا هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ; فَإِنَّ الْجِبْتَ: هُوَ السِّحْرُ وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ وَالْأَوْثَانُ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالرَّافِضَةِ، فَمَا بَيْنَ خَيْرِ الطَّائِفَتَيْنِ وَشَرِّهِمَا نِسْبَةٌ، فَإِنَّا لَا نُنْكِرُ أَنَّ فِي الْجُمْهُورِ شَرًّا كَثِيرًا، لَكِنْ إِذَا جَاءَتِ الْمُقَابَلَةُ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْمُعَادَلَةِ كَمَا أَنَّا إِذَا قَابَلْنَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ، لَمْ نَسْتَكْثِرْ مَا فِي الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرِّ، لَكِنْ يَجِبُ الْعَدْلُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْقِسْطِ وَالْعَدْلِ، [وَهُوَ] (¬1) مِمَّا اتَّفَقَتِ الْعُقُولُ وَالشَّرَائِعُ عَلَى وُجُوبِهِ وَحُسْنِهِ. فَتَقُولُ: مَا مِنْ شَرٍّ يُوجَدُ فِي الْجُمْهُورِ إِلَّا وَفِي الرَّافِضَةِ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ ¬

(¬1) وَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

أَعْظَمُ مِنْهُ، كَمَا أَنَّهُ مَا مِنْ شَرٍّ يَكُونُ فِي الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَفِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (¬1) مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَمَا مِنْ خَيْرٍ يَكُونُ فِي الشِّيعَةِ إِلَّا وَفِي الْجُمْهُورِ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، كَمَا أَنَّهُ مَا مِنْ خَيْرٍ يَكُونُ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا وَفِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. وَأُمَّهَاتُ الْفَضَائِلِ: الْعِلْمُ، وَالدِّينُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالْكَرَمُ. فَاعْتَبِرْ هَذَا فِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. فَالْجُمْهُورُ فِيهِمْ مِنَ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ وَعُلُومِهِ مَا لَا يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ الشِّيعَةِ، بَعْضُهُمْ تَعَلَّمَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمْ مَعَ هَذَا مُقَصِّرُونَ، فَمَنْ صَنَّفَ مِنْهُمْ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ فَمِنْ تَفَاسِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ يَأْخُذُ كَمَا فَعَلَ الطُّوسِيُّ وَالْمُوسَوِيُّ فَمَا فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ عِلْمٍ يُسْتَفَادُ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَفَاسِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَنْ يُقِرُّ بِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، فَالْمُعْتَزِلَةُ دَاخِلُونَ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ إِنَّمَا يَسْتَعِينُونَ (¬2) فِي التَّفْسِيرِ وَالْمَنْقُولَاتِ (¬3) بِكَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَكَذَلِكَ بُحُوثُهُمُ الْعَقْلِيَّةُ، فَمَا كَانَ فِيهَا صَوَابًا فَإِنَّمَا أَخَذُوهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالَّذِينَ يَمْتَازُونَ بِهِ هُوَ كَلَامُهُمْ فِي ثَلْبِ الصَّحَابَةِ وَالْجُمْهُورِ، وَدَعْوَى النَّصِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُمْ بِهِ أَخْلَقُ، وَهُوَ بِهِمْ أَشْبَهُ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ (¬4) مَعْرِفَتِهِ: لَا إِسْنَادَهُ وَلَا مَتْنَهُ، وَلَا يَعْرِفُونَ الرَّسُولَ وَأَحْوَالَهُ، وَلِهَذَا إِذَا نَقَلُوا شَيْئًا (¬5) مِنَ الْحَدِيثِ كَانُوا مِنْ ¬

(¬1) ن، م: إِلَّا فِي النَّصَارَى وَالْيَهُودِ. (¬2) ن: يَسْتَغِيثُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: وَالْمَعْقُولَاتِ. (¬4) ن: مِنْ. (¬5) ن: أَشْيَاءً.

أَجْهَلِ النَّاسِ بِهِ، وَأَيُّ كِتَابٍ وَجَدُوا فِيهِ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُمْ نَقَلُوهُ، مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ، كَمَا نَجِدُ هَذَا الْمُصَنِّفَ وَأَمْثَالَهُ يَنْقُلُونَ مَا يَجِدُونَهُ مُوَافِقًا لِأَهْوَائِهِمْ. وَلَوْ أَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي يَنْقُلُونَ مِنْهَا، مِثْلِ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، وَفَضَائِلِ الصَّحَابَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَفَضَائِلِ الصَّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ، وَمَا فِي كِتَابِ أَحْمَدَ مِنْ زِيَادَاتِ الْقَطِيعِيِّ، وَزِيَادَاتِ ابْنِ أَحْمَدَ - لَانْتَصَفَ النَّاسُ مِنْهُمْ، لَكِنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ إِلَّا بِمَا يُوَافِقُ قُلُوبَهُمْ. وَأَمَّا الْفِقْهُ فَهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْفِقْهِ. وَأَصْلُ دِينِهِمْ فِي الشَّرِيعَةِ هِيَ مَسَائِلُ يَنْقُلُونَهَا عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ، كَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ (¬1) وَابْنَهُ جَعْفَرَ (¬2) بْنَ مُحَمَّدٍ. وَهَؤُلَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَسَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَا يَنْظُرُونَ فِي الْإِسْنَادِ إِلَيْهِمْ، هَلْ ثَبَتَ النَّقْلُ إِلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ لَا مَعْرِفَةَ لَهُمْ بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ وَالْإِسْنَادِ. ثُمَّ إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ إِذَا قَالَ قَوْلًا لَا يَطْلُبُ دَلِيلَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا مَا يُعَارِضُهُ، وَلَا يَرُدُّونَ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. بَلْ قَدْ أَصَّلُوا لَهُمْ ثَلَاثَةَ أُصُولٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ مَعْصُومُونَ. وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُونَهُ مَنْقُولٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّالِثُ: أَنَّ إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ حُجَّةٌ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْعِتْرَةُ. ¬

(¬1) ن: أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ خَطَأً. وَابْنُ تَيْمِيَةَ يَقْصِدُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدًا الْبَاقِرَ. (¬2) ب: وَجَعْفَرَ.

فَصَارُوا لِذَلِكَ لَا يَنْظُرُونَ فِي دَلِيلٍ وَلَا تَعْلِيلٍ، بَلْ خَرَجُوا عَنِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ، كَخُرُوجِ الشَّعْرَةِ مِنَ الْعَجِينِ. وَإِذَا صَنَّفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كِتَابًا فِي الْخِلَافِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ، كَالْمُوسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، أَخَذُوا حُجَّةَ مَنْ يُوَافِقُهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِمَا احْتَجَّ بِهِ أُولَئِكَ، وَأَجَابُوا عَمَّا يُعَارِضُهُمْ بِمَا يُجِيبُ بِهِ أُولَئِكَ، فَيَظُنُّ الْجَاهِلُ مِنْهُمْ (¬1) أَنَّ هَذَا قَدْ صَنَّفَ كِتَابًا عَظِيمًا فِي الْخِلَافِ أَوِ الْفِقْهِ أَوِ الْأُصُولِ (¬2) ، وَلَا يَدْرِي الْجَاهِلُ أَنَّ عَامَّتَهُ اسْتِعَارَةٌ مِنْ كَلَامِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، الَّذِينَ يُكَفِّرُهُمْ وَيُعَادِيهِمْ، وَمَا انْفَرَدُوا بِهِ فَلَا يُسَاوِي مِدَادَهُ، فَإِنَّ الْمِدَادَ يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ، وَهَذَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. وَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا انْفَرَدُوا [بِهِ] (¬3) اعْتَمَدُوا عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ، الَّتِي فِيهَا مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ مَا لَا يَخْفَى. وَكَذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي الْأُصُولِ وَالزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ وَالْعِبَادَاتِ وَالدَّعَوَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إِذَا نَظَرْتَ مَا فِيهِمْ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ تَجِدْهُ جُزْءًا مِمَّا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. ¬

(¬1) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ب: فِي الْخِلَافِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ. (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) بِهَا.

الفصل الثالث في الأدلة الدالة على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

[الفصل الثالث في الأدلة الدالة على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم] [المنهج الأول في الأدلة العقلية] [الأول يجب أن يكون الإمام معصوما] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِمَامَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) . الْأَدِلَّةُ فِي (¬3) ذَلِكَ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى، لَكِنْ نَذْكُرُ الْمُهِمَّ مِنْهَا، وَنُنَظِّمُ (¬4) أَرْبَعَةَ مَنَاهِجَ: الْمَنْهَجُ (¬5) الْأَوَّلُ: فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ (¬6) أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ (¬7) كَانَ الْإِمَامُ هُوَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ. أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ مُنْفَرِدًا؛ لِافْتِقَارِهِ فِي بَقَائِهِ إِلَى مَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَلْبَسُ وَيَسْكُنُ (¬8) ، وَلَا يُمْكِنُ (¬9) أَنْ يَفْعَلَهَا بِنَفْسِهِ، بَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى مُسَاعَدَةِ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 145، (م) 146 (م) . (¬2) ك: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -. (¬3) ك: عَلَى. (¬4) ك: وَنُنَظِّمُهُ. (¬5) الْمَنْهَجُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬6) ن، م: أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ عَلِيٌّ يَجِبُ. (¬7) ك: كَذَلِكَ. (¬8) ك ص 146 م: إِلَى مَأْكَلٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ. (¬9) ن، م: لَا يُمْكِنُ.

غَيْرِهِ، بِحَيْثُ يَفْرَغُ (¬1) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ (¬2) ، حَتَّى يَتِمَّ قِيَامُ (¬3) النَّوْعِ. وَلَمَّا كَانَ الِاجْتِمَاعُ فِي مَظِنَّةِ التَّغَالُبِ وَالتَّغَابُنِ (¬4) ، بِأَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، فَتَدْعُوهُ قُوَّتُهُ الشَّهْوَانِيَّةُ (¬5) إِلَى أَخْذِهِ وَقَهْرِهِ عَلَيْهِ وَظُلْمِهِ فِيهِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى وُقُوعِ الْهَرْجِ وَالْمَرْجِ وَإِثَارَةِ الْفِتَنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ يَصُدُّهُمْ عَنِ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي، وَيَمْنَعُهُمْ عَنِ التَّغَالُبِ (¬6) وَالْقَهْرِ، وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ (¬7) مِنَ الظَّالِمِ، وَيُوَصِّلُ الْحَقَّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَلَا السَّهْوُ وَلَا الْمَعْصِيَةُ، وَإِلَّا لَافْتَقَرَ (¬8) إِلَى إِمَامٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُحْوِجَةَ إِلَى نَصْبِ الْإِمَامِ هِيَ (¬9) جَوَازُ الْخَطَأِ عَلَى الْأُمَّةِ، فَلَوْ جَازَ الْخَطَأُ عَلَيْهِ لَاحْتَاجَ إِلَى إِمَامٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ مَعْصُومًا كَانَ هُوَ الْإِمَامُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ. وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: فَظَاهِرَةٌ (¬10) ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ ¬

(¬1) ن: يَفْزَعُ. (¬2) ك: كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ. (¬3) ك: نِظَامِ. (¬4) ن، م: وَالتَّفَاتُنِ، ك: وَالتَّنَاوُشِ. (¬5) ك: وَتَدْعُو قُوَّتُهُ الشَّهَوِيَّةُ. (¬6) ك: الْغَلَبَةِ. (¬7) ك: وَيَنْتَصِفُ لِلْمَظْلُومِ. (¬8) ك: وَإِلَّا افْتَقَرَ. (¬9) ك: هُوَ. (¬10) ك: فَظَاهِرٌ.

الرد على المقدمة الأولى وهي قوله لا بد من إمام معصوم

يَكُونُوا مَعْصُومِينَ اتِّفَاقًا، وَعَلِيٌّ مَعْصُومٌ فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ ". [الرد على المقدمة الأولى وهي قوله لا بد من إمام معصوم] وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنْ نَقُولَ (¬1) كِلْتَا الْمُقَدَّمَتَيْنِ بَاطِلَةٌ. أَمَّا الْأُولَى: فَقَوْلُهُ: " لَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ يَصُدُّهُمْ (¬2) عَنِ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي، وَيَمْنَعُهُمْ عَنِ التَّغَالُبِ وَالْقَهْرِ، وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ، وَيُوَصِّلُ الْحَقَّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَلَا السَّهْوُ وَلَا الْمَعْصِيَةُ ". فَيُقَالُ لَهُ: نَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِ هَذَا الدَّلِيلِ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَإِنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْمَعْصُومُ، وَطَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ. وَعِلْمُ الْأُمَّةِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ أَتَمُّ مِنْ عِلْمِ آحَادِ الرَّعِيَّةِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ الْغَائِبِ، كَالْمُنْتَظَرِ وَنَحْوِهِ، بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِمَامٌ مَعْصُومٌ، وَالْأُمَّةُ تَعْرِفُ (¬3) أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَمَعْصُومُهُمْ يَنْتَهِي إِلَى الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ، الَّذِي لَوْ كَانَ مَعْصُومًا لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ لَا أَمْرَهُ وَ [لَا] نَهْيَهُ (¬4) ، بَلْ وَلَا كَانَتْ رَعِيَّةُ عَلِيٍّ تَعْرِفُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، كَمَا تَعْرِفُ (¬5) الْأُمَّةُ أَمْرَ نَبِيَّهَا وَنَهْيَهُ، بَلْ عِنْدَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِلْمِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ [مَا أَغْنَاهُمْ عَنْ كُلِّ إِمَامٍ سِوَاهُ، بِحَيْثُ أَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ قَطُّ إِلَى الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعْرِفَةِ دِينِهِمْ، وَلَا يَحْتَاجُونَ فِي الْعَمَلِ إِلَى مَا يَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى التَّعَاوُنِ. وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ] (¬6) أَعْظَمَ مِنْ مَعْرِفَةِ آحَادِ رَعِيَّةِ الْمَعْصُومِ، وَلَوْ قُدِّرَ ¬

(¬1) ن: وَالْجَوَابُ عَنِ الْأُولَتَانِ تَقُولُ كِلَا. . . .، م: وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنْ نَقُولَ: كُلُّ. (¬2) ن: وَيَصُدُّهُمْ. (¬3) ن، م: تَعْلَمُ. (¬4) ن: لَا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. (¬5) ن، م: تَعْلَمُ. (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (م) .

وُجُودُهُ بِأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ عَلَى النَّاسِ ظَاهِرًا مَنِ ادُّعِيَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ إِلَّا عَلِيٌّ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ كَانَ فِي رَعِيَّتِهِ بِالْيَمَنِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرِهِمَا مَنْ لَا يَدْرِي بِمَاذَا أَمَرَ وَلَا عَمَّاذَا نَهَى، بَلْ نُوَّابُهُ كَانُوا يَتَصَرَّفُونَ بِمَا لَا يَعْرِفُهُ هُوَ. وَأَمَّا الْوَرَثَةُ الَّذِينَ وَرِثُوا عِلْمَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمْ يَعْرِفُونَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَيَصْدُقُونَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ، أَعْظَمَ مِنْ عِلْمِ نُوَّابِ عَلِيٍّ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَمِنْ صِدْقِهُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ حَيٍّ. فَنَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ الْمَوْصُوفَ لَمْ يُوجَدْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يُعْرَفُ إِمَامٌ مَعْرُوفٌ يُدَّعَى فِيهِ (¬1) هَذَا، وَلَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ، بَلْ مَفْقُودٌ غَائِبٌ عِنْدَ مُتَّبِعِيهِ، وَمَعْدُومٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحْصُلُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ أَصْلًا، بَلْ مَنْ وَلِيَ عَلَى النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْجَهْلِ وَبَعْضُ الظُّلْمِ، كَانَ أَنْفَعَ لَهُمْ مِمَّنْ لَا يَنْفَعُهُمْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ لَا يُوجَدُونَ مُسْتَعِينِينَ فِي أُمُورِهِمْ إِلَّا بِغَيْرِهِ، بَلْ هُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْمَعْصُومِ، وَإِنَّمَا يَسْتَعِينُونَ بِكَفُورٍ أَوْ ظَلُومٍ. فَإِذَا كَانَ الْمُصَدِّقُونَ لِهَذَا الْمَعْصُومِ الْمُنْتَظَرِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَحَدٌ ¬

(¬1) نَ: فَلَا نَعْرِفُ إِمَامًا مَعْرُوفًا نَدَّعِي فِيهِ.

مِنْهُمْ لَا فِي دِينِهِ وَلَا فِي دُنْيَاهُ، لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ (¬1) بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ (¬2) . وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، لَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إِلَى إِثْبَاتِ الْوَسِيلَةِ ; لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَا تُرَادُ إِلَّا لِمَقَاصِدِهَا (¬3) . فَإِذَا جَزَمْنَا بِانْتِفَاءِ الْمَقَاصِدِ كَانَ الْكَلَامُ فِي الْوَسِيلَةِ مِنَ السَّعْيِ الْفَاسِدِ، وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: النَّاسُ يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ صِفَتُهُ كَذَا وَالشَّرَابُ صِفَتُهُ كَذَا، وَهَذَا عِنْدَ الطَّائِفَةِ الْفُلَانِيَّةِ، وَتِلْكَ الطَّائِفَةُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ أَفْقَرِ النَّاسِ، وَأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْإِفْلَاسِ. وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي طَلَبِ مَا يُعْلَمُ عَدَمُهُ، وَاتِّبَاعِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَصْلًا؟ وَالْإِمَامُ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي شَيْئَيْنِ (¬4) . إِمَّا فِي الْعِلْمِ؛ لِتَبْلِيغِهِ وَتَعْلِيمِهِ، وَإِمَّا فِي الْعَمَلِ بِهِ؛ لِيُعِينَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ بِقُوَّتِهِ وَسُلْطَانِهِ. وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ لَا يَنْفَعُ لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا. بَلْ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ مَنْ قَبْلَهُ، وَمِنَ الْعَمَلِ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ اسْتَعَانُوا بِهِمْ، وَإِلَّا اسْتَعَانُوا بِالْكُفَّارِ وَالْمَلَاحِدَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَهُمْ أَعْجَزُ النَّاسِ فِي الْعَمَلِ، وَأَجْهَلُ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ، مَعَ دَعْوَاهُمُ ائْتِمَامَهُمْ بِالْمَعْصُومِ، الَّذِي مَقْصُودُهُ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ لَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ، فَعُلِمَ انْتِفَاءُ هَذَا مِمَّا يَدَّعُونَهُ. ¬

(¬1) لِأَحَدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ن، م: الْأُمَّةُ. (¬3) ن: بِمَقَاصِدِهَا. (¬4) ن: وَالْإِمَامُ يُحْتَجُ فِيهِ إِلَى شَيْئَيْنِ، م: وَالْإِمَامُ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى شَيْئَيْنِ.

وَأَيْضًا فَالْأَئِمَّةُ الِاثْنَا عَشَرَ لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ جَمِيعُ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ. أَمَّا مَنْ دُونَ عَلِيٍّ فَإِنَّمَا كَانَ يَحْصُلُ لِلنَّاسِ (¬1) مِنْ عِلْمِهِ وَدِينِهِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ مِنْ نُظَرَائِهِ. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ، كَمَا عَلَّمَهُ عُلَمَاءُ زَمَانِهِمْ، وَكَانَ فِي زَمَنِهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ وَأَنْفَعُ لِلْأُمَّةِ. وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَأَدْيَنَ، فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مَا يَحْصُلُ (¬2) مِنْ ذَوِي الْوِلَايَةِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالسُّلْطَانِ وَإِلْزَامِ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَمَنْعِهِمْ بِالْيَدِ عَنِ الْبَاطِلِ. وَأَمَّا مَنْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ كَالْعَسْكَرِيِّينَ، فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ عِلْمٌ تَسْتَفِيدُهُ الْأُمَّةُ، وَلَا كَانَ لَهُمْ يَدٌ تَسْتَعِينُ بِهِ الْأُمَّةُ، بَلْ كَانُوا كَأَمْثَالِهِمْ (¬3) مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ لَهُمْ حُرْمَةٌ وَمَكَانَةٌ، وَفِيهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالدِّينِ مَا فِي أَمْثَالِهِمْ، وَهُوَ مَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَهَذَا لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُمْ. وَلِهَذَا لَمْ يَأْخُذْ عَنْهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ، كَمَا أَخَذُوا عَنْ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةِ. وَلَوْ وَجَدُوا مَا يُسْتَفَادُ لَأَخَذُوا، وَلَكِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَعْرِفُ مَقْصُودَهُ. وَإِذَا (¬4) كَانَ لِلْإِنْسَانِ نَسَبٌ شَرِيفٌ، كَانَ (¬5) ذَلِكَ مِمَّا يُعِينُهُ عَلَى قَبُولِ ¬

(¬1) ب: لِنَاسٍ. (¬2) ن: فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مَا لَا يَحْصُلُ، م: فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ إِلَّا مَا يَحْصُلُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مَا لَا يَحْصُلُ. . . . . (¬3) ن، م: كَأَمْثَالِهِمَا. (¬4) ب: وَإِنْ. (¬5) ن، ب: وَكَانَ.

النَّاسِ مِنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا كَانَ كَثِيرَ الْعِلْمِ عَرَفَتِ (¬1) الْأُمَّةُ لَهُ ذَلِكَ، وَاسْتَفَادَتْ مِنْهُ، وَشَاعَ ذِكْرُهُ بِذَلِكَ فِي الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ. وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ (¬2) ، عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ لَهُ ذَلِكَ، وَاسْتَفَادُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَظَهَرَ ذِكْرُهُ بِالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ. وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْإِنْسَانُ مَقْصُودَهُ فِي مَحَلٍّ لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ عَنْ أَحَدٍ: إِنَّهُ طَبِيبٌ أَوْ نَحْوِيٌّ، وَعَظُمَ حَتَّى جَاءَ إِلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ أَوِ النُّحَاةُ، فَوَجَدُوهُ لَا يَعْرِفُ مِنَ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ مَا يَطْلُبُونَ، أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى الْجُهَّالِ وَتَعْظِيمِهِمْ. وَهَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةُ أَخَذُوا عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقْدَارُ وَالتَّمْكِينُ وَاللُّطْفُ، بِمَا يَكُونُ الْمُكَلَّفُ (¬3) عِنْدَهُ أَقْرَبُ إِلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الْفَسَادِ، مَعَ تَمَكُّنِهِ فِي الْحَالَيْنِ. ثُمَّ قَالُوا: وَالْإِمَامَةُ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ أَوْجَبُ عِنْدَهُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ، لِأَنَّ بِهَا لُطْفًا فِي التَّكَالِيفِ. قَالُوا: إِنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا بِالْعَادَاتِ (¬4) وَاسْتِمْرَارِ الْأَوْقَاتِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ مَتَى كَانَ لَهُمْ رَئِيسٌ مَهِيبٌ مُطَاعٌ مُتَصَرِّفٌ مُنْبَسِطُ الْيَدِ كَانُوا بِوُجُودِهِ أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنِ الْفَسَادِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَئِيسٌ (¬5) وَقَعَ الْهَرْجُ وَالْمَرْجُ بَيْنَهُمْ، وَكَانُوا عَنِ الصَّلَاحِ أَبْعَدَ، وَمِنَ الْفَسَادِ أَقْرَبَ. وَهَذِهِ الْحَالُ مُشْعِرَةٌ بِقَضِيَّةِ الْعَقْلِ مَعْلُومَةٌ لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا مَنْ جَهِلَ ¬

(¬1) م: كَيْفَ عَرَفَتِ. (¬2) ن، م: مَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُ. (¬3) ب: الْمُمْكِنُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن: نَقْصًا بِالْعَادَاتِ، م: نَقْصًا بِالْعِبَادَاتِ. (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

الْعَادَاتِ وَلَمْ يَعْلَمِ اسْتِمْرَارَ الْقَاعِدَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ فِي الْعَقْلِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ هَذَا لُطْفًا فِي التَّكْلِيفِ لَزِمَ وُجُوبُهُ. ثُمَّ ذَكَرُوا صِفَاتِهِ مِنَ الْعِصْمَةِ وَغَيْرِهَا. ثُمَّ أَوْرَدَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ سُؤَالًا، فَقَالُوا: إِذَا قُلْتُمْ: إِنَّ الْإِمَامَ لُطْفٌ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْكُمْ فَأَيْنَ اللُّطْفُ الْحَاصِلُ مَعَ غَيْبَتِهِ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لُطْفُهُ حَاصِلًا مَعَ الْغَيْبَةِ وَجَازَ التَّكْلِيفُ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ لُطْفًا فِي الدِّينِ وَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ الْقَوْلُ بِإِمَامَةِ الْمَعْصُومِ. وَقَالُوا فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: إِنَّا نَقُولُ: إِنَّ لُطْفَ الْإِمَامِ حَاصِلٌ فِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ لِلْعَارِفِينَ بِهِ فِي حَالِ الظُّهُورِ وَإِنَّمَا فَاتَ اللُّطْفُ لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِإِمَامَتِهِ. كَمَا أَنَّ لُطْفَ الْمَعْرِفَةِ لَمْ يَحْصُلْ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ تَعَالَى، وَحَصَلَ لِمَنْ كَانَ عَارِفًا بِهِ. قَالُوا: وَهَذَا يُسْقِطُ هَذَا السُّؤَالَ، وَيُوجِبُ الْقَوْلَ بِإِمَامَةِ الْمَعْصُومِينَ. فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ كَانَ اللُّطْفُ حَاصِلًا فِي حَالِ الْغَيْبَةِ كَحَالِ الظُّهُورِ، لَوَجَبَ أَنْ يَسْتَغْنُوا عَنْ ظُهُورِهِ، وَيَتَّبِعُوهُ (¬1) إِلَى أَنْ يَمُوتُوا. وَهَذَا خِلَافُ مَا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ. فَأَجَابُوا بِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ اللُّطْفَ فِي غَيْبَتِهِ عِنْدَ الْعَارِفِ بِهِ مِنْ بَابِ التَّنْفِيرِ وَالتَّبْعِيدِ عَنِ الْقَبَائِحِ مِثْلُ حَالِ الظُّهُورِ، لَكِنْ نُوجِبُ ظُهُورَهُ لِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ رَفْعُ أَيْدِي الْمُتَغَلِّبِينَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ وَوَضْعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ، وَرَفْعُ مَمَالِكِ الظُّلْمِ (¬2) الَّتِي لَا يُمْكِنُنَا رَفْعُهَا إِلَّا بِطَرِيقِهِ (¬3) وَجِهَادُ الْكُفَّارِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إِلَّا مَعَ ظُهُورِهِ. ¬

(¬1) ن، م: وَيَتَّبِعُونَهُ. (¬2) ن، م: الظَّالِمِ. (¬3) أَيْ: بِطَرِيقِ الْإِمَامِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ.

فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا كَلَامٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي جَعَلْتُمُوهُ لُطْفًا، هُوَ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْعُقُولُ وَالْعَادَاتُ، وَهُوَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ. قُلْتُمْ: إِنَّ الْجَمَاعَةَ مَتَى كَانَ لَهُمْ رَئِيسٌ مَهِيبٌ مُطَاعٌ مُتَصَرِّفٌ مُنْبَسِطُ الْيَدِ، كَانُوا بِوُجُودِهِ أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنِ الْفَسَادِ، وَاشْتَرَطْتُمْ فِيهِ الْعِصْمَةَ. قُلْتُمْ لِأَنَّ مَقْصُودَ الِانْزِجَارِ (¬1) لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهَا. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَوْجُودِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ الْمُنْتَظَرِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُنْبَسِطَ الْيَدِ وَلَا مُتَصَرِّفًا. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَلَّى الْخِلَافَةَ، وَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُ وَانْبِسَاطُهُ تَصَرُّفَ مَنْ قَبْلَهُ وَانْبِسَاطَهُمْ وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَلَمْ تَكُنْ أَيْدِيهِمْ مُنْبَسِطَةً وَلَا مُتَصَرِّفُونَ بَلْ كَانَ يَحْصُلُ بِأَحَدِهِمْ مَا يَحْصُلُ بِنُظَرَائِهِ (¬2) . وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ الْمُعْتَرِفَ بِوُجُودِهِ إِذَا عَرَفَ أَنَّهُ غَابَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَأَنَّهُ خَائِفٌ لَا يُمْكِنُهُ الظُّهُورُ، فَضْلًا عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا وَلَا يَنْهَاهُ - لَمْ يَزَلْ (¬3) الْهَرْجُ وَالْفَسَادُ بِهَذَا. وَلِهَذَا يُوجَدُ (¬4) طَوَائِفُ الرَّافِضَةِ أَكْثَرَ الطَّوَائِفِ هَرْجًا وَفَسَادًا، وَاخْتِلَافًا بِالْأَلْسُنِ وَالْأَيْدِي، وَيُوجَدُ مِنَ الِاقْتِتَالِ وَالِاخْتِلَافِ وَظُلْمِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مَا لَا يُوجَدُ فِيمَنْ لَهُمْ مُتَوَلٍّ كَافِرٍ، فَضْلًا عَنْ مُتَوَلٍّ مُسْلِمٍ، فَأَيُّ لُطْفٍ حَصَلَ لِمُتَّبِعِيهِ بِهِ؟ . ¬

(¬1) ن: مَقْصُودُ الْأَمْرِ جَارٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب: بِنَظَائِرِهِ. (¬3) ن، م: وَلَمْ يَزَلْ. (¬4) م: يُوجِبُ.

وَاعْتَبِرِ (¬1) الْمَدَائِنَ وَالْقُرَى الَّتِي يُقِرُّ أَهْلُهَا بِإِمَامَةِ الْمُنْتَظَرِ، مَعَ الْقُرَى الَّتِي لَا يُقِرُّونَ بِهِ. تَجِدْ حَالَ (¬2) هَؤُلَاءِ أَعْظَمَ انْتِظَامًا وَصَلَاحًا فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، حَتَّى أَنَّ الْخَبِيرَ بِأَحْوَالِ الْعَالَمِ يَجِدُ بِلَادَ الْكُفَّارِ، لِوُجُودِ رُؤَسَائِهِمْ يُقِيمُونَ مَصْلَحَةَ دُنْيَاهُمْ أَكْثَرَ انْتِظَامًا مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَرْضِ (¬3) الَّتِي يُنْسَبُونَ فِيهَا إِلَى مُتَابَعَةِ الْمُنْتَظَرِ، لَا يُقِيمُ لَهُمْ سَبَبًا مِنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ اعْتِرَافَهُمْ بِوُجُودِهِ يَخَافُونَ مَعَهُ أَنْ يَظْهَرَ فَيُعَاقِبَهُمْ عَلَى الذُّنُوبِ، كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ خَوْفَ النَّاسِ مِنْ وُلَاةِ أُمُورِهِمُ الْمَشْهُورِينَ أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ، أَعْظَمُ مِنْ خَوْفِ هَؤُلَاءِ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُنْتَظَرِ لَهُمْ. ثُمَّ الذُّنُوبُ قِسْمَانِ: مِنْهَا ذُنُوبٌ ظَاهِرَةٌ، كَظُلْمِ النَّاسِ وَالْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ، فَهَذِهِ تَخَافُ النَّاسُ (¬4) فِيهَا مِنْ عُقُوبَةِ وُلَاةِ أُمُورِهِمْ، أَعَظَمَ مِمَّا يَخَافُهُ الْإِمَامِيَّةُ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُنْتَظَرِ. فَعُلِمَ أَنَّ اللُّطْفَ الَّذِي أَوْجَبُوهُ لَا يَحْصُلُ بِالْمُنْتَظَرِ أَصْلًا لِلْعَارِفِ بِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ اللُّطْفَ بِهِ يَحْصُلُ لِلْعَارِفِينَ بِهِ، كَمَا يَحْصُلُ فِي حَالِ الظُّهُورِ، فَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ ظَاهِرَةٌ ; فَإِنَّهُ إِذَا ظَهَرَ حَصَلَ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْوَعْظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ لُطْفٌ لَا يَحْصُلُ مَعَ عَدَمِ الظُّهُورِ. ¬

(¬1) ن: وَاعْتَدَّ، م: وَاعْتَدَّا. (¬2) حَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) تَكَرَّرَتْ فِي (ب) عِبَارَاتٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا هَكَذَا، أَكْثَرَ انْتِظَامًا وَصَلَاحًا فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ حَتَّى أَنَّ الْخَبِيرَ بِأَحْوَالِ الْعَالَمِ يَجِدُ بِلَادَ الْكُفَّارِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَرْضِ. . . . . (¬4) ن: النَّفْسُ.

وَتَشْبِيهُهُمْ مَعْرِفَتَهُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ فِي بَابِ اللُّطْفِ وَأَنَّ اللُّطْفَ بِهِ يَحْصُلُ لِلْعَارِفِ دُونَ غَيْرِهِ، قِيَاسٌ فَاسِدٌ. فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ حَيٌّ قَادِرٌ، يَأْمُرُ بِالطَّاعَةِ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا، وَيَنْهَى عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهَا، مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ مِنْهُ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ دَاعِيَةً إِلَى الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهِ، بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، وَالرَّهْبَةِ مِنْ عِقَابِهِ إِذَا عَصَى، لِعِلْمِ الْعَبْدِ بِأَنَّهُ عَالِمٌ قَادِرٌ، وَأَنَّهُ قَدْ جَرَتْ سُنَّتُهُ بِإِثَابَةِ الْمُطِيعِينَ وَعُقُوبَةِ الْعَاصِينَ. وَأَمَّا شَخْصٌ يَعْرِفُ النَّاسُ أَنَّهُ (¬1) مَفْقُودٌ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعَاقِبْ أَحَدًا، وَأَنَّهُ لَمْ يُثِبْ أَحَدًا بَلْ هُوَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا ظَهَرَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى، فَكَيْفَ تَكُونُ الْمَعْرِفَةُ بِهِ (¬2) دَاعِيَةٌ إِلَى فِعْلِ مَا أَمَرَ وَتَرْكِ مَا حَظَرَ (¬3) ، بَلِ الْمَعْرِفَةُ بِعَجْزِهِ وَخَوْفِهِ تُوجِبُ الْإِقْدَامَ عَلَى فِعْلِ الْقَبَائِحِ، لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَتَوَالِي الْأَوْقَاتِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ، وَهُوَ لَمْ يُعَاقِبْ أَحَدًا وَلَمْ يُثِبْ أَحَدًا. بَلْ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي [كُلِّ] (¬4) مِائَةِ سَنَةٍ مَرَّةً فَيُعَاقِبُ، لَمْ يَكُنْ مَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ اللُّطْفِ مِثْلَ مَا يَحْصُلُ بِآحَادِ وُلَاةِ الْأَمْرِ، بَلْ وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ يَظْهَرُ فِي كُلِّ عَشْرِ سِنِينَ، بَلْ وَلَوْ ظَهَرَ فِي السَّنَةِ مَرَّةً، فَإِنَّهُ [لَا] تَكُونُ (¬5) مَنْفَعَتُهُ كَمَنْفَعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ الظَّاهِرِينَ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، بَلْ هَؤُلَاءِ - مَعَ ¬

(¬1) ب: بِأَنَّهُ. (¬2) ن: بِهَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن: مَا خَطَرَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: فَإِنَّهُ يَكُونُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

ذُنُوبِهِمْ وَظُلْمِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ - شَرْعُ اللَّهِ بِهِمْ، وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، وَمَا يَبْذُلُونَهُ مِنَ الرَّغَبَاتِ فِي الطَّاعَاتِ، أَضْعَافُ مَا يُقَامُ بِمَنْ يَظْهَرُ بَعْدَ كُلِّ مُدَّةٍ، فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ مَفْقُودٌ، يَعْلَمُ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ، وَالْمُقِرُّونَ بِهِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ عَاجِزٌ خَائِفٌ لَمْ يَفْعَلْ قَطُّ مَا يَفْعَلُهُ (¬1) آحَادُ النَّاسِ، فَضْلًا عَنْ وُلَاةِ أَمْرِهِمْ. وَأَيُّ هَيْبَةٍ لِهَذَا؟ وَأَيُّ طَاعَةٍ، وَأَيُّ تَصَرُّفٍ، وَأَيُّ يَدٍ مُنْبَسِطَةٍ؟ حَتَّى إِذَا كَانَ لِلنَّاسِ رَئِيسٌ مَهِيبٌ مُطَاعٌ مُتَصَرِّفٌ مُنْبَسِطُ الْيَدِ، كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ بِوُجُودِهِ. وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ وَالْمُكَابَرَةِ وَالسَّفْسَطَةِ، حَيْثُ جَعَلُوا اللُّطْفَ بِهِ فِي حَالِ عَجْزِهِ وَغَيْبَتِهِ، مِثْلَ اللُّطْفِ بِهِ فِي حَالِ ظُهُورِهِ، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِهِ مَعَ عَجْزِهِ وَخَوْفِهِ وَفَقْدِهِ لُطْفٌ، كَمَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا قَادِرًا آمِنًا، وَأَنَّ مُجَرَّدَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ لُطْفٌ، كَمَا أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ لُطْفٌ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُكُمْ: لَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ. أَتُرِيدُونَ أَنَّهُ (¬2) لَا بُدَّ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ وَيُقِيمَ مَنْ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ؟ أَمْ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُبَايِعُوا مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ؟ . فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ، فَاللَّهُ لَمْ يَخْلُقْ أَحَدًا مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا عِنْدَكُمْ أَنْ تَقُولُوا: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعْصُومًا لَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يُمَكِّنْهُ وَلَمْ يُؤَيِّدْهُ، ¬

(¬1) ن، م: مِمَّا يَفْعَلُهُ. (¬2) ن: أَيُرِيدُونَ أَنَّهُ، م: أَيُرِيدُونَ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) أَنْ.

لَا بِنَفْسِهِ، وَلَا بِجُنْدٍ خَلَقَهُمْ لَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ. بَلْ أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مَقْهُورًا مَظْلُومًا فِي زَمَنِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمَّا صَارَ لَهُ جُنْدٌ قَامَ لَهُ جُنْدٌ، آخَرُونَ قَاتَلُوهُ، حَتَّى لَمْ يَتَمَكَّنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ، الَّذِينَ هُمْ عِنْدَكُمْ ظَلَمَةٌ. فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ أَيَّدَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ، حَتَّى تَمَكَّنُوا مِنْ فِعْلِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمَصَالِحِ، وَلَمْ يُؤَيِّدْهُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَمَا خَلَقَ اللَّهُ هَذَا الْمَعْصُومَ الْمُؤَيَّدَ الَّذِي اقْتَرَحْتُمُوهُ عَلَى اللَّهِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ النَّاسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَايِعُوهُ وَيُعَاوِنُوهُ. قُلْنَا: أَيْضًا فَالنَّاسُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانُوا مُطِيعِينَ أَوْ عُصَاةً. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَمَا حَصَلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَعْصُومِينَ عِنْدَكُمْ تَأْيِيدٌ، لَا مِنَ اللَّهِ وَلَا مِنَ النَّاسِ. وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِتَأْيِيدٍ (¬1) ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ مَا بِهِ تَحْصُلُ الْمَصَالِحُ، بَلْ حَصَلَ أَسْبَابُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: إِذَا كَانَ لَمْ يَحْصُلْ مَجْمُوعُ مَا بِهِ تَحْصُلُ هَذِهِ الْمَطَالِبُ، بَلْ فَاتَ كَثِيرٌ مِنْ شُرُوطِهَا، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَائِتُ هُوَ الْعِصْمَةَ؟ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ فَائِتًا: إِمَّا بِعَدَمِ الْعِصْمَةِ، وَإِمَّا بِعَجْزِ الْمَعْصُومِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِهَا بِهَذَا أَوْ بِهَذَا، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَخْلُقَ إِمَامًا مَعْصُومًا؟ . وَهُوَ إِنَّمَا يَخْلُقُهُ لِيَحْصُلَ بِهِ مَصَالِحُ عِبَادِهِ، وَقَدْ خَلَقَهُ عَاجِزًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تِلْكَ الْمَصَالِحِ، بَلْ حَصَلَ بِهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِوُجُودِهِ. ¬

(¬1) ب: بِالتَّأْيِيدِ.

وَهَذَا يَتَبَيَّنُ: بِالْوَجْهِ الرَّابِعِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْلَقْ هَذَا الْمَعْصُومُ، لَمْ يَكُنْ يَجْرِي فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّرِّ أَكْثَرُ مِمَّا جَرَى، إِذْ كَانَ (¬1) وُجُودُهُ لَمْ يَدْفَعْ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ، حَتَّى يُقَالَ: وُجُودُهُ دَفَعَ كَذَا. بَلْ وُجُودُهُ أَوْجَبَ أَنْ كَذَّبَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَعَادَوْا شِيعَتَهُ، وَظَلَمُوهُ وَظَلَمُوا أَصْحَابَهُ، وَحَصَلَ مِنَ الشُّرُورِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا. فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعْصُومًا، وَلَا بَقِيَّةُ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَنَحْوِهُمْ، لَا يَكُونُ مَا وَقَعَ مِنْ تَوْلِيَةِ الثَّلَاثَةِ، وَبَنِي أُمَيَّةَ، وَبَنِي الْعَبَّاسِ، فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالشَّرِّ مَا فِيهِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ أَئِمَّةً (¬2) مَعْصُومِينَ (* وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ (¬3) مَعْصُومِينَ فَمَا أَزَالُوا مِنَ الشَّرِّ إِلَّا مَا يُزِيلُهُ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَصَارَ كَوْنُهُمْ مَعْصُومِينَ *) (¬4) إِنَّمَا حَصَلَ بِهِ الشَّرُّ لَا الْخَيْرُ. فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَى الْحَكِيمِ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لِيَحْصُلَ بِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ إِلَّا الشَّرُّ لَا الْخَيْرُ؟ وَإِذَا قِيلَ: هَذَا الشَّرُّ حَصَلَ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ لَهُ. قِيلَ: فَالْحَكِيمُ الَّذِي خَلَقَهُ إِذَا كَانَ خَلَقَهُ لِدَفْعِ ظُلْمِهِمْ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا خَلَقَهُ زَادَ ظُلْمُهُمْ، لَمْ يَكُنْ خَلْقُهُ حِكْمَةً بَلْ سَفَهًا، وَصَارَ هَذَا كَتَسْلِيمِ إِنْسَانٍ وَلَدَهُ إِلَى مَنْ يَأْمُرُهُ بِإِصْلَاحِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُ بَلْ يُفْسِدُهُ، فَهَلْ يَفْعَلُ هَذَا حَكِيمٌ؟ وَمِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ إِنْسَانٌ خَانًا فِي الطَّرِيقِ لِتَأْوِيَ إِلَيْهِ الْقَوَافِلُ، وَيَعْتَصِمُوا ¬

(¬1) م، ب: إِذَا كَانَ. (¬2) أَئِمَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) م: أَنَّهُمْ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

بِهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا بَنَاهُ اتَّخَذَهُ الْكُفَّارُ حِصْنًا، وَالْقُطَّاعُ مَأْوًى لَهُمْ. وَمِثْلَ مَنْ يُعْطِي رَجُلًا مَالًا يُنْفِقُهُ فِي الْغُزَاةِ وَالْمُجَاهِدِينَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ (¬1) إِنَّمَا يُنْفِقُهُ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُحَارِبِينَ أَعْدَاءِ الرَّسُولِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةَ الْقَدَرِيَّةَ أَخَذُوا هَذِهِ الْحُجَجَ مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَدَرِيَّةِ. فَلَمَّا كَانَ أُولَئِكَ يُوجِبُونَ عَلَى اللَّهِ (* الصَّلَاحَ وَالْأَصْلَحَ (¬2) أَخَذَ هَؤُلَاءِ ذَلِكَ مِنْهُمْ. وَأَصْلُ أُولَئِكَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ *) (¬3) أَنْ يَفْعَلَ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، [وَهُوَ] (¬4) أَصْلٌ فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّبُّ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ وَرَحِمَتِهِ يَفْعَلُ بِحِكْمَةٍ لِخَلْقِهِ مَا يُصْلِحُهُمْ (¬5) فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ - أَوِ الصَّلَاحِ - فِي كُلِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ. فَغَلِطُوا حَيْثُ شَبَّهُوا اللَّهَ بِالْوَاحِدِ مِنَ النَّاسِ، فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَكَانُوا هُمْ مُشَبِّهَةَ الْأَفْعَالِ، فَغَلِطُوا (¬6) مِنْ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَبَيْنَ مَصْلَحَةِ آحَادِ النَّاسِ، الَّتِي قَدْ (¬7) تَكُونُ مُسْتَلْزِمَةً لِفَسَادٍ عَامٍّ، وَمُضَادَّةً لِصَلَاحٍ عَامٍّ. ¬

(¬1) ب: أَنْ. (¬2) م: أَوِ الْأَصْلَحَ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬4) وَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) م: يَفْعَلُ بِجُمْلَةِ مَا يُصْلِحُهُمْ. (¬6) ن، م: وَغَلِطُوا. (¬7) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ الْجَهْمِيَّةُ لَا يُثْبِتُونَ لَهُ حِكْمَةً وَلَا رَحْمَةً، بَلْ عِنْدَهُمْ يَفْعَلُ بِمَشِيئَةٍ مَحْضَةٍ، لَا لَهَا حِكْمَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ. وَالْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ رَأْسُ هَؤُلَاءِ، كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْمُبْتَلِينَ مِنَ الْجَذْمَى وَغَيْرِهِمْ: فَيَقُولُ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ يَفْعَلُ هَذَا؟ ! يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَحْمَةٌ. فَهَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ فِي طَرَفَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ رَحِيمٌ، قَائِمٌ بِالْقِسْطِ. وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ (¬1) مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، كَمَا نَطَقَتْ بِذَلِكَ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَمَا يَشْهَدُ بِهِ الِاعْتِبَارُ (¬2) حِسًّا وَعَقْلًا، وَذَلِكَ وَاقِعٌ مِنْهُ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَبِحُكْمِ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ، لَا بِأَنَّ الْخَلْقَ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ وَيُحَرِّمُونَ، وَلَا بِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَ فِيمَا يَجِبُ وَيَحْرُمُ، بَلْ كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، وَلَيْسَ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ حَقٌّ، إِلَّا مَا أَحَقَّهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ، كَقَوْلِهِ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 54] ، وَقَوْلُهُ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الرُّومِ: 47] وَذَلِكَ بِحُكْمِ وَعْدِهِ وَصِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبِحُكْمِ كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَهَذَا (¬3) فِيهِ تَفْصِيلٌ وَنِزَاعٌ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِرِعَايَةِ الْأَصْلَحِ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا خَلَقَهُمْ لِتَعْرِيضَهُمْ لِلثَّوَابِ. ¬

(¬1) ب: بِعِبَادِ. (¬2) ن، ب: وَكَمَا يَشْهَدُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الِاعْتِبَارَ. . . . .، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ب: وَذَلِكَ.

فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: فَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الَّذِي عَرَّضَهُ لَا يَنْتَفِعُ مِمَّا خَلَقَهُ لَهُ (¬1) ، بَلْ يَفْعَلُ مَا يَضُرُّهُ، فَكَانَ كَمَنْ يُعْطِي شَخْصًا مَالًا لِيُنْفِقَهُ (¬2) فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَيْفًا لِيُقَاتِلَ بِهِ الْكُفَّارَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُنْفِقُهُ فِي حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ وَقِتَالِهِمْ. قَالُوا: الْمُكَلَّفُ إِنَّمَا أُتِيَ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، فَهُوَ الَّذِي فَرَّطَ بِتَرْكِ الطَّاعَةِ. أَجَابَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَبْنِيٌّ عَلَى إِثْبَاتِ الْعِلْمِ. وَالثَّانِي: مَبْنِيٌّ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ، وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. فَقَالُوا: عَلَى الْأَوَّلِ إِذَا كَانَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مَقْصُودَهُ بِالْفِعْلِ لَمْ (¬3) يَحْصُلْ، لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ حِكْمَةً، وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِ غَيْرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَشَاءُ وَيَخْلُقُ مَا بِهِ يَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمَطْلُوبِ، فَيَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرُوهُ هُوَ الْمَطْلُوبَ بِالْخَلْقِ. وَكُلُّ جَوَابٍ لِلْقَدَرِيَّةِ فَهُوَ جَوَابٌ لِلرَّافِضَةِ. وَيُجَابُونَ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى تُجِيبُهُمْ بِهَا الْقَدَرِيَّةُ، وَإِنْ وَافَقُوهُمْ عَلَى قَاعِدَةِ التَّعْلِيلِ وَالتَّجْوِيرِ (¬4) ، فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا يَجِبُ خَلْقُ إِمَامٍ مَعْصُومٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ خَلَقَ لَهُمْ مَا يُغْنِيهِمْ عَنْهُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنَّهَا اسْتِدْلَالٌ بِالْوَاجِبِ عَلَى الْوَاقِعِ، ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ب: يُنْفِقُهُ. (¬3) ب: لَا. (¬4) ب، ن: وَالتَّجْوِيزِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

فَيَقُولُونَ يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا، فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَ الْوَاجِبَ، وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا هَكَذَا. وَالْعِلْمُ بِالْوَاقِعِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ قَطْعِيَّةٌ يَقِينِيَّةٌ تُبَيِّنُ انْتِفَاءَ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوا أَنَّهُ وَاقِعٌ. فَإِذَا عَلِمْنَا انْتِقَاءَ الْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ قَطْعًا، لَمْ يُمْكِنْ إِثْبَاتُ لَازِمِهَا، وَهُوَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّا نَسْتَدِلُّ عَلَى إِثْبَاتِ اللَّازِمِ بِإِثْبَاتِ الْمَلْزُومِ، فَإِذَا كَانَ الْمَلْزُومُ قَدْ عَلِمْنَا انْتِفَاءَهُ قَطْعًا، لَمْ يُمْكِنْ إِثْبَاتُ لَازِمِهِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ آنَ أَنْ نَقْدَحَ فِي الْإِيجَابِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، أَوْ نَقُولَ (¬1) : الْوَاجِبُ مِنَ الْجُمْلَةِ (¬2) لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْمَعْصُومِ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي نُوَّابٍ (¬3) مُعَاوِيَةَ. وَقَوْلُ الرَّافِضَةِ (¬4) مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى: إِنَّ الْإِلَهَ تَجَسَّدَ وَنَزَلَ، وَإِنَّهُ أَنْزَلَ ابْنَهُ لِيُصْلَبَ، وَيَكُونُ الصَّلْبُ مِغْفَرَةً لِذَنْبِ آدَمَ، لِيَدْفَعَ الشَّيْطَانَ بِذَلِكَ لَهُمْ. فَقِيلَ لَهُمْ: إِذَا كَانَ قَتْلُهُ وَصَلْبُهُ وَتَكْذِيبُهُ مِنْ أَعْظَمِ الشَّرِّ وَالْمَعْصِيَةِ، فَيَكُونُ قَدْ أَرَادَ أَنْ يُزِيلَ ذَنَبًا صَغِيرًا بِذَنْبٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُغَيِّرِ الشَّرَّ، بَلْ زَادَ عَلَى مَا كَانَ، فَكَيْفَ يَفْعَلُ شَيْئًا لِمَقْصُودٍ، وَالْحَاصِلُ إِنَّمَا هُوَ ضِدُّ الْمَقْصُودِ؟ ! . الْوَجْهُ الْخَامِسُ: إِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ مَدَنِيًّا بِالطَّبْعِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ نَصْبُ ¬

(¬1) ن، م: أَنْ يُقْدَحَ فِي الْإِيجَابِ جُمْلَةً أَوْ تَفْصِيلًا أَوْ يَقُولُ. (¬2) م: الْحِكْمَةِ. (¬3) نُوَّابٍ: كَذَا فِي (ب) ، وَفِي (ن) : ثَوَابٍ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) . (¬4) ب: الرَّافِضِيُّ.

الْمَعْصُومِ لِيُزِيلَ الظُّلْمَ وَالشَّرَّ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَهَلْ تَقُولُونَ (¬1) ، إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَعْصُومٌ يَدْفَعُ ظُلْمَ النَّاسِ أَمْ لَا؟ . فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ، كَانَ هَذَا مُكَابَرَةً ظَاهِرَةً. فَهَلْ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مَعْصُومٌ؟ وَهَلْ كَانَ فِي الشَّامِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ مَعْصُومٌ؟ . وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ نَقُولُ: هُوَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ وَاحِدٌ وَلَهُ نُوَّابٌ فِي سَائِرِ الْمَدَائِنِ. قِيلَ: فَكُلُّ مَعْصُومٍ لَهُ نُوَّابٌ فِي جَمِيعِ مَدَائِنِ الْأَرْضِ أَمْ فِي بَعْضِهَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: فِي الْجَمِيعِ كَانَ هَذَا مُكَابَرَةً، وَإِنْ قُلْتُمْ: فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ. قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ إِذَا كَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ وَاجِبًا عَلَى اللَّهِ، وَجَمِيعُ الْمَدَائِنِ حَاجَتُهُمْ إِلَى الْمَعْصُومِ وَاحِدَةً؟ . الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْمَعْصُومُ يَكُونُ وَحْدَهُ مَعْصُومًا؟ أَوْ كُلٌّ مِنْ نُوَّابِهِ مَعْصُومًا (¬2) ؟ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالثَّانِي، وَالْقَوْلُ بِهِ مُكَابَرَةٌ. فَإِنَّ نُوَّابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ، وَلَا نُوَّابَ عَلِيٍّ، بَلْ كَانَ فِي بَعْضِهِمْ مِنَ الشَّرِّ وَالْمَعْصِيَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي نُوَّابِ مُعَاوِيَةَ لِأَمِيرِهِمْ، فَأَيْنَ الْعِصْمَةُ؟ وَإِنْ قُلْتَ: يُشْتَرَطُ فِيهِ وَحْدَهُ. قِيلَ: فَالْبِلَادُ الْغَائِبَةُ عَنِ الْإِمَامِ، لَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَعْصُومُ قَادِرًا عَلَى قَهْرِ نُوَّابِهِ بَلْ هُوَ عَاجِزٌ، مَاذَا يَنْتَفِعُونَ بِعِصْمَةِ الْإِمَامِ، وَهُمْ يُصَلُّونَ ¬

(¬1) ن: يَقُولُونَ، م: يَقُولُ (غَيْرَ مَنْقُوطَةٍ) . (¬2) ن، م: مَعْصُومٌ.

خَلْفَ غَيْرِ مَعْصُومٍ، وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَيُطِيعُونَ غَيْرَ مَعْصُومٍ (¬1) ، وَيَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ؟ . فَإِنْ قِيلَ: الْأُمُورُ تَرْجِعُ إِلَى الْمَعْصُومِينَ. قِيلَ: لَوْ كَانَ الْمَعْصُومُ قَادِرًا ذَا سُلْطَانٍ، كَمَا كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَمُعَاوِيَةُ وَغَيْرُهُمْ، لَمْ يَتَمَكَّنْ أَنْ يُوصِلَ إِلَى كُلٍّ مِنْ رَعِيَّتِهِ (¬2) الْعَدْلَ الْوَاجِبَ الَّذِي يَعْلَمُهُ هُوَ. وَغَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَلِّيَ أَفْضَلَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَجِدْ (¬3) إِلَّا عَاجِزًا أَوْ ظَالِمًا، كَيْفَ يُمْكِنُهُ تَوْلِيَةُ قَادِرٍ عَادِلٍ؟ (¬4) . فَإِنْ قَالُوا: إِذَا لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ إِلَّا هَذَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ. قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَخْلُقَ قَادِرًا عَادِلًا مُطْلَقًا، بَلْ أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوَلُّوا أَصْلَحَ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ: إِمَّا مِنْ قُدْرَتِهِ، وَإِمَّا مِنْ عَدْلِهِ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو جَلَدَ الْفَاجِرِ (¬5) وَعَجْزَ الثِّقَةِ "، وَمَا سَاسَ الْعَالَمَ أَحَدٌ مِثْلُ عُمَرَ، فَكَيْفَ الظَّنُّ بِغَيْرِهِ؟ . هَذَا إِذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي نَفْسُهُ قَادِرًا عَادِلًا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْمَعْصُومُ عَاجِزًا؟ بَلْ كَيْفَ إِذَا كَانَ مَفْقُودًا؟ مَنِ الَّذِي يُوَصِّلُ الرَّعِيَّةَ إِلَيْهِ حَتَّى يُخْبِرُوهُ بِأَحْوَالِهِمْ؟ وَمَنِ الَّذِي يُلْزِمُهَا بِطَاعَتِهِ حَتَّى تُطِيعَهُ؟ وَإِذَا أَظْهَرَ بَعْضُ نُوَّابِهِ ¬

(¬1) ن، م: وَيُطِيعُونَ غَيْرَ مَعْصُومٍ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ. (¬2) ن: رَعِيَّةٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: لَمْ يَجُزْ. (¬4) ب: قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ب: الْعَاجِزِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) .

طَاعَتَهُ حَتَّى يُوَلِّيَهُ، ثُمَّ أَخَذَ مَا شَاءَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَسَكَنَ فِي مَدَائِنِ الْمُلُوكِ، فَأَيُّ حِيلَةٍ لِلْمَعْصُومِ فِيهِ؟ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْصُومَ الْوَاحِدَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، إِذَا كَانَ ذَا سُلْطَانٍ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ عَاجِزًا مَقْهُورًا؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَفْقُودًا غَائِبًا لَا يُمْكِنُهُ مُخَاطَبَةُ أَحَدٍ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ؟ الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: صَدُّ غَيْرِهِ عَنِ الظُّلْمِ، وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْهُ، وَإِيصَالُ حَقِّ غَيْرِهِ إِلَيْهِ فَرْعٌ عَلَى مَنْعِ ظُلْمِهِ، وَاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ. فَإِذَا كَانَ عَاجِزًا مَقْهُورًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ وِلَايَةٍ وَمَالٍ، لَا حَقَّ امْرَأَتِهِ مِنْ مِيرَاثِهَا، فَأَيُّ ظُلْمٍ يَدْفَعُ؟ وَأَيُّ حَقٍّ يُوَصِّلُ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا أَوْ خَائِفًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَظْهَرَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ خَوْفًا مِنَ الظَّالِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَهُوَ دَائِمًا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً (¬1) ، وَالْأَرْضُ مَمْلُوءَةٌ مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَ بِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَدْفَعُ الظُّلْمَ عَنِ الْخَلْقِ، أَوْ يُوَصِّلَ الْحَقَّ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ؟ وَمَا أَخْلَقَ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 44] . الْوَجْهُ الثَّامِنِ (¬2) : أَنْ يُقَالَ: النَّاسُ فِي بَابِ مَا يُقَبَّحُ (¬3) مِنَ اللَّهِ عَلَى قَوْلَيْنِ. مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الظُّلْمُ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ، وَفِعْلُ الْقَبِيحِ مُسْتَحِيلٌ، وَمَهْمَا ¬

(¬1) ن، م: سَنَةً عَلَى هَذِهِ الْحَالِ. (¬2) م: السَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، م: مَا يَقَعُ.

فَعَلَهُ كَانَ حَسَنًا. فَهَؤُلَاءِ يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ: يَحْسُنُ مِنْهُ كَذَا، فَضْلًا عَنِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَدْلُ وَالرَّحْمَةُ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 54] . وَيَحْرُمُ الظُّلْمُ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ فِي الصَّحِيحِ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» (¬1) ، وَيَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِالْعَقْلِ. وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ظُلْمٌ، وَلَمْ يُخِلَّ بِوَاجِبٍ، فَقَدْ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لَمْ يَخْلُقْ مَا تَحْصُلُ بِهِ هَذِهِ الْمَصَالِحُ الْمَقْصُودَةُ مِنَ الْمَعْصُومِ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَصَالِحُ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ خَلْقِهِ، وَهِيَ لَمْ تَحْصُلْ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ خَلْقُهُ وَاجِبًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِخَلْقِهِ وَخَلْقِ أُمُورٍ أُخْرَى، حَتَّى يَحْصُلَ بِالْمَجْمُوعِ الْمَطْلُوبُ، فَهُوَ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ، سَوَاءٌ كَانَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَخْلُقْ بَعْضَهُ. وَالْإِخْلَالُ بِالْوَاجِبِ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَلَزِمَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خَلْقُ الْمُوجِبِ لِهَذِهِ الْمَطَالِبِ؛ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْلُقَ مَعْصُومًا لَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَخْلُقَهُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا. فَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ وُجُودِهِ بَاطِلٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْصُلُ بِخَلْقِهِ وَبِطَاعَةِ الْمُكَلَّفِينَ لَهُ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/136

قِيلَ: إِنْ كَانَتْ طَاعَةُ الْمُكَلَّفِينَ مَقْدُورَةً لِلَّهِ، وَلَمْ يَخْلُقْهَا، فَلَمْ يَخْلُقِ الْمَصْلَحَةَ الْمَطْلُوبَةَ بِالْمَعْصُومِ، فَلَا تَكُونُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ؟ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْدُورَةً امْتَنَعَ الْوُجُوبُ بِدُونِهَا فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ، فَكَيْفَ فِي حَقِّ اللَّهِ؟ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوُجُوبُ إِلَّا بِهِ [وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ] فَلَيْسَ [الْأَمْرُ حِينَئِذٍ] بِوَاجِبٍ (¬1) . أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةٍ لَا تَحْصُلُ بِدُونِ فِعْلِ غَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا أَعَانَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ؟ كَالْجُمْعَةِ الَّتِي لَا تَجِبُ إِلَّا خَلْفَ إِمَامٍ أَوْ مَعَ عَدَدٍ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إِلَّا إِذَا حَصَلَ الْإِمَامُ وَسَائِرُ الْعَدَدِ. وَالْحَجُّ الَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّفَرُ إِلَيْهِ إِلَّا مَعَ رُفْقَةٍ يَأْمَنُ مَعَهُمْ، أَوْ مَعَ مَنْ يُكْرِيهِ دَابَّتَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَنْ يَفْعَلُ (¬2) مَعَهُ ذَلِكَ. وَدَفْعُ الظُّلْمِ عَنِ الْمَظْلُومِ، إِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِأَعْوَانٍ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ لَا أَعْوَانَ لَهُ. فَإِذَا قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ لِعِبَادِهِ، الْحَاصِلَةِ بِخَلْقِ الْمَعْصُومِ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِوُجُودِ مَنْ يُطِيعُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ يُطِيعُونَهُ، لَمْ يَكُنْ خَلْقُ الْمَعْصُومِ وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ مَا لَا يَحْصُلُ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، وَعَدَمِ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ بِالْمَعْصُومِ وَحْدَهُ (¬3) . وَإِنْ قِيلَ: يَخْلُقُهُ لَعَلَّ بَعْضَ النَّاسِ يُطِيعُهُ. قِيلَ: أَوَّلًا: هَذَا مُمْتَنِعٌ مِمَّنْ يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ. ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَعَلَّ مَا زِدْتُهُ بَيْنَ مَعْقُوفَتَيْنِ يُوَضِّحُ الْمَعْنَى، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَحُهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي الْكَلَامِ التَّالِي بَعْدَ ذَلِكَ. (¬2) ب: مِنْ فِعْلِهِ. (¬3) وَحْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

وَقِيلَ: ثَانِيًا: إِذَا كَانَ شَرْطُ الْمَطْلُوبِ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، وَهُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَوْ غَالِبِهَا أَوْ جَمِيعِهَا لَا يَحْصُلُ، أَمْكَنَ أَنْ يَخْلُقَ غَيْرَ الْمَعْصُومِ، يَكُونُ عَادِلًا فِي كَثِيرٍ مِنَ (* الْأَوْقَاتِ أَوْ بَعْضِهَا، فَإِنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مِمَّنْ (¬1) يَعْدِلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ (¬2) (¬3) الْأُمُورِ، وَيَظْلِمُ فِي بَعْضِهَا إِذَا كَانَتْ مَصْلَحَةُ وُجُودِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَفْسَدَتِهِ، خَيْرٌ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَعْدِلَ بِحَالٍ، وَلَا يَدْفَعَ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ هَذَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ بِحَالٍ. وَإِنْ قَالُوا: الرَّبُّ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِ الْمَعْصُومِ، وَلَكِنَّ النَّاسَ فَوَّتُوا الْمَصْلَحَةَ بِمَعْصِيَتِهِمْ لَهُ. قِيلَ: أَوَّلًا: إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ لَا يُعَاوِنُونَهُ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَصْلَحَةُ، بَلْ يَعْصُونَهُ فَيُعَذَّبُونَ، لَمْ يَكُنْ خَلْقُهُ وَاجِبًا، بَلْ وَلَا حِكْمَةَ عَلَى قَوْلِهِمْ. وَيُقَالُ: ثَانِيًا: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ عَصَاهُ، بَلْ بَعْضُ النَّاسِ عَصَوْهُ وَمَنَعُوهُ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ تُؤْثِرُ طَاعَتَهُ وَمَعْرِفَةَ مَا يَقُولُهُ. فَكَيْفَ لَا يُمَكَّنُ هَؤُلَاءِ مِنْ طَاعَتِهِ؟ فَإِذَا قِيلَ: أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ مَنَعُوا هَؤُلَاءِ. قِيلَ: فَإِنْ كَانَ الرَّبُّ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ الظَّلَمَةِ، فَهَلَّا مَنَعَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ؟ . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَقْدُورًا، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حُصُولَ الْمَصْلَحَةِ غَيْرُ مَقْدُورَةٍ فَلَا يَفْعَلُهُ، فَلِمَ قُلْتُمْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: إِنَّهُ يُمْكِنُ خَلْقُ مَعْصُومٍ غَيْرِ نَبِيٍّ؟ ¬

(¬1) ن: بِمَنْ. (¬2) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . *) (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) .

وَهَذَا لَازِمٌ لَهُمْ ; فَإِنَّهُمْ إِنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، أَمْكَنَهُ صَرْفُ دَوَاعِي الظُّلْمَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنْ طَاعَتِهِ. وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ خَالِقَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. قِيلَ: فَالْعِصْمَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ يُرِيدَ الْفَاعِلُ الْحَسَنَاتِ وَلَا يُرِيدُ السَّيِّئَاتِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ إِرَادَةَ أَحَدٍ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهِ مَعْصُومًا. وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى إِبْطَالِ خَلْقِ أَحَدٍ مَعْصُومًا، عَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ ; فَإِنَّ الْعِصْمَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُرِيدًا لِلْحَسَنَاتِ، غَيْرَ مُرِيدٍ لِلسَّيِّئَاتِ. فَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُحْدِثُ لِلْإِرَادَةِ (¬1) ، وَاللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْقَدَرِيَّةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْدَاثِ إِرَادَةِ أَحَدٍ، امْتَنَعَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدًا مَعْصُومًا. وَإِذَا قَالُوا: يَخْلُقُ مَا تَمِيلُ بِهِ إِرَادَتُهُ إِلَى الْخَيْرِ. قِيلَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ مُلْجِئًا، زَالَ التَّكْلِيفُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا لَمْ يَنْفَعْ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَقْدُورًا عِنْدَكُمْ، فَهَلَّا فَعَلَهُ بِجَمِيعِ الْعِبَادِ؟ فَإِنَّهُ أَصْلَحُ لَهُمْ، إِذَا أَوْجَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَفْعَلَ الْأَصْلَحَ بِكُلِّ عَبْدٍ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الثَّوَابَ عِنْدَكُمْ، كَمَا لَا يَمْنَعُهُ فِي حَقِّ الْمَعْصُومِ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ (¬2) : أَنْ يُقَالَ: حَاجَةُ الْإِنْسَانِ إِلَى تَدْبِيرِ بَدَنِهِ بِنَفْسِهِ، أَعْظَمُ مِنْ حَاجَةِ الْمَدِينَةِ إِلَى رَئِيسِهَا. وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ نَفْسَ الْإِنْسَانِ مَعْصُومَةً، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ رَئِيسًا مَعْصُومًا؟ مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْفُرَ بِبَاطِنِهِ، وَيَعْصِيَ بِبَاطِنِهِ، وَيَنْفَرِدَ بِأُمُورٍ ¬

(¬1) ن، م: الْمُحْدِثُ لِلْإِرَادَةِ بَيِّنٌ. (¬2) م: الثَّامِنُ.

كَثِيرَةٍ مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، وَالْمَعْصُومُ لَا يَعْلَمُهَا، وَإِنْ عَلِمَهَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِزَالَتِهَا، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ هَذَا (¬1) فَكَيْفَ يَجِبُ (¬2) ذَاكَ؟ . الْوَجْهُ الْعَاشِرُ (¬3) أَنْ يُقَالَ: الْمَطْلُوبُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَكُونَ الصَّلَاحُ بِهِمْ أَكْثَرَ مِنَ الْفَسَادِ، وَأَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مَعَهُمْ أَقْرَبَ إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَأَبْعَدَ عَنِ الْمَفْسَدَةِ، مِمَّا لَوْ عُدِمُوا وَلَمْ يُقَمْ مَقَامُهُمْ؟ أَمِ الْمَقْصُودُ بِهِمْ وُجُودُ صَلَاحٍ لَا فَسَادَ مَعَهُ؟ أَمْ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ مِنَ الصَّلَاحِ؟ . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَهَذَا الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ لِغَالِبِ وُلَاةِ الْأُمُورِ. وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَعْظَمَ مِمَّا حَصَلَ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ. وَهُوَ حَاصِلٌ بِخُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، أَعْظَمُ مِمَّا هُوَ حَاصِلٌ بِالِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهَذَا حَاصِلٌ بِمُلُوكِ التُّرْكِ وَالْهِنْدِ، أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ حَاصِلٌ بِالْمُنْتَظَرِ الْمُلَقَّبِ صَاحِبِ الزَّمَانِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَمِيرٍ يَتَوَلَّى ثُمَّ يُقَدَّرُ عَدَمُهُ بِلَا نَظِيرٍ، إِلَّا كَانَ الْفَسَادُ فِي عَدَمِهِ أَعْظَمَ مِنَ الْفَسَادِ فِي وُجُودِهِ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الصَّلَاحُ فِي غَيْرِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ، كَمَا قَدْ قِيلَ: " سِتُّونَ سَنَةً مَعَ (¬4) إِمَامٍ جَائِرٍ خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إِمَامٍ. وَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْمَطْلُوبُ وُجُودُ صَلَاحٍ لَا فَسَادَ مَعَهُ. قِيلَ: فَهَذَا لَمْ يَقَعْ، وَلَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ ذَلِكَ، وَلَا خَلَقَ أَسْبَابًا تُوجِبُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. فَمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَأَوْجَبَ مَلْزُومَاتِهِ عَلَى اللَّهِ، كَانَ إِمَّا مُكَابِرًا لِعَقْلِهِ، وَإِمَّا ذَامًّا لِرَبِّهِ. وَخَلْقُ مَا يُمْكِنُ مَعَهُ وُجُودُ ذَلِكَ، لَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، إِنْ لَمْ يَخْلُقْ مَا يَكُونُ بِهِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) ب: فَلَمْ يَجِبْ هَذَا. (¬2) يَجِبُ: سَاقِطَةٌ مِنَ (م) . (¬3) م: التَّاسِعُ. (¬4) ن، م: مِنْ.

وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ، لَكِنَّ الْقَوْلَ فِي الْمَعْصُومِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَسْبَابٍ خَارِجَةٍ عَنْ قُدْرَتِهِ، بَلْ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مُعْتَزِلَةٌ رَافِضَةٌ، فَإِيجَابُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ أَفْسَدُ مِنْ إِيجَابِ خَلْقِ مَصْلَحَةِ كُلِّ عَبْدٍ لَهُ. الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ (¬1) : أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: " لَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ مَعْصُومًا لَافْتَقَرَ إِلَى إِمَامٍ آخَرَ ; لَأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُحْوِجَةَ إِلَى الْإِمَامِ هِيَ جَوَازُ الْخَطَأِ عَلَى الْأُمَّةِ، فَلَوْ جَازَ الْخَطَأُ عَلَيْهِ لَاحْتَاجَ إِلَى إِمَامٍ آخَرَ ". فَيُقَالُ لَهُ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِذَا أَخْطَأَ الْإِمَامُ كَانَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يُنَبِّهُهُ عَلَى الْخَطَأِ، بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ اتِّفَاقُ الْمَجْمُوعِ عَلَى الْخَطَأِ، لَكِنْ إِذَا أَخْطَأَ بَعْضُ الْأُمَّةِ، نَبَّهَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ نَبَّهَهُ آخَرُ كَذَلِكَ، وَتَكُونُ الْعِصْمَةُ ثَابِتَةً لِلْمَجْمُوعِ، لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ، كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ؟ وَهَذَا كَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ خَبَرِ التَّوَاتُرِ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، وَرُبَّمَا جَازَ عَلَيْهِ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ (¬2) ، لَكِنَّ الْمَجْمُوعَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ. (* وَكَذَلِكَ النَّاظِرُونَ إِلَى الْهِلَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الدَّقِيقَةِ، قَدْ يَجُوزُ الْغَلَطُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْعَدَدِ الْكَثِيرِ *) (¬3) . وَكَذَلِكَ النَّاظِرُونَ فِي الْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمُ الْغَلَطُ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ مَسْأَلَتَيْنِ، فَأَمَّا إِذَا كَثُرَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ امْتَنَعَ فِي الْعَادَةِ غَلَطُهُمْ. ¬

(¬1) م: الْوَجْهُ الْعَاشِرُ. (¬2) ب: الْخَطَأُ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ ثُبُوتَ الْعِصْمَةِ لِقَوْمٍ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ، أَقْرَبُ إِلَى الْعَقْلِ وَالْوُجُودِ مِنْ ثُبُوتِهَا لِوَاحِدٍ. فَإِنْ كَانَتِ الْعِصْمَةُ لَا تُمْكِنُ لِلْعَدَدِ الْكَثِيرِ، فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ، فَأَنْ لَا تُمْكِنَ لِلْوَاحِدِ أَوْلَى وَإِنْ أَمْكَنَتْ لِلْوَاحِدِ مُفْرَدًا ; فَلَأَنْ تُمْكِنَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ مُجْتَمِعِينَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. فَعُلِمَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْعِصْمَةِ لِلْمَجْمُوعِ أَوْلَى مِنْ إِثْبَاتِهَا لِلْوَاحِدِ، وَبِهَذِهِ الْعِصْمَةِ (¬1) يَحْصُلُ (¬2) الْمَقْصُودُ الْمَطْلُوبُ مِنْ عِصْمَةِ الْإِمَامِ، فَلَا تَتَعَيَّنُ عِصْمَةُ الْإِمَامِ. وَمَنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ إِنَّهُمْ يُوجِبُونَ عِصْمَةَ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُجَوِّزُونَ عَلَى مَجْمُوعِ الْمُسْلِمِينَ الْخَطَأَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَاحِدٌ مَعْصُومٌ. وَالْمَعْقُولُ الصَّرِيحُ يَشْهَدُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الْكَثِيرِينَ، مَعَ اخْتِلَافِ اجْتِهَادَاتِهِمْ، إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلٍ كَانَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ، فَحُصُولُهُ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْلَى. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ شَرِيكُ النَّاسِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، إِذْ كَانَ (¬3) هُوَ وَحْدَهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَهَا، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِكَ هُوَ وَهُمْ فِيهَا، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ، وَيَسْتَوْفِيَ الْحُقُوقَ، وَلَا يُوَفِّيهَا (¬4) ، وَلَا يُجَاهِدُ عَدُوًّا إِلَّا أَنْ يُعِينُوهُ، بَلْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً إِنْ لَمْ يُصَلُّوا مَعَهُ، وَلَا يُمْكِنْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ إِلَّا بِقُوَاهُمْ وَإِرَادَتِهِمْ. فَإِذَا كَانُوا مُشَارِكِينَ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (ب) . (¬2) ن: يَجْعَلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م: إِذَا كَانَ. (¬4) م: وَيُوَفِّيهَا.

لَهُ فِي الْفِعْلِ وَالْقُدْرَةِ، لَا يَنْفَرِدُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ (¬1) الْعِلْمُ وَالرَّأْيُ لَا يَجِبُ أَنْ [يَنْفَرِدَ بِهِ بَلْ] يُشَارِكُهُمْ فِيهِ (¬2) ، فَيُعَاوِنُهُمْ وَيُعَاوِنُونَهُ، وَكَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعْجَزُ إِلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ (¬3) ، فَكَذَلِكَ عِلْمُهُ يَعْجَزُ إِلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ. الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ (¬4) : أَنْ يُقَالَ: الْعِلْمُ الدِّينِيُّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَالْأُمَّةُ نَوْعَانِ: عِلْمٌ كُلِّيٌّ، كَإِيجَابِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَعِلْمٌ جُزْئِيٌّ، كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى هَذَا، وَوُجُوبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى هَذَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَالشَّرِيعَةُ مُسْتَقِلَّةٌ بِهِ، لَا تَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ. فَإِنَّ (¬5) النَّبِيُّ (¬6) إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَصَّ عَلَى كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا، أَوْ تَرَكَ مِنْهَا (¬7) مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقِيَاسِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ ثَبَتَ الْمَقْصُودُ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَذَلِكَ الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِالْقِيَاسِ. وَإِنْ قِيلَ: بَلْ تَرَكَ فِيهَا مَا لَا يُعْلَمُ بِنَصِّهِ وَلَا بِالْقِيَاسِ، (¬8) بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَعْصُومِ، كَانَ هَذَا الْمَعْصُومُ شَرِيكًا فِي النُّبُوَّةِ لَمْ يَكُنْ نَائِبًا (¬9) ; فَإِنَّهُ إِذَا ¬

(¬1) ن: وَكَذَلِكَ. (¬2) ن: وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالرَّأْيُ لَا يَجِبُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ، ب: فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالرَّأْيُ يَجِبُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . (¬3) ن: بِمُعَاوَنَتِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) م: الْحَادِي عَشَرَ. (¬5) ن: فَأَمَّا. (¬6) م: فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬7) ن، م: فِيهَا. (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (ب) . (¬9) ن، ب: ثَابِتًا.

كَانَ يُوجِبُ وَيُحَرِّمُ مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ إِلَى نُصُوصِ النَّبِيِّ، كَانَ مُسْتَقِلًّا، لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لَهُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا نَبِيًّا، فَأَمَّا مَنْ لَا يَكُونُ إِلَّا خَلِيفَةً لِنَبِيٍّ، فَلَا يَسْتَقِلُّ دُونَهُ. وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ إِنْ كَانَ حُجَّةً جَازَ إِحَالَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً وَجَبَ أَنْ يَنُصَّ النَّبِيُّ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ. وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] . وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الدِّينَ كَامِلٌ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: النُّصُوصُ قَدِ انْتَظَمَتْ جَمِيعَ (¬1) كُلِّيَّاتٍ الشَّرِيعَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقِيَاسِ، بَلْ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْحَوَادِثِ لَا يَتَنَاوَلُهَا النُّصُوصُ، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْقِيَاسِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَدْ يَدَّعِي أَنَّ أَكْثَرَ الْحَوَادِثِ كَذَلِكَ، وَهَذَا سَرَفٌ مِنْهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلِ النُّصُوصُ تَنَاوَلَتِ الْحَوَادِثَ بِطُرُقٍ جَلِيَّةٍ أَوْ خَفِيَّةٍ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَفْهَمُ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ (¬2) ، أَوْ لَا يَبْلُغُهُ النَّصُّ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَوَادِثُ قَدْ تَنَاوَلَهَا النَّصُّ. أَوْ يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عُمُومِ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَالْقِيَاسِ الْمَعْنَوِيِّ حُجَّةٌ وَطَرِيقٌ يَسْلُكُ السَّالِكُ ¬

(¬1) م: انْتَظَمَتْ جَمْعَ، ب: انْتَظَمَتْ فِي جَمِيعٍ. (¬2) ن، م: الدَّلَالَةَ.

[إِلَيْهِ] مَا أَمْكَنَهُ (¬1) ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ لَا يَتَنَاقَضَانِ إِلَّا لِفَسَادِ أَحَدِهِمَا. وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْجُزْئِيَّاتُ فَهَذِهِ لَا يُمْكِنُ النَّصُّ عَلَى أَعْيَانِهَا، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الِاجْتِهَادِ الْمُسَمَّى بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنُصَّ لِكُلِّ مُصَلٍّ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ فِي حَقِّهِ، وَلِكُلِّ حَاكِمٍ عَلَى عَدَالَةِ كُلِّ شَاهِدٍ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنِ ادَّعَوْا عِصْمَةَ الْإِمَامِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، فَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ، وَلَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ، فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُوَلِّي مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ خِيَانَتُهُ وَعَجْزُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَطَعَ رَجُلًا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ قَالَا: أَخْطَأْنَا. فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُ أَيْدِيَكُمَا. وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» (¬2) . وَقَدِ ادَّعَى قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ عَلَى نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ، يُقَالُ لَهُمْ: ¬

(¬1) ن: يَسَلُكُ السَّالِكُ أَيْنَمَا أَمْكَنَهُ ; م: سَلَكَ السَّالِكُ أَيَّهُمَا أَمْكَنَهُ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/180 كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ. 9/25 كِتَابُ تَرْكِ الْحِيَلِ، بَابُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، 9/69 كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَوْعِظَةِ الْإِمَامِ لِلْخُصُومِ، مُسْلِمٍ 3/1337 - 1338 كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاللَّحْنِ بِالْحُجَّةِ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/410 كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابٌ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي إِذَا أَخْطَأَ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/320 وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَه وَالْمُوَطَّأِ وَمَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْمُسْنَدِ.

بَنُو أُبَيْرِقٍ، أَنَّهُمْ سَرَقُوا لَهُمْ طَعَامًا وَدُرُوعًا، فَجَاءَ قَوْمٌ فَبَرَّأُوا أُولَئِكَ الْمُتَّهَمِينَ، فَظَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِدْقَ أُولَئِكَ الْمُبَرِّئِينَ لَهُمْ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ (¬1) : {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} * {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} * {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} الْآيَاتِ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 105 - 107] (¬2) . وَبِالْجُمْلَةِ الْأُمُورُ نَوْعَانِ: كُلِّيَّةٌ عَامَّةٌ، وَجُزْئِيَّةٌ خَاصَّةٌ. فَأَمَّا الْجُزْئِيَّاتُ الْخَاصَّةُ، كَالْجُزْئِيِّ الَّذِي يَمْنَعُ تَصَوُّرَهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ، مِثْلُ مِيرَاثِ هَذَا الْمَيِّتِ، وَعَدْلِ هَذَا الشَّاهِدِ، وَنَفَقَةِ هَذِهِ الزَّوْجَةِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَذَا الزَّوْجِ، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى هَذَا الْمُفْسِدِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. فَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ لَا نَبِيًّا وَلَا إِمَامًا وَلَا أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ بَنِي آدَمَ وَأَعْيَانَهُمْ يَعْجَزُ عَنْ مَعْرِفَةِ أَعْيَانِهَا الْجُزْئِيَّةِ عِلْمُ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ وَعِبَارَتِهِ، لَا يُمْكِنُ بَشَرٌ (¬3) أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِخِطَابِ اللَّهِ لَهُ، وَإِنَّمَا الْغَايَةُ الْمُمْكِنَةُ ذِكْرُ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ. كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ» " (¬4) . فَالْإِمَامُ لَا ¬

(¬1) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِهَذِهِ الْآيَاتِ، وَانْظُرْ عُمْدَةَ التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ 3/264 - 265. (¬3) ب: بَشَرًا. (¬4) الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 4/54 كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَنَصُّهُ: بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، فَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا. وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 9/36 - 37 كِتَابُ التَّعْبِيرِ بَابُ الْمَفَاتِيحِ فِي الْيَدِ، 9/91 - 92 كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، مُسْلِمٍ 1/371 - 372 كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، أَوَّلُ الْكِتَابِ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/3 - 4 كِتَابُ الْجِهَادِ، أَوَّلُ الْكِتَابِ، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 14/20 - 53، وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا: أَيْ تَسْتَخْرِجُونَهَا، وَالضَّمِيرُ هُنَا يُرَادُ بِهِ الْأَمْوَالُ وَمَا فُتِحَ عَلَيْهِمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا.

يُمْكِنُهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ إِلَّا بِالْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ (¬1) . وَكَذَلِكَ إِذَا وَلَّى نَائِبًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْهَدَ إِلَيْهِ إِلَّا بِقَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ عَامَّةٍ، ثُمَّ النَّظَرُ فِي دُخُولِ الْأَعْيَانِ تَحْتَ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ، أَوْ دُخُولِ نَوْعٍ خَاصٍّ تَحْتَ أَعَمَّ مِنْهُ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَظَرِ الْمُتَوَلِّي وَاجْتِهَادِهِ، وَقَدْ يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى. فَإِنِ اشْتَرَطَ عِصْمَةَ (* كُلِّ وَاحِدٍ اشْتَرَطَ (¬2) عِصْمَةَ *) (¬3) النُّوَّابِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ، وَهَذَا (¬4) مُنْتَفٍ (¬5) بِالضَّرُورَةِ وَاتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ. وَإِنِ اكْتَفَى (¬6) بِالْكُلِّيَّاتِ، فَالنَّبِيُّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ، كَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِذْ ذَكَرَ مَا يُحَرَّمُ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحِلُّ، فَجَمِيعُ أَقَارِبِ الرَّجُلِ مِنَ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْهِ، إِلَّا بَنَاتِ عَمِّهِ، وَبَنَاتِ عَمَّاتِهِ، وَبَنَاتِ خَالِهِ، وَبَنَاتِ خَالَاتِهِ، كَمَا ذُكِرَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعُ فِي " سُورَةِ الْأَحْزَابِ ". وَكَذَلِكَ فِي الْأَشْرِبَةِ حَرَّمَ كُلَّ مُسْكِرٍ (¬7) دُونَ مَا لَا يُسْكِرُ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. بَلْ قَدْ حَصَرَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ¬

(¬1) ن، م: الْعَامَّةُ الْكُلِّيَّةُ. (¬2) م: يُشْتَرَطُ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) . (¬4) ب: فَهَذَا. (¬5) م: مُتَّفَقٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: وَإِنَّ النَّفْيَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ب: حَرَّمَ مَا يُسْكِرُ.

مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 33] . فَكُلُّ مَا حُرِّمَ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا عَامًّا لَا يُبَاحُ فِي حَالٍ فَيُبَاحُ فِي أُخْرَى، كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ. وَجَمِيعُ الْوَاجِبَاتِ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 29] الْآيَةَ، فَالْوَاجِبُ كُلُّهُ مَحْصُورٌ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ عِبَادِهِ. وَحَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحُقُوقُ عِبَادِهِ الْعَدْلُ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " يَا مُعَاذُ، أَتُدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " حَقُّهُمْ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» (¬1) . ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَصَّلَ أَنْوَاعَ الْفَوَاحِشِ وَالْبَغْيَ، وَأَنْوَاعَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ (¬2) . فَفَصَّلَ الْمَوَارِيثَ، وَبَيَّنَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَمَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ. وَبَيَّنَ مَا يَحِلُّ مِنَ الْمَنَاكِحِ وَمَا يَحْرُمُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى نُصُوصٍ كُلِّيَّةٍ تَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ، فَالرَّسُولُ أَحَقُّ بِهَذَا مِنَ الْإِمَامِ. وَإِنْ قِيلَ: لَا يُمْكِنُ، فَالْإِمَامُ أَعْجَزُ عَنْ هَذَا مِنَ الرَّسُولِ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/57 - 58 (¬2) ن: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

وَالْمُحَرَّمَاتُ (¬1) الْمُعَيَّنَةُ لَا سَبِيلَ إِلَى النَّصِّ عَلَيْهَا، لَا لِرَسُولِ اللَّهِ وَلَا إِمَامٍ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدُ فِيهَا يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " (¬2) . وَكَمَا قَالَ لِسَعْدِ (¬3) بْنِ مُعَاذٍ - وَكَانَ حَكَمًا فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يُؤْمَرُ فِيهَا الْحَاكِمُ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ - فَلَمَّا حَكَمَ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» (¬4) . وَكَمَا كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يُرْسِلُهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ: «إِذَا حَاصَرَتْ أَهْلَ الْحِصْنِ فَسَأَلُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ وَحُكْمِ أَصْحَابِكَ» (¬5) . وَالْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحِ. فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي عِصْمَةِ الْإِمَامِ إِلَّا وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِعِصْمَةِ الرَّسُولِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَالْوَاقِعُ يُوَافِقُ هَذَا. وَإِنَّا رَأَيْنَا كُلَّ مَنْ كَانَ إِلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَاتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ أَقْرَبَ، كَانَتْ مَصْلَحَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ أَكْمَلَ، وَكُلَّ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ بِالْعَكْسِ. وَلَمَّا كَانَتِ الشِّيعَةُ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ اتِّبَاعِ الْمَعْصُومِ، الَّذِي لَا رَيْبَ فِي ¬

(¬1) ن: وَالْحُرُمَاتُ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/422 (¬3) ن، ب: سَعْدُ (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ 4/332 (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/423 - 424

عِصْمَتِهِ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الَّذِي أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَهَدَاهُمْ بِهِ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَأَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَهْلِ الشَّقَاوَةِ، وَجَعَلَهُ الْقَاسِمَ الَّذِي قَسَّمَ بِهِ عِبَادَهُ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ، فَأَهْلُ السَّعَادَةِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَتِهِ. فَالشِّيعَةُ الْقَائِلُونَ بِالْإِمَامِ الْمَعْصُومِ وَنَحْوُهُمْ، مِنْ أَبْعَدِ الطَّوَائِفِ عَنِ اتِّبَاعِ هَذَا الْمَعْصُومِ، فَلَا جَرَمَ تَجِدُهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، حَتَّى يُوجَدَ مِمَّنْ (¬1) هُوَ تَحْتَ سِيَاسَةِ أَظْلَمِ الْمُلُوكِ وَأَضَلِّهِمْ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُمْ، وَلَا يَكُونُونَ (¬2) فِي خَيْرٍ إِلَّا تَحْتَ سِيَاسَةِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ. وَلِهَذَا كَانُوا يُشْبِهُونَ الْيَهُودَ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا هَذَا: أَنَّهُ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ، فَلَا يَعِيشُونَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِأَنْ يَتَمَسَّكُوا بِحَبَلِ بَعْضِ وُلَاةِ الْأُمُورِ، الَّذِي لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ نِسْبَةٍ إِلَى الْإِسْلَامِ يُظْهِرُونَ بِهَا خِلَافَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَشْهَدُ لَهُ مَا يُرِينَا اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِنَا. قَالَ تَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 53] . ¬

(¬1) ن: حَتَّى يُوجَدَ مِنْ، م: حَتَّى لَوْ وَجَدَ مِنْ. (¬2) ن، ب: وَلَا يَكُونُ.

وَمِمَّا أَرَانَا أَنْ رَأَيْنَا (¬1) آثَارَ (¬2) سَبِيلِ الْمُتَّبِعِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَعْصُومِ، أَصْلَحَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مِنْ سَبِيلِ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ بِزَعْمِهِمْ. وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ لِلرَّسُولِ، فَهُمْ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ كُلُّ مَنِ اسْتَقْرَأَهُ فِي الْعَالَمِ وَجَدَهُ، وَقَدْ حَدَّثَنِي الثِّقَاتُ الَّذِينَ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِالْبِلَادِ الَّذِينَ خَبَرُوا حَالَ أَهْلِهَا بِمَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ. وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْحِجَازِ وَسَوَاحِلِ الشَّامِ مِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يَنْتَحِلُونَ الْمَعْصُومَ. وَقَدْ رَأَيْنَا حَالَ مَنْ كَانَ بِسَوَاحِلِ الشَّامِ، مِثْلِ جَبَلِ كَسْرُوانَ وَغَيْرِهِ، وَبَلَغَنَا أَخْبَارُ غَيْرِهِمْ، فَمَا رَأَيْنَا فِي الْعَالَمِ طَائِفَةً أَسْوَأَ مِنْ حَالِهِمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَرَأَيْنَا الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَيْرًا مِنْ حَالِهِمْ. فَمَنْ كَانَ تَحْتَ سِيَاسَةِ مُلُوكِ الْكُفَّارِ حَالُهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا أَحْسَنُ مِنْ أَحْوَالِ مَلَاحِدَتِهِمْ، كَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْإِلَهِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ، أَوْ يَتَخَلَّوْنَ (¬3) عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَيَعْتَقِدُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ، كَالْإِمَامِيَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ. فَكُلُّ طَائِفَةٍ تَحْتَ سِيَاسَةِ مُلُوكِ السُّنَّةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَلِكَ كَانَ أَظْلَمَ الْمُلُوكِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، حَالُهُ خَيْرٌ مِنْ حَالِهِمْ، فَإِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يَشْتَرِكُ ¬

(¬1) ن: وَمِمَّا رَآنَا أَنَّا رَأَيْنَا، وَمِمَّا أَرَانَا أَنْ أَرَانَا. (¬2) آثَارٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) ب: أَوْ يَنْحَلُونَ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) ، (م) ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

فِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَيَمْتَازُونَ بِهِ عَنِ (* الرَّافِضَةِ، تَقُومُ (¬1) بِهِ مَصَالِحُ الْمُدُنِ وَأَهْلِهَا عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ. وَأَمَّا الْأَمْرُ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الرَّافِضَةُ وَيَمْتَازُونَ بِهِ عَنْ *) (¬2) أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا تَقُومُ بِهِ مَصْلَحَةُ مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا قَرْيَةٍ، وَلَا تَجِدُ (¬3) أَهْلَ مَدِينَةٍ وَلَا قَرْيَةٍ يَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الرَّفْضُ، إِلَّا وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِمْ: إِمَّا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِمَّا مِنَ الْكُفَّارِ. وَإِلَّا فَالرَّافِضَةُ وَحْدَهُمْ لَا يَقُومُ أَمْرُهُمْ [قَطُّ] (¬4) ، كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ (¬5) وَحْدَهُمْ لَا يَقُومُ أَمْرُهُمْ قَطُّ، بِخِلَافِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنَّ مَدَائِنَ كَثِيرَةً مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُومُونَ بِدِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، لَا يُحْوِجُهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى كَافِرٍ وَلَا رَافِضِيٍّ. وَالْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ فَتَحُوا الْأَمْصَارَ، وَأَظْهَرُوا الدِّينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ رَافِضِيٌّ. بَلْ بَنُو أُمَيَّةَ بَعْدَهُمْ، مَعَ انْحِرَافِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَنْ عَلِيٍّ وَسَبِّ بَعْضِهِمْ لَهُ، غَلَبُوا عَلَى مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، مِنْ مَشْرِقِ الْأَرْضِ إِلَى مَغْرِبِهَا، وَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِمْ أَعَزَّ مِنْهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ بَعْدَ انْقِرَاضِ دَوْلَتِهِمُ الْعَامَّةِ لَمَّا جَاءَتْهُمُ الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ، صَارَ إِلَى الْغَرْبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هِشَامٍ الدَّاخِلُ إِلَى الْمَغْرِبِ، الَّذِي يُسَمَّى صَقْرَ قُرَيْشٍ، وَاسْتَوْلَى هُوَ - وَمَنْ بَعْدَهُ - عَلَى بِلَادِ الْغَرْبِ، وَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فِيهَا ¬

(¬1) ن: وَتَقُومُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ب) . (¬3) ب: وَلَا نَجِدُ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) . (¬4) قَطُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) م: كَالْيَهُودِ.

وَأَقَامُوهُ وَقَمَعُوا مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مِنَ السِّيَاسَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ. وَكَانُوا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَضْلًا عَنْ أَقْوَالِ الشِّيعَةِ (¬1) ، وَإِنَّمَا كَانُوا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَلَى مَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَيَنْصُرُهُ بَعْضُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَذْهَبِ الشِّيعَةِ، وَكَانَ فِيهِمْ مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ الْحُسَيْنِيِّينَ (¬2) كَثِيرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَيُقَالُ: إِنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ يَسْكُتُ عَنْ عَلِيٍّ، فَلَا يُرَبِّعُ بِهِ (¬3) فِي الْخِلَافَةِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَيْهِ، وَلَا يَسُبُّونَهُ كَمَا كَانَ بَعْضُ الشِّيعَةِ يَسُبُّهُ. وَقَدْ صَنَّفَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْغَرْبِ كِتَابًا كَبِيرًا فِي الْفُتُوحِ فَذَكَرَ فُتُوحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفُتُوحَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا مَعَ حُبِّهِ لَهُ وَمُوَالَاتِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ فُتُوحٌ. وَعُلَمَاءُ السُّنَّةِ كُلُّهُمْ: مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يُحِبُّ الْخُلَفَاءَ وَيَتَوَلَّاهُمْ وَيَعْتَقِدُ إِمَامَتَهُمْ، وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَذْكُرُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِسُوءٍ، فَلَا يَسْتَجِيزُونَ ذِكْرَ عَلِيٍّ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا غَيْرِهِمَا بِمَا يَقُولُهُ الرَّافِضَةُ وَالْخَوَارِجُ. ¬

(¬1) ب: عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الشِّيعَةِ. (¬2) ب: الْحُسْنَيِّينَ، ن: الْحَسَنِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب: وَلَا يَرْفَعُ بِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَكَانَ صَارَ إِلَى الْمَغْرِبِ طَوَائِفُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ، كَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ فِي الْمَشْرِقِ، وَفِي بِلَادٍ كَثِيرَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ. وَلَكِنَّ قَوَاعِدَ هَذِهِ الْمَدَائِنِ لَا تَسْتَمِرُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، بَلْ إِذَا ظَهَرَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مُدَّةً أَقَامَ اللَّهُ مَا بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي يَظْهَرُ [عَلَى] بَاطِلِهِمْ (¬1) . وَبَنُو عُبَيْدٍ يَتَظَاهَرُونَ بِالتَّشَيُّعِ، وَاسْتَوْلَوْا مِنَ الْمَغْرِبِ عَلَى مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ، وَبَنُوا الْمَهْدِيَّةِ. ثُمَّ جَاءُوا إِلَى مِصْرَ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْحِجَازِ وَالشَّامِ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ، وَمَلَكُوا بَغْدَادَ فِي فِتْنَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ (¬2) ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمُ الْمَلَاحِدَةُ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمُحْتَاجِينَ إِلَى مُصَانَعَتِهِمْ وَالتَّقِيَّةِ لَهُمْ. وَلِهَذَا رَأْسُ مَالِ الرَّافِضَةِ التَّقِيَّةُ، وَهِيَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ كَمَا يَفْعَلُ الْمُنَافِقُ. وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْقِلَّةِ، وَهُمْ يُظْهِرُونَ دِينَهُمْ لَا يَكْتُمُونَهُ. وَالرَّافِضَةُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 28] وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كُفَّارٌ، مَعَ أَنَّ لَهُمْ فِي تَكْفِيرِ الْجُمْهُورِ قَوْلَيْنِ. لَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ يُصَرِّحُ فِي كُتُبِهِ ¬

(¬1) ن، م: الَّذِي يُظْهِرُ بَاطِلُهُمْ. (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَسَاسِيرِيِّ وَفِتْنَتِهِ فِيمَا مَضَى 4/101

وَفَتَاوِيهِ بِكُفْرِ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ، وَدَارُهُمْ دَارُ رِدَّةٍ، يَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ مَائِعِهَا، وَأَنَّ مَنِ انْتَقَلَ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ الَّذِي يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ لَا يُقْبَلُ [مِنْهُ] (¬1) الرُّجُوعُ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَهَذَا فِي الْمُرْتَدِّ عَنِ الْإِسْلَامِ قَوْلٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالُوا: لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْكُفْرِ، بِخِلَافِ مَنْ يُولَدُ مُسْلِمًا. فَجَعَلَ هَؤُلَاءِ هَذَا فِي سَائِرِ الْأُمَّةِ، فَهُمْ عِنْدَهُمْ كُفَّارٌ، فَمَنْ صَارَ مِنْهُمْ إِلَى مَذْهَبِهِمْ كَانَ مُرْتَدًّا. وَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خُوطِبَ بِهَا أَوَّلًا مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقِيلَ لَهُمْ: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 28] . وَهَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ كُلَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ وَلَا يُظْهِرُ لِلْكُفَّارِ أَنَّهُ مِنْهُمْ، كَمَا يَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ مَعَ الْجُمْهُورِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ أَرَادَ إِظْهَارَ مَوَدَّةِ الْكُفَّارِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. وَهُمْ لَا يُظْهِرُونَ الْمَوَدَّةَ لِلْجُمْهُورِ. وَفِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ كَانَ لَهُ حُلَفَاءُ مِنَ ¬

(¬1) زِدْتُ مِنْهُ لِتَسْتَقِيمَ الْعِبَارَةُ.

الْيَهُودِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مَعِيَ خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَسْتَظْهِرَ بِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ الْيَهُودَ وَيَأْتُونَهُمْ بِالْأَخْبَارِ، يَرْجُونَ لَهُمُ الظَّفَرَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا يُبَاطِنُونَ قَوْمًا مِنَ الْأَنْصَارِ، لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَنَهَاهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: اجْتَنِبُوا هَؤُلَاءِ. فَأَبَوْا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَغَيْرِهِ، كَانُوا يُظْهِرُونَ الْمَوَدَّةَ لِكُفَّارِ مَكَّةَ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَالرَّافِضَةُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إِظْهَارًا لِمَوَدَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا يُظْهِرُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَحْفَظُونَ مِنْ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، وَالْقَصَائِدِ الَّتِي فِي مَدْحِهِمْ، وَهِجَاءِ الرَّافِضَةِ مَا يَتَوَدَّدُونَ بِهِ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا يُظْهِرُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ، كَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يُظْهِرُونَ دِينَهُمْ لِلْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. فَعُلِمَ أَنَّهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 28] قَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَّا مُصَانَعَةً (¬1) . وَالتُّقَاةُ لَيْسَتْ بِأَنْ أَكْذِبَ (¬2) وَأَقُولَ بِلِسَانِي مَا لَيْسَ فِي قَلْبِي، فَإِنَّ هَذَا نِفَاقٌ، وَلَكِنْ أَفْعَلُ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. ¬

(¬1) ب: لَا مُصَانَعَةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالَّذِي فِي " زَادِ الْمَسِيرِ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1/372 قَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَّا مُصَانَعَةً فِي الدُّنْيَا. (¬2) ن: بِأَنْ أَكْذِبَ مِنْهُمْ.

كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» (¬1) . فَالْمُؤْمِنُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَهُمْ بِيَدِهِ مَعَ عَجْزِهِ، وَلَكِنْ إِنْ أَمْكَنَهُ بِلِسَانِهِ وَإِلَّا فَبِقَلْبِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، إِمَّا أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ وَإِمَّا أَنْ يَكْتُمَهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ كُلِّهِ، بَلْ غَايَتُهُ (¬2) أَنْ يَكُونَ كَمُؤْمِنِ [آلِ] (¬3) فِرْعَوْنَ - وَامْرَأَةِ فِرْعَوْنَ - وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لَهُمْ عَلَى جَمِيعِ دِينِهِمْ، وَلَا كَانَ يَكْذِبُ، وَلَا يَقُولُ (¬4) بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، بَلْ كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ. وَكِتْمَانُ الدِّينِ شَيْءٌ، وَإِظْهَارُ الدِّينِ الْبَاطِلِ شَيْءٌ آخَرُ. فَهَذَا لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ قَطُّ إِلَّا لِمَنْ أُكْرِهَ، بِحَيْثُ أُبِيحَ لَهُ النُّطْقُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُنَافِقِ وَالْمُكْرَهِ. وَالرَّافِضَةُ حَالُهُمْ مِنْ جِنْسِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ، لَا مِنْ جِنْسِ حَالِ الْمُكْرَهِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، فَإِنَّ هَذَا الْإِكْرَاهَ لَا يَكُونُ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 1/69 كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ كَوْنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْإِيمَانِ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/406 كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابُ خُطْبَةِ يَوْمِ الْعِيدِ 4/173 - 174، كِتَابُ الْمَلَاحِمِ، بَابُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/317 - 318 كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، سُنَنِ ابْنُ مَاجَهْ 1/406 كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، 2/1330 كِتَابُ الْفِتَنِ بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، الْمُسْنَدِ ط. الْحَلَبِيِّ 3/30 (¬2) ن، م: بَلْ غَايَتُهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) آلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) م: وَيَقُولُ.

عَامًّا مِنْ جُمْهُورِ بَنِي آدَمَ، بَلِ الْمُسْلِمُ يَكُونُ أَسِيرًا أَوْ مُنْفَرِدًا (¬1) فِي بِلَادِ الْكُفْرِ، وَلَا أَحَدَ يُكْرِهُهُ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلَا يَقُولُهَا، وَلَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَلِينَ لِنَاسٍ مِنَ الْكُفَّارِ لِيَظُنُّوهُ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يَكْتُمُ مَا فِي قَلْبِهِ. وَفَرْقٌ بَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الْكِتْمَانِ. فَكِتْمَانُ مَا فِي النَّفْسِ يَسْتَعْمِلُهُ الْمُؤْمِنُ حَيْثُ يَعْذُرُهُ اللَّهُ فِي الْإِظْهَارِ، كَمُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ. وَأَمَّا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، فَلَا يَعْذُرُهُ إِلَّا إِذَا أُكْرِهَ. وَالْمُنَافِقُ الْكَذَّابُ لَا يُعْذَرُ بِحَالٍ، وَلَكِنْ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ. ثُمَّ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَكْتُمُ إِيمَانَهُ يَكُونُ بَيْنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ دِينَهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا مُؤْمِنٌ عِنْدَهُمْ يُحِبُّونَهُ وَيُكْرِمُونَهُ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ يُوجِبُ أَنْ يُعَامِلَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالنُّصْحِ، وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، كَمَا كَانَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ يَسِيرُ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَكَانُوا كُفَّارًا، وَكَمَا كَانَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، وَمَعَ هَذَا كَانَ يُعَظِّمُ مُوسَى وَيَقُولُ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 2] . وَأَمَّا الرَّافِضِيُّ فَلَا يُعَاشِرُ أَحَدًا إِلَّا اسْتَعْمَلَ مَعَهُ النِّفَاقَ، فَإِنَّ دِينَهُ الَّذِي فِي قَلْبِهِ دِينٌ فَاسِدٌ، يَحْمِلُهُ عَلَى الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ، وَغِشِّ النَّاسِ، وَإِرَادَةِ السُّوءِ بِهِمْ، فَهُوَ لَا يَأْلُوهُمْ خَبَالًا، وَلَا يَتْرُكُ شَرًّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا فَعَلَهُ بِهِمْ، وَهُوَ مَمْقُوتٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ رَافِضِيٌّ تَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ سِيمَا النِّفَاقِ وَفِي لَحْنِ الْقَوْلِ، وَلِهَذَا تَجِدُهُ يُنَافِقُ ضُعَفَاءَ النَّاسِ وَمَنْ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ، لِمَا فِي قَلْبِهِ مِنَ النِّفَاقِ الَّذِي يُضْعِفُ قَلْبَهُ. ¬

(¬1) عِبَارَةُ " أَوْ مُنْفَرِدًا " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

وَالْمُؤْمِنُ مَعَهُ عِزَّةُ الْإِيمَانِ (¬1) ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ هُمْ يَدَّعُونَ الْإِيمَانَ دُونَ النَّاسِ، وَالذِّلَّةُ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 51] . وَهُمْ أَبْعَدُ طَوَائِفِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَنِ النُّصْرَةِ، وَأَوْلَاهُمْ بِالْخِذْلَانِ. فَعُلِمَ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ (¬2) طَوَائِفُ [أَهْلِ] (¬3) الْإِسْلَامِ إِلَى النِّفَاقِ، وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ. وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ حَقِيقَةً، الَّذِينَ لَيْسَ فِيهِمْ إِيمَانٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ، يَمِيلُونَ إِلَى الرَّافِضَةِ، وَالرَّافِضَةُ تَمِيلُ إِلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ سَائِرِ الطَّوَائِفِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» (¬4) . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخَدَانِهِمْ. فَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَ أَرْوَاحِ الرَّافِضَةِ وَأَرْوَاحِ الْمُنَافِقِينَ اتِّفَاقًا (¬5) مَحْضًا: قَدْرًا مُشْتَرَكًا وَتَشَابُهًا، وَهَذَا لِمَا فِي الرَّافِضَةِ مِنَ النِّفَاقِ، فَإِنَّ النِّفَاقَ شُعَبٌ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعٌ ¬

(¬1) ب: غَيْرَةُ الْإِيمَانِ. (¬2) ن: أَبْعَدُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فِي الْبُخَارِيِّ 4/133 - 134 كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، مُسْلِمٍ 4/2031 كِتَابُ الْبَرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/359 كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجَالِسَ، الْمُسْنَدِ ط. الْمَعَارِفِ 15/77 ط. الْحَلَبِيِّ 2/527، 539 (¬5) م: نِفَاقًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» (¬1) . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» (¬2) . وَالْقُرْآنُ يَشْهَدُ لِهَذَا فَإِنَّ اللَّهَ وَصَفَ الْمُنَافِقِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِالْكَذِبِ وَالْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ. وَهَذِهِ الْخِصَالُ لَا تُوجَدُ فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الرَّافِضَةِ، وَلَا أَبْعَدَ مِنْهَا عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِلصَّحَابَةِ، فَهَؤُلَاءِ أَوْلَى النَّاسِ بِشُعَبِ الْإِيمَانِ وَأَبْعَدُهُمْ عَنْ شُعَبِ النِّفَاقِ، وَالرَّافِضَةُ أَوْلَى النَّاسِ بِشُعَبِ (¬3) النِّفَاقِ وَأَبْعَدُهُمْ عَنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَسَائِرُ الطَّوَائِفِ قُرْبُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَبُعْدُهُمْ عَنِ (¬4) النِّفَاقِ بِحَسَبِ سُنَّتِهِمْ وَبِدْعَتِهِمْ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْمَ أَبْعَدُ الطَّوَائِفِ عَنْ (¬5) اتِّبَاعِ الْمَعْصُومِ الَّذِي لَا شَكَّ فِي عِصْمَتِهِ، وَهُوَ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ فِي دَعْوَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَصْلِ مِنِ ابْتِدَاعِ مُنَافِقٍ زِنْدِيقٍ، كَمَا قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/375 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/82 (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (ب) . (¬4) ن: إِلَى، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ب، م: مِنِ.

ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ ابْتَدَعَ الرَّفْضَ وَالْقَوْلَ بِالنَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ وَعِصْمَتِهِ كَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا، أَرَادَ فَسَادَ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَأَرَادَ أَنْ يَصْنَعَ بِالْمُسْلِمِينَ مَا صَنَعَ بُولِصُ بِالنَّصَارَى، لَكِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ مَا تَأَتَّى لَبُولِصَ، لِضَعْفِ دِينِ النَّصَارَى وَعَقْلِهِمْ، فَإِنَّ الْمَسِيحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ وَلَمْ يَتْبَعْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ يَعْلَمُونَ دِينَهُ، وَيَقُومُونَ بِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا، فَلَمَّا ابْتَدَعَ بُولِصُ مَا ابْتَدَعَهُ مِنْ لَغْوٍ فِي الْمَسِيحِ، اتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ طَوَائِفُ وَأَحَبُّوا الْغُلُوَّ فِي الْمَسِيحِ، وَدَخَلَتْ مَعَهُمْ مُلُوكٌ، فَقَامَ أَهْلُ الْحَقِّ خَالَفُوهُمْ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَتِ الْمُلُوكُ بَعْضَهُمْ، وَدَاهَنَ الْمُلُوكُ بَعْضَهُمْ، وَبَعْضُهُمُ اعْتَزَلُوا (¬1) فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ. وَهَذِهِ الْأُمَّةُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَا يَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْحَقِّ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مُلْحِدٌ وَلَا مُبْتَدِعٌ مِنْ إِفْسَادِهِ بِغُلُوٍّ أَوِ انْتِصَارٍ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ (¬2) ، وَلَكِنْ يَضِلُّ مَنْ يَتْبَعُهُ عَلَى ضَلَالِهِ. وَأَيْضًا فَنُوَّابُ الْمَعْصُومِ الَّذِي يَدْعُونَهُ غَيْرُ مَعْصُومِينَ (¬3) فِي الْجُزْئِيَّاتِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُقَالُ: إِذَا كَانَتِ الْعِصْمَةُ فِي الْجُزْئِيَّاتِ غَيْرَ وَاقِعَةٍ، وَإِنَّمَا الْمُمْكِنُ الْعِصْمَةُ فِي الْكُلِّيَّاتِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ، بِحَيْثُ لَا يُحْتَاجُ فِي مَعْرِفَتِهَا إِلَى الْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ، وَقَادِرٌ أَيْضًا أَنْ يَجْعَلَ نَصَّ النَّبِيِّ أَكْمَلَ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى عِصْمَةِ الْإِمَامِ، لَا فِي الْكُلِّيَّاتِ وَلَا فِي الْجُزْئِيَّاتِ. ¬

(¬1) ن، م: اعْتَزَلُوهُمْ. (¬2) ن: مِنْ إِفْسَادِهِ وَيَعْلُو أَوِ انْتِصَارٍ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، م: مِنْ إِفْسَادِهِ وَيَعْلُو وَانْتِصَارٍ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ. وَكِلَاهُمَا فِيهِ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م، ب: غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ عَشَرَ (¬1) : أَنْ يُقَالَ: الْعِصْمَةُ الثَّابِتَةُ لِلْإِمَامِ: أَهِيَ فِعْلُهُ لِلطَّاعَاتِ بِاخْتِيَارِهِ وَتَرْكُهُ لِلْمَعَاصِي بِاخْتِيَارِهِ، مَعَ (¬2) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَكُمْ لَا يَخْلُقُ اخْتِيَارَهُ؟ أَمْ هِيَ خَلْقُ الْإِرَادَةِ لَهُ؟ أَمْ (¬3) سَلْبُهُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ، وَعِنْدَكُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ اخْتِيَارَ الْفَاعِلِينَ، لَزِمَكُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ مَعْصُومٍ. وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي، بَطَلَ أَصْلُكُمُ الَّذِي ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ فِي الْقُدْرَةِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: سُلِبَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَانَ [الْمَعْصُومُ] عِنْدَكُمْ (¬4) هُوَ الْعَاجِزُ عَنِ الذَّنْبِ. كَمَا يَعْجَزُ الْأَعْمَى عَنْ نَقْطِ الْمَصَاحِفِ، وَالْمُقْعَدُ عَنِ الْمَشْيِ. وَالْعَاجِزُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يُنْهَى عَنْهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يُؤْمَرْ وَيُنْهَ لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَوَابًا عَلَى الطَّاعَةِ، فَيَكُونُ الْمَعْصُومُ عِنْدَكُمْ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، بَلْ (¬5) وَلَا عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ. وَهَذَا غَايَةُ النَّقْصِ. وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ مُسْلِمٍ كَانَ خَيْرًا مِنْ هَذَا الْمَعْصُومِ، إِذَا أَذْنَبَ ثُمَّ تَابَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّوْبَةِ مُحِيَتْ سَيِّئَاتُهُ، بَلْ بُدِّلَ بِكُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً مَعَ حَسَنَاتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَكَانَ ثَوَابُ الْمُكَلَّفِينَ خَيْرًا مِنَ الْمَعْصُومِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ غَايَةَ الْمُنَاقَضَةِ. ¬

(¬1) ن، م: الثَّانِي عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ب: وَمَعَ. (¬3) ب: أَوْ. (¬4) ب: فَإِنَّهُ عِنْدَكُمْ، وَسَقَطَتْ كَلِمَةُ الْمَعْصُومِ مِنْ (ن) . (¬5) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

الرد على المقدمة الثانية من كلام الرافضي وهي قولهم إذا كان لا بد من معصوم فليس بمعصوم غير علي

[الرد على المقدمة الثانية من كلام الرافضي وهي قولهم إذا كان لا بد من معصوم فليس بمعصوم غير علي] وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ (¬1) : فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْصُومٍ، فَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ غَيْرُ عَلِيٍّ اتِّفَاقًا مَمْنُوعٌ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ عُبَّادِهِمْ وَصُوفِيَّتِهِمْ وَجُنْدِهِمْ (¬2) وَعَامَّتِهِمْ يَعْتَقِدُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِهِمْ مِنَ الْعِصْمَةِ، مِنْ جِنْسِ مَا تَعْتَقِدُهُ الرَّافِضَةُ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَرُبَّمَا عَبَّرُوا هُوَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: " الشَّيْخُ مَحْفُوظٌ ". وَإِذَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ هَذَا فِي شُيُوخِهِمْ، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، فَاعْتِقَادُهُمْ ذَلِكَ فِي الْخُلَفَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْلَى. وَكَثِيرٌ (¬3) مِنَ النَّاسِ فِيهِمْ مِنَ الْغُلُوِّ فِي شُيُوخِهِمْ مِنْ جِنْسِ مَا فِي الشِّيعَةِ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الْأَئِمَّةِ. وَأَيْضًا فَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ يَعْتَقِدُونَ عِصْمَةَ أَئِمَّتِهِمْ، وَهُمْ غَيْرُ الِاثْنَيْ عَشَرَ. وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِ بَنِي أُمَيَّةَ - أَوْ أَكْثَرِهِمْ - كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُمْ عَلَى مَا يُطِيعُونَ فِيهِ الْإِمَامَ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَاللَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ. وَكَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ كَثِيرٌ. وَقَدْ أَرَادَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يَسِيرَ بِسِيرَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِهِمْ، فَحَلَفُوا لَهُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَنَّهُ إِذَا وَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّاسِ إِمَامًا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ (¬4) الْحَسَنَاتِ وَتَجَاوَزَ عَنْهُ السَّيِّئَاتِ (¬5) . ¬

(¬1) الْمُقْدِّمَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِيمَا سَبَقَ ص 348 وَهِيَ قَوْلُهُ: وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬2) ب: وَجُنَيْدِيِّيهِمْ. (¬3) ب: فَكَثِيرٌ. (¬4) ن: عَنْهُ. (¬5) م: وَيَتَجَاوَزُ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ.

وَلِهَذَا تَجِدُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ كِبَارِهِمُ الْأَمْرَ بِطَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ مُطْلَقًا، وَأَنَّ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. وَلِهَذَا كَانَ يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلُ، يُقَالُ: " طَاعَةٌ شَامِيَّةٌ ". وَحِينَئِذٍ فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ إِمَامَهُمْ لَا يَأْمُرُهُمْ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ شِيعَةٌ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُبْغِضُ عَلِيًّا وَيَسُبُّهُ. وَمَنْ كَانَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَأْمُرُ (¬1) الْإِمَامُ بِهِ فَإِنَّهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَأَنَّهُ تَجِبُ طَاعَتُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعَاقِبُهُ عَلَى تَرْكِهِ - لَمْ يَحْتَجْ مَعَ ذَلِكَ إِلَى مَعْصُومٍ غَيْرَ إِمَامِهِ. وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا: أَنْ يُقَالَ: كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ إِذَا قِيلَ [لَهَا] (¬2) : إِنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا (¬3) مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ. تَقُولُ: يَكْفِينِي عِصْمَةُ الْإِمَامِ الَّذِي ائْتَمَمْتُ بِهِ، لَا أَحْتَاجُ إِلَى عِصْمَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ: لَا عَلِيًّا وَلَا غَيْرَهُ. وَيَقُولُ هَذَا: شَيْخِي وَقُدْوَتِي. وَهَذَا يَقُولُ: إِمَامِي الْأُمَوِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ. بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ يُطِيعُ الْمُلُوكَ لَا ذَنْبَ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَيَتَأَوَّلُونَ قَوْلَهُ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 5] . فَإِنْ قِيلَ: هَؤُلَاءِ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ (¬4) . قِيلَ: هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ. ¬

(¬1) ب: مَا أَمَرَ. (¬2) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) ن: بِخِلَافَتِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ أَئِمَّةَ هَؤُلَاءِ وَشُيُوخَهُمْ خَيْرٌ مِنْ مَعْدُومٍ (¬1) لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِحَالٍ. فَهُمْ بِكُلِّ حَالٍ خَيْرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ. وَأَيْضًا (¬2) فَبَطَلَتْ حُجَّةُ الرَّافِضَةِ بِقَوْلِهِمْ: لَمْ تُدَّعَ الْعِصْمَةُ إِلَّا فِي عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ (* لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. قِيلَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ لِعَلِيٍّ بَطَلَ قَوْلُكُمْ. وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ *) (¬3) لَعَلِيٍّ، لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ لِلثَّلَاثَةِ، بَلْ دَعْوَى الْعِصْمَةِ لِهَؤُلَاءِ أَوْلَى، فَإِنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُفَضِّلُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ يُفَضِّلُهُمَا عَلَيْهِ. كَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَدَعْوَاهُمْ عِصْمَةُ هَذَيْنِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى عِصْمَةِ عَلِيٍّ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ. قِيلَ لَهُمْ: وَلَا نُقِلَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْقَوْلُ بِعِصْمَةِ عَلِيٍّ. وَنَحْنُ لَا نُثْبِتُ [عِصْمَةَ] (¬4) لَا هَذَا وَلَا هَذَا، لَكِنْ نَقُولُ: مَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْفِيَ نَقْلَ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِعِصْمَةِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ، مَعَ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ بِعِصْمَةِ عَلِيٍّ. فَهَذَا الْفَرْقُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَدَّعِيَهُ، وَلَا يَنْقُلَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْلَمُ زَمَانٌ ادَّعَى فِيهِ الْعِصْمَةَ لِعَلِيٍّ أَوْ لِأَحَدٍ (¬5) مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، ¬

(¬1) ن: مَعْدُومِهِمْ. (¬2) وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) عِصْمَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ن، م: عِصْمَةُ عَلِيٍّ أَوْ أَحَدٍ.

وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ مَنْ يَدَّعِي عِصْمَةَ غَيْرِهِمْ، فَبَطَلَ أَنْ يُحْتَجَّ بِانْتِفَاءِ عِصْمَةِ الثَّلَاثَةِ وَوُقُوعِ النِّزَاعِ فِي عِصْمَةِ عَلِيٍّ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ عَشَرَ (¬1) : أَنْ يُقَالَ: إِمَّا أَنْ يَجِبَ وُجُودُ الْمَعْصُومِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، أَنْ لَا يَجِبَ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ؛ بَطَلَ قَوْلُهُمْ. وَإِنْ وَجَبَ لَمْ نُسَلِّمْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ هُوَ الْمَعْصُومَ دُونَ الثَّلَاثَةِ. بَلْ إِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حَقًّا، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ مَعْصُومِينَ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَنَّهُمَا أَحَقُّ بِالْعِصْمَةِ مِنْ عَلِيٍّ، فَإِنْ كَانَتِ الْعِصْمَةُ مُمْكِنَةً، فَهِيَ إِلَيْهِمَا أَقْرَبُ. وَإِنْ كَانَتْ مُمْتَنِعَةً، فَهِيَ عَنْهُ أَبْعَدُ. وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُ بِجَوَازِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنِ الثَّلَاثَةِ، إِلَّا مَعَ انْتِفَائِهَا عَنْ عَلِيٍّ. فَأَمَّا انْتِفَاؤُهَا عَنِ الثَّلَاثَةِ دُونَ عَلِيٍّ، فَهَذَا لَيْسَ قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَهَذِهِ كَنُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُسَلِّمُونَ نُبُوَّةَ أَحَدٍ مِنْ هَذَيْنِ إِلَّا مَعَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُقِرُّ بِنُبُوَّتِهِمَا مُنْفَرِدَةً عَنْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ، بَلِ الْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى كُفْرِ مَنْ أَقَرَّ بِنُبُوَّةِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَأَقَرَّ بِأَحَدِ هَذَيْنِ، فَهُوَ أَعْظَمُ كُفْرًا مِمَّنْ أَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ وَكَفَرَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ. وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ الْإِيمَانَ (¬2) بِمُحَمَّدٍ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِيمَانِ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ ¬

(¬1) ن: الثَّالِثُ عَشَرَ، م: الثَّانِي. (¬2) ب: إِنَّ الثَّلَاثَةَ الْإِيمَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الْإِيمَانُ بِهِمَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ. وَهَكَذَا نَفْيُ الْعِصْمَةِ، وَثُبُوتُ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَوِلَايَةُ اللَّهِ. فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ بِإِيمَانِ عَلِيٍّ وَتَقْوَاهُ وَوِلَايَتِهِ لِلَّهِ، إِلَّا مَقْرُونًا بِإِيمَانِ الثَّلَاثَةِ وَتَقْوَاهُمْ وَوِلَايَتِهِمْ لِلَّهِ. وَلَا يَنْفُونَ الْعِصْمَةَ عَنْهُمْ إِلَّا مَقْرُونًا بِنَفْيِهَا عَنْ عَلِيٍّ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْفَرْقَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ. وَإِذَا قَالَ الرَّافِضِيُّ لَهُمْ: الْإِيمَانُ ثَابِتٌ لِعَلِيٍّ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْعِصْمَةُ (¬1) مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الثَّلَاثَةِ بِالْإِجْمَاعِ، كَانَ كَقَوْلِ الْيَهُودِيِّ: نُبُوَّةُ مُوسَى ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ قَوْلُ النَّصْرَانِيِّ الْإِلَهِيَّةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْمُسْلِمُ يَقُولُ: نَفِيُ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى كَنَفْيِهَا (¬2) عَنِ الْمَسِيحِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ أَنْفِيَهَا عَنْ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ وَأُسَلِّمَ ثُبُوتَهَا لِلْمَسِيحِ، وَإِذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ: اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا آلِهَةً، وَتَنَازَعْنَا فِي النَّصْرَانِيِّ أَنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ، وَلَمْ يُدَّعَ [ذَلِكَ] (¬3) إِلَّا فِي الْمَسِيحِ، كَانَ كَتَقْرِيرِ الرَّافِضِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ، وَلَمْ يُدَّعَ ذَلِكَ إِلَّا لَعَلِيٍّ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ (* أَنَّهُ لَيْسَ لِعِيسَى (¬4) مَزِيَّةٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ بِهَا إِلَهًا دُونَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ، كَمَا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ *) (¬5) أَنَّ عَلِيًّا لَمْ [يَكُنْ لَهُ] مَزِيَّةٌ (¬6) يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ بِهَا مَعْصُومًا دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَنْ أَرَادَ التَّفْرِيقَ مَنَعْنَاهُ (¬7) ذَلِكَ، وَقُلْنَا لَا نُسَلِّمُ إِلَّا التَّسْوِيَةَ فِي الثُّبُوتِ أَوِ الِانْتِفَاءِ. ¬

(¬1) ن، م: أَوِ الْعِصْمَةُ. (¬2) ن، م: كَنَفْيٍ لَهَا. (¬3) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬4) فِي الْأَصْلِ (م) : لَعَلِيٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَأَحْسَبُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬6) ن: لَمْ مَزِيَّةٌ، ب: لَمْ نَرَهُ. (¬7) ن، م: مَعْنَاهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَإِذَا قَالَ: أَنْتُمْ تَعْتَقِدُونَ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنِ الثَّلَاثَةِ. قُلْنَا: نَعْتَقِدُ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنْ عَلِيٍّ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ (¬1) انْتِفَاءَهَا عَنْهُ أَوْلَى مِنِ انْتِفَائِهَا عَنْ غَيْرِهِ (¬2) ، وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ إِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً، فَلَا يُمْكِنُ مَعَ هَذَا أَنْ يُحْتَجَّ عَلَيْنَا بِقَوْلِنَا. وَأَيْضًا فَنَحْنُ إِنَّمَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنِ الثَّلَاثَةِ؛ لِاعْتِقَادِنَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ إِمَامًا مَعْصُومًا. فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ إِمَامًا مَعْصُومًا فَلَا يُشَكُّ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْعِصْمَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَنَفْيُنَا لِعِصْمَتِهِمْ لِاعْتِقَادِنَا هَذَا التَّقْدِيرَ. وَهُنَا جَوَابٌ ثَالِثٌ عَنْ أَصْلِ الْحُجَّةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّ عَلِيًّا مَعْصُومٌ، وَمَنْ سِوَاهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. فَإِنْ قَالُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ وَانْتِفَاءِ عِصْمَةِ غَيْرِهِ (¬3) كَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ حُجَّتِهِمْ. قِيلَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً بَطَلَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً فِي إِثْبَاتِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي الْمَقْصُودِ بِعِصْمَةِ مَنْ حَفَظَ الشَّرْعَ وَنَقَلَهُ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَحْتَجُّونَ (¬4) بِالْإِجْمَاعِ، وَيَرُدُّونَ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمُوا أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْمَعْصُومُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ؟ فَإِنِ ادَّعَوُا التَّوَاتُرَ عِنْدَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ فِي عِصْمَتِهِ، كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ ¬

(¬1) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ن، م: أَوْلَى مِنِ انْتِفَائِهَا عَنْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن: فَإِنْ قَالُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى انْتِفَاءِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ وَانْتِفَاءِ عِصْمَةِ غَيْرِهِ، م: فَإِنْ قَالُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى انْتِفَاءِ عِصْمَةِ غَيْرِهِ. (¬4) ب: مُحْتَجُّونَ.

كَالْقَوْلِ فِي تَوَاتُرِ النَّصِّ عَلَى إِمَامَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ آخَرُ. الْجَوَابُ الرَّابِعُ (¬1) : أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمَعْصُومِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا ثُبُوتَ الْمَعْصُومِ إِلَّا بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ إِلَّا بِقَوْلِهِ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةً إِلَّا إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، فَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَعُلِمَ بُطْلَانُ حُجَّتِهِمْ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَعْصُومِ. [وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْمَ لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ عِلْمِيٌّ أَصْلًا فِيمَا يَقُولُونَ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، بَلْ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَعْصُومُ فِيهِمْ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمَعْصُومِ] (¬2) وَحْدَهُ هُوَ الْحُجَّةُ، فَيَحْتَاجُونَ حِينَئِذٍ إِلَى الْعِلْمِ بِالشَّخْصِ الْمُسْتَقِلِّ (¬3) ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ. فَإِذَا احْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ عِنْدَهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ إِلَّا قَوْلَ الْمَعْصُومِ، فَيَصِيرُ هَذَا مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَيَكُونُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مَعْصُومٌ ; لِأَنَّهُ قَالَ إِنِّي مَعْصُومٌ. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: بِمَ عَرَفْتُمْ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ؟ قَالُوا: بِأَنَّهُ قَالَ أَنَا (¬4) مَعْصُومٌ، وَمَنْ سِوَايَ (¬5) لَيْسَ بِمَعْصُومٍ. وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَنَا صَادِقٌ فِي كُلِّ مَا أَقُولُهُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ بِغَيْرِ قَوْلِهِ، لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ فِيمَا يَقُولُهُ. ¬

(¬1) فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ (ن) ، (م) (ب) : السَّابِعُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَسَبَقَ الْجَوَابُ الثَّالِثُ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ الْجَوَابُ الْخَامِسُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (ب) وَأَثْبَتُّهُ مِنْ (م) ، وَفِي (م) أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَلِذَلِكَ حَذَفْتُ عِبَارَةَ " عَلَى ضَلَالَةٍ ". (¬3) ب: الْمُسْتَقْبِلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب: إِنَّهُ. (¬5) ن، ب: وَمِنْ سِوَاهُ.

وَحُجَّتُهُمْ هَذِهِ مِنْ جِنْسِ حُجَّةِ إِخْوَانِهِمُ الْمَلَاحِدَةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى (¬1) الْإِمَامِ الْمُعَلِّمِ الْمَعْصُومِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ (¬2) طُرُقَ الْعِلْمِ مِنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ لَا يُعْرَفُ صِحَّتُهَا إِلَّا بِتَعْلِيمِ الْمُعَلِّمِ الْمَعْصُومِ. وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ عَنْ إِخْوَانِهِمُ الرَّافِضَةِ، فَلَمَّا ادَّعَتِ الرَّافِضَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ فِي حِفْظِ الشَّرِيعَةِ وَأَقَرَّتْ (¬3) بِالنُّبُوَّةِ، ادَّعَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ مَا هُوَ أَبْلَغُ: فَقَالُوا: لَا بُدَّ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ (¬4) مِنَ الْمَعْصُومِ. وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ مَلَاحِدَةً فِي الْبَاطِنِ، يُقِرُّونَ بِالنُّبُوَّاتِ (¬5) فِي الظَّاهِرِ وَالشَّرَائِعِ، وَيَدَّعُونَ (¬6) أَنَّ لَهَا تَأْوِيلَاتٍ بَاطِنَةً تُخَالِفُ مَا يَعْرِفُهُ (¬7) النَّاسُ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ بِسُقُوطِ الْعِبَادَاتِ (¬8) وَحِلِّ الْمُحَرَّمَاتِ لِلْخَوَاصِّ الْوَاصِلِينَ، فَإِنَّ لَهُمْ طَبَقَاتٍ فِي الدَّعْوَةِ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ كِلْتَا (¬9) الطَّائِفَتَيْنِ تَدَّعِي الْحَاجَةَ إِلَى مَعْصُومٍ غَيْرِ الرَّسُولِ، لَكِنَّ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ يَجْعَلُونَ الْمَعْصُومَ أَحَدَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَتُجْعَلُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فِي حِفْظِ الشَّرِيعَةِ وَتَبْلِيغِهَا، وَهَؤُلَاءِ مَلَاحِدَةٌ كَفَّارٌ. ¬

(¬1) إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) م: إِنَّهُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، ب: وَأَقْرَبُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ. (¬5) ب: بِالنُّبُوَّةِ. (¬6) ب: فِي الظَّاهِرِ وَالشَّرَائِعِ يَدَّعُونَ. (¬7) ب: مَا يَعْرِفُ. (¬8) ب: الْعَادَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) ن، م: كِلَا.

وَالْإِمَامِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ الْإِسْلَامِ فِي الْبَاطِنِ، إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُلْحِدًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ شُيُوخِ الشِّيعَةِ هُوَ فِي الْبَاطِنِ عَلَى غَيْرِ اعْتِقَادِهِمْ: إِمَّا مُتَفَلْسِفٌ مُلْحِدٌ، وَإِمَّا غَيْرُ ذَلِكَ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ لَيْسَ هُوَ (¬1) فِي الْبَاطِنِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ أَنْ يَتَظَاهَرَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ. وَهَذَا يَقُولُهُ (¬2) غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُحِبُّ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ وَيُعَظِّمُهُ. وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ وَأَمْثَالُهُ (¬3) حَائِرُونَ بَيْنَ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ وَأَقْوَالِ سَلَفِهِمُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمَبَاحِثُهُمْ تَدُلُّ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى الْحَيْرَةِ وَالِاضْطِرَابِ. وَلِهَذَا صَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ يُعَظِّمُ الْمَلَاحِدَةَ كَالطُّوسِيِّ وَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِمَا، وَيُعَظِّمُ شُيُوخَ الْإِمَامِيَّةِ. وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ تَذُمُّهُ وَتَسُبُّهُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْإِمَامِيَّةِ. وَهَكَذَا أَهْلُ كُلِّ دِينٍ: تَجِدُ فُضَلَاءَهُمْ فِي الْغَالِبِ، إِمَّا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْحَقِّ، وَإِمَّا أَنْ يَصِيرُوا مَلَاحِدَةً، مِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى، هُمْ فِي الْبَاطِنِ زَنَادِقَةٌ مَلَاحِدَةٌ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ فِي الْبَاطِنِ يَمِيلُ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ فَسَادِ دِينِ النَّصَارَى. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْمَعْصُومِ ثَابِتَةٌ، فَالْكَلَامُ فِي تَعَيُّنِهِ. فَإِذَا طُولِبَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِتَعْيِينِ مَعْصُومِهِ، وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ (¬4) ¬

(¬1) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) م: يَقُولُ. (¬3) م: وَأَشْبَهَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ. (¬4) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

الْمَعْصُومُ دُونَ غَيْرِهِ، لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ أَصْلًا، وَتَنَاقَضَتْ أَقْوَالُهُ. وَكَذَلِكَ الرَّافِضِيُّ أَخَذَ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ كَلَامَهُمْ فِي وُجُوبِ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ، وَبَنَى عَلَيْهِ (¬1) أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْصُومٍ. وَهِيَ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ، وَلَكِنْ إِذَا طُولِبَ بِتَعْيِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ أَصْلًا إِلَّا مُجَرَّدُ (¬2) قَوْلِ مَنْ لَمْ تَثْبُتْ (¬3) بَعْدُ عِصْمَتُهُ: إِنِّي مَعْصُومٌ (¬4) . فَإِنْ قِيلَ: إِذَا ثَبَتَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْصُومٍ، فَإِذَا قَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي مَعْصُومٌ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَعْصُومَ (¬5) ; لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ هَذَا غَيْرُهُ. قِيلَ لَهُمْ: لَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُ مَعْصُومٍ فِي الْوُجُودِ، لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ قَوْلِ شَخْصٍ: أَنَا مَعْصُومٌ، مَقْبُولًا، لِإِمْكَانِ كَوْنِ (¬6) غَيْرِهِ هُوَ الْمَعْصُومَ، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ نَحْنُ دَعْوَاهُ (¬7) ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ دَعْوَاهُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ (¬8) دَعْوَى الْعِصْمَةِ وَإِظْهَارِهَا عَلَى أَصْلِهِمْ، كَمَا جَازَ لِلْمُنْتَظَرِ أَنْ يُخْفِيَ نَفْسَهُ خَوْفًا مِنَ الظَّلَمَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ مَعْصُومٌ غَيْرَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ وَلَمْ نَعْلَمْهُ، كَمَا ادَّعَوْا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُنْتَظَرِ، فَلِمَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى التَّعْيِينِ: لَا إِجْمَاعَ وَلَا دَعْوَى. ¬

(¬1) ن، م: وَتَلَى (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) عَلَيْهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م: بِمُجَرَّدِ. (¬3) ب: يَثْبُتْ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) ، (م) . (¬4) ن، ب: لَمْ يَثْبُتْ (فِي (ن) غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) إِلَّا بَعْدَ عِصْمَتِهِ: إِنَّهُ مَعْصُومٌ. (¬5) ب: هُوَ مَعْصُومًا. (¬6) كَوْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) ب: وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ مُجَرَّدَ دَعْوَاهُ. (¬8) ب: عَلَى.

وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ (¬1) بِتَقْدِيرِ دَعْوَى عَلِيٍّ الْعِصْمَةَ، فَإِنَّمَا يُقْبَلُ هَذَا لَوْ كَانَ عَلِيٌّ قَالَ ذَلِكَ، وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا جَوَابٌ خَامِسٌ (¬2) وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنِ (¬3) الْحُجَّةُ عَلَى الْعِصْمَةِ إِلَّا قَوْلُ الْمَعْصُومِ: إِنِّي مَعْصُومٌ، فَنَحْنُ رَاضُونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (¬4) أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، بَلِ النُّقُولُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْهُ تَنْفِي اعْتِقَادَهُ فِي نَفْسِهِ الْعِصْمَةَ. وَهَذَا جَوَابٌ سَادِسٌ، فَإِنَّ إِقْرَارَهُ لِقُضَاتِهِ (¬5) عَلَى أَنْ يَحْكُمُوا بِخِلَافِ رَأْيِهِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ نَفْسُهُ مَعْصُومًا. وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: " اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ. وَقَدْ رَأَيْتُ الْآنَ أَنْ يُبَعْنَ ". فَقَالَ لَهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ قَاضِيهُ: " رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ [فِي الْجَمَاعَةِ] (¬6) أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ ". وَكَانَ شُرَيْحٌ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ وَلَا يُرَاجِعُهُ وَلَا يُشَاوِرُهُ، وَعَلِيٌّ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَ يَقُولُ: " اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ". وَكَانَ يُفْتِي وَيَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ، كَأَمْثَالِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَهَذِهِ أَقْوَالُهُ الْمَنْقُولَةُ عَنْهُ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ مَوْجُودَةٌ. ¬

(¬1) ن: وَلَا دَعْوَى مَعَ هَذَا كُلِّهِ، م: وَلَا دَعْوَى مَعَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ. (¬2) خَامِسٌ: كَذَا فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ يُؤَكِّدُ صِحَّةَ تَصْوِيبِ الْعَدَدِ السَّابِقِ فِيمَا مَضَى. (¬3) م: لَمْ تَظْهَرِ (¬4) ب: أَحَدًا، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) . (¬5) ن، م: لِقَضَايِهِ. (¬6) عِبَارَةُ " فِي الْجَمَاعَةِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.

ثُمَّ قَدْ وُجِدَ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي تُخَالِفُ النُّصُوصَ أَكْثَرُ مِمَّا وُجِدَ مِنْ أَقْوَالِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْ ذَلِكَ كِتَابًا فِيهِ خِلَافُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، لَمَّا كَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يُنَاظِرُونَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَيَقُولُونَ: قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِمَا. فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ مَا تَرَكُوهُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ (¬1) ، وَجَمَعَ بَعْدَهُ (¬2) مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ (¬3) كِتَابًا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ (¬4) ذَكَرَهُ (¬5) فِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، لَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِ فِيهَا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ (¬6) . وَهَذَا كَلَامٌ مَعَ عُلَمَاءٍ يَحْتَجُّونَ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَمْثَالُهُ، فَإِنَّ (¬7) أَكْثَرَ مُنَاظَرَةِ الشَّافِعِيِّ كَانَتْ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ يُدْرِكْ أَبَا يُوسُفَ، وَلَا نَاظَرَهُ، وَلَا سَمِعَ مِنْهُ، بَلْ تُوُفِّيَ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّافِعِيُّ الْعِرَاقَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ (¬8) وَقَدِمَ الشَّافِعِيُّ الْعِرَاقَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ، وَلِهَذَا إِنَّمَا يَذْكُرُ فِي كُتُبِهِ أَقْوَالَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ. ¬

(¬1) وَهَذَا الْكِتَابُ مَوْجُودٌ دَاخِلَ كِتَابِ الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ 7/163 - 191 ط. مَكْتَبَةِ الْكُلِّيَّاتِ الْأَزْهَرِيَّةِ 1381 1961 وَأَشَارَ سِزْكِينُ م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 185 إِلَى وُجُودِهِ فِي طَبْعَةِ الْقَاهِرَةِ 1321 - 1326 فِي 7/151 - 177 (¬2) م: بَعْدَ (¬3) م: مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ 2/106. (¬4) ب: أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَبِيرًا. (¬5) ذَكَرَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬6) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْكِتَابَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ لَهُ سِزْكِينُ م [0 - 9] ، ج 3 ص 198 كِتَابَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُ نُسْخَةً خَطِّيَّةً فِي يُوسُفَ أَغَا بَقُونِيَةَ، وَذَكَرَ الزِّرِكْلِيُّ فِي الْأَعْلَامِ 7/346 مِنْ كُتُبِهِ كِتَابَ مَا خَالَفَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَانْظُرْ مُعْجَمَ الْمُؤَلِّفِينَ 12/78 (¬7) ن، م: فَإِنَّهُ. (¬8) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا مَضَى 2/471، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 182

وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ فِي (¬1) احْتِجَاجِهِمْ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا مَعْصُومٌ بِكَوْنِ غَيْرِهِمْ يَنْفِي الْعِصْمَةَ عَنْ غَيْرِهِ احْتِجَاجًا لِقَوْلِهِمْ (¬2) بِقَوْلِهِمْ، وَإِثْبَاتُ الْجَهْلِ بِالْجَهْلِ. وَمِنْ تَوَابِعِ ذَلِكَ مَا رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ شُيُوخِهِمْ: أَنَّهُمْ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُعْرَفُ قَائِلُهُ، وَالْآخَرُ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ، فَالصَّوَابُ عِنْدَهُمُ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ. قَالُوا (¬3) : لِأَنَّ قَائِلَهُ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ كَانَ مِنْ أَقْوَالِ الْمَعْصُومِ فَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ وَمِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَائِلُهُ إِنَّمَا قَالَهُ الْمَعْصُومُ! وَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ أَيْضًا لَمْ يُعْرَفْ (¬4) أَنَّهُ قَالَهُ، كَمَا لَمْ يُعْرَفْ (¬5) أَنَّهُ قَالَهُ الْآخَرُ. وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْصُومُ قَدْ قَالَ الْقَوْلَ الَّذِي يُعْرَفُ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَهُ، كَمَا أَنَّهُ يَقُولُ أَقْوَالًا كَثِيرَةً يُوَافِقُ فِيهَا غَيْرَهُ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ قَدْ قَالَهُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، بَلْ قَالَهُ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ؟ فَهُمْ يَجْعَلُونَ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْقَوْلِ وَصِحَّتِهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ، كَمَا قَالُوا هُنَا: عَدَمُ الْقَوْلِ بِعِصْمَةِ غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَكَمَا (¬6) جَعَلُوا عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْقَائِلِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ الْمَعْصُومِ. وَهَذَا (¬7) حَالُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ نُورِ السُّنَّةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ ; فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي ظُلُمَاتِ الْبِدَعِ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. ¬

(¬1) ن، م: مِنِ (¬2) لِقَوْلِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) ن، م: قَالَ. (¬4) ن، م: وَلَمْ يُعْرَفْ. (¬5) ن: كَمَا لَوْ يُعْرَفُ، م: كَمَا لَا يُعْرَفُ. (¬6) ن، م: كَمَا. (¬7) ن، ب: وَهَذِهِ.

فصل كلام الرافضي على الوجه الثاني من وجوه إمامة علي وهو وجوب النص على الإمام والرد عليه

[فصل كلام الرافضي على الوجه الثاني من وجوه إمامة علي وهو وجوب النص على الإمام والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْوَجْهُ (¬2) الثَّانِي: أَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، لِمَا بَيَّنَّا مِنْ بُطْلَانِ الِاخْتِيَارِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضَ الْمُخْتَارِينَ (¬3) لِبَعْضِ الْأُمَّةِ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ الْمُخْتَارِ الْآخَرِ (¬4) ، وَلِأَدَائِهِ إِلَى التَّنَازُعِ (¬5) وَالتَّشَاجُرِ، فَيُؤَدِّي نَصْبُ الْإِمَامِ إِلَى أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ الَّتِي (¬6) لِأَجْلِ إِعْدَامِ الْأَقَلِّ مِنْهَا أَوْجَبْنَا نَصْبَهُ. وَغَيْرُ عَلِيٍّ (¬7) مِنْ أَئِمَّتِهِمْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِمَنْعٍ (¬8) الْمُقْدِّمَتَيْنِ أَيْضًا، لَكِنَّ النِّزَاعَ هُنَا فِي الثَّانِيَةِ أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ، فَإِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْكَلَامِ، إِلَى النَّصِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ إِلَى النَّصِّ عَلَى الْعَبَّاسِ. ¬

(¬1) فِي (ك) ص 146 (م) . (¬2) الْوَجْهُ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬3) م: الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ك: لِلْآخَرِ. (¬5) ن: وَلَا أَدَّى إِلَى التَّنَازُعِ، ب: وَإِلَّا أَدَّى إِلَى التَّنَازُعِ، م: وَإِذَا أَدَّى بِهِ إِلَى التَّنَازُعِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬6) ن، م: الَّذِي. (¬7) ك: عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬8) م: وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ

وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: " غَيْرُ عَلِيٍّ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ " كَذِبٌ مُتَيَقَّنٌ، فَإِنَّهُ لَا إِجْمَاعَ عَلَى نَفْيِ النَّصِّ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ. وَهَذَا الرَّافِضِيُّ الْمُصَنِّفُ (¬1) ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ بَنِي جِنْسِهِ، وَمِنَ الْمُبَرَّزِينَ عَلَى طَائِفَتِهِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الطَّائِفَةَ كُلَّهَا جُهَّالٌ. وَإِلَّا فَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَقَالَاتِ النَّاسِ كَيْفَ يَدَّعِي مِثْلَ هَذَا الْإِجْمَاعِ؟ ! وَنُجِيبُ هُنَا بِجَوَابٍ ثَالِثٍ مُرَكَّبٍ (¬2) ، وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: لَا يَخْلُوا إِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ النَّصُّ فِي الْإِمَامَةِ وَإِمَّا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ. فَإِنِ اعْتُبِرَ مَنَعْنَا الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ، إِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّصَّ ثَابِتٌ لِأَبِي بَكْرٍ. وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ بَطَلَتِ [الْمُقَدِّمَةُ] (¬3) الْأُولَى. وَهُنَا جَوَابٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: الْإِجْمَاعُ عِنْدَكُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ قَوْلُ الْمَعْصُومِ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى إِثْبَاتِ النَّصِّ بِقَوْلِ الَّذِي يُدَّعَى لَهُ الْعِصْمَةُ. وَلَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ لَا نَصٌّ وَلَا عِصْمَةٌ، بَلْ يَكُونُ قَوْلُ الْقَائِلِ: " لَمْ يَعْرِفْ صِحَّةَ قَوْلِهِ: أَنَا (¬4) الْمَعْصُومُ، وَأَنَا الْمَنْصُوصُ عَلَى إِمَامَتِي " حُجَّةً، وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْجَهْلِ. وَهَذِهِ الْحُجَّةُ مِنْ جِنْسِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَجَوَابٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا تَعْنِي بِقَوْلِكَ: " يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ "؟ (¬5) . لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ: هَذَا هُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي، ¬

(¬1) الْمُصَنِّفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) ب: وَنُجِيبُ هَذَا الْجَوَابَ هُنَا بِجَوَابٍ ثَالِثٍ مُرَكَّبٍ، وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ يَبْدَأُ بِقَوْلِ ابْنِ تَيْمِيَةَ: وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا يَمْنَعُ الْمُتَقَدِّمِينَ. . . . إِلَخْ، وَالْجَوَابُ الثَّانِي قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: غَيْرُ عَلِيٍّ، كَذِبٌ مُتَيَقَّنٌ إِلَخْ. (¬3) الْمُقَدِّمَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (ب) . (¬4) م: صِحَّةُ قَوْلِهِ بَعْدُ أَنَا. (¬5) ن، ب: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ.

فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، فَيَكُونُ (¬1) الْخَلِيفَةُ بِمُجَرَّدِ هَذَا النَّصِّ؟ أَمْ لَا يَصِيرُ هَذَا (¬2) إِمَامًا حَتَّى تُعْقَدَ (¬3) لَهُ الْإِمَامَةُ مَعَ ذَلِكَ؟ . فَإِنْ قُلْتَ بِالْأَوَّلِ. قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ النَّصِّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَالزَّيْدِيَّةُ مَعَ الْجَمَاعَةِ تُنْكِرُ هَذَا النَّصَّ، وَهُمْ مِنَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ لَا يُتَّهَمُونَ عَلَى عَلِيٍّ (¬4) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ أَدَّى (¬5) إِلَى التَّنَازُعِ وَالتَّشَاجُرِ ". فَيُقَالُ: النُّصُوصُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْإِمَامَةَ وَتُعْلَمُ دَلَالَتُهَا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ فِي الْأَحْكَامِ، فَلَيْسَتْ كُلُّ الْأَحْكَامِ مَنْصُوصَةً نَصًّا جَلِيًّا يَسْتَوِي فِي فَهْمِهِ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ (¬6) . فَإِذَا كَانَتِ الْأُمُورُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ يُكْتَفَى فِيهَا بِهَذَا النَّصِّ، فَلَأَنْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ فِي الْقَضِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ تَوْلِيَةُ إِمَامٍ مُعَيَّنٍ، بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ يُمْكِنُ نَصُّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْجُزْئِيَّاتِ. وَأَيْضًا فِيهِ إِذَا كَانَتِ الْأَدِلَّةُ ظَاهِرَةً فِي أَنَّ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ اسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ (¬7) اسْتِخْلَافِهِ. وَالدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ، لَمْ ¬

(¬1) م: ثُمَّ يَكُونُ. (¬2) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) ب: يَعْقِدَ، م: تَعْتَقِدَ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) . (¬4) ب: لَا يَتَّهِمُونَ عَلِيًّا. (¬5) ن: فَإِنَّهُ أَدَّى، م: فَإِنَّهُ يُؤَدِّي. (¬6) ن، م: الْخَاصُّ وَالْعَامُّ. (¬7) م: مِنِ.

يُنَازِعْ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ نَازَعَ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يُنَازِعْ فِي أَنَّ (¬1) أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ، وَإِنَّمَا طَلَبَ أَنْ يُوَلَّى وَاحِدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُمْ (¬2) هَوًى مُنِعُوا ذَلِكَ بِدَلَالَةِ النُّصُوصِ. قِيلَ: وَإِذَا كَانَ لَهُمْ هَوًى عَصَوْا تِلْكَ النُّصُوصَ وَأَعْرَضُوا عَنْهَا، كَمَا ادَّعَيْتُمْ أَنْتُمْ عَلَيْهِمْ، فَمَعَ قَصْدِهِمُ الْقَصْدَ الْحَقَّ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهَذَا وَبِهَذَا، وَمَعَ الْعِنَادِ لَا يَنْفَعُ هَذَا وَلَا هَذَا. وَجَوَابٌ سَادِسٌ: أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ عَلَى الْأَحْكَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ: نَصٌّ كُلِّيٌّ (¬3) عَامٌّ يَتَنَاوَلُ أَعْيَانَهَا، وَنَصٌّ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ. فَإِذَا قُلْتُمْ: لَا بُدَّ مِنَ النَّصِّ عَلَى الْإِمَامِ. إِنْ أَرَدْتُمُ النَّصَّ عَلَى (¬4) الْعَامِّ الْكُلِّيِّ: [عَلَى] (¬5) مَا يُشْتَرَطُ لِلْإِمَامِ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَا يَجِبُ لَهُ، كَالنَّصِّ عَلَى الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ وَالشُّهُودِ وَأَئِمَّةِ الصَّلَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَأُمَرَاءِ الْجِهَادِ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَتَقَلَّدُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ - فَهَذِهِ النُّصُوصُ (¬6) ثَابِتَةٌ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - كَثِيرَةٌ (¬7) ، كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا بُدَّ مِنْ نَصٍّ عَلَى أَعْيَانِ مَنْ يَتَوَلَّى. ¬

(¬1) ن، ب: لَمْ يُنَازِعْ أَحَدٌ فِي أَنْ، م: لَمْ يُنَازِعْ أَنْ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) ن، م: لَهُ. (¬3) ب: جَلِيٌّ (¬4) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬5) عَلَى سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) ن، ب: الْأُمُورُ. (¬7) م: كَثِيرًا.

قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّصَّ عَلَى جُزْئِيَّاتِ الْأَحْكَامِ لَا يَجِبُ، بَلْ وَلَا يُمْكِنُ. وَالْإِمَامَةُ حُكْمٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ النَّصَّ عَلَى كُلِّ مَنْ يَتَوَلَّى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وِلَايَةً مَا إِلَى (¬1) قِيَامِ السَّاعَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَا وَاقِعٍ. وَالنَّصُّ عَلَى مُعَيَّنٍ دُونَ مُعَيَّنٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ النَّصُّ عَلَى كُلِّ مُعَيَّنٍ، بَلْ يَكُونُ نَصًّا (¬2) عَلَى بَعْضِ الْمُعَيَّنِينَ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قِيلَ: يُمْكِنُ النَّصُّ عَلَى إِمَامٍ، وَيُفَوَّضُ إِلَيْهِ (¬3) النَّصُّ عَلَى مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ. [قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ] (¬4) الْإِمَامُ، وَعَلَى مَنْ يَتَّخِذُهُ وَزِيرًا، وَالنَّصُّ عَلَى ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ. وَأَيْضًا فَالْإِمَامُ الْمَنْصُوصُ عَلَى عَيْنِهِ: أَهُوَ (¬5) مَعْصُومٌ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ أَوْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ؟ فَإِنْ كَانَ مَعْصُومًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ نُوَّابُهُ كُلُّهُمْ مَعْصُومِينَ. وَهَذَا كُلُّهُ (¬6) بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ (¬7) غَيْرَ مَعْصُومٍ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ بِوُجُودِ الْمَعْصُومِ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مَعْصُومٌ فِيمَنْ يَسْتَخْلِفُهُ بَعْدَهُ، دُونَ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ فِي حَيَاتِهِ. ¬

(¬1) م: عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْأَئِمَّةِ مَا إِلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، م: نُصَّ. (¬3) م: عَلَيْهِ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬5) م: هُوَ. (¬6) كُلُّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) م: أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

قِيلَ: الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ (¬1) إِلَى الْعِصْمَةِ فِي كِلَيْهِمَا (¬2) ، وَعِلْمُهُ بِالْحَاضِرِ أَعْظَمُ مِنْ عِلْمِهِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْصُومًا فِيمَا يَأْتِي، وَلَيْسَ مَعْصُومًا فِي الْحَاضِرِ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّصُّ مُمْكِنٌ، فَلَوْ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَلِيفَةٍ. قِيلَ: فَنَصُّهُ عَلَى خَلِيفَةٍ بَعْدَهُ كَتَوْلِيَةِ وَاحِدٍ فِي حَيَاتِهِ، وَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ الْعِصْمَةَ لَا (¬3) فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا. وَجَوَابٌ سَابِعٌ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: أَنْتُمْ أَوْجَبْتُمُ النَّصَّ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى التَّشَاجُرِ، الْمُفْضِي إِلَى أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ الَّتِي (¬4) لِأَجْلِ إِعْدَامِ الْأَقَلِّ مِنْهَا أَوْجَبْتُمْ نَصْبَهُ. فَيُقَالُ: الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَلَّى بِدُونِ هَذَا الْفَسَادِ. وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ تَوَلَّيَا بِدُونِ هَذَا الْفَسَادِ. (* فَإِنَّمَا عَظُمَ هَذَا الْفَسَادُ فِي الْإِمَامِ الَّذِي ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَوَقَعَ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّشَاجُرِ وَالْفَسَادِ *) (¬5) [الَّتِي] لِأَجَلٍ (¬6) إِعْدَامِ الْأَقَلِّ مِنْهَا أَوْجَبْتُمْ نَصْبَهُ، فَكَانَ مَا جَعَلْتُمُوهُ وَسِيلَةً إِنَّمَا حَصَلَ مَعَهُ نَقِيضُ الْمَقْصُودِ، [وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ] (¬7) بِدُونِ وَسِيلَتِكُمْ، فَبَطَلَ كَوْنُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ وَسِيلَةً إِلَى الْمَقْصُودِ. ¬

(¬1) ن: الدَّاعِيَةُ. (¬2) ن، م: فِي كِلَاهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) ن، م: الَّذِي. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) م: مَا لِأَجَلٍ وَسَقَطَتِ الَّتِي مِنْ (ن) . (¬7) عِبَارَةُ " وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .

وَهَذَا لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرُوا بِمَا لَمْ يَكُنْ، فَلَزِمَ مِنْ كَذِبِهِمْ وَجَهْلِهِمْ هَذَا التَّنَاقُضُ. وَجَوَابٌ ثَامِنٌ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ (¬1) الَّذِي يُزِيلُ هَذَا (¬2) الْفَسَادَ يَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيُّ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬3) بِوِلَايَةِ الشَّخْصِ وَيُثْنِي عَلَيْهِ فِي وِلَايَتِهِ، فَحِينَئِذٍ تَعْلَمُ الْأُمَّةُ أَنَّ هَذَا إِنْ (¬4) تَوَلَّى كَانَ مَحْمُودًا مَرْضِيًّا، فَيَرْتَفِعُ النِّزَاعُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَلُّوهُ. وَهَذَا النَّصُّ وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. الثَّانِي: أَنْ يُخْبِرَ بِأُمُورٍ تَسْتَلْزِمُ صَلَاحَ الْوُلَاةِ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ وَقَعَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. الثَّالِثُ: أَنْ (¬5) يَأْمُرَ مَنْ يَأْتِيهِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ شَخْصًا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَلِيفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ. وَهَذَا وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ (¬6) . الرَّابِعُ: أَنْ يُرِيدَ كِتَابَةَ كِتَابٍ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ وَالْمُؤْمِنِينَ لَا يُوَلُّونَ إِلَّا فُلَانًا، وَهَذَا وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ. الْخَامِسُ: أَنْ يَأْمُرَ بِالِاقْتِدَاءِ بَعْدَهُ بِشَخْصٍ، فَيَكُونُ هُوَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ. السَّادِسُ: أَنْ يَأْمُرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَيَجْعَلَ ¬

(¬1) النَّصُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَتْ فِي (ن) . (¬4) ن، م: إِذَا. (¬5) م: مَنْ. (¬6) م: لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

خِلَافَتَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّينَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ هُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ. السَّابِعُ: أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ هُوَ الْمُقَدَّمُ عِنْدَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ لِأَبِي بَكْرٍ. وَهُنَا جَوَابٌ تَاسِعٌ (¬1) : وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: تَرْكُ النَّصِّ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْلَى بِالرَّسُولِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ (¬2) النَّصُّ لِيَكُونَ مَعْصُومًا، فَلَا مَعْصُومَ (¬3) بَعْدَ الرَّسُولِ. وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الْعِصْمَةِ (¬4) فَقَدْ يُحْتَجُّ بِالنَّصِّ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (¬5) بَعْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ أَنْ يُرَاجِعَ الرَّسُولَ فِي أَمْرِهِ لِيَرُدَّهُ أَوْ يَعْزِلَهُ (¬6) ، فَكَانَ أَنْ لَا يَنُصَّ (¬7) عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْلَى مِنَ النَّصِّ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ يُوَلِّيهِ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا (¬8) أَخْطَأَ أَوْ أَذْنَبَ أَمْكَنَ الرَّسُولَ بَيَانُ خَطَئِهِ وَرَدُّ ذَنْبِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ الْأُمَّةَ عَزْلُهُ لِتَوْلِيَةِ (¬9) الرَّسُولِ إِيَّاهُ، فَكَانَ (¬10) عَدَمُ النَّصِّ عَلَى مُعَيَّنٍ - مَعَ عِلْمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِينِهِمْ - أَصْلَحَ لِلْأُمَّةِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ. وَأَيْضًا لَوْ نَصَّ عَلَى مُعَيَّنٍ لِيُؤْخَذَ الدِّينُ مِنْهُ (¬11) ، كَمَا تَقَوَّلَهُ الرَّافِضَةُ، ¬

(¬1) سَبَقَ الْجَوَابُ الثَّامِنُ قَبْلَ قَلِيلٍ، فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. (¬2) ب: فَإِنْ كَانَ. (¬3) م: فَلَا يُمْكِنُ مَعْصُومٌ. (¬4) ن: وَإِنْ كَانَ مَعْصُومٌ بِدُونِ الْعِصْمَةِ. (¬5) ن، ب: أَحَدًا. (¬6) م: أَوْ يَقُولَهُ. (¬7) ن، ب: فَإِنْ كَانَ لَا يَنُصُّ، م: فَإِنْ كَانَ أَنْ لَا يَنُصَّ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬8) ن، ب: فَإِذَا. (¬9) ن، ب: عَزْلُ تَوْلِيَةٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬10) م: فَكُلُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬11) ن: لِيَأْخُذَ الدِّينَ مِنْهُ، م: لِيَأْخُذَ الدِّينَ مَعَهُ.

بَطَلَتْ حُجَّةُ اللَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقُومُ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ غَيْرُ الرَّسُولِ، إِذْ لَا مَعْصُومَ إِلَّا هُوَ. وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْأُمُورَ وَغَيْرَهَا عَلِمَ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬1) وَأُمَّتِهِ أَكْمَلُ الْأُمُورِ. وَجَوَابٌ عَاشِرٌ: وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ لَا يُمْكِنُ، وَالْكُلِّيَّاتُ قَدْ نُصَّ [عَلَيْهَا] (¬2) . فَلَوْ نَصَّ عَلَى مُعَيَّنٍ وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ فِي تَعْيِينِ الْكُلِّيَّاتِ كَانَ هَذَا بَاطِلًا، وَإِنْ أَمَرَ بِطَاعَتِهِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، سَوَاءٌ وَافَقَتِ الْكُلِّيَّاتِ أَوْ خَالَفَتْهَا، كَانَ هَذَا بَاطِلًا، وَإِنْ أَمَرَ بِطَاعَتِهِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ إِذَا طَابَقَتِ الْكُلِّيَّاتِ، فَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَوَلٍّ. وَأَيْضًا فَلَوْ نَصَّ عَلَى مُعَيَّنٍ لَكَانَ مَنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ، إِذْ طَاعَةُ الْأَوَّلِ إِنَّمَا وَجَبَتْ بِالنَّصِّ، وَلَا نَصَّ مَعَهُ. وَإِنْ قِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ يَنُصُّ عَلَى الْآخَرِ، فَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الثَّانِي مَعْصُومًا. وَالْعِصْمَةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ غَيْرِ الرَّسُولِ، وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالنَّصِّ فَرْعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعِصْمَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ. فَكَذَلِكَ هَذَا، أَعْنِي النَّصَّ الَّذِي تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ (¬3) ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِطَاعَةِ الْمُتَوَلِّي فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ، مِنْ غَيْرِ رَدِّ مَا يَقُولُهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِذَا نُوزِعَ. ¬

(¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬2) عَلَيْهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) ب: فَكَذَلِكَ هَذَا النَّصُّ الَّذِي تَدَّعِيهِ أَعْنِي الرَّافِضَةَ

وَأَمَّا إِذَا كَانَ يَرُدُّ مَا تُنُوزِعَ فِيهِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (¬1) لَمْ يَحْتَجْ حِينَئِذٍ إِلَى نَصٍّ عَلَيْهِ لِحِفْظِ الدِّينِ، فَإِنَّ الدِّينَ (¬2) مَحْفُوظٌ بِدُونِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّصُّ عَلَى مُعَيَّنٍ: إِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يُطَاعُ كَمَا يُطَاعُ الرَّسُولُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ (¬3) وَيَنْهَى عَنْهُ وَيُبِيحُهُ، وَلَيْسَ (¬4) لِأَحَدٍ أَنْ (* يُنَازِعَهُ فِي شَيْءٍ، كَمَا لَيْسَ [لَهُ] (¬5) أَنْ *) (¬6) يُنَازِعُ الرَّسُولَ، وَأَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِالْأَحْكَامِ، وَالْأُمَّةُ مَعَهُ كَمَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا (¬7) لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَ الرَّسُولِ، وَلَا يُمْكِنُ هَذَا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ أَحَدًا بَعْدَهُ لَا يَأْتِيهِ الْوَحْيُ كَمَا كَانَ يَأْتِيهِ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ كُلَّ مَا عَرَفَهُ الرَّسُولُ، فَلَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إِلَى مُمَاثَلَتِهِ: لَا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ يُبَيِّنُ لِلْأُمَّةِ أَنَّ هَذَا أَحَقُّ بِأَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْكُمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَوِلَايَةُ هَذَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَصْلَحُ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّقَدُّمِ فِي خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ - فَلَا رَيْبَ أَنَّ النُّصُوصَ الْكَثِيرَةَ بِهَذِهِ الْمَعَانِي دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يُتَابِعُوهُ، كَمَا أَمَرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُتَابِعُوا عُمَرَ، وَيَعْهَدَ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ - فَهَذَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْأُمَّةَ (¬8) تَفْعَلُهُ، كَانَ تَرْكُهُ خَيْرًا ¬

(¬1) ب فَقَطْ: وَالسُّنَّةُ إِذَا نُوزِعَ. (¬2) ب: فَالدِّينُ. (¬3) م: يُؤْمَرُ بِهِ. (¬4) م: لَيْسَ. (¬5) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (م) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬7) م: لِهَذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) م: لِلْإِمَامَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

مِنْ فِعْلِهِ. وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا تَفْعَلَهُ إِلَّا بِأَمْرِهِ، كَانَ الْأَمْرُ أَوْلَى بِهِ. وَلِهَذَا لَمَّا خَشِيَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَخْتَلِفُوا بَعْدَهُ، عَهِدَ إِلَى عُمَرَ، وَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ (¬1) . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: «ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي " ثُمَّ [قَالَ] (¬2) : " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» (¬3) . فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُوَلِّي إِلَّا أَبَا بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ لَا يُبَايِعُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ (¬4) . وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ تَرْكُ الْأَمْرِ مَعَ عِلْمِهِ أَفْضَلَ، كَمَا فَعَلَ [النَّبِيُّ] (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ إِذَا وَلَّتْهُ طَوْعًا مِنْهَا بِغَيْرِ الْتِزَامٍ - وَكَانَ هُوَ الَّذِي يَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ - كَانَ أَفْضَلَ لِلْأُمَّةِ، وَدَلَّ عَلَى عِلْمِهَا وَدِينِهَا. فَإِنَّهَا لَوْ أُلْزِمَتْ بِذَلِكَ، لَرُبَّمَا قِيلَ: إِنَّهَا أُكْرِهَتْ عَلَى الْحَقِّ، وَهِيَ لَا تَخْتَارُهُ، كَمَا كَانَ يَجْرِي [مِثْلُ] (¬6) ذَلِكَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَّةِ بَقَايَا جَاهِلِيَّةٍ مِنَ التَّقَدُّمِ بِالْأَنْسَابِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ لَا يَتَوَلَّى إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، كَمَا كَانَ أَبُو سُفْيَانَ وَغَيْرُهُ ¬

(¬1) ن، م: أَنَّهُمْ يُبَايِعُوا أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ. (¬2) قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/492 (¬4) م: إِلَّا هُوَ. (¬5) النَّبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) مِثْلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (ب) .

يَخْتَارُونَ ذَلِكَ. فَلَوْ أَلْزَمَ الْمُهَاجِرِينَ (¬1) وَالْأَنْصَارَ بِهَذَا، لَظَنَّ الظَّانُّ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ جِنْسِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَمْثَالِهِ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ اخْتِصَاصَ الصِّدِّيقِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا وَآخِرًا، وَمُوَافَقَتَهُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. فَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: إِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ كَارِهِينَ (¬2) لِمَنْ يَأْمُرُهُمْ بِمِثْلِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ، لَكِنْ لَمَّا أَلْزَمَهُمْ بِذَلِكَ احْتَاجُوا إِلَى الْتِزَامِهِ، لَوْ لَمْ يَقْدَحْ فِيهِمْ بِذَلِكَ لَمْ يُمْدَحُوا إِلَّا بِمُجَرَّدِ الطَّاعَةِ لِلْأَمْرِ، فَإِذَا كَانُوا بِرِضَاهِمْ وَاخْتِيَارِهِمُ اخْتَارُوا مَا يَرْضَاهُ (¬3) اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ إِلْزَامٍ، كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِقَدْرِهِمْ، وَأَعْلَى لِدَرَجَتِهِمْ، وَأَعْظَمَ فِي مَثُوبَتِهِمْ (¬4) ، وَكَانَ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ هُوَ أَفْضَلَ الْأُمُورِ لَهُ وَلَهُمْ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَبَعْدَهُ أُسَامَةَ [بْنَ زَيْدٍ] (¬5) ، وَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِمَا (¬6) ، وَاحْتَاجُوا مَعَ ذَلِكَ إِلَى لُزُومِ طَاعَتِهِمَا. فَلَوْ أَلْزَمَهُمْ بِوَاحِدٍ لَكَانَ [يَظُنُّ] بِهِمْ (¬7) أَنَّ مِثْلَ هَذَا كَانَ [فِي] (¬8) نُفُوسِهِمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الصِّدِّيقُ (¬9) عِنْدَهُمْ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي لَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا أَحَدٌ. فَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى بَيْعَتِهِ، وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحَدٌ (¬10) : إِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُ، ¬

(¬1) ن، ب: الْمُهَاجِرُونَ. (¬2) ن، ب: كَانُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) م: مَا يَرَاهُ. (¬4) ب: فِي بُيُوتِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) بْنَ زَيْدٍ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬6) ب: فِي أَصْلِ وِلَايَتِهِمَا. (¬7) ن: لَكَانَ بِهِمْ، ب: لَكَانَ لَهُمْ. (¬8) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬9) م: لِلصِّدِّيقِ. (¬10) م: أَحَدٌ قَطُّ.

لَا قُرَشِيٌّ وَلَا أَنْصَارِيٌّ، فَإِنَّ مَنْ نَازَعَ أَوَّلًا مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ تَكُنْ مُنَازَعَتُهُ لِلصَّدِيقِ، بَلْ طَلَبُوا أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ وَمِنْ قُرَيْشٍ أَمِيرٌ. وَهَذِهِ مُنَازَعَةٌ عَامَّةٌ لِقُرَيْشٍ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ قَطَعُوا الْمُنَازَعَةَ، وَقَالَ لَهُمُ الصِّدِّيقُ: " رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ (¬1) " قَالَ عُمَرُ: فَكُنْتُ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي، لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ (¬2) إِلَى إِثْمٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ (¬3) عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ " وَقَالَ لَهُ بِمَحْضَرِ الْبَاقِينَ: " أَنْتَ خَيْرُنَا وَأَفْضَلُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (¬4) . ثُمَّ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ وَلَا رَغْبَةٍ بُذِلَتْ لَهُمْ (¬5) وَلَا رَهْبَةٍ، فَبَايَعَهُ الَّذِينَ بَايَعُوا الرَّسُولَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ لَمَّا كَانُوا يُهَاجِرُونَ إِلَيْهِ، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ لَمَّا كَانُوا يُسْلِمُونَ مِنْ غَيْرِ هِجْرَةٍ، كَالطُّلَقَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: إِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ فِي أَحَدٍ بِعَيْنِهِ: إِنَّ فُلَانًا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَإِنَّمَا قَالَ مَنْ فِيهِ أَثَرُ جَاهِلِيَّةٍ عَرَبِيَّةٍ أَوْ فَارِسِيَّةٍ: إِنَّ بَيْتَ الرَّسُولِ أَحَقُّ ¬

(¬1) ب: وَأَبِي عُبَيْدَةَ. (¬2) ن، ب: لَا يُقَرِّبُنِي مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) م: أَنْ أُمِّرَ. (¬4) انْظُرْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ السَّقِيفَةِ الَّذِي سَبَقَ فِيمَا مَضَى 1/536، 2/50 (¬5) ب: بِذِلَّتِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

بِالْوِلَايَةِ. لِكَوْنِ (¬1) الْعَرَبَ [كَانَتْ] فِي جَاهِلِيَّتِهَا (¬2) تُقَدِّمُ أَهْلَ بَيْتِ الرُّؤَسَاءِ، وَكَذَلِكَ الْفُرْسُ يُقَدِّمُونَ أَهْلَ بَيْتِ الْمَلِكِ. فَنُقِلَ عَمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ كَلَامٌ يُشِيرُ بِهِ إِلَى هَذَا، كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ (¬3) . وَصَاحِبُ هَذَا الرَّأْيِ لَمْ يَكُنْ (¬4) لَهُ غَرَضٌ فِي عَلِيٍّ ; بَلْ كَانَ الْعَبَّاسُ عِنْدَهُ بِحُكْمِ رَأْيِهِ أَوْلَى مِنْ عَلِيٍّ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ رَجَّحَ عَلِيًّا، فَلِعِلْمِهِ (¬5) بِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُقَدِّمُ الْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى عَلَى النَّسَبِ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. فَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا لَا يَحْكُمُونَ إِلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ الْمَحْضِ، وَهُوَ التَّقْدِيمُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمُ اثْنَانِ فِي أَبِي بَكْرٍ، وَلَا خَالَفَ أُحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ (¬6) وَلَا مِنْ هَؤُلَاءِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَعْظَمُ إِيمَانًا وَتَقْوًى (¬7) مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقَدَّمُوهُ مُخْتَارِينَ لَهُ مُطِيعِينَ، فَدَلَّ ذَلِكَ (¬8) عَلَى كَمَالِ إِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، وَاتِّبَاعِهِمْ لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُمْ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَتْقَى فَالْأَتْقَى، وَكَانَ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِمْ (¬9) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهُمْ أَفْضَلَ لَهُمْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَنْ هَدَى هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَعَلَى أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَتْبَاعِهِمْ. ¬

(¬1) ب: لِأَنَّ. (¬2) ب: فِي جَاهِلِيَّتِهَا كَانَتْ. وَسَقَطَتْ كَانَتْ مِنْ (ن) . (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) عِبَارَةُ " لَمْ يَكُنْ " سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) ب: فِعْلُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَفِي (ن) ، (م) : فَعَلَّمَهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬6) م: أَحَدٌ لِأَمْرِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ. (¬7) م: أَوْ تَقْوًى. (¬8) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬9) ب: لِنَبِيِّهِ.

فصل كلام الرافضي على الوجه الثالث من وجوه إمامة علي رضي الله عنه يجب أن يكون حافظا للشرع

[فصل كلام الرافضي على الوجه الثالث من وجوه إمامة علي رضي الله عنه يجب أن يكون حافظا للشرع] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلشَّرْعِ؛ لِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُصُورِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ الْجُزْئِيَّةِ (¬2) الْوَاقِعَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِمَامٍ مَنْصُوبٍ (¬3) مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، مَعْصُومٍ مِنَ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ (¬4) ، لِئَلَّا يَتْرُكَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ، أَوْ يَزِيدَ فِيهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. وَغَيْرُ عَلِيٍّ (¬5) لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلشَّرْعِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ حَافِظَةً لِلشَّرْعِ. وَحِفْظُ الشَّرْعِ يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَاحِدِ، بَلِ الشَّرْعُ إِذَا نَقَلَهُ أَهْلُ التَّوَاتُرِ كَانَ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَنْقُلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. وَإِذَا كَانَ كُلُّ طَائِفَةٍ تَقُومُ بِهِمْ (¬6) الْحُجَّةُ تُنْقَلُ بِعِصْمَةٍ (¬7) ، حَصَلَ الْمَقْصُودُ. وَعِصْمَةُ أَهْلِ التَّوَاتُرِ حَصَلَ فِي نَقْلِهِمْ أَعْظَمُ عِنْدَ بَنِي آدَمَ كُلِّهِمْ مِنْ عِصْمَةِ مَنْ (¬8) لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 146 (م) ، 147 (م) . (¬2) ك: أَحْكَامِ الْجُزْئِيَّاتِ. (¬3) ن، ب: مَعْصُومٍ. (¬4) ك (ص 147 م) : مِنَ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ. (¬5) ك: عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬6) ن، ب: بِهِ. (¬7) ن، م: تَنْقُلُ بَعْضَهُ، ب: يُنْقَلُ بِعِصْمَةٍ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬8) مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

وَعَلِيًّا - وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ - فَمَا نَقَلَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ أَبْلَغُ مِمَّا نَقَلَهُ هَؤُلَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ (¬1) أَكْثَرُ النَّاسِ يَطْعَنُونَ فِي عِصْمَةِ النَّاقِلِ لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُمَّةِ يُكَفِّرُهُ؟ . وَالتَّوَاتُرُ يَحْصُلُ بِأَخْبَارِ الْمُخْبِرِينَ الْكَثِيرِينَ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُمْ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: أَتُرِيدُ بِهِ مَنْ يَكُونُ (¬2) حَافِظًا لِلشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا؟ أَوْ مَنْ يَكُونُ مَعْصُومًا؟ فَإِنِ اشْتَرَطَتِ (¬3) الْعِصْمَةَ فَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ كَرَّرْتُهُ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَلَيْهِ (¬4) . وَإِنِ اشْتَرَطَتْ (¬5) مُجَرَّدَ الْحِفْظِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَحْفَظَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْلَمُ بِهِمَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ هَمَا كَانَا أَعْلَمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْهُ، فَبَطَلَ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: أَتَعْنِي (¬6) بِكَوْنِهِ حَافِظًا لِلشَّرْعِ مَعْصُومًا أَنَّهُ (¬7) لَا يَعْلِمُ صِحَّةَ شَيْءٍ مِنَ الشَّرْعِ إِلَّا بِنَقْلِهِ؟ أَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَ صِحَّةَ شَيْءٍ مِنَ الشَّرْعِ بِدُونِ نَقْلِهِ؟ . إِنْ (¬8) قُلْتَ بِالثَّانِي (¬9) لَمْ يَحْتَجْ لَا إِلَى حِفْظِهِ وَلَا إِلَى عِصْمَتِهِ (¬10) ، فَإِنَّهُ ¬

(¬1) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) ب: مَنْ كَانَ. (¬3) ن، ب: فَإِنَّ اشْتِرَاطَ. (¬4) ن، ب: عَنْهُ. (¬5) ب: وَإِنِ اشْتَرَطَ. (¬6) ن، م: تَعْنِي (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) ، (ب) : أَتَعْنِي وَيَبْدُو أَنَّهُ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ. (¬7) ب: وَأَنَّهُ. (¬8) ن، م: وَإِنْ. (¬9) م: الثَّانِي. (¬10) م: لَمْ يَحْتَجْ إِلَى حِفْظٍ وَلَا إِلَى عِصْمَةٍ.

إِذَا (¬1) أَمْكَنَ حِفْظُ شَيْءٍ مِنَ الشَّرْعِ بِدُونِهِ، أَمْكَنَ حِفْظُ الْآخَرَ، حَتَّى يُحْفَظَ الشَّرْعُ كُلُّهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهِ. وَإِنْ (¬2) قُلْتَ: بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ شَيْءٍ مِنَ الشَّرْعِ إِلَّا بِحِفْظِهِ. فَيُقَالُ: حِينَئِذٍ لَا تَقُومُ حُجَّةٌ (¬3) عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا بِنَقْلِهِ، وَلَا يُعْلَمُ صِحَّةُ نَقْلِهِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ إِلَّا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَفْيِ عِصْمَةِ مَنْ سِوَاهُ، فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مَعْصُومًا أَمْكَنَ حِفْظُ الشَّرْعِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا لَمْ تُعْلَمْ عِصْمَتُهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: فَبِمَاذَا تَثْبُتُ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِنُبُوَّتِهِ؟ فَإِنْ قِيلَ: بِمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ. قِيلَ: مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ لَمْ يُقِرَّ بِإِمَامَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بَلْ يَقْدَحُ فِي هَذَا وَهَذَا. وَإِنْ قِيلَ: بِمَا تَنْقُلُهُ الْأُمَّةُ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ، كَالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ. قِيلَ: فَإِذَا كَانَ نَقْلُ الْأُمَّةِ الْمُتَوَاتِرِ حُجَّةً يَثْبُتُ بِهَا أَصْلُ نُبُوَّتِهِ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ حُجَّةً يَثْبُتُ بِهَا (¬4) فُرُوعُ شَرِيعَتِهِ؟ الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْإِمَامَ: هَلْ يُمْكِنُهُ تَبْلِيغُ الشَّرْعِ إِلَى مَنْ يَنْقُلُهُ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ؟ [أَمْ] (¬5) لَا يَزَالُ مَنْقُولًا نَقْلَ الْآحَادِ مِنْ إِمَامٍ إِلَى إِمَامٍ؟ ¬

(¬1) ن، ب: فَإِذَا. (¬2) ن، م: فَإِنْ. (¬3) م: الْحُجَّةُ. (¬4) م: بِهِ. (¬5) أَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (ب) : أَوْ.

فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى نَقْلِ الْإِمَامِ. وَإِنْ قِيلَ: لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ. لَزِمَ أَنْ يَكُونَ دِينُ الْإِسْلَامِ لَا يَنْقُلُهُ إِلَّا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَالنَّقَلَةُ لَا يَكُونُونَ إِلَّا مِنْ أَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الَّذِينَ يُمْكِنُ الْقَادِحَ فِي نُبُوَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُمْ [يَقُولُونَ] عَلَيْهِ مَا يَشَاؤُونَ (¬1) ، وَيَصِيرُ (¬2) دِينُ الْمُسْلِمِينَ شَرًّا مِنْ دِينِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّ أَئِمَّتَهُمْ يَخْتَصُّونَ بِعِلْمِهِ وَنَقْلِهِ. الْوَجْهُ السَّادِسُ (¬3) : أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُنْقِصُ مِنْ قَدْرِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الَّذِي يُدَّعَى الْعِصْمَةَ فِيهِ وَحُفِظَ مِنْ عَصَبَتِهِ (¬4) ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ التُّهَمِ الَّتِي تُوجِبُ الْقَدْحَ فِي نُبُوَّتِهِ. وَيُقَالُ: إِنْ كَانَ طَالِبَ مُلْكٍ أَقَامَهُ لِأَقَارِبِهِ (¬5) ، وَعَهِدَ إِلَيْهِمْ مَا يَحْفَظُونَ بِهِ الْمُلْكَ، وَأَنْ لَا يَعْرِفَ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ، فَإِنَّ هَذَا بِأَمْرِ الْمُلْكِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِأَمْرِ الْأَنْبِيَاءِ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: الْحَاجَةُ ثَابِتَةٌ إِلَى مَعْصُومٍ فِي حِفْظِ الشَّرْعِ وَنَقْلِهِ، [وَحِينَئِذٍ] (¬6) فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ حَفِظُوا الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ وَبَلَّغُوهُ هُمُ الْمَعْصُومِينَ (¬7) الَّذِينَ حَصَلَ بِهِمْ مَقْصُودُ حِفْظِ ¬

(¬1) ن، ب: أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُمْ عَلَيْهِ مَا شَاءُوا. (¬2) م: أَنْ يَصِيرَ. (¬3) ن، م: الْخَامِسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ب: عِصْمَتِهِ. (¬5) ن، ب: أَقَارِبُهُ لِأَقَارِبِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) وَحِينَئِذٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬7) ن، م: الْمَعْصُومُونَ.

الشَّرْعِ وَتَبْلِيغِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِصْمَةَ إِذَا حَصَلَتْ فِي الْحِفْظِ وَالتَّبْلِيغِ مِنَ النَّقَلَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا هُمُ الْأَئِمَّةَ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: لِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِصْمَةُ فِي الْحِفْظِ وَالْبَلَاغِ ثَابِتَةً لِكُلِّ طَائِفَةٍ بِحَسَبِ مَا حَمَلَتْهُ مِنَ الشَّرْعِ. فَالْقُرَّاءُ مَعْصُومُونَ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتَبْلِيغِهِ، وَالْمُحَدِّثُونَ مَعْصُومُونَ فِي حِفْظِ الْحَدِيثِ وَتَبْلِيغِهِ، وَالْفُقَهَاءُ مَعْصُومُونَ فِي فَهْمِ الْكَلَامِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى (¬1) الْأَحْكَامِ. وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ الْمَعْلُومُ الَّذِي أَغْنَى اللَّهُ بِهِ (¬2) عَنْ وَاحِدٍ مَعْدُومٍ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَحْفَظُ الشَّرْعَ وَيُبَلِّغُهُ (¬3) إِلَّا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ مَعْصُومٍ عَنْ مَعْصُومٍ، وَهَذَا الْمُنْتَظَرُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً لَمْ يَأْخُذْ عَنْهُ أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ الشَّرْعِ، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمُ الْقُرْآنَ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ؟ وَلِمَ لَا [يَجُوزُ أَنْ] يَكُونَ (¬4) هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي تَقْرَؤُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ [اللَّهِ] (¬5) ؟ . وَكَذَلِكَ مِنْ أَيْنَ لَكُمُ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْكَامِهِ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْصُومَ إِمَّا مَفْقُودٌ وَإِمَّا (¬6) مَعْدُومٌ. ¬

(¬1) ن، ب: فِي (¬2) ب: بِهِ اللَّهُ، م: أَغْنَى أَنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب، م: وَتَبْلِيغُهُ. (¬4) ن، ب: وَلِمَ لَا يَكُونُ. (¬5) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي (ن) . (¬6) م: أَوْ.

فَإِنْ قَالُوا: تَوَاتَرَ ذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِنَقْلِهِمْ (¬1) عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ. قِيلَ: فَإِذَا كَانَ تَوَاتُرُ (¬2) أَصْحَابِكُمْ عَنِ الْأَئِمَّةِ يُوجِبُ حِفْظَ الشَّرْعِ وَنَقْلَهُ، فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوَاتُرُ الْأُمَّةِ كُلِّهَا عَنْ نَبِيِّهَا أَوْلَى بِحِفْظِ الشَّرْعِ وَنَقْلِهِ، مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى نَقْلِ وَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ (¬3) ؟ . وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ [مِنَ الْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ] (¬4) عَمَّنْ قَبْلَ الْمُنْتَظَرِ يُغْنِيهِمْ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنَ الْمُنْتَظَرِ، فَلِمَاذَا لَا يَكُونُ مَا بِأَيْدِي الْأُمَّةِ عَنْ نَبِيِّهَا يُغْنِيهَا عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ عَمَّنْ بَعْدَهُ؟ وَإِذَا كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ ثَابِتٌ (¬5) ، فَلِمَاذَا لَا يَكُونُ مَا تَنْقُلُهُ الْأُمَّةُ عَنْ نَبِيِّهَا ثَابِتًا؟ . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الرَّافِضَةِ بِكَثِيرٍ، وَأَنَّهُمْ أَحْرَصُ عَلَى [حِفْظِ] (¬6) دِينِ نَبِيِّهِمْ وَتَبْلِيغِهِ (¬7) ، أَقْدَرُ (¬8) عَلَى ذَلِكَ مِنَ الرَّافِضَةِ: عَلَى حِفْظِ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ وَنَقْلِهِ. وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْأُمُورِ. الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُكَ: " لِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ وَقُصُورِ النُّصُوصِ عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ " أَتُرِيدُ بِهِ قُصُورَهَا عَنْ بَيَانٍ جُزْئِيٍّ بِعَيْنِهِ؟ أَوْ قُصُورَهَا عَنِ الْبَيَانِ الْكُلِّيِّ الْمُتَنَاوِلِ لِلْجُزْئِيَّاتِ؟ ¬

(¬1) ب: يَنْقُلُهُمْ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) . (¬2) ب: نَقْلُ. (¬3) عِبَارَةُ " عَنْ وَاحِدٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) (ب) . (¬5) ن، م: ثَابِتًا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) حِفْظِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬7) ب: وَتَبْلِيغِهِ. (¬8) ب: وَأَقْدَرُ.

فَإِنِ ادَّعَيْتَ الْأَوَّلَ، قِيلَ لَكَ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ وَكُلُّ أَحَدٍ (¬1) بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِنَّ الْأَمِيرَ إِذَا خَاطَبَ النَّاسَ (¬2) فَلَا بُدَّ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِكَلَامٍ عَامٍّ يَعُمُّ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُعَيِّنَ بِخِطَابِهِ كُلَّ فِعْلٍ مِنْ [كُلِّ] (¬3) فَاعِلٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِذًا لَا يُمْكِنُهُ إِلَّا الْخِطَابُ الْعَامُّ الْكُلِّيُّ، وَالْخِطَابُ الْعَامُّ الْكُلِّيُّ مُمْكِنٌ مِنَ الرَّسُولِ. وَإِنِ ادَّعَيْتَ أَنَّ نَفْسَ نُصُوصِ الرَّسُولِ لَيْسَتْ عَامَّةً كُلِّيَّةً. قِيلَ لَكَ: هَذَا مَمْنُوعٌ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُمْنَعَ هَذَا فِي نُصُوصِ الرَّسُولِ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ مِنَ الْإِمَامِ، فَمَنْعُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَأَنْتَ مُضْطَرٌّ فِي خِطَابِ الْإِمَامِ إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا ثُبُوتُ عُمُومِ الْأَلْفَاظِ، وَإِمَّا ثُبُوتُ عُمُومِ الْمَعَانِي بِالِاعْتِبَارِ. وَأَيُّهُمَا كَانَ أَمْكَنَ إِثْبَاتُهُ فِي خِطَابِ الرَّسُولِ، فَلَا يَحْتَاجُ فِي بَيَانِهِ (¬4) الْأَحْكَامَ إِلَى الْإِمَامِ. الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: وَقَدْ (¬5) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 165] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [سُورَةُ النُّورِ: 54] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. [فَيُقَالُ:] (¬6) وَهَلْ (¬7) قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ (¬8) بِبَيَانِ الرُّسُومِ أَمْ لَا؟ ¬

(¬1) م: وَكَلَامُ كُلِّ أَحَدٍ. (¬2) ن: فَإِنَّ الْأُمَرَاءَ إِذَا خَاطَبَ النَّاسَ، م: فَإِنَّ الْمُرَادَ إِحَاطَةُ النَّاسِ. (¬3) كُلِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ن: ثَبَاتُهُ، ب: ثُبُوتُ. (¬5) م، ب: قَدْ. (¬6) فَيُقَالُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬7) ن، ب: هَلْ. (¬8) ن، ب: الْحَقِّ.

فَإِنْ لَمْ تَقُمْ (¬1) بَطَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، وَإِنْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِبَيَانِ الرَّسُولِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُعَيَّنٍ آخَرَ (¬2) يَفْتَقِرُ النَّاسُ إِلَى بَيَانِهِ، فَضْلًا عَنْ [حِفْظِ] (¬3) تَبْلِيغِهِ، وَأَنَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي الْإِنْسَانِ مِنَ الْقُوَّةِ النَّاقِلَةِ لِكَلَامِ الرَّسُولِ وَبَيَانِهِ كَافِيَةٌ مِنْ ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ حِفْظَ مَا أَنْزَلَهُ مِنَ الذِّكْرِ، فَصَارَ ذَلِكَ مَأْمُونًا أَنْ يُبَدَّلَ أَوْ يُغَيَّرَ. وَبِالْجُمْلَةِ دَعْوَى هَؤُلَاءِ الْمَخْذُولِينَ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ لَا يُحْفَظُ وَلَا يُفْهَمُ إِلَّا بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، مِنْ أَعْظَمِ الْإِفْسَادِ لِأُصُولِ الدِّينِ (¬4) . وَهَذَا لَا يَقُولُهُ - وَهُوَ يَعْلَمُ لَوَازِمَهُ - إِلَّا زِنْدِيقٌ مُلْحِدٌ، قَاصِدٌ (¬5) لِإِبْطَالِ الدِّينِ، وَلَا يَرُوجُ هَذَا إِلَّا عَلَى مُفْرِطٍ فِي الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ. الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ بَلَغَهُمُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِدُونِ نَقْلِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا فَتَحَ الْأَمْصَارَ بَعَثَ إِلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ مَنْ عَلَّمَهُمْ وَفَقَّهَهُمْ، وَاتَّصَلَ الْعِلْمُ مِنْ أُولَئِكَ إِلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَا بَلَّغَهُ عَلِيٌّ لِلْمُسْلِمِينَ أَعْظَمَ مِمَّا بَلَّغَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَمْثَالُهُمَا. وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ. وَلَوْ لَمْ يُحْفَظِ الدِّينُ إِلَّا بِالنَّقْلِ عَنْ عَلِيٍّ لَبَطَلَ عَامَّةُ الدِّينِ ; فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَلَ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا أَمْرٌ قَلِيلٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ ¬

(¬1) م: فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ. (¬2) م: إِلَى آخَرَ مُعَيَّنٍ. (¬3) حِفْظِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬4) م: الْفَسَادُ لِأُصُولِ الْإِسْلَامِ. (¬5) قَاصِدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

فصل كلام الرافضي على الوجه الرابع من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الله تعالى قادر على نصب إمام معصوم

وَالنَّقْلُ عَنْهُ لَيْسَ مُتَوَاتِرًا (¬1) ، وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا مَعْصُومٌ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بَاللَّهِ مَا أَسْخَفَ عُقُولَ الرَّافِضَةِ. [فصل كلام الرافضي على الوجه الرابع من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الله تعالى قادر على نصب إمام معصوم] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الرَّابِعُ: (¬3) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ [إِمَامٍ] (¬4) مَعْصُومٍ، وَحَاجَةُ الْعَالَمِ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، فَيَجِبُ نَصْبُهُ. وَغَيْرُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا (¬5) ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ هُوَ عَلِيٌّ (¬6) . أَمَّا الْقُدْرَةُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ فَظَاهِرَةٌ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْعَالَمِ. وَأَمَّا [انْتِفَاءُ] (¬7) الْمَفْسَدَةِ فَظَاهِرٌ (¬8) أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ لَازِمَةٌ لِعَدَمِهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ نَصْبِهِ، فَلِأَنَّ (¬9) عِنْدَ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ قَرَّرَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (¬10) ¬

(¬1) م: بِمُتَوَاتِرٍ، ب: مُتَوَاتِرٌ (¬2) فِي (ك) ص 147 (م) . (¬3) ن: الْوَجْهُ الرَّابِعُ. (¬4) إِمَامٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) ك: بِالْإِجْمَاعِ. (¬6) ب: هُوَ عَلِيًّا، ك: هُوَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬7) انْتِفَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬8) ب: فَظَاهِرَةٌ. (¬9) ب: فَلِأَنَّهُ. (¬10) ن، ب: وَقُدِّمَتْ.

الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَبَيَانِ فَسَادِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مَعْصُومًا أَغْنَى عَنْ عِصْمَةِ [عَلِيٍّ] (¬1) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى عِصْمَةِ عَلِيٍّ، [فَبَطَلَ الدَّلِيلُ] (¬2) عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ تُثْبِتُ (¬3) أُصُولُهَا عَلَى مَا تَدَّعِيهِ مِنَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُمْ أَبْعَدُ الْأُمَّةِ عَنْ مَعْرِفَةِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعَاتِ (¬4) ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا (¬5) ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ (¬6) وَالْجَمَاعَةِ ; فَإِنَّ السُّنَّةَ (¬7) تَتَضَمَّنُ النَّصَّ، وَالْجَمَاعَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِجْمَاعَ. فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُمُ الْمُتَّبِعُونَ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ (¬8) بِبَيَانِ فَسَادِهِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْأُمَّةِ مُغْنِيَةٌ عَنْ عِصْمَتِهِ، وَهَذَا مِمَّا (¬9) ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ عِصْمَةِ الْأُمَّةِ. قَالُوا: لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَنَا كَانُوا إِذَا بَدَّلُوا دِينَهُمْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا ¬

(¬1) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) عِبَارَةُ " فَبَطَلَ الدَّلِيلُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬3) ب: بَنَتْ. (¬4) م: وَالْجَمَاعَاتِ. (¬5) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬6) ن، ب: بِخِلَافِ أَهْلِ السُّنَّةِ. (¬7) ب: فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ. (¬8) ن، م: التَّقْدِيرِ. (¬9) م: مَا.

يُبَيِّنُ (¬1) الْحَقَّ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ لَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّهَا، فَكَانَتْ عِصْمَتُهَا تَقُومُ مَقَامَ النُّبُوَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْ يُبَدِّلَ شَيْئًا مِنَ الدِّينِ إِلَّا أَقَامَ اللَّهُ مَنْ يُبَيِّنُ خَطَأَهُ فِيمَا بَدَّلَهُ، فَلَا تَجْتَمِعُ الْأُمَّةُ (¬2) عَلَى ضَلَالٍ. كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» " (¬3) . وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ أَنْ تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ» " (¬4) . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ. الثَّانِي: إِنْ أُرِيدَ بِالْحَاجَةِ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ وُجُودِهِ أَكْمَلُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ نُوَّابِ الْإِمَامِ أَكْمَلُ، وَحَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ أَنْفُسِهِمْ أَكْمَلُ. وَلَيْسَ كُلُّ مَا تُقَدِّرُهُ النَّاسُ أَكْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ يَفْعَلُهُ اللَّهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ مَعَ عَدَمِهِ يَدْخُلُونَ النَّارَ، أَوْ لَا يَعِيشُونَ (¬5) فِي الدُّنْيَا، أَوْ يَحْصُلُ لَهُمْ [نَوْعٌ] (¬6) مِنَ الْأَذَى. ¬

(¬1) م: بِمَا يُبَيِّنُ. (¬2) م: الْأَئِمَّةُ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/461 (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/129 كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ وَدَلَائِلِهَا، وَنَصُّهُ: إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ: أَنْ لَا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَتَهْلَكُوا جَمِيعًا، وَأَنْ لَا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَنْ لَا تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ. قَالَ الْمُعَلِّقُ الشَّيْخُ مُحَمَّد مُحْيِيِ الدِّينِ عَبْد الْحَمِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ السُّنَنِ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا، وَأَجَارَكُمْ حَمَاكُمْ، وَأَلَّا يَظْهَرَ أَيْ لَا يَغْلِبُ، وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَزِيَادَتِهِ 2/67 وَقَالَ: ضَعِيفٌ. (¬5) أَوْ لَا يَعِيشُونَ: كَذَا فِي (ن) ، وَفِي (ب) : لَا يَعِيشُونَ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدُّنْيَا. (¬6) نَوْعٌ: سَاقِطَةٌ مِنَ (ن) ، (ب) .

فَيُقَالُ: هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ. فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ إِزَالَةَ هَذَا وَاجِبٌ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَاضَ (¬1) وَالْهُمُومَ وَالْغُمُومَ مَوْجُودَةٌ، وَالْمَصَائِبَ (¬2) : فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَالْغَلَاءُ مَوْجُودٌ، وَالْجَوَائِحُ الَّتِي تُصِيبُ الثِّمَارَ مَوْجُودَةٌ، وَلَيْسَ (¬3) مَا يُصِيبُ الْمَظْلُومَ مِنَ الضَّرَرِ بِأَعْظَمَ مِمَّا يُصِيبُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُزِلْ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " عِنْدَ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ ". يُقَالُ لَهُ: لِمَ (¬4) قُلْتَ: إِنَّ الدَّاعِيَ ثَابِتٌ وَالصَّارِفَ مُنْتَفٍ؟ وَقَوْلُهُ (¬5) : " حَاجَةٌ (¬6) الْعَالَمِ (¬7) دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ ". يُقَالُ لَهُ: الدَّاعِي هُوَ الَّذِي يَكُونُ دَاعِيًا لِلْفَاعِلِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ دَاعِيَةٌ لِلرَّبِّ تَعَالَى فِيهَا؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " وَانْتِفَاءُ الصَّارِفِ " وَأَنْتَ لَمْ تَدَّعِ إِلَّا عَدَمَ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي ادَّعَيْتَهَا، فَلِمَ قُلْتَ: لَا مَفْسَدَةَ (¬8) فِي ذَلِكَ؟ كَمَا يُقَالُ: إِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا (¬9) يَحْتَاجُ إِلَى الْمَالِ (¬10) وَالصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) م: الْأَعْرَاضَ. (¬2) م: فَالْمَصَائِبُ. (¬3) ب: فَلَيْسَ. (¬4) م: وَلِمَ. (¬5) ن، م: قَوْلُهُ. (¬6) م: لِأَنَّ حَاجَةَ. (¬7) ن، م: الْعِلْمُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) م: أَنْ لَا مَفْسَدَةَ. (¬9) مِنَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬10) م: الْكَمَالِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ " أَتُرِيدُ (¬1) بِهِ مَعْصُومًا يَفْعَلُ الطَّاعَاتِ بِاخْتِيَارِهِ وَالْمَعَاصِي بِاخْتِيَارِهِ (¬2) ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ اخْتِيَارَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمْ (¬3) ؟ أَمْ تُرِيدُ (¬4) بِهِ أَنَّهُ مَعْصُومٌ يَفْعَلُ الطَّاعَاتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ يَخْلُقُهُ (¬5) اللَّهُ فِيهِ؟ فَإِنْ قَالُوا بِالْأَوَّلِ، كَانَ بَاطِلًا عَلَى أَصْلِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ مُؤْمِنٍ (¬6) مَعْصُومٍ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، كَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ عِنْدَهُمْ بِهَذَا التَّفْسِيرِ. فَإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ الْحَيِّ الْمُخْتَارِ، وَلَا يَخْلُقُ إِرَادَتَهُ الْمُخْتَصَّةَ بِالطَّاعَةِ دُونَ الْمَعْصِيَةِ. وَإِنْ قَالُوا بِهَذَا الثَّانِي، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَعْصُومِ ثَوَابٌ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَلَا عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. وَحِينَئِذٍ فَسَائِرُ النَّاسِ يُثَابُونَ عَلَى طَاعَتِهِمْ وَتَرْكِ مَعَاصِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ الَّذِي لَا ثَوَابَ لَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ؟ فَتَبَيَّنَ انْتِقَاضُ مَذْهَبِهِمْ حَيْثُ جَمَعُوا بَيْنَ مُتَنَاقِضَيْنِ (¬7) ، بَيْنَ إِيجَابِ خَلْقٍ مَعْصُومٍ عَلَى اللَّهِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِ أَحَدٍ مَعْصُومًا بِاخْتِيَارِهِ، بِحَيْثُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ وَتَرْكِهِ لِلْمَعَاصِي. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُكَ (¬8) : " يَقْدِرُ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ " ¬

(¬1) ب: أَيُرِيدُ. (¬2) عِبَارَةُ " وَالْمَعَاصِي بِاخْتِيَارِهِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) ب: قَوْلُهُ. (¬4) ن: تُرِيدُونَ، ب: يُرِيدُ. (¬5) م: خَلَقَهُ. (¬6) مُؤْمِنٍ: لَيْسَتْ فِي (م) . (¬7) م: مُنَاقِضَيْنِ. (¬8) م: قَوْلُهُ.

لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِ هَذَا الْجِسْمِ أَسْوَدَ وَأَبْيَضَ، وَمُتَحَرِّكًا وَسَاكِنًا، وَمَيِّتًا وَحَيًّا، وَهَذَا صَحِيحٌ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ سَوَّدَهُ (وَإِنْ شَاءَ بَيَّضَهُ) وَإِنْ شَاءَ (¬1) أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ أَمَاتَهُ، لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِيرُ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ (¬2) مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُسَمَّى شَيْئًا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 284] . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُكَ: " قَادِرٌ عَلَى نَصْبِ إِمَامٍ (¬3) مَعْصُومٍ " إِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَصِّبَ إِمَامًا، وَيُلْهِمَهُ فِعْلَ الطَّاعَاتِ وَتَرْكَ الْمَعَاصِي. فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ جَمِيعَ الْبَشَرِ مَعْصُومِينَ كَالْإِمَامِ، بِجَعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ نَبِيًّا، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تَحْصُلُ حِكْمَتُهُ الْمُنَافِيَةُ لِوُجُودِ ذَلِكَ، الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا إِلَّا مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ، فَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ انْتِفَاءَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحِكْمَةِ الَّتِي تُنَافِي [وُجُودَ] (¬4) ذَلِكَ؟ . وَلَوْ لَمْ يَكُنِ إِلَّا عِظَمُ أَجْرِ الْمُطِيعِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ مَعْصُومٌ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا حِينَئِذٍ أَشَقُّ، فَثَوَابُهُ أَكْبَرُ (¬5) . وَهَذَا الثَّوَابُ يَفُوتُ بِوُجُودِ الْمَعْصُومِ. ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ، وَزِدْتُ عِبَارَةَ " وَإِنْ شَاءَ بَيَّضَهُ " لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ. (¬2) ب: الضِّدَّيْقِ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ. (¬3) إِمَامٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) وُجُودَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬5) ب: أَكْثَرُ.

وَأَيْضًا فَحِفْظُ (¬1) النَّاسِ لِلشَّرْعِ، وَتَفَقُّهُهُمْ فِي الدِّينِ، وَاجْتِهَادُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ [بِهِ] (¬2) تَقِلُّ (¬3) بِوُجُودِ الْمَعْصُومِ، [فَتَفُوتُ] (¬4) هَذِهِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ. وَأَيْضًا فَجَعْلُ غَيْرِ النَّبِيِّ مُمَاثِلًا لِلنَّبِيِّ فِي ذَلِكَ، قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ الشُّبَهِ وَالْقَدْحِ فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا وَجَبَ أَنْ (¬5) يُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ هَذَا (¬6) ، كَمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ (¬7) النَّبِيُّ، لَمْ تَظْهَرْ خَاصَّةُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّونَ، فَلَوْ كَانَ لَنَا مَنْ يُسَاوِيهِمْ فِي الْعِصْمَةِ، لَوَجَبَ (¬8) الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ، فَيَبْطُلُ (¬9) الْفَرْقُ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: الْمَعْصُومُ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ: أَهُوَ الْقَادِرُ (¬10) عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَإِزَالَةِ الْمَفَاسِدِ؟ أَمْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ (¬11) ؟ الثَّانِي مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ وَلَا دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ، بَلِ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ تُفِيدُ (¬12) وُجُودَ دَاعِيَةٍ إِلَى ¬

(¬1) ب: لِحِفْظِ. (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنَ النُّسَخِ الثَّلَاثِ، وَزِدْتُهَا لِيَتِمَّ الْكَلَامُ. (¬3) تَقِلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬4) فَتَفُوتُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬5) أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬6) ب: وَهَذَا، وَهُوَ خَطَأٌ، وَالْإِشَارَةُ هُنَا بِ هَذَا إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ. (¬7) ب: بِمَا يَقُولُهُ. (¬8) ن: يُوجِبُ. (¬9) م: فَيَنْظُرُ. (¬10) م: هُوَ الْقَادِرُ، ب: أَهُوَ قَادِرٌ. (¬11) ن، م: أَمْ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ. (¬12) ن: تَقْبَلُ، ب: تُقِلُّ.

الصَّلَاحِ، لَكِنَّ حُصُولَ الدَّاعِي (¬1) بِدُونِ الْقُدْرَةِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ. وَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْمَعْصُومُ الْقَادِرُ. قِيلَ: فَهَذَا لَمْ يُوجَدْ (¬2) . وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ (¬3) الِاثْنَيْ عَشَرَ قَادِرِينَ (¬4) عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا عُصَاةً (¬5) لَا مَعْصُومِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا عَاجِزِينَ. فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ قَطْعًا أَوْ كِلَاهُمَا: الْعَجْزُ وَانْتِفَاءُ (¬6) الْعِصْمَةِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ انْتِفَاءَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُودِهِ. وَالضَّرُورِيَّاتُ لَا تُعَارَضُ بِالِاسْتِدْلَالِ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَوْجُودٌ فِي [هَذَا] (¬7) الزَّمَانِ وَسَائِرِ الْأَزْمِنَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَحَدٌ يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِمَا يَقُولُهُ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ يَجْلِبُ مُصْلَحَةً أَوْ يَدْفَعُ مَفْسَدَةً، فَكَانَ مَا ذَكَرُوهُ بَاطِلًا. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى نَصْبِ مَعْصُومٍ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا مَفْسَدَةَ فِي نَصْبِهِ. وَهَذَا النَّفْيُ [الْعَامُّ] (¬8) لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمَفْسَدَةِ، فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا ¬

(¬1) الدَّاعِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) م: لَا يُوجَدُ. (¬3) ن، م: وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، ب: وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. (¬4) م: قَادِرٌ. (¬5) ب: كَانُوا عُصَاةً. (¬6) م: أَوِ انْتِفَاءُ (¬7) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬8) الْعَامُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) .

بِالْعَدَمِ. ثُمَّ مِنَ الْمَفَاسِدِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ طَاعَةُ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَتَصْدِيقُهُ مِثْلَ طَاعَةِ النَّبِيِّ مُطْلَقًا. وَإِذَا سَاوَى (¬1) النَّبِيَّ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَوُجُوبِ تَصْدِيقِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَنَفْيِ كُلِّ غَلَطٍ مِنْهُ (¬2) . فَيُقَالُ: فَأَيُّ (¬3) شَيْءٍ خَاصَّةُ النَّبِيِّ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى صَارَ هَذَا نَبِيًّا، وَهَذَا لَيْسَ بِنَبِيٍّ؟ . فَإِنْ قِيلَ: بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ. قِيلَ: إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ قَدْ حَصَلَ لَهُ، فَقَدِ اسْتَرَاحَ مِنَ التَّعَبِ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ، وَقَدْ شَارَكَهُ فِي الْمَقْصُودِ. وَأَيْضًا فَعِصْمَتُهُ إِنَّمَا تَكُونُ بِإِلْهَامِ الْحَقِّ لَهُ، وَهَذَا وَحْيٌ. وَأَيْضًا فَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) ، وَيَأْمُرُ بِمَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ يُخْبِرُ بِأَخْبَارٍ وَأَوَامِرَ زَائِدَةٍ (¬5) . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، وَلَا فِيهِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ عُرِفَ بِأَخْبَارِ الرَّسُولِ (¬6) . وَأَوَامِرِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ (¬7) ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْصُومٌ فِيهِ، فَهَذَا نَبِيٌّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ (¬8) بِمُبَلِّغٍ عَنِ الْأَوَّلِ. وَإِذَا قِيلَ: بَلْ يَحْفَظُ (¬9) مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. ¬

(¬1) ب: وَأَنْ يُسَاوِيَ. (¬2) م: عَنْهُ. (¬3) م: أَيُّ (¬4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَتْ فِي (م) . (¬5) م: زِيَادَةٍ. (¬6) م: النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬7) م: بِغَيْرِ. (¬8) ن، م: بِأَنْ لَيْسَ. (¬9) ن، ب: يَعْرِفُ.

فصل كلام الرافضي على الوجه الخامس من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته

قِيلَ: يَحْفَظُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُؤْمِنِينَ؟ فَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إِلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ لِلنَّاسِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَصِلُ إِلَى النَّاسِ مَا يَحْفَظُهُ: أَفَبِالتَّوَاتُرِ (¬1) أَمْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؟ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَى النَّاسِ الْغَائِبِينَ، وَصَلَ مِنَ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ، مَعَ قِلَّةِ الْوَسَائِطِ. فَفِي الْجُمْلَةِ لَا مَصْلَحَةَ فِي وُجُودِ مَعْصُومٍ بَعْدَ الرَّسُولِ إِلَّا وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِدُونِهِ، وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَزُولُ إِلَّا بِعَدَمِهِ. فَقَوْلُهُمْ: " الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ " مَمْنُوعٌ. وَقَوْلُهُمْ: " الْمَفْسَدَةُ فِيهِ مَعْدُومَةٌ " مَمْنُوعٌ. بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ; فَالْمَفْسَدَةُ [مَعَهُ] (¬2) مَوْجُودَةٌ، وَالْمَصْلَحَةُ مَعَهُ مُنْتَفِيَةٌ. وَإِذَا كَانَ اعْتِقَادُ وُجُودِهِ قَدْ أَوْجَبَ مِنَ الْفَسَادِ مَا أَوْجَبَ، فَمَا الظَّنُّ بِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ. [فصل كلام الرافضي على الوجه الخامس من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الْخَامِسُ (¬4) : أَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ رَعِيَّتِهِ. وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ أَهْلِ (¬5) زَمَانِهِ عَلَى مَا يَأْتِي، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ لِقُبْحِ تَقْدِيمِ (¬6) الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ عَقْلًا وَنَقْلًا. قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 35] . ¬

(¬1) م: إِذْ بِالتَّوَاتُرِ. (¬2) مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) فِي (ك) ص 147 (م) . (¬4) ن، م: الْوَجْهُ الْخَامِسُ. (¬5) ن، ب: أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ. (¬6) لِقُبْحِ تَقْدِيمِ: كَذَا فِي (ك) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي (ن) ، (م) ، (ب) لِيَصِحَّ تَقَدُّمُ.

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مَنْعُ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ الْكُبْرَى، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ. بَلْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ، وَتَقْرِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْجُمْهُورَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ: يَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَفْضَلِ مَعَ الْإِمْكَانِ، لَكِنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ لَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ. وَقَدْ نَازَعَهُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي [الْآيَةِ] : مَنْ يَهْدِي (¬1) إِلَى الْحَقِّ، وَمَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى. وَالْمَفْضُولُ لَا يَجِبُ أَنْ يُهْدَى إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ الْفَاضِلُ (¬2) ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ هُدًى كَثِيرٌ بِدُونِ تَعَلُّمٍ مِنَ الْفَاضِلِ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ يَعْلَمُ مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَفْضَلُ قَدْ مَاتَ، وَهَذَا الْحَيُّ [الَّذِي] (¬3) هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْهُ شَيْئًا. وَأَيْضًا فَالَّذِي (¬4) يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ مُطْلَقًا هُوَ اللَّهُ، وَالَّذِي لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى صِفَةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ لَا يُهْدَى إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْآيَةِ وَهِيَ أَنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ أَوْلَى مِنْ عِبَادَةِ خَلْقِهِ. كَمَا قَالَ فِي سِيَاقِهَا: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ ¬

(¬1) ن، ب: لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيمَنْ يَهْدِي. (¬2) م: وَالْمَفْضُولُ لَا يَجِبُ أَنْ يُهْدَى إِلَّا أَنْ يُهْدَى بِهِ الْفَاضِلُ، ب: وَالْمَفْضُولُ لَا يَجِبُ أَنْ يُهْدَى إِلَّا أَنْ لَا يَهْدِيَهُ الْفَاضِلُ. (¬3) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬4) ن، م: وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ فَالَّذِي. . . . إِلَخْ، وَهُوَ خَطَأٌ.

اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} [سُورَةُ يُونُسَ: 35] . فَافْتَتَحَ الْآيَاتِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [سُورَةُ يُونُسَ: 31] إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} [سُورَةُ يُونُسَ: 35] . وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُ: وِلَايَةُ الْأَفْضَلِ وَاجِبَةٌ، إِذَا لَمْ تَكُنْ [فِي] وِلَايَةِ (¬1) الْمَفْضُولِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَةِ الْأَفْضَلِ مَفْسَدَةٌ. وَهَذِهِ الْبُحُوثُ يَبْحَثُهَا مَنْ يَرَى عَلِيًّا أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ [وَعُمَرَ] (¬2) ، كَالزَّيْدِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ، أَوْ مَنْ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ، كَطَائِفَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْعِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ، بَلِ الصِّدِّيقُ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ الرَّافِضَةَ، وَإِنْ قَالُوا حَقًّا، فَلَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُدِلُّوا عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُمْ سَدُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَثِيرًا مِنْ طُرُقِ الْعِلْمِ، فَصَارُوا عَاجِزِينَ عَنْ بَيَانِ الْحَقِّ، حَتَّى أَنَّهُ [لَا] (¬3) يُمْكِنُهُمْ تَقْرِيرُ إِيمَانِ عَلِيٍّ عَلَى الْخَوَارِجِ، وَلَا تَقْرِيرُ إِمَامَتِهِ عَلَى الْمَرْوَانِيَّةِ. وَمَنْ قَاتَلَهُ فَإِنَّ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَطْلَقَ (¬4) جِنْسَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا يَلْزَمُ أَقْوَالَهُمُ الْبَاطِلَةَ (¬5) مِنَ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ، لِقُوَّةِ جَهْلِهِمْ، وَاتِّبَاعِهِمُ الْهَوَى (¬6) بِغَيْرِ عِلْمٍ (¬7) . ¬

(¬1) ن: إِذَا لَمْ يَكُنْ وِلَايَةُ. (¬2) وَعُمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬3) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) ن، ب: قَدْ أَبْطَلُوا. (¬5) ن، م: الْبَاطِنَةَ. (¬6) ب: وَاتِّبَاعِهِمُ الْفَسَادَ وَالْهَوَى. (¬7) ب: بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه

[المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه] [البرهان الأول " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا " والجواب عليه] قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْمَنْهَجُ الثَّانِي: فِي الْأَدِلَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ كَثِيرَةٌ (¬2) . الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (¬3) . قَالَ الثَّعْلَبِيُّ فِي إِسْنَادِهِ (¬4) إِلَى أَبِي ذَرٍّ: [قَالَ] (¬5) : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَاتَيْنِ وَإِلَّا صَمَتَا (¬6) ، وَرَأَيْتُهُ بِهَاتَيْنِ وَإِلَّا عَمِيَتَا (¬7) يَقُولُ: «عَلِيٌّ قَائِدُ الْبَرَرَةِ، وَقَاتِلُ الْكَفَرَةِ، فَمَنْصُورٌ (¬8) مَنْ نَصَرَهُ، وَمَخْذُولٌ (¬9) مَنْ خَذَلَهُ " أَمَا إِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا) (¬10) صَلَاةَ الظُّهْرِ، فَسَأَلَ سَائِلٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ شَيْئًا، فَرَفَعَ السَّائِلُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَشْهَدُ أَنِّي) (¬11) سَأَلْتُ فِي مَسْجِدِ ¬

(¬1) بِعِبَارَةِ (قَالَ الرَّافِضِيُّ) تَبْدَأُ نُسْخَةُ (س) وَهِيَ مَخْطُوطَةُ جَامِعَةِ الْإِمَامِ رَقْمُ 4968، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذِهِ الطَّبْعَةِ، وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص [0 - 9] 47 (م) - 149 (م) . (¬2) ك: الْكِتَابُ الْعَزِيزُ أَرْبَعُونَ بُرْهَانًا. (¬3) ك (ص 148 م) : عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) م: فِي تَفْسِيرِهِ إِسْنَادُهُ ; ك: بِإِسْنَادِهِ. (¬5) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬6) ك: وَإِلَّا فَصَمَتَا. (¬7) ك: وَإِلَّا فَعَمِيَتَا. (¬8) ك: مَنْصُورٌ. (¬9) ك: مَخْذُولٌ. (¬10) يَوْمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬11) ك: اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي.

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُعْطِنِي أَحَدٌ شَيْئًا، وَكَانَ عَلِيٌّ رَاكِعًا، فَأَوْمَأَ بِخِنْصَرِهِ (¬1) الْيُمْنَى، وَكَانَ مُتَخَتِّمًا فِيهَا (¬2) ، فَأَقْبَلَ السَّائِلُ حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَمَ (¬3) ، وَذَلِكَ بِعَيْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّ مُوسَى سَأَلَكَ وَقَالَ (¬5) : {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي - وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي - وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي - يَفْقَهُوا قَوْلِي - وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي - هَارُونَ أَخِي - اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي - وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [سُورَةُ طه: 25 - 32] (¬6) فَأَنْزَلْتَ عَلَيْهِ قُرْآنًا نَاطِقًا: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 35] . اللَّهُمَّ وَأَنَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَصَفِيُّكَ، اللَّهُمَّ فَاشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، عَلِيًّا (¬7) اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي " قَالَ أَبُو ذَرٍّ: " فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامُ (¬8) [رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (¬9) فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ. ¬

(¬1) ك: فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ. (¬2) ك: وَكَانَ يَتَخَتَّمُ بِهَا. (¬3) ك: الْخَاتَمَ مِنْ خِنْصَرِهِ. (¬4) س: صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬5) ك: فَقَالَ. (¬6) زَادَتْ (ك) : كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا. (¬7) ك: عَلِيًّا أَخِي. (¬8) ن، س، ب: كَلَامُهُ. (¬9) جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ (¬1) : وَمَا (¬2) أَقْرَأُ؟ قَالَ: اقْرَأْ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] » . وَنَقَلَ الْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ (¬3) الْوَاسِطِيُّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (¬4) ، وَالْوَلِيُّ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ، وَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ الْوِلَايَةَ (¬5) فِي الْآيَةِ (¬6) ، كَمَا أَثْبَتَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَلِرَسُولِهِ (¬7) ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: " لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْبَلَ ظَنًّا، بَلْ كُلُّ مَا ذَكَرَهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ، مِنْ جِنْسِ السَّفْسَطَةِ. وَهُوَ لَوْ أَفَادَهُ ظُنُونًا (¬8) كَانَ تَسْمِيَتُهُ (¬9) بَرَاهِينَ تَسْمِيَةٌ مُنْكَرَةٌ ; فَإِنَّ الْبُرْهَانَ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَالْيَقِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 111] . وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ ¬

(¬1) م: فَقَالَ. (¬2) س: مَا. (¬3) س، م، ب: ابْنُ الْمُغَازِيِّ. (¬4) ك: ص 149 م: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) س، ب: الْمُوَالَاةَ. (¬6) ك: الْأُمَّةِ. (¬7) ك: اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬8) ن: وَهُوَ لَوْ أَفَادَتْ ظُنُونًا، م: وَهِيَ لَوْ أَفَادَتْ ظُنُونًا. (¬9) ن، س، م: يُسَمِّيهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 64] . فَالصَّادِقُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بُرْهَانٍ عَلَى صِدْقِهِ، وَالصِّدْقُ الْمَجْزُومُ بِأَنَّهُ صِدْقٌ هُوَ الْمَعْلُومُ. وَهَذَا الرَّجُلُ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحُجَجِ فِيهَا كَذِبٌ، فَلَا (¬1) يُمْكِنُ أَنْ يَذْكُرَ حُجَّةً وَاحِدَةً جَمِيعُ مُقَدِّمَاتِهَا صَادِقَةٌ، فَإِنَّ الْمُقَدِّمَاتِ الصَّادِقَةَ يُمْتَنَعُ أَنْ تَقُومَ عَلَى بَاطِلٍ. وَسَنُبَيِّنُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ (¬2) كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَا يُبَيِّنُ كَذِبَهَا، فَتَسْمِيَةُ هَذِهِ بَرَاهِينَ مِنْ أَقْبَحِ الْكَذِبِ. ثُمَّ إِنَّهُ يَعْتَمِدُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلٍ يُحْكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صِدْقًا فَقَدْ خَالَفَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ. فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْوَاحِدِ [الَّذِي] (¬3) لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ بُرْهَانًا، فَإِنَّهُ يُقِيمُ (¬4) بَرَاهِينَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا (¬5) الْجِنْسِ عَلَى نَقِيضِ مَا يَقُولُهُ، فَتَتَعَارَضُ الْبَرَاهِينُ فَتَتَنَاقَضُ، وَالْبَرَاهِينُ لَا تَتَنَاقَضُ. بَلْ سَنُبَيِّنُ (¬6) - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - قِيَامَ (¬7) الْبَرَاهِينِ الصَّادِقَةِ الَّتِي لَا تَتَنَاقَضُ عَلَى كَذِبِ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ، وَأَنَّ الْكَذِبَ فِي عَامَّتِهَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، ¬

(¬1) ن، م: وَلَا. (¬2) ب: فِي، وَسَقَطَتْ عِنْدَ مَنْ (س) (¬3) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬4) ن، م: يَقُومُ. (¬5) ن، س: مِنْ هَذِهِ. (¬6) م: وَسَنُبَيِّنُ. (¬7) م: بَيَانَ.

لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَأَنَّ الْبَرَاهِينَ الدَّالَّةَ عَلَى نُبُوَّةِ الرَّسُولِ حَقٌّ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ حَقٌّ - تُنَاقِضُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ إِذَا تَأَمَّلَهُ اللَّبِيبُ، وَتَأَمَّلَ لَوَازِمَهُ وَجَدَهُ يَقْدَحُ فِي الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ. وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الرَّفْضِ (¬1) كَانَ مِنْ وَضْعِ قَوْمٍ زَنَادِقَةٍ مُنَافِقِينَ، مَقْصُودُهُمُ الطَّعْنُ فِي الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ وَدِينِ الْإِسْلَامِ، فَوَضَعُوا مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَكُونُ التَّصْدِيقُ بِهِ طَعْنًا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَرَوَّجُوهَا (¬2) عَلَى أَقْوَامٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ صَاحِبَ هَوًى وَجَهْلٍ، فَقَبِلَهَا لِهَوَاهُ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي حَقِيقَتِهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَهُ نَظَرٌ فَتَدَبَّرَهَا، فَوَجَدَهَا تَقْدَحُ فِي [حَقِّ] (¬3) الْإِسْلَامِ، فَقَالَ بِمُوجِبِهَا، وَقَدَحَ بِهَا فِي دِينِ الْإِسْلَامِ (¬4) ، إِمَّا لِفَسَادِ اعْتِقَادِهِ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ هَذِهِ صَحِيحَةً وَقَدَحَتْ فِيمَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مِنْ دِينِ (¬5) الْإِسْلَامِ. وَلِهَذَا دَخَلَتْ عَامَّةُ الزَّنَادِقَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ مَا تَنْقُلُهُ الرَّافِضَةُ مِنَ الْأَكَاذِيبِ تَسَلَّطُوا بِهِ عَلَى الطَّعْنِ فِي الْإِسْلَامِ، وَصَارَتْ شُبَهًا عِنْدَ مَنْ لَمْ [يَعْلَمْ] أَنَّهُ كَذِبٌ (¬6) ، وَكَانَ عِنْدَهُ (¬7) خِبْرَةٌ بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ. وَضَلَّتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الزَّنَادِقَةِ ¬

(¬1) س، ب: الرَّافِضِيِّ. (¬2) س، ب: وَرَدُّوا بِهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) حَقِّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬4) م: فِي الْإِسْلَامِ. (¬5) ن: دُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، س: عِنْدَ مَنْ لَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ، ب: عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ كَذِبٌ. (¬7) ن، م: لَهُ.

الْمَلَاحِدَةِ الْمُنَافِقِينَ. وَكَانَ مَبْدَأُ ضَلَالِهِمْ تَصْدِيقُ الرَّافِضَةِ فِي أَكَاذِيبِهِمُ الَّتِي يَذْكُرُونَهَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، كَأَئِمَّةِ (¬1) الْعُبَيْدِيِّينَ (¬2) إِنَّمَا يُقِيمُونَ مَبْدَأَ دَعْوَتِهِمْ (¬3) بِالْأَكَاذِيبِ الَّتِي اخْتَلَقَتْهَا (¬4) الرَّافِضَةُ ; لِيَسْتَجِيبَ (¬5) لَهُمْ بِذَلِكَ الشِّيعَةُ الضُّلَّالِ، ثُمَّ يَنْقُلُونَ الرَّجُلَ مِنَ الْقَدْحِ فِي الصَّحَابَةِ، إِلَى الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ، ثُمَّ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فِي الْإِلَهِيَّةِ، كَمَا رَتَّبَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ، وَالنَّامُوسِ الْأَعْظَمِ. وَلِهَذَا كَانَ الرَّفْضُ أَعْظَمَ بَابٍ وَدِهْلِيزٍ إِلَى الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ (¬6) . ثُمَّ (¬7) نَقُولُ: ثَانِيًا: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ حَقٌّ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّا نُطَالِبُهُ بِصِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ، أَوْ لَا يُذْكَرُ (¬8) هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى وَجْهٍ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ; فَإِنَّ مُجَرَّدَ عَزْوِهِ إِلَى تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، أَوْ (¬9) نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْعَالِمِينَ بِالْمَنْقُولَاتِ، الصَّادِقِينَ فِي نَقْلِهَا، لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنْ (¬10) لَمْ نَعْرِفْ ثُبُوتَ إِسْنَادِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا رَوَى فَضِيلَةً لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَمْ يَجُزِ اعْتِقَادُ ثُبُوتِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِ رِوَايَتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. ¬

(¬1) س، ب: كَانَ أَئِمَّةٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) س، ن، ب: الْعَبْدِيِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) س، ب: دَعْوَاهُمْ، ن: دَعَوَاتِهِمْ. (¬4) ن: اخْتَلَقَهَا. (¬5) ن، م، س: لِيَسْتَجِيبُوا. (¬6) س: وَالِاتِّحَادِ. (¬7) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنَ (س) ، (ب) . (¬8) س، ب: وَلَا نَذْكُرُ. (¬9) م: إِذْ. (¬10) ن، س، ب: وَإِنْ.

فَالْجُمْهُورُ - أَهْلُ السُّنَّةِ - لَا يُثْبِتُونَ بِمِثْلِ هَذَا شَيْئًا يُرِيدُونَ إِثْبَاتَهُ: لَا حُكْمًا، وَلَا فَضِيلَةً، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الشِّيعَةُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ [الطَّوَائِفِ] كُلِّهَا (¬1) ، بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا نَقَلَهُ وَعَزَاهُ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ أَوِ الثَّعْلَبِيِّ أَوِ النَّقَّاشِ أَوِ ابْنِ الْمَغَازِلِيِّ (¬2) وَنَحْوِهِمْ. الثَّانِي: قَوْلُهُ: " قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ " مِنْ أَعْظَمِ الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ، بَلْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي عَلِيٍّ بِخُصُوصِهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ (¬3) الْمَرْوِيَّةَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ. (¬4) ¬

(¬1) س، ن: بِاتِّفَاقِ كُلِّهَا، ب: بِاتِّفَاقِ كِلَيْهِمَا. (¬2) ب: أَوِ ابْنِ الْمُغَازِيِّ. (¬3) س: الْقَضِيَّةَ. (¬4) ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ط. الْمَعَارِفُ 10/425 - 426 خَمْسَةَ آثَارٍ فِيهَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْآيَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ الْأَرْقَامُ 12210 - 12214 فَفِي الْأَثَرِ الْأَوَّلِ جَاءَ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ. . . هَؤُلَاءِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِهِ سَائِلٌ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ، وَفِي الْآثَارِ الثَّلَاثَةِ التَّالِيَةِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَّهُ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَّقَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُود شَاكِر عَلَى الْأَثَرِ 12213 وَبَيَّنَ ضَعْفَ اثْنَيْنِ مِنْ رُوَاتِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَثَرُ التَّالِي 12214 ذَكَرَ عَنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَهُوَ غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَقِيلِيُّ الْجَزَرِي مَا يَلِي: " مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكٌ مُتَرْجَمٌ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ وَالْكَبِيرِ لِلْبُخَارِيِّ 4 1/101 وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ 3 2/48 " ثُمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُودٌ: هَذَا وَأُرَجِّحُ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّبَرِيَّ قَدْ أَغْفَلَ الْكَلَامَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ رَاكِعُونَ وَفِي بَيَانِ مَعْنَاهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ الشُّبْهَةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ فَيَزِيدُ فِيهِ بَيَانًا، وَلَكِنَّهُ غَفَلَ عَنْهُ بَعْدُ، وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُودٌ بَعْدَ ذَلِكَ كَلَامًا لِابْنِ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ فِيهِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أَيْ: فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى، وَحَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ، ثُمَّ سَاقَ الْآثَارَ السَّالِفَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، ثُمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُود شَاكِر، وَهَذِهِ الْآثَارُ جَمِيعًا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فِي الدِّينِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْأَئِمَّةُ فِي مَوْقِعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَفِي مَعْنَاهَا، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُمْ رَاكِعُونَ يَعْنِي بِهِ: وَهُمْ خَاضِعُونَ لِرَبِّهِمْ مُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، إِلَخْ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ كَثِيرٍ عَنِ الْآثَارِ الَّتِي تَذْكُرُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَضْعِيفِهِ لَهَا، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَةَ السَّابِقِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِيمَا مَضَى 2/30 - 32

وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ (¬1) مِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ يَرْوِي (¬2) طَائِفَةً مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَاتِ، كَالْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ تِلْكَ السُّورَةِ، وَكَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا يَقُولُونَ: " هُوَ كَحَاطِبِ لَيْلٍ ". وَهَكَذَا الْوَاحِدِيُّ تِلْمِيذُهُ، وَأَمْثَالُهُمَا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: يَنْقُلُونَ الصَّحِيحَ وَالضَّعِيفَ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْبَغَوِيُّ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ، أَعْلَمَ بِهِ مِنَ الثَّعْلَبِيِّ وَالْوَاحِدِيِّ، وَكَانَ تَفْسِيرُهُ مُخْتَصَرَ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ فِي تَفْسِيرِهِ شَيْئًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَرْوِيهَا الثَّعْلَبِيُّ، وَلَا ذَكَرَ تَفَاسِيرَ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا (¬3) الثَّعْلَبِيُّ، مَعَ أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ فِيهِ خَيْرٌ وَدِينٌ، لَكِنَّهُ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالصَّحِيحِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، (¬4) وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْوَالِ (¬5) . ¬

(¬1) (1) س، ن، ب: يَنْقُلُهُ. (¬2) س، ب: رَوَى. (¬3) م: يَذْكُرُهَا. (¬4) ن، س: وَالسَّقِيمِ بِالْأَحَادِيثِ. (¬5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الثَّعْلَبِيِّ وَتَفْسِيرِهِ فِيمَا مَضَى 2/247 ت [0 - 9]

وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ الْكِبَارُ: أَهْلُ التَّفْسِيرِ، مِثْلُ تَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَبَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ، وَأَمْثَالِهِمْ - فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا (¬1) مِثْلَ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ. دَعْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مِثْلَ تَفْسِيرِ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ. بَلْ (¬2) وَلَا يُذْكَرُ مِثْلُ هَذَا (¬3) عِنْدَ ابْنِ حُمَيْدٍ وَلَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ (¬4) ، مَعَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَانَ يَمِيلُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَيَرْوِي كَثِيرًا مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً ; لَكِنَّهُ أَجَّلُ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَرْوِيَ مِثْلَ هَذَا الْكَذِبِ الظَّاهِرِ. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِمُجَرَّدِ خَبَرٍ يَرْوِيهِ الْوَاحِدُ، مِنْ جِنْسِ الثَّعْلَبِيِّ وَالنَّقَّاشِ وَالْوَاحِدِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرِينَ ; لِكَثْرَةِ مَا يَرْوُونَهُ (¬5) مِنَ الْحَدِيثِ وَيِكُونُ ضَعِيفًا، بَلْ مَوْضُوعًا. فَنَحْنُ لَوْ لَمْ نَعْلَمْ كَذِبَ هَؤُلَاءِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى، لَمْ يَجُزْ أَنْ نَعْتَمِدَ عَلَيْهِ ; لِكَوْنِ الثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ رَوَوْهُ، فَكَيْفَ إِذَا كُنَّا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ كَذِبٌ؟ ! . وَسَنَذْكُرُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ عَقْلًا وَنَقْلًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا ¬

(¬1) ب: بِهَا. (¬2) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) س، ب، ن: وَلَا تُذْكَرُ مِثْلُ هَذِهِ: وَتُذْكَرُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) . (¬4) هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامِ بْنِ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ الصَّنْعَانِيُّ، رَوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَلِيلًا وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ أَحْمَدُ: نَقَمُوا عَلَيْهِ التَّشَيُّعَ، وَمَا كَانَ يَغْلُو فِيهِ، بَلْ يُحِبُّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُبْغِضُ مَنْ قَاتَلَهُ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي نِصْفِ شَوَّالَ سَنَةَ 211 وَعَاشَ خَمْسًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ لِلْدَّاوُدِيِّ 1/296 شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/27 مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/609 - 614 (¬5) ن: يَرَوْنَهُ، س، ب: يَرْوِيهِ.

بَيَانُ افْتِرَاءِ هَذَا الْمُصَنِّفِ أَوْ كَثْرَةِ (¬1) جَهْلِهِ، حَيْثُ قَالَ: " * قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ " فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ نَقَلَ هَذَا الْإِجْمَاعَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَالِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ؟ * (¬2) . فَإِنَّ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ، وَمَا فِيهَا مِنْ إِجْمَاعٍ وَاخْتِلَافٍ. فَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُفَسِّرُ وَالْمُؤَرِّخُ وَنَحْوُهُمْ، لَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمْ نَقْلًا مُجَرَّدًا بِلَا إِسْنَادٍ ثَابِتٍ لَمْ يُعْتَمَدْ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إِذَا ادَّعَى إِجْمَاعًا؟ ! . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرُونَ الَّذِينَ نَقَلَ (¬3) مِنْ كُتُبِهِمْ، هُمْ - وَمَنْ هُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ - قَدْ نَقَلُوا مَا يُنَاقِضُ هَذَا الْإِجْمَاعَ الْمُدَّعَى، وَالثَّعْلَبِيُّ [قَدْ نَقَلَ] فِي تَفْسِيرِهِ (¬4) أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ. وَنَقَلَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ. قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: هُوَ عَلِيٌّ. قَالَ: فَعَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا. وَعَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ [بْنُ صَالِحٍ] (¬5) ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ، قَالَ: " كُلُّ مَنْ آمَنَ (¬6) فَقَدْ تَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ ¬

(¬1) س، ب: وَكَثْرَةِ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) س، ب: يَنْقُلُ. (¬4) ن، س: وَالثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، ب: وَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. (¬5) بْنُ صَالِحٍ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬6) م: أَسْلَمَ.

أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: " هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا ". قُلْتُ: نَزَلَتْ [فِي عَلِيٍّ؟ قَالَ: عَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا] (¬1) . وَعَنِ السُّدِّيِّ مِثْلُهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّا نُعْفِيهِ مِنَ الْإِجْمَاعِ، وَنُطَالِبُهُ أَنْ يَنْقُلَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ الَّذِي ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ إِسْنَادُهُ (¬2) ضَعِيفٌ، فِيهِ رِجَالٌ مُتَّهَمُونَ. وَأَمَّا نَقْلُ ابْنِ الْمَغَازِلِيِّ (¬3) الْوَاسِطِيِّ (¬4) فَأَضْعَفُ وَأَضْعَفُ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ جَمَعَ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَاتِ (¬5) مَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ، وَالْمُطَالَبَةِ بِإِسْنَادٍ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ يُؤْتِيَ الزَّكَاةَ حَالَ رُكُوعِهِ، كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ ; لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) . (¬2) س، ب: إِسْنَادٌ. (¬3) ب: ابْنِ الْمُغَازِيِّ. (¬4) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ أَوْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبُ الْجُلَّابِيُّ الشَّافِعِيُّ الْوَاسِطِيُّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ الْمَغَازِلِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 483 وُلِدَ بِبَلْدَةِ وَاسِطَ ثُمَّ انْتَقَلَ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ إِلَى بَغْدَادَ، كَانَ شَافِعِيًّا فِي الْفِقْهِ وَأَشْعَرِيًّا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَسُمِّيَ بِابْنِ الْمَغَازِلِيِّ لِأَنَّ أَحَدَ أَسْلَافِهِ كَانَ نَزِيلًا بِمَحَلَّةِ الْمَغَازِلِيِّينَ فِي وَاسِطَ، ذَكَرَ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ (ذَيْلَ تَارِيخِ وَاسِطَ) وَقَالَ إِنَّهُ غَرِقَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ 483 وَحُمِلَ مَيِّتًا إِلَى وَاسِطَ وَدُفِنَ بِهَا. وَلَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً إِلَّا فِي الْأَنْسَابِ لِلسَّمْعَانِيِّ ص [0 - 9] 46 (ط. مَرْجِلْيُوثْ) - 3/446 ط. حَيْدَرَ آبَادَ 1383 1963 تَاجِ الْعَرُوسِ لِلزَّبِيدِيِّ 1/186 تَبْصِيرِ الْمُنْتَبِهِ بِتَحْرِيرِ الْمُشْتَبَهِ لِابْنِ حَجَرٍ 1/380 ط. 183 1964، مُقَدِّمَةِ كِتَابِ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِابْنِ الْمَغَازِلِيِّ ص 3 - 92، تَحْقِيقِ مُحَمَّد بَاقِر الْبَهْبُودِيِّ، نَشْرُ دَارِ الْأَضْوَاءِ بَيْرُوتَ 1403 1983 (¬5) س، ن، ب: الْمَوْضُوعَةِ.

ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْمُوَالَاةِ، وَأَنْ لَا يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ إِلَّا عَلِيًّا وَحْدَهُ، فَلَا يَتَوَلَّى الْحَسَنُ وَلَا الْحُسَيْنُ وَلَا سَائِرُ بَنِي هَاشِمٍ. وَهَذَا خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " الَّذِينَ " صِيغَةُ جَمْعٍ ; فَلَا يَصْدُقُ عَلَى عَلِيٍّ وَحْدَهُ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُثْنِي عَلَى الْإِنْسَانِ [إِلَّا] (¬1) بِمَا هُوَ مَحْمُودٌ عِنْدَهُ: إِمَّا وَاجِبٌ، وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ. وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ فِي الصَّلَاةِ، لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ، بَلْ تَبْطُلُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ. وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: لَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهَا لِعَدَمِ الْإِيجَابِ الشَّرْعِيِّ. وَلَوْ كَانَ هَذَا مُسْتَحَبًّا ; لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ وَيَحُضُّ عَلَيْهِ أَصْحَابَهُ، وَلَكَانَ عَلِيٌّ يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ (¬2) . فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، عُلِمَ أَنَّ التَّصَدُّقَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَإِعْطَاءُ السَّائِلِ لَا يَفُوتُ، فَيُمْكِنُ الْمُتَصَدِّقُ إِذَا سَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهُ، وَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشَغْلًا. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ، لَمْ يَخْتَصَّ بِالرُّكُوعِ، بَلْ يَكُونُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الرُّكُوعِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: لَا وَلِيَّ [لَكُمْ] (¬3) إِلَّا الَّذِينَ يَتَصَدَّقُونَ فِي كُلِّ الرُّكُوعِ. فَلَوْ تَصَدَّقَ الْمُتَصَدِّقُ ¬

(¬1) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنَ (ن) ، (م) . (¬2) ب: الْوَقْعَةِ. (¬3) لَكُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، وَعَلَيْهَا شَطْبٌ فِي (ن) .

فِي حَالِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ: أَمَّا كَانَ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْمُوَالَاةَ؟ . فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ أَرَادَ بِهَا (¬1) التَّعْرِيفَ بِعَلِيٍّ عَلَى خُصُوصِهِ (¬2) . قِيلَ لَهُ: أَوْصَافُ عَلِيٍّ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا (¬3) كَثِيرَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ تَعْرِيفَهُ بِالْأُمُورِ الْمَعْرُوفَةِ، وَيُعَرِّفُهُ (¬4) بِأَمْرٍ (¬5) لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا مَنْ سَمِعَ هَذَا وَصَدَّقَهُ؟ . وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ لَمْ (¬6) تَسْمَعْ هَذَا الْخَبَرَ، وَلَا [هُوَ] (¬7) فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ الْمُعْتَمَدَةِ: لَا الصِّحَاحِ، وَلَا السُّنَنِ، وَلَا الْجَوَامِعِ، وَلَا الْمُعْجَمَاتِ، وَلَا شَيْءٍ مِنَ الْأُمَّهَاتِ. فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ: إِنْ قَصَدَ (¬8) بِهِ الْمَدْحَ بِالْوَصْفِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَصَدَ (¬9) بِهِ التَّعْرِيفَ فَهُوَ بَاطِلٌ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} عَلَى قَوْلِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتَى الزَّكَاةَ فِي حَالِ رُكُوعِهِ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ تَجِبُ (¬10) عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، وَزَكَاةُ الْفِضَّةِ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ النِّصَابَ حَوْلًا، وَعَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ. الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّ إِعْطَاءَ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ لَا يَجْزِئُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ ¬

(¬1) ن، م، س: إِرَادَتَهَا. (¬2) م: لِخُصُوصِهِ. (¬3) ن، م: الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ. (¬4) س: وَنُعَرِّفُهُ. (¬5) ب: بِالْأَمْرِ. (¬6) س، ب: لَا. (¬7) هُوَ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬8) س: صَدَقَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) س: صَدَقَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10) س: يَجِبُ.

الْفُقَهَاءِ، إِلَّا إِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ. وَقِيلَ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ، وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ، فَالتَّقْوِيمُ فِي الصَّلَاةِ مُتَعَذِّرٌ، وَالْقِيَمُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ. الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 43] هَذَا أَمْرٌ بِالرُّكُوعِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 43] وَهَذَا أَمْرٌ بِالرُّكُوعِ. قَدْ قِيلَ: ذَكَرَ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْجَمَاعَةَ ; لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ إِنَّمَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ رُكُوعِهَا، بِخِلَافِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ إِلَّا السُّجُودَ، فَإِنَّهُ قَدْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ. وَأَمَّا الْقِيَامُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْرَاكُ. وَبِالْجُمْلَةِ " الْوَاوُ " إِمَّا وَاوُ الْحَالِ، وَإِمَّا وَاوُ الْعَطْفِ. وَالْعَطْفُ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ. وَقَوْلُهُ إِنَّمَا يَصِحُّ (¬1) إِذَا كَانَتْ وَاوَ الْحَالِ، فَإِنَّ (¬2) لَمْ يَكُنْ ثَمَّ (¬3) دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ بَطَلَتِ الْحُجَّةُ، [فَكَيْفَ إِذَا كَانَتِ الْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؟ !] (¬4) . الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُسْتَفِيضِ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَالْأَمْرِ بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ ; لَمَّا كَانَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، يُوَالِي الْيَهُودَ، وَيَقُولُ: إِنِّي أَخَافُ الدَّوَائِرَ. فَقَالَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ (¬5) عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: إِنِّي ¬

(¬1) ن، س: تُفْتَحُ، ب: يَتَّضِحُ. (¬2) ن، م: فَإِذَا. (¬3) ن، س، ب: لَهُمْ. (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬5) س، ب: هُوَ.

يَا رَسُولَ اللَّهِ، (¬1) أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ حِلْفِ (¬2) هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا جَاءَتْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَسَبَبُ تَآمُرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، يُبَيِّنُ فِيهَا وُجُوبَ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا، وَيَنْهَى عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ عُمُومًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهَا عَامَّةٌ لَا تَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ (¬3) . الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ (¬4) قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 51] . فَهَذَا نَهْيٌ عَنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 52 - 53] . فَهَذَا وَصْفُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، الَّذِينَ يُوَالُونَ الْكُفَّارَ كَالْمُنَافِقِينَ. ثُمَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ¬

(¬1) عِبَارَةُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) حِلْفِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) عِبَارَةُ (لَا تَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) فَإِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنَ (م) .

} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] (¬1) فَذَكَرَ فِعْلَ (¬2) الْمُرْتَدِّينَ وَأَنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا، وَذَكَرَ مَنْ يَأْتِي بِهِ بَدَلَهُمْ (¬3) . ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} . {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55 - 56] . فَتَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ ذِكْرَ أَحْوَالِ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَمِمَّنْ يَرْتَدُّ عَنْهُ، وَحَالَ الْمُؤْمِنِينَ الثَّابِتِينَ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. فَهَذَا السِّيَاقُ، مَعَ إِتْيَانِهِ أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، مِمَّا يُوجِبُ لِمَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ (¬4) عِلْمًا يَقِينًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ: أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، لَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ: لَا أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ، وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيٍّ، وَلَا غَيْرِهِمْ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِالدُّخُولِ فِيهَا. الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ عَلِيًّا لَيْسَ قَائِدًا لِكُلِّ الْبَرَرَةِ، بَلْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) ، وَلَا هُوَ أَيْضًا قَاتِلًا لِكُلِّ الْكَفَرَةِ، بَلْ قَتَلَ بَعْضَهُمْ، كَمَا قَتَلَ غَيْرُهُ بَعْضَهُمْ. وَمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ الْقَاتِلِينَ لِبَعْضِ الْكُفَّارِ، إِلَّا وَهُوَ قَاتِلٌ لِبَعْضِ الْكَفَرَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ، مَخْذُولٌ (¬6) مَنْ خَذَلَهُ» " هُوَ خِلَافُ ¬

(¬1) فِي (ن) ، (م) ، (س) ، (ب) مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ب (فَقَطْ) : فَصْلَ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: فَضْلَ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) ن، س، ب: بَعْدَهُمْ. (¬4) س، ب: مِمَّا يُوجِبُ الْجَمْعَ لِمَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) م: بَلْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ رَسُولًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬6) ن: وَمَخْذُولٌ.

الْوَاقِعِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الشِّيعَةِ ; فَإِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ (¬1) الْأُمَّةَ كُلَّهَا خَذَلَتْهُ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأُمَّةَ كَانَتْ مَنْصُورَةً فِي أَعْصَارِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، نَصْرًا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ. ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَصَارَ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَحْزَابٍ: حِزْبٌ نَصَرَهُ وَقَاتَلَ مَعَهُ، وَحِزْبٌ قَاتَلُوهُ، وَحِزْبٌ خَذَلُوهُ لَمْ يُقَاتَلُوا لَا مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا مَعَ هَؤُلَاءِ - لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ مَنْصُورِينَ عَلَى الْحِزْبَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَلَا عَلَى الْكُفَّارِ، بَلْ أُولَئِكَ (¬2) الَّذِينَ نُصِرُوا عَلَيْهِمْ، وَصَارَ الْأَمْرُ لَهُمْ ; لَمَّا تَوَلَّى مُعَاوِيَةُ، فَانْتَصَرُوا (¬3) عَلَى الْكُفَّارِ، وَفَتَحُوا الْبِلَادَ، إِنَّمَا (¬4) كَانَ عَلِيٌّ مَنْصُورًا كَنَصْرِ أَمْثَالِهِ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَالْكُفَّارِ (¬5) . وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ قَاتَلُوا الْكُفَّارَ وَالْمُرْتَدِّينَ كَانُوا مَنْصُورِينَ نَصْرًا عَظِيمًا، فَالنَّصْرُ (¬6) وَقَعَ كَمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ حَيْثُ قَالَ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 51] . فَالْقِتَالُ الَّذِي كَانَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْخَوَارِجِ، كَانُوا فِيهِ مَنْصُورِينَ [نَصْرًا عَظِيمًا] (¬7) إِذَا اتَّقَوْا وَصَبَرُوا، فَإِنَّ التَّقْوَى وَالصَّبْرَ مِنْ تَحْقِيقِ (¬8) الْإِيمَانِ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ النَّصْرُ. ¬

(¬1) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) م: يَلْزَمُ أُولَئِكَ. (¬3) فَانْتَصَرُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) ن، س، ب: وَإِنَّمَا. (¬5) ن، م: الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ. (¬6) ن، س، ب: وَالنَّصْرُ. (¬7) نَصْرًا عَظِيمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬8) م: هُوَ تَحْقِيقُ.

وَأَيْضًا فَالدُّعَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ التَّصَدُّقِ بِالْخَاتَمِ مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ. فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، مَا هُوَ أَعْظَمُ قَدْرًا وَنَفْعًا مِنْ إِعْطَاءِ سَائِلٍ خَاتَمًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا نَفَعَنِي مَالٌ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ» "، (¬2) " «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» (¬3) . وَقَدْ «تَصَدَّقَ عُثْمَانُ بِأَلْفِ بَعِيرٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا ضَرَّ عُثْمَانُ مَا فَعَلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» " (¬4) . ¬

(¬1) ن، س، ب: وَفِي الصَّحِيحِ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21 (¬3) سَبَقَ الْقِسْمُ الْأَخِيرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 1/512 - 513 وَذَكَرْتُ فِي تَعْلِيقِي عَلَيْهِ أَنَّهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرْتُ مَوَاضِعَهُ فَارْجِعْ إِلَيْهِ، وَإِلَيْكَ نَصُّهُ كَامِلًا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/96 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرُّ فِي الْمَسْجِدِ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ) فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخُ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمُنَا. قَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنَّ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتَهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ) . (¬4) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/289 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأَوَّلُهُ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ) مَرَّتَيْنِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/36 وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/288 - 289 الْبَابُ وَالْكِتَابُ السَّابِقَانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ جَيْشَ الْعُسْرَةِ عَلَى الْعَطَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ، ثُمَّ قَدَّمَ عُثْمَانُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ ثُمَّ ثَلَاثَمِائَةِ بَعِيرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرَّتَيْنِ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/504 - 505 حَدِيثٌ رَقْمُ 822، 823 وَقَالَ الْمُحَقِّقُ عَنْ كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

وَالْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي إِقَامَةِ الدِّينِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَعْظَمُ مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى سَائِلٍ مُحْتَاجٍ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ; فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ (¬1) أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» " (¬2) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬3) . قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] . فَكَذَلِكَ الْإِنْفَاقُ الَّذِي صَدَرَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي إِقَامَةِ الدِّينِ مَا بَقِيَ لَهُ نَظِيرٌ يُسَاوِيهِ. وَأَمَّا إِعْطَاءُ السُّؤَّالِ لِحَاجَتِهِمْ فَهَذَا الْبِرُّ يُوجَدُ مِثْلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ تِلْكَ النَّفَقَاتِ (¬4) الْعَظِيمَةِ النَّافِعَةِ الضَّرُورِيَّةِ لَا يَدْعُو بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ، فَكَيْفَ يَدْعُوَ بِهِ (¬5) لِأَجْلِ إِعْطَاءِ خَاتَمٍ لِسَائِلٍ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا فِي سُؤَالِهِ؟ . ¬

(¬1) مُدَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) ن، م، س: لَا نِصْفَهُ. (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21 (¬4) ن، س: الْمُنْفِقَاتِ. (¬5) س: يَدْعُونَهُ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا وَمِثْلَهُ مِنْ كَذِبِ جَاهِلٍ أَرَادَ أَنْ يُعَارِضَ مَا ثَبَتَ (¬1) لِأَبِي بَكْرٍ بِقَوْلِهِ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17 - 21] . بِأَنْ يَذْكُرَ لَعَلِيٍّ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَمَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُكَذِّبَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، فَكَذَّبَ هَذِهِ الْأُكْذُوبَةَ الَّتِي لَا تَرُوجُ إِلَّا عَلَى مُفْرِطٍ فِي الْجَهْلِ. وَأَيْضًا فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ -: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، عَلِيًّا اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي، مَعَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّهُ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، (¬2) كَمَا قَالَ تَعَالِيَ: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 62] ، وَقَالَ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . فَالَّذِي كَانَ مَعَهُ حِينَ نَصَرَهُ اللَّهُ ; {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، هُوَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَا اثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا، وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ ; لَمَّا صُنِعَ لَهُ عَرِيشٌ كَانَ الَّذِي دَخَلَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ دُونَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ (¬3) ، وَكُلٌّ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ فِي نَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْيٌ مَشْكُورٌ وَعَمَلٌ مَبْرُورٌ. وَرُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ بِسَيْفِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ لِفَاطِمَةَ: اغْسِلِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ ¬

(¬1) ن، م، س: مَا يُثْبَتُ. (¬2) ن، م، س: وَالْمُؤْمِنِينَ. (¬3) ب: أَبَا بَكْرٍ.

غَيْرَ ذَمِيمٍ. فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنْ تَكُ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ» " فَعَدَّدَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ (¬1) . وَلَمْ يَكُنْ لَعَلِيٍّ اخْتِصَاصٌ بِنَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَمْثَالِهِ، وَلَا عُرِفَ مَوْطِنٌ احْتَاجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إِلَى مَعُونَةِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ، لَا بِالْيَدِ وَلَا بِاللِّسَانِ، وَلَا كَانَ إِيمَانُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَاعَتُهُمْ لَهُ لِأَجْلِ عَلِيٍّ، بِسَبَبِ دَعْوَةِ عَلِيٍّ لَهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ، كَمَا كَانَ هَارُونُ وَمُوسَى، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يُحِبُّونَ هَارُونَ جِدًّا وَيَهَابُونَ مُوسَى، وَكَانَ هَارُونُ يَتَأَلَّفُهُمْ. وَالرَّافِضَةُ تَدَّعِي أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُبْغِضُونَ عَلِيًّا، وَأَنَّهُمْ لِبُغْضِهِمْ لَهُ لَمْ يُبَايِعُوهُ. فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَاجَ إِلَيْهِ، كَمَا احْتَاجَ مُوسَى إِلَى هَارُونَ؟ . وَهَذَا أَبُو بَكْرٍالصِّدِّيقُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ سِتَّةٌ أَوَ خَمْسَةٌ مِنَ الْعَشَرَةِ: عُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ (¬2) ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ. وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا أَحَدٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ هُوَ الَّذِي بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ لَمَّا بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ رُءُوسُ الْأَنْصَارِ كَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الَّذِي اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِهِ (¬3) ، وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/481 (¬2) وَسَعْدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/35 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ، وَنَصُّهُ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ أَوِ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَالْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: مُسْلِمٍ 4/1915 - 1916 كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 5/353 كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ رُمَيْثَةَ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمَسْنَدِ أَحْمَدَ.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو مَعَهُ الْكُفَّارَ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي الْمَوْسِمِ، وَيُعَاوِنُهُ مُعَاوَنَةً عَظِيمَةً فِي الدَّعْوَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» " (¬1) . وَقَالَ: " «أَيُّهَا (¬2) النَّاسُ إِنِّي جِئْتُ إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ. فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟» (¬3) ". ثُمَّ إِنَّ مُوسَى دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ قَبْلَ أَنْ يُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ إِلَى الْكُفَّارِ لِيُعَاوَنَ عَلَيْهَا. وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ لَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ: بَلَّغَهَا وَحْدَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَرْضِ أَرْبَعَةٌ، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنَ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ، وَمِنَ الْمَوَالِي زِيدٌ. وَكَانَ أَنْفَعُ الْجَمَاعَةِ فِي الدَّعْوِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ خَدِيجَةُ ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ أَوَّلُ رَجُلٍ حُرٍّ بَالِغٍ آمَنَ بِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ قُرَيْشٍ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ، فَكَانَ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ. وَمَعَ هَذَا فَمَا دَعَا اللَّهَ أَنْ يَشُدَّ أَزْرَهُ بِأَحَدٍ: لَا بِأَبِي بَكْرٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 (¬2) م: يَا أَيُّهَا. (¬3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَيَرِدُ الْحَدِيثُ كَامِلًا فِيمَا بَعْدُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 164 - 165 فَانْظُرْ تَعْلِيقِي عَلَيْهِ هُنَاكَ.

بَلْ قَامَ مُطِيعًا لِرَبِّهِ، مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ، صَابِرًا لَهُ، كَمَا أَمَرَهُ بِقَوْلِهِ: {قُمْ فَأَنْذِرْ} . {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} . {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} . {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} . {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} . {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 2 - 7] وَقَالَ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [سُورَةُ هُودٍ: 123] . فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَشُدَّ أَزْرَهُ بِشَخْصٍ مِنَ النَّاسِ، كَمَا سَأَلَ مُوسَى أَنْ يَشُدَّ أَزْرَهُ بِهَارُونَ، فَقَدِ افْتَرَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَخَسَهُ حَقَّهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّفْضَ مُشْتَقٌّ مِنَ الشِّرْكِ وَالْإِلْحَادِ وَالنِّفَاقِ، لَكِنْ تَارَةً يَظْهَرُ [لَهُمْ] (¬1) ذَلِكَ فِيهِ (¬2) وَتَارَةً يَخْفَى. الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: غَايَةُ مَا فِي الْآيَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ مُوَالَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَيُوَالُونَ عَلِيًّا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُوَالَاةَ عَلِيٍّ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، كَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مُوَلَاةُ أَمْثَالِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4] . فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ صَالِحٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ (¬3) مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، (¬4) وَاللَّهُ مَوْلَاهُ، وَجِبْرِيلُ مَوْلَاهُ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِ الصَّالِحِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاهُ، وَجِبْرِيلَ مَوْلَاهُ، أَنْ يَكُونَ (¬6) صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ مُتَوَلِّيًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا مُتَصَرِّفًا فِيهِ. وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ¬

(¬1) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬2) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) فَهُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) . (¬5) فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) . (¬6) ب فَقَطْ: لَا أَنْ يَكُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

[سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] ، فَجَعَلَ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَلِيًّا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ. وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَيْهِ مَعْصُومًا، لَا يَتَوَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ. وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} . {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 62 - 63] ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ (¬1) فَهُوَ وَلِيٌّ لِلَّهِ، وَاللَّهُ وَلِيُّهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 257] وَقَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 11] وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} (¬2) إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72 - 75] . فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا ثَبَتَتْ فِيهَا مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَأَنَّ هَذَا وَلِيُّ هَذَا، وَهَذَا وَلِيُّ هَذَا، وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مَوَالِي رَسُولِهِ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا هُمْ أَوْلِيَاءُ الْمُؤْمِنِينَ. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ مَنْ كَانَ وَلِيًّا لِلْآخَرِ كَانَ أَمِيرًا عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ. الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ " الْوَلَايَةِ " بِالْفَتْحِ وَ " الْوِلَايَةِ " بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ ; فَالْوَلَايَةُ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَهِيَ الْمَذْكُورَهُ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ، لَيْسَتْ هِيَ الْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ. وَهَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ يَجْعَلُونَ الْوَلِيَّ هُوَ الْأَمِيرُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَالْوَلَايَةِ. وَالْأَمِيرُ يُسَمَّى الْوَالِي لَا يُسَمَّى ¬

(¬1) تَقِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) س، ب: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا، وَهُوَ خَطَأٌ.

الْوَلِيُّ (¬1) ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: هُوَ وَلِيُّ الْأَمْرِ، كَمَا يُقَالُ: وُلِّيتُ أَمْرَكُمْ، وَيُقَالُ: أُولُو الْأَمْرِ. وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِالْمَوْلَى وَإِرَادَهُ الْوَلِيِّ، فَهَذَا لَا يُعْرَفُ، بَلْ يُقَالُ فِي الْوَلِيِّ: الْمَوْلَى، وَلَا يُقَالُ الْوَالِي. وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْجِنَازَةِ الْوَالِي وَالْوَلِيِّ، فَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْوَالِي، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْوَلِيُّ. فَبَيِّنٌ أَنَّ الْوِلَايَةَ (¬2) دَلَّتْ عَلَى الْمُوَالَاةِ، الْمُخَالِفَةِ لِلْمُعَادَاةِ، الثَّابِتَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَهَذَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَسَائِرُ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ (¬3) . فَكُلُّهُمْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَلَمْ تَدُلَّ الْآيَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ أَمِيرًا عَلَى غَيْرِهِ، بَلْ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، إِذْ لَفْظُ " الْوَلِيِّ " وَ " الْوِلَايَةِ " غَيْرُ لَفْظِ " الْوَالِي ". وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَالْإِمَارَةُ لَا تَكُونُ عَامَّةً. الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْوِلَايَةَ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ لَقَالَ: إِنَّمَا يَتَوَلَّى عَلَيْكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا (¬4) ، وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ يَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ وَلِيَ عَلَيْهِمْ وَالٍ (¬5) : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ (¬6) : تَوَلَّوْهُ، بَلْ يُقَالُ: تَوَلَّى عَلَيْهِمْ. ¬

(¬1) عِبَارَةُ لَا يُسَمَّى الْوَلِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ب: أَنَّ الْآيَةَ. (¬3) ن، س: الرِّضْوَانُ عَلَيْهِمْ. (¬4) م: وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ. (¬5) س، ب: وَلَا، وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) . (¬6) يَقُولُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُتَوَلٍّ عَلَى عِبَادِهِ وَأَنَّهُ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ، جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، فَإِنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَرَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَا (¬1) يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا يُسَمَّى الْمُتَوَلِّي، مِثْلُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ: أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا لَا يُقَالُ إِنَّهُ مُتَوَلٍّ عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّهُ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ قَدْرَهُ أَجَلُّ مِنْ هَذَا. بَلْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَهُ إِلَّا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ مِنَ الْخُلَفَاءِ " أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ " هُوَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ كَانَ أَمِيرًا فِي سَرِيَّةٍ، فَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ إِمَارَةٌ خَاصَّةٌ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ، لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ بِإِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا قَبْلَ عُمَرَ، وَكَانَ خَلِيقًا بِهَذَا الِاسْمِ. وَأَمَّا الْوَلَايَةُ الْمُخَالِفَةُ لِلْعَدَاوَةِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ ; فَيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَيَرْضَى عَنْهُمْ وَيَرْضَوْنَ عَنْهُ، وَمَنْ عَادَى لَهُ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَهُ بِالْمُحَارَبَةِ. وَهَذِهِ الْوَلَايَةُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، لَيْسَتْ كَوِلَايَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 111] . فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ (¬2) مِنَ الذُّلِّ، بَلْ هُوَ الْقَائِلُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 10] بِخِلَافِ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَتَوَلَّاهُ لِذَاتِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَنْصُرُهُ. ¬

(¬1) س، ب: لَا. (¬2) م: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ، س، ب: فَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ.

فصل البرهان الثاني " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " والجواب عليه

الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ (¬1) : أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى (¬2) عَلَيْهِ إِمَامٌ عَادِلٌ يَكُونُ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ، وَيَكُونُ غَالِبًا ; فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْعَدْلِ يَتَوَلَّوْنَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ (¬3) ، كَمَا كَانَ فِي مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ حُكْمِهِ ذِمِّيُّونَ وَمُنَافِقُونَ. وَكَذَلِكَ كَانَ تَحْتَ وِلَايَةِ عَلِيٍّ كُفَّارٌ وَمُنَافِقُونَ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 56] ; فَلَوْ أَرَادَ الْإِمَارَةَ لَكَانَ الْمَعْنَى: إِنَّ كُلَّ مَنْ تَأْمَّرَ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا يَكُونُونَ مِنْ حِزْبِهِ الْغَالِبِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ تَحْتَ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ، مَعَ كَوْنِهِ لَا يَتَوَلَّاهُمْ بَلْ يُبْغِضُهُمْ. [فصل البرهان الثاني " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " الْبُرْهَانُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] (¬5) ، اتَّفَقُوا فِي نُزُولِهَا فِي عَلِيٍّ. وَرَوَى (¬6) أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ - مِنَ الْجُمْهُورِ - بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬7) . وَمِنْ تَفْسِيرِ ¬

(¬1) ن: السَّابِعَ عَشَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) م: يَتَوَلَّى. (¬3) ب: وَالْكُفَّارِ. (¬4) فِي (ك) ص 149 (م) . (¬5) ن، م: رِسَالَاتِهِ. (¬6) ك: فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَوَى. (¬7) ك: عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

الثَّعْلَبِيِّ قَالَ: مَعْنَاهُ: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَهُ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌ مَوْلَاهُ» . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبَاقِي الصَّحَابَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ عَلِيٌّ مَوْلَاهُمْ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ. وَمِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ (¬1) : «لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَدِيرِ خُمٍّ نَادَى النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَقَالَ: " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ " فَشَاعَ ذَلِكَ وَطَارَ فِي الْبِلَادِ (¬2) ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى أَتَى الْأَبْطَحِ، فَنَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَأَنَاخَهَا فَعَقَلَهَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3) - وَهُوَ فِي مَلَأٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَرْتَنَا عَنِ اللَّهِ أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ; فَقَبِلْنَا (¬4) مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نُصَلِّيَ خَمْسًا فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا (¬5) فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نَصُومَ شَهْرًا (¬6) فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرَتْنَا أَنْ نَحُجَّ الْبَيْتَ فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. ثُمَّ لَمْ تَرْضَ ¬

(¬1) ك الثَّعْلَبِيِّ قَالَ. (¬2) ن، س، ب: بِالْبِلَادِ. (¬3) ك: وَعَقَلَهَا وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬4) ك: فَقَبِلْنَاهُ. (¬5) ك: أَنْ نَصُومَ شَهْرًا. (¬6) ك: أَنْ نُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا.

بِهَذَا حَتَّى رَفَعْتَ بِضَبْعَيِ (¬1) ابْنِ عَمِّكَ وَفَضَّلْتَهُ عَلَيْنَا، وَقُلْتَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ (¬2) . وَهَذَا مِنْكَ (¬3) أَمْ مِنَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهِ (¬4) الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (¬5) ، فَوَلَّى الْحَارِثُ (¬6) يُرِيدُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ (¬7) مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ فَسَقَطَ عَلَى هَامَتِهِ وَخَرَجَ (¬8) مِنْ دُبُرِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَنْزَلَ (¬9) اللَّهُ تَعَالَى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} . {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ} » [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 1 - 3] . وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ النَّقَّاشُ مِنْ عُلَمَاءِ الْجُمْهُورِ فِي تَفْسِيرِهِ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ كَذِبًا وَفِرْيَةً مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَوْلُهُ: " اتَّفَقُوا عَلَى نُزُولِهَا فِي عَلِيٍّ " أَعْظَمُ كَذِبًا مِمَّا قَالَهُ فِي تِلْكَ الْآيِهِ. فَلَمْ يَقُلْ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، الَّذِينَ يَدْرُونَ مَا يَقُولُونَ. ¬

(¬1) ن، م: بِضْعِى، س: بِضْعٍ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الضَّبْعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ: وَسَطَ الْعَضُدِ بِلَحْمِهِ يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْعَضُدُ كُلُّهَا، وَقِيلَ: الْإِبِطُ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْإِبِطِ إِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ مِنْ أَعْلَاهُ، تَقُولُ: آخُذُ بِضَبْعَيْهِ، أَيْ: بِعَضُدَيْهِ. (¬2) ك: فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ. (¬3) ك: فَهَذَا شَيْءٌ مِنْكَ. (¬4) ك: فَقَالَ: وَاللَّهِ. (¬5) ن: هُنَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، ك ص 150 م: إِنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، س، ب: أَمْرُ اللَّهِ. (¬6) ك: الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ. (¬7) م: إِنْ كَانَ هُوَ الْحَقَّ، ك: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا، وَسَقَطَتْ (مِنْ عِنْدِكَ) . (¬8) ك: فَخَرَجَ. (¬9) ك: فَأَنْزَلَ.

وَأَمَّا مَا (¬1) يَرْوِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْحِلْيَةِ " أَوْ فِي " فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ " وَالنَّقَّاشُ وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَنَحْوُهُمْ فِي التَّفْسِيرِ، فَقَدِ (¬2) اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ فِيمَا (¬3) يَرْوُونَهُ كَثِيرًا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ الَّذِي رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (¬4) هُوَ مِنَ الْمَوْضُوعِ، وَسَنُبَيِّنُ أَدِلَّةً يُعْرَفُ بِهَا أَنَّهُ (¬5) مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ [الثَّعْلَبِيُّ] (¬6) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ * بِالْحَدِيثِ. وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّا نَذْكُرُ قَاعِدَةً فَنَقُولُ: الْمَنْقُولَاتُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الصِّدْقِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْكَذِبِ * (¬7) ، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا إِلَى أَهْلِ عِلْمِ الْحَدِيثِ (¬8) ، كَمَا نَرْجِعُ إِلَى النُّحَاةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الْعَرَبِ وَنَحْوِ غَيْرِ الْعَرَبِ (¬9) ، وَنَرْجِعُ إِلَى عُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِيمَا هُوَ مِنَ اللُّغَةِ وَمَا لَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ، وَكَذَلِكَ عُلَمَاءُ الشِّعْرِ وَالطِّبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلِكُلِّ عِلْمٍ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، ¬

(¬1) س، ب: وَمَا. (¬2) س، ب: قَدْ. (¬3) ن، م، س: أَنَّ مَا. (¬4) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيِّ الثَّعْلَبِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 427 فِيمَا مَضَى 2/27 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ تَفْسِيرَهُ " الْكَشْفَ وَالْبَيَانَ " فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ " غَيْرُ مَطْبُوعٍ. وَانْظُرْ عَنْهُ أَيْضًا: " طَبَقَاتِ الْمُفَسِّرِينَ " لِلدَّاوُدِيِّ 1/65 - 66، " مُعْجَمَ الْمُؤَلِّفِينَ " 2/60، وَذَكَرَ بُرُوكْلِمَانُ فِي مَقَالَتِهِ عَنِ الثَّعْلَبِيِّ فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ، عَنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ: وَقَدْ نَقَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ تَغْرِي بَرْدِي لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيهِ بِالرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ وَخَاصَّةً فِي السُّوَرِ الْأُولَى. وَانْظُرِ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 12/40 حَيْثُ يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَكَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَاسِعَ السَّمَاعِ، وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنَ الْغَرَائِبِ شَيْءٌ كَثِيرٌ. (¬5) أَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) الثَّعْلَبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَبِهَا يَتِمُّ الْكَلَامُ. (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬8) إِلَى عِلْمِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، س، ب: إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ. (¬9) س، ب: وَغَيْرِ نَحْوِ الْعَرَبِ.

وَالْعُلَمَاءُ بِالْحَدِيثِ أَجَلُّ هَؤُلَاءِ قَدْرًا (¬1) ، وَأَعْظَمُهُمْ صِدْقًا، وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً، وَأَكْثَرُ دِينًا. وَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ صِدْقًا وَأَمَانَةً، وَعِلْمًا وَخِبْرَةً، فِيمَا يَذْكُرُونَهُ عَنِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، مِثْلَ مَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالْعِجْلِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ، وَأَبِي حَاتِمٍ (¬2) الْبَسْتِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ: خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرِّجَالِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَعْدَلَ مِنْ بَعْضٍ فِي وَزْنِ كَلَامِهِ، كَمَا أَنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْعُلُومِ كَذَلِكَ. وَقَدْ صَنَّفَ لِلنَّاسِ كُتُبًا فِي نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ: كِبَارًا وَصِغَارًا، مِثْلَ الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ، وَتَارِيخَيِ الْبُخَارِيِّ، وَالْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَبْلَهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَغَيْرِهِ، وَكِتَابِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، وَابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَابْنِ أَبِيِ حَاتِمٍ، وَكِتَابِ ابْنِ عَدِيٍّ، وَكُتُبِ (¬3) أَبِي حَازِمٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَصُنِّفَتْ كُتُبُ الْحَدِيثِ تَارَةً عَلَى الْمَسَانِدِ، فَتَذْكُرُ مَا أَسْنَدَهُ الصَّاحِبُ (¬4) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي دَاوُدَ ¬

(¬1) س، ب: أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ. (¬2) ، ب: وَأَبِي حَامِدٍ، وَهُوَ خَطَأُ. (¬3) س، ب: وَكِتَابِ. (¬4) ب: الصَّحَابِيُّ.

الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِيِ عُمَرَ، وَالْعَدَنِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، وَأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ الْبَصْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَارَةً عَلَى الْأَبْوِابِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَدَ مَقْصِدَهُ الصَّحِيحَ (¬1) كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ خَرَّجَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، كَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالْبَرْقَانِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ أَحَادِيثَ السُّنَنِ، كَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ الْجَامِعَ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ الْفَضَائِلُ وَغَيْرُهَا، كَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا عِلْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَعْظَمِ عُلُومِ الْإِسْلَامِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّافِضَةَ أَقَلُّ مَعْرِفَةً بِهَذَا الْبَابِ، وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ أَجْهَلُ مِنْهُمْ بِهِ، فَإِنَّ سَائِرَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ - كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ - * مُقَصِّرُونَ (¬2) فِي مَعْرِفَةِ هَذَا، وَلَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ، أَعْلَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَالْخَوَارِجُ أَعْلَمُ بِكَثِيرٍ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَالْخَوَارِجُ * (¬3) أَصْدَقُ مِنَ الرَّافِضَةِ وَأَدْيَنُ وَأَوْرَعُ، بَلِ الْخَوَارِجُ لَا نَعْرِفُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ، بَلْ هُمْ [مِنْ] (¬4) أَصْدَقِ النَّاسِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ - مِثْلُ سَائِرِ الطَّوَائِفِ - فِيهِمْ مَنْ يَكْذِبُ وَفِيهِمْ مَنْ يَصْدُقُ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْعِنَايَةِ بِالْحَدِيثِ وَمَعْرِفَتِهِ (¬5) مَا لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَدَيَّنُونَ (¬6) بِهِ (¬7) فَيَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ الصِّدْقُ. ¬

(¬1) ن: مَنْ قَصَدَ قَصْدَ الصَّحِيحِ، س، ب: مَنْ قَصَدَ الصَّحِيحَ. (¬2) س، ب: يُقَصِّرُونَ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬5) س، ب: وَمَعْرِفَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ب: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَتَدَيَّنُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَأَهْلُ الْبِدَعِ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ ابْتَدَعُوهَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا (¬1) ، وَلَا يَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ، بَلْ وَلَا الْقُرْآنَ، فِي أُصُولِهِمْ [إِلَّا] (¬2) لِلِاعْتِضَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ. وَالرَّافِضَةُ أَقَلُّ مَعْرِفَةً وَعِنَايَةً بِهَذَا، إِذْ (¬3) كَانُوا لَا يَنْظُرُونَ فِي الْإِسْنَادِ وَلَا فِي سَائِرِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ: هَلْ (¬4) تُوَافِقُ ذَلِكَ أَوْ تُخَالِفُهُ؟ وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ لَهُمْ أَسَانِيدُ مُتَّصِلَةٌ صَحِيحَةٌ قَطُّ، بَلْ كُلُّ إِسْنَادٍ مُتَّصِلٌ لَهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْ (¬5) هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ أَوْ كَثْرَةِ الْغَلَطِ. وَهُمْ فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِسْنَادٌ. وَالْإِسْنَادُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ هُوَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ خَصَائِصِ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَالرَّافِضَةُ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ عِنَايَةً ; إِذْ (¬6) كَانُوا لَا يُصَدِّقُونَ إِلَّا بِمَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، وَعَلَامَةُ كَذِبِهِ أَنَّهُ (¬7) يُخَالِفُ هَوَاهُمْ ; وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْتُبُونَ مَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ، وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ لَا يَكْتُبُونَ إِلَّا مَا لَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَهُمْ كَانُوا كَثِيرِي (¬8) الْكَذِبِ، فَانْتَقَلَتْ أَحَادِيثُهُمْ إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ مِنَ السَّقِيمِ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ التَّمْيِيزُ إِلَّا بِتَصْدِيقِ الْجَمِيعِ أَوْ تَكْذِيبِ الْجَمِيعِ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ غَيْرُ الْإِسْنَادِ. ¬

(¬1) ب: ابْتَدَعُوهَا وَاعْتَمَدُوهَا. (¬2) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (س) . (¬3) ن، م، س، ب: إِذَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) س: بَلْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) س، ب: مَا. (¬6) ن، س، ب: إِذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن، م: أَنْ. (¬8) ن، م، س: كَثِيرِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

فَيُقَالُ: مَا يَرْوِيهِ مِثْلُ أَبِي نُعَيْمٍ وَالثَّعْلَبِيِّ وَالنَّقَّاشِ وَغَيْرِهِمْ (¬1) : أَتَقْبَلُونَهُ مُطْلَقًا؟ أَمْ تَرُدُّونَهُ مُطْلَقًا؟ أَمْ تَقْبَلُونَهُ إِذَا كَانَ لَكُمْ [لَا عَلَيْكُمْ] (¬2) ، وَتَرُدُّونَهُ إِذَا كَانَ عَلَيْكُمْ؟ فَإِنْ تَقْبَلُوهُ (¬3) مُطْلَقًا، فَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَهٌ فِي فَضَائِلِ (¬4) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ تُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ. وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي أَوَّلِ " الْحِلْيَةِ " فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، وَفِي كِتَابِ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَحَادِيثَ بَعْضُهَا صَحِيحَةٌ وَبَعْضُهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ مُنْكَرَةٌ (¬5) . وَكَانَ رَجُلًا عَالِمًا بِالْحَدِيثِ فِيمَا يَنْقُلُهُ، لَكِنْ هُوَ وَأَمْثَالُهُ يَرْوُونَ مَا فِي الْبَابِ، لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَوَى كَالْمُفَسِّرِ الَّذِي يَنْقُلُ أَقْوَالَ النَّاسِ فِي التَّفْسِيرِ، وَالْفَقِيهِ الَّذِي يَذْكُرُ الْأَقْوَالَ فِي الْفِقْهِ، وَالْمُصَنِّفِ الَّذِي يَذْكُرُ حُجَجَ النَّاسِ، لِيَذْكُرَ مَا ذَكَرُوهُ (¬6) ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْتَقَدُ صِحَّتُهُ، بَلْ يُعْتَقَدُ ضَعْفُهُ ; لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا نَقَلْتُ مَا ذَكَرَ غَيْرِي، فَالْعُهْدَةُ (¬7) عَلَى الْقَائِلِ لَا عَلَى النَّاقِلِ. وَهَكَذَا كَثِيرٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الْعِبَادَاتِ، وَفَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ، وَغَيْرِ ¬

(¬1) م: وَنَحْوِهِمْ. (¬2) لَا عَلَيْكُمْ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) ن، م: فَإِنْ قَبِلُوهُ. (¬4) فَضَائِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ) فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/111 قَالَ الْخَطِيبُ: رَأَيْتُ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَشْيَاءَ يَتَسَاهَلُ فِيهَا ; مِنْهَا أَنَّهُ يُطْلِقُ فِي الْإِجَازَةِ أَخْبَرَنَا، وَلَا يُبَيِّنُ، قُلْتُ: هَذَا مَذْهَبٌ رَآهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّدْلِيسِ، وَكَلَامُ ابْنِ مِنْدَهْ فِي أَبِي نُعَيْمٍ فَظِيعٌ لَا أُحِبُّ حِكَايَتَهُ، وَلَا أَقْبَلُ قَوْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ ; بَلْ هُمَا عِنْدِي مَقْبُولَانِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُمَا ذَنْبًا أَكْثَرَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا الْمَوْضُوعَاتِ سَاكِتِينَ عَنْهَا، وَانْظُرْ: " لِسَانَ الْمِيزَانِ " 1/201 - 202 (¬6) م: مَا يَذْكُرُوهُ. (¬7) ن، س، ب: فَالْعَهْدُ.

ذَلِكَ: يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ، بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا يَذْكُرُونَ [أَحَادِيثَ] (¬1) فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ، عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيَذْكُرُونَ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ (¬2) جُمُعَةٍ مِنْهُ، وَأَلْفِيَّةَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَكَمَا يَذْكُرُونَ فِي فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ مَا وَرَدَ مِنَ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَفَضَائِلِ الْمُصَافَحَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْخِضَابِ وَالِاغْتِسَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُونَ فِيهَا صَلَاةً. وَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ يَصِحَّ فِي عَاشُورَاءَ إِلَّا فَضْلُ صِيَامِهِ. قَالَ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ (¬3) يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» ؟ فَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ (¬4) . وَقَدْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ - عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ - غَيْرُ وَاحِدٍ، مِثْلُ خَيْثَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَطْرَابُلْسِيِّ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا قَبْلَ أَبِي نُعَيْمٍ. يَرْوِي عَنْهُ إِجَازَةً. وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ جَرَوْا عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِأَمْثَالِهِمْ مِمَّنْ يُصَنِّفُ فِي الْأَبْوِابِ: أَنَّهُ يَرْوِي مَا سَمِعَهُ فِي هَذَا (¬5) الْبَابِ. ¬

(¬1) أَحَادِيثَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، وَفِي (ب) : كَمَا يَذْكُرُونَ فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ أَحَادِيثَ. (¬2) لَيْلَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) ن، م: أَهْلِهِ. (¬4) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَنْسُوبٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ 2/109 - 110 وَقَالَ: مَوْضُوعٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَضَعَهُ وَرَكَّبَهُ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ، وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ وَضَعَّفَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 6/256 (¬5) ن، م: ذَلِكَ.

وَهَكَذَا الْمُصَنِّفُونَ فِي التَّوَارِيخِ، مِثْلَ " تَارِيخِ دِمَشْقَ " لِابْنِ عَسَاكِرَ وَغَيْرِهِ، إِذَا ذَكَرَ تَرْجَمَةَ وَاحِدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ غَيْرِهِ (¬1) يَذْكُرُ كُلَّ مَا رَوَاهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، فَيَذْكُرُ لِعَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي فَضْلِهِمَا مَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَلَكِنْ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَمُعَاوِيَةُ لَيْسَ لَهُ بِخُصُوصِهِ فَضِيلَةٌ فِي الصَّحِيحِ، لَكِنْ قَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَتَبُوكَ، وَحَجَّ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، فَهُوَ مِمَّنِ ائْتَمَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كِتَابَةِ الْوَحْيِ، كَمَا ائْتَمَنَ غَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَإِذَا كَانَ الْمُخَالِفُ يَقْبَلُ كُلَّ مَا رَوَاهُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ، فَقَدْ رَوَوْا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تُنَاقِضُ مَذْهَبَهُمْ. وَإِنْ كَانَ يَرُدُّ الْجَمِيعَ، بَطَلَ احْتِجَاجُهُ بِمُجَرَّدِ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ [بِدُونِ الْمَذْهَبِ] إِلَيْهِمْ (¬2) . وَإِنْ قَالَ: أَقْبَلُ مَا يُوَافِقُ مَذْهَبِي وَأَرُدُّ مَا يُخَالِفُهُ، أَمْكَنَ مُنَازِعُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ هَذَا، [وَكِلَاهُمَا] (¬3) بَاطِلٌ، لَا يَجُوزُ أَنَّ يُحْتَجَّ عَلَى * صِحَّةِ مَذْهَبٍ بِمِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ بِدُونِ الْمَذْهَبِ، فَاذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى * (¬4) صِحَّتِهِ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّتَهُ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْمَذْهَبَ، امْتَنَعَ تَصْحِيحُ الْحَدِيثِ بِالْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ صِحَّةُ الْمَذْهَبِ مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَصِحَّةُ الْحَدِيثِ مَوْقُوفَةً عَلَى صِحَّةِ الْمَذْهَبِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرَ الْمُمْتَنِعَ. ¬

(¬1) ب: أَوْ غَيْرِهِمْ. (¬2) بِدُونِ الْمَذْهَبِ إِلَيْهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَفِي (ن) : بِمُجَرَّدِ عَزْوِهِ الْحَدِيثَ إِلَيْهِمْ. (¬3) وَكِلَاهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬4)) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

وَأَيْضًا فَالْمَذْهَبُ: إِنْ كُنْتَ عَرَفْتَ صِحَّتَهُ بِدُونِ هَذَا الطَّرِيقِ، لَمْ يَلْزَمْ صِحَّةَ هَذَا الطَّرِيقِ. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْذِبُ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ حَقًّا، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) قَوْلًا هُوَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2) - فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ صِدْقًا فِي نَفْسِهِ (¬3) أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا عَرَفْتَ صِحَّتَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، امْتَنَعَ أَنْ تَعْرِفَ صِحَّةَ الطَّرِيقِ بِصِحَّتِهِ ; لِإِفْضَائِهِ إِلَى الدَّوْرِ. فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يُعْلَمُ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَذْهَبُ مَعْلُومَ الصِّحَّةِ، أَوْ غَيْرَ مَعْلُومِ الصِّحَّةِ. وَأَيْضًا (¬4) فَكُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ وَإِنْصَافٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ فِيهَا صِدْقٌ وَكَذِبٌ (¬5) ، وَأَنَّ النَّاسَ كَذَبُوا فِي الْمَثَالِبِ وَالْمَنَاقِبِ، كَمَا كَذَبُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَبُوا فِيمَا يُوَافِقُهُ وَيُخَالِفُهُ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي كَثِيرٍ مِمَّا رَوَوْهُ (¬6) فِي فَضَائِلِ أَبَى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، كَمَا كَذَبُوا فِي كَثِيرٍ مِمَّا رَوَوْهُ (¬7) فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَكْثَرُ كَذِبًا مِنَ الرَّافِضَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ (¬8) لَا يَكَادُونَ يَكْذِبُونَ، بَلْ هُمْ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ مَعَ بِدْعَتِهِمْ وَضَلَالِهِمْ. ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) م: مِنْ كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقًا فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) ن، م: كَذِبٌ وَصِدْقٌ. (¬6) س، ب: مِمَّا يَرْوُونَهُ. (¬7) س: يَرْوُوهُ، ب: يَرْوُونَهُ. (¬8) س، ب: فَإِنَّ مِنَ الْخَوَارِجِ.

وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَلَا يُصَدِّقُونَ بِالنَّقْلِ وَيُكَذِّبُونَ [بِهِ] (¬1) بِمُجَرَّدِ مُوَافَقَةِ مَا يَعْتَقِدُونَ، بَلْ قَدْ يَنْقُلُ الرَّجُلُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِيهَا فَضَائِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَيَرُدُّونَهَا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا كَذِبٌ، وَيَقْبَلُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لِصِحَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَهُ: إِمَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، أَوْ لَهَا تَفْسِيرٌ لَا يُخَالِفُونَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَالْأَصْلُ فِي النَّقْلِ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إِلَى أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَعُلَمَائِهِ، وَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فِي عِلْمِهِمْ عَلِمَ مَا يَعْلَمُونَ، وَأَنَّ يُسْتَدَلَّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الرِّوَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَهَذَا. وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ: " رَوَاهُ فُلَانٌ " لَا يَحْتَجُّ بِهِ: لَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَلَا الشِّيعَةُ، وَلَيْسَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَحْتَجُّ بِكُلِّ حَدِيثٍ رَوَاهُ كُلُّ مُصَنِّفٍ، فَكُلُّ حَدِيثٍ يَحْتَجُّ بِهِ نُطَالِبُهُ مِنْ أَوَّلِ مَقَامٍ بِصِحَّتِهِ. وَمُجَرَّدُ عَزْوِهِ إِلَى رِوَايَةِ الثَّعْلَبِيِّ وَنَحْوِهِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي تَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ، لَا [فِي] (¬2) الصِّحَاحِ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ (¬3) وَغَيْرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَذِبَ مِثْلِ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ. وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ ظَنِّ مَنْ يَظُنُّ مِنَ الْعَامَّةِ - وَبَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي غِمَارِ الْفُقَهَاءِ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَنَحْوَهُ كَانُوا مِنْ قَبْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬2) فِي: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) ب: الْمَسَانِدِ.

وَسَلَّمَ -، أَوْ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِنَ التُّرْكُمَانِ أَنَّ حَمْزَةَ لَهُ مَغَازٍ عَظِيمَةٌ وَيَنْقُلُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إِلَّا بَدْرًا وَأُحُدًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمِثْلَ مَا يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ فِي مَقَابِرِ دِمَشْقَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ سَلَمَةَ وَغَيْرَهَا، وَمِنْ أَصْحَابِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأُوَيْسٌ الْقَرْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْدَمْ دِمَشْقَ، وَلَكِنْ كَانَ فِي الشَّامِ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّونَهَا أُمَّ سَلَمَةَ، فَظَنَّ الْجُهَّالُ أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ. وَأُوَيْسٌ تَابِعِيٌّ لَمْ يَقْدَمِ الشَّامَ. \ 507 وَمِثْلَ مَنْ يَظُنُّ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّ قَبْرَ عَلِيٍّ بِبَاطِنِ النَّجَفِ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ - بِالْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا - يَعْلَمُونَ بُطْلَانَ هَذَا، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كُلٌّ مِنْهُمْ دُفِنَ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِبَلَدِهِ، خَوْفًا عَلَيْهِ (¬1) مِنَ الْخَوَارِجِ أَنْ يَنْبُشُوهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا تَحَالَفُوا عَلَى قَتْلِ الثَّلَاثَةِ، فَقَتَلُوا عَلِيًّا وَجَرَحُوا مُعَاوِيَةَ. وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ (¬2) خَارِجَةُ، فَضَرَبَهُ الْقَاتِلُ يَظُنُّهُ عَمْرًا فَقَتَلَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ خَارِجَةُ، فَقَالَ: أَرَدْتُ عَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ خَارِجَةَ، فَصَارَ مَثَلًا. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ يَعْلَمُونَ خِلَافَ ذَلِكَ. ¬

(¬1) م: عَلَيْهِمْ. (¬2) ن، س، ب: إِنَّهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ (¬1) : فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ; فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ بِغَدِيرٍ يُدْعَى خُمًّا نَادَى النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا، فَأَخَذَ بِيَدَيْ عَلِيٍّ وَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، وَأَنَّ هَذَا قَدْ شَاعَ وَطَارَ بِالْبِلَادِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ، وَأَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَاقَتِهِ وَهُوَ فِي الْأَبْطَحِ وَأَتَى وَهُوَ فِي مَلَأٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَذَكَرَ أَنَّهُمُ امْتَثَلُوا أَمْرَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، ثُمَّ قَالَ: " أَلَمْ تَرْضَى بِهَذَا حَتَّى رَفَعْتَ بِضَبْعَيِ ابْنِ عَمِّكَ تُفَضِّلُهُ عَلَيْنَا " وَقُلْتَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فِعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ؟ وَهَذَا مِنْكَ أَمْ (¬2) مِنَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (¬3) ، فَوَلَّى الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ يُرِيدُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، فَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ، فَسَقَطَ عَلَى هَامَتِهِ، وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ - لِلْكَافِرينَ} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 1، 2] الْآيَةَ. فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْكَذَّابِينَ: أَجْمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَدِيرِ خُمٍّ (¬4) كَانَ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَالشِّيعَةُ تُسَلِّمُ هَذَا، وَتَجْعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْجِعْ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ، بَلْ رَجَعَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَعَاشَ تَمَامَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. ¬

(¬1) ن: أَنْ تَقُولَ. (¬2) س، ب: أَوْ. (¬3) م: هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ. (¬4) عِبَارَةُ بِغَدِيرِ خُمٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُذْكَرُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ هَذَا بِغَدِيرِ خُمٍّ وَشَاعَ فِي الْبِلَادِ، جَاءَهُ الْحَارِثُ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ، وَالْأَبْطَحُ (¬1) بِمَكَّةَ، فَهَذَا كَذِبُ جَاهِلٍ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى كَانَتْ قِصَّةُ غَدِيرِ خُمٍّ. وَأَيْضًا (¬2) فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ - سُورَةَ سَأَلَ سَائِلٌ - مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَهَذِهِ نَزَلَتْ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِعَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ [تَكُونُ] (¬3) نَزَلَتْ بَعْدَهُ؟ . وَأَيْضًا قَوْلُهُ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 32] فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَقَدْ نَزَلَتْ عَقِيبَ بَدْرٍ (¬4) بِالِاتِّفَاقِ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ مَا قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْهِجْرَةِ، كَأَبِي جَهْلٍ وَأَمْثَالِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ ذَكَّرَ نَبِيَّهُ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ (¬5) بِقَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} أَيِ اذْكُرْ قَوْلَهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30] ، {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 121] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَذْكُرَ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَفْتَحُوا بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ ; فَقَالَ: ¬

(¬1) وَالْأَبْطَحُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) وَأَيْضًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) تَكُونُ: فِي (م) فَقَطْ. (¬4) س، ب: وَقَدْ نَزَلَتْ بِبَدْرٍ. (¬5) س، ب: يَقُولُونَ.

{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 32] ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 33] وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ لَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ هَذَا آيَةً لَكَانَ مِنْ جِنْسِ آيَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ. وَلَوْ أَنَّ النَّاقِلَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْعِلْمِ: لَا الْمُسْنَدِ، وَلَا الصَّحِيحِ، وَلَا الْفَضَائِلِ، وَلَا التَّفْسِيرِ، وَلَا السِّيَرِ وَنَحْوِهَا، إِلَّا مَا يُرْوَى بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ الْمُنْكَرِ - عُلِمَ (¬1) أَنَّهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ. وَأَيْضًا فَقَدْ ذُكِرَ (¬2) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ أُمِرَ بِمَبَانِي الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدَ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ قَالَ: " فَقَبِلْنَاهُ (¬3) مِنْكَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصِبْهُ هَذَا. وَأَيْضًا فَهَذَا الرَّجُلُ لَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الطُّرُقِيَّةُ، مِنْ جِنْسِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي سِيرَةِ عَنْتَرٍ وَدَلْهَمَةَ. وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ كُتُبًا كَثِيرَةً فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ، حَتَّى فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، مِثْلَ كِتَابِ " الِاسْتِيعَابِ " لِابْنِ ¬

(¬1) ن، م، س: عَلَى، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) . (¬2) م: فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، س، ب: فَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ. (¬3) ن، س، ب: فَقَبِلْنَا.

عَبْدِ الْبَرِّ، وَكِتَابِ ابْنِ مِنْدَهْ، وَأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَالْحَافِظِ أَبِي مُوسَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا الرَّجُلَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَذْكُرُونَ إِلَّا مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، لَا يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ الطُّرُقِيَّةِ، مِثْلَ " تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ " لِلْبَكْرِيِّ الْكَذَّابِ (¬1) وَغَيْرِهِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: أَنْتُمُ ادَّعَيْتُمْ أَنَّكُمْ أَثْبَتُّمْ إِمَامَتَهُ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا ; فَإِنَّهُ قَالَ: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] . وَهَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ. فَدَعْوَى الْمُدَّعَى أَنَّ إِمَامَةَ عَلِيٍّ هِيَ (¬2) مِمَّا بَلَّغَهَا، أَوْ مِمَّا (¬3) أُمِرَ بِتَبْلِيغِهَا، لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ كَانَ ذَلِكَ إِثْبَاتًا بِالْخَبَرِ لَا بِالْقُرْآنِ. فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى [أَنَّ] (¬4) إِمَامَةَ عَلِيٍّ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، فَقَدِ افْتَرَى عَلَى الْقُرْآنِ، فَالْقُرْآنُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عُمُومًا وَلَا خُصُوصًا. الْوَجْهُ الرَّابِعُ (¬5) : أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ، مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَا ذَكَرُوهُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنَزِّلْهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِهَا (¬6) ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ، لَبَلَّغَهُ ; فَإِنَّهُ لَا يَعْصِي اللَّهَ فِي ذَلِكَ. ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَكْرِيِّ وَكِتَابِهِ تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ. (¬2) هِيَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ن (م) ، (س) . (¬5) م: الثَّالِثُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) م: وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا.

وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَقَدْ كَذَبَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67] . لَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبَلِّغْ شَيْئًا مِنْ إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَلَهُمْ عَلَى هَذَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ يُثْبِتُونَ بِهَا هَذَا الْعِلْمَ. مِنْهَا: أَنَّ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَنُقِلَ، كَمَا نُقِلَ أَمْثَالُهُ مِنْ حَدِيثِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ مَا يُنْقَلُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ، فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ الْحَقُّ [الصِّدْقُ] (¬1) الَّذِي قَدْ بُلِّغَ لِلنَّاسِ؟ ! . وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُمَّتَهُ بِتَبْلِيغِ مَا سَمِعُوا مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كِتْمَانُ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ، وَطَلَبَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَمِيرٌ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرٌ، فَأُنْكِرَ (¬2) ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: الْإِمَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي قُرَيْشٍ، وَرَوَى الصَّحَابَةُ فِي [مَوَاطِنَ] (¬3) مُتَفَرِّقَةٍ الْأَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي (¬4) : " أَنَّ «الْإِمَامَةَ فِي قُرَيْشٍ» " (¬5) ¬

(¬1) الصِّدْقُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) ب: فَأَنْكَرُوا. (¬3) مَوَاطِنَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬4) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬5) الْحَدِيثُ بِلَفْظِ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ " ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 2/298 - 301 حَدِيثٌ رَقْمُ 520 وَقَالَ: صَحِيحٌ، وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِهِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُطَوَّلًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/129 وَأَوَّلُهُ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ وَلَكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ عَنْهُ: حم مُسْنَدُ أَحْمَدَ، ن سُنَنُ النَّسَائِيِّ، الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ، وَقَالَ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ إِنَّ الطَّيَالِسِيَّ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، إِلَخْ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَوَّلُهُ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْرَارُهَا أُمَرَاءُ أَبْرَارِهَا، وَفُجَّارُهَا أُمَرَاءُ فَجَّارِهَا. الْحَدِيثَ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَالْحَاكِمَ أَخْرَجَاهُ، وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، 4/75 - 76 وَفِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ لِلْطَبَرَانِيِّ ص 85 وَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/192 وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَلْبَانِيِّ أَيْضًا، وَحَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/421، 424 وَذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ رَقْمُ 1009، 1029

وَلَمْ يَرْوِ وَاحِدٌ (¬1) مِنْهُمْ: لَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَا غَيْرِهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ. وَبَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ بَنِي عَبْدِ مُنَافٍ - مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ - لَهُمْ مَيْلٌ قَوِيٌّ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَخْتَارُونَ وَلَايَتَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا النَّصَّ. وَهَكَذَا أُجْرِيَ الْأَمْرُ (¬2) فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَفِي عَهْدِهِ أَيْضًا لَمَّا صَارَتْ لَهُ وَلَايَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ (¬3) هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ هَذَا النَّصَّ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ هَذَا النَّصُّ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الَّذِينَ يَتَوَلُّونَ عَلِيًّا وَيُحِبُّونَهُ، وَيَقُولُونَ (¬4) : إِنَّهُ كَانَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ عُثْمَانَ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ، قَدْ نَازَعَهُمْ (¬5) فِي ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: كَانَ زَمَانُهُ زَمَانَ فِتْنَةٍ وَاخْتِلَافٍ (¬6) بَيْنَ الْأُمَّةِ، لَمْ تَتَّفِقِ الْأُمَّةُ فِيهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ. ¬

(¬1) ن، م: أَحَدٌ. (¬2) ن، س، ب: وَهَكَذَا جَرَى النَّصُّ. (¬3) ن، ب: لَمْ يَذْكُرْ، س: لَمْ يَذْكُرْهُ. (¬4) ب: يَقُولُونَ. (¬5) س: وَقَدْ تَنَازَعَهُمْ، ب: قَدْ نَازَعَهُمْ، م: تَنَازَعَهُمْ. (¬6) ن، م، س: وَالِاخْتِلَافُ.

وَقَالَ طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ كَالْكَرَّامِيَّةِ: بَلْ هُوَ كَانَ إِمَامًا وَمُعَاوِيَةُ إِمَامًا، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إِمَامَانِ لِلْحَاجَةِ. وَهَكَذَا قَالُوا فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَيَزِيدَ، حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا النَّاسَ اتَّفَقُوا عَلَى إِمَامٍ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، مَعَ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالْحَدِيثِ، احْتَجَّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ: " «تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» " (¬1) . وَبَعْضُ النَّاسِ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ، لَكِنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ يُثْبِتُونَهُ، فَهَذَا عُمْدَتُهُمْ مِنَ النُّصُوصِ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَلَوْ ظَفِرُوا بِحَدِيثٍ مُسْنَدٍ أَوْ مُرْسَلٍ مُوَافِقٍ لِهَذَا لَفَرِحُوا بِهِ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ النَّصِّ، هُوَ مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَقْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا. وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ كَذِبَ هَذَا النَّقْلِ، كَمَا يَعْلَمُونَ كَذِبَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الْمَكْذُوبَةِ. وَقَدْ جَرَى تَحْكِيمُ الْحَكَمَيْنِ، وَمَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا غَيْرِهِمْ مَنْ ذَكَرَ هَذَا النَّصَّ، مَعَ كَثْرَةِ شِيعَتِهِ، وَلَا فِيهِمْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي تَتَوَفَّرُ فِيهِ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى إِظْهَارِ مِثْلِ هَذَا النَّصِّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّصُّ مَعْرُوفًا عِنْدَ شِيعَةِ عَلِيٍّ - فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ - ; لَكَانَتِ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: هَذَا نَصُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافَتِهِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ. وَأَبُو مُوسَى نَفْسُهُ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، لَوْ (¬2) عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/515. (¬2) ن، م، س: قَدْ.

فصل البرهان الثالث " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي " والجواب عليه

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِلَّ عَزْلَهُ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَكَانَ مَنْ أَنْكَرَ عَزْلَهُ (¬1) عَلَيْهِ يَقُولُ: كَيْفَ تَعْزِلُ مَنْ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافَتِهِ؟ . وَقَدِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ خَبَرُ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَنَحْوِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مُتَوَاتِرًا (¬2) . وَالنَّصُّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ مُتَوَاتِرٌ، فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ كَيْفَ سَاغَ (¬3) عِنْدَ النَّاسِ احْتِجَاجُ شِيعَةِ عَلِيٍّ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالنَّصِّ؟ . [فصل البرهان الثالث " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬5) - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا النَّاسَ إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ (¬6) ، وَأَمَرَ بِإِزَالَةِ مَا تَحْتَ الشَّجَرِ مِنَ الشَّوْكِ (¬7) ، فَقَامَ (¬8) فَدَعَا ¬

(¬1) عَزْلَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) م: وَلَيْسَ هُوَ مُتَوَاتِرٌ، وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/413 - 420 (¬3) ن، م: شَاعَ. (¬4) فِي (ك) ص 150 (م) . (¬5) ك: أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ. (¬6) ك: النَّاسَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي غَدِيرِ خُمٍّ. (¬7) ك: وَأَمَرَ بِمَا تَحْتَ الشَّجَرِ مِنَ الشَّوْكِ، ن، س، ب: وَأَمَرَنَا بَحَتِّ الشَّجَرَةِ مِنَ الشَّوْكِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) (¬8) ك: فَقُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

عَلِيًّا، فَأَخَذَ (¬1) بِضَبْعَيْهِ فَرَفَعَهُمَا، حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَى [بَيَاضِ] (¬2) إِبِطَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ لَمْ يَتَفَرَّقُوا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى إِكْمَالِ الدِّينِ، وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ، وَرِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتِي، وَبِالْوَلَايَةِ لِعَلِيٍّ مِنْ بَعْدِي. ثُمَّ قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بَيَانُ صِحَّةِ الْحَدِيثِ. وَمُجَرَّدُ عَزْوِهِ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ لَا تُفِيدُ الصِّحَّةَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ: عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ ; فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ رَوَى كَثِيرًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي هِيَ ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ: السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ حَافِظًا (¬3) كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ رَوَى، كَمَا عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ أَمْثَالِهِ يَرْوُونَ جَمِيعَ مَا فِي الْبَابِ ; لِأَجْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَجُّ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِبَعْضِهِ. وَالنَّاسُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ: مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرْوِي عَمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْذِبُ، مِثْلَ مَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَرْوُونَ عَنْ شَخْصٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ عِنْدَهُمْ، ¬

(¬1) م: وَأَحَدَ. (¬2) بَيَاضِ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) . (¬3) ن، س، ب: حَافِظًا ثِقَةً.

وَلَا يَرْوُونَ حَدِيثًا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ عَنْ كَذَّابٍ، فَلَا يَرْوُونَ أَحَادِيثَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ يُعْرَفُونَ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، لَكِنْ قَدْ يَتَّفِقُ فِيمَا يَرْوُونَهُ مَا يَكُونُ صَاحِبُهُ أَخْطَأَ فِيهِ. وَقَدْ يَرْوِي الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا أَحَادِيثَ تَكُونُ ضَعِيفَةً عِنْدَهُمْ ; لِاتِّهَامِ رُوَاتِهَا بِسُوءِ الْحِفْظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِيُعْتَبَرَ بِهَا وَيُسْتَشْهَدَ بِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ مَا يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ وَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُهَا كَذَّبَهَا (¬1) فِي الْبَاطِنِ، لَيْسَ مَشْهُورًا بِالْكَذِبِ، بَلْ يَرْوِي كَثِيرًا مِنَ الصِّدْقِ، فَيُرْوَى حَدِيثُهُ. وَلَيْسَ كُلُّ مَا رَوَاهُ الْفَاسِقُ يَكُونُ كَذِبًا، بَلْ يَجِبُ التَّبَيُّنُ (¬2) مِنْ خَبَرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6] فَيُرْوَى لِتَنْظُرَ سَائِرَ الشَّوَاهِدِ: هَلْ تَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ أَوَ الْكَذِبِ؟ . وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ يَعِزُّ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ، بَلْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ، فَيَرْوِي مَا سَمِعَهُ كَمَا سَمِعَهُ، وَالدَّرْكُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَيْهِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ وَفِي رِجَالِهِ وَإِسْنَادِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَوْضُوعَاتِ. وَهَذَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ (¬3) بِالْحَدِيثِ، وَالْمَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ (¬4) لَا يُوجَدُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. ¬

(¬1) ب: كَذَّابًا. (¬2) ن، س: التَّبْيِينُ. (¬3) سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) ن، م: وَلِهَذَا.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ (¬1) وَالتَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، «وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا ; لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ [الْيَوْمَ] (¬2) عِيدًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَأَيُّ آيَةٍ هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3] فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ يَوْمٍ نَزَلَتْ، وَفِي أَيِّ مَكَانٍ نَزَلَتْ. نَزَلَتْ (¬3) يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ (¬4) وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ» . وَهَذَا مُسْتَفِيضٌ مِنْ زِيَادَةِ وُجُوهٍ أُخَرَ (¬5) . وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ: الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ وَالْجَوَامِعِ وَالسِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ (¬6) وَغَيْرُ ذَلِكَ (¬7) . وَهَذَا الْيَوْمُ كَانَ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ ذِي الْحِجَّةِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ الْغَدِيرِ؟ ! . الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى عَلِيٍّ وَلَا إِمَامَتِهِ بِوَجْهٍ ¬

(¬1) م: وَالْمَسَانِيدِ. (¬2) الْيَوْمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬3) نَزَلَتْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) بِعَرَفَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) ن، س، ب: أُخْرَى. (¬6) م: وَالْمَسَانِيدُ وَالسُّنَنُ وَالتَّفْسِيرُ. (¬7) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/14، (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) 6/50 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمَائِدَةِ) ، مُسْلِمٍ 4/2312 - 2313 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، حَدِيثٌ رَقْمُ 3، 4، 5) سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 4/316 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمَائِدَةِ) ، سُنَنُ النَّسَائِيِّ 8/100 (كِتَابُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ، بَابُ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ) ، الْمُسْنَدُ (ط. الْمَعَارِفُ) 1/237، تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ 3/24

مِنَ الْوُجُوهِ، بَلْ فِيهَا إِخْبَارُ اللَّهِ بِإِكْمَالِ الدِّينِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَرِضَا الْإِسْلَامِ دِينًا. فَدَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَذِبٌ ظَاهِرٌ. وَإِنْ قَالَ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. فَيُقَالُ: الْحَدِيثُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَتَكُونُ الْحُجَّةُ مِنَ الْحَدِيثِ لَا مِنَ الْآيَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا. فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيَّنُ بِهِ (¬1) كَذِبُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ نُزُولَ الْآيَةِ لِهَذَا السَّبَبِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَصْلًا، تَنَاقُضٌ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " «اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» " كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» " فَلَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ، وَسَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي مَوْضِعِهِ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَابٌ، وَهَذَا الدُّعَاءُ لَيْسَ بِمُجَابٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمَّا تَوَلَّى كَانَ الصَّحَابَةُ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ قَاتَلُوا مَعَهُ، وَصِنْفٌ قَاتَلُوهُ، وَصِنْفٌ قَعَدُوا عَنْ هَذَا وَهَذَا. وَأَكْثَرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ كَانُوا مِنَ الْقُعُودِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ بَعْضَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ قَاتَلُوهُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ (¬2) ، وَأَنَّ أَبَا الْغَادِيَةِ ¬

(¬1) بِهِ: لَيْسَتْ فِي (م) . (¬2) ن، م، س، ب: أَبُو الْعَادِيَةِ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى أَبِي الْغَادِيَةِ.

هَذَا مِنَ السَّابِقِينَ، مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وَأُولَئِكَ جَمِيعُهُمْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» " (¬1) . وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ غُلَامَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ: " كَذَبْتَ ; إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ» " (¬2) . وَحَاطِبٌ هَذَا هُوَ الَّذِي كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ بِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِسَبَبِ ذَلِكَ نَزَلَ (¬3) : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 1] الْآيَةَ، وَكَانَ مُسِيئًا إِلَى مَمَالِيكِهِ، وَلِهَذَا قَالَ مَمْلُوكُهُ هَذَا الْقَوْلَ، وَكَذَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: " إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ " وَفِي الصَّحِيحِ: " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» ". وَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ مِمَّنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، كَطَلْحَةَ (¬4) وَالزُّبَيْرِ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلُ عَمَّارٍ فِيهِمْ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهِ. وَكَانَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ نَحْوَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَهُمُ الَّذِينَ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (¬5) خَيْبَرَ (¬6) ، كَمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ، وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمُ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/28 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/39 (¬3) ن: نَزَلَتْ. (¬4) س، ب: طَلْحَةَ. (¬5) ن، م: لَهُمْ. (¬6) م: كُلَّ خَيْرٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا ; لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ، فَقَسَّمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، فَصَارَ لِأَهْلِ الْخَيْلِ سِتُّمِائَةِ سَهْمٍ، وَلِغَيْرِهِمْ أَلْفٌ وَمِائَتَا سَهْمٍ. هَذَا هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (¬1) ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَأَنَّ الْخَيْلَ كَانَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَاتَلَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، كَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. لَكِنَّ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ كَانُوا أَفْضَلَ، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ لَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ عَلِيٍّ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ (¬2) ، وَقَدْ جَاءَ فِي (¬3) الْحَدِيثِ: " «أَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَضُرُّهُ» " (¬4) فَاعْتَزَلَ. وَهَذَا مِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ قِتَالَ فِتْنَةٍ بِتَأْوِيلٍ، لَمْ يَكُنْ مِنَ الْجِهَادِ الْوَاجِبِ وَلَا الْمُسْتَحَبِّ. وَعَلِيٌّ - وَمَنْ مَعَهُ - أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى خَيْرِ فِرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» " (¬5) فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَوْلَى بِالْحَقِّ مِمَّنْ قَاتَلَهُ ; فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْخَوَارِجَ لَمَّا افْتَرَقَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَانَ قَوْمٌ مَعَهُ وَقَوْمٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ لَمْ يُخْذَلُوا، بَلْ مَا زَالُوا (¬6) ¬

(¬1) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ ط. الشَّعْبِ، 7/308 - 309 وَقَدْ ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/28، وَانْظُرْ 2/23 - 28 (¬2) م: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ. (¬3) م: فِيهِ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/541 (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/306 (¬6) س، ب: بَلْ كَانُوا.

مَنْصُورِينَ يَفْتَحُونَ الْبِلَادَ وَيَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» " (¬1) قَالَ: " مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: " وَهُمْ بِالشَّامِ ". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» " (¬2) . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ: " أَهْلُ الْغَرْبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ ". وَهَذَا كَمَا ذَكَرُوهُ ; فَإِنَّ كُلَّ بَلَدٍ لَهُ غَرْبٌ وَشَرْقٌ، وَالِاعْتِبَارُ فِي لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَرْبِ مَدِينَتِهِ، وَمِنَ الْفُرَاتِ هُوَ غَرْبُ الْمَدِينَةِ، فَالْبِيرَةُ (¬3) وَنَحْوُهَا عَلَى سَمْتِ الْمَدِينَةِ، كَمَا أَنَّ حَرَّانَ (¬4) وَالرَّقَّةَ (¬5) وَسُمَيْسَاطَ (¬6) وَنَحْوَهَا عَلَى سَمْتِ مَكَّةَ. وَلِهَذَا يُقَالُ: إِنْ قِبْلَةَ هَؤُلَاءِ أَعْدَلُ الْقِبَلِ، بِمَعْنَى أَنَّكَ تَجْعَلُ الْقُطْبَ الشَّمَالِيَّ خَلْفَ ظَهْرِكَ، فَتَكُونُ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ، فَمَا كَانَ غَرْبِيَّ الْفُرَاتِ فَهُوَ غَرْبِيُّ الْمَدِينَةِ إِلَى آخِرِ الْأَرْضِ، وَأَهْلُ الشَّامِ أَوَّلُ هَؤُلَاءِ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/461. (¬2) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ 4/461 (¬3) قَالَ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ، الْبِيرَةُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا بَلَدٌ قُرْبَ سُمَيْسَاطَ بَيْنَ حَلَبَ وَالثُّغُورِ الرُّومِيَّةِ، وَهِيَ قَلْعَةٌ حَصِينَةٌ. (¬4) قَالَ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ، هِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ جَزِيرَةِ أَقُورَ وَهِيَ قَصَبَةُ دِيَارِ مُضَرَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّهَا يَوْمٌ وَبَيْنَ الرَّقَّةِ يَوْمَانِ. (¬5) قَالَ يَاقُوتُ الرَّقَّةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ تَشْدِيدُهُ، وَهِيَ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ عَلَى الْفُرَاتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرَّانَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، مَعْدُودَةٌ فِي بِلَادِ الْجَزِيرَةِ لِأَنَّهَا، مِنْ جَانِبِ الْفُرَاتِ الشَّرْقِيِّ. (¬6) م: وَسُمَسَاطَ. وَقَالَ يَاقُوتُ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ: سُمَيْسَاطُ، بِضَمٍّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مِنْ تَحْتِ سَاكِنَةٍ وَسِينٍ أُخْرَى ثُمَّ بَعْدَ الْأَلِفِ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ، مَدِينَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ فِي طَرَفِ بِلَادِ الرُّومِ عَلَى غَرْبِيِّ الْفُرَاتِ.

فصل البرهان الرابع " والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى " والجواب عليه

وَالْعَسْكَرُ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ مَا خُذِلُوا قَطُّ، بَلْ وَلَا فِي قِتَالِ عَلِيٍّ. فَكَيْفَ يَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «اللَّهُمَّ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ» " [وَالَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ لَمْ يُنْصَرُوا عَلَى هَؤُلَاءِ، بَلِ الشِّيعَةُ الَّذِينَ تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِعَلِيٍّ مَا زَالُوا مَخْذُولِينَ مَقْهُورِينَ لَا يُنْصَرُونَ إِلَّا مَعَ غَيْرِهِمْ: إِمَّا مُسْلِمِينَ وَإِمَّا كُفَّارٍ، وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَنْصَارُهُ] (¬1) ، فَأَيْنَ نَصْرُ اللَّهِ لِمَنْ نَصَرَهُ؟ ! وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ هَذَا الْحَدِيثِ. [فصل البرهان الرابع " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى " والجواب عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْبُرْهَانُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالنَّجْمِ {إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 2] رَوَى الْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَغَازِلِيِّ (¬3) الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ فِتْيَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذِ انْقَضَّ كَوْكَبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنِ انْقَضَّ هَذَا النَّجْمُ فِي مَنْزِلِهِ، فَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ بَعْدِي " فَقَامَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَنَظَرُوا، فَإِذَا الْكَوْكَبُ قَدِ انْقَضَّ فِي مَنْزِلِ عَلِيٍّ (¬4) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ (¬5) غَوَيْتَ فِي حُبِّ عَلِيٍّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ( ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬2) فِي (ك) ص 150 (م) ، ص 151 (م) . (¬3) ب: ابْنُ عَلِيٍّ الْمُغَازِيُّ، س: ابْنُ عَلِيٍّ الْمَغَازِلِيٌّ. (¬4) ك: ص 151 م: فِي مَنْزِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) ك: لَقَدْ.

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} » [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 2] . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ بِلَا عِلْمٍ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 36] . وَقَالَ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 33] . وَقَالَ: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 66] . وَقَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 3] . وَقَالَ: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ غَافِرٍ: 35] (¬1) . وَالسُّلْطَانُ الَّذِي أَتَاهُمْ هُوَ الْحُجَّةُ الْآتِيَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ الرُّومِ: 35] وَقَالَ: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 156 - 157] . وَقَالَ: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [سُورَةُ النَّجْمِ: 23] ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ حُرِّفَتِ الْآيَةُ إِلَى إِنَّ الَّذِينَ.

فَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ سُلْطَانٌ، فَالْقُرْآنُ (¬1) سُلْطَانٌ، وَالسُّنَّةُ سُلْطَانٌ، لَكِنْ لَا يُعْرَفُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِهِ إِلَّا بِالنَّقْلِ الصَّادِقِ عَنِ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنِ احْتَجَّ بِشَيْءٍ مَنْقُولٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ صِحَّتَهُ، قَبْلَ أَنْ يَعْتَقِدَ مُوجِبَهُ وَيَسْتَدِلَّ بِهِ. وَإِذَا احْتَجَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ بَيَانُ صِحَّتِهِ، وَإِلَّا كَانَ قَائِلًا بِلَا عِلْمٍ، مُسْتَدِلًّا بِلَا عِلْمٍ. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي الْفَضَائِلِ مَا هُوَ كَذِبٌ، صَارَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا فِيهَا، مِثْلَ الِاسْتِدْلَالِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ، الَّذِي يَصْدُقُ تَارَةً وَيَكْذِبُ أُخْرَى. بَلْ لَوْ لَمْ يُعْلَمُ أَنَّ فِيهَا كَذِبًا، لَمْ يَفِدْنَا عِلْمًا حَتَّى نَعْلَمَ (¬2) ثِقَةَ مَنْ رَوَاهَا. وَبَيْنَنَا وَبَيْنَ الرَّسُولِ مِئُونَ مِنَ السِّنِينِ (¬3) ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فِيمَا يَنْقُلُ النَّاسُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ صِدْقًا وَكَذِبًا (¬4) ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَيُكْذَبُ عَلَيَّ، فَإِنَّ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صِدْقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُكْذَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ. وَإِنْ (¬5) كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْعِيَّةٍ بِحَدِيثٍ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا بِهِ يَثْبُتُ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ، الَّتِي يَقْدَحُ فِيهَا فِي خِيَارِ الْقُرُونِ وَجَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَسَادَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ، بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ الْمُحْتَجُّ بِهِ صِدْقَهُ؟ . ¬

(¬1) س، ب: وَالْقُرْآنُ. (¬2) س، ب: يَعْلَمُ. (¬3) ن، س، ب: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م، س: صِدْقٌ وَكَذِبٌ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ب: وَإِذْ.

وَهُوَ لَوْ قِيلَ لَهُ: أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذَا وَاقِعٌ؟ فَإِنْ قَالَ: أَعْلَمُ ذَلِكَ، فَقَدْ كَذَبَ. فَمِنْ أَيْنَ (¬1) يَعْلَمُ وُقُوعَهُ؟ وَيُقَالُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ صِدْقَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ [مِمَّا] (¬2) لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالْإِسْنَادِ (¬3) وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ؟ وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ، وَلَوْ أَنَّكَ عَرَفْتَهُ لَعَرَفْتَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ ذَلِكَ. فَكَيْفَ يَسُوغُ لَكَ (¬4) الِاحْتِجَاجُ بِمَا لَا تَعْلَمُ (¬5) صِحَّتَهُ؟ . الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. وَهَذَا الْمَغَازِلِيُّ (¬6) لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، كَأَبِي نُعَيْمٍ وَأَمْثَالِهِ، وَلَا هُوَ أَيْضًا (¬7) مِنْ جَامِعِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مَا غَالِبُهُ حَقٌّ وَبَعْضُهُ بَاطِلٌ ; كَالثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ، بَلْ هَذَا لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ مِنْ صَنْعَتِهِ، فَعَمَدَ إِلَى مَا وَجَدَهُ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ فَجَمَعَهَا، كَمَا فَعَلَ أَخْطَبُ خُوَارِزْمَ، وَكِلَاهُمَا لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرْوِي فِيمَا جَمَعَهُ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمَوْضُوعَةِ، مَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى أَقَلِّ عُلَمَاءِ النَّقْلِ وَالْحَدِيثِ (¬8) . وَلَسْنَا نَعْلَمُ (¬9) أَنَّ أَحَدُهُمَا يَتَعَمَّدُ) (¬10) الْكَذِبَ فِيمَا يَنْقُلُهُ (¬11) ، لَكِنَّ الَّذِي ¬

(¬1) س، ب: فَأَيْنَ. (¬2) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬3) ن: بِإِسْنَادٍ. (¬4) ب: لَهُ. (¬5) م، ب: يَعْلَمُ. (¬6) ب: الْمَغَازِيُّ. (¬7) ن، س، ب: وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا. (¬8) س، ب: النَّقْلِ بِالْحَدِيثِ. (¬9) م: وَلَيْسَ يَعْلَمُ. (¬10) ن، س: يَعْتَمِدُ، م: تَعْتَمِدُ. (¬11) 11) م: فِيمَا نَقَلَهُ.

تَيَقَّنَاهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يَرْوُونَهَا (¬1) فِيهَا مَا هُوَ كَذِبٌ كَثِيرٌ (¬2) بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَا قَدْ كَذَّبَهُ النَّاسُ قَبْلَهُمْ، وَهُمَا - وَأَمْثَالُهُمَا - قَدْ يَرْوُونَ ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَقَدْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ. فَلَا أَدْرِي هَلْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ؟ أَوْ كَانَا مِمَّا لَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ . وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ (¬3) أَبُو الْفَرَجِ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " (¬4) لَكِنْ بِسِيَاقٍ آخَرَ (¬5) ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ (¬6) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَأَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعَجَائِبِ فِي كُلِّ سَمَاءٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ (¬7) جَعَلَ يُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْ عَجَائِبِ رَبِّهِ (¬8) ، فَكَذَّبَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَنْ كَذَّبَهُ، وَصَدَّقَهُ مَنْ صَدَّقَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ انْقَضَّ نَجْمٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِي دَارِ مَنْ (¬9) وَقَعَ [هَذَا النَّجْمُ] (¬10) فَهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، فَطَلَبُوا (¬11) ذَلِكَ النَّجْمَ (¬12) فَوَجَدُوهُ فِي دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] (¬13) فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: ¬

(¬1) م: يَرْوِيهَا. (¬2) كَثِيرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) الشَّيْخُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) 1/372 - 373. (¬5) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ سِيَاقًا طَوِيلًا يَبْدَأُ بِقَوْلِهِ: حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ إِلَخْ. (¬6) م: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ، س، ب: لَمَّا عُرِجَ النَّبِيُّ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، كِتَابُ الْمَوْضُوعَاتِ. (¬7) س، ب: فَأَصْبَحَ. (¬8) ن، س، ب: عَنِ الْعَجَائِبِ، الْمَوْضُوعَاتِ: مِنْ عَجَائِبِ رَبِّهِ. (¬9) ب فَقَطْ: انْظُرُوا فِي دَارِ مَنْ. (¬10)) هَذَا النَّجْمُ: زِيَادَةٌ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَفِي (م) : هَذَا. (¬11) 11) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ: فَطَلَبُوا. (¬12) 12) النَّجْمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬13) 13) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي (م) الْمَوْضُوعَاتِ فَقَطْ.

ضَلَّ مُحَمَّدٌ وَغَوَى، وَهَوَى أَهْلَ بَيْتِهِ (¬1) ، وَمَالَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعِنْدَ ذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (¬2) [سُورَةُ النَّجْمِ: 1 - 2] . قَالَ:» أَبُو الْفَرَجِ (¬3) : " هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَمَا أَبْرَدَ الَّذِي وَضَعَهُ، وَمَا أَبْعَدَ مَا ذَكَرَ، وَفِي إِسْنَادِهِ ظُلُمَاتٌ مِنْهَا أَبُو صَالِحٍ وَكَذَلِكَ (¬4) الْكَلْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ الْكَلْبِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ (¬5) : كَانَ الْكَلْبِيُّ مِنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَمُتْ، وَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا، وَإِنْ رَأَوْا سَحَابَةً قَالُوا: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا. لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. قَالَ: وَالْعَجَبُ (¬6) مِنْ تَغْفِيلِ (¬7) مَنْ وَضَعَ هَذَا الْحَدِيثَ، كَيْفَ رَتَّبَ مَا لَا يَصِحُّ (¬8) فِي الْمَعْقُولِ (¬9) مِنْ أَنَّ النَّجْمَ يَقَعُ فِي دَارٍ وَيَثْبُتُ إِلَى أَنْ يُرَى (¬10) ، وَمِنْ بَلَهِهِ أَنَّهُ وَضَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ زَمَنَ (¬11) الْمِعْرَاجِ ابْنَ سَنَتَيْنِ، فَكَيْفَ يَشْهَدُ تِلْكَ الْحَالَةِ (¬12) وَيَرْوِيهَا؟ ". ¬

(¬1) الْمَوْضُوعَاتِ: وَهَوَى إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ. (¬2) الْمَوْضُوعَاتِ: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. (¬3) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬4) الْمَوْضُوعَاتِ 1/373: مِنْهَا أَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ وَهُوَ كَذَّابٌ وَكَذَلِكَ. (¬5) ن، س: بْنِ حَيَّانَ (¬6) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: قُلْتُ: وَالْعَجَبُ. (¬7) مِنْ تَغْفِيلِ: كَذَا فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَفِي (ب) : مِنْ تَعَقُّلِ، وَفِي (ن) ، (م) ، (س) مَنْ يَعْتَقِدُ. (¬8) ن، س، ب: مَا لَا يَصْلُحُ. (¬9) الْمَوْضُوعَاتِ: الْعُقُولِ. (¬10)) الْمَوْضُوعَاتِ: وَيَثْبُتُ حَتَّى يُرَى. (¬11) 11) الْمَوْضُوعَاتِ فِي زَمَنِ. (¬12) 12) ن، م: الْحَالَ.

قُلْتُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ الْمَعْرُوفِ عَنْهُ، فَهُوَ مِمَّا وُضِعَ بَعْدَهُ. وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ (¬1) : وَقَدْ سَرَقَ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ قَوْمٌ وَغَيَّرُوا إِسْنَادَهُ، وَرَوَوْهُ (¬2) بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ (¬3) مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْعَطَّارِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصْرِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي قُضَاعَةَ رَبِيعَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ثَوْبَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ غَسَّانَ النَّهْشَلِيُّ، عَنْ أَنَسٍ (¬4) قَالَ: " «انْقَضَّ كَوْكَبٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَوْكَبِ فَمَنِ انْقَضَّ فِي دَارِهِ فَهُوَ خَلِيفَةٌ (¬5) مِنْ بَعْدِي. قَالَ: فَنَظَرْنَا، فَإِذَا هُوَ قَدْ (¬6) انْقَضَّ فِي مَنْزِلِ عَلِيٍّ (¬7) ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ (¬8) : قَدْ غَوَى مُحَمَّدٌ فِي حُبِّ عَلِيٍّ (¬9) . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} » الْآيَاتِ (¬10) [سُورَةُ ¬

(¬1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬2) ن، م، س: وَرَوَوْا. (¬3) بَدَلًا مِنْ عِبَارَةِ " وَرَوَوْهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ " ذُكِرَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ الْإِسْنَادُ عَنْ حَمْدِ بْنِ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى: أَبُو الْفَضْلِ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْعَطَّارُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي ذِكْرِ السَّنَدِ. (¬4) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُضَاعَةَ رَبِيعَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْبَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ غَسَّانَ النَّهْشَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. (¬5) الْمَوْضُوعَاتُ: الْخَلِيفَةُ. (¬6) قَدْ: لَيْسَتْ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. (¬7) الْمَوْضُوعَاتُ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (¬8) الْمَوْضُوعَاتُ: جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ. (¬9) الْمَوْضُوعَاتُ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (¬10)) الْمَوْضُوعَاتِ: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، إِلَى قَوْلِهِ: وَحْيٌ يُوحَى.

النَّجْمِ: 1 - 2] قَالَ أَبُو الْفَرَجِ (¬1) : وَهَذَا [الْحَدِيثُ] هُوَ الْمُتَقَدِّمُ (¬2) سَرَقَهُ (¬3) بَعْضُ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ فَغَيَّرَ (¬4) إِسْنَادَهُ، وَمِنْ تَغْفِيلِهِ وَضْعُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَسٍ فَإِنَّ أَنَسًا لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْمِعْرَاجِ (¬5) ، وَلَا حِينَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ (¬6) ; لِأَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَأَنَسٌ إِنَّمَا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ظُلُمَاتٌ. أَمَّا مَالِكٌ النَّهْشَلِيُّ فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَأْتِي عَنِ الثِّقَاتِ بِمَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، وَأَمَّا ثَوْبَانُ فَهُوَ أَخُو ذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ، وَأَبُو قُضَاعَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ (¬7) الْعَطَّارُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ مَجْهُولَانِ ". الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَذِبٌ أَنَّ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ شَهِدَ نُزُولَ سُورَةِ النَّجْمِ حِينَ انْقَضَّ الْكَوْكَبَ فِي مَنْزِلِ عَلِيٍّ، وَسُورَةُ النَّجْمِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ حِينَ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُرَاهِقًا لِلْبُلُوغِ لَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ، هَكَذَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَعِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِمَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ بَعْدُ، وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ طِفْلًا لَا يُمَيِّزُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا هَاجَرَ كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ خَمْسِ (¬8) سِنِينَ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ النَّجْمِ، فَإِنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ. ¬

(¬1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬2) سَقَطَتْ كَلِمَةُ الْحَدِيثِ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) وَفِي الْمَوْضُوعَاتِ وَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. (¬3) الْمَوْضُوعَاتُ: إِنَّمَا سَرَقَهُ. (¬4) الْمَوْضُوعَاتِ فَغَيَّرُوا. (¬5) الْمَوْضُوعَاتِ: فِي زَمَنِ. (¬6) ن، س، ب: الْآيَةِ. (¬7) الْمَوْضُوعَاتُ: وَأَبُو الْفَضْلِ. (¬8) ن، س: الْخَمْسِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمْ يَنْقَضَّ قَطُّ كَوْكَبٌ إِلَى الْأَرْضِ بِمَكَّةَ وَلَا بِالْمَدِينَةِ وَلَا غَيْرِهِمَا. وَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثُرَ الرَّمْيُ بِالشُّهُبِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ (¬1) يَنْزِلْ كَوْكَبٌ إِلَى الْأَرْضِ. وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي تُعْرَفُ فِي الْعَالَمِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مِثْلُهَا فِي الْعَالَمِ، وَلَا يَرْوِي مِثْلَ هَذَا إِلَّا مَنْ [هُوَ مِنْ] أَوْقَحِ (¬2) النَّاسِ، وَأَجْرَئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَقَلِّهِمْ حَيَاءً وَدِينًا، وَلَا يَرُوجُ إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَحْمَقِهِمْ، وَأَقَلِّهِمْ مَعْرِفَةً وَعِلْمًا. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ نُزُولَ سُورَةِ النَّجْمِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَعَلِيٌّ إِذْ ذَاكَ كَانَ صَغِيرًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ احْتَلَمَ (¬3) وَلَا تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ، وَلَا شُرِعَ بَعْدُ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ أَرْبَعًا وَثَلَاثًا وَاثْنَيْنِ، وَلَا فَرَائِضُ الزَّكَاةِ، وَلَا حَجُّ الْبَيْتِ (¬4) ، وَلَا صَوْمُ رَمَضَانَ (¬5) ، وَلَا عَامَّةُ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ. وَأَمْرُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِمَامَةِ لَوْ كَانَ حَقًّا إِنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ كَمَا ادَّعَوْهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ نَزَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ . الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَأَنَّ النَّجْمَ الْمُقْسَمَ بِهِ: إِمَّا نُجُومُ السَّمَاءِ، وَإِمَّا نُجُومُ الْقُرْآنِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّهُ كَوْكَبٌ نَزَلَ فِي دَارِ أَحَدٍ بِمَكَّةَ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " غَوَيْتَ " ¬

(¬1) م: لَمْ. (¬2) ن، س، ب: إِلَّا مِنْ أَوْقَحِ. (¬3) ن، س، ب: لَمْ يَحْتَلِمْ. (¬4) عِبَارَةُ: وَلَا حَجُّ الْبَيْتِ، سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) ن: وَلَا صَامَ رَمَضَانَ، م: وَلَا صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ.

فصل البرهان الخامس " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " والجواب عليه

، فَهُوَ كَافِرٌ، وَالْكُفَّارُ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُمْ بِالْفُرُوعِ قَبْلَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ هَذَا النَّجْمَ إِنْ كَانَ صَاعِقَةً، فَلَيْسَ نُزُولُ الصَّاعِقَةِ فِي بَيْتِ شَخْصٍ كَرَامَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ فَهَذِهِ لَا تُفَارِقُ الْفَلَكَ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الشُّهُبِ فَهَذِهِ (¬1) يُرْمَى بِهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَهِيَ لَا تَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي رُمِيَ بِهَا وَصَلَ إِلَى بَيْتِ عَلِيٍّ حَتَّى احْتَرَقَ بِهَا، فَلَيْسَ هَذَا كَرَامَةً لَهُ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَمْ (¬2) يَقَعْ قَطُّ. [فصل البرهان الخامس " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . فَرَوَى (¬4) . (¬5) فِي مُسْنَدِهِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: «طَلَبْتُ عَلِيًّا فِي (¬6) مَنْزِلِهِ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] (¬7) : ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَجَاءَا جَمِيعًا فَدَخَلَا وَدَخَلَتْ مَعَهُمَا، فَأَجْلَسَ عَلِيًّا عَنْ يَسَارِهِ، وَفَاطِمَةَ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ الْتَفَعَ عَلَيْهِمْ (¬8) بِثَوْبِهِ، ¬

(¬1) م: فَهُوَ، س: فَهَذَا. (¬2) م: لَا. (¬3) فِي (ك) ص 151 (م) 152 (م) . (¬4) ك: رَوَى (¬5) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (¬6) م: إِلَى. (¬7) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي (م) فَقَطْ، وَفِي (ك) عَلَيْهَا السَّلَامُ. (¬8) م: عَلَيْهِمَا.

وَقَالَ: " {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي حَقًّا (¬1) .» «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَيْتِهَا، فَأَتَتْهُ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (¬2) بِبُرْمَةٍ فِيهَا حَرِيرَةٌ، فَدَخَلَتْ بِهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ (¬3) : " ادْعِي (¬4) زَوْجَكِ وَابْنَيْكِ. قَالَتْ: فَجَاءَ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (¬5) فَدَخَلُوا وَجَلَسُوا يَأْكُلُونَ (¬6) مِنْ تِلْكَ الْحَرِيرَةِ، وَهُوَ وَهُمْ عَلَى مَنَامِ لَهُ عَلِيٍّ (¬7) ، وَكَانَ تَحْتَهُ كِسَاءٌ خَيْبَرِيٌّ (¬8) . قَالَتْ: وَأَنَا فِي الْحُجْرَةِ أُصَلِّي (¬9) ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قَالَتْ: فَأَخَذَ فَضْلَ الْكِسَاءِ وَكَسَاهُمْ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَ يَدَهُ فَأَلْوَى بِهَا) (¬10) . إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: " هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ (¬11) عَنْهُمُ الرِّجْسَ ¬

(¬1) ك: اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ. (¬2) ك: عَلَيْهَا السَّلَامُ. (¬3) ك: قَالَ. (¬4) ك: ادْعِي لِي. (¬5) ن، م، ب: وَحَسَنٌ وَحَسَنٌ، ك: وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. (¬6) ك: فَأَكَلُوا. (¬7) عَلِيٍّ: لَيْسَتْ فِي (ك) : وَالْمَعْنَى عَالٍ. (¬8) خَيْبَرِيٌّ: كَذَا فِي (ك) ، (ن) ، وَفِي (م) الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ، وَفِي (س) ، (ب) حِبْيَرِيٌّ. (¬9) أُصَلِّي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬10) س، ب: يَدَيْهِ فَأَلْوَى بِهِمَا، ن: يَدَيْهِ فَأَلْوَى بِهَا (¬11) ك: (ص 152 م) : أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي اللَّهُمَّ فَأَذْهِبْ.

وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا، وَكَرَّرَ (¬1) ذَلِكَ. قَالَتْ: فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي وَقُلْتُ: وَأَنَا مَعَهُمْ (¬2) يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّكِ إِلَى (¬3) خَيْرٍ.» وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعِصْمَةِ، مَعَ التَّأْكِيدِ بِلَفْظِهِ: " إِنَّمَا " وَإِدْخَالُ (¬4) اللَّامِ فِي الْخَبَرِ، وَالِاخْتِصَاصُ فِي الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ: [" أَهْلَ الْبَيْتِ " وَالتَّكْرِيرُ بِقَوْلِهِ: " وَيُطَهِّرَكُمْ " وَالتَّأْكِيدُ بِقَوْلِهِ:] (¬5) " تَطْهِيرًا ". وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَتَكُونُ الْإِمَامَةُ (¬6) فِي عَلِيٍّ ; وَلِأَنَّهُ (¬7) ادَّعَاهَا فِي عِدَّةٍ مِنْ أَقْوَالِهِ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا (¬8) ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ (¬9) أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلَّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى. وَقَدْ ثَبَتَ نَفْيُ الرِّجْسِ عَنْهُ، فَيَكُونُ صَادِقًا، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ (¬10) صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ (¬11) وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ (¬12) : «اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» " (¬13) . ¬

(¬1) ن، س، ب: فَكَرَّرَ. (¬2) ك: مَعَكُمْ. (¬3) ك: عَلَى. (¬4) ك: وَبِإِدْخَالِ. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ك) فَقَطْ وَسَقَطَ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَإِثْبَاتُهُ يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ. (¬6) ن، س، ب: فَيَكُونُ الْإِمَامُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) س، ب: وِلَايَةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) ن، س: انْقَمَصَهَا. (¬9) ك: وَإِنَّهُ لِيَعْلَمُ. (¬10)) الْحَدِيثَ: لَيْسَتْ فِي (م) . (¬11) ن، س: أَوْ فَاطِمَةَ. (¬12) س: وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ. (¬13) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/22

وَرَوَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ (¬1) مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَأَدْخَلَهُ [مَعَهُ] (¬2) ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا [مَعَهُ] (¬3) ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: " {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} » . وَهُوَ مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ (¬4) ، لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ وَلَا إِمَامَتِهِمْ. وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ، كَقَوْلِهِ: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 6] ، وَكَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 185] ، وَكَقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 26 - 27] . فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مُتَضَمِّنَةً لِمَحَبَّةِ اللَّهِ لِذَلِكَ (¬5) ، الْمُرَادِ وَرِضَاهُ بِهِ، وَأَنَّهُ شَرَعَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَهُمْ بِهِ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ هَذَا الْمُرَادَ، وَلَا أَنَّهُ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، وَلَا أَنَّهُ يَكُونُ لَا مَحَالَةَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ¬

(¬1) س: مُرَجَّلٌ. (¬2) مَعَهُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) مَعَهُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬4) ذَكَرْتُ فِيمَا سَبَقَ 4/22 مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْمُسْنَدِ، فَارْجِعْ إِلَيْهِ. (¬5) ن، س: بِذَلِكَ.

قَالَ: " «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» ". فَطَلَبَ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ إِذْهَابَ الرِّجْسِ وَالتَّطْهِيرِ. فَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ تَتَضَمَّنُ إِخْبَارَ اللَّهِ بِأَنَّهُ قَدْ أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الطَّلَبِ وَالدُّعَاءِ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ أَظْهَرُ، فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ عِنْدَهُمْ لَا تَتَضَمَّنُ وُجُودَ الْمُرَادِ، بَلْ قَدْ يُرِيدُ مَا لَا يَكُونُ وَيَكُونُ مَا لَا يُرِيدُ، فَلَيْسَ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى مُرِيدًا لِذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ. وَهَذَا الرَّافِضِيُّ وَأَمْثَالُهُ قَدَرِيَّةٌ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} عَلَى وُقُوعِ الْمُرَادِ؟ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَادَ إِيمَانَ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَمْ يَقَعْ مُرَادُهُ؟ . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، فَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَوْعَانِ: إِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ دِينِيَّةٌ تَتَضَمَّنُ مَحَبَّتَهُ وَرِضَاهُ، وَإِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ قَدَرِيَّةٌ تَتَضَمَّنُ خَلْقَهُ وَتَقْدِيرَهُ. الْأُولَى مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 125] وَقَوْلُ نُوحٍ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 34]

وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُثْبِتَةِ (¬1) وَالْقَدَرِيَّةِ يَجْعَلُ الْإِرَادَةَ نَوْعًا وَاحِدًا، كَمَا يَجْعَلُونَ الْإِرَادَةَ وَالْمَحَبَّةَ شَيْئًا وَاحِدًا. ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ يَنْفُونَ إِرَادَتَهُ لِمَا بَيَّنَ (¬2) أَنَّهُ مُرَادٌ فِي آيَاتِ التَّقْدِيرِ (¬3) ، وَأُولَئِكَ يَنْفُونَ إِرَادَتَهُ لِمَا بَيَّنَ أَنَّهُ مُرَادٌ فِي آيَاتِ التَّشْرِيعِ (¬4) ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ كُلُّ مَا قِيلَ: " إِنَّهُ مُرَادٌ " فَلَا بُدَّ (¬5) أَنْ يَكُونُ كَائِنًا. وَاللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ يُطَهِّرَهُمْ، وَفِيهِمْ مَنْ تَابَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَتُبْ، وَفِيهِمْ مَنْ تَطَهَّرَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ. وَإِذَا كَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى وُقُوعِ مَا أَرَادَهُ مِنَ التَّطْهِيرِ وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ، لَمْ يَلْزَمْ بِمُجَرَّدِ الْآيَةِ ثُبُوتُ مَا ادَّعَاهُ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَذْكُورَاتٍ فِي الْآيَةِ، وَالْكَلَامُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ بِإِيجَابِهِ، وَوَعْدِ الثَّوَابِ عَلَى فِعْلِهِ، وَالْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ. قَالَ تَعَالَى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} . {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} . {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 30 - 32] إِلَى قَوْلِهِ: { ¬

(¬1) م: مِنَ السُّنَّةِ. (¬2) ن، م: يُبَيِّنُ. (¬3) ن: فِي الْآيَاتِ التَّقْدِيرُ، س، ب: فِي الْآيَاتِ التَّشْرِيعُ. (¬4) فِي (ن) ، (م) فَقَطْ وَسَقَطَ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (ن) فِي الْآيَاتِ التَّشْرِيعُ وَفِي (م) : فِي بَابِ التَّشْرِيعِ، وَأَرْجُوا أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬5) ب (فَقَطْ) : فَلَا يَلْزَمُ.

وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 33] . فَالْخِطَابُ كُلُّهُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَهُنَّ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ. لَكِنْ لَمَّا تَبَيَّنَ مَا فِي هَذَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تَعُمُّهُنَّ وَتَعُمُّ غَيْرَهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، جَاءَ التَّطْهِيرُ بِهَذَا الْخِطَابِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ (¬1) مُخْتَصًّا بِأَزْوَاجِهِ، بَلْ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِأَهْلِ الْبَيْتِ كُلِّهِمْ، وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أَخَصُّ مِنْ غَيْرِهِمْ بِذَلِكَ ; وَلِذَلِكَ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدُّعَاءِ لَهُمْ. وَهَذَا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 108] نَزَلَتْ بِسَبَبِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، لَكِنَّ الْحُكْمَ يَتَنَاوَلُهُ وَيَتَنَاوَلُ مَا هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ. وَهَذَا يُوَجِّهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ: " هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» " (¬2) . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، فَكَانَ يَقُومُ فِي مَسْجِدِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَأْتِي قُبَاءَ يَوْمَ ¬

(¬1) ن، ب: وَغَيْرِهِ لَيْسَ، س: وَغَيْرِ لَيْسَ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/344 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، سُورَةُ التَّوْبَةِ حَدِيثٌ رَقْمُ 5097) وَنَصُّهُ: تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هُوَ مَسْجِدِي هَذَا) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيٍّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنَ النَّسَائِيِّ 2/30 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ، بَابُ ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى) ، الْمُسْنَدُ ((ط. الْحَلَبِيِّ)) 3/8، 5/116، 331، 335

السَّبْتِ (¬1) . وَكِلَاهُمَا مُؤَسَّسٌ عَلَى التَّقْوَى. وَهَكَذَا أَزْوَاجُهُ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (¬2) كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، لَكِنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ، وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ (¬3) أَخَصُّ بِذَلِكَ مِنْ أَزْوَاجِهِ، وَلِهَذَا خَصَّهُمْ بِالدُّعَاءِ. وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ: مَنْ هُمْ؟ فَقِيلَ: هُمْ (¬4) أُمَّتُهُ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ (¬5) . وَقِيلَ: الْمُتَّقُونَ مِنْ أُمَّتِهِ. وَرَوَوْا حَدِيثًا: " «آلُ مُحَمَّدٍ كُلٌّ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ» " رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَتَمَّامٌ فِي " الْفَوَائِدِ " لَهُ. وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ (¬6) . وَبَنَى عَلَى (¬7) ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمْ خَوَاصُّ الْأَوْلِيَاءِ، كَمَا ذَكَرَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرَ وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ هَلْ أَزْوَاجُهُ مِنْ أَهْلِ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 2/61 (كِتَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، بَابُ مَنْ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ) ، وَنَصُّهُ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَفْعَلُهُ) . وَجَاءَ ذَلِكَ ضِمْنَ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ (بَابُ مَسْجِدِ قُبَاءَ) ، 2/60 - 61 وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 2/1017 (كِتَابُ الْحَجِّ) ، بَابُ فَضْلِ مَسْجِدِ قُبَاءَ. . .) (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) س، ب: مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ. (¬6) ذَكَرَ الْحَدِيثَ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " بِلَفْظِ: " آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ "، وَقَالَ: " طس (الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ) ، عَنْ أَنَسٍ " وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ عَنْهُ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَزِيَادَتِهِ "، " ضَعِيفٌ جِدًّا ". (¬7) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

بَيْتِهِ (¬1) ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. \ 5 (¬2) . وَالثَّانِي: - هُوَ الصَّحِيحُ - أَنَّ أَزْوَاجَهُ مِنْ آلِهِ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ: " «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ» " (¬3) . وَلِأَنَّ امْرَأَةَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَامْرَأَةَ لُوطٍ مِنْ آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ. فَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَزْوَاجُ مُحَمَّدٍ مِنْ آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ؟ . وَلِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ مَعْنًى. وَأَمَّا الْأَتْقِيَاءُ مِنْ أُمَّتِهِ فَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ آلَ بَنِي فُلَانٍ (¬4) لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، وَإِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» (¬5) . فَبَيَّنَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ. وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " «إِنَّ أَوْلِيَائِيَ الْمُتَّقُونَ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ كَانُوا» " (¬6) . ¬

(¬1) م: مِنْ آلِهِ. (¬2) ن: بْنِ بَاقَمَ، س: بْنِ بَارَقَمَ، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/24 (¬4) م: أَنَّهُ قَالَ: آلَ أَبِي فُلَانٍ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8 - 6 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ يَبُلُّ الرَّحِمُ بِبِلَاهَا) ، وَنَصُّهُ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: " إِنَّ آلَ أَبِي - قَالَ عَمْرٌو (وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ) : وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرَ (الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ) بِبَيَاضٍ - لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ " وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 1/197 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُقَاطَعَةِ غَيْرِهِمْ. . .) الْمُسْنَدُ ((ط. الْحَلَبِيِّ)) 4/203 (¬6) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، لَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/235 وَنَصُّهُ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِيهِ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: " يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا أَوْ قَبْرِي " فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا "، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/181 - 182 وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " وَالْجَشِعُ الْجَزِعُ لِفِرَاقِ الْإِلْفِ ".

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4] . وَفِي الصِّحَاحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «وَدِدْتُ أَنَّى رَأَيْتُ إِخْوَانِي "، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: " بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي (¬1) قَوْمٌ يَأْتُونَ (¬2) مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» (¬3) . ¬

(¬1) س، ب: بَلْ أَنْتُمْ إِخْوَانِي، وَأَصْحَابِي. .، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن: قَوْمٌ آخَرِينَ يَأْتُونَ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/218 كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ. وَنَصُّهُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ. فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ. أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا. وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/79 (كِتَابِ الطَّهَارَةِ، بَابِ حِلْيَةِ الْوُضُوءِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1439 - 1440 (كِتَابِ الزُّهْدِ، بَابِ ذِكْرِ الْحَوْضِ) ، الْمُوَطَّأِ 1/28 - 29 كِتَابِ الطَّهَارَةِ، بَابِ جَامِعِ الْوُضُوءِ، الْمُسْنَدِ. ط. الْمَعَارِفِ 15/152، 18/56 - 57 وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 6/107 وَقَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ قَرَابَةُ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى. وَهَذِهِ الْقَرَابَةُ الدِّينِيَّةُ أَعْظَمُ مِنَ الْقَرَابَةِ الطِّينِيَّةِ (¬1) ، وَالْقُرْبُ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ مِنَ الْقُرْبِ بَيْنَ الْأَبْدَانِ. وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ. وَأَمَّا أَقَارِبُهُ فَفِيهِمُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. فَإِنْ كَانَ فَاضِلًا (¬2) مِنْهُمْ كَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعْفَرٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَتَفْضِيلُهُمْ (¬3) بِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، لَا بِمُجَرَّدِ النَّسَبِ، فَأَوْلِيَاؤُهُ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ آلِهِ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى آلِهِ تَبَعًا لَهُ (¬4) لَمْ يَقْتَضِ (¬5) ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ هُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الصَّلَاةِ مَعَهُ تَبَعًا، فَالْمَفْضُولُ قَدْ يَخْتَصُّ بِأَمْرٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنَ الْفَاضِلِ. وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ أَزْوَاجَهُ هُمْ مِمَّنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَقَدْ (¬6) ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ (¬7) مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ. ¬

(¬1) س، ب: الطَّبِيعِيَّةِ. (¬2) ب (فَقَطْ) : فَاضِلًا. (¬3) ن: فَيُفَضِّلُهُمْ، س، ب: فَفَضَّلَهُمْ. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) س: لَمْ يَنْقُصْ. (¬6) ن، س: قَدْ، ب: وَقَدْ. (¬7) ن: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ هُمْ مِنْ أَفْضَلِ. .، س: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ هُمْ مِنْ أَفْضَلِ. .

فَإِنْ قِيلَ: فَهَبْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ مَا أُرِيدَ مِنَ التَّطْهِيرِ وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ، لَكِنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ (¬1) بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ، فَإِنَّ دُعَاءَهُ مُسْتَجَابٌ (¬2) . قِيلَ: الْمَقْصُودُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ثُبُوتِ (¬3) الطَّهَارَةِ وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْعِصْمَةِ وَالْإِمَامَةِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ فَذَاكَ مَقَامٌ آخَرُ. ثُمَّ نَقُولُ فِي الْمَقَامِ الثَّانِي: هَبْ أَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِمْ وَإِذْهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ (¬4) ، كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ الْمُسْتَجَابَ (¬5) لَا بُدَّ أَنْ يَتَحَقَّقَ (¬6) مَعَهُ طَهَارَةُ الْمَدْعُوِّ لَهُمْ وَإِذْهَابُ الرِّجْسِ عَنْهُمْ، لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِصْمَةِ مِنَ الْخَطَأِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِمَا أَمَرَ بِهِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَطَأٌ، فَإِنَّ الْخَطَأَ مَغْفُورٌ لَهُنَّ وَلِغَيْرِهِنَّ، وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرِيدُ لِيُذْهِبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ - الَّذِي هُوَ الْخُبْثُ كَالْفَوَاحِشِ - وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا مِنَ الْفَوَاحِشِ وَغَيْرِهَا مِنَ الذُّنُوبِ. وَالتَّطْهِيرُ مِنَ الذَّنْبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 4] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 82] ، فَإِنَّهُ قَالَ ¬

(¬1) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ن، م: مُجَابٌ. (¬3) س، ب: بِثُبُوتِ. (¬4) ن، س، ب: وَعَلَى ذَهَابِ رِجْسِهِمْ. (¬5) ن، م: الْمُجَابَ. (¬6) س، ب: يَسْتَحِقُّ.

فِيهَا: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 30] وَالتَّطْهِيرُ عَنِ الذَّنْبِ إِمَّا بِأَنْ لَا يَفْعَلَهُ الْعَبْدُ، وَإِمَّا بِأَنْ يَتُوبَ مِنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 103] [لَكِنْ] (¬1) مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ ابْتِدَاءً وَإِرَادَةً فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَهْيَهُ عَنِ الْفَاحِشَةِ، لَا يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ فِيهَا بِحَالٍ، لَكِنْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَنْهَى عَنْهَا، وَيَأْمُرُ مَنْ فَعَلَهَا بِأَنْ يَتُوبَ مِنْهَا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ (¬2) كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَاغْسِلْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ» (¬3) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ النَّبِيُّ بَرَاءَتَهَا، وَكَانَ قَدِ ارْتَابَ فِي أَمْرِهَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ [بِذَنْبٍ] (¬4) ¬

(¬1) لَكِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬2) م: خَطَايَ. (¬3) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ -، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/145 (كِتَابُ الْأَذَانِ بَابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ) ، مُسْلِمٍ 1/419 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا يُقَالُ بَيْنَ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/288 - 289 كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّكْتَةِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/45 كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ الْوُضُوءِ بِالثَّلْجِ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬4) بِذَنْبٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» (¬1) . وَبِالْجُمْلَةِ لَفْظُ " الرِّجْسِ " أَصْلُهُ الْقَذَرُ، وَيُرَادُ بِهِ الشِّرْكُ، كَقَوْلِهِ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 30] . وَيُرَادُ بِهِ الْخَبَائِثُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْمَطْعُومَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ، كَقَوْلِهِ: {لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 145] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 90] وَإِذْهَابُ ذَلِكَ إِذْهَابٌ لِكُلِّهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْ أُولَئِكَ السَّادَةِ الشِّرْكَ وَالْخَبَائِثَ. وَلَفْظُ " الرِّجْسِ " عَامٌّ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ [يُرِيدُ] أَنْ (¬2) يُذْهِبَ جَمِيعَ الرِّجْسِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا بِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا " فَهُوَ سُؤَالٌ مُطْلَقٌ بِمَا يُسَمَّى طَهَارَةً. وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ، فَيَكْتَفِي فِيهِ (¬3) بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الطَّهَارَةِ، وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِمُسَمَّى (¬4) الِاعْتِبَارِ الَّذِي يُقَالُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَمَا إِذَا قِيلَ: أَكْرِمْ هَذَا ; أَيِ: افْعَلْ مَعَهُ مَا يُسَمَّى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِكْرَامًا. وَكَذَلِكَ ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْإِفْكِ فِيمَا مَضَى 4/33 (¬2) يُرِيدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، يُرِيدُ أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) ن، م: فَيَنْتَفِي (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) فِيهِ. (¬4) ن، م، س: يُسَمَّى.

مَا يُسَمَّى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اعْتِبَارًا. وَالْإِنْسَانُ لَا يُسَمَّى مُعْتَبِرًا إِذَا اعْتَبَرَ فِي قِصَّةٍ وَتَرَكَ ذَلِكَ فِي نَظِيرِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ: هُوَ طَاهِرٌ، أَوْ مُتَطَهِّرٌ، أَوْ مُطَهَّرٌ، إِذَا كَانَ مُتَطَهِّرًا مِنْ شَيْءٍ مُتَنَجِّسًا بِنَظِيرِهِ. وَلَفْظُ " الطَّاهِرِ " كَلَفْظِ الطَّيِّبِ. قَالَ تَعَالَى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [سُورَةُ النُّورِ: 26] ، كَمَا قَالَ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [سُورَةُ النُّورِ: 26] وَقَدْ رَوَى أَنَّهُ قَالَ لِعَمَّارٍ: «ائْذَنُوا لَهُ مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ» (¬1) . وَهَذَا أَيْضًا كَلَفْظِ " الْمُتَّقِي " وَلَفْظِ " الْمُزَكِّي ". قَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا - وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [سُورَةُ الشَّمْسِ: 9 - 10] . وَقَالَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 103] . وَقَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [سُورَةُ الْأَعْلَى: 104] . وَقَالَ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النُّورِ: 21] . وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُتَّقِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ، وَلَا أَنْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ مِنَ الْخَطَأِ وَالذُّنُوبِ. فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَّةِ مُتَّقٍ، بَلْ مَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبِهِ دَخَلَ فِي الْمُتَّقِينَ (¬2) ، وَمَنْ فَعَلَ مَا يُكَفِّرُ سَيِّئَاتِهِ دَخَلَ فِي الْمُتَّقِينَ، (¬3) كَمَا قَالَ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 31] . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/52 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) ، الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ، 3/188 وَقَالَ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: " صَحِيحٌ "، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ 12/118 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ. (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

فَدُعَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا، كَدُعَائِهِ بِأَنْ يُزَكِّيَهُمْ وَيُطَيِّبَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ مُتَّقِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا، لَا تَكُونُ الطَّهَارَةُ الَّتِي دَعَا بِهَا بِأَعْظَمَ مِمَّا دَعَا بِهِ لِنَفْسِهِ. وَقَدْ قَالَ: «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ خَطَايَايَ (¬1) بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ» . فَمَنْ وَقَعَ ذَنْبُهُ مَغْفُورًا أَوْ مُكَفَّرًا فَقَدْ طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنْهُ تَطْهِيرًا، وَلَكِنْ مَنْ مَاتَ (¬2) مُتَوَسِّخًا بِذُنُوبِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُطَهَّرْ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ تَمَامِ تَطْهِيرِهِمْ صِيَانَتُهُمْ عَنِ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا دَعَا بِدُعَاءٍ أَجَابَهُ اللَّهُ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ الْمَحَلِّ، فَإِذَا اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (¬3) ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا يُوجَدَ مُؤْمِنٌ مُذْنِبٌ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَمَا عُذِّبَ مُؤْمِنٌ، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، بَلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لِهَذَا بِالتَّوْبَةِ، وَلِهَذَا بِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لِهَذَا ذُنُوبًا (¬4) كَثِيرَةً، وَإِنَّ وَاحِدَةً بِأُخْرَى. وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّطْهِيرُ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ، وَالَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَيْسَ هُوَ الْعِصْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ عِنْدَهُمْ لَا مَعْصُومَ إِلَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالشِّيعَةُ يَقُولُونَ: لَا مَعْصُومَ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِمَامِ. فَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ (¬5) عَلَى انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِمَامِ عَنْ أَزْوَاجِهِ وَبَنَاتِهِ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ ¬

(¬1) م: خَطَايَ. (¬2) س، تَابَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ب: وَلِلْمُؤْمِنَاتِ. (¬4) م: وَيَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبًا. (¬5) س: بِالِاتِّفَاقِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ التَّطْهِيرُ الْمَدْعُوُّ بِهِ (¬1) لِلْأَرْبَعَةٍ مُتَضَمِّنًا لِلْعِصْمَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِمَامُ عِنْدَهُمْ (¬2) ، فَلَا يَكُونُ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ (¬3) بِهَذِهِ (¬4) الْعِصْمَةِ: لَا لِعَلِيٍّ (¬5) وَلَا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ دَعَا بِالطَّهَارَةِ لِأَرْبَعَةٍ مُشْتَرِكِينَ لَمْ يَخْتَصَّ (¬6) بَعْضَهُمْ بِدَعْوَةٍ. وَأَيْضًا فَالدُّعَاءُ بِالْعِصْمَةِ مِنَ الذُّنُوبِ مُمْتَنِعٌ عَلَى أَصْلِ الْقَدَرِيَّةِ، بَلْ وَبِالتَّطْهِيرِ أَيْضًا ; فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ - الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ (¬7) وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ - عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَقْدُورَةٍ لِلرَّبِّ، وَلَا يُمْكِنُهُ (¬8) أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدَ مُطِيعًا وَلَا عَاصِيًا، وَلَا مُتَطَهِّرًا مِنَ الذُّنُوبِ وَلَا غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، فَامْتَنَعَ عَلَى أَصْلِهِمْ أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ بِأَنْ يَجْعَلَهُ فَاعِلًا لِلْوَاجِبَاتِ تَارِكًا لِلْمُحَرَّمَاتِ، وَإِنَّمَا الْمَقْدُورُ عِنْدَهُمْ قُدْرَةٌ تَصْلُحُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَالسَّيْفِ الَّذِي يَصْلُحُ لِقَتْلِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْمَالِ الَّذِي يُمْكِنُ إِنْفَاقُهُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، ثُمَّ الْعَبْدُ يَفْعَلُ بِاخْتِيَارِهِ: إِمَّا الْخَيْرَ وَإِمَّا الشَّرَّ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ. وَهَذَا الْأَصْلُ يُبْطِلُ حُجَّتَهُمْ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي إِبْطَالِ هَذَا الْأَصْلِ، حَيْثُ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ (¬9) بِالتَّطْهِيرِ. فَإِنْ قَالُوا: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ. ¬

(¬1) م: الْمُطَهَّرُ الْمَدْعُوُّ لَهُ. (¬2) ن، م، س: وَعِنْدَهُمْ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) ب: بِهَذَا. (¬5) م: إِلَّا لِعَلِيٍّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، م: مُشْرِكِينَ لَمْ يَخُصَّ. (¬7) م: الْمُوجِبَاتِ. (¬8) ن، م، س: وَلَا يُمْكِنُ. (¬9) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

كَانَ ذَلِكَ أَدَلَّ عَلَى الْبُطْلَانِ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى الْعِصْمَةِ (¬1) . فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بِحَالٍ [عَلَى] (¬2) ثُبُوتِ الْعِصْمَةِ. وَالْعِصْمَةُ مُطْلَقًا - الَّتِي هِيَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورِ - لَيْسَتْ مَقْدُورَةً عِنْدَهُمْ لِلَّهِ، وَلَا (¬3) يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدًا فَاعِلًا لِطَاعَةٍ وَلَا تَارِكًا لِمَعْصِيَةٍ، لَا لِنَبِيٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ، فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا عَاشَ يُطِيعُهُ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ لَا بِإِعَانَةِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ (¬4) . وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ تَنَاقُضَ قَوْلِهِمْ فِي مَسَائِلِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُ الْعِصْمَةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ الْعِصْمَةُ وَلَا إِجْمَاعٌ (¬5) عَلَى انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ فِي غَيْرِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَتَبْطُلُ حُجَّتُهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ عَلِيًّا ادَّعَاهَا (¬6) ، وَقَدْ (¬7) ثَبَتَ نَفْيُ الرِّجْسِ عَنْهُ فَيَكُونُ صَادِقًا ". فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَلِيًّا ادَّعَاهَا، بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ [عِلْمًا مُتَيَقِّنًا] (¬8) أَنَّ عَلِيًّا مَا ادَّعَاهَا قَطُّ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ، وَإِنْ (¬9) ¬

(¬1) ن، م: أَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْعِصْمَةِ. (¬2) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) . (¬3) م: فَلَا. (¬4) فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ. . . لَا بِإِعَانَةِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ، كَذَا فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ نَقْصٌ وَتَحْرِيفٌ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ يَكُونُ مَعْصُومًا عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ مُطِيعًا لِلَّهِ بِإِعَانَةِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ بَلْ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ. (¬5) ب (فَقَطْ) : وَالْإِجْمَاعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) م: ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ. (¬7) ن، م، س: فَقَدْ. (¬8) عِلْمًا مُتَيَقِّنًا: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ. (¬9) م: فَإِنْ.

كَانَ قَدْ (¬1) يَمِيلُ بِقَلْبِهِ إِلَى أَنْ يُوَلَّى، لَكِنْ مَا قَالَ: إِنِّي أَنَا الْإِمَامُ، وَلَا: إِنَّى مَعْصُومٌ، وَلَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) جَعَلَنِي الْإِمَامَ بَعْدَهُ، وَلَا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ مُتَابَعَتِي، وَلَا نَحْوَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَنْ نَقَلَ هَذَا وَنَحْوَهُ عَنْهُ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَيْهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ الْكَذِبَ الظَّاهِرَ، الَّذِي تَعْلَمُ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ أَنَّهُ كَذِبٌ. وَأَمَّا نَقْلُ النَّاقِلِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلَّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى ". فَنَقُولُ: أَوَّلًا: أَيْنَ إِسْنَادُ هَذَا النَّقْلِ (¬3) ، بِحَيْثُ يَنْقُلُهُ ثِقَةٌ عَنْ ثِقَةٍ مُتَّصِلًا إِلَيْهِ؟ وَهَذَا لَا يُوجَدُ قَطُّ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " وَأَمْثَالِهِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَكْثَرَ خُطَبِ هَذَا الْكِتَابِ مُفْتَرَاةٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ غَالِبُهَا فِي كِتَابٍ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا لَهَا إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ. فَهَذَا الَّذِي نَقَلَهَا مِنْ أَيْنَ نَقَلَهَا؟ . وَلَكِنَّ هَذِهِ الْخُطَبَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ عَلَوِيٌّ أَوْ عَبَّاسِيٌّ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ سَلَفِهِ ادَّعَى ذَلِكَ قَطُّ، وَلَا ادَّعَى ذَلِكَ لَهُ، فَيُعْلَمُ كَذِبُهُ. فَإِنَّ النَّسَبَ يَكُونُ مَعْرُوفًا مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِفَرْعِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَنْقُولَاتِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً مَعْرُوفَةً عَمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ حَتَّى تَتَّصِلَ بِنَا. فَإِذَا صَنَّفَ وَاحِدٌ كِتَابًا ذَكَرَ فِيهِ خُطَبًا كَثِيرَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ ¬

(¬1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) س: إِنَّ الرَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ب: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) س: هَذَا الْحَدِيثُ النَّقْلُ.

وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ تِلْكَ الْخُطَبَ قَبْلَهُ بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ، عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ. وَفِي هَذِهِ الْخُطَبِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ قَدْ عَلِمْنَا (¬1) يَقِينًا مِنْ عَلِيٍّ مَا يُنَاقِضُهَا. وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، بَلْ يَكْفِينَا الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْخَلْقِ أَنْ يُصَدِّقُوا بِمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ (¬2) عَلَى صِدْقِهِ، بَلْ هَذَا مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُثْبِتَ ادِّعَاءَ عَلِيٍّ لِلْخِلَافَةِ بِمِثْلِ حِكَايَةٍ (¬3) ذُكِرَتْ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ ; لَمَّا كَثُرَ الْكَذَّابُونَ (¬4) عَلَيْهِ، وَصَارَ لَهُمْ دَوْلَةٌ تَقْبَلُ مِنْهُمْ (¬5) مَا يَقُولُونَ، سَوَاءً كَانَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مَنْ يُطَالِبُهُمْ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَهَذَا الْجَوَابُ عُمْدَتُنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَفِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ نَقُولُ (¬6) : هَبْ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ ذَلِكَ، فَلِمَ قُلْتَ (¬7) : إِنَّهُ أَرَادَ إِنِّي إِمَامٌ [مَعْصُومٌ] (¬8) مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنِّي كُنْتُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِي. لِاعْتِقَادِهِ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَأَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا (¬9) يَكُونُ مُخْبِرًا عَنْ أَمْرٍ تَعَمَّدَ فِيهِ الْكَذِبَ، وَلَكِنْ يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِاجْتِهَادِهِ، وَالِاجْتِهَادُ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ. ¬

(¬1) ن، م: قَدْ عُلِمَ. (¬2) ن، س: بِمَا لَمْ يَقُمْ بِهِ دَلِيلٌ، ب: بِمَا لَمْ يَقُمْ لَهُ دَلِيلٌ. . . (¬3) م: بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ. (¬4) س، ب: الْكَاذِبُونَ. (¬5) م: عَنْهُمْ. (¬6) ن، م: ثُمَّ يُقَالُ. (¬7) ن، م: فَلِمَ قُلْتُمْ. (¬8) مَعْصُومٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬9) ن، س، ب: لَا.

وَنَفْيُ (¬1) الرِّجْسِ لَا [يُوجِبُ أَنْ] يَكُونَ (¬2) مَعْصُومًا مِنَ الْخَطَأِ بِالِاتِّفَاقِ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُمُ الْخَطَأَ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ، فَلَا يَضُرُّ وُجُودُهُ. وَأَيْضًا [فَالْخَطَأُ لَا يَدْخُلُ] (¬3) فِيهِ عُمُومُ الرِّجْسِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا مَعْصُومَ مِنْ أَنْ يُقِرَّ عَلَى خَطَأٍ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُمْ يَخُصُّونَ ذَلِكَ بِالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، وَإِذْهَابُ الرِّجْسِ قَدِ اشْتَرَكَ فِيهِ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَأَيْضًا فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ، كَمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَتَعَمَّدُوا لِلْكَذِبِ. لَكِنْ لَوْ قِيلَ لِهَذَا الْمُحْتَجِّ بِالْآيَةِ: أَنْتَ لَمْ تَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ مِنَ الرِّجْسِ، وَإِذَا لَمْ تَذْكُرْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ إِذْهَابِ الرِّجْسِ إِذْهَابُ الْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ، إِذَا (¬4) قُدِّرَ أَنَّ الرِّجْسَ ذَاهِبٌ، فَهُوَ فِيمَنْ (¬5) يَحْتَجُّ بِالْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِذْهَابِ (¬6) الرِّجْسِ، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ وَالْخَطَأَ مِنَ الرِّجْسِ، وَلَا أَنَّ عَلِيًّا قَالَ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ إِلَّا بِمُقَدِّمَاتٍ لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ، فَأَيْنَ الْبَرَاهِينُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْإِمَامَةِ؟ وَهَلْ يَدَّعِي هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخِزْيِ وَالنَّدَامَةِ؟ . ¬

(¬1) ب: وَبِنَفْيِ. (¬2) ن، س، ب: لَا يَكُونَ. . . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬4) س، ب: إِنْ. (¬5) ن، س، ب: فَهُوَ ضَمِنَ أَنْ. (¬6) م: ذَهَابِ.

فصل البرهان السادس " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه " والجواب عليه

[فصل البرهان السادس " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ السَّادِسُ: فِي (¬2) قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [سُورَةُ النُّورِ: 36 - 37] (¬3) قَالَ الثَّعْلَبِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ (¬4) وَبُرَيْدَةَ قَالَا: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيُّ بُيُوتٍ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: " بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ ". فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْبَيْتُ مِنْهَا؟ يَعْنِي بَيْتَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ (¬5) . قَالَ: نَعَمْ مِنْ أَفْضَلِهَا» (¬6) ، وَصُفَّ فِيهَا الرِّجَالُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِمْ، فَيَكُونُ عَلِيٌّ (¬7) هُوَ الْإِمَامُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ (¬8) ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ. وَمُجَرَّدُ عَزْوِ ذَلِكَ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 152 (م) . (¬2) فِي: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬3) ك: أَذِنَ اللَّهُ أَنَّ تُرْفَعَ، الْآيَةَ. (¬4) ك: أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. (¬5) ك: وَفَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬6) ك: مِنْ أَفَاضِلِهَا. (¬7) ك: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬8) عِبَارَةُ " عَلَى الْفَاضِلِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

إِلَى الثَّعْلَبِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ خَبَرٍ رَوَاهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجُمْهُورِ يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ عُلَمَاءُ (¬1) الْجُمْهُورِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَا يَرْوِيهِ الثَّعْلَبِيُّ وَأَمْثَالُهُ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِ، لَا فِي فَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا فِي إِثْبَاتِ حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقٍ (¬2) ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّا نَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي يَرْوِيهَا [وَاحِدٌ مِنَ] الْجُمْهُورِ (¬3) ، فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: أَنَا أَحْكُمُ عَلَيْكُمْ بِمَنْ يَشْهَدُ (¬4) عَلَيْكُمْ مِنَ الْجُمْهُورِ، فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْجُمْهُورِ: إِنَّ كُلَّ مَنْ شَهِدَ (¬5) مِنْهُمْ فَهُوَ عَدْلٌ، أَوْ قَالَ (¬6) أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى مِنْهُمْ (¬7) حَدِيثًا كَانَ صَحِيحًا. ثُمَّ (¬8) عُلَمَاءُ الْجُمْهُورِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ وَأَمْثَالَهُ يَرْوُونَ الصَّحِيحَ وَالضَّعِيفَ، وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ رِوَايَتِهِ لَا تُوجِبُ اتِّبَاعَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا يَقُولُونَ فِي الثَّعْلَبِيِّ (¬9) وَأَمْثَالِهِ: إِنَّهُ حَاطِبُ لَيْلٍ يَرْوِي مَا وَجَدَ، سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ سَقِيمًا. فَتَفْسِيرُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهِ صَحِيحَةً، فَفِيهِ مَا هُوَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. ¬

(¬1) عُلَمَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) . (¬2) ن، س: بِطَرِيقَةٍ، ب: بِطَرِيقِهِ. (¬3) الَّتِي يَرْوِيهَا وَاحِدٌ مِنَ الْجُمْهُورِ، كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي (ن) ، (م) ، (س) : الَّتِي يَرْوِيهَا الْجُمْهُورُ. (¬4) ن: بِمَا شَهِدَ، س، ب: بِمَا يَشْهَدُ. (¬5) م: يَشْهَدُ. (¬6) م: وَقَالَ. (¬7) م: كُلَّ مَا يُرْوَى عَنْهُمْ. (¬8) ن، م، س: أَمْ. (¬9) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الثَّعْلَبِيِّ فِيمَا مَضَى 2/247.

وَلِهَذَا لَمَا اخْتَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ - وَكَانَ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ مِنْهُ، وَالثَّعْلَبِيُّ أَعْلَمُ بِأَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ -[ذَكَرَ الْبَغَوِيُّ عَنْهُ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ] (¬1) وَالنُّحَاةِ وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ نَقَلَهَا الْبَغَوِيُّ مِنَ الثَّعْلَبِيِّ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَفْسِيرِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ الَّتِي رَوَاهَا الثَّعْلَبِيُّ، بَلْ يَذْكُرُ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَيَعْزُوهُ إِلَى الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ مُصَنِّفُ كِتَابِ " شَرْحُ السُّنَّةَ " وَكِتَابِ " الْمَصَابِيحُ " وَذَكَرَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَظْهَرُ لِعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ، كَمَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، كَالْوَاحِدِيِّ صَاحِبِ الثَّعْلَبِيِّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْهُ، وَكَالزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَعْلَمُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ (¬2) . الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي يُعْتَمَدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَيْهَا، كَالصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ (¬3) ، مَعَ أَنَّ فِي بَعْضِ هَذِهِ (¬4) مَا هُوَ ضَعِيفٌ، بَلْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، لَكِنَّ هَذَا قَلِيلٌ جِدًّا. وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ (¬5) وَأَمْثَالُهُ فَهُوَ أَظْهَرُ كَذِبًا مِنْ أَنْ يَذْكُرُوهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْآيَةُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ هِيَ فِي الْمَسَاجِدِ (¬6) ، كَمَا قَالَ: ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬2) انْظُرْ مَا ذَكَرْتَهُ عَنِ الْبَغَوِيِّ فِيمَا سَبَقَ 1/457 (¬3) م: وَالْمَسَانِيدِ (¬4) س، ب: هَذَا. (¬5) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ. (¬6) انْظُرْ تَفْسِيرَ آيَةِ 36 مِنْ سُورَةِ النُّورِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ وَابْنِ كَثِيرٍ وَزَادِ الْمَسِيرِ، وَتَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ 24/3

: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} الْآيَةَ [سُورَةُ النُّورِ: 36] وَبَيْتُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ (¬1) لَيْسَ مَوْصُوفًا (¬2) بِهَذِهِ الصِّفَةِ. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: بَيْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ عَلِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ رِجَالٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ هُوَ وَالْوَاحِدَةُ مِنْ نِسَائِهِ، وَلَمَّا أَرَادَ بَيْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 53] وَقَالَ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 34] . الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " هِيَ بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ " كَذِبٌ ; فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا نَصِيبٌ. وَقَوْلُهُ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [سُورَةُ النُّورِ: 36 - 37] مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعْيِينٌ (¬3) . وَقَوْلُهُ: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} : إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَسَاجِدُ مِنَ الذِّكْرِ فِي الْبُيُوتِ (¬4) وَالصَّلَاةِ فِيهَا، دَخَلَ فِي ذَلِكَ بُيُوتُ أَكْثَرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَا تَخْتَصُّ بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ. ¬

(¬1) وَغَيْرِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، وَفِي (س) عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَفِي (ن) : ثَبَتَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م: مَوْضُوعًا. (¬3) س، ب: لَيْسَ تَغْيِيرٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، س: مِنَ الذِّكْرِ مَنْ فِي الْبُيُوتِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَسَاجِدُ مِنْ وُجُودِ الذِّكْرِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالْمَسَاجِدِ. وَأَمَّا بُيُوتُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَيْسَ فِيهَا خُصُوصِيَّةُ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا فَضْلٌ بِسُكْنَى الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِنْ أُرِيدَ بِبُيُوتِ الْأَنْبِيَاءِ مَا سَكَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَيْسَ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا بُيُوتُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا بَيْتُ عَلِيٍّ. وَإِنْ أُرِيدَ مَا دَخَلَهُ الْأَنْبِيَاءُ، فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ (¬1) دَخَلَ بُيُوتَ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَيُّ تَقْدِيرٍ قُدِّرَ فِي الْحَدِيثِ لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُ بَيْتِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ (¬2) مِنْ بُيُوتِ الْأَنْبِيَاءِ، دُونَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَنَحْوِهِمْ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ اخْتِصَاصٌ، فَالرِّجَالُ مُشْتَرِكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: الرِّجَالُ الْمَذْكُورُونَ مَوْصُوفُونَ بِأَنَّهُمْ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، لَيْسَ (¬3) فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَفِيهَا الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ (¬4) ، وَلَكِنْ لَيْسَ (¬5) كُلُّ مَنْ أُثْنِيَ عَلَيْهِ أَوْ وُعِدَ (¬6) بِالْجَنَّةِ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْ (¬7) أَنْ يَكُونَ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. ¬

(¬1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) م: تَخْصِيصُهُ بِبَيْتِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ. . . (¬3) ن، م، س: وَلَيْسَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) س، ب: وَفِيهَا مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ. (¬5) ن، س، ب: وَلَيْسَ. (¬6) ن: وَأُوْعِدَ ; س: س: وَأَوْعَدَهُ، ب: وَوَعَدَهُ. (¬7) س: لَمْ يَلْزَمْ، ب: فَلَا يَلْزَمُ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنْ لِمَ قُلْتَ: إِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُخْتَصَّةٌ بِعَلِيٍّ؟ بَلْ كُلُّ (¬1) مَنْ كَانَتْ لَا تُلْهِيهِ التِّجَارَةُ وَالْبَيْعُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَيَخَافُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. فَلِمَ قُلْتَ (¬2) : إِنَّهُ لَيْسَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ إِلَّا عَلِيًّا؟ وَلَفْظُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ رِجَالٌ لَيْسُوا رَجُلًا وَاحِدًا، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ، بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ مُشْتَرِكُونَ فِيهَا. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِيهَا. الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِمَامَةَ؟ . وَأَمَّا امْتِنَاعُ تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ إِذَا سُلِّمَ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي (¬3) مَجْمُوعِ الصِّفَاتِ الَّتِي تُنَاسِبُ الْإِمَامَةَ، وَإِلَّا فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ فُضِّلَ فِي خَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ اسْتَحَقَّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامُ. وَلَوْ جَازَ هَذَا لَقِيلَ: فَفِي الصَّحَابَةِ مَنْ قَتَلَ مِنَ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلَ عَلِيٌّ، وَفِيهِمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَنْفَقَ عَلِيٌّ، وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ صَلَاةً وَصِيَامًا مِنْ عَلِيٍّ، (¬4) وَفِيهِمْ مَنْ أُوذِيَ فِي اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ، وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ أَسَنُّ مِنْ عَلِيٍّ (¬5) ، وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ عَلِيٍّ. وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ (¬6) لَهُ مِثْلُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ (¬7) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَكُونُ لَهُ مِثْلُ مَا لِكُلِّ أَحَدٍ ¬

(¬1) كُلُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) م: فَإِنْ قُلْتَ. (¬3) م: مِنْ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (س) (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (ب) ، (س) (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (س) (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (س)

فصل البرهان السابع " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " والجواب عليه

مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يَكُونُ فِي الْمَفْضُولِ نَوْعٌ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَمْتَازُ بِهَا عَنِ الْفَاضِلِ، وَلَكِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّفْضِيلِ بِالْمَجْمُوعِ. [فصل البرهان السابع " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الشُّورَى: 23] رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟ قَالَ: " عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ [وَابْنَاهُمَا] » (¬2) . وَكَذَا (¬3) فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، وَنَحْوِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَغَيْرُ عَلِيٍّ (¬4) مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّلَاثَةِ لَا تَجِبُ مَوَدَّتُهُ (¬5) ، فَيَكُونُ عَلِيٌّ أَفْضَلَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ، وَلِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُنَافِي الْمَوَدَّةَ، وَبِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ تَكُونُ مَوَدَّتُهُ (¬6) ، فَيَكُونُ وَاجِبُ الطَّاعَةِ، وَهُوَ مَعْنَى الْإِمَامَةِ " (¬7) . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا (¬8) الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ: ¬

(¬1) فِي (ك) ص 152 (م) 153 (م) . (¬2) وَابْنَاهُمَا: فِي (ك) فَقَطْ، وَسَقَطَتْ مِنْ (ن) ، (م) ، (ب) ، (س) (¬3) ب: وَكَذَلِكَ. (¬4) ك: عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) ك: مِنَ الصَّحَابَةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجِبُ مَوَدَّتُهُ. (¬6) ك: وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ يَكُونُ مَوَدُّةُ. (¬7) س: الْآيَةُ. (¬8) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

" إِنْ أَحْمَدَ رَوَى هَذَا فِي مُسْنَدِهِ " كَذِبٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ [هَذَا] (¬1) مُسْنَدُ أَحْمَدَ مَوْجُودٌ، بِهِ (¬2) مِنَ النُّسَخِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ. وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ كَذِبًا قَوْلُهُ: إِنَّ نَحْوَ (¬3) هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، بَلْ فِيهِمَا وَفِي الْمُسْنَدِ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَأَمْثَالَهُ جُهَّالٌ بِكُتُبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا يُطَالِعُونَهَا وَلَا يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا. وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ جَمَعَ لَهُمْ كِتَابًا (¬4) فِي أَحَادِيثَ مِنْ كُتُبٍ مُتَفَرِّقَةٍ، مَعْزُوَّةٌ تَارَةً إِلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَتَارَةً إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَتَارَةً إِلَى الْمَغَازِلِيِّ (¬5) وَالْمُوَفَّقِ خَطِيبِ خَوَارِزْمَ وَالثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ، وَسَمَّاهُ " الطَّرَائِفُ فِي الرَّدِّ عَلَى الطَّوَائِفِ ". وَآخَرُ صَنَّفَ كِتَابًا لَهُمْ سَمَّاهُ " الْعُمْدَةُ " وَاسْمُ مُصَنِّفِهِ ابْنُ الْبِطْرِيقِ. وَهَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَةِ الْكَذِبِ فِيمَا يَرْوُونَهُ، فَهُمُ أَمْثَلُ حَالًا مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الَّذِي صَنَّفَ لَهُمْ وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَرْوُونَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ. وَرَأَيْتُ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْزُوِّ الَّذِي عَزَاهُ أُولَئِكَ إِلَى الْمُسْنَدِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بَاطِلًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، يَعْزُونَ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ مَا لَيْسَ فِيهِ أَصْلًا. لَكِنَّ أَحْمَدَ صَنَّفَ كِتَابًا فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ [وَغَيْرِهِمْ] (¬6) ، وَقَدْ يَرْوِي فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا لَيْسَ فِي الْمُسْنَدِ. وَلَيْسَ كُلُّ ¬

(¬1) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) . (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) نَحْوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (س) (¬4) م: جَمَعَ لَهُمْ كِتَابٌ ; ب، س: جَمَعَ لَهُمْ كُتُبًا (¬5) ب: الْمَغَازِيِّ. (¬6) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، (س)

مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَهُ، بَلْ يَرْوِي مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَشَرْطُهُ فِي الْمُسْنَدِ أَنْ لَا يَرْوِيَ عَنِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكَذِبِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ ضَعِيفٌ، وَشَرْطُهُ فِي الْمُسْنَدِ مِثْلُ شَرْطِ أَبِي دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ. وَأَمَّا كُتُبُ الْفَضَائِلِ فَيَرْوِي (¬1) مَا سَمِعَهُ مِنْ شُيُوخِهِ، سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ ضَعِيفًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ لَا يَرْوِي فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ. ثُمَّ زَادَ ابْنُ أَحْمَدَ زِيَادَاتٍ، وَزَادَ أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ زِيَادَاتٍ. وَفِي زِيَادَاتِ الْقَطِيعِيِّ زِيَادَاتٌ كَثِيرَةٌ [كَذِبٌ] (¬2) مَوْضُوعَةٌ، فَظَنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ تِلْكَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَأَنَّهُ رَوَاهَا فِي الْمُسْنَدِ. وَهَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ ; فَإِنَّ الشُّيُوخَ الْمَذْكُورِينَ شُيُوخُ الْقَطِيعِيِّ، وَكُلُّهُمْ (¬3) مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُمْ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ أَحْمَدَ، لَا مِمَّنْ يَرْوِي أَحْمَدُ عَنْهُ. وَهَذَا مُسْنَدُ أَحْمَدَ وَكِتَابُ " الزُّهْدِ " لَهُ، وَكِتَابُ " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ " وَكِتَابُ " التَّفْسِيرِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. فَهَذَا أَحْمَدُ. وَتَارَةً يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ. وَكِتَابُهُ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " لَهُ (¬4) فِيهِ هَذَا وَهَذَا، وَفِيهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْقَطِيعِيِّ. يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ وَأَمْثَالُهُ، مِمَّنْ هُوَ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي الطَّبَقَةِ، وَهُوَ مِمَّنْ غَايَتُهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّ أَحْمَدَ تَرَكَ الرِّوَايَةَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ; لَمَّا طَلَبَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُحَدِّثَهُ وَيُحَدِّثَ ابْنَهُ ¬

(¬1) ن، م: فَرَوَى. (¬2) كَذِبٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (ب) ، (س) (¬3) ن، ب، س: كُلُّهُمْ. (¬4) لَهُ: لَيْسَتْ فِي (م) .

وَيُقِيمَ عِنْدَهُ، فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، فَامْتَنَعَ مِنَ الْحَدِيثِ مُطْلَقًا لِيَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ ; وَلِأَنَّهُ (¬1) كَانَ قَدْ حَدَّثَ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَانَ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ بَعْدَ شُيُوخِهِ، وَلَا يَقُولُ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ، فَكَانَ مَنْ يَسْمَعُونَ مِنْهُ ذَلِكَ يَفْرَحُونَ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ. فَهَذَا الْقَطِيعِيُّ يَرْوِي عَنْ شُيُوخِهِ زِيَادَاتٍ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا (¬2) كَذِبٌ مَوْضُوعٌ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابُ وَلَمْ يَنْظُرُوا مَا فِيهِ مِنْ فَضَائِلِ سَائِرِ (¬3) الصَّحَابَةِ، بَلِ اقْتَصَرُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، (¬4) ، وَكُلَّمَا زَادَ حَدِيثًا ظَنُّوا أَنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الرِّجَالَ وَطَبَقَاتِهِمْ، وَأَنَّ شُيُوخَ الْقَطِيعِيِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَرْوِيَ أَحْمَدُ (¬5) عَنْهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ (¬6) لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ مَا سَمِعُوا كِتَابًا إِلَّا الْمُسْنَدَ، فَلَمَّا ظَنُّوا أَنَّ أَحْمَدَ رَوَاهُ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَرْوِي فِي (¬7) الْمُسْنَدِ، صَارُوا يَقُولُونَ لِمَا رَوَاهُ الْقَطِيعِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ. هَذَا إِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْقَطِيعِيِّ مَا لَمْ يَرْوِهِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ عِنْدَهُمْ (¬8) غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَلِهَذَا يَعْزُو صَاحِبُ " الطَّرَائِفِ " وَصَاحِبُ " الْعُمْدَةِ " أَحَادِيثَ يَعْزُوهَا (¬9) إِلَى أَحْمَدَ، لَمْ يَرْوِهَا أَحْمَدُ لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا، وَلَا سَمِعِهَا أَحَدٌ (¬10) ¬

(¬1) ن، ب، س: لِأَنَّهُ. (¬2) م: زِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا. (¬3) سَائِرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) ن، ب، س: بَلْ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى، م: بَلْ عَزَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ يَسْتَقِيمُ بِهِ الْكَلَامُ. (¬5) ن، س: أَحَدٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) م: فَإِنَّهُمْ. (¬7) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬8) م: مِنْهُمْ. (¬9) يَعْزُوهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬10)) ب: أَحْمَدُ.

قَطُّ. وَأَحْسَنُ حَالِ هَؤُلَاءِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ مِمَّا رَوَاهُ الْقَطِيعِيُّ، وَمَا رَوَاهُ الْقَطِيعِيُّ فِيهِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ الْقَبِيحَةِ الْوَضْعِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ. وَنَقْلُ هَذَا الرَّافِضِيِّ مِنْ جِنْسِ صَاحِبِ كِتَابِ " الْعُمْدَةُ " وَ " الطَّرَائِفُ " فَمَا أَدْرِي نَقَلَ مِنْهُ (¬1) أَوْ عَمَّنْ (¬2) يَنْقُلُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَمَنْ لَهُ بِالنَّقْلِ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ يَسْتَحْيِي أَنْ يَعْزُوَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحَيْنِ، وَالصَّحِيحَانِ وَالْمُسْنَدُ نُسَخُهُمَا مِلْؤُ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُرْوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَرْوِي مِثْلَ هَذَا مِنْ يَحْطِبُ بِاللَّيْلِ، كَالثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ، الَّذِينَ يَرْوُونَ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ بِلَا تَمْيِيزٍ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَهُمُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِمْ فِي هَذَا. وَهَذَا (¬3) لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا (¬4) . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الشُّورَى وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ جَمِيعُ آلِ حم مَكِّيَّاتٌ، وَكَذَلِكَ آلِ طس. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَلِيَّا إِنَّمَا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَالْحَسَنُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالْحُسَيْنُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ قَبْلَ وُجُودِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بِسِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَكَيْفَ يُفَسِّرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ بِوُجُوبِ مَوَدَّةِ قَرَابَةٍ لَا تُعْرَفُ وَلَمْ تُخْلَقْ [بَعْدُ] (¬5) ؟ ! . ¬

(¬1) 1) ب: عَنْهُ. (¬2) 2) م: نَقَلَ. (¬3) 3) س، ب: وَلِهَذَا. (¬4) 4) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ. (¬5) بَعْدُ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُنَاقِضُ ذَلِكَ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الشُّورَى: 23] ، فَقُلْتُ: أَنْ لَا تُؤْذُوا (¬1) مُحَمَّدًا فِي قَرَابَتِهِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا، لَكِنْ [أَسْأَلُكُمْ] أَنْ تَصِلُوا (¬2) الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ (¬3) . فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ، وَأَعْلَمُ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ عَلِيٍّ، يَقُولُ: لَيْسَ مَعْنَاهَا مَوَدَّةَ ذَوِي الْقُرْبَى، لَكِنْ مَعْنَاهَا: لَا أَسْأَلُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ وَيَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ أَجْرًا، لَكِنْ أَسْأَلُكُمْ أَنْ تَصِلُوا الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَهُوَ سَأَلَ النَّاسَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَوَّلًا أَنْ يَصِلُوا رَحِمَهُ، فَلَا يَعْتَدُوا عَلَيْهِ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ (¬4) . ¬

(¬1) ن: أَلَّا تُؤْذُوا، م: إِلَّا أَنْ تُؤْذُوا. (¬2) ن، س: لَكِنْ تَصِلُوا، ب: لَكِنْ أَنْ تَصِلُوا. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/25 - 26 (¬4) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي (زَادِ الْمَسِيرِ) 7/284 - 285: ثُمَّ فِي الْمُرَادِ بِقَرَابَتِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَوَلَدَاهَا، وَقَدْ رَوَوْهُ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَالَ مُحَقَّقُ الْكِتَابِ تَعْلِيقًا عَلَى ذَلِكَ: " قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي (الدُّرِّ) 6/7: أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قَرَابَتُكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ مَوَدَّتُهُمْ؟ قَالَ: عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَوَلَدَاهَا. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي (تَخْرِيجِ الْكَشَّافِ) وَقَالَ: فِي سَنَدِهِ حُسَيْنُ الْأَشْقَرِ ضَعِيفٌ سَاقِطٌ. قَالَ: وَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ ; فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ، إِنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ. . . الْحَدِيثَ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَالَ: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ، لَمْ يَقُلْ: إِلَّا الْمَوَدَّةَ لِلْقُرْبَى، وَلَا الْمَوَدَّةَ لِذَوِي الْقُرْبَى. فَلَوْ أَرَادَ الْمَوَدَّةَ لِذَوِي الْقُرْبَى لَقَالَ: الْمَوَدَّةُ لِذَوِي الْقُرْبَى، كَمَا قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 41] وَقَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [سُورَةُ الرُّومِ: 38] ، وَقَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 177] وَهَكَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. فَجَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّوْصِيَةِ بِحُقُوقِ ذَوِي قُرْبَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَوِي قُرْبَى الْإِنْسَانِ إِنَّمَا قِيلَ فِيهَا: ذَوِي الْقُرْبَى، لَمْ يَقُلْ: [فِي] الْقُرْبَى (¬1) . فَلَمَّا ذَكَرَ هُنَا الْمَصْدَرَ دُونَ الِاسْمِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَوِي الْقُرْبَى. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ الْمَوَدَّةُ لَهُمْ ; لَقَالَ: الْمَوَدَّةُ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يَقُلْ: فِي الْقُرْبَى. فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ مِنْ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ لِغَيْرِهِ: أَسْأَلُكَ الْمَوَدَّةَ فِي فُلَانٍ، وَلَا فِي قُرْبَى فُلَانٍ، وَلَكِنْ أَسْأَلُكَ الْمَوَدَّةَ لِفُلَانٍ وَالْمَحَبَّةَ لِفُلَانٍ. فَلَمَّا قَالَ: الْمَوَدَّةُ فِي الْقُرْبَى، عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ (¬2) لِذَوِي الْقُرْبَى. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْأَلُ عَلَى ¬

(¬1) ن، س: لَمْ يَقُلِ الْقُرْبَى، م: لَمْ يَقُلْ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن: الْمَوَدَّةُ، م: بِالْمَوَدَّةِ.

تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ أَجْرًا أَلْبَتَّةَ، بَلْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، كَمَا قَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [سُورَةُ ص: 86] ، وَقَوْلُهُ: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [سُورَةُ الطُّورِ: 40] ، وَقَوْلُهُ {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 47] . وَلَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُنَا (¬1) مُنْقَطِعٌ، كَمَا قَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 57] . وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَحَبَّةَ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ، لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا مَحَبَّتُهُمْ أَجْرٌ لِلنَّبِيِّ (¬2) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ هُوَ مِمَّا أَمَرَنَا (¬3) اللَّهُ بِهِ، كَمَا أَمَرَنَا بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ أَصْحَابَهُ بِغَدِيرٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، فَقَالَ: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، (¬4) أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» (¬5) ". وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ (¬6) لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي» (¬7) " فَمَنْ جَعَلَ ¬

(¬1) م: هَذَا. (¬2) س، ب: النَّبِيِّ. (¬3) م: أَمَرَ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/240 - 241 وَانْظُرِ الْحَدِيثَ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ ((ط. الْحَلَبِيِّ)) 4/366 - 367 مُسْنَدِ الدَّارَمِيِّ 2/431 - 432 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ فَضْلِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ) . (¬5) سَاقِطٌ مَنْ (س) (ب) وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/240 - 241 وَانْظُرِ الْحَدِيثَ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ ((ط. الْحَلَبِيِّ)) 4/366 - 367 مَسْنَدِ الدَّارَمِيِّ 2/431 - 432 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بَابُ فَضْلِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ) . (¬6) ن، س: يُحِبُّونَكُمْ. (¬7) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/317 - 318 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي الْفَضْلِ. . وَهُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي التِّرْمِذِيِّ (. . أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُغْضَبًا وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: " مَا أَغْضَبَكَ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا وَلِقُرَيْشٍ إِذَا تَلَاقَوْا بَيْنَهُمْ تَلَاقَوْا بِوُجُوهٍ مُبَشِّرَةٍ، وَإِذَا لَقُونَا لَقُونَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ". ثُمَّ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي، فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ". وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ " ط. الْمَعَارِفِ " 3/206، 207، 210 " (ط. الْحَلَبِيِّ) " 4/165 وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/50 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. . .، فَضْلُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) . وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/46 حَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ وَلَكِنْ قَالَ: إِنَّ الطَّرَفَ الْآخَرَ مِنْهُ صَحِيحٌ) .

[مَحَبَّةَ] (¬1) أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْرًا لَهُ يُوَفِّيهِ إِيَّاهُ فَقَدَ أَخْطَأَ خَطَأً عَظِيمًا، وَلَوْ كَانَ أَجْرًا لَهُ لَمْ نُثَبْ عَلَيْهِ نَحْنُ، لِأَنَّا أَعْطَيْنَاهُ أَجْرَهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ، فَهَلْ يَقُولُ مُسْلِمٌ مِثْلَ هَذَا؟ ! . الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ الْقُرْبَى مُعَرَّفَةُ بِاللَّامِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ أُمِرَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} وَقَدْ ذَكَرْنَا (¬2) أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ لَمْ يَكُنْ قَدْ خُلِقَ الْحَسَنُ وَلَا الْحُسَيْنُ (¬3) ، وَلَا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ. فَالْقُرْبَى الَّتِي كَانَ الْمُخَاطَبُونَ يَعْرِفُونَهَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ، بِخِلَافِ الْقُرْبَى الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَإِنَّهَا مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمْ. كَمَا تَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَنَا، وَكَمَا تَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا الْعَدْلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ (¬4) ، وَلَا أَسْأَلُكَ إِلَّا أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي هَذَا الْأَمْرِ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّا نُسَلِّمُ (¬5) أَنَّ عَلِيًّا تَجِبُ مَوَدَّتُهُ وَمُوَالَاتُهُ بِدُونِ ¬

(¬1) مَحَبَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬2) س، ب: وَقَدْ ذَكَرَ. (¬3) ب: وَالْحُسَيْنُ. (¬4) م: وَبَيْنَكَ. (¬5) م: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لَكِنْ لَيْسَ فِي وُجُوبِ مُوَالَاتِهِ وَمَوَدَّتِهِ مَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِالْإِمَامَةِ وَلَا الْفَضِيلَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَالثَّلَاثَةُ لَا تَجِبُ مُوَالَاتُهُمْ " فَمَمْنُوعٌ (¬1) ، بَلْ يَجِبُ أَيْضًا مَوَدَّتُهُمْ وَمُوَالَاتُهُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُمْ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ يُحِبُّهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُحِبَّهُ، فَإِنَّ الْحُبَّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضَ فِي اللَّهِ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ. وَكَذَلِكَ هُمْ مِنْ أَكَابِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ مُوَالَاتِهِمْ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَكُلُّ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّهُ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُقْسِطِينَ وَالصَّابِرِينَ، وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مَنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ (¬2) النُّصُوصِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِنِ اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» (¬3) فَهُوَ أَخْبَرَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَوَادُّونَ وَيَتَعَاطَفُونَ وَيَتَرَاحَمُونَ، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ ثَبَتَ إِيمَانُهُمْ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، كَمَا قَدْ ثَبَتَ إِيمَانُ عَلِيٍّ، وَلَا يُمْكِنُ مَنْ قُدِحَ (¬4) فِي إِيمَانِهِمْ أَنْ يُثْبِتَ إِيمَانَ عَلِيٍّ، بَلْ كُلُّ (¬5) طَرِيقٍ دَلَّ ¬

(¬1) ن، س: مُوَالَاتُهُمْ مَمْنُوعٌ فَمَمْنُوعٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن، س: فِي هَؤُلَاءِ. (¬3) الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1999 - 2000 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ) ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْهُ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى فِيهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ 8/10 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ) ، وَأَوَّلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ: تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ. . . وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ ((ط. الْحَلَبِيِّ)) 4/270. وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْأَلْبَانِيُّ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 3/71 (حَدِيثٌ رَقْمُ 1083 (¬4) ب: يَقْدَحُ. (¬5) م: فَكَلُّ.

عَلَى إِيمَانِ عَلِيٍّ فَإِنَّهَا عَلَى إِيمَانِهِمْ أَدَلُّ، وَالطَّرِيقُ الَّتِي (¬1) يُقْدَحُ بِهَا فِيهِمْ يُجَابُ عَنْهَا (¬2) كَمَا يُجَابُ عَنِ الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ وَأَوْلَى، فَإِنَّ الرَّافِضِيُّ الَّذِي يَقْدَحُ فِيهِمْ وَيَتَعَصَّبُ لِعَلِيٍّ فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْحُجَّةِ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يُرِيدُونَ (¬3) إِثْبَاتَ نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى وَالْقَدْحِ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِهَذَا لَا يُمْكِنُ الرَّافِضِيُّ أَنْ يُقِيمَ الْحُجَّةَ عَلَى النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ عَلِيًّا، أَوْ يَقْدَحُونَ فِي إِيمَانِهِ، مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِنَّهُمْ إِذَا قَالُوا لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ عَلِمْتَ أَنَّ عَلِيًّا مُؤْمِنٌ أَوْ وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (¬4) ؟ . فَإِنْ قَالَ: بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ بِإِسْلَامِهِ وَحَسَنَاتِهِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا النَّقْلُ مَوْجُودٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بَلِ النَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ بِحَسَنَاتِ هَؤُلَاءِ، السَّلِيمَةُ عَنِ الْمُعَارِضِ، أَعْظَمُ مِنَ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ. وَإِنْ قَالَ: " بِالْقِرَآنِ الدَّالِّ عَلَى إِيمَانِ عَلِيٍّ ". قِيلَ لَهُ: الْقُرْآنُ إِنَّمَا دَلَّ بِأَسْمَاءٍ عَامَّةٍ، كَقَوْلِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18] وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَنْتَ تُخْرِجُ [مِنْ ذَلِكَ] (¬5) أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ، فَإِخْرَاجُ وَاحِدٍ أَسْهَلُ. وَإِنْ قَالَ: بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضَائِلِهِ، أَوْ نُزُولِ (¬6) الْقُرْآنِ فِيهِ. قِيلَ: أَحَادِيثُ أُولَئِكَ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ، وَقَدْ قَدَحْتَ فِيهِمْ (¬7) . ¬

(¬1) ن، م، س: الَّذِي. (¬2) م: عَنْهُمْ. (¬3) م: يَدَّعُونَ. (¬4) ن: أَوْ وَلِيٌّ لِلَّهِ، م: أَوْ وَلِيُّ اللَّهِ. (¬5) مِنْ ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬6) م: أَوْ إِنْزَالِ. (¬7) م: وَقَدْ قَدَحَ فِيهَا.

وَقِيلَ لَهُ: تِلْكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ إِنَّمَا رَوَاهَا (¬1) الصَّحَابَةُ الَّذِينَ قَدَحْتَ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ صَحِيحًا بَطَلَ النَّقْلُ، وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا بَطَلَ الْقَدْحُ. وَإِنْ قَالَ: بِنَقْلِ الشِّيعَةِ أَوْ تَوَاتُرِهِمْ. قِيلَ لَهُ: الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِنَ الرَّافِضَةِ أَحَدٌ. وَالرَّافِضَةُ تَطْعَنُ فِي جَمِيعِ الصَّحَابَةِ إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا: بِضْعَةَ عَشَرَ. وَمِثْلُ هَذَا قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ (¬2) تَوَاطَئُوا عَلَى مَا نَقَلُوهُ، فَمَنْ قَدَحَ فِي نَقْلِ الْجُمْهُورِ كَيْفَ يُمْكِنُهُ إِثْبَاتُ نَقْلِ نَفَرٍ قَلِيلٍ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قَوْلَهُ: " وَغَيْرُ عَلِيٍّ مِنَ الثَّلَاثَةِ لَا تَجِبُ مَوَدَّتُهُ " كَلَامٌ بَاطِلٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ مَوَدَّةُ هَؤُلَاءِ أَوْجَبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ مَوَدَّةِ عَلِيٍّ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَوَدَّةِ عَلَى مِقْدَارِ الْفَضْلِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ كَانَتْ مَوَدَّتُهُ أَكْمَلَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 96] . قَالُوا: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى عِبَادِهِ. وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " عَائِشَةُ ". قِيلَ (¬3) : فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: " أَبُوهَا» (¬4) . ¬

(¬1) م: رَدَّهَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬3) س، ب: قَالَ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/356

وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَوْمَ السَّقِيفَةِ: «بَلْ أَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - (¬1) . وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ مَا اسْتَفَاضَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ مَوَدَّةُ الْإِسْلَامِ» " (¬2) . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِمَحَبَّتِهِ وَمَوَدَّتِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، وَمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ يُحِبُّونَ مَا أِحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [كَمَا أَحَبَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] (¬3) . وَالدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمَوَدَّةِ كَثِيرَةٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمَفْضُولَ تَجِبُ مَوَدَّتُهُ، وَإِنَّ الْفَاضِلَ لَا تَجِبُ مَوَدَّتُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّ مُخَالَفَتَهُ تُنَافِي الْمَوَدَّةَ، وَامْتِثَالُ (¬4) أَوَامِرِهِ هُوَ مَوَدَّتُهُ (¬5) ، فَيَكُونُ وَاجِبَ الطَّاعَةِ، وَهُوَ مَعْنَى (¬6) الْإِمَامَةِ ". فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: إِنْ كَانَ الْمَوَدَّةُ تُوجِبُ الطَّاعَةَ فَقَدْ وَجَبَتْ مَوَدَّةُ ذَوِي الْقُرْبَى فَتَجِبُ طَاعَتُهُمْ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ فَاطِمَةُ أَيْضًا إِمَامًا، وَإِنْ كَانَ هَذَا بَاطِلًا فَهَذَا (¬7) مِثْلُهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَوَدَّةَ لَيْسَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِلْإِمَامَةِ فِي حَالِ وُجُوبِ الْمَوَدَّةِ، فَلَيْسَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/518 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ. (¬4) ب: وَبِامْتِثَالِ. (¬5) م: بِمَوَدَّتِهِ ; ب: تَكُونُ مَوَدَّتُهُ (¬6) م: وَمَعْنَى. (¬7) ن، م: وَإِذَا كَانَ هَذَا بَاطِلًا فَذَاكَ.

مَنْ وَجَبَتْ مَوَدَّتُهُ كَانَ إِمَامًا حِينَئِذٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ تَجِبُ مَوَدَّتُهُمَا قَبْلَ مَصِيرِهِمَا إِمَامَيْنِ، وَعَلِيٌّ تَجِبُ مَوَدَّتُهُ (¬1) فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ إِمَامًا، بَلْ تَجِبُ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ إِمَامَتُهُ إِلَى مَقْتَلِ عُثْمَانَ. الثَّالِثُ: أَنَّ وُجُوبَ الْمَوَدَّةِ إِنْ كَانَ مَلْزُومَ الْإِمَامَةِ، [وَانْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ] (¬2) يَقْتَضِي انْتِفَاءَ اللَّازِمِ، فَلَا تَجِبُ الْمَوَدَّةُ إِلَّا مَنْ يَكُونُ إِمَامًا مَعْصُومًا. فَحِينَئِذٍ لَا يَوَدُّ أَحَدًا (¬3) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُحِبُّهُمْ، فَلَا تَجِبُ مَوَدَّةُ أَحَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا مَحَبَّتِهِ إِذَا لَمْ يَكُونُوا أَئِمَّةً: لَا شِيعَةَ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرَهُمْ. وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَخِلَافُ مَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " وَالْمُخَالَفَةُ تُنَافِي الْمَوَدَّةَ ". يُقَالُ: مَتَى؟ إِذَا كَانَ ذَلِكَ وَاجِبَ الطَّاعَةِ أَوْ مُطْلَقًا؟ الثَّانِي مَمْنُوعٌ، وَإِلَّا لَكَانَ (¬4) مَنْ أَوْجَبَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ إِنْ خَالَفَهُ فَلَا يَكُونُ مُحِبًّا لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُؤْمِنٌ (¬5) مُحِبًّا لِمُؤْمِنٍ حَتَّى يَعْتَقِدَ وُجُوبَ طَاعَتِهِ، وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُقَالُ (¬6) : إِذَا لَمْ تَكُنِ الْمُخَالَفَةُ قَادِحَةً فِي الْمَوَدَّةِ إِلَّا إِذَا كَانَ وَاجِبَ الطَّاعَةِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا وُجُوبُ الطَّاعَةِ، حَتَّى تَكُونَ مُخَالَفَتُهُ قَادِحَةً فِي مَوَدَّتِهِ. فَإِذَا ثَبَتَ (¬7) وُجُوبُ الطَّاعَةِ بِمُجَرَّدِ وُجُوبِ الْمَوَدَّةِ ¬

(¬1) ن، م، س: إِمَامَتُهُ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬3) م: أَحَدٌ. (¬4) م: كَانَ. (¬5) ن، م، س: مُؤْمِنًا. (¬6) ن، س: أَنْ يُقَالَ. (¬7) ن، س، ب: أَثْبَتَ.

بَاطِلًا، وَكَانَ ذَلِكَ دَوْرًا مُمْتَنِعًا، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَقْدَحُ فِي الْمَوَدَّةِ حَتَّى يَعْلَمَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ، وَلَا يَعْلَمُ وُجُوبَ الطَّاعَةِ إِلَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِمَامٌ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ إِمَامٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مُخَالَفَتَهُ تَقْدَحُ فِي مَوَدَّتِهِ (¬1) . الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: الْمُخَالَفَةُ تَقْدَحُ فِي الْمَوَدَّةِ إِذَا أُمِرَ بِطَاعَتِهِ أَمْ لَمْ يُؤْمَرْ (¬2) ؟ وَالثَّانِي مُنْتَفٍ ضَرُورَةً. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَأْمُرِ النَّاسَ بِطَاعَتِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. السَّادِسُ: يُقَالُ: هَذَا بِعَيْنِهِ يُقَالُ: " فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنَّ مَوَدَّتَهُمْ وَمَحَبَّتَهُمْ وَمُوَالَاتَهُمْ وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمُخَالَفَتُهُمْ تَقْدَحُ فِي ذَلِكَ. السَّابِعُ: التَّرْجِيحُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ الْقَوْمَ دَعُوا النَّاسَ إِلَى وَلَايَتِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ وَادَّعَوُا الْإِمَامَةَ، وَاللَّهُ أَوْجَبَ طَاعَتَهُمْ، فَمُخَالَفَتُهُمْ (¬3) (¬4) تَقْدَحُ فِي مَوَدَّتِهِمْ، بَلْ تَقْدَحُ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَعَ الرَّفْضَ لَمْ يَكُنْ مُحِبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، بَلْ كَانَ (¬5) عَدُوًّا (¬6) لِلَّهِ. وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَنْزِلَةِ النَّصَارَى مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَالنَّصَارَى يَجْعَلُونَ الْمَسِيحَ إِلَهًا، وَيَجْعَلُونَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَمُحَمَّدًا أَقَلَّ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى. وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ عَلِيًّا هُوَ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ، أَوْ هُوَ (¬7) النَّبِيُّ أَوْ إِلَهٌ (¬8) ، وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ (¬9) ¬

(¬1) م: الْمُخَالِفَةُ تَقْدَحُ فِي الْمَوَدَّةِ. (¬2) ن، س: وَلَمْ يُؤْمَرْ، م: وَإِذَا لَمْ يُؤْمِنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب: فَمُخَالِفُهُمْ. (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) . (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) . (¬6) س، ب: عَدُوٌّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬7) س، ب: وَهُوَ. (¬8) م: أَوِ الْإِلَهُ. (¬9) الْأَرْبَعَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

فصل البرهان الثامن " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " والجواب عليه

أَقَلُّ مِنْ (¬1) مِثْلِ الْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ (¬2) وَأَمْثَالِهِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ. وَلِهَذَا كَانَ جَهْلُهُمْ وَظُلْمُهُمْ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُوصَفَ: وَيَتَمَسَّكُونَ بِالْمَنْقُولَاتِ الْمَكْذُوبَةِ، وَالْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَالْأَقْيِسَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَدَعُونَ الْمَنْقُولَاتِ الصَّادِقَةَ بَلْ (¬3) الْمُتَوَاتِرَةَ، وَالنُّصُوصَ الْبَيِّنَةَ، وَالْمَعْقُولَاتِ الصَّرِيحَةَ. [فصل البرهان الثامن " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬4) " الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 7 - 2] . قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ خَلَّفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (¬5) لِقَضَاءِ دُيُونِهِ وَرَدِّ الْوَدَائِعِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ، وَأَمَرَهُ (¬6) لَيْلَةَ خَرَجَ إِلَى الْغَارِ، وَقَدْ أَحَاطَ الْمُشْرِكُونَ بِالدَّارِ، أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ، اتَّشِحْ بِبُرْدِي الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ (¬7) ، وَنَمْ عَلَى فِرَاشِي، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُصَ (¬8) إِلَيْكَ مِنْهُمْ مَكْرُوهٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ ¬

(¬1) ن، س: مِنْهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) س، ب: النَّخَفِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَسَبَقَتْ عِبَارَةٌ مُمَاثِلَةٌ فِيمَا مَضَى 2/55 (¬3) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) فِي (ك) ص 153 (م) ، 154 (م) . (¬5) ك، م: بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬6) م: وَأَمَرَ. (¬7) س، ب: الْأَخْضَرِ الْحَضْرَمِيِّ. (¬8) ك: لَا يَصِلُ.

[تَعَالَى] (¬1) ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى (¬2) إِلَى جِبْرِيلَ (¬3) وَمِيكَائِيلَ أَنِّي قَدْ آخَيْتُ بَيْنَكُمَا، وَجَعَلْتُ عُمُرَ أَحَدِكُمَا (¬4) أَطْوَلَ مِنَ عُمُرِ الْآخَرِ، فَأَيُّكُمَا يُؤْثِرُ صَاحِبَهُ بِالْحَيَاةِ؟ فَاخْتَارَ كِلَاهَمَا الْحَيَاةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ. (¬5) إِلَيْهَا: أَلَا كُنْتُمَا مِثْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، آخَيْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ يَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ وَيُؤْثِرُهُ بِالْحَيَاةِ؟ اهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ فَاحْفَظَاهُ مِنْ عَدُّوِهِ. فَنَزَلَا، فَكَانَ جِبْرِيلُ (¬6) عِنْدَ رَأْسِهِ، وَمِيكَائِيلُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: بَخٍ بَخٍ (¬7) مَنْ مِثْلُكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ يُبَاهِي (¬8) اللَّهُ بِكَ الْمَلَائِكَةَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي شَأَنِ عَلِيٍّ (¬9) : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} » [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 207] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (¬10) لَمَّا هَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْغَارِ، وَهَذِهِ ¬

(¬1) تَعَالَى: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، وَفِي (ك) : عَزَّ وَجَلَّ. (¬2) ك: فَأَوْصَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ن، م: فَأَوْحَى اللَّهُ. (¬3) ك: جِبْرَئِيلَ. (¬4) ن، م: أَحَدُهُمَا. (¬5) ك: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. (¬6) ك: جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬7) ك: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا عَلِيُّ. (¬8) س، ب: بَاهَى. (¬9) ك: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬10)) ك ص 154 م: فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

فَضِيلَةُ (¬1) لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ تَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ عَلِيٍّ عَلَى (¬2) جَمِيعِ الصَّحَابَةِ (¬3) ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ ". الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ. وَمُجَرَّدُ نَقْلِ الثَّعْلَبِيِّ وَأَمْثَالِهِ لِذَلِكَ، بَلْ رِوَايَتِهِمْ، لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ طَوَائِفِ [أَهْلِ] (¬4) السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. لِأَنَّ هَذَا مُرْسَلٌ (¬5) مُتَأَخِّرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِسْنَادَهُ، وَفِي نَقْلِهِ مِنْ (¬6) هَذَا الْجِنْسِ لِلْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَالْإِسْلَامِيَّاتِ أُمُورٌ يُعْلَمُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَتَعَمَّدِ (¬7) الْكَذِبَ. ثَانِيهَا: أَنَّ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (¬8) كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ (¬9) ، وَالْمَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ. الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا هَاجَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ غَرَضٌ فِي طَلَبِ عَلِيٍّ، وَإِنَّمَا كَانَ مَطْلُوبُهُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَجَعَلُوا فِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَتَهُ لِمَنْ جَاءَ بِهِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ الَّذِي لَا يَسْتَرِيبُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِحَّتِهِ (¬10) ، وَتَرَكَ عَلِيًّا فِي (¬11) ¬

(¬1) ك: فَضِيلَةٌ لَهُ. (¬2) ن، س، ب: فَضِيلَةِ عَلِيٍّ عَلَى، ك: أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى. . . (¬3) س، ب: أَصْحَابِهِ. (¬4) أَهْلِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬5) م: مِنْ مَثَلٍ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) ن، م، س: يَعْتَمِدِ. (¬8) ن، س: عَنِ الْوَجْهِ، ب: عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (¬9) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ فِي كِتَابِ الْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ، وَانْظُرْ مَا يَلِي فِي الصَّفَحَاتِ التَّالِيَةِ. (¬10) سَيَرِدُ الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا فِيمَا بَعْدُ فِي الْجُزْءِ الثَّامِنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 5/58 - 60 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَسَيَرِدُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ جَعْشَمٍ قَالَ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ. (¬11) ن، م: عَلِيٌّ.

فِرَاشِهِ لِيَظُنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْتِ فَلَا يَطْلُبُوهُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَجَدُوا عَلِيًّا فَظَهَرَتْ خَيْبَتُهُمْ، وَلَمْ يُؤْذُوا عَلِيًّا، بَلْ سَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَوْفٌ عَلَى عَلِيٍّ مِنْ أَحَدٍ (¬1) ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخَوْفُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَدِيقِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِي عَلِيٍّ غَرَضٌ لَتَعَرَّضُوا لَهُ لَمَّا وَجَدُوهُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ (¬2) لَا غَرَضَ لَهُمْ فِيهِ، فَأَيُّ فِدَاءٍ هُنَا بِالنَّفْسِ؟ . وَالَّذِي كَانَ يَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ بِلَا رَيْبٍ، وَيَقْصِدُ أَنْ يَدْفَعَ بِنَفْسِهِ عَنْهُ، وَيَكُونَ الضَّرَرُ بِهِ دُونَهُ ; هُوَ أَبُو بَكْرٍ. كَانَ يَذْكُرُ الطَّلَبَةَ فَيَكُونُ خَلْفَهُ، وَيَذْكُرُ الرُّصَّدَ فَيَكُونُ أَمَامَهُ، وَكَانَ يَذْهَبُ فَيَكْشِفُ لَهُ الْخَبَرَ. وَإِذَا [كَانَ] (¬3) هُنَاكَ مَا يَخَافُ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ بِهِ لَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ فَدَاهُ بِنَفْسِهِ فِي مُوَاطِنِ الْحُرُوبِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شُلَّتْ يَدُهُ، كَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ. فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ فِدَاءٌ بِالنَّفْسِ لَكَانَ هَذَا مِنَ الْفَضَائِلِ الْمُشْتَرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَوْفٌ عَلَى عَلِيٍّ؟ . قَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ فِي " السِّيرَةِ " - مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْمُتَوَلِّينَ (¬4) لَعَلِيٍّ الْمَائِلِينَ إِلَيْهِ - وَذَكَرَ خُرُوجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنْزِلِهِ، وَاسْتِخْلَافَ عَلِيٍّ عَلَى فِرَاشِهِ لَيْلَةَ مَكَرَ الْكُفَّارُ بِهِ، قَالَ (¬5) : " «فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) س، ب: خَوْفٌ عَلَى أَحَدٍ. (¬2) ن، م: عَلَى أَنَّهُ. (¬3) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (¬4) ن: الْمُتَوَالِينَ. (¬5) الْمُقَابَلَةُ عَلَى النَّصِّ التَّالِي مَعَ سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/126 - 128

فَقَالَ لَهُ (¬1) : لَا تَبِتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ عَتَمَةُ اللَّيْلِ (¬2) اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى (¬3) ، يَنَامُ، فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَامَهُمْ قَالَ لِعَلِيٍّ (¬4) : نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَاتَّشِحْ (¬5) بِبُرْدِي هَذَا الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ (¬6) ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ (¬7) إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ» . وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ (¬8) قَالَ: «لَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ، وَفِيهِمْ: أَبُو جَهْلٍ (¬9) ، فَقَالَ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّكُمْ إِنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ [مِنْ] (¬10) بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فَجُعِلَتْ لَكُمْ جَنَّاتٌ كَجَنَّاتِ (¬11) الْأُرْدُنِّ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْحٌ، ثُمَّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فَجُعِلَتْ (¬12) لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا. قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ (¬13) ، فَأَخَذَ حَفْنَةً (¬14) ¬

(¬1) سِيرَةُ ابْنِ هِشَامٍ: جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ. (¬2) سِيرَةُ ابْنِ هِشَامٍ: عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ. (¬3) ب: حَتَّى. (¬4) ابْنُ هِشَامٍ: مَكَانَهُمْ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (¬5) ابْنُ هِشَامٍ: وَتَسَجَّ. (¬6) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) (س) (¬7) م: لَا يَخْلُصَ. (¬8) ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ. (¬9) ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ. (¬10)) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) ، وَأَثْبَتُّهَا مِنْ (م) ، ابْنُ هِشَامٍ. (¬11) ابْنُ هِشَامٍ: جِنَانٌ كَجِنَانِ. (¬12) ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ جُعِلَتْ. (¬13) سَقَطَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ (م) ، " وَفِي ابْنِ هِشَامٍ ": وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬14) ن: حَفِيَّةً، م: حَصَاةً.

مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ (¬1) أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ، أَنْتَ (¬2) أَحَدُهُمْ. وَأَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ، فَلَا يَرَوْنَهُ (¬3) . . . وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلًا إِلَّا وَضَعَ عَلَى (¬4) رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمَّ انْصَرَفَ (¬5) إِلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ، فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فَقَالَ: مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا؟ قَالُوا (¬6) : مُحَمَّدًا. قَالَ: خَيَّبَكُمُ اللَّهُ! قَدْ وَاللَّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إِلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ (¬7) ، أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ (¬8) ؟ قَالَ: فَوَضَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ، ثُمَّ جَعَلُوا يَطَّلِعُونَ (¬9) فَيَرَوْنَ عَلِيًّا عَلَى الْفِرَاشِ مُسَجَّى (¬10) بِبُرْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمُحَمَّدٌ نَائِمًا، عَلَيْهِ بُرْدَةٌ. فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا. فَقَامَ عَلِيٌّ عَنِ الْفِرَاشِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الَّذِي كَانَ حَدَّثَنَا (¬11) وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ [مِنَ الْقُرْآنِ] ذَلِكَ الْيَوْمَ (¬12) : { ¬

(¬1) نَعَمْ: لَيْسَتْ فِي " ابْنِ هِشَامٍ ". (¬2) ن، س، ب: وَأَنْتَ. (¬3) بَعْدَ عِبَارَةِ فَلَا يَرَوْنَهُ تُوجَدُ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ فِي " ابْنِ هِشَامٍ " اخْتَصَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَةَ. (¬4) م: إِلَّا وَضَعَ اللَّهُ عَلَى. . . ابْنُ هِشَامٍ: إِلَّا قَدْ وَضَعَ عَلَى. . . (¬5) ن: انْصَرَفُوا. (¬6) س، ب: فَقَالُوا. (¬7) م: ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، س، ب: وَانْطَلَقَ إِلَى حَاجَتِهِ. (¬8) م: أَمَامَكُمْ. (¬9) ابْنُ هِشَامٍ: يَتَطَلَّعُونَ. (¬10) ابْنُ هِشَامٍ: مُتَسَجِّيًا. (¬11)) م: وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَنَا الَّذِي كَانَ حَدَّثَنَا، ابْنُ هِشَامٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ صَدَقَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا. (¬12)) ن، س، ب: وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، ابْنُ هِشَامٍ 2/128: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ.

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 30] وَقَوْلُهُ: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الطُّورِ: 30] وَأَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ (¬1) فِي الْهِجْرَةِ عِنْدَ ذَلِكَ (¬2) » . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَرَضٌ فِي عَلِيٍّ أَصْلًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) قَدْ قَالَ: " اتَّشِحْ بِبُرْدِي هَذَا الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إِلَيْكَ مِنْهُمْ رَجُلٌ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ ". فَوَعَدَهُ - وَهُوَ الصَّادِقُ - أَنَّهُ لَا يَخْلُصُ إِلَيْهِ مَكْرُوهٌ، وَكَانَ طُمَأْنِينَتُهُ بِوَعْدِ الرَّسُولِ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬4) . الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى كَذِبِهِ مَا لَا يَخْفَى، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُقَالُ فِيهِمْ مِثْلَ هَذَا الْبَاطِلِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا جَائِعًا فَيُؤْثِرُهُ الْآخَرُ بِالطَّعَامِ، وَلَا هُنَاكَ خَوْفٌ فَيُؤْثِرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْأَمْنِ (¬5) ، فَكَيْفَ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمَا: أَيُّكُمَا يُؤْثِرُ صَاحِبَهُ بِالْحَيَاةِ؟ وَلَا لِلْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ أَصْلٌ، بَلْ جِبْرِيلُ لَهُ عَمَلٌ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ مِيكَائِيلَ، وَمِيكَائِيلُ لَهُ عَمَلٌ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ جِبْرِيلَ، كَمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ أَنَّ الْوَحْيَ وَالنَّصْرَ لِجِبْرِيلَ، وَأَنَّ الرِّزْقَ وَالْمَطَرَ لِمِيكَائِيلَ. ¬

(¬1) ابْنُ هِشَامٍ: ذَكَرَ الْآيَةَ التَّالِيَةَ 31 مِنْ سُورَةِ الطُّورِ ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَسْطُرٍ اخْتَصَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَةَ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي (س) (ب) : فَأَذِنَ. (¬2) ابْنُ هِشَامٍ: عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْهِجْرَةِ. (¬3) ن، م: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬4) ن: بِوَعْدِ الرَّسُولِ س، ب: بِوَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ. (¬5) م: بِالْآخَرِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ اللَّهُ قَضَى بِأَنَّ عُمُرَ أَحَدِهِمَا أَطْوَلُ مِنَ الْآخَرِ فَهُوَ مَا قَضَاهُ، وَإِنْ قَضَاهُ لِوَاحِدٍ وَأَرَادَ مِنْهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَعْيِينِ الْأَطْوَلِ، أَوْ يُؤْثِرَ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ، وَهُمَا رَاضِيَانِ بِذَلِكَ، فَلَا كَلَامَ. وَأَمَّا إِنْ كَانَا يَكْرَهَانِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ يُحَرِّشَ بَيْنَهُمَا، وَيُلْقِي بَيْنَهُمَا الْعَدَاوَةَ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ - ثُمَّ هَذَا الْقَدَرُ لَوْ وَقَعَ مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ تَأَخَّرَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُمَا اللَّهُ قَبْلَ آدَمَ إِلَى حِينِ الْهِجْرَةِ؟ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَقِبَ خَلْقِهِمَا. الْخَامِسُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَاخِ عَلِيًّا وَلَا غَيْرَهُ، بَلْ كُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا فَهُوَ كَذِبٌ. وَحَدِيثُ الْمُؤَاخَاةِ الَّذِي يُرْوَى فِي ذَلِكَ - مَعَ ضَعْفِهِ وَبُطْلَانِهِ - إِنَّمَا فِيهِ مُؤَاخَاتِهِ لَهُ فِي الْمَدِينَةِ، هَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (¬1) ، فَأَمَّا بِمَكَّةَ فَمُؤَاخَاتُهُ لَهُ بَاطِلَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَأَيْضًا فَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِدَاءٌ بِالنَّفْسِ وَلَا إِيثَارٌ بِالْحَيَاةِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ النَّقْلِ. السَّادِسُ: أَنَّ هُبُوطَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لِحِفْظِ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ ¬

(¬1) أَشَرْتُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ فِيمَا مَضَى 4/32 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ سَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا مُفَصَّلًا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا يَلِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ (7/361) وَأَمَّا حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ فِيهِ 5/300 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، بَابُ 85) وَنَصُّهُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَلَمْ تُؤَاخِ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ "، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ عَنْ زَيْنِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ". وَذَكَرَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/14 وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ: " ت (التِّرْمِذِيُّ) ، ك (الْحَاكِمُ) ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ "، وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ: " ضَعِيفٌ جِدًّا " وَذَكَرَهُ التِّبْرِيزِيُّ فِي " مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ " 3/243 - 244

أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ ; فَإِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ مَنْ شَاءَ (¬1) مِنْ خَلْقِهِ بِدُونِ هَذَا. وَإِنَّمَا رُوِيَ هُبُوطُهُمَا يَوْمَ بَدْرٍ لِلْقِتَالِ، وَفِي مِثْلِ تِلْكَ الْأُمُورِ (¬2) الْعِظَامِ، وَلَوْ نَزَلَا لِحِفْظِ وَاحِدٍ (¬3) مِنَ النَّاسِ لَنَزَلَا لِحِفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَدِيقِهِ، اللَّذَيْنِ كَانَ الْأَعْدَاءُ يَطْلُبُونَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ بَذَلُوا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَتَهُ، وَهُمْ عَلَيْهِمَا غِلَاظٌ شِدَادٌ سُودُ الْأَكْبَادِ. السَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ، لَمْ تَنْزِلْ وَقْتَ هِجْرَتِهِ (¬4) . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا هَاجَرَ صُهَيْبٌ وَطَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَعْطَاهُمْ مَالَهُ، وَأَتَى الْمَدِينَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى ". وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ فِي التَّفْسِيرِ، نَقَلَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ (¬5) . وَهَذَا مُمْكِنٌ ; فَإِنَّ صُهَيْبًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ (¬6) : " اخْتَلَفَ (¬7) أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [فِيهِ] (¬8) ، وَمَنْ عُنِيَ بِهَا ¬

(¬1) س، ب: مَنْ يَشَاءُ. (¬2) س: وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ الْأُمُورِ، ب: وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ. (¬3) م: أَحَدٍ. (¬4) ن: بَعْدَ هِجْرَتِهِ، س، ب: قَبْلَ هِجْرَتِهِ. (¬5) الْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3/398 وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَنَسَبَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ هَذَا الْكَلَامَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي صُهَيْبٍ ; وَكَذَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَسَاقَ بِسَنَدِهِ وَذَكَرَ خَبَرَ هِجْرَةِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَبِحَ صُهَيْبٌ مَرَّتَيْنِ، وَانْظُرْ: " زَادُ الْمَسِيرِ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ. (¬6) فِي تَفْسِيرِه ط. الْمَعَارِفِ 4/247 - 248 (¬7) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: ثُمَّ اخْتَلَفَ. (¬8) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ن (م) ، (س)

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَعُنِيَ بِهَا الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ هَذَا الْقَوْلَ (¬1) " وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ (¬2) " وَرَوَى عَنِ " الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ (¬3) ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ (¬4) ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ (¬5) ، عَنْ عِكْرِمَةَ (¬6) قَالَ: «نَزَلَتْ فِي صُهَيْبٍ وَأَبِي ذَرٍّ جُنْدَبٍ (¬7) ، أَخَذَ أَهْلُ أَبِي ذَرٍّ [أَبَا ذَرٍّ] (¬8) فَانْفَلَتَ (¬9) مِنْهُمْ، فَقَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا رَجَعَ مُهَاجِرًا عَرَضُوا لَهُ، وَكَانُوا (¬10) بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَانْفَلَتَ (¬11) أَيْضًا حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ (¬12) ، وَأَمَّا صُهَيْبٌ فَأَخَذَ أَهْلَهُ، فَافْتَدَى مِنْهُمْ بِمَالِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مُهَاجِرًا فَأَدْرَكَهُ قُنْفُذُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جُدْعَانَ (¬13) ، ¬

(¬1) انْظُرْ 4/247 (¬2) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَعْيُنِهِمْ. (¬3) ن، م، س: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ. (¬4) م، س، ب: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ. (¬5) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. (¬6) بَعْدَ عِكْرِمَةَ أَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ الْآيَةَ. (¬7) ن، م، س: فِي صُهَيْبٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَجُنْدَبٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ جُنْدَبِ بْنِ السَّكَنِ. (¬8) أَبَا ذَرٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬9) م، س: فَانْقَلَبَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬10)) ن، م، س: وَكَانَ. (¬11) 11) م، س: فَانْقَلَبَ. (¬12) 12) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: حَتَّى قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬13) 13) ن، م، س: سَعْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جُدْعَانَ، ب: مُنْقِذُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جُدْعَانَ، وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ مَحْمُود مُحَمَّد شَاكِر فِي تَعْلِيقِهِ 4/248 ت [0 - 9] : أَنَّ الْمَطْبُوعَةَ كَانَتْ مُحَرَّفَةً إِلَى: مُنْقِذِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَتَكَلَّمَ عَلَى قُنْفُذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

فَخَرَجَ لَهُ مِمَّا (¬1) بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَخَلَّى (¬2) سَبِيلُهُ (¬3) » . وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ (¬4) [بِذَلِكَ] (¬5) كُلَّ شَارٍ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ (¬6) وَجِهَادٍ (¬7) فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْرٍ (¬8) بِمَعْرُوفٍ ". وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى عُمَرَ بَلْ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنْ صُهَيْبًا كَانَ سَبَبَ النُّزُولِ (¬9) . الثَّامِنُ: أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ مُطْلَقٌ، لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ. فَكُلٌّ مَنْ بَاعَ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَقَدْ دَخَلَ فِيهَا. وَأَحَقُّ مَنْ دَخَلَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَدِيقُهُ فَإِنَّهُمَا شَرَيَا نَفْسَهُمَا (¬10) ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ، وَهَاجَرَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْعَدُوُّ يَطْلُبُهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. التَّاسِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " هَذِهِ فَضِيلَةٌ لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ [فَدَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ] (¬11) فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ " (¬12) . ¬

(¬1) ن، م، س: بِمَا. (¬2) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: وَخَلَّى (¬3) تَرَكَ ابْنُ تَيْمِيَةَ تِسْعَةَ أَسْطُرٍ مِنْ تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ بَعْدَ كَلِمَةِ " سَبِيلُهُ ". (¬4) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: بَلْ عُنِيَ (¬5) م: عُنِيَ بِهَا، وَسَقَطَتْ " بِذَلِكَ " مِنْ (ن) ، (س) (¬6) ن، س: فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (¬7) س، ب: وَجَاهَدَ. (¬8) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: أَوْ أَمْرٍ. (¬9) انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 4/250 - 251 (¬10)) م: أَنْفُسَهُمَا. (¬11)) عِبَارَةُ " فَدَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ " فِي (م) فَقَطْ، وَسَبَقَ كَلَامُ الرَّافِضِيِّ (ص 112) ، وَفِيهِ: تَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ عَلِيٍّ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ. (¬12) عِبَارَةُ " فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

فَيُقَالُ (¬1) : لَا رَيْبَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِأَبِي بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ ثَابِتَةً لَهُ دُونَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ. فَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الصِّدْقُ الَّذِي لَا كَذِبَ فِيهِ. يَقُولُ اللَّهُ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . وَمِثْلُ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِ أَبِي بَكْرٍ قَطْعًا، بِخِلَافِ الْوِقَايَةِ بِالنَّفْسِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، لَيْسَ مِنَ الْفَضَائِلِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَكَابِرِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَالْأَفْضَلِيَّةُ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالْخَصَائِصِ لَا بِالْمُشْتَرِكَاتِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّ عَلِيًّا أُوذِيَ فِي مَبِيتِهِ (¬2) عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ، وَقَدْ أُوذِيَ غَيْرُهُ فِي وِقَايَتِهِمُ (¬3) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَارَةً بِالضَّرْبِ، وَتَارَةً بِالْجَرْحِ، وَتَارَةً بِالْقَتْلِ. فَمَنْ فَدَاهُ وَأُوذِيَ أَعْظَمُ مِمَّنْ فَدَاهُ وَلَمْ يُؤْذِ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَا صَحَّ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، شَارَكَهُ فِيهَا غَيْرُهُ، بِخِلَافِ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ فَضَائِلِهِ - وَأَكْثَرِهَا - خَصَائِصٌ لَهُ، لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ (¬4) . ¬

(¬1) ن: الْعَاشِرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م: فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ب: وِقَايَتِهِ. (¬4) س، ب: فِي مَوْضِعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فصل البرهان التاسع " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " والجواب عليه

[فصل البرهان التاسع " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] . نَقَلَ الْجُمْهُورُ كَافَّةً أَنَّ " أَبْنَاءَنَا " إِشَارَةٌ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَ " نِسَاءَنَا " إِشَارَةٌ إِلَى فَاطِمَةَ. وَ " أَنْفُسَنَا " إِشَارَةٌ إِلَى عَلِيٍّ (¬2) . وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ (¬3) عَلَى ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ لِعَلِيٍّ لِأَنَّهُ تَعَالَى \ قَدْ جَعَلَ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالِاتِّحَادُ مُحَالٌ، فَيَبْقَى الْمُرَادُ بِالْمُسَاوَاةِ لَهُ الْوِلَايَةُ (¬4) . وَأَيْضًا لَوْ كَانَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مُسَاوِيًا لَهُمْ وَأَفْضَلَ (¬5) مِنْهُمْ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لِأَمْرِهِ تَعَالَى بِأَخْذِهِمْ مَعَهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ، وَإِذَا كَانُوا هُمُ الْأَفْضَلُ تَعَيَّنَتِ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ (¬6) . وَهَلْ تَخْفَى دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إِلَّا [عَلَى] (¬7) مَنِ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 154 (م) . (¬2) ك: إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬3) ك: أَدَلُّ دَلِيلٍ. (¬4) ك: فَيَبْقَى الْمُرَادُ: الْمُسَاوِي، وَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ، فَكَذَا الْمُسَاوِيَةُ. (¬5) ك: أَوْ أَفْضَلَ. (¬6) ك: فِيهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. (¬7) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س)

قَلْبِهِ، وَحُبِّبَتْ إِلَيْهِ الدُّنْيَا (¬1) الَّتِي لَا يَنَالُهَا إِلَّا بِمَنْعِ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ (¬2) حَقِّهِمْ؟ ". وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: " أَمَّا أَخْذُهُ عَلِيًّا [وَفَاطِمَةَ] (¬3) وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فِي الْمُبَاهَلَةِ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ (¬4) : «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] (¬5) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» . وَلَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَلَا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: " قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالِاتِّحَادُ مُحَالٌ، فَبَقَى الْمُسَاوَاةُ لَهُ (¬6) ، وَلَهُ الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ، فَكَذَا الْمُسَاوِيَةُ " (¬7) . قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُسَاوَاةُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُسَاوِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عَلِيًّا (¬8) وَلَا غَيْرَهُ ¬

(¬1) ك: وَخُيِّلَ لَهُ حُبُّ الدُّنْيَا. (¬2) ك: عَنْ. (¬3) وَفَاطِمَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1871 " كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ أَوَّلُهُ: " أَمَّرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟ " الْحَدِيثَ، وَالْكَلَامُ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ. (¬5) فِي " مُسْلِمٍ " ذَكَرَ جُزْءً مِنَ الْآيَةِ حَتَّى قَوْلِهِ " وَأَبْنَاءَكُمْ " فَقَطْ. (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) م، س: فَكَذَا الْمُسَاوَاةُ، ن: فَكَذَا الْمُسَاوِيَةُ. (¬8) ن، م، س: لَا عَلِيٌّ.

وَهَذَا اللَّفْظُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ مُتَسَاوِينَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 54] ، أَيْ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا مُتَسَاوِينَ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ مُسَاوِيًا لِمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ. وَكَذَلِكَ قَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 29] أَيْ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَسَاوِينَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 11] : أَيْ لَا يَلْمِزُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ; فَيَطْعَنُ عَلَيْهِ وَيَعِيبُهُ. وَهَذَا نَهْيٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ لَا يَفْعَلَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ هَذَا الطَّعْنَ وَالْعَيْبَ، مَعَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَسَاوِينَ لَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا فِي الْفَضِيلَةِ وَلَا الظَّالِمُ كَالْمَظْلُومِ، وَلَا الْإِمَامُ كَالْمَأْمُومِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 85] : أَيْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} كَاللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 11] ، {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] وَنَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ التَّسَاوِيَ هُنَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ مُمْتَنِعٍ، فَكَذَلِكَ هُنَاكَ وَأَشَدُّ. بَلْ هَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الْمُجَانَسَةِ وَالْمُشَابَهَةِ. وَالتَّجَانُسُ وَالْمُشَابَهَةُ يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ

فِي [بَعْضِ الْأُمُورِ، كَالِاشْتِرَاكِ فِي] الْإِيمَانِ (¬1) ، فَالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فِي الْإِيمَانِ، وَهْوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [سُورَةُ النُّورِ: 12] ، وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 11] . وَقَدْ يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الدِّينِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمُ الْمُنَافِقُ، كَاشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِسْلَامِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ فِي النَّسَبِ فَهُوَ أَوْكَدُ. وَقَوْمُ مُوسَى كَانُوا أَنْفُسَنَا (¬2) بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 61] أَيْ رِجَالَنَا وَرِجَالَكُمْ، أَيِ الرِّجَالُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جِنْسِنَا فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ، وَالرِّجَالُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ. أَوِ الْمُرَادُ (¬3) التَّجَانُسُ فِي الْقَرَابَةِ فَقَطْ ; لِأَنَّهُ قَالَ: {أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} فَذَكَرَ الْأَوْلَادَ وَذَكَرَ [النِّسَاءَ] (¬4) وَالرِّجَالَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَقْرَبِينَ إِلَيْنَا مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْعَصَبَةِ. وَلِهَذَا دَعَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنَ الْأَبْنَاءِ، وَدَعَا فَاطِمَةَ مِنَ النِّسَاءِ، وَدَعَا عَلِيًّا مِنْ رِجَالِهِ (¬5) ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَحَدٌ أَقْرَبُ إِلَيْهِ نَسَبًا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَدَارَ عَلَيْهِمُ الْكِسَاءَ. وَالْمُبَاهَلَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَوْ بَاهَلَهُمْ بِالْأَبْعَدِينَ فِي ¬

(¬1) ن، س: يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي جَمِيعِ الْإِيمَانِ، ب: يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْإِيمَانِ، م: يَكُونُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، فَالِاشْتِرَاكُ فِي الْإِيمَانِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) م: وَأَنْفُسًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) س، ب: وَالْمُرَادُ. (¬4) النِّسَاءَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬5) م: مِنْ رِجَالٍ.

النَّسَبِ، وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ، لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ ; فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ الْأَقْرَبِينَ، كَمَا يَدْعُو هُوَ (¬1) الْأَقْرَبَ إِلَيْهِ. وَالنُّفُوسُ تَحْنُو عَلَى أَقَارِبِهَا مَا لَا تَحْنُو عَلَى غَيْرِهِمْ، وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ إِنْ بَاهَلُوهُ نَزَلَتِ الْبَهْلَةُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، وَاجْتَمَعَ خَوْفُهُمْ (¬2) عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَقَارِبِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي امْتِنَاعِهِمْ، وَإِلَّا فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْتَارُ أَنْ يَهْلَكَ وَيَحْيَا ابْنُهُ، وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ قَدْ يَخْتَارُ الْمَوْتَ إِذَا بَقِيَ أَقَارِبُهُ فِي نِعْمَةٍ وَمَالٍ. وَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرٌ. فَطَلَبَ مِنْهُمُ الْمُبَاهَلَةَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَالْأَقْرَبِينَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلِهَذَا دَعَا هَؤُلَاءِ. وَآيَةُ الْمُبَاهَلَةِ نَزَلَتْ سَنَةَ عَشْرٍ ; لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَقِيَ مِنْ أَعْمَامِهِ إِلَّا الْعَبَّاسُ، وَالْعَبَّاسُ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَلَا كَانَ لَهُ بِهِ اخْتِصَاصٌ كَعَلِيٍّ. وَأَمَّا بَنُو عَمِّهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِثْلُ عَلِيٍّ، وَكَانَ جَعْفَرُ قَدْ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْمُبَاهَلَةَ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ، وَجَعْفَرُ قُتِلَ بِمُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، فَتَعَيَّنَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَكَوْنُهُ تَعَيَّنَ لِلْمُبَاهَلَةِ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْأَقَارِبِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، بَلْ وَلَا أَنْ يَكُونَ (¬3) أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا، بَلْ لَهُ بِالْمُبَاهَلَةِ نَوْعُ فَضِيلَةٍ، ¬

(¬1) ن، س: هَؤُلَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن، س، ب: فَاجْتَمَعَ الْخَوْفُ. (¬3) س، ب: بَلْ وَلَا يَكُونُ.

وَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْإِمَامَةِ، فَإِنَّ خَصَائِصَ الْإِمَامَةِ لَا تَثْبُتُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَنْ بَاهَلَ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، كَمَا لَمْ يُوجِبْ أَنْ تَكُونَ فَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " لَوْ كَانَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مُسَاوِيًا لَهُمْ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لَأَمَرَهُ تَعَالَى بِأَخْذِهِمْ مَعَهُ ; [لِأَنَّهُ] (¬1) فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ ". فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ: لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ كَافٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمَنْ يَدْعُوهُ مَعَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ ; لَدَعَا الْمُؤْمِنِينَ (¬2) كُلَّهُمْ وَدَعَا بِهِمْ، كَمَا كَانَ يَسْتَسْقِي بِهِمْ وَكَمَا كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَ يَقُولُ: " وَهَلْ (¬3) تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟ بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ " (¬4) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانُوا مُجَابِينَ، فَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ (¬5) أَبْلَغُ فِي الْإِجَابَةِ. لَكِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ لِإِجَابَةِ دُعَائِهِ (¬6) ، بَلْ لِأَجْلِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَهْلِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) لِأَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (س) (¬2) ن، م، س: الْمُؤْمِنُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) س، ب: فَهَلْ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/782 - 483 (¬5) م: الدَّاعِي. (¬6) م: لَكِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ إِجَابَةَ دُعَائِهِ ; ب: لَكِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ مِنْ دَعْوَةِ مَنْ دَعَاهُ إِجَابَةَ دُعَائِهِ.

وَسَلَّمَ - لَوْ دَعَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَغَيْرَهُمْ لِلْمُبَاهَلَةِ، لَكَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ اسْتِجَابَةً لِأَمْرِهِ، وَكَانَ دُعَاءُ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَبْلَغَ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، لَكِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَخْذِهِمْ [مَعَهُ] (¬1) ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ أُولَئِكَ يَأْتُونَ بِمَنْ يُشْفِقُونَ عَلَيْهِ طَبْعًا (¬2) ، كَأَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمُ الَّذِينَ هُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِمْ. فَلَوْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا أَجَانِبَ لَأَتَى أُولَئِكَ بِأَجَانِبَ، وَلَمْ يَكُنْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْبَهْلَةِ بِأُولَئِكَ الْأَجَانِبِ، كَمَا يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ نُزُولُهَا بِالْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّ طَبْعَ الْبَشَرِ يَخَافُ عَلَى أَقْرِبَيْهِ (¬3) ، مَا لَا يَخَافُ عَلَى الْأَجَانِبِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْعُوَ قَرَابَتَهُ، وَأَنْ يَدْعُوَا أُولَئِكَ قَرَابَتَهُمْ. وَالنَّاسُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ تَقُولُ كُلُّ طَائِفَةٍ لِلْأُخْرَى: أَرْهِنُوا عِنْدَنَا أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ، فَلَوْ رَهَنَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَرْضَ أُولَئِكَ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ دَعَا النَّبِيُّ الْأَجَانِبَ لَمْ يَرْضَ أُولَئِكَ الْمُقَابِلُونَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الرَّجُلِ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ إِذَا قَابَلَ بِهِمْ لِمَنْ يُقَابِلُهُ بِأَهْلِهِ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا أَصْلًا عَلَى مَطْلُوبِ الرَّافِضِيِّ، لَكِنَّهُ وَأَمْثَالَهُ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ، كَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَتَعَلَّقُونَ بِالْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَيَدَعُونَ النُّصُوصَ الصَّرِيحَةَ، ثُمَّ قَدْحَهُ (¬4) فِي خِيَارِ الْأُمَّةِ بِزَعْمِهِ الْكَاذِبِ، ¬

(¬1) مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (س) ، (ب) . (¬2) طَبْعًا سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) م: أَقَارِبِهِ. (¬4) ب: ثُمَّ قَدَحَ.

حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْفُسِ: الْمُسَاوُونَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَعْمَلِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: " نِسَاءَنَا " لَا يَخْتَصُّ بِفَاطِمَةَ، بَلْ مَنْ دَعَاهُ مِنْ بَنَاتِهِ كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهَا فِي ذَلِكَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِذْ ذَاكَ إِلَّا فَاطِمَةُ، فَإِنَّ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ كُنَّ قَدْ تُوُفِّينَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَكَذَلِكَ " أَنْفُسَنَا " لَيْسَ مُخْتَصًّا بِعَلِيٍّ، بَلْ هَذِهِ (¬1) صِيغَةُ جَمْعٍ، كَمَا أَنَّ " نِسَاءَنَا " صِيغَةُ جَمْعٍ وَكَذَلِكَ " أَبْنَاءَنَا " صِيغَةُ جَمْعٍ، وَإِنَّمَا دَعَا حَسَنًا وَحُسَيْنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ (¬2) بِالْبُنُوَّةِ سِوَاهُمَا، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا إِذْ ذَاكَ فَهُوَ طِفْلٌ لَا يُدْعَى، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ [الْمُقَوْقِسُ] (¬3) صَاحِبُ مِصْرَ، وَأَهْدَى لَهُ الْبَغْلَةَ وَمَارِيَةَ وَسِيرِينَ، فَأَعْطَى سِيرِينَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَتَسَرَّى مَارِيَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَاشَ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ تُتِمُّ إِرْضَاعَهُ» (¬4) ¬

(¬1) ن، س، ب: هَذَا. (¬2) ن، س: إِلَيْهِمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، الْمُقَوْقِسُ، سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (¬4) رَضَاعَهُ: كَذَا فِي (س) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: رَضَاعَتَهُ، وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ تَقْرِيبًا عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: (الْمُسْنَدِ ط الْحَلَبِيِّ 4/283، 297، 304 وَوَجَدْتُ حَدِيثًا مُقَارِبًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 4/1808 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابُ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّبْيَانَ وَالْعِيَالَ وَتَوَاضُعِهِ وَفَضْلِ ذَلِكَ) ، وَأَوَّلُهُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ: قَالَ عَمْرُو (بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ) ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي، وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ، وَإِنَّ لَهُ ظِئْرَيْنِ تُكْمِلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ ". مَاتَ فِي الثَّدْيِ: أَيْ مَاتَ وَهُوَ فِي سِنِّ رَضَاعِ الثَّدْيِ، وَالظِّئْرُ هِيَ الْمُرْضِعَةُ وَلَدَ غَيْرِهَا، وَالْحَدِيثُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 3/112 وَجَاءَ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ فِيهِمَا أَنَّ رَضَاعَةَ إِبْرَاهِيمَ تَتِمُّ فِي الْجَنَّةِ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/484 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذِكْرِ وَفَاتَهُ) .

فصل البرهان العاشر " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " والجواب عليه

وَكَانَ إِهْدَاءُ الْمُقَوْقِسِ بَعْدَ (¬1) الْحُدَيْبِيَةِ، بَلْ بَعْدَ حُنَيْنٍ. [فصل البرهان العاشر " فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ " والجواب عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْبُرْهَانُ الْعَاشِرُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 37] . رَوَى [الْفَقِيهُ] (¬3) ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ (¬4) الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ (¬5) مِنْ رَبِّهِ فَتَابَ عَلَيْهِ. قَالَ: سَأَلَهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ (¬6) ، فَتَابَ عَلَيْهِ» . وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ لَمْ يَلْحَقْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ لِمُسَاوَاتِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّوَسُّلِ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ، فَقَدْ عُرِفَ أَنَّ مُجَرَّدَ رِوَايَةِ (¬7) ابْنِ الْمَغَازِلِيِّ (¬8) لَا يَسُوغُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. ¬

(¬1) س: وَكَانَ هَذَا الْمُقَوْقِسُ بَعْدَ، ب: وَكَانَ هَذَا بَعْدَ. (¬2) فِي (ك) ص 154 (م) ، 155 (م) . (¬3) الْفَقِيهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬4) ب: ابْنُ الْمُغَازِيِّ. (¬5) ك: آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬6) ك: وَالْحُسَيْنِ إِلَّا تُبْتَ عَلَيَّ (¬7) ن، س: أَنَّ مُجَرَّدَ صِحَّةِ رِوَايَةِ. (¬8) ب: ابْنِ الْمُغَازِيِّ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " عَنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ (¬1) ، فَإِنَّ لَهُ كُتُبًا (¬2) فِي الْأَفْرَادِ وَالْغَرَائِبِ (¬3) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: " تَفَرَّدَ بِهِ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ حَسَنٍ (¬4) الْأَشْقَرِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ ثِقَةً وَلَا مَأْمُونًا. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانٍ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْأَثْبَاتِ ". الثَّالِثُ: أَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ قَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 23] . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ هَذَا وَمَا يُشْبِهُهُ (¬5) ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ النَّقْلِ الثَّابِتِ عَنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْقَسَمِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَنْ هُوَ دُونَ آدَمَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ إِذَا تَابَ أَحَدُهُمْ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ عَلَيْهِ بِأَحَدٍ. فَكَيْفَ يَحْتَاجُ آدَمُ فِي تَوْبَتِهِ إِلَى مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُذْنِبِينَ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ. وَطَائِفَةٌ قَدْ رَوَوْا أَنَّهُ تَوَسَّلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَبْلَ تَوْبَتِهِ، وَهَذَا كَذِبٌ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ حِكَايَةٌ فِي خِطَابِهِ لِلْمَنْصُورِ، وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي " الشِّفَاءِ ". ¬

(¬1) لَمْ أَسْتَطِعِ الْعُثُورَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ فِي كِتَابِ الْمَوْضُوعَاتِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ. (¬2) ن، م: كِتَابًا. (¬3) ذَكَرَ سِزْكِينُ مِنْ كُتُبِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَخْطُوطَةِ كِتَابَ الْفَوَائِدِ الْأَفْرَادِ وَكِتَابَ الْفَوَائِدِ الْمُنْتَقَاةِ الْغَرَائِبِ الْحِسَانِ، انْظُرْ سِزْكِينَ م 1 ج [0 - 9] ص [0 - 9] 22 وَسَبَقَتْ تَرْجَمَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ 1/534 (¬4) م: حُسَيْنٍ. (¬5) انْظُرْ فِي هَذَا زَادَ الْمَسِيرِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1 تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ " ط الشَّعْبِ " 1/116

فصل البرهان الحادي عشر " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي " والجواب عليه

الْخَامِسُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالتَّوْبَةِ بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ، بَلْ وَلَا أَمَرَ أَحَدًا بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ فِي تَوْبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، بَلْ وَلَا شَرَّعَ لِأُمَّتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى اللَّهِ بِمَخْلُوقٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ مَشْرُوعًا لِشَرْعِهِ لِأُمَّتِهِ. السَّادِسُ: أَنَّ الْإِقْسَامَ عَلَى اللَّهِ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ أَمْرٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، بَلْ قَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا - عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِمَخْلُوقٍ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ. السَّابِعُ: أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا فَآدَمُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ، كَيْفَ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ بِمَنْ هُوَ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ آدَمَ، لَكِنَّ آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ. الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهَا قَدْ ثَبَتَتْ لِفَاطِمَةَ. وَخَصَائِصُ الْأَئِمَّةِ لَا تَثْبُتُ لِلنِّسَاءِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ خَصَائِصِهِمْ لَمْ يَسْتَلْزِمِ الْإِمَامَةَ، فَإِنَّ دَلِيلَ الْإِمَامَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَلْزُومًا لَهَا، يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ اسْتِحْقَاقُهَا، فَلَوْ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى الْإِمَامَةِ لَكَانَ مَنْ يَتَّصِفُ بِهِ يَسْتَحِقُّهَا، وَالْمَرْأَةُ لَا تَكُونُ إِمَامًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. [فصل البرهان الحادي عشر " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِي (¬1) : " الْبُرْهَانُ الْحَادِي عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} ¬

(¬1) فِي (ك) ص 155 (م) .

[سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 124] . رَوَى الْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ (¬1) الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (¬2) ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «انْتَهَتِ الدَّعْوَةُ إِلَيَّ وَإِلَى عَلِيٍّ، لَمْ يَسْجُدْ أَحَدُنَا لِصَنَمٍ قَطُّ، فَاتَّخِذْنِي نَبِيًّا وَاتَّخِذْ عَلِيًّا وَصِيًّا» . وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ (¬3) . وانظر: زاد المسير 1 139 - 141، الدر المنثور للسيوطي 1 118. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " انْتَهَتِ الدَّعْوَةُ إِلَيْنَا " كَلَامٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ إِنْ أُرِيدَ: أَنَّهَا لَمْ تُصِبْ مَنْ قَبْلَنَا كَانَ مُمْتَنِعًا ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ دَخَلُوا فِي الدَّعْوَةِ. قَالَ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 72 - 73] وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 2] . وَقَالَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] ¬

(¬1) ب: ابْنُ الْمُغَازِيِّ. (¬2) ك: بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. (¬3) بِالْحَدِيثِ لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ، وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ " 1 \ \ 237 237 - 242 " ط. الشَّعْبِ "، وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ إِمَامًا سَأَلَ اللَّهَ أَنْ تَكُونَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَأُخْبِرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ظَالِمُونَ، وَأَنَّهُ لَا يَنَالُهُمْ عَهْدُ اللَّهِ، وَلَا يَكُونُونَ أَئِمَّةً فَلَا يُقْتَدَى بِهِمْ "

وَقَالَ: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 5، 6] . فَهَذِهِ عِدَّةُ نُصُوصٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي جَعْلِ اللَّهِ [أَئِمَّةً] (¬1) مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ قَبْلَ أُمَّتِنَا. وَإِنْ أُرِيدَ: انْتَهَتِ الدَّعْوَةُ إِلَيْنَا: أَنَّهُ لَا إِمَامَ بَعْدَنَا، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَلَا غَيْرُهُمَا أَئِمَّةً، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (¬2) . ثُمَّ التَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ [هُو] (¬3) هُوَ عِلَّةٌ مَوْجُودَةٌ فِي سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُمْ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ كَوْنَ الشَّخْصِ لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ فَضِيلَةٌ يُشَارِكُهُ فِيهَا جَمِيعُ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ، مَعَ أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْمَفْضُولُ مُسْتَحِقًّا لِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ دُونَ الْفَاضِلِ؟ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ قِيلَ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَلَمْ يَسْجُدْ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَهَكَذَا كَلُّ مُسْلِمٍ، وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ قَبْلَ إِسْلَامِهِ فَهَذَا النَّفْيُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَا قَائِلُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ. وَيُقَالُ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ أَوْ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِكَبِيرَةٍ أَفْضَلُ مِمَّنْ تَابَ عَنْهَا مُطْلَقًا بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّائِبُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَمْ يَكْفُرْ وَلَمْ يَفْسُقْ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ [الْعَزِيزُ] (¬4) فَإِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا عَلَى الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا، وَأُولَئِكَ كُلُّهُمْ أَسْلَمُوا بَعْدَ [الْكُفْرِ] (¬5) . وَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَفَضَّلَ ¬

(¬1) أَئِمَّةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (¬2) بِالْإِجْمَاعِ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، وَفِي (س) : وَهُوَ. (¬4) الْعَزِيزُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬5) ن، س، ب: أَسْلَمُوا مِنْ بَعْدِ.

فصل البرهان الثاني عشر " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " والجواب عليه

السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ عَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأُولَئِكَ آمَنُوا بَعْدَ الْكُفْرِ، وَ [أَكْثَرُ] التَّابِعِينَ (¬1) وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ لُوطًا آمَنَ لِإِبْرَاهِيمَ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ نَبِيًّا. وَقَالَ شُعَيْبٌ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 89] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 13] . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ بِمَا أَخْبَرَ، ثُمَّ نَبَّأَهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ، وَهُمُ الْأَسْبَاطُ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِمَا أُوتُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ. وَإِذَا كَانَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ صَارَ نَبِيًّا، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا تُنَازِعُ فِيهِ الرَّافِضَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَيَقُولُونَ: مَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَنْبٌ لَا يَصِيرُ نَبِيًّا. وَالنِّزَاعُ فِيمَنْ أَسْلَمَ أَعْظَمُ، لَكِنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَالَّذِينَ مَنَعُوا مِنْ هَذَا عُمْدَتُهُمْ أَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ يَكُونُ نَاقِصًا مَذْمُومًا لَا يَسْتَحِقُّ النُّبُوَّةَ، وَلَوْ صَارَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ طَاعَةً. وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي نُوزِعُوا فِيهِ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَ [الْإِجْمَاعُ] يَدُلُّ (¬2) عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ فِيهِ. [فصل البرهان الثاني عشر " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الْبُرْهَانُ الثَّانِي عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} ¬

(¬1) ن، س: وَالتَّابِعِينَ، ب: وَالتَّابِعُونَ. (¬2) ن، س: وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلُّ، ب: وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ. (¬3) فِي (ك) ص 155 (م) . . . . إِلَخْ

[سُورَةُ مَرْيَمَ: 96] رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ (¬1) بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَلَيٍّ. وَالْوُدُّ مَحَبَّةٌ فِي الْقُلُوبِ الْمُؤْمِنَةِ. وَفِي تَفْسِيرِ (¬2) الثَّعْلَبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ (¬3) : يَا عَلِيُّ قُلْ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا، وَاجْعَلْ لِي فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ (¬4) مَوَدَّةً. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} » [سُورَةُ مَرْيَمَ: 96] ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ (¬5) ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ الْمَنْقُولِ، وَإِلَّا فَالِاسْتِدْلَالُ (¬6) بِمَا لَا تَثْبُتُ مُقَدِّمَاتُهُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مِنَ الْقَوْلِ بِلَا عِلْمٍ وَمِنْ قَفْوِ الْإِنْسَانِ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَمِنَ الْمُحَاجَّةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَالْعَزْوُ الْمَذْكُورُ لَا يُفِيدُ (¬7) الثُّبُوتَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنَ الْكَذِبِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬8) . ¬

(¬1) الْأَصْبَهَانِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬2) ك: عَلَيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: الْوُدُّ مَحَبَّتُهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ تَفْسِيرِ. (¬3) ك: لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬4) م: الْعَالَمِينَ. (¬5) ك: لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ. (¬6) م: الْمَنْقُولُ فِي الِاسْتِدْلَالِ. (¬7) ن، س، ب: لَا يَقْبَلُ. (¬8) لَمْ أَجِدْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " زَادِ الْمَسِيرِ " 5/266 266 مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَى ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ (¬1) قَوْلَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 96] عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِعَلِيٍّ، بَلْ هِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِعَلِيٍّ وَغَيْرِهِ (¬2) ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ (¬3) الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تُعَظِّمُهُمُ الشِّيعَةُ دَاخِلُونَ فِي الْآيَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِعَلِيٍّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَثْبُتْ مِثْلُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ " فَمَمْنُوعٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِيهِمْ أَفْضَلُ مِنْهُمْ فِي سَائِرِ الْقُرُونِ، وَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ قَرْنٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وُدًّا. وَهَذَا وَعْدٌ مِنْهُ صَادِقٌ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِلصَّحَابَةِ مَوَدَّةً فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ، لَا سِيَّمَا الْخُلَفَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَا سِيَّمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ; فَإِنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَوَدُّونَهُمَا (¬4) ، وَكَانُوا (¬5) خَيْرَ الْقُرُونِ. وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِيٌّ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ ¬

(¬1) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ وَانْظُرِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَهُوَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ يُنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةَ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (¬3) ن، س: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ، ب: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ. (¬4) ن، م، س: يَوَدُّوهُمَا. (¬5) م: وَهُمَا.

فصل البرهان الثالث عشر " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " والجواب عليه

وَيَسُبُّونَهُ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَدْ أَبْغَضَهُمَا وَسَبَّهُمَا الرَّافِضَةُ وَالنَّصِيرِيَّةُ وَالْغَالِيَةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ. لَكِنْ مَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ أَحَبُّوا ذَيْنِكَ (¬1) أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ، وَأَنَّ الَّذِينَ أَبْغَضُوهُمَا أَبْعَدُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَقَلُّ، بِخِلَافِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ الَّذِينَ أَبْغَضُوهُ وَقَاتَلُوهُ هُمْ خَيْرٌ مِنَ الَّذِينَ أَبْغَضُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ شِيعَةُ عُثْمَانَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيُبْغِضُونَ عَلِيًّا، وَإِنْ كَانُوا مُبْتَدِعِينَ ظَالِمِينَ، فَشِيعَةُ عَلِيٍّ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيُبْغِضُونَ عُثْمَانَ أَنْقَصُ مِنْهُمْ عِلْمًا وَدِينًا، وَأَكْثَرُ جَهْلًا وَظُلْمًا. فَعُلِمَ أَنَّ الْمَوَدَّةَ الَّتِي جُعِلَتْ لِلثَّلَاثَةِ أَعْظَمُ. وَإِذَا قِيلَ: عَلِيٌّ قَدِ ادُّعِيَتْ (¬2) فِيهِ الْإِلَهِيَّةُ وَالنُّبُوَّةُ. قِيلَ: قَدْ كَفَّرَتْهُ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا، وَأَبْغَضَتْهُ الْمَرْوَانِيَّةُ. وَهَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَضْلًا عَنِ الْغَالِيَةِ (¬3) . [فصل البرهان الثالث عشر " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " الْبُرْهَانُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 7] مِنْ كِتَابِ " الْفِرْدَوْسِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬5) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا ¬

(¬1) ن، م، س: أُولَئِكَ. (¬2) ن، ب: أُدْغِيَتْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) س، ب: الْغَالِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬4) فِي (ك) ص 155 (م) 156 (م) . (¬5) ك: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

الْمُنْذِرُ (¬1) وَعَلِيٌّ الْهَادِي، بِكَ (¬2) يَا عَلِيُّ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ» . وَنَحْوُهُ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وَالْإِمَامَةِ (¬3) ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ [بِهِ] (¬4) . وَكِتَابُ " الْفِرْدَوْسِ " لِلدَّيْلَمِيِّ (¬5) فِيهِ مَوْضُوعَاتٌ كَثِيرَةٌ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ رَوَاهُ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ لَا تَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬6) ، فَيَجِبُ تَكْذِيبُهُ وَرَدُّهُ. ¬

(¬1) ك: أَنَا النَّذِيرُ. (¬2) ك: وَبِكَ. (¬3) ك: فِي ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ وَالْوِلَايَةِ لَهُ. (¬4) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) هُوَ أَبُو شُجَاعٍ شِيرَوَيْهِ بْنُ شَهْرَدَارَ بْنِ فَنَاخِسْرُو الدَّيْلَمِيُّ الْهَمَذَانِيُّ، مُؤَرِّخٌ وَمُحَدِّثٌ وُلِدَ سَنَةَ 445 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 509 لَهُ كِتَابُ فِرْدَوْسِ الْأَخْبَارِ " كِتَابٌ كَبِيرٌ فِي الْحَدِيثِ، اخْتَصَرَهُ ابْنُ شَهْرَدَارَ ثُمَّ اخْتَصَرَ الْمُخْتَصَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 7/111 - 112 (وَقَالَ: وَكَانَ يُلَقَّبُ إِلْكِيَا) الْأَعْلَامِ 3/268 مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 4/313، كَشْفِ الظُّنُونِ 1254 (¬6) رَوَى الطَّبَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ فِي تَفْسِيرِهِ " ط الْمَعَارِفِ " 16/357 فَقَالَ " حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُسْلِمٍ بَيَّاعُ الْهَرَوَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " وَضَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَقَالَ: أَنَا الْمُنْذِرُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَنْكِبِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: " أَنْتَ الْهَادِي يَا عَلِيُّ، بِكَ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بَعْدِي ". قَالَ أُسْتَاذِي الْأُسْتَاذُ مَحْمُود مُحَمَّد شَاكِر فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ: " وَالْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَنْصَارِيُّ الْعُرَنِيُّ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: " الْعَرَنِيُّ " لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِي مَسْجِدِ " حَبَّةِ الْعَرَنِيِّ "، كَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الشِّيعَةِ، لَيْسَ بِصَدُوقٍ، وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانٍ: " يَأْتِي عَنِ الْأَثْبَاتِ بِالْمُلَزَّقَاتِ، وَيَرْوِي الْمَقْلُوبَاتِ وَالْمَنَاكِيرَ ". مُتَرْجَمٌ فِي ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ 1/2 \ 6 وَمِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/225 وَلِسَانِ الْمِيزَانِ 2/98 1 وَمُعَاذُ بْنُ مُسْلِمٍ بَيَّاعُ الْهَرَوَى، لَمْ يُذْكَرْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ " بَيَّاعِ الْهَرَوَى " فِي غَيْرِ التَّفْسِيرِ، وَالْهَرَوَى ثِيَابٌ تُنْسَبُ إِلَى هَرَاةَ، وَجَعَلَهَا فِي الْمَطْبُوعَةِ، " حَدَّثَنَا الْهَرَوَى " فَأَفْسَدَ الْإِسْنَادَ إِفْسَادًا. وَمُعَاذُ بْنُ مُسْلِمٍ مَجْهُولٌ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَهُوَ مُتَرْجَمٌ فِي ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ 4 248 وَمِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/178، وَلِسَانِ الْمِيزَانِ 6 وَهَذَا خَبَرٌ هَالِكٌ مِنْ نَوَاحِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَةِ " الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْأَنْصَارِيِّ " قَالَا بَعْدَ أَنْ سَاقَا الْخَبَرَ بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ وَنِسْبَتِهِ لِابْنِ جَرِيرٍ أَيْضًا: " مُعَاذٌ نَكِرَةٌ، فَلَعَلَّ الْآفَةَ مِنْهُ "، وَأَقُولُ: بَلِ الْآفَةُ مِنْ كِلَيْهِمَا: الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ ". وَانْظُرْ مَا ذُكِرَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي " مُخْتَصَرِ التُّحْفَةِ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ " ص 157

الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ قَوْلَهُ: «أَنَا الْمُنْذِرُ وَبِكَ يَا عَلِيُّ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ» ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ بِكَ يَهْتَدُونَ دُونِي، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ ; فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النِّذَارَةَ وَالْهِدَايَةَ مَقْسُومَةٌ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا نَذِيرٌ لَا يُهْتَدَى بِهِ، وَهَذَا هَادٍ [وَهَذَا] (¬1) لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ. الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ مُحَمَّدًا هَادِيًا فَقَالَ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - صِرَاطِ اللَّهِ} [سُورَةُ الشُّورَى: 52 - 53] فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْهَادِي مَنْ لَمْ يُوصَفْ بِذَلِكَ دُونَ مَنْ وُصِفَ بِهِ؟ ! الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " بِكَ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ " ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ مَنِ اهْتَدَى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَبِهِ اهْتَدَى، وَهَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ ; فَإِنَّهُ قَدْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاهْتَدَوْا بِهِ، وَدَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَأَكْثَرُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاهْتَدَوْا بِهِ لَمْ يَهْتَدُوا بِعَلِيٍّ فِي شَيْءٍ. وَكَذَلِكَ لَمَّا فُتِحَتِ الْأَمْصَارُ وَآمَنَ وَاهْتَدَى النَّاسُ بِمَنْ سَكَنَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، كَانَ جَمَاهِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَسْمَعُوا مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بِكَ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ؟ ! ¬

(¬1) وَهَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

السَّادِسُ: أَنَّهُ قَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَنْتَ نَذِيرٌ وَهَادٍ لِكُلِّ قَوْمٍ، قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهَا: إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ كَمَا أُرْسِلَ مِنْ قَبْلِكَ نَذِيرٌ (¬1) ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ نَذِيرٌ يَهْدِيهِمْ أَيْ يَدْعُوهُمْ (¬2) ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 24] وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِثْلَ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي الضُّحَى وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (¬3) : " حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا (¬4) يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ (¬5) حَدَّثَنَا [وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا] (¬6) سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ. وَمَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى: " {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} (¬7) {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} " قَالَا: مُحَمَّدٌ هُوَ الْمُنْذِرُ وَهُوَ الْهَادِي ". " حَدَّثَنَا يُونُسُ (¬8) ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ (¬9) ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لِكُلِّ قَوْمٍ نَبِيٌّ (¬10) . " الْهَادِي " النَّبِيُّ (¬11) وَالْمُنْذِرُ النَّبِيُّ أَيْضًا (¬12) . وَقَرَأَ: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} ¬

(¬1) ب: كَمَا أَرْسَلَ مِنْ قَبْلِكَ نَذِيرًا. (¬2) م: يَهْدِيهِمْ وَيَدْعُوهُمْ، س: يَهْدِي لَهُمْ أَيْ يَدْعُو لَهُمْ، ب: يَهْدِي لَهُمْ أَيْ يَدْعُو. (¬3) فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 16/353 - 354 (¬4) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ:. . بِشْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا. (¬5) أَدْمَجَ ابْنُ تَيْمِيَةَ السَّنَدَيْنِ مَعًا 20138، 20139 (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ: قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ (¬7) س، ب: نَذِيرٌ. (¬8) " حَدَّثَنَا يُونُسُ " هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَمَا بَعْدَهَا فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 16/356 وَفِيهِ: حَدَّثَنِي يُونُسُ. (¬9) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. (¬10) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ نَبِيٌّ. (¬11) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬12) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: أَيْضًا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[سُورَةُ فَاطِرٍ: 24] . وَقَرَأَ (¬1) : {نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 56] قَالَ: نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. " حَدَّثَنَا بَشَّارٌ (¬2) ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (¬3) ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " الْمُنْذِرُ " (¬4) مُحَمَّدٌ (¬5) ، " {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} " قَالَ: نَبِيٌّ. وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 71] ; إِذِ الْإِمَامُ [هُوَ] (¬6) الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ، أَيْ يُقْتَدَى بِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي يَهْدِيهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ بِعَلِيٍّ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ قَالَ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَادِي هَؤُلَاءِ غَيْرَ هَادِي هَؤُلَاءِ، فَيَتَعَدَّدُ الْهُدَاةُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ عَلِيٌّ هَادِيًا (¬7) لِكُلِّ قَوْمٍ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ؟ ! السَّابِعُ: أَنَّ الِاهْتِدَاءَ بِالشَّخْصِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ تَأْمِيرِهِ عَلَيْهِمْ، كَمَا يُهْتَدَى بِالْعَالِمِ. وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ فَبِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» (¬8) " فَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي أَنَّ الْإِمَامَةَ (¬9) كَمَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُفْتَرِي. ¬

(¬1) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: قَالَ. (¬2) عِبَارَةُ حَدَّثَنَا بَشَّارٌ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ قَبْلَ الْكَلَامِ السَّابِقِ 16/355 وَفِيهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: (¬3) س، ب: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ. (¬4) س، ب: النَّذِيرُ. (¬5) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬6) هُوَ: فِي (م) فَقَطْ. (¬7) م: فَكَيْفَ يَحْصُلُ هَادِيًا. (¬8) قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ نَاصِرُ الدَّيْنِ الْأَلْبَانِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ " 1/78 - 79 (حَدِيثُ رَقْمِ 58) إِنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنِ حَزْمٍ فِي هَذَا الصَّدَدِ. وَانْظُرِ الْأَحَادِيثَ التَّالِيَةَ: 59، 60، 61، 62 فَهِيَ مُقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ. (¬9) ن، س: فِي أَنَّ الْأُمَّةَ، ب: فِي ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ.

فصل البرهان الرابع عشر " وقفوهم إنهم مسئولون " والجواب عليه

الثَّامِنُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مُعَيَّنٍ، فَدَعْوَى دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى عَلِيٍّ بَاطِلٌ، وَالِاحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ لَيْسَ احْتِجَاجًا بِالْقُرْآنِ، مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ. التَّاسِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: كُلُّ قَوْمٍ صِيغَةُ عُمُومٍ. وَلَوْ أُرِيدَ أَنَّ هَادِيًا وَاحِدًا لِلْجَمِيعِ لَقِيلَ: لِجَمِيعِ النَّاسِ هَادٍ (¬1) . لَا يُقَالُ: (لِكُلِّ قَوْمٍ) ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ [غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ] (¬2) ، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ: لِجَمِيعِ الْقَوْمِ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ، بَلْ أَضَافَ " كُلًّا " إِلَى نَكِرَةٍ، لَمْ يُضِفْهُ إِلَى مَعْرِفَةٍ. كَمَا فِي قَوْلِكَ: " كُلُّ النَّاسِ يَعْلَمُ أَنَّ هُنَا (¬3) قَوْمًا وَقَوْمًا مُتَعَدِّدِينَ، وَأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ لَهُمْ هَادٍ لَيْسَ هُوَ هَادِيَ الْآخَرِينَ ". وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: [إِنَّ] (¬4) الْهَادِيَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَدَلَالَتُهُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: " هُوَ عَلِيٌّ أَظْهَرُ. [فصل البرهان الرابع عشر " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " الْبُرْهَانُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 24] مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ (¬6) عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} عَنْ وِلَايَةِ عَلِيٍّ. وَكَذَا فِي كِتَابِ " الْفِرْدَوْسِ " عَنْ أَبِي ¬

(¬1) ن، س: وَلَوْ أُرِيدَ أَنَّ هَادِيًا وَاحِدًا لِجَمِيعِ النَّاسِ لَقِيلَ: لِجَمِيعِ النَّاسِ هَادِيًا، ب: وَلَوْ أُرِيدَ أَنَّ هَادِيًا وَاحِدًا لِجَمِيعِ النَّاسِ لَقِيلَ لِجَمِيعِ النَّاسِ هَادٍ. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬3) م: هَذَا. (¬4) إِنَّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬5) فِي (ك) ص 156 (م) . (¬6) ك: الْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ.

سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) . وَإِذَا سُئِلُوا عَنِ الْوِلَايَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً لَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ (¬2) ، وَالْعَزْوُ إِلَى " الْفِرْدَوْسِ " وَإِلَى أَبِي نُعَيْمٍ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ (¬3) . الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ - وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ - وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ - وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ - أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ - أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ - قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ - فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ - وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ - هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ - احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ - مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ - وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ - مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ - بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ - وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ - قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ - قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ - وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ - فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ - فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ - فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ - إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ - إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ - وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ - بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} ¬

(¬1) ك: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬2) ن، م، س: الْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْلِ. (¬3) فِي " مُخْتَصَرِ التُّحْفَةِ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ "، ". . وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَاقِعَةٌ فِي فِرْدَوْسِ الدَّيْلَمِيِّ الْجَامِعِ لِلْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الْوَاهِيَةِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ وَقَعَ فِي سَنَدِهَا الضُّعَفَاءُ وَالْمَجَاهِيلُ الْكَثِيرُونَ.

[سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 12 - 37] . فَهَذَا خِطَابٌ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَهَؤُلَاءِ يُسْأَلُونَ عَنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَأَيُّ مَدْخَلٍ لِحُبِّ عَلِيٍّ فِي سُؤَالِ هَؤُلَاءِ تُرَاهُمْ لَوْ أَحَبُّوهُ مَعَ هَذَا الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ أَكَانَ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ أَوْ تُرَاهُمْ لَوْ أَبْغَضُوهُ أَيْنَ كَانَ بُغْضُهُمْ لَهُ فِي بُغْضِهِمْ لِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَدِينِهِ؟ وَمَا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِهَذَا، وَيَقُولُ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَهُ بِمِثْلِ هَذَا - إِلَّا زِنْدِيقٌ مُلْحِدٌ مُتَلَاعِبٌ بِالدِّينِ قَادِحٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ، لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ حُبِّ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ؟ ! وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ حُبِّ أَبِي بَكْرٍ، لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ أَبْعَدَ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنْ حُبِّ عَلِيٍّ، وَلَا فِي الْآيَةِ (¬1) مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَرْجَحُ، بَلْ دَلَالَتُهَا (¬2) عَلَى ثُبُوتِهِمَا وَانْتِفَائِهِمَا (¬3) سَوَاءٌ، وَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ (¬4) عَلَى وُجُوبِ حُبِّ أَبِي بَكْرٍ أَقْوَى. الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ " مَسْئُولُونَ " لَفْظٌ مُطْلَقٌ لَمْ يُوصَلْ [بِهِ] ضَمِيرٌ (¬5) يَخُصُّهُ بِشَيْءٍ، وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي ذِكْرَ حُبِّ عَلِيٍّ، فَدَعْوَى الْمُدَّعِي دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى سُؤَالِهِمْ عَنْ حُبِّ عَلِيٍّ مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ. ¬

(¬1) ن، م: الْوِلَايَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ن: دَلَالَتُهُمَا. (¬3) س: عَلَى ثُبُوتِهَا وَانْتِفَائِهَا، م: عَلَى ثُبُوتِهَا وَانْتِفَائِهِمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) الدَّالَّةُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) . (¬5) ن، س: لَمْ يُوصَلِ الضَّمِيرُ، ب: لَمْ يُوصَلْ بِضَمِيرٍ.

فصل البرهان الخامس عشر " ولتعرفنهم في لحن القول " والجواب عليه

الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ حُبِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَمْ يَكُنْ (¬1) إِبْطَالُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ إِلَّا وَإِبْطَالُ السُّؤَالِ عَنْ حُبِّ عَلِيٍّ أَقْوَى وَأَظْهَرُ. [فصل البرهان الخامس عشر " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْبُرْهَانُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] . رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ (¬3) بِإِسْنَادِهِ عَنْ (¬4) أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} قَالَ: بِبُغْضِهِمْ عَلِيًّا. وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ، فَيَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ، فَيَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ أَوَّلًا. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬5) . الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَهُ، فَمُجَرَّدُ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ الصَّاحِبِ إِذَا خَالَفَهُ صَاحِبٌ آخَرُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ ¬

(¬1) ن، س، ب: لَمْ يُمْكِنْ. (¬2) فِي (ك) ص 156 (م) . (¬3) ك: أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ. (¬4) ك: إِلَى. (¬5) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَةِ: " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ": أَيْ فِيمَا يَبْدُو مِنْ كَلَامِهِمُ الدَّالِّ عَلَى مَقَاصِدِهِمْ، يَفْهَمُ الْمُتَكَلِّمَ مِنْ أَيِّ الْحِزْبَيْنِ هُوَ بِمَعَانِي كَلَامِهِ وَفَحْوَاهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ لَحْنِ الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَبْدَاهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ. وَانْظُرْ: زَادَ الْمَسِيرِ 7/411

أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ عُلِمَ قَدْحُ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي عَلِيٍّ، وَإِنَّمَا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَا بِقَوْلِ آخَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ. الرَّابِعُ: أَنَّا نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ عَامَّةَ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُنْ مَا يُعْرَفُونَ بِهِ مِنْ (¬1) لَحْنِ الْقَوْلِ هُوَ بُغْضَ عَلِيٍّ، فَتَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِهَذَا فِرْيَةٌ ظَاهِرَةٌ. الْخَامِسُ: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ مُعَادَاةً لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ عُمَرَ، بَلْ * وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَذَّوْنَ مِنْهُ كَمَا يَتَأَذَّوْنَ مِنْ عُمَرَ، بَلْ وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَذَّوْنَ مِنْهُ إِلَّا وَكَانَ بُغْضُهُمْ لِعُمَرَ أَشَدَّ * (¬2) . السَّادِسُ: أَنَّهُ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ (¬3) ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» . وَقَالَ: «لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» (¬4) . فَكَانَ مَعْرِفَةُ الْمُنَافِقِينَ فِي لَحْنِهِمْ بِبُغْضِ الْأَنْصَارِ أَوْلَى. فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَصَحُّ مِمَّا يُرْوَى «عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: [إِنَّهُ] (¬5) لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» . فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيٍّ (¬6) ، وَالْبُخَارِيُّ أَعْرَضَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، بِخِلَافِ أَحَادِيثِ الْأَنْصَارِ، ¬

(¬1) ن، س، ب: فِي. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي (م) ، وَلَكِنْ فِيهَا فَكَانَ بُغْضُهُمْ إِلَخْ، وَفِي (ن) ، (س) وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَذَّوْنَ مِنْ عُمَرَ، بَلْ وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَذَّوْنَ مِنْهُ، فَكَانَ بُغْضُهُمْ لِعُمَرَ أَشَدَّ، وَفِي (ب) وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَذَّوْنَ مِنْهُ فَكَانَ بُغْضُهُمْ لِعُمَرَ أَشَدَّ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/297 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/297 (¬5) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (ب) . (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/396

فَإِنَّهَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الصَّحِيحِ كُلُّهُمْ: الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ يَقِينًا (¬1) أَنَّ النَّبِيَّ قَالَهُ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ قَدْ شَكَّ فِيهِ بَعْضُهُمْ. السَّابِعُ: أَنَّ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ كَثِيرَةٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ» (¬2) . فَهَذِهِ عَلَامَاتٌ ظَاهِرَةٌ. فَعُلِمَ أَنَّ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ لَا تَخْتَصُّ بِحُبِّ شَخْصٍ أَوْ طَائِفَةٍ وَلَا بُغْضِهِمْ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْعَلَامَاتِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا لِلَّهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ، فَذَلِكَ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى إِيمَانِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ الْأَنْصَارَ ; لِأَنَّهُمْ نَصَرُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ إِيمَانِهِ، وَمَنْ أَبْغَضَ عَلِيًّا وَالْأَنْصَارَ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ ; فَهُوَ مُنَافِقٌ. وَأَمَّا مَنْ أَحَبَّ الْأَنْصَارَ أَوْ عَلِيًّا أَوْ غَيْرَهُمْ لِأَمْرٍ طَبِيعِيٍّ مِثْلِ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ كَمَحَبَّةِ أَبِي طَالِبٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَنْ غَلَا فِي الْأَنْصَارِ، أَوْ فِي عَلِيٍّ أَوْ فِي الْمَسِيحِ أَوْ فِي نَبِيٍّ فَأَحَبَّهُ وَاعْتَقَدَ فِيهِ فَوْقَ مَرْتَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحِبَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ، إِنَّمَا أَحَبَّ مَا لَا وُجُودَ لَهُ، كَحُبِّ النَّصَارَى لِلْمَسِيحِ، فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ. وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ لَا تَنْفَعُهُمْ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَنْفَعُ الْحُبُّ لِلَّهِ، لَا الْحُبُّ مَعَ اللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} ¬

(¬1) يَقِينًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/82

وَمَنْ قُدِّرَ أَنَّهُ سَمِعَ عَنْ بَعْضِ الْأَنْصَارِ أَمْرًا يُوجِبُ (¬1) بُغْضَهُ فَأَبْغَضَهُ لِذَلِكَ، كَانَ ضَالًّا مُخْطِئًا، وَلَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَقَدَ فِي بَعْضِ الصَّحَابَةِ اعْتِقَادًا غَيْرَ مُطَابِقٍ، وَظَنَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا فَأَبْغَضَهُ لِذَلِكَ كَانَ جَاهِلًا ظَالِمًا وَلَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا. وَهَذَا مِمَّا يُبَيَّنُ بِهِ كَذِبُ مَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَجَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: " مَا كُنَّا نَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِبُغْضِهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ " فَإِنَّ هَذَا النَّفْيَ مِنْ أَظْهَرِ الْأُمُورِ كَذِبًا، لَا يَخْفَى بُطْلَانُ هَذَا النَّفْيِ عَلَى [آحَادِ النَّاسِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَخْفَى مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى] (¬2) جَابِرٍ أَوْ نَحْوِهِ. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَصِفَاتِهِمْ أُمُورًا مُتَعَدِّدَةً، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بُغْضُ عَلِيٍّ. كَقَوْلِهِ (¬3) {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 49] . وَقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 58] . وَقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 61] . وَقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} ¬

(¬1) ب: مَا يُوجِبُ (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬3) ن، م، س: وَكَقَوْلِهِ

[سُورَةُ التَّوْبَةِ: 75] إِلَى قَوْلِهِ {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 77] . إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِفُ بِهَا الْمُنَافِقِينَ (¬1) ، وَذَكَرَ عَلَامَاتِهِمْ وَذَكَرَ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِلنِّفَاقِ. وَكُلُّ مَا كَانَ مُوجِبًا لِلنِّفَاقِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَعَلَامَةٌ لَهُ. فَكَيْفَ يَجُوزُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَكُنْ لِلْمُنَافِقِينَ عَلَامَةٌ [يُعْرَفُونَ بِهَا] (¬2) غَيْرُ (¬3) بُغْضِ عَلِيٍّ؟ وَقَدْ كَانَ مِنْ عَلَامَتِهِمُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ حَافِظُوا عَلَى [هَؤُلَاءِ] (¬4) الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ (¬5) ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللَّهَ (¬6) شَرَعَ لِنَبِيِّهِ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّكُمْ لَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، (¬7) وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ (¬8) لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا (¬9) إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ (¬10) " ¬

(¬1) ن، س، ب: الَّتِي وُصِفَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ. (¬2) يُعْرَفُونَ بِهَا: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) م: إِلَّا. (¬4) هَؤُلَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬5) س، ب: إِلَيْهِنَّ. (¬6) ن، س، ب: وَاللَّهُ. (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬9) ن، س: مِنْهَا. (¬10) الْأَثَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/453 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى) ، وَجَاءَ الْأَثَرُ مَرَّتَيْنِ 256، 257، وَهُوَ مُطَوَّلٌ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَأَوَّلُهُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ) وَالْأَثَرُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/255 - 216 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي التَّشْدِيدِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/84 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/255 - 256 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ، بَابُ الْمَشْيِ إِلَى الصَّلَاةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 1/382، 414 - 415، 419، 455

وَعَامَّةُ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ وَأَسْبَابِهِ لَيْسَتْ فِي أَحَدٍ مِنْ أَصْنَافِ الْأُمَّةِ أَظْهَرَ مِنْهَا فِي الرَّافِضَةِ، حَتَّى يُوجَدَ فِيهِمْ مِنَ النِّفَاقِ الْغَلِيظِ الظَّاهِرِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ. وَشِعَارُ دِينِهِمْ " التَّقِيَّةُ " الَّتِي هِيَ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، وَهَذَا عَلَامَةُ النِّفَاقِ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ - وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 166 - 167] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 74] (¬1) . وَقَالَ تَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 10] وَفِيهَا قِرَاءَتَانِ (¬2) : يَكْذِبُونَ، وَيُكَذِّبُونَ (¬3) . وَفِي الْجُمْلَةِ [فَعَلَامَاتُ] (¬4) النِّفَاقِ مِثْلُ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَإِخْلَافِ (¬5) الْوَعْدِ وَالْغَدْرِ لَا يُوجَدُ فِي طَائِفَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الرَّافِضَةِ. وَهَذَا مِنْ صِفَاتِهِمُ الْقَدِيمَةِ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَغْدِرُونَ بِعَلِيٍّ وَبِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ¬

(¬1) زَادَتْ (ن) ، (س) ، (ب) : وَمَا نَقَمُوا. (¬2) س، ب: قِرَاءَاتٌ. (¬3) انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/284 (¬4) فَعَلَامَاتُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬5) ن، س: وَاخْتِلَافِ، م: وَاخْتَلَفَ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ (¬1) ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» (¬2) . وَهَذَا لِبَسْطِهِ مَوْضُوعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: لَا عَلَامَةَ لِلنِّفَاقِ إِلَّا بُغْضُ عَلِيٍّ، وَلَا يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَكِنَّ الَّذِي قَدْ يُقَالُ: إِنَّ بُغْضَهُ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ: «لَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» (¬3) ، فَهَذَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ، فَإِنَّهُ مَنْ عَلِمَ مَا قَامَ بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، ثُمَّ أَبْغَضَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ. وَنِفَاقُ مَنْ يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ أَظْهَرُ ; فَإِنَّ الْأَنْصَارَ قَبِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لَهُمْ مَدِينَةٌ، وَهُمُ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ الْمُهَاجِرِينَ، وَبِالْهِجْرَةِ إِلَى دَارِهِمْ عَزَّ الْإِيمَانُ، وَاسْتَظْهَرَ أَهْلُهُ، وَكَانَ لَهُمْ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِهِمْ، وَلَا لِقَبِيلَةٍ سِوَاهُمْ، فَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ. وَمَعَ هَذَا فَلَيْسُوا بِأَفْضَلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، بَلِ الْمُهَاجِرُونَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ بُغْضِ الشَّخْصِ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَا يَشُكُّ مَنْ عَرَفَ أَحْوَالَ الصَّحَابَةِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ أَشَدَّ عَدَاوَةً لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي نَصْرِ الْإِسْلَامِ وَإِعْزَازِهِ ¬

(¬1) م: خَلَفَ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/375 (¬3) أَوَّلُ الْحَدِيثِ " إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ: لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُنِي. . إِلَخْ، وَسَبَقَ فِيمَا مَضَى 4/296

فصل البرهان السادس عشر " والسابقون السابقون أولئك المقربون " والجواب عليه

وَإِذْلَالِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ أَعْدَاءَ الرَّسُولِ يُبْغِضُونَهُ أَعْظَمَ مِمَّا يُبْغِضُونَ عَلِيًّا. وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي قَتَلَ عُمَرَ كَافِرًا يُبْغِضُ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَيُبْغِضُ الرَّسُولَ وَأُمَّتَهُ فَقَتَلَهُ بُغْضًا لِلرَّسُولِ وَدِينِهِ وَأُمَّتِهِ. وَالَّذِي قَتَلَ عَلِيًّا كَانَ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَقَتَلَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُحِبُّ قَتْلَ عَلِيٍّ، وَفَعَلَ ذَلِكَ مَحَبَّةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ - فِي زَعْمِهِ - وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَالًّا مُبْتَدِعًا. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النِّفَاقَ فِي بُغْضِ عُمَرَ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي بُغْضِ عَلِيٍّ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الرَّافِضَةُ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ نِفَاقًا كَانُوا يُسَمُّونَ عُمَرَ فِرْعَوْنَ الْأُمَّةِ. وَكَانُوا يُوَالُونَ أَبَا لُؤْلُؤَةَ - قَاتَلَهُ اللَّهُ - الَّذِي هُوَ مِنْ أَكْفِرِ الْخَلْقِ وَأَعْظَمِهِمْ عَدَاوَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ (¬1) . [فصل البرهان السادس عشر " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : الْبُرْهَانُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ - أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 10 - 11] (¬3) . رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ (¬4) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬5) فِي هَذِهِ الْآيَةِ: سَابِقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ¬

(¬1) ن: وَرَسُولِهِ س، ب: وَرَسُولِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (¬2) فِي (ك) ص 156، (م) ، 157 (م) . (¬3) ن، م، س: " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ". (¬4) ك: أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ. (¬5) ن، س، ب: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:.

عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. رَوَى (¬1) الْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ (¬2) الشَّافِعِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} قَالَ: سَبَقَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى مُوسَى، وَسَبَقَ مُوسَى إِلَى هَارُونَ، وَسَبَقَ صَاحِبُ يس إِلَى عِيسَى، وَسَبَقَ عَلِيٌّ إِلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬3) . وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ (¬4) ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ كَثِيرٌ فِيمَا يَرْوِيهِ هَذَا وَهَذَا. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ (¬5) لَمْ يَكُنْ حُجَّةً إِذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ (¬6) . الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] ¬

(¬1) ك: وَرَوَى. (¬2) ب: ابْنُ الْمُغَازِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ك: سَبَقَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَبَقَ مُوسَى إِلَى فِرْعَوْنَ، وَصَاحِبُ يس إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَبَقَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬4) ك: فَيَكُونُ أَفْضَلَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ. (¬5) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬6) قَالَ شَاهْ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّهْلَوِيُّ (مُخْتَصَرُ التُّحْفَةِ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ ص 158 - 159) " وَمَدَارُ إِسْنَادِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْقَرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: هُوَ شِيعِيٌّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعًا إِذْ فِيهِ مِنْ أَمَارَاتِ الْوَضْعِ أَنَّ صَاحِبَ يَاسِينَ لَمْ يَكُنْ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى بَلْ بِرُسُلِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الْكِتَابِ. . . إِلَخْ ".

وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ فَاطِرٍ: 32] . وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ هُمُ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، الَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ وَدَخَلَ فِيهِمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ سَابِقَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاحِدٌ؟ ! الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: " وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ " مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّ النَّاسَ مُتَنَازِعُونَ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ، فَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ، فَهُوَ أَسْبَقُ إِسْلَامًا مِنْ عَلِيٍّ. وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ قَبْلَهُ. لَكِنْ عَلِيٌّ كَانَ صَغِيرًا، وَإِسْلَامُ الصَّبِيِّ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي بَكْرٍ أَكْمَلُ وَأَنْفَعُ، فَيَكُونُ هُوَ أَكْمَلَ سَبْقًا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَسْبَقَ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. فَكَيْفَ يُقَالُ: عَلِيٌّ أَسْبَقُ مِنْهُ بِلَا حُجَّةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. الْخَامِسُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فَضَّلَتِ السَّابِقِينَ (¬1) الْأَوَّلِينَ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَسْبَقَ إِلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ. وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّابِقِينَ أَفْضَلُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] ، فَالَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْقِتَالِ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّ الْفَتْحَ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ السَّابِقُونَ قَدْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَيْسَ ¬

(¬1) س، ب: أَنَّ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةَ لِلسَّابِقِينَ.

فِي الْآيَتَيْنِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مُطْلَقًا، بَلْ قَدْ يَسْبِقُ (¬1) إِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ سَبَقَهُ غَيْرُهُ إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْقِتَالِ. وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَكْثَرِهِمْ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ، وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَطُّ قَالَ: إِنَّ الزُّبَيْرَ وَنَحْوَهُ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ، وَالزُّبَيْرُ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. وَلَا قَالَ مَنْ يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِ [الْعِلْمِ] (¬2) : إِنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ بِالسَّبْقِ إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْقِتَالِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخَصُّ بِهَذَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُجَاهِدْ قَبْلَهُ أَحَدٌ: لَا بِيَدِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ، بَلْ هُوَ مِنْ حِينِ آمَنَ بِالرَّسُولِ يُنْفِقُ مَالَهُ وَيُجَاهِدُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَاشْتَرَى مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَكَانَ يُجَاهِدُ مَعَ الرَّسُولِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ (¬3) وَبَعْدَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ (¬4) . كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 52] فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَسْبَقَ النَّاسِ وَأَكْمَلَهُمْ فِي أَنْوَاعِ الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ (¬5) فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ - أَبُو بَكْرٍ» (¬6) . وَالصُّحْبَةُ بِالنَّفْسِ، وَذَاتُ الْيَدِ هُوَ الْمَالُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَنُّ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ. ¬

(¬1) م: سَبَقَ. (¬2) الْعِلْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) م، س، ب: عَلَيْنَا. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 - 513

فصل البرهان السابع عشر " الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم " والجواب عليه

[فصل البرهان السابع عشر " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} الْآيَاتِ [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 20] . رَوَى رَزِينُ بْنُ مُعَاوِيَةَ (¬2) فِي " الْجَمْعِ بَيْنَ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ " أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لَمَّا افْتَخَرَ طَلْحَةُ بْنُ شَيْبَةَ وَالْعَبَّاسُ. وَهَذِهِ لَمْ تَثْبُتْ (¬3) لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ (¬4) ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَرَزِينٌ (¬5) قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ فِي الصِّحَاحِ. الثَّانِي: أَنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ رَزِينٍ، بَلِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ مَا رَوَاهُ (¬6) «النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ: لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَسْقِيَ الْحَاجَّ. وَقَالَ آخَرُ لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ ¬

(¬1) فِي (ك) ، ص 157 (م) . (¬2) ك: زَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. (¬3) ك: وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ لَمْ تَحْصُلْ. (¬4) ن، س، ب: فَيَكُونُ هُوَ أَفْضَلَ. (¬5) أَبُو الْحَسَنِ رَزِينُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ الْعَبْدَرِيُّ السَّرَقُسْطِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 535 وَكَانَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَمِنْ تَصَانِيفِهِ " التَّجْرِيدُ لِلصِّحَاحِ السِّتَّةِ " انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/106 رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، ص 286، مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 4/155 - 156، الْأَعْلَامِ 3/46 (¬6) ن، س، ب: مَا رَوَى.

أُعَمِّرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَقَالَ آخَرُ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، وَقَالَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمْعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا» (¬1) [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 19] أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (¬2) . وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ الَّذِي فَضَّلَ بِهِ الْجِهَادَ عَلَى السَّدَانَةِ وَالسِّقَايَةِ - أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ فَضَّلَ السَّدَانَةَ وَالسِّقَايَةَ، وَأَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَعْلَمَ بِالْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّنْ نَازَعَهُ فِيهَا. وَهَذَا صَحِيحٌ. وَعُمَرُ قَدْ وَافَقَ رَبَّهُ فِي عِدَّةِ أُمُورٍ، يَقُولُ شَيْئًا وَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ. «قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 125] ، وَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ بِالْحِجَابِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَقَالَ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} ، فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ» (¬3) . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ. وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ تَصْوِيبِ عَلِيٍّ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بِالْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، فَهَذَا ثَابِتٌ لِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا، فَلَيْسَ هَاهُنَا فَضِيلَةٌ اخْتَصَّ بِهَا عَلِيٌّ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ. ¬

(¬1) س، ب: إِلَخْ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 3/1449 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/269 وَانْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/25 - 26 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/22 وَأَوَّلُهُ: " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ ". . .

فصل البرهان الثامن عشر " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " والجواب عليه

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ اخْتَصَّ بِمَزِيَّةٍ فَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ الْإِمَامَةِ، وَلَا مُوجِبَةً لِأَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مُطْلَقًا. فَإِنَّ الْخَضِرَ لَمَّا عَلِمَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ لَمْ يَعْلَمْهَا مُوسَى لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ مِنْ مُوسَى مُطْلَقًا، وَالْهُدْهُدُ لَمَّا قَالَ لِسُلَيْمَانَ: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 22] لَمْ يَكُنْ أَعْلَمَ مِنْ سُلَيْمَانَ مُطْلَقًا. الرَّابِعُ: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَعْلَمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَعْلَمْهَا؟ فَدَعْوَى اخْتِصَاصِهِ بِعِلْمِهَا بَاطِلٌ، فَبَطَلَ الِاخْتِصَاصُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. بَلْ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ جِهَادَ أَبِي بَكْرٍ بِمَالِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِهَادِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُوسِرًا، قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ» (¬1) وَعَلِيٌّ كَانَ فَقِيرًا، وَأَبُو بَكْرٍ أَعْظَمُ جِهَادًا بِنَفْسِهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (¬2) -. [فصل البرهان الثامن عشر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الْبُرْهَانُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21 وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ ضِمْنَ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/270 - 271 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ. .، بَابُ 52) وَنَصُّهُ: " مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ، مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِيهِ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. (¬2) س، ب: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬3) فِي (ك) 157 (م) .

[سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 12] (¬1) مِنْ طَرِيقِ الْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بِتَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ، وَبَخِلُوا أَنْ يَتَصَدَّقُوا قَبْلَ كَلَامِهِ، وَتَصَدَّقَ عَلِيٌّ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ. وَمِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ لَعَلِيٍّ ثَلَاثَةٌ لَوْ كَانَتْ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ: تَزْوِيجُهُ فَاطِمَةَ، وَإِعْطَاؤُهُ (¬2) الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَآيَةُ النَّجْوَى. وَرَوَى رَزِينُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي " الْجَمْعِ بَيْنَ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ " عَنْ عَلِيٍّ: مَا عَمِلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ غَيْرِي، وَبِي خَفَّفَ اللَّهُ (¬3) عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِ عَلَيْهِمْ، فَيَكُونُ هُوَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ " (¬4) . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا الَّذِي ثَبَتَ فَهُوَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقَ وَنَاجَى، ثُمَّ نُسِخَتِ الْآيَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا غَيْرُهُ (¬5) ، لَكِنَّ الْآيَةَ لَمْ تُوجِبِ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ أَمَرَهُمْ إِذَا نَاجَوْا أَنْ يَتَصَدَّقُوا، فَمَنْ لَمْ يُنَاجِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ. وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الْمُنَاجَاةُ وَاجِبَةً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مَلُومًا إِذَا تَرَكَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَمَنْ كَانَ فِيهِمْ (¬6) عَاجِزًا عَنِ الصَّدَقَةِ وَلَكِنْ لَوْ قَدَرَ لَنَاجَى ¬

(¬1) ك:. . صَدَقَةً الْآيَةَ. (¬2) ك: وَإِعْطَاءُ. (¬3) لَفْظُ الْجَلَالَةِ لَيْسَ فِي س، (ب) . (¬4) ك: عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ. (¬5) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ 12 مِنْ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ: " وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ نَسْخِهَا سِوَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "، ثُمَّ قَالَ: " وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. . . نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً - إِلَى - فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَدِّمُونَ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى صَدَقَةً، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ نُسِخَ هَذَا ". (¬6) ب: مِنْهُمْ.

فَتَصَدَّقَ، فَلَهُ نِيَّتُهُ وَأَجْرُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ سَبَبٌ يُنَاجِي لِأَجْلِهِ لَمْ يُجْعَلْ نَاقِصًا، وَلَكِنْ مَنْ عَرَضَ لَهُ سَبَبٌ اقْتَضَى الْمُنَاجَاةَ فَتَرَكَهُ بُخْلًا، فَهَذَا قَدْ تَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْهَدَ عَلَى الْخُلَفَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَتُهُمْ (¬1) حَاضِرِينَ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، بَلْ يُمْكِنُ غَيْبَةُ بَعْضِهِمْ، وَيُمْكِنُ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ، وَيُمْكِنُ عَدَمُ الدَّاعِي إِلَى الْمُنَاجَاةِ. وَلَمْ يَطُلْ زَمَانُ عَدَمِ نَسْخِ الْآيَةِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ لَا بُدَّ أَنْ تَعْرِضَ فِيهِ حَاجَةٌ إِلَى الْمُنَاجَاةِ. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ تَرْكَ الْمُسْتَحَبَّ، فَقَدْ بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مُسْتَحَبًّا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ جِنَازَةً؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " هَلْ فِيكُمْ مَنْ عَادَ مَرِيضًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " هَلْ فِيكُمْ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: " مَا اجْتَمَعَ لِعَبْدٍ هَذِهِ الْخِصَالُ إِلَّا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» (¬2) . وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهَا لِعَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي يَوْمٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ¬

(¬1) ب: أَنَّهُمْ ثَلَاثَتُهُمْ كَانُوا. (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 2/713 (كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ مَنْ جَمَعَ الصَّدَقَةَ وَأَعْمَالَ الْبِرِّ) .

أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» (¬1) . وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا لِغَيْرِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ (¬2) فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ! ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: * فَإِنِّي أُؤْمِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " وَ [مَا] هُمَا ثَمَّ» (¬3) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - * (¬4) : «بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهَا الذِّئْبُ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ، فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ [لَهَا] (¬5) رَاعٍ غَيْرِي؟ ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَإِنِّي أُؤْمِنُ بِذَلِكَ: أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " وَهُمَا ثَمَّ» (¬6) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/24 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ الرَّيَّانِ لِلصَّائِمِينَ) 4/26 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) 4/119 (كِتَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ، بَابُ صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ) 5/6 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. . .) ، مُسْلِمٍ 2/711 - 713 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَنْ جَمَعَ الصَّدَقَةَ وَأَعْمَالَ الْبِرِّ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/376 - 277 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ. . .، بَابُ 60) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ. (¬2) ن: الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، م: الْتَفَتَتْ عَلَيْهِ. (¬3) ن: وَهُمَا ثَمَّ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) . (¬5) لَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (ب) . (¬6) الْحَدِيثُ بِشِقَّيْهِ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3 - 104 (كِتَابُ الْوِكَالَةِ بَابُ اسْتِعْمَالِ الْبَقَرِ لِلْحِرَاثَةِ) 4/174 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) 5/5 - 6 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. .، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ) مُسْلِمٍ 4/1857 - 1858 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ. .، بَابُ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/279 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ بَابُ رَقْمِ 64) ، الْمُسْنَدِ " ط. الْمَعَارِفِ " 13/71

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ» (¬1) . وَهَذَا صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِهِ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ، لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ. لَا يَبْقَيَنَّ بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» (¬2) . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: " أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي» (¬3) ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ (ص 159 (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ (ص 156 (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/295 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْخُلَفَاءِ) ، وَنَصُّ الْحَدِيثِ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي ". قَالَ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ: اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ فَكَيْفَ إِذَا انْفَرَدَ عَنْهُمْ بِالْمُعْضِلَاتِ "، وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3 وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: خ م (أَيْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ) ، رَوَاهُ الْمُحَارِبِيُّ عَنْهُ "، وَلَكِنْ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " أَنَّ الْحَدِيثَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْمُسْتَدْرَكِ، وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/71.

وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ «عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: أَمَرَنَا (¬1) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ (¬2) مِنِّي مَالًا، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ. قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ " قُلْتُ: مِثْلُهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ. فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قُلْتُ: لَا أُسَابِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا» (¬3) . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ (¬4) ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ ". وَقَالَ: إِنَّهُ (¬5) كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثًا. ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ (¬6) : أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالُوا: لَا. فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فَسَلَّمَ عَلَيْهِ] (¬7) فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: ¬

(¬1) م: أَمَرَ. (¬2) م: وَوَافَقَ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/52 (¬4) س: حَتَّى إِذَا أَبْدَى عَنْ رُكْبَتَيْهِ. (¬5) ن، م، س: إِنِّي. (¬6) ن، م، س: فَقَالَ. (¬7) فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي (ب) فَقَطْ.

يَا رَسُولَ اللَّهِ، [وَاللَّهِ] (¬1) أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ (¬2) . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ (¬3) ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي؟ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي؟ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا " وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: " [إِنِّي] (¬4) قُلْتُ [: أَيُّهَا النَّاسُ] (¬5) إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ» (¬6) . وَفِي التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ» (¬7) . وَتَجْهِيزُ عُثْمَانَ بِأَلْفِ بَعِيرٍ أَعْظَمُ مِنْ صَدَقَةِ عَلِيٍّ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ، فَإِنَّ الْإِنْفَاقَ فِي الْجِهَادِ كَانَ فَرْضًا، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ أَمَامَ النَّجْوَى فَإِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِمَنْ يُرِيدُ النَّجْوَى (¬8) ، فَمَنْ لَمْ يُرِدْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ. وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَنْصَارِ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 9] ¬

(¬1) وَاللَّهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) . (¬2) م: كَذَبَ. (¬3) أ، س، ب: صَدَقْتَ. (¬4) إِنِّي: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬5) أَيُّهَا النَّاسُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬6) ن: صَدَقَ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/5 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ) 6/60 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَعْرَافِ، بَابُ " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ") وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 26 (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/276 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، بَابُ رَقْمِ 59) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي " الْفَتْحِ الْكَبِيرِ " 3/373 وَقَالَ: إِنَّهُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَزِيَادَتِهِ " 6/96 " ضَعِيفٌ جِدًّا ". (¬8) س، ب: بِمُرِيدِ النَّجْوَى.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ. فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا (¬1) مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. ثُمَّ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا (¬2) وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. فَقَالَ: " مَنْ يُضِيفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؟ " فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَانْطَلَقَ (¬3) بِهِ إِلَى رَحْلِهِ (¬4) ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ: لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِنَا. فَقَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى (¬5) لِيَأْكُلَ (¬6) فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ (¬7) . قَالَ: فَقَعَدُوا [فَأَكَلَ الضَّيْفُ] (¬8) فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى (¬9) رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: " قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صُنْعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ ". وَفِي رِوَايَةٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} » [سُورَةُ الْحَشْرِ: 9] ) (¬10) . ¬

(¬1) م: نَبِيًّا سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) ن، م: فَانْطَلَقَ. (¬4) م: رَاحِلِهِ. (¬5) ن، س، ب: فَإِذَا هَوَى. (¬6) لِيَأْكُلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬7) ن، س: تُطْفِيهِ. (¬8) فَأَكَلَ الضَّيْفُ فِي (م) فَقَطْ. (¬9) م: إِلَى. (¬10) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي الْبُخَارِيِّ 5 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ") 6/148 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ بَابُ سُورَةِ الْحَشْرِ) ، مُسْلِمٍ 3/1624 - 1625 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَفَضْلِ إِيثَارِهِ) .

فصل البرهان التاسع عشر " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " والجواب عليه

وَبِالْجُمْلَةِ فَبَابُ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ، لَكَثِيرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فِيهِ مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِعَلِيٍّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [فصل البرهان التاسع عشر " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : الْبُرْهَانُ التَّاسِعَ عَشَرَ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 45] قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا (¬2) : «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ (¬3) ثُمَّ قَالَ: سَلْهُمْ يَا مُحَمَّدُ عَلَامَ بُعِثْتُمْ؟ قَالُوا: بُعِثْنَا (¬4) عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَلَى الْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِكَ وَالْوِلَايَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» . وَهَذَا صَرِيحٌ بِثُبُوتِ الْإِمَامَةِ لِعَلِيٍّ (¬5) ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ بِالصِّحَّةِ. وَقَوْلُنَا فِي هَذَا الْكَذِبِ الْقَبِيحِ وَأَمْثَالِهِ: الْمُطَالَبَةُ بِالصِّحَّةِ، لَيْسَ بِشَكٍّ مِنَّا فِي أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ مِنْ أَسْمَجِ الْكَذِبِ وَأَقْبَحِهِ، لَكِنْ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَأَنَّ هَذَا لَوْ [لَمْ] يُعْلَمْ (¬6) أَنَّهُ كَذِبٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ صِدْقُهُ ; فَإِنَّ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 157 (م) 158 (م) . (¬2) ك ص 158 م: أَيْضًا قَالَ. (¬3) ك: الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. (¬4) ك:. . بُعِثْتُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: عَلَى مَاذَا بُعِثْتُمْ يَا أَنْبِيَاءَ اللَّهِ؟ فَقَالُوا: بُعِثْنَا. . (¬5) ك: فِي ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (¬6) ن، س: لَوْ يُعْلَمُ، هُوَ خَطَأٌ.

الِاسْتِدْلَالَ بِمَا لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ، وَهُوَ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى (¬1) أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ (¬2) . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مِمَّا يَعْلَمُ مَنْ لَهُ عِلْمٌ وَدِينٌ أَنَّهُ (¬3) مِنَ الْكَذِبِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا يُصَدِّقُ بِهِ مَنْ لَهُ عَقْلٌ وَدِينٌ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِقُ مِثْلَ هَذَا أَهْلُ الْوَقَاحَةِ وَالْجَرَاءَةِ فِي الْكَذِبِ، فَإِنَّ الرُّسُلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَيْفَ يُسْأَلُونَ عَمَّا لَا يَدْخُلُ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ؟ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَطَاعَهُ، وَمَاتَ فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانُ بِوَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ؟ ! وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ. هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، كَمَا (¬4) قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 81] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 81] (¬5) . ¬

(¬1) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (ب) . (¬2) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬3) م: أَنَّ هَذَا. (¬4) كَمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) الْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ " ط. الْمَعَارِفِ " 6/555 - 557 تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ (ط. الشَّعْبِ) 2/56 زَادِ الْمَسِيرِ 1/414 - 415

فَأَمَّا الْإِيمَانُ بِتَفْصِيلِ مَا بُعِثَ بِهِ [مُحَمَّدٌ] (¬1) فَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ مُوَالَاةُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟ الرَّابِعُ: أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 45] . لَيْسَ فِي هَذَا سُؤَالٌ لَهُمْ بِمَاذَا بُعِثُوا؟ (¬2) . الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنَّهُمْ بُعِثُوا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ. إِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْعَثُوا إِلَّا بِهَا، فَهَذَا كَذِبٌ عَلَى الرُّسُلِ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا أُصُولُ مَا بُعِثُوا بِهِ، فَهَذَا أَيْضًا كَذِبٌ فَإِنَّ أُصُولَ الدِّينِ الَّتِي بُعِثُوا بِهَا: مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأُصُولَ (¬3) الشَّرَائِعِ، [أَهَمُّ] (¬4) عِنْدَهُمْ مِنْ ذِكْرِ الْإِيمَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيٍّ غَيْرِهِمْ، بَلْ وَمِنَ الْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِمُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مُجْمَلًا، كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الْإِقْرَارُ بِنُبُوَّاتِهِمْ مُجْمَلًا، لَكِنْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِشَرْعِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا. وَأَمَّا الْإِيمَانُ بِشَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَهُوَ ¬

(¬1) مُحَمَّدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَةِ: وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ " أَيْ: جَمِيعُ الرُّسُلِ دَعَوْا إِلَى مَا دَعَوْتَ النَّاسَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَهَوْا عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، كَقَوْلِهِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ: " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ". وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: وَاسْأَلْهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جُمِعُوا لَهُ، وَانْظُرْ زَادَ الْمَسِيرِ 7/318 - 320 (¬3) م: بِأُصُولِ. (¬4) أَهَمُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

فصل البرهان العشرون " وتعيها أذن واعية " والجواب عليه

وَاجِبٌ عَلَى أُمَمِهِمْ، [فَكَيْفَ يَتْرُكُونَ ذِكْرَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى أُمَمِهِمْ] (¬1) وَيَذْكُرُونَ مَا لَيْسَ هُوَ الْأَوْجَبَ؟ الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَانَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ. قِيلَ: إِنَّهَا سَنَةٌ وَنِصْفٌ. وَقِيلَ: إِنَّهَا خَمْسُ سِنِينَ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَكَانَ عَلِيٌّ صَغِيرًا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هِجْرَةٌ وَلَا جِهَادٌ وَلَا أَمْرٌ يُوجِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ. وَالْأَنْبِيَاءُ لَمْ [يَكُنْ] (¬2) يُذْكَرُ عَلِيٌّ فِي كُتُبِهِمْ أَصْلًا، وَهَذِهِ كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ [الْمَوْجُودَةِ] (¬3) الَّتِي أَخْرَجَ النَّاسُ مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ عَلِيٍّ، بَلْ ذَكَرُوا أَنَّ فِي التَّابُوتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ عِنْدَ الْمُقَوْقِسِ صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ - صُورَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ صُورَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ بِهَا يُقِيمُ اللَّهُ أَمْرَهُ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ ذُكِرَ عَلِيٌّ عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بُعِثُوا بِالْإِقْرَارِ بِوِلَايَةِ [عَلِيٍّ] (¬4) وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ لِأُمَمِهِمْ وَلَا نَقَلَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟ [فصل البرهان العشرون " وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " الْبُرْهَانُ الْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: 12] فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) (ب) . (¬2) يَكُنْ: فِي (م) فَقَطْ. (¬3) الْمَوْجُودَةِ فِي (م) فَقَطْ. (¬4) ن، م: بِوِلَايَتِهِ. (¬5) فِي (ك) ص 158 (م) .

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَأَلْتُ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَجْعَلَهَا أُذُنَكَ يَا عَلِيُّ» (¬1) . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [يَا عَلِيُّ] (¬2) إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُدْنِيَكَ (¬3) وَأُعَلِّمَكَ، (¬4) يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُدْنِيَكَ وَأُعَلِّمَكَ (¬5) لِتَعِيَ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيَّ (¬6) هَذِهِ الْآيَةُ: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} فَأَنْتَ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» (¬7) . وَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: بَيَانُ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ. وَالثَّعْلَبِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَرْوِيَانِ مَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ (¬8) 348. الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ - لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [سُورَةُ الْحَاقَّةِ: 11 - 12] لَمْ يُرَدْ بِهِ أُذُنُ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ فَقَطْ، فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِبَنِي آدَمَ. وَحَمْلُهُمْ فِي السَّفِينَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ. قَالَ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ - وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: (¬9) ¬

(¬1) ك: يَا عَلِيُّ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ لِي أَنْ أَنْسَاهُ. (¬2) يَا عَلِيُّ: فِي (م) ، (ك) فَقَطْ. (¬3) ك: أُؤْذِنُكَ. (¬4) سَاقِطٌ مَنْ (م) ، (س) (ك) . (¬5) سَاقِطٌ مَنْ (م) ، (س) (ك) . (¬6) س، ب: وَأُنْزِلَ عَلَيَّ، وَسَقَطَتْ " عَلَيَّ " مِنْ (م) . (¬7) ك: وَاعِيَةٌ لِلْعِلْمِ. (¬8) ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ 12 مِنْ سُورَةِ الْحَاقَّةِ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ثُمَّ قَالَ: " وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مَكْحُولٍ بِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ "، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: " وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ آدَمَ بِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ دَاوُدَ الْأَعْمَى عَنْ بُرَيْدَةَ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا ". وَانْظُرْ: زَادَ الْمَسِيرِ (¬9) م: ذُرِّيَّاتِهِمْ.

41 -، 42] وَقَالَ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سُورَةُ لُقْمَانَ: 31] ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِيَعِيَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ؟ نَعَمْ أُذُنُ عَلِيٍّ مِنَ الْأُذُنِ الْوَاعِيَةِ، كَأُذُنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ. وَحِينَئِذٍ فَلَا اخْتِصَاصَ لِعَلِيٍّ بِذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ: أَنَّ الْآذَانَ الْوَاعِيَةَ لَيْسَتْ أُذُنَ عَلِيٍّ وَحْدَهَا. أَتَرَى أُذُنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ وَاعِيَةً؟ وَلَا أُذُنَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَمَّارٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَسَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُوَافَقُونَ عَلَى فَضِيلَتِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ؟ وَإِذَا كَانَتِ الْأُذُنُ الْوَاعِيَةُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ الْجَاهِلَ الظَّالِمَ يَبْنِي أَمْرَهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ بَاطِلَةٍ ; فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِي طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَوْهَى مِنْ حُجَجِ الرَّافِضَةِ، بِخِلَافِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّ لَهُمْ حُجَجًا وَأَدِلَّةً قَدْ تُشْبِهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ. أَمَّا الرَّافِضَةُ فَلَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ قَطُّ تَنْفُقُ إِلَّا عَلَى جَاهِلٍ أَوْ ظَالِمٍ صَاحِبِ هَوًى، يَقْبَلُ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا. وَلِهَذَا يُقَالُ فِيهِمْ لَيْسَ لَهُمْ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ، وَلَا دِينٌ صَحِيحٌ، وَلَا دُنْيَا مَنْصُورَةٌ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لَوْ عَلَّقَ حُكْمًا بِأَجْهَلِ النَّاسِ لَتَنَاوَلَ الرَّافِضَةَ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ: إِنِّي أَبْغَضُ أَجْهَلَ النَّاسِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ وَصَّى لَأَجْهَلِ النَّاسِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ; لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا قُرْبَةً فَإِذَا وَصَّى لِقَوْمٍ يَدْخُلُ فِيهِمُ الْكَافِرُ جَازَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَ الْكُفْرَ وَالْجَهْلَ جِهَةً وَشَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. ثُمَّ الرَّافِضِيُّ يَدَّعِي فِي شَيْءٍ أَنَّهُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنَ الْفَضَائِلِ الْمُشْتَرَكَةِ ; فَإِنَّ فَضَائِلَ عَلِيٍّ الثَّابِتَةَ (¬1) عَامَّتُهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنَّ عَامَّتَهَا خَصَائِصُ لَمْ يُشَارَكَا فِيهَا. ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ تُوجِبُ الْإِمَامَةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَضِيلَةَ الْجُزْئِيَّةَ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ لَيْسَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِلْفَضِيلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَلَا لِلْإِمَامَةِ، وَلَا مُخْتَصَّةً بِالْإِمَامِ (¬2) ، بَلْ تَثْبُتُ لِلْإِمَامِ وَلِغَيْرِهِ، وَلِلْفَاضِلِ الْمُطْلَقِ وَلِغَيْرِهِ. فَبَنَى (¬3) هَذَا الرَّافِضِيُّ أَمْرَهُ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ الثَّلَاثِ، وَالثَّلَاثُ بَاطِلَةٌ (¬4) . ثُمَّ يُرْدِفُهَا بِالْمُقَدِّمَةِ الرَّابِعَةِ، وَتِلْكَ فِيهَا نِزَاعٌ، لَكِنْ نَحْنُ لَا نُنَازِعُهُ فِيهَا، بَلْ نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ كَانَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، لَكِنَّ الرَّافِضِيَّ لَا حُجَّةَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ (¬5) . ¬

(¬1) ن، س، ب: بِالْإِمَامَةِ. (¬2) س، ب: وَغَيْرِهِ. (¬3) ب: فَيَبْنِي. (¬4) س: الثَّلَاثُ بَاطِلَةٌ، ب: الثَّلَاثُ وَهِيَ بَاطِلَةٌ. (¬5) س، ب: عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فصل البرهان الحادي والعشرون " سورة هل أتى " والجواب عليه

[فصل البرهان الحادي والعشرون " سورة هل أتى " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ هَلْ أَتَى فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ: «مَرِضَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (¬2) ، فَعَادَهُمَا جَدُّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَامَّةُ الْعَرَبِ، فَقَالُوا (¬3) : يَا أَبَا الْحَسَنِ، لَوْ نَذَرْتَ عَلَى وَلَدَيْكَ. فَنَذَرَ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَا نَذَرَتْ (¬4) أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ وَجَارِيَتُهُمْ فِضَّةٌ، فَبَرِئَا، وَلَيْسَ عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ (¬5) ، فَاسْتَقْرَضَ عَلِيٌّ ثَلَاثَةَ آصُعٍ (¬6) مِنْ شَعِيرٍ، فَقَامَتْ فَاطِمَةُ إِلَى صَاعٍ فَطَحَنَتْهُ، وَخَبَزَتْ (¬7) مِنْهُ خَمْسَةَ أَقْرَاصٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُرْصًا (¬8) ، وَصَلَّى عَلِيٌّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِلَ فَوُضِعَ الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ ; إِذْ أَتَاهُمْ (¬9) مِسْكِينٌ، فَقَالَ (¬10) : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى ¬

(¬1) فِي (ك) ص 158 (م) ، 160 (م) . (¬2) ك: وَالْحَسَنُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا. (¬3) ك: الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ فَقَالَ. (¬4) نَذَرَتْ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) ك: وَلَا كَثِيرٌ مِنَ الطَّعَامِ. (¬6) ك: أَصْوُعَ. (¬7) ك: وَاخْتَبَزَتْ. (¬8) ب: قُرْصٌ. (¬9) ب: فَأَتَاهُمْ. (¬10)) ك: ص 159 م مِسْكِينٌ فَوَقَفَ بِالْبَابِ فَقَالَ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِسْكِينٌ مِنْ مَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ، أَطْعِمُونِي أَطْعَمَكُمُ اللَّهُ مِنْ مَوَائِدِ الْجَنَّةِ. فَسَمِعَهُ عَلِيٌّ، فَأَمَرَ بِإِعْطَائِهِ، فَأَعْطَوْهُ الطَّعَامَ وَمَكَثُوا يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا إِلَّا الْمَاءَ الْقَرَاحَ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي قَامَتْ فَاطِمَةُ فَخَبَزَتْ (¬1) صَاعًا، وَصَلَّى عَلِيٌّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِلَ (¬2) فَوُضِعَ (¬3) الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَتَاهُمْ يَتِيمٌ، فَوَقَفَ بِالْبَابِ، وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَتِيمٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ اسْتُشْهِدَ وَالِدِي يَوْمَ الْعَقَبَةِ، أَطْعِمُونِي أَطْعَمَكُمُ اللَّهُ مِنْ مَوَائِدِ الْجَنَّةِ، فَسَمِعَهُ عَلِيٌّ، فَأَمَرَ بِإِعْطَائِهِ، فَأَعْطَوْهُ الطَّعَامَ، وَمَكَثُوا يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ (¬4) لَمْ يَذُوقُوا إِلَّا (¬5) الْمَاءَ الْقَرَاحَ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَامَتْ فَاطِمَةُ إِلَى الصَّاعِ الثَّالِثِ، فَطَحَنَتْهُ وَخَبَزَتْهُ (¬6) ، وَصَلَّى عَلِيٌّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِلَ فَوُضِعَ الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ، إِذْ أَتَى أَسِيرٌ فَقَالَ: أَتَأْسِرُونَنَا (¬7) وَتُشَرِّدُونَنَا وَلَا تُطْعِمُونَنَا، أَطْعِمُونِي فَإِنِّي أَسِيرُ مُحَمَّدٍ أَطْعَمَكُمُ اللَّهُ مِنْ مَوَائِدِ الْجَنَّةِ. فَسَمِعَهُ عَلِيٌّ، فَأَمَرَ بِإِعْطَائِهِ، فَأَعْطَوْهُ الطَّعَامَ، ¬

(¬1) 1) ك: فَاخْتَبَزَتْ. (¬2) 2) ك: وَصَلَّى عَلِيٌّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَأَتَى الْمَنْزِلَ. (¬3) ن، س، ب: فَوَضَعُوا. (¬4) وَلَيْلَتَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬5) ك: لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا. (¬6) ك: وَاخْتَبَزَتْهُ. (¬7) ك: إِذْ أَتَاهُمْ أَسِيرٌ، فَوَقَفَ بِالْبَابِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ، تَأْسِرُونَنَا.

وَمَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا (¬1) لَمْ يَذُوقُوا شَيْئًا إِلَّا الْمَاءَ الْقَرَاحَ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ ; وَقَدْ وَفَّوْا نُذُورَهُمْ (¬2) ، أَخَذَ عَلِيٌّ الْحَسَنَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى (¬3) ، وَالْحُسَيْنَ بِيَدِهِ (¬4) الْيُسْرَى، وَأَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُمْ يَرْتَعِشُونَ كَالْفِرَاخِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، فَلَمَّا بَصَرَهُمَا (¬5) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، مَا أَشَدَّ مَا يَسُوءُنِي (¬6) مَا أَرَى بِكُمْ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِ (¬7) ابْنَتِي فَاطِمَةَ، فَانْطَلَقُوا إِلَيْهَا، وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا (¬8) ، قَدْ (¬9) لَصَقَ بَطْنُهَا بِظَهْرِهَا (¬10) مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، وَغَارَتْ عَيْنَاهَا، فَلَمَّا رَآهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَاغَوْثَاهُ، بِاللَّهِ (¬11) أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ يَمُوتُونَ جُوعًا! فَهَبَطَ جِبْرِيلُ (¬12) عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، خُذْ ¬

(¬1) ك: وَلَيَالِيهَا. (¬2) ن، م، س: وَقَدْ فَانَدَهُمْ (وَهُوَ تَحْرِيفٌ) ، ب: وَنَفَدَ مَا عِنْدَهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) ن، س: أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِ الْحَسَنِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ب: أَخَذَ عَلِيٌّ يَدَ الْحَسَنِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ك: أَخَذَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَسَنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى. (¬4) ك: بِالْيَدِ. (¬5) س: فَلَمَّا بَصَرَهُمَا، ب: فَلَمَّا أَبْصَرَهُمَا، ك: فَلَمَّا بَصَرَ بِهِ. (¬6) ب: يُسِيئُنِي، س: يُسِيئُونِي. (¬7) مَنْزِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬8) ك: مِحْرَابِهَا. (¬9) ك: وَقَدْ. (¬10)) ك: ظَهْرُهَا بِبَطْنِهَا. (¬11) 11) ن، س: يَا اللَّهُ، ب: يَا لَلَّهِ. (¬12) 12) ك ص 260 م: جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

مَا هَنَّأَكَ اللَّهُ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ. فَقَالَ: " مَا آخُذُ يَا جِبْرِيلُ؟ فَأَقْرَأَهُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ} » (¬1) [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 1] . وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى فَضَائِلَ جَمَّةٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا أَحَدٌ، وَلَا يَلْحَقْهُ أَحَدٌ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَمُجَرَّدُ رِوَايَةِ الثَّعْلَبِيِّ وَالْوَاحِدِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. وَلَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ وَالْفَضَائِلِ، وَاحْتَجَّ أَحَدُهُمَا بِحَدِيثٍ (¬2) لَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، إِلَّا رِوَايَةَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ لَهُ فِي تَفْسِيرِهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا حُجَّةً عَلَى مُنَازِعِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَادَتِهِمْ يَرْوُونَ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُمْ، وَكَثِيرٌ (¬3) مِنْ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُونَ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ ضَعِيفٌ، وَيَرْوُونَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مَا يَعْلَمُ غَيْرُهُمْ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ; لِأَنَّ وَصْفَهُمُ (¬4) النَّقْلَ لِمَا نُقِلَ أَوْ حِكَايَةَ أَقْوَالِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا - بَاطِلًا، وَرُبَّمَا تَكَلَّمُوا عَلَى صِحَّةِ بَعْضِ الْمَنْقُولَاتِ وَضَعْفِهَا، وَلَكِنْ لَا يَطَّرِدُونَ هَذَا وَلَا يَلْتَزِمُونَهُ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، الَّذِي هُمْ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ وَحُكَّامُهُ. وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ هُوَ الْمَنْقُولُ فِي ¬

(¬1) حِينٌ: لَيْسَتْ فِي (ك) ، وَفِي (م) : حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ. (¬2) م: بِالْحَدِيثِ. (¬3) ن، م، س: وَكَثِيرُونَ. (¬4) ب: وَظِيفَتَهُمْ.

هَذَا الْبَابِ، وَلِهَذَا لَمْ يُرْوَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي النَّقْلِ (¬1) ، لَا فِي الصِّحَاحِ، وَلَا فِي الْمَسَانِدِ (¬2) ، وَلَا فِي الْجَوَامِعِ، وَلَا السُّنَنِ (¬3) ، وَلَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُونَ فِي الْفَضَائِلِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَتَسَامَحُونَ فِي رِوَايَةِ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ، كَالنَّسَائِيِّ فَإِنَّهُ صَنَّفَ (¬4) خَصَائِصَ عَلِيٍّ، وَذَكَرَ فِيهَا (¬5) عِدَّةَ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ، وَلَمْ يَرْوِ (¬6) هَذَا وَأَمْثَالَهُ (¬7) . وَكَذَلِكَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْخَصَائِصِ " (¬8) ، وَخَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ (¬9) ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ " رَوَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ، كَثِيرٌ مِنْهَا ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَرْوِ مِثْلَ هَذَا لِظُهُورِ كَذِبِهِ. وَأَصْحَابُ السِّيَرِ، كَابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ، يَذْكُرُونَ مِنْ فَضَائِلِهِ أَشْيَاءَ ضَعِيفَةً، وَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْلَ هَذَا، وَلَا رَوَوْا مَا قُلْنَا فِيهِ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ، مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، الَّذِينَ يَنْقُلُونَهَا بِالْأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، كَتَفْسِيرِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ. (¬2) م: الْمَسَانِيدِ. (¬3) م: وَلَا الْجَوَامِعِ وَلَا السُّنَنِ، وَلَا فِي الْجَوَامِعِ وَلَا فِي السُّنَنِ. (¬4) صَنَّفَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، وَفِي (ب) : رَوَى. (¬5) م: لَهَا. (¬6) م: وَلَمْ يَرَوْا. (¬7) ذَكَرَ سِزْكِينُ (م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 30) هَذَا الْكِتَابَ وَنُسَخَهُ الْخَطِّيَّةَ، وَهُوَ مَطْبُوعٌ فِي الْقَاهِرَةِ سَنَةَ 1308. (¬8) م: فِي الْفَضَائِلِ: وَأَبُو نُعَيْمٍ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ " أَبُو نُعَيْمٍ " حَافِظٌ مُؤَرِّخٌ وُلِدَ بِأَصْبَهَانَ سَنَةَ 326 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 430 لَهُ حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ وَطَبَقَاتُ الْأَصْفِيَاءِ، وَدَلَائِلُ النُّبُوَّةِ وَطَبَقَاتُ الْمُحَدِّثِينَ وَالرُّوَاةِ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ 1، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/111، لِسَانِ الْمِيزَانِ 1/201، طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 4/18 - 25، الْأَعْلَامِ 1/150. (¬9) ن، س: وَحَثْمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ب: وَابْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الْقُرَشِيُّ الطَّرَابُلُسِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 250 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 343، وَكَانَ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَلَهُ كِتَابٌ كَبِيرٌ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " وَآخَرُ فِي " فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ " ذَكَرَ سِزْكِينُ أَنَّ مِنْهُمَا نُسْخَةً خَطِّيَّةً فِي الظَّاهِرِيَّةِ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 2/365، لِسَانِ الْمِيزَانِ 2/411 - 412، الْأَعْلَامِ 2/374، مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 4/131 سِزْكِينَ م [0 - 9] ج 1 ص 368، 369.

وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ وَتَفْسِيرِ بَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَكَابِرِ، الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ (¬1) لِسَانُ صِدْقٍ، وَتَفَاسِيرُهُمْ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي التَّفْسِيرِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الدَّلَائِلَ عَلَى كَذِبِ هَذَا كَثِيرَةٌ. مِنْهَا: أَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إِلَّا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ. وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وُلِدَا بَعْدَ ذَلِكَ، سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَتَزَوَّجْ فَاطِمَةَ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يُولَدْ لَهُ وَلَدٌ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ. وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ الْمُتَوَاتِرِ، الَّذِي يَعْرِفُهُ [كَلُّ] (¬2) مَنْ عِنْدَهُ طَرَفٌ مِنَ الْعِلْمِ (¬3) بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَسُورَةُ " هَلْ أَتَى " مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالنَّقْلِ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. وَهِيَ عَلَى طَرِيقَةِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ فِي تَقْرِيرِ أُصُولِ الدِّينِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَذِكْرِ الْخَلْقِ وَالْبَعْثِ. وَلِهَذَا [قِيلَ:] (¬4) إِنَّهُ كَانَ النَّبِيُّ (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَؤُهَا مَعَ: (ألم تَنْزِيلُ) (¬6) ¬

(¬1) م: فِي الْأُمَّةِ. (¬2) كُلُّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) س، ب: طَرَفٌ مِنْ عِلْمٍ. (¬4) قِيلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬5) النَّبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬6) وَهِيَ سُورَةُ السَّجْدَةِ.

فِي فَجْرِ يَوْمِ الْجُمْعَةِ ; لِأَنَّ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ. وَهَاتَانِ السُّورَتَانِ مُتَضَمِّنَتَانِ لِابْتِدَاءِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ فَرِيقٌ الْجَنَّةَ وَفَرِيقٌ النَّارَ. وَإِذَا كَانَتِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ، تَبَيَّنَ أَنَّ نَقْلَ (¬1) أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ مَرَضِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْمَيْنِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ سِيَاقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ مِنْ وَضْعِ جُهَّالِ الْكَذَّابِينَ. فَمِنْهُ قَوْلُهُ: " فَعَادَهُمَا جَدُّهُمَا وَعَامَّةُ الْعَرَبِ " فَإِنَّ عَامَّةَ (¬2) الْعَرَبِ لَمْ يَكُونُوا بِالْمَدِينَةِ، وَالْعَرَبُ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَأْتُونَهُمَا يَعُودُونَهُمَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: " فَقَالُوا (¬3) : يَا أَبَا الْحَسَنِ، لَوْ نَذَرْتَ عَلَى وَلَدَيْكَ ". وَعَلِيٌّ لَا يَأْخُذُ الدِّينَ مِنْ أُولَئِكَ الْعَرَبِ، بَلْ يَأْخُذُهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا بِطَاعَةٍ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ مِنْ أُولَئِكَ الْعَرَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاعَةً لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ يَفْعَلُ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ. ثُمَّ كَيْفَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ؟ ! الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ (¬4) لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» (¬5) ". ¬

(¬1) ن، م: أَنَّ مَنْ نَقَلَ. (¬2) ن: وَعَامَّةُ. وَسَقَطَتْ عِبَارَةُ " فَإِنَّ عَامَّةَ الْعَرَبِ " مِنْ (م) ، (س) . (¬3) ن، س: فَقَالَ. (¬4) إِنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/124 - 125 (كِتَابُ الْقَدَرِ بَابُ إِلْقَاءِ الْعَبْدِ النَّذْرَ إِلَى الْقَدَرِ) ، وَنَصُّهُ فِيهِ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّذْرِ، قَالَ: ((إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ)) مُسْلِمٍ 3/1260 - 1261 (كِتَابُ النَّذْرِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا) وَجَاءَتْ بِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ (الْأَحَادِيثُ رَقْمَ 2، 3، 4) مِنْهَا الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ " 8/208 - 209 رَقْمَ 2585.

وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ: «إِنَّ النَّذْرَ يَرُدُّ ابْنَ آدَمَ إِلَى الْقَدَرِ * فَيُعْطَى عَلَى النَّذْرِ مَا لَا يُعْطَى غَيْرُهُ» (¬1) . وَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنِ النَّذْرِ وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يَرُدُّ ابْنَ آدَمَ إِلَى الْقَدَرِ * (¬2) . فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَسَائِرُ أَهْلِهِمَا (¬3) لَمْ يَعْلَمُوا مِثْلَ هَذَا، وَعَلِمَهُ عُمُومُ الْأُمَّةِ، فَهَذَا قَدْحٌ فِي عِلْمِهِمْ، فَأَيْنَ الْمُدَّعِي لِلْعِصْمَةِ؟ وَإِنْ كَانُوا (¬4) عَلِمُوا ذَلِكَ، وَفَعَلُوا مَا لَا طَاعَةَ فِيهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلَا فَائِدَةَ لَهُمَا فِيهِ، بَلْ قَدْ نَهَيَا عَنْهُ: إِمَّا نَهْيَ تَحْرِيمٍ، وَإِمَّا نَهْيَ تَنْزِيلٍ - كَانَ هَذَا قَدْحًا إِمَّا (¬5) فِي دِينِهِمْ (¬6) وَإِمَّا فِي عَقْلِهِمْ وَعِلْمِهِمْ. فَهَذَا الَّذِي يَرْوِي مِثْلَ هَذَا فِي فَضَائِلِهِمْ جَاهِلٌ، يَقْدَحُ فِيهِمْ مِنْ حَيْثُ يَمْدَحُهُمْ، وَيُخْفِضُهُمْ مِنْ حَيْثُ يَرْفَعُهُمْ، وَيَذُمُّهُمْ مِنْ حَيْثُ يَحْمَدُهُمْ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَيْتِ لِلرَّافِضَةِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ مَحَبَّتَكُمْ لَنَا صَارَتْ مَعَرَّةً عَلَيْنَا. وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ (¬7) " عَدُوٌّ عَاقِلٌ خَيْرٌ مِنْ صَدِيقٍ جَاهِلٍ " ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثِ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ، وَسَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) وَ (ب) . (¬3) ب: وَأَهْلِهِمَا. (¬4) ن، م: وَإِنْ (بِدُونِ كَانُوا) . (¬5) إِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) ، (س) . (¬6) س: فِي دِينِهِمَا. (¬7) السَّائِرِ: زِيَادَةٌ فِي (ن) .

وَاللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا مَدَحَ عَلَى الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، لَا عَلَى نَفْسِ عَقْدِ النَّذْرِ، وَالرَّجُلُ يُنْهَى عَنِ الظِّهَارِ، وَإِنْ ظَاهَرَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِلظِّهَارِ، وَإِذَا عَاوَدَ مُدِحَ (¬1) عَلَى فِعْلِ * الْوَاجِبِ، وَهُوَ التَّكْفِيرُ، لَا عَلَى نَفْسِ الظِّهَارِ الْمُحَرَّمِ. وَكَذَلِكَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَفَارَقَهَا بِالْمَعْرُوفِ، مُدِحَ عَلَى فِعْلِ مَا أَوْجَبَهُ الطَّلَاقُ، لَا نَفْسِ الطَّلَاقِ الْمَكْرُوهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ أَوِ اشْتَرَى فَأَعْطَى مَا عَلَيْهِ، مُدِحَ عَلَى فِعْلِ * (¬2) مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ، لَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ. وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا جَارِيَةٌ اسْمُهَا فِضَّةٌ، بَلْ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ جَارِيَةٌ اسْمُهَا فِضَّةٌ، وَلَا ذَكَرَ ذَلِكَ [أَحَدٌ مِنْ] (¬3) أَهْلِ الْعِلْمِ، الَّذِينَ ذَكَرُوا أَحْوَالَهُمْ: دَقَّهَا وَجُلَّهَا. وَلَكِنْ فِضَّةٌ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ عَقِبِ الَّذِي يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ مُعَلِّمَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَأَنَّهُ أُعْطِيَ تُفَّاحَةً كَانَ فِيهَا عِلْمُ الْحَوَادِثِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي تَرُوجُ (¬4) عَلَى الْجُهَّالِ. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُمَا (¬5) لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مُعَلِّمٌ، وَلَمْ يَكُنْ (¬6) فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ عَقِبٍ. وَهَذِهِ الْمَلَاحِمُ الْمَنْظُومَةُ (¬7) الْمَنْسُوبَةُ إِلَى ابْنِ عَقِبٍ، هِيَ مِنْ نَظْمِ بَعْضِ ¬

(¬1) ن، م: وَإِذَا عَادَ وَمُدِحَ، س: وَإِذَا عَاوَدَ وَمُدِحَ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) أَحَدٌ مِنْ: فِي (م) فَقَطْ. (¬4) س، ب: تَجُوزُ. (¬5) ن، م: أَنَّهُ. (¬6) ن، م: وَلَا كَانَ. (¬7) الْمَنْظُومَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

مُتَأَخِّرِي الْجُهَّالِ [الرَّافِضَةِ] (¬1) ، الَّذِينَ كَانُوا زَمَنَ نُورِ الدِّينِ وَصَلَاحِ الدِّينِ، لَمَّا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّامِ بِأَيْدِي النَّصَارَى، وَمِصْرُ بِأَيْدِي الْقَرَامِطَةِ الْمَلَاحِدَةِ بَقَايَا بَنِي عُبَيْدٍ، فَذُكِرَ مِنَ الْمَلَاحِمِ مَا يُنَاسِبُ تِلْكَ الْأُمُورَ بِنَظْمٍ جَاهِلٍ عَامِّيٍّ. وَهَكَذَا هَذِهِ الْجَارِيَةُ فِضَّةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَادِمًا، فَعَلَّمَهَا أَنْ تُسَبِّحَ عِنْدَ الْمَنَامِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ. وَقَالَ: " هَذَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ " قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قِيلَ لَهُ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ» ". وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ (¬2) ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا خَادِمًا. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ (¬3) ذَلِكَ حَصَلَ خَادِمٌ (¬4) فَهُوَ مُمْكِنٌ، لَكِنْ [لَمْ يَكُنْ] (¬5) اسْمُ خَادِمِهَا فِضَّةً بِلَا رَيْبٍ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ بَعْضِ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ آثَرَ ¬

(¬1) الرَّافِضَةِ فِي (م) فَقَطْ. (¬2) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/19 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) 3/65 (كِتَابُ النَّفَقَاتِ، بَابُ خَادِمِ الْمَرْأَةِ) ، مُسْلِمٍ 4/2091 - 2092 (كِتَابُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ. . .، بَابُ التَّسْبِيحِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَعِنْدَ النَّوْمِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/430 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي التَّسْبِيحِ عِنْدَ النَّوْمِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/142 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ عِنْدَ النَّوْمِ) . (¬3) بَعْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) س، ب: خَادِمًا (¬5) لَمْ يَكُنْ فِي (ب) فَقَطْ.

ضَيْفَهُ بِعَشَائِهِمْ، وَنَوَّمَ الصِّبْيَةَ، وَبَاتَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ طَاوِيَيْنِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 9] (¬1) . وَهَذَا الْمَدْحُ أَعْظَمُ مِنَ الْمَدْحِ بِقَوْلِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 8] ، فَإِنَّ هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 177] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " أَنْ تَصَدَّقَ (¬2) وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَتَخَافُ الْفَقْرَ، وَلَا تُمْهِلُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» (¬3) .. وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 92] . فَالتَّصَدُّقُ بِمَا يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا الْإِيثَارُ (¬4) مَعَ الْخَصَاصَةِ فَهُوَ أَكْمَلُ مِنْ مُجَرَّدِ التَّصَدُّقِ مَعَ الْمَحَبَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُتَصَدِّقٍ مُحِبًّا مُؤْثِرًا، وَلَا كُلُّ مُتَصَدِّقٍ يَكُونُ بِهِ خَصَاصَةٌ، بَلْ قَدْ يَتَصَدَّقُ بِمَا يُحِبُّ، مَعَ اكْتِفَائِهِ بِبَعْضِهِ، مَعَ مَحَبَّةٍ لَا تَبْلُغُ بِهِ الْخَصَاصَةَ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (ص 166 (¬2) س: أَنْ تَصَدَّقْتَ. (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ -، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 2/716 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/51 (كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ " أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ") 6/198 (كِتَابُ الْوَصَايَا، الْكَرَاهِيَةُ فِي تَأْخِيرِ الْوَصِيَّةِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/903 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِمْسَاكِ فِي الْحَيَاةِ وَالتَّبْذِيرِ عِنْدَ الْمَوْتِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامِ 7159، 7401، 9367، 9767. (¬4) م: وَأَمَّا الْإِنْفَاقُ.

فَإِذَا كَانَ اللَّهُ مَدَحَ الْأَنْصَارَ بِإِيثَارِ الضَّيْفِ لَيْلَةً بِهَذَا الْمَدْحِ، وَالْإِيثَارُ الْمَذْكُورُ فِي قِصَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَدْحُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ، إِنْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُمْدَحُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْدَحُ عَلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَنَاقِبِ. الثَّامِنُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَا لَا يَنْبَغِي نِسْبَتُهُ إِلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ; فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَأْمُورِ بِهِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ إِبْقَاءُ الْأَطْفَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جِيَاعًا، وَوِصَالُهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَمِثْلُ هَذَا الْجُوعِ قَدْ يُفْسِدُ الْعَقْلَ وَالْبَدَنَ وَالدِّينَ. وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ قِصَّةِ الْأَنْصَارِي ; فَإِنَّ ذَلِكَ (¬1) بَيَّتَهُمْ لَيْلَةً وَاحِدَةً بِلَا عَشَاءٍ، وَهَذَا قَدْ يَحْتَمِلُهُ الصِّبْيَانُ، بِخِلَافِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا. التَّاسِعُ: أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْيَتِيمَ قَالَ: " اسْتُشْهِدَ وَالِدِي يَوْمَ الْعَقَبَةِ " وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَايَعَ الْأَنْصَارَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ، مَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ مِنْ كَذِبِ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ قَالَ: " اسْتُشْهِدَ وَالِدِي يَوْمَ أُحُدٍ " لَكَانَ أَقْرَبَ. الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْفِي أَوْلَادَ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ. وَلِهَذَا قَالَ لِفَاطِمَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ خَادِمًا: " لَا أَدَعُ يَتَامَى بَدْرٍ وَأُعْطِيكِ ". ¬

(¬1) ن، م: ذَاكَ.

فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ يَتَامَى الْمُجَاهِدِينَ الشُّهَدَاءِ مَنْ لَا يَكْفِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَذِبٌ عَلَيْهِ وَقَدْحٌ فِيهِ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِينَةِ قَطُّ أَسِيرٌ يَسْأَلُ النَّاسَ، بَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُومُونَ بِالْأَسِيرِ الَّذِي يَسْتَأْسِرُونَهُ. فَدَعْوَى الْمُدِّعِي أَنَّ أَسْرَاهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى مَسْأَلَةِ النَّاسِ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْحٌ فِيهِمْ. وَالْأُسَرَاءُ الْكَثِيرُونَ [إِنَّمَا] (¬1) كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ، قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَبَعْدَ ذَلِكَ فَالْأَسْرَى فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ. الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ صَحِيحَةً، وَهِيَ مِنَ الْفَضَائِلِ، لَمْ تَسْتَلْزِمْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا أَفْضَلَ النَّاسِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ دُونَ غَيْرِهِ. فَقَدْ كَانَ جَعْفَرٌ أَكْثَرَ إِطْعَامًا لِلْمَسَاكِينِ مِنْ غَيْرِهِ، حَتَّى قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» . (¬2) ، 5 - 29 وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا احْتَذَى النِّعَالَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرٍ، يَعْنِي فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْمَسَاكِينِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ. فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ (¬3) أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلْإِمَامَةِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِنْفَاقَ الصِّدِّيقِ أَمْوَالَهُ أَعْظَمُ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ إِطْعَامَ الْجَائِعِ (¬4) مِنْ جِنْسِ الصَّدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ، الَّتِي يُمْكِنُ كُلُّ وَاحِدٍ فِعْلَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بَلْ وَكُلُّ أُمَّةٍ يُطْعِمُونَ جِيَاعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ، ¬

(¬1) إِنَّمَا فِي (م) فَقَطْ. (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ سَبَقَ فِيمَا مَضَى 4 (¬3) ن، ب: وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ، س: وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. (¬4) ن، م: الْجِيَاعِ.

فصل البرهان الثاني والعشرون " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " والجواب عليه

فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ، بِهَذَا تَمَيَّزُوا. كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 9] . وَأَمَّا إِنْفَاقُ الصِّدِّيقِ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، لِتَخْلِيصِ مَنْ آمَنَ، وَالْكُفَّارُ يُؤْذُونَهُ أَوْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ مِثْلَ اشْتِرَائِهِ بِمَالِهِ سَبْعَةً كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ، مِنْهُمْ بِلَالٌ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا، يَعْنِي بِلَالًا (¬1) . وَإِنْفَاقُهُ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَفِي (¬2) نَصْرِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ كَانَ أَهْلُ الْأَرْضِ قَاطِبَةً أَعْدَاءَ الْإِسْلَامِ. وَتِلْكَ النَّفَقَةُ مَا بَقِيَ يُمْكِنُ مِثْلُهَا. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (¬3) وَهَذَا فِي النَّفَقَةِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا، وَأَمَّا جِنْسُ إِطْعَامِ الْجَائِعِ مُطْلَقًا، فَهَذَا مُشْتَرَكٌ يُمْكِنُ فِعْلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. [فصل البرهان الثاني والعشرون " وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " الْبُرْهَانُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33] . مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} ¬

(¬1) ذَكَرَ هَذَا الْإِسْنَادَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " 1/147. (¬2) س، ب: الْإِيمَانِ فِي. . . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21 (¬4) فِي (ك) ص 160 (م) .

[: مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلُهُ] (¬1) {وَصَدَّقَ بِهِ} : قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْفَقِيهِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ (¬2) : {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} قَالَ: جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَدَّقَ بِهِ عَلِيٌّ. وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ اخْتُصَّ بِهَا، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَنْقُولًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ وَحْدَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، لَوْ كَانَ (¬3) هَذَا النَّقْلُ صَحِيحًا عَنْهُ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا عَنْهُ؟ ! فَإِنَّهُ قَدْ عُرِفَ بِكَثْرَةِ (¬4) الْكَذِبِ. وَالثَّابِتُ عَنْ مُجَاهِدٍ (¬5) خِلَافُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْقُرْآنُ، وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ هُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي عَمِلَ بِهِ، فَجَعَلَهَا عَامَّةً. رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ [وَغَيْرُهُ] (¬6) عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ (¬7) : هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ يَجِيئُونَ [بِهِ] (¬8) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ك) فَقَطْ. (¬2) ك:. . مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى. . . (¬3) س، ب: وَلَوْ كَانَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م، س: كَثْرَةِ. (¬5) أَبُو الْحَجَّاجِ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ الْمَكِّيُّ، تَابِعِيٌّ، مُفَسِّرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وُلِدَ سَنَةَ 21 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 104 قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ "، " الْإِمَامُ شَيْخُ الْقُرَّاءِ الْمُفَسِّرِينَ. .، قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُلْتُ لِلْأَعْمَشَ: مَا بَالُهُمْ يَتَّقُونَ تَفْسِيرَ مُجَاهِدٍ؟ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَسْأَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ. قَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: أَحَادِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مَرَاسِيلُ "، انْظُرْ تَرْجَمَةَ مُجَاهِدٍ فِي " سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ " 4/449 - 457، طَبْعَةِ مُؤَسَّسَةِ الرِّسَالَةِ، بَيْرُوتَ 1401 1981، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/439 - 440 حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ 3/279 - 310 الْأَعْلَامِ 6/161. (¬6) وَغَيْرُهُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬7) فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (ط. بُولَاقَ) 24/4 (¬8) بِهِ: فِي (ن) وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ.

فَيَقُولُونَ (¬1) : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا قَدِ اتَّبَعْنَا (¬2) مَا فِيهِ. وَرَوَاهُ (¬3) أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فَذَكَرَهُ، وَحَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: وَصَدَّقَ بِهِ. قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِهِ} . قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4) -. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ: مُحَمَّدٌ، وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ: أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّ هَذَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ، وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَلِيٍّ. قَالَ (¬5) : جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَصَدَّقَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ. وَفِي هَذَا حِكَايَةٌ ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ غُلَامِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ: أَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ لَهُ هُوَ - أَوْ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ (¬6) -: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ السَّائِلُ: بَلْ فِي عَلِيٍّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ جَعْفَرٍ: اقْرَأْ مَا بَعْدَهَا: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33] إِلَى قَوْلِهِ (¬7) {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 35] الْآيَةَ، فَبُهِتَ السَّائِلُ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: لَفْظُ الْآيَةِ عَامٌّ مُطْلَقٌ لَا يَخْتَصُّ بِأَبِي بَكْرٍ وَلَا بِعَلِيٍّ، ¬

(¬1) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: يَقُولُونَ. (¬2) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ فَاتَّبَعْنَا. (¬3) ن، س، ب: رَوَاهُ. (¬4) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ (ط. الشَّعْبِ) 7/89 - 90، زَادَ الْمَسِيرِ 7/182 (¬5) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ 24/3 (¬6) كَذَا فِي (م) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْمُهَاجِرِينَ. (¬7) عِبَارَةُ " إِلَى قَوْلِهِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

بَلْ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي عُمُومِهَا دَخَلَ فِي حُكْمِهَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا أَحَقُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالدُّخُولِ فِيهَا، لَكِنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِهِمْ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ - وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 32 - 33] الْآيَةَ، فَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الْكَاذِبَ عَلَى اللَّهِ وَالْمُكَذِّبَ بِالصِّدْقِ، وَهَذَا ذَمٌّ عَامٌّ. وَالرَّافِضَةُ أَعْظَمُ أَهْلِ الْبِدَعِ دُخُولًا فِي هَذَا الْوَصْفِ الْمَذْمُومِ ; فَإِنَّهُمْ أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ افْتِرَاءً لِلْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ، وَأَعْظَمُهُمْ تَكْذِيبًا بِالصِّدْقِ لِمَا (¬1) جَاءَهُمْ، وَأَبْعَدُ الطَّوَائِفِ عَنِ الْمَجِيءِ بِالصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ أَوْلَى الطَّوَائِفِ بِهَذَا ; فَإِنَّهُمْ يَصْدُقُونَ وَيُصَدِّقُونَ بِالْحَقِّ فِي كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ هُوًى إِلَّا مَعَ الْحَقِّ. وَاللَّهُ تَعَالَى مَدَحَ الصَّادِقَ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ وَالْمُصَدِّقَ بِهَذَا الْحَقِّ. فَهَذَا مَدْحٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِكُلِّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ، فَلَمْ يَجْعَلْهُمَا صِنْفَيْنِ، بَلْ جَعَلَهُمَا (¬2) صِنْفًا وَاحِدًا ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مَدْحُ النَّوْعِ الَّذِي يَجِيءُ بِالصِّدْقِ وَيُصَدِّقُ بِالصِّدْقِ، فَهُوَ مَمْدُوحٌ عَلَى اجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ، عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ شَأْنِهِ إِلَّا أَنْ يَجِيءَ بِالصِّدْقِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُصَدِّقَ بِالصِّدْقِ. وَقَوْلُهُ: {جَاءَ بِالصِّدْقِ} اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ صِدْقٍ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ أَحَقَّ بِالدُّخُولِ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ صَدَّقَ بِهِ أَيْ بِجِنْسِ الصِّدْقِ (¬3) . وَقَدْ ¬

(¬1) س، ب: لِلصِّدْقِ وَلِمَا. (¬2) ن، م، س: بَلْ جَعَلَهُمْ. (¬3) ب: مَنْ يُحْسِنُ الصِّدْقَ.

يَكُونُ الصِّدْقُ الَّذِي صُدِّقَ بِهِ لَيْسَ (¬1) هُوَ عَيْنَ الصِّدْقِ الَّذِي جَاءَ بِهِ، كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ يَسْمَعُ الْحَقَّ، وَيَقُولُ الْحَقَّ وَيَقْبَلُهُ، وَيَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَيَعْمَلُ بِهِ. أَيْ هُوَ مَوْصُوفٌ بِقَوْلِ الْحَقِّ لِغَيْرِهِ، وَقَبُولِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ وَالْعَمَلِ بِهِ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَدْلِ الَّذِي يَأْمُرُ بِهِ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ الْعَدْلِ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ. فَلَمَّا ذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَنِ اتَّصَفَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ: الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، إِذْ كَلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ (¬2) الذَّمَّ، مَدَحَ ضِدَّهُمَا الْخَالِيَ عَنْهُمَا، بِأَنْ يَكُونَ يَجِيءُ بِالصِّدْقِ لَا بِالْكَذِبِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مُصَدِّقًا بِالْحَقِّ، لَا يَكُونُ مِمَّنْ يَقُولُهُ هُوَ، وَإِذَا قَالَهُ غَيْرُهُ لَمْ (¬3) يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصْدُقُ وَلَا يَكْذِبُ، لَكِنْ يَكْرَهُ: أَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ حَسَدًا وَمُنَافَسَةً، فَيُكَذِّبُ غَيْرَهُ فِي صِدْقِهِ أَوْ لَا يُصَدِّقُهُ، بَلْ يُعْرِضُ عَنْهُ. وَفِيهِمْ مَنْ يُصَدِّقُ طَائِفَةً فِيمَا قَالَتْ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ مَا قَالُوهُ: أَصِدْقٌ هُوَ أَمْ كَذِبٌ؟ وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى لَا يُصَدِّقُهَا (¬4) فِيمَا تَقُولُ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، بَلْ إِمَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا وَإِمَّا أَنْ يُعْرِضَ عَنْهَا (¬5) . وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي عَامَّةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ: تَجِدُ كَثِيرًا مِنْهُمْ صَادِقًا فِيمَا يَنْقُلُهُ، لَكِنْ مَا يَنْقُلُهُ عَنْ طَائِفَتِهِ يُعْرِضُ عَنْهُ، فَلَا يَدْخُلُ هَذَا فِي الْمَدْحِ، بَلْ فِي الذَّمِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَهُ. ¬

(¬1) لَيْسَ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (ب) . (¬2) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) م: لَا. (¬4) س، ب: لَا تُصَدِّقُهَا. (¬5) س، ب: بَلْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقَهَا وَإِمَّا أَنْ تُعْرِضَ عَنْهَا.

وَاللَّهُ قَدْ ذَمَّ الْكَاذِبَ وَالْمُكَذِّبَ بِالْحَقِّ ; لِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ آيَةٍ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 68] وَقَالَ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 21] . وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، الَّذِينَ هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَجِيءُ بِالصِّدْقِ فَلَا يَكْذِبُ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ صَادِقٌ فِي نَفْسِهِ مُصَدِّقٌ لِغَيْرِهِ. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: (وَالَّذِي) صِنْفًا مِنَ الْأَصْنَافِ لَا يُقْصَدُ (¬1) بِهِ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ، أَعَادَ الضَّمِيرَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فَقَالَ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33] . وَأَنْتَ تَجِدُ كَثِيرًا مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى عِلْمٍ وَدِينٍ لَا يَكْذِبُونَ فِيمَا يَقُولُونَهُ (¬2) ، بَلْ لَا يَقُولُونَ إِلَّا الصِّدْقَ، لَكِنْ لَا يَقْبَلُونَ مَا يُخْبِرُ بِهِ غَيْرَهُمْ مِنَ الصِّدْقِ، بَلْ يَحْمِلُهُمُ الْهَوَى وَالْجَهْلُ عَلَى تَكْذِيبِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا إِمَّا تَكْذِيبِ نَظِيرِهِ وَإِمَّا تَكْذِيبِ (¬3) مَنْ لَيْسَ مِنْ طَائِفَتِهِ. وَنَفْسُ تَكْذِيبِ الصَّادِقِ هُوَ مِنَ الْكَذِبِ، وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالْكَاذِبِ (¬4) عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 32] فَكِلَاهُمَا كَاذِبٌ: [هَذَا كَاذِبٌ] (¬5) فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ، وَهَذَا كَاذِبٌ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ الْمُخْبِرِ عَنِ اللَّهِ. ¬

(¬1) س، ب: لَا يُصَدِّقُ بِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ب: فِيمَا يَقُولُونَ. (¬3) م: إِمَّا بِكَذِبِ نَظِيرِهِ، وَإِمَّا بِكَذِبِ. (¬4) م: بِالْكَذِبِ. (¬5) عِبَارَةُ " وَهَذَا كَاذِبٌ " فِي (ب) فَقَطْ.

وَالنَّصَارَى يَكْثُرُ فِيهِمُ الْمُفْتَرُونَ لِلْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ، وَالْيَهُودُ يَكْثُرُ فِيهِمُ الْمُكَذِّبُونَ بِالْحَقِّ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْمُكَذِّبَ بِالصِّدْقِ نَوْعًا ثَانِيًا ; لِأَنَّهُ أَوَّلًا لَمْ يَذْكُرْ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ، بَلْ ذَكَرَ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ. وَأَنْتَ إِذَا تَدَبَّرْتَ هَذَا، وَعَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِالصِّدْقِ مَذْمُومٌ، وَأَنَّ (¬1) الْمَدْحَ لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مَنْ كَانَ آتِيًا بِالصِّدْقِ مُصَدِّقًا لِلصِّدْقِ، عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا مِمَّا هَدَى اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ. إِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الشَّرِّ - أَوْ أَكْثَرَهُ - يَقَعُ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ (¬2) ، فَتَجِدُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، أَوِ الرَّجُلَيْنِ (¬3) مِنَ النَّاسِ، لَا يَكْذِبُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ، لَكِنْ لَا يَقْبَلُ مَا تَأْتِي بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَرُبَّمَا (¬4) جَمَعَ بَيْنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِالصِّدْقِ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي عَامَّةِ الطَّوَائِفِ شَيْءٌ مِنْهُ فَلَيْسَ فِي الطَّوَائِفِ أَدْخَلَ فِي ذَلِكَ مِنَ الرَّافِضَةِ ; فَإِنَّمَا أَعْظَمُ الطَّوَائِفِ كَذِبًا عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى رَسُولِهِ، وَعَلَى الصَّحَابَةِ (¬5) وَعَلَى ذَوِي الْقُرْبَى. وَكَذَلِكَ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ تَكْذِيبًا بِالصِّدْقِ، فَيُكَذِّبُونَ بِالصِّدْقِ الثَّابِتِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْمَنْقُولِ الصَّحِيحِ وَالْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ. فَهَذِهِ الْآيَةُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - مَا فِيهَا مِنْ مَدْحٍ فَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّحَابَةِ الَّذِينَ افْتَرَتْ عَلَيْهِمُ الرَّافِضَةُ وَظَلَمَتْهُمْ، فَإِنَّهُمْ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ، ¬

(¬1) م: فَإِنَّ. (¬2) م: مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَذَيْنِ. (¬3) س، ب: وَالرَّجُلَيْنِ. (¬4) م: وَرُبَّمَا. (¬5) م: وَعَلَى أَصْحَابِهِ.

فصل البرهان الثالث والعشرون " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين " والجواب عليه

وَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ دُخُولًا فِي ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ مِنْهُمْ، وَمَا فِيهَا مِنْ ذَمٍّ فَالرَّافِضَةُ أَدْخَلُ النَّاسِ فِيهِ، فَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّرَفَيْنِ (¬1) ، وَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ عَلَى اخْتِصَاصِ عَلِيٍّ دُونَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ بِشَيْءٍ، فَهِيَ (¬2) حُجَّةٌ [عَلَيْهِمْ] (¬3) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا بِحَالٍ. [فصل البرهان الثالث والعشرون " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 62] مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَكْتُوبٌ عَلَى الْعَرْشِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (¬5) ، مُحَمَّدٌ عَبْدِي وَرَسُولِي أَيَّدْتُهُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬6) ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِهِ: ( {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} ، يَعْنِي بِعَلِيٍّ (¬7) ، وَهَذِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْفَضَائِلِ الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ (¬8) ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". ¬

(¬1) ن: مِنَ الطَّرِيقَيْنِ. (¬2) م: فَهَذِهِ. (¬3) عَلَيْهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (¬4) فِي (ك) ص 160 (م) . (¬5) ك: أَنَا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لِي. (¬6) ك: وَأَيَّدْتُهُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬7) ك: بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬8) مِنَ الصَّحَابَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) .

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْعَزْوِ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فَلَيْسَ (¬1) حُجَّةً بِالِاتِّفَاقِ. وَأَبُو نُعَيْمٍ لَهُ كِتَابٌ مَشْهُورٌ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " (¬2) ، وَقَدْ ذَكَرَ قِطْعَةً مِنَ الْفَضَائِلِ فِي أَوَّلِ " الْحِلْيَةِ "، فَإِنْ كَانُوا يَحْتَجُّونَ بِمَا رَوَاهُ، فَقَدْ رَوَى فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مَا يُنْقِضُ بُنْيَانَهُمْ وَيَهْدِمُ أَرْكَانَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا [لَا] (¬3) يَحْتَجُّونَ بِمَا رَوَاهُ فَلَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى نَقْلِهِ، وَنَحْنُ نَرْجِعُ فِيمَا رَوَاهُ - هُوَ وَغَيْرُهُ - إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ وَالطُّرُقِ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ صِدْقُ الْحَدِيثِ وَكَذِبُهُ، مِنَ النَّظَرِ فِي إِسْنَادِهِ وَرِجَالِهِ، وَهَلْ هُمْ ثِقَاتٌ سَمِعَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَمْ لَا؟ وَنَنْظُرُ إِلَى شَوَاهِدِ الْحَدِيثِ وَمَا يَدُلُّ [عَلَيْهِ] (¬4) عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ مَا يُرْوَى فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ أَوْ فَضَائِلِ غَيْرِهِ، فَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صِدْقٌ صَدَّقْنَاهُ، وَمَا كَانَ كَذِبًا كَذَّبْنَاهُ. فَنَحْنُ نَجِيءُ بِالصِّدْقِ وَنُصَدِّقُ بِهِ، لَا نَكْذِبُ، وَلَا نُكَذِّبُ صَادِقًا. وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ. وَأَمَّا مَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ (¬5) بِالْحَقِّ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُكَذِّبَهُ فِي كَذِبِهِ وَتَكْذِيبِهِ لِلْحَقِّ، كَأَتْبَاعِ مُسَيْلِمَةَ ¬

(¬1) ن، م، س: فَلَيْسَتْ. (¬2) سَبَقَتْ تَرْجَمَةُ أَبِي نُعَيْمٍ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، وَذَكَرَ الزِّرِكْلِيُّ فِي " الْأَعْلَامِ " 1/150 أَنَّ لَهُ كِتَابَ " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ " كَبِيرٌ، بَقِيَتْ مِنْهُ أَجْزَاءٌ فِي مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ مَخْطُوطٍ. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " عَنْهُ: " قَالَ الْخَطِيبُ: رَأَيْتُ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَشْيَاءَ يَتَسَاهَلُ فِيهَا، مِنْهَا أَنَّهُ يُطْلِقُ فِي الْإِجَازَةِ أَخْبَرَنَا وَلَا يُبَيِّنُ. قُلْتُ: هَذَا مَذْهَبٌ رَآهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّدْلِيسِ، وَكَلَامُ ابْنِ مَنْدَهْ فِي أَبِي نُعَيْمٍ فَظِيعٌ لَا أُحِبُّ حِكَايَتَهُ، وَلَا أَقْبَلُ قَوْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ، بَلْ هُمَا عِنْدِي مَقْبُولَانِ، لَا أَعْلَمُ لَهُمَا ذَنْبًا أَكْثَرَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا الْمَوْضُوعَاتِ سَاكِتَيْنِ عَنْهَا ". (¬3) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) . (¬4) عَلَيْهِ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬5) س، ب: وَكَذَّبَ.

الْكَذَّابِ وَالْمُكَذِّبِينَ بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَاتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ: صِدِّيقُهُ الْأَكْبَرُ وَسَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ. وَلِهَذَا نَقُولُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬1) . وَهَذَا الْحَدِيثُ - وَأَمْثَالُهُ - مِمَّا جَزَمْنَا أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ نَشْهَدُ أَنَّهُ (¬2) كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، فَنَحْنُ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - نَعْلَمُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا فِي قُلُوبِنَا، لَا سَبِيلَ لَنَا إِلَى دَفْعِهِ، أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ [كَذِبٌ] (¬3) مَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهَكَذَا نَظَائِرُهُ (¬4) مِمَّا نَقُولُ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَارِفًا بِعِلْمِ الْحَدِيثِ وَبِدِينِ الْإِسْلَامِ يَعْرِفُ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ عِلْمٌ لَا يَدْخُلُ مَعَنَا، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِالصَّرْفِ يَحْلِفُونَ عَلَى مَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَغْشُوشٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَغْشُوشِ وَالصَّحِيحِ. الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 62 - 63] . وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَدَدٌ مُؤَلَّفٌ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ [مِنْهُمْ] (¬5) لَيْسَ لَهُ قُلُوبٌ يُؤَلَّفُ بَيْنَهَا. وَالْمُؤْمِنُونَ (¬6) صِيغَةُ (¬7) جَمْعٍ، فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَاحِدًا ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬2) س، ب: يَشْهَدُ لَهُ، ن: نَسْهَدُ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) لَهُ. (¬3) كَذِبٌ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬4) س، ب: نَظِيرُهُ. (¬5) مِنْهُمْ: فِي (م) فَقَطْ. (¬6) س، ب: وَالْمُؤْمِنِينَ. (¬7) ب: صِفَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

مُعَيَّنًا، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِهَذَا عَلِيٌّ وَحْدَهُ؟ الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ وَالتَّوَاتُرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ قِيَامُ دِينِهِ بِمُجَرَّدِ مُوَافَقَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ عَلِيًّا كَانَ (¬1) مِنْ أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ، فَكَانَ الْإِسْلَامُ ضَعِيفًا، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ هَدَى مَنْ هَدَاهُ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ، لَمْ يَحْصُلْ بِعَلِيٍّ وَحْدَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّأْيِيدِ، وَلَمْ يَكُنْ (¬2) إِيمَانُ النَّاسِ وَهِجْرَتُهُمْ وَلَا نُصْرَتُهُمْ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ مُنْتَصِبًا: لَا بِمَكَّةَ وَلَا بِالْمَدِينَةِ لِلدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ، كَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ مُنْتَصِبًا لِذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ أَحَدٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، لَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَا مِنَ الْأَنْصَارِ، بَلْ لَا نَعْرِفُ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَكِنْ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ قَدْ يَكُونُ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ (¬3) مَنْ أَسْلَمَ، إِنْ كَانَ وَقَعَ ذَلِكَ وَلَيْسَ أُولَئِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ عَلَى يَدِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا كَانَ يَدْعُو الْمُشْرِكِينَ وَيُنَاظِرُهُمْ، كَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُوهُمْ وَيُنَاظِرُهُمْ، وَلَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَخَافُونَهُ، كَمَا يَخَافُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ وَالْمَغَازِي، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ، أَنَّهُ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، صَعِدَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى (¬4) الْجَبَلِ وَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ [أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟] (¬5) فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬

(¬1) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) س، ب: وَلَا يَكُونُ. (¬3) عَلَى يَدَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (ن) : عَلَى يَدِهِ. (¬4) س، ب: إِلَى. (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ.

" لَا تُجِيبُوهُ ". فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تُجِيبُوهُ " فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تُجِيبُوهُ ". فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ. فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ (¬1) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفْسَهُ أَنْ قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ (¬2) لَأَحْيَاءٌ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ. فَقَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا سَوَاءٌ، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ. ثُمَّ أَخَذَ أَبُو سُفْيَانَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: اعْلُ هُبَلْ. . اعْلُ هُبُلْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَلَا تُجِيبُوهُ (¬3) ؟ " فَقَالُوا: وَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ " فَقَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَلَا تُجِيبُوهُ (¬4) " فَقَالُوا: وَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ " فَقَالَ: سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي» (¬5) . فَهَذَا جَيْشُ الْمُشْرِكِينَ إِذْ ذَاكَ لَا يَسْأَلُ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ خَائِفِينَ مِنْ عَلِيٍّ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ طَلْحَةَ أَوِ الزُّبَيْرِ أَوْ نَحْوِهِمْ، أَوْ كَانَ لِلرَّسُولِ تَأْيِيدٌ بِهَؤُلَاءِ، كَتَأْيِيدِهِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، لَكَانَ يُسْأَلُ عَنْهُمْ كَمَا يُسْأَلُ عَنْ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلسُّؤَالِ (¬6) قَائِمٌ، وَالْمَانِعُ ¬

(¬1) م حَمْزَةُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) م: ذَكَرْتَ. (¬3) ب: أَجِيبُوهُ. (¬4) ب: أَجِيبُوهُ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/523 (¬6) ن، س: لِلرَّسُولِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

مُنْتَفٍ، وَمَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ (¬1) يَجِبُ مَعَهُ (¬2) وُجُودُ الْفِعْلِ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ فِي الْإِسْلَامِ أَثَرٌ حَسَنٌ، إِلَّا وَلِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلُهُ، وَلِبَعْضِهِمْ آثَارٌ أَعْظَمُ مِنْ آثَارِهِ. وَهَذَا مَعْلُومٌ لِمَنْ عَرَفَ السِّيرَةَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ بِالنَّقْلِ. وَأَمَّا مَنْ يَأْخُذُ بِنَقْلِ الْكَذَّابِينَ وَأَحَادِيثِ الطُّرُقِيَّةِ، فَبَابُ الْكَذِبِ مَفْتُوحٌ، وَهَذَا الْكَذِبُ (¬3) يَتَعَلَّقُ بِالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 68] . وَمَجْمُوعُ الْمَغَازِي الَّتِي كَانَ فِيهَا الْقِتَالُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعُ مَغَازٍ، وَالْمَغَازِي كُلُّهَا بِضْعٌ وَعِشْرُونَ غَزَاةً (¬4) ، وَأَمَّا السَّرَايَا فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَبْلُغُ سَبْعِينَ (¬5) . وَمَجْمُوعُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ فِي غَزَوَاتِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْلُغُونَ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَلَمْ يَقْتُلْ [عَلِيٌّ] (¬6) مِنْهُمْ عُشْرَهُمْ وَلَا نِصْفَ عُشْرِهِمِ، وَأَكْثَرُ السَّرَايَا لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ فِيهَا. وَأَمَّا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَشْهَدْ شَيْئًا مِنَ الْفُتُوحَاتِ: لَا هُوَ وَلَا عُثْمَانُ وَلَا طَلْحَةُ، ¬

(¬1) س: الصِّدْقِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: الضِّدِّ. (¬2) مَعَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬3) م: الْمُكَذِّبُ. (¬4) م: غَزِيَّةً. (¬5) م: تِسْعِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَانْظُرْ عَنْ عَدَدِ غَزَوَاتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ وَبُعُوثَهُ، زَادَ الْمَعَادِ 1/129 - 130، جَوَامِعَ السِّيرَةِ، ص 16 - 21، صَحِيحَ مُسْلِمٍ 3/1447 - 1448 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيرَةِ، بَابُ عَدَدِ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . (¬6) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س)

وَلَا الزُّبَيْرُ، إِلَّا أَنْ يَخْرُجُوا مَعَ عُمَرَ حِينَ خَرَجَ (¬1) إِلَى الشَّامِ. وَأَمَّا الزُّبَيْرُ فَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَسَعْدٌ شَهِدَ فَتْحَ الْقَادِسِيَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ فَتْحَ الشَّامِ. فَكَيْفَ يَكُونُ تَأْيِيدُ الرَّسُولِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (¬2) دُونَ سَائِرِهِمْ وَالْحَالُ هَذِهِ؟ وَأَيْنَ تَأْيِيدُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ؟ وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَ عَشَرَ، وَيَوْمَ أُحُدٍ نَحْوَ (¬3) سَبْعِمِائَةٍ، وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَيَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَهُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا فَتْحَ خَيْبَرَ، وَيَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ كَانُوا عَشَرَةَ آلَافٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا: تِلْكَ الْعَشَرَةُ (¬4) ، وَالطُّلَقَاءُ أَلْفَانِ. وَأَمَّا تَبُوكُ فَلَا يُحْصَى مَنْ شَهِدَهَا، بَلْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ [أَلْفًا] (¬5) . وَأَمَّا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَلَا يُحْصَى مَنْ شَهِدَهَا مَعَهُ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِهِ (¬6) أَضْعَافُ (¬7) مَنْ رَآهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِمْ فِي حَيَاتِهِ بِالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِمْ، بَلْ كُلُّ مَنْ آمَنَ وَجَاهَدَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ دَخَلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى (¬8) . ¬

(¬1) س، ب: يَخْرُجُ. (¬2) س، ب: مِنَ الصَّحَابَةِ. (¬3) نَحْوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) ن، س: عَشَرَةٌ. (¬5) أَلْفًا: فِي (م) فَقَطْ. (¬6) س، ب: عَلَى عَهْدِهَا. (¬7) ب: أَصْنَافُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) س، ب:. . الْمَعْنَى: وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

فصل البرهان الرابع والعشرون " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " والجواب عليه

[فصل البرهان الرابع والعشرون " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 64] . مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (¬2) . وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ لَمْ تَحْصُلْ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَهُ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مَنْعُ الصِّحَّةِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْكَلَامُ (¬3) مِنْ أَعْظَمِ الْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 64] مَعْنَاهُ: أَنَّ (¬4) اللَّهُ حَسْبُكَ وَحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ وَحْدَهُ كَافِيكَ وَكَافِي مَنْ مَعَكَ (¬5) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: حَسْبُكَ وَزَيْدًا دِرْهَمٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سَيْفُ مُهَنَّدِ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 160 (م) 161 (م) . (¬2) ك: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬3) ن، س، ب: كَلَامٌ. (¬4) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) م: مَنِ اتَّبَعَكَ.

وَذَلِكَ أَنَّ " حَسْبَ " مَصْدَرٌ، فَلَمَّا أُضِيفَ لَمْ يَحْسُنِ الْعَطْفُ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، فَإِنَّ الْعَطْفَ بِدُونِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَهُوَ قَلِيلٌ، وَإِعَادَةُ الْجَارِّ أَحْسَنُ وَأَفْصَحُ، فَعَطَفَ عَلَى الْمَعْنَى، وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوبِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ " [مَعْنَاهُ: يَكْفِيكَ وَالضَّحَّاكَ] (¬1) . وَالْمَصْدَرُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ، لَكِنْ إِذَا أُضِيفَ عَمِلَ فِي غَيْرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا إِنْ أُضِيفَ إِلَى الْفَاعِلِ نَصَبَ الْمَفْعُولَ، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ رَفَعَ الْفَاعِلَ، فَتَقُولُ: أَعْجَبَنِي دَقُّ الْقَصَّارِ الثَّوْبَ، وَهَذَا وَجْهُ الْكَلَامِ. وَتَقُولُ: أَعْجَبَنِي دَقُّ الثَّوْبِ الْقَصَّارُ. وَمِنَ النُّحَاةِ مَنْ يَقُولُ: إِعْمَالُهُ مُنَكَّرًا أَحْسَنُ مِنْ إِعْمَالِهِ مُضَافًا ; لِأَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ قَوِيَ شَبَهُهُ بِالْأَسْمَاءِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ إِضَافَتَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا وَإِعْمَالَهُ فِي الْآخَرِ أَحْسَنُ مِنْ تَنْكِيرِهِ وَإِعْمَالِهِ فِيهِمَا. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: أَعْجَبَنِي دَقُّ الْقَصَّارِ الثَّوْبَ. أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ: دَقُّ الثَّوْبِ الْقَصَّارُ، فَإِنَّ التَّنْكِيرَ أَيْضًا مِنْ خَصَائِصِ الْأَسْمَاءِ، وَالْإِضَافَةُ أَخَفُّ ; لِأَنَّهُ اسْمٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُضَافَ وَلَا يُعْمَلَ، لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَتْ إِضَافَتُهُ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ جَمِيعًا، أُضِيفَ إِلَى أَحَدِهِمَا، وَأُعْمِلَ فِي الْآخَرِ (¬2) . وَهَكَذَا فِي الْمَعْطُوفَاتِ: إِنْ أَمْكَنَ إِضَافَتُهَا إِلَيْهَا كُلَّهَا (¬3) ، كَالْمُضَافِ إِلَى الظَّاهِرِ، فَهُوَ أَحْسَنُ. كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، وَفِي (ب) بَدَلًا مِنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ " مَصْدَرٌ ". (¬2) م: وَعَمِلَ لَهُ فِي الْآخَرِ. (¬3) س، ب: إِنْ أُضِيفَ إِلَيْهَا كُلِّهَا.

الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ [وَالدَّمِ] (¬1) وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ» " (¬2) . وَكَقَوْلِهِمْ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَحَبَلِ (¬3) الْحَبَلَةِ» . وَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ يَحْسُنْ ذَلِكَ، كَقَوْلِكَ: حَسْبُكَ وَزَيْدًا دِرْهَمٌ، عَطْفًا عَلَى الْمَعْنَى. وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلُهُ: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 96] (¬4) ، نُصِبَ هَذَا (¬5) عَلَى مَحَلِّ اللَّيْلِ الْمَجْرُورِ، فَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ كَالْمَصْدَرِ، وَيُضَافُ تَارَةً وَيَعْمَلُ تَارَةً أُخْرَى (¬6) . ¬

(¬1) وَالدَّمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3/84 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْأَصْنَامِ) ، وَأَوَّلُهُ: " إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ "، الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 3/1207 (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/732 (كِتَابُ التِّجَارَاتِ، بَابُ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ) الْمُسْنَدِ " ط. الْحَلَبِيِّ " 3/324، 326. (¬3) م: وَجَعْلِ. (¬4) ن، س: وَجَاعِلُ اللَّيْلِ. . .، وَفِيهِمَا وَفِي (ب) كَلِمَةُ " ذَلِكَ " بَعْدَ كَلِمَةِ " حُسْبَانًا " وَهِيَ مِنَ الْآيَةِ. (¬5) ن، س، ب: نَصَبَ عَلَى هَذَا. (¬6) فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 11/556 - 557 " وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَجَاعِلُ اللَّيْلَ سَكَنًا "، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ، " وَجَاعِلُ اللَّيْلِ " بِالْأَلِفِ عَلَى لَفْظِ الِاسْمِ، وَرَفَعَهُ عَطْفًا عَلَى " فَالِقُ " وَخَفَضَ " اللَّيْلِ " بِإِضَافَةِ " جَاعِلُ " إِلَيْهِ، وَنَصَبَ " الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ "، عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ اللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَإِنْ كَانَ مَخْفُوضًا فِي اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، لِأَنَّهُ مَفْعُولُ " جَاعِلُ " وَحَسُنَ عَطْفُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى " اللَّيْلِ " لَا عَلَى لَفْظِهِ، لِدُخُولِ قَوْلِ: " سَكَنًا " بَيْنَهُ وَبَيْنَ " اللَّيْلِ ". . . .، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ " وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ "، عَلَى " فَعَلَ " بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَنَصْبِ " اللَّيْلَ ".

وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْغَالِطِينَ (¬1) أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ وَالْمُؤْمِنِينَ حَسْبُكَ، وَيَكُونُ: {مَنِ اتَّبَعَكَ} (¬2) رَفْعًا عَطْفًا عَلَى اللَّهِ، وَهَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ مُسْتَلْزِمٌ لِلْكُفْرِ (¬3) ; فَإِنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ حَسْبُ جَمِيعِ الْخَلْقِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 173] * أَيِ: اللَّهُ وَحْدَهُ كَافِينَا كُلَّنَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ: قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * (¬4) (¬5) . فَكُلٌّ مِنَ النَّبِيِّينَ قَالَ: حَسْبِي اللَّهُ، فَلَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ غَيْرَهُ فِي كَوْنِهِ حَسْبَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ حَسْبُهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 36] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 59] الْآيَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَرْضَوْا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَإِلَى أَنْ يَقُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ، وَلَا يَقُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ; لِأَنَّ الْإِيتَاءَ (¬6) يَكُونُ بِإِذْنِ الرَّسُولِ، كَمَا قَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 7] ¬

(¬1) ن، س، ب: الْعَارِفِينَ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن، م، س: مَنْ مَعَكَ. (¬3) م: الْكُفْرِ. (¬4) الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 6/39 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ) ، بَابُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمُ. . . الْآيَةَ، وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 2/147. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬6) ن، م، س: الْإِتْيَانَ.

وَأَمَّا الرَّغْبَةُ فَإِلَى اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ - وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [سُورَةُ الشَّرْحِ: 7] . وَكَذَلِكَ التَّحَسُّبُ الَّذِي هُوَ التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ. فَلِهَذَا أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ، وَلَا يَقُولُوا وَرَسُولُهُ. فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ * حَسْبَ الْمُؤْمِنِ، كَيْفَ يَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ مَعَ اللَّهِ حَسْبًا لِرَسُولِهِ؟ ! وَأَيْضًا فَالْمُؤْمِنُونَ مُحْتَاجُونَ إِلَى اللَّهِ، كَحَاجَةِ الرَّسُولِ إِلَى اللَّهِ * (¬1) ، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حَسْبِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعُونَتُهُمْ وَقُوَّتُهُمْ مِنَ الرَّسُولِ وَقُوَّةُ الرَّسُولِ مِنْهُمْ ; فَإِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ، بَلْ قُوَّتُهُمْ مِنَ اللَّهِ، وَقُوَّةُ الرَّسُولِ مِنَ اللَّهِ، [فَاللَّهُ] وَحْدَهُ (¬2) يَخْلُقُ قُوَّتَهُمْ، وَاللَّهُ وَحْدَهُ يَخْلُقُ قُوَّةَ الرَّسُولِ. فَهَذَا كَقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ - وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 62 - 63] ، فَإِنَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الْمُؤَيِّدُ لِلرَّسُولِ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: نَصْرُهُ الَّذِي يَنْصُرُ بِهِ (¬3) ، وَالثَّانِي: بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَتَى بِهِمْ. وَهُنَاكَ قَالَ: حَسْبُكَ اللَّهُ، وَلَمْ يَقُلْ: نَصْرُ اللَّهِ. فَنَصْرُ اللَّهِ مِنْهُ، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ (¬4) مَخْلُوقَاتِهِ أَيْضًا، فَعَطَفَ مَا مِنْهُ عَلَى مَا مِنْهُ، إِذْ كِلَاهُمَا مِنْهُ. وَأَمَّا هُوَ سُبْحَانَهُ فَلَا يَكُونُ مَعَهُ غَيْرُهُ فِي إِحْدَاثِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، بَلْ هُوَ وَحْدَهُ الْخَالِقُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ. وَإِذَا (¬5) تَبَيَّنَ هَذَا، فَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ رَتَّبُوا جَهْلًا عَلَى جَهْلٍ، فَصَارُوا فِي ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) س: مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَفِي (م) : مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ وَحْدَهُ. (¬3) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) : سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) س، ب: فَإِذَا.

ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، فَظَنُّوا أَنَّ قَوْلَهُ: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَسْبُكَ، ثُمَّ جَعَلُوا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ هُمْ (¬1) عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَجَهْلُهُمْ [فِي] (¬2) هَذَا أَظْهَرُ مِنْ جَهْلِهِمْ فِي الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ، وَأَمَّا هَذَا فَلَا (¬3) يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ وَحْدَهُ [مِنَ الْخَلْقِ] (¬4) كَافِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا عَلِيٌّ لَمَا أَقَامَ دِينَهُ. وَهَذَا عَلِيٌّ لَمْ يُغْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَعَهُ أَكْثَرُ جُيُوشِ الْأَرْضِ، بَلْ لَمَّا حَارَبَهُ مُعَاوِيَةُ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ مُقَاوِمًا لَهُ أَوْ مُسْتَظْهِرًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِقُوَّةِ قِتَالٍ أَوْ قُوَّةِ مَكْرٍ وَاحْتِيَالٍ (¬5) ، فَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ: الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ ... هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مَرَّةً بَلَغَتْ (¬6) مِنَ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ (¬7) . فَإِذَا لَمْ يُغْنِ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَاتِّبَاعِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَهُ، فَكَيْفَ يُغْنِي عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ أَعْدَاؤُهُ؟ ! وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا لَمْ يَغْلِبْ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ لِأَنَّ جَيْشَهُ لَا يُطِيعُونَهُ، بَلْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ عَلَيْهِ. ¬

(¬1) : سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) : فِي (ب) فَقَطْ. (¬3) ، م: فَمَا. (¬4) الْخَلْقِ: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ. (¬5) : وَاحْتِيَارٍ، س، ب: وَاخْتِبَارٍ. (¬6) ، س، ب: فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِعَبْدٍ مَرَّةً: بَلَغَا. (¬7) الْبَيْتَانِ لِلْمُتَنَبِّي فِي مَطْلَعِ قَصِيدَةٍ يَمْدَحُ بِهَا سَيْفَ الدَّوْلَةِ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ سَنَةَ 345 انْظُرْ: شَرْحَ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي 4/307 وَضْعَ الْأُسْتَاذِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبُرْقُوقِيِّ، ط. دَارِ الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ، بَيْرُوتَ.

قِيلَ: فَإِذَا كَانَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُطِيعُوهُ، فَكَيْفَ يُطِيعُهُ الْكُفَّارُ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِنَبِيِّهِ وَبِهِ؟ ! وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ يَجْمَعُونَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ; لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ: يَجْعَلُونَ عَلِيًّا أَكْمَلَ النَّاسِ قُدْرَةً وَشَجَاعَةً، حَتَّى يَجْعَلُوهُ هُوَ الَّذِي أَقَامَ دِينَ الرَّسُولِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ. وَيَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا الْكُفْرِ، إِذْ يَجْعَلُونَهُ (¬1) شَرِيكًا لِلَّهِ فِي إِقَامَةِ دِينِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ يَصِفُونَهُ بِغَايَةِ الْعَجْزِ وَالضَّعْفِ وَالْجَزَعِ وَالتَّقِيَّةِ بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَقُوَّتِهِ وَدُخُولِ النَّاسِ فِيهِ أَفْوَاجًا (¬2) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ النَّاسَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَتْبَعُ لِلْحَقِّ مِنْهُمْ قَبْلَ دُخُولِهِمْ فِيهِ، فَمَنْ كَانَ مُشَارِكًا لِلَّهِ فِي إِقَامَةِ دِينِ مُحَمَّدٍ، حَتَّى قَهَرَ الْكُفَّارَ وَأَسْلَمَ النَّاسُ، كَيْفَ لَا يَفْعَلُ هَذَا فِي قَهْرِ طَائِفَةٍ بَغَوْا عَلَيْهِ، هُمْ أَقَلُّ مِنَ الْكُفَّارِ (¬3) الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ، وَأَقَلُّ مِنْهُمْ شَوْكَةً، وَأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ مِنْهُمْ؟ ! فَإِنَّ الْكُفَّارَ حِينَ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا كَانُوا أَكْثَرَ مِمَّنْ نَازَعَ عَلِيًّا وَأَبْعَدَ عَنِ الْحَقِّ، فَإِنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْمَغْرِبِ كُلَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا، مَا بَيْنَ مُشْرِكٍ وَكِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَصَابِئٍ، وَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ قَدْ ظَهَرَ فِيهَا الْإِسْلَامُ، وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ ظَهَرَ فِي الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْمَغْرِبِ. فَكَانَ أَعْدَاءُ الْحَقِّ عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَلَّ مِنْهُمْ ¬

(¬1) ن، م، س: الَّذِي يَجْعَلُونَهُ. (¬2) أَفْوَاجًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) م: فَهُمْ أَقَلُّ الْكُفَّارِ.

وَأَضْعَفَ، وَأَقَلَّ (¬1) عَدَاوَةً مِنْهُمْ لَهُ (¬2) عِنْدَ مَبْعَثِهِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا عِنْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ أَقَلَّ مِنْهُمْ وَأَضْعَفَ، وَأَقَلَّ عَدَاوَةً مِنْهُمْ لَهُ (¬3) حِينَ بُعِثَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّ جَمِيعَ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عَلِيٌّ، هُوَ جُزْءٌ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَنْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَاتَلَهُ عَلَيْهِ، كَذَّبَ بِمَا قَاتَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ مِنْ ذَلِكَ. فَإِذَا كَانَ عَلِيٌّ فِي هَذِهِ الْحَالِ قَدْ ضَعُفَ وَعَجَزَ عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ وَدَفْعِ الْبَاطِلِ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ حِينَ الْمَبْعَثِ (¬4) ، وَهُوَ أَضْعَفُ وَأَعْجَزُ، وَأَعْدَاءُ الْحَقِّ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ وَأَشَدُّ عَدَاوَةً؟ ! وَمِثْلُ الرَّافِضَةِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ النَّصَارَى: ادَّعَوْا فِي الْمَسِيحِ الْإِلَهِيَّةَ، وَأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ثُمَّ يَجْعَلُونَ أَعْدَاءَهُ صَفَعُوهُ وَوَضَعُوا الشَّوْكَ عَلَى رَأْسِهِ وَصَلَبُوهُ، وَأَنَّهُ جَعَلَ يَسْتَغِيثُ فَلَا يُغِيثُوهُ، فَلَا [أَفْلَحُوا] بِدَعْوَى (¬5) تِلْكَ الْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ، وَلَا بِإِثْبَاتِ هَذِهِ الذِّلَّةِ التَّامَّةِ. وَإِنْ قَالُوا: كَانَ هَذَا بِرِضَاهُ (¬6) . قِيلَ: فَالرَّبُّ إِنَّمَا يَرْضَى بِأَنْ يُطَاعَ لَا بِأَنْ يُعْصَى. فَإِنْ كَانَ قَتْلُهُ وَصَلْبُهُ بِرِضَاهُ (¬7) ، كَانَ ذَلِكَ عِبَادَةً وَطَاعَةً لِلَّهِ، فَيَكُونُ الْيَهُودُ الَّذِينَ صَلَبُوهُ عَابِدِينَ ¬

(¬1) وَأَقَلَّ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (م) ، (س) (ب) . (¬3) فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ (م) ، (س) (ب) . (¬4) ب: الْبَعْثِ. (¬5) س، ب: فَلَا يَدَعُوا، ن: فَلَا بِدَعْوَى، وَزِدْتُ كَلِمَةَ " أَفْلَحُوا " لِتَسْتَقِيمَ الْعِبَارَةُ. (¬6) ن، س، ب: هَذَا كَانَ يَرْضَاهُ، وَكَلِمَةُ " بِرِضَاهُ " لَيْسَتْ مَنْقُوطَةً فِي (م) وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬7) ن، س، ب: يَرْضَاهُ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) .

لِلَّهِ مُطِيعِينَ فِي ذَلِكَ، فَيُمْدَحُونَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُذَمُّونَ. وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ. وَهَكَذَا يُوجَدُ مَنْ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى وَالرَّافِضَةِ مِنَ الْغُلَاةِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَشُيُوخِهِمْ، تَجِدُهُمْ فِي غَايَةِ الدَّعْوَى وَفِي غَايَةِ الْعَجْزِ. كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (¬1) وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَفَقِيرٌ مُخْتَالٌ ". وَفِي لَفْظٍ: " عَائِلٌ (¬2) مَزْهُوٌّ " وَفِي لَفْظٍ: " وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» " (¬3) وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْعَامَّةِ: الْفَقْرُ وَالزَّنْطَرَةُ (¬4) . فَهَكَذَا شُيُوخُ الدَّعَاوَى وَالشَّطْحِ: يَدَّعِي أَحَدُهُمُ الْإِلَهِيَّةَ وَمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَيَعْزِلُ الرَّبَّ عَنْ رُبُوبِيَّتِهِ وَالنَّبِيَّ عَنْ رِسَالَتِهِ، ثُمَّ (¬5) آخِرَتُهُ شَحَّاذٌ يَطْلُبُ مَا يُقِيتُهُ (¬6) ، أَوْ خَائِفٌ يَسْتَعِينُ بِظَالِمٍ عَلَى دَفْعِ مَظْلَمَتِهِ، فَيَفْتَقِرُ (¬7) إِلَى لُقْمَةٍ، وَيَخَافُ مِنْ كَلِمَةٍ، فَأَيْنَ هَذَا الْفَقْرُ وَالذُّلُّ مِنْ دَعْوَى الرُّبُوبِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْغِنَى وَالْعِزِّ؟ ! وَهَذِهِ حَالُ (¬8) الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 31] . ¬

(¬1) س، ب: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ. (¬2) عَائِلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/412 (¬4) م: وَالزَّبْطَرَةُ. (¬5) م: أَثَّرَ. (¬6) ن: مَا يَفْتِنُهُ، م: مَا يُغْنِيهِ. (¬7) ن: يَفْتَقِرُ، م: مُفْتَقِرٌ. (¬8) م: حَالَةُ.

وَقَالَ: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 41] وَقَالَ: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 151] . وَالنَّصَارَى فِيهِمْ شِرْكٌ بَيِّنٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 31] . وَهَكَذَا مَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الْغَالِيَةِ مِنَ الشِّيعَةِ وَالنُّسَّاكِ: فِيهِ شِرْكٌ وَغُلُوٌّ، [كَمَا فِي النَّصَارَى شِرْكٌ وَغُلُوٌّ] (¬1) وَالْيَهُودُ فِيهِمْ كِبْرٌ، وَالْمُسْتَكْبِرُ مُعَاقَبٌ بِالذُّلِّ. قَالَ تَعَالَى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 112] . وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 87] فَتَكْذِيبُهُمْ وَقَتْلُهُمْ لِلْأَنْبِيَاءِ (¬2) كَانَ اسْتِكْبَارًا. فَالرَّافِضَةُ فِيهِمْ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ وَجْهٍ، وَشَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى مِنْ وَجْهٍ. فَفِيهِمْ شِرْكٌ وَغُلُوٌّ وَتَصْدِيقٌ بِالْبَاطِلِ كَالنَّصَارَى، وَفِيهِمْ جُبْنٌ وَكِبْرٌ وَحَسَدٌ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ كَالْيَهُودِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬2) س، ب: الْأَنْبِيَاءِ.

فصل البرهان الخامس والعشرون " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " والجواب عليه

وَهَكَذَا غَيَّرَ الرَّافِضَةُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، تَجِدُهُمْ فِي نَوْعٍ مِنَ الضَّلَالِ وَنَوْعٍ مِنَ الْغَيِّ، فِيهِمْ شِرْكٌ وَكِبَرٌ. لَكِنَّ الرَّافِضَةَ أَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا تَجِدُهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ تَعْطِيلًا لِبُيُوتِ اللَّهِ وَمَسَاجِدِهِ مِنَ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، الَّتِي هِيَ أَحَبُّ الِاجْتِمَاعَاتِ إِلَى اللَّهِ. وَهُمْ أَيْضًا لَا يُجَاهِدُونَ الْكُفَّارَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، بَلْ كَثِيرًا مَا يُوَالُونَهُمْ وَيَسْتَعِينُونَ بِهِمْ (¬1) عَلَى عَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ يُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُوَالُونَ أَعْدَاءَهُ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ، كَمَا يُعَادُونَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ [مِنَ] الْمُهَاجِرِينَ (¬2) وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَيُوَالُونَ أَكْفَرَ الْخَلْقِ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنَّصِيرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ، وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ: هُمْ كُفَّارٌ، فَقُلُوبُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ إِلَيْهِمْ أَمْيَلُ مِنْهَا إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، حَتَّى الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ (¬3) وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ إِلَّا وَفِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا يُوجَدُ أَيْضًا شُعْبَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ أَتْبَاعِ الْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْكُتَّابِ وَالتُّجَّارِ، لَكِنَّ الرَّافِضَةَ أَبْلَغُ فِي الضَّلَالِ وَالْغَيِّ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ. [فصل البرهان الخامس والعشرون " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ¬

(¬1) ن، س: وَيَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ. (¬2) س: بِالْمُهَاجِرِينَ، ب: كَالْمُهَاجِرِينَ. وَسَقَطَتْ " مِنْ " مِنْ (ن) . (¬3) وَالْكَلَامِ: لَيْسَتْ فِي (م) . (¬4) فِي (ك) ص 161 (م) .

{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: إِنَّمَا (¬1) نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ، وَهَذَا يَدُلُّ (¬2) عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى الثَّعْلَبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ [فِي] هَذِهِ الْآيَةِ (¬3) : " قَالَ عَلِيٌّ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: إِنَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ (¬4) أَهْلُ الْيَمَنِ ". وَذَكَرَ حَدِيثَ عِيَاضِ بْنِ غُنْمٍ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ: " «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ» ". فَقَدْ نَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ عَلِيًّا فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ بِأَنَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ. وَأَمَّا أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ، فَرَوَى الطَّبَرِيُّ (¬5) عَنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ (¬6) ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، [عَنِ الضَّحَّاكِ] (¬7) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ [فِي قَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] (¬8) قَالَ: عَلِمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَقَعَ (¬9) مَعْنَى (¬10) السُّوءِ ¬

(¬1) ك: إِنَّهَا. (¬2) س، ب: دَلِيلٌ. (¬3) ن، س، ب: وَأَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الْآيَةَ. (¬4) هُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) فِي تَفْسِيرِهِ " ط. الْمَعَارِفِ " 10/413 - 414. (¬6) الطَّبَرِيُّ: الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ. (¬7) عَنِ الضَّحَّاكِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬9) ب: وَأَوْقَعَ. (¬10)) ن، م، س: يَعْنِي.

عَلَى الْحَشْوِ الَّذِي (¬1) فِيهِمْ [مِنَ] الْمُنَافِقِينَ (¬2) وَمَنْ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَرْتَدُّوا (¬3) ، فَقَالَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ} (¬4) : الْمُرْتَدَّةُ فِي دُورِهِمْ (¬5) ، {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} : بِأَبِي بَكْرٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالضِّحَّاكِ وَابْنِ جُرَيْجٍ (¬6) ، وَذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّهُمُ الْأَنْصَارُ (¬7) ، وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ (¬8) ، وَرَجَّحَ هَذَا الْآخَرُ وَأَنَّهُمْ رَهْطُ أَبِي مُوسَى (¬9) ، قَالَ (¬10) : " وَلَوْلَا صِحَّةُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ الْقَوْلُ عِنْدِي [فِي ذَلِكَ] إِلَّا قَوْلَ (¬11) مَنْ قَالَ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ " (¬12) قَالَ: " لَمَّا ارْتَدَّ الْمُرْتَدُّونَ جَاءَ اللَّهُ بِهَؤُلَاءِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬13) . ¬

(¬1) م: ب: الَّذِينَ. (¬2) ن، م، س: فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ. (¬3) ن، م، س: أَنْ يَرْتَدَّ. (¬4) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ: قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ. (¬5) ب: فِي دِينِهِمْ. (¬6) انْظُرْ: تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 10/411 - 413 (¬7) انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 10/417 - 418. (¬8) انْظُرْ: تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 10/416 - 417 (¬9) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ 10/419 (¬10) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ 10 ت 419 (¬11) ن، م، س: مَا كَانَ عِنْدِي الْقَوْلُ إِلَّا قَوْلَ. (¬12) تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ 10/419 " وَلَوْلَا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ: مَا كَانَ الْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْلَ مَنْ قَالَ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ ". (¬13) تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ 10/420 " وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ لَمْ يَعِدِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُبَدِّلَهُمْ بِالْمُرْتَدِّينَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا مِنَ الْمُرْتَدِّينَ لِقِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِمْ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْهُمْ، فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ قَرِيبًا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَجَاءَ بِهِمْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ. . . س، ب: لَمَّا.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا قَوْلٌ بِلَا حُجَّةٍ، فَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا (¬1) هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ وَأَظْهَرُ، وَهُوَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَأَصْحَابِهِ، الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ أَهْلَ الرِّدَّةِ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ [عِنْدَ النَّاسِ] (¬2) كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْكَذَّابُونَ أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الْفَضَائِلَ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ يَجْعَلُونَهَا (¬3) لِعَلِيٍّ، وَهَذَا مِنَ الْمَكْرِ السَّيِّئِ الَّذِي لَا يَحِيقُ إِلَّا بِأَهْلِهِ. وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِشَيْخٍ أَعْرِفُهُ، وَكَانَ فِيهِ دِينٌ وَزُهْدٌ وَأَحْوَالٌ مَعْرُوفَةٌ لَكِنْ كَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ. قَالَ: وَكَانَ عِنْدَهُ كِتَابٌ يُعَظِّمُهُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ مِنَ الْأَسْرَارِ، وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ خَزَائِنِ الْخُلَفَاءِ، وَبَالَغَ فِي وَصْفِهِ. فَلَمَّا أَحْضَرَهُ، فَإِذَا بِهِ كِتَابٌ (¬4) قَدْ كُتِبَ بِخَطٍّ حَسَنٍ، وَقَدْ عَمَدُوا إِلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعِهَا فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْوِهِمَا جَعَلُوهَا لِعَلِيٍّ. وَلَعَلَّ هَذَا الْكِتَابَ كَانَ مِنْ خَزَائِنِ بَنِي عُبَيْدٍ الْمِصْرِيِّينَ، فَإِنَّ خَوَاصَّهُمْ كَانُوا مَلَاحِدَةً زَنَادِقَةً غَرَضُهُمْ قَلْبُ الْإِسْلَامِ، وَكَانُوا قَدْ وَضَعُوا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُفْتَرَاةِ الَّتِي يُنَاقِضُونَ بِهَا الدِّينَ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إِنَّمَا أُخِذَتْ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، كَمَا يَظُنُّ مِثْلُ ابْنِ الْخَطِيبِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَأَنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا كَانَ الْغَلَطُ يَرُوجُ عَلَيْهِمَا، أَوْ ¬

(¬1) س، ب: لِمَا. (¬2) عِنْدَ النَّاسِ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) يَجْعَلُونَهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) م: وَإِذَا الْكِتَابُ، س، ب: وَإِذَا بِهِ كِتَابٌ.

كَانَا يَتَعَمَّدَانِ (¬1) الْكَذِبَ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ قَوْلَنَا: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَامَةٌ لَنَا عَلَى [ثُبُوتِ] (¬2) صِحَّتِهِ، لَا أَنَّهُ (¬3) كَانَ صَحِيحًا بِمُجَرَّدِ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، بَلْ أَحَادِيثُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَوَاهَا غَيْرُهُمَا (¬4) مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِحَدِيثٍ، بَلْ مَا مِنْ حَدِيثٍ إِلَّا وَقَدْ رَوَاهُ قَبْلَ زَمَانِهِ وَفِي زَمَانِهِ وَبَعْدَ زَمَانِهِ طَوَائِفُ، وَلَوْ لَمْ يُخْلَقِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الدِّينِ شَيْءٌ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ مَوْجُودَةً بِأَسَانِيدَ يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ وَفَوْقَ الْمَقْصُودِ. وَإِنَّمَا قَوْلُنَا: رَوَاهُ (¬5) الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَقَوْلِنَا: قَرَأَهُ (¬6) الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ. وَالْقُرْآنُ مَنْقُولٌ بِالتَّوَاتُرِ، لَمْ يَخْتَصَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةُ بِنَقْلِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ التَّصْحِيحُ لَمْ يُقَلِّدْ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِيهِ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا، بَلْ جُمْهُورُ مَا صَحَّحَاهُ كَانَ قَبْلَهُمَا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ صَحِيحًا مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ، وَكَذَلِكَ فِي عَصْرِهِمَا وَكَذَلِكَ بَعْدَهُمَا قَدْ نَظَرَ (¬7) أَئِمَّةُ هَذَا الْفَنِّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَوَافَقُوهُمَا (¬8) عَلَى تَصْحِيحِ (¬9) مَا صَحَّحَاهُ، إِلَّا مَوَاضِعَ يَسِيرَةً، نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا، غَالِبُهَا فِي مُسْلِمٍ، انْتَقَدَهَا عَلَيْهِمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَهَذِهِ ¬

(¬1) ن، س، ب: يَعْتَمِدَانِ. (¬2) ثُبُوتِ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) م: لِأَنَّهُ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ن، م، س: غَيْرُهُمْ. (¬5) م: رِوَايَةُ. (¬6) م: قِرَاءَةُ. (¬7) ن، م، س: قَدْ يَظُنُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) م: وَوَقَفُوا. (¬9) س، ب: صِحَّةِ.

الْمَوَاضِعُ الْمُنْتَقَدَةُ غَالِبُهَا فِي مُسْلِمٍ، وَقَدِ انْتَصَرَ طَائِفَةٌ لَهُمَا فِيهَا، وَطَائِفَةٌ قَرَّرَتْ قَوْلَ الْمُنْتَقِدَةِ (¬1) . وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ ; فَإِنَّ فِيهَا مَوَاضِعَ مُنْتَقَدَةً بِلَا رَيْبٍ، مِثْلَ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَحَدِيثِ خَلْقِ اللَّهِ الْبَرِيَّةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَحَدِيثِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ وَأَكْثَرَ. وَفِيهَا مَوَاضِعُ لَا انْتِقَادَ فِيهَا فِي الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ أَبْعَدُ الْكِتَابَيْنِ عَنِ الِانْتِقَادِ، وَلَا يَكَادُ يَرْوِي لَفْظًا فِيهِ انْتِقَادٌ، إِلَّا وَيَرْوِي اللَّفْظَ الْآخَرَ الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُنْتَقَدٌ، فَمَا فِي كِتَابِهِ لَفْظٌ مُنْتَقَدٌ، إِلَّا وَفِي كِتَابِهِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُنْتَقَدٌ. وَفِي الْجُمْلَةِ مَنْ نَقَدَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَرُجْ عَلَيْهِ (¬2) فِيهَا إِلَّا دَرَاهِمُ يَسِيرَةٌ، وَمَعَ هَذَا فَهِيَ مُغَيَّرَةٌ لَيْسَتْ مَغْشُوشَةً مَحْضَةً، فَهَذَا إِمَامٌ فِي صَنْعَتِهِ. وَالْكِتَابَانِ سَبْعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ وَكَسْرٌ (¬3) . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَحَادِيثَهُمَا انْتَقَدَهَا (¬4) الْأَئِمَّةُ الْجَهَابِذَةُ قَبْلَهُمْ وَبَعْدَهُمْ، وَرَوَاهَا خَلَائِقُ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمْ يَنْفَرِدَا لَا بِرِوَايَةٍ وَلَا بِتَصْحِيحٍ، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - هُوَ الْكَفِيلُ بِحِفْظِ (¬5) هَذَا الدِّينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 9] . وَهَذَا مِثْلُ غَالِبِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي مَذَاهِبِ (¬6) الْأَئِمَّةِ مِثْلِ الْقُدُورِيِّ وَالتَّنْبِيهِ وَالْخِرَقِيِّ (¬7) وَالْجَلَّابِ، غَالِبُ مَا فِيهَا إِذَا ¬

(¬1) ن، ب: قَرَّرَتْ قَوْلَ الْمُنْتَقِدِ، م: قَرَّرَتِ الْمُنْتَقِدَةَ. (¬2) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (¬3) م: وَكَثِيرٌ. (¬4) س: انْقُدْهَا، ب: نَقَدَهَا. (¬5) س، ب: الْحَفِيظُ يَحْفَظُ. (¬6) ن، س، ب: مَذْهَبِ. (¬7) م: وَالْحَرْبِيِّ، س، ب: وَالْحَوْفِيِّ.

قِيلَ: ذَكَرَهُ فُلَانٌ، عُلِمَ أَنَّهُ مَذْهَبُ ذَلِكَ الْإِمَامِ، وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ سَائِرُ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ يَنْقُلُونَ مَذْهَبَهُ بِالتَّوَاتُرِ. وَهَذِهِ الْكُتُبُ فِيهَا مَسَائِلُ انْفَرَدَ بِهَا بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَفِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَهُمْ، لَكِنْ غَالِبًا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَجُمْهُورُ مَا فِيهِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، الَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ عِنَايَةً بِأَلْفَاظِ الرَّسُولِ وَضَبْطًا لَهَا وَمَعْرِفَةً بِهَا مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ لِأَلْفَاظِ أَئِمَّتِهِمْ، وَعُلَمَاءُ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِمَقَاصِدِ الرَّسُولِ [فِي أَلْفَاظِهِ] (¬1) مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ بِمَقَاصِدِ أَئِمَّتِهِمْ، وَالنِّزَاعُ بَيْنَهُمْ (¬2) فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ تَنَازُعِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ فِي مَذَاهِبِ أَئِمَّتِهِمْ. وَالرَّافِضَةُ - لِجَهْلِهِمْ - يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا قَبِلُوا مَا فِي نُسْخَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَجَعَلُوا فَضَائِلَ الصِّدِّيقِ لِعَلِيٍّ، أَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، الَّذِينَ حَفِظَ اللَّهُ بِهِمُ الذِّكْرَ. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَوَاتَرَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ الَّذِي قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي قَاتَلَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ الْمُدَّعِيَ لِلنُّبُوَّةِ وَأَتْبَاعَهُ بَنِي حَنِيفَةَ وَأَهْلَ الْيَمَامَةِ. قَدْ قِيلَ: كَانُوا نَحْوَ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ (¬3) ، وَقَاتَلَ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّ، وَكَانَ قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِنَجْدٍ، وَاتَّبَعَهُ مِنْ أَسَدٍ وَتَمِيمٍ وَغَطَفَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ادَّعَتِ النُّبُوَّةَ سَجَاحٌ، امْرَأَةٌ تَزَوَّجَهَا مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، فَتَزَوَّجَ الْكَذَّابُ بِالْكَذَّابَةِ. ¬

(¬1) فِي أَلْفَاظِهِ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) بَيْنَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) ن، م: وَأَكْثَرَ.

وَأَيْضًا فَكَانَ مِنَ الْعَرَبِ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَتَّبِعْ مُتَنَبِّئًا كَذَّابًا. وَمِنْهُمْ قَوْمٌ أَقَرُّوا بِالشَّهَادَتَيْنِ، لَكِنِ امْتَنَعُوا مِنْ أَحْكَامِهِمَا كَمَانِعِي الزَّكَاةِ. وَقِصَصُ هَؤُلَاءِ مَشْهُورَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ يَعْرِفُهَا كُلُّ مَنْ لَهُ بِهَذَا الْبَابِ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ. وَالْمُقَاتِلُونَ لِلْمُرْتَدِّينَ [هُمْ مِنَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَيُحِبُّونَهُ] (¬1) ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَاتَلُوا سَائِرَ الْكُفَّارِ مِنَ الرُّومِ وَالْفُرْسِ. وَهَؤُلَاءِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَؤُلَاءِ، فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَقَالَ: " هُمْ قَوْمُ هَذَا " (¬2) . فَهَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِالتَّوَاتُرِ وَالضَّرُورَةِ: أَنَّ الَّذِينَ أَقَامُوا الْإِسْلَامَ وَثَبَتُوا عَلَيْهِ حِينَ الرِّدَّةِ، وَقَاتَلُوا الْمُرْتَدِّينَ وَالْكُفَّارَ، هُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] . وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِمَّنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ، لَكِنْ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَا * كَانَ جِهَادُهُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ أَعْظَمَ مِنْ جِهَادِ هَؤُلَاءِ، وَلَا حَصَلَ بِهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لِلدِّينِ أَعْظَمُ * (¬3) مِمَّا حَصَلَ بِهَؤُلَاءِ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ سَعْيٌ مَشْكُورٌ وَعَمَلٌ مَبْرُورٌ وَآثَارٌ صَالِحَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَاللَّهُ يَجْزِيهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ خَيْرَ جَزَاءٍ، فَهُمُ ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: وَمِنَ الْمُقَاتِلِينَ لِلْمُرْتَدِّينَ، وَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ، إِلَخْ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ تَسْتَقِيمُ بِهِ الْعِبَارَةُ. (¬2) ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ 10/414 - 415 " وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ ". (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْأَئِمَّةُ الْمَهْدِيُّونَ، الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ، وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ. وَأَمَّا أَنْ يَأْتِيَ إِلَى أَئِمَّةِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ كَانَ نَفْعُهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا أَعْظَمَ، فَيَجْعَلَهُمْ كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا (¬1) ظَلَمَةً، وَيَأْتِيَ إِلَى مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلُ مَا جَرَى عَلَى يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، * فَيَجْعَلَهُ اللَّهَ أَوْ شَرِيكًا لِلَّهِ، أَوْ شَرِيكَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوِ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ إِلَّا مَنْ * (¬2) جَعَلَهُ مَعْصُومًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَيَجْعَلَ الْكُفَّارَ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِي قَاتَلَهُمْ أُولَئِكَ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَيَجْعَلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ، وَيُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ يَجْعَلُهُمْ (¬3) كُفَّارًا لِأَجْلِ قِتَالِ هَؤُلَاءِ. فَهَذَا عَمَلُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالْإِلْحَادِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، عَمَلُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا دِينَ وَلَا إِيمَانَ. وَالْعُلَمَاءُ دَائِمًا يَذْكُرُونَ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَعَ الرَّفْضَ كَانَ زِنْدِيقًا مُلْحِدًا، مَقْصُودُهُ إِفْسَادُ [دِينِ] (¬4) الْإِسْلَامِ. وَلِهَذَا [صَارَ] (¬5) الرَّفْضُ مَأْوَى الزَّنَادِقَةِ الْمُلْحِدِينَ مِنَ الْغَالِيَةِ وَالْمُعَطِّلَةِ (¬6) ، كَالنَّصِيرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ. وَأَوَّلُ الْفِكْرَةِ (¬7) آخِرُ الْعَمَلِ، فَالَّذِي ابْتَدَعَ الرَّفْضَ كَانَ مَقْصُودُهُ إِفْسَادَ (¬8) ¬

(¬1) ، ب: وَفُسَّاقًا، م: أَوْ فَسَقَةً. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (ن) ، (س) : إِلَّا مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعْصُومًا) إِلَخْ. (¬3) يَجْعَلُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) دِينِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) صَارَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬6) م: وَالْمُبْطِلَةِ. (¬7) م: الْكَفَرَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬8) م: إِفْسَادَهُ.

دِينِ الْإِسْلَامِ، وَنَقْضَ عُرَاهُ، وَقَلْعَهُ بِعُرُوشِهِ آخِرًا، لَكِنْ صَارَ يَظْهَرُ مِنْهُ مَا يُكِنُّهُ (¬1) مِنْ ذَلِكَ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنِ (¬2) ابْنِ سَبَأٍ وَأَتْبَاعِهِ (¬3) ، وَهُوَ الَّذِي ابْتَدَعَ النَّصَّ فِي عَلِيٍّ، وَابْتَدَعَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ. فَالرَّافِضَةُ (¬4) الْإِمَامِيَّةُ هُمْ أَتْبَاعُ الْمُرْتَدِّينَ، وَغِلْمَانُ الْمُلْحِدِينَ، وَوَرَثَةُ الْمُنَافِقِينَ، لَمْ يَكُونُوا أَعْيَانَ الْمُرْتَدِّينَ الْمُلْحِدِينَ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ، أَيَقُولُ الْقَائِلُ: أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَلَفْظُهَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ؟ قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] إِلَى قَوْلِهِ: {لَوْمَةَ لَائِمٍ} . أَفَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا رَجُلًا، فَإِنَّ الرَّجُلَ (¬5) لَا يُسَمَّى قَوْمًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا. وَلَوْ قَالَ: الْمُرَادُ هُوَ وَشِيعَتُهُ. لَقِيلَ: إِذَا كَانَتِ الْآيَةُ أَدْخَلَتْ مَعَ عَلِيٍّ غَيْرَهُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوا الْكُفَّارَ وَالْمُرْتَدِّينَ أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِيهَا مِمَّنْ لَمْ يُقَاتِلْ إِلَّا أَهْلَ الْقِبْلَةِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ، الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِيهَا مِنَ الرَّافِضَةِ، الَّذِينَ يُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ، وَيُعَادُونَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. فَإِنْ قِيلَ: الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ عَلِيٍّ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. قِيلَ: وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ أَيْضًا كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. فَكِلَا ¬

(¬1) ن، م، س: مَا يُمْكِنُهُ. (¬2) س، ب: عِنْدَ. (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) م: وَالرَّافِضَةُ. (¬5) ن، س، ب: فَإِنَّ الْوَاحِدَ.

الْعَسْكَرَيْنِ كَانَتِ الْيَمَانِيَّةُ وَالْقَيْسِيَّةُ فِيهِمْ كَثِيرَةً (¬1) جِدًّا، وَأَكْثَرُ أَذْوَاءِ الْيَمَنِ كَانُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ، كَذِي كُلَاعٍ (¬2) وَذِي عَمْرٍو، وَذِي رُعَيْنٍ، وَنَحْوِهِمْ. وَهُمُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ: الذَّوِينُ. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَا أَعْنِي بِذَلِكَ أَصْغَرَيْهِمْ ... وَلَكِنِّي أُرِيدُ بِهِ الذَّوِينَا. الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} لَفْظٌ مُطْلَقٌ، لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ. وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِمَنْ قَامَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كَائِنًا مَا كَانَ، لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَلَا بِعَلِيٍّ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِإِحْدَاهُمَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُشَارِكُهُ فِيهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسْتَوْجِبَ بِذَلِكَ الْإِمَامَةَ. بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ أَحَدٌ [عَنِ الدِّينِ] (¬3) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَقَامَ اللَّهُ قُوْمًا يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ، يُجَاهِدُونَ هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ. وَالرِّدَّةُ قَدْ تَكُونُ عَنْ أَصْلِ الْإِسْلَامِ، كَالْغَالِيَةِ مِنَ النَّصِيرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، فَهَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَكَالْعَبَّاسِيَّةِ (¬4) . ¬

(¬1) م: كَثْرَةً. (¬2) م: كَذِي الْكُلَاعِ. (¬3) عَنِ الدِّينِ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬4) ن، م، س: كَالْعَبَّاسِيَّةِ، وَيَقْصِدُ بِهِمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا الرَّاوَنْدِيَّةَ، وَهُمْ كَمَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَا (1/14) أَتْبَاعُ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ الَّذِينَ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ وَهَاجَمَ مَذْهَبَهُمْ وَصَارَ مُلْحِدًا زِنْدِيقًا، وَالرَّاوَنْدِيَّةُ فِرَقٌ مِنْ فِرَقِ الْكَيْسَانِيَّةِ، وَيَقُولُ ابْنُ النُّوبَخْتِيِّ فِي كِتَابِهِ " فِرَقِ الشِّيعَةِ " ص 57: " فَالْكَيْسَانِيَّةُ كُلُّهَا لَا إِمَامَ لَهَا وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَى إِلَّا " الْعَبَّاسِيَّةَ " فَإِنَّهَا تُثْبِتُ الْإِمَامَةَ فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ وَقَادُوهَا فِيهِمْ إِلَى الْيَوْمِ ". وَقَالَ ابْنُ النُّوبَخْتِيِّ قَبْلَ ذَلِكَ (ص 54) " وَفِرْقَةٌ قَالَتْ أَوْصَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّهُ مَاتَ عِنْدَهُمْ بِأَرْضِ الشَّرَاةِ بِالشَّامِ، وَأَنَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصِيَّةَ إِلَى أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ صَغِيرًا عِنْدَ وَفَاةِ أَبِي هَاشِمٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ إِذَا بَلَغَ دَفْعَهَا إِلَيْهِ، فَهُوَ الْإِمَامُ، وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ عَرَفَهُ فَلْيَصْنَعْ مَا شَاءَ، وَهَؤُلَاءِ غُلَاةُ الرَّاوَنْدِيَّةِ "، انْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ عَنِ الرَّاوَنْدِيَّةِ 1/14، 500: وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ حَزْمٍ فِي " الْفِصَلِ " 4/154 حَيْثُ قَالَ: " وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إِلَّا فِي وَلَدِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمُ الرَّاوَنْدِيَّةُ ". وَقَدْ نَقَلْتُ كَلَامَهُ فِيمَا سَبَقَ 1/500 - 503 وَانْظُرْ أَيْضًا 1، 546 وَانْظُرْ كِتَابَ " أُصُولِ الدِّينِ " ص 281.

فصل البرهان السادس والعشرون " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " والجواب عليه

وَقَدْ تَكُونُ الرِّدَّةُ عَنْ بَعْضِ الدِّينِ، كَحَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَاللَّهُ تَعَالَى يُقِيمُ قَوْمًا يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، وَيُجَاهِدُونَ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الدِّينِ، أَوْ عَنْ بَعْضِهِ، كَمَا يُقِيمُ مَنْ يُجَاهِدُ الرَّافِضَةَ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الدِّينِ، أَوْ عَنْ بَعْضِهِ، فِي كُلِّ زَمَانٍ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ الْمُرْتَدِّينَ [وَأَتْبَاعَ الْمُرْتَدِّينَ] (¬1) ، وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ. [فصل البرهان السادس والعشرون " وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْبُرْهَانُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 19] رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ (¬3) أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬

(¬1) وَأَتْبَاعَ الْمُرْتَدِّينَ، زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) فِي (ك) ص 161 (م) . (¬3) ك: إِلَى.

" «الصِّدِّيقُونَ ثَلَاثَةٌ: حَبِيبُ بْنُ مُوسَى النَّجَّارُ مُؤْمِنُ آلِ يَاسِينَ، الَّذِي قَالَ: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. وَحَزْقِيلُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ. وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الثَّالِثُ (¬1) ، وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ» . وَنَحْوُهُ رَوَى ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ (¬2) الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ (¬3) وَصَاحِبُ كِتَابِ " الْفِرْدَوْسِ ". وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ. وَمُجَرَّدُ رِوَايَتِهِ لَهُ فِي الْفَضَائِلِ، لَوْ كَانَ رَوَاهُ؛ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ يَرْوِي مَا رَوَاهُ النَّاسُ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ صِحَّتُهُ. وَكُلُّ مَنْ عَرَفَ الْعِلْمَ يَعْلَمُ أَنَّهُ (¬4) لَيْسَ كُلُّ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْفَضَائِلِ وَنَحْوِهِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَحِيحٌ، بَلْ وَلَا كُلُّ حَدِيثٍ رَوَاهُ فِي مُسْنَدِهِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَحِيحٌ، بَلْ أَحَادِيثُ مُسْنَدِهِ هِيَ الَّتِي رَوَاهَا النَّاسُ عَمَّنْ هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ بِالنَّقْلِ وَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا عِلَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ، بَلْ بَاطِلٌ. لَكِنَّ غَالِبَهَا وَجُمْهُورَهَا أَحَادِيثُ جَيِّدَةٌ يُحْتَجُّ بِهَا، وَهِيَ أَجْوَدُ مِنْ أَحَادِيثِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ فِي الْفَضَائِلِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ عِنْدَهُ. وَالْحَدِيثُ قَدْ يُعْرَفُ أَنَّ مُحَدِّثَهُ غَلِطَ فِيهِ، أَوْ كَذَّبَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ (¬5) بِحَالِ الْمُحَدِّثِ، بَلْ بِدَلَائِلَ أُخَرَ. ¬

(¬1) ك: بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الثَّالِثُ. (¬2) ب: ابْنُ الْمُغَازِيِّ. (¬3) ك: الْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ الشَّافِعِيُّ. (¬4) س، ب: أَنْ. (¬5) ن، م: الْعِلْمِ.

وَالْكُوفِيُّونَ كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ كَذِبُهُمْ بِصِدْقِهِمْ، فَقَدْ يَخْفَى كَذِبُ أَحَدِهِمْ أَوْ غَلَطُهُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَكِنْ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ آخَرَ. فَكَيْفَ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ: لَا فِي الْمُسْنَدِ وَلَا فِي كِتَابِ " الْفَضَائِلِ "، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زِيَادَاتِ الْقُطَيْعِيِّ (¬1) رَوَاهُ (¬2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْقُرَشِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ (¬3) حَدَّثَنَا عَمْرُو (¬4) بْنُ جُمَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى (¬5) (6 عَنْ أَخِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى (¬6) 6) [عَنْ أَبِيهِ] (¬7) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ (¬8) . ¬

(¬1) ن: الْقَعْنَنِيِّ، م، ب: الْقَعْيَنِيِّ، س: الْقَعْيَنِيِّ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ: الْقُطَيْعِيِّ. وَالْقَعْنَبِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ الْحَارِثِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ سَنَةَ 221، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَتْ لَهُ زِيَادَاتٌ عَلَى الْمُسْنَدِ، وَلَا عَلَى كُتُبِ أَحْمَدَ، وَلَمْ تُذْكَرْ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيُّ صِلَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ، انْظُرْ: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 6/31 - 33، الْأَعْلَامَ 4/280 - 281 وَأَمَّا الْقُطَيْعِيُّ فَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقُطَيْعِيُّ فَهُوَ صَاحِبُ الزِّيَادَاتِ عَلَى كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " وَسَيَذْكُرُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَعْدَ قَلِيلٍ فَيَقُولُ: " وَرَوَاهُ الْقُطَيْعِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ ". وُلِدَ الْقُطَيْعِيُّ سَنَةَ 273 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 368 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2 6 - 7 تَارِيخِ بَغْدَادَ، 4 73 - 74 الْأَعْلَامِ 1 103. (¬2) فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 2 627 - 628 رَقْمَ 1072 (¬3) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ. (¬4) س: عُمَرُ. (¬5) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: قَالَ: نَا عَمْرُو بْنُ جُمَيْعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. (¬6) (6 - 6) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) ، " وَفِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى. (¬7) عَنْ أَبِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬8) قَالَ الدُّكْتُورُ وَصِيُّ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ عَبَّاسٍ فِي تَعْلِيقِهِ: " مَوْضُوعٌ لِأَجْلِ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ أَبِي الْمُنْذِرِ، وَقِيلَ: أَبِي عُثْمَانَ، فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ يُتَّهَمُ بِالْوَضْعِ "، وَانْظُرْ بَاقِيَ التَّعْلِيقِ.

وَرَوَاهُ الْقُطَيْعِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ قَالَ (¬1) : كَتَبَ إِلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامٍ الْكُوفِيُّ (¬2) يَذْكُرُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْمَكْفُوفَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا (¬3) عَمْرُو بْنُ جُمَيْعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى (¬4) ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬5) . وَعَمْرُو بْنُ جُمَيْعٍ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِنَقْلِهِ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُتَّهَمُ (¬6) بِالْوَضْعِ. قَالَ يَحْيَى: كَذَّابٌ خَبِيثٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْأَثْبَاتِ، وَالْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ، لَا يَحِلُّ (¬7) كَتْبُ حَدِيثِهِ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِبَارِ (¬8) . الثَّانِي: أَنَّ هَذَا (¬9) الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّالِثُ: أَنَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ تَسْمِيَةَ غَيْرِ عَلِيٍّ صِدِّيقًا، كَتَسْمِيَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: الصِّدِّيقُونَ الثَّلَاثَةُ؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَعِدَ أُحُدًا، ¬

(¬1) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: 2/655 - 656 رَقْمُ 1117 (¬2) الْكُوفِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَفِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " وَفِيمَا كَتَبَ إِلَيْنَا إِلَخْ. (¬3) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: أَنَا. (¬4) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: بْنُ جُمَيْعٍ الْبَصْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. (¬5) قَالَ الدُّكْتُورُ وَصِيُّ اللَّهِ: " مَوْضُوعٌ ". (¬6) ب: قَالَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ: مُتَّهَمٌ. (¬7) ن: لَا تَحِلُّ. (¬8) قَالَ الدُّكْتُورُ وَصِيُّ اللَّهِ: " الضُّعَفَاءَ لِلنَّسَائِيِّ (ص 299) الْمَجْرُوحِينَ (2/77) الْمِيزَانَ (3/251) اللِّسَانَ، 4/358 (¬9) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَتَبِعَهُ (¬1) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اثْبُتْ أُحُدُ ; فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» " (¬2) . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ (¬3) . وَفِي رِوَايَةٍ " «ارْتَجَّ بِهِمْ أُحُدٌ» (¬4) ". وَفِي الصَّحِيحِ (¬5) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ; فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ; فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» " (¬6) . الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى مَرْيَمَ صِدِّيقَةً، فَكَيْفَ يُقَالُ: الصِّدِّيقُونَ ثَلَاثَةٌ؟ ! ¬

(¬1) م: وَمَعَهُ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/501 (ت [0 - 9] ) وَفِي جَمِيعِ مَوَاضِعِ الْحَدِيثِ، " اثْبُتْ حِرَاءُ "، أَوْ " اسْكُنْ حِرَاءُ " مَا عَدَا رَقْمَ 1638 فِي الْمُسْنَدِ، " ط. الْمَعَارِفِ " 3/112 فَفِيهِ " اثْبُتْ حِرَاءُ أَوْ أُحُدُ ". (¬3) فِي الْمُسْنَدِ " ط. الْحَلَبِيِّ " 3/112 وَفِيهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/15 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابُ فَضَائِلِ عُثْمَانَ) ، وَفِيهِ " أُحُدُ " بَدَلًا مِنْ " حِرَاءُ " وَقَدْ تَكَلَّمَ الْأَلْبَانِيُّ كَلَامًا مُفَصَّلًا عَلَى الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظِهِ وَرِوَايَاتِهِ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 2/454 - 458 (حَدِيثِ رَقْمِ 875 (¬4) أُحُدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/331 (¬5) م: وَفِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/266

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الصِّدِّيقُونَ ثَلَاثَةٌ، إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا صِدِّيقَ إِلَّا هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُ (¬1) كَذِبٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ أَرَادَ (¬2) أَنَّ الْكَامِلَ فِي الصِّدِّيقِيَّةِ هُمُ الثَّلَاثَةُ، فَهُوَ أَيْضًا خَطَأٌ ; لِأَنَّ أُمَّتَنَا خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ; فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُصَدِّقُ بِمُوسَى وَرُسُلِ عِيسَى أَفْضَلَ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِمُحَمَّدٍ؟ ! وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُسَمِّ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ صِدِّيقًا، وَلَا يُسَمَّى (¬3) صَاحِبُ آلِ يَاسِينَ صِدِّيقًا، وَلَكِنَّهُمْ صَدَّقُوا بِالرُّسُلِ (¬4) . وَالْمُصَدِّقُونَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْهُمْ. وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ صِدِّيقِينَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 41] ، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 56] وَقَوْلِهِ عَنْ يُوسُفَ: {أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 46] . الْوَجْهُ السَّادِسُ (¬5) : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 19] . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ آمَنَ (¬6) بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (¬7) فَهُوَ صِدِّيقٌ (¬8) . ¬

(¬1) ن، م: فَهَذَا. (¬2) ن، م: وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ. (¬3) س، ب: وَلَا يُسَمَّى. (¬4) ن: بِالرَّسُولِ. (¬5) ن: السَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ن، م: كُلَّ مَنْ آمَنَ. (¬7) م: وَرَسُولِهِ. (¬8) ن، س، ب: الصِّدِّيقُ.

فصل البرهان السابع والعشرون " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية " والجواب عليه

السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ الصِّدِّيقُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ، فَأَحَقُّ النَّاسِ بِكَوْنِهِ صِدِّيقًا أَبُو بَكْرٍ ; فَإِنَّهُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ هَذَا الِاسْمُ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ، وَبِالتَّوَاتُرِ الضَّرُورِيِّ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، حَتَّى إِنَّ أَعْدَاءَ الْإِسْلَامِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْإِمَامَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَوْنُهُ صِدِّيقًا يَسْتَلْزِمُ الْإِمَامَةَ بَطَلَتِ الْحُجَّةُ. [فصل البرهان السابع والعشرون " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 274] . مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ (¬2) بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (¬3) نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (¬4) ، كَانَ مَعَهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَأَنْفَقَ دِرْهَمًا بِاللَّيْلِ، وَدِرْهَمًا بِالنَّهَارِ، وَدِرْهَمًا سِرًّا، وَدِرْهَمًا عَلَانِيَةً، وَرَوَى الثَّعْلَبِيُّ ذَلِكَ. وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ (¬5) ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَرِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ وَالثَّعْلَبِيِّ لَا تَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ. ¬

(¬1) فِي (ك) ص 161 (م) . (¬2) ك: أَبِي نُعَيْمٍ الْحَافِظِ. (¬3) ك: إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ. (¬4) ك، م: عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) ك: فَأَنْفَقَ بِاللَّيْلِ دِرْهَمًا، وَبِالنَّهَارِ دِرْهَمًا، وَفِي السِّرِّ دِرْهَمًا، وَفِي الْعَلَانِيَةِ دِرْهَمًا، وَكَذَا رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ لَيْسَ بِثَابِتٍ (¬1) . الثَّالِثُ: أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يُنْفِقُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَمَنْ عَمِلَ بِهَا دَخَلَ فِيهَا (¬2) ، سَوَاءٌ كَانَ عَلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُرَادَ بِهَا إِلَّا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ (¬3) . الرَّابِعُ: أَنَّ مَا ذَكَرَ (¬4) مِنَ الْحَدِيثِ يُنَاقِضُ مَدْلُولَ الْآيَةِ ; فَإِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي الزَّمَانَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَخْلُو الْوَقْتُ عَنْهُمَا، وَفِي الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَخْلُو الْفِعْلُ مِنْهُمَا. فَالْفِعْلُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ زَمَانٍ، وَالزَّمَانُ إِمَّا لَيْلٌ وَإِمَّا نَهَارٌ. وَالْفِعْلُ إِمَّا سِرًّا وَإِمَّا عَلَانِيَةً ; فَالرَّجُلُ إِذَا أَنْفَقَ بِاللَّيْلِ سِرًّا، كَانَ قَدْ أَنْفَقَ لَيْلًا سِرًّا. وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَانِيَةً نَهَارًا، كَانَ قَدْ أَنْفَقَ عَلَانِيَةً نَهَارًا. وَلَيْسَ الْإِنْفَاقُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً خَارِجًا عَنِ الْإِنْفَاقِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ مَنْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا بِالسِّرِّ، وَدِرْهَمًا فِي الْعَلَانِيَةِ، وَدِرْهَمًا بِاللَّيْلِ، وَدِرْهَمًا بِالنَّهَارِ - كَانَ جَاهِلًا، فَإِنَّ الَّذِي أَنْفَقَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً قَدْ أَنْفَقَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالَّذِي قَدْ أَنْفَقَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا قَدْ أَنْفَقَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً. فَعُلِمَ أَنَّ الدِّرْهَمَ الْوَاحِدَ يَتَّصِفُ بِصِفَتَيْنِ، لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَرْبَعَةً. لَكِنَّ هَذِهِ التَّفَاسِيرَ الْبَاطِلَةَ يَقُولُ مِثْلَهَا كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ، كَمَا يَقُولُونَ: ¬

(¬1) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِآيَةِ 274 مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَانْظُرْ مَا رَوَاهُ مِنْ أَحَادِيثَ وَآثَارٍ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْخَيْلِ أَوْ فِي الَّذِينَ يَعْلِفُونَ الْخَيْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ حَدِيثًا مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ وَنَسَبَهُ إِلَى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ ثُمَّ قَالَ: " وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ". (¬2) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) س، ب: أَنْ يُرَادَ بِهَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ. (¬4) م: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ.

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ (أَبُو بَكْرٍ) أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ (عُمَرُ) رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (عُثْمَانُ) تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا (عَلِيٌّ) يَجْعَلُونَ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِمَوْصُوفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَيُعَيِّنُونَ الْمَوْصُوفَ (¬1) فِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي إِبْطَالِ هَذَا وَهَذَا، فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ كُلَّهَا لِقَوْمٍ يَتَّصِفُونَ بِهَا كُلِّهَا، وَإِنَّهُمْ كَثِيرُونَ لَيْسُوا وَاحِدًا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ أَفْضَلُ هَؤُلَاءِ، وَكُلٌّ مِنَ الْأَرْبَعَةِ مَوْصُوفٌ بِهَذَا كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الصِّفَاتِ فِي بَعْضٍ أَقْوَى مِنْهَا فِي آخَرَ. وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ جُهَّالِ (¬2) الْمُفَسِّرِينَ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ - وَطُورِ سِينِينَ - وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [سُورَةُ التِّينِ: 1 - 3] إِنَّهُمُ الْأَرْبَعَةُ ; فَإِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ. لَكِنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِالْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَنْزَلَ فِيهَا كُتُبَهُ الثَّلَاثَةَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ، وَظَهَرَ مِنْهَا مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ، كَمَا قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَا، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِينَ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ (¬3) . فَالتِّينُ وَالزَّيْتُونُ: الْأَرْضُ الَّتِي بُعِثَ فِيهَا الْمَسِيحُ، وَكَثِيرًا مَا تُسَمَّى الْأَرْضُ بِمَا يَنْبُتُ فِيهَا، فَيُقَالُ: فُلَانٌ خَرَجَ إِلَى الْكَرْمِ وَإِلَى الزَّيْتُونِ وَإِلَى الرُّمَّانِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيُرَادُ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ، فَعَبَّرَ عَنْهَا بِبَعْضِهَا. وَطُورُ سِينِينَ حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، وَهَذَا الْبَلَدُ الْأَمِينُ مَكَّةُ أُمُّ الْقُرَى الَّتِي بُعِثَ بِهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ¬

(¬1) عِبَارَةُ " وَيُعَيِّنُونَ الْمَوْصُوفَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) م: الْجُهَّالِ. (¬3) س، ب: قَارَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فصل البرهان الثامن والعشرون " ليس من آية في القرآن إلا علي رأسها وأميرها. . . " والجواب عليه

وَالْجَاهِلُ بِمَعْنَى الْآيَةِ، لِتَوَهُّمِهِ أَنَّ الَّذِي أَنْفَقَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً غَيْرُ الَّذِي أَنْفَقَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ - يَقُولُ: نَزَلَتْ فِيمَنْ أَنْفَقَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، إِمَّا عَلِيٍّ وَإِمَّا غَيْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} * لَمْ يَعْطِفْ بِالْوَاوِ، فَيَقُولُ: وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً. بَلْ هَذَانِ دَاخِلَانِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، سَوَاءٌ * (¬1) قِيلَ: هُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنَ الْإِنْفَاقِ، أَوْ قِيلَ: عَلَى الْحَالِ. فَسَوَاءٌ قُدِّرَا سِرًّا وَعَلَانِيَةً (¬2) ، أَوْ مُسِرًّا وَمُعْلِنًا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي كَذَّبَ هَذَا كَانَ جَاهِلًا بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ. وَالْجَهْلُ فِي الرَّافِضَةِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ. الْخَامِسُ: أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ، وَنَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ، فَهَلْ هُنَا إِلَّا إِنْفَاقُ (¬3) أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ؟ ! وَهَذَا عَمَلٌ مَفْتُوحٌ بَابُهُ (¬4) مُيَسَّرٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْعَامِلُونَ بِهَذَا وَأَضْعَافِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَوْا، وَمَا مِنْ أَحَدٍ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يُنْفِقَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَارَةً بِاللَّيْلِ وَتَارَةً بِالنَّهَارِ، وَتَارَةً فِي السِّرِّ وَتَارَةً فِي الْعَلَانِيَةِ. فَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْخَصَائِصِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْإِمَامَةِ (¬5) . [فصل البرهان الثامن والعشرون " لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. . . " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬6) : " الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) ن: قُدِّرَ إِسْرَارًا وَإِعْلَانًا، س، ب: قُدِّرَ سِرًّا وَإِعْلَانًا. (¬3) ن، م، س: هُنَا الْإِنْفَاقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) م، س، ب: بِأَنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن: عَلَى فَضْلِهِ الْإِمَامَةَ، ب: عَلَى فَضِيلَةٍ وَلَا إِمَامَةٍ. (¬6) فِي (ك) ص 162 (م) .

حَنْبَلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ مِنْ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إِلَّا عَلِيٌّ رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا، وَشَرِيفُهَا وَسَيِّدُهَا، وَلَقَدْ عَاتَبَ اللَّهُ تَعَالَى أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (¬1) فِي الْقُرْآنِ، وَمَا ذَكَرَ عَلِيًّا إِلَّا بِخَيْرٍ. وَهَذَا (¬2) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَلَيْسَ هَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَلَا مُجَرَّدُ رِوَايَتِهِ لَهُ - لَوْ رَوَاهُ - فِي " الْفَضَائِلِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صِدْقٌ، فَكَيْفَ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ: لَا فِي الْمُسْنَدِ، وَلَا فِي " الْفَضَائِلِ " وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زِيَادَاتِ الْقُطَيْعِيِّ، رَوَاهُ (¬3) عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شَرِيكٍ الْكُوفِيِّ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْكِسَائِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى (¬4) عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ (¬5) ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِثْلُ هَذَا الْإِسْنَادِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; فَإِنَّ زَكَرِيَّا بْنَ يَحْيَى الْكِسَائِيَّ: قَالَ فِيهِ يَحْيَى: " رَجُلُ سُوءٍ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ بِئْرٌ فَيُلْقَى فِيهَا " وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: " مَتْرُوكٌ ". وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: " كَانَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ فِي مَثَالِبِ الصَّحَابَةِ " (¬6) . الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمُتَوَاتِرُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَهُ مُعَايَبَاتٌ يَعِيبُ بِهَا عَلِيًّا، وَيَأْخُذُ عَلَيْهِ فِي أَشْيَاءَ مِنْ ¬

(¬1) م: عَاتَبَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا. (¬2) ك: فَهَذَا. (¬3) فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 2/654 (رَقْمَ 1114 (¬4) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ الْكُوفِيُّ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْكِسَائِيُّ، ثَنَا عِيسَى. (¬5) ن، س: نَدِيمَةَ. (¬6) قَالَ الدُّكْتُورُ وَصِيُّ اللَّهِ فِي تَعْلِيقِهِ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَجْلِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْكِسَائِيِّ ".

أُمُورِهِ، حَتَّى إِنَّهُ لَمَّا حَرَّقَ الزَّنَادِقَةَ الَّذِينَ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ قَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَضَرَبْتُ أَعْنَاقَهُمْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (¬1) . وَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا ذَلِكَ قَالَ: وَيْحَ أُمِّ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنَ الثَّابِتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي - إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَصٌّ - بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَهَذَا اتِّبَاعُهُ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهَذِهِ مُعَارَضَتُهُ لِعَلِيٍّ. وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مُجَاوَبَتَهُ لِعَلِيٍّ لَمَّا أَخَذَ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِ الْبَصْرَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رِسَالَةً فِيهَا تَغْلِيطٌ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ عَلِيًّا (¬2) بِجَوَابٍ يَتَضَمَّنُ أَنَّ مَا فَعَلْتُهُ دُونَ مَا فَعَلْتَهُ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيْسَ فِيهِ مَدْحٌ لِعَلِيٍّ ; فَإِنَّ اللَّهَ كَثِيرًا مَا يُخَاطِبُ النَّاسَ بِمِثْلِ هَذَا فِي مَقَامِ عِتَابٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سُورَةُ الصَّفِّ: 2 - 3] ، فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ رَأْسَ هَذِهِ الْآيَةِ ; فَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ هَذَا الْفِعْلُ الَّذِي أَنْكَرَهُ اللَّهُ وَذَمَّهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 1] . وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ لَمَّا كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ لِيَأْتِيَا بِالْمَرْأَةِ (¬3) الَّتِي كَانَ مَعَهَا الْكِتَابُ (¬4) ، وَعَلِيٌّ كَانَ بَرِيئًا ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/307 (¬2) م: وَأَجَابَ عَلِيٌّ، وَالْمُجِيبُ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَجَابَ عَلِيًّا عَلَى رِسَالَتِهِ الَّتِي فِيهَا تَغْلِيظٌ. (¬3) ن، س، ب: الْمَرْأَةَ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 3/501 وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 8/108 - 111

مِنْ ذَنْبِ حَاطِبٍ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ رَأْسَ الْمُخَاطَبِينَ الْمُلَامِينَ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ؟ ! وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 94] . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ وَجَدُوا رَجُلًا فِي غَنِيمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِالتَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ تَكْذِيبِ مُدَّعِي الْإِسْلَامِ طَمَعًا فِي دُنْيَاهُ. وَعَلَيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَرِيءٌ مِنْ ذَنْبِ هَؤُلَاءِ، فَكَيْفَ يُقَالُ هُوَ رَأْسُهُمْ؟ ! وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. الرَّابِعُ: هُوَ مِمَّنْ شَمِلَهُ لَفْظُ الْخِطَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ سَبَبُ الْخِطَابِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّفْظَ شَمِلَهُ كَمَا يَشْمَلُ (¬1) غَيْرَهُ. وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْآيَةِ تَفْرِيقٌ بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنٍ. الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُ رَأْسُ الْآيَاتِ وَأَمِيرُهَا وَشَرِيفُهَا وَسَيِّدُهَا، كَلَامُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خُوطِبَ بِهَا، فَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُ الْمُخَاطَبِينَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، لَا يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِمَا تَنَاوَلَهُ عَنْ بَعْضٍ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، فَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ فِي الْآيَاتِ آيَاتٍ قَدْ عُمِلَ بِهَا مِنْ قَبْلِ عَلِيٍّ، وَفِيهَا آيَاتٌ لَمْ يَحْتَجْ عَلِيٌّ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ تَنَاوُلَهَا لِغَيْرِهِ أَوْ عَمْلَ غَيْرِهِ بِهَا مَشْرُوطٌ بِهِ، كَالْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ شُمُولَ الْخِطَابِ لِبَعْضِهِمْ لَيْسَ مَشْرُوطًا ¬

(¬1) ن: يَشْمَلُهُ كَمَا يَشْمَلُ، س، ب: يَشْمَلُهُ كَمَا شَمِلَ.

بِشُمُولِهِ لِآخَرِينَ، وَلَا وُجُوبَ الْعَمَلِ عَلَى بَعْضِهِمْ مَشْرُوطٌ عَلَى آخَرِينَ بِوُجُوبِهِ. وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ عُنِيَ بِهَا، فَهَذَا يُبْنَى عَلَى كَوْنِهِ أَفْضَلَ النَّاسِ. فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَجُزِ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا، فَكَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا بَاطِلًا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. وَغَايَةُ مَا عِنْدَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُفَضِّلُ عَلِيًّا، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ (¬1) هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَخِلَافُ الْمَعْلُومِ عَنْهُ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ - مَعَ مُخَالَفَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ - لَمْ يَكُنْ حُجَّةً. السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَقَدْ عَاتَبَ اللَّهُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي الْقُرْآنِ وَمَا ذَكَرَ عَلِيًّا إِلَّا بِخَيْرٍ، كَذِبٌ مَعْلُومٌ ; فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّ اللَّهَ عَاتَبَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْقُرْآنِ، بَلْ وَلَا أَنَّهُ سَاءَ رَسُولَ (¬2) اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: " «أَيُّهَا النَّاسُ، اعْرَفُوا لِأَبِي بَكْرٍ حَقَّهُ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَسُؤْنِي يَوْمًا قَطُّ» " (¬3) . وَالثَّابِتُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْتَصِرُ لِأَبِي بَكْرٍ، وَيَنْهَى النَّاسَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ سَاءَهُ، كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُطْبَةَ الْمَعْرُوفَةَ (¬4) ، وَمَا حَصَلَ مِثْلُ هَذَا فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ قَطُّ. ¬

(¬1) س، ب: وَمَعَ هَذَا أَنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م: سَاءَ إِلَى رَسُولِ. (¬3) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/145. وَأَوَّلُهُ: إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي.

وَأَيْضًا فَعَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ كَمَا كَانَ يَدْخُلُ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، مِثْلَ الْمُشَاوَرَةِ فِي وِلَايَتِهِ وَحُرُوبِهِ وَإِعْطَائِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ الْوَزِيرَيْنِ لَهُ، شَاوَرَهُمَا (¬1) فِي أَسْرَى بَدْرٍ مَا يَصْنَعُ بِهِمْ، وَشَاوَرَهُمَا (¬2) فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ لِمَنْ يُوَلِّي عَلَيْهِمْ، وَشَاوَرَهُمَا (¬3) فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ يَخُصُّهُمَا بِالشُّورَى. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا مَاتَ قَالَ لَهُ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْشُرَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ ; فَإِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» " (¬4) . وَكَانَ يُشَاوِرُ أَبَا بَكْرٍ (¬5) بِأُمُورِ حُرُوبِهِ يَخُصُّهُ، كَمَا شَاوَرَهُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، كَمَا (¬6) اسْتَشَارَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَكَمَا سَأَلَ بَرِيرَةَ. وَهَذَا أَمْرٌ يَخُصُّهُ ; فَإِنَّهُ لَمَّا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَتَرَدَّدَ هَلْ يُطَلِّقُ لِمَا بَلَغَهُ عَنْهَا أَمْ يُمْسِكُهَا، صَارَ يَسْأَلُ عَنْهَا بَرِيرَةَ لِتُخْبِرَهُ بِبَاطِنِ أَمْرِهَا، وَيُشَاوِرُ فِيهَا عَلِيًّا: أَيُمْسِكُهَا أَمْ يُطَلِّقُهَا؟ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: «أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا» ، وَقَالَ عَلِيٌّ: «لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَاسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ» . وَمَعَ ¬

(¬1) ن، م، س: يُشَاوِرُهُمَا. (¬2) ن، س: وَيُشَاوِرُهُمَا، م: وَيُشَاوِرُهُمْ. (¬3) ن، م: وَيُشَاوِرُهُمَا. (¬4) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ كَامِلًا فِيمَا بَعْدُ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 391 إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ. (¬5) م: وَكَانَ يُشَاوِرُ عَلِيًّا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ب: وَكَمَا.

هَذَا فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِبَرَاءَتِهَا وَإِمْسَاكِهَا، مُوَافَقَةً لِمَا أَشَارَ بِهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1) ، وَكَانَ عُمَرُ يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّورَى، وَيَتَكَلَّمُ مَعَ نِسَائِهِ فِيمَا يَخُصُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَتَّى قَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا عُمَرُ لَقَدْ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى دَخَلْتَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ نِسَائِهِ. وَأَمَّا الْأُمُورُ الْعَامَّةُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَحْيٌ خَاصٌّ، فَكَانَ يُشَاوِرُ فِيهَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنْ دَخَلَ غَيْرُهُمَا فِي الشُّورَى، لَكِنْ هُمَا الْأَصْلُ فِي الشُّورَى، وَكَانَ عُمَرُ تَارَّةً يَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ فِيمَا يَرَاهُ، وَتَارَةً يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ فِي خِلَافِ مَا رَآهُ فَيَرْجِعُ عَنْهُ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا (¬2) ، وَلَا كَانَ أَيْضًا يَتَقَدَّمُ فِي شَيْءٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا لَمَّا تَنَازَعَ هُوَ وَعُمَرُ فِيمَنْ يُوَلَّى مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 2] ، وَلَيْسَ تَأَذِّي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَأَذِّيهِ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 23] . وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَلِيٍّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 43] لَمَّا صَلَّى فَقَرَأَ وَخَلَطَ (¬3) . ¬

(¬1) انْظُرْ حَدِيثَ الْإِفْكِ فِيمَا سَبَقَ 4/33 (¬2) أَيْ: لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا. (¬3) ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِأَوَّلِ آيَةِ 43 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ حَدِيثًا عَنِ ابْنِ أَبِي - حَاتِمٍ وَسَاقَ سَنَدَهُ -، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنَ الْخَمْرِ، فَأَخَذَتِ الْخَمْرُ مِنَّا، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُوا فُلَانًا، قَالَ: فَقَرَأَ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، مَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: " هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتَكِيِّ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ ". ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ حَدِيثًا آخَرَ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ جَاءَ فِيهِ أَنَّ الَّذِي صَلَّى بِهِمْ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: " وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ ". وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ حَدِيثًا ثَالِثًا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي صَلَّى إِمَامًا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. كَمَا ذَكَرَ حَدِيثًا رَابِعًا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَاخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَلِيلًا. انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ " ط. الْمَعَارِفِ " 8/376 (الْآثَارَ 9524، 9525) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/305 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، سُورَةُ النِّسَاءِ) ، وَهُوَ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِيهِ. . . فَأَخَذَتِ الْخَمْرُ مِنَّا وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ. . الْحَدِيثَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ". وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فَهُوَ فِيهَا 3/445 " كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابٌ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَفِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ دَعَاهُ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَسَقَاهُمَا قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَأَمَّهُمْ عَلِيٌّ فِي الْمَغْرِبِ فَقَرَأَ. . إِلَخْ.

فصل البرهان التاسع والعشرون " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " والجواب عليه

«وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} لَمَّا قَالَ لَهُ وَلِفَاطِمَةَ: " أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ " فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» - " (¬1) . [فصل البرهان التاسع والعشرون " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/85 (¬2) فِي (ك) ص 162 (م) .

: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 56] مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا (¬1) : يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ". وَفِي صَحِيحِ (¬2) مُسْلِمٍ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: " قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ (¬3) ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» . وَلَا شَكَّ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ آلِ مُحَمَّدٍ، فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّ عَلِيًّا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ الدَّاخِلِينَ فِي قَوْلِهِ: " «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» " (¬4) ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ ; فَإِنَّ جَمِيعَ بَنِي هَاشِمٍ دَاخِلُونَ فِي هَذَا، كَالْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَوَلَدِهِ (¬5) ، وَكَبَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوْجَتَيْ عُثْمَانَ: رُقَيَّةَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ، وَبِنْتِهِ فَاطِمَةَ. وَكَذَلِكَ ¬

(¬1) ك: عَلَيْهِ وَآلِهِ وَقُلْنَا. (¬2) ك: عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَمِنْ صَحِيحِ. (¬3) ك: وَآلِ مُحَمَّدٍ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/593 (¬5) وَوَلَدِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

أَزْوَاجُهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَوْلُهُ: " «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ» " (¬1) بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ إِخْوَةُ عَلِيٍّ كَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ دُخُولَ هَؤُلَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ لَمْ يَدْخَلْ فِي ذَلِكَ، وَلَا أَنَّهُ يَصْلُحُ بِذَلِكَ لِلْإِمَامَةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ عَمَّارًا وَالْمِقْدَادَ وَأَبَا ذَرٍّ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنِ اتَّفَقَ [أَهْلُ] السُّنَّةِ (¬2) وَالشِّيعَةُ عَلَى فَضْلِهِمْ لَا يَدْخُلُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا (¬3) عَقِيلٌ وَالْعَبَّاسُ وَبَنُوهُ، وَأُولَئِكَ أَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِاتِّفَاقِ [أَهْلِ] (¬4) السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهَا عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ، وَلَا تَصْلُحُ امْرَأَةٌ لِلْإِمَامَةِ، وَلَيْسَتْ أَفْضَلَ النَّاسِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَهَذِهِ فَضِيلَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا أَفْضَلَ مِمَّنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» " (¬5) . التَّابِعُونَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الثَّالِثِ. وَتَفْضِيلُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْصِيلَ الْأَفْرَادِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ ; فَإِنَّ الْقَرْنَ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ، ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/24 (¬2) ن، م، س: مِمَّنِ اتَّفَقَتِ السُّنَّةُ. (¬3) ن، س، ب: فِيهِ. (¬4) أَهْلِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (س) . (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35

كَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِنْ رِجَالِ الْفِتَنِ، وَكَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ (¬1) وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْكَذَّابِينَ وَالْمُفْتَرِينَ ; وَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالشَّرِّ. وَلَيْسَ عَلِيٌّ أَفْضَلَ أَهْلِ الْبَيْتِ، بَلْ أَفْضَلُ أَهْلِ الْبَيْتِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ. كَمَا قَالَ لِلْحَسَنِ: " «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» " (¬2) وَهَذَا الْكَلَامُ يَتَنَاوَلُ الْمُتَكَلِّمَ وَمَنْ مَعَهُ. وَكَمَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [سُورَةُ هُودٍ: 73] وَإِبْرَاهِيمُ فِيهِمْ. وَكَمَا قَالَ: " «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ; كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ» "، [وَإِبْرَاهِيمُ] (¬3) دَاخِلٌ فِيهِمْ. وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ} [سُورَةُ الْقَمَرِ: 34] ، فَإِنَّ لُوطًا دَخَلَ فِيهِمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 33] ، فَقَدْ دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ فِي الِاصْطِفَاءِ (¬4) . ¬

(¬1) س، ب: بْنِ عُبَيْدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ 4 74 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ: (كَخْ كَخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ)) وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 2/751 (كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ) ، وَجَاءَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِلَفْظِ: ((أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ)) وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي مُسْلِمٍ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْبَابِ وَمِثْلُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2 83 - 84 وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2 165 - 167 (¬3) وَإِبْرَاهِيمُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) . (¬4) س، ب: فِي الِاصْطِفَائِيَّةِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 130] [فَقَدَ] دَخَلَ يَاسِينُ فِي السَّلَامِ (¬1) . وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» " دَخَلَ فِي ذَلِكَ أَبُو أَوْفَى. (¬2) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» " (¬3) . وَلَيْسَ إِذَا كَانَ عَلِيٌّ أَفْضَلَ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ النَّاسِ بَعْدَهُ ; لِأَنَّ بَنِي هَاشِمٍ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ، وَأَمَّا إِذَا خَرَجَ مِنْهُمْ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُهُمْ بَعْدَهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ سِوَاهُمْ. كَمَا أَنَّ التَّابِعِينَ إِذَا كَانُوا أَفْضَلَ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ، وَكَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ أَفْضَلُ، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي أَفْضَلَ مِنْ أَفْضَلِ تَابِعِي التَّابِعِينَ. بَلِ الْجُمْلَةُ إِذَا فُضِّلَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَكَانَ أَفْضَلُهُمَا (¬4) أَفْضَلَ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى، حَصَلَ مَقْصُودُ التَّفْضِيلِ، وَمَا (¬5) بَعْدَ ذَلِكَ فَمَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ. بَلْ قَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُهَا أَفْضَلَ مِنْ فَاضَلِ الْأُخْرَى إِلَّا بِدَلِيلٍ. ¬

(¬1) ن، م: يَاسِينُ (دَخَلَ آلُ يَاسِينَ فِي السَّلَامِ، س: عَلَى إِلْ يَاسِينَ) فِي السَّلَامِ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/607 (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/195 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، بَابُ حُسْنِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ) ، وَنَصُّهُ: " يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ "، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 1/546 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/355 - 356 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ) ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬4) ب: فَكَانَ أَفْضَلُهَا. (¬5) ن، س، ب: وَأَمَّا.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ بَنِي (¬1) إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ (¬2) ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» " (¬3) . فَإِذَا كَانَ جُمْلَةُ قُرَيْشٍ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا (¬4) لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ، بَلْ فِي سَائِرِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ، وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ مَعْدُودُونَ (¬5) ، وَغَالِبُهُمْ إِنَّمَا أَسْلَمُوا عَامَ الْفَتْحِ (¬6) ، وَهُمُ الطُّلَقَاءُ. وَلَيْسَ كُلُّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، بَلِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ (¬7) - كَابْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ (¬8) ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيِّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيِّ - وَهَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ أَفْضَلُ مِنْ أَكْثَرِ بَنِي هَاشِمٍ، فَالسَّابِقُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ. وَأَهْلُ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَمِنْهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ثَلَاثَةٌ، وَسَائِرُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ. وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ (¬9) وَأَهْلِ بَيْتِهِ تَقْتَضِي ¬

(¬1) ب: مِنْ وَلَدِ. (¬2) ن، م: وَاصْطَفَى هَاشِمًا مِنْ قُرَيْشٍ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/599 (¬4) ن، م: مِنْ غَيْرِهِمْ. (¬5) نَفَرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (م) نَفَرٌ مُتَّحِدُونَ. (¬6) م: يَوْمَ الْفَتْحِ. (¬7) م: وَغَيْرِ قُرَيْشٍ. (¬8) ب: كَأَبِي مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ، م: كَأَبِي مَسْعُودٍ وَالْهُذَلِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬9) م: عَلَى مُحَمَّدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ.

فصل البرهان الثلاثون " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان " والجواب عليه

أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْبُيُوتِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: بَنُو هَاشِمٍ أَفْضَلُ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ أَفْضَلُ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ أَفْضَلُ بَنِي آدَمَ. وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، كَمَا ذَكَرَهُ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ عَمَّنْ لَقِيَهُمْ مِثْلَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى مَنْعِ التَّفْضِيلِ بِذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي " الْمُعْتَمَدِ " وَغَيْرِهِمَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ (¬1) أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى هَاشِمًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» " (¬2) . وَرُوِيَ: " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ " وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. [فصل البرهان الثلاثون " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الْبُرْهَانُ الثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ - بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 19 - 20] (¬4) . ¬

(¬1) فِي الصَّحِيحِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ن، س، ب:. . . إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى هَاشِمًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ. (¬3) فِي (ك) ص 162 (م) ، 163 (م) . (¬4) فِي (ك) الْآيَةَ 19 مِنْ سُورَةِ الرَّحْمَنِ فَقَطْ.

(¬1) مِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَطَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} (¬2) قَالَ: عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ (¬3) {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} : النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلُهُ (¬4) : {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 22] : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (¬5) ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ، فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ " (¬6) . وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ إِنَّمَا يَقُولُهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ، وَهَذَا بِالْهَذَيَانِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ تَفْسِيرِ الْمَلَاحِدَةِ وَالْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ لِلْقُرْآنِ، بَلْ هُوَ شَرٌّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُ. وَالتَّفْسِيرُ بِمِثْلِ هَذَا طَرِيقٌ لِلْمَلَاحِدَةِ عَلَى الْقُرْآنِ وَالطَّعْنُ فِيهِ (¬7) ، بَلْ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْقَدْحِ فِيهِ وَالطَّعْنِ فِيهِ. وَلِجُهَّالِ الْمُنْتَسِبِينَ (¬8) إِلَى السُّنَّةِ تَفَاسِيرُ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ إِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً فَهِيَ أَمْثَلُ مِنْ هَذَا، كَقَوْلِهِمْ: الصَّابِرِينَ: مُحَمَّدٌ، وَالصَّادِقِينَ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَانِتِينَ: عُمَرُ، وَالْمُنْفِقِينَ: عُثْمَانُ، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ: عَلِيٌّ. وَكَقَوْلِهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ: أَبُو بَكْرٍ، أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ: عُمَرُ، رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ: عُثْمَانُ، تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا: عَلِيٌّ. ¬

(¬1) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) ك: وَفَاطِمَةُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬4) س، ب: وَسَلَّمَ وَأَوَّلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ك: وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬6) ك: فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ. (¬7) ن: بِمِثْلِ هَذَا بِطُرُقِ الْمَلَاحِدَةِ عَلَى الْقُرْآنِ وَالطَّعْنِ فِيهِ، م: مِثْلُ هَذَا بِطْرِيقِ الْمَلَاحِدَةِ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْهُ وَالطَّعْنِ فِيهِ، س: بِمِثْلِ هَذَا بِطْرِيقِ الْمَلَاحِدَةِ عَلَى الْقُرْآنِ وَالطَّعْنِ فِيهِ. (¬8) س، ب: وَلِجُهَّالٍ مُنْتَسِبِينَ.

وَكَقَوْلِهِمْ: وَالتِّينِ: أَبُو بَكْرٍ، وَالزَّيْتُونِ: عُمَرُ، وَطُورِ سِينِينَ: عُثْمَانُ، وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ: عَلِيٌّ. وَكَقَوْلِهِمْ: {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} : أَبُو بَكْرٍ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : عُمَرُ، {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} : عُثْمَانُ {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عَلِيٌّ. فَهَذِهِ التَّفَاسِيرُ مِنْ جِنْسِ [تِلْكَ] (¬1) التَّفَاسِيرِ، وَهِيَ أَمْثَلُ مِنْ إِلْحَادَاتِ الرَّافِضَةِ كَقَوْلِهِمْ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [سُورَةُ يس:] عَلِيٌّ، وَكَقَوْلِهِمْ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 4] : إِنَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 60] : بَنُو أُمَيَّةَ، وَأَمْثَالُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَقُولُهُ (¬2) مَنْ يَرْجُو لِلَّهِ وَقَارًا، وَلَا يَقُولُهُ مَنْ (¬3) يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكِتَابِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 19] : عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 20] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 22] : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ. وَكُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ وَعَقْلٍ يَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ بُطْلَانَ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَقُلْ هَذَا. وَهَذَا مِنَ (¬4) التَّفْسِيرِ الَّذِي فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، وَذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُونَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى سُفْيَانَ. قَالَ ¬

(¬1) تِلْكَ فِي (ب) فَقَطْ. (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) ب: لَمْ يَقُلْهُ وَهَذَا مِنْ ; س: لَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ.

: " الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْنَوَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَرَأَ أَبِي عَلَى أَبِي مُحَمَّدِ (¬1) بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُلْوِيَّةَ الْقَطَّانِ مِنْ كِتَابِهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ يُقَالُ لَهُ طَسْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ - بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} قَالَ: فَاطِمَةُ وَعَلِيٌّ، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} : الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ شَيْءٌ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ ذَلِكَ وُجُوهٌ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ إِنَّمَا وُلِدَا بِالْمَدِينَةِ. الثَّانِي: أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذَيْنِ بَحْرَيْنِ، وَهَذَا لُؤْلُؤًا، وَهَذَا مَرْجَانًا، وَجَعْلَ النِّكَاحِ مَرَجًا - أَمْرٌ لَا تَحْتَمِلُهُ لُغَةُ الْعَرَبِ بِوَجْهٍ، لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، بَلْ كَمَا أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الْقُرْآنِ، فَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللُّغَةِ (¬2) . الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَوُلِدَ لَهُمَا وَلَدَانِ * فَهُمَا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَلَيْسَ فِي ذِكْرِ ¬

(¬1) س، ب: قَرَأَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ أَرْسَلَهُمَا، وَقَوْلُهُ " يَلْتَقِيَانِ " قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيْ مَنَعَهُمَا أَنْ تَلْتَقِيَا بِمَا جَعَلَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْبَرْزَخِ الْحَاجِزِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " الْبَحْرَيْنِ ": الْمِلْحُ وَالْحُلْوُ، فَالْحُلْوُ هَذِهِ الْأَنْهَارُ السَّارِحَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: " بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ " أَيْ: وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا، وَهُوَ الْحَاجِزُ مِنَ الْأَرْضِ لِئَلَّا يَبْغِيَ هَذَا عَلَى هَذَا وَهَذَا عَلَى هَذَا، " {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} " أَيْ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا كَفَى، وَاللُّؤْلُؤُ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْمَرْجَانُ فَقِيلَ: هُوَ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ ". وَانْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ، وَزَادَ الْمَسِيرِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَالدُّرَّ الْمَنْثُورَ لِلسُّيُوطِيِّ.

هَذَا مَا يُسْتَعْظَمُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، إِلَّا مَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ * (¬1) فَلَا مُوجِبَ (¬2) لِلتَّخْصِيصِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِفَضِيلَةِ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدَيْنِ، فَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ. وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ فَقَالَ: " أَتْقَاهُمْ ". فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. فَقَالَ: " يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابْنُ يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ إِسْحَاقَ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ» " (¬3) . وَآلُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَ لِمُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مِنَ الصَّلَاةِ مِثْلَ مَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَنَحْنُ - وَكُلُّ مُسْلِمٍ - نَعْلَمُ أَنَّ آلَ إِبْرَاهِيمَ أَفْضَلُ مِنْ آلِ عَلِيٍّ، لَكِنْ مُحَمَّدٌ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ. * وَلِهَذَا وَرَدَ هُنَا سُؤَالٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَفْضَلَ، فَلِمَ (¬4) قِيلَ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * (¬5) (¬6) ، وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ آلَ إِبْرَاهِيمَ فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَمُحَمَّدٌ (¬7) فِيهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُحَمَّدٌ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ. فَمَجْمُوعُ آلِ إِبْرَاهِيمَ بِمُحَمَّدٍ أَفْضَلُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ن، م، س: فَلَا يُوجِبُ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/601 (¬4) ن: فَلِمَاذَا. (¬5) ن: عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. (¬6) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬7) م: وَمُحَمَّدًا.

آلِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ طَلَبْنَا لَهُ مِنَ اللَّهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ مِثْلَ مَا صَلَّى عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْخُذُ أَهْلُ بَيْتِهِ مَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَيَبْقَى سَائِرُ ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَكُونُ قَدْ طُلِبَ لَهُ مِنَ الصَّلَاةِ مَا جُعِلَ (¬1) لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَالَّذِي يَأْخُذُهُ الْفَاضِلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لَا يَكُونُ مِثْلَمَا يَحْصُلُ لِنَبِيٍّ، فَتَعْظُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: إِنَّ التَّشْبِيهَ (¬2) فِي الْأَصْلِ لَا فِي الْقَدْرِ. الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أَنَّهُ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ فِي آيَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ فِي الْفُرْقَانِ: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 53] فَلَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ عَلِيٌّ (¬3) وَفَاطِمَةُ لَكَانَ ذَلِكَ ذَمًّا لِأَحَدِهِمَا، وَهَذَا بَاطِلٌ (¬4) بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَالَ: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} فَلَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ ; لَكَانَ الْبَرْزَخُ الَّذِي هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَعْمِهِمْ - أَوْ غَيْرُهُ هُوَ الْمَانِعُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبْغِيَ عَلَى الْآخَرِ. وَهَذَا بِالذَّمِّ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْمَدْحِ. السَّادِسُ: أَنَّ أَئِمَّةَ التَّفْسِيرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى خِلَافِ هَذَا، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَحْرُ السَّمَاءِ وَبَحْرُ الْأَرْضِ يَلْتَقِيَانِ كُلَّ عَامٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ، يَعْنِي بَحْرَ فَارِسَ وَالرُّومِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ: هُوَ الْجَزَائِرُ (¬5) . ¬

(¬1) م: مَا حَصَلَ. (¬2) ن، س: النِّسْبَةَ، م: التَّشَبُّهَ. (¬3) ن، س: فَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَلِيٌّ، ب: فَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَلِيًّا. (¬4) عِبَارَةُ وَهَذَا بَاطِلٌ، سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ " ط. بُولَاقَ " 27/74 - 76، زَادَ الْمَسِيرِ 8/112.

فصل البرهان الحادي والثلاثون " ومن عنده علم الكتاب " والجواب عليه

وَقَوْلُهُ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سُورَةُ الرَّحْمَنِ: 22] قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا يَخْرُجُ (¬1) مِنَ الْبَحْرِ الْمِلْحُ، وَإِنَّمَا جَمَعَهُمَا لِأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَدْ خَرَجَ (¬2) مِنْهُمَا، مِثْلُ: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} . وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: أَرَادَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّمَا قَالَ مِنْهُمَا ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَصْدَافِ الْبَحْرِ عَنْ قَطْرِ السَّمَاءِ. وَأَمَّا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَرْجَانَ مَا صَغُرَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَاللُّؤْلُؤُ الْعِظَامُ. قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْفَرَّاءُ وَالضَّحَّاكُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: اللُّؤْلُؤُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْحَبِّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ، وَالْمَرْجَانُ صِغَارُهُ. الثَّانِي: أَنَّ اللُّؤْلُؤَ الصِّغَارُ، وَالْمَرْجَانَ الْكِبَارُ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ أَفْوَاهَهَا، فَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْمَطَرِ فَهُوَ لُؤْلُؤٌ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ (¬3) : حَيْثُ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ كَانَتْ لُؤْلُؤَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْمَرْجَانُ الْخَرَزُ الْأَحْمَرُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَرْجَانُ أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يَعْلَى أَنَّ الْمَرْجَانَ ضَرْبٌ مِنَ اللُّؤْلُؤِ كَالْقُضْبَانِ (¬4) . [فصل البرهان الحادي والثلاثون " وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " والجواب عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " الْبُرْهَانُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ¬

(¬1) عِبَارَةُ " إِنَّمَا يَخْرُجُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ن، س: أَخْرَجَ. (¬3) ن، م: ابْنُ جُرَيْجٍ. (¬4) س، ب: كَالْقُضْبَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَانْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ " ط. بُولَاقَ 27/76 - 78 زَادَ الْمَسِيرِ 8/113. (¬5) فِي (ك) ص 163 (م) .

{وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 43] . مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ (¬1) عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ (¬2) : قُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (¬3) . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ عَنِ ابْنِ سَلَامٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ. الثَّانِي: أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَعَ مُخَالَفَةِ الْجُمْهُورِ لَهَا. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمَا. الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 43] ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ عَلِيٌّ لَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَسْتَشْهِدُ (¬4) عَلَى مَا قَالَهُ بِابْنِ عَمِّهِ عَلِيٍّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلِيًّا لَوْ شَهِدَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَبِكُلِّ مَا قَالَ، لَمْ يَنْتَفِعْ مُحَمَّدٌ بِشَهَادَتِهِ لَهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ (¬5) ، وَلَا يَنْقَادُ بِذَلِكَ أَحَدٌ ; لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مِنْ أَيْنَ لِعَلِيٍّ ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتَفَادَ ذَلِكَ مِنْ مُحَمَّدٍ، فَيَكُونُ مُحَمَّدٌ هُوَ الشَّاهِدَ لِنَفْسِهِ. وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ: [إِنَّ] (¬6) هَذَا ابْنُ عَمِّهِ وَمِنْ أَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ، فَيُظَنُّ بِهِ ¬

(¬1) ك: الْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ. (¬2) " قَالَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬3) ك: قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬4) م: اسْتَشْهَدَ. (¬5) م: اسْتَدَلَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) " إِنَّ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

الْمُحَابَاةُ وَالْمُدَاهَنَةُ. وَالشَّاهِدُ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا يَشْهَدُ بِهِ، بَرِيئًا مِنَ التُّهْمَةِ، لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِهَا إِلَّا مِنَ الْمَشْهُودِ لَهُ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ لَهُ بِتَصْدِيقِهِ (¬1) فِيمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَغَيْرُهُمَا، كَانَ أَنْفَعَ لَهُ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَبْعَدَ عَنِ التُّهْمَةِ، وَلِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُمْ كَانُوا رِجَالًا وَقَدْ سَمِعُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنَ الْكُهَّانِ أَشْيَاءَ عَلِمُوهَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ مُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا، فَكَانَ الْخُصُومُ يَقُولُونَ: لَا يَعْلَمُ مَا شَهِدَ بِهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ. وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِذَا شَهِدُوا بِمَا تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَبِمَا عُلِمَ صِدْقُهُ (¬2) كَانَتْ تِلْكَ (¬3) شَهَادَةً نَافِعَةً، كَمَا لَوْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ مَوْجُودِينَ وَشَهِدُوا لَهُ ; لَأَنَّ مَا ثَبَتَ نَقْلُهُ عَنْهُمْ بِالتَّوَاتُرِ وَغَيْرِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَتِهِمْ أَنْفُسِهِمْ. وَلِهَذَا نَحْنُ نَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ بِمَا عَلِمْنَاهُ مِنْ جِهَةِ نَبِيِّنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 143] . فَهَذَا الْجَاهِلُ الَّذِي جَعَلَ هَذَا فَضِيلَةً لِعَلِيٍّ قَدَحَ بِهَا فِيهِ وَفِي النَّبِيِّ (¬4) الَّذِي صَارَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي الْأَدِلَّةِ (¬5) الدَّالَّةِ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَلَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا زِنْدِيقٌ أَوْ جَاهِلٌ مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ. ¬

(¬1) م: بِتَصْدِيقٍ. (¬2) ن، س: وَبِمَا عُلِمَ صِدْقُهُمْ، م: وَنَبِيًّا عُلِمَ صِدْقُهُمْ. (¬3) تِلْكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) ن، س، ب: وَفِي الشَّيْءِ. (¬5) س، ب: وَفِي الدَّلَالَةِ.

فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ. الْخَامِسُ: أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَدْ ذَكَرَ الِاسْتِشْهَادَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي غَيْرِ آيَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 52] ، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 10] أَفَتَرَى عَلِيًّا هُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 94] ، فَهَلْ كَانَ عَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ؟ وَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 109] ، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 43] فَهَلْ أَهْلُ الذِّكْرِ (¬1) الَّذِينَ (¬2) يَسْأَلُونَهُمْ هَلْ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ (¬3) رِجَالًا هُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ ! السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الشَّاهِدُ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ، مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ * وَسَلْمَانَ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ وَغَيْرِهِمْ، لَيْسُوا أَفْضَلَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ * (¬4) ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمْ (¬5) . ¬

(¬1) أَهْلُ الذِّكْرِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ن) ، وَفِي (ب) فَأَهْلُ الذِّكْرِ. (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (م) وَمَكَانُهُ بَيَاضٌ. (¬3) سَاقِطٌ مَنْ (م) وَمَكَانُهُ بَيَاضٌ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الْمَعَارِفِ) 16/500 - 507 أَنَّهُ عَلَى قِرَاءَةِ " وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ " يَكُونُ الْمَعْنَى " وَالَّذِينَ عِنْدَهُمْ عِلْمُ الْكِتَابِ " أَيِ الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ، كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَسَّرَ ذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ "، ثُمَّ أَوْرَدَ آثَارًا (20535 - 20541) تَقُولُ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَذَكَرَ آثَارًا أُخْرَى فِيهَا أَنَّهُمْ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَةِ: (. . . قِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَهُ مُجَاهِدٍ وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِنَّمَا أَسْلَمَ فِي أَوَّلِ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا مَا قَالَهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى " وَانْظُرْ سَائِرَ كَلَامِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَةِ: " قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَلِيٌّ، فَعَوَّلَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا لِأَنَّهُ عِنْدَهُ أَعْلَمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ.

فصل البرهان الثاني والثلاثون " يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه " والجواب عليه

[فصل البرهان الثاني والثلاثون " يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 8] . رَوَى (¬2) أَبُو نُعَيْمٍ مَرْفُوعًا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى (¬3) مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ: إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِخُلَّتِهِ مِنَ اللَّهِ (¬4) ، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّهُ صَفْوَةُ اللَّهِ، ثُمَّ عَلِيٌّ يُزَفُّ بَيْنَهُمَا إِلَى الْجِنَانِ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} قَالَ: عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ (¬5) ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الَّذِي لَا أَصْلَ لَهُ. ¬

(¬1) فِي (ك) ص 163 (م) . (¬2) م: رَوَاهُ. (¬3) ك: يَكْتَسِي. (¬4) ك: إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ لِخُلَّتِهِ مِنَ اللَّهِ. (¬5) م: بِصِحَّةِ النَّقْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ (¬1) . الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي (¬2) أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أَفْضَلَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ ; لِأَنَّهُ وَسَطٌ وَهُمَا طَرَفَانِ. وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ، فَمَنْ فَضَّلَ عَلَيْهِمَا عَلِيًّا كَانَ أَكْفَرَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ» " (¬3) . وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مُحَمَّدٍ وَلَا عَلِيٍّ. وَتَقْدِيمُ إِبْرَاهِيمَ بِالْكُسْوَةِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا (¬4) ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: " «إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفِيقُ، فَأَجِدُ (¬5) مُوسَى بَاطِشًا (¬6) بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي هَلِ اسْتَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ» " (¬7) ، ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬2) ن، م: لِأَنَّهُ يَقْتَضِي. (¬3) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 4/139 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) 4/168 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ بَابُ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ) ، وَهُوَ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 4/2194 - 2195 (كِتَابُ الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابُ فِنَاءِ الدُّنْيَا وَبَيَانِ الْحَشْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/4 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) ، وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى، وَالْحَدِيثُ فِي النَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬4) ن، م: مُطْلَقًا مِنْ مُحَمَّدٍ. (¬5) م: وَأَخِي. (¬6) س: بَاسِطًا. (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ آخِرُهَا 9/139 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ بَابٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ) ، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ. . .، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ "، وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ فِي مُسْلِمٍ 4/1844 - 1845 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، 4/301 - 302 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) ، وَالْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/20 - 22 رَقْمِ 7576.

فَتَجْوِيزُ (¬1) أَنْ يَكُونَ سَبَقَهُ فِي الْإِفَاقَةِ أَوْ لَمْ يُصْعَقْ (¬2) بِحَالٍ - لَا يَمْنَعُنَا (¬3) أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَفْضَلُ مِنْ مُوسَى. وَلَكِنْ إِذَا كَانَ التَّفْضِيلُ عَلَى وَجْهِ الْغَضِّ مِنَ الْمَفْضُولِ فِي النَّقْصِ لَهُ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا نَهَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ تَفْضِيلِهِ عَلَى مُوسَى، وَكَمَا قَالَ لِمَنْ قَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ. قَالَ: " «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ» " (¬4) وَصَحَّ قَوْلُهُ: " «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ» " (¬5) . ¬

(¬1) ن، س، ب: فَيَجُوزُ. (¬2) م: وَلَمْ صُعِقْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) م: لَا يَمْنَعُ. (¬4) س، ب: ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 4/1839 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَنَصُّهُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ". وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/116 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ لَمْ يَكُنْ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ 3 178 - 184 وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ: 15/121 - 122 " قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا تَوَاضُعًا وَاحْتِرَامًا لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخُلَّتِهِ وَأُبُوَّتِهِ، وَإِلَّا فَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِافْتِخَارَ وَلَا التَّطَاوُلَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ، بَلْ قَالَهُ بَيَانًا لِمَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَتَبْلِيغِهِ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا فَخْرَ. لِيَنْفِيَ مَا قَدْ يَتَطَرَّقُ إِلَى بَعْضِ الْأَفْهَامِ السَّخِيفَةِ. (¬5) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَاءَتْ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مِنْ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/370 - 371 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، سُورَةُ الْإِسْرَاءِ) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ "، وَهُوَ أَيْضًا فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/247 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَدِيثُ رَقْمِ 3693 سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1440 (كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) حَدِيثُ رَقْمِ 2546، 2692 (ط. الْحَلَبِيِّ)

وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي تَفْضِيلِ الصَّحَابَةِ يُتَّقَى فِيهِ نَقْصُ أَحَدٍ عَنْ رُتْبَتِهِ أَوِ الْغَضُّ مِنْ (¬1) دَرَجَتِهِ، أَوْ دُخُولُ الْهَوَى وَالْفِرْيَةِ فِي ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَتِ الرَّافِضَةُ وَالنَّوَاصِبُ الَّذِينَ يَبْخَسُونَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ حُقُوقَهُمْ. الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 8] وَقَوْلَهُ: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 12] نَصٌّ عَامٌّ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا يُعْطَى نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; فَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَيُطْفَأُ [نُورُهُ] يَوْمَ الْقِيَامَةِ (¬2) ، وَالْمُؤْمِنُ يُشْفِقُ مِمَّا يَرَى (¬3) مِنْ إِطْفَاءِ نُورِ الْمُنَافِقِ (¬4) ، فَهُوَ يَقُولُ: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا (¬5) ، فَإِنَّ الْعُمُومَ (¬6) فِي ذَلِكَ ¬

(¬1) ن: أَوِ النَّقْصُ مِنْ، س، ب: أَوِ النَّقْصُ عَنْ. (¬2) ن: فَيُطْفِئُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُطْفِئُ، س: فَيُعْطَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ب: فَيُطْفَأُ نُورُهُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) ن، م: رَأَى. (¬4) ن، م: الْمُنَافِقِينَ. (¬5) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ بِمَعْنَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ آيَةٍ: 12 مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ وَنَسَبَهُ إِلَى الضَّحَّاكِ. (¬6) ن، س، ب: فَالْعُمُومُ.

فصل البرهان الثالث والثلاثون " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " والجواب عليه

يُعْلَمُ قَطْعًا وَيَقِينًا، وَأَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ عَلَى وَحْدِهِ، وَلَوْ أَنَّ قَائِلًا قَالَ فِي كُلِّ مَا جَعَلُوهُ عَلِيًّا أَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عُمَرُ أَوْ عُثْمَانُ (¬1) أَيُّ فَرْقٍ كَانَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ إِلَّا مَحْضَ الدَّعْوَى وَالِافْتِرَاءِ (¬2) ؟ بَلْ يُمْكِنُ ذِكْرُ شُبَهٍ لِمَنْ يَدَّعِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْظَمَ مِنْ شُبَهِ الرَّافِضَةِ الَّتِي تَدَّعِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِعَلِيٍّ. وَحِينَئِذٍ فَدُخُولُ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَدُخُولِ الثَّلَاثَةِ، بَلْ هُمْ أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَا أَفْضَلِيَّتُهُ وَلَا إِمَامَتُهُ (¬3) . [فصل البرهان الثالث والثلاثون " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 7] . رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا (¬5) نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ (¬6) : « [تَأْتِي] أَنْتَ وَشِيعَتُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَاضِينَ مَرْضِيِّينَ (¬7) ، وَيَأْتِي خُصَمَاؤُكَ ¬

(¬1) م: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ. (¬2) م: وَالِافْتَرَى. (¬3) م: فَلَمْ يُنْسَبْ بِهَا أَفْضَلِيَّةٌ وَلَا إِمَامَةٌ. (¬4) فِي (ك) 163 (م) 164 (م) . (¬5) ك (ص 164 م) : إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا (¬6) ك: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬7) ن، م، س: أَنْتَ وَشِيعَتُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَاضِينَ مَرْضِيِّينَ، ك: هُمْ أَنْتَ وَشِيعَتُكَ، تَأْتِي أَنْتَ وَشِيعَتُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَاضِينَ مَرْضِيِّينَ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

غِضَابًا مُفْحَمِينَ (¬1) ، وَإِذَا كَانَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ» ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، وَإِنْ كُنَّا غَيْرَ مُرْتَابِينَ فِي كَذِبِ ذَلِكَ، لَكِنَّ مُطَالَبَةَ الْمُدَّعِي بِصِحَّةِ النَّقْلِ لَا يَأْبَاهُ إِلَّا مُعَانِدٌ. وَمُجَرَّدُ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مِمَّا هُوَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ [الْعُلَمَاءِ وَ] أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ (¬2) بِالْمَنْقُولَاتِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا مُعَارَضٌ بِمَنْ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هُمُ النَّوَاصِبُ، كَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ (¬3) . وَيَقُولُونَ: إِنَّ مَنْ تَوَلَّاهُ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَيَحْتَجُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 44] قَالُوا: وَمَنْ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ فَقَدْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَيَكُونُ كَافِرًا، وَمَنْ تَوَلَّى الْكَافِرَ (¬4) فَهُوَ كَافِرٌ ; لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (¬5) وَقَالُوا: إِنَّهُ هُوَ وَعُثْمَانُ وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا مُرْتَدُّونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ» " (¬6) . ¬

(¬1) ك: وَيَأْتِي عَدُوُّكَ غُضْبَانًا مُفْحَمِينَ خَائِبِينَ. (¬2) ن، س، ب: بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. (¬3) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬4) ن، س: الْكُفْرَ، ب: الْكُفَّارَ. (¬5) س، ب: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ. (¬6) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/218 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ) ، أَوَّلُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا "، قَالُوا: أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا "، وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي الْمُوَطَّأِ 1/28 - 30 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ جَامِعِ الْوُضُوءِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1439 - 1440، (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ ذِكْرِ الْحَوْضِ) ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي مُسْلِمٍ وَمَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ 1/217 رَقْمُ 37.

* قَالُوا: وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ (¬1) حَكَمُوا فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: " «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا * (¬2) يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» " (¬3) . قَالُوا: وَالَّذِينَ (¬4) ضَرَبَ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ رَجَعُوا بَعْدَهُ كُفَّارًا. فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ حُجَجِ الْخَوَارِجِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا بِلَا رَيْبٍ فَحُجَجُ الرَّافِضَةِ أَبْطَلُ مِنْهُ، وَالْخَوَارِجُ أَعْقَلُ وَأَصْدَقُ وَأَتْبَعُ لِلْحَقِّ مِنَ الرَّافِضَةِ ; فَإِنَّهُمْ صَادِقُونَ لَا يَكْذِبُونَ، أَهْلُ دِينٍ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، لَكِنَّهُمْ ضَالُّونَ جَاهِلُونَ مَارِقُونَ، مَرَقُوا مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَالْجَهْلُ وَالْهَوَى وَالْكَذِبُ غَالِبٌ عَلَيْهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ زَنَادِقَةٌ مَلَاحِدَةٌ، لَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي الدِّينِ، بَلْ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 33] . ¬

(¬1) س، ب: وَهُمُ الَّذِينَ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/500. (¬4) م: وَالَّذِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَالْمَرْوَانِيَّةُ الَّذِينَ قَاتَلُوا (¬1) عَلِيًّا، وَإِنْ كَانُوا لَا يُكَفِّرُونَهُ، فَحُجَجُهُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَجِ الرَّافِضَةِ. وَقَدْ صَنَّفَ الْجَاحِظُ كِتَابًا لِلْمَرْوَانِيَّةِ ذَكَرَ فِيهِ مِنَ الْحُجَجِ الَّتِي لَهُمْ مَا لَا يُمْكِنُ الرَّافِضَةَ نَقْضُهُ، بَلْ لَا يُمْكِنُ الزَّيْدِيَّةَ نَقْضُهُ، دَعِ الرَّافِضَةَ! أَهْلُ السُّنَّةِ (¬2) وَالْجَمَاعَةِ لَمَّا كَانُوا مُعْتَدِلِينَ (¬3) مُتَوَسِّطِينَ صَارَتِ الشِّيعَةُ تَنْتَصِرُ بِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَهُ فِي حَقِّ عَلِيٍّ مِنَ الْحَقِّ، وَلَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ قَالُوا ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ يَثْبُتُ (¬4) بِهَا فَضْلُ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَيْسَ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا غَيْرِهِمْ حُجَّةٌ تَخُصُّ عَلِيًّا بِالْمَدْحِ وَغَيْرَهُ بِالْقَدَحِ، فَإِنَّ (¬5) هَذَا مُمْتَنِعٌ لَا يُنَالُ إِلَّا بِالْكَذِبِ الْمُحَالِ، لَا بِالْحَقِّ الْمَقْبُولِ فِي مَيْدَانِ النَّظَرِ وَالْجِدَالِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 7] عَامٌّ فِي كُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ (¬6) ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ تَخْصِيصَهُ بِالشِّيعَةِ؟ . فَإِنْ قِيلَ (¬7) ; لِأَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ كَافِرٌ. قِيلَ: إِنْ ثَبَتَ (¬8) كُفْرُ مَنْ سِوَاهُمْ بِدَلِيلٍ، كَانَ ذَلِكَ مُغْنِيًا لَكُمْ عَنْ هَذَا التَّطْوِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ هَذَا الدَّلِيلُ، فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لَا يَثْبُتُ، فَإِنْ أَمْكَنَ إِثْبَاتُهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصَلٍ، فَذَاكَ هُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لَا هَذِهِ الْآيَةُ. ¬

(¬1) س، ب: قَتَلُوا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) م: وَلَكِنْ أَهْلَ السُّنَّةِ. (¬3) ن، س: مُعْتَقِدِينَ، ب: مُقْتَصِدِينَ. (¬4) س، ب: ثَبَتَ. (¬5) س، ب: وَإِنَّ. (¬6) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬7) س، ب: فَإِنَّهُ قُلْتُ. (¬8) م: لَنْ يَثْبُتَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُوَالِي غَيْرَ شِيعَةِ عَلِيٍّ أَكْثَرَ مِمَّا يُوَالِي كَثِيرًا مِنَ الشِّيعَةِ، حَتَّى الْخَوَارِجُ كَانَ يُجَالِسُهُمْ وَيُفْتِيهِمْ وَيُنَاظِرُهُمْ. فَلَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هُمُ الشِّيعَةُ فَقَطْ، وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ كُفَّارٌ، لَمْ يَعْمَلْ مِثْلَ هَذَا. وَكَذَلِكَ بَنُو أُمَيَّةَ كَانَتْ مُعَامَلَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ لَهُمْ مِنْ أَظْهَرِ الْأَشْيَاءِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ عِنْدَهُ لَا كُفَّارٌ (¬1) . فَإِنْ قِيْلَ: نَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ سِوَى الشِّيعَةِ، لَكِنْ نَقُولُ: هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. قِيلَ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ مَنْ سِوَاهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ تَقُولُوا: هُوَ كَافِرٌ أَوْ تَقُولُوا: فَاسِقٌ (¬2) ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، * وَإِنْ دَخَلَ اسْمُهُمْ فِي الْإِيمَانِ، وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَلَيْسَ بِفَاسِقٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ * (¬3) . فَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ فَاسِقٌ. قِيلَ لَكُمْ: إِنْ ثَبَتَ فِسْقُهُمْ كَفَاكُمْ ذَلِكَ فِي الْحُجَّةِ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ ذَلِكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَمَا تَذْكُرُونَ بِهِ فِسْقَ (¬4) طَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ إِلَّا وَتِلْكَ الطَّائِفَةُ تُبَيِّنُ لَكُمْ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِالْفِسْقِ مِنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَلَيْسَ لَكُمْ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ تَدْفَعُونَ بِهَا هَذَا. ¬

(¬1) م: يُؤْمِنُونَ عِنْدَهُ لَا كُفَّارًا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) س، ب: أَوْ فَاسِقٌ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) فِسْقَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) ، بِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

وَالْفِسْقُ غَالِبٌ عَلَيْكُمْ لِكَثْرَةِ الْكَذِبِ (¬1) فِيكُمْ وَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ فِيكُمْ مِنْهُ فِي الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ خُصُومِكُمْ. وَأَتْبَاعُ بَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا أَقَلَّ ظُلْمًا وَكَذِبًا وَفَوَاحِشَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الشِّيعَةِ بِكَثِيرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الشِّيعَةِ صِدْقٌ وَدِينٌ وَزُهْدٌ، فَهَذَا فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْخَوَارِجُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: " «يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ» " (¬2) . الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 6] ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [سُورَةُ الْبَيِّنَةِ: 7] . وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ سِوَى الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ ذُكِرَ فِيهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَكُلُّهَا عَامَّةٌ. فَمَا الْمُوجِبُ لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْآيَةِ دُونَ نَظَائِرِهَا؟ . وَإِنَّمَا دَعْوَى الرَّافِضَةِ - أَوْ غَيْرِهِمْ - مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْكُفْرَ فِي كَثِيرٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ، كَالْخَوَارِجِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهَمِيَّةِ، [وَ] أَنَّهُمْ (¬3) هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، كَقَوْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 111 - 112] . وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ ¬

(¬1) س، ب: الْفِسْقُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/68، 5/46 (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: أَنَّهُمْ، وَزِدْتُ الْوَاوَ لِتَسْتَقِيمَ الْعِبَارَةُ.

فصل البرهان الرابع والثلاثون " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا " والجواب عليه

لِلَّهِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَإِسْلَامُ وَجْهِهِ لِلَّهِ إِخْلَاصُ قَصْدِهِ لِلَّهِ (¬1) . [فصل البرهان الرابع والثلاثون " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْبُرْهَانُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 54] وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬3) : زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلِيًّا (¬4) ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا (¬5) ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ، فَكَانَ أَفْضَلَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ " (¬6) . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلًا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَثَانِيًا: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ بِلَا شَكٍّ. وَثَالِثًا: أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ الَّذِي خَالَفَهُ فِيهِ النَّاسُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. وَهَذَا مِنَ الْآيَاتِ الْمَكِّيَّةِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَدْ أُرِيدَ بِهِ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ؟ . ¬

(¬1) س، ب: إِخْلَاصُ وَجْهِهِ. (¬2) فِي (ك) ص 164 (م) . (¬3) ك: فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬4) ك: إِذَا (وَفَوْقَهَا كُتِبَتْ عِبَارَةٌ غَيْرُ وَاضِحَةٍ) زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. (¬5) فِي هَامِشِ (ك) كُتِبَ مَا يَلِي: أَيْ فَجَعَلَ النِّسْبَةَ قِسْمَيْنِ: فِي نِسْبَةٍ ذُكُورًا يُنْسَبُ إِلَيْهِمْ، وَصِهْرًا، أَيْ إِنَاثًا يُصَاهَرُ بِهِنَّ، وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا، يَخْلُقُ مِنَ النُّطْفَةِ الْوَاحِدَةِ ذَكَرًا وَأُنْثَى. (¬6) ك: فَكَانَ هُوَ الْإِمَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْآيَةَ مُطْلَقَةٌ فِي كُلِّ نَسَبٍ وَصِهْرٍ (¬1) ، لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِشَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ، وَلَا رَيْبَ (¬2) أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ مُصَاهَرَتَهُ لِعَلِيٍّ، كَمَا تَتَنَاوَلُ مُصَاهَرَتَهُ لِعُثْمَانَ مَرَّتَيْنِ، كَمَا تَتَنَاوَلُ مُصَاهَرَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوُّجَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَحَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ - مِنْ أَبَوَيْهِمَا، وَزَوَّجَ عُثْمَانَ بِرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَيْهِ، وَزَوَّجَ عَلِيًّا بِفَاطِمَةَ، فَالْمُصَاهَرَةُ (¬3) ثَابِتَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ كَانَتْ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ» " (¬4) وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الْمُصَاهَرَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، فَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تُوجِبَ أَفْضَلِيَّتَهُ وَإِمَامَتَهُ عَلَيْهِمْ. السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ مُصَاهَرَةُ * عَلِيٍّ، فَمُجَرَّدُ الْمُصَاهَرَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ بِاتِّفَاقِ [أَهْلِ] (¬5) السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَإِنَّ الْمُصَاهَرَةَ * (¬6) ثَابِتَةٌ لِكُلٍّ مِنَ الْأَرْبَعَةِ، مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَلَوْ كَانَتِ الْمُصَاهَرَةُ تُوجِبُ الْأَفْضَلِيَّةَ لَلَزِمَ التَّنَاقُضَ. ¬

(¬1) يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَةِ: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا الْآيَةَ، أَيْ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ ضَعِيفَةٍ فَسَوَّاهُ وَعَدَلَهُ وَجَعَلَهُ كَامِلَ الْخِلْقَةِ ذَكَرًا وَأُنْثَى كَمَا يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا فَهُوَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَلَدٌ نَسِيبٌ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ فَيَصِيرُ صِهْرًا، ثُمَّ يَصِيرُ لَهُ أَصْهَارٌ وَأُخْتَانٌ وَقُرَابَاتٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا. (¬2) س، ب: فَلَا رَيْبَ. (¬3) ن، س، ب: وَالْمُصَاهَرَةُ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ فِيمَا مَضَى 4/14 (¬5) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬6) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م

فصل البرهان الخامس والثلاثون " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " والجواب عليه

[فصل البرهان الخامس والثلاثون " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 119] أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْكَوْنَ مَعَ الْمَعْلُومِ مِنْهُمُ الصِّدْقُ، وَلَيْسَ إِلَّا الْمَعْصُومُ لِتَجْوِيزِ الْكَذِبِ فِي غَيْرِهِ، فَيَكُونُ هُوَ عَلِيًّا ; إِذْ لَا مَعْصُومَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ سِوَاهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الصِّدِّيقَ مُبَالَغَةٌ فِي الصَّادِقِ، فَكُلُّ صِدِّيقٍ صَادِقٌ وَلَيْسَ كُلُّ صَادِقٍ صِدِّيقًا. وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صِدِّيقٌ بِالْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ، فَيَجِبُ أَنْ تَتَنَاوَلَهُ الْآيَةُ قَطْعًا وَأَنْ تَكُونَ مَعَهُ، بَلْ تَنَاوُلُهَا لَهُ أَوْلَى مِنْ تَنَاوُلِهَا لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَإِذَا كُنَّا مَعَهُ مُقِرِّينَ بِخِلَافَتِهِ، امْتَنَعَ أَنْ نُقِرَّ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ هُوَ الْإِمَامَ دُونَهُ، فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَطْلُوبِهِمْ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: عَلِيٌّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِدِّيقًا فَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَالْكَوْنُ مَعَ الصَّادِقِ الصِّدِّيقِ أَوْلَى مِنَ الْكَوْنِ مَعَ الصَّادِقِ الَّذِي لَيْسَ بِصِدِّيقٍ. وَإِنْ كَانَ صِدِّيقًا فَعُمَرُ وَعُثْمَانُ أَيْضًا صِدِّيقُونَ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْأَرْبَعَةُ صِدِّيقِينَ، لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ مُخْتَصًّا ¬

(¬1) فِي (ك) ص 164 (م) .

بِذَلِكَ، وَلَا بِكَوْنِهِ صَادِقًا، فَلَا يَتَعَيَّنُ الْكَوْنُ مَعَ وَاحِدٍ دُونَ الثَّلَاثَةِ. بَلْ لَوْ قَدَّرْنَا التَّعَارُضَ لَكَانَ الثَّلَاثَةُ أَوْلَى مِنَ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا، لَا سِيَّمَا وَهُمْ أَكْمَلُ فِي الصِّدْقِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَصَدَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِبَرَكَةِ الصِّدْقِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَعْتَذِرَ وَيَكْذِبَ، كَمَا اعْتَذَرَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَكَذَبُوا. وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ (¬1) وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالسِّيَرِ، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهِ (¬2) . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ اخْتِصَاصٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، بَلْ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: " فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ يُهَرْوِلُ فَعَانَقَنِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ " (¬3) فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَ حَمْلُهَا عَلَى عَلِيٍّ وَحْدَهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُقَالُ: إِنَّهُ مَعْصُومٌ، لَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ. فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ {مَعَ الصَّادِقِينَ} وَلَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهُ مَعْصُومًا. الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَالَ: {مَعَ الصَّادِقِينَ} وَهَذِهِ صِيغَةُ جَمْعٍ، وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ، فَلَا يَكُونُ هُوَ الْمُرَادَ وَحْدَهُ. السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَعَ الصَّادِقِينَ} إِمَّا أَنْ يُرَادَ: كُونُوا مَعَهُمْ فِي ¬

(¬1) ن: وَالْمَسَانِيدِ. (¬2) انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَتَيْنِ 118، 119 مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. (¬3) سَبَقَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِيمَا مَضَى 2/433.

الصِّدْقِ وَتَوَابِعِهِ، فَاصْدُقُوا كَمَا يَصْدُقُ الصَّادِقُونَ، وَلَا تَكُونُوا مَعَ الْكَاذِبِينَ. كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 43] ، وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 69] ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 146] . وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ: كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ (¬1) بِالصِّدْقِ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ فِي الْمُبَاحَاتِ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحَ، فَلَيْسَ فِي هَذَا أَمْرٌ (¬2) بِالْكَوْنِ مَعَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، بَلِ الْمَقْصُودُ: اصْدُقُوا وَلَا تَكْذِبُوا. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ; فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ (¬3) يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكَ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» " (¬4) . ¬

(¬1) م: لَوْ يَتَعَلَّقُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م: فَلَيْسَ فِي هَذَا أَمْرٌ، س: فَلَيْسَ هَذَا أَمْرٌ ; ب: فَلَيْسَ هَذَا أَمْرًا. (¬3) س: إِلَى الْبَرِّ، الْحَدِيثَ، ب: وَالْبِرُّ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/266

وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: كُنْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، كُنْ مَعَ الْأَبْرَارِ. أَيِ ادْخُلْ مَعَهُمْ (¬1) فِي هَذَا الْوَصْفِ وَجَامِعْهُمْ عَلَيْهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ: أَنَّكَ مَأْمُورٌ بِطَاعَتِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ. الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: إِذَا أُرِيدَ: كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ مُطْلَقًا، فَذَلِكَ لِأَنَّ الصِّدْقَ مُسْتَلْزِمٌ لِسَائِرِ الْبِرِّ، كَقَوْلِ (¬2) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ» " الْحَدِيثَ. وَحِينَئِذٍ فَهَذَا وَصْفٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِهِ. الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ، وَلَمْ يَقُلْ: مَعَ الْمَعْلُومِ فِيهِمُ الصِّدْقُ، كَمَا أَنَّهُ قَالَ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [سُورَةُ الطَّلَاقِ: 2] لَمْ يَقُلْ: مَنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ ذَوُو عَدْلٍ مِنْكُمْ. وَكَمَا قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 58] لَمْ يَقُلْ: إِلَى مَنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُهَا. وَكَمَا قَالَ: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 58] لَمْ يَقُلْ: بِمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ عَدْلٌ، لَكِنْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالْوَصْفِ. وَنَحْنُ عَلَيْنَا الِاجْتِهَادُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ وَالْعَدَالَةِ وَأَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالْعَدْلِ، وَلَسْنَا مُكَلَّفِينَ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ الْغَيْبِ. كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْعَدْلِ قَالَ: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، (¬3) وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا (¬4) أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ مِنَ النَّارِ» (¬5) . ¬

(¬1) مَعَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ب: لِقَوْلِ. (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/412

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: هَبْ أَنَّ الْمُرَادَ: مِنَ الْمَعْلُومِ فِيهِمُ الصِّدْقُ، لَكِنَّ الْعِلْمَ كَالْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 10] وَالْإِيمَانُ أَخْفَى مِنَ الصِّدْقِ. فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ الْمَشْرُوطُ هُنَاكَ يُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: لَيْسَ إِلَّا الْعِلْمُ بِالْمَعْصُومِ، كَذَلِكَ هُنَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُعْلَمُ إِلَّا صِدْقُ الْمَعْصُومِ (¬1) . الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: هَبْ (¬2) أَنَّ الْمُرَادَ: عَلِمْنَا صِدْقَهُ، لَكِنْ يُقَالُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَنَحْوَهُمْ مِمَّنْ عُلِمَ صِدْقُهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ، وَإِنْ جَازَ عَلَيْهِمُ الْخَطَأُ أَوْ بَعْضُ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ أَعْظَمُ. وَلِهَذَا تَرِدُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِالْكَذِبَةِ الْوَاحِدَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ (¬3) . وَنَحْنُ قَدْ نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ وَلَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ بِحَالٍ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ انْتِفَاءَ الْكَذِبِ إِلَّا عَمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ مُطْلَقًا، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِذَا اخْتَبَرْتَهُ تَيَقَّنْتَ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ، وَإِنْ كَانَ يُخْطِئُ وَيُذْنِبُ ذُنُوبًا أُخْرَى. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ. وَهَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَتَعَمَّدُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ. وَهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مِثْلَ مَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ ¬

(¬1) م: الصِّدْقُ الْمَعْصُومُ. (¬2) هَبْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ.

فصل البرهان السادس والثلاثون " واركعوا مع الراكعين " والجواب عليه

سَعِيدٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَنَحْوِهِمْ، لَمْ يَكُونُوا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، فَكَيْفَ بِابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبَى سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ؟ . الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: الْمَعْصُومُ لَا نُسَلِّمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ مِنْ غَيْرِ (¬1) عَلِيٍّ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ ; فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ خَيْرٌ مِنَ الرَّافِضَةِ يَدَّعُونَ فِي شُيُوخِهِمْ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ غَيَّرُوا عِبَارَتَهُ. وَأَيْضًا فَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ عِصْمَتِهِمْ مَعَ ثُبُوتِ عِصْمَتِهِ، بَلْ إِمَّا انْتِفَاءُ الْجَمِيعِ وَإِمَّا ثُبُوتُ الْجَمِيعِ. [فصل البرهان السادس والثلاثون " وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْبُرْهَانُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 43] مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (¬3) -: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٍّ خَاصَّةً» (¬4) ، وَهُمَا أَوَّلُ مَنْ صَلَّى وَرَكَعَ. وَهَذَا (¬5) يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِ (¬6) فَيَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ ". ¬

(¬1) ن: عَلَى أَنْبِيَاءِ الْعِصْمَةِ عَنْ غَيْرِ. . .، م: عَلَى أَشْيَاءَ عَنْ غَيْرِ. . .، وَكِلَاهُمَا تَحْرِيفٌ. (¬2) فِي (ك) ص 165 (م) . (¬3) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَيْسَتْ فِي (ك) ، (م) ، وَفِي (ن) ، (س) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬4) ك: فِي رَسُولِ اللَّهِ وَعَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ خَاصَّةً. (¬5) ك: وَهُوَ. (¬6) أَفْضَلِيَّتِهِ.

الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ فِي سِيَاقِ مُخَاطَبَةٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِطَابُ لَهُمْ (¬1) ، أَوْ لَهُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (¬2) ، فَهُوَ خِطَابٌ أُنْزِلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَبَعْدَ أَنْ كَثُرَ الْمُصَلُّونَ وَالرَّاكِعُونَ، وَلَمْ تَنْزِلْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِأَوَّلِ مَنْ صَلَّى وَرَكَعَ. الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {مَعَ الرَّاكِعِينَ} صِيغَةُ جَمْعٍ، وَلَوْ أُرِيدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٌّ ; لَقِيلَ مَعَ الرَّاكِعَيْنِ، بِالتَّثْنِيَةِ. وَصِيغَةُ الْجَمْعِ لَا يُرَادُ بِهَا اثْنَانِ فَقَطْ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، بَلْ إِمَّا الثَّلَاثَةُ فَصَاعِدًا، وَإِمَّا الِاثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَأَمَّا إِرَادَةُ اثْنَيْنِ فَقَطْ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَالَ لِمَرْيَمَ: {اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 43] وَمَرْيَمُ كَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، (¬3) فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ رَاكِعُونَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (¬4) ، فَلَيْسَ فِيهِمْ عَلِيٌّ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ رَاكِعُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ فِيهِمْ عَلِيٌّ وَصِيغَةُ الِاثْنَيْنِ وَاحِدَةٌ؟ . ¬

(¬1) (1) م: لَهُ. (¬2) (2) فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/572 لِلْآيَةِ، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 43 " وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ذُكِرَ أَنَّ أَحْبَارَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَإِيتَاءِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ مَعَهُمْ، وَأَنْ يَخْضَعُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا خَضَعُوا " وَانْظُرْ 1/575، وَانْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ لِلْآيَةِ. (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

فصل البرهان السابع والثلاثون " واجعل لي وزيرا من أهلي " والجواب عليه

السَّادِسُ: أَنَّ الْآيَةَ مُطْلَقَةٌ لَا تَخُصُّ شَخْصًا بِعَيْنِهِ، بَلْ أُمِرَ الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْمُصَلِّينَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ (¬1) ; لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُدْرَكَ إِلَّا بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ. السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الرُّكُوعَ (¬2) مَعَهُمَا لَا نَقْطَعُ حُكْمَهَا بِمَوْتِهِمَا (¬3) ، فَلَا يَكُونُ أَحَدٌ مَأْمُورًا أَنْ يَرْكَعَ مَعَ الرَّاكِعِينَ. الثَّامِنُ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: [عَلِيٌّ] (¬4) أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ (¬5) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَمْنُوعٌ. بَلْ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى قَبْلَهُ (¬6) . التَّاسِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمْرًا بِالرُّكُوعِ مَعَهُ، لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ رَكَعَ مَعَهُ يَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ إِمَامًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَرْكَعُ مَعَهُ. [فصل البرهان السابع والثلاثون " وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬7) : " الْبُرْهَانُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} [سُورَةُ طه: 29] مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ ¬

(¬1) س، ب: مَعَ الْجَمَاعَةِ. (¬2) م: الْمُرَادُ بِهِ الرُّكُوعَ. (¬3) م: حُكْمَهُمَا فِي الْجَمَاعَةِ بِمَوْتِهِمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) عَلِيٌّ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬5) م: مَعَ رَسُولِ اللَّهِ. (¬6) س، ب: خَلْفَهُ. (¬7) فِي (ك) ص 165 (م) .

ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِ عَلِيٍّ وَبِيَدِي وَنَحْنُ بِمَكَّةَ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَرَفَعَ (¬1) يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ سَأَلَكَ، وَأَنَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْرَحَ لِي صَدْرِي، وَتَحْلُلْ (¬2) عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ (¬3) مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَحْمَدُ قَدْ أُوتِيتَ (¬4) مَا سَأَلْتَ» . وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ ". وَالْجَوَابُ: الْمُطَالَبَةُ بِالصِّحَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلًا. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا (¬5) كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬6) ، بَلْ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَسْمَجِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ وُلِدَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ (¬7) وُلِدَ وَبَنُو هَاشِمٍ فِي الشِّعْبِ ¬

(¬1) ك: ثُمَّ رَفَعَ. (¬2) ب: وَتَحُلَّ. (¬3) ك: فَسَمِعْتُ. (¬4) ك: أُويتَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، م، س: فَهَذَا. (¬6) لَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي " الدُّرِّ الْمَنْثُورِ " 4/295 حَدِيثًا بِمَعْنَاهُ، فَقَالَ: وَأَخْرَجَ السِّلَفِيُّ فِي " الطُّيُورِيَّاتِ " بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَلٍ ثُمَّ دَعَا رَبَّهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْدُدْ أَزْرِي بِأَخِي عَلِيٍّ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ. (¬7) م: وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ.

مَحْصُورُونَ، وَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَبَّاسٍ بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ، وَلَا كَانَ مِمَّنْ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي (¬1) [مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬2) ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ (¬3) وَهُوَ لَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ، وَكَانَ (¬4) لَهُ عِنْدَ الْهِجْرَةِ نَحْوُ خَمْسِ سِنِينَ أَوْ أَقَلُّ مِنْهَا، وَهَذَا لَا يُؤْمَرُ بِوُضُوءٍ وَلَا صَلَاةٍ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» " (¬5) وَمَنْ يَكُونُ بِهَذَا السِّنِّ لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَحْفَظُ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ إِلَّا بِتَلْقِينٍ، لَا يَحْفَظُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ قَدْ قَدَّمُوا فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] . وَحَدِيثُ التَّصَدُّقِ بِالْخَاتَمِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ. وَهُنَا قَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ قَدْ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ بِمَكَّةَ قَبْلَ تِلْكَ (¬6) الْوَاقِعَةِ بِسِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَإِنَّ تِلْكَ (¬7) كَانَتْ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَالْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا، وَهَذَا فِي مَكَّةَ. فَإِذَا (¬8) كَانَ قَدْ دَعَا بِهَذَا فِي مَكَّةَ وَقَدِ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى الدُّعَاءِ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ (¬9) بِسِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ؟ . ¬

(¬1) ب: وَلَا يُصَلِّي. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) مَاتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) ن، س، ب: فَكَانَ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/45 (¬6) ن، س، ب: هَذِهِ. (¬7) تِلْكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬8) م: وَإِذَا. (¬9) م: بِالْمَائِدَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الْخَامِسُ: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ (¬1) وُجُوهًا مُتَعَدِّدَةً فِي بُطْلَانِ مِثْلِ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنْ هُنَا قَدْ زَادُوا فِيهِ زِيَادَاتٍ (¬2) كَثِيرَةً لَمْ يَذْكُرُوهَا هُنَاكَ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [سُورَةُ طَهَ: 32] فَصَرَّحُوا (¬3) هُنَا بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ شَرِيكَهُ فِي أَمْرِهِ، كَمَا كَانَ هَارُونُ شَرِيكَ مُوسَى، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِنُبُوَّتِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ الْإِمَامِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْغَالِيَةِ. وَلَيْسَ الشَّرِيكُ فِي الْأَمْرِ هُوَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ، فَإِنَّهُمْ يَدَّعُونَ إِمَامَتَهُ بَعْدَهُ، وَمُشَارَكَتَهُ لَهُ فِي أَمْرِهِ فِي حَيَاتِهِ. وَهَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةُ وَإِنْ كَانُوا يُكَفِّرُونَ مَنْ يَقُولُ بِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي النُّبُوَّةِ، لَكِنَّهُمْ يُكَثِّرُونَ سَوَادَهَمْ فِي الْمَقَالِ وَالرِّجَالِ بِمَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِ (¬4) الْكُفْرَ وَالضَّلَالَ، وَبِمَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ ; لِفَرْطِ مُنَابَذَتِهِمْ لِلدِّينِ، وَمُخَالَفَتِهِمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبُغْضِهِمْ لِخِيَارِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَاعْتِقَادِهِمْ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ. فَهُمْ كَمَا قِيلَ فِي الْمَثَلِ: " رَمَتْنِي بِدَائِهَا وَانْسَلَّتْ ". وَهَذَا الرَّافِضِيُّ الْكَذَّابُ يَقُولُ: " وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ ". فَيُقَالُ لَهُ: يَا دَبِيرُ هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ عَلِيًّا شَرِيكُهُ فِي أَمْرِهِ فِي حَيَاتِهِ، كَمَا كَانَ هَارُونُ شَرِيكًا لِمُوسَى. فَهَلْ تَقُولُ بِمُوجَبِ هَذَا النَّصِّ؟ أَمْ تَرْجِعُ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِأَكَاذِيبِ الْمُفْتَرِينَ، وَتُرَّهَاتِ إِخْوَانِكَ الْمُبْطِلِينَ؟ . ¬

(¬1) م: فِيمَا هُنَاكَ تَقَدَّمَ. (¬2) ن، م: زِيَادَةً. (¬3) م: وَصَرَّحُوا. (¬4) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

فصل البرهان الثامن والثلاثون " إخوانا على سرر متقابلين " والجواب عليه

[فصل البرهان الثامن والثلاثون " إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 47] مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ (¬2) بِإِسْنَادِهِ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَهُ، فَذَكَرَ قِصَّةَ مُؤَاخَاةِ (¬3) رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬4) ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ ذَهَبَتْ (¬5) رُوحِي، وَانْقَطَعَ ظَهْرِي، حِينَ فَعَلْتَ بِأَصْحَابِكَ (¬6) ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ سُخْطِ اللَّهِ عَلَيَّ (¬7) ، فَلَكَ الْعُقْبَى (¬8) وَالْكَرَامَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيًّا، مَا اخْتَرْتُكَ (¬9) لَا لِنَفْسِي، فَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي (¬10) ، وَأَنْتَ أَخِي ¬

(¬1) فِي (ك) ص [0 - 9] 65 (م) 166 (م) . (¬2) ك: أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. (¬3) فِي (ك) فِي الْأَصْلِ الْعِبَارَةُ مُضْطَرِبَةٌ هَكَذَا: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَسْجِدَهُ فَذَكَرَ عَلَيْهِ قِصَّةَ مُؤَاخَاةِ. . . إِلَخْ. (¬4) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ. (¬5) س، ب: أَذْهَبْتَ. (¬6) ك: حِينَ فَعَلْتَ بِأَصْحَابِكَ مَا فَعَلْتَ غَيْرِي. (¬7) ك: فَإِنْ كَانَ هَذَا مُنْكَرًا مِنْ سُخْطٍ عَلَيَّ. (¬8) ك (ص 166 م) : الْعُتْبَى. (¬9) ك: مَا أَخَّرْتُكَ. (¬10)) س، ب: مِنْ بَعْدِي.

وَوَارِثِي (¬1) ، وَأَنْتَ مَعِي فِي قَصْرِي فِي الْجَنَّةِ، وَمَعَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ، فَأَنْتَ (¬2) أَخِي وَرَفِيقِي. ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} » ، الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وَالْمُؤَاخَاةُ تَسْتَدْعِي الْمُنَاسَبَةَ وَالْمُشَاكَلَةَ، فَلَمَّا اخْتُصَّ عَلِيٌّ بِمُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3) - كَانَ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا الْإِسْنَادِ. وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَلَا رَوَاهُ أَحْمَدُ [قَطُّ] (¬4) لَا فِي الْمُسْنَدِ وَلَا فِي " الْفَضَائِلِ (¬5) " وَلَا ابْنُهُ (¬6) . فَقَوْلُ هَذَا الرَّافِضِيِّ: " مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ " (¬7) كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى الْمُسْنَدِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زِيَادَاتِ الْقَطِيعِيِّ * الَّتِي فِيهَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ مَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، رَوَاهُ الْقَطِيعِيُّ * (¬8) عَنْ (¬9) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الذَّارِعُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَعْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَوْفَى (¬10) . ¬

(¬1) م: وَقَارِنِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) ك: وَأَنْتَ. (¬3) ك: رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬4) قَطُّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬5) س: وَلَا هُوَ فِي " الْفَضَائِلِ ". (¬6) م: وَلَا نَائِبُهُ، س: وَلَا أَثْبَتَهُ. (¬7) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَفِي س، ب: فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬8) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬9) الْحَدِيثُ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 2/638 - 639 رَقْمُ 1085 (¬10) تَكَلَّمَ مُحَقِّقُ كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " عَلَى هَذَا السَّنَدِ 1/525 (الْحَدِيثُ رَقْمُ 871) ثُمَّ قَالَ عِنْدَ التَّعْلِيقِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِأَجْلِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ عَبَّادٍ " وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ 1/525 " وَفِيهِ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ، ذَكَرَهُ السَّاجِيُّ، وَابْنُ الْجَارُودِ فِي الضُّعَفَاءِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ. التَّارِيخَ الْكَبِيرَ 3 2/117، الدِّيوَانَ ص 202 الْمِيزَانَ 2/670 اللِّسَانَ 4/76.

وَهَذَا الرَّافِضِيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ بِتَمَامِهِ فَإِنَّ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: «وَأَنْتَ أَخِي وَوَارِثِي. قَالَ: وَمَا أَرِثُ مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا وُرِثَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي. قَالَ: وَمَا وُرِثَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِكَ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِمْ» (¬1) . وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُظْلِمٌ انْفَرَدَ (¬2) بِهِ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَبَّادٍ أَحَدُ الْمَجْرُوحِينَ، ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ (¬3) عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَعْنٍ، وَلَا يَدْرِي مَنْ هُوَ، فَلَعَلَّهُ الَّذِي اخْتَلَقَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَنْ زَيْدِ (¬4) بْنِ أَبِي أَوْفَى. الْوَجْهُ الثَّانِي: [أَنَّ هَذَا] (¬5) مَكْذُوبٌ مُفْتَرًى بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ أَحَادِيثَ الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَالْأَنْصَارِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، كُلُّهَا كَذِبٌ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَاخِ عَلِيًّا، وَلَا آخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ وَمُهَاجِرِيٍّ، لَكِنْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، كَمَا آخَى بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَبَيْنَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبَيْنَ عَلِيٍّ، وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ. ¬

(¬1) انْظُرْ فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ 2/639 (¬2) م: لِأَنَّهُ تَفَرَّدَ. (¬3) تَرْجَمَةُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ عَبَّادٍ فِي " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " م [0 - 9] ق [0 - 9] ص [0 - 9] 6 وَقَالَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ " ضَعِيفُ الْحَدِيثِ ". (¬4) س، ب: يَزِيدَ. (¬5) أَنَّ هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، وَفِي (ب) : أَنَّهُ.

وَكَانَتِ الْمُؤَاخَاةُ فِي دُورِ بَنِي النَّجَّارِ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ أَنَسٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، لَمْ تَكُنْ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي دَارٍ كَانَ لِبَعْضِ بَنِي النَّجَّارِ (¬1) ، وَبَنَاهُ فِي مَحِلَّتِهِمْ. فَالْمُؤَاخَاةُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا أَنَسٌ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، قَالَ: قُلْتٌ لِأَنَسٍ: «أُبْلِغَتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ ". فَقَالَ أَنَسٌ: قَدْ حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي» (¬2) . الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «أَنْتَ أَخِي وَوَارِثِي» ، بَاطِلٌ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ مِيرَاثَ الْمَالِ بَطَلَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ فَاطِمَةَ وَرِثَتْهُ. وَكَيْفَ يَرِثُ ابْنُ الْعَمِّ مَعَ وُجُودِ الْعَمِّ وَهُوَ الْعَبَّاسُ؟ وَمَا الَّذِي خَصَّهُ بِالْإِرْثِ دُونَ سَائِرِ بَنِي الْعَمِّ الَّذِينَ هُمْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؟ وَإِنْ أَرَادَ (¬3) : وَارِثَ (¬4) الْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ، بَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 16] وَقَوْلُهُ: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا - يَرِثُنِي} [سُورَةُ مَرْيَمَ: 5، 6] ; ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: وَمَسْجِدُهُ فَإِنْ كَانَ لِبَعْضِ بَنِي النَّجَّارِ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3/96 (كِتَابُ الْكَفَالَةِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ. . .) وَنَصُّهُ: " حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي ". وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي مُسْلِمٍ 4/1960 " كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَيْنَ أَصْحَابِهِ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/178 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابٌ: فِي الْحِلْفِ) ، وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي كُتُبِ السُّنَّةِ. (¬3) م: وَإِنْ أَرَدْتَ. (¬4) س، ب: إِرْثُ.

إِذْ لَفْظُ " الْإِرْثِ " إِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِهَذَا وَلِهَذَا (¬1) أَمْكَنَ أَنَّ [أُولَئِكَ] (¬2) الْأَنْبِيَاءَ وُرِثُوا كَمَا وَرِثَ عَلِيٌّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا وَرَّثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْعِلْمِ لَمْ يُخْتَصَّ بِهِ عَلِيٌّ، بَلْ كُلٌّ (¬3) مِنْ أَصْحَابِهِ حَصَلَ لَهُ نَصِيبٌ بِحَسَبِهِ، وَلَيْسَ الْعِلْمُ كَالْمَالِ، بَلِ الَّذِي يَرِثُهُ هَذَا يَرِثُهُ هَذَا وَلَا يَتَزَاحَمَانِ (¬4) ; إِذْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا مَا عَلِمَهُ هَذَا، كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ هَذَا. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَثْبَتَ الْأُخُوَّةَ لِغَيْرِ عَلِيٍّ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «قَالَ لِزَيْدٍ: " أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» (¬5) . «وَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا خَطَبَ ابْنَتَهُ: أَلَسْتَ أَخِي؟ قَالَ: " أَنَا أَخُوكَ، وَبِنْتُكَ حَلَالٌ لِي» (¬6) . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ: " «وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ» " (¬7) . ¬

(¬1) م: فَإِنَّ الْإِرْثَ إِذَا كَانَ يَتَحَمَّلُ لِهَذَا وَلِهَذَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) أُولَئِكَ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) م: كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) م: وَلَا يَتَرَحَّمَانِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/34 وَسَيَرِدُ فِي هَذَا الْجُزْءِ مَرَّتَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْبُخَارِيِّ 7/5 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ تَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنَ الْكِبَارِ) ، وَنَصُّهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَائِشَةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ. فَقَالَ: " أَنْتَ أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتِابِهِ، وَهِيَ لِي حَلَالٌ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 9/124: " إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ صُورَةُ سِيَاقِهِ الْإِرْسَالَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ فِي قِصَّةٍ وَقَعَتْ لِخَالَتِهِ عَائِشَةَ وَجَدِّهِ لِأُمِّهِ أَبِي بَكْرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَنْ خَالَتِهِ عَائِشَةَ أَوْ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ". (¬7) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/20

وَقَالَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا (¬1) : " «وَدِدْتُ أَنْ قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانِي ". قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " لَا، أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنَّ إِخْوَانِي قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي " (¬2) يَقُولُ: أَنْتُمْ لَكُمْ مِنَ الْأُخُوَّةِ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهَا، وَهُوَ الصُّحْبَةُ، وَأُولَئِكَ لَهُمْ أُخُوَّةٌ بِلَا صُحْبَةٍ» . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 10] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» ) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬3) . وَقَالَ: " «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» " (¬4) .. وَقَالَ: " «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ; لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» " (¬5) . ¬

(¬1) (1) ن، م: قَالَ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا، س: قَالَ: وَفِي الصَّحِيحِ، ب: وَفِي الصَّحِيحِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 7/77 (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/19، 21 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا يَنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ، بَابُ الْهِجْرَةِ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ) . مُسْلِمٌ 4/1983 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ) ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/19 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ مُسْلِمٌ) 4/1985 - 1986 (كِتَابُ الْبِرِّ، بَابُ تَحْرِيمِ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسِ) ، وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/383 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِيمَنْ يَهْجُرُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ) ، وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ وَالْمُوَطَّأِ. (¬4) م: وَلَا يَشْتُمُهُ. وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 9/22 (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ، بَابُ يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ أَنَّهُ أَخُوهُ) ، مُسْلِمٍ 4/1996 (كِتَابُ الْبِرِّ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/376 - 377 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ الْمُؤَاخَاةِ) ، الْمُسْنَدِ " ط. الْمَعَارِفِ " 8/46 (¬5) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/12 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) ، وَأَوَّلُهُ فِيهِ: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ. . . " مُسْلِمٍ 1/67 - 68 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/26 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي الْإِيمَانِ) ، الْمُسْنَدِ " ط. الْحَلَبِيِّ " 3/176، 206، 251

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا فِي الصِّحَاحِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مُطْلَقَ الْمُؤَاخَاةِ لَا يَقْتَضِي (¬1) التَّمَاثُلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يَقْتَضِي الْمُنَاسَبَةَ وَالْمُشَاكَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ مِنْ بَعْضٍ (¬2) الْوُجُوهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ قِيلَ: إِنَّ مُؤَاخَاةَ عَلِيٍّ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً اقْتَضَتِ الْإِمَامَةَ وَالْأَفْضَلِيَّةَ، مَعَ أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ مُشْتَرَكَةٌ؟ وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ. لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّتْ، إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ. إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ» " (¬3) . وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ خَصَائِصَ لِأَبِي بَكْرٍ لَا يُشْرِكُهُ (¬4) فِيهَا أَحَدٌ [غَيْرُهُ] (¬5) ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ، وَلَا أَعْلَى مَنْزِلَةً عِنْدَهُ، وَلَا أَرْفَعَ دَرَجَةً، وَلَا أَكْثَرَ اخْتِصَاصًا بِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. * كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: قِيلَ لَهُ: [ «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " عَائِشَةُ ". قِيلَ: وَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: " أَبُوهَا» " (¬6) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عُمَرَ ¬

(¬1) س، ب: لَا تَقْتَضِي. (¬2) ن: كُلِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 (¬4) م: لَا يُشَارِكُهُ، ن: لَا تُشْرِكُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬5) غَيْرُهُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬6) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/303

أَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - (¬1) . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي] * (¬2) (¬3) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهَا وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ، (3 وَلَمْ يَقْدَحْ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْعِلْمِ (¬4) تَبَيَّنَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ وَأَعْلَى عِنْدِهِ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ 3) (¬5) . وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَتِ الْمُؤَاخَاةُ دُونَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَمْ تُعَارِضْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَعْلَى كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ أَحَادِيثِ الْمُؤَاخَاةِ، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا كَذِبٌ بِدُونِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ تُبَيِّنُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَلِيٍّ، وَأَعْلَى قَدْرًا عِنْدَهُ مِنْهُ وَمِنْ كَلِّ (¬6) مَنْ سِوَاهُ، وَشَوَاهِدُ هَذَا كَثِيرَةٌ (¬7) . وَقَدْ رَوَى بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ نَفْسًا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ". رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬8) . وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَمِ الصَّحَابَةِ بِحَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَعْرَفِهِمْ بِمَكَانِهِمَا (¬9) مِنَ الْإِسْلَامِ، وَحُسْنِ تَأْثِيرِهِمَا فِي الدِّينِ، حَتَّى إِنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. ¬

(¬1) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/518 (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، وَفِي (م) : فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّذِي. . . (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) (3 - 3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬6) ن، س، ب: وَكُلِّ. (¬7) م: وَشَوَاهِدُهُ أَكْثَرُ. (¬8) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1، 12، 2/72 (¬9) م: بِمَكَانِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ - وَغَيْرُهُ - مَرْفُوعًا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، لَا تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ» " (¬1) .. وَهَذَا (¬2) الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ لَوْ عُورِضَ بِهَا أَحَادِيثُ الْمُؤَاخَاةِ وَأَحَادِيثُ الطَّيْرِ وَنَحْوُهُ ; لَكَانَتْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَصَحَّ مِنْهَا، فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهَا؟ مَعَ الدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَعَدِّدَةِ، الَّتِي تُوجِبُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لِمَنْ عَلِمَهَا، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَحَبَّ الصَّحَابَةِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْضَلَ عِنْدَهُ مِنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْوَالِهِ أَعْلَمَ كَانَ بِهَذَا أَعْرَفَ، وَإِنَّمَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ مِنَ الضَّعِيفَةِ ; فَأَمَّا (¬3) أَنْ يُصَدَّقَ الْكُلُّ أَوْ يُتَوَقَّفَ فِي الْكُلِّ. ¬

(¬1) رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ مَرَّتَيْنِ - بِأَلْفَاظِ مُقَارِبَةٍ - 5/272 - 273 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ: 53) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ: (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقِّرِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَسْمَعْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ) ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْآخَرُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ، وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ 5/272 - 273 وَقَالَ عَنْهُ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ "، وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ " ط. الْمَعَارِفِ " 2/37 - 38 رَقْمُ 602 وَقَالَ عَنْهُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ". ثُمَّ قَالَ: وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ 4: 310 وَابْنُ مَاجَهْ 1: 25 - 26 بِإِسْنَادَيْنِ آخَرَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَالَّذِي قَبْلَهُ مِنْ زِيَادَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ ". وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/387 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/75 وَانْظُرْ مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ لِلْهَيْثَمِيِّ 9/53 (¬2) ب: فَهَذَا. (¬3) م: وَإِمَّا.

وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الْفُقَهَاءُ فِيهِ فَيَعْلَمُونَ هَذَا عِلْمًا ضَرُورِيًّا. دَعْ هَذَا ; فَلَا رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ مِنْ عُلَمَائِهَا وَعُبَّادِهَا مُتَّفِقُونَ (¬1) عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: " لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ " (¬2) . وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَخْتَلِفْ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ، كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَدَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالثَّوْرِىِّ وَأَصْحَابِهِ، وَاللَّيْثِ وَأَصْحَابِهِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِهِ، وَابْنِ جَرِيرٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَمَا هُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ، إِلَّا مَنْ لَا يَؤْبَهُ لَهُ (¬3) وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. وَمَا عَلِمْتُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْفُتْيَا، إِلَّا مَا نُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُفَضِّلُ عَلِيًّا. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا عَنْهُ لَمْ يُقْدَحْ فِيمَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ (¬4) مِنَ الْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ لَمْ يَكُنْ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ قَالَهُ الْحَسَنُ، فَإِذَا أَخْطَأَ وَاحِدٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ إِمَامٍ أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُنْكِرٍ. وَلَيْسَ فِي شُيُوخِ الرَّافِضَةِ إِمَامٌ فِي شَيْءٍ مِنْ عُلُومِ الْإِسْلَامِ لَا عِلْمِ ¬

(¬1) م: يَتَّفِقُونَ. (¬2) سَتَرِدُ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذَا الْجُزْءِ بِإِذْنِ اللَّهِ، ص 368 - 369 فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهَا هُنَاكَ. (¬3) م: مَنْ لَا يَثِقُ بِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، س، ب: الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

الْحَدِيثِ وَلَا الْفِقْهِ وَلَا التَّفْسِيرِ وَلَا الْقُرْآنِ، بَلْ شُيُوخُ الرَّافِضَةِ إِمَّا جَاهِلٌ وَإِمَّا زِنْدِيقٌ، كَشُيُوخِ أَهْلِ الْكِتَابِ. بَلِ السَّابِقُونَ (¬1) الْأَوَّلُونَ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، وَمَعَ هَذَا إِنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى ذَلِكَ رَغْبَةً وَلَا رَهْبَةً، بَلْ مَعَ تَبَايُنِ آرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ وَعُلُومِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ وَكَثْرَةِ اخْتِلَافَاتِهِمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ، فَأَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَّفِقُونَ عَلَى هَذَا، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهَمْ، كَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ. وَمَالِكٌ يَحْكِي الْإِجْمَاعَ عَمَّنْ لَقِيَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَسَعْدِ (¬2) بْنِ سَالِمٍ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ (¬3) ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ مَكَّةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَغَيْرِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ، وَهِيَ دَارُ الشِّيعَةِ، حَتَّى كَانَ الثَّوْرِيُّ (¬4) يَقُولُ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَا أَرَى أَنْ يَصْعَدَ لَهُ إِلَى اللَّهِ عَمَلٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (¬5) . وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَأَمْثَالُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّامِ، ¬

(¬1) س: مَعَ السَّابِقُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ، ب: وَالسَّابِقُونَ. (¬2) ن، م: وَسَعِيدِ. (¬3) م: بْنِ سَالِمِ بْنِ خَالِدٍ. (¬4) ن، س، ب: الثَّوْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (¬5) الْأَثَرُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/288 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّفْضِيلِ) ، وَنَصُّهُ: " مَنْ زَعَمَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَحَقَّ بِالْوِلَايَةِ مِنْهُمَا فَقَدْ خَطَّأَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَمَا أَرَاهُ يَرْتَفِعُ لَهُ مَعَ هَذَا عَمَلٌ إِلَى السَّمَاءِ "

فصل البرهان التاسع والثلاثون " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم " والجواب عليه

وَاللَّيْثُ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ (¬1) . وَابْنُ وَهْبٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، ثُمَّ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَمِثْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَمِثْلُ الْبُخَارِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، وَمِثْلُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ، وَالسَّرِيِّ السَّقَطِيِّ وَالْجُنَيْدِ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ، وَمَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ، مِمَّنْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ لِسَانُ صِدْقٍ، كُلُّهُمْ يَجْزِمُونَ بِتَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَمَا يَجْزِمُونَ بِإِمَامَتِهِمَا، مَعَ فَرْطِ اجْتِهَادِهِمْ فِي مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُوَالَاتِهِ. فَهَلْ يُوجِبُ هَذَا إِلَّا مَا عَلِمُوهُ مِنْ تَقْدِيمِهِ هُوَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَفْضِيلِهِ لَهُمَا بِالْمَحَبَّةِ وَالثَّنَاءِ وَالْمُشَاوَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّفْضِيلِ. [فصل البرهان التاسع والثلاثون " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) .: " الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 172] (¬3) فِي (¬4) . كِتَابُ " الْفِرْدَوْسِ " ¬

(¬1) م: وَعُمَرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) فِي (ك) ص 166 (م) (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ (. . . مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ، وَفِي (ك) مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. . .، الْآيَةَ. .، وَفِي (م) : ". . مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. . . الْآيَةَ. . (¬4) ك: مِنْ

لِابْنِ شِيرَوَيْهِ يَرْفَعُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَتَى سُمِّيَ عَلِيٌّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَنْكَرُوا فَضْلَهُ، سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 172] (¬1) . قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: بَلَى، فَقَالَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَا رَبُّكُمْ، وَمُحَمَّدٌ نَبِيُّكُمْ، وَعَلِيٌّ أَمِيرُكُمْ» . وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْبَابِ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مَنْعُ الصِّحَّةِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِتَقْرِيرِهَا. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ رِوَايَةِ صَاحِبِ " الْفِرْدَوْسِ " لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، فَابْنُ شِيرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ الْهَمَذَانِيُّ ذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً صَحِيحَةً وَأَحَادِيثَ حَسَنَةً * وَأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَكْذِبُ هُوَ، لَكِنَّهُ نَقَلَ مَا فِي كُتُبِ النَّاسِ، وَالْكُتُبُ * (¬2) . فِيهَا الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، فَفَعَلَ (¬3) . كَمَا فَعَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي جَمْعِ الْأَحَادِيثِ: إِمَّا بِالْأَسَانِيدِ، وَإِمَّا مَحْذُوفَةَ الْأَسَانِيدِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬4) . . ¬

(¬1) ن، س، ب: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) س، ب: فَعَلَ، ن: وَفَعَلَ (¬4) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ

الثَّالِثُ: أَنَّ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ وَلَا الْأَمِيرِ، وَفِيهِ قَوْلُهُ: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 173] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِيثَاقُ التَّوْحِيدِ خَاصَّةً ; لَيْسَ فِيهِ مِيثَاقُ النُّبُوَّةِ ; فَكَيْفَ مَا دُونَهَا؟ . الرَّابِعُ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَعْرُوفَةَ فِي هَذَا، الَّتِي فِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ وَالْمُوَطَّأِ (¬1) . وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهَا، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْأَصْلِ لَمْ يُهْمِلْهُ جَمِيعُ النَّاسِ، وَيَنْفَرِدْ بِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ صِدْقُهُ، بَلْ يُعْرَفُ أَنَّهُ كَذِبٌ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْمِيثَاقَ أُخِذَ عَلَى جَمِيعِ الذُّرِّيَّةِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أَمِيرًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، مَنْ نُوحٍ إِلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا كَلَامُ الْمَجَانِينِ ; فَإِنَّ أُولَئِكَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ عَلِيًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ؟ . وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ. أَمَّا الْإِمَارَةُ عَلَى مَنْ خُلِقَ قَبْلَهُ، وَعَلَى مَنْ يُخْلَقُ بَعْدَهُ، فَهَذَا مِنْ كَذِبِ مَنْ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ، وَلَا يَسْتَحِي فِيمَا يَقُولُ. (¬2) . وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ هَذَا الْحِمَارَ الرَّافِضِيَّ الَّذِي (¬3) . هُوَ أَحْمَرُ مِنْ عُقَلَاءِ الْيَهُودِ، الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [سُورَةُ الْجُمُعَةِ: 5] . وَالْعَامَّةُ مَعْذُورُونَ فِي ¬

(¬1) م: وَالسُّنَنِ وَنَحْوِهَا (¬2) س: وَلَا يَسْتَحِي فِيمَا يَقُولُ، ب: وَلَا يَسْتَحِي مِمَّا يَقُولُ (¬3) الَّذِي: لَيْسَتْ فِي (ب)

قَوْلِهِمْ: الرَّافِضِيُّ حِمَارُ الْيَهُودِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ عُقَلَاءَ الْيَهُودِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَأَنَّ هَذَا كَمَا يُقَالُ: خَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ تَحْتِهِمْ فَيُقَالُ (¬1) .: لَا عَقْلَ وَلَا قُرْآنَ. وَكَذَلِكَ كَوْنُ عَلِيٍّ أَمِيرًا عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ كُلِّهِمْ (¬2) .، وَإِنَّمَا وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ آدَمَ بِأُلُوفِ السِّنِينَ، وَأَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ هُمْ مُتَقَدِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَرْتَبَةِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ ابْنِ عَرَبِيٍّ الطَّائِيِّ وَأَمْثَالِهِ مِنْ مَلَاحِدَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ (¬3) . الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا يَسْتَفِيدُونَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ، الَّذِي وُجِدَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ بِنَحْوِ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ (¬4) 206. فَدَعْوَى هَؤُلَاءِ فِي الْإِمَامَةِ مِنْ جِنْسِ دَعْوَى هَؤُلَاءِ فِي الْوِلَايَةِ، وَكِلَاهُمَا يَبْنِي أَمْرَهُ عَلَى الْكَذِبِ وَالْغُلُوِّ وَالشِّرْكَ وَالدَّعَاوِي الْبَاطِلَةِ، وَمُنَاقَضَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحِمَارَ الرَّافِضِيَّ يَقُولُ: " وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْبَابِ " فَهَلْ يَكُونُ هَذَا حُجَّةً عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ؟ أَوْ يَحْتَجُّ بِهَذَا مَنْ يَسْتَحِقُّ (¬5) . ¬

(¬1) م: فَقَالَ (¬2) م: عَلَى كُلِّ الذُّرِّيَّةِ آدَمَ كُلِّهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) م: مِنَ الْمَلَاحِدَةِ الصُّوفِيَّةِ (¬4) يُشِيرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِهَذَا إِلَى كَلَامِ ابْنِ عَرَبِيٍّ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ وَقَالَ فِي ذَلِكَ: أَنَا خَتْمُ الْوِلَايَةِ دُونَ شَكٍّ. . لِوِرْثِ الْهَاشِمِيِّ مَعَ الْمَسِيحِ وَيَقُولُ ابْنُ عَرَبِيٍّ (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ: 669) فِي كِتَابِهِ " فُصُوصِ الْحِكَمِ " 1/62 ". . . وَهَذَا هُوَ أَعْلَى عِلْمٍ بِاللَّهِ، وَلَيْسَ هَذَا الْعِلْمُ إِلَّا لِخَاتَمِ الرُّسُلِ وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ الرَّسُولِ الْخَاتَمِ، حَتَّى أَنَّ الرُّسُلَ لَا يَرَوْنَهُ - مَتَى رَأَوْهُ - إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ ". وَانْظُرْ " جَامِعَ الرَّسَائِلِ " لِابْنِ تَيْمِيَّةَ بِتَحْقِيقِي 1/205 - (¬5) ن، س، ب: أَوْ يَحْتَجُّ بِهَذَا فِي حَرِيرَةِ نَقْلِ مَنْ يَسْتَحِقُّ. . . إِلَخْ، م: أَوْ يَحْتَجُّ بِهَذَا فِي حَرَرِهِ نَقْلَ مَنْ يَسْتَحِقُّ، إِلَخْ، وَالْعِبَارَةُ مُحَرَّفَةٌ وَغَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ، وَرَأَيْتُ أَنَّ حَذْفَ عِبَارَةِ، " فِي حَرِيرَةِ نَقْلِ " يَسْتَقِيمُ بِهَا الْكَلَامُ

فصل البرهان الأربعون " فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " والجواب عليه

أَوْ يُؤَهَّلُ لِلْخِطَابِ؟ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي تَفْسِيقِ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَضْلِيلِهِمْ وَتَكْفِيرِهِمْ وَتَجْهِيلِهِمْ؟ . وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الْمُعْتَدِيَ الظَّالِمَ قَدِ اعْتَدَى عَلَى خِيَارِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَسَادَاتِ أَهْلِ الْأَرْضِ، خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ اعْتِدَاءً يَقْدَحُ فِي الدِّينِ، وَيُسَلِّطُ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَيُورِثُ الشُّبَهَ وَالضَّعْفَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - لَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إِلَى كَشْفِ أَسْرَارِهِ، وَهَتْكِ أَسْتَارِهِ، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَحَسِيبُ أَمْثَالِهِ. [فصل البرهان الأربعون " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ " والجواب عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) .: " الْبُرْهَانُ الْأَرْبَعُونَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4] أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ عَلِيٌّ (¬2) . . رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [قَالَ: صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ] (¬3) . عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» ، وَاخْتِصَاصُهُ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 166 - 167 (م) (¬2) ك: عَلَى أَنَّ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِدْتُهُ مِنْ (ك) لِتَتَّضِحَ الْعِبَارَةُ

بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ (¬1) .، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ. وَالْآيَاتُ فِي هَذَا (¬2) . الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، اقْتَصَرْنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا (¬3) . لِلِاخْتِصَارِ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: " أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ عَلِيٌّ " كَذِبٌ مُبِينٌ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى هَذَا، وَلَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ، وَلَا عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِمْ. وَنَحْنُ نُطَالِبُهُمْ بِهَذَا النَّقْلِ، وَمَنْ نَقَلَ هَذَا الْإِجْمَاعَ؟ . الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: كُتُبُ التَّفْسِيرِ مَمْلُوءَةٌ بِنَقِيضِ هَذَا. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَذَكَرَ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، كَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ، رَوَاهُ مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. وَقِيلَ: عُمَرُ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقِيلَ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَالْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ وَسُفْيَانُ. وَقِيلَ: هُوَ عَلِيٌّ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَمْ يُسَمِّ قَائِلَهُ، فَلَعَلَّهُ بَعْضُ الشِّيعَةِ (¬4) . . ¬

(¬1) م: أَفْضَلِيَّةٍ (¬2) ك. . . الْإِمَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا (¬3) ن، س، ب: عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (¬4) ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ السِّتَّةَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " زَادِ الْمَسِيرِ " 8: 310 - 311 وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ 28/105 " ط. بُولَاقَ "، ذَكَرَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ 8/192 وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، زَادَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَعُثْمَانُ، وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ ثِقَةٌ يَرْفَعُهُ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَوْلُهُ: " وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ " قَالَ: " هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَهُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا

الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ [هَذَا] (¬1) . الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ عَلِيٍّ بِهِ عَمَّنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ دَلَالَةً عَلَى صِحَّتِهِ (¬2) . . وَمُجَرَّدُ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ لَهُ لَا تَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} اسْمٌ يَعُمُّ كُلَّ صَالِحٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» " (¬3) . الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ مَوْلَى (¬4) . رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاهُ، وَالْمَوْلَى يُمْنَعُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُوَالَى عَلَيْهِ (¬5) .، فَلَمْ يَبْقَ الْمُرَادُ بِهِ إِلَّا الْمُوَالِي. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ صَالِحًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ مُوَالِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا، فَإِنَّهُ [لَوْ] لَمْ يُوَالِهِ (¬6) . لَمْ يَكُنْ مِنْ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ قَدْ يُوَالِيهِ الْمُؤْمِنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا، لَكِنْ لَا تَكُونُ مُوَالَاةً كَامِلَةً. وَأَمَّا الصَّالِحُ فَيُوَالِيهِ مُوَالَاةً كَامِلَةً، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ صَالِحًا أَحَبَّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَبْغَضَ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَرَ بِمَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَنَهَى عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ. وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الْمُوَالَاةَ. ¬

(¬1) هَذَا: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬2) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 76 (¬4) م: وَلِيَّ (¬5) س، ب: الْمَوْلَى عَلَيْهِ (¬6) ن، س: فَإِنَّهُ لَمْ يُوَالِهِ، ب: فَإِنْ لَمْ يُوَالِهِ

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ: " «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» " فَمَا نَامَ بَعْدَهَا (¬1) . . وَقَالَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: " «إِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَيْرًا» " (¬2) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ " (¬3) . فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مِنْ جِنْسِ الْمَذْكُورِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ خُلَاصَةُ مَا عِنْدَهُمْ، وَبَابُ الْكَذِبِ لَا يَنْسَدُّ. وَلِهَذَا كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُقَابِلُ كَذِبَهُمْ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْكَذِبِ (¬4) .، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ، وَلِلْكَذَّابِينَ الْوَيْلُ مِمَّا يَصِفُونَ ¬

(¬1) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ طَوِيلٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْهَا 9/40، 40 - 41، (كِتَابُ التَّعْبِيرِ، بَابُ الْأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ، بَابُ الْأَخْذِ عَلَى الْيَمِينِ فِي النَّوْمِ) وَأَوَّلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ، (إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. .، الْحَدِيثَ، وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى وَسِيَاقٍ آخَرَ 2/69 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ: فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى) ، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 4/1927 - 1928 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ: مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) ، وَأَوَّلُهُ فِيهِ: " نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ "، سُنَنُ ابْنِ مَاجَهْ 2/1291 (كِتَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا) ، الْمُسْنَدِ " ط. الْمَعَارِفِ " 9/148 - 150 رَقْمُ 6330 (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: مُسْلِمٍ 4/1884 - 1885 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ بَابُ فَضَائِلِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. .) ، وَنَصُّهُ: " إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَأَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ يُرِيدُ - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَأَحَبَّهُمْ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِهِ، فَأُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ ". (¬3) ن، م: الْآيَاتُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٌ، س: وَالْآيَاتُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرَةٌ (¬4) ن، س: وَلِهَذَا كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُقَاتِلُ لَدَيْهِمْ مَا يَقْدِرُوهُ مِنَ الْكَذِبِ، م: وَلِهَذَا كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُقَاتِلُ مَا لَدَيْهِمْ بِمَا يَقْدِرُوهُ مِنَ الْكَذِبِ، وَكُلُّهُ تَحْرِيفٌ

وَمَا ذَكَرَ وَقَالَ: " أُرِيدَ بِهِ عَلِيٌّ " إِذَا ذُكِرَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عُمَرُ أَوْ عُثْمَانُ، لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ بِأَبْعَدَ مِنْ قَوْلِهِمْ، بَلْ يُرَجَّحُ عَلَى قَوْلِهِ، لَا سِيَّمَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. وَإِذَا (¬1) . قَالَ: فَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، بِخِلَافِ قَوْلِنَا. كَانَ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ، بَلْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَخُصُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِبَعْضِ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْآيَاتِ وَغَيْرِهِمَا. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: خَصَّ هَذَا بِوَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، إِذَا أَمْكَنَ غَيْرَهُ أَنْ يَخُصَّهُ بِآخِرَ، تَكُونُ حُجَّتُهُ مِنْ جِنْسِ حُجَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقُلْهُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَذَبَ كِذْبَةً [لَمْ] (¬2) يُمْكِنْ مُقَابَلَتُهَا بِمِثْلِهَا (¬3) .، وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُ هَذَا إِلَّا بِمَا يَدْفَعُ بِهِ قَوْلَهَ، وَوَجَبَ: إِمَّا تَصْدِيقُ الِاثْنَيْنِ، وَإِمَّا كَذِبُ الِاثْنَيْنِ. كَالْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ قَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى بَعْضِ الشِّيعَةِ - وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ - فَقَالَ لِي: مَنْ حَفَرَ الْبَحْرَ؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ تَعَالَى. فَقَالَ: تَقُولُ مَنْ حَفَرَهُ؟ قُلْتُ: مَنْ حَفَرَهُ؟ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: مَنْ جَعَلَ فِيهِ الْمَاءَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ. قَالَ: تَقُولُ مَنْ هُوَ الَّذِي جَعَلَ فِيهِ الْمَاءَ؟ قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: الْحَسَنُ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ، قَالَ: " مَنْ حَفَرَ الْبَحْرَ؟ قُلْتُ: مُعَاوِيَةُ، قَالَ: وَمَنْ [الَّذِي] (¬4) . جَعَلَ فِيهِ الْمَاءَ؟ قُلْتُ: يَزِيدُ. فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَقَامَ. ¬

(¬1) س، ب: فَإِذَا (¬2) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) بِمِثْلِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬4) الَّذِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

المنهج الثالث عند الرافضي في الأدلة المستندة إلى السنة على إمامة علي رضي الله عنه

وَكَانَ غَرَضُ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْقَوْلُ مِثْلُ قَوْلِكَ، وَأَنْتَ تَكْرَهُ ذَلِكَ وَتَدْفَعُهُ، وَبِمَا بِهِ يُدْفَعُ ذَلِكَ يُدْفَعُ بِهِ قَوْلُكَ (¬1) . . وَكَذَلِكَ مَا تَذْكُرُهُ النَّاسُ مِنَ الْمُعَارَضَاتِ لِتَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ. كَقَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 12] طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمُعَاوِيَةُ. فَيُقَابَلُ هَذَا بِقَوْلِ الْخَوَارِجِ: إِنَّهُمْ عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ. وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ، لَكِنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُمْ يُقَابَلُونَ بِمِثْلِ حُجَّتِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِهَا يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ، فَعُلِمَ بُطْلَانُ الْجَمِيعِ. [المنهج الثالث عند الرافضي في الأدلة المستندة إلى السنة على إمامة علي رضي الله عنه] [الأول لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬2) " الْمَنْهَجُ الثَّالِثُ فِي الْأَدِلَّةِ الْمُسْتَنِدَةِ (¬3) . إِلَى السُّنَّةِ الْمَنْقُولَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ. الْأَوَّلُ: «مَا نَقَلَهُ النَّاسُ كَافَّةً أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 214] جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي دَارِ أَبِي طَالِبٍ (¬4) ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَأَمَرَ أَنْ يُصْنَعَ لَهُمْ فَخِذُ شَاةٍ (¬5) . مَعَ مُدٍّ مِنَ الْبُرِّ (¬6) . وَيُعَدَّ لَهُمْ ¬

(¬1) س، ب: وَمَا بِهِ تَدْفَعُ ذَلِكَ فَيُدْفَعُ بِهِ قَوْلُكَ: م: وَبِمَا بِهِ يُدْفَعُ ذَلِكَ وَيُدْفَعُ بِهِ قَوْلُكَ (¬2) عِبَارَةُ " قَالَ الرَّافِضِيُّ "، سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 167 (م) ، 168 (م) . (¬3) م، س، ب: الْمُسْنَدَةِ (¬4) ك: أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) ن، م، س، ب: أَرْبَعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَأَخَذَ شَاةً (¬6) م: شَامِدٌ مِنَ الْبُرِّ، س، ب: مَعَ مِنَ الْبُرِّ

صَاعٌ (¬1) . مِنَ اللَّبَنِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ فِي مَقْعَدٍ وَاحِدٍ، وَيَشْرَبُ الْفَرَقَ (¬2) . مِنَ الشَّرَابِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، فَأَكَلَتِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ (¬3) . مِنْ ذَلِكَ [الطَّعَامِ] (¬4) . الْيَسِيرِ حَتَّى شَبِعُوا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ مَا أَكَلُوهُ (¬5) .، فَبَهَرَهُمْ [النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] بِذَلِكَ (¬6) .، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ آيَةُ نُبُوَّتِهِ (¬7) .، فَقَالَ (¬8) .: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي [بِالْحَقِّ] (¬9) . إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَبَعَثَنِي إِلَيْكُمْ خَاصَّةً، فَقَالَ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى كَلِمَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَنِ فِي الْمِيزَانِ، تَمْلِكُونَ بِهِمَا) (¬10) . الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ، وَتَنْقَادُ (¬11) . لَكُمْ بِهِمَا (¬12) . الْأُمَمُ، وَتَدْخُلُونَ بِهِمَا الْجَنَّةَ، وَتَنْجُونَ بِهِمَا مِنَ النَّارِ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَمَنْ يُجِبْنِي إِلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَيُؤَازِرْنِي عَلَى الْقِيَامِ بِهِ يَكُنْ ¬

(¬1) م: وَأَبْعَدُ لَهُمْ صَاعًا، س، ب: وَبَعْدُكُمْ صَاعًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) ك: الْقِرَبَ، وَالْفَرَقُ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا (¬3) ك: كُلُّهَا (¬4) الطَّعَامِ: فِي (ك) فَقَطْ وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ (¬5) س، ب: مَا أَكَلُوا (¬6) ن، م، س، ب: فَبَهَرَهُمْ ذَلِكَ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) (¬7) م: وَتَبَيَّنَ لَهُمْ نُبُوَّتُهُ، س: وَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ثُبُوتُهُ، ب: وَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي نُبُوَّتِهِ (¬8) ك: ثُمَّ قَالَ (¬9) بِالْحَقِّ: فِي (ك) فَقَطْ (¬10) ن، م: بِهَا (¬11) س: وَتُقَادُ (¬12) م: بِهَا

أَخِي وَوَزِيرِي، وَوَصِيِّي (¬1) . وَوَارِثِي، وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي. فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُؤَازِرُكَ (¬2) . عَلَى هَذَا الْأَمْرِ. فَقَالَ: اجْلِسْ. ثُمَّ أَعَادَ الْقَوْلَ عَلَى الْقَوْمِ ثَانِيَةً (¬3) . فَصَمَتُوا. فَقَالَ عَلِيٌّ: فَقُمْتُ (¬4) . فَقُلْتُ مِثْلَ مَقَالَتِي الْأُولَى، فَقَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ الْقَوْلَ ثَالِثَةً (¬5) .، فَلَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِحَرْفٍ، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: أَنَا أُؤَازِرُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ. فَقَالَ: اجْلِسْ فَأَنْتَ أَخِي وَوَزِيرِي. وَوَصِيِّي (¬6) . وَوَارِثِي، وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي. فَنَهَضَ الْقَوْمُ وَهُمْ يَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: لِيَهْنِئْكَ (¬7) . الْيَوْمَ أَنْ دَخَلْتَ فِي دِينِ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَدْ جَعَلَ ابْنَكَ أَمِيرًا (¬8) . عَلَيْكَ» . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ. وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ نَقْلِ النَّاسِ كَافَّةَ مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬9) .، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا عِلْمَ النَّقْلِ: لَا فِي الصِّحَاحِ وَلَا فِي الْمَسَانِدِ) (¬10) . وَالسُّنَنِ وَالْمَغَازِي وَالتَّفْسِيرِ الَّتِي ¬

(¬1) ك: يَكُنْ أَخِي وَصِيِّي وَوَزِيرِي (¬2) ك: فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أُؤَازِرُكَ (¬3) س، ب: ثَانِيًا (¬4) ك: فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقُمْتُ (¬5) ك: (ص 168 م) : ثُمَّ أَعَادَ عَلَى الْقَوْمِ مَقَالَتَهُ ثَالِثَةً (¬6) ك: فَأَنْتَ أَخِي وَصِيِّي وَوَزِيرِي (¬7) ك: لِأَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَهْنِئْكَ فِي (ن، س، بِكَ لِيَهْنِكَ) (¬8) س، ب: وَزِيرًا (¬9) م: بِالنَّقْلِ (¬10) م: الْمَسَانِيدِ

يُذْكَرُ فِيهَا الْإِسْنَادُ الَّذِي يُحْتَجُّ بِهِ (¬1) .، وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ الَّتِي يُنْقَلُ مِنْهَا (¬2) . الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ، مِثْلِ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَالْوَاحِدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ، بَلْ وَابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ رِوَايَةِ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; فَإِنَّهُ إِذَا عُرِفَ أَنَّ تِلْكَ الْمَنْقُولَاتِ فِيهَا صَحِيحٌ وَضَعِيفٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّ هَذَا الْمَنْقُولَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ دُونَ الضَّعِيفِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ غَايَتُهُ أَنْ يُوجَدَ فِي بَعْضِ (¬3) . كُتُبِ التَّفْسِيرِ الَّتِي فِيهَا الْغَثُّ وَالسَّمِينُ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ، مَعَ أَنَّ كُتُبَ التَّفْسِيرِ الَّتِي يُوجَدُ (¬4) فِيهَا هَذَا (¬5) . مِثْلُ (¬6) . تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَالثَّعْلَبِيِّ، وَالْبَغَوِيِّ، يُنْقَلُ فِيهَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ مَا يُنَاقِضُ هَذَا، مِثْلَ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ ذَكَرُوا هَذَا فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا * مَعَ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهَا مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا * (¬7) . ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي أَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالضَّعِيفَةِ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ أَحَدُهُمْ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ عِدَّةَ أَقْوَالٍ ; لِيَذْكُرَ ¬

(¬1) انْظُرْ كَلَامَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ التَّالِي بَعْدَ صَفَحَاتٍ، وَيُذْكَرُ فِيهِ وُرُودُ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ، وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ الَّتِي رَجَعْتُ إِلَيْهَا (¬2) ب: فِيهَا (¬3) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) يُوجَدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) هَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬6) م: الَّتِي فِيهَا مِثْلُ هَذَا (¬7) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

أَقْوَالَ النَّاسِ وَمَا نَقَلُوهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحَ، وَبَعْضُهُ كَذِبٌ، وَإِذَا احْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا الضَّعِيفِ (¬1) . وَأَمْثَالِهِ وَاحِدٌ بِذِكْرِ (¬2) . بَعْضِ مَا نُقِلَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ، وَتَرْكِ سَائِرِ مَا يُنْقَلُ مِمَّا يُنَاقِضُ ذَلِكَ - كَانَ هَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْحُجَجِ كَمَنِ احْتَجَّ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهُ، وَلَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، بَلْ ثَبَتَ جَرْحُهُ، وَقَدْ نَاقَضَهُ عُدُولٌ كَثِيرُونَ (¬3) . يَشْهَدُونَ بِمَا يُنَاقِضُ شَهَادَتَهُ، أَوْ يَحْتَجُّ (¬4) . بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ، بَلْ ثَبَتَ جَرْحُهُ وَيَدَعُ رِوَايَاتِ (¬5) . كَثِيرِينَ عُدُولٍ وَقَدْ رَوَوْا (¬6) . مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ. بَلْ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالْعَدَالَةِ وَقَدْ رَوَى آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالْعَدَالَةِ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ لَوَجَبَ النَّظَرُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ: أَيُّهُمَا أَثْبَتُّ وَأَرْجَحُ؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُنَاقِضَةَ (¬7) . لِهَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الثَّابِتَةُ الصَّحِيحَةُ، بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ مُنَاقِضٌ لِمَا (¬8) . عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ، وَكَثِيرٌ (¬9) . مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ لَمْ يَذْكُرُوا (¬10) . هَذَا بِحَالٍ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ بَاطِلٌ. ¬

(¬1) ن: الصِّنْفِ (¬2) ن، س: يَذْكُرُ، ب: فَذَكَرَ (¬3) س، ب: عَدَدٌ كَثِيرُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) م: وَيَحْتَجُّ (¬5) ن، م: رِوَايَةً (¬6) م: قَدْ رَدُّوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬7) الْمُنَاقَضَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬8) ن: مُنَاقِضٌ مَا، م: يُنَاقِضُ مَا (¬9) وَكَثِيرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬10) ب: مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوا

الثَّانِي: أَنَّا نَرْضَى مِنْهُ مِنْ هَذَا النَّقْلِ الْعَامِّ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ: إِمَّا بِإِسْنَادٍ يَذْكُرُهُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ، وَلَوْ أَنَّهُ مَسْأَلَةٌ فَرْعِيَّةٌ، وَإِمَّا قَوْلُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَعْتَمِدُ النَّاسُ عَلَى تَصْحِيحِهِمْ. فَإِنَّهُ لَوْ تَنَاظَرَ فَقِيهَانِ فِي فَرْعٍ مِنَ الْفُرُوعِ، لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ (¬1) . إِلَّا بِحَدِيثٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُسْنَدٌ إِسْنَادًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، أَوْ يُصَحِّحُهُ مَنْ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُعْلَمُ إِسْنَادُهُ، وَلَمْ يُثْبِتْهُ (¬2) . أَئِمَّةُ النَّقْلِ، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ؟ لَا سِيَّمَا فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الطَّعْنُ فِي سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجُمْهُورِهَا، وَيُتَوَسَّلُ بِذَلِكَ إِلَى هَدْمِ قَوَاعِدِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ (¬3) . فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ إِسْنَادُهُ وَلَا يُثْبِتُهُ أَئِمَّةُ النَّقْلِ (¬4) . وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ عَالِمًا صَحَّحَهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ (¬5) . عِنْدِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ فَمَا مِنْ عَالِمٍ يَعْرِفُ الْحَدِيثَ إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ (¬6) .، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْكُتُبِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي الْمَنْقُولَاتِ لِأَنَّ أَدْنَى مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَغَوِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ فَهْدٍ، أَبُو مَرْيَمَ الْكُوفِيُّ (¬7) .، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَرْكِهِ، كَذَّبَهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو ¬

(¬1) ب: الْمُنَاظِرِ (¬2) ن، س: وَلَا يُثْبِتُهُ، م: وَلَا ثَبَتَتْهُ (¬3) ن: كَيْفَ يُقْبَلُ، س، ب: كَيْفَ يُنْقَلُ (¬4) عِبَارَةٌ " وَلَا يُثْبِتُهُ أَئِمَّةُ النَّقْلِ "، سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَسَقَطَتْ " وَلَا يُثْبِتُهُ " مِنْ (س) ، و (ب) (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬7) قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ " ط. بُولَاقَ " 19/74، قَالَ: " ثنا سَلَمَةُ "، قَالَ ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. . إِلَخْ

دَاوُدَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، عَامَّةُ أَحَادِيثَ بَوَاطِيلُ (¬1) . قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ: كَانَ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ قَاسِمٍ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَتَّى يَسْكَرَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَتَرَكَهُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى (¬2) . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، وَهُوَ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ (¬3) . وَإِسْنَادُ الثَّعْلَبِيِّ أَضْعَفُ ; لِأَنَّ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ، وَفِيهِ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالْمُتَّهَمِينَ (¬4) . مَنْ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِهِ فِي أَقَلِّ مَسْأَلَةٍ. ¬

(¬1) س، ب: بَوَاطِلَ (¬2) انْظُرْ تَرْجَمَةَ أَبِي مَرْيَمَ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/640 - 641 لِسَانِ الْمِيزَانِ 4/42 - 43 وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الشُّعَبِ) 6/180 نَقْلًا عَنِ الطَّبَرِيِّ وَقَالَ: " تَفَرَّدَ بِهَذَا السِّيَاقِ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ أَبِي مَرْيَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ شِيعِيٌّ، اتَّهَمَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ". (¬3) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ التَّمِيمِيُّ الرَّازِيُّ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، ق 2 م [0 - 9] ص [0 - 9] 04 " رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ، وَعُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَرَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ. . .) ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي (مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ) 2/457: (كُوفِيٌّ رَافِضِيٌّ، نَزَلَ الرَّيَّ، رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ. قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، رَافِضِيُّ خَبِيثٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، وَكَانَ خَشَبِيًّا) . (¬4) م: الضِّعَافِ الْمُتَّهَمِينَ

الرَّابِعُ: أَنَّ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمْ يَبْلُغُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ; فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ وَلَا بَلَغُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي مُدَّةِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمْ يُعَقِّبْ مِنْهُمْ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: الْعَبَّاسُ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَالْحَارِثُ، وَأَبُو لَهَبٍ. وَجَمِيعُ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَلَمْ يُدْرِكِ (¬1) . النُّبُوَّةَ مِنْ عُمُومَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: الْعَبَّاسُ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو طَالِبٍ وَأَبُو لَهَبٍ. فَآمَنُ اثْنَانِ، وَهُمَا: حَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ (¬2) ، وَكَفَرَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا نَصَرَهُ وَأَعَانَهُ، وَهُوَ أَبُو طَالِبٍ، وَالْآخَرُ عَادَاهُ وَأَعَانَ أَعْدَاءَهُ، وَهُوَ أَبُو لَهَبٍ. وَأَمَّا الْعُمُومَةُ وَبَنُو الْعُمُومَةِ، فَأَبُو طَالِبٍ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنِينَ: طَالِبٌ، وَعَقِيلٌ، وَجَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ. وَطَالِبٌ لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ، وَأَدْرَكَهُ الثَّلَاثَةُ فَآمَنَ عَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَهَاجَرَ جَعْفَرٌ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ إِلَى الْمَدِينَةِ عَامَ خَيْبَرَ. وَكَانَ [عَقِيلٌ] (¬3) . قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى رِبَاعِ (¬4) . بَنِي هَاشِمٍ لَمَّا هَاجَرُوا وَتَصَرَّفَ فِيهَا، وَلِهَذَا لَمَّا «قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ: " نَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ " قَالَ: " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ؟» " (¬5) . ¬

(¬1) ن: وَلَمْ يَذْكُرِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) م: وَهَمَا الْعَبَّاسُ وَحَمْزَةُ. (¬3) عَقِيلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) وَفِي هَامِشٍ (س) ، أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كَتَبَ: " لَعَلَّهُ عَقِيلٌ " (¬4) ن: رِيَاعِ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 2/147 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا) ، وَنَصُّهُ: أَنَّهُ قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: " وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟ " وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا ; لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ. . . إِلَخْ، وَالْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 2/984 - 985 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ النُّزُولِ بِمَكَّةَ لِلْحَاجِّ وَتَوْرِيثِ دُورِهَا) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/912 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكَ) .

وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَبَنُوهُ كُلُّهُمْ صِغَارٌ ; إِذْ لَمْ يَكُنْ (¬1) . فِيهِمْ بِمَكَّةَ رَجُلٌ، وَهَبْ أَنَّهُمْ كَانُوا رِجَالًا فَهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَالْفَضْلُ، وَأَمَّا قُثَمَ فَوُلِدَ بَعْدَهُمْ، وَأَكْبَرُهُمُ الْفَضْلُ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، وَعَبْدُ اللَّهِ وُلِدَ فِي الشِّعْبِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 214) ، وَكَانَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ لَهُ: (¬2) . نَحْوُ ثَلَاثِ سِنِينَ، أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَلَمْ يُولَدْ لِلْعَبَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْفَضْلُ، وَعَبْدُ اللَّهُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَوُلِدُوا بَعْدَهُ. وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو لَهَبٍ فَبَنُوهُمَا أَقَلُّ، وَالْحَارِثُ كَانَ لَهُ ابْنَانِ أَبُو سُفْيَانَ، وَرَبِيعَةُ، وَكِلَاهُمَا تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ. وَكَذَلِكَ بَنُو أَبِي لَهَبٍ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ إِلَى زَمَنِ الْفَتْحِ، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ ذُكُورٍ، فَأَسْلَمَ مِنْهُمُ اثْنَانِ: عُتْبَةُ وَمُغِيثٌ، وَشَهِدَ الطَّائِفَ وَحُنَيْنًا، وَعُتَيْبَةُ دَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَهُ الْكَلْبُ فَقَتَلَهُ السَّبُعُ بِالزَّرْقَاءِ (¬3) مِنَ الشَّامِ كَافِرًا (¬4) . ¬

(¬1) ن، م: وَلَمْ يَكُنْ (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، وَفِي (ب) وَكَانَ سَنَة فِي الْهِجْرَةِ (¬3) ن، س: بِالزَّرْبَاءِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ فِي (كِتَابُ الْفُصُولِ فِي اخْتِصَارِ سِيرَةِ الرَّسُولِ) لِابْنُ كَثِيرٍ، تَحْقِيقِ الْأُسْتَاذَيْنِ مُحَمَّد الْعِيد الْخَطْرَاوِيِّ، وَمُحْيِي الدِّينِ مُسْتَوٍ، ص 207 ط. بَيْرُوتَ، 1399 - 1400، وَنَصُّهُ: " وَدَعَا عَلَى ابْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ السَّبُعَ بِالشَّامِ وَفْقَ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ "، وَعَلَّقَ الْمُحَقِّقَانِ: " ابْنُ أَبِي لَهَبٍ: هُوَ عُتْبَةُ (كَذَا) بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى (أَبُو لَهَبٍ) ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ مُسْنَدَةٍ، انْظُرْ نَسِيمَ الرِّيَاضِ شَرْحَ كِتَابِ الشِّفَاءِ 3/126 وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ وَهُوَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 2/539 فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ أَبِي لَهَبٍ وَنَصُّهُ: " كَانَ لَهَبُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ " فَخَرَجَ فِي قَافِلَةٍ يُرِيدُ الشَّامَ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ دَعْوَةَ - مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: كَلَّا. فَحَطُّوا مَتَاعَهُمْ حَوْلَهُ، وَقَعَدُوا يَحْرُسُونَهُ، فَجَاءَ الْأَسَدُ، فَانْتَزَعَهُ، فَذَهَبَ بِهِ. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ.

فَهَؤُلَاءِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا يَبْلُغُونَ عِشْرِينَ رَجُلًا، فَأَيْنَ الْأَرْبَعُونَ؟ . الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ، وَيَشْرَبُ الْفَرَقَ مِنَ اللَّبَنِ» " فَكَذِبٌ (¬1) . عَلَى الْقَوْمِ، لَيْسَ بَنُو هَاشِمٍ مَعْرُوفِينَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْكَثْرَةِ فِي الْأَكْلِ، وَلَا عُرِفَ فِيهِمْ مَنْ كَانَ يَأْكُلُ جَذَعَةً، وَلَا يَشْرَبُ فَرَقًا. السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ لِلْجَمَاعَةِ: " «مَنْ يُجِبْنِي إِلَى هَذَا الْأَمْرِ وَيُؤَازِرْنِي عَلَى الْقِيَامِ بِهِ يَكُنْ أَخِي وَوَزِيرِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي» " كَلَامٌ مُفْتَرًى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْإِجَابَةِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا يُوجِبُ هَذَا كُلَّهُ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ أَجَابُوا إِلَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، وَأَعَانُوهُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي إِقَامَتِهِ وَطَاعَتِهِ (¬2) ، وَفَارَقُوا أَوْطَانَهُمْ وَعَادَوْا إِخْوَانَهُمْ، وَصَبَرُوا عَلَى الشَّتَاتِ بَعْدَ الْأُلْفَةِ، وَعَلَى الذُّلِّ بَعْدَ الْعِزِّ، وَعَلَى الْفَقْرِ بَعْدَ الْغِنَى، وَعَلَى الشِّدَّةِ بَعْدَ الرَّخَاءِ، وَسِيرَتُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ (¬3) . خَلِيفَةً لَهُ. ¬

(¬1) ب: كَذَّبَ (¬2) وَطَاعَتِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَفِي (س) : وَإِطَاعَتِهِ. (¬3) بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ عَرَضَ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى أَرْبَعِينَ رَجُلًا أَمْكَنَ أَنْ يُجِيبُوهُ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ عَدَدٌ مِنْهُمْ - فَلَوْ أَجَابَهُ مِنْهُمْ عَدَدٌ مَنْ كَانَ الَّذِي يَكُونُ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ أَيُعَيِّنُ وَاحِدًا (¬1) . بِلَا مُوجِبٍ؟ أَمْ يَجْعَلُ (¬2) . الْجَمِيعَ خُلَفَاءَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقِ الْوَصِيَّةَ وَالْخِلَافَةَ، وَالْأُخُوَّةَ وَالْمُؤَازَرَةَ، إِلَّا بِأَمْرٍ سَهْلٍ، وَهُوَ الْإِجَابَةُ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا وَلَهُ مِنْ هَذَا نَصِيبٌ وَافِرٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ حَظٌّ فَهُوَ مُنَافِقٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ نِسْبَةُ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ! السَّابِعُ: أَنَّ حَمْزَةَ، وَجَعْفَرًا، وَعُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ أَجَابُوا إِلَى مَا أَجَابَهُ عَلِيٌّ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، بَلْ حَمْزَةُ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمُؤْمِنُونَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَكَانَ اجْتِمَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ، وَلَمْ يَكُنْ يَجْتَمِعُ هُوَ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كُلُّهُمْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ أَبَا لَهَبٍ كَانَ مُظْهِرًا لِمُعَادَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمَّا حُصِرَ بَنُو هَاشِمٍ فِي الشِّعْبِ لَمْ يَدْخَلْ مَعَهُمْ أَبُو لَهَبٍ. (الثَّامِنُ) (¬3) .: أَنَّ الَّذِي فِي الصِّحَاحِ مِنْ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) ن، س، ب: يُعَيِّنُ وَاحِدٌ ; وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ (¬2) س، ب: لَمْ يَجْعَلْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) كَلِمَةُ " وَالثَّامِنُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (ب) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ وَكُتِبَ فِي هَامِشِ (س) : " بَيَاضٌ بِأَصْلِهِ "

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 214) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَخَصَّ وَعَمَّ فَقَالَ: " يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ (1 يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ 1) (¬1) .، يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا فَاطِمَةُ (بِنْتَ مُحَمَّدٍ) (¬2) . أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا» " (¬3) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا سَلَانِي مَا شِئْتُمَا مِنْ مَالِي» " (¬4) . وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) بِنْتَ مُحَمَّدٍ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/111 - 112 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الشُّعَرَاءِ) ، مُسْلِمٌ 1/192، (كِتَابُ الْإِيمَانِ بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الْمُسْنَدِ " ط. الْحَلَبِيِّ " 2/333، 360، 519 (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 4/6 - 7 (كِتَابُ الْوَصَايَا، بَابُ هَلْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالْوَلَدُ فِي الْأَقَارِبِ) ، 4/185 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ) ، 6/112 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الشُّعَرَاءِ) ، مُسْلِمٌ 1/192 - 193 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَالْمُسْنَدِ.

الْمُخَارِقِ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو (¬1) ، وَمِنْ (¬2) . حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَالَ فِيهِ: " «قَامَ عَلِيٌّ الصَّفَا» " (¬3) . وَقَالَ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ: " «انْطَلَقَ إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ، فَعَلَا أَعْلَاهَا حَجَرًا (¬4) .، ثُمَّ نَادَى: " يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهُ» " (¬5) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: " يَا صَبَاحَاهُ " (¬6) . فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَجَعَلَ يُنَادِي: " يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " يَا بَنِي فِهْرٍّ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، يَا بَنِي فُلَانٍ " لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا يَنْظُرُ مَا هُوَ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ: " أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ 1/193 رَقْمُ 353، 354 (¬2) م: زُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ حَدِيثِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ 1/192 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ) حَدِيثٌ رَقْمُ 350 (¬4) م: هَجَرًا (¬5) الْحَدِيثُ هُوَ حَدِيثُ ابْنِ الْمُخَارِقِ وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو السَّابِقُ، وَابْنُ الْمُخَارِقِ هُوَ قَبِيصَةُ بْنُ الْمُخَارِقِ، وَالرَّضْمَةُ، حِجَارَةٌ مُجْتَمِعَةٌ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْأَرْضِ كَأَنَّهَا مَنْثُورَةٌ، وَعِبَارَةُ " فَعَلَا أَعْلَاهَا حَجَرًا "، أَيْ فَرَقِيَ فِي أَرْفَعِهَا، وَكَلِمَةُ " يَرْبَأُ " عَلَى وَزْنِ يَقْرَأُ مَعْنَاهُ يَحْفَظُهُمْ وَيَتَطَلَّعُ لَهُمْ، وَيُقَالُ لِفَاعِلِ ذَلِكَ: رَبِيئَةٌ، وَكَلِمَةُ " وَاصَبَاحَاهُ "، هِيَ كَلِمَةٌ يَعْتَادُونَهَا عِنْدَ وُقُوعِ أَمْرٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُونَهَا لِيَجْتَمِعُوا وَيَتَأَهَّبُوا لَهُ. (¬6) س، ب: يَا صَاحِبَاهُ

مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا (¬1) . جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ ! فَقَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ (¬2) . السُّورَةُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} » (سُورَةُ الْمَسَدِ: 1) (¬3) . وَفِي رِوَايَةٍ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ وَيُمَسِّيكُمْ أَكَنَتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ " قَالُوا: بَلَى» (¬4) . فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُصَنِّفِينَ فِي الْفَضَائِلِ كَالثَّعْلَبِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا وَالْمَغَازِلِيِّ (¬5) . قِيلَ لَهُ: مُجَرَّدُ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ لَا تُوجِبُ ثُبُوتَ الْحَدِيثِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّ فِي كُتُبِ هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ مَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَفِيهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ يُعْلَمُ بِالْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ أَنَّهَا كَذِبٌ، بَلْ فِيهَا مَا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ كَذِبٌ. وَالثَّعْلَبِيُّ وَأَمْثَالُهُ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ (¬6) .، بَلْ فِيهِمْ مِنَ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ يَنْقُلُونَ مَا وَجَدُوهُ فِي الْكُتُبِ، وَيَرْوُونَ مَا سَمِعُوهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ مِنَ الْخِبْرَةِ بِالْأَسَانِيدِ مَا لِأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، كَشُعْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بْنِ ¬

(¬1) م، س، ب: مَا (¬2) هَذِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/66 وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: مُسْلِمٍ 1/193 - 194 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) . (¬4) هَذِهِ الرِّوَايَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 6/122 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ سَبَأٍ 6/180) (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) . (¬5) ب: وَالْمَغَازِي. (¬6) ن، م: لَا يَعْتَمِدُونَ الْكُتُبَ، س: لَا يَعْتَمِدُونَ الْكَذِبَ

الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَإِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّيْنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِهِ وَحُكَّامِهِ وَحُفَّاظِهِ الَّذِينَ لَهُمْ خِبْرَةٌ وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحْوَالِ مَنْ نَقَلَ الْعِلْمَ وَالْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (وَتَابِعِيهِمْ) (¬1) ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ نَقَلَةِ الْعِلْمِ. وَقَدْ صَنَّفُوا الْكُتُبَ الْكَثِيرَةَ فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ الَّذِينَ نَقَلُوا الْآثَارَ، وَأَسْمَاءَهُمْ، وَذَكَرُوا أَخْبَارَهُمْ، وَأَخْبَارَ مَنْ أَخَذُوا عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ مِثْلَ " كِتَابِ الْعِلَلِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ " عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ (¬2) .، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَأَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَفْسِيرُ الثَّعْلَبِيِّ فِيهِ أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ وَأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، وَمِنَ الْمَوْضُوعِ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي فَضَائِلِ السُّوَرِ: سُورَةً سُورَةً. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ (¬3) ، وَهُوَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ هَذَا. ¬

(¬1) وَتَابِعِيهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) س، ب: وَأَحْمَدَ بْنِ مَعِينٍ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ مُخْتَصَرًا فِي تَفْسِيرِ " الْكَشَّافِ " 3/131 " ط. مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ 1385 1966 " عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 214

وَكَذَلِكَ الْوَاحِدِيُّ تِلْمِيذُ الثَّعْلَبِيِّ، وَالْبَغَوِيُّ اخْتَصَرَ تَفْسِيرَهُ مِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَالْوَاحِدِيِّ، لَكِنَّهُمَا أَخْبَرُ (¬1) . بِأَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُ، وَالْوَاحِدِيُّ أَعْلَمُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَالْبَغَوِيُّ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ مِنْهُمَا. وَلَيْسَ لِكَوْنِ الرَّجُلِ مِنَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ خِلَافَةَ الثَّلَاثَةِ يُوجِبُ لَهُ أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ صِدْقٌ، كَمَا أَنَّ كَوْنَهُ مِنَ الشِّيعَةِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا رَوَاهُ كَذِبًا، بَلْ الِاعْتِبَارُ بِمِيزَانِ الْعَدْلِ. وَقَدْ وَضَعَ النَّاسُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مَكْذُوبَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأُصُولِ، وَالْأَحْكَامِ، وَالزُّهْدِ، وَالْفَضَائِلِ، وَوَضَعُوا كَثِيرًا مِنْ فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَفَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ قَصْدُهُ رِوَايَةَ كُلِّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ كَمَا فَعَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الْفَضَائِلِ، وَمِثْلُ مَا جَمَعَهُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ، وَغَيْرُهُمَا فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ، وَمِثْلُ مَا جَمَعَهُ النَّسَائِيُّ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ مَا جَمَعَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالَهُمْ قَصَدُوا أَنْ يَرْوُوا مَا سَمِعُوا مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ صَحِيحِ ذَلِكَ وَضَعِيفِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْزَمَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ بِمُجَرَّدِ رِوَايَةِ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَمَّا مَنْ يَذْكُرُ الْحَدِيثَ بِلَا إِسْنَادٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ وَالزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، فَهَؤُلَاءِ يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً صَحِيحَةً، وَيَذْكُرُ بَعْضُهُمْ ¬

(¬1) ن، س: أَخْبَرَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

الثاني حديث الغدير

أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ضَعِيفَةً وَمَوْضُوعَةً، كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الرَّقَائِقِ وَالرَّأْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [الثاني حديث الغدير] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬1) : الثَّانِي الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) «خَطَبَ النَّاسَ فِي غَدِيرِ خُمٍّ، وَقَالَ لِلْجَمْعِ كُلِّهِ: يَا (¬2) أَيُّهَا النَّاسُ أَلَسْتُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ (¬3) ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» ، فَقَالَ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ (¬4) ، أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْلَى هُنَا الْأَوْلَى بِالتَّصَرُّفِ لِتَقَدُّمِ التَّقْرِيرِ (¬5) مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ (¬6) : أَلَسْتُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ (¬7) ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَدْ تَقَدَّمَ (¬8) ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا ¬

(¬1) فِي (ك) ص 168 (م) . (¬2) يَا: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬3) ك: فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ. (¬4) ك: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا عَلِيُّ. (¬5) س، ب: التَّقْوَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ك: مِنْهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ. (¬7) م: أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ. (¬8) انْظُرْ مَا سَبَقَ 1/501 (ت [0 - 9]

كَذِبٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) نَزَلَ قَبْلَ حَجَّةِ (الْوَدَاعِ) (¬1) بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. وَيَوْمُ الْغَدِيرِ إِنَّمَا كَانَ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْحَجِّ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ (¬2) آخِرَ الْمَائِدَةِ نُزُولًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 3) ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِعَرَفَةَ تَاسِعِ ذِي الْحَجَّةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ، وَكَمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ. وَغَدِيرُ خُمٍّ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحَجَّةِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُ: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) نَزَلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهِيَ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ كَمَا أَنَّ فِيهَا تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، وَالْخَمْرُ حُرِّمَتْ فِي أَوَائِلِ الْأَمْرِ عَقِبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَكَذَلِكَ فِيهَا الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 42) ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ إِمَّا فِي الْحَدِّ (¬3) لَمَّا رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ (¬4) ، وَإِمَّا فِي الْحُكْمِ بَيْنَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَمَّا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فِي الدِّمَاءِ، وَرَجْمُ الْيَهُودِيَّيْنِ كَانَ أَوَّلَ مَا ¬

(¬1) ن، س، ب: قَبْلَ حَجِّهِ. (¬2) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) س، ب: إِمَّا نَزَلَتْ فِي الْحَدِّ. (¬4) ن، م، س: الْيَهُودِيَّ.

فَعَلَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَيْنَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فَإِنَّ بَنِي النَّضِيرِ أَجْلَاهُمْ قَبْلَ الْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ قَتَلَهُمْ عَقِبَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ. وَالْخَنْدَقُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَغَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُطْبَةِ الْغَدِيرِ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَائِدَةَ نَزَلَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَدِيرِ خُمٍّ (¬1) فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) (¬2) فَضَمِنَ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَعْصِمُهُ مِنَ النَّاسِ إِذَا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ لِيُؤَمِّنَهُ بِذَلِكَ مِنَ الْأَعْدَاءِ ; وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ يُحْرَسُ (¬3) ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكَ ذَلِكَ (¬4) . ¬

(¬1) س، ب: بَعْدَ غَدِيرِ خُمٍّ. (¬2) ن، م: فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتِهِ. (¬3) ن، س، ب: يَحْتَرِسُ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/317 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، بَابُ سُورَةِ الْمَائِدَةِ) ، وَنَصُّهُ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ)) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ "، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ "، وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ لَهُ ثُمَّ قَالَ: " وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ أَبِي قُدَامَةَ الْإِيَادِيِّ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ "، وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ فِي " عُمْدَةِ التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ " 4/193 " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ 4: 96 وَالطَّبَرِيِّ 76: 122 وَالْحَاكِمِ 2: 313 وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا، عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى ذَلِكَ، وَمَا هَذِهِ بِعِلَّةٍ تَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْمَوْصُولِ ".

وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ تَمَامِ التَّبْلِيغِ، وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ تَمَّ التَّبْلِيغُ. «وَقَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ "، وَقَالَ لَهُمْ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تَسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَجَعَلَ يَرْفَعُ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَنْكُبُهَا (¬1) إِلَى الْأَرْضِ (¬2) ، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ» "، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (¬3) . وَقَالَ: " «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» " (¬4) . فَتَكُونُ الْعِصْمَةُ الْمَضْمُونَةُ مَوْجُودَةً وَقْتَ (¬5) التَّبْلِيغِ الْمُتَقَدِّمِ، فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ خَائِفًا مِنْ أَحَدٍ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْصَمَ مِنْهُ (¬6) ، بَلْ بَعْدَ (¬7) حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ (¬8) وَالْمَدِينَةِ، وَمَا حَوْلَهُمَا كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ مُنْقَادِينَ لَهُ (¬9) لَيْسَ فِيهِمْ ¬

(¬1) ن: وَيَنْكُتُهَا. (¬2) ب: إِلَى النَّاسِ. (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 2/890 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/367 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/83 (¬5) س، ب: قَبْلَ. (¬6) ن، س، ب: يَعْتَصِمَ بِهِ. (¬7) بَعْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬8) ب: كَانَتْ وَأَهْلُ مَكَّةَ. (¬9) ب: مُسْلِمُونَ مُنْقَادُونَ لَهُ.

كَافِرٌ، وَالْمُنَافِقُونَ مَقْمُوعُونَ مُسِرُّونَ لِلنِّفَاقِ (¬1) ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُحَارِبُهُ، وَلَا مَنْ يَخَافُ الرَّسُولُ مِنْهُ فَلَا يُقَالُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) . وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي جَرَى يَوْمَ الْغَدِيرِ لَمْ يَكُنْ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، كَالَّذِي بَلَّغَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ - أَوْ أَكْثَرَهُمْ - لَمْ يَرْجِعُوا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، بَلْ رَجَعَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَهْلُ الطَّائِفِ إِلَى الطَّائِفِ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَهْلُ الْبَوَادِي الْقَرِيبَةِ مِنْ ذَاكَ إِلَى بَوَادِيهِمْ، وَإِنَّمَا رَجَعَ (مَعَهُ) (¬2) . أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا. فَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ يَوْمَ الْغَدِيرِ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ كَالَّذِي بَلَّغَهُ فِي الْحَجِّ، لَبَلَّغَهُ (¬3) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا بَلَّغَ غَيْرَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ (¬4) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِمَامَةً وَلَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامَةِ أَصْلًا، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ذَكَرَ إِمَامَةَ عَلِيٍّ، بَلْ وَلَا ذَكَرَ عَلِيًّا فِي شَيْءٍ مِنْ خُطْبَتِهِ (¬5) ، وَهُوَ الْمَجْمَعُ الْعَامُّ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ بِالتَّبْلِيغِ الْعَامِّ - عُلِمَ أَنَّ إِمَامَةَ عَلِيٍّ لَمْ تَكُنْ مِنَ الدِّينِ الَّذِي أَمَرَ بِتَبْلِيغِهِ (¬6) ، بَلْ وَلَا حَدِيثُ الْمُوَالَاةِ (¬7) ، وَحَدِيثُ الثَّقَلَيْنِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي إِمَامَتِهِ (¬8) . ¬

(¬1) م: يُسِرُّونَ النِّفَاقَ. (¬2) مَعَهُ: فِي (ب) فَقَطْ (¬3) ن، س: لِيُبَلِّغَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) س: فَلَمْ يَذْكُرْ، ب: وَلَمْ يَذْكُرْ. (¬5) م: مِنْ خُطَبِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) م: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ آمِرٌ بِتَبْلِيغِهِ. (¬7) س، ب: الْمُؤَاخَاةِ. (¬8) ن، س، ب: مِمَّا يُذْكَرُ فِي إِمَامَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ (¬1) . بِغَدِيرِ خُمٍّ قَالَ: " «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ» " فَذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ (فِي أَهْلِ بَيْتِي» ) (¬2) ثَلَاثًا، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ: " «وَإِنَّهُمَا لَنْ (¬3) يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» " (¬4) . وَقَدْ طَعَنَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنِ الْحُفَّاظِ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْحَدِيثِ. وَالَّذِينَ اعْتَقَدُوا صِحَّتَهَا قَالُوا: إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ الْعِتْرَةِ الَّذِينَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَهَذَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَجْوِبَةِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ إِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهُ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْوَصِيَّةُ بِاتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَقَدَّمَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ (¬5) بِاتِّبَاعِ الْعِتْرَةِ، وَلَكِنْ قَالَ: " «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» "، وَتَذْكِيرُ الْأُمَّةِ بِهِمْ (¬6) يَقْتَضِي أَنْ يَذْكُرُوا مَا تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ إِعْطَائِهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ ظُلْمِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ. ¬

(¬1) ن، س، ب: بِأَنَّهُ (¬2) فِي أَهْلِ بَيْتِي: فِي (م) فَقَطْ. (¬3) س، ب: لَمْ. (¬4) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4، 240 - 241 وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ 4/1873 - 1874 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) . (¬5) ن، س: يُؤْمَرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) س: وَيَذْكُرُ الْأُمَّةَ لَهُمْ، ب: وَتَذَكُّرُ الْأُمَّةِ لَهُمْ.

فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي غَدِيرِ خُمٍّ أَمْرٌ يُشْرَعُ نَزَلَ إِذْ ذَاكَ، لَا فِي حَقِّ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ (¬1) لَا إِمَامَتِهِ، وَلَا غَيْرِهَا. لَكِنَّ حَدِيثَ الْمُوَالَاةِ (¬2) قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» " (¬3) ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَهِيَ (¬4) قَوْلُهُ: " «اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . . . " إِلَخْ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كَذِبٌ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَهُ عَنْ حُسَيْنٍ الْأَشْقَرِ، وَأَنَّهُ حَدَّثَ (¬5) بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا (¬6) : قَوْلُهُ (¬7) «لَعَلِيٍّ: إِنَّكَ سَتُعْرَضُ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي فَلَا تَبْرَأُ، وَالْآخَرُ: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . فَأَنْكَرَهُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ جِدًّا لَمْ يَشُكَّ أَنَّ هَذَيْنِ كَذِبٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أَنْتَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ» ، كَذِبٌ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» " فَلَيْسَ هُوَ فِي الصِّحَاحِ (¬8) لَكِنْ هُوَ مِمَّا رَوَاهُ الْعُلَمَاءُ، وَتَنَازَعَ النَّاسُ فِي صِحَّتِهِ فَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُمْ طَعَنُوا فِيهِ ¬

(¬1) س، ب: وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. (¬2) س، ب: الْمُؤَاخَاةِ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/501 (ت [0 - 9] ) وَأَشَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ. (¬4) ن، س: هِيَ. (¬5) س، ب: حَدَّثَهُ. (¬6) أَحَدُهُمَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬7) س: فَقَوْلُهُ. (¬8) م: فِي الصَّحِيحِ.

وَضَعَّفُوهُ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ حَسَّنَهُ كَمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ مُصَنَّفًا فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ (¬1) . وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ (¬2) : الَّذِي صَحَّ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ فَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» " (¬3) ، وَقَوْلُهُ (¬4) : " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» " (¬5) وَهَذِهِ صِفَةٌ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَمُؤْمِنٍ وَفَاضِلٍ (¬6) ، وَعَهْدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬7) أَنَّ عَلِيًّا " «لَا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَبْغُضُهُ إِلَّا مُنَافِقٌ» " (¬8) ، وَقَدْ صَحَّ مِثْلُ هَذَا فِي الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ (¬9) " «لَا يَبْغُضُهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» " (¬10) . قَالَ (¬11) : " وَأَمَّا " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» فَلَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ (¬12) ¬

(¬1) أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ وُلِدَ سَنَةَ: 249 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ: 333 كَانَ يَمِيلُ إِلَى رَأْيِ الشِّيعَةِ وَكَانَ يُمْلِي فِي " مَثَالِبِ الصَّحَابَةِ " وَلَمْ يَذْكُرْ سِزْكِينُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثُ، انْظُرْ: " لِسَانَ الْمِيزَانِ " 1/263 - 266، مُعْجَمُ الْمُؤَلِّفِينَ 2/106، الْأَعْلَامُ 1/198، سِزْكِين م [0 - 9] ح [0 - 9] ، ص 361 (¬2) فِي " الْفِصَلِ فِي الْمِلَلِ وَالْأَهْوَاءِ وَالنِّحَلِ " 4/224 (¬3) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/501 ت [0 - 9] (¬4) الْفِصَلُ: وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/289 (¬6) م: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٍ وَفَاضِلٍ، الْفِصَلُ: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَفَاضِلٍ. (¬7) الْفِصَلُ: وَعَهْدُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. (¬8) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/296 (¬9) الْفِصَلُ: مِثْلُ هَذِهِ فِي الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ. (¬10)) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ 4/297 (¬11) 11) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مُبَاشِرٌ (¬12) 12) س، ب: مِنْ طُرُقِ.

الثِّقَاتِ أَصْلًا، وَأَمَّا سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الرَّوَافِضُ (¬1) فَمَوْضُوعَةٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ (¬2) بِالْأَخْبَارِ وَنَقْلِهَا (¬3) ". فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ حَزْمٍ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ» " (¬4) ، وَحَدِيثَ الْمُبَاهَلَةِ (¬5) ، وَالْكِسَاءِ (¬6) . قِيلَ: مَقْصُودُ ابْنِ حَزْمٍ: الَّذِي فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ فِيهِ إِلَّا عَلِيٌّ، وَأَمَّا تِلْكَ فَفِيهَا ذِكْرُ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ (¬7) لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» " (¬8) ، «وَقَالَ لِزَيْدٍ: " أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» " (¬9) ، وَحَدِيثُ الْمُبَاهَلَةِ، وَالْكِسَاءِ فِيهِمَا (¬10) ذِكْرُ عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ، وَحَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا يُرَدُّ هَذَا عَلَى ابْنِ حَزْمٍ. وَنَحْنُ نَجِيبُ بِالْجَوَابِ الْمُرَكَّبِ فَنَقُولُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ (¬11) فَلَمْ يُرِدْ بِهِ قَطْعًا الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ ; إِذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ يَجِبُ أَنْ يُبَلَّغَ بَلَاغًا مُبِينًا. ¬

(¬1)) الْفِصَلُ: الرَّافِضَةُ. (¬2)) س، ب: إِلْمَامٍ. (¬3)) الْفِصَلُ: وَنَقَلَتِهَا. (¬4)) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/34 (¬5)) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ. ص 123 (¬6)) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/22 (¬7)) م: وَبِهِ قَالَ. (¬8)) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/34 (¬9)) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ. (¬10) 10) ن، م: فِيهِ، س: فِيهَا. (¬11) 11) س، ب: فَإِنَّهُ قَالَهُ.

وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخِلَافَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْلَى كَالْوَلِيِّ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55) ، وَقَالَ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 4) * فَبَيَّنَ أَنَّ الرَّسُولَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ أَيْضًا، كَمَا بَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ، وَأَنَّ * (¬1) الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. فَالْمُوَالَاةُ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ، وَهِيَ تَثْبُتُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ (¬2) ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَوَالِيَيْنِ أَعْظَمَ قَدْرًا وَوِلَايَتُهُ إِحْسَانٌ وَتَفَضُّلٌ، وَوِلَايَةُ الْآخَرِ طَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنُونَ يُحِبُّونَهُ، فَإِنَّ الْمُوَالَاةَ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ وَالْمُحَارَبَةِ وَالْمُخَادَعَةِ، وَالْكُفَّارُ لَا يُحِبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحَادُّونَ (¬3) اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُعَادُونَهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 1) ، وَهُوَ يُجَازِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 279) . وَهُوَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مَوْلَاهُمْ (¬4) يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْنَى كَوْنِ اللَّهِ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَاهُمْ، وَكَوْنِ الرَّسُولِ وَلِيَّهُمْ وَمَوْلَاهُمْ، وَكَوْنِ عَلِيٍّ مَوْلَاهُمْ هِيَ (¬5) الْمُوَالَاةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) م: مِنَ الطَّرِيقَيْنِ. (¬3) م: وَيُخَادِعُونَ. (¬4) ن، م، س: هُوَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مَوْلَاهُمْ، ب: وَهُوَ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَاهُمْ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬5) ن، م: هُوَ، س: هُمْ.

وَالْمُؤْمِنُونَ يَتَوَلَّوْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْمُوَالَاةَ (¬1) الْمُضَادَّةَ لِلْمُعَادَاةِ، وَهَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ فَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَتَوَلَّوْنَهُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ إِيمَانِ عَلِيٍّ فِي الْبَاطِنِ، وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُوَالَاةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَذَلِكَ يَرُدُّ (¬2) مَا يَقُولُهُ (¬3) فِيهِ أَعْدَاؤُهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالنَّوَاصِبِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَوْلًى غَيْرُهُ فَكَيْفَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَوَالِي (¬4) ، وَهُمْ صَالِحُو الْمُؤْمِنِينَ فَعَلِيٌّ أَيْضًا لَهُ مَوْلًى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: * " «إِنَّ أَسْلَمَ، وَغِفَارًا، وَمُزَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةَ، وَقُرَيْشًا، وَالْأَنْصَارَ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» " (¬5) ، وَجَعَلَهُمْ مَوَالِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * (¬6) كَمَا جَعَلَ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ مَوَالِيَهُ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ. ¬

(¬1) ن، م، س: وَالْمُوَالَاةُ. (¬2) س، ب: وَظَاهِرًا وَيَرُدُّ. (¬3) م: مَا قَالَهُ. (¬4) س، ب: مَوَالٍ. (¬5) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 4/179 - 180، 181، (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ، بَابُ ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ) ، مُسْلِمٍ 4/1954 - 1955 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ غِفَارَ وَأَسْلَمَ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/385 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابٌ فِي غِفَارَ وَأَسْلَمَ وَجُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ) ، (ط. الْمَعَارِفِ) 15/28 (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/388، 467 - 468، 481، 5/194 (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

وَفِي الْجُمْلَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَلِيِّ، وَالْمَوْلَى وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبَيْنَ الْوَالِي فَبَابُ الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ (¬1) الْعَدَاوَةِ - شَيْءٌ، وَبَابُ الْوِلَايَةِ - الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ - شَيْءٌ. وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ: مَنْ كُنْتُ وَالِيَهُ فَعَلِيٌّ وَالِيهِ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ: " «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» " (¬2) . وَأَمَّا كَوْنُ الْمَوْلَى (¬3) بِمَعْنَى الْوَالِي فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ (¬4) أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَهُوَ مَوْلَاهُمْ. وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا مِنْ طَرَفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَوْنُهُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ خَصَائِصِ نَبُوَّتِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى خَلِيفَةٍ مِنْ بَعْدِهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتِهِمْ، وَلَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ، وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ، وَخِلَافَةُ عَلِيٍّ - لَوْ قُدِّرَ وَجُودُهَا - لَمْ تَكُنْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ تَكُنْ فِي حَيَاتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ خَلِيفَةً فِي زَمَنِهِ فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ (¬5) ، بَلْ وَلَا يَكُونُ مَوْلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أُرِيدَ (بِهِ) (¬6) الْخِلَافَةُ. ¬

(¬1) ن: حَدُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 501 (ت [0 - 9] (¬3) س: الْمُوَالِي، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) عِبَارَةُ " فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬5) ن، م: فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى

وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْخِلَافَةَ ; فَإِنَّ كَوْنَهُ وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَأَخَّرْ حُكْمُهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْخِلَافَةُ فَلَا يَصِيرُ خَلِيفَةً إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هَذَا. وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَصَارَ لَهُ خَلِيفَةً بِنَصٍّ، أَوْ إِجْمَاعٍ فَهُوَ أَوْلَى بِتِلْكَ الْخِلَافَةِ وَبِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَكُونُ قَطُّ غَيْرُهُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، لَا سِيَّمَا فِي حَيَاتِهِ. وَأَمَّا كَوْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ فَهُوَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لَعَلِيٍّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِ عَلِيٍّ، فَعَلِيٌّ الْيَوْمَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَلَيْسَ الْيَوْمَ مُتَوَلِّيًا عَلَى النَّاسِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (¬1) . [الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ:: (¬2) : الثَّالِثُ (¬3) : قَوْلُهُ (¬4) : «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . [أَثْبَتَ لَهُ " عَلَيْهِ السَّلَامُ " جَمِيعَ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " وَأَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) فِي (ك) ص 168 (م) . (¬3) ب فَقَطْ: الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ. (¬4) ك: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

مَنَازِلِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلِاسْتِثْنَاءِ] (¬1) ، وَمِنْ جُمْلَةِ (¬2) مَنَازِلِ هَارُونَ أَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً لِمُوسَى، وَلَوْ عَاشَ بَعْدَهُ لَكَانَ خَلِيفَةً أَيْضًا، وَإِلَّا (لَزِمَ) تَطَرُّقُ النَّقْضِ إِلَيْهِ (¬3) ، وَلِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ (¬4) مَعَ وُجُودِهِ، وَغَيْبَتِهِ مُدَّةً يَسِيرَةً فَبَعْدَ مَوْتِهِ وَطُولِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ (¬5) أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ " (¬6) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَبَتَ (¬7) فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَا رَيْبٍ وَغَيْرَهُمَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ (¬8) ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ (¬9) ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا سَافَرَ فِي غَزْوَةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ حَجٍّ يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْمَدِينَةِ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ ذِي. . . أَمَّرَ (¬10) عُثْمَانَ (¬11) ، وَفِي غَزْوَةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ك) فَقَطْ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: بِلَا اسْتِثْنَاءٍ. (¬2) ك: وَفِي جُمْلَةِ. (¬3) ن: وَإِلَّا بِطَرِيقِ النَّقْصِ إِلَيْهِ، س، ب: وَإِلَّا بِطَرِيقِ النَّصِّ إِلَيْهِ، م: وَإِلَّا تَطَرَّقَ النَّقْصُ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) إِلَيْهِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬4) ن، م، س: وَلِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ، ب: وَلِأَنَّهُ خَلَفَهُ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬5) ن، م، س، ب: فَعِنْدَ مَوْتِهِ تَطُولُ الْغَيْبَةُ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) (¬6) ن، م، س: يَكُونُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً، ب: فَيَكُونُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬7) س، ب: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ ثَبَتَتْ وَهُوَ خَطَأٌ. (¬8) لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬9) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/349. (¬10)) كَلِمَةُ " أَمَرَّ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ فِيهَا وَفِي (ن) ، (س) بَيَاضٌ بَعْدَ كَلِمَةِ ذِي وَبَعْدَهَا كَلِمَةُ أَمَّرَ. (¬11) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السِّيرَةُ 3/49، " فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ السَّوِيقِ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحَجَّةِ ثُمَّ غَزَا نَجْدًا، يُرِيدُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي. . . أَمَّرَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ "، وَانْظُرْ خَبَرَ هَذِهِ الْغَزْوَةِ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/34 - 35، زَادِ الْمَعَادِ 3/190، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 3/3

بَشِيرَ بْنَ (عَبْدِ) الْمُنْذِرِ (¬1) ، وَلَمَّا غَزَا قُرَيْشًا، وَوَصَلَ (¬2) إِلَى الْفَرَعِ اسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ (¬3) ، وَذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ (¬4) وَغَيْرِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى يَسْتَخْلِفَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ كَانَ يَسْتَخْلِفُهُ، فَقَدْ سَافَرَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي عُمْرَتَيْنِ: عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي مَغَازِيهِ - أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ غَزَاةً - وَفِيهَا كُلِّهَا اسْتَخْلَفَ (¬5) ، وَكَانَ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لَمْ يَأْذَنْ لِأَحَدٍ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا، وَهِيَ آخِرُ مَغَازِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ ¬

(¬1) م: بِشْرَ بْنَ الْمُبْدَلَةِ، ن، س، ب: بِشْرَ بْنَ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (الْإِصَابَةَ: 4/167) مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِهِ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: اسْمُهُ بَشِيرٌ. .، وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ أَوَّلُهُ التَّحْتَانِيَّةِ ثَانِيهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: اسْمُهُ رَفَاعَةُ. . .، وَكَذَا قَالَ " الْكَشَّافُ " وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ أَنَّ اسْمَهُ مَرْوَانُ، وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي أُسْدِ الْغَابَةِ 1/232، 6/265 - 267 الِاسْتِيعَابِ 4/167، وَانْظُرْ خَبَرَ الْغَزْوَةِ وَاسْتِعْمَالَهُ لَهُ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/52، طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/29، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ 1/105 (¬2) ن، م، س: وَصَلَ. (¬3) انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/35 - 36 إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ 1/107، زَادِ الْمَعَادِ 3/190 جَوَامِعِ السِّيرَةِ، ص 152 سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/46 وَقَالَ: " وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ، أَوِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ". (¬4) م، س، ب: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَنِيعٍ الزُّهْرِيُّ صَاحِبُ الطَّبَقَاتِ، صَحِبَ الْوَاقِدِيَّ الْمُؤَرِّخَ زَمَانًا وَعُرِفَ بِمُؤَرِّخِ الْوَاقِدِيَّ، وُلِدَ سَنَةَ 168 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 230، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/182 - 183، تَارِيخِ بَغْدَادَ 5/321 - 322، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/473، الْأَعْلَامِ 7/6 (¬5) ن، س، ب: يَسْتَخْلِفُ.

مَعَهُ أَحَدٌ كَمَا اجْتَمَعَ مَعَهُ فِيهَا فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، أَوْ مَنْ هُوَ مَعْذُورٌ لِعَجْزِهِ عَنِ الْخُرُوجِ، أَوْ مَنْ هُوَ مُنَافِقٌ، وَتَخَلَّفَ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ (¬1) يَكُنْ فِي الْمَدِينَةِ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، بَلْ كَانَ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ أَضْعَفَ مِنَ (¬2) اَلِاسْتِخْلَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الْمَدِينَةِ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوِيَاءُ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ أَحَدًا كَمَا كَانَ يَبْقَى فِي جَمِيعِ مَغَازِيهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوِيَاءُ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسْتَخْلِفُ، فَكُلُّ اسْتِخْلَافٍ اسْتَخْلَفَهُ (¬3) فِي مَغَازِيهِ مِثْلَ اسْتِخْلَافِهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْكُبْرَى، وَالصُّغْرَى، وَغَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلَقِ، وَالْغَابَةِ، وَخَيْبَرَ، وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَسَائِرِ مَغَازِيهِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ، وَمَغَازِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ فِيهَا كُلِّهَا إِلَّا الْقَلِيلَ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَعُمْرَتَيْنِ قَبْلَ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ كُلُّ اسْتِخْلَافٍ قَبْلَ هَذِهِ يَكُونُ عَلِيٌّ أَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عَلِيًّا، فَلِهَذَا خَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْكِي، وَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ طَعَنَ فِيهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا خَلَّفَهُ ; لِأَنَّهُ يُبْغِضُهُ، فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي إِنَّمَا اسْتَخْلَفْتُكَ لِأَمَانَتِكَ عِنْدِي ¬

(¬1) س ب: لَمْ. (¬2) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) س، ب: يَسْتَخْلِفُهُ.

وَإِنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَلَا غَضٍّ، فَإِنَّ مُوسَى اسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ نَقْصًا (¬1) ، وَمُوسَى لَيَفْعَلُهُ (¬2) بِهَارُونَ» ؟ فَطَيَّبَ بِذَلِكَ قَلْبَ عَلِيٍّ، وَبَيَّنَ أَنَّ جِنْسَ الِاسْتِخْلَافِ يَقْتَضِي كَرَامَةَ الْمُسْتَخْلَفِ وَأَمَانَتَهُ، لَا يَقْتَضِي إِهَانَتَهُ وَلَا تَخْوِينَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ يَغِيبُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَهُ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ. وَالْمُلُوكُ - وَغَيْرُهُمْ - إِذَا خَرَجُوا فِي مَغَازِيهِمْ أَخَذُوا مَعَهُمْ مَنْ يَعْظُمُ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ، وَمُعَاوَنَتُهُ لَهُمْ (¬3) ، وَيَحْتَاجُونَ إِلَى مُشَاوَرَتِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ، وَلِسَانِهِ، وَيَدِهِ، وَسَيْفِهِ. وَالْمُتَخَلِّفُ (¬4) إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْمَدِينَةِ سِيَاسَةٌ كَثِيرَةٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا كُلِّهِ، فَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا غَضَاضَةٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَنَقْصٌ مِنْهُ، وَخَفْضٌ مِنْ مَنْزِلَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى سَعْيٍ، وَاجْتِهَادٍ، بَلْ تَرَكَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ (¬5) سَعْيٍ وَاجْتِهَادٍ فَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنًا أَنَّ جِنْسَ الِاسْتِخْلَافِ لَيْسَ نَقْصًا وَلَا غَضًّا ; إِذْ لَوْ كَانَ نَقْصًا أَوْ غَضًّا لَمَا فَعَلَهُ مُوسَى بِهَارُونَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ كَاسْتِخْلَافِ هَارُونَ ; لِأَنَّ الْعَسْكَرَ كَانَ مَعَ هَارُونَ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مُوسَى وَحْدَهُ. وَأَمَّا اسْتِخْلَافُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمِيعُ الْعَسْكَرِ كَانَ مَعَهُ ¬

(¬1) م: بُغْضًا. (¬2) ب: يَفْعَلُهُ. (¬3) ن، م، س: وَمُعَاوَنَتُهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) وَالْمُتَخَلِّفُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ. (¬5) س، ب: كَبِيرِ.

وَلَمْ يُخَلَّفْ (¬1) بِالْمَدِينَةِ - غَيْرُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ - إِلَّا مَعْذُورٌ أَوْ عَاصٍ. وَقَوْلُ (¬2) الْقَائِلِ: " هَذَا بِمَنْزِلَةِ هَذَا، وَهَذَا مِثْلُ هَذَا " هُوَ كَتَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَلَا تَرَى إِلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْأُسَارَى لَمَّا اسْتَشَارَ أَبَا بَكْرٍ، وَأَشَارَ بِالْفِدَاءِ، وَاسْتَشَارَ عُمَرَ فَأَشَارَ بِالْقَتْلِ. قَالَ: " سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ صَاحِبَيْكُمْ (¬3) . «مَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 36) ، وَمَثَلُ عِيسَى إِذْ قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 118) ، وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ إِذْ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (سُورَةُ نُوحٍ: 26) ، وَمَثَلُ (¬4) مُوسَى إِذْ قَالَ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} » (سُورَةُ يُونُسَ: 88) (¬5) . فَقَوْلُهُ لِهَذَا: مَثَلُكَ كَمَثَلِ (¬6) إِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى، وَلِهَذَا: مِثْلُ نُوحٍ، وَمُوسَى - أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ; فَإِنَّ نُوحًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى أَعْظَمُ مِنْ هَارُونَ، وَقَدْ جَعَلَ هَذَيْنِ مِثْلَهَمْ، وَلَمْ ¬

(¬1) ب: وَلَمْ يَتَخَلَّفْ. (¬2) ن، س: وَهُوَ قَوْلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) ن، م، س: عَنْ صَاحِبِكُمْ. (¬4) س، ب: أَوْ مِثْلُ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/133 (¬6) ن، م: مَثَلُ.

يُرِدْ أَنَّهُمَا مِثْلُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَكِنْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ مِنَ الشِّدَّةِ فِي اللَّهِ، وَاللِّينِ فِي اللَّهِ. وَكَذَلِكَ هُنَا إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَهُوَ اسْتِخْلَافُهُ فِي مَغِيبِهِ كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ، وَهَذَا الِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ عَلِيٍّ، بَلْ وَلَا هُوَ مِثْلُ اسْتِخْلَافَاتِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ مِنْ عَلِيٍّ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الِاسْتِخْلَافَاتُ تُوجِبُ تَقْدِيمَ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَى عَلِيٍّ إِذَا قَعَدَ مَعَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُوجِبًا لِتَفْضِيلِهِ عَلَى عَلِيٍّ؟ بَلْ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَأُولَئِكَ الْمُسْتَخْلَفُونَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى مِنْ جِنْسِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ يَكُونُ عَلَى أَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عَامَ تَبُوكَ، وَكَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الِاسْتِخْلَافِ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنَ الْأَعْدَاءِ عَلَى الْمَدِينَةِ. فَأَمَّا عَامُ (¬1) تَبُوكَ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ بِالْحِجَازِ، وَفُتِحَتْ مَكَّةُ، وَظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَعَزَّ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَغْزُوَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالشَّامِ، وَلَمْ تَكُنِ الْمَدِينَةُ تَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُ بِهَا الْعَدُوَّ، وَلِهَذَا لَمْ يَدَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ عَلِيٍّ أَحَدًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَمَا كَانَ يَدَعُ بِهَا فِي سَائِرِ الْغَزَوَاتِ، بَلْ أَخَذَ الْمُقَاتِلَةَ كُلَّهُمْ مَعَهُ. وَتَخْصِيصُهُ لِعَلِيٍّ بِالذِّكْرِ هُنَا هُوَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: لَقَبٌ هُوَ جِنْسٌ، وَلَقَبٌ يَجْرِي مَجْرَى الْعِلْمِ، مِثْلَ زَيْدٍ، وَأَنْتَ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ ¬

(¬1) ن، م: فَأَقَامَ عَامَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

أَضْعَفُ الْمَفَاهِيمِ، وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فَإِذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَفْيًا لِلرِّسَالَةِ عَنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. كَقَوْلِهِ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} (سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 79) ، وَقَوْلُهُ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 15) . وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْصِيصُ لِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ، فَلَا يُحْتَجَّ بِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ فَهَذَا (¬1) مِنْ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ عَلِيًّا بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ يَبْكِي، وَيَشْتَكِي (¬2) تَخْلِيفَهُ مَعَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ. وَمَنِ اسْتَخْلَفَهُ سِوَى عَلِيٍّ، لَمَّا لَمْ يَتَوَهَّمُوا أَنَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ نَقْصًا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ إِذَا كَانَ لِسَبَبٍ يَقْتَضِي ذَاكَ لَمْ يَقْتَضِ الِاخْتِصَاصَ بِالْحُكْمِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لِلْمَضْرُوبِ الَّذِي نَهَى عَنْ لَعْنِهِ: " «دَعْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " (¬3) ، لَمْ يَكُنْ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، بَلْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِيَنْهَى بِذَلِكَ عَنْ لَعْنِهِ. وَلَمَّا «اسْتَأْذَنَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَتْلِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ: " دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» " (¬4) ، وَلَمْ يَدُلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، بَلْ ذَكَرَ الْمُقْتَضِي لِمَغْفِرَةِ ذَنْبِهِ. ¬

(¬1) م: وَهَذَا. (¬2) م: وَشَكَى، س، ب: وَيَشْكِي. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/458 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/331

وَكَذَلِكَ لَمَّا شَهِدَ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَكِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ. وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ لِلْحَسَنِ وَأُسَامَةَ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» " (¬1) ، لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُحِبُّ غَيْرَهُمَا، بَلْ كَانَ يُحِبُّ غَيْرَهُمَا أَعْظَمَ مِنْ مَحَبَّتِهِمَا. وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ: " «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» " (¬2) لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ يَدْخُلُهَا. وَكَذَلِكَ لَمَّا شَبَّهَ أَبَا بَكْرٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى *، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ (¬3) يَكُونَ فِي أُمَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ (¬4) مَنْ يُشْبِهُ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى * (¬5) ، وَكَذَلِكَ لَمَّا شَبَّهَ عُمَرَ بِنُوحٍ وَمُوسَى لَمْ يَمْتَنِعْ (¬6) أَنْ يَكُونَ فِي أُمَّتِهِ مَنْ يُشْبِهُ نُوحًا، وَمُوسَى. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ هَذَيْنِ أَفْضَلُ مَنْ يُشْبِهُهُمْ مِنْ أَمَّتِهِ. قِيلَ: الِاخْتِصَاصُ بِالْكَمَالِ لَا يَمْنَعُ الْمُشَارَكَةَ (¬7) فِي أَصْلِ التَّشْبِيهِ. وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: " «إِنَّهُ مِثْلُ صَاحِبِ يَاسِينَ» " (¬8) . ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/39 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 2/28 (¬3) ب: لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ. (¬4) وَأَصْحَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) . (¬6) م: لَمْ يَمْنَعْ. (¬7) م: الشَّرِكَةَ. (¬8) هُوَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنُ مُتْعِبِ بْنِ مَالِكٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 2/470 " وَثَبَتَ ذِكْرُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ فِي تَقْرِيرِ الصُّلْحِ " ثُمَّ قَالَ: " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ اتَّبَعَ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الطَّائِفِ فَأَسْلَمَ وَاسْتَأْذَنَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: " إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوكَ ". قَالَ: لَوْ وَجَدُونِي نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي. فَأَذِنَ لَهُ. فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَنَصَحَ لَهُمْ، فَعَصَوْهُ وَأَسْمَعُوهُ مِنَ الْأَذَى، فَلَمَّا كَانَ مِنَ السَّحَرِ قَامَ عَلَى غُرْفَةٍ لَهُ فَأَذَّنَ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ عُرْوَةَ مَثَلُ صَاحِبِ يَاسِينَ، دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ ". وَالْخَبَرُ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 4/182 زَادِ الْمَعَادِ 3/498، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ ص 489 - 490

، وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ لِلْأَشْعَرِيِّينَ: " «هُمْ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُمْ» " (¬1) لَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِهِمْ، بَلْ قَالَ لِعَلِيٍّ: " «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ» "، وَقَالَ لِزَيْدٍ: " «أَنْتَ أَخُونَا، وَمَوْلَانَا» " (¬2) وَذَلِكَ لَا يُخْتَصُّ بِزَيْدٍ، بَلْ أُسَامَةُ أَخُوهُمْ وَمَوْلَاهُمْ. وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمْثَالُ وَالتَّشْبِيهَاتُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ لَا تُوجِبُ (¬3) التَّمَاثُلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ فِيمَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ، وَلَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْمُشَبَّهِ بِالتَّشْبِيهِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ لَهُ (¬4) فِي ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 261) . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} (سُورَةُ يس: 13) . وَقَالَ: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 117) . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ فِي الْقُرْآنِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مَثَلًا. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ إِلَّا فِي النُّبُوَّةِ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ قَوْلَهُ: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ؟ " ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/35 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/34 (¬3) ن، س: تُشْبِهُ، ب: تُثْبِتُ. (¬4) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَرْضِيهِ بِذَلِكَ، وَيُطَيِّبُ قَلْبَهُ لَمَّا تَوَهَّمَ مِنْ وَهَنِ الِاسْتِخْلَافِ، وَنَقْصِ دَرَجَتِهِ فَقَالَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْجَبْرِ لَهُ. وَقَوْلُهُ: " «بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ، أَيْ مِثْلُ مَنْزِلَةِ هَارُونَ، فَإِنَّ (¬1) نَفْسَ مَنْزِلَتِهِ مِنْ مُوسَى بِعَيْنِهَا لَا تَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ مَا يُشَابِهُهَا (¬2) فَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ هَذَا مِثْلُ هَذَا، وَقَوْلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: مَثَلُهُ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى، وَعُمَرَ: مَثَلُهُ مَثَلُ نُوحٍ وَمُوسَى. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا (¬3) كَانَ عَامَ تَبُوكَ، ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ، وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ فَقَالَ [لِعَلِيٍّ] (¬4) : أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ [فَقَالَ:، بَلْ مَأْمُورٌ] (¬5) فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَيْهِ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ كَالْمَأْمُورِ مَعَ أَمِيرِهِ: يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَيُطِيعُ أَمْرَهُ (¬6) ، وَيُنَادِي خَلْفَهُ (¬7) مَعَ النَّاسِ بِالْمَوْسِمِ: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» (¬8) . ¬

(¬1) ن، س، ب: وَإِنَّ. (¬2) م: مَا يُشَاكِلُهَا بَعْضُهَا. (¬3) ن، س، ب: ذَلِكَ. (¬4) لَعَلِيٍّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬6) عِبَارَةُ " وَيُطِيعُ أَمْرَهُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬7) خَلْفَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ن) ، وَسَقَطَتْ وَيُنَادِي مِنْ (س) . (¬8) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/78 - 79 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا يُسْتَرُ مِنَ الْعَوْرَةِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: (بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمِنِ (بْنِ عَوْفٍ) : ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ عَنَّا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ " وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ 2/153 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَلَا يَحُجُّ مُشْرِكٌ) ، 5/167 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَجِّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ) 6/64 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ) ، 4/102 (كِتَابُ الْجَزْءَةِ، بَابُ كَيْفَ يُنْبَذُ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ) ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/264 - 265 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ بَابُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/186 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ: بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/237 (كِتَابُ السِّيَرِ بَابٌ فِي الْوَفَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْعَهْدِ) ، الْمُسْنَدِ " ط. الْمَعَارِفِ " 15/133 - 134 وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي نَفْسِ الْمَوْضُوعِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَشَارَ إِلَى بَعْضِهَا ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ (ط. الشُّعَبِ) 4/44، 53 وَإِلَى بَعْضِهَا الطَّبَرِيُّ، انْظُرْ تَفْسِيرَهُ (ط. الْمَعَارِفِ) 14/98 وَمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرِ الْمُسْنَدَ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/156، 2/32

وَإِنَّمَا أَرْدَفَهُ بِهِ لِيَنْبُذَ الْعَهْدَ إِلَى الْعَرَبِ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ لَا يَعْقِدَ الْعُقُودَ وَيَنْبُذَهَا إِلَّا السَّيِّدُ الْمُطَاعُ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَقْبَلُونَ نَقْضَ الْعُهُودِ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً عَلَى أُمَّتِهِ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا خِطَابًا بَيْنَهُمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا كَانَ أَخَّرَهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَيَشْتَكِيَ، بَلْ كَانَ هَذَا مِنَ الْحُكْمِ الَّذِي يَجِبُ بَيَانُهُ، وَتَبْلِيغُهُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ بِلَفْظٍ يُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ. ، ثُمَّ مِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يَتَنَاقَضُونَ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَاطِبْ عَلِيًّا بِهَذَا الْخِطَابِ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ الْمُسْتَخْلَفُ مِنْ بَعْدِهِ - كَمَا رَوَوْا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ - لَكَانَ عَلِيٌّ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ أَنَّهُ مِثْلُ هَارُونَ بَعْدَهُ وَفِي حَيَاتِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ يَبْكِي (¬1) ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ وَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مُطْلَقًا لَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَقَدْ كَانَ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ يَبْكِي "، سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَهُ وَهُوَ فِيهَا، كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَامَ خَيْبَرَ غَيْرَ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلِيٌّ بِهَا أَرْمَدَ حَتَّى لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ حِينَ قَدِمَ، وَكَانَ قَدْ أَعْطَى الرَّايَةَ رَجُلًا فَقَالَ (¬1) : " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» " (¬2) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ (¬3) مَعَ وُجُودِهِ وَغَيْبَتِهِ مُدَّةً يَسِيرَةً، فَبَعْدَ (¬4) مَوْتِهِ وَطُولِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ (¬5) أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ (¬6) . فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَعَ وُجُودِهِ وَغَيْبَتِهِ قَدِ اسْتَخْلَفَ غَيْرَ عَلِيٍّ اسْتِخْلَافًا أَعْظَمَ مِنِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، وَاسْتَخْلَفَ (¬7) أُولَئِكَ عَلَى أَفْضَلَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ تَبُوكَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ عَلِيٍّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَلَيْسَ جَعْلُ عَلِيٍّ هُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ بِأَوْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَهُمْ عَلَى الْمَدِينَةِ كَمَا اسْتَخْلَفَهُ، وَأَعْظَمَ مِمَّا اسْتَخْلَفَهُ، وَآخِرُ الِاسْتِخْلَافِ كَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ كَانَ (¬8) عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ (¬9) عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ، وَشَهِدَ مَعَهُ الْمَوْسِمَ لَكِنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ غَيْرَ عَلِيٍّ. ¬

(¬1) م: وَكَانَ قَدْ قَالَ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ: 4/289 (¬3) ن، م، س: الْخَلِيفَةُ. ب: خَلِيفَةٌ، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ وُرُودُهُ فِي (ك) . (¬4) ن، س، ب: فَعِنْدَ. (¬5) ن، م، س، ب: تَطُولُ الْغَيْبَةُ يَكُونُ أَوْلَى، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ أَنْ أَثْبَتْنَاهُ مِنْ (ك) . (¬6) ن، م، س، ب: خَلِيفَةً، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬7) م: وَاسْتِخْلَافُ. (¬8) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬9) ن، م: كَانَ.

فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الِاسْتِخْلَافِ، فَبَقَاءُ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ (¬1) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ اسْتِخْلَافِ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِخْلَافَاتُ عَلَى الْمَدِينَةِ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، وَلَا عَلَى الْإِمَامَةِ، بَلْ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَدَدًا غَيْرَهُ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ جُهَّالٌ يَجْعَلُونَ الْفَضَائِلَ الْعَامَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ خَاصَّةً بِعَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْمَلَ مِنْهُ فِيهَا كَمَا فَعَلُوا فِي النُّصُوصِ وَالْوَقَائِعِ. وَهَكَذَا فَعَلَتِ النَّصَارَى جَعَلُوا مَا أَتَى بِهِ الْمَسِيحُ مِنَ الْآيَاتِ دَالًّا عَلَى شَيْءٍ يَخْتَصُّ بِهِ (¬2) مِنَ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَقَدْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا أَتَى بِهِ، وَكَانَ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ أَعْظَمَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ فَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْمَسِيحِ دُونَ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى لَا بِحُلُولٍ وَلَا اتِّحَادٍ (¬3) ، بَلْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُمْتَنِعًا، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كُلُّهُ مُمْتَنِعٌ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُمْكِنٍ، كَحُصُولِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْأَنْوَارِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَأَمْرٌ (¬4) مُمْكِنٌ. وَهَكَذَا الْأَمْرُ مَعَ الشِّيعَةِ: يَجْعَلُونَ الْأُمُورَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، الَّتِي تَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ، مُخْتَصَّةً بِهِ حَتَّى رَتَّبُوا (¬5) عَلَيْهِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الْعِصْمَةِ، وَالْإِمَامَةِ، وَالْأَفْضَلِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُنْتَفٍ ¬

(¬1) م: يَسْتَخْلِفُهُ. (¬2) م: مُخْتَصٌّ بِهِ. (¬3) م: وَلَا بِاتِّخَاذٍ. (¬4) ن، س، ب: بِأَمْرٍ. (¬5) ن، م: يُرَتِّبُوا.

فَمَنْ عَرَفَ سِيرَةَ الرَّسُولِ، وَأَحْوَالَ الصَّحَابَةِ، وَمَعَانِيَ الْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ اخْتِصَاصٌ بِمَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ، وَلَا إِمَامَتَهُ، بَلْ فَضَائِلُهُ مُشْتَرَكَةٌ، وَفِيهَا مِنَ الْفَائِدَةِ إِثْبَاتُ إِيمَانِ عَلِيٍّ، وَوِلَايَتِهِ، وَالرَّدُّ عَلَى النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يَسُبُّونَهُ، أَوْ يُفَسِّقُونَهُ، أَوْ يُكَفِّرُونَهُ (¬1) ، وَيَقُولُونَ فِيهِ مِنْ جِنْسِ مَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ فِي الثَّلَاثَةِ. فَفِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ الثَّابِتَةِ رَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ، كَمَا أَنَّ فِي فَضَائِلِ الثَّلَاثَةِ رَدًّا عَلَى الرَّوَافِضِ. وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَقْدَحُ فِيهِ الرَّوَافِضُ، وَالْخَوَارِجُ، وَلَكِنَّ شِيعَتَهُ يَعْتَقِدُونَ إِمَامَتَهُ، وَيَقْدَحُونَ (¬2) فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ، وَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ خَيْرٌ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ الَّذِينَ يَقْدَحُونَ فِي غَيْرِهِ، وَالزَّيْدِيَّةُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مُضْطَرِبُونَ فِيهِ. وَأَيْضًا فَالِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ نَوْعُ نِيَابَةٍ، لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ، وَلَيْسَ كُلُّ (مَنْ) (¬3) يَصْلُحُ لِلِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ عَلَى بَعْضِ الْأُمَّةِ يَصْلُحُ أَنْ يُسْتَخْلَفَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ كَبَشِيرِ بْنِ (عَبْدِ) الْمُنْذِرِ (¬4) ، وَغَيْرِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُطَالَبٌ فِي حَيَاتِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّاسِ ¬

(¬1) س، ب: وَيُفَسِّقُونَهُ وَيُكَفِّرُونَهُ. (¬2) م: أَوْ يَقْدَحُونَ. (¬3) مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م، س: وَكَذَلِكَ بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ب: وَذَلِكَ كَبِشْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَسَبَقَ تَصْحِيحُ الِاسْمِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ.

كَمَا يُطَالَبُ بِذَلِكَ وُلَاةُ الْأُمُورِ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ، فَفِي حَيَاتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ جِهَادُ الْأَعْدَاءِ، وَقَسْمُ الْفَيْءِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ، وَاسْتِعْمَالُ الْعُمَّالِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ بَعْدَهُ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَلَيْسَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ كَالِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدًا فِي حَيَاتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنَ الْبَرِّ كَانَ * الْمُسْتَخْلَفُ وَكِيلًا مَحْضًا (¬1) يَفْعَلُ مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكَّلُ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَانَ * (¬2) وَلِيًّا مُسْتَقِلًّا يَعْمَلُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (¬3) ، وَلَمْ يَكُنْ * وَكِيلًا لِلْمَيِّتِ. وَهَكَذَا أُولُو الْأَمْرِ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدُهُمْ شَخْصًا فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ فِي الْقَضَايَا الْمُعَيَّنَةِ، وَأَمَّا إِذَا اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَتِهِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّ * (¬4) هَذَا التَّصَرُّفَ مُضَافٌ إِلَيْهِ لَا إِلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا فَعَلَهُ فِي الْحَيَاةِ بِأَمْرِ مُسْتَخْلِفِهِ فَإِنَّهُ يُضَافُ إِلَى مَنِ اسْتَخْلَفَهُ لَا إِلَيْهِ فَأَيْنَ (¬5) هَذَا مِنْ هَذَا! ؟ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ: إِنَّ مَنِ اسْتَخْلَفَ شَخَّصَا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ، وَانْقَضَى ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ: إِنَّهُ يَكُونُ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى ¬

(¬1) س: مُخْتَصٌّ، ب: مُخْتَصًّا. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) س، ب: اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) ن، م، س: فَإِنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على المدينة مع قصر مدة الغيبة

شَيْءٍ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالْمَعْقُولِ، وَالْمَنْقُولِ (¬1) . [الرابع أَنَّ النَبَّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ عَليًّا عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬2) : " الرَّابِعُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَعَ قِصَرِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ (¬3) فَيَجِبُ أَنْ (¬4) يَكُونَ خَلِيفَةً لَهُ بَعْدَ (¬5) مَوْتِهِ، وَلَيْسَ غَيْرُ عَلِيٍّ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ (¬6) لَمْ يَعْزِلْهُ عَنِ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ خَلِيفَةً (لَهُ) (¬7) بَعْدَ مَوْتِهِ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ خَلِيفَةً فِيهَا (¬8) كَانَ خَلِيفَةً فِي غَيْرِهَا إِجْمَاعًا ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ وَأَمْثَالَهَا مِنَ الْحُجَجِ الدَّاحِضَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ بَيْتِ (¬9) الْعَنْكَبُوتِ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ نَقُولَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إِنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا قَالَتِ الرَّافِضَةُ: بَلِ اسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، قِيلَ: الرَّاوِنْدِيَّةُ مِنْ جِنْسِكُمْ قَالُوا: اسْتَخْلَفَ الْعَبَّاسَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِالْمَنْقُولَاتِ الثَّابِتَةِ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِنَّمَا تَدُلُّ ¬

(¬1) س، ب: وَالْمَنْقُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬2) فِي (ك) ص 169 (م) . (¬3) ن، م، س، ب: مَعَ قُصُورِ هَذِهِ الْغَيْبَةِ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) . (¬4) ك: فَيَجِبُ لَهُ أَنْ. (¬5) ك: خَلِيفَتَهُ بَعْدَ. (¬6) ن، س، ب: وَأَنَّهُ. (¬7) لَهُ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) . (¬8) ك: فِي الْمَدِينَةِ. (¬9) بَيْتِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، ب.

عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ، وَلَا الْعَبَّاسِ، بَلْ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا فَلَا هَذَا، وَلَا هَذَا. فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْتِخْلَافِ وَاجِبًا عَلَى الرَّسُولِ لَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى اسْتِخْلَافِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: أَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ بِالْقِيَاسِ حَيْثُ قِسْتُمُ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْمَمَاتِ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ فِي الْمَغِيبِ، وَأَمَّا نَحْنُ إِذَا فَرَضْنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَنَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي اسْتِخْلَافِ عُمَرَ فِي حَيَاتِهِ، وَتَوَقُّفِهِ فِي الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ مَوْتِهِ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ فِي حَيَاتِهِ شَاهِدٌ عَلَى الْأُمَّةِ (¬1) مَأْمُورٌ بِسِيَاسَتِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ. كَمَا قَالَ الْمَسِيحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 117) الْآيَةَ، لَمْ يَقُلْ: كَانَ خَلِيفَتِي الشَّهِيدَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " فَأَقُولُ كَمَا قَالَ ¬

(¬1) م: عَلَى الْإِمَامَةِ.

الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 117) (¬1) . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144) . فَالرَّسُولُ بِمَوْتِهِ انْقَطَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ، وَهُوَ لَوِ اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، بَلْ كَانَ يُوَلِّي الرَّجُلَ وِلَايَةً، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ كَذِبَهُ فَيَعْزِلُهُ، كَمَا وَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهُوَ لَوِ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، وَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ مَوْتِهِ شَهِيدًا عَلَيْهِ، وَلَا مُكَلَّفًا بِرَدِّهِ عَمَّا يَفْعَلُهُ، بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ، فَإِنَّ كُلَّ وَلِيِّ أَمْرٍ - رَسُولًا كَانَ أَوْ إِمَامًا - عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيمَا غَابَ عَنْهُ مِنَ الْأُمُورِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِقَامَةِ الْأَمْرِ: إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِنَائِبِهِ. فَمَا شَهِدَهُ مِنَ الْأَمْرِ أَمْكَنَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا غَابَ عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إِقَامَتُهُ إِلَّا بِخَلِيفَةٍ يَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْهِ فَيُوَلِّي عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ مَنْ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمُ الْحُقُوقَ، وَيُقِيمُ فِيهِمْ (¬2) ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي الْبُخَارِيِّ 4/168 (كِتَابُ الْأَنْبِيَاءِ، بَابُ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ) ، وَأَوَّلُهُ: تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا. .، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/55 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمَائِدَةِ) 6/97، (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/4 - 5 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ) . (¬2) س، ب: عَلَيْهِمْ.

الْحُدُودَ، وَيَعْدِلُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَخْلِفُ فِي حَيَاتِهِ عَلَى كُلِّ مَا غَابَ عَنْهُ، فَيُوَلِّي (¬1) الْأُمَرَاءَ عَلَى السَّرَايَا يُصَلُّونَ بِهِمْ (¬2) ، وَيُجَاهِدُونَ بِهِمْ، وَيَسُوسُونَهُمْ، وَيُؤَمِّرُ أُمَرَاءَ عَلَى (¬3) الْأَمْصَارِ، كَمَا أَمَّرَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ، وَأَمَّرَ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَمُعَاذًا، وَأَبَا مُوسَى عَلَى قُرَى عُرَيْنَةَ، وَعَلَى نَجْرَانَ، وَعَلَى الْيَمَنِ، وَكَمَا كَانَ يَسْتَعْمِلُ عُمَّالًا عَلَى الصَّدَقَةِ فَيَقْبِضُونَهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُعْطُونَهَا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ، كَمَا اسْتَعْمَلَ غَيْرَ وَاحِدٍ. وَكَانَ يَسْتَخْلِفُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، كَمَا قَالَ لِأُنَيْسٍ: " «يَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» " (¬4) فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. وَكَانَ يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْحَجِّ، كَمَا اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى إِقَامَةِ الْحَجِّ عَامَ تِسْعٍ بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ عَلِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَيَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ، وَذَلِكَ (¬5) بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَكَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً فَإِنَّهُ كَانَ كُلَّمَا خَرَجَ فِي غَزَاةٍ ¬

(¬1) : فَوَلَّى (¬2) : بِالصَّلَاةِ بِهِمْ (¬3) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬4) لِحَدِيثٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/102 (كِتَابُ الْوِكَالَةِ، بَابُ الْوِكَالَةِ فِي الْحُدُودِ) ، 8/167 ـ 168 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا) 8/172 ـ 173 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ إِذَا رَمَى امْرَأَتَهُ وَامْرَأَةَ غَيْرِهِ بِالزِّنَا. . .) ، 8/176 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ هَلْ يُأَمِّرُ الْإِمَامُ رَجُلًا. . .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/441، 443 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ) (¬5) ن، م، س: وَكَذَلِكَ

اسْتَخْلَفَ، وَلَمَّا حَجَّ وَاعْتَمَرَ اسْتَخْلَفَ فَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَبَنِي الْمُصْطَلَقِ، وَغَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَغَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِي غَزْوَةِ الْقَضَاءِ، وَحَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبًا عَلَى مُتَوَلِّي الْأَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ * مَوْتِهِ لِكَوْنِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ أَمْرًا ضَرُورِيًّا لَا يُؤَدَّى الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ * (¬1) الْمَوْتِ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الْأُمَّةَ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيُمْكِنُهُمْ أَنْ يُعَيِّنُوا مَنْ يُؤَمِّرُونَهُ عَلَيْهِمْ، كَمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي كُلِّ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ - عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ وُجُوبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي الْحَيَاةِ وَاجِبٌ فِي أَصْنَافِ الْوِلَايَاتِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَخْلِفُ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُمْ (¬2) مَنْ يُقِيمُ فِيهِمُ الْوَاجِبَ، وَيَسْتَخْلِفُ فِي الْحَجِّ، وَفِي قَبْضِ الصَّدَقَاتِ، وَحِفْظِ مَالِ الْفَيْءِ، وَفِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَفِي الْغَزْوِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الِاسْتِخْلَافَ لَا يَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ وَلَا يُمْكِنُ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَيَّنَ لِلْأُمَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ مَنْ يَتَوَلَّى كُلَّ أَمْرٍ جُزْئِيٍّ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَتَعْيِينُ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ وَاحِدًا فَقَدْ يَخْتَلِفُ حَالُهُ وَيَجِبُ عَزْلُهُ، فَقَدْ كَانَ يُوَلِّي فِي حَيَاتِهِ مَنْ يَشْكِي (¬3) إِلَيْهِ فَيَعْزِلُهُ، كَمَا عَزَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، وَعَزَلَ سَعْدَ (¬4) بْنَ عُبَادَةَ ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) ن، م: عَنْهُ (¬3) ن، س، ب: مَنْ يَشْتَكِي (¬4) م: سَعِيدَ، وَهُوَ خَطَأٌ

عَامَ الْفَتْحِ، وَوَلَّى ابْنَهُ قَيْسًا، وَعَزَلَ إِمَامًا كَانَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ لَمَّا بَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَوَلَّى مَرَّةً (¬1) رَجُلًا فَلَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ، فَقَالَ: " «أَعَجِزْتُمْ إِذَا وَلَّيْتُ مَنْ لَا يَقُومُ بِأَمْرِي أَنْ تُوَلُّوا رَجُلًا يَقُومُ بِأَمْرِي» " (¬2) فَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ عَزْلَ مَنْ لَا يَقُومُ بِالْوَاجِبِ مِنْ وُلَاتِهِ، فَكَيْفَ لَا يُفَوِّضُ (¬3) إِلَيْهِمِ ابْتِدَاءَ تَوْلِيَةِ مَنْ يَقُومُ بِالْوَاجِبِ. وَإِذَا (¬4) كَانَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ يُوَلِّيهِ، وَلَا يَقُومُ بِالْوَاجِبِ فَيَعْزِلُهُ، أَوْ يَأْمُرُ بِعَزْلِهِ، كَانَ لَوْ وَلَّى وَاحِدًا بَعْدَ مَوْتِهِ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ لَا يَقُومَ بِالْوَاجِبِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إِلَى عَزْلِهِ فَإِذَا وَلَّتْهُ الْأُمَّةُ وَعَزَلَتْهُ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَعْزِلُوا مَنْ وَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ بِهِ حِكْمَةُ تَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ، وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ فِي: الْوَجْهِ الْخَامِسِ: إِنَّ تَرْكَ الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ مَمَاتِهِ كَانَ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِخْلَافِ (¬5) ، كَمَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْتَارُ لَهُ إِلَّا أَفْضَلَ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ لَيْسَ ¬

(¬1) م: أَمْرَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا بِمَعْنَاهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/56 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الطَّاعَةِ) وَنَصُّهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. . قَالَ: " بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَسَلَّحَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ سَيْفًا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ مَا لَامَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: " أَعَجِزْتُمْ إِذَا بَعَثْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي، أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لِأَمْرِي؟ " وَالْحَدِيثُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) . 4/160 (¬3) ن، س: فَكَيْفَ لَا يُفَوِّضُ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) س، ب: وَإِنْ (¬5) ن، س، ب: بِالِاسْتِخْلَافِ، وَهُوَ خَطَأٌ

بِمَعْصُومٍ، وَكَانَ يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ نُوَّابِهِ أُمُورٌ مُنْكَرَةٌ فَيُنْكِرُهَا عَلَيْهِمْ، وَيَعْزِلُ مَنْ يَعْزِلُ مِنْهُمْ، كَمَا اسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى قِتَالِ بَنِي جُذَيْمَةَ فَقَتَلَهُمْ، فَوَدَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ دِيَّاتِهِمْ، وَأَرْسَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَضَمِنَ لَهُمْ حَتَّى مَيْلَغَةَ الْكَلْبِ (¬1) ، وَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ (¬2) إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» ". (¬3) وَاخْتَصَمَ خَالِدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ حَتَّى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ (¬4) مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» " (¬5) ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَمْ يَعْزِلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدًا. وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ عَلَى صَدَقَاتِ قَوْمٍ فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْقَوْمَ امْتَنَعُوا، وَحَارَبُوا فَأَرَادَ غَزْوَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} (سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 6) . وَوَلَّى سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمُ تُسْتَبَاحُ الْحُرْمَةُ عَزَلَهُ، وَوَلَّى ابْنَهُ قَيْسًا، وَأَرْسَلَ بِعِمَامَتِهِ عَلَامَةً عَلَى عَزْلِهِ لِيَعْلَمَ سَعْدٌ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ يُشْتَكَى إِلَيْهِ بَعْضُ نُوَّابِهِ فَيَأْمُرُهُ بِمَا أَمَرَ (¬6) اللَّهُ بِهِ، كَمَا اشْتَكَى أَهْلُ ¬

(¬1) م: حَتَّى يَبْلُغَهُ الْكِتَابُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) س، ب: يَدَهُ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/486 ـ 487 (¬4) س، ب: لَمَا بَلَغَ (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21 (¬6) س، ب: بِمَا أَمَرَهُ

قُبَاءَ مُعَاذًا لِتَطْوِيلِهِ الصَّلَاةَ بِهِمْ، لَمَّا قَرَأَ الْبَقَرَةَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَقَالَ: " «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ اقْرَأْ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَنَحْوِهَا» " (¬1) . وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي أَتَخَلَّفُ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ، فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ " (¬2) . وَرَأَى إِمَامًا قَدْ بَصَقَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَعَزَلَهُ عَنِ الْإِمَامَةِ، وَقَالَ إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " (¬3) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ ـ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ ـ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 8/26 ـ 27 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا) وَأَوَّلَهُ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً. . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/339 ـ 340 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعَشَاءِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/292 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/76 ـ 77 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ خُرُوجِ الرَّجُلِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) . 3/124، 229، 300، 308، 369 (¬2) الْحَدِيثُ ـ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ ـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/138 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَيُطَوِّلُ مَا شَاءَ) وَأَوَّلُهُ فِيهِ: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ. الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 1/341 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ أَمْرِ الْأَئِمَّةِ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ فِي التَّمَامِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 1/150 ـ 151 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 13/201، (ط. الْحَلَبِيِّ) 2/502، 537، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْحَدِيثِ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَمَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي وَاقَدٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبِي مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ " (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَهْلَةَ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/189 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي كَرَاهَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ: " لَا يُصَلِّي لَكُمْ " فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ، فَمَنَعُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " نَعَمْ " وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ)

وَكَانَ الْوَاحِدُ مِنْ خُلَفَائِهِ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ (¬1) عَنْهُ. فَكَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ يُعَلِّمُ خُلَفَاءَهُ مَا جَهِلُوا، وَيُقَوِّمُهُمْ إِذَا زَاغُوا، وَيَعْزِلُهُمْ إِذَا لَمْ يَسْتَقِيمُوا، وَلَمْ يَكُونُوا مَعَ ذَلِكَ مَعْصُومِينَ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَلِّيَ الْمَعْصُومَ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ هَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُمْكِنُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَحَدًا مَعْصُومًا غَيْرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ كُلِّفَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَعْصُومًا لَكُلِّفَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَفَاتَ مَقْصُودُ الْوِلَايَاتِ، وَفَسَدَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ - بَلْ يَجِبُ - أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ فَلَوِ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ مَوْتِهِ، كَمَا اسْتَخْلَفَ فِي حَيَاتِهِ لَاسْتَخْلَفَ (¬2) أَيْضًا غَيْرَ مَعْصُومٍ، وَكَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلِّمَهُ، وَيُقَوِّمَهُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي حَيَاتِهِ فَكَانَ أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَسْتَخْلِفَ (¬3) . وَالْأُمَّةُ قَدْ بَلَغَهَا أَمْرُ اللَّهِ وَنَهْيُهُ، وَعَلِمُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، فَهُمْ يَسْتَخْلِفُونَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُعَاوِنُونَهُ عَلَى إِتْمَامِهِمِ الْقِيَامَ ¬

(¬1) س، ب: سَأَلَهُ (¬2) : سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) : سَاقِطٌ مِنْ (م)

بِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْوَاحِدُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِذَلِكَ، فَمَا فَاتَهُ مِنَ الْعِلْمِ بَيَّنَهُ لَهُ مَنْ يَعْلَمُهُ، وَمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنَ الْقُدْرَةِ عَاوَنَهُ عَلَيْهِ مَنْ يُمْكِنُهُ الْإِعَانَةُ، وَمَا خَرَجَ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ أَعَادُوهُ إِلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِقَوْلِهِمْ وَعَمَلِهِمْ (¬1) ، وَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ مَا حُمِّلُوهُ، كَمَا أَنَّهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلَ. فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِخْلَافِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَكْمَلُ فِي حَقِّ الرَّسُولِ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ، وَأَنَّ مَنْ قَاسَ وُجُوبَ الِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ الْمَمَاتِ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الْحَيَاةِ كَانَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ. وَإِذَا عَلِمَ الرَّسُولُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْأُمَّةِ هُوَ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ، كَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ فِي دَلَالَتِهِ لِلْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُوَلُّونَهُ مَا يُغْنِيهِ عَنِ اسْتِخْلَافِهِ لِتَكُونَ الْأُمَّةُ هِيَ الْقَائِمَةَ بِالْوَاجِبِ، وَيَكُونَ ثَوَابُهَا عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِ الرَّسُولِ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مِثْلُ عُمَرَ، وَخَافَ أَنْ لَا يُوَلُّوهُ إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ (¬2) لِشِدَّتِهِ، فَوَلَّاهُ هُوَ - كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمَصْلَحَةَ لِلْأُمَّةِ. فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ الْأُمَّةَ يُوَلُّونَ أَبَا بَكْرٍ، فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ تَوْلِيَتِهِ، مَعَ دَلَالَتِهِ لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِالتَّوْلِيَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْأُمَّةَ يُوَلُّونَ عُمَرَ إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ اللَّائِقَ بِهِ لِفَضْلِ عِلْمِهِ، وَمَا فَعَلَهُ صِدِّيقُ الْأَمَةِ هُوَ اللَّائِقُ بِهِ إِذْ لَمْ (¬3) يَعْلَمْ مَا عَلِمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

(¬1) م: وَعِلْمِهِمْ (¬2) م: إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ (¬3) إِذَا لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .، فِي (م) : إِذَا لَمْ

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ " هَبْ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ وَاجِبٌ (¬1) ، فَقَدِ اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ، وَدَلَّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ لَمْ يَعْزِلْهُ عَنِ الْمَدِينَةِ ". قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْعَزَلَ عَلِيٌّ بِنَفْسِ رُجُوعِهِ، كَمَا كَانَ غَيْرُهُ يَنْعَزِلُ إِذَا رَجَعَ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ بَعْدَ هَذَا إِلَى الْيَمَنِ حَتَّى وَافَاهُ بِالْمَوْسِمِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ غَيْرَهُ. أَفَتَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مُقِيمًا وَعَلِيٌّ بِالْيَمَنِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ بِالْمَدِينَةِ؟ ! وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ كَلَامُ جَاهِلٍ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ عَلِيًّا مَا زَالَ خَلِيفَةً عَلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ (¬2) أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِنَبْذِ الْعُهُودِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ، كَمَا أَرْسَلَ مُعَاذًا، وَأَبَا مُوسَى. ، ثُمَّ لَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ غَيْرَ عَلِيٍّ، وَوَافَاهُ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ، وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ نَحَرَ بِيَدِهِ ثُلُثَيْهَا، وَنَحَرَ عَلِيٌّ ثُلُثَهَا. وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ، وَتَوَاتَرَتْ بِهِ ¬

(¬1) م: وَجَبَ (¬2) س، ب: وَلَمْ يَعْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ عَلِيًّا

الْأَخْبَارُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ بِعَيْنِكَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنَايَةٌ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ. وَالْخَلِيفَةُ لَا يَكُونُ خَلِيفَةً إِلَّا مَعَ مَغِيبِ الْمُسْتَخْلِفِ، أَوْ مَوْتِهِ (¬1) ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلِيفَةٌ فِيهَا، كَمَا أَنَّ سَائِرَ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ انْقَضَتْ خِلَافَتُهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ وُلَاةِ الْأُمُورِ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدُهُمْ عَلَى مِصْرِهِ فِي مَغِيبِهِ بَطَلَ اسْتِخْلَافُهُ ذَلِكَ إِذَا حَضَرَ الْمُسْتَخْلِفُ. وَلِهَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْلِفُ أَحَدًا عَنْهُ، فَإِنَّهُ حَيٌّ قَيُّومٌ شَهِيدٌ (¬2) مُدَبِّرٌ لِعِبَادِهِ مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَوْتِ، وَالنَّوْمِ، وَالْغَيْبَةِ. وَلِهَذَا لَمَّا قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ. قَالَ: لَسْتُ خَلِيفَةَ اللَّهِ، بَلْ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَحَسْبِي ذَلِكَ (¬3) . وَاللَّهُ تَعَالَى يُوصَفُ بِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْعَبْدَ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ» " (¬4) ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ: " «وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» " (¬5) . ¬

(¬1) س، ب: وَمَوْتِهِ (¬2) شَهِيدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) ن، م، س: ذَاكَ (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/508 (¬5) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جَاءَتْ ضِمْنَ حَدِيثِ الدَّجَّالِ الَّذِي رَوَاهُ النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 4/2250 ـ 2251 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ) الْحَدِيثُ رَقْمُ 110 وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي ص 2251، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/166 (كِتَابُ الْمَلَاحِمِ، بَابُ خُرُوجِ الدَّجَّالِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/346 ـ 349 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1356 ـ 1359 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/181 ـ 182

الخامس حديث أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي

وَكُلُّ مَنْ وَصَفَهُ اللَّهُ بِالْخِلَافَةِ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ خَلِيفَةٌ عَنْ مَخْلُوقٍ كَانَ قَبْلَهُ. كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} (سُورَةُ يُونُسَ: 14) {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 69) {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (سُورَةُ النُّورِ: 55) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 30) أَيْ: عَنْ خَلْقٍ كَانَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَ (¬1) الْمُفَسِّرُونَ، وَغَيْرُهُمْ (¬2) . وَأَمَّا مَا يَظُنُّهُ طَائِفَةٌ مِنَ الِاتِّحَادِيَّةِ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ. [الخامس حديث أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ:: (¬3) " الْخَامِسُ: مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ (¬4) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (¬5) : «أَنْتَ أَخِي (¬6) ¬

(¬1) ب: ذَكَرَهُ (¬2) انْظُرْ: تَفْسِيرَ ابْنِ كَثِيرٍ 1/99 ـ 103 ; زَادَ الْمَسِيرِ 1/58 ـ 60 (¬3) فِي (ك) ص 169 (م) (¬4) ك: الْجُمْهُورُ بِأَجْمَعِهِمْ (¬5) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ أَنَّهُ قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬6) س، ب: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ أَخِي

وَوَصِيِّي، وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، وَقَاضِي دَيْنِي» ، وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي تَقُومُ الْحُجَّةُ بِمُجَرَّدِ إِسْنَادِهِ إِلَيْهَا (¬1) ، وَلَا صَحَّحَهُ (¬2) إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ: " رَوَاهُ الْجُمْهُورُ ": إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْحَدِيثِ رَوَوْهُ (¬3) فِي الْكُتُبِ الَّتِي يُحْتَجُّ بِمَا فِيهَا مِثْلِ كِتَابِ (¬4) الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَنَحْوِهِمَا، وَقَالُوا: إِنَّهُ صَحِيحٌ - فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا يَرْوِيهِ مِثْلُ أَبِي نُعَيْمٍ فِي " الْفَضَائِلِ "، وَالْمَغَازِلِيُّ، وَخَطِيبُ خُوَارَزْمَ، وَنَحْوُهُمْ، أَوْ يُرْوَى فِي كُتُبِ الْفَضَائِلِ، فَمُجَرَّدُ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَسْأَلَةِ فُرُوعٍ، فَكَيْفَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِمَامَةِ، الَّتِي قَدْ أَقَمْتُمْ عَلَيْهَا الْقِيَامَةَ؟ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (¬5) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ سَائِرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَوْضُوعَةٌ يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالْأَخْبَارِ وَنَقَلَتِهَا (¬6) ، وَقَدْ صَدَقَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِصَحِيحِ الْحَدِيثِ وَضَعِيفِهِ لَيَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَمِثْلَهُ ضَعِيفٌ، بَلْ وَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي يُحْتَجُّ بِمَا فِيهَا، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ مَنْ يَرْوِيهِ فِي ¬

(¬1) س، ب: إِسْنَادِ حَاكِيهَا (¬2) س، ب: صَحَّحَهَا (¬3) ن، س: يَرْوُوهُ ; ب: يَرْوُونَهُ (¬4) ن، س: مِنْ كُتُبٍ ; ب: مِثْلِ كُتُبِ (¬5) انْظُرْ فِي ذَلِكَ: الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 346 ; تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ 1/353 (¬6) ب: وَنَقْلِهَا

الْكُتُبِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ، الَّتِي يَعْلَمُ كُلُّ عَالِمٍ أَنَّ فِيهَا مَا هُوَ كَذِبٌ مِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ: تَفْسِيرُ (¬1) الثَّعْلَبِيِّ، وَالْوَاحِدِيِّ، وَنَحْوِهِمَا، وَالْكُتُبِ الَّتِي صَنَّفَهَا فِي الْفَضَائِلِ مَنْ يَجْمَعُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ لَا سِيَّمَا خَطِيبُ خُوَارَزْمَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَرَوَى النَّاسِ لِلْمَكْذُوبَاتِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا الْمَغَازِلِيُّ (¬2) . قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " لَمَّا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ (¬3) مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ (¬4) بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ مَيْمُونٍ الْإِسْكَافُ، عَنْ أَنَسٍ (¬5) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّ أَخِي، وَوَزِيرِي، وَخَلِيفَتِي (¬6) مِنْ (¬7) أَهْلِي، وَخَيْرَ مَنْ أَتْرُكُ بَعْدِي يَقْضِي دَيْنِي، وَيُنْجِزُ مَوْعِدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» (¬8) " قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَطَرُ بْنُ مَيْمُونٍ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْأَثْبَاتِ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ ".. رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ (¬9) بْنِ عَدِيٍّ بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظِ، وَمَدَارُهُ عَلَى ¬

(¬1) ب: كَتَفْسِيرِ (¬2) م: وَلَا الْمُغَازِيُّ (¬3) فِي 1/347 (¬4) م: عَبْدُ اللَّهِ (¬5) الْمَوْضُوعَاتِ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (¬6) ن، م، س: وَخَلِيلِي (¬7) ب: فِي (¬8) الْمَوْضُوعَاتِ: وُعُودِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَالْحَدِيثُ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " 1/326 (¬9) ن، س، ب: أَبِي أَحْمَدَ

عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَطَرِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى فِي نَفْسِهِ صَدُوقًا رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالتَّشَيُّعِ فَكَانَ لِتَشَيُّعِهِ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ، كَمَا رَوَى عَنْ مَطَرِ بْنِ مَيْمُونٍ هَذَا، وَهُوَ كَذِبٌ، وَقَدْ يَكُونُ عِلَمَ أَنَّهُ كَذِبٌ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ لِهَوَاهُ لَمْ يَبْحَثْ عَنْ كَذِبِهِ، وَلَوْ بَحَثَ عَنْهُ لَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَذِبٌ هَذَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي رَوَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثُونَ (¬1) : " «وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي» ، وَإِنَّمَا فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ: " «وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِي» " وَهَذَا اسْتِخْلَافٌ خَاصٌّ. وَأَمَّا اللَّفْظُ الْآخَرُ (¬2) الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَإِنَّهُ قَالَ (¬3) : " حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ (¬4) ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ (¬5) بْنِ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَطَرٌ (¬6) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلِيٌّ أَخِي، وَصَاحِبِي، وَابْنُ عَمِّي، وَخَيْرُ مَنْ أَتْرُكُ مِنْ بَعْدِي (¬7) ، يَقْضِي دَيْنِي، وَيُنْجِزُ مَوْعِدِي» " (¬8) . وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَطَرًا هَذَا كَذَّابٌ، لَمْ (¬9) يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ ¬

(¬1) هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثُونَ: كَذَا فِي (س) ، (ب) . وَفِي (ن) : الْمُحَدِّثُونَ هَؤُلَاءِ. وَسَقَطَتْ " هَؤُلَاءِ " مِنْ (م) (¬2) الْآخَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 1/378 (¬4) الْمَوْضُوعَاتِ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ. (¬5) الْمَوْضُوعَاتِ: عَلَى. (¬6) الْمَوْضُوعَاتِ: مَطَرٌ الْإِسْكَافِ (¬7) الْمَوْضُوعَاتِ: مَنْ أَتْرُكُ بَعْدِي (¬8) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ: " هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، وَالْمُتَّهَمُ ابْنُ مَطَرِ بْنِ مَيْمُونٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْأَثْبَاتِ، لَا تَحِلُّ عَنْهُ (¬9) ن، س، ب: وَلَمْ

مَعَ رِوَايَتِهِ عَنْ أَنَسٍ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَلَا وَكِيعٌ، وَلَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَلَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَلَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَلَا أَمْثَالُهُمْ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ بِالْكُوفَةِ مِنَ الشِّيعَةِ، وَمَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ عَوَامِّهَا يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ، وَيَرْوِي حَدِيثَهُ أَهْلُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ حَتَّى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ قَدْ يَرْوِيَانِ عَنْ ضُعَفَاءَ، وَلَمْ يَرْوُوا عَنْهُ، وَإِنَّمَا رَوَى عَنْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ; لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ هَوًى مُتَشَيِّعًا فَكَانَ لِأَجْلِ هَوَاهُ يَرْوِي عَنْ هَذَا، وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانُوا كَذَّابِينَ. وَلِهَذَا لَمْ يَكْتُبْ أَحْمَدُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى (¬1) ، بِخِلَافِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ (¬2) كَانَ يُظْهِرُ مَا عِنْدَهُ بِخِلَافِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَمِمَّا افْتَرَاهُ مَطَرٌ هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي " تَارِيخِهِ " مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عِنْدَ مَطَرٍ (¬3) ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى عَلِيًّا مُقْبِلًا فَقَالَ: " أَنَا وَهَذَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (¬4) : " هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَالْمُتَّهَمُ بِوَضْعِهِ مَطَرٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْأَثْبَاتِ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ ". الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ دَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5) لَمْ يَقْضِهِ عَلِيٌّ، ¬

(¬1) ن: وَلَا ابْنِ مُعَاوِيَةَ ; س، ب: وَلَا أَبِي مُعَاوِيَةَ (¬2) ن، م، س: بْنَ عِيسَى، وَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " 3/16: " شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ، لَكِنَّهُ شِيعِيٌّ مُتَحَرِّقٌ. . مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ " (¬3) ن، م، س: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/383 (¬5) م: دَيْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ

السادس حديث المؤاخاة

بَلْ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ، وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ ابْتَاعَهَا لِأَهْلِهِ» (¬1) ، فَهَذَا الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يُقْضَى مِنَ الرَّهْنِ الَّذِي رَهَنَهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ آخَرُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَقْتَسِمُ (¬2) وَرَثَتِي دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» " (¬3) . فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دِينٌ قُضِيَ مِمَّا تَرَكَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مُقَدَّمًا عَلَى الصَّدَقَةِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (¬4) . [السادس حديث الْمُؤَاخَاة] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬5) " السَّادِسُ: حَدِيثُ (¬6) الْمُؤَاخَاةِ. رَوَى أَنَسٌ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 4/141 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَا قِيلَ فِي النَّبِيِّ. . . .) وَنَصُّهُ: " تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ". وَالْحَدِيثُ ـ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ ـ فِي: الْبُخَارِيِّ 6/15 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ وَمَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/344 ((كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الشِّرَاءِ إِلَى أَجَلٍ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/344 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الشِّرَاءِ إِلَى أَجَلٍ) ; سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/367 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ مُبَايَعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/815 (كِتَابُ الرُّهُونِ، بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 2109، 2724، 2743، 3409، (ط. الْحَلَبِيِّ) . 3/102، 6/453، 457 (¬2) س، ب: لَا يُقَسِّمُ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/214 (¬4) س، ب:. . . الصَّحِيحِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ـ وَالْحَدِيثُ (¬5) فِي (ك) ص 169 (م) ـ 170 (م) (¬6) حَدِيثُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . وَفِي هَامِشِ (م) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ: " مَطْلَبٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "

«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْمُبَاهَلَةِ (¬1) ، وَآخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَعَلِيٌّ (¬2) وَاقِفٌ يَرَاهُ وَيَعْرِفُهُ (¬3) ، وَلَمْ يُؤَاخِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ، فَانْصَرَفَ بَاكِيًا (¬4) ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ (¬5) أَبُو الْحَسَنِ، قَالُوا: انْصَرَفَ بَاكِيَ الْعَيْنِ (¬6) ، [قَالَ: يَا بِلَالُ، اذْهَبْ فَائْتِنِي بِهِ، فَمَضَى إِلَيْهِ، وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ بَاكِيَ الْعَيْنِ] (¬7) فَقَالَتْ لَهُ فَاطِمَةُ: مَا يُبْكِيكَ (¬8) ؟ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَمْ يُؤَاخِ (¬9) بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ قَالَتْ: لَا يُخْزِيكَ (¬10) اللَّهُ، لَعَلَّهُ إِنَّمَا ادَّخَرَكَ (¬11) لِنَفْسِهِ، فَقَالَ بِلَالٌ: يَا عَلِيُّ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ (¬12) يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَدَّخِرُكَ (¬13) لِنَفْسِي، أَلَا يَسُرُّكَ ¬

(¬1) ك: أَنَسٌ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْمُبَاهَلَةُ (¬2) وَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬3) ك: وَيَعْرِفُ مَكَانَهُ (¬4) ك: بَيْنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيْنَ أَحَدٍ: فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَاكِيَ الْعَيْنِ (¬5) ك: فَافْتَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ. . (¬6) ن، س: انْصَرَفَ بَاكِيًا بَاكِيَ الْعَيْنِ، م: انْصَرَفَ بَاكِيًا. (¬7) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ك) فَقَطْ وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ (¬8) ك: فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: مَا يُبْكِيكَ لَا أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكَ (¬9) ك:. . . . وَالْأَنْصَارِ، وَأَنَا وَاقِفٌ يَرَانِي وَيَعْرِفُ مَكَانِي، وَلَمْ يُؤَاخِ (¬10)) كُتِبَ فَوْقَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بَيْنَ السُّطُورِ فِي (ك) : يُحْزِنُكَ (¬11) 11) م: إِنَّمَا يَتْرُكُ. . (¬12) 12) ك: أَجِبِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ قَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ. (¬13) ك (ص 170 م) : يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: وَاخَيْتَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا وَاقِفٌ تَرَانِي وَتَعْرِفُ مَكَانِي، وَلَمْ تُوَاخِ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ، فَقَالَ إِنَّمَا ادَّخَرْتُكَ. . .

أَنْ تَكُونَ أَخَا نَبِيِّكَ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَتَى الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا (¬1) مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، أَلَا إِنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، أَلَا مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ (¬2) ، فَانْصَرَفَ فَاتَّبَعَهُ (¬3) عُمَرُ، فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ يَا أَبَا الْحَسَنِ (¬4) ، أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ، وَمَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (¬5) فَالْمُؤَاخَاةُ (¬6) تَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ أَوَّلًا: الْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ النَّقْلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْزُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى كِتَابٍ أَصْلًا، كَمَا عَادَتُهُ يَعْزُو، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ يَعْزُو إِلَى كُتُبٍ لَا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ، وَهُنَا أَرْسَلَهُ إِرْسَالًا عَلَى عَادَةِ أَسْلَافِهِ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ يَكْذِبُونَ وَيَرْوُونَ الْكَذِبَ بِلَا إِسْنَادٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، لَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، فَإِذَا سُئِلَ: وَقَفَ وَتَحَيَّرَ (¬7) . الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ (¬8) ، وَوَاضِعُهُ جَاهِلٌ كَذَبَ كَذِبًا ¬

(¬1) ك: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَاضٍ بِذَلِكَ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَرْقَاهُ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا. . . . (¬2) ك: فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ (¬3) ك: فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرِيرَ الْعَيْنِ، فَاتَّبَعَهُ (¬4) ك: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ (¬5) م: مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ (¬6) ك: وَالْمُؤَاخَاةُ (¬7) ن: فَإِذَا سُئِلَ عَمَّنْ نُبْقِي ; س: فَإِذَا سُئِلَ عَمَّنْ لَقِيَ ; ب: فَإِذَا يُسْئَلُ عَمَّنْ لَقِيَ (¬8) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَوِ الْمَوْضُوعَةِ، وَجَاءَتْ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ ذُكِرَ فِيهَا أَنَّ عَلِيًّا أَخٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَبْلَ قَلِيلٍ (ص [0 - 9] 53 ـ 354) وَلَكِنَّهَا بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ

ظَاهِرًا مَكْشُوفًا يَعْرِفُ أَنَّهُ كَذِبٌ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ أَحَادِيثَ (¬1) الْمُؤَاخَاةِ لِعَلِيٍّ كُلُّهَا مَوْضُوعَةٌ (¬2) ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِ أَحَدًا، وَلَا آخَى بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ وَمُهَاجِرِيٍّ، وَلَا بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا بَيْنَ أَنْصَارِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ، وَلَكِنْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي أَوَّلِ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ (¬3) . وَأَمَّا الْمُبَاهَلَةُ فَكَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سَنَةَ تِسْعٍ، أَوْ عَشْرٍ مِنِ الْهِجْرَةِ (¬4) . الرَّابِعُ: أَنَّ دَلَائِلَ الْكَذِبِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَيِّنَةٌ مِنْهَا: أَنَّهُ قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْمُبَاهَلَةِ وَآخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ "، وَالْمُبَاهَلَةُ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ النَّصَارَى، وَأَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي ¬

(¬1) ن، س: حَدِيثَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) سَبَقَ أَنْ عَلَّقْتُ عَلَى حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الضَّعِيفِ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 117 فَارْجِعْ إِلَيْهِ. وَذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " 9/111 ـ 112 حَدِيثًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَفِيهِ حَامِدُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ، وَهُوَ كَذَّابٌ " ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ أَشْعَثُ ابْنُ عَمِّ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ أَعْرِفْهُ. وَيَأْتِي حَدِيثٌ فِي الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي مَنَاقِبِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ". ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا ثَالِثًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عَوْنٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ " (¬3) انْظُرْ مَا سَبَقَ هَذَا الْجُزْءَ، ص [0 - 9] 17 وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ 5/69 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ) " وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ " وَانْظُرْ عَنْ ذَلِكَ: سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 2/150 ـ 153 ; زَادَ الْمَعَادِ 3/63 ـ 65 (¬4) انْظُرْ حَدِيثَ الْمُبَاهَلَةِ فِيمَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءَ، ص 119

آخِرِ الْأَمْرِ سَنَةَ عَشْرٍ أَوْ سَنَةَ تِسْعٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَاهِلِ النَّصَارَى لَكِنْ دَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ فَاسْتَنْظَرُوهُ حَتَّى يَشْتَوِرُوا فَلَمَّا اشْتَوْرَوْا، قَالُوا: هُوَ نَبِيٌّ، وَمَا بَاهَلَ قَوْمٌ نَبِيًّا إِلَّا اسْتُؤْصِلُوا فَأَقَرُّوا لَهُ بِالْجِزْيَةِ، وَلَمْ يُبَاهِلُوا، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِالْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُؤَاخَاةٌ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنِ الْهِجْرَةِ فِي دَارِ بَنِي النَّجَّارِ، وَبَيْنَ الْمُبَاهَلَةِ وَذَلِكَ عِدَّةُ سِنِينَ. السَّادِسُ: أَنَّهُ كَانَ (¬1) قَدْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ كِلَاهُمَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ مُؤَاخَاةٌ، بَلْ آخَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَاخِ عَلِيًّا، وَهَذَا مِمَّا (¬2) يُوَافِقُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ إِنَّمَا كَانَتْ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَمْ تَكُنْ بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ وَمُهَاجِرِيٍّ (¬3) . السَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» "، إِنَّمَا قَالَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَصْلًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُوَالَاةِ فَالَّذِينَ رَوَوْهُ (¬4) ذَكَرُوا أَنَّهُ قَالَهُ بِغَدِيرِ خُمٍّ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَصْلًا (¬5) . ¬

(¬1) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب (¬3) انْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 119 (¬4) م: رَدُّوهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; س: يَرْوُوهُ ; ب: يَرْوُونَهُ (¬5) انْظُرْ مَا سَبَقَ 1/501 (ت [0 - 9] )

الثَّامِنُ: أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُؤَاخَاةِ، وَأَنَّ فِيهَا عُمُومًا وَإِطْلَاقًا لَا يَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ وَالْإِمَامَةَ، وَأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلصِّدِّيقِ مِنَ الْفَضِيلَةِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» (¬1) ، وَإِخْبَارُهُ: أَنَّ أَحَبَّ الرِّجَالِ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَشَهَادَةُ الصَّحَابَةِ لَهُ (¬2) أَنَّهُ أَحَبُّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمَا رَوَى مِنَ الْمُؤَاخَاةِ بَاطِلٌ نَقْلًا وَدَلَالَةً. التَّاسِعُ: أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ، وَقَعَتْ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ ; لِأَنَّهُ رُوِيَ فِيهَا أَحَادِيثُ، لَكِنَّ الصَّوَابَ الْمَقْطُوعَ بِهِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَخْطَأَ فِيهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ أَهْلُ الصَّحِيحِ * شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ إِنَّمَا هُوَ الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ، وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَلَكَانَ يُذْكَرُ فِي أَحَادِيثِ (¬3) الْمُؤَاخَاةِ، وَيُذْكَرُ كَثِيرًا فَكَيْفَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَا خَرَّجَ أَهْلُ الصَّحِيحِ * (¬4) مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. وَهَذِهِ الْأُمُورُ يَعْرِفُهَا مَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَالسِّيرَةِ (¬5) ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬3) ن: حَدِيثٌ (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬5) س، ب: وَالسِّيَرِ

السابع حديث الراية

الْمُتَوَاتِرَةِ، وَأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَبَبِ الْمُؤَاخَاةِ، وَفَائِدَتِهَا، وَمَقْصُودِهَا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، كَمَا آخَى بَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبَيْنَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ لِيَعْقِدَ الصِّلَةَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 75) ، وَهِيَ الْمُحَالَفَةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (سُورَةُ النِّسَاءِ: 33) (¬1) . وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ يُورَثُ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ النَّسَبِ، أَوْ لَا يُورَثُ بِهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، الْأَوَّلُ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي: مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. [السابع حديث الراية] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬2) " السَّابِعُ: مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ كَافَّةً «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاصَرَ خَيْبَرَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً (¬3) ، وَكَانَتِ الرَّايَةُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (¬4) ، فَلَحِقَهُ رَمَدٌ أَعْجَزَهُ عَنِ ¬

(¬1) فِي (ن) ، (م) ، (س) ، (ب) : وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ. انْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (ط. الْمَعَارِفِ) 8/272 (¬2) فِي (ك) ص 170 (م) ـ 171 (م) (¬3) ن، م، س: تِسْعَةً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَهُوَ خَطَأٌ ; ك: بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً (¬4) ك: لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

الْحَرْبِ، وَخَرَجَ مُرَحَّبٌ يَتَعَرَّضُ لِلْحَرْبِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ خُذِ الرَّايَةَ فَأَخَذَهَا فِي جَمْعٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ (¬1) (فَاجْتَهَدَ) (¬2) ، وَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا، وَرَجَعَ مُنْهَزِمًا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ تَعَرَضَّ لَهَا عُمَرُ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ رَجَعَ يُخْبِرُ أَصْحَابَهُ (¬3) ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِيئُونِي بِعَلِيٍّ، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَرْمَدُ، فَقَالَ: أَرُونِيهِ أَرُونِي (¬4) رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَيْسَ بِفَرَّارٍ، فَجَاءُوا بِعَلِيٍّ فَتَفَلَ فِي يَدِهِ، وَمَسَحَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ (¬5) وَرَأْسِهِ فَبَرِئَ (¬6) فَأَعْطَاهُ (¬7) الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ (¬8) ، وَقَتَلَ مُرَحَّبًا» (¬9) ، وَوَصْفُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ. وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ النَّقْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " رَوَاهُ الْجُمْهُورُ "، فَإِنَّ الثِّقَاتِ الَّذِينَ رَوَوْهُ لَمْ يَرْوُوهُ هَكَذَا، بَلِ الَّذِي ¬

(¬1) م: فَأَخَذَهَا فَجَمَعَ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) فَاجْتَهَدَ: فِي (ك) فَقَطْ، وَسَقَطَتْ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ (¬3) ك: يُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَيُجَبِّنُهُ أَصْحَابُهُ (¬4) ك: تَرَوْنِي (¬5) ن، م: عَيْنِهِ (¬6) س: فَبُرْءُ ; ب: فَبَرُأَ، وَفِي " اللِّسَانِ " " وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ: بَرَأْتُ مِنَ الْمَرَضِ بُرْءًا بِالْفَتْحِ، وَسَائِرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: بَرِئْتُ مِنَ الْمَرَضِ " (¬7) ن، م: وَأَعْطَاهُ (¬8) م: عَلَى يَدَيْهِ خَيْبَرَ (¬9) ن، م، س، ب: وَقُتِلَ مُرَحَّبٌ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك)

فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ غَائِبًا عَنْ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِيهَا تَخَلَّفَ عَنِ الْغُزَاةِ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَرْمَدَ، ثُمَّ إِنَّهُ شَقَّ عَلَيْهِ التَّخَلُّفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَحِقَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ: " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» " (¬1) . وَلَمْ تَكُنِ الرَّايَةُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَلَا لِعُمَرَ، وَلَا قَرِبَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا، بَلْ هَذَا مِنَ الْأَكَاذِيبِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: " فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، وَبَاتَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا عَلِيًّا فَقِيلَ لَهُ (¬2) : إِنَّهُ أَرْمَدُ فَجَاءَهُ فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ (¬3) حَتَّى بَرَأَ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ ". وَكَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ جَزَاءَ مَجِيءِ عَلِيٍّ مَعَ الرَّمَدِ، وَكَانَ إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَعَلِيٌّ لَيْسَ بِحَاضِرٍ لَا يَرْجُونَهُ مِنْ كَرَامَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَنْقِيصٌ بِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ أَصْلًا. الثَّانِي: أَنَّ إِخْبَارَهُ أَنَّ عَلِيًّا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقٌّ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى النَّوَاصِبِ لَكِنَّ الرَّافِضَةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُمْكِنُهُمُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا ; لِأَنَّهُ الْخَوَارِجُ تَقُولُ لَهُمْ هُوَ مِمَّنِ ارْتَدَّ أَيْضًا، كَمَا قَالُوا لَمَّا حَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ إِنَّكَ قَدِ ارْتَدَدْتَ عَنِ الْإِسْلَامِ فَعُدْ إِلَيْهِ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ " الْمَقَالَاتِ " (¬4) : " أَجْمَعَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى كُفْرِ عَلِيٍّ " (¬5) . ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/289 (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) ن، س، ب: عَيِنِهِ (¬4) فِي " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ " 1/156 (¬5) مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ: عَلَى إِكْفَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنْ حَكَّمَ.

وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيُمْكِنُهُمُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْخَوَارِجِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَكِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِيمَانِ الثَّلَاثَةِ، وَالرَّافِضَةُ تَقْدَحُ فِيهَا فَلَا يُمْكِنُهُمْ إِقَامَةُ دَلِيلٍ عَلَى الْخَوَارِجِ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا مَاتَ مُؤْمِنًا، بَلْ أَيُّ دَلِيلٍ ذَكَرُوهُ قُدِحَ فِيهِ مَا يُبْطِلُهُ عَلَى أَصْلِهِمْ ; لِأَنَّهُ أَصْلُهُمْ فَاسِدٌ. وَلَيْسَ هَذَا الْوَصْفُ مِنْ خَصَائِصِ عَلِيٍّ، بَلْ غَيْرُهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَكِنَّ فِيهِ الشَّهَادَةَ لِعَيْنِهِ (¬1) بِذَلِكَ، كَمَا شَهِدَ لِأَعْيَانِ الْعَشْرَةِ بِالْجَنَّةِ، وَكَمَا شَهِدَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِالْجَنَّةِ، وَشَهِدَ لِعَبْدِ اللَّهِ حِمَارٍ بِأَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬2) ، وَقَدْ كَانَ ضَرَبَهُ فِي الْحَدِّ مَرَّاتٍ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " إِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ هَذَا الْوَصْفِ عَنْ غَيْرِهِ ". فِيهِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» ". فَهَذَا الْمَجْمُوعُ اخْتَصَّ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْفَتْحَ كَانَ عَلَى يَدَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْفَتْحُ الْمُعَيَّنُ عَلَى يَدَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالْإِمَامَةِ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ، كَمَا لَوْ قِيلَ: لَأُعْطِيَنَّ هَذَا الْمَالَ رَجُلًا فَقِيرًا، أَوْ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَأَدْعُوَّنَ الْيَوْمَ رَجُلًا مَرِيضًا صَالِحًا، أَوْ لَأُعْطِيَنَّ (¬3) هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا شُجَاعًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ - لَمْ ¬

(¬1) ن، م، س: بِعَيْنِهِ (¬2) زَادَتْ (م) فَقَطْ: وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (¬3) س، ب: وَلَأُعْطِيَنَّ

يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا يُوجِبُ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ لَا تُوجَدُ إِلَّا فِي وَاحِدٍ، بَلْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ مَوْصُوفٌ بِذَلِكَ. وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنَّ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ، أَوْ فَقِيرٍ فَأَعْطَى هَذَا الْمَنْذُورَ لِوَاحِدٍ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالُوا: أَعْطُوا هَذَا الْمَالَ لِرَجُلٍ قَدْ حَجَّ عَنِّي فَأَعْطَوْهُ رَجُلًا لَمْ يَلْزَمْ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُ أَفْضَلِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ قَدَّرْنَا أَفْضَلِيَّتَهُ (¬1) لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِمَامٌ مَعْصُومٌ مَنْصُوصٌ (¬2) عَلَيْهِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الشِّيعَةِ الزَّيْدِيَّةِ، وَمُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ أَفْضَلِيَّتَهُ (¬3) ، وَأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، وَتَجُوزُ عِنْدَهُمْ وِلَايَةُ الْمَفْضُولِ، وَهَذَا مِمَّا يُجَوِّزُهُ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُتَوَقَّفُ فِي تَفْضِيلِهِ (¬4) بَعْضَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ لَا يَقُومُ فِيهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى فَضِيلَةِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ قَدْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ، الْمَشْهُورُونَ فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَفْضَلُ مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَنَقَلَ هَذَا الْإِجْمَاعَ غَيْرُ وَاحِدٍ، كَمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ " مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ " (مُسْنَدَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ) (¬5) قَالَ: " مَا ¬

(¬1) ن، م، س: لَوْ قُدِّرَ أَنَّ أَفْضَلِيَّتَهُ (¬2) م: وَمَنْصُوصٌ (¬3) ن، م: أَنَّهُ أَفْضَلُ (¬4) ب: فِي تَفْضِيلِ (¬5) عِبَارَةُ " مُسْنَدَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ " فِي (م) فَقَطْ

الثامن حديث الطائر

اخْتَلَفَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فِي تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ". (¬1) وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نُفَاضِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَقُولُ: خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ (¬2) . وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ هَذَا الْكَلَامَ (¬3) . وَالشِّيعَةُ الَّذِينَ صَحِبُوا عَلِيًّا كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا، وَهَذَا مِمَّا يَقْطَعُ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَى مَنْ كَانَ عَارِفًا بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ وَالْخُلَفَاءِ. [الثامن حديث الطائر] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬4) " الثَّامِنُ: خَبَرُ الطَّائِرِ (¬5) ، رَوَى الْجُمْهُورُ كَافَّةً أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِطَائِرٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ائْتِنِي ¬

(¬1) وَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي كِتَابِ " مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ " لِأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيِّ، تَحْقِيق الْأُسْتَاذِ السَّيِّدِ أَحْمَد صَقْر (ط. دَارِ التُّرَاثِ، الْقَاهِرَةِ، 1391 1971) 1/434 وَجَاءَ بَعْدَهَا: " إِنَّمَا اخْتَلَفَ مَنِ اخْتَلَفَ مِنْهُمْ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ: مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ. وَنَحْنُ لَا نُخَطِّئُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فَعَلُوا " (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِيمَا مَضَى 6/153. وَانْظُرْ أَيْضًا كِتَابَ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 1/92 ـ 93 (رَقْمُ 62) (¬3) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/12، 2/72 (¬4) فِي (ك) ص 171 (م) (¬5) م: الطَّيْرِ

بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ، وَإِلَيَّ يَأْكُلُ مَعِي مِنْ هَذَا الطَّائِرِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ، فَدَقَّ الْبَابَ فَقَالَ أَنَسٌ (¬1) : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَاجَةٍ (¬2) فَرَجَعَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَوَّلًا، فَدَقَّ الْبَابَ (¬3) فَقَالَ أَنَسٌ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُ عَلِيٌّ (¬4) حَاجَةٍ (¬5) ؟ فَانْصَرَفَ (¬6) ، فَعَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ عَلِيٌّ فَدَقَّ الْبَابَ (¬7) أَشَدَّ مِنَ الْأَوَّلَيْنِ (¬8) ، فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ (¬9) لَهُ بِالدُّخُولِ، وَقَالَ: مَا أَبْطَأَكَ (¬10) عَنِّي؟ قَالَ: جِئْتُ فَرَدَّنِي أَنَسٌ، ثُمَّ جِئْتُ فَرَدَّنِي (أَنَسٌ) (¬11) ، ثُمَّ جِئْتُ فَرَدَّنِي الثَّالِثَةَ (¬12) ، فَقَالَ يَا أَنَسُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (¬13) ، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، أَوَ فِي الْأَنْصَارِ ¬

(¬1) ك: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (¬2) ب: عَلَى حَاجَتِهِ (¬3) ك: فَدَقَّ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْبَابَ (¬4) ك: أَوْ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ عَلَى. . (¬5) ب: حَاجَتِهِ (¬6) ك: فَانْصَرَفَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلَيْنِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬7) فَدَقَّ الْبَابَ (¬8) ن، س، ب: الْأُوْلَتَيْنِ (¬9) ك: فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ أَنَسٌ: إِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ، فَأَذِنَ. . (¬10) ك: فَقَالَ: يَا عَلِيٌّ مَا أَبْطَأَكَ. (¬11) أَنَسٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬12) ك: ثُمَّ جِئْتُ الثَّالِثَةَ فَرَدَّنِي (¬13) ك: لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ; ب: لِلْأَنْصَارِ

خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، أَوَ فِي الْأَنْصَارِ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ فَإِذَا كَانَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ (¬1) ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ» (¬2) . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ النَّقْلِ، وَقَوْلُهُ رَوَى الْجُمْهُورُ كَافَّةً: كَذِبٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَدِيثَ الطَّيْرِ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ، وَلَا صَحَّحَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ هُوَ مِمَّا رَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ، كَمَا رَوَوْا أَمْثَالَهُ فِي فَضْلِ غَيْرِ عَلِيٍّ، بَلْ قَدْ رُوِيَ (¬3) فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَصُنِّفَ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يُصَحِّحُونَ لَا هَذَا، وَلَا هَذَا. الثَّانِي: أَنَّ حَدِيثَ الطَّائِرِ (¬4) مِنَ الْمَكْذُوبَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِحَقَائِقِ النَّقْلِ (¬5) ، قَالَ: أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ: " قَدْ جَمَعَ غَيْرُ ¬

(¬1) (1) ك: وَإِذَا كَانَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (¬2) (2) ك: أَنْ يَكُونَ الْإِمَامَ (¬3) (3) ن، م: رَوَوْا (¬4) (4) م: الطَّيْرِ (¬5) (5) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي سُنَنِهِ 5/300 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، عَلَى. . .، بَابُ 86 حَدِيثِ رَقْمُ 3805) وَنَصُّهُ: " كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيْرٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطَّيْرَ، فَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَكَلَ مَعَهُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ السُّدِّيِّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَنَسٍ " وَالْحَدِيثُ فِي " الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ " لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 382 ـ 383 وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: " قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ، كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَأَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَنْ أَرَادَ اسْتِيفَاءَ الْبَحْثِ فَلْيَنْظُرْ تَرْجَمَةَ الْحَاكِمِ فِي " النُّبَلَاءِ " وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَلَكِنِّي وَجَدْتُ حَدِيثًا آخَرَ يُقَارِبُهُ فِي الْمَعْنَى 1/376 ـ 377 وَنَصُّهُ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَنَسُ اسْكُبْ لِي وَضُوءًا " ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَنَسُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَخَاتَمُ الْوَصِيِّينَ " قَالَ أَنَسُ: فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ: " مَنْ هَذَا يَا أَنَسُ؟ فَقُلْتُ: عَلِيٌّ، فَقَالَ مُسْتَبْشِرًا فَاعْتَنَقَهُ ". قَالَ: ابْنُ الْجَوْزِيِّ: " هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ زَائِدَةُ: كَانَ جَابِرٌ كَذَّابًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا لَقِيتُ أَكْذَبَ مِنْهُ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ مِنَ السُّيُوطِيَّ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " 1/359 وَزَادَ عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ: " قُلْتُ: قَالَ فِي الْمِيزَانِ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ مِنْ جِلَادِ الشِّيعَةِ. زَادَ فِي اللِّسَانِ وَذَكَرَهُ الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَقَالَ إِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَنَقَلْتُ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ ابْنِ الْفَضْلِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ. أهـ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ أَيْضًا بِرِوَايَةٍ مُقَارِبَةٍ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ ابْنُ عِرَاقٍ الْكِنَانِيُّ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " 1/357 وَذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " 9/125 الْحَدِيثَ وَفِيهِ " يَأْكُلُ مَعِي مِنْ هَذَا الْفَرْخِ " ثُمَّ قَالَ: " وَفِي رِوَايَةٍ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ وَقَدْ أُتِيَ بِطَائِرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَهَدَتْ أُمُّ أَيْمَنَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِرًا بَيْنَ رَغِيفَيْنِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " فَجَاءَتْهُ بِالطَّائِرِ " قَلْتُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ طَرَفٌ مِنْهُ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " وَ " الْكَبِيرِ " بِاخْتِصَارٍ، وَأَبُو يَعْلَى بِاخْتِصَارٍ كَثِيرٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ " فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَرَدَّهُ. ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ، فَأَذِنَ لَهُ " وَفِي إِسْنَادِ الْكَبِيرِ " حَمَّادُ بْنُ الْمُخْتَارِ، وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَرِجَالُ أَبِي يَعْلَى ثِقَاتٌ، وَفِي بَعْضِهِمْ ضَعْفٌ. ثُمَّ ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ 9/126 رِوَايَةً أُخْرَى مُقَارِبَةً وَقَالَ فِي آخِرِهَا: " رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ سَلْمَانَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ". وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ 9/126 عَنْ سَفِينَةَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ أَنَّ فِيهِمَا ضَعْفًا.

وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ طُرُقَ أَحَادِيثِ الطَّيْرِ لِلِاعْتِبَارِ وَالْمَعْرِفَةِ، كَالْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَسُئِلَ الْحَاكِمُ عَنْ حَدِيثِ الطَّيْرِ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ " (¬1) . ¬

(¬1) ذَكَرْتُ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ كَلَامَ الشَّوْكَانِيِّ وَقَوْلَهُ إِنَّ الْحَاكِمَ صَحَّحَ الْحَدِيثَ. . . إِلَخْ وَالْحَدِيثُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " لِلْحَاكِمِ 3/130 ـ 131 عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ: " فَقُدِّمَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْخٌ مَشْوِيٌّ. . . إِلَخْ ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثِينَ نَفْسًا، ثُمَّ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ وَسَفِينَةَ، وَفِي حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي زِيَادَةَ أَلْفَاظٌ، كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَلِيَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّكُونِيُّ بِالْكُوفَةِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ. . . إِلَخْ وَعَلَّقَ الذَّهَبِيُّ عَلَى كَلَامِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: " قُلْتُ: ابْنُ عِيَاضٍ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ زَمَانًا طَوِيلًا أَظُنُّ أَنَّ حَدِيثَ الطَّيْرِ لَمْ يَجْسُرِ الْحَاكِمُ أَنْ يُودِعَهُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " فَلَمَّا عَلِقْتُ هَذَا الْكِتَابَ رَأَيْتُ الْهَوْلَ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ الَّتِي فِيهِ، فَإِذَا حَدِيثُ الطَّيْرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا سَمَاءٌ.

هَذَا مَعَ أَنَّ الْحَاكِمَ مَنْسُوبٌ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَقَدْ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيثًا فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: مَا يَجِيءُ مِنْ قَلْبِي مَا يَجِيءُ مِنْ قَلْبِي، وَقَدْ ضَرَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَهُوَ يَرْوِي فِي الْأَرْبَعِينَ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً، بَلْ مَوْضُوعَةً عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، كَقَوْلِهِ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ، وَالْقَاسِطِينَ، وَالْمَارِقِينَ لَكِنَّ تَشَيُّعَهُ، وَتَشَيُّعَ أَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ كَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَمْثَالِهِمَا لَا يَبْلُغُ إِلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَا يُعْرَفُ فِي عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا (¬1) ، بَلْ غَايَةُ الْمُتَشَيِّعِ مِنْهُمْ أَنْ يُفَضِّلَهُ عَلَى عُثْمَانَ، أَوْ يَحْصُلَ مِنْهُ كَلَامٌ، أَوْ إِعْرَاضٌ عَنْ ذِكْرِ مَحَاسِنَ مِنْ قَائِلِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْحَدِيثِ قَدْ عَصَمَهُمْ، وَقَيَّدَهُمْ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ (¬2) الشَّيْخَيْنِ، وَمَنْ تَرَفَّضَ مِمَّنْ لَهُ نَوْعُ اشْتِغَالٍ بِالْحَدِيثِ كَابْنِ عُقْدَةَ، وَأَمْثَالِهِ فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَجْمَعَ مَا يُرْوَى فِي فَضَائِلِهِ مِنَ الْمَكْذُوبَاتِ، وَالْمَوْضُوعَاتِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ مَا تَوَاتَرَ مِنْ فَضَائِلِ الشَّيْخَيْنِ ¬

(¬1) ن، م، س: غَيْرُهُمَا (¬2) ن، م: فَضِيلَةِ

فَإِنَّهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِمَّا صَحَّ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ وَأَصَحُّ وَأَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ. وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ صَحَّ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَمْ يَصِحَّ لِغَيْرِهِ، بَلْ أَحْمَدُ أَجَلٌّ مِنْ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَذِبِ، بَلْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ لَهُ مَا لَمْ يُرْوَ لِغَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ فِي نَقْلِ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ أَكْلَ الطَّيْرِ لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُنَاسِبُ أَنْ يَجِيءَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ، فَإِنَّ إِطْعَامَ الطَّعَامِ مَشْرُوعٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ وَقُرْبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ لِهَذَا الْآكِلِ، وَلَا مَعُونَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ دِينٍ، وَلَا دُنْيَا فَأَيُّ أَمْرٍ عَظِيمٍ هُنَا يُنَاسِبُ جَعْلَ أَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ يَفْعَلُهُ؟ ! الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُنَاقِضُ مَذْهَبَ (¬1) الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَعَلَهُ خَلِيفَةً مِنْ بَعْدِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْرِفُ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ. الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ، أَوْ مَا كَانَ يَعْرِفُ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرْسِلَ يَطْلُبُهُ، كَمَا كَانَ يَطْلُبُ الْوَاحِدَ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِعَلِيٍّ، فَإِنَّهُ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَأَيُّ حَاجَةٍ إِلَى الدُّعَاءِ وَالْإِبْهَامِ فِي ذَلِكَ؟ ! وَلَوْ سَمَّى عَلِيًّا لَاسْتَرَاحَ أَنَسٌ مِنَ الرَّجَاءِ الْبَاطِلِ، وَلَمْ يُغْلِقِ الْبَابَ فِي وَجْهِ عَلِيٍّ. ¬

(¬1) م: مَذَاهِبَ

وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ بَطَلَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ كَوْنِهِ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ فِي لَفْظِهِ: " «أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ وَإِلَيَّ» " فَكَيْفَ لَا يَعْرِفُ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ؟ ! السَّادِسُ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ فِي الصِّحَاحِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهَا، وَتَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ تُنَاقِضُ هَذَا فَكَيْفَ تُعَارَضُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَكْذُوبِ الْمَوْضُوعِ الَّذِي لَمْ يُصَحِّحُوهُ؟ ! يُبَيِّنُ (¬1) هَذَا لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (¬2) ، وَمُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ فَضَائِلِ الْقَوْمِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» "، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَفِيضٌ، بَلْ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ (¬3) ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ الْخُلَّةُ هِيَ كَمَالُ الْحُبِّ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ (¬4) ، فَإِذَا كَانَتْ مُمْكِنَةً، وَلَمْ يَصْلُحْ لَهَا إِلَّا أَبُو بَكْرٍ عُلِمَ أَنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَمَّا سُئِلَ: " «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " عَائِشَةُ " قِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ قَالَ: " أَبُوهَا» " (¬5) . وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ: " أَنْتَ خَيْرُنَا وَسَيِّدُنَا وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) م: فَيُبَيِّنُ (¬2) م: لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ فِي الصَّحِيحِ لِلْبُخَارِيِّ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى (¬4) م: إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/303

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬1) يَقُولُهُ عُمَرُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مُنْكِرٌ. وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّتُهُ تَابِعَةٌ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَحَبُّهُمْ إِلَى رَسُولِهِ. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَتْقَاهُمْ (وَأَكْرَمُهُمْ) (¬2) وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى (¬3) اللَّهِ تَعَالَى أَتْقَاهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَتْقَاهُمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (سُورَةُ اللَّيْلِ: 18 - 21) . وَأَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ (¬4) يَقُولُونَ: إِنَّهُ أَبُو بَكْرٍ (¬5) . وَنَحْنُ نُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِهِمْ بِالدَّلِيلِ فَنَقُولُ الْأَتْقَى قَدْ يَكُونُ نَوْعًا، وَقَدْ يَكُونُ شَخْصًا، وَإِذَا كَانَ نَوْعًا فَهُوَ يَجْمَعُ أَشْخَاصًا، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ لَيْسَ فِيهِمْ شَخْصٌ هُوَ أَتْقَى كَانَ هَذَا بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَتْقَى مِنْ بَعْضٍ، مَعَ أَنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَتْقَى الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: هُوَ عَلِيٌّ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هُوَ عُمَرُ، وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَمَنْ تَوَقَّفَ أَوْ شَكَّ لَمْ يَقُلْ: ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/518 (¬2) وَأَكْرَمُهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) م: إِلَى (¬4) ن: وَأَئِمَّةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ (¬5) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ: وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَتَّى إِنْ بَعْضَهُمْ حَكَى الْإِجْمَاعَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى ذَلِكَ

إِنَّهُمْ مُسْتَوُونَ فِي التَّقْوَى، فَإِذَا قَالَ: إِنَّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي الْفَضْلِ، فَقَدْ خَالَفَ إِجْمَاعَ الطَّوَائِفِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا (¬1) أَتْقَى. وَإِنْ كَانَ الْأَتْقَى شَخْصًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عَلِيًّا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ مَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَهُوَ (¬2) النَّوْعُ، وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، أَوْ مُعَيَّنًا (¬3) غَيْرُهُمَا، وَهَذَا الْقِسْمُ مُنْتَفٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَكَوْنُهُ عَلِيًّا بَاطِلٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ قَالَ: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (سُورَةُ اللَّيْلِ: 18 - 21) . وَهَذَا الْوَصْفُ مُنْتَفٍ فِي عَلِيٍّ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَانَ عَلِيٌّ فَقِيرًا بِمَكَّةَ فِي عَيَّالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ (¬4) ، بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ضَمَّهُ إِلَى عِيَالِهِ لَمَّا أَصَابَتْ أَهْلَ مَكَّةَ سَنَةٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} (سُورَةُ اللَّيْلِ: 19) ، وَعَلِيٌّ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى، وَهُوَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ لَمَّا ضَمَّهُ إِلَى عِيَالِهِ بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ (¬5) عِنْدَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لَكِنْ كَانَ (¬6) لَهُ عِنْدَهُ نِعْمَةُ الدِّينِ، وَتِلْكَ لَا تُجْزَى، فَإِنَّ أَجْرَ النَّبِيِّ ¬

(¬1) ن، س، ب: هُنَا (¬2) ب: فَهُوَ (¬3) ن، س: أَوْ مُعَيَّنٌ ; م: وَمُعَيَّنٌ (¬4) ن، م، س: عَلَيْهِ (¬5) لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬6) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا عَلَى اللَّهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ يَجْزِيهِ، فَنِعْمَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ دِينِيَّةٌ لَا تُجْزَى، وَنِعْمَتُهُ عِنْدَ عَلِيٍّ دُنْيَوِيَّةٌ تُجْزَى، وَدِينِيَّةٌ. وَهَذَا الْأَتْقَى لَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى، وَهَذَا الْوَصْفُ لِأَبِي بَكْرٍ ثَابِتٌ دُونَ عَلِيٍّ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ (¬1) أَنَّهُ أَنْفَقَ مَالَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا جَزَاءً لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ شَخْصًا أَعْطَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ أَجْرًا (¬2) ، وَأَعْطَى شَيْئًا آخَرَ لِوَجْهِ اللَّهِ، كَانَ هَذَا مِمَّا لَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى. قِيلَ: هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، لَكِنَّ عَلِيًّا لَوْ أَنْفَقَ لَمْ يُنْفِقْ إِلَّا فِيمَا يَأْمُرُهُ (¬3) بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ لَهُ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى فَلَا يَخْلُصُ إِنْفَاقُهُ عَنِ الْمُجَازَاةِ، كَمَا يَخْلُصُ إِنْفَاقُ أَبِي بَكْرٍ. وَعَلِيٌّ أَتْقَى مِنْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ (¬4) أَبَا بَكْرٍ أَكْمَلُ فِي وَصْفِ التَّقْوَى، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ قَطُّ لِمَخْلُوقٍ نِعْمَةٌ تُجْزَى، وَهَذَا وَصَفُ مَنْ يُجَازِي النَّاسَ عَلَى إِحْسَانِهِمْ إِلَيْهِ فَلَا يَبْقَى لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ مِنَّةٌ، وَهَذَا الْوَصْفُ مُنْطَبِقٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ انْطِبَاقًا لَا يُسَاوِيهِ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُهَاجِرِينَ - عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَغَيْرَهُمْ - رَجُلٌ (¬5) أَكْثَرُ إِحْسَانًا إِلَى النَّاسِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَهُ بِنَفْسِهِ، وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ كَانَ ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ن، س، ب: جَزَاءً (¬3) م، س، ب: يَأْمُرُ (¬4) س، ب: وَلَكِنَّ (¬5) رَجُلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

مُؤَلَّفًا مُحَبَّبًا يُعَاوِنُ النَّاسَ عَلَى مَصَالِحِهِمْ، كَمَا قَالَ فِيهِ ابْنُ الدَّغِنَةِ سَيِّدُ الْقَارَّةِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ: " مِثْلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ وَلَا يَخْرُجُ، فَإِنَّكَ تَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُكْسِبَ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ". (¬1) وَفِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا قَالَ «لِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: " امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أَنَحَنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ» " (¬2) . وَمَا عُرِفَ قَطُّ أَنَّ أَحَدًا كَانَتْ لَهُ يَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الدُّنْيَا لَا قَبْلَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/58 (هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي ص [0 - 9] 8) (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) . وَانْظُرِ الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/11 ـ 13. وَفِي تَعْلِيقِ الْمُحَقِّقِينَ: " وَاسْمِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، مَالِكٌ. وَقَدْ ضَبَطَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِفَتْحِ الدَّالِّ وَكَسْرِ الْغَيْنِ وَفَتْحِ النُّونِ مُخَفَّفَةً، وَبِضَمِّ الدَّالِّ وَفَتْحِ النُّونِ مُشَدَّدَةً (¬2) الْحَدِيثُ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْبُخَارِيِّ: 3/193 ـ 198 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي ص 194 ; الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/323 ـ 326، 328 ـ 331. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 5/340: " قَوْلُهُ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ زَادَ ابْنُ عَائِذٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ـ وَهِيَ ـ أَيِ اللَّاتُ ـ طَاغِيَتُهُ الَّتِي يَعْبُدُ. أَيْ طَاغِيَةُ عُرْوَةَ وَقَوْلُهُ: امْصُصْ، بِأَلِفِ وَصْلٍ وَمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ، بِصِيغَةِ الْأَمْرِ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ: بِضَمِّ الصَّادِ الْأُولَى، وَخَطَّأَهَا، وَالْبَظْرُ: بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: قِطْعَةٌ تَبْقَى بَعْدَ الْخِتَانِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ. وَاللَّاتُ: اسْمُ أَحَدِ الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ وَثَقِيفٌ يَعْبُدُونَهَا، وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ الشَّتْمَ بِذَلِكَ، لَكِنْ بِلَفْظِ الْأُمِّ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ الْمُبَالَغَةَ فِي سَبِّ عُرْوَةَ بِإِقَامَةِ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَقَامَ أُمِّهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَغْضَبَهُ بِهِ مِنْ نِسْبَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْفِرَارِ، وَفِيهِ جَوَازُ النُّطْقِ بِمَا يُسْتَبْشَعُ مِنَ الْأَلْفَاظِ لِإِرَادَةِ زَجْرِ مَنْ بَدَا مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ ذَلِكَ "

الْإِسْلَامِ، وَلَا بَعْدَهُ فَهُوَ أَحَقُّ الصَّحَابَةِ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} فَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِالدُّخُولِ فِي الْآيَةِ. وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَفِي الْمُسْنَدِ لِأَحْمَدَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْقُطُ السَّوْطُ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ: نَاوِلْنِي إِيَّاهُ، وَيَقُولُ: إِنَّ خَلِيلِي أَمَرَنِي أَنْ لَا أَسَالَ النَّاسَ شَيْئًا (¬1) . وَفِي الْمُسْنَدِ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ حَدِيثُ عُمَرَ، قَالَ عُمَرُ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ (¬2) ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ، إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ "، فَقُلْتُ: مِثْلُهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: " مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ "، قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا " (¬3) . فَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ بِمَالِهِ كُلِّهُ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ مِنْ أَحَدٍ لَا صَدَقَةً، وَلَا صِلَةً، وَلَا نَذْرًا، بَلْ كَانَ يَتَّجِرُ، وَيَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ (¬4) ، وَلَمَّا ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/180 ـ 181 (رَقْمُ 65) عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَانَ رُبَّمَا سَقَطَ الْخِطَامُ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: فَيَضْرِبُ بِذَارِعِ نَاقَتِهِ فَيُنِيخُهَا، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: أَفَلَا أَمَرْتَنَا نُنَاوِلُكَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا. قَالَ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ ". وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا أَمْرٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، انْظُرْ: مُسْلِمًا 2/721 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ كَرَاهَةِ الْمَسْأَلَةِ لِلنَّاسِ) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/181 (¬2) ن، م، س: وَوَافَقَ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/52 (¬4) م: مَكْسَبِهِ

وَلِيَ النَّاسَ، وَاشْتَغَلَ عَنِ التِّجَارَةِ بِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ أَكَلَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ لَمْ يَأْكُلْ مَنْ مَالِ مَخْلُوقٍ. وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا يَخُصُّهُ بِهِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَغَازِي كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا عَرَفَ أَنَّهُ (¬1) أَعْطَاهُ عِمَالَةً، وَقَدْ أَعْطَى (¬2) عُمَرَ عِمَالَةً، وَأَعْطَى (¬3) عَلِيًّا مِنَ الْفَيْءِ، وَكَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مِنَ الطُّلَقَاءِ، وَأَهْلِ نَجْدٍ، وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُعْطِيهِمْ، كَمَا فَعَلَ فِي غَنَائِمِ حُنَيْنٍ وَغَيْرِهَا، وَيَقُولُ: " «إِنِّي لَأُعْطِي رِجَالًا، وَأَدَعُ رِجَالًا، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي (¬4) أُعْطِي. أُعْطِي رِجَالًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ رِجَالًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنِ الْغِنَى وَالْخَيْرِ» ". (¬5) وَلَمَّا بَلَغَهُ عَنِ الْأَنْصَارِ كَلَامٌ سَأَلَهُمْ عَنْهُ، فَقَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا ذَوُو الرَّأْيِ مِنَّا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشًا، وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأْلَّفُهُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ ¬

(¬1) س، ب: وَمَا عَرَفَ لَهُ أَنَّهُ (¬2) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) ن: مِنَ الَّذِينَ (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/64

اللَّهِ قَدْ رَضِينَا، قَالَ: " فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى الْحَوْضِ " قَالُوا: سَنَصْبِرُ» " (¬1) . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (سُورَةُ اللَّيْلِ: 17 - 21) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى: لَا يَقْتَصِرُ فِي الْعَطَاءِ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ يَدٌ يُكَافِئُهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ لِلنَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَالْمُؤَاجَرَةِ. وَهَذَا وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ (¬2) نِعْمَةٌ تُجْزَى لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ، فَيَكُونَ عَطَاؤُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ نِعْمَةٌ (¬3) (¬4) يَحْتَاجُ أَنْ يَجْزِيَهُ لَهَا (¬5) ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْطِيَهُ مُجَازَاةً (¬6) لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي مَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِذَا أَعْطَى مَالَهُ يَتَزَكَّى، (¬7) فَإِنَّهُ فِي مُعَامَلَتِهِ لِلنَّاسِ يُكَافِئُهُمْ دَائِمًا، وَيُعَاوِنُهُمْ، وَيُجَازِيهِمْ، فَحِينَ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالَهُ يَتَزَكَّى (¬8) لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/94 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ. . .) ; مُسْلِمٌ 2/733 ـ 734 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. . .) ; الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/165 ـ 166، 375 (¬2) ن، م: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ لِأَحَدٍ (¬3) ن، م، س: بِمَنْزِلَةٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (ب) .، فِي (م) :. . . يَجْزِيهِ بِهِ لَهَا (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (ب) .، فِي (م) :. . . يَجْزِيهِ بِهِ لَهَا (¬6) م: مُكَافَأَةً (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬8) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

وَفِيهِ أَيْضًا مَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّفْضِيلَ بِالصَّدَقَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ مِنَ الْمُعَاوَضَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 219) ، وَمَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَفُرُوضٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ أَدَّاهَا، وَلَا يُقَدِّمُ الصَّدَقَةَ عَلَى قَضَاءِ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهَلْ (¬1) تُرَدُّ صَدَقَتُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لِلْفُقَهَاءِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ تُرَدُّ (¬2) صَدَقَتُهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَثْنَى عَلَى مَنْ آتَى مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْزِيَهَا قَبْلَ أَنْ يُؤْتِيَ مَالَهُ يَتَزَكَّى، فَإِمَّا إِذَا آتَى مَالَهُ يَتَزَكَّى قَبْلَ أَنْ يَجْزِيَهَا لَمْ يَكُنْ مَمْدُوحًا فَيَكُونُ عَمَلُهُ مَرْدُودًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» " (¬3) . الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «مَا نَفَعَنِي مَالٌ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ» " (¬4) . وَقَالَ: " «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ» (¬5) ". بِخِلَافِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ النَّبِيُّ ¬

(¬1) س، ب: هَلْ (¬2) ب: بِرَدِّ (¬3) ن: مَرْدُودٌ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ بِلَفْظِ: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ". انْظُرِ الْبُخَارِيَّ 3/69 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ النَّجَشِ) ، 3/184 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ) ، 9/107 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ أَوِ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ. . . .) ; مُسْلِمٌ 3/1343 ـ 1344 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ نَقْضِ الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ، وَرَدِّ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ) ; سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ 4/280 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي لُزُومٍ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21 (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ إِنْفَاقِ الْمَالِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اشْتَرَى سَبْعَةً مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى لَمْ (¬1) يَفْعَلْ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَهُ أَبُو طَالِبٍ الَّذِي أَعَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ نَسَبِهِ وَقَرَابَتِهِ لَا لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَقَرُّبًا إِلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ " الْأَتْقَى " اسْمَ جِنْسٍ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ (¬2) أَتْقَى الْأُمَّةِ، وَالصَّحَابَةُ خَيْرُ الْقُرُونِ، فَأَتْقَاهَا أَتْقَى الْأُمَّةِ، وَأَتْقَى الْأُمَّةِ (إِمَّا) (¬3) أَبُو بَكْرٍ، وَإِمَّا عَلِيٌّ، وَإِمَّا غَيْرُهُمَا، وَالثَّالِثُ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلِيٌّ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ لَهُ مَالٌ آتَى مَالَهُ يَتَزَكَّى، فَيُقَالُ: أَبُو بَكْرٍ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ أَكْمَلَ فِي الْوَصْفِ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ هُوَ الْأَتْقَى. وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يُقَدِّمُ الصِّدِّيقَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ كَاسْتِخْلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ، وَمُصَاحَبَتِهِ وَحْدَهُ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ (¬4) ، وَمُخَاطَبَتِهِ، وَتَمْكِينِهِ (¬5) مِنِ الْخِطَابِ، وَالْحُكْمِ، وَالْإِفْتَاءِ بِحَضْرَتِهِ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ (¬6) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخَصَائِصِ الَّتِي يَطُولُ وَصْفُهَا. ¬

(¬1) س، ب: فَلَمْ (¬2) س، ب: فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ (¬3) إِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (¬4) س: فِي سَفَرِهِ الْهِجْرَةِ ; ب: فِي سَفَرِهِ لِلْهِجْرَةِ (¬5) ن، م، س: وَتَمَكُّنِهِ (¬6) وَرِضَاهُ بِذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) وَسَقَطَتْ " وَرِضَاهُ " مِنْ (س)

التاسع ما رواه الجمهور أنه أمر الصحابة بأن يسلموا على علي بإمرة المؤمنين

وَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي هَذَا الْوَصْفِ كَانَ أَكْرَمَ عِنْدَ اللَّهِ فَيَكُونُ (¬1) أَحَبَّ إِلَيْهِ فَقَدْ ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ أَكْرَمُ الصَّحَابَةِ فِي الصِّدِّيقِيَّةِ، وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ الصِّدِّيقُونَ، وَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي النَّقْلِ الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " وَاسْتَفَاضَ ذَلِكَ، وَتَوَاتَرَ عَنْهُ (¬2) ، وَتَوَعَّدَ بِجَلْدِ الْمُفْتَرِي مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِ (¬3) ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4) ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا لَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ إِلَّا عَنْ عِلْمٍ. وَأَيْضًا، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ الَّذِي عُمَرُ أَفْضَلُ مِنْهُ (¬5) ، وَأَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ ذُكِرَ هَذَا (¬6) لِنُبَيِّنَ (¬7) أَنَّ حَدِيثَ الطَّيْرِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ. [التاسع مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَمَرَ الصَّحَابَةَ بِأَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬8) : " التَّاسِعُ: مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ «أَنَّهُ أَمَرَ الصَّحَابَةَ (¬9) ¬

(¬1) ن، م، س: لِيَكُونَ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/12، 2/72 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/308 (¬4) لَمْ أَعْرِفْ مَكَانَ هَذَا الْحَدِيثِ (¬5) س: عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ عُثْمَانَ أَفْضَلُ مِنْهُ ; ب: عَلَى أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ مِنْهُ (¬6) ب: هُنَا (¬7) س، ب: لِيُبَيِّنَ (¬8) فِي (ك) ص 171 (م) ـ 172 (م) (¬9) ك: الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ أَمَرَ أَصْحَابَهُ. . .

بِأَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ: إِنَّهُ (¬1) سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ (¬2) ، وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ، وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَقَالَ: هَذَا وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي (¬3) ، وَقَالَ فِي حَقِّهِ: إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ (¬4) وَمُؤْمِنَةٍ» فَيَكُونُ عَلِيٌّ وَحْدَهُ هُوَ الْإِمَامَ لِذَلِكَ، وَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي الْبَابِ (¬5) ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِإِسْنَادِهِ وَبَيَانِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ لَمْ يَعْزُهُ إِلَى كِتَابٍ عَلَى عَادَتِهِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: " رَوَاهُ الْجُمْهُورُ " فَكَذِبٌ، فَلَيْسَ هَذَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ (¬6) الْمَعْرُوفَةِ لَا الصِّحَاحِ، وَلَا الْمَسَانِدِ، وَلَا السُّنَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ رَوَاهُ بَعْضُ حَاطِبِي اللَّيْلِ، كَمَا يَرْوِي أَمْثَالُهُ، فَعِلْمُ مِثْلِ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا الْكَذِبَ، وَأَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَا نَعْلَمُ، وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» " (¬7) . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، ¬

(¬1) ن، س، ب: بِأَنَّهُ (¬2) ن، س، ب: الْمُرْسَلِينَ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، (ك) (¬3) ك: كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي (¬4) ك: وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ (¬5) ك: فَيَكُونُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَهُ كَذَلِكَ. وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ (¬6) م: الْحَدِيثِ. س: عَنْ شَيْءٍ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ ; ب: عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَحْضُرْ (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ مِنْهَا: 1/33 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ; مُسْلِمٌ 4/2298 ـ 2299 (كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ التَّثْبِيتِ فِي الْحَدِيثِ وَحُكْمِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ) ، وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ، وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 6486، 9888، 7006 وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ: " قَدْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ وَسِتُّونَ نَفْسًا وَأَنَا أَذْكُرُهُ عَنْهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ: شَاهَدْتُهُ فَذَكَرَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ النُّسْخَةِ عَنْ ثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "

وَكُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ (¬1) يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي كِتَابٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لَا الصِّحَاحِ، وَلَا السُّنَنِ، وَلَا الْمَسَانِدِ (¬2) الْمَقْبُولَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ قَائِلَ (¬3) هَذَا كَاذِبٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4) مُنَزَّهٌ عَنِ الْكَذِبِ، وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَ الْمُسْلِمِينَ (¬5) ، وَإِمَامَ الْمُتَّقِينَ، وَقَائِدَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: عَلِيٌّ هُوَ سَيِّدُهُمُ بَعْدَهُ. قِيلَ: لَيْسَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا (التَّأْوِيلِ) (¬6) ، بَلْ هُوَ مُنَاقِضٌ لِهَذَا ; لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَّقِينَ الْمُحَجَّلِينَ هُمُ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدٌ وَلَا إِمَامٌ ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ (¬2) م: وَلَا السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬4) سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) ن، س، ب: الْمُرْسَلِينَ (¬6) التَّأْوِيلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (س) ، (ب)

وَلَا قَائِدٌ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ يُخْبَرُ عَنْ شَيْءٍ بَعْدُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ (¬1) ، وَيُتْرَكُ الْخَبَرُ عَمَّا هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَهُوَ حُكْمُهُمْ فِي الْحَالِ؟ ثُمَّ الْقَائِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ (¬2) يَقُودُ عَلِيٌّ؟ وَأَيْضًا فَعِنْدَ الشِّيعَةِ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الْمُحَجَّلِينَ كُفَّارٌ أَوْ فُسَّاقٌ، فَلِمَنْ يَقُودُ؟ وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانِي "، قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ (¬3) يَأْتُوا بَعْدُ ". قَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفَ خَيْلَهُ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ» " الْحَدِيثَ (¬4) . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَهَؤُلَاءِ جَمَاهِيرُهُمْ إِنَّمَا يُقَدِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَالرَّافِضَةُ لَا تَغْسِلُ بُطُونَ أَقْدَامِهَا، وَلَا أَعْقَابَهَا فَلَا يَكُونُونَ مِنَ الْمُحَجَّلِينَ * فِي الْأَرْجُلِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ يَقُودُهُمْ، وَلَا يُقَادُونَ ¬

(¬1) س: عَنْ شَيْءٍ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ، ب: عَنْ شَيْءِ لَمْ يَحْضُرْ (¬2) م: فَلِمَنْ ; س: فِيمَنْ (¬3) لَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 7/77

مَعَ الْغَرِّ الْمُحَجَّلِينَ * (¬1) ؛ فَإِنَّ الْحَجَلَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا (¬2) فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَإِنَّمَا الْحَجَلَةُ فِي الرِّجْلِ كَالْحَجَلَةِ فِي الْيَدِ (¬3) . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ، وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ» " (¬4) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَرَسَ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْبَيَاضُ إِلَّا لَمْعَةً فِي يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ لَمْ يَكُنْ مُحَجَّلًا، وَإِنَّمَا الْحَجَلَةُ بَيَاضُ الْيَدِ أَوِ الرِّجْلِ، فَمَنْ لَمْ يَغْسِلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحَجَّلِينَ، فَيَكُونُ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ بَرِيئًا مِنْهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ. ثُمَّ كَوْنُ عَلِيٍّ سَيِّدَهُمْ وَإِمَامَهُمْ وَقَائِدَهُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَفْضِيلًا بَيِّنًا ظَاهِرًا، عَرَفَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ (¬5) ، حَتَّى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ (مِنْهُ) (¬6) ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ «قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَكَانَ حِينَئِذٍ أَمِيرَ الْمُشْرِكِينَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب (¬3) فِي " اللِّسَانِ " " وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الْخَيْلِ: الْأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ الَّذِي يَرْتَفِعُ الْبَيَاضُ فِي قَوَائِمِهِ فِي مَوَاضِعِ الْقَيْدِ، وَيُجَاوِزُ الْأَرْسَاغَ، وَلَا يُجَاوِزُ الرُّكْبَتَيْنِ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ الْأَحْجَالِ، وَهِيَ الْخَلَاخِيلُ وَالْقُيُودُ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أُمَّتِي الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ، أَيْ بِيْضُ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنَ الْأَيْدِي وَالْوَجْهِ وَالْأَقْدَامِ، اسْتَعَارَ أَثَرَ الْوُضُوءِ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْبَيَاضِ الَّذِي يَكُونُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ " (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/171 (¬5) م: الْخَاصُّ وَالْعَامُّ (¬6) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

وَسَلَّمَ: " لَا تُجِيبُوهُ "، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُجِيبُوهُ "، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُجِيبُوهُ "، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِهِ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ عَدَّدَتْ لَأَحْيَاءٌ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ،» وَقَدْ ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (¬1) . فَهَذَا مُقَدَّمُ الْكُفَّارِ إِذْ ذَاكَ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ لِعِلْمِهِ وَعِلْمِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ هُمْ رُءُوسُ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَنَّ قِيَامَهُ بِهِمْ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ الْكُفَّارِ (¬2) أَنَّ هَذَيْنِ وَزِيرَاهُ، وَبِهِمَا تَمَامُ أَمْرِهِ، وَأَنَّهُمَا أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ، وَأَنَّ لَهُمَا مِنَ السَّعْيِ فِي إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمَا. وَهَذَا أَمْرٌ كَانَ (¬3) مَعْلُومًا لِلْكَفَّارِ فَضْلًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ مُتَوَاتِرَةٌ بِمِثْلِ هَذَا، وَكَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ لَهُ وَيُثْنُونَ (عَلَيْهِ) (¬4) وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فِيهِمْ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي فَالْتَفْتُّ، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ مَا خَلَفْتُ (¬5) أَحَدًا ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/523 (¬2) م: عَلِمَهُ الْكُفَّارُ (¬3) م: وَهَذَا لَمَّا كَانَ. . . (¬4) عَلَيْهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬5) ب: مَا حَلَفْتُ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ

أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَلِكَ أَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا " (¬1) . فَلَمْ يَكُنْ تَفْضِيلُهُمَا عَلَيْهِ، وَعَلَى أَمْثَالِهِ مِمَّا (¬2) يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَلِهَذَا كَانَتِ الشِّيعَةُ الْقُدَمَاءُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا عَلِيًّا يُقَدِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ أَلْحَدَ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ نِزَاعُ مَنْ نَازَعَ مِنْهُمْ فِي عُثْمَانَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «هُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» " كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هُوَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَكُلِّ مُؤْمِنٍ وَلَيُّهُ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، فَالْوِلَايَةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ فَيُقَالُ فِيهَا: وَالِي (¬3) كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، كَمَا يُقَالُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ: إِذَا اجْتَمَعَ الْوَلِيُّ وَالْوَالِي قُدِّمَ الْوَالِي فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْوَلِيُّ. فَقَوْلُ (¬4) الْقَائِلِ: " «عَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» " كَلَامٌ يَمْتَنِعُ نِسْبَتُهُ إِلَى ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/9 ـ 10، 11 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. . .، بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. . .) ; مُسْلِمٍ 4/1858 ـ 1859 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ) . وَانْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ ص 236 (¬2) ن، م، س، ب: مِمَّنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ (¬3) وَالَى: كَذَا فِي (ب) وَهِيَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ. وَلِيُّ (¬4) س، ب: وَقَوْلُ ; ن: وَقِيلَ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْمُوَالَاةَ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ بَعْدِي، وَإِنْ أَرَادَ الْإِمَارَةَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَالٍ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لِعَلِيٍّ: " «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» " فَصَحِيحٌ (¬1) فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ثَبَتَ «أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ عَامَ الْقَضِيَّةِ لَمَّا تَنَازَعَ هُوَ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدُ ابْنُ حَارِثَةَ فِي حَضَانَةِ بِنْتِ حَمْزَةَ فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لِخَالَتِهَا، وَكَانَتْ تَحْتَ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: " الْخَالَةُ أُمٌّ " وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: " أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي " وَقَالَ لِعَلِيٍّ: " أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ " وَقَالَ لِزَيْدٍ: " أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي السَّفَرِ، أَوْ نَقَصَتْ (¬3) نَفَقَةُ عِيَالَاتِهِمْ (¬4) بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَسَّمُوهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» " (¬5) . فَقَالَ لِلْأَشْعَرِيِّينَ: " «هُمْ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُمْ» "، كَمَا قَالَ لِعَلِيٍّ: " «أَنْتَ مِنِّي (وَأَنَا مِنْكَ) » (¬6) ". وَقَالَ لِجُلَيْبِيبٍ (¬7) : " «هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» " (¬8) ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِمَامَةِ، وَلَا عَلَى أَنَّ مَنْ قِيلَتْ لَهُ كَانَ هُوَ أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ. ¬

(¬1) ب: فَصُحِّحَ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/34 (¬3) ن، م، س: وَنَقَصَتْ (¬4) ب: عِيَالِهِمْ (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/35 (¬6) وَأَنَا مِنْكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬7) س: الْخَبِيبُ، ب: الْحَبِيبُ. وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ (¬8) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/35

العاشر حديث غدير خم وحديث أهل بيتي مثل سفينة نوح

[العاشر حديث غدير خم وحديث أهل بيتي مثل سفينة نوح] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْعَاشِرُ: مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ (¬2) تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا (¬3) حَتَّى يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ» ، وَقَالَ: «أَهْلُ بَيْتِي (¬4) فِيكُمْ مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّمَسُّكِ بِقَوْلِ أَهْلِ بَيْتِهِ (¬5) ، «وَعَلِيٌّ سَيِّدُهُمْ» ، (¬6) ، فَيَكُونُ وَاجِبُ الطَّاعَةِ عَلَى الْكُلِّ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ " (¬7) . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: " «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 172 (م) (¬2) ك: فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ. (¬3) ك: يَتَفَرَّقَا (¬4) ك: وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ: مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي (¬5) م: أَهْلِ الْبَيْتِ (¬6) ك: وَسَيِّدُهُمُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬7) ك: فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ

رَبِّي فَأُجِيبَ رَبِّي، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: " «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» " (¬1) .. وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِالتَّمَسُّكِ بِهِ وَجُعِلَ الْمُتَمَسِّكُ بِهِ (¬2) لَا يَضِلُّ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ. وَهَكَذَا جَاءَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَمَّا خَطَبَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقَالَ: " «قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ (¬3) اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تَسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ " قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُبُهَا (¬4) إِلَى النَّاسِ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» (¬5) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «وَعِتْرَتِي (أَهْلُ بَيْتِي) (¬6) وَأَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» " فَهَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (¬7) ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَضَعَّفَهُ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/240 ـ 241. وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1873 ـ 1874 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) (¬2) ن: وَجَعَلُوا التَّمَسُّكَ بِهِ: س: وَجَعَلُوا التَّمَسُّكَ. (¬3) م: إِذَا (¬4) ن، س: وَيَنْكُتُهَا (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 316 (¬6) أَهْلُ بَيْتِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬7) سَبَقَ أَنْ عَلَّقْتُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا مَضَى 4/240 ـ 241. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَلْفَاظُهَا قَرِيبَةٌ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ، " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ". وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا آخَرَ 5/327 ـ 328 عَنْ جَابِرِ بْنِ سَعِيدٍ أَلْفَاظُهُ مُقَارِبَةٌ. وَقَالَ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَزَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ "

وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالُوا: لَا يَصِحُّ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ طَائِفَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كُلَّهَمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ، قَالُوا: وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ. وَلَكِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَمْ يَتَّفِقُوا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ، بَلْ هُمُ الْمُبَرَّءُونَ الْمُنَزَّهُونَ عَنِ التَّدَنُّسِ بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ» " فَهَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ لَا (¬1) صَحِيحٌ، وَلَا هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَاهُ مِثْلَ مَنْ يَرْوِي أَمْثَالَهُ مِنْ حُطَّابِ اللَّيْلِ الَّذِينَ يَرْوُونَ الْمَوْضُوعَاتِ فَهَذَا مَا يَزِيدُهُ وَهَنًا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ عِتْرَتِهِ: إِنَّهَا وَالْكِتَابُ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيْهِ الْحَوْضَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ حُجَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ لَكِنَّ الْعِتْرَةَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ كُلُّهُمْ: وَلَدُ الْعَبَّاسِ، وَوَلَدُ عَلِيٍّ، وَوَلَدُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَسَائِرُ بَنِي أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَلِيٌّ وَحْدَهُ لَيْسَ هُوَ الْعِتْرَةَ، وَسَيِّدُ الْعِتْرَةِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْعِتْرَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُونُوا يُوجِبُونَ اتِّبَاعَ عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ، وَلَا كَانَ عَلِيٌّ يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَتَهُ فِي ¬

(¬1) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب

كُلِّ مَا يُفْتِي بِهِ، وَلَا عُرِفَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ - لَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا غَيْرِهِمْ - قَالَ: إِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعِتْرَةَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى إِمَامَتِهِ وَلَا أَفْضَلِيَّتِهِ، بَلْ أَئِمَّةُ الْعِتْرَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ يُقَدِّمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ * فِي الْإِمَامَةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ، وَالْجَعْفَرِيِّينَ، وَأَكْثَرُ الْعَلَوِيِّينَ، وَهُمْ مُقِرُّونَ (¬1) بِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ * (¬2) ، وَفِيهِمْ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمْ أَضْعَافُ مَنْ فِيهِمْ مِنِ الْإِمَامِيَّةِ. وَالنَّقْلُ الثَّابِتُ عَنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَوَلَدِ الْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَانُوا يُفَضِّلُونَهُمَا عَلَى عَلِيٍّ، وَالنُّقُولُ عَنْهُمْ ثَابِتَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ. وَقَدْ صَنَّفَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ كِتَابَ " ثَنَاءِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقَرَابَةِ وَثَنَاءِ الْقَرَابَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ (¬3) "، وَذَكَرَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ قِطْعَةً، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ صَنَّفَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي السُّنَّةِ مِثْلُ كِتَابِ " السُّنَّةِ " لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، وَ " السُّنَّةِ " لِلْخَلَّالِ (¬4) ، وَ " السُّنَّةِ " لِابْنِ بَطَّةَ، وَ " السُّنَّةِ " لِلِآجُرِّيِّ، وَاللَّالَكَائِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ، وَابْنِ ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ، وَالطَّلَمَنْكِيِّ، وَابْنِ حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ، وَأَضْعَافِ هَؤُلَاءِ الْكُتُبِ الَّتِي يَحْتَجُّ هَذَا بِالْعَزْوِ إِلَيْهَا مِثْلِ كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ (¬5) ، وَتَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، وَفِيهَا مِنْ ¬

(¬1) م: يُقِرُّ (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) لَمْ أَجِدْ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي سِزْكِين وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ (م [0 - 9] حـ[0 - 9] ص 424) كِتَابَ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " (¬4) ن، س، ب: لِلْحَلَّابِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ \ 8 (¬5) ب: وَأَبِي نُعَيْمٍ

الحادي عشر الأحاديث التي رواها الجمهور عن وحوب محبته وموالاته

ذِكْرِ فَضَائِلِ الثَّلَاثَةِ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَجِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ حُجَّةً فَهُوَ حَجَّةٌ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْتَجُّ بِهِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْعِتْرَةُ بَعْضُ الْأُمَّةِ فَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ إِجْمَاعُ الْعِتْرَةِ، وَأَفْضَلُ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيَأْتِي. وَإِنْ كَانَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي إِجْمَاعُهَا حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُ قَوْلِ أَفْضَلِهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْإِمَامَ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الْإِمَامُ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَطَلَ مَا ذَكَرُوهُ فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ، فَنِسْبَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا كَنِسْبَةِ عَلِيٍّ إِلَى الْعِتْرَةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا عَلَى قَوْلِ هَذَا. [الحادي عشر الأحاديث التي رواها الجمهور عن وحوب محبته وموالاته] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْحَادِي عَشَرَ: مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ مِنْ وُجُوبِ (¬2) مَحَبَّتِهِ وَمُوَالَاتِهِ: رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، فَقَالَ مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ (¬3) هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأَمَّهُمَا فَهُوَ مَعِي (¬4) فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (¬5) ". ¬

(¬1) فِي (ك) ص 172 (م) ـ 173 (م) (¬2) م: وَجَوُهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) ك: وَقَالَ مَنْ أَحَبَّنِي فَأَحَبَّ (¬4) ك: كَانَ مَعِي (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جِدِّهِ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 2/963 - 964 (رَقْمُ 1185) بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ وَقَالَ الْمُحَقِّقُ فِي تَعْلِيقِهِ: " فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ: لَمْ يُذْكَرْ بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ، وَالْبَاقُونَ ثِقَاتٌ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ (3: 117) فِي تَرْجَمَةِ عَلِيٍّ: " مَا هُوَ مِنْ شَرْطِ كِتَابِي، لِأَنِّي مَا رَأَيْتُ أَحَدًا لَيَّنَهُ، نَعَمْ وَلَا مَنْ وَثَّقَهُ، وَلَكِنْ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا، مَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا حَسَّنَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ ". وَقَالَ فِي سِيَرِ النُّبَلَاءِ (4: ل [0 - 9] 08) : إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ وَالْمَتْنُ مُنْكَرٌ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (5: 641) وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَأَيْنَا أَنَّ الذَّهَبِيَّ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ التِّرْمِذِيُّ حَسَّنَهُ. قَالَ أَحْمَد شَاكِر فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُسْنَدِ (2: 25) : وَالتَّحْسِينُ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ دُونَ بَعْضٍ. وَذُكِرَ فِي التَّهْذِيبِ (10: 43) أَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ أَمَرَ الْمُتَوَكِّلُ بِضَرْبِهِ أَلَفَ ضَرْبَةٍ

وَرَوَى ابْنُ خَالَوَيْهِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * (¬1) : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِقَصَبَةِ الْيَاقُوتِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ (¬2) ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: كُونِي فَكَانَتْ، فَلْيَتَوَلَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَعْدِي» . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: حُبُّكَ إِيمَانٌ، وَبُغْضُكَ نِفَاقٌ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُحِبُّكَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مُبْغِضُكَ، وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَأَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدِي» . وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيٍّ، وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا وَلِيِّي وَأَنَا وَلِيُّهُ، عَادَيْتُ مَنْ عَادَى، وَسَالَمْتُ مَنْ سَالَمَ» . وَرَوَى أَخْطَبُ خَوَارَزْمَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَاءَنِي جِبْرِيلُ مِنْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) ك: الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى

عِنْدَ اللَّهِ (¬1) بِوَرَقَةٍ خَضْرَاءَ مَكْتُوبٍ فِيهَا بِبَيَاضٍ: إِنِّي قَدِ (¬2) افْتَرَضْتُ مَحَبَّةَ عَلِيٍّ (¬3) عَلَى خَلْقِي فَبَلِّغْهُمْ ذَلِكَ عَنِّي» . وَالْأَحَادِيثُ (¬4) فِي ذَلِكَ لَا تُحْصَى كَثْرَةً مِنْ طُرُقِ الْمُخَالِفِينَ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ (¬5) ، وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْإِمَامَةِ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ النَّقْلِ، وَهَيْهَاتَ لَهُ بِذَلِكَ (¬6) ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " رَوَاهُ أَحْمَدُ " فَيُقَالُ: أَوَّلًا: أَحْمَدُ لَهُ الْمُسْنَدُ الْمَشْهُورُ، وَلَهُ كِتَابٌ مَشْهُورٌ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " رَوَى فِيهِ أَحَادِيثَ لَا يَرْوِيهَا فِي الْمُسْنَدِ لِمَا فِيهَا مِنَ الضَّعْفِ ; لِكَوْنِهَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تُرْوَى فِي الْمُسْنَدِ ; لِكَوْنِهَا مَرَاسِيلَ أَوْ ضِعَافًا (¬7) ، بِغَيْرِ الْإِرْسَالِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْكِتَابَ زَادَ فِيهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ زِيَادَاتٍ، ثُمَّ إِنَّ الْقَطِيعِيَّ (¬8) - الَّذِي رَوَاهُ عَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ - زَادَ عَنْ شُيُوخِهِ زِيَادَاتٍ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. وَهَذَا الرَّافِضِيُّ وَأَمْثَالُهُ مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ جُهَّالٌ، فَهُمْ يَنْقُلُونَ مِنْ هَذَا الْمُصَنَّفِ فَيَظُنُّونَ أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ الْقَطِيعِيُّ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ نَفْسُهُ (¬9) ، وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ شُيُوخِ أَحْمَدَ، وَشُيُوخِ الْقَطِيعِيِّ، ثُمَّ يَظُنُّونَ أَنَّ أَحْمَدَ ¬

(¬1) ك (ص 173 م) : جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (¬2) قَدْ: لَيْسَ فِي (ك) (¬3) ك: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬4) ك: وَالْأَخْبَارُ (¬5) ن، س، ب: فَضِيلَتِهِ (¬6) ب: ذَلِكَ (¬7) م. وَضِعَافًا (¬8) ن، م، س: ثُمَّ زَادَ الْقَطِيعِيُّ (¬9) س، ب: بِنَفْسِهِ

إِذَا رَوَاهُ فَقَدْ رَوَاهُ فِي الْمُسْنَدِ فَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ يَعْزُونَ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَحَادِيثَ مَا سَمِعَهَا أَحْمَدُ (¬1) قَطُّ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْبِطْرِيقِ، وَصَاحِبُ " الطَّرَائِفِ " مِنْهُمْ، وَغَيْرُهُمَا بِسَبَبِ هَذَا الْجَهْلِ مِنْهُمْ، وَهَذَا غَيْرُ مَا يَفْتَرُونَهُ مِنَ الْكَذِبِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَحْمَدُ رَوَى الْحَدِيثَ فَمُجَرَّدُ (رِوَايَةِ) (¬2) أَحْمَدَ لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، بَلِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَوَى (¬3) أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لِيُعَرِّفَ وَيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ضَعْفَهَا، وَهَذَا فِي كَلَامِهِ وَأَجْوِبَتِهِ أَظْهَرُ وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى بَسْطٍ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ. مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنْ زِيَادَاتِ الْقَطِيعِيِّ (¬4) "، رَوَاهُ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ (¬5) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (¬6) ، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ "، وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ (¬7) ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ خَالَوَيْهِ فَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ ¬

(¬1) س: أَحَدٌ (¬2) رِوَايَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (¬3) م: يَرْوِي (¬4) الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 2/963 ـ 694 (رَقْمُ 1185) وَفِيهِ: " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَصْرٌ (¬5) م، س، ب: الْجُهَنِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬6) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ. . . . إِلَخْ. وَنَقَلْتُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ قَلِيلَةٍ مَا ذَكَرَهُ مُحَقِّقُ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (¬7) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ عَلَى الْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقْمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ، وَقَالَ عَنِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: " قَالَ الْأَزْدِيُّ: كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَضَعُ الْحَدِيثَ ". وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: " وَهُوَ الْعَدَوِيُّ الْكَذَّابُ الْوَضَّاعُ وَلَعَلَّهُ سَرَقَهُ مِنَ النَّحْوِيِّ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ابْنُ عِرَاقٍ الْكِنَانِيُّ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " 1/361 وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ

بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ خَطِيبِ (¬1) خَوَارَزْمَ، فَإِنَّ فِي رِوَايَتِهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا هُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْمَوْضُوعَاتِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ خَالَوَيْهِ كَذِبٌ مَوْضُوعَةٌ (¬2) عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، يَعْلَمُونَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَجْزِمُونَ بِهِ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ لَا الصِّحَاحِ، وَلَا الْمَسَانِدِ (¬3) ، وَلَا السُّنَنِ، وَلَا الْمُعْجَمَاتِ، وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْكُتُبِ. الثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ تَدَبَّرَ أَلْفَاظَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا مُفْتَرَاةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ قَوْلِهِ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِقَصَبَةِ الْيَاقُوتِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا كُونِي فَكَانَتْ» . فَهَذِهِ مِنْ خُرَافَاتِ الْحَدِيثِ، وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُنْ، فَكَانَ (¬4) ، قَاسُوا هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ فَصَارَ حَيًّا بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَأَمَّا هَذَا الْقَصَبُ (¬5) فَبِنَفْسِ خُلُقِهِ كَمُلَ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ هَذَا حَالٌ يُقَالُ لَهُ فِيهَا: كُنْ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ بِيَدِهِ يَاقُوتَةً، بَلْ قَدْ رُوِيَ فِي عِدَّةِ آثَارٍ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: آدَمَ، وَالْقَلَمَ، وَجَنَّةَ عَدْنٍ، ¬

(¬1) ب: أَخْطَبِ (¬2) م: مَوْضُوعٌ (¬3) م: وَلَا الْمَسَانِيدِ (¬4) ن، س، ب: فَيَكُونُ (¬5) م: فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَصَبُ

الثاني عشر أحاديث أخرى يستدل بها على إمامة علي رضي الله عنه

ثُمَّ قَالَ لِسَائِرِ خَلْقِهِ كُنْ فَكَانَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ. ثُمَّ أَيُّ عَظِيمٍ فِي إِمْسَاكِ هَذِهِ الْيَاقُوتَةِ حَتَّى يَجْعَلَ عَلَى هَذَا وَعْدًا عَظِيمًا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مُبْغِضُكَ» ، فَهَلْ يَقُولُ مُسْلِمٌ: إِنَّ الْخَوَارِجَ يَدْخُلُونَ النَّارَ قَبْلَ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَفِرْعَوْنَ، وَأَبِي لَهَبٍ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ ! وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُحِبُّكَ» ، فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ، وَالْمُرْسَلِينَ سَبَبُ دُخُولِهِمْ (الْجَنَّةِ) (¬1) أَوَّلًا هُوَ حُبُّ عَلِيٍّ دُونَ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَرُسِلِهِ، وَحُبُّ اللَّهِ وَرُسِلِهِ لَيْسَ هُوَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ، وَهَلْ تُعَلَّقُ السَّعَادَةُ وَالشَّقَاوَةُ بِمُجَرَّدِ حُبِّ عَلِيٍّ دُونَ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَّا كَتَعَلُّقِهَا بِحُبِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا دَخَلَ النَّارَ - كَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الشِّيعَةِ. [الثاني عشر أحاديث أخرى يستدل بها على إمامة علي رضي الله عنه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : الثَّانِي عَشَرَ: (¬3) رَوَى أَخْطَبُ (¬4) خُوَارَزْمَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ (¬5) أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) الْجَنَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬2) فِي (ك) ص 173 (م) (¬3) الثَّانِيَ عَشَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) م: خَطِيبٌ (¬5) ك: إِلَى

وَسَلَّمَ: مَنْ نَاصَبَ عَلِيًّا الْخِلَافَةَ فَهُوَ (¬1) . كَافِرٌ، وَقَدْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ شَكَّ فِي عَلِيٍّ فَهُوَ كَافِرٌ» . وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ (¬2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى عَلِيًّا مُقْبِلًا فَقَالَ: أَنَا وَهَذَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يُبْغِضُكَ (¬3) . . مَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ النَّقْلِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ (¬4) ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ رِوَايَةِ الْمُوَفَّقِ خَطِيبِ خُوَارَزْمَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا لَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَا فِي الَّذِي جَمَعَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْفِرْيَةِ، فَأَمَّا مَنْ تَأَمَّلَ مَا (¬5) فِي جَمْعِ هَذَا الْخَطِيبِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ يَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كَذِبٌ مُفْتَرَاةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) ¬

(¬1) ك:. . الْخِلَافَةَ مِنْ بَعْدِي فَهُوَ (¬2) ن، س، ب: رَسُولِ اللَّهِ (¬3) ك: لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا عَلِيُّ لَا يُبَالِي مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُبْغِضُكَ (¬4) م: التَّوَسُّلِ ; س: الشِّرْكِ (¬5) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬6) رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/381 بِسَنَدٍ آخَرَ، وَنَصُّهُ فِيهِ: " مَنْ مَاتَ وَفِي قَلْبِهِ بُغْضٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلْيَمُتْ يَهُودِيًا أَوْ نَصْرَانِيًا " قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: " هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ عَلِيُّ بْنُ قِرْي. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: هُوَ وَضَعَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هَذَا كَذَّابٌ خَبِيثٌ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: كَانَ يَكْذِبُ " وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَلَمْ أَجِدْهُ وَلَكِنْ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ حَدِيثًا مَوْضُوعًا مَنْسُوبًا إِلَى جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " 1/328 وَنَصُّهُ: " عَلِيٌّ خَيْرُ الْبَشَرِ فَمَنْ أَبَى فَقَدْ كَفَرَ " وَانْظُرْ كَلَامَ السُّيُوطِيِّ عَلَيْهِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ إِنْ كَانَتْ مِمَّا رَوَاهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَأَيْنَ ذِكْرُهَا بَيْنَهُمْ؟ وَمَنِ الَّذِي نَقَلَهَا عَنْهُمْ؟ وَفِي أَيِّ كِتَابٍ وُجِدَ أَنَّهُمْ رَوَوْهَا؟ وَمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمْ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِمَّا وَلَّدَهَا الْكَذَّابُونَ بَعْدَهُمْ، وَأَنَّهَا مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: عِلْمُنَا بِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ كَانُوا مُسْلِمِينَ يُحِبُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّهُمْ وَيَتَوَلَّاهُمْ، أَعْظَمُ مِنْ عِلْمِنَا بِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْإِمَامُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُرَدَّ مَا عَلِمْنَاهُ بِالتَّوَاتُرِ الْمُتَيَقَّنِ بِأَخْبَارٍ هِيَ أَقَلُّ وَأَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهَا: أَخْبَارُ آحَادٍ لَا يُعْلَمُ لَهَا نَاقِلٌ صَادِقٌ، بَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَكْذُوبَاتِ، وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ (مِنْهَا) شَيْءٌ فِي كُتُبِ (¬1) الْأَحَادِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ، بَلْ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ يَجْزِمُونَ بِكَذِبِهَا. (الْوَجْهُ) (¬2) الْخَامِسُ: أَنَّ الْقُرْآنَ يَشْهَدُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِرِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ، وَثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100) . ¬

(¬1) ن، م، س: لَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) الْوَجْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب)

وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10) . وَقَوْلُهُ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} الْآيَةَ (سُورَةُ الْفَتْحِ: 29) . وَقَوْلُهُ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (سُورَةُ الْفَتْحِ: 18) . وَقَوْلُهُ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} (سُورَةُ الْحَشْرِ: 8) ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ (¬1) يُرَدَّ مَا عَلِمْنَا دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ يَقِينًا بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْمُفْتَرَاةِ الَّتِي رَوَاهَا مَنْ لَا يَخَافُ مَقَامَ رَبِّهِ، وَلَا يَرْجُو لِلَّهِ وَقَارًا. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ تَقْدَحُ فِي عَلِيٍّ وَتُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ مُكَذِّبًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا كُفْرُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ هُوَ وَغَيْرُهُ. أَمَّا الَّذِينَ نَاصَبُوهُ الْخِلَافَةَ (¬2) ، فَإِنَّهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُفْتَرَى كُفَّارٌ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِمُوجَبِ هَذِهِ النُّصُوصِ، بَلْ كَانَ يَجْعَلُهُمْ مُؤْمِنِينَ مُسْلِمِينَ، وَشَرُّ مَنْ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ هُمُ الْخَوَارِجُ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَحْكُمْ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْكُفَّارِ، بَلْ حَرَّمَ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهَمْ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ: إِنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَنَا، وَلَا حَقَّكُمْ مِنْ فَيَئِنَا، وَلَمَّا قَتَلَهُ ابْنُ ¬

(¬1) يَجُوزُ أَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) م: نَاصَبُوهُ فِي الْخِلَافَةِ

مُلْجِمٍ (¬1) قَالَ: إِنْ عِشْتُ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُرْتَدًّا بِقَتْلِهِ (¬2) . وَأَمَّا أَهْلُ الْجَمَلِ فَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى (عَنْ) (¬3) أَنْ يُتَّبَعَ مُدْبِرُهُمْ، وَأَنْ يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَأَنْ يَقْتُلَ أَسِيرُهُمْ، وَأَنْ تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ، وَأَنْ تُسْبَى ذَرَارِيُّهِمْ، فَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ كَفَّارًا بِهَذِهِ النُّصُوصِ فَعَلِيٌّ أَوَّلُ (¬4) مَنْ كَذَّبَ بِهَا فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ كَافِرًا. وَكَذَلِكَ أَهَّلُ صِفِّيْنَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى قَتْلَاهُمْ، وَيَقُولُ: إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا طَهَّرَهُمُ السَّيْفُ، وَلَوْ كَانُوا عِنْدَهُ كُفَّارًا لَمَا صَلَّى عَلَيْهِمْ، وَلَا جَعَلَهُمْ إِخْوَانَهُ، وَلَا جَعَلَ السَّيْفَ طُهْرًا لَهُمْ (¬5) وَبِالْجُمْلَةِ نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ سِيرَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُكَفِّرُ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ، بَلْ وَلَا جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ، وَلَا الْحَسَنُ، وَلَا الْحُسَيْنُ كَفَّرُوا (¬6) أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَلَا أَبُو جَعْفَرٍ، فَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ كُفَّارًا، فَأَوَّلُ مَنْ خَالَفَ النُّصُوصَ عَلِيٌّ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَكَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلَتِ الْخَوَارِجُ فَيَعْتَزِلُوا بِدَارٍ غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ ن، م: الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ عَجَزُوا عَنِ الْقِتَالِ، وَيَحْكُمُوا (¬7) عَلَى أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ ¬

(¬1) م: ابْنُ مُلْجِمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ (¬2) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي هَامِشِ (س) كِتَابُ " الْخَوَارِجُ وَابْنُ مُلْجِمٍ مُسْلِمُونَ " (¬3) عَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) ن، س، ب: أَوْلَى (¬5) س، ب: طَهَّرَهُمْ. (¬6) ن، س: كَفَّرَا ; م: كَفَّرَ (¬7) ن، س: وَتَحْكُمُوا

عَلَى عَلِيٍّ إِذَا رَأَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُؤْمِنُونَ، أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ وَلِشِيعَتِهِ دَارًا غَيْرَ دَارِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَالْكُفْرِ، وَيُبَايِنَهُمْ كَمَا بَايَنَ الْمُسْلِمُونَ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَصْحَابِهِ. وَهَذَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِمَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا يُبَايِنُونَ الْكُفَّارَ، وَيُظْهِرُونَ مُبَايَنَتَهُمْ بِحَيْثُ يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ، وَكَذَلِكَ هَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَعَ ضَعْفِهِمْ، وَكَانُوا يُبَايِنُونَ النَّصَارَى، وَيَتَكَلَّمُونَ بِدِينِهِمْ قُدَّامَ النَّصَارَى. وَهَذِهِ بِلَادُ الْإِسْلَامِ مَمْلُوءَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ مُظْهِرُونَ لِدِينِهِمْ مُتَحَيِّزُونَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَنْ يَشُكُّ (¬1) فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ كَافِرًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عِنْدَهُمْ إِلَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ عِنْدَ عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَعَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ بَدَّلَ الدِّينَ، وَلَمْ يُمَيِّزِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَلَا الْمُرْتَدِّينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَهَبْ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ قِتَالِهِمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي طَاعَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ مُبَايِنَتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ أَعْجَزَ مِنَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ هُمْ شِرْذِمَةٌ (قَلِيلَةٌ) (¬2) مِنْ عَسْكَرِهِ، وَالْخَوَارِجُ اتَّخَذُوا لَهُمْ دَارًا غَيْرَ دَارِ الْجَمَاعَةِ وَبَايَنُوهُمْ كَمَا (¬3) كَفَّرُوهُمْ، وَجَعَلُوا أَصْحَابَهُمْ (¬4) هُمُ الْمُؤْمِنِينَ. ¬

(¬1) م: مَتَى شَكَّ (¬2) قَلِيلَةٌ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬3) ن: لَمَّا (¬4) ن، م، س: أَصْحَابَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ

وَكَيْفَ كَانَ يَحِلُّ لِلْحَسَنِ (¬1) أَنْ يُسْلِمَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَنْ هُوَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَا يَدَّعُونَ فِي مُعَاوِيَةَ؟ وَهَلْ يَفْعَلُ هَذَا مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ بِالْكُوفَةِ، وَمُعَاوِيَةُ لَمْ يَكُنْ بَدَأَهُ بِالْقِتَالِ، وَكَانَ قَدْ طُلِبَ مِنْهُ مَا أَرَادَ فَلَوْ قَامَ مَقَامَ أَبِيهِ لَمْ يُقَاتِلْهُ مُعَاوِيَةُ، وَأَيْنَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتُ عَنْهُ فِي فَضْلِ الْحَسَنِ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (¬2) ، فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ وَأَهْلُ بَيْتِهِ - وَالْحَسَنُ مِنْهُمْ - يَقُولُونَ: لَمْ يُصْلِحِ اللَّهُ بِهِ إِلَّا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ فَهَذَا قَدْحٌ فِي الْحَسَنِ، وَفِي جَدِّهِ الَّذِي أَثْنَى عَلَى الْحَسَنِ، (¬3) : لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُهُ الرَّافِضَةُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ قَدْحًا وَطَعْنًا فِي أَهْلِ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَادَوْا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَنَسَبُوهُمْ إِلَى أَعْظَمِ الْمُنْكَرًاتِ الَّتِي مَنْ فَعَلَهَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَيْسَ هَذَا بِبِدْعٍ مِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ وَحَمَاقَاتِهِمْ. ثُمَّ إِنَّ الرَّافِضَةَ تَدَّعِي أَنَّ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ لُطْفٌ مِنَ اللَّهِ بِعِبَادِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى أَنْ يُطِيعُوهُ فَيُرْحَمُوا، وَعَلَى مَا قَالُوهُ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ نِقْمَةٌ أَعْظَمُ مِنْ عَلِيٍّ، فَإِنَّ الَّذِينَ خَالَفُوهُ وَصَارُوا مُرْتَدِّينَ كُفَّارًا، وَالَّذِينَ وَافَقُوهُ أَذِلَّاءُ مَقْهُورُونَ تَحْتَ النِّقْمَةِ لَا يَدَ وَلَا لِسَانَ، وَهُمْ مَعَ ¬

(¬1) م: مَتَى شَكَّ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 - 540 " (¬3) إِنْ ن

ذَلِكَ يَقُولُونَ إِنَّ خَلْقَهُ مَصْلَحَةٌ وَلُطْفٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَإِنَّهُ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ الْعَالَمِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إِلَّا بِهِ، وَأَيُّ صَلَاحٍ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ؟ ثُمَّ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ أَصْلَحَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَهُوَ يُمَكِّنُ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِهِ بِدَارٍ لَهُمْ (¬1) فِيهَا شَوْكَةٌ، وَمِنْ قِتَالِ أَعْدَائِهِمْ، وَيَجْعَلُهُمْ هُمْ (¬2) وَالْأَئِمَّةَ الْمَعْصُومِينَ فِي ذُلٍّ (¬3) أَعْظَمَ مِنْ ذُلِّ (¬4) الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (¬5) ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُمْكِنُهُمْ إِظْهَارُ دِينِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُدَّعَى أَنَّهُمْ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلُطْفُهُ فِي بِلَادِهِ، وَأَنَّهُ لَا هُدَى إِلَّا بِهِمْ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِطَاعَتِهِمْ، وَلَا سَعَادَةَ إِلَّا بِمُتَابَعَتِهِمْ قَدْ غَابَ خَاتِمَتُهُمْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ (¬6) أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً (¬7) ، فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَحَدٌ فِي دِينِهِ وَلَا دُنْيَاهُ، وَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ إِظْهَارُ دِينِهِمْ، كَمَا تُظْهِرُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دِينَهُمْ. وَلِهَذَا مَا زَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّفْضَ مِنْ أَحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ قَصَدُوا إِفْسَادَ الدِّينِ: دِينِ الْإِسْلَامِ، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ، فَإِنَّ مُنْتَهَى أَمْرِهِمْ تَكْفِيرُ عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، بَعْدَ أَنْ كَفَّرُوا الصَّحَابَةَ (وَالْجُمْهُورَ) (¬8) ¬

(¬1) م: بِدَارِهِمْ لَهُمْ (¬2) س، ب: وَيَجْعَلُوهُمْ (¬3) ن، م، س: فِي ذَلِكَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) م: مِنْ دَارِ (¬5) ب: وَالنُّصَّارِ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ (¬6) أَكْثَرِ مِنْ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬7) ن، س، ب: أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً (¬8) وَالْجُمْهُورَ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

وَلِهَذَا كَانَ صَاحِبُ دَعْوَى الْبَاطِنِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ رَتَّبَ دَعْوَتَهُ مَرَاتِبَ: أَوَّلُ مَا يَدْعُو الْمُسْتَجِيبَ إِلَى التَّشَيُّعِ، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ قَالَ لَهُ: عَلِيٌّ مِثْلُ النَّاسِ، وَدَعَاهُ إِلَى الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ أَيْضًا، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ دَعَاهُ إِلَى الْقَدْحِ فِي الرَّسُولِ، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ (¬1) دَعَاهُ إِلَى إِنْكَارِ الصَّانِعِ، هَكَذَا (¬2) تَرْتِيبُ كِتَابِهِمُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ " الْبَلَاغَ الْأَكْبَرَ "، وَ " النَّامُوسَ الْأَعْظَمَ "، وَوَاضِعُهُ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ إِلَى الْقَرْمَطِيِّ الْخَارِجِ بِالْبَحْرَيْنِ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى مَكَّةَ، وَقَتَلُوا الْحُجَّاجَ، وَأَخَذُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ، وَأَسْقَطُوا الْفَرَائِضَ، وَسِيرَتُهُمْ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَيْفَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَبْغُضُ عَلِيًّا مَاتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَالْخَوَارِجُ كُلُّهُمْ تُكَفِّرُهُ وَتَبْغُضُهُ؟ ! وَهُوَ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُهُمْ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، بَلْ يَجْعَلُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِغَيْرِ مَا يَحْكُمُ بِهِ (¬3) بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَسُبُّهُ وَيَبْغُضُهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَتْبَاعِهِمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ وَيَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَيَحُجُّ الْبَيْتَ وَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ ! وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ (¬4) خَفِيَ عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا إِمَامًا، أَوْ عَصَاهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ. وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ وَالْجُمْهُورَ لَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ مَعَ عَلِيٍّ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْهُمْ غَرَضٌ فِي تَكْذِيبِ الرَّسُولِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا أَنَّ الرَّسُولَ جَعَلَهُ إِمَامًا كَانُوا أَسْبَقَ النَّاسِ إِلَى التَّصْدِيقِ بِذَلِكَ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) س، ب: هَذَا (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها

وَغَايَةُ مَا يُقَدَّرُ أَنَّهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحُكْمُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنَ الدِّينِ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ ! وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامَ فِي التَّكْفِيرِ، بَلِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهَا مُنَاقِضَةٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ عَلِيٍّ، وَتَكْفِيرَ مَنْ خَالَفَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ إِضَافَتُهَا - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقَدْحِ وَالطَّعْنِ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا فِعْلُ زِنْدِيقٍ مُلْحِدٍ لِقَصْدِ (¬1) إِفْسَادِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَلَعَنَ اللَّهُ مَنِ افْتَرَاهَا، وَحَسْبُهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ الرَّسُولُ حَيْثُ قَالَ: " «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» " (¬2) . [قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " قَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ إِذَا رَأَيْنَا الْمُخَالِفَ لَنَا يُورِدُ مِثْلَ (¬4) هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَنَقَلْنَا نَحْنُ أَضْعَافَهَا عَنْ رِجَالِنَا الثِّقَاتِ، وَجَبَ عَلَيْنَا الْمَصِيرُ إِلَيْهَا، وَحُرِّمَ الْعُدُولُ عَنْهَا ". وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ رِجَالَكُمُ الَّذِينَ وَثَّقْتُمُوهُمْ غَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مَنْ جِنْسِ مَنْ يَرْوِي هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِنَ الْجُمْهُورِ، فَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ ¬

(¬1) س، ب: يَقْصِدُ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (¬3) فِي (ك) ص 173 (م) (¬4) مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَذَّابُونَ، وَأَنْتُمْ أَكْذَبُ مِنْهُمْ وَأَجْهَلُ، حَرُمَ عَلَيْكُمُ الْعَمَلُ بِهَا، وَالْقَضَاءُ بِمُوجَبِهَا، وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ لِهَؤُلَاءِ الشِّيعَةِ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الَّذِينَ نَقَلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي الزَّمَانِ الْقَدِيمِ ثِقَاتٌ، وَأَنْتُمْ لَمْ تُدْرِكُوهُمْ وَلَمْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَهُمْ، وَلَا لَكُمْ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ تَعْتَمِدُونَ عَلَيْهَا فِي أَخْبَارِهِمُ الَّتِي يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الثِّقَةِ وَغَيْرِهِ، وَلَا لَكُمْ أَسَانِيدُ تَعْرِفُونَ رِجَالَهَا، بَلْ عِلْمُكُمْ بِكَثِيرٍ مِمَّا فِي أَيْدِيكُمْ شَرٌّ مِنْ عِلْمِ كَثِيرٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ، بَلْ أُولَئِكَ مَعَهُمْ كُتُبٌ وَضَعَهَا لَهُمْ هِلَالٌ وَشَمَّاسٌ (¬1) . . .، وَلَيْسَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ مَا يُعَارِضُهَا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ دَائِمًا يَقْدَحُونَ فِي رِوَايَتِكُمْ، وَيُبَيِّنُونَ (¬2) كَذِبَكُمْ، وَأَنْتُمْ لَيْسَ لَكُمْ عِلْمٌ بِحَالِهِمْ، ثُمَّ قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ حَجْبُهُ (¬3) كَثْرَةُ الْكَذِبِ، وَظُهُورُهُ فِي الشِّيعَةِ مِنْ زَمَنِ عَلِيٍّ وَإِلَى الْيَوْمِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَبْغُضُونَ الْخَوَارِجَ وَيَرْوُونَ فِيهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً صَحِيحَةً، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ ¬

(¬1) هِلَالٌ وَشَمَّاسٌ: كَذَا فِي كُلِّ الْأُصُولِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي " الْفِصَلِ " 2/222: " وَمِنَ النَّوْعِ كَثِيرٌ مِنْ نَقْلِ الْيَهُودِ، بَلْ هُوَ أَعْلَى مَا عِنْدَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَبُونَ فِيهِ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَقُرْبِنَا فِيهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ يَقِفُونَ وَلَا بُدَّ حَيْثُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَزْيَدُ مِنْ ثَلَاثِينَ عَصْرًا، مِنْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّمَا يَبْلُغُونَ بِالنَّقْلِ إِلَى هِلَالٍ وَشَمَّايْ (فِي نُسْخَتَيْنِ: وَشَمَّانِي) وَشَمْعُونَ وَمَرْعَقِيبَا وَأَمْثَالِهِمْ (¬2) م: وَيُثْبِتُونَ (¬3) م، س: لَا يُمْكِنُ حُجَّةً ; ب: لَا تُنْكَرُ حُجَّتُهُ

بَعْضَهَا، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَشَرَةً مِنْهَا، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مُتَدَيِّنُونَ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَحْمِلْهُمْ (¬1) بُغْضُهُمْ لِلْخَوَارِجِ (¬2) عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِمْ، بَلْ جَرَّبُوهُمْ فَوَجَدُوهُمْ صَادِقِينَ، وَأَنْتُمْ يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَالْفُقَهَاءُ، وَالْمُسْلِمُونَ، وَالتُّجَّارُ، وَالْعَامَّةُ، وَالْجُنْدُ، وَكُلُّ مَنْ عَاشَرَكُمْ وَجَرَّبَكُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ طَائِفَتَكُمْ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، وَإِذَا وُجِدَ فِيهَا صَادِقٌ فَالصَّادِقُ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرُ، وَإِذَا وُجِدَ فِي غَيْرِهَا كَاذِبٌ فَالْكَاذِبُ فِيهَا أَكْثَرُ. وَلَا يَخْفَى هَذَا عَلَى عَاقِلٍ مُنْصِفٍ، وَأَمَّا مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَقَدْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ أَقْوَالِهِمْ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: الدِّينُ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْكَذِبُ لِلرَّافِضَةِ، وَالْكَلَامُ لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَالْحِيَلُ لِأَهْلِ الرَّأْيِ أَصْحَابِ فُلَانٍ، وَسُوءُ التَّدْبِيرِ لِآلِ أَبِي فُلَانٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الدِّينَ هُوَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ (بِهِ) (¬3) أَعْلَمُهُمْ بِحَدِيثِهِ وَسُنَّتِهِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فَأَشْهَرُ الطَّوَائِفِ بِهِ هُمُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَلِهَذَا كَانُوا أَشْهَرَ الطَّوَائِفِ بِالْبِدَعِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَهُمُ الْمَعْرُوفُونَ بِالْبِدْعَةِ (¬4) عِنْدَ (¬5) الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ حَتَّى أَنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ لَا تَعْرِفُ فِي مُقَابَلَةِ الشَّيْءِ إِلَّا الرَّافِضِيَّ (¬6) . (¬7) " لِظُهُورِ ¬

(¬1) ن، س: فَلَا يَحْمِلُهُمْ (¬2) س، ب: مَعَ الْخَوَارِجِ (¬3) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) (¬4) ب: بِالْكَذِبِ (¬5) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . وَمَكَانُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (س) كَلِمَةِ " الْخَاصَّةِ " وَفِي (ب) : " الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ " (¬6) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬7) وَمَكَانُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (س) كَلِمَةُ " الْخَاصَّةِ " وَفِي (ب) : " الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ

مُنَاقَضَتِهِمْ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ (¬1) . (1) (¬2) فَهُمْ عَيْنٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ حَتَّى الطَّوَائِفُ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنِ الْخِبْرَةِ بِدِينِ الرَّسُولِ مَا لِغَيْرِهِمْ إِذَا قَالَتْ لَهُمُ الرَّافِضَةُ: " نَحْنُ مُسْلِمُونَ " يَقُولُونَ: أَنْتُمْ جِنْسٌ آخَرُ. وَلِهَذَا الرَّافِضَةُ يُوَالُونَ أَعْدَاءَ الدِّينِ الَّذِينَ يِعْرِفُ كُلُّ أَحَدٍ مُعَادَاتَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ: مُشْرِكِي التَّرْكِ، وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ خِيَارُ أَهْلِ الدِّينِ، وَسَادَاتُ الْمُتَّقِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَقَامُوهُ وَبَلَّغُوهُ وَنَصَرُوهُ. وَلِهَذَا كَانَ الرَّافِضَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي دُخُولِ التُّرْكِ الْكُفَّارِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا قِصَّةُ الْوَزِيرِ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ وَغَيْرِهِ، كَالنَّصِيرِ الطُّوسِيِّ مَعَ الْكُفَّارِ، وَمُمَالَأَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ - فَقَدْ عَرَفَهَا الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالشَّامِ: ظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعَاوَنُوهُمْ مُعَاوَنَةً عَرَفَهَا النَّاسُ. وَكَذَلِكَ لَمَّا انْكَسَرَ عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ، لَمَّا قَدِمَ غَازَانُ، ظَاهَرُوا الْكُفَّارَ النَّصَارَى، وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَبَاعُوهُمْ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ - بَيْعَ الْعَبِيدِ - وَأَمْوَالَهَمْ، وَحَارَبُوا الْمُسْلِمِينَ مُحَارَبَةً ظَاهِرَةً، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ رَايَةَ الصَّلِيبِ. وَهُمْ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي اسْتِيلَاءِ النَّصَارَى قَدِيمًا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ. ¬

(¬1) س، ب: عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ (¬2) ب: يُعْرَفُ

وَقَدْ دَخَلَ فِيهِمْ أَعْظَمُ النَّاسِ نِفَاقًا مِنَ النَّصِيرِيةِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، مِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ كُفْرًا فِي الْبَاطِنِ، وَمُعَادَاةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَهَذِهِ الْأُمُورُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا هِيَ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ يَعْرِفُهَا الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ تُوجِبُ ظُهُورَ مُبَايَنَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَمُفَارَقَتِهِمْ لِلدِّينِ، وَدُخُولِهِمْ فِي زُمْرَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ حَتَّى يَعُدُّهُمْ مَنْ رَأَى أَحْوَالَهُمْ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ جِنْسِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا هُمُ الْجُمْهُورُ، وَالرَّافِضَةُ لَيْسَ لَهُمْ سَعْيٌ إِلَّا فِي هَدْمِ الْإِسْلَامِ، وَنَقْضِ عُرَاهُ، وَإِفْسَادِ قَوَاعِدِهِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي عِنْدَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا قَامَ بِسَبَبِ قِيَامِ الْجُمْهُورِ بِهِ. وَلِهَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِمْ قَلِيلَةٌ، وَمَنْ يَحْفَظُهُ حِفْظًا جَيِّدًا، فَإِنَّمَا تَعَلَّمَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ (¬1) وَيَصْدُقُ فِيهِ، وَيُؤْخَذُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ الْفِقْهُ، وَالْعِبَادَةُ، وَالزُّهْدُ، وَالْجِهَادُ، وَالْقِتَالُ إِنَّمَا هُوَ لِعَسَاكِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَفِظَ اللَّهُ بِهِمُ الدِّينَ عِلْمًا وَعَمَلًا، بِعُلَمَائِهِمْ، وَعُبَّادِهِمْ، وَمُقَاتِلِيهِمْ (¬2) وَالرَّافِضَةُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مِنْهُمْ شَيْءٌ يُخْتَصُّ بِهِ (¬3) إِلَّا مَا يَسُرُّ عَدُوَّ الْإِسْلَامِ، وَيَسُوءُ وَلِيَّهُ فَأَيَّامُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ¬

(¬1) ب: يَعْرِفُ (¬2) ن، س: وَمُقَابَلَتِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; ب: وَمُقَاتِلِهِمْ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) وَالْكَلِمَةُ فِيهَا غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ. (¬3) ن، م، س: يُخْتَصُّونَ بِهِ

كُلُّهَا سُودٌ، وَأَعْرَفُ النَّاسِ بِعُيُوبِهِمْ وَمَمَادِحِهِمْ (¬1) أَهْلُ السُّنَّةِ لَا تَزَالُ تَطَّلِعُ مِنْهُمْ عَلَى أُمُورٍ غَيْرِهَا عَرَفَتْهَا (¬2) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 13) . وَلَوْ ذَكَرْتُ بَعْضَ مَا عَرَفْتُهُ مِنْهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ وَنَقْلِ الثِّقَاتِ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِهِمْ - لَاحْتَاجَ ذَلِكَ إِلَى كِتَابٍ كَبِيرٍ. وَهُمُ الْغَايَةُ فِي الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الْعَقْلِ، يَبْغُضُونَ مِنَ الْأُمُورِ مَا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي بُغْضِهِ، وَيَفْعَلُونَ مِنَ الْأُمُورِ مَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ، مِثْلُ نَتْفِ النَّعْجَةِ، حَتَّى كَأَنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا ثَأْرًا كَأَنَّهُمْ يَنْتِفُونَ عَائِشَةَ، وَشَقِّ جَوْفِ الْكَبْشِ (¬3) " كَأَنَّهُمْ يَشُقُّونَ جَوْفَ عُمَرَ، فَهَلْ فَعَلَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ بِعَدُوِّهِ غَيْرُهُمْ؟ ! وَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا مَشْرُوعًا لَكَانَ بِأَبِي جَهْلٍ وَأَمْثَالِهِ أَوْلَى. (¬4) وَمِثْلُ كَرَاهَتِهِمْ لِلَفْظِ الْعِشَرَةِ لِبُغْضِهِمْ لِلرِّجَالِ الْعَشَرَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ لَفْظَ الْعَشَرَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ: {وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (سُورَةُ الْفَجْرَ: 1، 2) ، وَقَوْلِهِ: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 142) ، {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 196) . ¬

(¬1) ن، م، س: وَمَمَادِحِ (¬2) ن، م، س: عَلَى أُمُورِهَا غَيْرِهَا عَرَفَهَا ; ب: عَلَى أُمُورٍ غَيْرِ مَا عَرَفَتْهَا. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ (¬3) الْكَبْشِ: كَذَا فِي (ب) وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْحِلْسِ، وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ ظَهْرُ الْبَعِيرِ وَالدَّابَّةِ. وَفِي " اللِّسَانِ " " الْحِلْسُ وَالْحَلْسُ. . . كُلُّ شَيْءٍ وَلِيَ ظَهْرَ الْبَعِيرِ وَالدَّابَّةِ تَحْتَ الرِّجْلِ وَالْقَتَبِ وَالسَّرْجِ، بِمَنْزِلَةِ الْمِرْشَحَةِ تَكُونُ تَحْتَ اللُّبَدِ، وَقِيلَ: هُوَ كِسَاءٌ رَقِيقٌ يَكُونُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَالْجَمْعُ أَحْلَاسٌ وَحُلُوسٌ (¬4) أَوْلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

وَأَمَّا التِّسْعَةُ فَذَكَرَهَا فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ، كَقَوْلِهِ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} (سُورَةِ النَّمْلِ: 48) ، فَهَلْ كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ التَّكَلُّمَ بِلَفْظِ التِّسْعَةِ: (¬1) لِأَجْلِ أُولَئِكَ التِّسْعَةِ، وَهُمْ يَخْتَارُونَ التَّكَلُّمَ بِلَفْظِ التِّسْعَةِ: (¬2) عَلَى لَفْظِ الْعَشَرَةِ؟ ! وَكَذَلِكَ كَرَاهِيَتُهُمْ لِأَسَامٍ سُمِّيَ بِهَا مَنْ يُبْغِضُونَهُ، وَقَدْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ تَسَمَّى بِهَا عَدُوُّ الْإِسْلَامِ مِثْلُ الْوَلِيدِ الَّذِي هُوَ الْوَحِيدُ، وَكَانَ ابْنُهُ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْمُهُ الْوَلِيدُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: " «اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ» " كَمَا رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحَيْنِ (¬3) وَمِثْلُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الَّذِي قَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ (¬4) وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُ عَمْرِو بْنِ وُدٍّ (الْعَامِرِيُّ) (¬5) ، وَفِي الصَّحَابَةِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَلَمْ يُغَيِّرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِ كَافِرٍ سُمِّيَ بِهِ. فَلَوْ قُدِّرَ كُفْرُ مَنْ يُبْغِضُونَهُ لَكَانَ كَرَاهَتُهُمْ لِمِثْلِ أَسْمَائِهِمْ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُوهُمْ بِهَا. وَيُقَالُ لَهُمْ: كُلُّ مَنْ جَرَّبَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ الْجُمْهُورَ عَلِمَ أَنَّهُمْ ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) س، ب: فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/41. (¬4) س، ب: أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: وَهُوَ خَطَأٌ. وَفِي " الْإِصَابَةِ " 1/31 أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ ثَوْرٍ الْمُزَنِيُّ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ (¬5) الْعَامِرِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (م)

لَا يَرْضَوْنَ بِالْكَذِبِ وَلَوْ وَافَقَ أَغْرَاضَهُمْ، فَكَمْ (¬1) يَرْوُونَ لَهُمْ فِي فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهَا أَحَادِيثَ بِأَسَانِيدَ خَيْرٍ مِنْ أَسَانِيدِ الشِّيعَةِ، وَيَرْوِيهَا مِثْلُ أَبِي نُعَيْمٍ، وَالثَّعْلَبِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ، وَالْأَهْوَازِيِّ، وَابْنِ عَسَاكِرَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَلَا يَقْبَلُ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ مِنْهَا شَيْئًا! بَلْ إِذَا كَانَ الرَّاوِي عِنْدَهُمْ مَجْهُولًا تَوَقَّفُوا فِي رِوَايَتِهِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ مَعَاشِرَ الرَّافِضَةِ فَقَدْ رَأَيْنَاكُمْ تَقْبَلُونَ كُلَّ مَا يُوَافِقُ (¬2) رَأْيَكُمْ وَأَهْوَاءَكُمْ، لَا تَرُدُّونَ غَثًّا وَلَا سَمِينًا. وَيُقَالُ لَكُمْ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ صِدْقَهُ وَعِلْمَهُ، وَأَنْتُمْ مِمَّنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَحَادِيثُ مُتَلَقَّاةٌ بِالْقَبُولِ، بَلْ مُتَوَاتِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ عَنِ الْقَلْبِ، تُنَاقِضُ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ الَّتِي رَوَاهَا طَائِفَةٌ مَجْهُولَةٌ، أَوْ مَعْرُوفَةٌ بِالْكَذِبِ مِنْكُمْ وَمِنَ الْجُمْهُورِ، فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ (¬3) النَّاسُ مَا عَلِمُوهُ بِالضَّرُورَةِ، وَمَا عَلِمُوهُ مُسْتَفِيضًا (¬4) بِنَقْلِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ الَّذِينَ يُعْرَفُ صِدْقُهُمْ وَضَبْطُهُمْ، هَلْ يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُسَيَّبَةِ الَّتِي لَا زِمَامَ لَهَا وَلَا خِطَامَ؟ ! وَلَوْ رَوَى رَجُلٌ أَنَّ الصَّلَوَاتِ (¬5) كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ، وَأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ شَهْرَانِ، وَأَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَجَّ بَيْتٍ آخَرَ، هَلْ كَانَ الطَّرِيقُ إِلَى تَكْذِيبِ هَذَا إِلَّا مِنْ جِنْسِ الطَّرِيقِ إِلَى تَكْذِيبِهِمْ؟ ! وَقَدْ نَبَّهْنَا فِي هَذَا الرَّدِّ عَلَى طُرُقٍ مِمَّا بِهِ يُعْلَمُ كَذِبُ مَا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ ¬

(¬1) ن، م، س: فَلَمْ (¬2) ن، س، ب: يُقَابِلُ (¬3) ن، س، ب: أَنْ يَدَعَ (¬4) س، ب: مُسْتَفَادًا (¬5) س، ب: الصَّلَاةَ

فصل ليس كل أحد من أهل النظر والاستدلال خبيرا بالمنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها وصوابها وخطئها

غَيْرِ طُرُقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَبَيَّنَّا كَذِبَهُمْ: تَارَةً بِالْعَقْلِ، وَتَارَةً بِمَا عُلِمَ بِالْقُرْآنِ، وَتَارَةً بِمَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ، وَتَارَةً بِمَا أَجْمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُخَالِفَةَ لِلْقُرْآنِ وَالتَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْمُخَالِفَةَ لِلْعَقْلِ يُعْلَمُ بُطْلَانُهَا، وَهَذَا مِنْ (¬1) جُمْلَةِ الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا طُرُقُ مَا يُنَاقِضُونَ بِهِ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ فِي أَدِلَّتِهِمْ إِلَّا عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا نَقْلٌ كَاذِبٌ، وَإِمَّا دَلَالَةٌ مُجْمَلَةٌ مُشَبَّهَةٌ (¬2) ، وَإِمَّا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا حَالُ كُلِّ مَنِ احْتَجَّ بِحُجَّةٍ فَاسِدَةٍ نَسَبَهَا إِلَى الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ عُمْدَتَهُ إِمَّا نَصٌّ، وَإِمَّا قِيَاسٌ، وَالنَّصُّ يَحْتَاجُ إِلَى صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَدَلَالَةِ الْمَتْنِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ ثَابِتًا عَنِ الرَّسُولِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَالًّا (¬3) عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَالْحُجَجُ الْبَاطِلَةُ السَّمْعِيَّةُ إِمَّا نَقْلٌ كَاذِبٌ، وَإِمَّا نَقْلٌ صَحِيحٌ لَا يَدُلُّ، وَإِمَّا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ لِلرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَقَوْلُنَا: " نَقْلٌ " يَدْخُلُ فِيهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَلَامُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَا تَحْتَجُّ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْأَفْعَالُ وَالْإِقْرَارُ وَالْإِمْسَاكُ يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ. [فصل لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا] فَصْلٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ ¬

(¬1) ب: هَذَا وَمِنْ (¬2) مُشَبَّهَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) ن، س: ثَابِتًا دَالًّا

وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا، وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا، فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْهُ صِدْقٌ وَمِنْهُ كَذِبٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ خِبْرَةُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، فَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إِلَى طُرُقٍ أُخْرَى. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، الَّذِي أَخْرَجَ النَّاسَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَهُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ (¬1) مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُبَيِّنُ لَهُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ: " «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ» " (¬2) وَلِهَذَا تَنَوَّعَتِ الطُّرُقُ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ الصِّدْقُ مِنَ الْكَذِبِ حَتَّى فِي أَخْبَارِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ (¬3) رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ. فَالطُّرُقُ (¬4) الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُ الصَّادِقِ، وَكَذِبُ الْمُتَنَبِّئِ الْكَذَّابِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ (¬5) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُ الْمَنْقُولِ عَنِ الرَّسُولِ وَكَذِبُهُ يَتَعَدَّدُ وَيَتَنَوَّعُ، وَكَذَلِكَ مَا بِهِ يُعْلَمُ صِدْقُ الَّذِينَ حَمَلُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ صِدْقَ مِثْلِ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَيَحْيَى ¬

(¬1) ن: م، س: لَهُمْ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/139 140. (¬3) س، ب: أَنَّهُ (¬4) ن، س، ب: فَالطَّرِيقُ (¬5) ب: عَلَيْهَا

بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ عِلْمًا يَقِينًا، يَجْزِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ فِي الْحَدِيثِ، وَيَعْلَمُونَ كَذِبَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ، وَأَبِي الْبَخْتَرِيِّ الْقَاضِي (¬1) ، وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوِيبَارِيِّ، وَعَتَّابِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَتَّابٍ، وَأَبِي دَاوُدَ النَّخَعِيِّ، وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ (¬2) الْكَذِبَ. وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَا يُعْصَمُ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ إِلَّا نَبِيٌّ، لَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ غَلَطًا فِي أَشْيَاءَ خَفِيفَةٍ لَا تَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ الْحَدِيثِ، وَيَعْرِفُونَ رِجَالًا دُونَ هَؤُلَاءِ يَغْلَطُونَ أَحْيَانًا، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمُ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ، وَلَهُمْ دَلَائِلُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى غَلَطِ الْغَالِطِ. وَدُونَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَثِيرٌ غَلَطُهُمْ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِمْ إِذَا انْفَرَدُوا، لَكِنْ يَعْتَبِرُونَ بِحَدِيثِهِمْ وَيَسْتَشْهِدُونَ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ فِيمَا رَوَوْهُ: هَلْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ؟ فَإِذَا تَعَدَّدَتِ الطُّرُقُ وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَاطَئُوا، وَلَا يُمْكِنْ فِي الْعَادَةِ اتِّفَاقُ الْخَطَأِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مِمَّا يَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِ الْحَدِيثِ. وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِأَعْتَبِرَ بِهِ، مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَالِمًا دَيِّنًا قَاضِيًا لَكِنِ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَصَارَ يُحَدِّثُ بَعْدَ ¬

(¬1) ن، س: وَأَبِي الْبَحْرِيِّ (بِدُونِ نَقْطٍ) الْقَاضِي ; م: وَأَبِي الْآخَرِ الْقَاضِي. وَهُوَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَهْبُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَبِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 200، مُتَّهَمٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 6/231 ; مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/278، الْوَفِيَّاتِ 5/90 \ 94 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 13/451 457 ; الْأَعْلَامِ 9/150 (¬2) م: أَنَّهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ

ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ دَخَلَ (¬1) فِيهَا غَلَطٌ لَكِنَّ أَكْثَرَ ذَلِكَ صَحِيحٌ يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا الثِّقَاتُ كَاللَّيْثِ وَأَمْثَالِهِ. وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ صِدْقَ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ، وَيَعْلَمُونَ كَذِبَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَجْزِمُونَ بِأَنَّهَا كَذِبٌ بِأَسْبَابٍ عَرَفُوا بِهَا ذَلِكَ، مَنْ شَرِكَهُمْ فِيهَا عَلِمَ مَا عَلِمُوهُ، وَمَنْ لَمْ يَشْرَكْهُمْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الشَّهَادَةَ، وَيُؤَدُّونَهَا يَعْرِفُ مَنْ جَرَّبَهُمْ وَخَبَرَهُمْ (صِدْقَ) صَادِقِهِمْ وَ (كَذِبَ) كَاذِبِهِمْ (¬2) وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْمُعَامَلَاتِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ يَعْلَمُ مَنْ جَرَّبَهُمْ وَخَبَرَهُمْ صَادِقَهُمْ وَكَاذِبَهُمْ، وَأَمِينَهُمْ وَخَائِنَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ قَدْ يَعْلَمُ النَّاسُ صِدْقَ بَعْضِهَا، وَكَذِبَ بَعْضِهَا، وَيَشُكُّونَ فِي بَعْضِهَا. وَبَابُ الْمَعْرِفَةِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوْحِيدٍ، وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَفَضَائِلَ لِأَعْمَالٍ أَوْ لِأَقْوَامٍ (¬3) ، أَوْ أَمْكِنَةٍ أَوْ أَزْمِنَةٍ (¬4) ، وَمَثَالِبَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِحَدِيثِهِ الَّذِينَ اجْتَهَدُوا فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَطَلَبِهِ مِنْ وُجُوهِهِ، وَعَلِمُوا أَحْوَالَ نَقَلَةِ ذَلِكَ، وَأَحْوَالَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَجَمَعُوا بَيْنَ رِوَايَةِ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، فَعَلِمُوا صِدْقَ الصَّادِقِ، وَغَلَطَ الْغَالِطِ، وَكَذِبَ الْكَاذِبِ. وَهَذَا عِلْمٌ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ مَنْ حَفِظَ بِهِ (¬5) عَلَى الْأُمَّةِ مَا حَفِظَ مِنْ دِينِهَا، وَغَيْرُ ¬

(¬1) س، ب: صَارَ (¬2) ن، م:. . وَخَبَرَهُمْ صَادِقَهُمْ وَكَاذِبَهُمْ. (¬3) م: الْأَعْمَالِ أَوِ الْأَقْوَامِ (¬4) ن، م: وَأَزْمِنَةٍ (¬5) م: مِنْ حَفَظَتِهِ

هَؤُلَاءِ لَهُمْ تَبَعٌ (¬1) فِيهِ: إِمَّا مُسْتَدِلٌّ بِهِمْ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ لَهُمْ. كَمَا أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي الْأَحْكَامِ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ رِجَالًا اجْتَهَدُوا فِيهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ بِهِمْ عَلَى الْأُمَّةِ مَا حَفِظَ مِنَ الدِّينِ، وَغَيْرُهُمْ لَهُمْ (¬2) تَبَعٌ فِيهِ: إِمَّا مُسْتَدِلٌّ بِهِمْ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ لَهُمْ. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ خَوَاصَّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ فِي الِاخْتِصَاصِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِلَالٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: هُمْ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِهِ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَحْفَظَ وَأَفْقَهَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَطْوَلَ صُحْبَةً، وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا أَخَذَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنَ الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ عَنْ غَيْرِهِ لِطُولِ عُمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَمَ مِنْهُ، كَمَا أُخِذَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِمَّا أُخِذَ عَمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ (¬3) ، كَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ (وَنَحْوِهِمْ) (¬4) وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ فَلَهُمْ فِي تَبْلِيغِ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ، وَنَشْرِ أُصُولِهِ، وَأَخْذِ النَّاسِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ يُرْوَى عَنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ ¬

(¬1) ن: لَهُمْ بِيَعٌ ; م: لَمْ تَبِعْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) م: لَمْ (¬3) س، ب: مِنْهُمْ أَفْضَلُ (¬4) وَنَحْوِهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (م.

مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُفْرَدَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُرْوَى (¬1) عَنْ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ، فَالْخُلَفَاءُ لَهُمْ عُمُومُ التَّبْلِيغِ وَقُوَّتُهُ الَّتِي لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ، ثُمَّ لَمَّا قَامُوا بِتَبْلِيغِ ذَلِكَ شَارَكَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، فَصَارَ مُتَوَاتِرًا كَجَمْعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ الْقُرْآنَ فِي الصُّحُفِ (¬2) ، ثُمَّ جَمْعِ عُثْمَانَ لَهُ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى الْأَمْصَارِ، فَكَانَ الِاهْتِمَامُ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، وَتَبْلِيغِهِ أَهَمَّ مِمَّا سِوَاهُ. وَكَذَلِكَ تَبْلِيغُ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَمُقَاتَلَتُهُمْ (¬3) عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتِنَابَتُهُمْ (¬4) فِي ذَلِكَ الْأُمَرَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَتَصْدِيقُهُمْ لَهُمْ فِيمَا بَلَّغُوهُ عَنِ الرَّسُولِ، فَبَلَّغَ مَنْ أَقَامُوهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى صَارَ الدِّينُ مَنْقُولًا نَقْلًا عَامًّا مُتَوَاتِرًا ظَاهِرًا مَعْلُومًا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، وَوَضَحَتْ بِهِ الْمَحَجَّةُ، وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا خُلَفَاءَهُ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، الَّذِينَ خَلَفُوهُ فِي أُمَّتِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (سُورَةِ النَّجْمِ: 1 - 4) فَهُوَ مَا ضَلَّ وَمَا غَوَى، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» " (¬5) فَإِنَّهُمْ خَلَفُوهُ فِي ذَلِكَ، فَانْتَفَى عَنْهُمْ بِالْهُدَى الضَّلَالُ، وَبِالرُّشْدِ الْغَيُّ. ¬

(¬1) م: رُوِيَ (¬2) ن، م: فِي الْمُصْحَفِ (¬3) س، ب: وَمُقَابَلَتُهُمْ ; م: وَمُقَاتَلَةٌ (غَيْرَ مَنْقُوطَةٍ) (¬4) م: وَاسْتِبَانَتُهُمْ (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/164، 5/525

وَهَذَا هُوَ الْكَمَالُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَإِنَّ الضَّلَالَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَالْغَيَّ اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَلِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُولَ فِي صَلَاتِنَا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: 6، 7) ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» " (¬1) فَالْمُهْتَدِي الرَّاشِدُ الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ الْجُهَّالِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْغَيِّ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَعْلَمُ بِالرَّسُولِ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ تَبْلِيغًا لِمَا عَلِمَهُ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الْمَفْضُولِ عِلْمُ قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْهَا الْأَفْضَلُ فَيَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَعْلَمَ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَلَا أَنَّ هَذَا الْأَعْلَمَ يَتَعَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْضُولِ مَا امْتَازَ بِهِ. وَلِهَذَا كَانَ الْخُلَفَاءُ يَسْتَفِيدُونَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ، كَمَا اسْتَفَادَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِلْمَ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ (¬2) مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ (¬3) ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (¬4) وَاسْتَفَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِلْمَ دِيَةِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/11 \ 12 (¬2) ب: الْجَدِّ (¬3) س، م: ب: سَلَمَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/909 910 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ) وَأَوَّلُهُ: عَنِ ابْنِ ذُؤَيْبٍ ; قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا. فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. فَسَأَلَ النَّاسَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ. . . الْحَدِيثَ،

الْجَنِينِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَتَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَاسْتَفَادَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثَ مَقَامِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَاسْتَفَادَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثَ صَلَاةِ التَّوْبَةِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ يَخْفَى ذَلِكَ الْعِلْمُ عَنِ الْفَاضِلِ حَتَّى يَمُوتَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ، وَيُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَهَذَا كَثِيرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ نُبَيِّنَ طُرُقَ الْعِلْمِ، فَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُمُ الْعِلْمَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ: مِثْلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ (بْنِ جَبَلٍ) (¬1) ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي مُوسَى وَسَلْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَمْثَالِهِمْ. وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (¬2) ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنَ التَّابِعِينَ: مِثْلَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمِثْلَ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ¬

(¬1) بْنِ جَبَلٍ: (س) ، (ب) (¬2) وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

وَمَكْحُولٍ الشَّامِيِّ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ (مِنْ) (¬1) بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَزَائِدَةَ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ (¬2) وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ: الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ) (¬3) ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَبَقِيُّ (¬4) بْنُ مَخْلَدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ. ¬

(¬1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأُصُولِ (¬2) م: وَهُشَيْمِ بْنِ عَبْدِ بْنِ بِشْرٍ ; س، ب: وَهِشَامِ بْنِ بِشْرٍ: وَهُوَ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ، أَبُو مُعَاوِيَةَ. . تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 11/59 64، الْأَعْلَامِ 9/89، وَأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ن، س: وَابْنِ خَيْثَمَةَ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ الْحَرَشِيُّ النَّسَائِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 160 هـ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 234 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/242 244. (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) (¬4) ن، س: وَتَقِيُّ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ

وَمِثْلَ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ. ثُمَّ (مِنْ) (¬1) بَعْدِ هَؤُلَاءِ مِثْلَ: أَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ (¬2) ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ، وَأَبِي قَاسِمٍ الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ الْعَسَّالِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ مَنْدَهْ، وَالْحَاكِمِ (¬3) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهُمْ. فَهَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ (¬4) كَانَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ رِوَايَةً، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ مَعْرِفَةً بِصَحِيحِهِ مِنْ سَقِيمِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حِفْظِهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: أَشْرَفُ الْعِلْمِ الْفِقْهُ فِي مُتُونِ (¬5) الْأَحَادِيثِ، وَمَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ، وَنَحْوَهَمَا أَعْرَفُ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ (¬6) مِنْ مِثْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ ¬

(¬1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأُصُولِ (¬2) س، ب: النَّجَّارِ. وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْرَائِيلَ النَّجَّادُ، شَيْخُ الْعُلَمَاءِ بِبَغْدَادَ فِي عَصْرِهِ، مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ الْحَنَابِلَةِ، وُلِدَ سَنَةَ 253 هـ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 348 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/101 ; الْأَعْلَامِ 1/127 128 (¬3) ن، س، ب: وَابْنِ مَنْدَهْ الْحَاكِمِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) م: فَإِنْ (¬5) ن: فُنُونِ (¬6) م: مِنْ سَقِيمِهِ

وَنَحْوُهُمَا أَفْقَهُ مِنْ أُولَئِكَ، وَأَحْمَدُ كَانَ يُشَارِكُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. وَكَانَ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، كَمَا كَانَ مَعَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَمَعَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي الْحَدِيثِ. وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ لَهُ عِنَايَةٌ بِصَحِيحِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو دَاوُدَ لَهُ عِنَايَةٌ بِالْفِقْهِ أَكْثَرُ، وَالْبُخَارِيُّ لَهُ عِنَايَةٌ بِهَذَا وَهَذَا. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا تَوْسِعَةَ الْكَلَامِ فِي هَذَا، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَهُمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَهُمْ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ صَادِقًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ فِيهِ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِنَايَةِ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ، فَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ نَقْلُهُ، فَإِنَّهُ صَادِقٌ ضَابِطٌ، وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ فَهَذَا عِلْمٌ آخَرُ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ فَقِيهًا مُجْتَهِدًا، وَقَدْ يَكُونُ صَالِحًا مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَعْرِفَةٍ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْعِلْمِ، فَلَا يَرُوجُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكَذِبِ مَا يَرُوجُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمُهُمْ (¬1) ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ بِالرَّسُولِ أَعْرَفَ كَانَ تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَتَمَّ، فَقَدْ يَرُوجُ عَلَى أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَالْفِقْهِ، وَالزُّهْدِ، وَالنَّظَرِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: إِمَّا يُصَدِّقُونَ بِهَا، وَإِمَّا يُجَوِّزُونَ بِصِدْقِهَا، وَتَكُونُ مَعْلُومَةَ الْكَذِبِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ يُصَدِّقُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ بِمَا يَكُونُ كَذِبًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ (¬2) " مِثْلَ مَا ¬

(¬1) س، ب: عِلْمٌ (¬2) فِي هَامِشِ (س) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ: " الْأَحَادِيثَ الْمَكْذُوبَةَ

يَرْوِي طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ حَدِيثَ: " «لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» "، وَحَدِيثَ: " «زَكَاةُ الْأَرْضِ نَبْتُهَا» "، وَحَدِيثَ: " «نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَنُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ» "، وَحَدِيثَ: " «نُهِيَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» "، وَحَدِيثَ: " «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ عَلَى مُسْلِمٍ» "، وَحَدِيثَ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرِيضَةٌ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» "، وَحَدِيثَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ يُتِمُّ وَيَقْصُرُ» "، وَحَدِيثَ: " «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إِلَّا فِي عَشْرِ دَرَاهِمَ» "، وَحَدِيثَ: " «لَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» "، وَحَدِيثَ: " «الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ» "، وَحَدِيثَ: " «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ» "، وَحَدِيثَ: " «نَهَى عَنِ الْبَتْرَاءِ» "، وَحَدِيثَ: «يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنَ الْمَنِيِّ وَالدَّمِ» "، وَحَدِيثَ: " «الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ لَا مِمَّا دَخَلَ» "، وَحَدِيثَ: " «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَعُودُ» ". إِلَى أَمْثَالِ (¬1) ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ (¬2) الَّتِي يُصَدِّقُ بَعْضَهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَيَبْنُونَ عَلَيْهَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضُوعَةٌ (عَلَيْهِ) (¬3) ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ يَرْوِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النُّسَّاكِ، وَيَظُنُّهَا صِدْقًا، مِثْلَ قَوْلِهِمْ (¬4) ¬

(¬1) ن، م: مِثَالِ (¬2) ن، م، س: الْحَدِيثِ (¬3) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬4) ن، م، س: قَوْلِهِ:

" إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا "، وَمِثْلَ قَوْلِهِمْ: " إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 52) ، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (سُورَةِ الْكَهْفِ: 28) (¬1) : نَزَلَ (¬2) فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَمِثْلَ حَدِيثِ: " «غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَحَدُ الْأَبْدَالِ الْأَرْبَعِينَ» "، وَكَذَلِكَ حَدِيثٌ فِيهِ ذِكْرُ الْأَبْدَالِ، وَالْأَقْطَابِ، وَالْأَغْوَاثِ، وَعَدَدِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَذِبٌ. وَكَذَلِكَ أَمْثَالُ (¬3) . . هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَدْ تُعْلَمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، مِثْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 52) ، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (سُورَةِ الْكَهْفِ: 28) فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ (¬4) وَهُمَا سُورَتَانِ مَكِّيَّتَانِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَالصُّفَّةُ إِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ (¬5) وَمِثْلَ مَا يَرْوُونَ فِي أَحَادِيثِ الْمِعْرَاجِ (¬6) : أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ كَذَا. ¬

(¬1) آيَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي (ب) فَقَطْ (¬2) نَزَلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَفِي (ن) ، (س) : نَزَلَتْ (¬3) ن، م: وَكَذِبُ أَمْثَالِ (¬4) ن، م: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ ; س: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ مِنْ (ب) ، (¬5) الْمَقْصُودُ أَنَّ آيَةَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَآيَةَ سُورَةِ الْكَهْفِ لَمْ يَنْزِلَا فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ لِأَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِمَكَّةَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ. (¬6) م: حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ

وَأَحَادِيثُ الْمِعْرَاجِ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحَادِيثِ ذِكْرِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنَّمَا الرُّؤْيَةُ فِي أَحَادِيثَ مَدَنِيَّةٍ كَانَتْ فِي الْمَنَامِ كَحَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: " «أَتَانِي الْبَارِحَةَ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» " إِلَى آخِرِهِ، فَهَذَا مَنَامٌ رَآهُ (¬1) فِي الْمَدِينَةِ، * وَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهُ كُلُّهَا كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ فِي الْمَنَامِ * (¬2) ، وَالْمِعْرَاجُ كَانَ بِمَكَّةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ يَرُوجُ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَظْهَرُ كَذِبًا مِنْ هَذَا، مِثْلَ تَوَاجُدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَقَطَتِ الْبُرْدَةُ عَنْهُ، فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَطَائِفَةٌ يَظُنُّونَ هَذَا صِدْقًا لِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ فِي مَسْأَلَةِ السَّمَاعِ، وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ لَكِنْ قَالَ: " يُخَالِجُ سِرِّي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ دُونَ اجْتِمَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ "، وَهَذَا الَّذِي ظَنَّهُ وَخَالَجَ سِرَّهُ هُوَ يَقِينٌ عِنْدَ غَيْرِهِ قَدْ خَالَطَ قَلْبَهُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا ظَنُّ طَائِفَةٍ أَنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ قَاتَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَوْلِيَاءِ قِتَالُ الْأَنْبِيَاءِ، إِذَا كَانَ الْغَدْرُ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ فَقَدْ رَاجَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْأَحْوَالِ وَالْمَعَارِفِ وَالْحَقَائِقِ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمْ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ، وَالشَّيَاطِينُ الَّتِي تَقْتَرِنُ بِهِمْ (¬3) بِهِمْ قَدْ تُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ الْغَائِبَاتِ، وَتَفْعَلُ بَعْضَ ¬

(¬1) رَآهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) ن: الَّتِي تُقْرَنُ بِهِمْ ; س: الَّتِي يَغْتَرُّونَ بِهِمْ ; ب: الَّذِينَ يَغْتَرُّونَ

أَغْرَاضِهِمْ، وَتَقْضِي (بَعْضَ) (¬1) حَوَائِجِهِمْ، وَيَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيَاطِينِ. وَكَذَلِكَ قَدْ يَرُوجُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ (¬2) إِلَى السُّنَّةِ أَحَادِيثُ يَظُنُّونَهَا مِنَ السُّنَّةِ وَهِيَ كَذِبٌ، كَالْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ - غَيْرَ الصَّوْمِ - وَفَضْلِ الْكُحْلِ فِيهِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَالْحَدِيثِ (¬3) ، وَالْخِضَابِ، وَالْمُصَافَحَةِ، وَتَوْسِعَةِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ فِيهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي عَاشُورَاءَ (¬4) حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَيْرَ الصَّوْمِ. وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى فِي فَضْلِ صَلَوَاتٍ (¬5) مُعَيَّنَةٍ فِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَنْقُلْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كُتُبِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا (¬6) سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى: " «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» " فَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ. وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِي فَضْلِ رَجَبٍ بِخُصُوصِهِ، أَوْ فَضْلِ صِيَامِهِ، أَوْ صِيَامِ شَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ فَضْلِ صَلَاةٍ مَخْصُوصَةٍ فِيهِ كَالرَّغَائِبِ، كُلُّهَا كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ. وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى فِي صَلَاةِ الْأُسْبُوعِ كَصَلَاةِ يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ ¬

(¬1) بَعْضَ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬2) س، ب: يُنْسَبُ (¬3) وَالْحَدِيثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬4) ن، س، ب: وَلَيْسَ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ (¬5) س، ب: صَلَاةٍ (¬6) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

وَغَيْرِهِمَا كَذِبٌ، وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى مِنَ الصَّلَاةِ الْمُقَدَّرَةِ لَيْلَةَ النِّصْفِ، وَأَوَّلَ لَيْلَةِ (¬1) جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كُلُّهَا كَذِبٌ. وَكَذَلِكَ كَلُّ صَلَاةٍ فِيهَا الْأَمْرُ بِتَقْدِيرِ عَدَدِ الْآيَاتِ أَوِ السُّوَرِ أَوِ التَّسْبِيحِ، فَهِيَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، إِلَّا صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، فَإِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ لَهُمْ، وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اعْتَقَدَ صِدْقَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْخُذْهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ كَرِهُوهَا وَطَعَنُوا فِي حَدِيثِهَا، وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَنْ يَسْتَحِبُّهَا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُمْ، لَا نَقْلٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ. وَأَمَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ فَلَمْ يَسْتَحِبَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ الْمَأْثُورَةَ الَّتِي فِيهَا التَّسْبِيحُ قَبْلَ الْقِيَامِ، بَلِ اسْتَحَبَّ صِفَةً أُخْرَى تُوَافِقُ الْمَشْرُوعَ؛ لِئَلَّا تَثْبُتَ سُنَّةٌ بِحَدِيثٍ لَا أَصْلَ لَهُ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَشْيَاءُ مَنْقُولَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهَا كَذِبٌ مِثْلَ حَدِيثِ فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَالْوَاحِدِيُّ فِي أَوَّلِ (¬2) كُلِّ سُورَةٍ، وَيَذْكُرُهُ (¬3) وَكَذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ. وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصَحَّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضَائِلَ السُّوَرِ أَحَادِيثُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَلِهَذَا رَوَاهَا أَهْلُ الصَّحِيحِ، فَأَفْرَدَ (¬4) ¬

(¬1) س، ب: أَوْ لَيْلَةَ (¬2) س، ب: فِي أَوَائِلِ (¬3) ن: وَيَذْكُرُ ; م: (¬4) س، ب: فَأَوْرَدَ

الْحُفَّاظُ لَهَا مُصَنَّفَاتٍ كَالْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ وَغَيْرِهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَأْثُورَةَ (¬1) فِي فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَخَوَاتِيمِ الْبَقَرَةِ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ فَلَهُمْ فُرْقَانٌ يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَأَمَّا (أَحَادِيثُ) (¬2) سَبَبِ النُّزُولِ فَغَالِبُهَا مُرْسَلٌ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ثَلَاثُ عُلُومٍ لَا إِسْنَادَ لَهَا - وَفِي لَفْظٍ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ -: التَّفْسِيرُ، وَالْمَغَازِي، وَالْمَلَاحِمُ، يَعْنِي أَنَّ أَحَادِيثَهَا مُرْسَلَةٌ. وَالْمَرَاسِيلُ قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا، وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ مِنْهَا الْمَقْبُولَ، وَمِنْهَا الْمَرْدُودَ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفَ، فَمَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ قُبِلَ مُرْسَلُهُ، وَمَنْ عُرِفَ أَنَّهُ يُرْسِلُ عَنِ الثِّقَةِ وَغَيْرِ الثِّقَةِ كَانَ إِرْسَالُهُ رِوَايَةً عَمَّنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَهَذَا مَوْقُوفٌ، وَمَا كَانَ مِنَ الْمَرَاسِيلِ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ كَانَ مَرْدُودًا. وَإِذَا جَاءَ الْمُرْسَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ (¬3) : كُلٌّ مِنَ الرَّاوِيَيْنِ (¬4) أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ شُيُوخِ الْآخَرِ (¬5) ، فَهَذَا مِمَّا (¬6) يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ تَمَاثُلُ الْخَطَأِ فِيهِ وَتَعَمُّدُ الْكَذِبِ، كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ صِدْقٌ، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ إِنَّمَا يُؤْتَى (¬7) مِنْ جِهَةِ (تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَمِنْ جِهَةِ) (¬8) ¬

(¬1) ن، م، س: الْحَدِيثَ الْمَأْثُورَ (¬2) أَحَادِيثُ: فِي (ب) فَقَطْ (¬3) س، ب: وَإِذَا كَانَ الْمُرْسَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ ; م: وَآحَادُ الْمُرْسَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ (¬4) ن، س: الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) ن: عَنْ آخِرِ شُيُوخِ الْآخَرِ (¬6) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬7) ن، م: إِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)

الْخَطَأِ، فَإِذَا كَانَتِ الْقِصَّةُ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَاطَأْ فِيهِ الْمُخْبِرَانِ، وَالْعَادَةُ (¬1) تَمْنَعُ تَمَاثُلَهُمَا فِي الْكَذِبِ عَمْدًا وَخَطَأً، مِثْلَ (¬2) أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ طَوِيلَةً فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ رَوَاهَا هَذَا مِثْلَ مَا رَوَاهَا هَذَا، فَهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ صِدْقٌ. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَخَلْقِهِ لِلْعَالَمِ (¬3) وَقِصَّةِ آدَمَ وَيُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْآخَرُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَسْتَفِدْ ذَلِكَ مِنَ الْآخَرِ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ تَمَاثُلُ الْخَبَرَيْنِ الْبَاطِلَيْنِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ مُفَصَّلَةٍ دَقِيقَةٍ عَنْ مُخْبَرٍ مُعَيَّنٍ، لَوْ كَانَ مُبْطِلًا فِي خَبَرِهِ لَاخْتَلَفَ خَبَرُهُ، لِامْتِنَاعِ أَنَّ مُبْطِلًا يَخْتَلِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ، لَا سِيَّمَا فِي أُمُورٍ لَا تَهْتَدِي الْعُقُولُ إِلَيْهَا، بَلْ ذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخْبَرَ بِعِلْمٍ وَصِدْقٍ. وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ النَّاسُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ (¬4) وَأَخْبَرَ عَنْ حَوَادِثَ مُفَصَّلَةٍ حَدَثَتْ فِيهِ، تَنْتَطِمُ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا مُخْتَلِفَةً، وَجَاءَ مَنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُوَاطِئْهُ عَلَى الْكَذِبِ فَحَكَى مِثْلَ ذَلِكَ، عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاطَأَةِ وَتَلَقِّي بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، (كَمَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ الْبَاطِلِ الْمَقَالَاتِ الْبَاطِلَةَ مِثْلَ مَقَالَةِ النَّصَارَى وَالْجَهْمَيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، لَكِنَّهَا تَلَقَّاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ،) (¬5) ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : فَالْعَادَةُ (¬2) س، ب: وَمِثْلَ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) ن، س: ب: لِلْعِلْمِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) إِلَى آخَرَ: فِي (ن) فَقَطْ (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)

فصل الطرق التي يعلم بها كذب المنقول

فَلَمَّا تَوَاطَئُوا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقُهُمْ فِيهَا عَلَى الْبَاطِلِ. وَالْجَمَاعَةُ الْكَثِيرُونَ يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَحْدِ الضَّرُورِيَّاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاطُؤِ: إِمَّا عَمْدًا لِلْكَذِبِ (¬1) وَإِمَّا خَطَأً فِي الِاعْتِقَادِ، وَأَمَّا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَحْدِ الضَّرُورِيَّاتِ مِنْ دُونِ (¬2) هَذَا وَهَذَا فَمُمْتَنِعٌ (¬3) [فصل الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ] فَصْلٌ فِي الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ. مِنْهَا: أَنْ يُرْوَى خِلَافُ مَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ، مِثْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَاتَّبَعَهُ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ فَكَانُوا مُرْتَدِّينَ لِإِيمَانِهِمْ بِهَذَا الْمُتَنَبِّئِ الْكَذَّابِ، وَأَنَّ أَبَا لُؤْلُؤَةَ قَاتِلَ عُمَرَ كَانَ مَجُوسِيًّا كَافِرًا، وَأَنَّ أَبَا الْهُرْمُزَانِ كَانَ مَجُوسِيًّا أَسْلَمَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ * كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ مُدَّةَ مَرَضِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْلُفُهُ بِالْإِمَامَةِ بِالنَّاسِ لِمَرَضِهِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ * (¬4) وَعُمَرَ دُفِنَا فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِثْلَ مَا يُعْلَمُ مِنْ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْقِتَالُ كَبَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ الْخَنْدَقِ ثُمَّ خَيْبَرَ ثُمَّ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ غَزْوَةِ الطَّائِفِ، وَالَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ كَغَزْوَةِ تَبُوكَ وَغَيْرِهَا، وَمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ ¬

(¬1) م: إِمَّا عَمْدًا لِلْكَذِبِ، (¬2) ن، م: بِدُونِ (¬3) ن، س: الْمُمْتَنِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م

فِي الْغَزَوَاتِ كَنُزُولِ الْأَنْفَالِ بِسَبَبِ (¬1) بَدْرٍ، وَنُزُولِ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ بِسَبَبِ أُحُدٍ، وَنُزُولِ أَوَّلِهَا بِسَبَبِ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَنُزُولِ سُورَةِ الْحَشْرِ بِسَبَبِ بَنِي النَّضِيرِ، وَنُزُولِ الْأَحْزَابِ بِسَبَبِ الْخَنْدَقِ، وَنُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ بِسَبَبِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَنُزُولِ بَرَاءَةَ بِسَبَبِ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَغَيْرِهَا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. فَإِذَا رُوِيَ فِي الْغَزَوَاتِ - وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا - مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ عُلِمَ أَنَّهُ كَذِبٌ، مِثْلَ مَا يَرْوِي هَذَا الرَّافِضِيُّ، وَأَمْثَالُهُ مِنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَكَاذِيبِ (¬2) الْبَاطِلَةِ الظَّاهِرَةِ فِي الْغَزَوَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَمِثْلَ أَنْ يُعْلَمَ نُزُولُ الْقُرْآنِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، كَمَا يُعْلَمُ أَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءِ (¬3) ، وَالْمَائِدَةِ، وَالْأَنْفَالِ، وَبَرَاءَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي الْمَدِينَةِ، وَأَنَّ الْأَنْعَامَ، وَالْأَعْرَافَ، وَيُونُسَ، وَهُودًا، وَيُوسُفَ، وَالْكَهْفَ، وَطه، وَمَرْيَمَ، وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ نَزَلَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ، وَأَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّ الصُّفَّةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُونُوا نَاسًا مُعَيَّنِينَ، بَلْ كَانَتِ الصُّفَّةُ مَنْزِلًا يَنْزِلُ بِهَا مَنْ لَا أَهْلَ لَهُ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْقَادِمِينَ، وَمِمَّنْ دَخَلَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ، وَكَالْعُرَنِيِّينَ (¬4) الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ ¬

(¬1) ن، م: لِسَبَبِ (¬2) م: الْأَحَادِيثِ (¬3) ن، م، س: الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَآلِ عِمْرَانَ (¬4) م: وَكَالْعُرَانِيِّينَ

الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَأَلْقَاهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ (¬1) ، فَلَا يُسْقَوْنَ (¬2) ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْلُومَةِ. فَإِذَا رَوَى الْجَاهِلُ نَقِيضَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَمِنَ الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الْكَذِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَتَوَفَّرَتِ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الْوَاحِدُ بِبَلَدٍ عَظِيمٍ بِقَدْرِ بَغْدَادَ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ لَعَلِمْنَا كَذِبَهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ (¬3) لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَأَخْبَرَ بِهِ النَّاسَ. ¬

(¬1) س: لِيَسْتَسْقُونَ (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/162 163 (كِتَابُ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، بَابُ لَمْ يَحْسِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ حَتَّى هَلَكُوا) ، وَنَصُّهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. وَجَاءَ بَعْدَهُ مُبَاشَرَةً حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ (بَابُ لَمْ يُسْقَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُحَارِبُونَ حَتَّى مَاتُوا) . وَنَصُّهُ: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي الصُّفَّةِ. . . وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّرِيخُ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ. . . حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا ". وَأَوْرَدَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 3/1296 1298 بَابًا (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ) أَوْرَدَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِنَفْسِ الْمَعْنَى (9/14 وَآخِرُ حَدِيثٍ فِيهِ: عَنْ أَنَسٍ: " إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ " وَعُرَيْنَةُ: حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ وَحَيٌّ مِنْ بَجِيلَةَ مِنْ قَحْطَانَ. وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي. وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ أَخَذُوا إِبِلَهُ وَقَدَّمُوهَا أَمَامَهُمْ سَائِقِينَ لَهَا طَارِدِينَ. سَمَلَ أَعْيُنَهُمْ (فِي بَعْضِ النُّسَخِ: سَمَرَ) . وَمَعْنَى سَمَلَ: فَقَأَهَا وَأَذْهَبَ مَا فِيهَا. وَمَعْنَى سَمَرَ: كَحَلَهَا بِمَسَامِيرَ مَحْمِيَّةٍ. وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى. وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ: هِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ (¬3) ن، م: فَإِنَّهُ

وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ تَوَلَّى (¬1) رَجُلٌ بَيْنَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَوْ تَوَلَّى بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، أَوْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَذَّنُ لَهُ فِي الْعِيدِ، أَوْ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَوِ الِاسْتِسْقَاءِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُقَامُ بِمَدِينَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ يُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ أَكْثَرُ مِنْ عِيدٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ بِمِنًى يَوْمَ الْعِيدِ، أَوْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى خَلْفَهُ، أَوْ أَنَّهُ (¬2) كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِمِنًى، كَمَا كَانَ يَقْصُرُ، أَوْ أَنَّهُ فَرَضَ صَوْمَ شَهْرٍ آخَرَ غَيْرِ رَمَضَانَ، أَوْ أَنَّهُ فَرَضَ صَلَاةً سَادِسَةً وَقْتَ الضُّحَى أَوْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَوْ أَنَّهُ فَرَضَ حَجَّ بَيْتٍ آخَرَ غَيْرِ الْكَعْبَةِ، أَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ عَارَضَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهِمْ بِكَلَامٍ يُشَابِهُهُ، وَنَحْوَ هَذِهِ الْأُمُورِ - لَكُنَّا نَعْلَمُ كَذِبَ هَذَا الْكَاذِبِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ انْتِفَاءَ هَذِهِ الْأُمُورِ بِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ مِمَّا يَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا عَامَّةً لِبَنِي آدَمَ، وَخَاصَّةً لِأُمَّتِنَا شَرْعًا، فَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَتَوَاتَرَ، عُلِمَ أَنَّهَا كَذِبٌ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ نَقْلُ النَّصِّ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ هَذَا النَّصَّ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) بِإِسْنَادٍ (¬3) صَحِيحٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، وَلَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَهُ عَلَى عَهْدِ (¬4) ¬

(¬1) م: لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ تُوُفِّيَ (¬2) ن، م، س: وَأَنَّهُ (¬3) ن، س، ب: لَمْ يُبَلِّغْهُ أَحَدٌ بِإِسْنَادٍ. . (¬4) س، ب: عَلَى جِهَةِ

الْخُلَفَاءِ (¬1) مَعَ تَنَازُعِ النَّاسِ فِي الْخِلَافَةِ، وَتَشَاوُرِهِمْ (¬2) فِيهَا يَوْمَ السَّقِيفَةِ، وَحِينَ مَوْتِ عُمَرَ، وَحِينَ جُعِلَ الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَهُمْ فِي سِتَّةٍ، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ * أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّصِّ لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ نَصًّا جَلِيًّا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ عَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ، لَكَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ * (¬3) بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْقُلَهُ النَّاسُ نَقْلَ مِثْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ لِكَثِيرٍ (¬4) مِنَ النَّاسِ، بَلْ أَكْثَرِهِمْ، فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ عَلَى ذِكْرِهِ فِيهَا غَايَةَ التَّوَفُّرِ، فَانْتِفَاءُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَازِمٌ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَلْزُومٌ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. فَفِي الْجُمْلَةِ الْكَذِبُ هُوَ نَقِيضُ الصِّدْقِ وَأَحَدُ النَّقِيضَيْنِ يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ تَارَةً بِثُبُوتِ نَقِيضِهِ، وَتَارَةً بِمَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ بِخُصُوصِهِ. وَالْكَلَامُ مَعَ الشِّيعَةِ أَكْثَرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّقْلِ، فَمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِمَا وَقَعَ، وَبِالْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ عَلِمَ انْتِفَاءَ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ يَقِينًا (¬5) ، وَلِهَذَا لَيْسَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ (إِلَّا) (¬6) مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِفَضْلِ (¬7) الشَّيْخَيْنِ وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِمَا، وَكَذِبِ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ. ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : الْخَفَاءِ (¬2) م: وَشَاوَرَهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬4) س، ب: كَثِيرٌ (¬5) ن، س، ب: عَيْنًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬6) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ (¬7) ن، س، ب: بِفُضُولِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

توجد أحاديث أخرى لم يذكرها الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها

ثُمَّ كُلُّ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِالرَّسُولِ وَأَحْوَالِهِ، كَانَ أَعْلَمَ بِبُطْلَانِ مَذْهَبِ الزَّيْدِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ يَدَّعِي نَصًّا خَفِيًّا، وَأَنَّ (¬1) عَلِيًّا كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ، أَوْ يَتَوَقَّفُ فِي التَّفْضِيلِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا وَقَعُوا فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ أَوِ الْبَسِيطِ لِضَعْفِ عِلْمِهِمْ بِمَا عَلِمَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ. [توجد أحاديث أخرى لم يذكرها الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها] فَصْلٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَمَّ أَحَادِيثُ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرْهَا هَذَا الرَّافِضِيُّ، لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَدَلَّتْ عَلَى مَقْصُودِهِ، وَفِيهَا مَا هُوَ أَدَلُّ مِنْ بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ لَكِنَّهَا كُلَّهَا كَذِبٌ، وَالنَّاسُ قَدْ رَوَوْا أَحَادِيثَ مَكْذُوبَةً فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنَّ الْمَكْذُوبَ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ أَكْثَرُ ; لِأَنَّ الشِّيعَةَ أَجْرَأُ عَلَى الْكَذِبِ مِنَ النَّوَاصِبِ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ (¬2) : " فَضَائِلُ عَلِيٍّ الصَّحِيحَةُ (¬3) كَثِيرَةٌ غَيْرَ أَنَّ الرَّافِضَةَ لَمْ تَقْنَعْ فَوَضَعَتْ لَهُ مَا يَضَعُ لَا مَا يَرْفَعُ (¬4) ، وَحُوشِيَتْ (¬5) حَاشِيَتُهُ (¬6) مِنَ الِاحْتِيَاجِ (¬7) إِلَى الْبَاطِلِ ". قَالَ (¬8) : " فَاعْلَمْ (¬9) أَنَّ الرَّافِضَةَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مِنْهُمْ (¬10) سَمِعُوا ¬

(¬1) ن: أَوْ أَنَّ (¬2) فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/338 (¬3) الْمَوْضُوعَاتِ: فَضَائِلُهُ الصَّحِيحَةُ (¬4) م: إِلَّا مَا يَرْفَعُ ; الْمَوْضُوعَاتِ: وَلَا يَرْفَعُ (¬5) ن، س: وَحَوَّشَتْ ; م: وَحُوسِبَ (¬6) ن، س: حَاشَتْهُ ; م: حَاسَبَهُ (¬7) الْمَوْضُوعَاتِ: الِاحْتِجَاجِ (¬8) بَعْدَ مَا سَبَقَ مُبَاشَرَةً (¬9) ن، س، ب: وَاعْلَمْ (¬10)) مِنْهُمْ: لَيْسَتْ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ "

أَشْيَاءَ (¬1) مِنَ الْحَدِيثِ فَوَضَعُوا أَحَادِيثَ وَزَادُوا وَنَقَصُوا، وَصِنْفٌ لَمْ يَسْمَعُوا فَتَرَاهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَيَقُولُونَ: قَالَ جَعْفَرٌ، وَقَالَ (¬2) فُلَانٌ، وَصِنْفٌ (¬3) ثَالِثٌ عَوَامٌّ جَهَلَةٌ يَقُولُونَ مَا يُرِيدُونَ مِمَّا يَسُوغُ فِي الْعَقْلِ، وَمِمَّا لَا يَسُوغُ ". فَمِنْ أَمَاثِلِ الْمَوْضُوعَاتِ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (¬4) مِنْ طَرِيقِ النَّسَائِيِّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ (¬5) فِي خَصَائِصِ عَلِيٍّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو (¬6) ، عَنْ عَبَّادِ (¬7) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، وَأَخُو رَسُولِ اللَّهِ (¬8) ، وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، لَا يَقُولُهَا بَعْدِي (¬9) إِلَّا كَاذِبٌ، صَلَّيْتُ قَبْلَ النَّاسِ سَبْعَ سِنِينَ "، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " الْفَضَائِلِ " (¬10) ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (¬11) : " وَلَقَدْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ ". وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ صَالِحٍ أَيْضًا عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَبَّادٍ. ¬

(¬1) 1) الْمَوْضُوعَاتِ: شَيْئًا (¬2) 2) م: أَوْ قَالَ (¬3) 3) الْمَوْضُوعَاتِ: وَالصِّنْفُ (¬4) 4) فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/341 (¬5) 5) م: صَنَّفَهُ (¬6) 6) ن، م، س: ابْنِ عُمَرَ (¬7) 7) الْمَوْضُوعَاتِ: عُبَادَةَ (¬8) 8) الْمَوْضُوعَاتِ: وَأَخُو رَسُولِهِ (¬9) 9) بَعْدِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬10) 0) ح 2 ص 586 587 (رَقْمُ 993) (¬11) 1) أَيْ فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " وَذُكِرَتْ فِي نَفْسِ الرَّقْمِ السَّابِقِ

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ (¬1) : " هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ (¬2) ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: (¬3) " (حَمَّادٌ) (¬4) الْأَزْدِيُّ: رَوَى (¬5) أَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْمِنْهَالُ فَتَرَكَهُ شُعْبَةُ، قَالَ (¬6) أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: " أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِ اللَّهِ (¬7) " فَقَالَ: اضْرِبْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (¬8) ". قُلْتُ: وَعَبَّادٌ يُرْوَى مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ عَلِيٍّ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَيْهِ قَطْعًا، مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا (¬9) كَانَ أَبَرَّ، وَأَصْدَقَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ، وَيَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَا يُشْتَبَهُ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَقُلْهُ لِعِلْمِنَا بِأَنَّهُ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَتَعَمَّدَ هَذَا الْكَذِبَ الْقَبِيحَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا (¬10) ¬

(¬1) فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/341 (¬2) الْمَوْضُوعَاتِ: وَهَذَا مَوْضُوعٌ (¬3) ن، م: أَبُو الْفَتْحِ (¬4) حَمَّادٌ: زِيَادَةٌ فِي (س) ، (ب) وَلَيْسَتْ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ ". بَلْ فِيهِ: وَقَالَ الْأَزْدِيُّ (¬5) م: يَرْوِي (¬6) الْمَوْضُوعَاتِ: وَقَالَ (¬7) ن: وَأَخُو رَسُولِهِ ; وَأَخُو رَسُولِهِ وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ (¬8) قَالَ الدُّكْتُورُ وَصِيُّ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَبَّاسٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْحَدِيثِ: " هَذَا إِسْنَادٌ مُنْكَرٌ لِأَجْلِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ. . . وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي " الْمِيزَانِ " 2/368: هَذَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ " (¬9) س، ب: أَنَّهُ (¬10)) م: مِمَّا لَيْسَ

يُشْتَبَهُ حَتَّى يُخْطِئَ فِيهِ، فَالنَّاقِلُ عَنْهُ إِمَّا مُتَعَمِّدٌ الْكَذِبَ، وَإِمَّا مُخْطِئٌ غَالِطٌ، وَلَيْسَ قَدْحُ الْمُبْغِضِ لِعَلِيٍّ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُتَعَصِّبِينَ لِبَنِي مَرْوَانَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا يُشَكِّكُنَا فِي صِدْقِهِ وَبِرِّهِ وَتَقْوَاهُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ قَدْحُ الرَّافِضَةِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ وَقَدْحُ الشِّيعَةِ فِي عُثْمَانَ لَا يُشَكِّكُنَا فِي الْعِلْمِ بِصِدْقِهِمْ وَبِرِّهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، بَلْ نَحْنُ نَجْزِمُ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا هُوَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ. ، فَإِذَا كَانَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ مِمَّا لَا يُغْلَطُ (¬1) فِي مِثْلِهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَذِبٌ، جَزَمْنَا بِكَذِبِ النَّاقِلِ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا. مِثْلَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي " الْمَنَاقِبِ " (¬2) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ (¬3) ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو (¬4) ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ (¬5) بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو (¬6) ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ، «عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 214) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَآكِلًا جَذَعَةً، وَإِنْ كَانَ شَارِبًا فَرَقًا» . . إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. ¬

(¬1) 1) س، ب: مِمَّا يُغْلَطُ (¬2) 2) فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 2/650 651 (رَقْمُ 1108) (¬3) 3) الْفَضَائِلِ: بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ (¬4) 4) م: بْنِ عُمَرَ (¬5) 5) الْفَضَائِلِ: أَسْوَدُ (¬6) 6) م: بْنِ عُمَرَ

وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَرْوِهِ قَطُّ، وَكَذِبُهُ ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ (¬1) . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " الْفَضَائِلِ (¬2) ": حَدَّثَنَا عُثْمَانُ (¬3) ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِزٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَهَؤُلَاءِ يُعْلَمُ (¬4) أَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْبَاطِلَ. وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ (¬5) مِنْ طَرِيقِ أَجْلَحَ، عَنْ سَلَمَةَ (¬6) بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ (¬7) ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَنَا (¬8) عَبَدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَعْبُدَهُ رَجُلٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَمْسَ سِنِينَ أَوْ سَبْعَ سِنِينَ " قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: حَبَّةُ لَا يُسَاوِي حَبَّةً (¬9) فَإِنَّهُ كَذَّابٌ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ (¬10) ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: غَيْرُ ثِقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ وَاهِيًا (¬11) فِي الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الْأَجْلَحُ فَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رَوَى غَيْرَ حَدِيثٍ مُنْكَرٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ (¬12) ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ ". ¬

(¬1) 1) قَالَ مُحَقِّقُ " الْفَضَائِلِ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِأَجْلِ يَحْيَى الْحِمَّانِيِّ وَعَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَشَرِيكٍ " (¬2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي " الْفَضَائِلِ " بِالْإِسْنَادِ التَّالِي، وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي " الْفَضَائِلِ " 2/700 (رَقْمُ 1196) بِإِسْنَادٍ آخَرَ (¬3) ن: عَفَّانُ ; م: عَفَّارٌ (¬4) س، ب: وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/341 342 (¬6) الْمَوْضُوعَاتِ: أَجَلَحَ بْنِ سَلَمَةَ (¬7) م: بْنِ جُوَيْرٍ (غَيْرَ مَنْقُوطَةٍ) (¬8) أَنَا: لَيْسَتْ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " (¬9) الْمَوْضُوعَاتِ: وَهَذَا حَدِيثٌ مُوضَعٌ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا حَبَّةُ فَلَا يُسَاوِي حَبَّةً (¬10) الْمَوْضُوعَاتِ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ (¬11) م: وَاهِنًا (¬12) الْمَوْضُوعَاتِ: بِحَدِيثِهِ

قَالَ أَبُو الْفَرَجِ (¬1) : وَمِمَّا يُبْطِلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِ خَدِيجَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَزَيْدٍ (¬2) ، وَأَنَّ عُمَرَ أَسْلَمَ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ النُّبُوَّةِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا (¬3) ، فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا. وَذَكَرَ حَدِيثًا (¬4) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " (أَنَا) (¬5) الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ (¬6) "، " وَهُوَ مِمَّا عَمِلَتْهُ يَدُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ الذَّرَّاعِ (¬7) ، فَإِنَّهُ كَانَ كَذَّابًا يَضَعُ الْحَدِيثَ ". وَحَدِيثًا فِيهِ (¬8) " أَنَا أَوَّلُهُمْ إِيمَانًا، وَأَوْفَاهُمْ بِعَهْدِ اللَّهِ، وَأَقْوَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَقْسَمُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ (¬9) ، وَأَعْدَلُهُمْ فِي الرَّعِيَّةِ، وَأَبْصَرُهُمْ بِالْقَضِيَّةِ (¬10) " قَالَ: " وَهُوَ مَوْضُوعٌ (¬11) ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ بِشْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ "، وَرَوَاهُ الْأَبْزَارِيُّ الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ (¬12) الْجَوْهَرِيِّ، عَنْ مَأْمُونٍ، عَنِ الرَّشِيدِ، قَالَ: وَهَذَا الْأَبْرَازِيُّ كَانَ كَذَّابًا (¬13) . ¬

(¬1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً (¬2) الْمَوْضُوعَاتِ: خَدِيجَةَ وَيَزِيدَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْمَقْصُودُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬3) رَجُلًا: لَيْسَتْ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " (¬4) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: " طَرِيقٌ آخَرُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ (¬5) أَنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬6) الْحَدِيثُ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " طَوِيلٌ وَآخِرُ عِبَارَاتِهِ: " فَهَذَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ " (7) الْمَوْضُوعَاتِ: " هَذَا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الذَّرَّاعِ " (¬7) الْمَوْضُوعَاتِ: " هَذَا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الذَّرَّاعِ " (¬8) وَهُوَ الْحَدِيثُ التَّالِي 1/342 343 (¬9) ن، س: بِالتَّسْوِيَةِ (¬10)) الْمَوْضُوعَاتِ: وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَزِيَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (¬11) 11) الْمَوْضُوعَاتِ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ (¬12) 12) س، ب: بْنِ سَعْدٍ (¬13) 13) لَخَّصَ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا كَلَامَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الَّذِي ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا. وَفِي " الْمَوْضُوعَاتِ ": الْأَبْزَارِيُّ

وَذَكَرَ حَدِيثًا (¬1) : " «أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنْتَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، وَأَنْتَ الْفَارُوقُ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَأَنْتَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْكَافِرِينَ، أَوْ يَعْسُوبُ (¬2) الظُّلْمَةِ» (¬3) ". قَالَ: " وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَفِي طَرِيقِهِ الْأَوَّلِ (¬4) ، عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ، وَكَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ (¬5) ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فَفِيهِ أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ، كَانَ كَذَّابًا رَافِضِيًّا (¬6) خَبِيثًا، فَقَدِ اجْتَمَعَ عَبَّادٌ وَأَبُو الصَّلْتِ فِي رِوَايَتِهِ (¬7) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا أَيُّهُمَا سَرَقَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ". قُلْتُ: لَعَلَّ الْآفَةَ فِيهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَاهِرٍ (¬8) ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَا يَكْتُبُ عَنْهُ إِنْسَانٌ فِي خَيْرٍ، قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: " كَانَ غَالِيًا فِي الرَّفْضِ ". ¬

(¬1) وَهُوَ الْحَدِيثُ التَّالِي 1/344 (¬2) م: وَيَعْسُوبُ (¬3) عِبَارَةُ " أَوْ يَعْسُوبُ الظُّلْمَةِ " جَاءَتْ فِي رِوَايَةٍ تَالِيَةٍ 1/345 (¬4) الْمَوْضُوعَاتِ: أَمَّا الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ فَفِيهِ (¬5) لَمْ يَلْتَزِمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي الْعِبَارَاتِ الْأَخِيرَةِ بِكَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (¬6) ن، س، ب: رَافِضًا (¬7) الْمَوْضُوعَاتِ: فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ (¬8) لَمْ يَلْتَزِمْ هُنَا ابْنُ تَيْمِيَةَ بِتَرْتِيبِ كَلَامِ " الْمَوْضُوعَاتِ "

طرق يمكن سلوكها لمن لم تكن له معرفة بالأخبار

[طُرُقٌ يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ] فَصْلٌ وَهُنَا طُرُقٌ (¬1) يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ مِنَ الْخَاصَّةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخَاصَّةِ - فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ - يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ فِي أَكْثَرِ مَا يُرْوَى مِنَ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ (¬2) ، وَلِهَذَا عَدَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ بِالْإِسْنَادِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ لِعَجْزِهِمْ عَنْهَا، وَسَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ. وَلَكِنَّ تِلْكَ الطَّرِيقَ هِيَ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، الْعَالِمِينَ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَلَكِنْ نَحْنُ نَذْكُرُ طَرِيقًا آخَرَ، فَنَقُولُ: نُقَدِّرُ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا لَمْ تُوجَدْ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهَا الصَّحِيحُ، وَنَتْرُكُ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا فِي الطَّرَفَيْنِ، وَنَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاتُرِ، وَمَا يُعْلَمُ مِنَ الْعُقُولِ (¬3) وَالْعَادَاتِ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا. فَنَقُولُ: مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ، وَالسِّيَرِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَطْلُبِ الْخِلَافَةَ لَا بِرَغْبَةٍ وَلَا بِرَهْبَةٍ، لَا بَذَلَ فِيهَا مَا يُرَغِّبُ (¬4) النَّاسَ بِهِ، وَلَا شَهَرَ ¬

(¬1) س، ب: طَرِيقٌ (¬2) ن، م: عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ (¬3) ن، م: بِالْعُقُولِ (¬4) ن، م: مَا لَا يُرَغِّبُ، وَهُوَ خَطَأٌ

عَلَيْهِمْ سَيْفًا يُرْهِبُهُمْ بِهِ، وَلَا كَانَتْ لَهُ قَبِيلَةٌ وَلَا مَوَالٍ (¬1) تَنْصُرُهُ، وَتُقِيمُهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ (¬2) الْمُلُوكِ أَنَّ أَقَارِبَهُمْ وَمَوَالِيَهُمْ يُعَاوِنُونَهُمْ، وَلَا طَلَبَهَا أَيْضًا بِلِسَانِهِ، وَلَا قَالَ: بَايِعُونِي، بَلْ أَمَرَ بِمُبَايَعَةِ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ كَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمْ يُؤْذِهِ، وَلَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْمُبَايَعَةِ، وَلَا مَنَعَهُ حَقًّا لَهُ، وَلَا حَرَّكَ عَلَيْهِمْ سَاكِنًا، وَهَذَا (¬3) غَايَةٌ فِي عَدَمِ إِكْرَاهِ النَّاسِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ. ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَايَعُوهُ وَدَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ وَسَائِرُ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ (¬4) ، لَكِنْ تَخَلَّفَ فَإِنَّهُ (¬5) كَانَ يُرِيدُ الْإِمْرَةَ (¬6) لِنَفْسِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي مُدَّةِ وِلَايَتِهِ قَاتَلَ بِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ، لَمْ (¬7) يُقَاتِلْ ¬

(¬1) م: أَمْوَالٌ (¬2) ن، س: جَرَتْ مِنْ عَادَةِ ; ب: جَرَى مِنْ عَادَةِ (¬3) س، ب: وَهَذِهِ (¬4) م: بَايَعُوا (¬5) ن، س: لَكِنَّ تَخَلُّفَهُ فَإِنَّهُ ; ب: لَكِنَّ تَخَلُّفَهُ لِأَنَّهُ. وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬6) ن، س، ب: الْأَمْرَ (¬7) س، ب: وَلَمْ

مُسْلِمِينَ، بَلْ أَعَادَ الْأَمْرَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَأَخَذَ يَزِيدُ الْإِسْلَامَ فُتُوحًا، وَشَرَعَ فِي قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَمَاتَ وَالْمُسْلِمُونَ مُحَاصِرُو دِمَشْقَ، وَخَرَجَ مِنْهَا أَزْهَدَ (¬1) مِمَّا دَخَلَ فِيهَا: لَمْ يَسْتَأْثِرْ عَنْهُمْ (¬2) بِشَيْءٍ، وَلَا أَمَّرَ لَهُ قَرَابَةً. ثُمَّ وَلِيَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَفَتَحَ الْأَمْصَارَ، وَقَهَرَ الْكُفَّارَ، وَأَعَزَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ، وَأَذَلَّ أَهْلَ النِّفَاقِ وَالْعُدْوَانِ، وَنَشَرَ الْإِسْلَامَ وَالدِّينَ، وَبَسَطَ الْعَدْلَ فِي الْعَالَمِينَ، وَوَضَعَ دِيوَانَ الْخَرَاجِ وَالْعَطَاءِ لِأَهْلِ الدِّينِ، وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَ مِنْهَا أَزْهَدَ (¬3) مِمَّا دَخَلَ فِيهَا، لَمْ يَتَلَوَّثْ لَهُمْ بِمَالٍ، وَلَا وَلَّى أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ وِلَايَةً، فَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى أَمْرٍ قَدِ اسْتَقَرَّ قَبْلَهُ بِسَكِينَةٍ وَحِلْمٍ (¬4) ، وَهُدًى وَرَحْمَةٍ وَكَرَمٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قُوَّةُ عُمَرَ وَلَا سِيَاسَتُهُ، وَلَا فِيهِ كَمَالُ عَدْلِهِ وَزُهْدِهِ، فَطُمِعَ فِيهِ بَعْضُ الطَّمَعِ، وَتَوَسَّعُوا فِي الدُّنْيَا، (وَأَدْخَلَ مِنْ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ) (¬5) ، وَدَخَلَتْ (¬6) بِسَبَبِ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْأَمْوَالِ (¬7) أُمُورٌ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، فَتَوَلَّدَ مِنْ رَغْبَةِ (¬8) (بَعْضِ) (¬9) النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَضَعْفِ ¬

(¬1) س، ب: أَزْيَدَ (¬2) م: عَلَيْهِمْ (¬3) س، ب: أَزْيَدَ (¬4) ن، م، س: وَحُكْمٍ (¬5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ. وَفِيهَا فِي الْأَصْلِ: وَدَخَلُوا مِنْ أَقَارِبِهِ. . . إِلَخْ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ (¬6) ن، س، ب: وَدَخَلَ (¬7) م: الْمَالِ (¬8) م: رَعِيَّتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬9) بَعْضِ: زِيَادَةٌ فِي (م)

خَوْفِهِمْ مِنَ اللَّهِ وَمِنْهُ، وَمِنْ ضَعْفِهِ هُوَ، وَمَا حَصَلَ مِنْ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ - مَا أَوْجَبَ الْفِتْنَةَ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا. وَتَوَلَّى (¬1) عَلِيٌّ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، وَالْفِتْنَةُ قَائِمَةٌ، وَهُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مُتَلَطِّخٌ (¬2) بِدَمِ عُثْمَانَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ (¬3) الْكَاذِبُونَ عَلَيْهِ الْمُبْغِضُونَ لَهُ، كَمَا نَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ (¬4) الْغَالُونَ فِيهِ الْمُبْغِضُونَ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعِنْ عَلَى (¬5) قَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا رَضِيَ بِهِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - وَهُوَ الصَّادِقُ - أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، فَلَمْ تَصْفُ لَهُ قُلُوبُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَا أَمْكَنَهُ هُوَ قَهْرُهُمْ حَتَّى يُطِيعُوهُ، وَلَا اقْتَضَى رَأْيُهُ أَنْ يَكُفَّ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ، بَلِ اقْتَضَى رَأْيُهُ الْقِتَالَ، وَظَنَّ أَنَّهُ بِهِ تَحْصُلُ الطَّاعَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَمَا زَادَ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَجَانِبُهُ إِلَّا ضَعْفًا، وَجَانِبُ مَنْ حَارَبَهُ إِلَّا قُوَّةً، وَالْأُمَّةُ إِلَّا افْتِرَاقًا، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ يَطْلُبُ هُوَ (¬6) أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مَنْ قَاتَلَهُ، كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يُطْلَبُ مِنْهُ الْكَفُّ. وَضَعُفَتْ خِلَافَةُ (النُّبُوَّةِ) (¬7) ضَعْفًا أَوْجَبَ أَنْ تَصِيرَ مُلْكًا، فَأَقَامَهَا مُعَاوِيَةُ مُلْكًا بِرَحْمَةٍ وَحِلْمٍ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ (¬8) : " «تَكُونُ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ ¬

(¬1) ن، م: فَتَوَلَّى (¬2) س، ب: مُلَطَّخٌ (¬3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬5) م: لَمْ يُحَرِّضْ عَلَى (¬6) م: هُوَ يَطْلُبُ (¬7) ن، س، ب: وَضَعُفَتِ الْخِلَافَةُ (¬8) الْمَأْثُورِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

تَكُونُ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ وَرَحْمَةٌ (¬1) ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ» " (¬2) . وَلَمْ يَتَوَلَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ خَيْرًا مِنْ مُعَاوِيَةَ فَهُوَ خَيْرُ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ، وَسِيرَتُهُ خَيْرٌ مِنْ سِيرَةِ سَائِرِ الْمُلُوكِ بَعْدَهُ، وَعَلِيٌّ آخِرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ هُمْ (¬3) وِلَايَتُهُمْ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ، وَكُلٌّ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ مِنْ (¬4) أَفْضَلِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، (¬5) بَلْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ (¬6) ، لَكِنْ إِذَا جَاءَ الْقَادِحُ فَقَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: إِنَّهُمَا كَانَا ظَالِمَيْنِ مُتَعَدِّيَيْنِ (¬7) طَالِبَيْنِ لِلرِّئَاسَةِ مَانِعَيْنِ لِلْحُقُوقِ، (وَإِنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى الرِّئَاسَةِ) (¬8) ، وَإِنَّهُمَا - وَمَنْ أَعَانَهُمَا - ظَلَمُوا الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَحِقَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، وَإِنَّهُمْ مَنَعُوا أَهْلَ الْبَيْتِ مِيرَاثَهُمْ، وَإِنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى الرِّئَاسَةِ وَالْوِلَايَةِ ¬

(¬1) م: مُلْكًا رَحْمَةً (¬2) ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " فِي كِتَابِ الْخِلَافَةِ، بَابُ كَيْفَ بَدَأَتِ الْإِمَامَةُ وَمَا تَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْخِلَافَةُ وَالْمُلْكُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مُقَارِبَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَقْرَبُهَا إِلَيْهِ هُوَ حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/189 190) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكَادَمُونَ عَلَيْهَا تَكَادُمَ الْحَمِيرِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلَانُ ". قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ " وَيَتَكَادَمُونَ: أَيْ يَعَضُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 1/8 9 (حَدِيثٌ رَقْمُ 5) (¬3) هُمْ: لَيْسَتْ فِي (م) (¬4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬5) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬7) ن: مُعْتَدَيْنِ ; م: مُتَعَدَّيْنِ (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م)

الْبَاطِلَةِ مَعَ مَا قَدْ عُرِفَ مِنْ سِيرَتِهِمَا (¬1) - كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الظَّنَّ لَوْ كَانَ حَقًّا فَهُوَ أَوْلَى بِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا (¬2) حَتَّى غُلِبَ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ بِسَبَبِ الْمُنَازَعَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُنَازِعِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِالْقِتَالِ لَا مَصْلَحَةُ الدِّينِ وَلَا مَصْلَحَةُ الدُّنْيَا، وَلَا قُوتِلَ فِي خِلَافَتِهِ كَافِرٌ، وَلَا فَرِحَ مُسْلِمٌ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَا يَفْرَحُ بِالْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَشِيعَتُهُ لَمْ تَفْرَحْ بِهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَغْلِبْ، وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ لَمْ يَزَالُوا أَيْضًا فِي كَرْبٍ وَشِدَّةٍ. وَإِذَا كُنَّا نَدْفَعُ مَنْ يَقْدَحُ فِي عَلِيٍّ مِنَ الْخَوَارِجِ، مَعَ ظُهُورِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، فَلَأَنْ نَدْفَعَ مَنْ يَقْدَحُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَإِنْ جَازَ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلرِّئَاسَةِ (¬3) بِالْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إِلَّا ضِدُّ ذَلِكَ، فَالظَّنُّ بِمَنْ قَاتَلَ عَلَى الْوِلَايَةِ - وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُهُ - أَوْلَى وَأَحْرَى. فَإِذَا ضُرِبَ مَثَلُ هَذَا وَهَذَا بِإِمَامَيْ مَسْجِدٍ، وَشَيْخَيْ مَكَانٍ (¬4) ، أَوْ مُدَرِّسَيْ مَدْرَسَةٍ - كَانَتِ الْعُقُولُ كُلُّهَا تَقُولُ: إِنَّ هَذَا أَبْعَدُ عَنْ طَلَبِ الرِّئَاسَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى قَصْدِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ. فَإِذَا كُنَّا نَظُنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلْحَقِّ وَالدِّينِ، وَغَيْرَ مُرِيدٍ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، فَظَنُّ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَوْلَى وَأَحْرَى. ¬

(¬1) م: سِيَرِهِمَا (¬2) ن، س: أَوْلَى مَنْ قَالَ عَلَيْهَا ; م: أَوْلَى بِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا (¬3) ب: الرِّئَاسَةَ (¬4) س: كَانَ ; ب: خَانٍ

وَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ بِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ، فَهَذَا الظَّنُّ بِعَلِيٍّ أَجْدَرُ وَأَوْلَى. أَمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ، وَعَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، مَعَ ظُهُورِ السِّيرَتَيْنِ - فَهَذَا مُكَابَرَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا تَوَاتَرَ مِنَ السِّيرَتَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلِ الْمُتَوَاتِرُ مِنَ السِّيرَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ أَفْضَلُ. وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ ادَّعَوْا هَذَا لِعَلِيٍّ أَحَالُوا عَلَى مَا لَمْ يُعْرَفْ، وَقَالُوا: ثَمَّ نَصٌّ عَلَى خِلَافَتِهِ كُتِمَ، وَثَمَّ (¬1) عَدَاوَةٌ بَاطِنَةٌ لَمْ تَظْهَرْ، بِسَبَبِهَا مُنِعَ حَقَّهُ. وَنَحْنُ الْآنَ مَقْصُودُنَا أَنْ نَذْكُرَ مَا عُلِمَ وَتَيَقَّنَ وَتَوَاتَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَأَمَّا مَا يُذْكَرُ (¬2) مِنْ مَنْقُولٍ يَدْفَعُهُ جُمْهُورُ النَّاسِ، وَمِنْ ظُنُونِ سَوْءٍ لَا يَقُومُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ بَلْ نَعْلَمُ فَسَادَهَا، فَالْمُحْتَجُّ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ، وَهِيَ مُقَابَلَةٌ بِالْأَحَادِيثِ مِنَ الطُّرُقِ الْأُخَرِ. وَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَكَيْفَ بِالظَّنِّ الَّذِي لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا؟ ! فَالْمَعْلُومُ الْمُتَيَقَّنُ الْمُتَوَاتِرُ عِنْدَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ إِرَادَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ وَحْدَهُ، (¬3) وَأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى (¬4) بِإِرَادَةِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَاحِ (¬5) الْمُسْلِمِينَ مِنَ الثَّلَاثَةِ ¬

(¬1) س، ب: ثَمَّ (¬2) ن، س: مَا نَذْكُرُ (¬3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (س) :. . . وَعَلِيٍّ وَحْدَهُ (¬4) ب:. . كَانَ وَحْدَهُ أَوْلَى. (¬5) س، ب: وَإِصْلَاحِ

بَعْدَهُ، فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ كَانَ أَكْمَلَ عَقْلًا وَدِينًا وَسِيَاسَةً مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ (¬1) وِلَايَتَهُ الْأُمَّةَ (¬2) خَيْرٌ مِنْ وِلَايَةِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ أَعْظَمُ مِنْ مَنْفَعَةِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (أَجْمَعِينَ) (¬3) . وَإِذَا كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا مُرِيدًا وَجْهَ اللَّهِ بِمَا فَعَلَ (¬4) ، وَأَنَّ مَا تَرَكَهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ، وَمَا حَصَلَ مِنَ الْمَفْسَدَةِ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْعِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَلَا الْفَسَادِ - كَانَ هَذَا الِاعْتِقَادُ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْلَى وَأَخْلَقَ وَأَحْرَى (¬5) . فَهَذَا وَجْهٌ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُعَارِضَهُ إِلَّا بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ نَقْلٌ خَاصٌّ، كَالنَّقْلِ لِفَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَلِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، أَوْ أَنَّ إِمَامَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُعَارَضُ هَذَا بِنَقْلِ الْخَاصَّةِ - الَّذِينَ هُمْ أَصْدَقُ وَأَكْثَرُ - لِفَضَائِلِ الصِّدِّيقِ الَّتِي تَقْتَضِي أَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، وَأَنَّ النُّصُوصَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ. فَمَا مِنْ حُجَّةٍ يَسْلُكُهَا الشِّيعِيُّ إِلَّا وَبِإِزَائِهَا لِلسُّنِّيِّ حُجَّةٌ مِنْ جِنْسِهَا أَوْلَى مِنْهَا، فَإِنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِسْلَامِ كَالْإِسْلَامِ فِي الْمِلَلِ، فَمَا مِنْ حُجَّةٍ يَسْلُكُهَا كِتَابِيٌّ إِلَّا وَلِلْمُسْلِمِ فِيهَا مَا هُوَ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (سُورَةِ الْفُرْقَانِ: 33) ¬

(¬1) ن، س، ب: فَإِنَّ (¬2) ن، س، ب: لِأُمَّتِهِ (¬3) أَجْمَعِينَ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬4) م: لِوَجْهِ اللَّهِ بِمَا يَفْعَلُ (¬5) ب: وَأُخْرَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

لَكِنَّ صَاحِبَ الْهَوَى الَّذِي لَهُ غَرَضٌ فِي جِهَةٍ، إِذَا وُجِّهَ لَهُ الْمُخَالِفُ لِهَوَاهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ سَمْعُهُ وَاتِّبَاعُهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (سُورَةُ " الْمُؤْمِنُونَ ": 71) . وَهُنَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: دَوَاعِي الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً إِلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَصْرِفُهُمْ عَنْهُ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا (¬1) حَصَلَ الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ، وَانْتَفَى الصَّارِفُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَجَبَ الْفِعْلُ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّبَعُوا فِيمَا فَعَلُوهُ الْحَقَّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ (¬2) خَيْرُ الْأُمَمِ، وَقَدْ أَكْمَلَ اللَّهُ لَهُمُ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الصِّدِّيقِ غَرَضٌ دُنْيَوِيٌّ يُقَدِّمُونَهُ لِأَجْلِهِ، وَلَا عِنْدَ عَلِيٍّ غَرَضٌ دُنْيَوِيٌّ يُؤَخِّرُونَهُ لِأَجْلِهِ، بَلْ لَوْ فَعَلُوا بِمُوجِبِ الطَّبْعِ لَقَدَّمُوا عَلِيًّا، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ لَوِ اتَّبَعَتِ الْهَوَى أَنْ تَتَّبِعَ رَجُلًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَحَبَّ إِلَيْهَا مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَيْمٍ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ لَا سِيَّمَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنُو مَخْزُومٍ، فَإِنَّ طَاعَتَهُمْ لِمَنَافِيٍّ كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ تَيْمِيٍّ لَوِ اتَّبَعُوا الْهَوَى، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَأَمْثَالُهُ يَخْتَارُونَ تَقْدِيمَ عَلِيٍّ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ طَلَبَ مِنْ عَلِيٍّ أَنْ يَتَوَلَّى لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا، وَقَدْ قَالَ أَبُو قُحَافَةَ، لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَكَ تَوَلَّى، قَالَ: " أَوَرَضِيَتْ بِذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنُو مَخْزُومٍ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ، لِعِلْمِهِ ¬

(¬1) ن، ب، ب: وَإِذَا (¬2) ن، م، س: أَنَّهُ، وَهُوَ خَطَأٌ

بِأَنَّ بَنِي تَيْمٍ كَانُوا مِنْ أَضْعَفِ الْقَبَائِلِ، وَأَنَّ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ كَانَتْ مِنْ تَيْنِكَ الْقَبِيلَتَيْنِ. وَهَذَا، وَأَمْثَالُهُ مِمَّا (إِذَا) (¬1) تَدَبَّرَهُ الْعَاقِلُ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا أَبَا بَكْرٍ إِلَّا لِتَقْدِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ خَيْرَهُمْ وَسَيِّدَهُمْ وَأَحَبَّهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ إِنَّمَا يُقَدِّمُ بِالتَّقْوَى لَا بِالنَّسَبِ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ أَتْقَاهُمْ. وَهُنَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، (¬2) ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (¬3) ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ (¬4) مَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي خِلَافَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَضْلًا عَنْ زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا خَيْرًا وَأَفْضَلَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ، وَأَنَّ (¬5) الْإِسْلَامَ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ أَقْوَى وَأَظْهَرَ، فَإِنْ كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ قَدْ جَحَدُوا حَقَّ الْإِمَامِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ، وَمَنَعُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِمْ مِيرَاثَهُمْ، وَوَلَّوْا فَاسِقًا وَظَالِمًا، وَمَنَعُوا عَادِلًا عَالِمًا، مَعَ عِلْمِهِمْ بِالْحَقِّ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ شَرُّ الْأُمَمِ ; لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ خِيَارِهَا، فَكَيْفَ بِفِعْلِ شِرَارِهَا؟ ! . وَهُنَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ لَهُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى ¬

(¬1) إِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (س) ، (ب) : إِنْ (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35 (¬3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35 (¬4) ب: فَإِنَّ (¬5) م: فَإِنَّ

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِصَاصٌ عَظِيمٌ، وَكَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ اخْتِصَاصًا بِهِ، وَصُحْبَةً لَهُ، وَقُرْبًا إِلَيْهِ، وَاتِّصَالًا بِهِ، وَقَدْ صَاهَرَهُمْ كُلَّهُمْ، وَمَا عُرِفَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَذُمُّهُمْ، وَلَا يَلْعَنُهُمْ، بَلِ الْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهُمْ وَيُثْنِي عَلَيْهِمْ. وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ الِاسْتِقَامَةِ مَعَ هَذَا التَّقَرُّبِ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ: إِمَّا عَدَمُ عِلْمِهِ بِأَحْوَالِهِمْ، أَوْ مُدَاهَنَتُهُ لَهُمْ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ أَعْظَمُ الْقَدْحِ فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قِيلَ: فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ ... وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ وَإِنْ كَانُوا انْحَرَفُوا بَعْدَ الِاسْتِقَامَةِ فَهَذَا خِذْلَانٌ مِنَ اللَّهِ لِلرَّسُولِ فِي خَوَاصِّ أُمَّتِهِ، وَأَكَابِرِ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ قَدْ أُخْبِرَ بِمَا سَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيْنَ كَانَ عَنْ عِلْمِ ذَلِكَ؟ وَأَيْنَ الِاحْتِيَاطُ لِلْأُمَّةِ حَتَّى لَا يُوَلَّى مِثْلُ هَذَا أَمْرَهَا، وَمَنْ وُعِدَ أَنْ يَظْهَرَ دِينُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَكَابِرُ خَوَاصِّهِ مُرْتَدِّينَ؟ فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَقْدَحُ بِهِ الرَّافِضَةُ فِي الرَّسُولِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ الطَّعْنَ فِي الرَّسُولِ لِيَقُولَ الْقَائِلُ: رَجُلُ سَوْءٍ كَانَ لَهُ أَصْحَابُ سَوْءٍ، وَلَوْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا لَكَانَ أَصْحَابُهُ صَالِحِينَ. وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِنَّ الرَّافِضَةَ دَسِيسَةُ الزَّنْدَقَةِ، وَإِنَّهُ وُضِعَ عَلَيْهَا. وَطَرِيقٌ آخَرُ أَنْ يُقَالَ: الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِعَلِيٍّ - إِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ -

قَوِيَّةٌ (¬1) ، وَالصَّوَارِفُ مُنْتَفِيَةٌ، وَالْقُدْرَةُ حَاصِلَةٌ. وَمَعَ وُجُودِ الدَّاعِي، وَالْقُدْرَةِ وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ (¬2) ابْنُ عَمِّ نَبِيِّهِمْ، وَمِنْ أَفْضَلِهِمْ نَسَبًا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ عَدَاوَةٌ: لَا عَدَاوَةُ نَسَبٍ، وَلَا إِسْلَامٍ، بِأَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: قَتَلَ أَقَارِبَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَهَذَا الْمَعْنَى (¬3) مُنْتَفٍ فِي الْأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا مِنْ أُقَارِبِهِمْ، وَلَهُمُ الشَّوْكَةُ، وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْ بَنِي تَيْمٍ، وَلَا عَدِيٍّ، وَلَا كَثِيرٍ مِنَ الْقَبَائِلِ (¬4) أَحَدًا، وَالْقَبَائِلُ (¬5) الَّتِي قَتَلَ مِنْهَا كَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، كَانَتْ تُوَالِيهِ، وَتَخْتَارُ وِلَايَتَهُ (¬6) ; لِأَنَّهُ إِلَيْهَا أَقْرَبُ، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى وِلَايَتِهِ (¬7) ، أَوْ كَانَ (¬8) هُوَ الْأَفْضَلَ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِمْ، وَعِلْمُهُمْ بِذَلِكَ يُوجِبُ انْبِعَاثَ إِرَادَتِهِمْ إِلَى وِلَايَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَارِفٌ يَمْنَعُ، وَالْأَسْبَابُ كَانَتْ مُسَاعِدَةً لِهَذَا الدَّاعِي، وَلَا مُعَارِضَ لَهَا، وَلَا صَارِفَ أَصْلًا. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الصَّارِفَ كَانَ فِي نَفَرٍ قَلِيلٍ فَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا صَارِفٌ يَصْرِفُهُمْ عَنْهُ، بَلْ هُمْ قَادِرُونَ عَلَى وِلَايَتِهِ، وَلَوْ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: عَلِيٌّ أَحَقُّ بِهَا مِنْ سَعْدٍ وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ - (مَا) (¬9) أَمْكَنَ أُولَئِكَ ¬

(¬1) قَوِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ (س) . وَفِي (ب) : مَوْجُودَةٌ. (¬2) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬3) الْمَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬4) سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬5) سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬6) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬7) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬8) ب: لَوْ كَانَ (¬9) مَا: فِي (ب) فَقَطْ

النَّفَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْ يُدَافِعُوهُمْ، وَقَامَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَعَ عَلِيٍّ، لَا سِيَّمَا وَكَانَ جُمْهُورُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُبْغِضُونَ عُمَرَ لِشِدَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَبُغْضُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ لِعُمَرَ أَعْظَمُ مِنْ بُغْضِهِمْ لِعَلِيٍّ بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا، بَلْ لَمْ (¬1) يُعْرَفْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُبْغِضُهُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ إِلَّا (¬2) كَمَا يُبْغِضُونَ أَمْثَالَهُ، بِخِلَافِ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ مِنَ الْقِيَاسِ أَنْ يَنْفِرُوا عَنْ جِهَةٍ فِيهَا عُمَرُ. وَلِهَذَا لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ كَرِهَ خِلَافَتَهُ طَائِفَةٌ، حَتَّى قَالَ طَلْحَةُ: مَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا وَلَّيْتَ عَلَيْنَا فَظًّا غَلِيظًا؟ فَقَالَ: أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُنِي؟ أَقُولُ: وَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ. فَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ مَعَ عَلِيٍّ، وَأَهْلُ الْبَاطِلِ مَعَ عَلِيٍّ، فَمَنِ الَّذِي يَغْلِبُهُ إِذَا كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ؟ وَهَبْ أَنَّهُمْ إِذَا قَامُوا لَمْ يَغْلِبُوا، أَمَا كَانَتِ الدَّوَاعِي الْمَعْرُوفَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ تُوجِبُ أَنْ يَجْرِيَ فِي ذَلِكَ قِيلَ وَقَالَ وَنَوْعٌ مِنَ الْجِدَالِ؟ أَوَلَيْسَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْكَلَامِ فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ فِي وِلَايَةِ سَعْدٍ؟ فَإِذَا كَانَتِ الْأَنْصَارُ بِشُبْهَةٍ (¬3) لَا أَصْلَ لَهَا طَمِعُوا أَنْ يَتَأَمَّرَ سَعْدٌ، فَمَنْ يَكُونُ فِيهِمُ الْمُحِقُّ (¬4) ؟ وَنَصُّ الرَّسُولِ الْجَلِيُّ كَيْفَ لَا يَكُونُ أَعْوَانُهُ أَطْمَعَ فِي الْحَقِّ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يَنْبِزْ (¬5) مُتَكَلِّمٌ مِنْهُمْ (¬6) بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَدْعُ دَاعٍ إِلَى عَلِيٍّ: ¬

(¬1) ن، م، س: لِمَنْ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬3) ن: تُشْبِهُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) ن، م: الْحَقُّ (¬5) م: يَنْبِزْهُ، س: يُمَيِّزْ ; ب: يَنْبِسْ (¬6) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ بُويِعَ لَهُ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَحِينَئِذٍ قَامَ هُوَ وَأَعْوَانُهُ فَطَلَبُوا وَقَاتَلُوا وَلَمْ يَسْكُتُوا، حَتَّى كَادُوا يَغْلِبُوا (¬1) - عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ سُكُوتَهُمْ أَوَّلًا كَانَ لِعَدَمِ الْمُقْتَضَى لَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ (¬2) الْأَحَقُّ فَضْلًا عَنْ نَصٍّ جَلِيٍّ، وَأَنَّهُ (¬3) لَمَّا بَدَا لَهُمُ اسْتِحْقَاقُهُ قَامُوا مَعَهُ، مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ. وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبْعَدَهُمْ عَنِ الْمُمَانَعَةِ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ، لَوْ كَانَ لِعَلِيٍّ حَقٌّ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَدْعُ إِلَى نَفْسِهِ، وَلَا أَرْغَبَ وَلَا أَرْهَبَ، وَلَا (¬4) كَانَ طَالِبًا لِلرِّئَاسَةِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يُمْكِنُ أَحَدًا الْقَدْحُ فِي عَلِيٍّ، كَمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ نَسَبَهُ كَثِيرٌ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ إِلَى أَنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: خَذَلَهُ، وَكَانَ قَتَلَةُ عُثْمَانَ فِي عَسْكَرِهِ، وَكَانَ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي مَنَعَتْ كَثِيرًا مِنْ مُبَايَعَتِهِ. وَهَذِهِ الصَّوَارِفُ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَكَانَ جُنْدُهُ أَعْظَمَ، وَحَقُّهُ إِذْ ذَاكَ - لَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا - أَظْهَرَ، وَمُنَازِعُوهُ أَضْعَفَ دَاعِيًا وَأَضْعَفَ قُوَّةً، وَلَيْسَ هُنَاكَ دَاعٍ قَوِيٌّ يَدْعُو إِلَى مَنْعِهِ (¬5) ، كَمَا كَانَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَلَا جُنْدٌ (¬6) يُجْمِعُ عَلَى مُقَاتَلَتِهِ (¬7) ، كَمَا كَانَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ. ¬

(¬1) ن، س: يُعْلِنُوا (¬2) س، ب: بِأَنَّهُ هُوَ (¬3) س، ب: وَأَنَّهُمْ (¬4) ب: لَا (¬5) ن، س: مَنْفَعَةٍ ; م: بَيْعَةٍ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) (¬6) ن، م، س: جُنْدُهُ (¬7) س: مُقَابَلَتِهِ

وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَأَمْثَالُهَا مَنْ تَأَمَّلَهَا تَبَيَّنَ لَهُ انْتِفَاءُ اسْتِحْقَاقِهِ إِذْ ذَاكَ بَيَانًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ لِعَلِيٍّ، وَطَلَبَهُ (¬1) عَلِيٌّ لَكَانَ أَبُو بَكْرٍ: إِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يُجَامِلَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِ، وَلَوْ قَامَ (¬2) أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ظَالِمٌ يُدَافِعُ عَلِيًّا وَهُوَ مُحِقٌّ، لَكَانَتِ الشَّرِيعَةُ وَالْعَادَةُ وَالْعَقْلُ تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مَعَ عَلِيٍّ الْمُحِقِّ الْمَعْصُومِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْمُعْتَدِي الظَّلُومِ، لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَالنُّفُوسُ تَنْفِرُ عَنْ مُبَايَعَةِ مَنْ لَيْسَ مِنْ بَيْتِ الْوِلَايَةِ أَعْظَمُ مِنْ نَفْرَتِهَا عَنْ مُبَايَعَةِ أَهْلِ بَيْتِ الْمُطَاعِ (¬3) ، فَالدَّوَاعِي لِعَلِيٍّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَتْ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ، لَوْ كَانَ أَحَقَّ، وَهِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَتْ أَبْعَدَ لَوْ كَانَ ظَالِمًا. لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُقْتَضَى مَعَ أَبِي بَكْرٍ - وَهُوَ دِينُ اللَّهِ - قَوِيًّا، وَالْإِسْلَامُ فِي جِدَّتِهِ (¬4) وَطَرَاوَتِهِ (¬5) وَإِقْبَالِهِ، كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ أَلَّا (¬6) يَصْرِفُوا الْحَقَّ عَمَّنْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْأَحَقُّ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ (كَانَ) (¬7) لِبَعْضِهِمْ هَوًى مَعَ الْغَيْرِ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مَعَهُ هَوًى إِلَّا هَوَى الدِّينِ، الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ وَأَمْثَالُهَا مَنْ تَدَبَّرَهَا عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْقَوْمَ عَلِمُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الْأَحَقُّ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ وِلَايَتَهُ أَرْضَى لِلَّهِ (¬8) وَرَسُولِهِ فَبَايَعُوهُ، ¬

(¬1) س، ب: وَطَالَبَهُ (¬2) ن، م: أَقَامَ (¬3) م: أَهْلِ بَيْتٍ مُطَاعٍ ; س، ب: أَهْلِ الْبَيْتِ الْمُطَاعِ (¬4) م، س: حِدَّتِهِ (¬5) ب: وَطَرَاءَتِهِ (¬6) ن، س: وَأَنْ ; ب، م: أَنْ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ (¬7) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬8) م: تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَعْرِفُوا وَيُحَرِّفُوا، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَدِينًا، وَالْأَسْبَابُ مُتَعَدِّدَةٌ، فَهَذَا الْمَعْلُومُ الْيَقِينِيُّ لَا يَنْدَفِعُ بِأَخْبَارٍ لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهَا، فَكَيْفَ إِذَا عُلِمَ كَذِبُهَا؟ وَأَلْفَاظٍ لَا تُعْلَمُ دَلَالَتُهَا، فَكَيْفَ إِذَا عُلِمَ انْتِفَاءُ دَلَالَتِهَا؟ وَمَقَايِيسَ لَا نِظَامَ لَهَا، يُعَارِضُهَا مِنَ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ الثَّابِتِ الْإِسْنَادِ الْمَعْلُومِ الْمَدْلُولِ مَا هُوَ أَقْوَى وَأَوْلَى بِالْحَقِّ، وَأَحْرَى. وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَ (¬1) الْحَقَّ الْمَعْلُومَ (¬2) يَقِينًا بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ عِلْمًا لَا يَقْبَلُ النَّقِيضَ بِشُبَهٍ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، هُمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمُ الزَّيْغُ (¬3) ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ وَيَدَعُونَ الْمُحْكَمَ، كَالنَّصَارَى، وَالْجَهْمِيَّةِ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ يَدَعُونَ النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْعِلْمَ، وَيُعَارِضُونَهَا بِشُبَهٍ لَا تُفِيدُ إِلَّا الشَّكَّ، لَوْ تُعْرَضُ (¬4) لَمْ تَثْبُتْ، وَهَذَا فِي الْمَنْقُولَاتِ سَفْسَطَةٌ كَالسَّفْسَطَةِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، وَهُوَ الْقَدْحُ فِيمَا عُلِمَ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ بِشُبَهٍ تُعَارِضُ ذَلِكَ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ (¬5) الْمُسْتَقِرَّ فِي الْقُلُوبِ بِالشُّبَهِ فَقَدْ سَلَكَ مَسْلَكَ السَّفْسَطَةِ، فَإِنَّ السَّفْسَطَةَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: النَّفْيُ وَالْجَحْدُ وَالتَّكْذِيبُ: إِمَّا بِالْوُجُودِ، وَإِمَّا بِالْعِلْمِ بِهِ. وَالثَّانِي: الشَّكُّ وَالرَّيْبُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّاأَدْرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا نَدْرِي، فَلَا يُثْبِتُونَ وَلَا يَنْفُونَ، لَكِنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ قَدْ نَفَوُا الْعِلْمَ، وَهُوَ نَوْعٌ ¬

(¬1) يَدْفَعُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬2) ن، م، س: الظَّاهِرَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) (¬3) م: زَيْغٌ (¬4) ن، س، ب: لَوْ تَجَرَّدَتْ (¬5) ن، س، ب: النَّفْسِيَّ

مِنَ النَّفْيِ فَعَادَتِ السَّفْسَطَةُ إِلَى جَحْدِ الْحَقِّ (¬1) الْمَعْلُومِ، أَوْ جَحْدِ الْعِلْمِ بِهِ. الثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ الْحَقَائِقَ تَبَعًا لِلْعَقَائِدِ، فَيَقُولُ: مَنِ اعْتَقَدَ الْعَالَمَ قَدِيمًا فَهُوَ قَدِيمٌ، وَمَنِ اعْتَقَدَهُ مُحْدَثًا فَهُوَ مُحْدَثٌ، وَإِذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ (¬2) أَنَّهُ قَدِيمٌ عِنْدَهُ وَمُحْدَثٌ عِنْدَهُ (¬3) فَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ اعْتِقَادُهُ. لَكِنَّ السَّفْسَطَةَ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ كَذَلِكَ (¬4) فِي الْخَارِجِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقَدْحُ فِيمَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا عُلِمَ مِنْ سِيرَتِهِمْ بَعْدَهُ بِأَخْبَارٍ يَرْوِيهَا الرَّافِضَةُ يُكَذِّبُهُمْ فِيهَا جَمَاهِيرُ الْأُمَّةِ (¬5) مِنْ أَعْظَمِ السَّفْسَطَةِ، وَمَنْ رَوَى لِمُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ كَانَ كَاذِبًا مُبْطِلًا مُسَفْسِطًا. وَمَعَ هَذَا فَكَذِبُ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ (¬6) يَرْوُونَ (¬7) مَا يَقْدَحُ فِي إِيمَانِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَيُوجِبُ عِصْمَةَ عَلِيٍّ، أَعْظَمُ مِنْ كَذِبِ مَنْ يَرْوِي مَا يُفَضِّلُ بِهِ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَلِيٍّ، وَسَفْسَطَتُهُمْ أَكْثَرُ، فَإِنَّ ظُهُورَ إِيمَانِ الثَّلَاثَةِ أَعْظَمُ مِنْ ظُهُورِ فَضْلِ عَلِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَإِثْبَاتَ عِصْمَةِ عَلِيٍّ أَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ مِنْ إِثْبَاتِ فَضْلِ مُعَاوِيَةَ. ¬

(¬1) ن، س: النَّفْيِ ; ب: نَفْيِ (¬2) م: وَإِذَا يُرِيدُهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) عِبَارَةُ " وَمُحْدَثٌ عِنْدَهُ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَفِي (ن) ، (س) : وَمُحْدَثٌ عَنْهُ (¬4) كَذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬5) ن، س، ب: الْأَئِمَّةِ (¬6) م: وَالَّذِينَ (¬7) ن، م: يُرِيدُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

ثُمَّ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ هِيَ مِنْ كَمَالِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِسَالَتِهِ، وَمِمَّا يُظْهِرُ أَنَّهُ رَسُولٌ حَقٌّ، لَيْسَ مَلِكًا مِنَ الْمُلُوكِ، فَإِنَّ عَادَةَ الْمُلُوكِ إِيثَارُ أَقَارِبِهِمْ * بِالْوِلَايَاتِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مَحَبَّتُهُمْ لِأَقَارِبِهِمْ أَكْثَرُ مِنَ الْأَجَانِبِ، لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ مَيْلِ الْإِنْسَانِ إِلَى قَرَابَتِهِ، وَالثَّانِي: لِأَنَّ أَقَارِبَهُمْ يُرِيدُونَ إِقَامَةَ مُلْكِهِمْ مَا لَا يُرِيدُهُ الْأَجْنَبِيُّ ; لِأَنَّ فِي عِزِّ قَرِيبِ الْإِنْسَانِ عِزًّا لِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ مِنَ الْمُلُوكِ اسْتَعَانَ بِمَمَالِكِهِ وَمَوَالِيهِ فَقَرَّبَهُمْ وَاسْتَعَانَ بِهِمْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ (مُلُوكُ) (¬1) بَنُو أُمَيَّةَ، وَبَنُو الْعَبَّاسِ مُلُوكًا، كَانُوا يُرِيدُونَ أَقَارِبَهُمْ * (¬2) ، وَمَوَالِيَهُمْ (¬3) بِالْوِلَايَاتِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقِيمُونَ بِهِ مُلْكَهُمْ. وَكَذَلِكَ مُلُوكُ الطَّوَائِفِ كَبَنِي بُوَيْهٍ، وَبَنِي سَلْجَقَ، وَسَائِرِ الْمُلُوكِ بِالشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَكَذَا مُلُوكُ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، كَمَا يُوجَدُ فِي مُلُوكِ الْفِرِنْجِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَمَا يُوجَدُ فِي آلِ جَنْكِشْخَانَ بِأَنَّ الْمُلُوكَ تَبْقَى فِي أَقَارِبِ الْمَلِكِ، وَيَقُولُونَ: هَذَا مِنَ الْعِظَمِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْعِظَمِ، أَيْ: مِنْ أَقَارِبِ الْمَلِكِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَوْلِيَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ، وَبَنِي عَمِّهِ: عَلِيٍّ، وَعَقِيلٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ¬

(¬1) مُلُوكُ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) س، ب: وَالْمُوَالَاةُ

وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَدُونَ سَائِرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ الَّذِينَ كَانُوا أَجَلَّ قُرَيْشٍ قَدْرًا، وَأَقْرَبَ نَسَبًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَلِكًا حَيْثُ لَمْ يُقَدِّمْ فِي خِلَافَتِهِ أَحَدًا لَا بِقُرْبِ نَسَبٍ مِنْهُ وَلَا بِشَرَفِ بَيْتِهِ، بَلْ إِنَّمَا قَدَّمَ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى. وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَيُطِيعُونَ أَمْرَهُ، لَا يُرِيدُونَ مَا يُرِيدُهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُرِيدُونَ أَيْضًا مَا أُبِيحَ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْمُلْكِ، فَإِنَّ (¬1) اللَّهَ خَيَّرَ مُحَمَّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا (¬2) فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا. وَتَوْلِيَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ قَدَّمَ (¬3) أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لَكَانَتْ شُبْهَةً لِمَنْ يَظُنُّ * أَنَّهُ كَانَ مَلِكًا، كَمَا أَنَّهُ لَوْ وَرَّثَ مَالًا لِوَرَثَتِهِ لَكَانَتْ شُبْهَةً لِمَنْ يَظُنُّ * (¬4) أَنَّهُ جَمَعَ الْمَالَ لِوَرَثَتِهِ، فَلَمَّا (¬5) لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا خَلَّفَ لَهُمْ مَالًا، كَانَ هَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ طَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُلُوكِ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ كَانَ عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، ¬

(¬1) م: وَأَنَّ (¬2) ن، م، س: عَبْدًا نَبِيًّا. وَفِي هَامِشِ (س) مَا يَلِي: " لَعَلَّهُ: مَلِكًا رَسُولًا أَوْ: مَلِكًا نَبِيًّا، لَكِنْ فِي الْأَصْلِ: عَبْدًا نَبِيًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. كَاتِبُهُ يُوسُف حُسَيْن " (¬3) س، ب: أَقَامَ (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬5) ن: فَكَمَا

كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ (¬1) أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» " (¬2) . وَقَالَ: " «إِنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا أَوْ نَبِيًّا مَلِكًا، فَقُلْتُ: بَلْ عَبْدًا رَسُولًا» " (¬3) . وَإِذَا كَانَ هَذَا مِمَّا دَلَّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ مُلُوكِ الْأَنْبِيَاءِ، فَدَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَنَزَاهَتِهِ عَنِ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ، وَلَوْ تَوَلَّى بَعْدَهُ عَلِيٌّ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْمَصَالِحُ، وَالْإِلْطَافَاتُ (¬4) الْعَظِيمَةُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِسْلَامَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ كَانَ أَظْهَرَ وَأَكْثَرَ (¬5) مِمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَانَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ أَبْعَدَ عَنِ الْكُفْرِ مِنَ ¬

(¬1) م: وَإِنَّمَا أُقَاسِمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/206 (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/142 143 (رَقْمُ 7160) وَنَصُّهُ. . . عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ، قَالَ: أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْدًا رَسُولًا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: " بَلْ عَبْدًا رَسُولًا ". قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ "، وَذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ " الزَّوَائِدِ (9: 18/19) وَقَالَ: " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُ الْأَوَّلِينَ رِجَالُ الصَّحِيحِ ". وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي زُرْعَةَ: " وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "، مِمَّا يُظَنُّ مَعَهُ أَنَّهُ شَكَّ فِي وَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ حَكَى ظَنَّهُ الرَّاجِحَ الْقَرِيبَ إِلَى الْيَقِينِ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي مِثْلِ هَذَا كَافِيَةٌ، فَإِعْرَاضُ الْهَيْثَمِيِّ عَنْ ذِكْرِ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَرْوِيٌّ بِالْجَزْمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَأَبِي يَعْلَى أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا ". وَانْظُرْ مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ 9/18 \ 20 (¬4) م: الْمَصْلَحَةُ وَلَا الطَّاعَاتُ. . (¬5) س، ب: أَكْثَرَ وَأَظْهَرَ

الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ، مَعَ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الضَّعْفِ الْعَظِيمِ، وَمَا حَصَلَ مِنَ الِارْتِدَادِ لِأَكْثَرِ الْبَوَادِي، وَضَعْفِ قُلُوبِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَشَكَّ كَثِيرُهُمْ (¬1) فِي جِهَادِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ عُمَرُ تَوَلَّى قِتَالَ أُمَّتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ يَقْهَرُونَهُمْ، وَهُمَا فَارِسُ وَالرُّومُ، فَقَهَرَهُمْ، وَفَتَحَ بِلَادَهُمْ، وَتَمَّمَ عُثْمَانُ مَا تَمَّمَ مِنْ فَتْحِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، ثُمَّ فُتِحَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ بَنِي أُمَيَّةَ مَا فُتِحَ بِالْمَشْرِقِ (¬2) وَالْمَغْرِبِ، كَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَالْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهِمَا، مِمَّا فُتِحَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ. فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلُ عَلِيٍّ أَوْ عُثْمَانَ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَا، فَإِنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَفْعَلْ مَا فَعَلَا مَعَ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِهِ، وَعَلِيٌّ كَانَ أَعْجَزَ مِنْ عُثْمَانَ، وَكَانَ أَعْوَانُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَعْوَانِهِمَا، وَعَدُوُّهُ أَقَلَّ وَأَقْرَبَ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ عَدُوِّهِمَا، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْهَرْ عَدُوَّهُ، فَكَيْفَ كَانَ يُمْكِنُهُ قَهْرُ الْمُرْتَدِّينَ، وَقَهْرُ فَارِسَ وَالرُّومَ مَعَ قِلَّةِ الْأَعْوَانِ، وَقُوَّةِ الْعَدُوِّ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَمَامَ نِعْمَةِ اللَّهِ بِهِمَا عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى النَّاسِ بَعْدَهُ (¬3) ، وَأَنَّ (¬4) مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ (¬5) اللَّهِ تَوْلِيَةَ ¬

(¬1) س، ب: كَثِيرٌ (¬2) ن، س: بِمَا فَتَحَ الْمَشْرِقَ ; ب: بِمَا فُتِحَ فِي الْمَشْرِقِ ; م: بِمَا فُتِحَ بِالْمَشْرِقِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ (¬3) بَعْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) م: وَأَنَّهُ (¬5) ن، م: نِعْمَةِ

أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَوْ تَوَلَّى غَيْرُهُمَا كَانَ لَمْ يَفْعَلْ مَا فَعَلَا، إِمَّا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ الْإِرَادَةِ. فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ: لِمَ لَمْ يَغْلِبْ عَلِيٌّ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ؟ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ: إِمَّا عَدَمُ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَإِمَّا عَدَمُ كَمَالِ الْإِرَادَةِ، وَإِلَّا فَمَعَ كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَكَمَالِ الْإِرَادَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَمِنْ تَمَامِ الْقُدْرَةِ طَاعَةُ الْأَتْبَاعِ لَهُ، وَمِنْ تَمَامِ الْإِرَادَةِ إِرَادَةُ (¬1) مَا هُوَ الْأَصْلَحُ الْأَنْفَعُ الْأَرْضَى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَتْ قُدْرَتُهُمَا أَكْمَلَ وَإِرَادَتُهُمَا أَفْضَلَ، فَبِهَذَا نَصَرَ اللَّهُ بِهِمَا الْإِسْلَامَ، وَأَذَلَّ بِهِمَا الْكُفْرَ وَالنِّفَاقَ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُؤْتَ مِنْ كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مَا أُوتِيَا. وَاللَّهُ تَعَالَى كَمَا فَضَّلَ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، فَضَّلَ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ عَلَى بَعْضٍ، فَلَمَّا لَمْ يُؤْتَ مَا أُوتِيَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي خِلَافَتِهِ مَا فَعَلَا، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ (¬2) عَنْ ذَلِكَ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَزَ وَأَعْجَزَ، فَإِنَّهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ قُدِّرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَقُولُ الْمُتَشَيِّعُ: إِنَّ أَتْبَاعَهُ لَمْ يَكُونُوا يُطِيعُونَهُ. فَيُقَالُ: إِذَا (¬3) كَانَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ (¬4) لَمْ يُطِيعُوهُ، فَكَيْفَ يُطِيعُهُ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ (¬5) ؟ وَإِذَا قِيلَ: لَوْ بَايَعُوهُ (¬6) بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَعَلَ بِهِمْ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. ¬

(¬1) إِرَادَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " وَحِينَئِذٍ " يُوجَدُ بَيَاضٌ فِي (س) ، (ب) بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ، وَكُتِبَ فِي هَامِشِ (س) مَا يَلِي: " وَكَذَا بَيَاضٌ فِي الْأَصْلِ، وَلَعَلَّهُ لَفْظُهُ " فَهُوَ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ، يُوسُف حُسَيْن " وَكَتَبَ مُحَقِّقُ (ب) فِي تَعْلِيقِهِ: " بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ ". وَفِي (ن) كُتِبَتْ كَلِمَةُ " فَكَانَ " وَلَكِنْ عَلَيْهَا شَطْبٌ. وَلَا يُوجَدُ بَيَاضٌ فِي (م) (¬3) س، ب: إِنْ (¬4) م: تَابَعُوهُ (¬5) م: يُتَابِعْهُ (¬6) م: تَابَعُوهُ

فَيُقَالُ: قَدْ بَايَعَهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ بَايَعَ (¬1) أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْوَهُمَا (¬2) ، وَعَدُوُّهُ أَضْعَفُ وَأَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ عَدُوِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يُشْبِهُ فِعْلَهُمَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفْعَلَ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ أَتْبَاعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَعْظَمُ إِيمَانًا وَتَقْوًى، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ لِذَلِكَ. قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ أَتْبَاعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا مُرْتَدِّينَ أَوْ فَاسِقِينَ، وَإِذَا كَانَ نَصْرُهُمْ وَتَأْيِيدُهُمْ لِإِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ بَايَعُوهُمَا (¬3) أَفْضَلُ مِنَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا (¬4) عَلِيًّا. وَإِذَا (¬5) كَانَ الْمُقِرُّونَ بِإِمَامَتِهِمَا أَفْضَلَ مِنَ الْمُقِرِّينَ بِإِمَامَةِ عَلِيٍّ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ. وَإِنْ قَالُوا: إِنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا لَمْ يَنْتَصِرْ ; لِأَنَّ أَتْبَاعَهُ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ وَيَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ. قِيلَ: هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الشِّيعَةِ: (إِنَّ) (¬6) الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا وَأَقَرُّوا بِإِمَامَتِهِ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَقَرَّ بِإِمَامَتِهِمَا، فَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ الشِّيعَةُ الَّذِينَ بَايَعُوا (عَلِيًّا) (¬7) عُصَاةً لِلْإِمَامِ الْمَعْصُومِ كَانُوا مِنْ أَشَرِّ (¬8) ¬

(¬1) م: تَابَعَهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ تَابَعَهُ. وَفِي (ب) : بَايَعَهُ أَكْثَرُ مَنْ بَايَعَ. (¬2) ن: أَوْ نَحْوَهُمْ س، ب: وَنَحْوَهُمْ (¬3) م: تَابَعُوهُمَا (¬4) م: تَابَعُوا. وَسَأَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ إِلَى هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي سَيَتَكَرَّرُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (¬5) وَإِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬6) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬7) عَلِيًّا: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬8) ن، شَرِّ

النَّاسِ، فَلَا يَكُونُ فِي الشِّيعَةِ طَائِفَةٌ مَحْمُودَةٌ أَصْلًا، وَلَا طَائِفَةٌ يَنْتَصِرُ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ مَعَ الشِّيعَةِ قَادِرًا عَلَى قَهْرِ الْكُفَّارِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ (¬1) كَمَالِ حَالِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَتْبَاعِهِمَا، فَالنَّقْصُ (¬2) الَّذِي حَصَلَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ (¬3) مِنْ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِمَّا إِلَى الْإِمَامِ، وَإِمَّا إِلَى أَتْبَاعِهِ، وَإِمَّا إِلَى الْمَجْمُوعِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَتْبَاعُهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ وَأَتْبَاعِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ سَبَبُ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ مِنَ الْإِمَامِ ظَهَرَ فَضْلُهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِهِ كَانَ الْمُقِرُّونَ بِإِمَامَتِهِمَا (¬4) أَفْضَلَ مِنَ الْمُقَرِّينَ بِإِمَامَتِهِ، فَتَكُونُ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمَا أَفْضَلَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ مَا امْتَازَ بِهِ الْأَفْضَلُ أَفْضَلُ مِمَّا امْتَازَ بِهِ الْمَفْضُولُ. وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَاتَلُوا مَعَهُمْ هُمْ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا وَقَاتَلُوا مَعَهُ، فَإِنَّ أُولَئِكَ فِيهِمْ مَنْ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ * رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ * (¬5) . ¬

(¬1) ن: مَعَ (¬2) س، ب: وَالنَّقْصُ ; وَفِي (م) كُتِبَتِ الْكَلِمَةُ بِنُقْطَةٍ وَاحِدَةٍ فَوْقَ الصَّادِ (¬3) فِي (س) يُوجَدُ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ، وَكُتِبَ فِي الْهَامِشِ مَا يَلِي: " لَعَلَّ هُنَا سَقَطَ لَفْظُ: فَلَا بُدَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. يُوسُف حُسَيْن " وَيُوجَدُ الْبَيَاضُ فِي (ب) وَكَتَبَ الْمُحَقِّقُ: " بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ " (¬4) ن، م: بِأَمْثَالِهِمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

وَعَامَّةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ عَاشُوا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا تُوُفِّيَ مِنْهُمْ أَوْ قُتِلَ فِي حَيَاتِهِ قَلِيلٌ مِنْهُمْ. وَالَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا كَانَ فِيهِمْ مِنَ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ بَعْضُ مَنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ * وَعُثْمَانَ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ، وَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ * (¬1) ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنَ السَّابِقِينَ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُ، كَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ، وَمُعَاوِيَةَ مِنَ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ. وَإِذَا كَانَ الَّذِينَ بَايَعُوا الثَّلَاثَةَ وَقَاتَلُوا مَعَهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا وَقَاتَلُوا مَعَهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلَ ; لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَوْجُودًا عَلَى عَهْدِ الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْإِمَامَةِ دُونَ غَيْرِهِ - كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ - أَوْ كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَقَّ بِهَا - كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الشِّيعَةِ - لَكَانَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ قَدْ عَدَلُوا عَمَّا أَمَرَهُمْ (¬2) اللَّهُ بِهِ، وَرَسُولُهُ بِهِ (¬3) إِلَى مَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ، بَلْ مَا (¬4) نُهُوا عَنْهُ، وَكَانَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا، وَقَاتَلُوا مَعَهُ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهُ، وَفَعَلَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، فَلَزِمَ لَوْ كَانَ قَوْلُ الشِّيعَةِ حَقًّا أَنْ يَكُونَ أَتْبَاعُ عَلِيٍّ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) ن، م: أَمَرَ (¬3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (ب)

أَفْضَلَ، وَإِذَا (¬1) كَانُوا هُمْ أَفْضَلَ وَإِمَامُهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْخَيْرِ (¬2) أَفْضَلَ مِمَّا فَعَلَهُ الثَّلَاثَةُ. وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ الَّذِي تَوَاتَرَتْ بِهِ (¬3) الْأَخْبَارُ، وَعَلِمَتْهُ الْبَوَادِي وَالْحُضَّارِ، فَإِنَّهُ فِي عَهْدِ الثَّلَاثَةِ جَرَى مِنْ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَعُلُوِّهِ، وَانْتِشَارِهِ، وَنُمُوِّهِ (¬4) ، وَانْتِصَارِهِ، وَعِزِّهِ، وَقَمْعِ الْمُرْتَدِّينَ، وَقَهْرِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ مَا لَمْ يَجْرِ (¬5) بُعْدَهُمْ مِثْلُهُ. وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَّلَهُ اللَّهُ وَشَرَّفَهُ بِسَوَابِقِهِ الْحَمِيدَةِ، وَفَضَائِلِهِ الْعَدِيدَةِ، لَا بِمَا جَرَى فِي * زَمَنِ خِلَافَتِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ، بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنَّهُمْ فُضِّلُوا مَعَ السَّوَابِقِ الْحَمِيدَةِ وَالْفَضَائِلِ الْعَدِيدَةِ بِمَا جَرَى فِي * (¬6) خِلَافَتِهِمْ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْفَاقِ كُنُوزِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحَوَادِثِ الْمَشْكُورَةِ، وَالْأَعْمَالِ الْمَبْرُورَةِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَفْضَلَ سِيرَةً وَأَشْرَفَ سَرِيرَةً مِنْ (عُثْمَانَ) وَعَلِيٍّ (¬7) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَلِهَذَا كَانَا أَبْعَدَ عَنِ الْمَلَامِ، وَأَوْلَى بِالثَّنَاءِ الْعَامِّ حَتَّى لَمْ يَقَعْ (¬8) فِي زَمَنِهِمَا شَيْءٌ مِنَ الْفِتَنِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْخَوَارِجِ فِي زَمَنِهِمَا لَا قَوْلٌ مَأْثُورٌ، وَلَا سَيْفٌ مَشْهُورٌ، بَلْ كَانَ كُلُّ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ مَسْلُولَةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ فِي إِقْبَالٍ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ فِي إِدْبَارٍ. ¬

(¬1) م: فَإِذَا (¬2) س، ب: مِنَ الْخَيْرَاتِ (¬3) ن: لَوْ تَوَاتَرَتِ (¬4) : وَبِكْرِهِ (¬5) ن: يَجُزْ (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬7) وَعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬8) م: يُسْمَعْ

ثُمَّ إِنَّ الرَّافِضَةَ - أَوْ أَكْثَرَهُمْ - لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ، وَضَلَالِهِمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ كَانُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ، وَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ خَيْرٌ مِنَ الْمُرْتَدِّ، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَقْوَالِ افْتِرَاءً عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ، وَجُنْدِ اللَّهِ الْغَالِبِينَ. وَمِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى فَسَادِهِ أَنْ يُقَالَ: مِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ، وَالْمُتَوَاتِرِ مِنَ الْأَخْبَارِ، أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَاجَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هِجْرَتَيْنِ: هِجْرَةً إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهِجْرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ إِذْ ذَاكَ قَلِيلًا، وَالْكُفَّارُ مُسْتَوْلُونَ عَلَى عَامَّةِ الْأَرْضِ، وَكَانُوا يُؤْذَوْنَ بِمَكَّةَ، وَيَلْقَوْنَ مِنْ أَقَارِبِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْأَذَى مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَهُمْ صَابِرُونَ عَلَى الْأَذَى، مُتَجَرِّعُونَ لِمَرَارَةِ الْبَلْوَى، وَفَارَقُوا الْأَوْطَانَ، وَهَجَرُوا الْخِلَّانَ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (سُورَةِ الْحَشْرِ: 8) . وَهَذَا كُلُّهُ فَعَلُوهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُكْرِهْهُمْ عَلَيْهِ مُكْرِهٌ، * وَلَا أَلْجَأَهُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِسْلَامِ إِذْ ذَاكَ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يُكْرَهُ * (¬1) بِهِ أَحَدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ (¬2) ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَاكَ - هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ - مَنْهِيِّينَ عَنِ الْقِتَالِ، مَأْمُورِينَ بِالصَّفْحِ وَالصَّبْرِ فَلَمْ يُسْلِمْ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ن، س، ب: بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْإِسْلَامِ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م)

أَحَدٌ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا هَاجَرَ أَحَدٌ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ. وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ نَافَقَ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِالْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ فِيهِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَ (لَمَّا) صَارَ (¬1) لِلْمُسْلِمِينَ دَارٌ يَمْتَنِعُونَ بِهَا وَيُقَاتِلُونَ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمِمَّنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ دَخَلَ خَوْفًا وَتَقِيَّةً، وَكَانُوا مُنَافِقِينَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (سُورَةِ التَّوْبَةِ: 101) . وَلِهَذَا إِنَّمَا ذُكِرَ النِّفَاقُ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ، وَأَمَّا السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ فَلَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، وَالَّذِينَ هَاجَرُوا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، بَلْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحِبِّينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ، وَأَهْلِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ رَمْيَهُمْ - أَوْ رَمْيَ أَكْثَرِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ - بِالنِّفَاقِ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الرَّافِضَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ الَّذِي هُوَ نَعْتُ الرَّافِضَةِ وَإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِنَّ النِّفَاقَ كَثِيرٌ ظَاهِرٌ فِي الرَّافِضَةِ إِخْوَانِ الْيَهُودِ، وَلَا يُوجَدُ فِي الطَّوَائِفِ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ نِفَاقًا مِنْهُمْ حَتَّى يُوجَدَ فِيهِمُ النُّصَيْرِيَّةُ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَأَمْثَالُهُمْ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ نِفَاقًا، وَزَنْدَقَةً، وَعَدَاوَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ (¬2) . ¬

(¬1) ن، م، س: وَصَارَ (¬2) ن، س، ب: وَرَسُولِهِ

وَكَذَلِكَ دَعْوَاهُمْ عَلَيْهِمُ الرِّدَّةُ مِنْ أَعْظَمِ (¬1) الْأَقْوَالِ بُهْتَانًا، فَإِنَّ الْمُرْتَدَّ إِنَّمَا يَرْتَدُّ لِشُبْهَةٍ أَوْ شَهْوَةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ أَقْوَى، فَمَنْ كَانَ إِيمَانُهُمْ مِثْلَ الْجِبَالِ فِي حَالِ ضَعْفِ الْإِسْلَامِ كَيْفَ يَكُونُ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ ظُهُورِ آيَاتِهِ وَانْتِشَارِ أَعْلَامِهِ؟ ! وَأَمَّا الشَّهْوَةُ: فَسَوَاءٌ كَانَتْ شَهْوَةَ رِيَاسَةٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ فَمَنْ (¬2) خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَتَرَكُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ وَالْعِزِّ حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ طَوْعًا غَيْرَ إِكْرَاهٍ كَيْفَ يُعَادُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ طَلَبًا لِلشَّرَفِ وَالْمَالِ؟ ! ثُمَّ هُمْ فِي حَالِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْمُعَادَاةِ، وَقِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمُعَادَاةِ لَمْ يَكُونُوا مُعَادِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ مُوَالِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مُعَادِينَ لِمَنْ عَادَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَحِينَ قَوِيَ الْمُقْتَضِي لِلْمُوَالَاةِ، وَضَعُفَتِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُعَادَاةِ، يَفْعَلُونَ نَقِيضَ هَذَا؟ ! هَلْ يَظُنُّ هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ ضَلَالًا؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا حَصَلَ مَعَهُ كَمَالُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَكَمَالُ الْإِرَادَةِ لَهُ، وَجَبَ وُجُودُهُ، وَهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْمُقْتَضِي لِإِرَادَةِ مُعَادَاةِ الرَّسُولِ أَقْوَى؛ لِكَثْرَةِ أَعْدَائِهِ، وَقِلَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَعَدَمِ ظُهُورِ دِينِهِ (¬3) وَكَانَتْ قُدْرَةُ مَنْ يُعَادِيهِ (¬4) بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ حِينَئِذٍ (¬5) أَقْوَى حَتَّى كَانَ يُعَادِيهِ آحَادُ النَّاسِ، ¬

(¬1) ن، م: أَظْهَرِ (¬2) ن، م، س: مِمَّنْ. وَالتَّصْوِيبُ مِنْ (ب) (¬3) ن، م، س: وَعَدَمِ ظُهُورِ دِينِهِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ. وَالْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ جَاءَتْ فِي هَذِهِ النُّسَخِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا الصَّحِيحِ، وَأَثْبَتَهَا مُحَقِّقُ (ب) فِي مَكَانِهَا الصَّحِيحِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ قَلِيلٍ (¬4) م: وَكَانَتْ قُدْرَةُ مُعَادِيهِ (¬5) ن: مَنْ يُعَادِيهِ حِينَئِذٍ ; م: مُعَادِيهِ حِينَئِذٍ

وَيُبَاشِرُونَ أَذَاهُ بِالْأَيْدِي وَالْأَلْسُنِ، وَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَ، كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْمُعَادَاةِ أَضْعَفَ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهَا أَضْعَفَ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمُعَادَاةَ أَوَّلًا، ثُمَّ عَادَاهُ ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِتَغَيُّرِ (¬1) إِرَادَتِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمُعَادَاةِ كَانَتْ أَوَّلًا أَقْوَى، وَالْمُوجِبُ لِإِرَادَةِ الْمُعَادَاةِ كَانَ أَوَّلًا أَوْلَى، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ عِنْدَهُمْ مَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ إِرَادَتِهِمْ، وَلَا قُدْرَتِهِمْ، فَعُلِمَ يَقِينًا أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَتَجَدَّدْ (عِنْدَهُمْ) (¬2) مَا يُوجِبُ الرِّدَّةَ عَنْ دِينِهِمُ الْبَتَّةَ، وَالَّذِينَ ارْتَدُّوا بَعْدَ مَوْتِهِ إِنَّمَا كَانُوا مِمَّنْ أَسْلَمَ بِالسَّيْفِ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ وَأَهْلِ نَجْدٍ، فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا طَوْعًا فَلَمْ يَرْتَدَّ مِنْهُمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - أَحَدٌ، وَأَهْلُ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا بَعْدَ فَتْحِهَا هَمَّ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالرِّدَّةِ، ثُمَّ ثَبَّتَهُمُ اللَّهُ بِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو. وَأَهْلُ الطَّائِفِ لَمَّا حَاصَرَهُمْ (¬3) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ رَأَوْا ظُهُورَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا مَغْلُوبِينَ فَهَمُّوا بِالرِّدَّةِ فَثَبَّتَهُمُ (¬4) اللَّهُ بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ. فَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّمَا أَسْلَمُوا طَوْعًا، وَالْمُهَاجِرُونَ مِنْهُمْ، وَالْأَنْصَارُ، وَهُمْ قَاتَلُوا النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْتَدَّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ، بَلْ ضَعُفَ غَالِبُهُمْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلَّتْ أَنْفُسُهُمْ عَنِ الْجِهَادِ عَلَى دِينِهِ حَتَّى ثَبَّتَهُمُ اللَّهُ، وَقَوَّاهُمْ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ، ¬

(¬1) م: لِتَعَيُّنِ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) م، س، ب: حَصَرَهُمْ (¬4) م: وَثَّبَهُمْ

المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله

وَجِهَادِ الْكَافِرِينَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِصِدِّيقِ الْأُمَّةِ، الَّذِي أَيَّدَ اللَّهُ بِهِ دِينَهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِهِ، وَحَفِظَهُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَاللَّهُ يَجْزِيهِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ خَيْرَ الْجَزَاءِ. [المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله] [الأول أنه كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْمَنْهَجُ الرَّابِعُ فِي الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِمَامَتِهِ (الْمُسْتَنْبَطَةِ) (¬2) مِنْ أَحْوَالِهِ (¬3) وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ ". ثُمَّ ذَكَرَ: كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ، وَأَعْبَدَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ، وَأَشْجَعَهُمْ، وَذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَهُ، وَاجْتِمَاعِ الْفَضَائِلِ عَلَى أَوْجُهٍ (¬4) تَقَدَّمَ بِهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ (¬5) : " الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬6) . وَالْجَوَابُ: الْمَنْعُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمَا يَقُولُونَ: أَزْهَدُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّهْدَ الشَّرْعِيَّ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ مَالٌ يَكْتَسِبُهُ (¬7) فَأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ، ¬

(¬1) فِي (ك) 174 (م) (¬2) الْمُسْتَنْبَطَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) ، (ب) ، وَأَثْبَتَهَا مِنْ (ك) (¬3) ك: مِنْ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬4) ن، م: وَجْهٍ (¬5) بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً (¬6) ك: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (¬7) م: مُكْتَسِبُهُ ; س، ب: يَكْسِبُهُ

فَذَهَبَ إِلَى السُّوقِ يَبِيعُ وَيَتَكَسَّبُ (¬1) ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ وَعَلَى يَدِهِ أَبْرَادٌ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَقَالَ: أَظَنَنْتَ أَنِّي تَارِكٌ (¬2) طَلَبَ الْمَعِيشَةِ لِعِيَالِي، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبَا عُبَيْدَةَ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَفَرَضُوا لَهُ شَيْئًا فَاسْتَحْلَفَ عُمَرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ، فَحَلَفَا لَهُ أَنَّهُ يُبَاحُ (¬3) لَهُ أَخْذُ دِرْهَمَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ تَرَكَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَرُدَّ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مَا كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي مَالِهِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدَتْ جَرْدَ قَطِيفَةٍ لَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَحَبَشِيَّةً تُرْضِعُ ابْنَهُ، أَوْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَبَعِيرًا نَاضِحًا، فَأَرْسَلَتْ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لَهُ: أَتَسْلُبُ هَذَا عِيَالَ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: كَلَّا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لَا يَتَأَثَّمُ (¬4) مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاتِهِ، وَأَتَحَمَّلُهُ أَنَا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: عَلِيٌّ كَانَ زَاهِدًا، وَلَكِنَّ الصِّدِّيقَ أَزْهَدُ مِنْهُ ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ الْمَالُ الْكَثِيرُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالتِّجَارَةُ الْوَاسِعَةُ، فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ حَالُهُ فِي الْخِلَافَةِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ رَدَّ مَا تَرَكَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ زَنْجَوَيْهِ (¬5) : " وَأَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَقِيرًا يُعَالُ وَلَا يَعُولُ، ثُمَّ اسْتَفَادَ الْمَالَ: الرِّبَاعَ، وَالْمَزَارِعَ، وَالنَّخِيلَ، وَالْأَوْقَافَ، وَاسْتُشْهِدَ وَعِنْدَهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سُرِّيَّةً، وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ - وَلِلَّهِ ¬

(¬1) ن، س، ب: وَيَكْتَسِبُ (¬2) ن، س، ب: تَرَكْتُ (¬3) م: مُبَاحٌ (¬4) م: لَا يَتَأَلَّمُ (¬5) هُوَ حُمَيْدُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَوْ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، بْنِ قُتَيْبَةَ الْأَزْدِيُّ النَّسَائِيُّ، أَبُو أَحْمَدَ، مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، مُصَنِّفُ كِتَابِ " الْأَمْوَالِ " وَكِتَابِ " التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ "، حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 251. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/550 551 ; الْأَعْلَامِ 2/319

الْحَمْدُ - وَلَمْ يَأْمُرْ (¬1) بِرَدِّ مَا تَرَكَهُ (¬2) لِبَيْتِ الْمَالِ، وَخَطَبَ الْحَسَنُ النَّاسَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ (¬3) صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ، إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ بَقِيَتْ مِنْ عَطَائِهِ ". وَرَوَى الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: (قَالَ) (¬4) عَلِيٌّ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبُطُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، وَإِنَّ صَدَقَةَ مَالِي لَتَبْلُغُ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا (¬5) . رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ شَرِيكٍ (¬6) ، وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، وَفِيهِ: لَتَبْلُغُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ زُهْدِ أَبِي بَكْرٍ؟ ! وَإِنْ كَانَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا زَاهِدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ (¬7) : " وَقَالَ قَائِلُونَ: عَلِيٌّ كَانَ أَزْهَدَهُمْ " قَالَ: " وَكَذَبَ هَذَا ¬

(¬1) ن، س: وَلَمْ يُؤْمَرْ (¬2) ن، س، ب: مَا تَرَكَ (¬3) س: مَا تُرِكَتْ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) قَالَ: فِي (ب) فَقَطْ (¬5) الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " بِهَذَا الْإِسْنَادِ 2/712 (رَقْمُ 1218) (¬6) فِي " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " الرَّقْمُ السَّابِقُ وَالْأَرْقَامُ 899، 927، 1217. وَضَعَّفَ الْمُحَقِّقُ الْحَدِيثَ فِي كُلِّ أَسَانِيدِهِ السَّابِقَةِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ 1/539 وَقَالَ عَنْ شَرِيكٍ 2/712: " شَرِيكٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ سَيِّئُ الْحِفْظِ ". وَانْظُرْ كَلَامَهُ عَلَى الْحَدِيثِ 1/539 وَفِيهِ قَوْلُهُ: " وَأَخْرَجَهُ الدُّولَابِيُّ فِي الْكُنَى (2: 163) مِنْ شَرِيكٍ بِدُونِ قَوْلِهِ: وَإِنَّ صَدَقَتِي. . . إِلَخْ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا كَانَ يَرْبُطُ الْحَجَرَ، لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . . . (¬7) فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلِ فِي الْمِلَلِ وَالْأَهْوَاءِ وَالنِّحَلِ " 4/216 218. وَهُنَاكَ فُرُوقٌ بَيْنَ نَصِّ كِتَابِنَا وَبَيْنَ " الْفِصَلِ " سَأُشِيرُ إِلَى أَهَمِّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

الْجَاهِلُ، وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الزُّهْدَ إِنَّمَا هُوَ عُزُوفُ (¬1) النَّفْسِ عَنْ حُبِّ الصَّوْتِ، وَعَنِ الْمَالِ، وَعَنِ اللَّذَّاتِ، وَعَنِ الْمَيْلِ إِلَى الْوَلَدِ وَالْحَاشِيَةِ، لَيْسَ لِلزُّهْدِ (¬2) مَعْنًى يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الزُّهْدِ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى، فَأَمَّا عُزُوفُ النَّفْسِ عَنِ الْمَالِ فَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصَرٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ الْخَالِيَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَسْلَمَ وَلَهُ مَالٌ عَظِيمٌ، قِيلَ: أَرْبَعِينَ أَلْفًا (¬3) أَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُلَّهَا، وَأَعْتَقَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْعَبِيدِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُعَذَّبِينَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَلَمْ يُعْتِقْ عَبِيدًا أَجْلَادًا (¬4) يَمْنَعُونَهُ، لَكِنْ كُلَّ مُعَذَّبٍ وَمُعَذَّبَةٍ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى هَاجَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَبْقَ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ إِلَّا سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ حَمَلَهَا كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبْقِ لِبَنِيهِ مِنْهَا دِرْهَمًا، ثُمَّ أَنْفَقَهَا كُلَّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَبَقِيَ فِي عَبَاءَةٍ لَهُ قَدْ خَلَّلَهَا بِعُودٍ، إِذَا نَزَلَ فَرَشَهَا، وَإِذَا رَكِبَ لَبِسَهَا، إِذْ تَمَوَّلَ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاقْتَنَى الرِّبَاعَ الْوَاسِعَةَ، وَالضِّيَاعَ الْعَظِيمَةَ مِنْ حِلِّهَا وَحَقِّهَا، إِلَّا أَنَّ مَنْ آثَرَ بِذَلِكَ (اللَّهَ) (¬5) فِي سَبِيلِ اللَّهِ (¬6) أَزْهَدُ مِمَّنْ أَنْفَقَ وَأَمْسَكَ، ثُمَّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَمَا اتَّخَذَ جَارِيَةً، وَلَا تَوَسَّعَ فِي مَالٍ. وَعَدَّ عِنْدَ مَوْتِهِ (¬7) مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ ¬

(¬1) الْفِصَلِ: غُرُوبُ (¬2) الْفِصَلِ: الزُّهْدُ (¬3) الْفِصَلِ: أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ (¬4) الْفِصَلِ: جَلْدًا (¬5) اللَّهَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) (¬6) الْفِصَلِ: إِلَّا أَنَّ مَنْ آثَرَ بِذَلِكَ سَبِيلَ اللَّهِ (¬7) س، ب: وَعِنْدَ مَوْتِهِ

إِلَّا بَعْضَ حَقِّهِ، وَأَمَرَ (¬1) بِصَرْفِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ سِهَامِهِ فِي الْمَغَازِي وَالْمَقَاسِمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَذَا هُوَ الزُّهْدُ فِي اللَّذَّاتِ وَالْمَالِ الَّذِي لَا يُدَانِيهِ (¬2) فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَبَا ذَرٍّ (¬3) وَأَبَا عُبَيْدَةَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَإِنَّهُمَا جَرَيَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي فَارَقَا عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَقَدْ تَلَا (¬4) أَبَا بَكْرٍ عُمَرُ (¬5) فِي هَذَا الزُّهْدِ، وَكَانَ فَوْقَ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، يَعْنِي فِي إِعْرَاضِهِ عَنِ الْمَالِ وَاللَّذَّاتِ. وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَوَسَّعَ فِي هَذَا الْمَالِ مِنْ حِلِّهُ، وَمَاتَ عَنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ أُمِّ وَلَدٍ، سِوَى الْخَدَمِ وَالْعَبِيدِ، وَتُوُفِّيَ عَنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَدًا مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَتَرَكَ لَهُمْ مِنَ الْعَقَارِ وَالضِّيَاعِ مَا كَانُوا بِهِ مِنْ أَغْنِيَاءِ قَوْمِهِمْ وَمَيَاسِيرِهِمْ. هَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِنْكَارِهِ مَنْ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ، وَمِنْ جُمْلَةِ عَقَارِهِ يَنْبُعُ (¬6) الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا كَانَتْ تَغُلُّ أَلْفَ وَسْقِ تَمْرٍ سِوَى زَرْعِهَا، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ ! وَأَمَّا حُبُّ الْوَلَدِ (¬7) وَالْمِيلُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْحَاشِيَةِ فَالْأَمْرُ فِي هَذَا أَبْيَنُ مِنْ أَنْ ¬

(¬1) ب: أَمَرَ (¬2) ن، س: لَا يُبَايِنُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وُفِي (ب) : لَا يُضَاهِيهِ (¬3) ب: أَبَانَ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) تَرَكَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَقْرُبُ مِنْ سَطْرَيْنِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ (¬5) ن، م، وَعُمَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬6) كَلِمَةُ " يَنْبُعُ ": سَاقِطَةٌ مِنَ " الْفِصَلِ " (¬7) س: الْوَلِيدِ

يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِالْأَخْبَارِ، فَقَدْ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالْوَلَدِ مِثْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (¬1) ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَالسَّابِقِينَ مِنْ ذَوِي الْفَضَائِلِ الْعَظِيمَةِ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفَضَائِلِ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةٌ قَدِيمَةٌ، وَهِجْرَةٌ سَابِقَةٌ، وَفَضْلٌ ظَاهِرٌ، فَمَا اسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْجِهَاتِ، وَهِيَ بِلَادُ الْيَمَنِ كُلُّهَا عَلَى سَعَتِهَا وَكَثْرَةِ أَعْمَالِهَا، وَعُمَانَ، وَحَضْرَمَوْتَ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَالْيَمَامَةِ، وَالطَّائِفِ، وَمَكَّةَ، وَخَيْبَرَ، وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْحِجَازِ، وَلَوِ اسْتَعْمَلَهُمْ لَكَانُوا لِذَلِكَ أَهْلًا، وَلَكِنْ خَشِيَ الْمُحَابَاةَ، وَتَوَقَّعَ أَنْ يُمِيلَهُ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْهَوَى. ثُمَّ جَرَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَجْرَاهُ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَسْتَعْمِلْ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدًا عَلَى سَعَةِ الْبِلَادِ وَكِبَرِهَا (¬2) ، وَقَدْ فَتَحَ الشَّامَ (¬3) ، وَمِصْرَ، وَجَمِيعَ مَمْلَكَةِ الْفُرْسِ (¬4) إِلَى خُرَاسَانَ، إِلَّا النُّعْمَانَ بْنَ عَدِيٍّ وَحْدَهُ عَلَى مَيْسَانَ، ثُمَّ أَسْرَعَ عَزَلَهُ. وَفِيهِمْ مِنَ الْهِجْرَةِ مَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْخَاذِ قُرَيْشٍ ; لِأَنَّ بَنِي عَدِيٍّ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إِلَّا هَاجَرَ، وَكَانَ فِيهِمْ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ذِي السَّوَابِقِ، وَأَبِي الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، وَخَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، (وَابْنِهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (¬5) . ¬

(¬1) ن، م، س، ب: طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالتَّصْوِيبُ مِنَ " الْفِصَلِ " 4/217 (¬2) م: وَكُثْرِهَا ; الْفِصَلِ: وَكَثْرَتِهَا (¬3) م: وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ الشَّامَ (¬4) س، ب: فُرْسٍ (¬5) ن، م، س: وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ; ب: وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْفِصَلِ " 4/217

ثُمَّ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَبُو بَكْرٍ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ، وَلَا اسْتَعْمَلَ عُمَرُ ابْنَهُ (¬1) فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ (¬2) ، وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَخِيَارِهِمْ، وَقَدْ رَضِيَ بِخِلَافَتِهِ بَعْضُ النَّاسِ (¬3) ، وَكَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَلَوِ اسْتَخْلَفَهُ لَمَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَمَا (¬4) فَعَلَ. وَوَجَدْنَا عَلِيًّا إِذْ وَلِيَ قَدِ اسْتَعْمَلَ أَقَارِبَهُ: ابْنَ عَبَّاسٍ (¬5) عَلَى الْبَصْرَةِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْيَمَنِ، وَقُثَمًا وَمَعْبَدًا ابْنَيِ الْعَبَّاسِ (¬6) عَلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَجَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ (¬7) ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهِ أَمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى خُرَاسَانَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ ابْنُ امْرَأَتِهِ وَأَخُو وَلَدِهِ، عَلَى مِصْرَ. وَرَضِيَ بِبَيْعَةِ النَّاسِ الْحَسَنَ ابْنَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْحَسَنِ لِلْخِلَافَةِ، وَلَا اسْتِحْقَاقَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لِلْخِلَافَةِ، فَكَيْفَ بِإِمَارَةِ الْبَصْرَةِ، لَكِنَّا نَقُولُ: إِنَّ مَنْ زَهِدَ فِي الْخِلَافَةِ لِوَلَدٍ مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ (¬8) عَلَيْهِ، وَفِي تَأْمِيرِ مِثْلِ طَلْحَةَ بْنِ ¬

(¬1) ن، س، ب: وَلَا اسْتَعْمَلَ ابْنَهُ عُمَرُ (¬2) الْفِصَلِ: وَلَا اسْتَعْمَلَ عُمَرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ عَلَى الْخِلَافَةِ (¬3) الْفِصَلِ: وَقَدْ رَضِيَ بِهِ النَّاسُ (¬4) ب: فِيمَا (¬5) الْفِصَلِ: عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَبَّاسٍ: وَهُوَ خَطَأٌ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 2/325 فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ حَتَّى قُتِلَ عَلِيٌّ " (¬6) الْفِصَلِ: وَخَثْعَمَ وَمَعْبَدًا بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَانْظُرِ: الْأَعْلَامَ 6/29 وَفِيهِ: " وَوَلَّاهُ عَمُّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَاسْتَمَرَّ فِيهَا إِلَى أَنْ قُتِلَ عَلِيٌّ " وَانْظُرْ أَيْضًا: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 8/361 362 (¬7) الْفِصَلِ: وَجَعْدَةَ بْنَ نُمَيْرَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. انْظُرْ: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 2/81 (¬8) م: يَتَّفِقُونَ

عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَتَمُّ زُهْدًا وَأَعْزَفُ (¬1) عَنْ جَمِيعِ مَعَانِي الدُّنْيَا نَفْسًا (¬2) مِمَّنْ يَأْخُذُ مَا أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ (¬3) . فَصَحَّ بِالْبُرْهَانِ الضَّرُورِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَزْهَدُ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬4) ". فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : عَلِيٌّ قَدْ (¬6) طَلَّقَ الدُّنْيَا ثَلَاثًا، وَكَانَ قُوتُهُ جَرِيشَ الشَّعِيرِ، وَكَانَ يَخْتِمُهُ لِئَلَّا يَضَعَ الْإِمَامَانِ فِيهِ أُدْمًا (¬7) ، وَكَانَ يَلْبَسُ خَشِنَ الثِّيَابِ وَقَصِيرَهَا، وَرَقَّعَ مِدْرَعَتَهُ حَتَّى اسْتَحَى (¬8) مِنْ رَقْعِهَا (¬9) ، وَكَانَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفًا (¬10) ، وَكَذَا نَعْلُهُ. وَرَوَى أَخْطَبُ خُوَارَزْمَ، «عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ زَيَّنَكَ بِزِينَةٍ لَمْ يُزَيِّنِ الْعِبَادَ بِزِينَةٍ أَحَبَّ (¬11) إِلَى اللَّهِ مِنْهَا: زُهْدُكَ فِي الدُّنْيَا، وَبُغْضُهَا إِلَيْكَ، ¬

(¬1) الْفِصَلِ 4/218: أَوْ أَعْزَبُ: وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) الْفِصَلِ: يَقِينًا (¬3) الْفَصْلِ: مِمَّنْ أَخَذَ مِنْهَا (مِمَّا) أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ (¬4) س، ب: عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (¬5) فِي (ك) ص 174 (م) 176 (م) (¬6) عِبَارَةُ: " عَلِيٌّ قَدْ. . " لَيْسَتْ فِي (ك) (¬7) ك: الْإِمَامَانِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِيهِ إِدَامًا (¬8) ن: اسْتَحْيَى ; ك: اسْتَحْيَا (¬9) ك: مِنْ رَاقِعِهَا (¬10)) م: لِيفٌ ; ل: اللِّيفَ (¬11) 11) ك: وَهِيَ أَحَبُّ

وَحَبَّبَ إِلَيْكَ الْفُقَرَاءَ، فَرَضِيتَ بِهِمْ أَتْبَاعًا، وَرَضُوا بِكَ إِمَامًا. يَا عَلِيُّ، طُوبَى لِمَنْ أَحَبَّكَ وَصَدَّقَ عَلَيْكَ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ، وَكَذَبَ عَلَيْكَ. * أَمَّا مَنْ أَحَبَّكَ وَصَدَّقَ عَلَيْكَ فَإِخْوَانُكَ فِي دِينِكَ، وَشُرَكَاؤُكَ فِي جَنَّتِكَ، وَأَمَّا مَنْ أَبْغَضَكَ وَكَذَبَ عَلَيْكَ * (¬1) فَحَقِيقٌ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقِيمَهُمْ (¬2) مَقَامَ الْكَذَّابِينَ» . قَالَ (¬3) سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ الْعَصْرَ، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا بَيْنَ يَدَيْهِ صَفْحَةٌ فِيهَا لَبَنٌ حَارٌّ، وَأَجِدُ رِيحَهُ مِنْ شِدَّةِ حُمُوضَتِهِ، وَفِي يَدِهِ رَغِيفٌ أَرَى قُشَارَ الشَّعِيرِ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ (¬4) يَكْسِرُ بِيَدِهِ أَحْيَانًا، فَإِذَا غَلَبَهُ كَسَرَهُ بِرُكْبَتِهِ (¬5) ، فَطَرَحَهُ فِيهِ (¬6) ، فَقَالَ: ادْنُ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا هَذَا، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَنَعَهُ الصِّيَامُ عَنْ (¬7) طَعَامٍ يَشْتَهِيهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ، وَيَسْقِيَهُ مِنْ شَرَابِهَا» . قَالَ: قُلْتُ لِجَارِيَتِهِ وَهِيَ قَائِمَةٌ (¬8) : وَيْحَكِ يَا فِضَّةُ! أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي هَذَا الشَّيْخِ؟ أَلَا تَنْخُلِينَ طَعَامَهُ مِمَّا أَرَى فِيهِ مِنَ النُّخَالِ (¬9) ؟ فَقَالَتْ: ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) ك: عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُقِيمَهُ (¬3) : وَقَالَ. . (¬4) وَهُوَ: لَيْسَتْ فِي (ك) ص 175 (م) (¬5) ك: بِرُكَبِهِ (¬6) فِيهِ: لَيْسَتْ فِي (ك) (¬7) ك: مِنْ (¬8) ك: وَهِيَ قَائِمَةٌ بِقُرْبٍ مِنْهُ (¬9) ك: لَهُ طَعَامَهُ مِمَّا أَرَى فِيهِ مِنَ النُّخَالَةِ

لَقَدْ عَهِدَ (¬1) إِلَيْنَا أَنْ لَا نَنْخُلَ لَهُ طَعَامًا، قَالَ: مَا قُلْتَ لَهَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ (¬2) : بِأَبِي وَأُمِّي مَنْ لَمْ يُنْخَلْ لَهُ طَعَامٌ، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَاشْتَرَى يَوْمًا ثَوْبَيْنِ غَلِيظَيْنِ، فَخَيَّرَ قَنْبَرًا فِيهِمَا فَأَخَذَ وَاحِدًا وَلَبِسَ هُوَ الْآخَرَ، وَرَأَى فِي كُمِّهِ طُولًا عَنْ أَصَابِعِهِ فَقَطَعَهُ. قَالَ ضِرَارُ بْنُ ضَمْرَةَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ قَتْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (¬3) ، فَقَالَ: صِفْ لِي عَلِيًّا، فَقُلْتُ: أَعْفِنِي، فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ (¬4) ، فَقُلْتُ (¬5) : أَمَّا إِذْ لَا بُدَّ، فَإِنَّهُ كَانَ وَاللَّهِ بَعِيدَ الْمَدَى، شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا، وَيَحْكُمُ عَدْلًا، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ (¬6) بِاللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ، وَكَانَ وَاللَّهِ (¬7) غَزِيرَ الْعَبْرَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُعْجِبُهُ (¬8) مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ، وَمِنَ الطَّعَامِ مَا قَشُبَ، وَكَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا: يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ، وَيَأْتِينَا (¬9) إِذَا دَعَوْنَاهُ، وَنَحْنُ - ¬

(¬1) ك: لَقَدْ تَقَدَّمَ (¬2) الْقَائِلُ هُنَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، وَقَوْلُهُ التَّالِي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬3) ك: بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬4) ك: لَا بُدَّ أَنْ تَصِفَهُ (¬5) ن، م: فَقَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬6) ك: وَيَأْنَسُ (¬7) عِبَارَةُ: " وَكَانَ وَاللَّهِ " لَيْسَتْ فِي (ك) (¬8) ك:. . الْفِكْرَةِ، يَقْلِبُ كَفَّهُ، وَيُعَاتِبُ نَفْسَهُ، يُعْجِبُهُ (¬9) ن، س، ب: وَيُلَبِّينَا

وَاللَّهِ - مَعَ تَقْرِيبِهِ لَنَا، وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ (¬1) هَيْبَةً لَهُ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ، وَيُقَرِّبُ الْمَسَاكِينَ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْئَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا دُنْيَا (¬2) غُرِّي غَيْرِي. أَلِي تَعَرَّضْتِ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّفْتِ (¬3) ؟ هَيْهَاتَ! قَدْ بِنْتُكِ (¬4) ثَلَاثًا، لَا رَجْعَةَ فِيكِ (¬5) ، عُمْرُكِ قَصِيرٌ (¬6) ، وَخَطَرُكِ (¬7) كَثِيرٌ، وَعَيْشُكِ حَقِيرٌ. آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ! فَبَكَى مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ كَانَ (¬8) وَاللَّهِ كَذَلِكَ، فَمَا حُزْنُكَ (¬9) عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ؟ قَالَ: حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حِجْرِهَا، فَلَا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا وَلَا يَسْكُنُ حُزْنُهَا ". وَالْجَوَابُ: أَمَّا زُهْدُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَالِ فَلَا رَيْبَ فِيهِ، لَكِنَّ الشَّأْنَ أَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ (وَعُمَرَ) (¬10) ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ¬

(¬1) (ص 176 م) : لَا نَكَادُ نُكَلِّمُهُ. . (¬2) ك: لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ، وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ، وَغَارَبَ نُجُومَهُ، قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، وَيَقُولُ: يَا دُنْيَا. . (¬3) ن، س، ب: تَشَوَّقْتِ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، (ك) ، وَتَشَوَّفَتِ الْجَارِيَةُ: أَيْ تَزَيَّنَتْ (¬4) ك: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، غُرِّي غَيْرِي، قَدْ أَبَنْتُكِ. . . وَالْبَتُّ: الْقَطْعُ (¬5) ك: فِيهَا ; ب: لِي فِيكِ (¬6) ك: فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ (¬7) ن، س، ب: وَبَطَرُكِ (¬8) ن، س، ب: فَكَانَ ; ك: قَدْ كَانَ (¬9) ك:. . كَذَلِكَ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: كَيْفَ كَانَ حُبُّكَ لَهُ؟ قَالَ: كَحُبِّ أُمِّ مُوسَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ: فَمَا حُزْنُكَ. . . (¬10) وَعُمَرَ: زِيَادَةٌ فِي (م

ذَلِكَ، بَلْ مَا كَانَ فِيهِ حَقًّا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْبَاقِي: إِمَّا كَذِبٌ، وَإِمَّا مَا لَا مَدْحَ فِيهِ. (أَمَّا كَوْنُهُ طَلَّقَ الدُّنْيَا ثَلَاثًا) (¬1) فَمِنَ الْمَشْهُورِ عَنْهُ (¬2) أَنَّهُ قَالَ: " يَا صَفْرَاءُ، يَا بَيْضَاءُ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا غُرِّي غَيْرِي، لَا رَجْعَةَ لِي فِيكِ "، لَكِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَزْهَدُ مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ هَذَا، فَإِنَّ نَبِيَّنَا وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَغَيْرَهُمَا كَانُوا أَزْهَدَ مِنْهُ وَلَمْ يَقُولُوا هَذَا، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا زَهِدَ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ (¬3) : قَدْ زَهِدْتُ، (¬4) وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ: زَهِدْتُ (¬5) ، يَكُونُ قَدْ زَهِدَ، فَلَا عَدَمُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الزُّهْدِ، وَلَا وُجُودُهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ كَانَ دَائِمًا يَقْتَاتُ جَرِيشَ الشَّعِيرِ بِلَا أُدْمٍ (¬6) . فَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ كَذِبٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا مَدْحَ فِيهِ، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَامُ الزُّهْدِ كَانَ (¬7) لَا يَرُدُّ مَوْجُودًا وَلَا يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا (¬8) ، بَلْ إِنْ حَضَرَ لَحْمُ دَجَاجٍ أَكَلَهُ، أَوْ لَحْمُ غَنَمٍ أَكَلَهُ، أَوْ حَلْوَاءُ أَوْ عَسَلٌ أَوْ فَاكِهَةٌ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا لَمْ يَتَكَلَّفْهُ، وَكَانَ إِذَا حَضَرَ طَعَامًا (¬9) ، فَإِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَا يَتَكَلَّفُ مَا لَا يَحْضُرُ، ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ (¬2) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) ن، س، ب: لَمْ يَجِبْ بِلِسَانِهِ أَنْ يَقُولَ (¬4) : سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) : سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬6) م: إِدَامٍ (¬7) س، ب:. . وَسَلَّمَ كَانَ إِمَامَ الزُّهَّادِ وَكَانَ (¬8) س: مَقْصُودًا (¬9) م: طَعَامٌ.

وَرُبَّمَا رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ (¬1) مِنَ الْجُوعِ، وَقَدْ كَانَ (¬2) يُقِيمُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رِجَالًا قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . (¬3) فَكَيْفَ يُظَنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ رَغِبَ عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ؟ ! وَأَيُّ مَدْحٍ لِمَنْ رَغِبَ عَنْهَا، ثُمَّ كَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ بِالْعِرَاقِ، وَلَا يَقْتَاتُ إِلَّا شَعِيرًا مَجْرُوشًا لَا أُدْمَ لَهُ، وَلَا يَأْكُلُ خُبْزَ بُرٍّ وَلَا لَحْمًا، وَالنَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهَلْ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ أَوْ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: " كَانَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفًا، وَنَعْلُهُ لِيفًا ". فَهَذَا أَيْضًا كَذِبٌ وَلَا مَدْحَ فِيهِ ; فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نَعْلَ (رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْجُلُودِ، وَحَمَائِلَ) (¬4) سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ (¬5) ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَاللَّهَ قَدْ يَسَّرَ الرِّزْقَ عَلَيْهِمْ، فَأَيُّ مَدْحٍ فِي أَنْ يَعْدِلُوا عَنِ الْجُلُودِ مَعَ تَيَسُّرِهَا؟ وَإِنَّمَا يُمْدَحُ هَذَا عِنْدَ الْعَدَمِ. ¬

(¬1) م: بِالْحَجَرِ (¬2) س، ب: وَكَانَ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/29 - 30 (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬5) ن، م، س: كَانَ

كَمَا قَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ: " لَقَدْ فَتَحَ الْبِلَادَ أَقْوَامٌ كَانَتْ خُطُمُ خَيْلِهِمْ لِيفًا، وَرَكْبِهِمُ الْعَلَابِيَّ " (¬1) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬2) . وَحَدِيثُ عَمَّارٍ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ لَيْسَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ الثَّوْبِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَحَدِيثُ ضِرَارِ بْنِ ضَمْرَةَ قَدْ رُوِيَ، وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَزْهَدُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ مَنْ عَرَفَ الْمَنْقُولَ مِنْ سِيرَةِ عُمَرَ وَعَدْلِهِ وَزُهْدِهِ، وَصَرْفِهِ الْوِلَايَاتِ عَنْ أَقَارِبِهِ، وَنَقْصِهِ لِابْنِهِ فِي الْعَطَاءِ عَنْ نَظِيرِهِ، وَلِابْنَتِهِ فِي الْعَطَاءِ عَنْ نَظِيرَتِهَا، وَأَكْلِهِ الْخَشِنَ مَعَ كَوْنِهِ هُوَ الَّذِي قَسَّمَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي يُقَسِّمُهُ عَلِيٌّ (¬3) جُزْءًا مِنْ فُتُوحِ عُمَرَ، وَأَنَّهُ مَاتَ وَعَلَيْهِ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ دَيْنًا - تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ أَزْهَدَ مِنْ عَلِيٍّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَزْهَدُ مِنْ عُمَرَ (¬4) . فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " وَبِالْجُمْلَةِ زُهْدُهُ لَمْ يَلْحَقْهُ أَحَدٌ فِيهِ، وَلَا سَبَقَهُ ¬

(¬1) ن، م، س: الْعَلَايَّ. وَفِي " النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " 3/121: " الْعَلَابِيُّ جَمْعُ عِلْبَاءَ، وَهُوَ عَصَبٌ فِي الْعُنُقِ كَانَتِ الْعَرَبُ تَشُدُّهُ عَلَى أَجْفَانِ سُيُوفِهِمْ " (¬2) الْأَثَرُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/39: (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ حِلْيَةِ السُّيُوفِ) وَنَصُّهُ:. . سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: " لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمُ الذَّهَبَ وَلَا الْفِضَّةَ، إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمُ الْعَلَابِيَّ وَالْآنُكَ وَالْحَدِيدَ " (¬3) م: الْفَيْءَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) س، ب: مِنْ عُمَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (¬5) فِي (ك) ص 176 (م)

(أَحَدٌ) (¬1) إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ أَزْهَدَ (¬2) كَانَ هُوَ الْإِمَامَ لِامْتِنَاعِ تَقَدُّمِ الْمَفْضُولِ عَلَيْهِ (¬3) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ كِلْتَا الْقَضِيَّتَيْنِ بَاطِلَةٌ: لَمْ يَكُنْ أَزْهَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا كُلُّ مَنْ كَانَ أَزْهَدَ كَانَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ وَالسَّرَارِيِّ وَلِأَهْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي لَأَرْبُطُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَإِنَّ صَدَقَتِي الْيَوْمَ لَتَبْلُغُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا (¬4) . وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا - فَهُوَ يُقَابِلُ لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ فِي الْعِرَاقِ إِلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْلَ لَا إِسْنَادَ لَهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَهُ مَالٌ أَعْظَمُ مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا كَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِ وَأَوْلَادَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُعْطِيهِمْ مِنَ الْمَالِ أَعْظَمَ مِمَّا يُعْطِي سَائِرَ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ يُعْطِي أَحَدًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ، وَلَا تَيْمٍ، وَلَا غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِلِ، مِثْلَ مَا كَانَ يُعْطِي أَقَارِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا (¬5) وَحْدَهُ يُوجِبُ سَعَةَ أَمْوَالِهِمْ. ¬

(¬1) أَحَدٌ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) (¬2) ك: أَزْهَدَ النَّاسِ (¬3) ك: تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ (¬4) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، ص 481 (¬5) ن، م، س: وَهَذَا

قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه

وَعَلِيٌّ لَهُ وَقْفٌ مَعْرُوفٌ، فَهَلْ يُوقِفُ الْوُقُوفَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ؟ وَعُمَرُ إِنَّمَا وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ خَيْبَرَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقَارٌ غَيْرَ ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ كَانَ لَهُ عَقَارٌ بِالْيَنْبُعِ (¬1) وَغَيْرِهَا. [قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ: يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَمِنْهُ تَعَلَّمَ النَّاسُ صَلَاةَ اللَّيْلِ، وَنَوَافِلَ النَّهَارِ، وَأَكْثَرُ الْعِبَادَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ تَسْتَوْعِبُ الْوَقْتَ، وَكَانَ يُصَلِّي فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ (¬3) أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَلَمْ يُخِلَّ فِي صَلَاةِ (¬4) اللَّيْلِ - حَتَّى فِي لَيْلَةِ الْهَرِيرِ - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُهُ فِي حَرْبِهِ وَهُوَ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَاذَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أَنْظُرُ إِلَى الزَّوَالِ لِأُصَلِّيَ، فَقُلْتُ: فِي هَذَا الْوَقْتِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ (¬5) . فَلَمْ يَغْفُلْ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَاتِ (¬6) فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فِي أَصْعَبِ الْأَوْقَاتِ. وَكَانَ إِذَا أُرِيدَ إِخْرَاجُ الْحَدِيدِ (¬7) مِنْ جَسَدِهِ يُتْرَكُ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ ¬

(¬1) م: بِالْبَقِيعِ (¬2) فِي (ك) ص 176 (م) 177 (م) (¬3) ك: فِي نَهَارِهِ وَلَيْلَتِهِ (¬4) ك: بِصَلَاةِ (¬5) س، ب: الصَّلَوَاتِ (¬6) ك: الْعِبَادَةِ (¬7) ك: شَيْءٌ مِنَ الْحَدِيدِ

فِي الصَّلَاةِ فَيَبْقَى مُتَوَجِّهًا إِلَى اللَّهِ غَافِلًا عَمَّا سِوَاهُ غَيْرَ مُدْرِكٍ لِلْآلَامِ الَّتِي تُفْعَلُ بِهِ. وَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَتَصَدَّقَ (¬1) وَهُوَ رَاكِعٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ (¬2) قُرْآنًا يُتْلَى، وَتَصَدَّقَ بِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ (¬3) : {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (سُورَةِ الْإِنْسَانِ: 1) ، وَتَصَدَّقَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً (¬4) ، وَنَاجَى الرَّسُولَ فَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ صَدَقَةً (¬5) ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ قُرْآنًا، وَأَعْتَقَ أَلْفَ عَبْدٍ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ، وَكَانَ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَيُنْفِقُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ، وَإِذَا كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ كَانَ أَفْضَلَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ ". وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ، وَمَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا (¬6) مَدْحَ فِيهِ وَلَا فِي عَامَّةِ الْأَكَاذِيبِ، فَقَوْلُهُ: " إِنَّهُ كَانَ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ". ¬

(¬1) ك: فَتَصَدَّقَ (¬2) فِيهِ: لَيْسَتْ فِي (ك) (¬3) ن، س، ب: حَتَّى أُنْزِلَ فِيهِمْ ; ك: أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَفِيهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ (¬4) ك: وَجَهْرًا (¬5) ك: صَدَقَاتٍ (¬6) ب: لَا

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: " أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُولُ: لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ؟ " قَالَ: بَلَى. قَالَ: " فَلَا تَفْعَلْ» . وَفِي رِوَايَةٍ (¬1) : " «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ " فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " فَإِنَّ حَسْبَكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ "، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: " فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ". قَالَ: " فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ " قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: " اقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ " إِلَى أَنْ قَالَ: " فِي سَبْعٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ» " وَقَالَ فِي الصَّوْمِ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: طَرَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: " أَلَا تَقُومَانِ فَتُصَلِّيَانِ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ: إِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، قَالَ: " فَوَلَّى وَهُوَ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} » (سُورَةِ الْكَهْفِ: 54) (¬3) فَهَذَا ¬

(¬1) م: وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى غَيْرِهِ (¬2) جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَضَمَّنَتْ مَعَانِيَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَةَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 3/39 \ 41 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ، بَابُ صَوْمِ الدَّهْرِ، بَابُ حَقِّ الْأَهْلِ فِي الصَّوْمِ، بَابُ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، بَابُ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ) ; مُسْلِمٍ 2/812 818 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 6534، 6477، 6761، 6762، 6766 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/85

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى نَوْمِهِ فِي اللَّيْلِ (¬1) مَعَ إِيقَاظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُجَادَلَتِهِ حَتَّى وَلَّى وَهُوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (سُورَةِ الْكَهْفِ: 54) . وَقَوْلُ الْقَائِلِ: " وَمِنْهُ تَعَلَّمَ النَّاسُ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَنَوَافِلَ النَّهَارِ ". إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ: أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَعَلَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَهَكَذَا كُلٌّ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَّمَ بَعْضَ النَّاسِ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَعَلَّمُوا ذَلِكَ مِنْهُ، فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَارِدِ (¬2) ، فَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مَا رَأَوْهُ، وَقَدْ كَانُوا يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيَتَطَوَّعُونَ بِالنَّهَارِ، فَأَكْثَرُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي فُتِحَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَخُرَاسَانَ، مَا رَأَوْهُ، فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ؟ وَالصَّحَابَةُ كَانُوا كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُ تَعَلَّمُوا ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى ذَلِكَ إِلَّا فِي أَهْلِ (¬3) الْكُوفَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ كَانُوا تَعَلَّمُوا (¬4) ذَلِكَ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ إِلَيْهِمْ *، وَكَانُوا مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ عَلِمَا (¬5) وَدِينًا قَبْلَ قُدُومِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَيْهِمْ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا كَذَلِكَ، وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا كَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ إِلَيْهِمُ * (¬6) الْعِرَاقَ. ¬

(¬1) ن، م: بِاللَّيْلِ (¬2) م: النَّادِرِ (¬3) ن، س: ذَلِكَ لَا فِي أَهْلِ. .، وَهُوَ خَطَأٌ ; م: فِي أَهْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) م: يَتَعَلَّمُونَ (¬5) م: وَكَانُوا مِنَ النَّاسِ تَعَلُّمًا. . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " الْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ عَنْهُ تَسْتَوْعِبُ الْوَقْتَ ". فَعَامَّتُهَا كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَانَ أَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَالِ الصَّحَابَةِ، وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ إِسْنَادٌ، وَالْأَدْعِيَةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ أَفْضَلُ مَا دَعَا بِهِ أَحَدٌ، وَبِهَا يَدْعُو خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ ". مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا مَدْحَ فِيهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَجْمُوعُ صَلَاتِهِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً: فَرْضًا وَنَفْلًا، وَالزَّمَانُ لَا يَتَّسِعُ لِأَلْفِ رَكْعَةٍ لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ سِيَاسَةِ النَّاسِ وَأَهْلِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ نَقْرًا كَنَقْرِ الْغُرَابِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ الَّتِي نَزَّهَ اللَّهُ عَنْهَا عَلِيًّا. وَأَمَّا لَيَالِي صِفِّينَ، فَالَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ الذِّكْرَ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: قَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَلَا لَيْلَةَ (¬1) صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ، ذَكَرْتُهُ مِنَ السِّحْرِ فَقُلْتُهُ (¬2) . وَمَا ذَكَرَ مِنْ إِخْرَاجِ الْحَدِيدِ مِنْ جَسَدِهِ فَكَذِبٌ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ ¬

(¬1) س: لَيَالِيَ (¬2) س: فَقُلْتُ، وَالْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا الْأَرْقَامُ 838، 1228، 1249 وَالدُّعَاءُ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ هُوَ تَسْبِيحُ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمْدُ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَكْبِيرُهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ عِنْدَمَا يَأْوِيَانِ إِلَى فِرَاشِهِمَا. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) رَقْمُ 6554

دَخَلَ فِيهِ حَدِيدٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَهَذَا كَذِبٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا مَدْحَ فِيهِ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَشُرِّعَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَتَصَدَّقُوا، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحِبَّ هَذَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً بَلْ مَكْرُوهًا. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ النَّذْرِ وَالدَّرَاهِمِ الْأَرْبَعَةِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَذِبٌ، وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ (¬1) مَدْحٍ. وَقَوْلُهُ: " أَعْتَقَ أَلْفَ عَبْدٍ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ ". مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَرُوجُ إِلَّا عَلَى أَجْهَلِ النَّاسِ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعْتِقْ أَلْفَ عَبْدٍ، بَلْ (¬2) وَلَا مِائَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ بِيَدِهِ يَقُومُ بِعُشْرِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ صِنَاعَةٌ يَعْمَلُهَا، وَكَانَ مَشْغُولًا: إِمَّا بِجِهَادٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " كَانَ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَيُنْفِقُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ ". كَذِبٌ بَيِّنٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَخْرُجُونَ مِنَ الشِّعْبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الشِّعْبِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ أَبَاهُ أَبَا طَالِبٍ كَانَ مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ خَدِيجَةَ كَانَتْ مُوسِرَةً تُنْفِقُ مِنْ مَالِهَا. وَالرَّابِعُ: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُؤَجِّرْ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ قَطُّ، وَكَانَ صَغِيرًا حِينَ كَانَ فِي الشِّعْبِ: إِمَّا مُرَاهِقًا، وَإِمَّا (¬3) مُحْتَلِمًا، فَكَانَ عَلِيٌّ فِي الشِّعْبِ مِمَّنْ يُنْفِقُ ¬

(¬1) م: كَثِيرُ (¬2) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) م: أَوْ

قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

عَلَيْهِ: إِمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا أَبُوهُ، لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُنْفِقُ عَلَى غَيْرِهِ؟ فَإِنَّ دُخُولَهُ فِي الشِّعْبِ كَانَ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَأَبُو طَالِبٍ مَاتَ قَبْلَ ذَهَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَكَانَ مَوْتُهُ وَمَوْتُ خَدِيجَةَ مُتَقَارِبَيْنِ، فَدُخُولُهُ فِي الشِّعْبِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وُلِدَ وَهُمْ فِي الشِّعْبِ، وَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَبَّاسٍ مُرَاهِقٌ، وَعَلِيٌّ عَاشَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَالْمَبْعَثُ قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَقْصَى مَا قِيلَ فِي مَوْتِهِ: إِنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ حِينَ الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ. [قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الثَّالِثُ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (¬2) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ، وَدَلَائِلُ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 177 (م) (¬2) لِابْنِ الْمُطَهَّرِ كَلَامٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا، وَسَيَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ذَلِكَ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْضِي وَيَخْطُبُ وَيُفْتِي بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَشْتَبِهْ عَلَى النَّاسِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ إِلَّا فَصَّلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّهُمْ شَكُّوا فِي مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ شَكُّوا فِي مَدْفَنِهِ فَبَيَّنَهُ، ثُمَّ شَكُّوا فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، فَبَيَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَبَيَّنَ لَهُمُ النَّصَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (سُورَةِ الْفَتْحِ: 27) ، وَبَيَّنَ لَهُمْ «أَنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَفَسَّرَ الْكَلَالَةَ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ. وَكَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ يَرْوُونَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا فِي السُّنَنِ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي مِنْهُ، فَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ (¬1) ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا غَفَرَ لَهُ» (¬2) . ¬

(¬1) س، ب: أَسْتَحْلِفُهُ (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/114 115 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي الِاسْتِغْفَارِ) وَأَوَّلُهُ عَنْ عَلِيٍّ: كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . وَفِيهِ: وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطَّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي. . . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/296 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/446 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَفَّارَةٌ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/153 154، 178، وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر فِي تَعْلِيقِهِ: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . . وَقَالَ: أَطَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي التَّهْذِيبِ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ 1: 267 268. . . وَقَالَ: " هَذَا الْحَدِيثُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ " وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ 2/1 \ 55 "

وَلَمْ يُحْفَظْ لِأَبِي بَكْرٍ فُتْيَا تُخَالِفُ نَصًّا، وَقَدْ وُجِدَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا فَتَاوَى كَثِيرَةٌ تُخَالِفُ النُّصُوصَ، حَتَّى جَمَعَ الشَّافِعِيُّ مُجَلَّدًا فِي خِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ كِتَابًا كَبِيرًا فِي ذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفُوا الصِّدِّيقَ فِي الْجَدِّ، وَالصَّوَابُ فِي الْجَدِّ قَوْلُ الصِّدِّيقِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَذَكَرْنَا فِيهِ عَشَرَةَ وُجُوهٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ (¬1) ، وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ مَعَهُ فِي الْجَدِّ: نَحْوُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ، وَالَّذِينَ (¬2) نُقِلَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ: كَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُمُ اضْطِرَابًا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ الصَّوَابُ دُونَ قَوْلِهِمْ. وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ " تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ " الْإِجْمَاعَ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ، كَيْفَ وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْتِي وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَيَخْطُبُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَإِيَّاهُ - يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا هَاجَرَا، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَشَاهِدِ، وَهُوَ سَاكِتٌ يُقِرُّهُ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِغَيْرِهِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُشَاوَرَتِهِ لِأَهْلِ الْفِقْهِ وَالرَّأْيِ يُقَدِّمُ فِي الشُّورَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَهُمَا اللَّذَانِ يَتَكَلَّمَانِ فِي الْعِلْمِ، وَيَتَقَدَّمَانِ ¬

(¬1) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ " الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ " ص 59 مِنْ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَةَ: " وَلَهُ مَسْأَلَةٌ فِي أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ " (¬2) س، ب: وَالَّذِي

بِحَضْرَتِهِ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ، مِثْلَ مُشَاوَرَتِهِ فِي أُسَارَى بَدْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ (¬1) : " إِذَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى أَمْرٍ لَمْ أُخَالِفْكُمَا (¬2) ". وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» " (¬3) . وَلَمْ يَحْصُلْ هَذَا لِغَيْرِهِمَا، بَلْ قَالَ: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ» " (¬4) . فَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ (¬5) الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَخَصَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ، وَمَرْتَبَةُ الْمُقْتَدَى بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَفِيمَا سَنَّهُ (¬6) لِلْمُسْلِمِينَ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْمُتَّبَعِ فِيمَا سَنَّهُ فَقَطْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَرِهِ» ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " «إِنْ يُطِعِ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا» ". (¬7) وَثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَفْتَى بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِعُثْمَانَ وَلَا بِعَلِيٍّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ حَبْرُ (¬8) الْأُمَّةِ، وَأَعْلَمُ الصَّحَابَةِ فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُقَدِّمًا لَهُمَا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» " (¬9) . ¬

(¬1) س:. . . ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: ب: ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/129 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/489 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/164 (¬5) س، ب: فَأَمَرَ بِسُنَّةِ (¬6) م: يَسُنُّهُ (¬7) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/129 (¬8) ن، م: خَيْرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬9) جَاءَ الشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/41 (كِتَابُ الْوُضُوءِ، بَابُ وَضْعِ الْمَاءِ عِنْدَ الْخَلَاءِ) ; مُسْلِمٍ 4/1927 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. . . .) وَجَاءَ الْحَدِيثُ كَامِلًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/127 (رَقْمُ 2397) وَبِمَعْنَاهُ (رَقْمُ 2422) ثُمَّ جَاءَ كَامِلًا (رَقْمُ 2881، 3033، 3102)

وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَسْمُرُ عِنْدَهُ عَامَّةَ اللَّيْلِ يُحَدِّثُهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (¬1) : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ (¬2) ، «عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْأَمْرِ (¬3) مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ» (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً: " «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ وَسَادِسٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَنَا (¬5) بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ. قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا ¬

(¬1) فِي " الْكِتَابِ الْمُصَنَّفِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ " 2/280، تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْأَفْغَانِيِّ، ط. الثَّانِيَةِ، ط. الدَّارِ السَّلَفِيَّةِ، بُمْبَى، الْهِنْدِ، 1399، 1979 (¬2) الْمُصَنِّفُ: عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ (¬3) س، ب: يُسْمِرُ فِي الْأَمْرِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ (¬4) الْمُصَنِّفُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ، وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ (¬5) ن، م، س: فَجَاءَ

حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ؟ قَالَ: أَوَمَا عَشَّيْتَهُمْ (¬1) ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ: عَرَضُوا عَلَيْهِمُ الْعَشَاءَ فَغَلَبُوهُمْ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬2) . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: " «كَانَ أَبِي يَتَحَدَّثُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَفِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ لَمْ يَصْحَبْ غَيْرَ أَبِي (¬3) ، وَيَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ غَيْرُهُ» " (¬4) . وَقَالَ: " «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا (¬5) فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» ". وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ فِي الصِّحَاحِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ (¬6) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " «كُنْتُ جَالِسًا ¬

(¬1) ن، م، س: وَمَا وَفِي (ب) : أَوَمَا عَشَّيْتِيهِمْ. وَالتَّصْوِيبُ مِنْ " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " (¬2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/134 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالْأَهْلِ) \ 4/194 195 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 8/33 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ قَوْلِ الضَّيْفِ لِصَاحِبِهِ: لَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ) ; مُسْلِمٍ 3/1628 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَفَضْلِ إِيثَارِهِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/308 309 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابٌ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى طَعَامٍ لَا يَأْكُلُهُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/159 161 (رَقْمُ 1712) وَانْظُرْ رَقْمَ 1702، 1704، 1713 (¬3) ن، م: غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ (¬4) لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ مَعَ مُرَاجَعَتِي لِلْمَوَاضِعِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا. وَفِي مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ رَقْمِ 177 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " نَزَلَ عَلَيْنَا أَضْيَافٌ. قَالَ: وَكَانَ أَبِي يَتَحَدَّثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ. . (¬5) س، ب: عَلَيَّ (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 513

عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى مِنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ» ". وَقَالَ: " «إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، فَأَبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي أَتَيْتُكَ، فَقَالَ: " يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ " ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ، وَغَضِبَ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ (¬1) ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ " فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: سَبَقَ بِالْخَيْرِ (¬2) . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (¬3) ; لِعِلْمِهِ وَعِلْمِ سَائِرِ النَّاسِ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ رُءُوسُ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ قِيَامَهُ بِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ الرَّشِيدُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مَنْزِلَتِهِمَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَنْزِلَتُهُمَا مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ كَمَنْزِلَتِهِمَا مِنْهُ فِي مَمَاتِهِ ". فَقَالَ: " شَفَيْتَنِي يَا مَالِكُ شَفَيْتَنِي يَا مَالِكُ ". ¬

(¬1) س، ب: صَدَقَ (¬2) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ مُخْتَصَرًا، (ص 26) ثُمَّ جَاءَ مُطَوَّلًا، (ص 164 165) وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَذَكَرْتُ مَكَانَهُ فِي الْبُخَارِيِّ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/523

وَكَثْرَةُ الِاخْتِصَاصِ وَالصُّحْبَةِ، مَعَ كَمَالِ الْمَوَدَّةِ وَالِائْتِلَافِ (¬1) وَالْمَحَبَّةِ، وَالْمُشَارَكَةُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ تَقْتَضِي أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ لِمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ. أَمَّا الصِّدِّيقُ فَإِنَّهُ مَعَ قِيَامِهِ بِأُمُورٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ عَجَزَ عَنْهُمَا غَيْرُهُ حَتَّى بَيَّنَهَا لَهُمْ (¬2) ، لَمْ يُحْفَظْ لَهُ قَوْلٌ يُخَالِفُ فِيهِ نَصًّا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْبَرَاعَةِ وَالْعِلْمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَحُفِظَتْ لَهُ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ خَالَفَتِ النُّصُوصَ لِكَوْنِ النُّصُوصِ لَمْ تَبْلُغْهُ. وَالَّذِي وُجِدَ لِعُمَرَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ (¬3) النُّصُوصَ أَكْثَرُ مِنْ مُوَافَقَةِ عَلِيٍّ، يَعْرِفُ هَذَا مَنْ عَرَفَ مَسَائِلَ الْعِلْمِ، وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، وَالْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَمَرَاتِبَهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِنَّ قَوْلَ عُمَرَ فِيهَا هُوَ الَّذِي وَافَقَ النَّصَّ دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ: قَوْلُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِيهَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالنُّصُوصِ مِنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ الْمُخَيَّرَةُ الَّتِي خَيَّرَهَا زَوْجُهَا، وَالْمُفَوَّضَةُ لِلْمَهْرِ، وَمَسْأَلَةُ الْخَلِيَّةِ (¬4) ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَائِنِ، وَالْبَتَّةِ (¬5) ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» " (¬6) .. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ ¬

(¬1) س، ب: وَالْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) س، ب: عَجَزَ عَنْهَا عُمَرُ حَتَّى بَيَّنَهَا لَهُ (¬3) س، ب: مُوَافَقَةِ (¬4) م: الْحَلِيلَةِ (¬5) س: وَالْبَتَتَه (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20

بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى أَنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظَافِرِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ "، قَالُوا: مَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْعِلْمَ» " (¬1) . وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ» " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: " «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ» " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " حَدِيثٌ حَسَنٌ " (¬2) . وَأَيْضًا فَإِنَّ الصِّدِّيقَ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ، الَّتِي هِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى إِقَامَةِ الْمَنَاسِكِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَادَى: " «أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ". «وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ، فَقَالَ: أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ» (¬3) ، فَأَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ، فَكَانَ مِمَّنْ (¬4) أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْمَعَ وَيُطِيعَ لِأَبِي بَكْرٍ. وَهَذَا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ الَّتِي اسْتَخْلَفَ فِيهَا عَلِيًّا عَلَى الْمَدِينَةِ. وَكِتَابُ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّدَقَاتِ أَصَحُّ الْكُتُبِ وَآخِرُهَا (¬5) ، وَلِهَذَا عَمِلَ بِهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ، وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِهِ مَا هُوَ مُتَقَدِّمٌ مَنْسُوخٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ النَّاسِخَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) . ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 335 (¬4) م: فِيمَنْ (¬5) س، ب: وَأَحْرَاهَا (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/100 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ) وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ وَأَوَّلُهُ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. . الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. وَانْظُرْ مَا سَبَقَ 1/512 513

وَأَيْضًا فَالصَّحَابَةُ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَصَّلَهَا، وَارْتَفَعَ النِّزَاعُ، فَلَا يُعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي زَمَانِهِ مَسْأَلَةٌ تَنَازَعُوا فِيهَا إِلَّا ارْتَفَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِهِ، كَتَنَازُعِهِمْ فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَفْنِهِ، وَمِيرَاثِهِ، وَتَجْهِيزِهِ جَيْشَ أُسَامَةَ، وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْكِبَارِ. بَلْ كَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ حَقًّا، يُعَلِّمُهُمْ، وَيُقَوِّمُهُمْ، وَيُشَجِّعُهُمْ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ مَا تَزُولُ مَعَهُ الشُّبْهَةُ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَهُ يَخْتَلِفُونَ. وَبَعْدَهُ فَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمُ أَحَدٍ وَكَمَالُهُ عِلْمَ أَبِي بَكْرٍ وَكَمَالَهُ، فَصَارُوا يَتَنَازَعُونَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، كَمَا تَنَازَعُوا فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، وَفِي الْحَرَامِ، وَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَفِي مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَنَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ وَسُكْنَاهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَعْرُوفَةِ مِمَّا لَمْ يَكُونُوا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ. وَكَانُوا يُخَالِفُونَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا فِي كَثِيرٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُمْ خَالَفُوا الصِّدِّيقَ فِي شَيْءٍ مِمَّا كَانَ يُفْتِي بِهِ وَيَقْضِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْعِلْمِ،

وَقَامَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ، بَلْ أَدْخَلَ النَّاسَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، مَعَ كَثْرَةِ الْمُخَالِفِينَ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَثْرَةِ الْخَاذِلِينَ فَكَمُلَ بِهِ مِنْ عِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ مَا لَا يُقَاوِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ. وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا الِاتِّصَالُ اللَّفْظِيُّ بِمَوْتِهِ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: ظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40) فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا بِمَوْتِهِ. وَأَيْضًا فِعَلِيٌّ تَعَلَّمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْضَ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ عُلَمَاءَ الْكُوفَةِ الَّذِينَ صَحِبُوا عُمَرَ وَعَلِيًّا، كَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِمْ، كَانُوا يُرَجِّحُونَ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، وَأَمَّا تَابِعُو الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ فَهَذَا عِنْدَهُمْ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ (¬1) عِلْمُ عَلِيٍّ وَفِقْهُهُ فِي الْكُوفَةِ بِحَسَبِ مُقَامِهِ فِيهَا عِنْدَهُمْ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَكُلُّ شِيعَةِ عَلِيٍّ الَّذِينَ صَحِبُوهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَدَّمَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا فِي فِقْهٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا دِينٍ، بَلْ كُلُّ شِيعَتِهِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ كَانُوا مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، إِلَّا مَنْ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيَذُمُّهُ، مَعَ قِلَّتِهِمْ وَحَقَارَتِهِمْ وَخُمُولِهِمْ. وَهُمْ ثَلَاثُ طَوَائِفَ: طَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِ، وَادَّعَتْ فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَهَؤُلَاءِ حَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ. ¬

(¬1) عِبَارَةُ: " وَإِنَّمَا ظَهَرَ سَاقِطَةٌ " مِنْ (م)

وَطَائِفَةٌ سَبَّتْ أَبَا بَكْرٍ رَأَسَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ، فَطَلَبَ عَلِيٌّ قَتْلَهُ حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ إِلَى الْمَدَائِنِ. وَطَائِفَةٌ كَانَتْ تُفَضِّلُهُ حَتَّى قَالَ: لَا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ فَضَّلَنِي (¬1) عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا جَلَدْتُهُ جَلْدَ الْمُفْتَرِي (¬2) . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: " خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " (¬3) . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ رِجَالِ هَمْدَانَ خَاصَّتُهُ الَّتِي (¬4) يَقُولُ فِيهِمْ: وَلَوْ كُنْتُ بَوَّابًا عَلَى بَابِ جَنَّةٍ لَقُلْتُ لِهَمْدَانَ ادْخُلِي بِسَلَامِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ سَأَلَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: يَا أَبَتِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ (¬5) عُمَرُ، قَالَ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّمَا أَبُوكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (¬6) . قَالَ الْبُخَارِيُّ (¬7) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ (¬8) ، ¬

(¬1) يُفَضِّلُنِي (¬2) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 1/83 (رَقْمُ 49) وَأَوَّلُهُ: " لَا يُفَضِّلُنِي. . . وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: " إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ " (¬3) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/11 \ 12، 2/72 (¬4) م: خَاصَّةُ الَّذِينَ (¬5) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬6) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/12، وَأَوَّلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ. (¬7) فِي صَحِيحِهِ 5/7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . .، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .) (¬8) الْبُخَارِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ

حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ (¬1) ، حَدَّثَنَا أَبُو يُعْلَى مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ (¬2) ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ (¬3) بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬4) ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَوَمَا تَعْرِفُ؟ فَقُلْتُ: لَا (¬5) ، فَقَالَ (¬6) أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ " (¬7) . وَهَذَا يَقُولُهُ لِابْنِهِ الَّذِي لَا يَتَّقِيهِ، وَلِخَاصَّتِهِ، وَيَتَقَدَّمُ بِعُقُوبَةِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا، وَيَرَاهُ مُفْتَرِيًا. وَالْمُتَوَاضِعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا (¬8) ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَلَا يُسَمِّيهِ مُفْتَرِيًا. وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ، وَرَأْسُ الْفَضَائِلِ الْعِلْمُ، قَالَ تَعَالَى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (سُورَةُ الزُّمَرِ: 9) ، وَالدَّلَائِلُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬9) : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» ، وَالْقَضَاءُ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ وَالدِّينَ ". ¬

(¬1) الْبُخَارِيِّ: جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ (¬2) مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَتْ فِي " الْبُخَارِيِّ " (¬3) الْبُخَارِيِّ. . . لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ. . . (¬4) لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ (¬5) لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ (¬6) الْبُخَارِيُّ: قَالَ (¬7) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْأَثَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/288 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّفْضِيلِ) ; كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/153 154 (رَقْمُ 136) وَفِيهِمَا: جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، وَرِوَايَتُهُمَا مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَقْرِيبًا (¬8) عِبَارَةُ " يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا ": سَقَطَتْ مِنْ (م) ، وَسَقَطَتْ " عَلَيْهِمَا " مِنْ (س) ، (ب) (¬9) أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) ص 178 (م) وَهُوَ تَابِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ

فَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ (¬1) . وَقَوْلُهُ: " «أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» " (¬2) . أَقْوَى إِسْنَادًا مِنْهُ. وَالْعِلْمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَنْتَظِمُ الْقَضَاءَ (¬3) أَعْظَمُ مِمَّا يَنْتَظِمُ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهَذَا الثَّانِي قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ فِي (¬4) السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا الْمَسَانِدِ الْمَعْرُوفَةِ، لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ، وَإِنَّمَا يُرْوَى مِنْ طَرِيقِ مَنْ (¬5) هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ. وَقَوْلُ (¬6) عُمَرَ: " عَلِيٌّ أَقْضَانَا " إِنَّمَا هُوَ (فِي) (¬7) فَصْلِ الْخُصُومَاتِ فِي الظَّاهِرِ، مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ. كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/330 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) وَنَصُّهُ: " أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. . . إِلَخْ ". وَهُوَ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/184، 281 ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/55 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضَائِلِ خَبَّابٍ) . وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَابْنِ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ السُّيُوطِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَالْأَلْبَانِيُّ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 1/308، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ كَلَامًا مُفَصَّلًا فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " 3/223 225 (رَقْمُ 1224) (¬3) ب: لِلْقَضَاءِ (¬4) س: لَمْ يَرْوِهِ فِي. ; ب: لَمْ يَرِدْ فِي. . (¬5) س، ب: مَا (¬6) ن، م، س: وَقَالَ (¬7) فِي زِيَادَةٌ فِي (ب)

فَأَقْضِي لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» " (¬1) . فَقَدْ أَخْبَرَ سَيِّدُ الْقُضَاةِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ. وَعِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، فَكَانَ الْأَعْلَمُ بِهِ أَعْلَمَ بِالدِّينِ. وَأَيْضًا فَالْقَضَاءُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْحُكْمُ عِنْدَ تَجَاحُدِ الْخَصْمَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيُحْكَمُ فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ وَنَحْوِهَا. وَالثَّانِي: مَا لَا يَتَجَاحَدَانِ فِيهِ، بَلْ يَتَصَادَقَانِ لَكِنْ لَا يَعْلَمَانِ مَا يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمَا، كَتَنَازُعِهِمَا فِي قِسْمَةِ فَرِيضَةٍ، أَوْ فِيمَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، أَوْ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَذَا الْبَابُ هُوَ مِنْ بَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَإِذَا أَفْتَاهُمَا مَنْ يَرْضِيَانِ بِقَوْلِهِ كَفَاهُمَا، وَلَمْ يَحْتَاجَا إِلَى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجَانِ إِلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ التَّجَاحُدِ، وَذَلِكَ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْفُجُورِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ النِّسْيَانِ. فَمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ الْأَبْرَارِ فَأَمَّا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، فَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَلِهَذَا لَمَّا أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ مَكَثَ (¬2) سَنَةً لَمْ يَتَحَاكَمْ إِلَيْهِ اثْنَانِ. وَلَوْ عُدَّ مَجْمُوعُ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ حُكُومَاتٍ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ دِينِ الْإِسْلَامِ؟ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/412 (¬2) ن، س: فَمَكَثَ

وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ (¬1) : " «أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» " أَصَحَّ إِسْنَادًا وَأَظْهَرَ (¬2) دَلَالَةً، عُلِمَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَعْلَمُ (¬3) مِنْ مَعَاذٍ جَاهِلٌ، فَكَيْفَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اللَّذَيْنِ هُمَا أَعْلَمُ (¬4) مِنْ مُعَاذٍ؟ ! مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ مُعَاذٍ وَزَيْدٍ بَعْضُهُمْ يُضَعِّفُهُ، وَبَعْضُهُمْ يُحَسِّنُهُ، وَالَّذِي فِيهِ ذِكْرُ عَلِيٍّ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ. وَحَدِيثُ: " «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا» أَضْعَفُ وَأَوْهَى "، وَلِهَذَا إِنَّمَا يُعَدُّ فِي (¬5) الْمَوْضُوعَاتِ، وَإِنْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَبَيَّنَ أَنَّ سَائِرَ طُرُقِهِ مَوْضُوعَةٌ، وَالْكَذِبُ يُعْرَفُ مِنْ نَفْسِ مَتْنِهِ (¬6) ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ مَدِينَةَ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا بَابٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُبَلِّغْ عَنْهُ الْعِلْمَ إِلَّا وَاحِدٌ، فَسَدَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ الْعِلْمَ وَاحِدًا (¬7) ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُونَ أَهْلَ التَّوَاتُرِ الَّذِينَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لِلْغَائِبِ. ¬

(¬1) ن، س: وَإِذَا قَالَ قَوْلَهُ ; م: وَإِذَا قَالَ. . (¬2) س، ب: وَأَعْظَمَ (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: أَعْظَمُ: وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ (¬4) س، ب: أَعْظَمُ (¬5) م: مِنَ (¬6) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " وَتَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَبَيَّنَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ 1/349 355 ; وَانْظُرِ: السُّيُوطِيَّ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/328 336، الشَّوْكَانِيَّ فِي " الْفَوَائِدِ الْمَوْضُوعَةِ " ص 348 349 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ، هَامِشَ ص 389 353. وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ عَنِ الْحَدِيثِ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/13: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 5/301 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ 87 مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ، وَقَالَ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ. رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَرِيكٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الثِّقَاتِ غَيْرَ شَرِيكٍ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " (¬7) س: عَنْهُ الْعِلْمَ وَاحِدٌ ; ن، م: عَنْهُ الْعِلْمَ إِلَّا وَاحِدٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب)

وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ (¬1) إِلَّا بِقَرَائِنَ، وَتِلْكَ قَدْ تَكُونُ مُنْتَفِيَةً أَوْ خَفِيَّةً عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْعِلْمُ (¬2) بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْمَعْصُومُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ. قِيلَ لَهُمْ: فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِعِصْمَتِهِ أَوَّلًا، وَعِصْمَتُهُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ (¬3) عِصْمَتُهُ، فَإِنَّهُ (¬4) دَوْرٌ، وَلَا تَثْبُتُ (¬5) بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِيهَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً ; لِأَنَّ فِيهِمُ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى إِثْبَاتِ عِصْمَتِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّ عِصْمَتَهُ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَا بُدَّ أَنْ تُعْلَمَ بِطَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ خَبَرِهِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَدِينَةِ الْعِلْمِ بَابٌ إِلَّا هُوَ، لَمْ يَثْبُتْ لَا عِصْمَتُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا افْتَرَاهُ زِنْدِيقٌ جَاهِلٌ ظَنَّهُ مَدْحًا، وَهُوَ مَطْرَقُ (¬6) الزَّنَادِقَةِ إِلَى الْقَدْحِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ إِذْ لَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَّا وَاحِدٌ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ ; فَإِنَّ جَمِيعَ مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ بَلَغَهُمُ الْعِلْمُ عَنِ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، أَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فَالْأَمْرُ فِيهِمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الشَّامُ وَالْبَصْرَةُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا يَرْوُونَ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا شَيْئًا قَلِيلًا، وَإِنَّمَا كَانَ غَالِبُ عِلْمِهِ فِي الْكُوفَةِ، وَمَعَ هَذَا فَأَهْلُ الْكُوفَةِ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى عُثْمَانُ فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ. ¬

(¬1) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) (¬3) س: يُعْرَفَ ; ب: تُعْرَفَ (¬4) س، ب: لِأَنَّهُ (¬5) ن، س: يَثْبُتُ (¬6) ب: يَطْرُقُ

وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَعَلَّمُوا الدِّينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَتَعْلِيمُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَمُقَامُهُ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ عَلِيٍّ، وَلِهَذَا رَوَى أَهْلُ الْيَمَنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَكْثَرَ مِمَّا رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ إِنَّمَا تَفَقَّهُوا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ كَانَ شُرَيْحٌ فِيهَا قَاضِيًا، وَهُوَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ تَفَقَّهَا عَلَى غَيْرِهِ، فَانْتَشَرَ عِلْمُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَدَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ (¬1) : " وَاحْتَجَّ مَنِ احْتَجَّ مِنَ الرَّافِضَةِ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْثَرَهُمْ عِلْمًا " قَالَ: " وَهَذَا كَذِبٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عِلْمُ الصَّحَابِيِّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ رِوَايَتِهِ وَفَتَاوِيهِ، وَالثَّانِي: كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، فَمِنَ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَهَذَا أَكْبَرُ شَهَادَةٍ عَلَى الْعِلْمِ وَسَعَتِهِ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ الصَّلَاةَ بِحَضْرَتِهِ طُولَ عِلَّتِهِ، وَجَمِيعُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ حُضُورٌ كَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ (¬2) ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيٍّ، وَغَيْرِهِمْ (¬3) ، وَهَذَا بِخِلَافِ اسْتِخْلَافِهِ عَلِيًّا إِذَا غَزَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى النِّسَاءِ (¬4) وَذَوِي الْأَعْذَارِ فَقَطْ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ وَشَرَائِعِهَا، وَأَعْلَمَ الْمَذْكُورِينَ بِهَا، وَهِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ (¬5) ، وَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ ¬

(¬1) فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلِ " 4/212 214 مَعَ اخْتِلَافَاتٍ سَنَذْكُرُ أَهَمَّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ (¬2) الْفِصَلِ: كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ. . (¬3) الْفِصَلِ: وَغَيْرِهِمْ فَآثَرَهُ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ (¬4) الْفِصَلِ: لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فِي الْغَزْوَةِ لَمْ يُسْتَخْلَفْ إِلَّا عَلَى النِّسَاءِ (¬5) الْفِصَلِ: الدِّينِ

أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الصَّدَقَاتِ كَالَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، لَا أَقَلَّ وَرُبَّمَا (كَانَ) (¬1) أَكْثَرَ، إِذْ قَدِ اسْتَعْمَلَ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَسْتَعْمِلُ إِلَّا عَالِمًا بِمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ، وَالزَّكَاةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَبُرْهَانُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَمَامِ عِلْمِ أَبِي بَكْرٍ بِالصَّدَقَاتِ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي الزَّكَاةِ أَصَحُّهَا، وَالَّذِي يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا (¬2) يَجُوزُ خِلَافُهُ فَهُوَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ (¬3) الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ، وَأَمَّا مِنْ (¬4) طَرِيقِ عَلِيٍّ فَمُضْطَرِبٌ، وَفِيهِ مَا قَدْ تَرَكَهُ الْفُقَهَاءُ جُمْلَةً، وَهُوَ أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ خَمْسًا مِنَ الشِّيَاهِ (¬5) . وَأَيْضًا فَوَجَدْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ، فَصَحَّ ضَرُورَةُ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ بِالْحَجِّ، وَهَذِهِ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ وَجَدْنَاهُ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبُعُوثِ فَصَحَّ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ مِثْلَ مَا عِنْدَ سَائِرِ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبُعُوثِ، إِذْ لَا يَسْتَعْمِلُ إِلَّا عَالِمًا بِالْعَمَلِ، فَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ عِلْمِ الْجِهَادِ كَالَّذِي عِنْدَ عَلِيٍّ وَسَائِرِ أُمَرَاءِ الْبُعُوثِ لَا أَقَلَّ (¬6) . وَإِذَا صَحَّ التَّقَدُّمُ لِأَبِي بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ فِي الْعِلْمِ بِالصَّلَاةِ (¬7) ¬

(¬1) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (الْفِصَلِ) (¬2) ن، س، ب: فَلَا (¬3) ثُمَّ: لَيْسَتْ فِي " الْفِصَلِ " (¬4) ب (فَقَطْ) : وَأَمَّا الَّذِي مِنْ. . (¬5) ن، م، س: خَمْسٌ مِنَ الشِّيَاهِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَفِي " الْفِصَلِ ": خَمْسُ شِيَاهٍ (¬6) الْفِصَلِ: لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ (¬7) س، ب: فِي الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ ; الْفِصَلِ 4/213: فِي عِلْمِ الصَّلَاةِ

وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَسَاوَاهُ فِي الْجِهَادِ (¬1) فَهَذِهِ عُمْدَةٌ لِلْعِلْمِ. ثُمَّ وَجَدْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ فِي جُلُوسِهِ وَمُسَامَرَتِهِ وَظَعْنِهِ وَإِقَامَتِهِ أَبَا بَكْرٍ، فَشَاهَدَ (¬2) أَحْكَامَهُ وَفَتَاوِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ مُشَاهَدَةِ عَلِيٍّ لَهَا، فَصَحَّ ضَرُورَةُ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، فَهَلْ بَقِيَتْ مِنَ الْعِلْمِ بَقِيَّةٌ (¬3) إِلَّا وَأَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمُ فِيهَا الَّذِي لَا يُلْحَقُ؟ أَوِ الْمُشَارِكُ الَّذِي لَا يُسْبَقُ؟ فَبَطَلَتْ دَعْوَاهُمْ فِي الْعِلْمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ وَالْفُتْيَا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سَنَتَيْنِ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يُفَارِقِ الْمَدِينَةَ إِلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَلَمْ يَحْتَجِ النَّاسُ إِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَوَالَيْهِ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ حَدِيثٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا مُسْنَدَةً، وَلَمْ يُرْوَ (¬4) عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا خَمْسُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا مُسْنَدَةً يَصِحُّ مِنْهَا نَحْوُ خَمْسِينَ حَدِيثًا، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَكَثُرَ لِقَاءُ النَّاسِ إِيَّاهُ، وَحَاجَتُهُمْ إِلَى مَا عِنْدَهُ لِذَهَابِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَكَثُرَ (¬5) سَمَاعُ أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْهُ مَرَّةً بِصِفِّينَ، وَأَعْوَامًا بِالْكُوفَةِ، وَمَرَّةً بِالْبَصْرَةِ، وَمَرَّةً ¬

(¬1) الْفِصَلِ: فِي عِلْمِ الْجِهَادِ (¬2) س، ب: فَشَهِدَ (¬3) م، س، ب: بَقِيَّةٌ مِنَ الْعِلْمِ (¬4) الْفِصَلِ: وَلَمْ يَرِدْ (¬5) ب: وَكَثْرَةِ

بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا نَسَبْنَا مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ حَيَاتِهِ، وَأَضَفْنَا تَفَرِّي (¬1) عَلِيٍّ الْبِلَادَ بَلَدًا بَلَدًا، وَكَثْرَةَ سَمَاعِ النَّاسِ مِنْهُ إِلَى لُزُومٍ أَبِي بَكْرٍ مَوْطِنَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ تَكْثُرْ حَاجَةُ مَنْ حَوَالَيْهِ إِلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ، ثُمَّ نَسَبْنَا عَدَدَ حَدِيثِهِ مِنْ عَدَدِ حَدِيثِهِ، وَفَتَاوِيهِ مِنْ فَتَاوِيهِ، عَلِمَ كُلُّ ذِي حَظٍّ مِنْ عِلْمٍ أَنَّ الَّذِي عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْعِلْمِ أَضْعَافُ مَا كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِنْهُ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عُمِّرَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمْرًا قَلِيلًا قَلَّ النَّقْلُ عَنْهُ، وَمَنْ طَالَ عُمْرُهُ مِنْهُمْ كَثُرَ النَّقْلُ عَنْهُ (إِلَّا الْيَسِيرَ) (¬2) مِمَّنِ اكْتَفَى بِنِيَابَةِ (¬3) غَيْرِهِ عَنْهُ فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ، وَقَدْ عَاشَ عَلِيٌّ بَعْدَ عُمَرَ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامًا غَيْرَ أَشْهُرٍ (¬4) ، وَمُسْنَدُ عُمَرَ خَمْسُمِائَةِ حَدِيثٍ وَسَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا، يَصِحُّ مِنْهَا نَحْوُ خَمْسِينَ، كَالَّذِي عَنْ عَلِيٍّ سَوَاءٌ (¬5) ، فَكُلُّ مَا زَادَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ (¬6) حَدِيثًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ (¬7) ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا حَدِيثٌ أَوْ حَدِيثَانِ. وَفَتَاوَى عُمَرَ مُوَازِيَةٌ لِفَتَاوَى عَلِيٍّ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ، فَإِذَا نَسَبْنَا مُدَّةً مِنْ مُدَّةٍ، وَضَرْبًا فِي الْبِلَادِ مِنْ ضَرْبٍ فِيهَا، وَأَضَفْنَا حَدِيثًا إِلَى حَدِيثٍ، ¬

(¬1) س، ب، الْفَصْلِ: تَقَرِّي، ن، م: الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. فَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ " (مَادَّةِ: فَرَا) : " فَرَيْتُ الْأَرْضَ: إِذَا سِرْتَهَا وَقَطَعْتَهَا " وَهَذَا يُوَافِقُ عِبَارَةَ ابْنِ حَزْمٍ (¬2) عِبَارَةُ " إِلَّا الْيَسِيرَ " سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَزِدْتُهَا مِنَ " الْفِصَلِ " (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: بِبَيَانِهِ غَيْرُهُ عَنْهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْفِصَلِ " (¬4) الْفِصَلِ: غَيْرَ شَهْرٍ (¬5) الْفِصَلِ: سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ (¬6) ن، س: بِسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ; م، الْفِصَلِ: تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ (¬7) الْفِصَلِ: الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ

وَفَتَاوَى إِلَى فَتَاوَى عَلِمَ (كُلُّ) ذِي حِسٍّ (¬1) عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ عُمَرَ مِنَ الْعِلْمِ أَضْعَافُ مَا كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ عَائِشَةَ (¬2) أَلْفَيْ مُسْنَدٍ وَمِائَتَيْ مُسْنَدٍ وَعَشَرَةَ مَسَانِيدَ (¬3) ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ آلَافِ مُسْنَدٍ وَثَلَاثَمِائَةِ مُسْنَدٍ وَأَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ مُسْنَدًا، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ قَرِيبًا مِنْ مَسْنَدِ عَائِشَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِكُلٍّ وَاحِدٍ (¬4) مِنْهُمَا أَزْيَدُ (¬5) مِنْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَوَجَدْنَا لِابْنِ مَسْعُودٍ ثَمَانِمِائَةِ مُسْنَدٍ وَنَيِّفًا، وَلِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا حَاشَا أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ مِنَ الْفَتَاوَى أَكْثَرُ مِنْ فَتَاوَى عَلِيٍّ أَوْ نَحْوَهَا (¬6) ، فَبَطَلَ قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ (¬7) ". إِلَى أَنْ قَالَ (¬8) : " فَإِنْ قَالُوا: قَدِ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَلِيًّا عَلَى الْأَخْمَاسِ وَعَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَمَنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنَّ مُشَاهَدَةَ أَبِي بَكْرٍ لِأَقْضِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (¬9) أَقْوَى فِي الْعِلْمِ وَأَثْبَتُ مِمَّا عِنْدَ عَلِيٍّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ¬

(¬1) س، ب: عَلِمَ ذَلِكَ ذَا حُسْنٍ، ن، م: عَلِمَ ذَلِكَ ذِي حُسْنٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْفِصَلِ " 4/213 (¬2) الْفِصَلِ: عِنْدَ عَلِيٍّ: ثُمَّ وَجَدْنَا الْأَمْرَ كُلَّمَا طَالَ كَثُرَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الصَّحَابَةِ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، فَوَجَدْنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ (¬3) ب: مَسَانِدَ (¬4) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬5) م: أَكْثَرُ (¬6) س، ب: وَنَحْوَهَا (¬7) الْفِصَلِ: فَبَطَلَ هَذِهِ الْوَقَاحِ الْجُهَّالِ (¬8) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ بِسَبْعَةِ أَسْطُرٍ، وَكَلَامُهُ فِي 4/214 (¬9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) ، " الْفِصَلِ " وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

أَبَا بَكْرٍ عَلَى بُعُوثٍ فِيهَا الْأَخْمَاسُ، فَقَدْ سَاوَى عِلْمُهُ عِلْمَ عَلِيٍّ فِي حُكْمِهَا بِلَا شَكٍّ، إِذْ لَا يَسْتَعْمِلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَالِمًا بِمَا يَسْتَعْمِلُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يُفْتِيَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَمُحَالٌ أَنْ يُبِيحَ لَهُمَا ذَلِكَ إِلَّا وَهُمَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِمَا (¬1) ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا عَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَمَنِ مَعَ عَلِيٍّ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَلِعَلِيٍّ فِي هَذَا شُرَكَاءُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ انْفَرَدَ أَبُو بَكْرٍ بِالْجُمْهُورِ وَالْأَغْلَبِ مِنَ الْعِلْمِ ". فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} (سُورَةِ الْحَاقَّةِ: 12) . وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ (¬3) ، وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ لَا تَعِيَهَا إِلَّا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْآذَانِ، وَلَا أُذُنُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ النَّوْعُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ أُذُنٍ وَاعِيَةٍ (¬4) . ¬

(¬1) الْفِصَلِ: وَهُمْ أَعْلَمُ مِمَّنْ دُونَهُمَا. . (¬2) فِي (ك) ص 178 (م) (¬3) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ (¬4) س، ب: وَاعِيَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَكَانَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ (¬2) ، شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى التَّعَلُّمِ، وَلَازَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ مُلَازَمَةً لَيْلًا (¬3) وَنَهَارًا مِنْ صِغَرِهِ إِلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّهُ أَذْكَى مِنْ عُمَرَ وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ أَوْ أَنَّهُ كَانَ أَرْغَبَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمَا؟ أَوْ أَنَّ اسْتِفَادَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْهُمَا؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» " (¬4) ، وَالْمُحَدَّثُ: الْمُلْهَمُ يُلْهِمُهُ اللَّهُ، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْبَشَرِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ بِلَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى رَأَيْتُ الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ " قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: " الْعِلْمَ» (¬5) ، وَلَمْ يُرْوَ مِثْلُ هَذَا لِعَلِيٍّ. ¬

(¬1) فِي (ك) ص 178 (م) (¬2) ك: وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ (¬3) ك: مُلَازَمَةً شَدِيدَةً لَيْلًا (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20 (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا (مَا) دُونَ ذَلِكَ (¬1) ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ - قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الدِّينَ» (¬2) . فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَلَمْ يُرْوَ مِثْلُ هَذَا لِعَلِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا مَاتَ عُمَرُ: " إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذَا قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَشَارَكَ النَّاسَ فِي الْعُشْرِ الْبَاقِي " (¬3) . وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُلَازِمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ وَمِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَكْثَرَ اجْتِمَاعًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَلِيٍّ بِكَثِيرٍ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " وُضِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، وَتَرَحَّمَ (عَلِيٌّ) (¬4) عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَلِكَ أَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ (¬5) صَلَّى ¬

(¬1) ن، م: وَمِنْهَا دُونُ ذَلِكَ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21، 65 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 6/59 (¬4) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (ب) (¬5) س، ب: مَعَ صَاحِبَيْكَ وَكَانَ النَّبِيُّ

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ": «جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» "، فَإِنَّ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ (¬1) . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يُسَمِّرَانِ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِاللَّيْلِ. وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ فِيهَا قَوْلُ عُمَرَ أَرْجَحَ، كَمَسْأَلَةِ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهَؤُلَاءِ يَتَّبِعُونَ عُمَرَ وَزَيْدًا فِي الْغَالِبِ، وَأُولَئِكَ يَتَّبِعُونَ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ. وَكَانَ مَا يَقُولُهُ عُمَرُ يُشَاوِرُ فِيهِ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَغَيْرَهُمَا، وَعَلِيٌّ مَعَ هَؤُلَاءِ أَقْوَى مِنْ عَلِيٍّ وَحْدَهُ. ، كَمَا قَالَ لَهُ قَاضِيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: " رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ ". وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " كَانَ عُمَرُ إِذَا فَتَحَ لَنَا بَابًا دَخَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ سَهْلًا، أُتِيَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ، فَقَالَ: لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَزَيْدًا اتَّبَعُوهُ ". وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كَانَ مِنْ أَعْلَمِ التَّابِعِينَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ عُمْدَةُ فِقْهِهِ قَضَايَا عُمَرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 390 391

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ» ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " حَدِيثٌ حَسَنٌ " (¬1) . وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَأَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَغَيْرِهِمْ هَؤُلَاءِ (¬2) كَانُوا يُفَضِّلُونَ عِلْمَ عُمَرَ وَعِلْمَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى عِلْمِ عَلِيٍّ، وَيَقْصِدُونَ فِي الْغَالِبِ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ دُونَ قَوْلِ عَلِيٍّ (¬3) . فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ» ، فَتَكُونُ عُلُومُهُ أَكْثَرَ مِنْ عُلُومِ غَيْرِهِ، لِحُصُولِ الْقَابِلِ الْكَامِلِ (¬5) ، وَالْفَاعِلِ التَّامِّ (¬6) ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ (عَدَمِ) (¬7) عِلْمِ الرَّافِضِيِّ بِالْحَدِيثِ ; فَإِنَّ هَذَا مَثَلٌ سَائِرٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ أَيَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَتَعَلَّمُوا الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَنَ، وَيَسَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68 (¬2) ن، م: وَهَؤُلَاءِ (¬3) س، ب: قَوْلِ عَلِيٍّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (¬4) فِي (ك) ص 178 (م) (¬5) س: الْكُلِّ ; ب: الْكُلِّيِّ (¬6) ك: التَّمَامِ (¬7) عَدَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)

عَلِيٌّ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَكْمُلْ حَتَّى صَارَ لِعَلِيٍّ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنَّمَا حَفِظَ أَكْثَرَ ذَلِكَ فِي كِبَرِهِ لَا فِي صِغَرِهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حِفْظِهِ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْأَنْبِيَاءُ أَعْلَمُ الْخَلْقِ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ (¬1) ، إِلَّا عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَعْلِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ يَخُصُّ بِهِ أَحَدًا، وَلَكِنْ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ الطَّالِبِ، وَلِهَذَا حَفِظَ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَبَعْضِ أُخْرَى مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ اجْتِمَاعُ أَبِي بَكْرٍ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬2) : " إِنَّ النَّاسَ مِنْهُ اسْتَفَادُوا الْعُلُومَ (¬3) ". فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ - الَّتِي كَانَتْ دَارَهُ - كَانُوا قَدْ تَعَلَّمُوا الْإِيمَانَ، وَالْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَهُ، وَالْفِقْهَ، وَالسُّنَّةَ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ. وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬4) قَرَأَ عَلَيْهِ، فَمَعْنَاهُ: عَرَضَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ (¬5) قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ، وَهُوَ ¬

(¬1) س، ب: أَرْبَعِينَ (¬2) فِي (ك) ص 178 (م) ، وَهُوَ تَابِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ (¬3) ك: وَمِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَفَادَ النَّاسُ الْعِلْمَ (¬4) الْأَرْجَحُ أَنَّهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَارِئُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (الطَّبَقَاتِ 6/172) : " رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَعُثْمَانَ ". وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَتِهِ (تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 5/183 184) : " رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. . . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ زَمَنَ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقِيلَ: مَاتَ 72، وَقِيلَ: سَبْعِينَ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ 90. . . وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ (¬5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) . (ب)

وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ: مِثْلُ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثِ التَّيْمِيِّ (¬1) ، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ: أَخَذُوا الْقُرْآنَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَأْخُذُونَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ كَمَا أَخَذُوا عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ. وَشُرَيْحٌ قَاضِيهِ إِنَّمَا تَفَقَّهَ عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ، وَكَانَ يُنَاظِرُهُ فِي الْفِقْهِ، وَلَا يُقَلِّدُهُ، وَكَذَلِكَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ كَانَ لَا يُقَلِّدُهُ، بَلْ يَقُولُ لَهُ: رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فَعِلْمُهُمْ أَيْضًا لَيْسَ مَأْخُوذًا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ وَالْبَصْرَةِ فَهَذِهِ الْأَمْصَارُ الْخَمْسَةُ: الْحِجَازَانِ، وَالْعِرَاقَانِ، وَالشَّامُ، هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا عُلُومُ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعُلُومِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْقُرْآنِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ. وَمَا أَخَذَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ (¬2) ، فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى كُلِّ مِصْرٍ مَنْ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَغَيْرَهُمَا، وَأَرْسَلَ إِلَى الْعِرَاقِ ابْنَ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَغَيْرَهُمَا. فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَأَمَّا النَّحْوُ فَهُوَ وَاضِعُهُ، قَالَ لِأَبِي ¬

(¬1) س، ب: اللَّيْثِيِّ. وَهُوَ أَبُو عَائِشَةَ حَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/143) : " رَوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَزْدِيِّ. . . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: أَرَّخَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. . . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ الْحَارِثُ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ " وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/176 (¬2) م: مِنْهُ (¬3) فِي (ك) 178 (م)

الْأَسْوَدِ (¬1) : الْكَلَامُ كُلُّهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ، وَعَلَّمَهُ (¬2) وُجُوهَ الْإِعْرَابِ. وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: هَذَا لَيْسَ مِنْ عُلُومِ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِلْمٌ مُسْتَنْبَطٌ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ فِي حِفْظِ قَوَانِينِ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ لَحْنٌ (¬3) ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَكَنَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ، وَبِهَا الْأَنْبَاطُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ: " الْكَلَامُ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ "، وَقَالَ: " انْحُ هَذَا النَّحْوَ "، فَفَعَلَ هَذَا لِلْحَاجَةِ، كَمَا أَنَّ مَنْ بَعْدَ عَلِيٍّ أَيْضًا اسْتَخْرَجَ لِلْخَطِّ النَّقْطَ وَالشَّكْلَ، وَعَلَامَةَ الْمَدِّ وَالشَّدِّ (¬4) ، وَنَحْوَهُ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَسَطَ النَّحْوَ نُحَاةُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَالْخَلِيلُ اسْتَخْرَجَ عِلْمَ الْعَرُوضِ. فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " وَفِي الْفِقْهِ الْفُقَهَاءُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ (¬6) ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ، فَلَيْسَ فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ (¬7) - مَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي فِقْهِهِ، أَمَّا مَالِكٌ، فَإِنَّ عِلْمَهُ عَنْ ¬

(¬1) ك: أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ (¬2) م: وَعَلَيْهِ (¬3) س، ب: نَحْوَهُ (¬4) م: وَالتَّشْدِيدِ (¬5) فِي (ك) ص 178 (م) (¬6) ك: وَأَمَّا الْفِقْهُ فَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ (¬7) م: الْفِقْهِ

أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَكَادُونَ يَأْخُذُونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، بَلْ أَخَذُوا فِقْهَهُمْ عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ عَنْ زَيْدٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَنَحْوِهِمْ. أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ تَفَقَّهَ أَوَّلًا عَلَى الْمَكِّيِّينَ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ، كَسَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ، وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ. وَابْنُ جُرَيْجٍ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ،، كَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ مُجْتَهِدًا مُسْتَقِلًّا، وَكَانَ إِذَا أَفْتَى بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَكَانَ يُنْكِرُ عَلَى عَلِيٍّ أَشْيَاءَ. ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ أَخَذَ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ كَتَبَ كُتُبَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَخَذَ مَذَاهِبَ (¬1) أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَشَيْخُهُ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَحَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَعَلْقَمَةُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، أَخَذَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَخَذَ عَنْ هِشَامِ بْنِ بَشِيرٍ، وَهِشَامٌ عَنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَخَذَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَجَالَسَ الشَّافِعِيَّ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ قَوْلًا، وَكَذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ (¬2) وَنَحْوُهُمْ. ¬

(¬1) س، ب: مَذْهَبَ (¬2) م: أَبُو عُبَيْدَةَ

وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ أَكْثَرُ فِقْهِهِمَا عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمْثَالِهِمْ، لَا عَنِ الْكُوفِيِّينَ. فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَأَخَذُوا عِلْمَهُمْ عَنْهُ وَعَنْ أَوْلَادِهِ " (¬2) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، فَهَذَا مُوَطَّأُ مَالِكٍ لَيْسَ فِيهِ عَنْهُ وَلَا عَنْ (أَحَدِ) (¬3) أَوْلَادِهِ إِلَّا قَلِيلٌ جِدًّا، وَجُمْهُورُ مَا فِيهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فِيهِ عَنْ جَعْفَرٍ تِسْعَةُ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَرْوِ مَالِكٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَّا عَنْ جَعْفَرٍ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَسَانِدِ مِنْهَا قَلِيلٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَجُمْهُورُ مَا فِيهَا عَنْ غَيْرِهِمْ. فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَرَأَ عَلَى الصَّادِقِ (¬5) ". ¬

(¬1) فِي (ك) ص 178 (م) (¬2) ك: أَمَّا الْإِمَامِيَّةُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا عِلْمَهُمْ مِنْهُ وَمِنْ أَوْلَادِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ كَذَلِكَ. وَالصَّوَابُ مَا فِي (ك) لِأَنَّ الرَّافِضِيَّ سَيَتَكَلَّمُ فِي الْأَئِمَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَلَامُهُ هُنَا عَلَى الْإِمَامِيَّةِ قَبْلَهُمْ (¬3) أَحَدِ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬4) فِي (ك) ص 179 (م) (¬5) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا أَكْثَرَ كَلَامِ الرَّافِضِيِّ وَهُوَ: " أَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ قَرَأَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (سَتَرِدُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بَعْدَ قَلِيلٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) وَعَلَى مَالِكٍ، فَرَجَعَ فِقْهُهُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَرَأَ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَرَجَعَ فِقْهُهُ إِلَيْهِ، وَفِقْهُ الشَّافِعِيِّ رَاجِعٌ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ قَرَأَ عَلَى الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ عَلَى الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ عَلَى زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ عَلَى أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَبُوهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ وَآلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَالِكٌ. . . . "

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ (¬1) مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مِنْ أَقْرَانِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، تُوُفِّيَ الصَّادِقُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو حَنِيفَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُفْتِي فِي حَيَاةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِدِ الصَّادِقِ، وَمَا يُعْرَفُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخَذَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَلَا عَنْ أَبِيهِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، بَلْ أَخَذَ عَمَّنْ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُمَا كَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَشَيْخِهِ الْأَصْلِيِّ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ (¬2) ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ (¬3) . فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَرَأَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ جَالَسَهُ وَعَرَفَ طَرِيقَتَهُ (¬5) وَنَاظَرَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْخِلَافَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالرَّدَّ عَلَيْهِ (هُوَ) الشَّافِعِيُّ (¬6) ، ¬

(¬1) م: الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ (¬2) ن، س: حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) س، ب: بِالْمَدِينَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (¬4) فِي (ك) ص 179 (م) (¬5) م: حَدِيثَهُ (¬6) ن، س، ب:. . . . الْحَسَنِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ

فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ أَظْهَرَ الرَّدَّ عَلَى مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ (¬1) رَدٌّ عَلَى مُخَالِفِيهِ (¬2) ، فَنَظَرَ (¬3) الشَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ، وَانْتَصَرَ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ انْتِصَارُهُ فِي الْغَالِبِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ. ثُمَّ إِنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ صَنَّفَ كِتَابًا تَعَرَّضَ فِيهِ بِالرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَصَنَّفَ ابْنُ سُرَيْجٍ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى عِيسَى بْنِ أَبَانٍ. وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَقْرَأْ عَلَى الشَّافِعِيِّ لَكِنْ جَالَسَهُ، كَمَا جَالَسَ الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، وَاسْتَفَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَتَّفِقَانِ فِي أُصُولِهِمَا، أَكْثَرُ مِنَ اتِّفَاقِ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ أَسَنَّ مِنْ أَحْمَدَ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَدِمَ بَغْدَادَ أَوَّلًا سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ قَدِمَهَا ثَانِيَةً سَنَةَ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ، وَفِي هَذِهِ الْقَدْمَةِ اجْتَمَعَ بِهِ أَحْمَدُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ أَخَذَ عَنْ جَعْفَرٍ شَيْئًا مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ، لَكِنْ رَوَوْا عَنْهُ أَحَادِيثَ، كَمَا رَوَوْا عَنْ غَيْرِهِ، وَأَحَادِيثُ غَيْرِهِ أَضْعَافُ أَحَادِيثِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَحَدِيثِهِ نِسْبَةٌ، لَا فِي الْقُوَّةِ وَلَا فِي الْكَثْرَةِ. وَقَدِ اسْتَرَابَ الْبُخَارِيُّ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ¬

(¬1) ب: عَنْهُ (¬2) م: رَدُّ عَلِيٍّ عَلَى مُخَالِفِيهِ، س: رَدٌّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ ; ب: رَدٌّ عَلَى مُخَالِفِهِ (¬3) م: فَنَاظَرَ

الْقَطَّانِ فِيهِ كَلَامٌ، فَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ. وَلَمْ يُكْذَبْ عَلَى أَحَدٍ مَا كُذِبَ عَلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - مَعَ بَرَاءَتِهِ - كَمَا كُذِبَ عَلَيْهِ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ عِلْمُ الْبِطَاقَةِ، وَالْهَفْتِ، وَالْجَدْوَلِ، وَاخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ، وَمَنَافِعِ الْقُرْآنِ، وَالْكَلَامِ عَلَى الْحَوَادِثِ، وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْإِشَارَاتِ (¬1) فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَتَفْسِيرُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْمَنَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ أَخَذَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ غَيْرِهِ، كَمَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ أَبَوْهُ أَخَذَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (* أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ غَيْرِ الْحُسَيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ عَنِ الْحُسَيْنِ، فَإِنَّ الْحُسَيْنِ *) (¬2) قُتِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَعَلِيٌّ صَغِيرٌ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَخَذَ عَنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَخَذَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَصَفِيَّةَ، وَأَخَذَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ أَبِيهِ، وَغَيْرِهِ حَتَّى أَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ، وَهَذَا مِنْ عِلْمِهِ وَدِينِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَمَّا ثَنَاءُ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنٍ وَمَنَاقِبِهِ فَكَثِيرَةٌ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ أُدْرِكْ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: هُوَ أَفْضَلُ هَاشِمِيٍّ رَأَيْتُهُ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - وَكَانَ أَفْضَلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ - يَقُولُ: " أَيُّهَا ¬

(¬1) م: الْإِسْنَادَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

النَّاسُ أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ، فَمَا بَرِحَ بِنَا حُبُّكُمْ حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا عَارًا ". ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ " (¬1) . أَنْبَأَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ (¬2) . ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (¬3) : " قَالُوا: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِيًا رَفِيعًا (¬4) ، وَرَوَى (¬5) " عَنْ شَيْبَةَ بْنِ نَعَامَةَ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يُبَخَّلُ، فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوهُ يَقُوتُ (¬6) أَهْلَ مِائَةِ بَيْتٍ (¬7) بِالْمَدِينَةِ فِي السِّرِّ ". فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬8) : " وَمَالِكٌ قَرَأَ عَلَى رَبِيعَةَ، وَرَبِيعَةُ عَلَى عِكْرِمَةَ، وَعِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ " (¬9) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ، فَإِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ عِكْرِمَةَ شَيْئًا، ¬

(¬1) فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/214 (¬2) هَذَا هُوَ سَنَدُ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَفِي الطَّبَقَاتِ: " أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ. . . . إِلَخْ " (¬3) فِي " الطَّبَقَاتِ " 5/222 (¬4) الطَّبَقَاتِ:. . . . رَفِيعًا وَرِعًا (¬5) الْكَلَامُ التَّالِي سَابِقٌ عَلَى الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ فِي " الطَّبَقَاتِ " (¬6) س: يَقُودُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: يَعُولُ (¬7) ن: مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ، م: مِائَةَ بَيْتٍ (¬8) فِي (ك) ص 179 (م) (¬9) ك:. . . . . . . قَرَأَ عَلَى رَبِيعَةَ الرَّازِيِّ، وَقَرَأَ رَبِيعَةُ عَلَى عِكْرِمَةَ، وَعِكْرِمَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ

بَلْ وَلَا ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ (¬1) فِي كُتُبِهِ إِلَّا أَثَرًا أَوْ أَثَرَيْنِ، وَلَا ذَكَرَ اسْمَ عِكْرِمَةَ فِي كُتُبِهِ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُمَا تَكَلَّمَا فِيهِ فَتَرَكَهُ لِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ مُسْلِمٌ، وَلَكِنَّ رَبِيعَةَ أَخَذَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسَعِيدٌ كَانَ يُرْجِعُ عِلْمَهُ إِلَى عُمَرَ، وَكَانَ قَدْ أَخَذَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَتَبَّعَ قَضَايَا عُمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا. وَلِهَذَا يُقَالُ: إِنَّ مُوَطَّأَ مَالِكٍ أُخِذَتْ أُصُولُهُ (¬2) عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ الرَّشِيدُ لِمَالِكٍ: قَدْ أَكْثَرْتَ فِي مُوَطَّئِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَقْلَلْتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: " كَانَ أَوْرَعَ الرَّجُلَيْنِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ " فَهَذَا مُوَطَّأُ مَالِكٍ يُبَيِّنُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ. وَقَوْلُهُ: " ابْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ " كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ قَلِيلَةٌ، وَغَالِبُ أَخْذِهِ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَنَازَعَ عَلِيًّا فِي مَسَائِلَ، مِثْلَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ: " «أُتِيَ عَلِيٌّ بِقَوْمٍ زَنَادِقَةٍ فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ كُنْتُ لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (¬3) " فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا أَسْقَطَهُ عَلَى الْهِنَاتِ!» ¬

(¬1) عَنْ عِكْرِمَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) م: قِرَاءَتُهُ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/307

(فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) .: " وَأَمَّا عِلْمُ الْكَلَامِ فَهُوَ أَصْلُهُ، وَمِنْ خُطَبِهِ تَعَلَّمَ (¬2) النَّاسُ، وَكُلُّ (¬3) النَّاسِ تَلَامِيذُهُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَذِبٌ لَا مَدْحَ فِيهِ ; فَإِنَّ الْكَلَامَ الْمُخَالِفَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَاطِلٌ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ عَلِيًّا عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَحَدٌ يَسْتَدِلُّ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، وَيَثْبُتُ حُدُوثُ الْأَجْسَامِ بِدَلِيلِ الْأَعْرَاضِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَالْأَجْسَامُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِذَلِكَ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَمَا لَا يَسْبِقُ الْحَوَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ، وَيُبْنَى ذَلِكَ عَلَى حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. بَلْ أَوَّلُ مَا ظَهَرَ هَذَا الْكَلَامُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمِائَةِ الْأُولَى، مِنْ جِهَةِ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، وَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، ثُمَّ صَارَ إِلَى أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، كَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ وَأَمْثَالِهِ. وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَوَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ إِنَّمَا كَانَا يُظْهِرَانِ الْكَلَامَ فِي إِنْفَاذِ الْوَعِيدِ، وَأَنَّ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ دَخَلَهَا، وَفِي التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا نَزَّهَ اللَّهُ عَنْهُ (¬4) عَلِيًّا. ¬

(¬1) فِي (ن) ص 179 (م) (¬2) ك: اسْتَفَادَ (¬3) ن، س، ب: وَكَانَ. (¬4) ن، م: مِنْهُ.

وَلَيْسَ فِي الْخُطَبِ الثَّابِتَةِ عَنْ عَلِيٍّ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ الْخَمْسَةِ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ إِذَا نُقِلَ عَنْهُ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَقُدَمَاءُ الْمُعْتَزِلَةِ لَمْ يَكُونُوا يُعَظِّمُونَ عَلِيًّا، بَلْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَشُكُّ فِي عَدَالَتِهِ، وَيَقُولُ: قَدْ فَسَقَ عِنْدَ إِحْدَى (¬1) الطَّائِفَتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا: إِمَّا عَلِيٌّ، وَإِمَّا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَتَهُ، وَفِي قَبُولِ شَهَادَةِ عَلِيٍّ مُنْفَرِدَةً قَوْلَانِ لَهُمْ. وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ (¬2) . وَالشِّيعَةُ الْقُدَمَاءُ كُلُّهُمْ كَالْهِشَامَيْنِ (¬3) وَغَيْرِهِمَا، يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ، وَيُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ، عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مُتَأَخِّرِي الشِّيعَةِ، بَلْ يُصَرِّحُونَ بِالتَّجْسِيمِ، وَيُحْكَى عَنْهُمْ فِيهِ شَنَاعَاتٌ، وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (¬4) . ¬

(¬1) م: عِنْدَ أَحَدِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) يَقُولُ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ " أُصُولِ الدِّينِ، (ص 290 - 291) : وَقَالَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالنَّظَّامُ وَأَكْثَرُ الْقَدَرِيَّةِ: نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ عَلَى انْفِرَادِهِمْ، وَنَتَوَلَّى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأَتْبَاعَهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِمْ، وَلَكِنْ لَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ طَلْحَةُ أَوِ الزُّبَيْرُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ طَلْحَةَ عَلَى بَاقَةِ بَقْلٍ لَمْ نَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمَا، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَاسِقٌ، وَالْفَاسِقُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ " وَانْظُرْ: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 2/145. (¬3) ن، س، ب: كَالْهَاشِمِيِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْمَقْصُودُ: هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيُّ. (¬4) ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ فِي " مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ " 1/106 - 109 مَقَالَاتِ الرَّوَافِضِ فِي التَّجْسِيمِ وَقَسَّمَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى سِتِّ فِرَقٍ وَذَكَرَ تَفْصِيلَ أَقْوَالِهِمْ، ثُمَّ قَالَ 1/109: " وَقَالُوا فِي التَّوْحِيدِ بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ. فَأَمَّا أَوَائِلُهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ التَّشْبِيهِ ". وَتَكَلَّمَ الْأَشْعَرِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ 1/114 - 115 عَلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِي أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَقَالَ: إِنَّ الْفِرْقَةَ الْأُولَى فِرْقَةُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْإِنْسَانِ اخْتِيَارٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ وَاضْطِرَارٌ مِنْ وَجْهٍ. وَكَذَلِكَ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا جَبْرَ، كَمَا قَالَ الْجَهْمِيُّ، وَلَا تَفْوِيضَ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ. وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمْ فَهُمْ " يَزْعُمُونَ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ. وَهَذَا قَوْلُ قَوْمٍ يَقُولُونَ بِالِاعْتِزَالِ وَالْإِمَامَةِ ".

وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ: أَخَالِقٌ هُوَ أَمْ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، لَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " إِنَّ وَاصِلَ بْنَ عَطَاءٍ أَخَذَ عَنْ أَبِي هَاشِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ". فَيُقَالُ: إِنَّ [الْحَسَنَ بْنَ] مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ (¬1) قَدْ وَضَعَ كِتَابًا فِي الْإِرْجَاءِ، نَقِيضَ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ. ذَكَرَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ (¬2) ، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ، وَيُقَالُ إِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ (¬3) . ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ بَعْدَ قَلِيلٍ، إِذْ إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحَسَنِ وَعَلَى أَبِي هَاشِمٍ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. (¬2) الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ - لَا وَالِدُهُ - أَوَّلُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْإِرْجَاءِ وَهُوَ صَاحِبُ أَقْدَمِ رِسَالَةٍ فِي الْإِرْجَاءِ وَفِي الرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. انْظُرْ: سِزْكِينَ م 1 ج [0 - 9] ص 15 - 16. (¬3) أَبُو هَاشِمٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (أَيِ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ " 6/16: ". . عَنِ الزُّهْرِيِّ، ثَنَا: عَبْدُ اللَّهِ وَالْحَسَنُ ابْنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ الْحَسَنُ أَوْثَقَهُمَا. . . . وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: أَحَدُهُمَا مُرْجِئٌ وَالْآخَرُ شِيعِيٌّ " وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَ أَبُو هَاشِمٍ صَاحِبَ الشِّيعَةِ " وَقَالَ: " وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَتْبَعُ - وَفِي رِوَايَةٍ - يَجْمَعُ: أَحَادِيثَ السَّبَائِيَّةِ. . . مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَأَرَّخَهُ الْهَيْثَمُ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ ".

وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا هَاشِمٍ هَذَا صَنَّفَ كِتَابًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ، وَلَا أَخَذَهُ عَنْ أَبِيهِ. وَبِكُلِّ حَالٍ الْكِتَابُ الَّذِي نُسِبَ إِلَى الْحَسَنِ يُنَاقِضُ مَا يُنْسَبُ (¬1) إِلَى أَبِي هَاشِمٍ، وَكِلَاهُمَا قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ (¬2) ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَا أَخَذَا هَذَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَيْسَ نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إِلَى مُحَمَّدٍ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ ; فَبَطَلَ الْقَطْعُ بِكَوْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ يَقُولُ بِهَذَا وَبِهَذَا. بَلِ الْمَقْطُوعُ بِهِ (¬3) أَنَّ مُحَمَّدًا، مَعَ بَرَاءَتِهِ مِنْ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ، فَهُوَ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَعْظَمُ بَرَاءَةً، وَأَبُوهُ عَلِيٌّ أَعْظَمُ بَرَاءَةً مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُرْجِئَةِ مِنْهُ. وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ فَلَا رَيْبَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ تِلْمِيذًا لِأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ، لَكِنَّهُ ¬

(¬1) ن، م،: مَا نُسِبَ. (¬2) ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَتِهِ لِلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فِي " تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ، 2، 320 - 321 أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِرْجَاءِ، ثُمَّ قَالَ: " وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَيُّوبَ: أَنَا أَتَبَرَّأُ مِنَ الْإِرْجَاءِ، إِنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ وَمَيْسَرَةَ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَلَامَاهُ عَلَى الْكِتَابِ الَّذِي وَضَعَ فِي الْإِرْجَاءِ، فَقَالَ لِزَاذَانَ: يَا أَبَا عَمْرٍو لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مُتُّ وَلَمْ أَكْتُبْهُ " وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ الْحَسَنَ تُوُفِّيَ سَنَةَ 99 أَوْ 100 وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي وَفَاتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِرْجَاءَ الَّذِي تَكَلَّمَ الْحَسَنُ فِيهِ غَيْرُ الْإِرْجَاءِ الَّذِي يَعِيبُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِيمَانِ وَقَالَ: إِنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ فَوَجَدَ أَنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ يُرْجِئُ مَنْ كَانَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَنَّهُ يَرَى عَدَمَ الْقَطْعِ عَلَى إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ فِي الْفِتْنَةِ بِكَوْنِهِ مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْإِرْجَاءُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ ". (¬3) ن، س، ب: عَنْهُ.

فَارَقَهُ وَرَجَعَ عَنْ جُمَلِ (¬1) مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِهِ، لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَسَلَكَ فِيهَا طَرِيقَةَ ابْنِ كُلَّابٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْقَدَرِ وَمَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، وَنَاقَضَهُمْ فِي ذَلِكَ، أَكْثَرَ مِنْ مُنَاقَضَةِ حُسَيْنٍ النَّجَّارِ وَضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ هُوَ مُتَوَسِّطٌ فِي هَذَا الْبَابِ، كَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، حَتَّى مَالَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ جَهْمٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْوَعِيدِ، وَقَالَ بِمَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ، وَانْتَسَبَ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ، وَبِهَذَا اشْتُهِرَ عِنْدَ النَّاسِ. فَالْقَدْرُ الَّذِي يُحْمَدُ مِنْ مَذْهَبِهِ، (* هُوَ مَا وَافَقَ فِيهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، كَالْجُمَلِ الْجَامِعَةِ. وَأَمَّا الْقَدْرُ الَّذِي يُذَمُّ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَهُوَ مَا وَافَقَ فِيهِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَخَذَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ *) (¬2) زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ بِالْبَصْرَةِ (¬3) ، وَعَنْ طَائِفَةٍ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ فِي الْمَقَالَاتِ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَقَالَ (¬4) : " بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ، وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ ". ¬

(¬1) ن، م: حَمْلِ. (¬2) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ الضَّبِّيُّ الْبَصْرِيُّ السَّاجِيُّ، مُحَدِّثُ الْبَصْرَةِ فِي عَصْرِهِ، كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ، وُلِدَ سَنَةَ 220 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 307. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/299 - 301، الْأَعْلَامِ 3/81. (¬4) فِي " الْمَقَالَاتِ " 1/325.

وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ مِنْ أَبْعَدِ الْمَذَاهِبِ عَنْ مَذْهَبِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ (¬1) - كَهَذَا الْمُصَنِّفِ وَأَمْثَالِهِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْإِمَامِيَّةِ - فَإِنَّهُمْ جَمَعُوا أَخَسَّ الْمَذَاهِبِ: مَذْهَبُ الْجَهْمِيَّةِ فِي الصِّفَاتِ، وَمَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَمَذْهَبُ الرَّافِضَةِ فِي الْإِمَامَةِ وَالتَّفْضِيلِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ مِنَ الْكَلَامِ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَلَا مَدْحَ فِيهِ. وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ يَنْسُبُونَ قَوْلَهُمْ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ أُعْطِيَ عِلْمًا بَاطِنًا مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «وَالَّذِي فَلَقَ (¬2) الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ (¬3) إِلَى النَّاسِ، إِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَكَانَ فِيهَا: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسْرَى، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، إِلَّا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ عَبْدًا فِي الْكِتَابِ» " (¬4) . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَنْسُبُ إِلَيْهِ الْكَلَامُ فِي الْحَوَادِثِ، كَالْجَفْرِ وَغَيْرِهِ، وَآخَرُونَ يَنْسُبُونَ إِلَيْهِ الْبِطَاقَةَ وَأُمُورًا أُخْرَى، يُعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا بَرِيءٌ مِنْهَا. ¬

(¬1) ن، س، ب: وَالرَّافِضَةُ، م: الرَّافِضَةُ. (¬2) ن، س، ب: خَلَقَ. (¬3) م: مِمَّا لَمْ يَعْهَدْهُ. (¬4) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ: 1/29 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ) ، 4/68 - 69 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ فِكَاكِ الْأَسِيرِ) ، 9/11، 12 - 13 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ الْعَاقِلَةِ، بَابُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ) ، سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 2/432 - 433 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ مَا جَاءَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) ، سُنَنُ النَّسَائِيِّ 8/21 (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ سُقُوطِ الْقَوَدِ مِنَ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ) ، سُنَنُ الدَّارِمِيِّ 2/190 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) ، الْمُسْنَدُ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/35 - 36.

وَكَذَلِكَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ قَدْ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى نُسِبَ إِلَيْهِ الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ النُّجُومِ وَالرُّعُودِ، وَالْبُرُوقِ وَالْقُرْعَةِ، الَّتِي هِيَ مِنَ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، وَنُسِبَ إِلَيْهِ كِتَابُ " مَنَافِعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ "، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ جَعْفَرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَحَتَّى نُسِبَ إِلَيْهِ أَنْوَاعٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَاطِنِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ " حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ "، فَذَكَرَ قِطْعَةً مِنَ التَّفَاسِيرِ الَّتِي هِيَ مِنْ تَفَاسِيرِهِ، وَهِيَ مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَبْدِيلِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْآيَاتِ بِغَيْرِ مُرَادِهِ (¬1) . وَكُلُّ ذِي عِلْمٍ بِحَالِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ بَرِيئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ. وَكَذَلِكَ قَدْ نَسَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمُ الْكِتَابَ الَّذِي يُسَمَّى " رَسَائِلَ إِخْوَانِ الْكَدَرِ " (¬2) ، وَهَذَا الْكِتَابُ صُنِّفَ بَعْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ ; فَإِنَّ جَعْفَرًا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَهَذَا الْكِتَابُ صُنِّفَ فِي أَثْنَاءِ الدَّوْلَةِ الْعُبَيْدِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، لَمَّا اسْتَوْلَوْا عَلَى مِصْرَ، وَبَنَوْا (¬3) الْقَاهِرَةَ، صَنَّفَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالتَّشَيُّعِ، كَمَا كَانَ يَسْلُكُهُ هَؤُلَاءِ الْعُبَيْدِيُّونَ، الَّذِينَ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنْ وَلِدَ عَلِيٍّ. ¬

(¬1) انْظُرْ عَنِ الْكُتُبِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي نُسِبَتْ إِلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ فِيمَا مَضَى 2/464 - 465. (¬2) م: الصَّفَا. (¬3) س، ب: وَتَبَوَّءُوا.

وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ يَعْلَمُونَ أَنَّ نَسَبَهُمْ بَاطِلٌ، وَأَنَّ جَدَّهُمْ (¬1) يَهُودِيٌّ فِي الْبَاطِنِ وَفِي الظَّاهِرِ، وَجَدُّهُمْ دَيْصَانِيٌّ مِنَ الْمَجُوسِ، تَزَوَّجَ امْرَأَةَ هَذَا الْيَهُودِيِّ، وَكَانَ ابْنُهُ رَبِيبًا لِمَجُوسِيٍّ ; فَانْتَسَبَ إِلَى زَوْجِ أُمِّهِ الْمَجُوسِيِّ، وَكَانُوا يَنْتَسِبُونَ إِلَى بَاهِلَةَ، عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَإِلَيْهِ انْتَسَبَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَادَّعَوْا أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ دُونَ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةَ ; فَإِنَّ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ يَدَّعُونَ إِمَامَةَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَهَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ إِمَامَةَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. وَأَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ فِي الْبَاطِنِ مَلَاحِدَةٌ زَنَادِقَةٌ، شَرٌّ مِنَ الْغَالِيَةِ، لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، لَكِنْ إِنَّمَا طُرُقُهُمْ عَلَى (¬2) هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ وَنِسْبَتُهَا إِلَى عَلِيٍّ مَا فَعَلَتْهُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ وَأَمْثَالُهُمْ، كَذَبَ أُولَئِكَ عَلَيْهِ نَوْعًا مِنَ الْكَذِبِ (¬3) ، فَفَرَّعَهُ هَؤُلَاءِ، وَزَادُوا عَلَيْهِ، حَتَّى نَسَبُوا الْإِلْحَادَ إِلَيْهِ، كَمَا نَسَبَ هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ، مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، يَنْتَسِبُونَ (¬4) إِلَى عَلِيٍّ، وَهُمْ طُرُقِيَّةٌ وَعَشْرِيَّةٌ وَغُرَبَاءُ، وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ صَارُوا يُضِيفُونَ إِلَى عَلِيٍّ مَا بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْهُ، حَتَّى صَارَ اللُّصُوصُ مِنَ الْعَشْرِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابًا مِنْ عَلِيٍّ، بِالْإِذْنِ لَهُمْ فِي سَرِقَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ، كَمَا ادَّعَتِ الْيَهُودُ الْخَيَابِرَةُ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابًا مِنْ عَلِيٍّ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ، ¬

(¬1) ب: حَدَّهُمْ. (¬2) م: إِلَى. (¬3) س، ب: وَأَمْثَالُهُمْ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِنَ الْكَذِبِ. (¬4) م، س، ب: يُنْسَبُونَ.

وَإِبَاحَةِ عُشْرِ أَمْوَالِ أَنْفُسِهِمْ (¬1) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُخَالِفَةِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ مِنْ أَبْرَأِ النَّاسِ مِنْ (¬2) هَذَا كُلِّهِ. ثُمَّ صَارَ هَؤُلَاءِ يَعُدُّونَ مَا افْتَرَوْهُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَدْحًا لَهُ، يُفَضِّلُونَهُ بِهَا عَلَى الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ، وَيَجْعَلُونَ تَنَزُّهَ أُولَئِكَ مِنْ مِثْلِ الْأَبَاطِيلِ (¬3) عَيْبًا فِيهِمْ وَبُغْضًا، حَتَّى صَارَ (¬4) رُؤُوسُ الْبَاطِنِيَّةِ تَجْعَلُ مُنْتَهَى الْإِسْلَامِ وَغَايَتَهُ هُوَ الْإِقْرَارُ (¬5) بِرُبُوبِيَّةِ الْأَفْلَاكِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ الْأَفْلَاكِ صَانِعٌ لَهَا وَلَا خَالِقٌ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ بَاطِنَ دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ تَأْوِيلُهُ، وَأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ أَلْقَاهُ عَلِيٌّ إِلَى الْخَوَاصِّ، حَتَّى اتَّصَلَ بِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَهُوَ عِنْدَهُمُ الْقَائِمُ، وَدَوْلَتُهُ هِيَ الْقَائِمَةُ عِنْدَهُمْ، وَأَنَّهُ يَنْسَخُ مِلَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُظْهِرُ التَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِنَةَ الَّتِي يَكْتُمُهَا الَّتِي أَسَرَّهَا إِلَى عَلِيٍّ. وَصَارَ هَؤُلَاءِ يُسْقِطُونَ عَنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِهِمُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ، وَيُبِيحُونَ لَهُمُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْمُنْكَرِ (¬6) وَغَيْرِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) م: أَمْوَالِ النَّاسِ. (¬2) م: عَنْ. (¬3) ن: وَيَجْعَلُونَ تَنَزُّهَ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ الْأَبَاطِيلِ، م: وَيَجْعَلُونَ بَيْنَ أُولَئِكَ مِنْ مِثْلِ الْأَبَاطِيلِ، س: وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ الْأَبَاطِيلِ، ب: وَيَجْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الْأَبَاطِيلِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) م، س: صَارُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) م: الِاقْتِدَاءُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) ن، س: الْمُمْكِنِ، م: الْمَحْكِيِّ، ب: الْمُنْكَرِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

وَصَنَّفَ الْمُسْلِمُونَ فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ كُتُبًا مَعْرُوفَةً ; لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ إِفْسَادِهِمُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا، وَصَنَّفَ فِيهِمُ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالْغَزَالِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرَسْتَانِيُّ، وَطَوَائِفُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ. وَهُمُ الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ ظَهَرُوا بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَالْيَمَنِ وَالشَّامِ، وَمَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، كَأَصْحَابِ الْأَلَمُوتِ (¬1) وَأَمْثَالِهِمْ. وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا بِهِ دَخَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (¬2) وَأَفْسَدُوا الدِّينَ هُوَ طَرِيقُ الشِّيعَةِ ; لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَبُعْدِهِمْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا وَصَّوْا دُعَاتَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَابِ التَّشَيُّعِ، وَصَارُوا يَسْتَعِينُونَ (¬3) بِمَا عِنْدَ الشِّيعَةِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَهْوَاءِ، وَيَزِيدُونَ هُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا نَاسَبَهُمْ مِنَ الِافْتِرَاءِ، حَتَّى فَعَلُوا فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالصُّلْبَانِ، وَكَانَ حَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ دِينَ فِرْعَوْنَ، الَّذِي هُوَ شَرٌّ (¬4) مِنْ دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعُبَّادِ (¬5) الْأَصْنَامِ. وَأَوَّلُ دَعْوَتِهِمُ التَّشَيُّعُ، وَآخِرُهَا الِانْسِلَاخُ مِنَ الْإِسْلَامِ، بَلْ مِنَ الْمِلَلِ كُلِّهَا. وَمَنْ عَرَفَ أَحْوَالَ الْإِسْلَامِ، وَتَقَلُّبَ النَّاسِ فِيهِ ; فَلَا بُدَّ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ هَذَا. ¬

(¬1) انْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ عَنِ الْأَلَمُوتِ فِيمَا مَضَى 3/445. (¬2) ن، س: الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) س: يَسْتَغِيثُونَ (¬4) م: أَشَرُّ. (¬5) ن: وَعِبَادَةِ.

وَهَذَا تَصْدِيقٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: " «لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: " فَمَنْ» " (¬1) . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: " «لَتَأْخُذَنَّ أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَارِسُ وَالرُّومُ؟ قَالَ: " وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا هَؤُلَاءِ» ؟ " (¬2) . وَهَذَا بِعَيْنِهِ صَارَ فِي هَؤُلَاءِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ أَخَذُوا مِنْ مَذَاهِبِ الْفُرْسِ، وَقَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ: النُّورُ وَالظُّلْمَةُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ أُمُورًا، وَأَخَذُوا مِنْ مَذَاهِبِ الرُّومِ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ مَذْهَبِ الْيُونَانِ، وَقَوْلِهِمْ بِالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ أُمُورًا، وَمَزَجُوا هَذَا بِهَذَا، وَسَمُّوا ذَلِكَ بِاصْطِلَاحِهِمْ: السَّابِقَ وَالتَّالِيَ، وَجَعَلُوهُ هُوَ الْقَلَمَ وَاللَّوْحَ، وَأَنَّ الْقَلَمَ هُوَ الْعَقْلُ، الَّذِي يَقُولُ هَؤُلَاءِ: إِنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ، قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ. فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ. فَقَالَ: وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْكَ، فَبِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ الثَّوَابُ، وَبِكَ الْعِقَابُ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الْعَقْلِ، كَدَاوُدَ بْنِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/628 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: " لَتَتَّبِعُنَّ. . . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/365.

الْمُحَبَّرِ (¬1) وَنَحْوِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ كُذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ (¬2) ، لَكِنْ (¬3) لَمَّا وَافَقَ رَأْيَ هَؤُلَاءِ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ يُنَاقِضُ مَذْهَبَهُمْ. فَإِنَّ لَفْظَهُ " أَوَّلَ " بِالنَّصْبِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ " «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ» " أَيْ أَنَّهُ قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ خَلْقِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ خَاطَبَهُ حِينَ خَلَقَهُ، لَا أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ ; وَلِهَذَا قَالَ فِي أَثْنَائِهِ: " «مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْكَ» " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ قَبْلَهُ غَيْرَهُ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ " يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ " ¬

(¬1) س، ب: كَدَاوُدَ بْنِ الْمُحِبِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/174 بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِأَسَانِيدِهِ الْمُخْتَلِفَةِ: " هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: الْفَضْلُ رَجُلُ سُوءٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَمَّا سَيْفٌ فَكَذَّابٌ بِإِجْمَاعِهِمْ " ثُمَّ رَوَى الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ 1/175 وَقَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ثُمَّ رَوَى (1/176) عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ قَوْلَهُ: إِنَّ كِتَابَ الْعَقْلِ وَضَعَهُ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهُمْ: مَيْسَرَةُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، ثُمَّ سَرَقَهُ مِنْهُ دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ فَرَكَّبَهُ بِأَسَانِيدَ غَيْرِ أَسَانِيدِ مَيْسَرَةَ، ثُمَّ سَرَقَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ فَرَكَّبَهُ بِأَسَانِيدَ أُخَرَ، ثُمَّ سَرَقَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ فَأَتَى بِأَسَانِيدَ أُخْرَى. وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ 1/177: " وَقَدْ رُوِيَتْ فِي الْعُقُولِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَثْبُتُ ". وَانْظُرْ أَيْضًا: اللَّآلِئَ الْمَصْنُوعَةَ لِلسُّيُوطِيِّ 1/129 - 130، الْمَقَاصِدَ الْحَسَنَةَ لِلسَّخَاوِيِّ، ص [0 - 9] 18، 134 ; تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ لِابْنِ عِرَاقٍ الْكِنَانِيِّ 1/213 ; الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 476 ; تَذْكِرَةَ الْمَوْضُوعَاتِ لِلْفَتَنِيِّ، ص 29 - 30 ; كَشْفَ الْخَفَاءِ لِلْعَجْلُونِيِّ 1/236 - 237، 263، الْمَوْضُوعَاتِ لَعَلِيٍّ الْقَارِي، ص 27، 30، سِلْسِلَةَ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ لِلْأَلْبَانِيِّ 1/11. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " 2/20 عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ. وَانْظُرْ " الصَّفَدِيَّةَ " 1/238 - 239. (¬3) س، ب: وَلَكِنْ.

وَالْعَقْلُ الْأَوَّلُ (¬1) عِنْدَهُمْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ هَذَا. وَقَالَ: " «بِكَ، آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ الثَّوَابُ» " وَهَذَا الْعَقْلُ عِنْدَهُمْ (* هُوَ رَبُّ الْعَالَمِ كُلِّهِ، هُوَ الْمُبْدِعُ لَهُ كُلِّهِ، وَهُوَ مَعْلُولُ الْأَوَّلِ، لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَرْبَعَةُ أَعْرَاضٍ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ *) (¬2) مُبْدِعُ الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا: الْعُلْوِيَّةِ، وَالسُّفْلِيَّةِ، وَالْحِسِّيَّةِ (¬3) ، وَالْعَقْلِيَّةِ. وَالْعَقْلُ فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَإِمَّا قُوَّةٌ فِي النَّفْسِ (¬4) . وَأَمَّا مَصْدَرُ [الْعَقْلِ] (¬5) : عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا، وَأَمَّا الْعَاقِلُ فَلَا يُسَمَّى فِي لُغَتِهِمُ الْعَقْلَ. وَهَؤُلَاءِ فِي اصْطِلَاحِهِمُ الْعَقْلُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا، وَبَيَّنَّا حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ بِالْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، وَأَنَّ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْمُفَارَقَاتِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَرْجِعُ إِلَّا إِلَى أَمْرِ وُجُودِهَا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، إِلَّا النَّفْسَ النَّاطِقَةَ، وَقَدْ أَخْطَئُوا فِي بَعْضِ صِفَاتِهَا (¬6) . وَهَؤُلَاءِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعَالَمَ مَعْلُولٌ عِلَّةً قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً وَاجِبَةَ الْوُجُودِ، وَإِنَّ الْعَالَمَ لَازِمٌ لَهَا، لَكِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ، وَإِنَّ الْأَفْلَاكَ تَتَحَرَّكُ حَرَكَةً إِرَادِيَّةً شَوْقِيَّةً لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، وَهُوَ مُحَرِّكٌ لَهَا، كَمَا يُحَرِّكُ ¬

(¬1) الْأَوَّلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) ن، م: الْحِسِّيَّةِ. (¬4) ب: إِمَّا قُوَّةُ النَّفْسِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) الْعَقْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬6) انْظُرْ فِي هَذَا: الرِّسَالَةَ " السَّبْعِينِيَّةَ " لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، ضِمْنَ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى، نَشَرَهُ فَرَجُ اللَّهِ الْكُرْدِيُّ، مَطْبَعَةُ كُرْدِسْتَانَ الْعِلْمِيَّةُ، الْقَاهِرَةُ، 1329. وَانْظُرْ كِتَابِي: مُقَارَنَةٌ بَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ، ط. دَارِ الْقَلَمِ، الْكُوَيْتِ، 1395 1975.

الْمَحْبُوبُ الْمُتَشَبَّهُ بِهِ لِمُحِبِّهِ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُحْدِثَ لِتَصَوُّرَاتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ. فَقَوْلُهُمْ فِي حَرَكَةِ الْفَلَكِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ فِي أَفْعَالِ (¬1) الْحَيَوَانِ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: حَرَكَةُ الْفَلَكِ هِيَ سَبَبُ الْحَوَادِثِ. فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا تَحْدُثُ بِلَا مُحْدِثٍ أَصْلًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا. وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. وَهُمْ جَعَلُوا الْعِلْمَ الْأَعْلَى وَالْفَلْسَفَةَ الْأُولَى هُوَ الْعِلْمَ الْبَاطِنَ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ، وَقَسَّمُوا الْوُجُودَ إِلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، ثُمَّ قَسَّمُوا الْأَعْرَاضَ إِلَى تِسْعَةِ أَجْنَاسٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا إِلَى خَمْسَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ لَهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَصْرِ. وَقَسَّمُوا الْجَوَاهِرَ (¬2) إِلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ: الْعَقْلُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَادَّةُ، وَالصُّورَةُ، وَالْجِسْمُ. وَوَاجِبُ الْوُجُودِ تَارَةً يُسَمُّونَهُ جَوْهَرًا، وَهُوَ قَوْلُ قُدَمَائِهِمْ كَأَرِسْطُو وَغَيْرِهِ، وَتَارَةً لَا يُسَمُّونَهُ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ سِينَا. وَكَانَ قُدَمَاءُ الْقَوْمِ يَتَصَوَّرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أُمُورًا عَقْلِيَّةً، فَيَظُنُّونَهَا ثَابِتَةً فِي الْخَارِجِ، كَمَا يُحْكَى عَنْ شِيعَةِ فِيثَاغُورْسَ وَأَفْلَاطُونَ (¬3) ، وَأَنَّ أُولَئِكَ أَثْبَتُوا أَعْدَادًا مُجَرَّدَةً فِي الْخَارِجِ، وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّةَ، وَهِيَ الْكُلِّيَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الْأَعْيَانِ، وَأَثْبَتُوا الْمَادَّةَ الْمُجَرَّدَةَ، وَهِيَ الْهَيُولَى الْأَوَّلِيَّةُ، وَأَثْبَتُوا الْمُدَّةَ ¬

(¬1) س، ب: أَحْوَالِ. (¬2) م: الْجَوْهَرَ. (¬3) ن، س: وَأَفْلَاطِنَ.

الْمُجَرَّدَةَ، وَهِيَ الدَّهْرُ الْعَقْلِيُّ الْمُجَرَّدُ عَنِ الْجِسْمِ وَأَعْرَاضِهِ، وَأَثْبَتُوا الْفَضَاءَ (¬1) الْمُجَرَّدَ عَنِ الْجِسْمِ وَأَعْرَاضِهِ. وَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ خَالَفُوا سَلَفَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُثْبِتُوا مِنْ هَذِهِ شَيْئًا مُجَرَّدًا، وَلَكِنْ أَثْبَتُوا الْمَادَّةَ الْمُقَارِنَةَ لِلصُّورَةِ، وَأَثْبَتُوا الْكُلِّيَّاتِ الْمُقَارِنَةَ لِلْأَعْيَانِ، وَأَثْبَتُوا الْعُقُولَ الْعَشَرَةَ. وَأَمَّا النَّفْسُ الْفَلَكِيَّةُ فَأَكْثَرُهُمْ يَجْعَلُهَا قُوَّةً جُسْمَانِيَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هِيَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ. وَلَفْظُ " الصُّورَةِ " يُرِيدُونَ بِهِ تَارَةً مَا هُوَ عَرَضٌ، كَالصُّورَةِ الصِّنَاعِيَّةِ، مِثْلَ شَكْلِ السَّرِيرِ وَالْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ، وَهَذِهِ عَرَضٌ قَائِمٌ بِمَحَلِّهِ (¬2) ، وَالْمَادَّةُ هَنَا جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ. وَيُرِيدُونَ بِالصُّورَةِ تَارَةً الصُّورَةَ الطَّبِيعِيَّةَ، وَبِالْمَادَّةِ الْمَادَّةَ (¬3) الطَّبِيعِيَّةَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَيَوَانَ وَالْمَعَادِنَ وَالنَّبَاتَ (¬4) لَهَا صُورَةٌ هِيَ خُلِقَتْ مِنْ مَوَادَّ، لَكِنْ [يَعْنُونَ] (¬5) بِالصُّورَةِ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَبِالْمَادَّةِ جَوْهَرًا آخَرَ مُقَارِنًا لِهَذِهِ. وَآخَرُونَ فِي مُقَابَلَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، الْقَائِلِينَ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَا ثَمَّ مِنْ حَادِثٍ يُعْلَمُ حُدُوثُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ إِلَّا الْأَعْرَاضَ، وَأَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ حُدُوثَ جَوْهَرٍ مِنَ الْجَوَاهِرِ. ¬

(¬1) ن، م، س: الْقَضَاءَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا إِثْبَاتُ الْخَلَاءِ أَوِ الْمَكَانِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الْجِسْمِ. (¬2) م: بِنَفْسِهِ. (¬3) الْمَادَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) ب: وَالنَّبَاتَاتِ. (¬5) يَعْنُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ، خَطَأٌ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ يُرَادُ بِالْمَادَّةِ الْمَادَّةُ الْكُلِّيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ، وَبِالصُّورَةِ (¬1) الصُّورَةُ الْكُلِّيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ كِلَيْهِمَا جَوْهَرٌ عَقْلِيٌّ، وَهُوَ غَلَطٌ ; فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَجْسَامِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ، وَالْكُلِّيَّاتُ لَا تُوجَدُ كُلِّيَّاتٍ (¬2) إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَكُلُّ مَا وُجِدَ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ مُمَيَّزٌ بِنَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ، لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، إِلَّا فِي الذِّهْنِ إِذَا أُخِذَ كُلِّيًّا. وَالْأَجْسَامُ يَعْرِضُ لَهَا الِاتِّصَالُ وَالِانْفِصَالُ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ، وَهُمَا مِنَ الْأَعْرَاضِ، لَيْسَ الِانْفِصَالُ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، كَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ لَيْسَتْ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، غَيْرَ الْجِسْمِ الْمَحْسُوسِ يَرِدُ عَلَيْهِ الِاتِّصَالُ وَالِانْفِصَالُ، وَيُسَمُّونَهُ الْهَيُولَى وَالْمَادَّةَ، وَهَذَا وَغَيْرُهُ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬3) . وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ مَا يَقُولُونَ وَمَا يَقُولُ غَيْرُهُمْ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، حَتَّى يَعْرِفُوا مَا فِيهِ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ ; فَيَعْلَمُونَ هَلْ هُمْ مُوَافِقُونَ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، أَوْ هُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ. وَمَنْ أَرَادَ التَّظَاهُرَ بِالْإِسْلَامِ مِنْهُمْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْعِبَارَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَيُعَبِّرُ عَنِ الْجِسْمِ بِعَالَمِ الْمَلَكِ، وَعَنِ النَّفْسِ بِعَالَمِ الْمَلَكُوتِ، وَعَنِ الْعَقْلِ بِعَالَمِ الْجَبَرُوتِ، أَوْ بِالْعَكْسِ. وَيَقُولُونَ إِنَّ الْعُقُولَ وَالنُّفُوسَ هِيَ الْمَلَائِكَةُ، ¬

(¬1) ن، م، س: وَالصُّورَةِ. (¬2) ن، م: كَلِمَاتٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) انْظُرْ مَثَلًا: كِتَابَ " الصَّفَدِيَّةِ " وَكِتَابَ " دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ " وَكِتَابَ " الرَّدِّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ ".

وَقَدْ يَجْعَلُونَ قُوَى النَّفْسِ الَّتِي تَقْتَضِي فِعْلَ الْخَيْرِ هِيَ الْمَلَائِكَةَ، وَقُوَاهَا الَّتِي تَقْتَضِي الشَّرَّ هِيَ الشَّيَاطِينَ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَى الرُّسُلِ، وَالْكَلَامَ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ إِنَّمَا هُوَ فِي نُفُوسِ الْأَنْبِيَاءِ، لَيْسَ فِي الْخَارِجِ، بِمَنْزِلَةِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، وَمَا يَحْصُلُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمَمْرُورِينَ (¬1) وَأَصْحَابِ الرِّيَاضَةِ ; حَيْثُ يَتَخَيَّلُ فِي نَفْسِهِ أَشْكَالًا نُورَانِيَّةً، وَيَسْمَعُ فِي نَفْسِهِ أَصْوَاتًا، فَتِلْكَ هِيَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، وَذَلِكَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، لَيْسَ لَهُ كَلَامٌ مُنْفَصِلٌ. وَلِهَذَا يَدَّعِي أَحَدُهُمْ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ كَمَا كَلَّمَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، أَوْ أَعْظَمَ مِمَّا كَلَّمَ مُوسَى ; لِأَنَّ مُوسَى كُلِّمَ عِنْدَهُمْ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ فِي نَفْسِهِ، وَهُمْ يُكَلَّمُونَ بِالْمَعَانِي الْمُجَرَّدَةِ الْعَقْلِيَّةِ. وَصَاحِبُ " مِشْكَاةِ الْأَنْوَارِ " وَ " الْكُتُبِ الْمُضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا " (¬2) وَقَعَ فِي كَلَامِهِ قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَقَدْ كَفَّرَهُمْ بِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى مُطَالَعَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنْ هُنَا سَلَكَ صَاحِبُ " خَلْعِ النَّعْلَيْنِ " ابْنُ قَسِيٍّ (¬3) وَأَمْثَالُهُ، وَكَذَلِكَ ¬

(¬1) ن، س، ب: الْمَمْرُوزِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَالْمَرَارَةُ: الَّتِي فِيهَا الْمِرَّةُ. وَالْمِرَّةُ: إِحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ. ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمِرَّةُ مِزَاجٌ مِنْ أَمْزِجَةِ الْبَدَنِ. . . وَالْمَمْرُورُ الَّذِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْمِرَّةُ " وَيَقُولُ ابْنُ سِينَا فِي " الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ " 3، 4/871 - 872: " وَقَدْ يُشَاهِدُ قَوْمٌ مِنَ الْمَرْضَى وَالْمَمْرُورِينَ صُوَرًا مَحْسُوسَةً ظَاهِرَةً حَاضِرَةً، وَلَا نِسْبَةَ لَهَا إِلَى مَحْسُوسٍ خَارِجٍ، فَيَكُونُ انْتِقَاشُهَا إِذَنْ مِنْ سَبَبٍ بَاطِنٍ أَوْ سَبَبٍ مُؤَثِّرٍ فِي سَبَبٍ بَاطِنٍ ". (¬2) وَهُوَ الْغَزَالِيُّ. (¬3) هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قَسِيٍّ، رُومِيُّ الْأَصْلِ، مِنْ بَادِيَةِ شِلْبَ، اسْتَعْرَبَ وَتَأَدَّبَ وَقَالَ الشِّعْرَ، ثُمَّ عَكَفَ عَلَى الْوَعْظِ وَكَثُرَ مُرِيدُوهُ، فَادَّعَى أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ وَتَسَمَّى بِالْإِمَامِ. ثَارَ عَلَى دَوْلَةِ الْمُلَثَّمِينَ وَاشْتَرَكَ فِي الْأَحْدَاثِ السِّيَاسِيَّةِ إِلَى أَنْ قُتِلَ سَنَةَ 546 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْحُلَّةِ السِّيَرَاءِ، ص. 199 - 203، الْأَعْلَامِ 1/113 - 114. وَكِتَابِهِ " خَلْعِ النَّعْلَيْنِ " طُبِعَ بِبَيْرُوتَ.

ابْنُ عَرَبِيٍّ صَاحِبُ " فُصُوصِ الْحِكَمِ " وَ " الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ " ; وَلِهَذَا ادَّعَى أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَلَكُ، الَّذِي يُوحَى بِهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَالنَّبِيُّ عِنْدَهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَلَكِ الَّذِي يُوحَى بِهِ إِلَى الرُّسُلِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ عِنْدَهُ يَأْخُذُ مِنَ الْخَيَالَاتِ الَّتِي تَمَثَّلَتْ فِي نَفْسِهِ لَمَّا صُوِّرَتْ لَهُ الْمَعَانِي (¬1) الْعَقْلِيَّةُ فِي الصُّوَرِ (¬2) الْخَيَالِيَّةِ، وَتِلْكَ الصُّوَرُ (¬3) عِنْدَهُ هِيَ الْمَلَائِكَةُ، وَهِيَ بِزَعْمِهِ تَأْخُذُ عَنْ عَقْلِهِ الْمُجَرَّدِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ خَيَالًا ; وَلِهَذَا يُفَضِّلُ الْوِلَايَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَيَقُولُ: مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ يَأْخُذُ عَنِ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَنْ عَقْلِهِ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ الْأَخْذُ عَنِ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ (¬4) ; إِذْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةٌ مُنْفَصِلَةٌ تَنْزِلُ بِالْوَحْيِ (¬5) ، وَالرَّبُّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ هُوَ مَوْجُودًا مُبَايِنًا ¬

(¬1) ن، س: وَالْمَعَانِي. (¬2) س، ب: الصُّورَةِ. (¬3) ب: الصُّورَةُ. (¬4) فِي هَامِشِ (س) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ مَا يَلِي: " تَنَبَّهْ لِهَذَا التَّقْرِيرِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ سَحْقَاتِ (لَعَلَّهَا: سَخَافَاتِ) الْعُقُولِ، فَقَدْ قَالَ فِي الْقَصِيدَةِ الْمَشْهُورَةِ: وَمَنْ سَاوَى وَلِيًّا مَعْ نَبِيٍّ: نُكَفِّرْهُ بِذَا الْكَلِمِ اللِّحَابِ فَمَا بَالُكَ إِذَا فَضَّلَ الْوَلِيَّ عَلَى النَّبِيِّ! اهـ. مِنْ هَامِشِ الْأَصْلِ ". (¬5) ن، س، ب: تُنْزِلُ الْوَحْيَ.

لِلْمَخْلُوقَاتِ، بَلْ هُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ، أَوْ مَشْرُوطٌ بِنَفْيِ (¬1) الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ عَنِ اللَّهِ، أَوْ نَفْيِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ، وَقَدْ يَقُولُونَ: هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ، أَوْ حَالٌّ فِيهَا، أَوْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا. فَهَذَا عِنْدَهُمْ غَايَةُ كُلِّ رَسُولٍ وَنَبِيٍّ (¬2) : النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمُ الْأَخْذُ عَنِ الْقُوَّةِ الْمُتَخَيَّلَةِ الَّتِي صَوَّرَتِ الْمَعَانِيَ الْعَقْلِيَّةَ فِي الْمُثُلِ الْخَيَالِيَّةِ، وَيُسَمُّونَهَا الْقُوَّةَ الْقُدْسِيَّةَ ; فَلِهَذَا جَعَلُوا الْوِلَايَةَ فَوْقَ النُّبُوَّةِ. وَهَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ ظَهَرُوا فِي قَالَبِ التَّصَوُّفِ وَالتَّنَسُّكِ وَدَعْوَى التَّحْقِيقِ وَالتَّأَلُّهِ (¬3) ، وَأُولَئِكَ ظَهَرُوا فِي قَالَبِ التَّشَيُّعِ وَالْمُوَالَاةِ، فَأُولَئِكَ يُعَظِّمُونَ شُيُوخَهُمْ حَتَّى يَجْعَلُوهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ يُعَظِّمُونَ الْوِلَايَةَ حَتَّى يَجْعَلُوهَا أَفْضَلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهَؤُلَاءِ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ الْإِمَامَةِ، حَتَّى قَدْ يَجْعَلُونَ الْأَئِمَّةَ أَعْظَمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْإِمَامَ أَعْظَمَ مِنَ النَّبِيِّ، كَمَا يَقُولُهُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ. وَكِلَاهُمَا أَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ (¬4) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ النَّبِيَّ فَيْلَسُوفًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَخْتَصُّ بِقُوَّةٍ قُدْسِيَّةٍ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُفَضِّلُ النَّبِيَّ عَلَى الْفَيْلَسُوفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَضِّلُ الْفَيْلَسُوفَ عَلَى النَّبِيِّ. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ النُّبُوَّةَ ¬

(¬1) ن: يَنْفِي. (¬2) ب: وَمَبْنًى. (¬3) ن: وَالتَّأَلُّهِ وَذَلِكَ، س، ب: وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. (¬4) ن: وَكِلَاهُمَا يُبَاطِنَا الْفَلَاسِفَةَ، س، ب: وَكِلَاهُمَا يُبَاطِنَانِ الْفَلَاسِفَةَ، م: وَكِلَاهُمْ أَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ مِنْ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ مِثْلَ ابْنِ سِينَا وَابْنِ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِهِمَا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا. . إِلَخْ.

مُكْتَسَبَةٌ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ (¬1) : إِنَّ النُّبُوَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِ صِفَاتٍ، مَنْ حَصَلَتْ لَهُ فَهُوَ نَبِيٌّ: أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ قُدْسِيَّةٌ حَدْسِيَّةٌ يَنَالُ بِهَا الْعِلْمَ بِلَا تَعَلُّمٍ، وَأَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ قَوِيَّةً لَهَا تَأْثِيرٌ فِي هَيُولَى الْعَالَمِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ يَتَخَيَّلُ بِهَا مَا يَعْقِلُهُ، وَمَرْئِيًّا فِي نَفْسِهِ، وَمَسْمُوعًا فِي نَفْسِهِ. هَذَا كَلَامُ ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ فِي النُّبُوَّةِ، وَعَنْهُ أَخَذَ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ " الْمُضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا ". وَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرُوهُ يَحْصُلُ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ نَبِيًّا، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَؤُلَاءِ قَالُوا هَذَا لَمَّا احْتَاجُوا إِلَى الْكَلَامِ (¬2) فِي النُّبُوَّةِ عَلَى أُصُولِ سَلَفِهِمُ الدَّهْرِيَّةِ، الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْأَفْلَاكَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ، لَا مُفْعُولَةٌ لِفَاعِلٍ بِقُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَأَنْكَرُوا عِلْمَهُ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ ; فَتَكَلَّمَ هَؤُلَاءِ فِي النُّبُوَّةِ عَلَى أُصُولِ أُولَئِكَ. وَأَمَّا الْقُدَمَاءُ - أَرِسْطُو وَأَمْثَالُهُ - فَلَيْسَ لَهُمْ فِي النُّبُوَّةِ كَلَامٌ مُحَصَّلٌ. وَالْوَاحِدُ (¬3) مِنْ هَؤُلَاءِ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، كَمَا كَانَ السُّهْرَوَرْدِيُّ الْمَقْتُولُ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ النَّظَرِ وَالتَّأَلُّهِ، وَسَلَكَ نَحْوًا مِنْ مَسْلَكِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَجَمَعَ بَيْنَ فَلْسَفَةِ الْفُرْسِ وَالْيُونَانِ، وَعَظَّمَ أَمْرَ الْأَنْوَارِ، وَقَرَّبَ دِينَ الْمَجُوسِ الْأَوَّلَ، وَهِيَ نُسْخَةُ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَكَانَ لَهُ ¬

(¬1) س، ب: وَيَقُولُونَ. . (¬2) س، ب: فِي الْكَلَامِ. (¬3) ن، س، ب: فَالْوَاحِدُ.

يَدٌ فِي السِّحْرِ وَالسِّيمِيَاءِ، فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الزَّنْدَقَةِ بِحَلَبَ فِي زَمَنِ صَلَاحِ الدِّينِ. وَكَذَلِكَ ابْنُ سَبْعِينَ، الَّذِي جَاءَ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، وَجَدَّدَ غَارَ حِرَاءٍ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَقَدْ ذَرِبَ ابْنُ آمِنَةَ (¬1) حَيْثُ قَالَ: " «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ". ب وَكَانَ بَارِعًا فِي الْفَلْسَفَةِ، وَفِي تَصَوُّفِ الْمُتَفَلْسِفَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَهُوَ، وَابْنُ عَرَبِيٍّ، وَأَمْثَالُهُمَا كَالصَّدْرِ الْقُونَوِيِّ، وَابْنِ الْفَارِضِ، وَالتِّلِمْسَانِيِّ: مُنْتَهَى أَمْرِهِمُ الْقَوْلُ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، وَأَنَّ الْوُجُودَ (¬2) الْوَاجِبَ الْقَدِيمَ الْخَالِقَ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ الْمُحْدَثُ الْمَخْلُوقُ، مَا ثَمَّ لَا غَيْرُ (¬3) وَلَا سِوَى، لَكِنْ لَمَّا رَأَوْا تَعَدُّدَ الْمَخْلُوقَاتِ صَارُوا تَارَةً يَقُولُونَ: مَظَاهِرُ وَمَجَالِي. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: فَإِنْ كَانَتِ الْمَظَاهِرُ أَمْرًا وُجُودِيًّا تَعَدَّدَ (¬4) الْوُجُودُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ. وَمَا هُوَ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ، الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّ الْوُجُودَ نَوْعَانِ خَالِقٌ وَمَخْلُوقٌ. قَالُوا: نَحْنُ نُثْبِتُ عِنْدَنَا فِي الْكَشْفِ مَا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْعَقْلِ، وَمَنْ ¬

(¬1) ن،] ، ب: لَقَدْ رَرِبَ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) ، م لَقَدْ تَرَدَّبَ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) الرَّامِيَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. وَفِي " اللِّسَانِ ": وَقِيلَ: الذَّرِبُ اللِّسَانِ: الشَّتَّامُ الْفَاحِشُ " (¬2) عِبَارَةُ " وَأَنَّ الْوُجُودَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) م: لَا غَيْرُهُ. (¬4) ن: بِعَدَدٍ. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) .

أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحَقِّقًا مِثْلَنَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَلْتَزِمَ (¬1) الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَأَنَّ الْجِسْمَ الْوَاحِدَ يَكُونُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَكْثُرُونَ فِي الدُّوَلِ الْجَاهِلِيَّةِ (¬2) ، وَعَامَّتُهُمْ تَمِيلُ إِلَى التَّشَيُّعِ، كَمَا عَلَيْهِ ابْنُ عَرَبِيٍّ، وَابْنُ سَبْعِينَ وَأَمْثَالُهُمَا ; فَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى كَشْفِ حَقَائِقِ هَؤُلَاءِ، وَبَيَانِ أُمُورِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ إِشَارَاتِهِمْ، فَلَمَّا يَسَّرَ اللَّهُ أَنِّي بَيَّنْتُ لَهُمْ حَقَائِقَهُمْ، وَكَتَبْتُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ مَا عَلِمُوا بِهِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْقِيقُ قَوْلِهِمْ، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ بُطْلَانُهُ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ وَالنَّقْلِ الصَّحِيحِ وَالْكَشْفِ الْمُطَابِقِ، رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ (¬3) وَفُضَلَائِهِمْ مَنْ رَجَعَ، وَأَخَذَ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ لِلنَّاسِ تَنَاقُضَهُمْ، وَيَرُدُّونَهُمْ إِلَى الْحَقِّ (¬4) . وَكَانَ مِنْ أُصُولِ ضَلَالِهِمْ (¬5) ظَنُّهُمْ أَنَّ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ، إِمَّا: مُطْلَقٌ لَا بِشَرْطٍ (¬6) ، (* وَإِمَّا مُطْلَقٌ بِشَرْطٍ، فَالْمُطْلَقُ لَا ¬

(¬1) م: يَلْزَمَ. (¬2) ب: الْجَاهِلَةِ. (¬3) م: أَعْيَانِهِمْ، ن: عَيَايِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، س: وَبُرُودَتَهُمْ مِنَ الْحَقِّ، ب: وَبَرَاءَتَهُمْ مِنَ الْحَقِّ: م وَيَرُدُّونَهُمْ مِنَ الْحَقِّ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬5) م: إِضْلَالِهِمْ. (¬6) ن، س، ب: إِمَّا مَعْلُولًا بِشَرْطٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) .

بِشَرْطٍ *) (¬1) الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ، إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ: فَإِنَّ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُقَيَّدًا مُعَيَّنًا هُوَ مُطْلَقٌ فِي الذِّهْنِ، مُقَيَّدٌ فِي الْخَارِجِ. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الذِّهْنِ (¬2) شَيْئًا مُطْلَقًا وَهُوَ مُطْلَقٌ حَالَ تَحَقُّقِهِ فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ غَالِطٌ غَلَطًا ضَلَّ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ. وَأَمَّا الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ فَهُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ جَمِيعِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ، كَمَا يُوجَدُ الْإِنْسَانُ مُجَرَّدًا عَنْ كُلِّ قَيْدٍ. فَإِذَا قُلْتَ: مَوْجُودٌ أَوْ مَعْدُومٌ، أَوْ وَاحِدٌ أَوْ كَثِيرٌ، أَوْ فِي الذِّهْنِ أَوْ فِي الْخَارِجِ - كَانَ ذَلِكَ قَيْدًا زَائِدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُطْلَقَةِ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ. وَهَكَذَا الْوُجُودُ تَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ كُلِّ قَيْدٍ ثُبُوتِيٍّ وَسَلْبِيٍّ، فَلَا تَصِفُهُ، لَا بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَلَا الثُّبُوتِيَّةِ. وَهَذَا (¬3) هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ، كَأَبِي يَعْقُوبَ السِّجِسْتَانِيِّ صَاحِبِ " الْأَقَالِيدِ الْمَلَكُوتِيَّةِ " وَأَمْثَالِهِ. لَكِنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يَعْرِفُ: يَرْفَعُ (¬4) النَّقِيضَيْنِ، فَيَقُولُ: لَا مَوْجُودَ وَلَا مَعْدُومَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ أُمْسِكُ عَنْ إِثْبَاتِ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ، فَلَا أَقُولُ: مَوْجُودٌ وَلَا مَعْدُومٌ (¬5) ، كَأَبِي يَعْقُوبَ، وَهُوَ مُنْتَهَى تَجْرِيدِ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ. ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ن، م: فِي الْخَارِجِ. وَفِي (س) فِي الْأَصْلِ: فِي الْخَارِجِ، وَكُتِبَ فِي الْهَامِشِ: لَعَلَّهُ: فِي الذِّهْنِ. (¬3) س، ب: وَهَكَذَا. (¬4) ن، س: مَنْ لَا يَعْرِفُ يَرْفَعُ، م: مَنْ لَا يَرْفَعُ، ب: مَنْ لَا يُعْرَفُ بِرَفْعِ. (¬5) (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (م) .

وَابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ يَقُولُونَ: الْوُجُودُ الْوَاجِبُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ دُونَ السَّلْبِيَّةِ، وَهَذَا أَبْعَدُ عَنِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ مِنَ الْمُقَيَّدِ بِسَلْبِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ. فَقُلْتُ لِأُولَئِكَ الْمُدَّعِينَ لِلتَّحْقِيقِ: أَنْتُمْ بَنَيْتُمْ أَمْرَكُمْ عَلَى الْقَوَانِينِ الْمَنْطِقِيَّةِ، وَهَذَا الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ النَّقِيضَيْنِ عَنْهُ، لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ (* بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ تَقْدِيرًا، وَإِلَّا فَإِذَا قَدَّرْنَا إِنْسَانًا مُطْلَقًا، وَاشْتَرَطْنَا فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْجُودًا وَلَا مَعْدُومًا، وَلَا وَاحِدًا وَلَا كَثِيرًا، لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَارِجِ، بَلْ نَفْرِضُ فِي الذِّهْنِ، كَمَا نَفْرِضُ الْجَمْعَ بَيْنَ *) (¬1) النَّقِيضَيْنِ، فَفَرْضُ رَفْعِ (¬2) النَّقِيضَيْنِ كَفَرْضِ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَلِهَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ تَارَةً يَصِفُونَهُ بِجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ أَوِ الْإِمْسَاكِ عَنْهُمَا، كَمَا يَفْعَلُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا (¬3) ، وَتَارَةً يَجْمَعُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، كَمَا يُوجَدُ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَصْحَابِ " الْبِطَاقَةِ " وَغَيْرِهِمْ. فَإِذَا قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّهُ مُبْدِعُ الْعَالَمِ، وَشَرَطُوا فِيهِ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِثُبُوتٍ وَلَا انْتِفَاءٍ (¬4) - كَانَ تَنَاقُضًا ; فَإِنَّ كَوْنَهُ مُبْدِعًا لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا وَهَذَا. وَكَذَلِكَ إِذَا قَالُوا مَوْجُودٌ وَاجِبٌ، وَشَرَطُوا فِيهِ التَّجْرِيدَ عَنِ النَّقِيضَيْنِ - كَانَ تَنَاقُضًا. ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) رَفْعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) م: بِكَثْرَةٍ. (¬4) م: بِثُبُوتِ الِانْتِفَاءِ.

وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: مَوْجُودٌ لَا مَوْجُودٌ، وَوَاجِبٌ لَا وَاجِبٌ، وَهَذَا مُنْتَهَى أَمْرِهِمْ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ رَفْعُ النَّقِيضَيْنِ. وَلِهَذَا يَصِيرُونَ إِلَى الْحَيْرَةِ وَيُعَظِّمُونَهَا، وَهِيَ عِنْدَهُمْ مُنْتَهَى مَعْرِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالْأَئِمَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ. وَمِنْ أُصُولِ ضَلَالِهِمْ ظَنُّهُمْ أَنَّ هَذَا تَنْزِيهٌ عَنِ التَّشْبِيهِ، وَأَنَّهُمْ مَتَى وَصَفُوا بِصِفَةِ إِثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ كَانَ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِذَلِكَ. وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ التَّشْبِيهَ الْمَنْفِيَّ عَنِ اللَّهِ هُوَ مَا كَانَ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ، أَوْ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ; بِحَيْثُ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُمْ، أَوْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا. فَإِنَّ هَذَا هُوَ التَّمْثِيلُ الْمُمْتَنِعُ الْمَنْفِيُّ بِالْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ، فَيَمْتَنِعُ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ (¬1) ، وَيَمْتَنِعُ مُمَاثَلَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَهَذَانِ جُمَّاعٌ لِمَا يُنَزَّهُ الرَّبُّ تَعَالَى عَنْهُ، كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. وَعَلَى هَذَا وَهَذَا دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سُورَةُ الْإِخْلَاصِ] ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الشَّوَاهِدِ (¬2) . فَأَمَّا الْمُوَافَقَةُ فِي الِاسْمِ، كَحَيٍّ وَحَيٍّ، وَمَوْجُودٍ وَمَوْجُودٍ، وَعَلِيمٍ وَعَلِيمٍ - فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَلْزَمُ مَنْ نَفَى هَذَا التَّعْطِيلُ الْمَحْضُ ; فَإِنَّ كُلَّ ¬

(¬1) م: النَّقَائِضِ. (¬2) وَهُوَ كِتَابُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَطُبِعَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ.

مَوْجُودَيْنِ قَائِمَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا، فَحِينَئِذٍ (¬1) لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَهُمَا اسْمٌ عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى عَامٍّ (¬2) ، لَكِنَّ الْمَعْنَى الْعَامَّ (¬3) لَا يُوجَدُ عَامًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا (¬4) فِي الْخَارِجِ. فَإِذَا قِيلَ: هَذَا الْمَوْجُودُ وَهَذَا الْمَوْجُودُ مُشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، كَانَ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ لَا يُوجَدُ مُشْتَرَكًا إِلَّا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ (¬5) ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ فَهُوَ يَخْتَصُّ بِنَفْسِهِ وَصِفَاتِ نَفْسِهِ، لَا يَشْرَكُهُ غَيْرُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا الِاشْتِرَاكُ هُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّشَابُهِ وَالِاتِّفَاقِ، وَالْمُشْتَرَكُ فِيهِ الْكُلِّيُّ لَا يُوجَدُ كَذَلِكَ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْخَارِجِ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا مُتَمَيِّزًا عَنْ نَظِيرِهِ، لَا يَكُونُ هُوَ إِيَّاهُ، وَلَا هُمَا فِي الْخَارِجِ، مُشْتَرِكَانِ فِي شَيْءٍ فِي الْخَارِجِ. فَاسْمُ الْخَالِقِ إِذَا وَافَقَ اسْمَ الْمَخْلُوقِ، كَالْمَوْجُودِ وَالْحَيِّ - وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الِاسْمَ عَامٌّ كُلِّيٌّ، وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ أَوِ الْمُشَكِّكَةِ (¬6) - لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ قَدْ شَارَكَهُ فِيهِ الْمَخْلُوقُ، بَلْ وَلَا يَكُونُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ أَحَدُ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ قَدْ شَارَكَهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ آخَرُ، بَلْ وُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ ¬

(¬1) ن: وَحِينَ، س: وَحِينَئِذٍ، م: وَيُعْتَبَرُ. (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬3) م، س، ب: الْقَائِمَ. (¬4) م: وَلَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) م: لَا فِي الذِّهْنِ وَلَا فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) م: وَمِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ وَالْمُشْكِلَةِ. . .، ن: وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ أَوِ الْمُشْكِلَةِ.

وَوُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ، لَكِنْ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ قَدْ يُمَاثِلُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ، وَيَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ. وَأَمَّا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ، بَلِ التَّبَايُنُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خَلْقِهِ فِي صِفَاتِهِ، أَعْظَمُ مِنَ التَّبَايُنِ الَّذِي بَيْنَ أَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَحْقَرِهَا. وَأَمَّا الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْعَامُّ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ، فَذَاكَ - كَمَا ذَكَرْنَا - لَا يُوجَدُ كُلِّيًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ. وَإِذَا كَانَ الْمُتَّصِفَانِ بِهِ بَيْنَهُمَا نَوْعُ مُوَافَقَةٍ وَمُشَارَكَةٍ وَمُشَابَهَةٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَذَاكَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ ; فَإِنَّهُ (¬1) مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَامْتِنَاعٍ فَإِنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِهِ، فَالْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ، أَوِ الْعَلِيمُ أَوِ الْحَيُّ، مَهْمَا قِيلَ: إِنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ وُجُوبٍ وَامْتِنَاعٍ وَجَوَازٍ، فَاللَّهُ مَوْصُوفٌ بِهِ، بِخِلَافِ وُجُودِ الْمَخْلُوقِ وَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَاسْتِحَالَةٍ، كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يُوصَفُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الرَّبُّ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَاسْتِحَالَةٍ. فَمَنْ فَهِمَ هَذَا انْحَلَّتْ عَنْهُ إِشْكَالَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَعْثُرُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَذْكِيَاءِ، النَّاظِرِينَ فِي الْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، فَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْوُجُودِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ أَكْمَلُهَا فِي التَّعْطِيلِ وَالْإِلْحَادِ. وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ: إِنَّهُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ (* بِالْقُيُودِ السَّلْبِيَّةِ ¬

(¬1) ب: فَإِنَّ.

لَا الثُّبُوتِيَّةِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ *) (¬1) تَارَةً (¬2) لَا يَعْرِضُ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ، كَمَا يُعَبِّرُ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ. وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ - بِنَاءًا عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْوُجُودَ يَعْرِضُ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُمْكِنَةِ. فَإِنَّ لِلنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: قِيلَ: إِنَّ الْوُجُودَ زَائِدٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فِي الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الرَّازِيِّ، وَقَدْ يَقُولُهُ بَعْضُ النُّظَّارِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: بَلِ الْوُجُودُ فِي الْخَارِجِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الثَّابِتَةُ فِي الْخَارِجِ، لَيْسَ هُنَاكَ شَيْئَانِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ النُّظَّارِ مِنْ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنْ ظَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَالرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَنَحْوُهُمْ أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: إِنَّ لَفْظَ الْوُجُودِ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَنَقَلُوا ذَلِكَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ هُمْ جَمَاهِيرُ الْخَلْقِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ لَفْظَ " الْوُجُودِ " مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، إِلَّا طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إِلَى قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ، وَاسْمُ الْوُجُودِ يَعُمُّهُمَا. لَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ يَنْفِي الْأَحْوَالَ، وَيَقُولُ: الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ يَعُودُ إِلَى الْأَقْوَالِ، وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ مَعْنًى كُلِّيٌّ عَامٌّ، لَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنَّ الذِّهْنَ لَا يَقُومُ بِهِ مَعْنًى عَامٌّ كُلِّيٌّ. ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ب: بِأَنْ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ مَنْ قَالَ: وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ نَفْسُ حَقِيقَتِهِ الْمَوْجُودَةِ، إِنَّمَا هَذَا هُوَ قَوْلٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا جَعَلْنَا الْوُجُودَ عَامًّا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ، أَوِ الْمُتَفَاضِلَةِ (¬1) الَّتِي تُسَمَّى الْمُشَكِّكَةَ، وَقُلْنَا: إِنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَقَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ، كَانَ النَّوْعَانِ قَدِ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، وَهُوَ كُلِّيٌّ مُطْلَقٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ ; فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ غَيْرُ الْوُجُودِ. فَمَنْ قَالَ إِنَّ الشَّيْءَ الْمَوْجُودَ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ الْحَقِيقَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ: لَفْظُ الْوُجُودِ يَعُمُّهُمَا، بَلْ يَقُولُ: هُوَ مَقُولٌ عَلَيْهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ. وَهَذَا غَلَطٌ ضَلَّتْ فِيهِ طَوَائِفُ، كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ. بَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَفْظُ الْوُجُودِ كَلَفْظِ الْحَقِيقَةِ، وَكَلَفْظِ الْمَاهِيَّةِ، وَكَلَفْظِ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ، فَإِذَا قُلْتُمْ: الْوُجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، أَوْ قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ - كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكُمْ: الْحَقِيقَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبَةٍ وَمُمْكِنَةٍ، أَوْ إِلَى قَدِيمَةٍ وَمُحْدَثَةٍ، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: الذَّاتُ تَنْقَسِمُ إِلَى هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، وَالْمَاهِيَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى هَذَا وَهَذَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: الشَّيْءُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَقَدِيمٍ وَحَادِثٍ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قُلْتُمْ: يَشْتَرِكَانِ فِي الْوُجُودِ أَوِ الْوُجُوبِ (¬2) ، وَيَمْتَازُ أَحَدُهُمَا ¬

(¬1) م: وَالْمُتَفَاضِلَةِ. (¬2) م: فِي الْوُجُودِ وَالْوَاجِبِ.

عَنِ الْآخَرِ بِالْحَقِيقَةِ أَوِ الْمَاهِيَّةِ (¬1) - كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَاهِيَّةِ أَوِ الْحَقِيقَةِ (¬2) ، وَيَمْتَازُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِالْوُجُودِ أَوِ الْوُجُوبِ (¬3) . فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّمَا اشْتَرَكَا فِي الْوُجُودِ الْعَامِّ الْكُلِّيِّ، وَامْتَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحَقِيقَةِ الَّتِي تَخُصُّهُ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ يُقَالُ: إِنَّمَا اشْتَرَكَا فِي الْحَقِيقَةِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَامْتَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْوُجُودِ الَّذِي يَخُصُّهُ ; فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَا جَعَلْتُمُوهُ كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا (¬4) ، كَالْجِنْسِ وَالْعَرَضِ الْعَامِّ، وَبَيْنَ مَا جَعَلْتُمُوهُ مُخْتَصًّا مُمَيَّزًا جُزْئِيًّا، كَالْفَصْلِ وَالْخَاصَّةِ. لَكِنْ عَمَدْتُمْ إِلَى شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَقَدَّرْتُمْ أَحَدَهُمَا فِي حَالِ عُمُومِهِ، وَالْآخَرَ فِي حَالِ خُصُوصِهِ، فَهَذَا كَانَ مِنْ تَقْدِيرِكُمْ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّقْدِيرُ كَمَا أَمْكَنَ فِي الْآخَرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ، وَكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا وَمُمَيَّزًا، فَلَا فَرْقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ مَا جَعَلْتُمُوهُ جِنْسًا أَوْ عَرَضًا عَامًّا، وَمَا جَعَلْتُمُوهُ فَصْلًا أَوْ خَاصَّةً، إِلَّا أَنَّكُمْ قَدَّرْتُمْ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَامًّا وَالْآخَرَ خَاصًّا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: إِذَا قُلْتُمُ: الْمَوْجُودَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِأَمْرٍ آخَرَ. قِيلَ لَكُمْ: الْمُمَيَّزُ أَنْ يَكُونَ وُجُودًا (¬5) خَاصًّا، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ ¬

(¬1) م: وَالْمَاهِيَّةِ. (¬2) م: وَالْحَقِيقَةِ. (¬3) م: وَالْوُجُوبِ. (¬4) ب: مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا. (¬5) م: مَوْجُودًا

يَكُونُ شَيْءٌ خَارِجٌ (¬1) عَنْ مُسَمَّى الْوُجُودِ حَتَّى تُثْبِتُونَ حَقِيقَةً أُخْرَى، وَهَذَا كَمَا إِذَا قُلْنَا: الْإِنْسَانَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْإِنْسَانِيَّةِ، وَأَحَدُهُمَا يَمْتَازُ عَنِ الْآخَرِ بِخُصُوصِيَّةٍ أُخْرَى - كَانَ الْمُمَيَّزَ إِنْسَانِيَّتُهُ الَّتِي تَخُصُّهُ، لَمْ يُحْتَجْ أَنْ يُجْعَلَ الْمُمَيَّزُ شَيْئًا غَيْرَ الْإِنْسَانِيَّةِ يَعْرِضُ لَهُ الْإِنْسَانِيَّةُ. وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَنْوَاعَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي كُلِّيٍّ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا إِلَّا مَوَادُّ أُخْرَى. وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ عَلَى غَلَطِ أَهْلِ الْمَنْطِقِ فِيمَا غَلِطُوا فِيهِ فِي الْكُلِّيَّاتِ، وَتَقْسِيمِ الْكُلِّيَّاتِ، وَتَرْكِيبِ الْحُدُودِ مِنَ الذَّاتِيَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَوَادِّ الْأَقْيِسَةِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْيَقِينِيِّ وَغَيْرِ الْيَقِينِيِّ مِنْهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: إِذَا قُلْنَا: الْمَوْجُودَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، وَأَحَدُهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَمْتَازَ عَنِ الْآخَرِ. فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي أَمْرٍ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ ; فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي ذَلِكَ وَتَشَابَهَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَنَفْسُ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ مُشْتَرَكًا فِيهِ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا فِي الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَنَفْسُ وُجُودِ هَذَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ هَذَا. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قُلْنَا: لَفْظُ " الْوُجُودِ " (¬2) مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُتَوَاطِئَةِ أَوِ الْمُشَكِّكَةِ، وَهِيَ الْمُتَوَاطِئَةُ الَّتِي تَتَفَاضَلُ مَعَانِيهَا، لَا تَتَمَاثَلُ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى، كَالْبَيَاضِ الْمَقُولِ عَلَى بَيَاضِ الثَّلْجِ الْقَوِيِّ وَبَيَاضِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : شَيْئًا خَارِجًا. وَالْمَعْنَى: إِنَّهُ يُوجَدُ شَيْءٌ خَارِجٌ. . إِلَخْ. (¬2) س، ب: الْمَوْجُودِ.

الْعَاجِ الضَّعِيفِ، وَالسَّوَادِ الْمَقُولِ عَلَى سَوَادِ الْقَارِ وَعَلَى سَوَادِ الْحَبَشَةِ، وَالْعُلُوِّ الْمَقُولِ عَلَى عُلُوِّ السَّمَاءِ وَعَلَى عُلُوِّ السَّقْفِ، وَالْوَاسِعِ الْمَقُولِ عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الدَّارِ الْوَاسِعَةِ، وَالْوُجُودِ الْمَقُولِ عَلَى الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ وَعَلَى الْمُمْكِنِ الْمَوْجُودِ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ وَالْقَائِمِ بِغَيْرِهِ، وَالْقَدِيمِ الْمَقُولِ عَلَى الْعُرْجُونِ وَعَلَى مَا لَا أَوَّلَ لَهُ، وَالْمُحْدَثِ الْمَقُولِ عَلَى مَا أُحْدِثَ فِي الْيَوْمِ وَعَلَى كُلِّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَالْحَيِّ الَّذِي يُقَالُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَعَلَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا. بَلْ أَسْمَاءُ اللَّهِ [الْحُسْنَى] (¬1) تَعَالَى الَّتِي تَسَمَّى بِهَا خَلْقُهُ، كَالْمَلِكِ، وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، وَالْعَلِيمِ وَالْخَبِيرِ (¬2) ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ. فَإِذَا قِيلَ: فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ وَمَعَانِيهَا الْعَامَّةِ - سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَمَاثِلَةً أَوْ مُتَفَاضِلَةً - إِنَّ أَفْرَادَهَا اشْتَرَكَتْ فِيهَا أَوِ اتَّفَقَتْ وَنَحْوُ ذَلِكَ، لَمْ يُرَدْ بِهِ أَنَّ فِي الْخَارِجِ مَعْنًى عَامًّا يُوجَدُ (¬3) عَامًّا فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ نَفْسُهُ مُشْتَرَكٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ الْمُعَيَّنَةَ اشْتَرَكَتْ فِي هَذَا الْعَامِّ، الَّذِي لَا يَكُونُ عَامًّا إِلَّا فِي عِلْمِ الْعَالِمِ، كَمَا أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يَكُونُ عَامًّا إِلَّا فِي لَفْظِ اللَّافِظِ، وَالْخَطَّ الْعَامَّ لَا يَكُونُ عَامًّا إِلَّا فِي خَطِّ الْكَاتِبِ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ عَامًّا شُمُولُهُ لِلْأَفْرَادِ الْخَارِجَةِ، لَا أَنَّهُ (¬4) نَفْسَهُ شَيْءٌ ¬

(¬1) الْحُسْنَى: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) ن، م: وَالْحَكِيمِ. (¬3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) م: أَنَّ.

مَوْجُودٌ يَكُونُ هُوَ (¬1) نَفْسُهُ مَعَ هَذَا الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ نَفْسُهُ مَعَ هَذَا الْمُعَيَّنِ ; فَإِنَّ هَذَا (¬2) مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالْعَقْلِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ ابْنَ سِينَا مَذْهَبُهُ أَنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ لِنَفْسِهِ هُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ جَمِيعِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ، لَا بِجَعْلِهِ مُقَيَّدًا (¬3) بِسَلْبِ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ بِالْإِمْسَاكِ عَنِ النَّقِيضَيْنِ، كَمَا فَعَلَ السِّجِسْتَانِيُّ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْقَرَامِطَةِ [وَغَيْرِهِمْ] (¬4) ، وَعَبَّرَ ابْنُ سِينَا عَنْ قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَقَائِقِ، أَوْ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ ; (* لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْوُجُودَ يَعْرِضُ لِلْمُمْكِنَاتِ، وَهُوَ يَقُولُ: وُجُودُ الْوَاجِبِ نَفْسُ مَاهِيَّتِهِ. وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ عِنْدَهُ: هُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ سَلْبِ الْمَاهِيَّاتِ *) (¬5) عَنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ مَاهِيَّةٌ سِوَى الْوُجُودِ الْمُقَيَّدِ بِالسَّلْبِ. وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ وَأَتْبَاعُهُمْ وَجَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَهُ حَقِيقَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا، لَا تُمَاثِلُ (¬6) شَيْئًا مِنَ الْحَقَائِقِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ. وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ يَقُولُونَ: هِيَ مَوْجُودَةٌ بِوُجُودٍ زَائِدٍ عَلَى حَقِيقَتِهَا. ¬

(¬1) عِبَارَةُ " يَكُونُ هُوَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) عِبَارَةُ " فَإِنَّ هَذَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) م: مُقَدَّرًا. (¬4) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (س) : وَغَيْرِهِ. (¬5) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) ن، م، س: لَا يُمَاثِلُ.

وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: الْحَقَائِقُ الْمَخْلُوقَةُ لَيْسَتْ فِي الْخَارِجِ، إِلَّا الْمَوْجُودَ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا ذِهْنِيًّا، وَالْآخِرُ خَارِجِيًّا، فَإِذَا جُعِلَتِ الْمَاهِيَّةُ أَوِ الْحَقِيقَةُ اسْمًا لِمَا فِي الذِّهْنِ، كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَا فِي الْخَارِجِ. وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: الْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ فَهُوَ الْمَاهِيَّةُ الذِّهْنِيَّةُ، وَإِذَا قِيلَ: الْمَاهِيَّةُ الْخَارِجِيَّةُ فَهِيَ الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمَخْلُوقِ فَالْخَالِقُ أَوْلَى. وَمَذْهَبُ ابْنِ سِينَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ ; فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ الْمَوْجُودَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، لَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمُجَرَّدِ السَّلْبِ، فَإِنَّ التَّمْيِيزَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْمُشْتَرِكَيْنِ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ الْعَدَمِ الْمَحْضِ ; إِذِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الِامْتِيَازُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَكُونُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْجُودَيْنِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا إِلَّا أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، أَوْ مُتَضَمِّنًا لِأَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ. وَهَذَا مُسْتَقِرٌّ عِنْدَهُمْ فِي الْمَنْطِقِ، فَكَيْفَ يَكُونُ وُجُودُ الرَّبِّ مُمَاثِلًا لِوُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ (¬1) وَلَا يَمْتَازُ عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا بِعَدَمٍ مَحْضٍ لَا ثُبُوتَ فِيهِ؟ بَلْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ أَيُّ مَوْجُودٍ قُدِّرَ أَكْمَلَ مِنْ هَذَا الْمَوْجُودِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَوْجُودَ مُخْتَصٌّ - مَعَ وُجُودِهِ - بِأَمْرِ ثُبُوتِيٍّ عِنْدَهُ، وَالْوُجُودُ الْوَاجِبُ لَا يَخْتَصُّ عِنْدَهُ إِلَّا بِأَمْرٍ عَدَمِيٍّ، مَعَ تَمَاثُلِهِمَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ. فَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ مُمَاثَلَةَ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ لِوُجُودِ كُلِّ مُمْكِنٍ فِي ¬

(¬1) م: الْمَوْجُودِ.

الْوُجُودِ، وَأَنْ لَا يَمْتَازَ عَنْهُ إِلَّا بِسَلْبِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ. وَالْكَمَالُ هُوَ فِي الْوُجُودِ لَا فِي الْعَدَمِ ; إِذِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا كَمَالَ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يَمْتَازُ عَنِ الْمُمْكِنَاتِ بِسَلْبِ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ، وَتَمْتَازُ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ. وَهَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُمْكِنَاتِ فِي الْكَمَالِ وَالْوُجُودِ، وَوَصْفِ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ بِالنَّقْصِ وَالْعَدَمِ. وَأَيْضًا فَهَذَا الْوُجُودُ الَّذِي لَا يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ إِلَّا بِالْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ (¬1) يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ لَا يُمْكِنُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ ; لِأَنَّهُ إِذَا شَارَكَ سَائِرَ الْمَوْجُودَاتِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ كَانَ هَذَا كُلِّيًّا، وَالْوُجُودُ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْأُمُورُ الْعَدَمِيَّةُ الْمَحْضَةُ لَا تُوجِبُ ثُبُوتَهُ (¬2) فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّ مَا فِي الذِّهْنِ هُوَ بِسَلْبِ الْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْهُ أَحَقُّ بِسَلْبِهَا (¬3) عَمَّا فِي الْخَارِجِ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِي الْخَارِجِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا؟ فَإِذَا كَانَ الْكُلِّيُّ لَا يَكُونُ إِلَّا ذِهْنِيًّا، وَالْقَيْدُ الْعَدَمِيُّ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا، ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا فِي الْخَارِجِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَيَّنًا، لَهُ وُجُودٌ يَخُصُّهُ، فَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ. ¬

(¬1) م: إِلَّا بِأُمُورِ الْعَدَمِ. (¬2) م: ثُبُوتًا. (¬3) س، ب: لِسَلْبِهَا.

فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ - وَغَيْرِهَا - أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي وَاجِبِ الْوُجُودِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا فِي الْخَارِجِ. فَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَيَّدَهُ بِالْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ. وَلَهُمْ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ لَا (¬1) بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُعَيَّنًا، فَيَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ (¬2) ، فَيَكُونُ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ الْمُبْدِعُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ: إِمَّا عَرَضًا قَائِمًا بِالْمَخْلُوقَاتِ، وَإِمَّا جُزْءًا مِنْهَا، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْمُمْكِنِ عَرَضًا فِيهِ، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ، لَا تَكُونُ هِيَ الْخَالِقَةَ لِلْحَيَوَانِ، وَلَا الْإِنْسَانِيَّةُ هِيَ الْمُبْدِعَةَ لِلْإِنْسَانِ ; فَإِنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ وَعَرَضَهُ لَا يَكُونُ هُوَ الْخَالِقَ لَهُ، بَلِ الْخَالِقُ مُبَايِنٌ لَهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ; إِذْ جُزْؤُهُ وَعَرَضُهُ دَاخِلٌ فِيهِ، وَالدَّاخِلُ فِي الشَّيْءِ لَا يَكُونُ هُوَ الْمُبْدِعَ لَهُ كُلِّهِ (¬3) . فَمَا وَصَفُوا بِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَمْتَنِعُ مَعَهُ (¬4) أَنْ يَكُونَ خَالِقًا (¬5) لِشَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (¬6) . ¬

(¬1) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) عِبَارَةُ " وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ " سَاقِطَةٌ فِي (م) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ. (¬3) م: كُلِّيًّا. (¬4) م: مِنْهُ. (¬5) ن، س جَاهِلًا، ب: جَاعِلًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬6) م: مَوَاضِعَ أُخَرَ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ (¬1) تَعْطِيلُ الْخَالِقِ، وَجَحْدُ حَقِيقَةِ النُّبُوَّاتِ وَالْمَعَادِ وَالشَّرَائِعِ، وَيَنْتَسِبُونَ إِلَى مُوَالَاةِ عَلِيٍّ، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ، كَمَا تَدَّعِي الْقَدَرِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَيْضًا، وَيَدَّعُونَ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مَأْخُوذَةٌ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَعِلْمُ التَّفْسِيرِ إِلَيْهِ يُعْزَى ; لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ تِلْمِيذَهُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَفْسِيرِ " الْبَاءِ " مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: أَيْنَ الْإِسْنَادُ الثَّابِتُ بِهَذَا النَّقْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَجِّ بِالْمَنْقُولَاتِ أَنْ يَذْكُرَ الْإِسْنَادَ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ صِحَّةُ النَّقْلِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ مَا يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْكَذِبِ (¬3) . وَيُقَالُ: ثَانِيًا: أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ ; فَإِنَّ هَذَا الْأَثَرَ الْمَأْثُورَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا ¬

(¬1) ن، م، س: الَّذِينَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ. . . (¬2) فِي (ك) ص 179 (م) - 180 (م) . (¬3) فِي هَامِشِ (س) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ مَا يَلِي: " صِحَّةُ الْإِسْنَادِ شَرْطٌ لِلِاسْتِدْلَالِ ".

يُذْكَرُ مِثْلَ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ بِلَا إِسْنَادٍ. وَهَذِهِ يَرْوِيهَا أَهْلُ الْمَجْهُولَاتِ، الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَيَجْعَلُونَ كَلَامَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جِنْسِ كَلَامِهِمْ، كَمَا يَقُولُونَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يَتَحَدَّثَانِ، وَكُنْتُ كَالزِّنْجِيِّ بَيْنَهُمَا. فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى عُمَرَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَمَا يَنْقُلُونَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِي بَكْرٍ (* لِيَسْأَلَهَا عَنْ عِلْمِهِ فِي السِّرِّ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أَشُمُّ مِنْ فِيهِ رَائِحَةَ الْكَبِدِ الْمُحْتَرِقَةِ، وَهَذَا أَيْضًا كَذِبٌ، وَعُمَرُ لَمْ يَتَزَوَّجِ امْرَأَةَ أَبِي بَكْرٍ *) (¬1) ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ: تَزَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، وَمَعَهَا رَبِيبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَتَرَبَّى عِنْدَهُ. وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ نُقِلَ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِيرِ مَا شَاءَ اللَّهُ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ عَلِيٍّ. وَابْنُ عَبَّاسٍ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: يَرْوِي عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ قَلِيلَةٌ جِدًّا، وَلَمْ يُخَرِّجْ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ (¬2) شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَخَرَّجُوا حَدِيثَهُ عَنْ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَأَيْضًا فَالتَّفْسِيرُ أُخِذَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬3) : أُخِذَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) م: الصَّحِيحَيْنِ. (¬3) ن: عَنْ عُمَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ، س، ب: عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) وَهُوَ الصَّوَابُ.

فصل كلام الرافضي أن علم الطريقة منسوب إلى علي رضي الله عنه والرد عليه

مِنَ الصَّحَابَةِ، الَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، وَمَا يُعْرَفُ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ تَفْسِيرٌ ثَابِتٌ [عَنْهُ] (¬1) . وَهَذِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ مَمْلُوءَةٌ بِالْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالَّذِي فِيهَا عَنْ عَلِيٍّ قَلِيلٌ جِدًّا. وَمَا يُنْقَلُ فِي " حَقَائِقِ " السُّلَمِيِّ مِنَ التَّفْسِيرِ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عَامَّتُهُ كَذِبٌ عَلَى جَعْفَرٍ، كَمَا قَدْ كُذِبَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ. [فصل كلام الرافضي أن علم الطريقة منسوب إلى علي رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَأَمَّا عِلْمُ الطَّرِيقَةِ فَإِلَيْهِ مَنْسُوبٌ ; فَإِنَّ الصُّوفِيَّةَ كُلَّهُمْ يُسْنِدُونَ الْخِرْقَةَ إِلَيْهِ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: أَمَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ، الْمَشْهُورِينَ فِي الْأُمَّةِ بِلِسَانِ الصِّدْقِ، فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأُمَّةِ فِي الْحَقَائِقِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الْعِرْفَانِيَّةِ، وَأَيْنَ مَنْ يُقَدِّمُونَهُ فِي الْحَقَائِقِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأُمُورِ عِنْدَهُمْ - إِلَى مَنْ يَنْسُبُ إِلَيْهِ النَّاسُ لِبَاسَ الْخِرْقَةِ؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» " (¬3) ، فَأَيْنَ حَقَائِقُ الْقُلُوبِ مِنْ لِبَاسِ الْأَبْدَانِ؟ ¬

(¬1) عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (¬2) فِي (ك) ص 180 (م) . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/316.

وَيُقَالُ: ثَانِيًا: الْخِرَقُ مُتَعَدِّدَةٌ، أَشْهَرُهَا خِرْقَتَانِ: خِرْقَةٌ إِلَى عُمَرَ، وَخِرْقَةٌ إِلَى عَلِيٍّ، فَخِرْقَةُ عُمَرَ لَهَا إِسْنَادَانِ: إِسْنَادٌ إِلَى أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، وَإِسْنَادٌ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، وَأَمَّا الْخِرْقَةُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى عَلِيٍّ فَإِسْنَادُهَا إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ يَصِلُونَهَا بِمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ ; فَإِنَّ الْجُنَيْدَ صَحِبَ السَّرِيَّ [السَّقْطِيَّ] (¬1) ، وَالسَّرِيَّ صَحِبَ مَعْرُوفًا الْكَرْخِيَّ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا الْإِسْنَادُ مِنْ جِهَةِ مَعْرُوفٍ فَيَنْقَطِعُ، فَتَارَةً يَقُولُونَ: إِنَّ مَعْرُوفًا صَحِبَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُونَ لِأَخْبَارِ مَعْرُوفٍ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ الْمُتَّصِلِ، كَأَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي فَضَائِلِ مَعْرُوفٍ. وَمَعْرُوفٌ كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْكَرْخِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى كَانَ الْمَأْمُونُ قَدْ جَعَلَهُ وَلِيَّ الْعُهْدَةِ (¬2) بَعْدَهُ، وَجَعَلَ شِعَارَهُ لِبَاسَ الْخُضْرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَأَعَادَ شِعَارَ السَّوَادِ. وَمَعْرُوفٌ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجْتَمِعُ (¬3) بِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَلَا نَقَلَ عَنْهُ ثِقَةٌ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ، أَوْ أَخَذَ عَنْهُ شَيْئًا، بَلْ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَآهُ، وَلَا كَانَ مَعْرُوفٌ بَوَّابَهُ، وَلَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ. وَأَمَّا الْإِسْنَادُ الْآخَرُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ مَعْرُوفًا صَحِبَ دَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَهَذَا أَيْضًا لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَيْسَ فِي أَخْبَارِهِ الْمَعْرُوفَةِ مَا يُذْكَرُ فِيهَا. وَفِي إِسْنَادِ الْخِرْقَةِ أَيْضًا أَنَّ دَاوُدَ الطَّائِيَّ صَحِبَ حَبِيبًا الْعَجَمِيَّ، وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ حَقِيقَةٌ. ¬

(¬1) السَّقْطِيَّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) ن، م: وَلِيَّ الْعَهْدِ. (¬3) م: اجْتَمَعَ.

وَفِيهَا أَنَّ حَبِيبًا الْعَجَمِيَّ صَحِبَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ (¬1) ، وَهَذَا صَحِيحٌ ; فَإِنَّ الْحَسَنَ كَانَ لَهُ أَصْحَابٌ، كَثِيرُونَ مِثْلَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، وَمِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، وَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، وَحَبِيبٍ الْعَجَمِيِّ، وَفَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُبَّادِ الْبَصْرَةِ. وَفِيهَا أَنَّ الْحَسَنَ صَحِبَ عَلِيًّا، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ; فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِعَلِيٍّ، وَإِنَّمَا أَخَذَ عَنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، أَخَذَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَلِيٍّ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ. وَالْحَسَنُ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَقُتِلَ عُثْمَانُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ. كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ حُمِلَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ، وَالْحَسَنُ فِي وَقْتِهِ صَبِيٌّ مِنَ الصِّبْيَانِ لَا يُعْرَفُ، وَلَا لَهُ ذِكْرٌ. وَالْأَثَرُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى جَامِعِ الْبَصْرَةِ وَأَخْرَجَ الْقُصَّاصَ إِلَّا الْحَسَنَ، كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَكِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ عَلِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدَ قَاصًّا يَقُصُّ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أَبُو يَحْيَى. قَالَ: هَلْ (¬2) تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: ¬

(¬1) الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ يَسَارٍ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 110. ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مَنْ صَحَّ لَهُ السَّمَاعُ عَنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ سَمَاعٌ عَنْهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا فِيمَا صَحَّ لَهُ السَّمَاعُ عَنْهُمْ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ م [0 - 9] ق 2 ص 40 - 42، تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/71 - 72، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/527، تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/263 - 270. (¬2) هَلْ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، إِنَّمَا أَنْتَ أَبُو: اعْرِفُونِي (¬1) ، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ، فَأَخْرَجَهُ (¬2) مِنَ الْمَسْجِدِ. فَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ " (¬3) : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ (¬4) ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: انْتَهَى عَلِيٌّ إِلَى قَاصٍّ وَهُوَ يَقُصُّ، فَقَالَ: أَعَلِمْتَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ عَبَّادٍ الرُّوَاسِيُّ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ حُمْرَانَ (¬5) ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ، فَإِذَا قَاصٌّ يَقُصُّ، فَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: يَا هَذَا تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَتَعْرِفُ مَدَنِيَّ الْقُرْآنِ مِنْ مَكِّيِّهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا يَقُولُ: اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي. وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مُجَلَّدًا فِي مَنَاقِبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (¬6) ، ¬

(¬1) ن: أَبُو عَرْفُونِي، م: ابُوا عَنْ فُولِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م: وَأَخْرَجَهُ، س، ب: فَأَخَذَهُ. (¬3) لَمْ يَذْكُرْ سِزْكِينُ هَذَا الْكِتَابَ ضِمْنَ كُتُبِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ الْمَخْطُوطَةِ. انْظُرْ: سِزْكِينَ م [0 - 9] ج 1 ص 298. (¬4) م: ذُكَيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ " 8/270: " الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَهُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ: عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ دِرْهَمٍ التَّيْمِيُّ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، أَبُو نُعَيْمٍ الْمُلَائِيُّ الْكُوفِيُّ الْأَحْوَلُ " ثُمَّ ذَكَرَ 8/275 اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ وَهِيَ 218 تَقْرِيبًا. (¬5) م: بِنُ حَرَّانَ. (¬6) وَهُوَ كِتَابُ " فَضَائِلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَدَبِهِ حِكْمَتِهِ نَشْأَتِهِ. إِلَخْ " تَأْلِيفُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، طُبِعَ بِالْقَاهِرَةِ سَنَةَ 1350 وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي أَيَا صُوفْيَا رَقْمُ 1642، انْظُرْ سِزْكِينَ م [0 - 9] ج 4 ص. 10.

وَصَنَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيُّ جُزْءًا فِيمَنْ لَقِيَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ (¬1) . وَأَخْبَارُ الْحَسَنِ مَشْهُورَةٌ فِي مِثْلِ " تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ ". وَقَدْ كَتَبْتُ أَسَانِيدَ الْخِرْقَةِ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَنَا فِيهَا أَسَانِيدُ، فَبَيَّنْتُهَا لِيُعْرَفَ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ. وَلَهُمْ إِسْنَادٌ آخَرُ (¬2) بِالْخِرْقَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى جَابِرٍ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ جِدًّا. وَقَدْ عُقِلَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يُلْبِسُونَ مُرِيدِيهِمْ خِرْقَةً، وَلَا يَقُصُّونَ شُعُورَهُمْ، وَلَا التَّابِعُونَ، وَلَكِنَّ هَذَا فَعَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَخْبَارُ الْحَسَنِ مَذْكُورَةٌ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ مِنْ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ، يُعْلَمُ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ أَفْرَدَ (¬3) أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ لَهُ كِتَابًا فِي مَنَاقِبِهِ وَأَخْبَارِهِ. وَأَضْعَفَ مِنْ هَذَا نِسْبَةُ الْفُتُوَّةِ إِلَى عَلِيٍّ، وَفِي إِسْنَادِهَا مِنَ الرِّجَالِ الْمَجْهُولِينَ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ ذِكْرٌ مَا يُبَيِّنُ كَذِبَهَا. وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ، وَلَا يُسْقَى مِلْحًا، وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِطَرِيقَةٍ تُسَمَّى الْفُتُوَّةَ، لَكِنْ كَانُوا قَدِ اجْتَمَعَ بِهِمُ التَّابِعُونَ، وَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ، وَتَأَدَّبُوا بِهِمْ، وَاسْتَفَادُوا مِنْهُمْ، وَتَخَرَّجُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَصَحِبُوا مَنْ صَحِبُوهُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا يَسْتَفِيدُونَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ. ¬

(¬1) ب: مِنْ أَصْحَابِهِ. (¬2) س، ب: أَسَانِيدُ أُخَرُ. (¬3) م: أَخْرَجَ.

وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانُوا يَأْخُذُونَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَأْخُذُونَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَأْخُذُونَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ. وَقَدِ انْتَفَعَ بِكُلٍّ مِنْهُمْ مَنْ نَفَعَهُ اللَّهُ، وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَطَرِيقٍ وَاحِدَةٍ، وَسَبِيلٍ وَاحِدَةٍ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَلَّغَهُمْ مِنَ الصَّادِقِينَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا قَبِلُوهُ، وَمَنْ فَهَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ (¬2) مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ اسْتَفَادُوهُ، وَمَنْ دَعَاهُمْ إِلَى الْخَيْرِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَجَابُوهُ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْعَلُ شَيْخَهُ رَبًّا يَسْتَغِيثُ بِهِ، كَالْإِلَهِ الَّذِي يَسْأَلُهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ، وَيَعْبُدُهُ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغِيثُ بِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَلَا كَالنَّبِيِّ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ، فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ. فَإِنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ دِينُ النَّصَارَى الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 31] . وَكَانُوا مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لَا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، مُتَوَاصِينَ بِالْحَقِّ، مُتَوَاصِينَ بِالصَّبْرِ. ¬

(¬1) م: وَيُطِيعُونَ رَسُولَ اللَّهِ. . . (¬2) س، ب: مِنَ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ.

وَالْإِمَامُ وَالشَّيْخُ وَنَحْوُهُمَا عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَبِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ الْحَاجِّ ; فَالْإِمَامُ يَقْتَدِي بِهِ الْمَأْمُومُونَ فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، لَا يُصَلِّي عَنْهُمْ (¬1) ، وَهُوَ يُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهَا، فَإِنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا لَمْ يَتَّبِعُوهُ. وَدَلِيلُ الْحَاجِّ يَدُلُّ الْوَفْدَ عَلَى طَرِيقِ الْبَيْتِ لِيَسْلُكُوهُ وَيَحُجُّوهُ بِأَنْفُسِهِمْ، فَالدَّلِيلُ لَا يَحُجُّ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَخْطَأَ الدِّلَالَةَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَ دَلِيلَانِ وَإِمَامَانِ نُظِرَ أَيُّهُمَا كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ اتُّبِعَ. فَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الْآيَةَ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] . وَكُلٌّ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَكَنُوا الْأَمْصَارَ أَخَذَ عَنْهُ النَّاسُ الْإِيمَانَ وَالدِّينَ. وَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ شَيْئًا ; فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ سَاكِنًا بِالْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى نُظَرَائِهِ، كَعُثْمَانَ، فِي مِثْلِ قِصَّةٍ شَاوَرَهُمْ (¬2) فِيهَا عُمَرُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَمَّا ذَهَبَ إِلَى الْكُوفَةِ، كَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ قَدْ أَخَذُوا الدِّينَ ¬

(¬1) ن، س، ب: فَيُصَلُّونَ فَصَلَاتُهُ لَا تُصَلَّى عَنْهُمْ. . (¬2) ن، س: قِصَّةٍ يُشَاوِرُهُمْ، ب: قَضِيَّةٍ يُشَاوِرُهُمْ.

فصل كلام الرافضي أن علم الفصاحة علي منبعه والرد عليه

عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعَمَّارٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرْسَلَهُ عُمَرُ إِلَى الْكُوفَةِ. وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ أَخَذُوا الدِّينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَهْلُ الشَّامِ أَخَذُوا الدِّينَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبِلَالٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَالْعُبَّادُ وَالزُّهَّادُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ أَخَذُوا الدِّينَ عَمَّنْ شَاهَدُوهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ طَرِيقَ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ مُتَّصِلٌ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ؟ وَهَذِهِ كُتُبُ الزُّهْدِ، مِثْلُ " الزُّهْدِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَ " الزُّهْدِ " لِابْنِ الْمُبَارَكِ، وَلِوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَلِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، وَمِثْلُ كُتُبِ أَخْبَارِ الزُّهَّادِ " كَحِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " وَ " صَفْوَةِ الصَّفْوَةِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ، فِيهَا مِنْ أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ الَّذِي فِيهَا لِعَلِيٍّ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمُعَاذٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ. [فصل كلام الرافضي أن علم الفصاحة علي منبعه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَأَمَّا عِلْمُ الْفَصَاحَةِ فَهُوَ مَنْبَعُهُ، حَتَّى ¬

(¬1) فِي (ك) ص 180 (م) .

قِيلَ: كَلَامُهُ فَوْقَ (¬1) كَلَامِ الْمَخْلُوقِ وَدُونَ كَلَامِ الْخَالِقِ، وَمِنْهُ تَعَلَّمَ الْخُطَبَاءُ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مِنْ أَخْطَبِ الصَّحَابَةِ (¬2) ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ خَطِيبًا، وَعُمَرُ خَطِيبًا، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبًا مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ شُعَرَاءَهُ. وَلَكِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْطُبُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَرَجَ فِي الْمَوْسِمِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ يَخْطُبُ مَعَهُ، وَيُبَيِّنُ بِخِطَابِهِ مَا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَبِيُّ اللَّهِ سَاكِتٌ يُقِرُّهُ عَلَى مَا يَقُولُ، وَكَانَ كَلَامُهُ تَمْهِيدًا وَتَوْطِئَةً لِمَا يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ، مَعُونَةً لَهُ، لَا تَقَدُّمًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. كَمَا كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ يَخْطُبُ أَحْيَانًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُسَمَّى خَطِيبَ رَسُولِ اللَّهِ. وَكَانَ عُمَرُ مِنْ أَخْطَبِ النَّاسِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَخْطَبَ مِنْهُ، يَعْتَرِفُ لَهُ عُمَرُ بِذَلِكَ (¬3) ، وَهُوَ الَّذِي خَطَبَ الْمُسْلِمِينَ وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَبَّتَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى لَا يَضْطَرِبَ النَّاسُ ; لِعَظِيمِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ. ¬

(¬1) ك: حَتَّى قِيلَ فِي كَلَامِهِ إِنَّهُ فَوْقَ. . . (¬2) م: النَّاسِ. (¬3) س، ب: يَعْرِفُ لَهُ عُمَرُ بِذَلِكَ.

وَلَمَّا قَدِمَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَيْنِ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُخَاطِبُ (¬1) النَّاسَ عَنْهُ، حَتَّى ظَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُمَا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنْ عُرِفَ بَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْقَاعِدُ. وَكَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى الْوُفُودِ، فَيُخَاطِبُ الْوُفُودَ، وَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ فِي مَغِيبِهِ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الَّذِي خَطَبَ النَّاسَ. وَخَطَبَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ خُطْبَةً بَلِيغَةً، انْتَفَعَ بِهَا الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ: " كُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ أَحْلَمَ (¬2) مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا " (¬3) . وَقَالَ أَنَسٌ: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَحْنُ كَالثَّعَالِبِ، فَمَا زَالَ يُثَبِّتُنَا حَتَّى صِرْنَا كَالْأُسُودِ. وَكَانَ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ مِنْ أَخْطَبِ النَّاسِ وَأَبْلَغِهِمْ، حَتَّى قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ فَأَحْسَنَ، إِلَّا تَمَنَّيْتُ أَنْ يَسْكُتَ ; خَشْيَةَ أَنْ يَزِيدَ فَيُسِيءَ، إِلَّا زِيَادًا، كَانَ كُلَّمَا أَطَالَ أَجَادَ - أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَدْ كَتَبَ النَّاسُ خُطَبَ زِيَادٍ. ¬

(¬1) م: يَخْطُبُ. (¬2) م: أَحْكَمَ. (¬3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ السَّقِيفَةِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى 1/518، 4/365.

وَكَانَ مُعَاوِيَةُ خَطِيبًا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ مِنْ أَخْطَبِ النَّاسِ، حَتَّى قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَمَا سَمِعْتُ الْكَلَامَ مِنْ مَخْلُوقٍ أَفْحَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ عَائِشَةَ. وَكَانَ الْخُطَبَاءُ الْفُصَحَاءُ كَثِيرِينَ فِي الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ، وَجَمَاهِيرُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ شَيْئًا. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: " إِنَّهُ مَنْبَعُ عِلْمِ الْفَصَاحَةِ " كَذِبٌ بَيِّنٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَخْطَبَ مِنْهُ وَأَفْصَحَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. وَلَيْسَتِ الْفَصَاحَةُ التَّشَدُّقَ فِي الْكَلَامِ، وَالتَّقْعِيرَ فِي الْكَلَامِ (¬1) ، وَلَا سَجْعَ الْكَلَامِ، وَلَا كَانَ فِي خُطْبَةِ عَلِيٍّ وَلَا سَائِرِ خُطَبَاءِ الْعَرَبِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ تَكَلُّفُ الْأَسْجَاعِ، وَلَا تَكَلُّفُ التَّحْسِينِ الَّذِي يَعُودُ إِلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ، الَّذِي يُسَمَّى عِلْمَ الْبَدِيعِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَالشِّعْرِ. وَمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 104] وَ {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ} [سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: 11] وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَمْ يُتَكَلَّفْ لِأَجْلِ التَّجَانُسِ، بَلْ هَذَا تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، كَمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَوْزَانِ الشِّعْرِ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ الشِّعْرُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 13] ، ¬

(¬1) عِبَارَةُ " وَالتَّقْعِيرَ فِي الْكَلَامِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَقَوْلِهِ: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْحِجْرِ 49] ، {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [سُورَةُ الشَّرْحِ: 2، 3] وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا الْبَلَاغَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} ) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 63] ، هِيَ عِلْمُ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، فَيُذْكَرُ (¬1) مِنَ الْمَعَانِي مَا هُوَ أَكْمَلُ مُنَاسَبَةً لِلْمَطْلُوبِ، وَيُذْكَرُ (¬2) مِنَ الْأَلْفَاظِ مَا هُوَ أَكْمَلُ فِي بَيَانِ تِلْكَ الْمَعَانِي. فَالْبَلَاغَةُ بُلُوغُ غَايَةِ الْمَطْلُوبِ، أَوْ غَايَةِ الْمُمْكِنِ، مِنَ الْمَعَانِي بِأَتَمِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَيَانِ، فَيَجْمَعُ صَاحِبُهَا بَيْنَ تَكْمِيلِ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ، وَبَيْنَ تَبْيِينِهَا بِأَحْسَنِ وَجْهٍ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَكُونُ هِمَّتُهُ إِلَى الْمَعَانِي، وَلَا يُوَفِّيهَا حَقَّهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُبَيِّنَةِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ مُبَيِّنًا لِمَا فِي نَفْسِهِ (¬3) مِنَ الْمَعَانِي، لَكِنْ لَا تَكُونُ تِلْكَ الْمَعَانِي مُحَصِّلَةً لِلْمَقْصُودِ الْمَطْلُوبِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، فَالْمُخْبِرُ مَقْصُودُهُ تَحْقِيقُ الْمُخْبَرِ بِهِ، فَإِذَا بَيَّنَهُ (¬4) وَبَيَّنَ مَا يُحَقِّقُ ثُبُوتَهُ، لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَا يُحَقِّقُ مَا يُخْبِرُ بِهِ، أَوْ لَا يُبَيِّنُ مَا يُعْلَمُ بِهِ ثُبُوتُهُ. وَالْآمِرُ مَقْصُودُهُ تَحْصِيلُ الْحِكْمَةِ الْمَطْلُوبَةِ، فَمَنْ أَمَرَ وَلَمْ يُحْكِمْ مَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنِ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي أَمَرَ بِمَا هُوَ حِكْمَةٌ، وَبَيَّنَ وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِيهِ. وَأَمَّا تَكَلُّفُ الْأَسْجَاعِ وَالْأَوْزَانِ، وَالْجِنَاسِ وَالتَّطْبِيقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ¬

(¬1) ن، س: فَنَذْكُرُ. (¬2) ن، س: وَنَذْكُرُ. (¬3) م: نُطْقِهِ. (¬4) م: أَثْبَتَهُ.

تَكَلَّفَهُ مُتَأَخِّرُو الشُّعَرَاءِ وَالْخُطَبَاءِ، وَالْمُتَرَسِّلِينَ وَالْوُعَّاظِ، فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ دَأْبِ خُطَبَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالْفُصَحَاءِ مِنْهُمْ، وَلَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَهْتَمُّ بِهِ (¬1) الْعَرَبُ. وَغَالِبُ مَنْ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ يُزَخْرِفُ اللَّفْظَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ مَطْلُوبَةٍ مِنَ الْمَعَانِي، كَالْمُجَاهِدِ الَّذِي يُزَخْرِفُ السِّلَاحَ وَهُوَ جَبَانٌ. وَلِهَذَا يُوجِدُ الشَّاعِرُ، كُلَّمَا أَمْعَنَ فِي الْمَدْحِ وَالْهَجْوِ، خَرَجَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِفْرَاطِ فِي الْكَذِبِ، يَسْتَعِينُ بِالتَّخَيُّلَاتِ وَالتَّمْثِيلَاتِ (¬2) . وَأَيْضًا فَأَكْثَرُ الْخُطَبِ الَّتِي يَنْقُلُهَا صَاحِبُ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَلُّ وَأَعْلَى قَدْرًا مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ وَضَعُوا أَكَاذِيبَ وَظَنُّوا أَنَّهَا مَدْحٌ، فَلَا هِيَ صِدْقٌ وَلَا هِيَ مَدْحٌ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ كَلَامَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ فَوْقَ كَلَامِ الْمَخْلُوقِ، فَقَدْ أَخْطَأَ. وَكَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوْقَ كَلَامِهِ، وَكِلَاهُمَا مَخْلُوقٌ. وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ كَلَامِ ابْنِ سَبْعِينَ الَّذِي يَقُولُ: هَذَا كَلَامُ بَشِيرٍ (¬3) يُشْبِهُ بِوَجْهٍ مَا كَلَامَ الْبَشَرِ، وَهَذَا يَنْزِعُ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَ اللَّهِ مَا فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَيْضًا فَالْمَعَانِي الصَّحِيحَةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي كَلَامِ عَلِيٍّ مَوْجُودَةٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، لَكِنَّ صَاحِبَ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " وَأَمْثَالَهُ أَخَذُوا كَثِيرًا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ¬

(¬1) م: مِمَّا يُتَّهَمُ بِهِ. . . (¬2) ب: أَوِ التَّمْثِيلَاتِ. (¬3) م: تَبْشِيرٍ، ب: بَشَرٍ.

فصل نقل الرافضي قول علي سلوني قبل أن تفقدوني والرد عليه

فَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ، وَمِنْهُ مَا يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ كَلَامٌ حَقٌّ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، وَلَكِنْ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ " الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ " لِلْجَاحِظِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ كَلَامٌ مَنْقُولٌ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، وَصَاحِبُ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " يَجْعَلُهُ عَنْ عَلِيٍّ. وَهَذِهِ الْخُطَبُ الْمَنْقُولَةُ فِي كِتَابِ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ " لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ كَلَامِهِ ; لَكَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ هَذَا الْمُصَنَّفِ، مَنْقُولَةً عَنْ عَلِيٍّ بِالْأَسَانِيدِ وَبِغَيْرِهَا. فَإِذَا عَرَفَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْمَنْقُولَاتِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا - بَلْ أَكْثَرَهَا - لَا يُعْرَفُ قَبْلَ هَذَا، عُلِمَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، وَإِلَّا فَلْيُبَيِّنِ النَّاقِلُ لَهَا فِي أَيِّ كِتَابٍ ذُكِرَ ذَلِكَ؟ وَمَنِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ؟ وَمَا إِسْنَادُهُ؟ وَإِلَّا فَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ لَا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ. وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَعْرِفَةِ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَعْرِفَةِ الْآثَارِ وَالْمَنْقُولِ بِالْأَسَانِيدِ، وَتَبَيُّنِ صِدْقِهَا مِنْ كَذِبِهَا، عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْمَنْقُولَاتِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا. [فصل نقل الرافضي قول علي سلوني قبل أن تفقدوني والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَقَالَ (¬2) : سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، سَلُونِي عَنْ طُرُقِ السَّمَاءِ ; فَإِنِّي أَعْلَمُ بِهَا مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ ". ¬

(¬1) فِي (ك) ص 180 (م) . (¬2) ك: وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ، بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، الَّذِينَ تَعَلَّمُوا كَمَا تَعَلَّمَ، وَعَرَفُوا كَمَا عَرَفَ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لَمَّا صَارَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، لَا يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الدِّينِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُمْ وَيُعَلِّمَهُمْ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ لِيُعَلِّمَهُمْ وَيُفْتِيَهُمْ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ تَأَخَّرَتْ حَيَاتُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِمْ، نَقَلُوا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَمْ يَنْقُلْهَا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَلَا أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ عَنْ نَقْلِهَا ; لِأَنَّ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ قَدْ عَلِمُوهَا كَمَا عَلِمُوهَا. وَلِهَذَا يُرْوَى لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَنَحْوِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنَ الْحَدِيثِ مَالَا يُرْوَى لِعَلِيٍّ وَلَا لِعُمَرَ، وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ ; لِكَوْنِهِمْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُمْ، وَأَدْرَكَهُمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ ; فَاحْتَاجُوا أَنْ يَسْأَلُوهُمْ، وَاحْتَاجَ أُولَئِكَ أَنْ يُعَلِّمُوهُمْ وَيُحَدِّثُوهُمْ. فَقَوْلُ عَلِيٍّ لِمَنْ عِنْدَهُ بِالْكُوفَةِ: " سَلُونِي " هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لَمْ يَقُلْ هَذَا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ وَأَمْثَالِهِمْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَسْأَلُهُ، فَلَمْ يَسْأَلْهُ قَطُّ لَا مُعَاذٌ وَلَا أُبَيٌّ وَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَا مَنْ هُوَ دُونَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَفْتِيهِ الْمُسْتَفْتِي، كَمَا يَسْتَفْتِي أَمْثَالَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ

يُشَاوِرَانِهِ كَمَا يُشَاوِرَانِ أَمْثَالَهُ، فَكَانَ عُمَرُ يُشَاوِرُ فِي الْأُمُورِ لِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَطِلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوسَى وَلِغَيْرِهِمْ، حَتَّى كَانَ يَدْخُلُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَهُمْ، مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ. وَهَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَدَحَهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ الشُّورَى: 38] . وَلِهَذَا كَانَ رَأْيُ عُمَرَ وَحُكْمُهُ وَسِيَاسَتُهُ مِنْ أَسَدِّ الْأُمُورِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَهُ مِثْلُهُ [قَطُّ] (¬1) ، وَلَا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَ وَعَزَّ كَظُهُورِهِ وَانْتِشَارِهِ وَعِزِّهِ فِي زَمَنِهِ. وَهُوَ الَّذِي كَسَّرَ كِسْرَى، وَقَصَرَ قَيْصَرَ وَالرُّومَ وَالْفُرْسَ، وَكَانَ أَمِيرُهُ الْكَبِيرُ عَلَى الْجَيْشِ الشَّامِيِّ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَعَلَى الْجَيْشِ الْعِرَاقِيِّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ - بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ - مِثْلُ خُلَفَائِهِ وَنُوَّابِهِ، وَعُمَّالِهِ وَجُنْدِهِ، وَأَهْلِ شِورَاهُ. وَقَوْلُهُ: " أَنَا أَعْلَمُ بِطُرُقِ السَّمَاءِ مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ ". كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَلَمْ يَصْعَدْ أَحَدٌ بِبَدَنِهِ إِلَى السَّمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي مِعْرَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ هُوَ بِبَدَنِهِ أَوْ بِرُوحِهِ؟ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ بِبَدَنِهِ، فَلَمْ يُنَازَعَ السَّلَفُ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَعْرُجْ بِبَدَنِهِ. وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا مِنَ الْغُلَاةِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ فَهُوَ مِنَ الضُّلَّالِ، مِنْ جِنْسِ مَنِ اعْتَقَدَ مِنَ الْغُلَاةِ فِي أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ النُّبُوَّةَ، أَوْ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَوِ الْإِلَهِيَّةِ. ¬

(¬1) قَطُّ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

وَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ كُلُّهَا كُفْرٌ بَيِّنٌ، لَا يَسْتَرِيبُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا كَاعْتِقَادِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، أَوْلَادِ مَيْمُونَ الْقَدَّاحِ، الَّذِينَ كَانَ جَدُّهُمْ يَهُودِيًّا رَبِيبًا لِمَجُوسِيٍّ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَوْلَادُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ فِيهِمُ الْإِلَهِيَّةَ أَوِ النُّبُوَّةَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ نَسَخَ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْغُلَاةِ يَعْتَقِدُونَ الْإِلَهِيَّةَ أَوِ النُّبُوَّةَ فِي عَلِيٍّ، وَفِي بَعْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ: إِمَّا الِاثْنَا عَشَرَ، وَإِمَّا غَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَامَّةِ وَالنُّسَّاكِ يَعْتَقِدُونَ فِي بَعْضِ الشُّيُوخِ نَوْعًا مِنَ الْإِلَهِيَّةِ أَوِ النُّبُوَّةِ، أَوْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، [وَيَجْعَلُونَ خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ أَفْضَلَ مِنْ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ] (¬1) ، وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ الْأَوْلِيَاءَ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَيَعْتَقِدُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَنَحْوُهُ أَنَّ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَفِيدُ مِنْ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَنَّهُ هُوَ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ. وَيَعْتَقِدُ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْفَيْلَسُوفَ الْكَامِلَ أَعْلَمُ مِنَ النَّبِيِّ بِالْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ. فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَنَحْوُهَا هِيَ مِنَ الْكُفْرِ الْمُخَالِفِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ قَالَ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ مِنْهُ، كَمَا يُسْتَتَابُ نُظَرَاؤُهُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَوَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ بَعْدَ قَلِيلٍ فِيهِمَا.

فصل كلام الرافضي أن عليا كان مرجع الصحابة في مشكلاتهم والرد عليه

مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ إِنْ كَانَ مُظْهِرًا لِذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِي مَقَالَاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَفِيَ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ لِدِينِ الْإِسْلَامِ: إِمَّا لِكَوْنِهِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِنَشْأَتِهِ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ يَعْتَقِدُونَ مِثْلَ ذَلِكَ - فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَجْهَلُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ يَرَى الْوَاجِبَاتِ تَجِبُ عَلَى الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ، وَأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ - كَالزِّنَا وَالْخَمْرِ - مُبَاحٌ لِلْخَاصَّةِ دُونَ الْعَامَّةِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ قَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى كَلَامٍ أَوْ تَصَوُّفٍ أَوْ تَفَلْسُفٍ، وَهِيَ مَقَالَاتٌ بَاطِلَةٌ مَعْلُومَةُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، لَا يَخْفَى بُطْلَانُهَا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْعِلْمِ. [فصل كلام الرافضي أن عليا كان مرجع الصحابة في مشكلاتهم والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ (¬2) الصَّحَابَةُ فِي مُشْكِلَاتِهِمْ، وَرَدَّ عُمَرُ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ، قَالَ (¬3) فِيهَا: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ وَحْدَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ لَا وَاضِحِهِ وَلَا مُشْكِلِهِ، بَلْ كَانَ إِذَا نَزَلَتِ النَّازِلَةُ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 180 (م) . (¬2) ك: وَإِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجَعَ. (¬3) ك: وَقَالَ.

يُشَاوِرُهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيُشَاوِرُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَبَا مُوسَى، حَتَّى يُشَاوِرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ سِنًّا. وَكَانَ السَّائِلُ يَسْأَلُ عَلِيًّا تَارَةً، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ تَارَةً وَعُمَرَ تَارَةً. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَكْثَرَ مِمَّا سُئِلَ عَلِيٌّ، وَأَجَابَ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ، وَمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ، بَلْ عَلِيٌّ أَعْلَمُ مِنْهُ، لَكِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا. فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا يَنْقُلُ عَنْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْهُ، كَحَدِيثِ صَلَاةِ التَّوْبَةِ (¬1) وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا عُمَرُ فَكَانَ يُشَاوِرُهُمْ كُلَّهُمْ، وَإِنْ كَانَ (¬2) عُمَرُ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْقَضَايَا يَقُولُ فِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، كَالْعُمَرِيَّتَيْنِ وَالْعَوْلِ وَغَيْرِهِمَا ; فَإِنَّ عُمَرَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، أَوِ امْرَأَةٍ (¬3) وَأَبَوَيْنِ بِأَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَاتَّبَعَهُ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرُ الْفُقَهَاءِ، كَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ صَلَاةِ التَّوْبَةِ فِيمَا مَضَى 5/513 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ مَكَانَهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ، وَأَوَّلُهُ (وَهَذَا نَصُّهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) : كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . الْحَدِيثَ. (¬2) ن، س، ب: وَكَانَ. (¬3) ن، م: وَامْرَأَةٍ.

وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَخَفِيَ وَجْهُ قَوْلِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ; فَأَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ، وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ. وَقَوْلُ عُمَرَ أَصْوَبُ ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ إِذَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ. كَمَا قَالَ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 11] ، فَأَعْطَاهَا الثُّلُثَ إِذَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ، وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِيرَاثٌ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ (¬1) يَقْتَسِمَانِهِ كَمَا اقْتَسَمَا الْأَصْلَ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ مَا يَبْقَى أَثْلَاثًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ رَدَّ عُمَرَ إِلَى قَضَايَا كَثِيرَةٍ قَالَ فِيهَا: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ ". فَيُقَالُ: هَذَا لَا يُعْرَفُ أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ إِلَّا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا لِمَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ. قَالَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي عَارَضَتْهُ فِي الصَّدَاقِ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ. وَكَانَ قَدْ رَأَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ، فَلَا يُزَادُ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَنَاتِهِ، كَمَا رَأَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ أَقَلَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ. وَإِذَا كَانَ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ. وَالْفَاضِلُ قَدْ بَذَلَهُ الزَّوْجُ وَاسْتَوْفَى عِوَضَهُ (¬2) ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَسْتَحِقُّهُ، فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، كَمَا يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثَمَنُ (¬3) عَصِيرِ الْخَمْرِ إِذَا بَاعَهُ الْمُسْلِمُ، ¬

(¬1) ن: هُوَ مِنْ مِيرَاثٍ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ، م: هُوَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِنْ مِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ. (¬2) م: عَرْضَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) س: فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثَمَنُ. . .، ب: فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَثَمَنِ. . .

وَأُجْرَةُ مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِحَمْلِ الْخَمْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، عَلَى أَظْهَرِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ. فَإِنَّ مَنِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مُحَرَّمَةً بِعِوَضِهَا، كَالَّذِي يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ بِالْجُعْلِ، أَوْ يَسْتَمِعُ الْمَلَاهِيَ بِالْجُعْلِ، أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ بِالْجُعْلِ، إِنْ أُعِيدَ إِلَيْهِ جُعْلُهُ بَعْدَ قَضَاءِ غَرَضِهِ، فَهَذَا زِيَادَةٌ فِي إِعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ كَانَ يَطْلُبُهَا بِالْعِوَضِ، فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ هِيَ وَالْعِوَضُ كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِعَانَتِهِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالْمُؤَجِّرِ كَانَ قَدْ أُبِيحَ لَهُ الْعِوَضُ الْخَبِيثُ، فَصَارَ مَصْرُوفُ (¬1) هَذَا الْمَالِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَعُمَرُ إِمَامٌ عَدْلٌ، فَكَانَ قَدْ رَأَى أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْمَهْرِ الشَّرْعِيِّ يَكُونُ هَكَذَا، فَعَارَضَتْهُ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ: لِمَ تَمْنَعْنَا شَيْئًا أَعْطَانَا اللَّهُ إِيَّاهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 20] ، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَمِنْكَ نَسْمَعُ أَمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: بَلْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ الْآيَةَ ; فَقَالَ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ (¬2) . ¬

(¬1) ب: مَصْرِفُ. (¬2) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ 20 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ (ط. الشَّعْبِ 2/212 - 213) وَأَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ لِلْحَدِيثِ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ مُنَاقَشَةِ الْمَرْأَةِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ رَوَى الْخَبَرَ كَامِلًا وَفِيهِ اعْتِرَاضُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ بَعْدَهُ: " إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ " ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ لِهَذَا الْأَثَرِ. وَالْأَثَرُ مِنْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 285، 287، 340، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْتَدْرَكِ وَالسُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (انْظُرْ تَعْلِيقَ أَحْمَدَ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - 2/277 - 278) . وَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ 4/74 (ت 4) .

وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ (¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فِي حَقِّ عُمَرَ] (¬2) مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْإِلْهَامِ، بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِمِثْلِهِ، لَا فِي حَقِّ عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيٍّ، وَلَا طَلْحَةَ، وَلَا الزُّبَيْرِ (¬3) . وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» " (¬4) . قَالَ (¬5) : وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ، فَقَالُوا فِيهِ، وَقَالَ عُمَرُ فِيهِ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ» " (¬6) . وَفِي التِّرْمِذِيَّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ» " (¬7) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ نَاسٌ (¬8) مُحَدَّثُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ. . . (¬2) فِي حَقِّ عُمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن، (س) ، (ب) . (¬3) س، ب: وَلَا فِي الزُّبَيْرِ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/56. (¬5) أَيِ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي سُنَنِهِ 5/280. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/191 - 192 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي تَدْوِينِ الْعَطَاءِ) . (¬7) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68. (¬8) نَاسٌ: لَيْسَتْ فِي (م) .

يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» " (¬1) . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مُحَدَّثُونَ: أَيْ مُفَهَّمُونَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الدِّينَ» (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى (¬3) الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ". (* قَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " الْعِلْمَ» " (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: " «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ *) (¬5) ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» " (¬6) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21 (¬3) س، ب: أَرَى. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21. (¬5) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/55.

قُلْتُ: لَوِ اتَّخَذْتُ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ; فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 125] . وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ يَحْتَجِبْنَ ; فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغَيْرَةِ، فَقُلْتُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 5] ; فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ " (¬1) . وَهَذَا الْبَابُ فِي فَضَائِلِ عُمَرَ كَثِيرٌ جِدًّا. وَأَمَّا قِصَّةُ الْحُكُومَةِ فِي الْأَرْغِفَةِ (¬2) ، فَهِيَ مِمَّا يَحْكُمُ فِيهَا - وَمَا هُوَ أَدَقُّ مِنْهَا - مَنْ هُوَ (¬3) دُونَ عَلِيٍّ. وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَفَارِيعِ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّقَائِقِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذِهِ، وَلَيْسُوا مِثْلَ عَلِيٍّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقُرْعَةِ (¬4) فَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ (¬5) ، ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/22. (¬2) لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا سَبَقَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَكَلَامُ ابْنِ الْمُطَهَّرِ عَنْهَا فِي (ك) ص 180 (م) هُوَ كَمَا يَلِي: " وَأَوْضَحَ كَثِيرًا مِنَ الْمُشْكِلَاتِ: جَاءَ إِلَيْهِ شَخْصَانِ، كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ ثَلَاثَةٌ، فَجَلَسَا يَأْكُلَانِ فَجَاءَهُمَا ثَالِثٌ وَشَارَكَهُمَا، فَلَمَّا فَرَغُوا رَمَى إِلَيْهِمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، فَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ خَمْسَةً، فَأَبَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَقَلِّ، فَتَخَاصَمَا وَرَجَعَا إِلَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَالَ قَدْ أَنْصَفَكَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّ حَقِّي أَكْثَرُ وَأَنَا أُرِيدُ مِنْهُ الْحَقَّ فَقَالَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَخُذْ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَأَعْطِهِ الْبَاقِيَ ". (¬3) عِبَارَةُ " مَنْ هُوَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) قَالَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص 181 (م) : " وَوَاقَعَ مَالِكَانِ جَارِيَةً لَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَحَمَلَتْ، فَأَشْكَلَ الْحَالُ، فَتَرَافَعَا إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَكَمَ بِالْقُرْعَةِ، فَصَوَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ -، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يَعْنِي بِهِ الْقَضَاءَ بِالْإِلْهَامِ ". (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/376 - 377 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ مَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ إِذَا تَنَازَعُوا فِي الْوَلَدِ) وَنَصُّهُ: " عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَوْا عَلِيًّا يَخْتَصِمُونَ إِلَيْهِ فِي وَلَدٍ، وَقَدْ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لِاثْنَيْنِ مِنْهُمَا: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، فَقَالَ: أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، إِنِّي مُقْرِعٌ بَيْنَكُمْ فَمَنْ قُرِعَ فَلَهُ الْوَلَدُ وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَهُ لِمَنْ قُرِعَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَضْرَاسُهُ أَوْ نَوَاجِذُهُ ". قَالَ الْمُعَلِّقُ: " الْأَجْلَحُ (فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ) اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ، وَغَلِيَا: أَرَادَ بِهِ: صَاحَا. وَأَصْلُهُ فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ " غَلَتِ الْقِدْرُ تَغْلِي غَلَيَانًا. وَفِي نُسْخَةٍ: غَلَبَا (بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) . وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ رِوَايَةً أُخْرَى لِلْحَدِيثِ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/150 - 151 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ الْقُرْعَةِ فِي الْوَلَدِ إِذَا تَنَازَعُوا فِيهِ. . .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ 4/373. وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي كِتَابِهِ: " نَيْلِ الْأَوْطَارِ " 7/78 - 80، فِي كِتَابِ اللِّعَانِ، بَابِ الشُّرَكَاءِ يَطَئُونَ الْأَمَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ: " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ أَجْوَدَ مِنْ إِسْنَادِ الْمَرْفُوعِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مَسْنَدِهِ وَقَالَ فِيهِ: فَأَغْرَمَهُ ثُلْثَيْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِصَاحِبَيْهِ ". ثُمَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: " الْحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَجْلَحِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُعَدُّ فِي الشِّيعَةِ، مُسْتَقِيمُ الْحَدِيثِ. وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا صَوَابٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقَيْنِ: الْأُولَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْهُ. وَالثَّانِيَةُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْهُ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ خَيْرٍ فَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ غَيْرَ أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ الْإِرْسَالُ. انْتَهَى وَعَلَى هَذَا لَمْ تَخْلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ مِنْ عِلَّةٍ، فَالْأُولَى فِيهَا الْأَجْلَحُ، وَالثَّانِيَةُ مَعْلُولَةٌ بِالْإِرْسَالِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرْسَالِ هَا هُنَا الْوَقْفُ كَمَا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، لَا مَا هُوَ الشَّائِعُ فِي الِاصْطِلَاحِ مِنْ أَنَّهُ قَوْلُ التَّابِعِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ".

لَكِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَا يَقُولُونَ بِهَذِهِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ فَنُقِلَ عَنْهُ تَضْعِيفُ (¬1) الْخَبَرِ ; فَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وَقِيلَ أَخَذَ بِهِ. وَأَحْمَدُ أَوْسَعُ الْأَئِمَّةِ أَخْذًا بِالْقُرْعَةِ، وَقَدْ أَخَذَ بِقَضَاءِ عَلِيٍّ فِي الزُّبْيَةِ (¬2) ، وَحَدِيثُهَا أَثْبَتُ مِنْ هَذَا، رَوَاهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَخَذَ بِهِ أَحْمَدُ (¬3) . وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَمَا بَلَغَهُمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، أَوْ بَلَغَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ، وَكَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنَ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ، وَمَعْرِفَةِ صِحَّتِهَا مِنْ سَقَمِهَا، مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ. ¬

(¬1) م، س، ب: بِضَعْفِ. (¬2) ن: الرُّبْيَةِ، م: بَيْتِهِ، س، ب: الرُّتْبَةِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَالزُّبْيَةُ - كَمَا شَرَحَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُفَيْرَةٌ تُحْفَرُ لِلْأَسَدِ وَالصَّيْدِ، وَيُغَطَّى رَأْسُهَا بِمَا يَسْتُرُهَا لِيَقَعَ فِيهَا. (¬3) الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/24، 25، 236، 327 - 328 وَنَصُّهُ (2/24) : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى قَوْمٍ قَدْ بَنَوْا زُبْيَةً لِلْأَسَدِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَتَدَافَعُونَ إِذْ سَقَطَ رَجُلٌ، فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ، ثُمَّ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِآخَرَ، حَتَّى صَارُوا فِيهَا أَرْبَعَةً، فَجَرَحَهُمُ الْأَسَدُ، فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ بِحَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ، وَمَاتُوا مِنْ جِرَاحَتِهِمْ كُلُّهُمْ، فَقَامُوا أَوْلِيَاءُ الْأَوَّلِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْآخَرِ، فَأَخْرَجُوا السِّلَاحَ لِيَقْتَتِلُوا، فَأَتَاهُمْ عَلِيٌّ عَلَى تَفِيئَةِ ذَلِكَ، فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَنْ تَقَاتَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ؟ ! إِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ قَضَاءً إِنْ رَضِيتُمْ فَهُوَ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا حَجَزَ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى تَأْتُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَكُمْ، فَمَنْ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا حَقَّ لَهُ، اجْمَعُوا مِنْ قَبَائِلِ الَّذِينَ حَفَرُوا الْبِئْرَ رُبُعَ الدِّيَةِ وَثُلُثَ الدِّيَةِ وَنِصْفَ الدِّيَةِ وَالدِّيَةَ كَامِلَةً، فَلِلْأَوَّلِ الرُّبُعُ، لِأَنَّهُ هَلَكَ مَنْ فَوْقَهُ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَأَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا. فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ، وَاحْتَبَى، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنْ عَلِيًّا قَضَى بَيْنَنَا، فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". صَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَدَ الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: " عَلَى تَفِيئَةِ ذَلِكَ: أَيْ عَلَى أَثَرِهِ ". وَقَالَ: " وَالْحَدِيثُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 6/287 ".

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ عَلِيٍّ، وَلَا نِزَاعَ فِي هَذَا، لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقْضَى الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَعْرِفَةُ الْقَضَايَا بِالْإِلْهَامِ " (¬1) فَهَذَا خَطَأٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِلْهَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَنْ أُلْهِمَ أَنَّهُ صَادِقٌ حَكَمَ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِلْهَامِ، فَهَذَا (¬2) لَا يَجُوزُ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» " (¬3) . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْضِي بِالسَّمْعِ لَا بِالْإِلْهَامِ، فَلَوْ كَانَ الْإِلْهَامُ طَرِيقًا لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقَّ بِذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ يُوحِي إِلَيْهِ مَعْرِفَةَ صَاحِبِ الْحَقِّ ; فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْهَى أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا يُقْضَى لَهُ، وَلَمَا حَكَمَ فِي اللِّعَانِ بِالْفُرْقَةِ قَالَ: " إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ " فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ: " «لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» " (¬4) ¬

(¬1) وَهُوَ قَوْلُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ الْأَسْبَقِ ". . . مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يَعْنِي بِهِ الْقَضَاءَ بِالْإِلْهَامِ ". (¬2) س، ب: وَهَذَا. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/412. (¬4) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 6/100 - 101 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النُّورِ، بَابُ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ. . .) وَأَوَّلُهُ: " أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ. . . الْحَدِيثَ وَفِيهِ. . . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ " فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ " وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/369 - 370 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابٌ فِي اللِّعَانِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/12 - 13 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النُّورِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/668 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ اللِّعَانِ. وَانْظُرْ نَيْلَ الْأَوْطَارِ 7/67 - 68.

فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِالْبَيِّنَةِ (¬1) . وَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يُلْهَمُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ ; فَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ الْإِلْهَامِ ; فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ كَانَ مُلْهَمًا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي فَعُمَرُ» . وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لِعُمَرَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَقْضِيَ وَلَا يَعْمَلَ بِمُجَرَّدِ مَا يُلْقَى فِي قَلْبِهِ، حَتَّى يَعْرِضَ ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ وَافَقَهُ قَبِلَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ رَدَّهُ (¬2) . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحُكُومَةِ فِي الْبَقَرَةِ الَّتِي قَتَلَتْ حِمَارًا (¬3) ، فَهَذَا ¬

(¬1) ب: بِالشَّبَهِ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ. (¬3) لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَبْلَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَاقِعَةً أُخْرَى ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص. 181 (م) وَنَصُّ كَلَامِهِ: " وَرَكِبَتْ جَارِيَةٌ جَارِيَةً أُخْرَى فَنَخَسَتْهَا ثَالِثَةٌ، فَوَقَعَتِ الرَّاكِبَةُ فَمَاتَتْ، فَقَضَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِثُلُثَيْ دِيَتِهَا عَلَى النَّاخِسَةِ وَالْقَامِصَةِ، وَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - ". وَأَمَّا قِصَّةُ الْبَقَرَةِ فَهِيَ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ وَنَصُّهَا: " وَقَتَلَتْ بَقَرَةٌ حِمَارًا، فَتَرَافَعَ الْمَالِكَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: بَهِيمَةٌ قَتَلَتْ بَهِيمَةً، لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا: ثُمَّ مَضَيَا إِلَى عُمَرَ، فَقَضَى بِذَلِكَ أَيْضًا. ثُمَّ مَضَيَا إِلَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: إِنْ كَانَتِ الْبَقَرَةُ دَخَلَتْ عَلَى الْحِمَارِ فِي مَنَامِهِ، فَعَلَى رَبِّهَا قِيمَةُ الْحِمَارِ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ دَخَلَ عَلَى الْبَقَرَةِ فِي مَنَامِهَا فَقَتَلَتْهُ، فَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -: لَقَدْ قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ".

الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، مَعَ احْتِيَاجِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى نَصٍّ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، فَكَيْفَ يُصَدَّقُ بِشَيْءٍ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ؟ بَلِ الْأَدِلَّةُ الْمَعْلُومَةُ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ. وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُ، إِذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» " وَهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ (¬1) ، وَالتَّصْدِيقِ وَالْعَمَلِ بِهِ. وَالْعَجْمَاءُ تَأْنِيثُ أَعْجَمَ، وَكُلُّ بَهِيمَةٍ فَهِيَ عَجْمَاءُ، كَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا. وَهَذِهِ إِذَا كَانَتْ تَرْعَى فِي الْمَرَاعِي الْمُعْتَادَةِ، فَأَفْلَتَتْ نَهَارًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِهَا، حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى حِمَارٍ فَأَفْسَدَتْهُ، أَوْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/130 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابٌ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) وَنَصُّهُ: " الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ (انْظُرْ فَتْحَ الْبَارِي، الْأَرْقَامَ 2355، 6913) . وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 12/255: " الْعَجْمَاءُ. . . الْبَهِيمَةُ. . . جُبَارٌ: بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ، هُوَ الْهَدَرُ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ، كَذَا أَسْنَدَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَعَنْ مَالِكٍ: مَا لَا دِيَةَ فِيهِ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: الْعَجْمَاءُ الدَّابَّةُ الْمُنْفَلِتَةُ مِنْ صَاحِبِهَا، فَمَا أَصَابَتْ مِنَ انْفِلَاتِهَا فَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا. وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1334 - 1335 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ جُرْحِ الْعَجْمَاءِ. . . .) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/273 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ الْعَجْمَاءِ وَالْمَعْدِنِ وَالْبِئْرِ جُبَارٌ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/77 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الْعَجْمَاءَ جَرْحُهَا جُبَارٌ. . .) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/33 - 34 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْمَعْدِنِ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُوَطَّأِ مَالِكٍ.

أَفْسَدَتْ زَرْعًا، لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّهَا عَجْمَاءُ لَمْ يُفَرِّطْ صَاحِبُهَا. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ بِاللَّيْلِ، فَعَلَى صَاحِبِهَا الضَّمَانُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ; لِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فِي النَّفْشِ (¬1) ; وَلِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَإِنَّهَا دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْهُ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي مَا أَفْسَدَتْ مَوَاشِيهُمْ بِاللَّيْلِ، وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ (¬2) بِحِفْظِ حَوَائِطِهِمْ (¬3) . ¬

(¬1) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ. . .) [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ 78، 79] وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَتَيْنِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ أَوْرَدَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: " الْحَرْثُ الَّذِي نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ إِنَّمَا كَانَ كَرْمًا نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ، فَلَمْ تَدَعْ فِيهِ وَرَقَةً وَلَا عُنْقُودًا مِنْ عِنَبٍ إِلَّا أَكَلَتْهُ، فَأَتَوْا دَاوُدَ، فَأَعْطَاهُمْ رِقَابَهَا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَا، بَلْ تُؤْخَذُ الْغَنَمُ فَيُعْطَاهَا أَهْلُ الْكَرْمِ، فَيَكُونُ لَهُمْ لَبَنُهَا وَنَفْعُهَا وَيُعْطَى أَهْلُ الْغَنَمِ الْكَرْمَ فَيُصْلِحُوهُ وَيُعَمِّرُوهُ حَتَّى يَعُودَ كَالَّذِي كَانَ لَيْلَةَ نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ، ثُمَّ يُعْطَى أَهْلُ الْغَنَمِ غَنَمَهُمْ، وَأَهْلُ الْكَرْمِ كَرْمَهُمْ. وَهَكَذَا قَالَ شُرَيْحٌ وَمُرَّةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ". وَنَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي " تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْقُرْآنِ " (ص 287) : رَعَتْ لَيْلًا. (¬2) م: الْحَائِطِ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/403 - 404 (كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ، بَابُ الْمَوَاشِي تُفْسِدُ زَرْعَ قَوْمٍ (الْحَدِيثَانِ رَقْمُ 3569، 3570) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/781 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي) ، الْمُوَطَّأِ 2/747 - 748 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ الْقَضَاءِ فِي الضَّوَارِي وَالْحَرِيسَةِ) . وَقَالَ الْمُحَقِّقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ مُرْسَلًا، وَالْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ، وَتَلَقَّاهُ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، بِالْقَبُولِ، وَجَرَى عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ. قُلْتُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْصُولًا فِي. . . " وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/295، 5/435 - 436، 437.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ، وَجَعَلُوهَا دَاخِلَةً فِي الْعَجْمَاءِ. وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ نَاقَةِ الْبَرَاءِ (¬1) . وَأَمَّا إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا اعْتَدَى، وَأَرْسَلَهَا فِي زَرْعِ قَوْمٍ، أَوْ بِقُرْبِ زَرْعِهِمْ (¬2) ، أَوْ أَدْخَلَهَا إِلَى إِصْطَبْلِ الْحِمَارِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا فَأَتْلَفَتْهُ، فَهُنَا يَضْمَنُ لِعُدْوَانِهِ (¬3) . فَهَذِهِ قَضِيَّةُ الْبَقَرَةِ وَالْحِمَارِ، إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَقَرَةِ لَمْ يُفَرِّطْ، فَالتَّفْرِيطُ ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى 8/146 (ط. الْمُنِيرِيَّةِ 1350) : " وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ فِيمَا جَنَتْهُ فِي مَالٍ أَوْ دَمٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، لَكِنْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِضَبْطِهِ، فَإِنْ ضَبَطَهُ فَذَاكَ، وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يَضْبُطْهُ بِيعَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ " وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ لَيْلًا وَلَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ نَهَارًا. وَهُوَ قَضَاءُ شُرَيْحٍ وَحُكْمُ الشَّعْبِيِّ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ. قَالَ عَلِيُّ (بْنُ حَزْمٍ) : لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا سَبَقُونَا إِلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ. . فَصَحَّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّ حَرَامًا لَيْسَ هُوَ ابْنَ مُحَيِّصَةَ لِصُلْبِهِ، إِنَّمَا هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، وَسَعْدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْبَرَاءِ، وَلَا أَبُو أُمَامَةَ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنِيفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إِنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ ". ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الِاحْتِجَاجَ بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَرَدَّ ذَلِكَ، وَقَالَ: " وَلَوْ رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ ". (¬2) س، ب: زَرَعَ. (¬3) ن: لِعَدَاوَتِهِ.

مِنْ صَاحِبِ الْحِمَارِ، كَمَا لَوْ دَخَلَتِ الْمَاشِيَةُ نَهَارًا فَأَفْسَدَتِ الزَّرْعَ ; فَإِنَّ صَاحِبَ الْحِمَارِ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ الْبَابَ (¬1) ، كَمَا لَوْ دَخَلَتِ الْبَقَرَةُ عَلَى الْحِمَارِ (¬2) (* إِنْ كَانَ الْحِمَارُ نَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُفَرِّطَ بِإِدْخَالِهَا إِلَى الْحِمَارِ كَانَ ضَامِنًا. وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْحِمَارِ عَلَى الْبَقَرَةِ أَوِ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحِمَارِ *) (¬3) بِدُونِ تَفْرِيطِ (¬4) صَاحِبِهَا كَاعْتِدَاءِ صَاحِبِهَا (¬5) ، فَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَ الْبَهِيمَةِ كَالْعَبْدِ، مَا أَتْلَفَهُ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهَا، وَلَا يَكُونُ جُبَارًا، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ نَقَلَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قُلْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالَ يَكْذِبُونَ مَا يَظُنُّونَهُ مَدْحًا وَيَمْدَحُونَ بِهِ ; فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الْمَدْحِ، فَلَا صِدْقَ وَلَا عِلْمَ وَلَا عَدْلَ، فَيَضِلُّونَ (¬6) فِي الْخَيْرِ وَالْعَدْلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} [سُورَةُ يُونُسَ: 35] . ¬

(¬1) س: فَإِنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهَا الْبَابَ، ب: فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ الْبَابَ. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: كَمَا لَوْ دَخَلَ الْحِمَارُ عَلَى الْبَقَرَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَأَحْسَبُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) س: وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْحِمَارِ بِدُونِ تَفْرِيطٍ، ب: وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْبَقَرَةِ بِدُونِ تَفْرِيطٍ. (¬5) عِبَارَةُ " كَاعْتِدَاءِ صَاحِبِهَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬6) ن: يَطِلُّونَ، م: فَطَلُونَ، س، ب: يَظُنُّونَ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.

فصل قول الرافضي أن عليا كان أشجع الناس والرد عليه

[فصل قول الرافضي أن عليا كان أشجع الناس والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الرَّابِعُ: أَنَّهُ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَبِسَيْفِهِ ثَبَتَتْ (¬2) قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ، وَتَشَيَّدَتْ أَرْكَانُ الْإِيمَانِ، مَا انْهَزَمَ فِي مَوَاطِنَ (¬3) قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ بِسَيْفٍ (¬4) إِلَّا قَطَّ، طَالَمَا (¬5) كَشَفَ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ (¬6) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَفِرَّ كَمَا فَرَّ غَيْرُهُ، وَوَقَاهُ بِنَفْسِهِ لَمَّا بَاتَ عَلَى (¬7) فِرَاشِهِ، مُسْتَتِرًا بِإِزَارِهِ، فَظَنَّهُ الْمُشْرِكُونَ إِيَّاهُ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬8) - فَأَحْدَقُوا بِهِ وَعَلَيْهِمُ السِّلَاحُ، يَرْصُدُونَ طُلُوعَ الْفَجْرِ لِيَقْتُلُوهُ ظَاهِرًا ; فَيَذْهَبَ دَمُهُ لِمُشَاهَدَةِ بَنِي هَاشِمٍ قَاتِلِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْقَبَائِلِ، وَلَا يَتِمَّ لَهُمُ الْأَخْذُ بِثَأْرِهِ ; لِاشْتِرَاكِ الْجَمَاعَةِ فِي دَمِهِ، وَيَعُودَ كُلُّ قَبِيلٍ عَنْ قِتَالِ رَهْطِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 181 (م) - ص 182 (م) . (¬2) ن، م، س: ثَبَتَ. (¬3) ك (ص 182 م) : مَوْضِعٍ. (¬4) ك: بِسَيْفِهِ. (¬5) ك: وَطَالَمَا. (¬6) ن، س، ب: النَّبِيِّ. (¬7) م: فِي. (¬8) ك: وَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ - وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - أَنَّهُ هُوَ. . . .

سَبَبَ حِفْظِ دَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَّتِ السَّلَامَةُ، وَانْتَظَمَ بِهِ الْغَرَضُ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْمِلَّةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ، وَرَأَوْا (¬1) الْفَتْكَ بِهِ، ثَارَ إِلَيْهِمْ، فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ حِينَ عَرَفُوهُ (¬2) ، وَانْصَرَفُوا وَقَدْ ضَلَّتْ حِيَلُهُمْ (¬3) ، وَانْتَقَضَ تَدْبِيرُهُمْ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مِنْ شُجْعَانِ الصَّحَابَةِ، وَمِمَّنْ نَصَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِجِهَادِهِ، وَمِنْ كِبَارِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ (¬4) ، وَمِنْ سَادَاتِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمِمَّنْ قَتَلَ بِسَيْفِهِ عَدَدًا مِنَ الْكُفَّارِ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ، بَلْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا فَضْلُهُ فِي الْجِهَادِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَضْلًا عَنْ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى الْخُلَفَاءِ، فَضْلًا عَنْ تَعْيِينٍ (¬5) لِلْإِمَامَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ ". فَهَذَا كَذِبٌ، بَلْ كَانَ أَشْجَعَ (¬6) النَّاسِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) ك: وَأَرَادُوا. (¬2) ن، م، س، ب: حِينَ عَرَفَهُمْ. وَالتَّصْوِيبُ مِنْ (ك) . (¬3) ن، س، ب: حِيلَتُهُمْ. (¬4) وَالْأَنْصَارِ: لَيْسَتْ فِي (م) . (¬5) ب (فَقَطْ) : تُعَيُّنِهِ. (¬6) م: كَانَ أَشْجَعَ، س، ب: بَلْ أَشْجَعُ.

وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي (¬1) عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: " لَنْ تُرَاعُوا ". قَالَ الْبُخَارِيُّ: اسْتَقْبَلَهُمْ وَقَدِ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ» (¬2) . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " كَانَ إِذَا اشْتَدَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنَّا " (¬3) . وَالشَّجَاعَةُ تُفَسَّرُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قُوَّةُ الْقَلْبِ وَثَبَاتُهُ عِنْدَ الْمَخَاوِفِ. وَالثَّانِي: شِدَّةُ (¬4) الْقِتَالِ بِالْبَدَنِ، بِأَنْ يَقْتُلَ كَثِيرًا، وَيَقْتُلَ قَتْلًا عَظِيمًا. وَالْأَوَّلُ: هُوَ الشَّجَاعَةُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ وَعَمَلِهِ. وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ كَانَ قَوِيَّ الْقَلْبِ، وَلَا بِالْعَكْسِ ; وَلِهَذَا ¬

(¬1) م: عَلَى. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/39، 52 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ الْحَمَائِلِ وَتَعْلِيقِ السَّيْفِ بِالْعُنُقِ، بَابُ مُبَادَرَةِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْفَزَعِ، بَابُ السُّرْعَةِ وَالرَّكْضِ فِي الْفَزَعِ) ، 8/13 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الْبُخْلِ) ، مُسْلِمٍ 4/1802 - 1803 (كِتَابُ الْفَضَائِلِ، بَابٌ فِي شَجَاعَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَقَدُّمِهِ لِلْحَرْبِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/117 - 118 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الثَّبَاتِ عِنْدَ الْقِتَالِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/926 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ الْخُرُوجِ فِي النَّفِيرِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/147، 185، 261، 271. (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/228 (رَقْمَ 1042) ، 2/343 (رَقْمَ 1346) وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثَيْنِ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا بِمَعْنَاهُ 2/64 (رَقْمَ 654) وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَذَلِكَ. (¬4) شِدَّةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

تَجِدُ الرَّجُلَ الَّذِي يَقْتُلُ كَثِيرًا وَيُقَاتِلُ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَنْ يُؤَمِّنُهُ، إِذَا خَافَ أَصَابَهُ الْجُبْنُ، وَانْخَلَعَ قَلْبُهُ. وَتَجِدُ الرَّجُلَ الثَّابِتَ الْقَلْبِ، الَّذِي لَمْ يَقْتُلْ بِيَدَيْهِ كَثِيرًا، ثَابِتًا فِي الْمَخَاوِفِ، مِقْدَامًا عَلَى الْمَكَارِهِ (¬1) . وَهَذِهِ الْخَصْلَةُ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي أُمَرَاءِ الْحُرُوبِ وَقُوَّادِهِ وَمُقَدَّمِيهِ أَكْثَرَ مِنَ الْأُولَى ; فَإِنَّ الْمُقَدَّمَ إِذَا كَانَ شُجَاعَ الْقَلْبِ ثَابِتًا، أَقْدَمَ وَثَبَتَ وَلَمْ يَنْهَزِمْ، فَقَاتَلَ مَعَهُ أَعْوَانُهُ، وَإِذَا كَانَ جَبَانًا ضَعِيفَ الْقَلْبِ ذَلَّ وَلَمْ يُقْدِمْ وَلَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الشَّجَاعَةِ، الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودَةُ فِي أَئِمَّةِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَقْتُلْ بِيَدِهِ إِلَّا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، قَتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَقْتُلْ بِيَدِهِ أَحَدًا لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا. وَكَانَ أَشْجَعَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، حَتَّى إِنَّ جُمْهُورَ أَصْحَابِهِ انْهَزَمُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَغْلَةٍ، وَالْبَغْلَةُ لَا تَكِرُّ وَلَا تَفِرُّ، وَهُوَ يُقْدِمُ عَلَيْهَا إِلَى نَاحِيَةِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ يَقُولُ: « أَنَا النَّبِيُّ لَا (¬2) كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ » فَيُسَمِّي نَفْسَهُ، وَأَصْحَابُهُ قَدِ انْكَفُّوا عَنْهُ، وَعَدُوُّهُ مُقْدِمٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقْدِمٌ عَلَى عَدُوِّهِ عَلَى بَغْلَتِهِ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِعِنَانِهَا (¬3) . وَكَانَ عَلِيٌّ - وَغَيْرُهُ - يَتَّقُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ ¬

(¬1) م: مُقْدِمًا فِي الْمَكَارِهِ. (¬2) م: بِلَا. (¬3) سَبَقَ حَدِيثُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فِيمَا مَضَى 5/63، 64.

أَشْجَعُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَدْ قَتَلَ بِيَدِهِ (¬1) ، أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِذَا كَانَتِ الشَّجَاعَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْأَئِمَّةِ شَجَاعَةَ الْقَلْبِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَشْجَعَ مِنْ عُمَرَ، وَعُمَرَ أَشْجَعَ مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَهَذَا يَعْرِفُهُ مَنْ يَعْرِفُ سِيَرَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ ; فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاشَرَ الْأَهْوَالَ الَّتِي كَانَ يُبَاشِرُهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَجْبُنْ وَلَمْ يَحْرَجْ وَلَمْ يَفْشَلْ، وَكَانَ يُقْدِمُ عَلَى الْمَخَاوِفِ: يَقِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ، يُجَاهِدُ الْمُشْرِكِينَ تَارَةً بِيَدِهِ وَتَارَةً بِلِسَانِهِ وَتَارَةً بِمَالِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُقْدِمٌ. وَكَانَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَرِيشِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْعَدُوَّ يَقْصِدُونَ مَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ثَابِتُ الْقَلْبِ، رَبِيطُ الْجَأْشِ، يُظَاهِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعَاوِنُهُ، وَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو رَبَّهُ وَيَسْتَغِيثُ وَيَقُولُ: " «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ، اللَّهُمَّ، اللَّهُمَّ. . . " جَعَلَ (¬2) أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ لَهُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ هَكَذَا مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ إِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ» (¬3) . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ يَقِينِ الصِّدِّيقِ، وَثِقَتِهِ بِوَعْدِ اللَّهِ، وَثَبَاتِهِ، وَشَجَاعَتِهِ: شَجَاعَةً إِيمَانِيَّةً (¬4) زَائِدَةً عَلَى الشَّجَاعَةِ الطَّبِيعِيَّةِ. ¬

(¬1) بِيَدِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) س، ب: وَجَعَلَ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/130 - 131. (¬4) م: إِيمَانٍ.

وَكَانَ حَالُ رَسُولِ اللَّهِ أَكْمَلَ مِنْ حَالِهِ، وَمَقَامُهُ أَعْلَى مِنْ مَقَامِهِ. وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ - كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ - أَنَّ حَالَ أَبِي بَكْرٍ أَكْمَلَ (¬1) - نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَلَا نَقْصَ فِي اسْتِغَاثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَتَكَلَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِخَطَلٍ مِنَ الْقَوْلِ مَرْدُودٍ عَلَى مَنْ قَالَهُ، بَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - جَامِعًا كَامِلًا، لَهُ مِنْ كُلِّ مَقَامٍ ذُرْوَةُ سَنَامِهِ وَوَسِيلَتُهُ، فَيَعْلَمُ أَنَّ الِالْتِفَاتَ إِلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَحْوَ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابَ قَدْحٍ فِي الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاضَ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ الْمُشْرِكِينَ وَيُقِيمَ الدِّينَ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَتَحْرِيضِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِاللَّهِ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِهِ وَالدُّعَاءَ لَهُ فِيهِ أَعْظَمُ الْجِهَادِ وَأَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي تَحْصِيلِ الْمَأْمُورِ وَدَفْعِ الْمَحْذُورِ. وَلِهَذَا كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ (¬2) ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ - وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ - أَخْبَرَ (¬3) أَصْحَابَهُ بِمَصَارِعِهِمْ، وَقَالَ: " هَذَا مَصْرَعُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهَذَا مَصْرَعُ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهَذَا مَصْرَعُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَهَذَا مَصْرَعُ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، ¬

(¬1) س، ب: أَكْبَرَ. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَوَّلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ وَيَقُولُ: " هَلْ تُنْصَرُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ". انْظُرْ مَا سَبَقَ 4/483. (¬3) ن، م: قُرَيْشٌ وَقَدْ خَرَجَ وَأَخْبَرَ.

وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ " (¬1) ، ثُمَّ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ، يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى شَيْئًا يَكُونُ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَقْضِيَهُ بِأَسْبَابٍ تَكُونُ، وَأَنَّ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا يَكُونُ الْعِبَادُ مَأْمُورِينَ بِهِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الِاسْتِغَاثَةُ (¬2) بِاللَّهِ، فَقَامَ بِمَا يُؤْمَرُ بِهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ مَا وُعِدَ بِهِ، كَمَا أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ وَيُطِيعُهُ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ لَهُ السَّعَادَةَ فِي الْآخِرَةِ. وَالْقَلْبُ إِذَا غَشِيَتْهُ الْهَيْبَةُ وَالْمَخَافَةُ وَالتَّضَرُّعُ قَدْ يَغِيبُ عَنْهُ شُهُودُ مَا يَعْلَمُهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ، مُصَدِّقًا لَهُ، وَلَا أَنْ يَكُونَ فِي اجْتِهَادٍ وَجِهَادٍ بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ. وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ (¬3) ، ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ جَاءَ حَدِيثٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 3/1403 - 1404 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ غَزْوَةِ بَدْرٍ) فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاوَرَ أَصْحَابَهُ. . إِلَخْ وَفِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ " قَالَ: وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ، هَاهُنَا وَهَاهُنَا. قَالَ فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ (أَيْ تَبَاعَدَ) عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِمَعْنَاهُ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/267، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ (تَحْقِيقُ مُصْطَفَى عَبْد الْوَاحِدِ) 2/392 - 393، زَادِ الْمَعَادِ 3/173 - 174. عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ يُشْبِهُ خَبَرَ رُؤْيَا جُهَيْمِ بْنِ الصَّلْتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ (سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/270) قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، وَإِنِّي لَبَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حَتَّى وَقَفَ وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ. . إِلَخْ. وَانْظُرِ السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ لِابْنِ كَثِيرٍ 2/398 - 399. (¬2) س، ب: الِاسْتِعَانَةُ. (¬3) ن، م، س: لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ. وَكُتِبَ فِي هَامِشِ (س) مَا يَلِي: " لَعَلَّ " لَمْ " زَائِدَةٌ مِنْ سَهْوِ النَّاسِخِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ - نَاقِلِهِ ".

لَمْ يَمْنَعْ (¬1) أَنْ يَجِدَ بَعْضَ أَلَمِ الْمَوْتِ، وَالْمَرِيضُ الَّذِي إِذَا أُخْبِرَ أَنَّ فِي دَوَائِهِ الْعَافِيَةَ، لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَجِدَ مَرَارَةَ الدَّوَاءِ - فَقَامَ مُجْتَهِدًا فِي الدُّعَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَكَانَ هُوَ رَأْسَ الْأَمْرِ، وَقُطْبَ رَحَى الدِّينِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِأَفْضَلَ مِمَّا (¬2) يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ. وَذَلِكَ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغَاثَةُ كَانَ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا النَّصْرُ. وَمَقَامُ أَبِي بَكْرٍ دُونَ هَذَا، وَهُوَ مُعَاوَنَةُ الرَّسُولِ وَالذَّبُّ عَنْهُ، وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّا وَاثِقُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّظَرُ إِلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ، وَهَلْ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا؟ وَالنَّظَرُ إِلَى صُفُوفِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا تَخْتَلَّ، وَتَبْلِيغُ الْمُسْلِمِينَ مَا يَأْمُرُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ النَّاسَ إِذَا لَمْ يَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ. وَهَذِهِ الْحَالُ كَانَ الْخَوْفُ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ. وَالْوَزِيرُ مَعَ الْأَمِيرِ لَهُ حَالٌ، وَلِلْأَمِيرِ (¬3) حَالٌ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ الرَّسُولِ ¬

(¬1) ب: لَمْ يَمْنَعْهُ. (¬2) ن، م، س: مَا. (¬3) م: وَالْأَمِينِ، ب: وَالْأَمِيرِ.

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْجَعَ مِنْهُ ; وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِهِمْ، حَتَّى أَوْهَنَتِ الْعُقُولَ، وَطَيِّشَتِ (¬1) الْأَلْبَابَ، وَاضْطَرَبُوا اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ (¬2) الْبَعِيدَةِ الْقَعْرِ، فَهَذَا يُنْكِرُ مَوْتَهُ، وَهَذَا قَدْ أُقْعِدَ، وَهَذَا قَدْ دُهِشَ فَلَا يَعْرِفُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ وَمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ يَضِجُّونَ بِالْبُكَاءِ، وَقَدْ وَقَعُوا فِي نُسْخَةِ الْقِيَامَةِ، وَكَأَنَّهَا قِيَامَةٌ صُغْرَى مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى، وَأَكْثَرُ الْبَوَادِي قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ، وَذَلَّتْ كُمَاتُهُ، فَقَامَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَلْبٍ ثَابِتٍ، وَفُؤَادٍ شُجَاعٍ، فَلَمْ يَجْزَعْ، وَلَمْ يَنْكُلْ، قَدْ جُمِعَ لَهُ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: " مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَسْمَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا الصِّدِّيقُ (¬3) ، فَلَا تَجِدُ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يَتْلُوهَا، ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَثَبَّتَهُمْ وَشَجَّعَهُمْ. قَالَ أَنَسٌ: " خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكُنَّا كَالثَّعَالِبِ، فَمَا زَالَ يُشَجِّعُنَا حَتَّى صِرْنَا كَالْأُسُودِ ". ¬

(¬1) م: أُذْهِبَ الْعُقُولُ وَطَاشَتِ. (¬2) الرِّشَاءُ: الْحَبْلُ، أَوْ حَبْلُ الدَّلْوِ وَنَحْوِهِ. . . وَالْجَمْعُ أَرْشِيَةٌ. وَالطَّوِيُّ: الْبِئْرُ الْمَطْوِيَّةُ بِالْحِجَارَةِ، مُذَكَّرٌ، فَإِنْ أُنِّثَ فَعَلَى الْمَعْنَى. . (¬3) م: تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ.

وَأَخَذَ فِي تَجْهِيزِ أُسَامَةَ، مَعَ إِشَارَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، مَعَ إِشَارَتِهِمْ عَلَيْهِ بِالتَّمَهُّلِ وَالتَّرَبُّصِ، وَأَخَذَ يُقَاتِلُ حَتَّى مَانِعِي الزَّكَاةِ، فَهُوَ مَعَ الصَّحَابَةِ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا جَهِلُوا، وَيُقَوِّيهِمْ إِذَا ضَعُفُوا، وَيَحُثُّهُمْ إِذَا فَتَرُوا، فَقَوَّى اللَّهُ بِهِ عِلْمَهُمْ وَدِينَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ - مَعَ كَمَالِ قُوَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ - يَقُولُ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ تَأَلَّفِ النَّاسَ، فَيَقُولُ: عَلَامَ أَتَأَلَّفُهُمْ؟ أَعَلَى دِينٍ مُفْتَرًى؟ أَمْ عَلَى شِعْرٍ مُفْتَعَلٍ؟ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ يَطُولُ وَصْفُهُ. فَالشُّجَاعَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنِ الْإِمَامِ لَمْ تَكُنْ فِي أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلَ مِنْهَا فِي أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ. وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ غَيْرَ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ قَتَلَ مِنَ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلَ عَلِيٌّ، فَإِنْ كَانَ مَنْ قَتَلَ أَكْثَرَ يَكُونُ أَشْجَعَ، فَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَشْجَعُ مِنْ عَلِيٍّ، فَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ (¬1) - أَخُو أَنَسٍ - قَتَلَ مِائَةَ رَجُلٍ مُبَارَزَةً، غَيْرَ مَنْ شُورِكَ فِي دَمِهِ. وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَلَا يُحْصِي عَدَدَ مَنْ قَتَلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَقَدِ انْكَسَرَ فِي يَدِهِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَتَلَ أَضْعَافَ مَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ. وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ مَعَ الشَّجَاعَةِ الطَّبِيعِيَّةِ شَجَاعَةٌ دِينِيَّةٌ، وَهِيَ قُوَّةٌ (¬2) يَقِينِيَّةٌ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَثِقَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَهَذِهِ الشَّجَاعَةُ لَا تَحْصُلُ بِكُلِّ مَنْ كَانَ (¬3) قَوِيَّ الْقَلْبِ، لَكِنَّ هَذِهِ تَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، ¬

(¬1) ن، م: فَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) س، ب: دِينِيَّةٌ وَقُوَّةٌ. . . (¬3) س: لَا تَحْصُلُ لَكِنْ مَنْ كَانَ (وَفِي الْهَامِشِ: لَعَلَّهُ: إِلَّا لِمَنْ) ، ب: إِلَّا لِمَنْ كَانَ. .

وَتَنْقُصُ بِنَقْصِ ذَلِكَ، فَمَتَى تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَغْلِبُ عَدُوَّهُ كَانَ إِقْدَامُهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ إِقْدَامِ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَهَذَا كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَجَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَيْقَنُوا بِخَبَرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: أَنَّهُمْ مَنْصُورُونَ وَأَنَّ اللَّهَ (¬1) يَفْتَحُ لَهُمُ الْبِلَادَ. وَمِنْ شَجَاعَةِ الصِّدِّيقِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو (¬2) عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي (¬3) عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَهُ عَنْهُ، وَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 28] (¬4) . ¬

(¬1) س، ب: وَاللَّهُ. . (¬2) م: بْنَ عُمَرَ. (¬3) س، ب: مِنْ. . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/10 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. . .) 5/46 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ) ، 6/127 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْمُؤْمِنِ) ، الْمُسْنَدِ 11/143 - 144 وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ (7: 292) مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي التَّارِيخِ (3: 45 - 46) مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ الْوَلِيدِ. وَقَالَ فِي التَّارِيخِ: " انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ " يَعْنِي عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ، كَمَا يَتَبَيَّنُ مِنْ ذَخَائِرَ الْمَوَارِيثِ 4535) ".

فصل الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله

[فصل الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله] (فَصْلٌ) وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّجَاعَةَ إِنَّمَا فَضِيلَتُهَا فِي الدِّينِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِلَّا فَالشَّجَاعَةُ إِذَا لَمْ يَسْتَعِنْ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَتْ: إِمَّا وَبَالًا عَلَيْهِ إِنِ اسْتَعَانَ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، وَإِمَّا غَيْرَ نَافِعَةٍ لَهُ إِنِ اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا لَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَشَجَاعَةُ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ، وَخَالِدٍ وَأَبِي دُجَانَةَ، وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي طَلْحَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ شُجْعَانِ الصَّحَابَةِ - إِنَّمَا صَارَتْ مِنْ فَضَائِلِهِمْ لِاسْتِعَانَتِهِمْ بِهَا عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; فَإِنَّهُمْ بِذَلِكَ اسْتَحَقُّوا مَا حَمِدَ اللَّهُ بِهِ الْمُجَاهِدِينَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجِهَادَ مِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْقِتَالِ بِالْيَدِ (¬1) ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالدَّعْوَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 51، 52] ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُجَاهِدَ الْكُفَّارَ بِالْقُرْآنِ جِهَادًا كَبِيرًا (¬2) ، وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ، (* وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْجِهَادُ (¬3) بِالْعِلْمِ وَالْقَلْبِ وَالْبَيَانِ وَالدَّعْوَةِ لَا بِالْقِتَالِ *) (¬4) . وَأَمَّا الْقِتَالُ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّدْبِيرِ وَالرَّأْيِ، ¬

(¬1) بِالْيَدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) ن، م، س: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قِتَالُ الْجِهَادِ. . . (¬4) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

وَيَحْتَاجُ إِلَى شَجَاعَةِ الْقَلْبِ، وَإِلَى الْقِتَالِ بِالْيَدِ. وَهُوَ إِلَى الرَّأْيِ وَالشَّجَاعَةِ فِي الْقَلْبِ فِي الرَّأْسِ الْمُطَاعِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُقَدَّمَانِ فِي أَنْوَاعِ الْجِهَادِ غَيْرَ قِتَالِ الْبَدَنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ (¬1) : " وَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ جِهَادًا وَطَعْنًا فِي الْكُفَّارِ وَضَرْبًا، وَالْجِهَادُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ. قَالَ (¬2) : وَهَذَا خَطَأٌ ; لِأَنَّ الْجِهَادَ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا: الدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاللِّسَانِ. وَالثَّانِي: الْجِهَادُ عِنْدَ الْحَرْبِ بِالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ. وَالثَّالِثُ: الْجِهَادُ بِالْيَدِ فِي الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ. فَوَجَدْنَا الْجِهَادَ بِاللِّسَانِ لَا يَلْحَقُ فِيهِ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ. أَمَّا أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّ أَكَابِرَ الصِّحَابِ أَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْهِ، فَهَذَا أَفْضَلُ عَمَلٍ، وَلَيْسَ لَعَلِيٍّ مِنْ هَذَا كَثِيرُ حَظٍّ، وَأَمَّا عُمَرُ: فَإِنَّهُ مِنْ يَوْمِ أَسْلَمَ عَزَّ الْإِسْلَامُ، وَعُبِدَ اللَّهُ عَلَانِيَةً (¬3) ، وَهَذَا أَعْظَمُ الْجِهَادِ. وَقَدِ انْفَرَدَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ بِهَذَيْنِ الْجِهَادَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا نَظِيرَ لَهُمَا، وَلَا حَظَّ لِعَلِيٍّ فِي هَذَا. وَبَقِيَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ الرَّأْيُ وَالْمَشُورَةُ (¬4) ، فَوَجَدْنَاهُ خَالِصًا لِأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ لِعُمَرَ. ¬

(¬1) فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلِ " 4/211 - 212. (¬2) الْفِصَلَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ. (¬3) الْفَصْلُ: عَزَّ الْإِسْلَامُ، وَعُبِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَكَّةَ جَهْرًا، وَجَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ بِيَدَيْهِ، فَضَرَبَ وَضُرِبَ حَتَّى مَلُّوهُ فَتَرَكُوهُ، فَعُبِدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَانِيَةً (¬4) ن، م، س: وَالْمَشْهُورُ. وَفِي هَامِشِ (س) كُتِبَ: " كَذَا فِي الْأَصْلِ ". وَفِي (ب) : وَالتَّدْبِيرُ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْفِصَلِ ".

بَقِيَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ وَالْمُبَارَزَةُ، فَوَجَدْنَاهُ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الْجِهَادِ بِبُرْهَانٍ ضَرُورِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي أَنَّهُ الْمَخْصُوصُ بِكُلِّ فَضِيلَةٍ، فَوَجَدْنَا جِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا كَانَ فِي أَكْثَرِ أَعْمَالِهِ وَأَحْوَالِهِ بِالْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّدْبِيرِ وَالْإِرَادَةِ (¬1) ، وَكَانَ أَقَلَّ عَمَلِهِ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ وَالْمُبَارَزَةُ، لَا عَنْ جُبْنٍ، بَلْ كَانَ أَشْجَعَ أَهْلِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً نَفْسًا وَيَدًا، وَأَتَمَّهُمْ نَجْدَةً، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَيُقَدِّمُهُ (¬2) وَيَشْتَغِلُ بِهِ، وَوَجَدْنَاهُ (¬3) يَوْمَ بَدْرٍ - وَغَيْرَهُ - كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ لَا يُفَارِقُهُ، إِيثَارًا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِذَلِكَ، وَاسْتِظْهَارًا بِرَأْيِهِ فِي الْحَرْبِ، وَأُنْسًا بِمَكَانِهِ، ثُمَّ كَانَ عُمَرُ رُبَّمَا شُورِكَ (* فِي ذَلِكَ، وَقَدِ انْفَرَدَ بِهَذَا الْمَحَلِّ دُونَ عَلِيٍّ، وَدُونَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، إِلَّا فِي النُّدْرَةِ. ثُمَّ نَظَرْنَا مَعَ ذَلِكَ فِي *) (¬4) هَذَا الْقِسْمِ مِنَ (¬5) الْجِهَادِ، الَّذِي هُوَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ (¬6) وَالْمُبَارَزَةُ، فَوَجَدْنَا عَلِيًّا لَمْ يَنْفَرِدْ بِالسُّيُوفِ (¬7) فِيهِ، بَلْ قَدْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ شَرِكَةَ الْعِيَانِ (¬8) ، كَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ، وَمَنْ (¬9) قُتِلَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، كَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمُصْعَبِ بْنِ ¬

(¬1) الْفَصْلُ: وَالْإِدَارَةِ. (¬2) الْفَصْلُ: قَدَّمَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬3) ن، م، س: وَوَجَدْنَا. (¬4) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) ن، س، ب: فِي. (¬6) ن، س، ب: الضَّرْبُ وَالطَّعْنُ. (¬7) الْفَصْلُ: بِالْبُسُوقِ. (¬8) م، الْفَصْلُ: الْعِنَانِ. (¬9) الْفِصَلَ: وَمِمَّنْ. . .

فصل التعليق على قول الرافضي بسيفه ثبت قواعد الإسلام

عُمَيْرٍ، وَمِنَ الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَسِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ (¬1) - يَعْنِي أَبَا دُجَانَةَ - وَغَيْرُهُمَا، وَوَجَدْنَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ شَارَكَاهُ فِي ذَلِكَ بِحَظٍّ حَسَنٍ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقَا بِحُظُوظِ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِشُغْلِهِمَا بِالْأَفْضَلِ مِنْ مُلَازَمَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُؤَازَرَتِهِ فِي حِينِ الْحَرْبِ، وَقَدْ بَعَثَهُمَا عَلَى الْبُعُوثِ أَكْثَرَ مِمَّا بَعَثَ عَلِيًّا، وَقَدْ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَبَعَثَ [عُمَرَ] (¬2) إِلَى بَنِي فُلَانٍ، وَمَا نَعْلَمُ لِعَلِيٍّ بَعْثًا إِلَّا إِلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ فَفَتَحَهُ (¬3) . فَحَصَلَ أَرْفَعُ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ (¬4) لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَدْ شَارَكَا عَلِيًّا فِي أَقَلِّ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ، مَعَ جَمَاعَةٍ غَيْرِهِمْ ". [فصل التعليق على قول الرافضي بسيفه ثبت قواعد الإسلام] (فَصْلٌ) قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: " بِسَيْفِهِ ثَبَّتَ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ (¬5) وَتَشَيَّدَتْ أَرْكَانُ الدِّينِ " (¬6) . فَهَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ لِكُلِّ مَنْ عَرَفَ الْإِسْلَامَ، بَلْ سَيْفُهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءٍ ¬

(¬1) س، ب: وَسِمَاكُ بْنُ حَارِثَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 4/59 أَبَا دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: " اسْمُهُ: سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، وَقِيلَ: ابْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ " وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " الِاسْتِيعَابِ " 4/59. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 2/75 صَحَابِيًّا آخَرَ اسْمُهُ " سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ الْأَنْصَارِيُّ " وَقَالَ: " آخَرُ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي دُجَانَةَ ". (¬2) عُمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) ، (ب) ، وَأَثْبَتُّهَا مِنَ الْفَصْلِ 4/212. (¬3) الْفَصْلُ: فَفَتَحَهُ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ قَبْلَهُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمْ يَفْتَحَاهُ. (¬4) الْفَصْلُ: الْجِهَادِ خَالِصًا. . . (¬5) ن، م، س: الْإِيمَانِ. وَسَبَقَتِ الْعِبَارَةُ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص. 95 وَفِيهَا: الْإِسْلَامِ. (¬6) سَبَقَتِ الْعِبَارَةُ مِنْ قَبْلُ وَفِيهَا: أَرْكَانُ الْإِيمَانِ، وَكَذَا هِيَ فِي (ك) .

كَثِيرَةٍ، جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ أَسْبَابِ تَثْبِيتِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْوَقَائِعِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا الْإِسْلَامُ لَمْ يَكُنْ لِسَيْفِهِ فِيهَا تَأْثِيرٌ، كَيَوْمِ بَدْرٍ: كَانَ سَيْفًا مِنْ سُيُوفٍ كَثِيرَةٍ. وَقَدْ قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ غَزَوَاتِ الْقِتَالِ كُلَّهَا كَانَتْ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، وَعَلِيٌّ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَشْهَدْ قِتَالَ الرُّومِ وَفَارِسَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لِعَلِيٍّ غَزَاةٌ أَثَّرَ فِيهَا تَأْثِيرًا مُنْفَرِدًا كَثِيرًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَانَ نَصْرُهُ فِي الْمَغَازِي تَبَعًا لِنَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْحُرُوبُ الْكِبَارُ الَّتِي كَانَ فِيهَا هُوَ الْأَمِيرَ ثَلَاثَةٌ: يَوْمُ الْجَمَلِ، وَالصِّفِّينُ، وَالنَّهْرَوَانُ. وَفِي الْجَمَلِ وَالنَّهْرَوَانِ كَانَ مَنْصُورًا ; فَإِنَّ جَيْشَهُ كَانَ أَضْعَافَ الْمُقَاتِلِينَ لَهُ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَسْتَظْهِرْ عَلَى الْمُقَاتِلِينَ لَهُ (¬1) ، بَلْ مَا زَالُوا مُسْتَظْهِرِينَ عَلَيْهِ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ إِلَى كَرَامَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ، وَأَمْرُهُ يَضْعُفُ، وَأَمْرُ الْمُقَاتِلِينَ لَهُ يَقْوَى. وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْتِصَارَ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لَهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ نَصْرًا مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، وَلِمَنْ قَاتَلَ مَعَهُ عَلَى دِينِهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 51] . وَكَذَلِكَ انْتِصَارُ غَيْرِ عَلِيٍّ، كَانْتِصَارِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى مَنْ قَاتَلُوهُ، إِنَّمَا كَانَ نَصْرًا مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، كَمَا وَعَدَهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ. ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

فصل التعليق على قول الرافضي ما انهزم علي قط

[فصل التعليق على قول الرافضي ما انهزم علي قط] (فَصْلٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَا انْهَزَمَ قَطُّ ". فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَالْقَوْلُ فِي أَنَّهُ مَا انْهَزَمَ، كَالْقَوْلِ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ مَا انْهَزَمُوا قَطُّ. وَلَمْ يُعْرَفْ لِأَحَدٍ (¬1) مِنْ هَؤُلَاءِ هَزِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ شَيْءٌ فِي الْبَاطِنِ وَلَمْ يُنْقَلْ، فَيُمْكِنُ أَنَّ عَلِيًّا وَقَعَ مِنْهُ مَا لَمْ يُنْقَلْ. وَالْمُسْلِمُونَ كَانَتْ لَهُمْ هَزِيمَتَانِ: يَوْمَ أُحُدٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ انْهَزَمَ، بَلِ الْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ وَالْمَغَازِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ثَبَتَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَلَمْ يَنْهَزِمَا مَعَ مَنِ انْهَزَمَ. وَمَنْ نَقَلَ أَنَّهُمَا انْهَزَمَا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَكَذِبُهُ مَعْلُومٌ. وَإِنَّمَا الَّذِي انْهَزَمَ يَوْمَ أُحُدٍ عُثْمَانُ، وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. وَمَا نُقِلَ مِنَ انْهِزَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالرَّايَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَمِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمُخْتَلَقَةِ الَّتِي افْتَرَاهَا الْمُفْتَرُونَ. وَقَوْلُهُ: " مَا ضَرَبَ بِسَيْفِهِ إِلَّا قَطَّ ". فَهَذَا لَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ وَلَا انْتِفَاؤُهُ، وَلَيْسَ مَعَنَا فِي ذَلِكَ نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي خَالِدٍ وَالزُّبَيْرِ، وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي دُجَانَةَ، وَأَبِي طَلْحَةَ وَنَحْوِهِمْ: إِنَّهُ مَا ضَرَبَ بِسَيْفِهِ إِلَّا قَطَّ، كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كَالْقَوْلِ فِي عَلِيٍّ، بَلْ صِدْقُ هَذَا فِي مِثْلِ خَالِدٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ أَوْلَى. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» (¬2) . فَإِذَا قِيلَ فِيمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ سُيُوفِهِ: إِنَّهُ مَا ¬

(¬1) ن، م: لَمْ يُعْرَفْ لِوَاحِدٍ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/477.

ضَرَبَ إِلَّا قَطَّ (¬1) ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الصِّدْقِ، مَعَ كَثْرَةِ مَا عُلِمَ مِنْ قَتْلِ خَالِدٍ فِي الْحُرُوبِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَنْصُورًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَطَالَمَا كَشَفَ الْكُرُوبَ عَنْ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". فَهَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ، مِنْ جِنْسِ أَكَاذِيبِ الطُّرُقِيَّةِ ; فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّ عَلِيًّا كَشَفَ كُرْبَةً عَنْ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ، بَلْ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهَمَا كَانَا أَكْثَرَ جِهَادًا مِنْهُ، بَلْ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي طَالَمَا كَشَفَ عَنْ وُجُوهِهِمُ الْكُرَبَ. لَكِنْ أَبُو بَكْرٍ دَفَعَ عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَضْرِبُوهُ وَيَقْتُلُوهُ بِمَكَّةَ، جَعَلَ يَقُولُ: " أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبِّيَ اللَّهُ "، حَتَّى ضَرَبُوا أَبَا بَكْرٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ مِثْلَ هَذَا. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْرِكِينَ أَحَاطُوا بِهِ حَتَّى خَلَّصَهُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيٌّ بِسَيْفِهِ، فَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ، لَكِنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ - وَأَمْثَالَهُ - كَأَنَّهُمْ قَدْ طَالَعُوا (¬2) السِّيَرَ وَالْمَغَازِيَ الَّتِي وَضَعَهَا الْكَذَّابُونَ وَالطُّرُقِيَّةُ، مِثْلَ كِتَابِ " تَنَقُّلَاتِ الْأَنْوَارِ " لِلْبَكْرِيِّ الْكَذَّابِ وَأَمْثَالِهِ، مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُذْكَرُ فِي سِيرَةِ الْبَطَّالِ وَدَلْهَمَةَ وَالْعَيَّارِ وَأَحْمَدَ الدَّنِفِ وَالزَّيْبَقِ الْمِصْرِيِّ، وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي يَحْكُونَهَا عَنْ هَارُونَ وَوَزِيرِهِ مَعَ الْعَامَّةِ، وَالسِّيرَةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي وُضِعَتْ لِعَنْتَرَةَ بْنِ شَدَّادٍ. وَقَدْ وَضَعَ الْكَذَّابُونَ فِي مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هُوَ ¬

(¬1) فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": الْقَطُّ: الْقَطْعُ عَامَّةً ". (¬2) م: كَانُوا قَدْ طَالَعُوا.

مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَهَذَا يُصَدِّقُهُ الْجُهَّالُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَبِيتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَوْفٌ عَلَى عَلِيٍّ أَصْلًا، وَأَشْهَرُ مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ ذَبُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ، لَمَّا وَلَّى أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مُدْبِرِينَ، فَطَمِعَ الْعَدُوُّ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَرَصُوا عَلَى قَتْلِهِ، وَطَلَبَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ قَتْلَهُ (¬1) ، فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ، وَشَجَّ الْمُشْرِكُونَ جَبِينَهُ، وَهَشَّمُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِهِ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ. وَذَبَّ عَنْهُ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ جَعَلَ يَرْمِي وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهُ (¬2) : " «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» " (¬3) . وَوَقَاهُ طَلْحَةُ بِيَدِهِ، فَشُلَّتْ يَدُ طَلْحَةَ (¬4) ، وَقُتِلَ حَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. ¬

(¬1) س: وَطَمَّعَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ قَتْلُهُ، ب: وَطَمِعَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي قَتْلِهِ. (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/39 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ الْمِجَنِّ وَمَنْ يَتَتَرَّسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ) وَلَفْظُهُ: " مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي " وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1876 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. . .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/314 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي إِسْحَاقَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. .) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/47 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . فَضْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/91، 220 - 266 - 267. (¬4) فِي الْبُخَارِيِّ 5/97 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا. .) عَنْ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ.

فصل كلام الرافضي: وفي غزاة بدر والرد عليه

وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَمَرَ فَاطِمَةَ بِغَسْلِ سَيْفِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: اغْسِلِيهِ غَيْرَ ذَمِيمٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ تَكُنْ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ» وَعَدَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ (¬1) . [فصل كلام الرافضي: وفي غزاة بدر والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَفِي غَزَاةِ بَدْرٍ، وَهِيَ أَوَّلُ الْغَزَوَاتِ، كَانَتْ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ (¬3) ، وَعُمْرُهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، قَتَلَ مِنْهُمْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا بِانْفِرَادِهِ، وَهُمْ (¬4) أَعْظَمُ مِنْ نِصْفِ الْمَقْتُولِينَ، وَشَرَكَ فِي الْبَاقِينَ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَيِّنِ الْمُفْتَرَى، بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعَالِمِينَ بِالسِّيَرِ وَالْمَغَازِي. وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا أَحَدٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ وَضْعِ جُهَّالِ الْكَذَّابِينَ، بَلْ فِي الصَّحِيحِ قُتِلَ غَيْرُ وَاحِدٍ لَمْ يَشْرَكْ عَلِيٌّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ، مِثْلَ أَبِي جَهْلٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَمِثْلَ أَحَدِ ابْنَيْ رَبِيعَةَ: إِمَّا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَإِمَّا شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَغَيْرِهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا بَرَزَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةٌ: عُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، وَالْوَلِيدُ، فَانْتُدِبَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْخَبَرُ فِيمَا مَضَى 4/481، وَهُوَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/106 بِمَعْنَاهُ. (¬2) فِي (ك) ص 182 (م) . (¬3) ك: مِنْ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ. (¬4) س، ب: وَهُوَ

لَهُمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَسَمُّوا أَنْفُسَهُمْ (¬1) . فَقَالُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، وَلَكِنْ نُرِيدُ بَنِي عَمِّنَا. فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَارِبَهُ بِالْبُرُوزِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: " «قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ، قُمْ يَا عَلِيُّ» "، وَكَانَ أَصْغَرَ الْمُشْرِكِينَ هُوَ الْوَلِيدُ، وَأَصْغَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلِيٌّ، فَبَرَزَ هَذَا إِلَى هَذَا، فَقَتَلَ عَلِيٌّ قِرْنَهُ، وَقَتَلَ حَمْزَةُ قِرْنَهُ. قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ عُتْبَةَ، وَقِيلَ: كَانَ شَيْبَةَ. وَأَمَّا عُبَيْدَةُ فَجَرَحَ قِرْنَهُ، وَسَاعَدَهُ حَمْزَةُ عَلَى قَتْلِ قِرْنِهِ، وَحُمِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ (¬2) . وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَقْتُلْ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفَرًا دُونَ الْعَشَرَةِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ. وَغَايَةُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَقَبْلَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَكَذَلِكَ الْأُمَوِيُّ (¬3) ، ¬

(¬1) م: نُفُوسَهُمْ. (¬2) انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/177. وَجَاءَ الْخَبَرُ فِي حَدِيثٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/71 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الْمُبَارَزَةِ) ، الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ) 2/192 - 194 (حَدِيثٌ رَقْمُ 948) . (¬3) اشْتُهِرَ مِنْ مُؤَرِّخِي السِّيرَةِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَيُعْرَفُ بِالْأُمَوِيِّ وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْأُمَوِيُّ (بِالْوَلَاءِ) الدِّمَشْقِيُّ وُلِدَ سَنَةَ 119 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 195، كَانَ عَالِمَ الشَّامِ فِي عَصْرِهِ، مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَمِنْ كُتَّابِ السِّيرَةِ وَالْمَغَازِي، أَلَّفَ حَوَالَيْ 70 كِتَابًا مِنْهَا كِتَابُ " الْمَغَازِي " وَقَدْ وَصَلَ إِلَيْنَا مِنْهُ قِطَعٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. انْظُرْ: شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/344، الْأَعْلَامَ 9/143، سِزْكِينَ م [0 - 9] ج [0 - 9] ، ص 98 وَلَكِنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يُحَدِّدُ لَنَا مَنْ يَقْصِدُهُ بِالْأُمَوِيِّ بَعْدَ صَفَحَاتٍ (ص. 116) فَيَقُولُ: وَسَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ مِنَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَوْ مِنَ النُّسَّاخِ. وَالصَّوَابُ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبَانَ، أَبُو أَيُّوبَ، الْأُمْوَرِيُّ، الْكُوفِيُّ وُلِدَ سَنَةَ 114 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 194 وَلَهُ كِتَابُ " الْمَغَازِي " ذَكَرَهُ سِزْكِينُ م 1 ج 2 ص 97 - 98، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ: وَانْظُرْ أَيْضًا: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 11/213 - 214 تَذْكِرَةَ الْحُفَّاظِ 1/325 - 326.

فصل كلام الرافضي: وفي غزاة أحد لما انهزم الناس والرد عليه

جَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، وَاخْتُلِفَ فِي سِتَّةِ أَنْفُسٍ، هَلْ قَتَلَهُمْ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، وَشَارَكَ فِي ثَلَاثَةٍ. هَذَا جَمِيعُ مَا نَقَلَهُ هَؤُلَاءِ الصَّادِقُونَ (¬1) . [فصل كلام الرافضي: وفي غزاة أحد لما انهزم الناس والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَفِي غَزَاةِ أُحُدٍ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَرَجَعَ (¬3) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَرٌ يَسِيرٌ، أَوَّلُهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَجَاءَ عُثْمَانُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ ذَهَبَتْ فِيهَا عَرِيضَةٌ. وَتَعَجَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ شَأْنِ عَلِيٍّ (¬4) ، فَقَالَ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ: لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَا رِ وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيُّ وَقَتَلَ أَكْثَرَ (¬5) الْمُشْرِكِينَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ، وَكَانَ الْفَتْحُ فِيهَا عَلَى يَدِهِ. وَرَوَى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ (¬6) : «سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَصَابَنِي ¬

(¬1) انْظُرْ فِي ذَلِكَ ابْنَ هِشَامٍ 2/365 - 374. (¬2) فِي (ك) ص. 182 (م) - 183 (م) . (¬3) ك: إِلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَحْدَهُ ثُمَّ رَجَعَ. . . (¬4) ك ص 183 م) : مِنْ ثَبَاتِ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬5) ك: وَقَتَلَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكْثَرَ. . (¬6) ك: رَوَى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ. .

يَوْمَ أُحُدٍ سِتَّةَ عَشَرَ ضَرْبَةً (¬1) ، سَقَطْتُ إِلَى الْأَرْضِ فِي أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ، فَجَاءَنِي رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ اللِّمَّةِ (¬2) ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَأَخَذَ بِضَبْعَيَّ، فَأَقَامَنِي، ثُمَّ قَالَ: أَقْبِلْ عَلَيْهِمْ فَقَاتِلْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، فَهُمَا عَنْكَ رَاضِيَانِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَمَا تَعْرِفُ الرَّجُلَ؟ قُلْتُ: لَا وَلَكِنْ شَبَّهْتُهُ بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ. فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَيْكَ (¬3) ، كَانَ ذَاكَ جِبْرِيلَ» " (¬4) . وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْعِظَامِ، الَّتِي لَا تَنْفُقُ إِلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْإِسْلَامَ، وَكَأَنَّهُ يُخَاطِبُ بِهَذِهِ الْخُرَافَاتِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَا جَرَى فِي الْغَزَوَاتِ، كَقَوْلِهِ: " إِنَّ عَلِيًّا قَتَلَ أَكْثَرَ الْمُشْرِكِينَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ، وَكَانَ الْفَتْحُ فِيهَا عَلَى يَدِهِ ". فَيُقَالُ: آفَةُ الْكَذِبِ الْجَهْلُ. وَهَلْ كَانَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ فَتْحٌ؟ بَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ هَزَمُوا الْعَدُوَّ أَوَّلًا، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَكَّلَ بِثُغْرَةِ الْجَبَلِ الرُّمَاةَ، وَأَمَرَهُمْ بِحِفْظِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَأَنْ لَا يَأْتُوهُمْ سَوَاءٌ غَلَبُوا أَوْ غُلِبُوا، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ صَاحَ بَعْضُهُمْ: أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ! فَنَهَاهُمْ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ، وَرَجَعَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ، وَأَمِيرُ الْمُشْرِكِينَ ¬

(¬1) سِتَّةَ عَشَرَ ضَرْبَةً: كَذَا فِي (ك) وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ نَقْلًا عَنْهَا، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ: سِتَّ عَشْرَةَ ضَرْبَةً. (¬2) س، ب: اللِّحْيَةِ. (¬3) ن، م، س: عَيْنَاكَ. (¬4) ك: فَإِنَّهُ كَانَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

إِذْ ذَاكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَأَتَاهُمْ مِنْ ظُهُورِهِمْ، فَصَاحَ الشَّيْطَانُ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ. وَاسْتُشْهِدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ سَبْعِينَ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ (¬2) ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَفِتْنَةٍ وَتَمْحِيصٍ، وَانْصَرَفَ الْعَدُوُّ عَنْهُمْ مُنْتَصِرًا، حَتَّى هَمَّ بِالْعَوْدِ (¬3) إِلَيْهِمْ، فَنَدَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْلِمِينَ لِلِحَاقِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ فِي هَؤُلَاءِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 172] ، وَكَانَ فِي هَؤُلَاءِ الْمُنْتَدَبِينَ: أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ، قَالَتْ عَائِشَةُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: أَبُوكَ وَجَدُّكَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} (¬4) ، وَلَمْ يُقْتَلْ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ، وَقَصَدَ الْعَدُوُّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجْتَهَدُوا فِي قَتْلِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ ذَبَّ عَنْهُ ¬

(¬1) م: فِي الصَّحِيحِ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/523، 5/21. (¬3) س، ب: بِالْعَدُوِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/102 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) وَنَصُّهُ: قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبُوكَ مِنْهُمْ: الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا. قَالَ: " مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ؟ " فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 4/1880 - 1881 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ بَابٌ مِنْ فَضَائِلِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ. .) ، تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ 144 - 145.

يَوْمَئِذٍ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلَ يَرْمِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهُ: " «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ سَعْدٍ قَالَ: جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ» (¬1) . وَكَانَ سَعْدٌ مُجَابَ الدَّعْوَةِ مُسَدَّدَ الرَّمْيَةِ. وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو طَلْحَةَ رَامِيًا، وَكَانَ (¬2) شَدِيدَ النَّزْعِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: وَقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ فَشُلَّتْ يَدُهُ. وَظَاهَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَقُتِلَ دُونَهُ نَفَرٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي " السِّيرَةِ " فِي النَّفَرِ الَّذِينَ قَامُوا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ (¬3) : " تَرَّسَ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ: يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتَّى كَثُرَ فِيهِ النَّبْلُ. وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ، وَيَقُولُ (¬4) : " «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» "، حَتَّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَالَهُ نَصْلٌ، فَيَقُولُ: " ارْمِ " (¬5) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/22 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .) ، مُسْلِمٍ 4/1876 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ فِي فَضْلِ سَعْدٍ. . .) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/314 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي إِسْحَاقَ سَعْدٍ. . . سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/47 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ. . .، فَضْلُ سَعْدٍ. . .) الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ رَقْمَ 1495، 1562. (¬2) س، ب: فَكَانَ. (¬3) فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/87. (¬4) ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ يَقُولُ: (¬5) ابْنُ هِشَامٍ: ارْمِ بِهِ. وَالْكَلَامُ التَّالِي بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/86.

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ: " مَنْ رَجُلٌ (¬1) يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ؟ ". . . فَقَامَ (¬2) زِيَادُ بْنُ السَّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ - وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ زَيْدِ (¬3) بْنِ السَّكَنِ - فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا، ثُمَّ رَجُلًا، يُقْتَلُونَ دُونَهُ، حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ زِيَادٌ أَوْ عُمَارَةُ (¬4) ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، ثُمَّ فَاءَتْ فِئَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَدْنُوهُ مِنِّي» " فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ، فَوَسَّدَهُ قَدَمَهُ، فَمَاتَ وَخَدُّهُ عَلَى قَدَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". قَالَ (¬5) : " وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَمَى عَنْ قَوْسِهِ (¬6) حَتَّى انْدَقَّتْ سِيَتُهَا (¬7) ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ، وَأُصِيبَتْ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ» (¬8) . وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّهَا بِيَدِهِ وَكَانَتْ (¬9) أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا» " (¬10) . ¬

(¬1) رَجُلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " نَفْسَهُ " يُوجَدُ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ عِبَارَاتٌ اسْتَغْرَقَتْ سَطْرًا لَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ (¬3) ابْنُ هِشَامٍ: بْنُ يَزِيدَ. (¬4) ن، م، س: زِيَادُ بْنُ عُمَارَةَ. (¬5) أَيِ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي " سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/87 (¬6) م: رَمَى بِيَدِهِ عَنْ قَوْسِهِ. (¬7) السِّيَةُ: طَرَفُ الْقَوْسِ. (¬8) ن، م، س: وَجْنَتَيْهِ. (¬9) ابْنُ هِشَامٍ: فَكَانَتْ. (¬10) ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ هَذَا الْخَبَرَ فِي تَرْجَمَةِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فِي " الْإِصَابَةِ " 3/217 وَقَالَ إِنَّ الْوَاقِعَةَ حَدَثَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ: " وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ أَنَّهَا أُصِيبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ شَاهِينَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى الْعُذْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَوَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَرَدَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ أَصَحَّ عَيْنَيْهِ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " مِنْ طَرِيقِ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَيْنَهُ ذَهَبَتْ - يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهَا فَاسْتَقَامَتْ. وَسَاقَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ مُطَوَّلَةً مُرْسَلَةً ".

وَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يَدْفَعُونَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِقِتَالِ آخَرِينَ، وَجُرِحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَبِينِهِ، وَلَمْ يُجْرَحْ عَلِيٌّ. فَقَوْلُهُ: " إِنَّ عَلِيًّا قَالَ أَصَابَتْنِي يَوْمَ أُحُدٍ سِتَّ عَشْرَةَ (¬1) ضَرْبَةً، سَقَطْتُ إِلَى الْأَرْضِ فِي أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ " (¬2) . كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَأَيْنَ إِسْنَادُ هَذَا؟ وَمَنِ الَّذِي صَحَّحَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؟ وَفِي أَيِّ كِتَابٍ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهَا ذُكِرَ هَذَا؟ بَلِ الَّذِي جُرِحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ (¬3) : " فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى فَمِ الشِّعْبِ خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى مَلَأَ دَرَقَتَهُ مِنَ الْمِهْرَاسِ (¬4) فَجَاءَ ¬

(¬1) م: سَبْعَةَ عَشَرَ. (¬2) س، ب: سَقَطْتُ فِي أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إِلَى الْأَرْضِ. (¬3) ابْنُ هِشَامٍ 3/90 - 91. (¬4) ن، س: حَتَّى مَلَأَ تُرْسَهُ دَرَقَتَهُ مِنَ الْمِهْرَاسِ، ب: حَتَّى مَلَأَ تُرْسَهُ مِنَ الْمِهْرَاسِ، ابْنُ هِشَامٍ: حَتَّى مَلَأَ دَرَقَتَهُ مَاءً مِنَ الْمِهْرَاسِ. وَفِي " اللِّسَانِ ": الدَّرَقَةُ الْحَجَفَةُ وَهِيَ تُرْسٌ مِنْ جُلُودٍ لَيْسَ فِيهِ خَشَبٌ وَلَا عَقَبٌ ". وَفِي التَّعْلِيقِ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ: " قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْمِهْرَاسُ: مَاءٌ بِأُحُدٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمِهْرَاسُ: حَجَرٌ يُنْقَرُ وَيُجْعَلُ إِلَى جَانِبِ الْبِئْرِ وَيُصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ ".

بِهِ رَسُولَ (¬1) اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَشْرَبَ مِنْهُ، فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا، فَعَافَهُ فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ، وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَدْمَى (¬2) وَجْهَ نَبِيِّهِ» " (¬3) . وَقَوْلُهُ: " إِنَّ عُثْمَانَ جَاءَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ " كَذِبٌ آخَرُ. وَقَوْلُهُ: " إِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ وَهُوَ يَعْرُجُ: لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَا ... رِ وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيُّ (¬4) ". كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ; فَإِنَّ ذَا الْفَقَارِ لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ، وَلَكِنْ كَانَ سَيْفًا لِأَبِي جَهْلٍ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيْفَهُ ¬

(¬1) ابْنُ هِشَامٍ: فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ. . . (¬2) ابْنُ هِشَامٍ 3/91: دَمَّى. (¬3) فِي الْبُخَارِيِّ 5/101 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مَا أَصَابَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَتْ عِبَارَةُ " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِهِ " مَرْفُوعَةً إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضِمْنَ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/209 - 211 (رَقْمَ 2609) فِيهِ أَخْبَارُ غَزْوَةِ أُحُدٍ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِسْنَادَهُ وَقَالَ: إِنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 2/296 - 297 وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالذَّهَبِيُّ وَذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ 2/261 - 262 وَنَقَلَ كَلَامَ ابْنِ كَثِيرٍ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " 6/110 - 111 وَفِي " الدُّرِّ الْمَنْثُورِ " 2/84 ثُمَّ قَالَ: " وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَقًّا، فِي لَفْظِهِ مَا يُوهِمُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ قَطُّ، فَإِنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ طِفْلًا مَعَ أَبِيهِ بِمَكَّةَ. وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ شَهِدَ أُحُدًا، وَنَسِيَ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ حَدَّثَ ابْنَ عَبَّاسٍ بِهِ ". (¬4) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا مَضَى 50/68 - 69.

ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: " رَأَيْتُ فِي سَيْفِي ذِي الْفَقَارِ فَلًّا فَأَوَّلْتُهُ فَلًّا يَكُونُ فِيكُمْ، وَرَأَيْتُ أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ، فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ " فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1) . وَهَذَا الْكَذِبُ الْمَذْكُورُ فِي ذِي الْفَقَارِ مِنْ جِنْسِ كَذِبِ بَعْضِ الْجُهَّالِ: أَنَّهُ كَانَ لَهُ سَيْفٌ يَمْتَدُّ إِذَا ضَرَبَ بِهِ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ، لَا سَيْفُ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرُهُ. وَلَوْ كَانَ سَيْفُهُ يَمْتَدُّ لَمَدَّهُ يَوْمَ قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي " الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/146 - 147. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيقِهِ: " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَالْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّارِيخِ 4/11 - 12 مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ بِأَطْوَلَ مِمَّا هُنَا، وَقَالَ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، بِهِ ذُو الْفَقَارِ (بِفَتْحِ الْفَاءِ) : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ حُفَرٌ صِغَارٌ حِسَانٌ، وَالسَّيْفُ الْمُفَقَّرُ: الَّذِي فِيهِ حُزُوزٌ مُطْمَئِنَّةٌ عَنْ مَتْنِهِ. الْفَلُّ (بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ) : الثَّلْمُ فِي السَّيْفِ، وَأَصْلُهُ: الْكَسْرُ وَالضَّرْبُ، وَمِنْهُ الْفَلُّ لِلْقَوْمِ الْمُنْهَزِمِينَ " وَوَجَدْتُ أَنَّ ابْنَ مَاجَهْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا فِي سُنَنِهِ 2/939 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ السِّلَاحِ) وَلَفْظُهُ فِيهِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ ". وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/267 عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَفْظُهُ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ كَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا، وَكَأَنَّ ظُبَةَ سَيْفِي انْكَسَرَتْ، فَأَوَّلْتُ أَنِّي أَقْتُلُ صَاحِبَ الْكَتِيبَةِ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ ". وَفِي ابْنِ هِشَامٍ 3/66 - 67: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ وَاللَّهِ خَيْرًا. رَأَيْتُ بَقَرًا، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلَمًا، وَرَأَيْتُ أَنِّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ "، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " رَأَيْتُ بَقَرًا لِي تُذْبَحُ. قَالَ: فَأَمَّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ. وَأَمَّا الثَّلَمُ الَّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ " وَلَمْ أَعْرِفْ مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ.

وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ: إِنَّهُ مَدَّ يَدَهُ حَتَّى عَبَرَ الْجَيْشُ عَلَى يَدِهِ بِخَيْبَرَ، وَإِنَّهُ قَالَ لِلْبَغْلَةِ: " قَطَعَ اللَّهُ نَسْلَكِ " فَانْقَطَعَ نَسْلُهَا. هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَيِّنِ ; فَإِنَّهُ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ بَغْلَةٌ، وَلَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ بَغْلَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا بَغْلَتَهُ الَّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ، وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، بَعْدَ أَنْ أَرْسَلَ إِلَى الْأُمَمِ، وَأَرْسَلَ إِلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ (¬1) : هِرَقْلَ مَلِكِ الشَّامِ، وَإِلَى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ مِصْرَ، وَإِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ. وَأَرْسَلَ إِلَى مُلُوكِ الْعَرَبِ (¬2) مِثْلَ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ وَغَيْرِهِ. وَأَيْضًا فَالْجَيْشُ لَمْ يَعْبُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى يَدِ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَالْبَغْلَةُ لَمْ تَزَلْ عَقِيمًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ تَلِدُ فَعَقِمَتْ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ دَعَا عَلَى بَغْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ تَعُمَّ الدَّعْوَةُ جِنْسَ الْبِغَالِ. وَمِثْلُ هَذَا الْكَذِبِ الظَّاهِرِ قَوْلُ بَعْضِ الْكَذَّابِينَ: إِنَّهُ لَمَّا سُبِيَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَيْتِ حُمِلُوا عَلَى الْجِمَالِ عَرَايَا، فَنَبَتَتْ لَهُمْ سَنَامَاتٌ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَهِيَ الْبَخَاتِيُّ. وَأَهْلُ الْبَيْتِ لَمْ يُسْبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا حُمِلَ أَحَدٌ مِنْ نِسَائِهِمْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، وَإِنَّمَا جَرَى هَذَا عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ بِسَبَبِ الرَّافِضَةِ، كَمَا قَدْ عَلِمَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ. بَلْ هَذَا الْكَذِبُ مِثْلُ كَذِبِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ الْأَشْرَافَ، وَالْحَجَّاجُ (¬3) لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، مَعَ ظُلْمِهِ وَفَتْكِهِ بِكَثِيرٍ مِنْ ¬

(¬1) ن، م، س: إِلَى مُلُوكِ الشَّامِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) ن، م، س: مَلِكِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬3) وَالْحَجَّاجُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

فصل كلام الرافضي وفي غزاة الأحزاب والرد عليه

غَيْرِهِمْ، لَكِنْ قَتَلَ كَثِيرًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، وَكَانَ الْمَلِكُ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ فِي وِلَايَةِ بَنِي حَرْبٍ - يَعْنِي مُلْكَ يَزِيدَ - أَصَابَهُمْ شَرٌّ، فَاعْتَبَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِذَلِكَ، فَنَهَاهُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، حَتَّى إِنَّ الْحَجَّاجَ طَمِعَ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَاشِمِيَّةً، فَخَطَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ابْنَتَهُ، وَأَصْدَقَهَا صَدَاقًا كَثِيرًا، فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى ذَلِكَ، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ مَنْ غَضِبَ مِنْ أَوْلَادِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَرَوُا الْحَجَّاجَ أَهْلًا لِأَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَدَخَلُوا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَمَنَعَ الْحَجَّاجَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَوْهُ كُفُؤًا لِنِكَاحِ هَاشِمِيَّةٍ وَلَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي يَنْقُلُهَا كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ لَا ضَابِطَ لَهَا، لَكِنَّ مِنْهَا مَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ بِالْعَقْلِ، وَمِنْهَا مَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ بِالْعَادَةِ، وَمِنْهَا مَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عُلِمَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ وَمِنْهَا مَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ بِطُرُقٍ أُخْرَى. [فصل كلام الرافضي وَفِي غَزَاةِ الْأَحْزَابِ والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَفِي غَزَاةِ الْأَحْزَابِ، وَهِيَ غَزَاةُ الْخَنْدَقِ، لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَمَلِ (¬2) الْخَنْدَقِ، أَقْبَلَتْ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 183 (م) - 184 (م) . (¬2) عَمَلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

قُرَيْشٌ يَقْدُمُهَا أَبُو سُفْيَانَ وَكِنَانَةُ وَأَهْلُ تِهَامَةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، وَنَزَلُوا مِنْ فَوْقِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ تَحْتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 10] ، فَخَرَجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمُسْلِمِينَ مَعَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ (¬1) ، وَجَعَلُوا الْخَنْدَقَ بَيْنَهُمْ، وَاتَّفَقَ الْمُشْرِكُونَ مَعَ الْيَهُودِ، وَطَمِعَ الْمُشْرِكُونَ بِكَثْرَتِهِمْ وَمُوَافَقَةِ الْيَهُودِ، وَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ [عَبْدِ] وُدٍّ (¬2) وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَدَخَلَا مِنْ مَضِيقٍ فِي الْخَنْدَقِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَطَلَبَا (¬3) الْمُبَارَزَةَ فَقَامَ عَلِيٌّ وَأَجَابَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ (¬4) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ عَمْرٌو، فَسَكَتَ. ثُمَّ طَلَبَ الْمُبَارَزَةَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَكُلُّ (¬5) ذَلِكَ يَقُومُ عَلِيٌّ، وَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ عَمْرٌو، فَأَذِنَ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ، [فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: ارْجِعْ يَا ابْنَ أَخِي فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ] (¬6) . فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: كُنْتُ عَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لَا يَدْعُوَكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى إِحْدَى خَلَّتَيْنِ (¬7) إِلَّا أَخَذْتَهَا مِنْهُ، وَأَنَا أَدْعُوكَ ¬

(¬1) ك: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ - بِالْمُسْلِمِينَ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ. (¬2) ن، م، س، ب: عَمْرُو بْنُ وُدٍّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) وَهُوَ الصَّوَابُ. (¬3) ك: وَطَلَبَ. (¬4) فَقَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . وَفِي (ك) : فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ. . (¬5) ك: وَفِي كُلِّ. . . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ زِيَادَةٌ مِنْ هَامِشِ (ك) وَسَقَطَتْ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ. (¬7) ن، س: أَحَدِ جِبِلَّتَيْنِ، م: أَحَدِ خَلَّتَيْنِ، ك: بِإِحْدَى خَصْلَتَيْنِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

إِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ عَمْرٌو: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ. قَالَ: أَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ. قَالَ: مَا (¬1) أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ. قَالَ عَلِيٌّ: بَلْ أَنَا أُحِبُّ (¬2) أَنْ أَقْتُلَكَ. فَحَمِيَ عَمْرٌو، وَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، وَتَجَاوَلَا (¬3) ، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ (¬4) ، وَانْهَزَمَ عِكْرِمَةُ، ثُمَّ انْهَزَمَ بَاقِي الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ. وَفِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَتْلُ عَلِيٍّ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ» ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: أَيْنَ إِسْنَادُ هَذَا النَّقْلِ وَبَيَانُ صِحَّتِهِ؟ ثُمَّ يُقَالُ ثَانِيًا: قَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَيْضًا عِدَّةُ أَكَاذِيبَ. مِنْهَا قَوْلُهُ: إِنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ وَأَهْلَ تِهَامَةَ كَانُوا فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، فَالْأَحْزَابُ كُلُّهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَمِنْ أَهْلِ نَجْدٍ: تَمِيمٌ وَأَسَدٌ وَغَطَفَانُ، وَمِنَ الْيَهُودِ: كَانُوا قَرِيبًا مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ. وَالْأَحْزَابُ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ (¬5) : قُرَيْشٌ وَحُلَفَاؤُهَا (¬6) ، وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا. وَأَهْلُ نَجْدٍ: تَمِيمٌ وَأَسَدٌ وَغَطَفَانُ وَمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ. وَالْيَهُودُ بَنُو قُرَيْظَةَ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ (¬7) وُدٍّ وَعِكْرِمَةَ [بْنَ أَبِي جَهْلٍ] (¬8) رَكِبَا، وَدَخَلَا مِنْ مَضِيقٍ فِي الْخَنْدَقِ. ¬

(¬1) ك: النِّزَالِ، قَالَ عَمْرٌو: مَا. . . (¬2) ك: قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَكِنِّي أُحِبُّ. . . (¬3) ك: وَتَجَادَلَا. (¬4) ك: فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَوَلَدَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ. انْظُرْ: ابْنَ هِشَامٍ 3/235 - 236. (¬5) س، ب: وَالْأَصْنَافُ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَحْزَابٍ. . . . (¬6) م: وَحُلَفَاؤُهُمْ. (¬7) عَبْدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬8) بْنَ أَبِي جَهْلٍ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

وَقَوْلُهُ: إِنَّ عَمْرًا لَمَّا قُتِلَ وَانْهَزَمَ (¬1) الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ. هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَارِدِ ; فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ بَقُوا مُحَاصِرِينَ لِلْمُسْلِمِينَ (¬2) بَعْدَ ذَلِكَ هُمْ وَالْيَهُودُ، حَتَّى خَبَّبَ بَيْنَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ: رِيحَ الصَّبَا، وَالْمَلَائِكَةَ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا - إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا - هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا - وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 9 - 12] إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 25] . وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا فِيهَا، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا رَدَّهُمُ اللَّهُ بِقِتَالٍ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ الْمُتَوَاتِرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ، وَالتَّارِيخِ. فَكَيْفَ يُقَالُ بِأَنَّهُ بِاقْتِتَالِ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ وَقَتْلِهِ لَهُ (¬3) انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «قَتْلُ عَلِيٍّ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ» . مِنَ الْأَحَادِيثِ ¬

(¬1) ب: لَمَّا قُتِلَ انْهَزَمَ. . (¬2) ن، س، ب: الْمُسْلِمِينَ. (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

الْمَوْضُوعَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، بَلْ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ (¬1) . وَهُوَ كَذِبٌ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَتْلُ كَافِرٍ أَفْضَلَ مِنْ عِبَادَةِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ عِبَادَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ كَانَ قَتْلُهُ أَعْظَمَ مِنْ قَتْلِ عَمْرِو بْنِ [عَبْدِ] (¬2) وُدٍّ. وَعَمْرٌو هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ مُعَادَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُضَارَّتِهِ لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، مِثْلُ مَا كَانَ فِي صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ، مِثْلَ أَبِي جَهْلٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَأَمْثَالِهِمُ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ. وَعَمْرٌو هَذَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَا عُرِفَ لَهُ شَيْءٌ يَنْفَرِدُ بِهِ فِي مُعَادَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ. وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ ذِكْرٌ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ وَلَا أُحُدٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَغَازِي قُرَيْشٍ الَّتِي غَزَوْا فِيهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ السَّرَايَا، وَلَمْ يَشْتَهِرْ ذِكْرُهُ إِلَّا فِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ، مَعَ (¬3) أَنَّ قِصَّتَهُ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الصِّحَاحِ وَنَحْوِهَا، كَمَا نَقَلُوا فِي الصِّحَاحِ مُبَارَزَةَ الثَّلَاثَةِ يَوْمَ بَدْرٍ إِلَى الثَّلَاثَةِ: مُبَارَزَةُ حَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ وَعَلِيٍّ مَعَ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ. وَكُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ مَمْلُوءَةٌ بِذِكْرِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ. (¬2) عَبْدِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) س، ب: وَمَعَ.

فصل كلام الرافضي: وفي غزاة بني النضير قتل علي رامي ثنية والرد عليه

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلِ أَبِي جَهْلٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَغَيْرِهِمْ، وَبِذِكْرِ رُؤَسَاءِ الْكُفَّارِ، مِثْلِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ، لَا فِي هَؤُلَاءِ وَلَا فِي هَؤُلَاءِ، وَلَا كَانَ مِنْ مُقَدَّمِي الْقِتَالِ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَتْلُ مِثْلِ هَذَا أَفْضَلَ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ؟ وَمِنَ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْجَيْشَ لَمْ يَنْهَزِمْ بِقَتْلِهِ، بَلْ بَقُوا بَعْدَهُ مُحَاصِرِينَ مُجِدِّينَ (¬1) كَمَا كَانُوا قَبْلَ قَتْلِهِ. [فصل كلام الرافضي: وَفِي غَزَاةِ بَنِي النَّضِيرِ قَتَلَ عَلِيٌّ رَامِيَ ثَنِيَّةِ والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬2) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَفِي غَزَاةِ بَنِي النَّضِيرِ قَتَلَ عَلِيٌّ رَامِيَ ثَنِيَّةِ (¬4) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) وَقَتَلَ بَعْدَهُ عَشَرَةً، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مَا تَذْكُرُهُ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْغَزَوَاتِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ إِسْنَادِهِ أَوَّلًا، وَإِلَّا فَلَوْ أَرَادَ إِنْسَانٌ أَنْ يَحْتَجَّ بِنَقْلٍ لَا يُعْرَفُ إِسْنَادُهُ فِي جَزَرَةِ بَقْلٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ (¬6) ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهِ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ؟ ! ¬

(¬1) مُجِدِّينَ: لَيْسَتْ فِي (م) . (¬2) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) فِي (ك) ص 184 (م) (¬4) ثَنِيَّةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . وَفِي (ك) : قُبَّةِ. (¬5) ك: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِسَهْمٍ. (¬6) س: فِي جَزَرَةٍ يُقْبَلُ مِنْهُ، ب: فِي جُزْئِيَّةٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، م: فِي جَزَرَةِ بَقْلٍ لَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ.

ثُمَّ يُقَالُ: ثَانِيًا: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْوَاضِحِ ; فَإِنَّ بَنِي النَّضِيرِ هُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ سُورَةَ الْحَشْرِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَكَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهُمْ قَبْلَ الْخَنْدَقِ وَأُحُدٍ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا (¬1) مَصَافُّ وَلَا هَزِيمَةٌ، وَلَا رَمَى أَحَدٌ ثَنِيَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا، وَإِنَّمَا أُصِيبَتْ ثَنِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ. وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ فِي غَزَاةِ بَنِي النَّضِيرِ، قَدْ (¬2) حَاصَرُوهُمْ حِصَارًا شَدِيدًا، وَقَطَّعُوا نَخِيلَهُمْ. وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 5] . وَلَمْ يَخْرُجُوا لِقِتَالٍ حَتَّى يَنْهَزِمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا كَانُوا فِي حِصْنٍ يُقَاتِلُونَ مِنْ وَرَائِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 14] . ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْلَاهُمْ إِجْلَاءً لَمْ يَقْتُلْهُمْ فِيهِ. قَالَ تَعَالَى (¬3) : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 2] . ¬

(¬1) ن، م، س: فِيهِ. (¬2) ن، س، ب: وَقَدْ. (¬3) ن، م: لَمْ يَقْتُلْهُمْ، وَفِيهِ قَالَ تَعَالَى. .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَقْضَهُمُ الْعَهْدَ، وَأَنَّهُمْ أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِمْ يَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي دِيَةِ الْقَتِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، قَالَ (¬1) : " «فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ وَبِالتَّهَيُّؤِ لِحَرْبِهِمْ (¬2) وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ» فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ (¬3) . وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ (¬4) ". قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: " فَتَحَصَّنُوا فِي الْحُصُونِ، «فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ النَّخِيلِ وَالتَّحْرِيقِ فِيهَا، فَنَادَوْهُ: أَيْ مُحَمَّدُ (¬5) قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ، وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ، فَمَا بَالُ قَطْعِ النَّخِيلِ وَتَحْرِيقِهَا؟ !» ". قَالَ (¬6) : " وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَدْ بَعَثُوا (¬7) إِلَى بَنِي النَّضِيرِ: أَنِ اثْبُتُوا وَتَمَنَّعُوا ; فَإِنَّا لَنْ نُسْلِمَكُمْ، إِنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَإِنْ خَرَجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ. فَتَرَبَّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ (¬8) ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ (¬9) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ ¬

(¬1) ابْنُ هِشَامٍ 3/200. (¬2) ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّهَيُّؤِ لِحَرْبِهِمْ وَالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ. (¬3) (3 - 3) كَذَا فِي ابْنِ هِشَامٍ نُسْخَةُ أ. وَفِي الْمُثْبَتِ فِيهَا: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْتَعْمَلَ. . إِلَخْ. (¬4) ابْنُ هِشَامٍ: " قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ، وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ". (¬5) ابْنُ هِشَامٍ: أَنْ يَا مُحَمَّدُ. (¬6) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬7) ابْنُ هِشَامٍ:. . الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ عَدُوُّ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَوَدِيعَةُ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي قَوْقَلٍ، وَسُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ، قَدْ بَعَثُوا. . (¬8) ب: فَتَرَبَّصُوا مِنْ ذَلِكَ نَصْرَهُمْ. (¬9) س، ب: الرَّسُولَ.

يُجْلِيَهُمْ (¬1) وَيَكُفَّ عَنْ دِمَائِهِمْ، عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا الْحَلْقَةَ (¬2) ، فَفَعَلَ، فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَهْدِمُ بَيْتَهُ عَنْ نِجَافِ بَابِهِ (¬3) ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَيَنْطَلِقُ بِهِ. فَخَرَجُوا إِلَى خَيْبَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إِلَى الشَّامِ ". قَالَ (¬4) : " وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ (¬5) حُدِّثَ: «أَنَّهُمُ اسْتَقَلُّوا بِالنِّسَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَبْنَاءِ (¬6) ، مَعَهُمُ الدُّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ، وَالْقَيْنَاتُ (¬7) يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ بِزَهْوٍ وَفَخْرٍ (¬8) مَا رُئِيَ مِثْلُهُ مِنْ حَيٍّ مِنَ النَّاسِ (¬9) . وَخَلَّوُا الْأَمْوَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ، فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ (¬10) الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ، إِلَّا أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَبَا دُجَانَةَ (¬11) ذَكَرَا فَاقَةً وَفَقْرًا، فَأَعْطَاهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» " (¬12) . ¬

(¬1) س، ب: يُخْلِيَهُمْ (¬2) فِي التَّعْلِيقِ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ: " الْحَلْقَةُ: السِّلَاحُ كُلُّهُ، أَوْ خَاصٌّ بِالدُّرُوعِ ". (¬3) فِي التَّعْلِيقِ: النِّجَافُ (بِوَزْنِ كِتَابٍ) : الْعَتَبَةُ الَّتِي بِأَعْلَى الْبَابِ ". (¬4) فِي ابْنِ هِشَامٍ بَعْدَ سَطْرَيْنِ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. . . (¬5) س، ب: بِأَنَّهُ. (¬6) وَالْأَمْوَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . وَفِي ابْنِ هِشَامٍ: وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ. (¬7) ابْنُ هِشَامٍ: وَالْقِيَانُ. (¬8) ابْنُ هِشَامٍ: خَلْفَهُمْ وَإِنَّ فِيهِمْ لَأُمَّ عَمْرٍو، صَاحِبَةَ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيِّ، الَّتِي ابْتَاعُوا مِنْهُ، وَكَانَتْ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي غِفَارٍ، بِزَهَاءٍ وَفَخْرٍ. . (¬9) ابْنُ هِشَامٍ: مِنَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ. (¬10) ابْنُ هِشَامٍ: عَلَى (¬11) ابْنُ هِشَامٍ 3/202 وَأَبَا دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ. (¬12) ابْنُ هِشَامٍ: ذَكَرَا فَقْرًا فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ (¬1) : " وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَنِي النَّضِيرِ سُورَةَ (¬2) \ 8 الْحَشْرِ بِأَسْرِهَا، يَذْكُرُ فِيهَا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ نِقْمَةٍ (¬3) .، وَمَا سَلَّطَ بِهِ رَسُولَهُ عَلَيْهِمْ (¬4) .، وَمَا عَمِلَ فِيهِمْ (¬5) . ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَ [بَنِي] قُرَيْظَةَ (¬6) . حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَقَسَّمَ أَنْفَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ» (¬7) . ¬

(¬1) بَعْدَ الْكَلَامِ السَّابِقِ بِسِتَّةِ أَسْطُرٍ. (¬2) ابْنُ هِشَامٍ: وَنَزَلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ سُورَةُ. . . (¬3) م: نِعْمَةٍ، ابْنُ هِشَامٍ: نِقْمَتِهِ (¬4) ن، س، ب: وَمَا سَلَّطَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ عَلَيْهِمْ؛ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) ابْنُ هِشَامٍ: وَمَا عَمِلَ بِهِ فِيهِمْ (¬6) ن، م: وَقُرَيْظَةَ (¬7) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/88 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ. . .) ، مُسْلِمٍ 3/1387 - 1388 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ إِجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنَ الْحِجَازِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/214 - 215 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي خَبَرِ النَّضِيرِ) .

فصل كلام الرافضي وفي غزوة السلسلة جاء أعرابي. . . والرد عليه

[فصل كلام الرافضي وَفِي غَزْوَةِ السِّلْسِلَةِ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ. . . والرد عليه] (فَصْلٌ) (¬1) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَفِي غَزْوَةِ السِّلْسِلَةِ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْعَرَبِ قَصَدُوا أَنْ يَكْبِسُوا عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ (¬3) ، «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ لِلِوَائِي؟ (¬4) . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا لَهُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ، وَضَمَّ إِلَيْهِ سَبْعَمِائَةٍ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ قَالُوا (¬5) .: ارْجِعْ إِلَى صَاحِبِكَ، فَإِنَّا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَرَجَعَ (¬6) ، فَقَالَ فِي (¬7) الْيَوْمِ الثَّانِي: مَنْ لِلِوَائِي؟ (¬8) . فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا (¬9) .، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الرَّايَةَ، (* فَفَعَلَ كَالْأَوَّلِ، فَقَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ (¬10) : أَيْنَ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا ذَا (¬11) يَا رَسُولَ اللَّهِ، ¬

(¬1) فَصْلٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) فِي (ك) ص. 184 (م) - 185 (م) . (¬3) ك: أَنْ يُبَيِّتُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ. (¬4) ن، م: لِلْوَادِي (¬5) ك: قَالُوا لَهُ (¬6) فِي هَامِشِ (ك) : " خَوْفًا مِنَ الْهَلَاكِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) . (¬7) ك: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي. . . (¬8) ن، م: لِلْوَادِي (¬9) ك: أَنَا لَهُ (¬10) ك: فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. (¬11) ك: أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَا ذَا. . .

فَدَفَعَ إِلَيْهِ الرَّايَةَ» *) (¬1) ، وَمَضَى إِلَى الْقَوْمِ، وَلَقِيَهُمْ (¬2) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ، وَأَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِفِعْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} السُّورَةَ (¬3) . [سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: 1] ". فَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَجْهَلُ النَّاسِ يَقُولُ لَكَ: بَيِّنْ لَنَا سَنَدَ هَذَا، حَتَّى نَثْبُتَ أَنَّ هَذَا نَقْلٌ صَحِيحٌ. وَالْعَالِمُ يَقُولُ لَهُ (¬4) .: إِنَّ هَذِهِ الْغَزَاةَ - وَمَا ذُكِرَ فِيهَا - مِنْ جِنْسِ الْكَذِبِ الَّذِي يَحْكِيهِ الطُّرُقِيَّةُ، الَّذِينَ يَحْكُونَ الْأَكَاذِيبَ الْكَثِيرَةَ مِنْ سِيرَةِ عَنْتَرَةَ وَالْبَطَّالِ، وَإِنْ كَانَ عَنْتَرَةُ لَهُ سِيرَةٌ مُخْتَصَرَةٌ، وَالْبَطَّالُ لَهُ سِيرَةٌ يَسِيرَةٌ، وَهِيَ مَا جَرَى لَهُ فِي دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَغَزْوَةِ الرُّومِ، لَكِنْ وَلَّدَهَا الْكَذَّابُونَ حَتَّى صَارَتْ مُجَلَّدَاتٍ، وَحِكَايَاتِ الشُّطَّارِ، كَأَحْمَدَ الدَّنِفِ وَالزَّيْبَقِ الْمِصْرِيِّ، وَصَارُوا يَحْكُونَ حِكَايَاتٍ يَخْتَلِقُونَهَا عَنِ الرَّشِيدِ وَجَعْفَرٍ، فَهَذِهِ الْغَزَاةُ مِنْ جَنْسِ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ، لَمْ يُعْرَفْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ذِكْرُ هَذِهِ الْغَزَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَئِمَّةُ هَذَا الْفَنِّ فِيهِ، كَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ إِسْحَاقَ وَشُيُوخِهِ، وَالْوَاقِدِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ (¬5) .، وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَائِذٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَلَا لَهَا ذِكْرٌ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا نَزَلَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ. ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) وَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (¬2) ك: فَلَقِيَهُمْ (¬3) السُّورَةَ: لَيْسَتْ فِي (ك) (¬4) ب: لَكَ (¬5) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: وَسَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمْوَرِيِّ. وَانْظُرْ مَا سَبَقَ ص 95 مِنْ هَذَا الْجُزْءِ

وَبِالْجُمْلَةِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا سِيَّمَا غَزَوَاتُ الْقِتَالِ - مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ، مَضْبُوطَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَحْوَالِهِ، مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَالتَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، فَيَمْتَنِعُ - عَادَةً وَشَرْعًا - أَنْ يَكُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَاةٌ يَجْرِي فِيهَا مِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا يَنْقُلُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فُرِضَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ، أَوْ فُرِضَ فِي الْعَامِ أَكْثَرُ مِنْ صَوْمِ (¬1) . شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ، وَكَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ غَزَا الْفُرْسَ بِالْعِرَاقِ، وَذَهَبَ إِلَى الْيَمَنِ، وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَكَمَا يَمْتَنِعُ أَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا. وَسُورَةُ " وَالْعَادِيَاتِ " فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَهَذَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمْ، فَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ كَذِبُ هَذَا الْقَوْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ فَسَّرَ " الْعَادِيَاتِ " بِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ عَلِيٍّ، الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ، أَنَّهُ كَانَ يُفَسِّرُ " الْعَادِيَاتِ " بِإِبِلِ الْحُجَّاجِ وَعَدْوِهَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى. وَهَذَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ; فَيَكُونُ عَلَى مَا قَالَهُ عَلِيٌّ يُكَذِّبُ هَذَا الْقَوْلَ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْأَكْثَرُ يُفَسِّرُونَهَا بِالْخَيْلِ الْعَادِيَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (¬2) 208. . ¬

(¬1) صَوْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ 8/486 أَنَّ عَلِيًّا وَعَبْدَ اللَّهِ فَسَّرَا " الْعَادِيَاتِ " بِأَنَّهَا الْإِبِلُ وَفَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّهَا الْخَيْلُ، فَبَلَغَ عَلِيًّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا خَيْلٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ بُعِثَتْ، ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنِ جَرِيرٍ الْخَبَرَ مُفَصَّلًا 8/486 - 487 وَفِي آخِرِهِ: " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَزَعْتُ عَنْ قَوْلِي وَرَجَعْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ". وَانْظُرْ 8/487 زَادَ الْمَسِيرِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ 9/206 -

وَأَيْضًا: فَفِي هَذِهِ الْغَزَاةِ أَنَّ الْكُفَّارَ نَصَحُوا الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: ارْجِعْ إِلَى صَاحِبِكَ ; فَإِنَّا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا خِلَافُ عَادَةِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ. وَأَيْضًا فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَمْ يَنْهَزِمَا قَطُّ، وَمَا يَنْقُلُهُ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ مِنَ انْهِزَامِهِمَا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَهُوَ مِنَ الْكَذِبِ الْمُفْتَرَى. فَلَمْ يَقْصِدْ أَحَدٌ الْمَدِينَةَ إِلَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأُحُدٍ، وَلَمْ يَقْرُبْ أَحَدٌ مِنَ الْعَدُوِّ الْمَدِينَةَ لِلْقِتَالِ إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ (¬1) . . وَفِي غَزْوَةِ الْغَابَةِ أَغَارَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى سَرْحِ (¬2) . الْمَدِينَةِ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي غَزْوَةِ السِّلْسِلَةِ، فَهُوَ مِنَ الْكَذِبِ الظَّاهِرِ الَّذِي لَا يَذْكُرُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَكْذَبِهِمْ. وَأَمَّا غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَتِلْكَ سَرِيَّةٌ بَعَثَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَمِيرًا فِيهَا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودِينَ كَانُوا بَنِي عُذْرَةَ (¬3) .، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَرَابَةٌ ; فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَلَيْسَ لِعَلِيٍّ فِيهَا ذِكْرٌ، وَكَانَتْ قَرِيبًا مِنَ الشَّامِ بَعِيدَةً مِنَ الْمَدِينَةِ، وَفِيهَا احْتَلَمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ¬

(¬1) م: الْحَرْبَتَيْنِ (¬2) ن، م: سَرَاحِ (¬3) م: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَانَ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، ب: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا كَانُوا بَنِي عُذْرَةَ

فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة بني المصطلق والرد عليه

" «يَا عَمْرُ: أَصَلَّيْتَ (¬1) . بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ " قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 29] ، فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِعْلِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ ; لَمَّا بَيَّنَ لَهُ عُذْرَهُ» (¬2) . . وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ هَلْ قَوْلُهُ: أَصَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ: هَلْ صَلَّيْتَ مَعَ الْجَنَابَةِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَطَهَّرَ بِالتَّيَمُّمِ وَلَمْ يَكُنْ جُنُبًا أَقَرَّهُ، أَوْ هُوَ إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ جُنُبٌ، وَالتَّيَمُّمُ يُبِيحُ الصَّلَاةَ، وَكَانَ يَرْفَعُ (¬3) . الْجَنَابَةَ، عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ. [فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة بني المصطلق والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) .: " «وَقَتَلَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مَالِكًا وَابْنَهُ، وَسَبَى كَثِيرًا، مَنْ جُمْلَتِهِمْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَهَا (¬5) . أَبُوهَا فِي ذَلِكَ ¬

(¬1) م، س، ب: صَلَّيْتَ (¬2) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/141 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ إِذَا خَافَ الْجُنُبُ الْبَرْدَ أَيَتَيَمَّمُ؟) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/203 - 204، الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/177. وَقَالَ الْحَاكِمُ: " صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ " وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي إِرْوَاءِ الْغَلِيلِ 1/181 - 183، وَاسْتَدْرَكَ عَلَى الْحَاكِمِ وَالذَّهَبِيِّ وَقَالَ: إِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَقَطْ (¬3) ن، س، ب: وَلَا يَرْفَعُ (¬4) فِي (ك) ص 185 (م) (¬5) ك: فَجَاءَ

الْيَوْمِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: ابْنَتِي (¬1) . كَرِيمَةٌ لَا تُسْبَى (¬2) .، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُخَيِّرَهَا (¬3) .، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَا تَفْضَحِي قَوْمَكِ، قَالَتِ: اخْتَرْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» " (¬4) -. . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: لَا بُدَّ مِنْ [بَيَانِ] (¬5) . إِسْنَادِ كُلِّ مَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنَ الْمَنْقُولِ، أَوْ عَزْوِهِ إِلَى كِتَابٍ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ. [وَإِلَّا] (¬6) . فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ؟ ثُمَّ يَقُولُ مَنْ يَعْرِفُ السِّيرَةَ: هَذَا كُلُّهُ مِنَ الْكَذِبِ، مِنْ أَخْبَارِ الرَّافِضَةِ الَّتِي يَخْتَلِقُونَهَا ; فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ هَذَا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَلَا سَبَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَهِيَ لَمَّا سُبِيَتْ كَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا، فَأَدَّى عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُتِقَتْ مِنَ الْكِتَابَةِ، وَأَعْتَقَ النَّاسُ السَّبْيَ لِأَجْلِهَا، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقْدَمْ أَبُوهَا أَصْلًا وَلَا خَيَّرَهَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ (¬7) . قَالَتْ: «وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ ¬

(¬1) ابْنَتِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ك: وَلَا تُسْبَى (¬3) ك: فَأَمَرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يُخَيِّرَهَا، وَفِي هَامِشِ (ك) : بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ، فَاخْتَارَتِ الْإِسْلَامَ (¬4) ك: فَقَالَتِ: اخْتَرْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (¬5) بَيَانِ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬6) وَإِلَّا: زِيَادَةٌ فِي (ب) (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/30 (كِتَابُ الْعِتْقِ، بَابٌ فِي بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِذَا فُسِخَتِ الْكِتَابَةُ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/277

الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، (* [أَوِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ] (¬1) .، فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً مَلَّاحَةً لَهَا فِي الْعَيْنِ حَظٌّ (¬2) [تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ. قَالَتْ عَائِشَةُ] (¬3) .: فَجَاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابَتِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ فَرَأَيْتُهَا كَرِهْتُ مَكَانَهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَإِنَّهُ كَانَ (¬4) مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ، وَإِنِّي وَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ *) (¬5) .، وَإِنِّي كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي، وَجِئْتُكَ تُعِينُنِي (¬6) . فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَهَلْ لَكِ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ؟ " قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ " قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ. فَلَمَّا تَسَامَعَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ أَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْيِ وَأَعْتَقُوهُمْ، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: فَمَا رَأَيْنَا [امْرَأَةً] (¬7) . كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا ; ¬

(¬1) عِبَارَةُ " أَوِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ " فِي (ب) فَقَطْ، وَهِيَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (¬2) عِبَارَةُ " لَهَا فِي الْعَيْنِ حَظٌّ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَهِيَ لَيْسَتْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَلَا فِي الْمُسْنَدِ. (¬3) عِبَارَةُ " تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ. قَالَتْ عَائِشَةُ فِي (ب) فَقَطْ وَهِيَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (¬4) ب: وَأَنَا كَانَ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: وَإِنَّمَا كَانَ. . (¬5) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) (¬6) ب: وَجِئْتُ تُعِينُنِي، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: فَجِئْتُكَ أَسْأَلُكَ فِي كِتَابَتِي. (¬7) امْرَأَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) وَهِيَ فِي (ب) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ

فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة خيبر والرد عليه

أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا (¬1) . أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ» (¬2) . [فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة خيبر والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَفِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ (¬4) . كَانَ الْفَتْحُ فِيهَا عَلَى يَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَدَفَعَ الرَّايَةَ (¬5) . إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَانْهَزَمَ، ثُمَّ إِلَى عُمَرَ فَانْهَزَمَ، ثُمَّ إِلَى عَلِيٍّ وَكَانَ أَرْمَدَ (¬6) .، فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ (¬7) .، وَخَرَجَ فَقَتَلَ مَرْحَبًا، فَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ، وَغَلَّقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَعَالَجَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَلَعَهُ، وَجَعَلَهُ (¬8) . جِسْرًا عَلَى الْخَنْدَقِ، وَكَانَ الْبَابُ يُغْلِقُهُ عِشْرُونَ رَجُلًا، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْحِصْنَ وَنَالُوا الْغَنَائِمَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَاللَّهِ مَا قَلَعَهُ بِقُوَّةِ خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ وَلَكِنْ بِقُوَّةٍ ¬

(¬1) ن، م: فِي سَبْيِهَا وَالْمُثْبَتُ مِنْ (س) ، (ب) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ (¬2) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: ابْنِ هِشَامٍ 3/307 - 308، زَادِ الْمَعَادِ (وَاسْمُ الْغَزْوَةِ فِيهِ: غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذَانِ الْمُحَقِّقَانِ: " هُوَ مَاءٌ لِبَنِي خُزَاعَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُرْعِ (مَوْضِعٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ) مَسِيرَةُ يَوْمٍ، وَتُسَمَّى غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُوَ لَقَبٌ لِجُذَيْمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمْرٍو، بَطْنٍ مِنْ بَنِي خُزَاعَةَ ". ثُمَّ قَالَ الْمُحَقِّقَانِ عَنِ الْحَدِيثِ: " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ". وَجَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي: الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 4/158 - 159 طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 2/64، تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ 2/610، 3/165. (¬3) فِي (ك) ص 185 (م) - 186 (م) . (¬4) ك: غَزَاةِ (¬5) س، ب: وَدَفَعَ الرَّايَةَ فِيهَا (¬6) ك: وَكَانَ أَرَمَدَ الْعَيْنِ (¬7) م: عَيْنِهِ (¬8) ن، س، ب: وَجَعَلَ

رَبَّانِيَّةٍ (¬1) .، وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ بِوَاسِطَتِهِ ". وَالْجَوَابُ: بَعْدَ أَنْ يُقَالَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (¬2) .، أَنْ يُقَالَ: مَنْ ذَكَرَ هَذَا مِنْ عُلَمَاءِ النَّقْلِ؟ وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ وَصِحَّتُهُ؟ وَهُوَ مِنَ الْكَذِبِ ; فَإِنَّ خَيْبَرَ لَمْ تُفْتَحْ كُلُّهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، بَلْ كَانَتْ حُصُونًا مُتَفَرِّقَةً، بَعْضُهَا فُتِحَ عَنْوَةً، وَبَعْضُهَا فُتِحَ صُلْحًا، ثُمَّ كَتَمُوا مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارُوا مُحَارِبِينَ، وَلَمْ يَنْهَزِمْ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا اقْتَلَعَ بَابَ الْحِصْنِ، وَأَمَّا جَعْلُهُ جِسْرًا فَلَا. وَقَوْلُهُ: " كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ بِوَاسِطَتِهِ ". مِنَ الْكَذِبِ أَيْضًا ; فَإِنَّ عَلِيًّا لَيْسَ لَهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ أَثَرٌ أَصْلًا، إِلَّا كَمَا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ شَهِدَ الْفَتْحَ. وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ تَتَضَمَّنُ هَذَا. وَقَدْ عَزَمَ عَلِيٌّ عَلَى قَتْلِ حَمْوَيْنِ لِأُخْتِهِ أَجَارَتْهُمَا أُخْتُهُ أُمُّ هَانِئٍ، فَأَجَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَجَارَتْ. وَقَدْ هَمَّ بِتَزَوُّجِ (¬3) . بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ، حَتَّى غَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬4) . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (¬5) : كُنَّا يَوْمَ الْفَتْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، ¬

(¬1) ك: وَاللَّهِ مَا قَلَعْتُ بَابَ خَيْبَرَ بِقُوَّةٍ جُسْمَانِيَّةٍ بَلْ بِقُوَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ (¬2) م: الْكَذَّابِينَ (¬3) ن، س، ب: بِتَزْوِيجِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ. انْظُرِ الْبُخَارِيَّ 5/145 - 153 (¬5) الْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1407 - 1408 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ فَتْحِ مَكَّةَ) .

وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى (¬1) .، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ (¬2) ". وَبَطْنِ الْوَادِي. فَقَالَ: " «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ادْعُ لِيَ الْأَنْصَارَ» "، فَجَاءُوا (¬3) يُهَرْوِلُونَ، فَقَالَ: " «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ؟» " قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: " «انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا» " وَأَحْفَى (¬4) ". بِيَدِهِ، وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَقَالَ: " «مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا» " فَمَا أَشْرَفَ يَوْمَئِذٍ [لَهُمْ] (¬5) . أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ (¬6) ". . قَالَ: فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفَا، وَجَاءَتِ الْأَنْصَارُ، فَأَطَافُوا بِالصَّفَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (¬7) . مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " لَمَّا سَارَ رَسُولُ ¬

(¬1) الْمُجَنِّبَتَانِ: هُمَا الْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ، وَيَكُونُ الْقَلْبُ بَيْنَهُمَا (¬2) ن، م، س: السَّاقَةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ " وَفِي التَّعْلِيقِ: " عَلَى الْبَيَاذِقَةِ هُمُ الرَّجَّالَةُ. وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. . . قِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِخِفَّتِهِمْ وَسُرْعَةِ حَرَكَتِهِمْ (¬3) مُسْلِمٌ: فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاءُوا. . . (¬4) ن، م، س: وَأَكْفَى. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . وَفِي " مُسْلِمٍ ": أَخْفَى، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي شَرْحِ النَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ 12/132 (وَلَمْ يَشْرَحْهَا النَّوَوِيُّ) وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ ": " وَمِنْهُ حَدِيثُ الْفَتْحِ: أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، وَأَحْفَى بِيَدِهِ أَيْ أَمَالَهَا، وَصْفًا لِلْحَصْدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْقَتْلِ (¬5) لَهُمْ: فِي (ب) فَقَطْ، وَهِيَ فِي مُسْلِمٍ (¬6) قَالَ النَّوَوِيُّ 12/132: " أَيْ مَا ظَهَرَ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلُوهُ فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ، أَوْ يَكُونُ بِمَعْنَى: أَسْكَنُوهُ بِالْقَتْلِ كَالنَّائِمِ (¬7) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ. وَلَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/146 - 147 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّايَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ) وَهُوَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي 8/6: عَنْ هِشَامٍ (هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ) عَنْ أَبِيهِ. . . هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُرْسَلًا، وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْ عُرْوَةَ مَوْصُولًا، وَمَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ مِنْهُ مَا تَرْجَمَ بِهِ وَهُوَ آخِرُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ مَوْصُولٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ، لَكَأَنَّهَا (¬1) نِيرَانُ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدْرَكُوهُمْ، فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ. فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: " «أَمْسِكْ (¬2) . أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ (¬3) . حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ» " فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتِيبَةً كَتِيبَةً (¬4) . عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ، فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: [هَذِهِ] (¬5) . غِفَارٌ. قَالَ: مَالِي وَلِغِفَارٍ؟ ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ (¬6) . ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، فَقَالَ ¬

(¬1) م: فَكَأَنَّهَا (¬2) الْبُخَارِيُّ 5/147: احْبِسْ (¬3) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحِ الْبَارِي 8/8) : " أَيْ أَنْفِ الْجَبَلِ " (¬4) م: كَتِيبَةً بَعْدَ كَتِيبَةٍ (¬5) هَذِهِ: فِي (ب) فَقَطْ. وَهِيَ فِي " الْبُخَارِيِّ " (¬6) : عِبَارَةُ " ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . وَفِي (ن) ، (م) : ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هِنْدٍ. . . . وَالْمُثْبَتُ مِنَ " الْبُخَارِيِّ "

فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه يوم حنين والرد عليه

مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ مَرَّتْ سُلَيْمٌ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا. قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الْأَنْصَارُ (¬1) عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، مَعَهُ الرَّايَةُ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا (¬2) يَوْمُ الذِّمَارِ (¬3) .، ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ، وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ، فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: " «وَمَا قَالَ» ؟ قَالَ: قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: " «كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ (¬4) وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ " ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ» . [فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه يوم حنين والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) .: " وَفِي غَزَاةِ (¬6) . حُنَيْنٍ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَجِّهًا (¬7) فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ¬

(¬1) الْبُخَارِيُّ: قَالَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ. . . . (¬2) ن، س: هَذَا وَسَقَطَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ (م) . وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (¬3) ن، م، س: الدِّمَاءِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحَ الْبَارِي 8/8) : " وَمُرَادُ أَبِي سُفْيَانَ بِقَوْلِهِ: يَوْمُ الذِّمَارِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، أَيِ الْهَلَاكِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَمَنَّى أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَدٌ فَيَحْمِيَ قَوْمَهُ وَيَدْفَعَ عَنْهُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ هَذَا يَوْمُ الْغَضَبِ لِلْحَرِيمِ وَالْأَهْلِ وَالِانْتِصَارِ لَهُمْ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ هَذَا يَوْمٌ يَلْزَمُكَ فِيهِ حِفْظِي وَحِمَايَتِي مِنْ أَنْ يَنَالَنِي مَكْرُوهٌ " (¬4) س، ب: تُعَظَّمُ فِيهِ الْكَعْبَةُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (م) ، الْبُخَارِيِّ.، (¬5) فِي (ك) ص 186 (م) (¬6) س، ب: غَزْوَةِ (¬7) ك: مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِمْ فِي. . .

فَعَانَهُمْ (¬1) . أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: لَنْ نُغْلَبَ (¬2) الْيَوْمَ مِنْ كَثْرَةٍ، فَانْهَزَمُوا، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا (¬4) تِسْعَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ [يَضْرِبُ] (¬5) . بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَقَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعِينَ نَفْسًا فَانْهَزَمُوا ". وَالْجَوَابُ: بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِصِحَّةِ النَّقْلِ، أَمَّا قَوْلُهُ: " فَعَانَهُمْ أَبُو بَكْرٍ " فَكَذِبٌ (¬6) . مُفْتَرًى، وَهَذِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَالتَّفْسِيرِ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ قَوْلَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ عَانَهُمْ. وَاللَّفْظُ الْمَأْثُورُ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ. فَإِنَّهُ (¬7) قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ قَدْ (¬8) . قَالَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا تِسْعَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ " هُوَ كَذِبٌ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي " السِّيرَةِ " (¬9) 86.: " بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَمِمَّنْ (¬10) ثَبَتَ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ (¬11) ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ ¬

(¬1) تَحْتَ كَلِمَةِ " عَانَهُمْ " فِي " ك " كُتِبَ كَلَامٌ بِالْفَارِسِيَّةِ يَبْدُو أَنَّهُ شَرْحٌ لَهَا. وَعَانَهُمْ: أَيْ أَصَابَهُمْ بِالْعَيْنِ وَحَسَدَهُمْ (¬2) ك: لَنْ يَغْلِبُوا. . . (¬3) ن، س، ب: مَعَ رَسُولِ اللَّهِ. . (¬4) ك: غَيْرُ (¬5) يَضْرِبُ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) (¬6) م: فَهُوَ كَذِبٌ (¬7) فَإِنَّهُ: لَيْسَتْ فِي (م) . (¬8) قَدْ: لَيْسَتْ فِي (م) (¬9) ابْنُ هِشَامٍ 4/85 - (¬10) ابْنُ هِشَامٍ: وَفِيمَنْ. . . (¬11) ابْنُ هِشَامٍ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

وَابْنُهُ، وَالْفَضْلُ [بْنُ الْعَبَّاسِ] ، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ (¬1) .، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَعُدُّ فِيهِمْ (¬2) . قُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَلَا يَعُدُّ ابْنَ أَبِي سُفْيَانَ " (¬3) . هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَوْلُهُ: " إِنَّ عَلِيًّا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ [يَضْرِبُ] (¬4) . بِالسَّيْفِ، وَإِنَّهُ قَتَلَ أَرْبَعِينَ نَفْسًا ". فَكُلُّ (¬5) هَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ، وَالَّذِي فِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ لَمَّا وَافَوْا وَادِيَ حُنَيْنٍ عِنْدَ الْفَجْرِ، وَكَانَ الْقَوْمُ رُمَاةً فَرَمَوْهُمْ رَمْيَةً وَاحِدَةً فَوَلَّوْا، وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمُّهُ الْعَبَّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَكَانَ شَاعِرًا يَهْجُو النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَثَبَتَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ. قَالَ الْعَبَّاسُ: " لَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نُفَارِقْهُ " (¬6) . قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: " «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَبَّاسَ أَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ جَهْوَرِيَّ (¬7) . الصَّوْتِ، فَنَادَى: ¬

(¬1) ن، م: وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَابْنُهُ الْفَضْلُ، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، ب: وَابْنُهُ الْفَضْلُ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ " ابْنِ هِشَامٍ " وَهُوَ الصَّوَابُ (¬2) ابْنُ هِشَامٍ 4/86: وَأَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدٍ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ جَعْفَرٌ، وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَعُدُّ فِيهِمْ (¬3) ابْنُ هِشَامٍ: وَلَا يَعُدُّ ابْنَ أَبِي سُفْيَانَ (¬4) يَضْرِبُ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) (¬5) ب: كُلُّ (¬6) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي سَوْفَ أَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَلِيلٍ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - (ص 162 ن 4) . (¬7) ن، م، س، جَوْهَرِيَّ، وَهُوَ خَطَأٌ

يَا أَهْلَ الشَّجَرَةِ: يَا أَهْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: يَعْنِي الشَّجَرَةَ الَّتِي بَايَعُوا تَحْتَهَا، فَذَكَّرَهُمْ بِبَيْعَتِهِ لَهُمْ هُنَاكَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا وَعَلَى الْمَوْتِ (¬1) . (¬2) (¬3) . عَلَيْهِ عَطْفَةَ الْبَقَرِ (¬4) . عَلَى أَوْلَادِهَا، فَقَاتَلُوا حَتَّى انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ» "، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَرَمَى بِهَا الْقَوْمَ، وَقَالَ: " «انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» " (¬5) . . وَكَانَ عَلَى بَغْلَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: « أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ » وَهَذَا مَا رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحَيْنِ (¬6) . . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ: أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ النَّاسِ، وَحُسَّرٌ (¬7) إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ، وَهُمْ ¬

(¬1) م: عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عَلَى الْمَوْتِ (¬2) ، فَتَنَادَوْا: يَا لَبَّيْكَ، وَعَطَفُوا (¬3) س، ب: فَعَطَفُوا (¬4) س، ب: الْبَقَرَةِ (¬5) الْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي مُسْلِمٍ 3/1398 - 1400 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابٌ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/208 - 210، الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 3/327 - 328. وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِي الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا فِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬6) تَفْصِيلُ هَذَا الْحَدِيثِ يَأْتِي فِي الْكَلَامِ التَّالِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - (¬7) أَيِ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنَ النَّاسِ خِفَافًا لَا سِلَاحَ مَعَهُمْ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " النِّهَايَةِ " 2/307: " خِفَافُهُمْ وَأَخِفَّاؤُهُمْ وَهُمَا جَمْعُ خَفِيفٍ " وَقَالَ: " حُسَّرًا: وَهُمُ الَّذِينَ لَا مَتَاعَ مَعَهُمْ وَلَا سِلَاحَ " وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 12/118 " الْحَاسِرُ مَنْ لَا دِرْعَ عَلَيْهِ ".

قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ (¬1) " مِنْ نَبْلٍ، كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ (¬2) .، فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ، وَدَعَا، وَاسْتَنْصَرَ وَهُوَ يَقُولُ: « أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ» ". قَالَ الْبَرَاءُ: وَكُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَكَانَ الشُّجَاعُ مِنَّا الَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3) . وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «لَمَّا غَشُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ، وَاسْتَقْبَلَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ: " شَاهَتِ الْوُجُوهُ " (¬4) . فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَهَزَمَهُمْ (¬5) . اللَّهُ، وَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ¬

(¬1) قَالَ النَّوَوِيُّ 12/118: " وَأَمَّا الرِّشْقُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِلسِّهَامِ الَّتِي تَرْمِيهَا الْجَمَاعَةُ دُفْعَةً وَاحِدَةً. (¬2) قَالَ النَّوَوِيُّ 12/120: " يَعْنِي كَأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنْ جَرَادٍ، وَكَأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِرِجْلِ الْحَيَوَانِ لِكَوْنِهَا قِطْعَةً مِنْهُ " (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1400 - 1401 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابٌ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ) وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا: 5/153 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ. . .) 4/32 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ بَغْلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْضَاءِ) ، 4/43 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ مَنْ صَفَّ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ) . وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/117 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الثَّبَاتِ عِنْدَ الْقِتَالِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ) الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/289، 304 (¬4) قَالَ النَّوَوِيُّ 62/122: " أَيْ قَبُحَتْ " (¬5) ن، س، ب: وَهَزَمَهُمْ

فصل قال الرافضي الخامس إخبار علي رضي الله عنه بالغيوب والرد عليه

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنَائِمَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (¬1) . [فصل قال الرافضي الخامس إخبار علي رضي الله عنه بالغيوب والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْخَامِسُ: إِخْبَارُهُ بِالْغَائِبِ وَالْكَائِنِ قَبْلَ كَوْنِهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ لَمَّا اسْتَأْذَنَاهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْعُمْرَةِ قَالَ (¬3) : لَا وَاللَّهِ مَا تُرِيدَانِ (¬4) . الْعُمْرَةَ، وَإِنَّمَا تُرِيدَانِ (¬5) . الْبَصْرَةَ فِي (¬6) . . وَكَانَ كَمَا قَالَ (¬7) . وَأَخْبَرَ وَهُوَ بِذِي قَارٍ جَالِسٌ لِأَخْذِ الْبَيْعَةِ: يَأْتِيكُمْ مِنْ قِبَلِ (¬8) . الْكُوفَةِ أَلْفُ رَجُلٍ، لَا يَزِيدُونَ وَلَا يَنْقُصُونَ، يُبَايِعُونَنِي (¬9) . عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ آخِرَهُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ. وَأَخْبَرَ بِقَتْلِ ذِي الثُّدَيَّةِ، وَكَانَ كَذَلِكَ. وَأَخْبَرَهُ شَخْصٌ بِعُبُورِ الْقَوْمِ فِي قِصَّةِ (¬10) . النَّهْرَوَانِ، فَقَالَ: لَنْ ¬

(¬1) س، ب: مُسْلِمٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْحَدِيثُ مُطَوَّلًا عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1402 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابٌ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ) وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ الدَّارِمِيِّ 2/219 - 220 (كِتَابُ السِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شَاهَتِ الْوُجُوهُ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/286. (¬2) فِي ك ص 186 (م) - 188 (م) . (¬3) قَالَ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬4) ك: يُرِيدَانِ (¬5) ك: يُرِيدَانِ (¬6) (ك) : الْبَصْرَةَ، وَكَتَبَ فَوْقُ " الْغَدْرَةَ " وَعَلَيْهَا عَلَامَةُ التَّصْوِيبِ (¬7) ن: وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَا، م: وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ: ك: فَكَانَ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬8) قِبَلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) (¬9) ن، م، س، ك: يُبَايِعُونِي، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) (¬10) ك: قَضِيَّةِ

يُعْبُرُوا، ثُمَّ أَخْبَرَهُ آخَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: لَمْ (¬1) . يَعْبُرُوا، وَإِنَّهُ - وَاللَّهِ - لَمَصْرَعُهُمْ، فَكَانَ كَذَلِكَ. وَأَخْبَرَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ. وَأَخْبَرَ شَهْرَبَانَ بِأَنَّ اللَّعِينَ يَقْطَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَيَصْلُبُهُ (¬2) ، فَفَعَلَ بِهِ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ. وَأَخْبَرَ مِيثَمَ التَّمَّارَ (¬3) . بِأَنَّهُ يُصْلَبُ عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : لَنْ (¬2) ن، م، س: وَأَخْبَرَ أَنَّ (س: بِأَنَّ) شَهْرَبَانَ اللَّعِينَ يَقْطَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَيَصْلُبُهُ، (ب) وَأَخْبَرَ بِأَنَّ شَهْرَبَانَ اللَّعِينَ يُقْطَعُ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَيُصْلَبُ، ك: وَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جُوَيْرِيَةَ بْنَ مُسْهِرٍ بِأَنَّ اللَّعِينَ يَقْطَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَيَصْلِبُ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ. وَوَجَدْتُ أَنَّ الْكَشِّيَّ قَدْ ذَكَرَ جُوَيْرِيَةَ بْنَ مُسْهِرٍ الْعَبْدِيَّ فِي " رِجَالِهِ " ص 98 ط. كَرْبَلَاءَ، بِدُونِ تَارِيخٍ وَقَالَ الْمُعَلِّقُ - السَّيِّدُ أَحْمَدُ الْحُسَيْنِيُّ -: " جُوَيْرِيَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الثَّانِي ثُمَّ هَاءٍ. وَمُسْهِرٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَالْعَبْدِيُّ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي الْعُبَيْدِ، وَبَنُو الْعُبَيْدِ مُصَغَّرًا بَطْنٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ خَبَّابِ بْنِ قُضَاعَةَ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ ابْنَ الْمُطَهَّرِ يَقْصِدُ بِاللَّعِينِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " لِسَانِ الْمِيزَانِ " 2/18 قَالَ: وَقَالَ: " رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ وَجَابِرُ بْنُ الْحُرِّ "، كَمَا ذَكَرَهُ الطُّوسِيُّ فِي رِجَالِ " الطُّوسِيِّ "، ص 37 وَقَالَ: " جُوَيْرِيَةُ بْنُ مُسْهِرٍ: عَرَبِيٌّ كُوفِيٌّ ". (¬3) ن، س: مِسْمَارَ التَّمَّارَ، م: مِسْمَرَ التَّمَّارَ، ب: مِسْمَارًا التَّمَّارَ، ك: مِيتَمَ التَّمَّارَ. وَذَكَرَهُ الْكَشِّيُّ فِي " الرِّجَالِ " ص 74 - 81 وَذَكَرَ أَخْبَارًا عَنْ صَلْبِهِ، وَذَكَرَ الْمُعَلِّقُ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ وُرُودِ الْحُسَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْإِصَابَةِ " 3/479 وَذَكَرَ أَخْبَارًا عَنْ تَسْمِيَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ دَرَجَتَهَا مِنَ الصِّحَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَلْجَمَ فِي الْإِسْلَامِ. وَنَقَلَ عَنْهُ الزِّرِكْلِيُّ فِي " الْأَعْلَامِ " 8/294 أَكْثَرَ مَا ذَكَرَهُ وَحَدَّدَ سَنَةَ مَقْتَلِهِ 60 هـ. وَذَكَرَهُ الطُّوسِيُّ فِي " رِجَالِ الطُّوسِيِّ " ص 79 وَقَالَ الْمُعَلِّقُ: " مِيثَمُ بْنُ يَحْيَى أَوْ عَبْدُ اللَّهِ التَّمَّارُ النَّهْرَوَانِيُّ، حَالُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَقُتِلَ قَبْلَ قُدُومِ الْحُسَيْنِ (ع) إِلَى الْعِرَاقِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَصُلِبَ بَعْدَ أَنْ قُطِعَ لِسَانُهُ "

حُرَيْثٍ (¬1) عَاشِرَ عَاشِرَةٍ، وَهُوَ (¬2) أَقْصَرُهُمْ خَشَبَةً، وَأَرَاهُ النَّخْلَةَ الَّتِي يُصْلَبُ (¬3) . عَلَيْهَا، فَوَقَعَ كَذَلِكَ. وَأَخْبَرَ رُشَيْدًا الْهَجَرِيَّ (¬4) بِقَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَصَلْبِهِ، وَقَطْعِ لِسَانِهِ، فَوَقَعَ (¬5) . وَأَخْبَرَ كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ (¬6) -. أَنَّ الْحَجَّاجَ يَقْتُلُهُ (¬7) .، وَأَنْ قَنْبَرًا يَذْبَحُهُ الْحَجَّاجُ فَوَقَعَ. ¬

(¬1) م، ك: عُمَرَ بْنِ حُرَيْثٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ الْقُرَشِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيَ أَمْرَ الْكُوفَةِ لِزِيَادٍ ثُمَّ لِابْنِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَمَاتَ بِهَا، لَهُ 18 حَدِيثًا. وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 85 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 2/524، الْأَعْلَامِ 5/243 - 244. (¬2) ك: هُوَ (¬3) كَلِمَتَا " الَّتِي يُصْلَبُ " غَيْرُ ظَاهِرَتَيْنِ فِي (ك) (¬4) ن، م: رُشْدًا الْهَجَرِيَّ، س: رُشْدًا الْبَحْرِيَّ، ب: رَاشِدًا الْبَحْرِيَّ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ك) وَذَكَرَهُ الطُّوسِيُّ فِي " رِجَالِ الطُّوسِيِّ " ص. 73 وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ شَيْئًا وَذَكَرَهُ الْكَشِّيُّ فِي " الرِّجَالِ " ص. 71 - 73 وَذَكَرَ أَخْبَارَ صَلْبِهِ وَقَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " 2/51 - 52 وَقَالَ عَنْهُ: " قَالَ الْجُوزْجَانِيُّ: كَذَّابٌ غَيْرُ ثِقَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ كُوفِيٌّ، كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ " وَذَكَرَ أَنَّ زِيَادًا قَطَعَ لِسَانَهُ وَصَلَبَهُ عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ الْأُسْتَاذُ مُحِبُّ الدِّينِ الْخَطِيبُ فِي " الْمُنْتَقَى " ص 520 (¬5) ك: فَوَقَعَ كَذَلِكَ. (¬6) ب: كُهَيْلَ بْنَ زِيَادٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادِ بْنِ نَهِيكٍ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وُلِدَ سَنَةَ 12 وَقَتَلَهُ الْحَجَّاجُ سَنَةَ 82. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 8/447 - 448، شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 1/91 الْأَعْلَامِ 6/93. وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ الْخَطِيبُ عَنْ تَارِيخِ الطَّبَرِيِّ مِنْ أَخْبَارِ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ وَأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ قِيلَ عَنْهُ: إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْتَالَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬7) ك: بِأَنَّ الْحَجَّاجَ يَقْتُلُهُ فَوَقَعَ

وَقَالَ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: إِنَّ ابْنِي الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ وَلَا تَنْصُرُهُ، فَكَانَ كَمَا قَالَ، وَأَخْبَرَهُ (¬1) بِمَوْضِعِ قَتْلِهِ. وَأَخْبَرَ بِمُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَأَخْذِ التُّرْكِ الْمُلْكَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ يَسِيرٌ (¬2) لَا عُسْرَ فِيهِ، لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمُ التُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ وَالْهِنْدُ (¬3) وَالْبَرْبَرُ وَالطَّيْلَسَانُ عَلَى أَنْ يُزِيلُوا مُلْكَهُمْ مَا قَدَرُوا أَنْ يُزِيلُوهُ، حَتَّى يَشِذَّ عَنْهُمْ (¬4) مَوَالِيهِمْ وَأَرْبَابُ دَوْلَتِهِمْ، وَيُسَلَّطُ (¬5) . عَلَيْهِمْ مَلِكٌ مِنَ التُّرْكِ يَأْتِي عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأَ (¬6) . مُلْكُهُمْ، لَا يَمُرُّ بِمَدِينَةٍ إِلَّا فَتَحَهَا، وَلَا يُرْفَعُ لَهُ رَايَةٌ إِلَّا نَكَّسَهَا، الْوَيْلُ ثُمَّ (¬7) الْوَيْلُ لِمَنْ نَاوَأَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَظْفَرَ بِهِمْ (¬8) ، ثُمَّ يَدْفَعُ ظَفَرَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِي، يَقُولُ بِالْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ (¬9) .، أَلَا وَإِنَّ الْأَمْرَ (¬10) كَذَلِكَ ; حَيْثُ ظَهَرَ هُولَاكُو مِنْ نَاحِيَةِ (¬11) . خُرَاسَانَ. ¬

(¬1) س، ب: وَأَخْبَرَ (¬2) ك: يُسْرٌ (¬3) ك: وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ (¬4) ن، س، ب: تَشُدَّ عَلَيْهِمْ، م: تَشْتَدَّ عَنْهُمْ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) (¬5) ك: تُسَلَّطُ (¬6) ك: هَذَا (¬7) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) (¬8) بِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) (¬9) م: وَيَعْتَمِدُ بِهِ (¬10) ك: وَكَانَ الْأَمْرُ. . . . (¬11) م: نَحْوِ

وَمِنْهُ ابْتَدَأَ (¬1) مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ حَتَّى بَايَعَ لَهُمْ (¬2) . أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ ". (¬3) . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا الْإِخْبَارُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ، فَمَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ يُخْبِرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَعَلِيٌّ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي أَتْبَاعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مَنْ يُخْبِرُ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ، وَلَيْسُوا مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَلَا هُمْ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، وَمِثْلُ هَذَا مَوْجُودٌ فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِ زَمَانِنَا. وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُحَدِّثُونَ النَّاسَ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ يُسْنِدُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُذَيْفَةُ تَارَةً يُسْنِدُهُ وَتَارَةً لَا يُسْنِدُهُ. وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُسْنَدِ. وَمَا أَخْبَرَ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ يَكُونُ مِمَّا كُوشِفَ هُوَ بِهِ. وَعَمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ أَخْبَرَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَأَخْبَارِهِمْ، مِثْلَ مَا فِي كِتَابِ " الزُّهْدِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَ " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " وَ " صَفْوَةِ الصَّفْوَةِ " وَ " كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ " لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَاللَّالْكَائِيِّ - فِيهَا مِنَ الْكَرَامَاتِ عَنْ بَعْضِ أَتْبَاعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، كَالْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ نَائِبِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ بَعْضِ أَتْبَاعِهِمَا، وَأَبِي الصَّهْبَاءِ، وَعَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ عَلِيٌّ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ ¬

(¬1) ن، س، ب: ابْتِدَاءُ. (¬2) م: حَتَّى نَازَلَهُمْ، ك: حَيْثُ بَايَعَ لَهُمْ (¬3) ن، م، س: ثَابِتٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ هُوَ الْأَفْضَلَ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَضْلًا عَنِ الْخُلَفَاءِ. وَهَذِهِ الْحِكَايَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْ لِشَيْءٍ مِنْهَا إِسْنَادًا، (1 وَفِيهَا مَا يُعْرَفُ صِحَّتُهُ 1) (¬1) .، وَفِيهَا مَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ، وَفِيهَا مَا لَا يُعْرَفُ: هَلْ هُوَ صِدْقٌ أَمْ كَذِبٌ؟ فَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ مَلِكِ التُّرْكِ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ ظَفَرَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنِ الْعِتْرَةِ، وَهَذَا مِمَّا وَضَعَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ (¬2) . . وَالْكُتُبُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى عَلِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، فِي الْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلَاتِ كُلُّهَا كَذِبٌ، مِثْلُ كِتَابِ " الْجَفْرِ " وَ " الْبِطَاقَةِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ. (¬3) . وَكَذَلِكَ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ [عِنْدَهُ] (¬4) . عِلْمٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لَعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ (¬5) . . وَكَذَلِكَ مَا يُنْقَلُ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ الْبَاطِنِ، كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) ن، س، ب: وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ مُتَأَخِّرُهُمْ (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْكُتُبِ وَغَيْرِهَا فِيمَا مَضَى 2/464 - 465 (¬4) عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 10

وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِرَابَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ فِيكُمْ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ أَبُثُّهُ لَقَطَعْتُمْ هَذَا الْبُلْعُومَ» " فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ (¬1) .، لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ أَبَا هُرَيْرَةَ بِمَا فِي ذَلِكَ الْجِرَابِ، بَلْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظَ مِنْ غَيْرِهِ ; فَحَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ حُذَيْفَةُ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ س، ب:. . النَّاسِ مِنْ فِتْنَةٍ. . هِيَ كَائِنَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَا بِي أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ. . . الْحَدِيثَ. وَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الرَّهْطِ غَيْرُهُ» (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: " «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ» " (¬3) . وَحَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ (¬4) . فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: قَالَ: " «صَلَّى ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/31 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ حِفْظِ الْعِلْمِ) وَفِيهِ " وِعَاءَيْنِ " بَدَلًا مِنْ " جِرَابَيْنِ " (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/2216 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) . (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/123 (كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، مُسْلِمٍ 4/2217 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) (¬4) س، ب: أَبِي زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَتَرْجَمَةُ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْإِصَابَةِ 2/515، أُسْدِ الْغَابَةِ 6/128 - 129 وَهُوَ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ بْنِ رِفَاعَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو زَيْدٍ، مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً

بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، ثُمَّ خَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا» " (¬1) . وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ، فَلَمْ يَصْحَبِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَذَلِكَ الْجِرَابُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ: عِلْمِ الْإِيمَانِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، مِثْلِ الْفِتَنِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: فِتْنَةِ الْجَمَلِ، وَصِفِّينَ، وَفِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْفِتَنِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ حَدَّثَكُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّكُمْ تَقْتُلُونَ خَلِيفَتَكُمْ، وَتَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا، لَقُلْتُمْ: كَذَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: " اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ - أَوْ فِيكُمْ - الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - يَعْنِي مِنَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/2217 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) .

الشَّيْطَانِ: يَعْنِي عَمَّارًا -؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ - أَوْ فِيكُمْ - صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. . الْحَدِيثَ (¬1) . . وَذَلِكَ السِّرُّ (¬2) كَانَ مَعْرِفَتَهُ بِأَعْيَانِ نَاسٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، هَمُّوا بِأَنْ يَحُلُّوا حِزَامَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ لِيَسْقُطَ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَكَانَ حُذَيْفَةُ قَرِيبًا، فَعَرَّفَهُ بِهِمْ، وَكَانَ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ الْمَجْهُولُ حَالُهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ عُمَرُ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ ; خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَمَعْرِفَةُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالصَّالِحِينَ بِبَعْضِ الْمُسْتَقْبَلَاتِ لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهَا كُلِّهَا. وَالْغُلَاةُ الَّذِينَ [كَانُوا] (¬3) . يَدَّعُونَ عِلْمَ عَلِيٍّ بِالْمُسْتَقْبَلَاتِ مُطْلَقًا كَذِبٌ ظَاهِرٌ ; فَالْعِلْمُ بِبَعْضِهَا لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَالْعِلْمُ بِهَا كُلِّهَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ (¬4) . أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْمُسْتَقْبَلَاتِ أَنَّهُ فِي وِلَايَتِهِ وَحُرُوبِهِ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ كَانَ يَظُنُّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، فَيَتَبَيَّنُ لَهُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا ¬

(¬1) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/28 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 8/62 (كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ، بَابُ مَنْ أُلْقِيَ لَهُ وِسَادَةٌ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/338 - 339 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/449، 450، 450 - 451 (¬2) ن، م، س: لَكِنْ ذَكَرَ السِّرَّ. . . (¬3) كَانُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) ن، م، س: ذَلِكَ

ظَنَّ، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إِذَا قَاتَلَ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ يَجْرِي مَا جَرَى لَمْ يُقَاتِلْهُمْ ; فَإِنَّهُ كَانَ لَوْ لَمْ يُقَاتِلْ أَعَزَّ وَانْتَصَرَ (¬1) .، وَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَعَهُ، وَأَكْثَرُ الْبِلَادِ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، فَلَمَّا قَاتَلَهُمْ ضَعُفَ أَمْرُهُ، حَتَّى صَارَ مَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي كَانَتْ فِي (¬2) . طَاعَتِهِ، مِثْلَ مِصْرَ وَالْيَمَنِ، وَكَانَ الْحِجَازُ دُوَلًا. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا حَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ يَحْكُمَانِ بِمَا حَكَمَا لَمْ يُحَكِّمْهُمَا. وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَفْعَلُ بِالْآخَرِ مَا فَعَلَ حَتَّى يَعْزِلَاهُ، لَمْ يُوَلِّ مَنْ يُوَافِقُ عَلَى عَزْلٍ، وَلَا مَنْ خَذَلَهُ الْحَكَمُ الْآخَرُ (¬3) .، بَلْ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ أَشَارَ أَنْ يُقِرَّ مُعَاوِيَةَ عَلَى إِمَارَتِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، حَتَّى يَسْتَقِيمَ لَهُ الْأَمْرُ، وَكَانَ هَذَا الرَّأْيُ أَحْزَمَ عِنْدَ الَّذِينَ يَنْصَحُونَهُ وَيُحِبُّونَهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَّى أَبَا سُفْيَانَ - أَبَا مُعَاوِيَةَ - نَجْرَانَ (¬4) .، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ أَحْسَنَ إِسْلَامًا مِنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَتَّهِمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مُعَاوِيَةَ بِنِفَاقٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَبِيهِ. وَالصِّدِّيقُ كَانَ قَدْ وَلَّى أَخَاهُ - يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ - أَحَدَ الْأُمَرَاءِ فِي فَتْحِ الشَّامِ، لَمَّا وَلَّى خَالِدًا وَأَبَا عُبَيْدَةَ وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا فَتَحُوا الشَّامَ، بَقِيَ أَمِيرًا إِلَى أَنْ مَاتَ بِالشَّامِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، رَجُلًا صَالِحًا ¬

(¬1) م: لَوْ لَمْ يُقَاتِلْ أَعَزُّ وَأَنْصَرُ، س: لَوْ لَمْ يُقَاتِلْ عَزَّ وَنَصَرَ، ب: لَوْ لَمْ يُقَاتِلْ فِي عِزٍّ وَنَصْرٍ (¬2) م: تَحْتَ (¬3) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْعَوَاصِمِ مِنَ الْقَوَاصِمِ " عَنْ مَسْأَلَةِ التَّحْكِيمِ وَصِحَّةِ مَا وَقَعَ فِيهَا، وَانْظُرْ تَعْلِيقَاتِ أُسْتَاذِي الْأُسْتَاذِ مُحِبِّ الدِّينِ الْخَطِيبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ص 172 - 181 (¬4) ن، م، س: وَلَّى أَبَا سُفْيَانَ نَجْرَانَ، أَبَا مُعَاوِيَةَ

أَفْضَلَ مِنْ أَخِيهِ وَأَبِيهِ، لَيْسَ هَذَا هُوَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الَّذِي تَوَلَّى بَعْدَ مُعَاوِيَةَ الْخِلَافَةَ ; فَإِنَّ ذَاكَ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ سُمِّيَ (¬1) . بَاسِمِ عَمِّهِ، (* فَطَائِفَةٌ مِنَ الْجُهَّالِ يَظُنُّونَ يَزِيدَ هَذَا مِنَ الصَّحَابَةِ *) (¬2) . وَبَعْضُ غَلَّاتِهِمْ (¬3) يَجْعَلُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا أَنَّ آخَرِينَ يَجْعَلُونَهُ كَافِرًا أَوْ مُرْتَدًّا، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، بَلْ هُوَ خَلِيفَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ (¬4) . وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَعَنَ قَاتِلَهُ - قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا فِي خِلَافَتِهِ بِسَبَبِ خِلَافِهِ (¬5) ، لَكِنَّهُ هُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يُظْهِرِ الرِّضَا بِهِ، وَلَا انْتَصَرَ مِمَّنْ قَتَلَهُ. وَرَأْسُ الْحُسَيْنِ حُمِلَ إِلَى قُدَّامِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ (¬6) . . ¬

(¬1) م: وَلَكِنْ كَانَ يُسَمَّى (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) م: عُلَمَائِهِمْ (¬4) ن، س، ب: خَلِيفَةُ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، م: خَلِيفَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ. وَفِي هَامِشِ (س) ، (ب) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عِبَارَةَ " وَبَنِي الْعَبَّاسِ " زِيَادَةٌ مِنَ النُّسَّاخِ وَالْكَلَامُ يَسْتَقِيمُ بِدُونِهَا. (¬5) ن، س، ب: خِلَافَتِهِ. (¬6) الْأَثَرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/26 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/325 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ. . الْحَسَنِ. . وَالْحُسَيْنِ. . - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/261 الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 8/190

وَأَمَّا حَمْلُهُ إِلَى عِنْدِ يَزِيدَ (¬1) . فَبَاطِلٌ. وَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ (¬2) . . وَعَمُّهُ يَزِيدُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ هُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ، تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا مَاتَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ مَكَانَ أَخِيهِ. وَعُمَرُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الرِّجَالِ، وَأَحْذَقِهِمْ فِي السِّيَاسَةِ، وَأَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْهَوَى، لَمْ يُولِّ فِي خِلَافَتِهِ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ لِلْوِلَايَةِ مَنْ يَرَاهُ أَصْلَحَ لَهَا ; فَلَمْ يُوَلِّ مُعَاوِيَةَ إِلَّا وَهُوَ عِنْدُهُ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ. ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ (¬3) زَادَ عُثْمَانُ فِي وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ، حَتَّى جَمَعَ لَهُ الشَّامَ. وَكَانَتِ الشَّامُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ: فِلَسْطِينَ، وَدِمَشْقَ، وَحِمْصَ، وَالْأُرْدُنَّ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فُصِلَتْ قِنَّسْرِينَ وَالْعَوَاصِمَ مِنْ رُبْعِ حِمْصَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا عُمِّرَتْ حَلَبُ وَخُرِّبَتْ قِنَّسْرِينُ، وَصَارَتِ الْعَوَاصِمُ دُوَلًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَقَامَ مُعَاوِيَةُ نَائِبًا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَوَلَّى عِشْرِينَ سَنَةً، وَرَعِيَّتُهُ شَاكِرُونَ لِسِيرَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، رَاضُونَ بِهِ، حَتَّى أَطَاعُوهُ فِي مِثْلِ قِتَالِ عَلِيٍّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ أَحَقَّ بِالْجَوَازِ مِنْ وِلَايَةِ أَبِيهِ، فَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ تَحِلُّ وِلَايَتُهُ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ غَيْرَهُ كَانَ ¬

(¬1) م: إِلَى يَزِيدَ (¬2) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " 8/192: " وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَهَا فِي رَأْسِ الْحُسَيْنِ هَلْ سَيَّرَهُ ابْنُ زِيَادٍ إِلَى يَزِيدَ أَمْ لَا، عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ سَيَّرَهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ ". وَانْظُرِ " الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ " 8/191 - 198 (¬3) ن، م: ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى عُثْمَانُ. وَفِي (م) شَطْبٌ عَلَى كَلِمَةِ " عُثْمَانَ ".

أَحَقَّ بِالْوِلَايَةِ مِنْهُ، أَوْ أَنَّهُ مِمَّنْ (¬1) يَحْصُلُ بِهِ مَعُونَةٌ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ فِيهِ ظُلْمٌ، لَكَانَ الشَّرُّ الْمَدْفُوعُ بِوِلَايَتِهِ أَعْظَمَ مِنَ الشَّرِّ الْحَاصِلِ بِوِلَايَتِهِ. وَأَيْنَ أَخْذُ الْمَالِ، وَارْتِفَاعُ بَعْضِ الرِّجَالِ، مِنْ قَتْلِ الرِّجَالِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِصِفِّينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عِزٌّ وَلَا ظَفَرٌ؟ ! فَدَلَّ هَذَا وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا حَازِمِينَ. وَعَلِيٌّ إِمَامٌ مُجْتَهِدٌ، لَمْ يَفْعَلْ إِلَّا مَا رَآهُ مَصْلَحَةً. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ الْكَوَائِنَ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ إِقْرَارَهُ عَلَى الْوِلَايَةِ أَصْلَحُ لَهُ مِنْ حَرْبِ صِفِّينَ، الَّتِي لَمْ يَحْصُلْ بِهَا إِلَّا زِيَادَةُ الشَّرِّ وَتَضَاعُفُهُ، لَمْ يَحْصُلْ بِهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ شَيْءٌ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ أَكْثَرَ خَيْرًا وَأَقَلَّ شَرًّا مِنْ مُحَارَبَتِهِ، وَكُلُّ مَا يُظَنُّ فِي وِلَايَتِهِ مِنَ الشَّرِّ، فَقَدْ كَانَ فِي مُحَارَبَتِهِ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ كَثِيرٌ مِمَّا يُبَيِّنُ جَهْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ الْأُمُورَ الْمُسْتَقْبَلَةَ، بَلِ الرَّافِضَةُ تَدَّعِي الْأُمُورَ الْمُتَنَاقِضَةَ: يَدَّعُونَ عَلَيْهِ عِلْمَ الْغَيْبِ، مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِذَلِكَ، وَيَدَّعُونَ لَهُ مِنَ الشَّجَاعَةِ مَا يَزْعُمُونَ مَعَهُ أَنَّهُ كَانَ هُوَ الَّذِي يَنْصُرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَغَازِيهِ، وَهُوَ الَّذِي قَامَ (¬2) . الْإِسْلَامَ بِسَيْفِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَعَ ضَعْفِ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ يَذْكُرُونَ مِنْ عَجْزِهِ عَنْ مُقَاوَمَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ ضَعْفِهِ عِنْدَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ ; فَإِنَّ ¬

(¬1) م: فَإِنَّهُ مِمَّنْ. . (¬2) ب: أَقَامَ

أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالٌ يَسْتَعْطِفُ بِهِ النَّاسَ، وَلَا كَانَ لَهُ قَبِيلَةٌ عَظِيمَةٌ يَنْصُرُونَهُ، وَلَا مَوَالٍ، وَلَا دَعَا النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِهِ، لَا بِرَغْبَةٍ وَلَا بِرَهْبَةٍ. وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى دَفْعِهِ أَقْدَرَ مِنْهُ عَلَى دَفْعِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ حَارَبُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَثِيرٍ، فَلَوْ كَانَ (¬1) . هُوَ الَّذِي دَفَعَ الْكُفَّارَ، وَلَوْ كَانَ (¬2) . مُرِيدًا لِدَفْعِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكَانَ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرَ، لَكِنَّهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ. وَكَذَلِكَ فِي حَرْبِهِ لِمُعَاوِيَةَ قَدْ قُهِرَ وَعَسْكَرُهُ أَعْظَمُ، وَتَحْتَ طَاعَتِهِ مَنْ هُمْ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ تَحْتَ طَاعَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْهَرَ مُعَاوِيَةَ وَعَسْكَرَهُ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي نَصَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ كَثْرَةِ الْكُفَّارِ وَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّتِهِمْ ; لَكَانَ مَعَ كَثْرَةِ عَسْكَرِهِ عَلَى عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ أَقْدَرَ عَلَى قَهْرِ مُعَاوِيَةَ وَجَيْشِهِ مِنْهُ عَلَى قَهْرِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَاتَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يَجْمَعُ بَيْنَ تِلْكَ الشَّجَاعَةِ وَالْقُوَّةِ وَبَيْنَ هَذَا الْعَجْزِ وَالضَّعْفِ، إِلَّا مَنْ هُوَ جَاهِلٌ مُتَنَاقِضٌ؟ ! بَلْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّصْرَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ اللَّهَ أَيَّدَهُ بِنْصِرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ، وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَكَانَ تَأْيِيدُهُ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْظَمَ مِنْ تَأْيِيدِهِ بِغَيْرِهِمَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. ¬

(¬1) ن، م، س: فَلِمَ كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) ن، س، ب: وَكَانَ

وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ الْمُسْتَقْبَلَ أَنَّهُ نَدِمَ عَلَى أَشْيَاءَ مِمَّا فَعَلَهَا، وَكَانَ يَقُولُ: لَقَدْ عَجِزْتُ عَجْزَةً لَا أَعْتَذِرْ سَوْفَ أَكِيسُ بَعْدَهَا وَأَسْتَمِرْ وَأَجْمَعُ الرَّأْيَ الشَّتِيتَ الْمُنْتَشِرْ. وَكَانَ يَقُولُ لَيَالِيَ صِفِّينَ: يَا حَسَنُ يَا حَسَنُ، مَا ظَنَّ أَبُوكَ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا! لِلَّهِ دَرُّ مَقَامٍ قَامَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، إِنْ كَانَ بِرًّا إِنَّ أَجْرَهُ لَعَظِيمٌ، وَإِنْ كَانَ إِثْمًا إِنَّ خَطَرَهُ لَيَسِيرٌ. وَهَذَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُونَ. وَتَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَضَجَّرُ وَيَتَمَلْمَلُ مِنِ اخْتِلَافِ رَعِيَّتِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ. وَكَانَ الْحَسَنُ رَأْيُهُ تَرْكُ الْقِتَالِ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ بِتَصْوِيبِ الْحَسَنِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ (¬1) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬2) . فَمَدَحَ الْحَسَنَ عَلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ. وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ عَنِ الْقِتَالِ وَالْإِمْسَاكَ عَنِ الْفِتْنَةِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَأَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الِاعْتِبَارِ ; فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلْعَمَلِ بِظُهُورِ ثَمَرَتِهِ، فَمَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ كَانَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ ¬

(¬1) عِبَارَةُ " عَنْ أَبِي بَكْرٍ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539، 540

وَرَسُولِهِ. وَقَدْ دَلَّ الْوَاقِعُ عَلَى أَنَّ رَأْيَ الْحَسَنِ كَانَ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ ; لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْعَاقِبَةِ فِي هَذَا وَ [فِي] هَذَا (¬1) . . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ لِلْحَسَنِ وَأُسَامَةَ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» " (¬2) . . وَكِلَاهُمَا كَانَ يَكْرَهُ الدُّخُولَ فِي الْقِتَالِ. أَمَّا أُسَامَةُ فَإِنَّهُ اعْتَزَلَ الْقِتَالَ، فَطَلَبَهُ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ، فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. كَمَا اعْتَزَلَ أَكْثَرُ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِثْلَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا فَعَلَهُ الْحُسَيْنُ ; فَإِنَّهُ وَأَخَاهُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقُتِلَ الْحُسَيْنُ شَهِيدًا مَظْلُومًا. وَصَارَ النَّاسُ فِي قَتْلِهِ ثَلَاثَةَ أَحْزَابٍ: حِزْبٌ يَرَوْنَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ، وَيَحْتَجُّونَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ جَمَاعَتِكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» " (¬3) . . قَالُوا: وَهُوَ جَاءَ وَالنَّاسُ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ. وَحِزْبٌ يَرَوْنَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ كُفَّارٌ، بَلْ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِمَامَتَهُ كَافِرٌ. ¬

(¬1) ن، م: وَفِي هَذَا وَهَذَا (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/39 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/564

وَالْحِزْبُ الثَّالِثُ - وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - يَرَوْنَ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُهُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا بَعَثَ ابْنَ عَمِّهِ عَقِيلًا إِلَى الْكُوفَةِ فَبَلَغَهُ أَنَّهُ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ بَايَعَهُ طَائِفَةٌ، فَطَلَبَ (¬1) . الرُّجُوعَ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ السَّرِيَّةُ الَّتِي قَتَلَتْهُ، فَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى يَزِيدَ، أَوْ يَتْرُكُوهُ يَرْجِعُ إِلَى مَدِينَتِهِ، أَوْ يَتْرُكُوهُ يَذْهَبُ إِلَى الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَطَلَبُوا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ لِيَأْخُذُوهُ أَسِيرًا. وَمَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ تَمْكِينُهُ مِمَّا طَلَبَ، فَقَاتَلُوهُ ظَالِمِينَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُرِيدًا لِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا طَالِبًا لِلْخِلَافَةِ، وَلَا قَاتَلَ عَلَى طَلَبِ خِلَافَةٍ، بَلْ قَاتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لِمَنْ صَالَ عَلَيْهِ وَطَلَبَ أَسْرَهُ. وَظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْحِزْبِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْحِزْبُ الثَّانِي فَبُطْلَانُ قَوْلِهِ يُعْرَفُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: مِنْ أَظْهَرِهَا أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِمَّنْ قَاتَلَهُ، حَتَّى وَلَا الْخَوَارِجَ، وَلَا سَبَى ذُرِّيَّةَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا غَنِمَ مَالَهُ، وَلَا حَكَمَ فِي أَحَدٍ مِمَّنْ قَاتَلَهُ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ، كَمَا حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فِي بَنِي حَنِيفَةَ وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ، بَلْ عَلِيٌّ كَانَ يَتَرَضَّى (¬2) . عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ قَاتَلَهُ، وَيَحْكُمُ فِيهِمْ وَفِي أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مِمَّنْ قَاتَلَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ أَنَّ مُنَادِيَهُ نَادَى يَوْمَ الْجَمَلِ: " لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، ¬

(¬1) س، ب:. . طَائِفَةٌ فَبَلَغَ فَطَلَبَ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) س، ب: بَلْ كَانَ يَتَرَضَّى

وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُغْنَمُ مَالٌ " (¬1) . وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَتْهُ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِ، حَتَّى نَاظَرَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. وَاسْتَفَاضَتِ الْآثَارُ (¬2) . عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَنْ قَتْلَى عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ: إِنَّهُمْ جَمِيعًا مُسْلِمُونَ، لَيْسُوا كُفَّارًا وَلَا مُنَافِقِينَ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَكَذَلِكَ عَمَّارٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَحْزَابُ الثَّلَاثَةُ بِالْعِرَاقِ، [وَكَانَ بِالْعِرَاقِ أَيْضًا] (¬3) . طَائِفَةٌ نَاصِبَةٌ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ تُبْغِضُ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ، وَطَائِفَةٌ (¬4) . مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ تُبْغِضُ عُثْمَانَ وَأَقَارِبَهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» " (¬5) . . فَكَانَ الْكَذَّابُ الَّذِي فِيهَا هُوَ الْمُخْتَارَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَكَانَ الْحَجَّاجُ هُوَ الْمُبِيرَ، وَكَانَ هَذَا يَتَشَيَّعُ لِعُثْمَانَ وَيُبْغِضُ شِيعَةَ عَلِيٍّ، وَكَانَ الْكَذَّابُ يَتَشَيَّعُ لَعَلِيٍّ، حَتَّى قَاتَلَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَقَتَلَهُ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ ; فَظَهَرَ كَذِبُهُ. وَانْقَسَمَ النَّاسُ بِسَبَبِ هَذَا يَوْمَ (¬6) . عَاشُورَاءَ - الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ - إِلَى قِسْمَيْنِ: فَالشِّيعَةُ اتَّخَذَتْهُ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ يُفْعَلُ فِيهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ مَا ¬

(¬1) انْظُرِ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ 7/245 (¬2) م: الْأَخْبَارُ (¬3) الْعِبَارَةُ بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَأَثْبَتَهَا لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ (¬4) م: وَفَاطِمَةَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/69 (¬6) ب: فِي يَوْمِ

لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَضَلِّهِمْ، وَقَوْمٌ اتَّخَذُوهُ (¬1) بِمَنْزِلَةِ الْعِيدِ، فَصَارُوا يُوَسِّعُونَ فِيهِ فِيهِ: (¬2) . النَّفَقَاتِ وَالْأَطْعِمَةِ وَاللِّبَاسِ، وَرَوَوْا فِيهِ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، كَقَوْلِهِ: " «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» " وَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3) . قَالَ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ. وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا «أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: جَرَّبْنَاهُ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا. قُلْتُ: وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ هَذَا مِنْ فُضَلَاءِ الْكُوفِيِّينَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِمَّنْ سَمِعَهُ وَلَا عَمَّنْ بَلَغَهُ (¬4) . . وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْحُسَيْنِ، لِيُتَّخَذَ يَوْمُ قَتْلِهِ عِيدًا، فَشَاعَ هَذَا عِنْدَ الْجُهَّالِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ، حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثٍ: أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ جَرَى كَذَا وَجَرَى كَذَا، حَتَّى جَعَلُوا أَكْثَرَ حَوَادِثِ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، مِثْلَ مَجِيءِ قَمِيصِ يُوسُفَ إِلَى يَعْقُوبَ وَرَدِّ بَصَرِهِ، وَعَافِيَةِ أَيُّوبَ، وَفِدَاءِ الذَّبِيحِ، وَأَمْثَالِ هَذَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " (¬5) . وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَاهُ هُوَ فِي كِتَابِ " النُّورِ فِي ¬

(¬1) س، ب: اتَّخَذَتْهُ (¬2) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا سَبَقَ 2/69، 4/329 (¬4) ن، س: وَلَا مَنْ بَلَّغَهُ، م: وَإِلَى مَنْ بَلَغَهُ (¬5) انْظُرْ: " الْمَوْضُوعَاتِ " 2/199 - 204

فَضَائِلِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ " (¬1) . وَذَكَرَ عَنِ ابْنِ نَاصِرٍ شَيْخِهِ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " وَهُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ. وَابْنُ نَاصِرٍ رَاجَ عَلَيْهِ ظُهُورُ حَالِ رِجَالِهِ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفِينَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ، وَإِنَّمَا دُلِّسَ عَلَى بَعْضِ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ. كَمَا جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ (¬2) . أُخَرَ، حَتَّى فِي أَحَادِيثَ نُسِبَتْ إِلَى مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَلَيْسَتْ مِنْهُ، مِثْلَ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ الْمُذَهَّبِ، عَنِ الْقَطِيعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى (¬3) .، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ» " وَهَذَا الْقَوْلُ صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ، لَكِنَّ رِوَايَةَ هَذَا اللَّفْظِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذِبٌ، وَعَزْوُهُ إِلَى الْمُسْنَدِ لِأَحْمَدَ كَذِبٌ ظَاهِرٌ (¬4) . ; فَإِنَّ مُسْنَدَهُ مَوْجُودٌ وَلَيْسَ هَذَا فِيهِ. ¬

(¬1) ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي " الذَّيْلِ عَلَى طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ " 1/420 وَقَالَ عَنْهُ: مُجَلَّدٌ " (¬2) م: أَكَاذِيبَ (¬3) م: عَنْ أَبِيهِ ابْنِ الْمُثَنَّى (¬4) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ كَثِيرَةٌ مُقَارِبَةُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَ بَعْضَهَا السُّيُوطِيُّ فِي " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ " 1/4 - 7 مِنْهَا. . . عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَمِنْهَا عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: كُلُّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَخْلُوقٌ غَيْرَ اللَّهِ وَالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَلَامُهُ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَسَيَجِيءُ أَقْوَامٌ. . . إِلَخْ. وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَيْضًا ابْنُ عِرَاقٍ الْكِنَانِيُّ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " 1/134 - 135، وَعَلِيٌّ الْقَارِئُ فِي " الْأَسْرَارِ الْمَرْفُوعَةِ " ص 57، 259 وَانْظُرْ قَوْلَهُ (ص 479) : وَقَالَ " الْخَلِيلِيُّ فِي كِتَابِ الْإِرْشَادِ) : وَهَذَا مِثْلُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مَنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ حَدِيثَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - "

وَأَحْمَدُ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي زَمَنِ الْمِحْنَةِ، وَقَدْ جَرَى لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ مَا اشْتُهِرَ فِي الْآفَاقِ، وَكَانَ يَحْتَجُّ لِأَنَّ (¬1) . الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِحُجَجٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَدِيثَ قَطُّ، وَلَا احْتَجَّ بِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ؟ ! وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا عُرِفَ عَنْ هَذَا الشَّيْخِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ دَسَّهُ فِي جُزْءٍ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ، فَرَاجَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ، وَالَّذِي صَحَّ فِي فَضْلِهِ هُوَ صَوْمُهُ، وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً، وَأَنَّ اللَّهَ نَجَّى فِيهِ مُوسَى مِنَ الْغَرَقِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَبَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ مَا يُفْعَلُ فِيهِ - سِوَى الصَّوْمِ - بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، لَمْ يَسْتَحِبَّهَا (¬2) . أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، مِثْلَ الِاكْتِحَالِ، وَالْخِضَابِ، وَطَبْخِ الْحُبُوبِ، وَأَكْلِ لَحْمِ الْأُضْحِيَةِ، وَالتَّوْسِيعِ فِي النَّفَقَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَصْلُ هَذَا مِنِ ابْتِدَاعِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ وَنَحْوِهِمْ (¬3) . وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ مَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ مِنِ اتِّخَاذِهِ مَأْتَمًا يُقْرَأُ فِيهِ الْمَصْرَعُ، وَيُنْشَدُ فِيهِ قَصَائِدُ النِّيَاحَةِ، وَيُعَطِّشُونَ فِيهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَلْطِمُونَ فِيهِ (¬4) . الْخُدُودَ، وَيَشُقُّونَ الْجُيُوبَ، وَيَدْعُونَ فِيهِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ. ¬

(¬1) م: أَنَّ (¬2) م: لَمْ يُبِحْهَا (¬3) لِابْنِ تَيْمِيَّةَ رِسَالَةٌ أَجَابَ فِيهَا عَلَى سُؤَالٍ عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ الْبِدَعِ نُشِرَتْ فِي فَتَاوَى الرِّيَاضِ ج. 25 ص 299 - 317. (¬4) فِيهِ: زِيَادَةٌ فِي (ن)

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» " (¬1) . . وَهَذَا مَعَ حَدَثَانِ الْعَهْدِ بِالْمُصِيبَةِ، فَكَيْفَ (¬2) . إِذَا كَانَتْ بَعْدَ سِتَّمِائَةٍ وَنَحْوِ سَبْعِينَ سَنَةً؟ وَقَدْ قُتِلَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْحُسَيْنِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَأْتَمًا. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ (¬3) فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ - وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ قَتْلَهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ، فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدُمَتْ، فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا» " (¬4) . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُصِيبَةِ إِذَا ذُكِرَتْ، وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا، أَنْ يُسْتَرْجَعَ (¬5) .، كَمَا جَاءَ بِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 155 - 157] . وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ نَتْفُ النَّعْجَةِ تَشْبِيهًا لَهَا بِعَائِشَةَ، وَالطَّعْنُ فِي الْجِبْسِ الَّذِي فِي جَوْفِهِ سَمْنٌ تَشْبِيهًا لَهُ بِعُمَرَ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: يَا ثَارَاتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ! إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُ يَطُولُ وَصْفُهَا. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/52، 53 (¬2) ن، س، ب: فَتَكُونُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) ن، م: أَنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/551. (¬5) ن، س: فِي الْمُصِيبَةِ الِاسْتِرْجَاعُ إِذَا ذُكِرَتْ وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا

فصل قال الرافضي السادس أن عليا رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة والرد عليه

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَا أَحْدَثُوهُ مِنَ الْبِدَعِ فَهُوَ مُنْكَرٌ، وَمَا أَحْدَثَهُ مَنْ يُقَابِلُ بِالْبِدْعَةِ الْبِدْعَةَ، وَيُنْسَبُ إِلَى السُّنَّةِ، هُوَ أَيْضًا مُنْكَرٌ مُبْتَدَعٌ. وَالسُّنَّةُ مَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ بَرِيَّةٌ مِنْ كُلِّ بِدْعَةٍ، فَمَا يُفْعَلُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنِ اتِّخَاذِهِ عِيدًا بِدْعَةٌ أَصْلُهَا مِنْ بِدَعِ النَّوَاصِبِ، وَمَا يُفْعَلُ مِنِ اتِّخَاذِهِ مَأْتَمًا بِدْعَةٌ أَشْنَعُ مِنْهَا، وَهِيَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الرَّوَافِضِ، وَقَدْ بَسَطْنَا هَذِهِ الْأُمُورَ س، ب. . . الْأُمُورَ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ. . [فصل قال الرافضي السادس أن عليا رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " السَّادِسُ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَجَابَ الدُّعَاءِ (¬2) . دَعَا عَلَى بُسْرِ بْنِ أَرْطَأَةَ (¬3) بِأَنْ يَسْلُبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَقْلَهُ فَخُولِطَ فِيهِ، وَدَعَا عَلَى الْعَيْزَارِ (¬4) بِالْعَمَى فَعَمِيَ، وَدَعَا عَلَى أَنَسٍ (¬5) لَمَّا ¬

(¬1) فِي (ك) ص 188 (م) - 189 (م) . (¬2) م: الدَّعْوَةِ. (¬3) ن، م، س، ك: بِشْرَ بْنَ أَرْطَاهْ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ عُوَيْمِرِ بْنِ عِمْرَانَ. تَرْجَمَتُهُ فِي " الْإِصَابَةِ 1/152 وَقَالَ: " بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ أَوِ ابْنُ أَبِي أَرْطَاةَ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَنْ قَالَ: ابْنُ أَبِي أَرْطاةَ فَقَدْ وَهِمَ " طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 7/409، تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 1/435 - 436، الْأَعْلَامَ 2/23 وَوَفَاتُهُ فِيهِ سَنَةَ 23) . (¬4) ك: الْغَيْزَارِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَهُوَ الْعَيْزَارِ بْنِ الْأَخْنَسِ، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ 5/89 (ط. الْمَعَارِفِ) . (¬5) ك: أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.

كَتَمَ شَهَادَتَهُ بِالْبَرَصِ فَأَصَابَهُ، وَعَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِالْعَمَى فَعَمِيَ " (¬1) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَمِمَّنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ، مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ لَا تُخْطِئُ لَهُ دَعْوَةٌ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَتَهُ وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ» " (¬2) . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَى الْكُوفَةِ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ سَعْدٍ، فَكَانَ النَّاسُ يُثْنُونَ خَيْرًا، حَتَّى سُئِلَ عَنْهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْسٍ فَقَالَ: أَمَّا إِذْ أَنْشَدْتُمُونَا سَعْدًا، فَكَانَ لَا يَخْرُجُ فِي السَّرِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ. فَقَالَ سَعْدٌ: " اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَعَظِّمْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ " فَكَانَ يُرَى وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، تَدَلَّى حَاجِبَاهُ مِنَ الْكِبَرِ، يَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي يَغْمِزُهُنَّ فِي الطُّرُقَاتِ، وَيَقُولُ: " شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ " (¬3) . ¬

(¬1) ك: - فَعَمِيَ، وَدَعَا عَلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ بِعَمَى قَلْبِهِ بَعْدَمَا كَانَ قَدْ عَمِيَ، وَكَانَ فِي زُقَاقِ مَكَّةَ بِلَا عَصًا، فَلَمَّا دَعَا لَمْ يَعُدْ (فِي الْأَصْلِ: لَمْ يَجِدْ) يَهْتَدِي طَرِيقًا. (¬2) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْمُسْتَدْرَكِ 3/500. وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ هَانِئِ بْنِ خَالِدٍ الشَّجَرِيِّ، وَهُوَ شَيْخٌ ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. (¬3) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/147 كِتَابُ الْأَذَانِ بَابُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا.) مُسْلِمٍ 1/334 - 335 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/135 (كِتَابُ الِافْتِتَاحِ، بَابُ الرُّكُودِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/264.

وَكَذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ. فَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أَوْسٍ اسْتَعْدَتْ مَرْوَانَ عَلَى سَعِيدٍ، وَقَالَتْ: " سَرَقَ مِنْ أَرْضِي مَا أَدْخَلَهُ فِي أَرْضِهِ " فَقَالَ سَعِيدٌ: " اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَذْهِبْ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا " فَذَهَبَ بَصَرُهَا، وَمَاتَتْ فِي أَرْضِهَا (¬1) . وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ فَيَبَرُّ قَسَمَهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ: " «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» " (¬2) . وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، نَائِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَائِبُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْبَحْرَيْنِ، مَشْهُورٌ بِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ. رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادِهِ، قَالَ سَهْمُ بْنُ مِنْجَابٍ: غَزَوْنَا مَعَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ دَارِينَ (¬3) ، فَدَعَا بِثَلَاثِ دَعَوَاتٍ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ، قَالَ: سِرْنَا مَعَهُ، وَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، وَطَلَبْنَا الْوُضُوءَ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ، فَقَالَ: اللَّهُ يَا عَلِيمُ يَا حَكِيمُ، يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ، إِنَّا عَبِيدُكَ، وَفِي سَبِيلِكَ نُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، فَاسْقِنَا غَيْثًا نَشْرَبُ مِنْهُ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1230 - 1231 (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَغَصْبِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا) وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 1640 - 1649. (¬2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/482. (¬3) قَالَ يَاقُوتٌ فِي " مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ " دَارِينُ فُرْضَةٌ بِالْبَحْرَيْنِ يُجْلَبُ إِلَيْهَا الْمِسْكُ مِنَ الْهِنْدِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا دَارِيٌّ. . . وَفِي كِتَابِ " سَيْفٍ " أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اقْتَحَمُوا إِلَى دَارِينَ الْبَحْرَ مَعَ الْعَلَاءِ الْحَضْرَمِيِّ فَأَجَازُوا ذَلِكَ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ اللَّهِ. . . وَإِنَّ مَا بَيْنَ السَّاحِلِ وَدَارِينَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِسَفَرِ الْبَحْرِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ ".

وَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْإِحْدَاثِ، وَإِذَا تَرَكْنَاهُ فَلَا تَجْعَلْ فِيهِ نَصِيبًا لِأَحَدٍ غَيْرِنَا. قَالَ: فَمَا جَاوَزْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَإِذَا نَحْنُ بِبِئْرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ تَتَدَفَّقُ. قَالَ: فَنَزَلْنَا فَرَوَيْنَا (¬1) ، وَمَلَأْتُ إِدَاوَتِي (¬2) ، ثُمَّ تَرَكْتُهَا وَقُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ هَلِ اسْتُجِيبَ لَهُ؟ فَسِرْنَا مِيلًا أَوْ نَحْوَهُ، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: إِنِّي نَسِيتُ إِدَاوَتِي (¬3) ، فَجِئْتُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَكَأَنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ قَطُّ، فَأَخَذْتُ إِدَاوَتِي (¬4) ، فَلَمَّا أَتَيْتُ دَارِينَ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الْبَحْرُ، فَدَعَا لِلَّهِ فَقَالَ: اللَّهُ يَا عَلِيمُ يَا حَكِيمُ، يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ، إِنَّا عَبِيدُكَ وَفِي سَبِيلِكَ نُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، فَاجْعَلْ لَنَا سَبِيلًا إِلَى عَدُوِّكَ. ثُمَّ اقْتَحَمَ بِنَا (¬5) الْبَحْرَ، فَوَاللَّهِ مَا ابْتَلَّتْ سُرُوجُنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَجَعْنَا اشْتَكَى الْبَطْنَ فَمَاتَ، فَلَمْ نَجِدْ مَاءً نُغَسِّلُهُ، فَلَفَفْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ، فَدَفَنَّاهُ، فَلَمَّا سِرْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ إِذَا نَحْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ارْجِعُوا نَسْتَخْرِجْهُ فَنُغَسِّلْهُ، فَرَجَعْنَا فَخَفِيَ عَلَيْنَا قَبْرُهُ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَدْعُو اللَّهَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ يَا عَلِيمُ يَا حَكِيمُ، يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ، اخْفِ حُفْرَتِي، وَلَا تُطْلِعْ عَلَى عَوْرَتِي أَحَدًا، فَرَجَعْنَا وَتَرَكْنَاهُ (¬6) . وَقَدْ كَانَ عُمَرُ دَعَا بِدَعَوَاتٍ أُجِيبَ فِيهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَازَعَهُ بِلَالٌ وَطَائِفَةٌ مَعَهُ فِي الْقِسْمَةِ - قِسْمَةِ الْأَرْضِ - فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ " فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ عَيْنٌ تَطَرِفُ (¬7) . ¬

(¬1) ن، م، س: فَتَرَوَّيْنَا. (¬2) م: إِدَاوِينَا، س، ب: أَدَوَاتِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) س، ب: أَدَوَاتِي. (¬4) س، ب: أَدَوَاتِي. (¬5) س، ب، مَعَنَا. (¬6) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " صِفَةِ الصَّفْوَةِ " 1/290 (ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1355) . (¬7) سَبَقَ ذِكْرُ هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا مَضَى.

فصل قال الرافضي: السابع أنه لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد والرد عليه

وَقَالَ: " اللَّهُمَّ قَدْ (¬1) كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ وَلَا مُضَيِّعٍ " فَمَاتَ مِنْ عَامِهِ (¬2) . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " مُجَابِي الدَّعْوَةِ " كِتَابًا (¬3) ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، فَتَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الصِّحَّةِ، مَعَ أَنَّ فِيهَا مَا هُوَ كَذِبٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، كَدُعَائِهِ عَلَى أَنَسٍ بِالْبَرَصِ، وَدُعَائِهِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِالْعَمَى. [فصل قال الرافضي: السابع أنه لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " السَّابِعُ: أَنَّهُ لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى صِفِّينَ لَحِقَ أَصْحَابَهُ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَعَدَلَ بِهِمْ قَلِيلًا، فَلَاحَ لَهُمْ دَيْرٌ فَصَاحُوا بِسَاكِنِهِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الْمَاءِ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخَيْنِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُوتَى مَا يَكْفِينِي (¬5) كُلَّ شَهْرٍ عَلَى التَّقْتِيرِ لِتَلِفْتُ عَطَشًا، ¬

(¬1) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " تَارِيخِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " ص. 180 عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَزَادَ: وَفِي رِوَايَةٍ: فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى طُعِنَ فَمَاتَ ". (¬3) هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ سُفْيَانَ، ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ الْبَغْدَادِيُّ مُحَدِّثٌ، لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْوَعْظِ وَالْأَخْلَاقِ وَالزُّهْدِ، وُلِدَ سَنَةَ 208 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 281. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: فَوَاتِ الْوَفَيَاتِ 1/494 - 495، تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/12 - 13، مُعْجَمِ الْمُؤَلِّفِينَ 6/131، الْأَعْلَامِ 4/260 وَتُوجَدُ مِنْ كِتَابِ " مُجَابُو الدَّعْوَةِ " نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي مَكَّةَ كُوبْرِيلِّي بِتُرْكِيَا رَقْمُ 1584، وَتُوجَدُ مِنْهَا مُصَوَّرَةٌ فِي مَعْهَدِ الْمَخْطُوطَاتِ بِالْجَامِعَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ (تَصَوُّفٌ وَآدَابٌ شَرْعِيَّةٌ رَقْمُ 454) . (¬4) فِي (ك) ص 188 (م) - 189 (م) . (¬5) م: أُوتَى بِمَا يَكْفِينِي ك: أُوتَى بِمَاءٍ يَكْفِينِي.

فَأَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنَ الدَّيْرِ، وَأَمَرَ بِكَشْفِهِ، فَوَجَدُوا صَخْرَةً عَظِيمَةً، فَعَجِزُوا عَنْ إِزَالَتِهَا، فَقَلَعَهَا وَحْدَهُ، ثُمَّ شَرِبُوا الْمَاءَ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ (¬1) الرَّاهِبُ، فَقَالَ (¬2) : أَنْتَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ؟ فَقَالَ (¬3) : لَا، وَلَكِنِّي وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ (¬4) ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الدَّيْرَ بُنِيَ عَلَى طَالِبِ هَذِهِ (¬5) الصَّخْرَةِ، وَمَخْرَجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِهَا، وَقَدْ مَضَى جَمَاعَةٌ (¬6) قَبْلِي لَمْ يُدْرِكُوهُ. وَكَانَ الرَّاهِبُ مِنْ جُمْلَةِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَهُ، وَنَظَمَ الْقِصَّةَ (¬7) السَّيِّدُ الْحِمْيَرِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ " (¬8) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي يَظُنُّهَا (¬9) الْجُهَّالُ مِنْ أَعْظَمِ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، بَلِ الَّذِي وَضَعَ هَذِهِ كَانَ جَاهِلًا بِفَضْلِ عَلِيٍّ، وَبِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْمَمَادِحِ، فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ مِنَ الْمَنْقَبَةِ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى صَخْرَةٍ فَوَجَدُوا تَحْتَهَا الْمَاءَ، وَأَنَّهُ قَلَعَهَا. وَمِثْلُ هَذَا يَجْرِي لِخَلْقٍ كَثِيرٍ، عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬10) - أَفْضَلُ مِنْهُمْ، بَلْ فِي الْمُحِبِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ ¬

(¬1) ك: إِلَيْهِ (¬2) م: وَقَالَ، ك: فَقَالَ لَهُ. (¬3) ك: أَنْتَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ؟ قَالَ. . (¬4) م: يَدَيْهِ. (¬5) ك: عَلَى طَالِبٍ قَالِعٍ هَذِهِ. . . (¬6) س، ب: وَقَدْ مَضَى مِنْ تَحْتِهَا جَمَاعَةٌ. (¬7) ن، س، ب: الْقَضِيَّةَ. (¬8) ك:. . الْحِمْيَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَصِيدَتِهِ الْمُذَهَّبَةِ. (¬9) ن، م، س: يَطْلُبُهَا. (¬10) س، ب: عَنْهُمْ.

وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ مَنْ يَجْرِي لَهُمْ أَضْعَافُ هَذَا، وَأَفْضَلُ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ إِذَا جَرَى عَلَى يَدِ بَعْضِ الصَّالِحِينَ كَانَ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ وَكَرَامَةً لَهُ، فَقَدْ يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ لِمَنْ لَيْسَ مِنَ الصَّالِحِينَ كَثِيرًا. وَأَمَّا سَائِرُ مَا فِيهَا، مِثْلَ قَوْلِهِ: " إِنَّ هَذَا الدَّيْرَ بُنِيَ عَلَى طَالِبِ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، وَمَخْرَجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِهَا ". فَلَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا تُبْنَى الْكَنَائِسُ وَالدَّيَّارَاتُ وَالصَّوَامِعُ عَلَى أَسْمَاءِ الْمُقْتَدِيَةِ بِسِيَرِ النَّصَارَى، فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَبْنُونَ مَعَابِدَهُمْ - وَهِيَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ - إِلَّا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، لَا عَلَى اسْمِ مَخْلُوقٍ. وَقَوْلُ (¬1) الرَّاهِبِ: " أَنْتَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ " يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَضَلِّ الْخَلْقِ ; فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَشْرَبُ الْمَاءَ، وَلَا تَحْتَاجُ [إِلَى] (¬2) أَنْ تَسْتَخْرِجَهُ مِنْ تَحْتِ صَخْرَةٍ. وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الرَّاهِبَ قَدْ سَمِعَ بِخَبَرِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فَتَحُوا تِلْكَ الْمَوَاضِعَ، فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُبْعَثَ رَسُولٌ بَعْدَ الْمَسِيحِ، فَمُحَمَّدٌ هُوَ الرَّسُولُ، وَمُعْجِزَاتُهُ ظَاهِرَةٌ بَاطِنَةٌ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَكَيْفَ يَعْتَقِدُ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ بِمُجَرَّدِ دَلَالَتِهِ عَلَى مَاءٍ تَحْتَ صَخْرَةٍ، أَوْ لِكَوْنِ الدَّيْرِ بُنِيَ عَلَى اسْمِهِ، وَهُمْ يَبْنُونَ الدَّيَّارَاتِ عَلَى أَسْمَاءِ خَلْقٍ كَثِيرٍ لَيْسُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَلَا الرُّسُلِ؟ ! وَمَا فِيهِ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ: " وَلَكِنِّي وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ¬

(¬1) س، ب: فَقَوْلُ. (¬2) إِلَى: لَيْسَتْ فِي (ن)

فصل قال الرافضي الثامن قتل علي لكفار الجن والرد عليه

هُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدَّعِ هَذَا قَطُّ، لَا فِي خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ وَلَا لَيَالِي صِفِّينَ. وَقَدْ كَانَتْ لَهُ مَعَ مُنَازِعِيهِ مُنَاظَرَاتٌ وَمَقَامَاتٌ، مَا ادَّعَى هَذَا قَطُّ، وَلَا ادَّعَاهُ أَحَدٌ لَهُ. وَقَدْ حَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ، وَأَرْسَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ لِمُنَاظَرَةِ الْخَوَارِجِ، فَذَكَرُوا فَضَائِلَهُ وَسَوَابِقَهُ وَمَنَاقِبَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّهُ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، بِدُونِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِنَقْلِهِ لَوْ كَانَ حَقًّا، فَكَيْفَ مَعَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ؟ ! فَلَمَّا رَوَوْا فَضَائِلَهُ وَمَنَاقِبَهُ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، [وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ] " (¬1) . وَكَقَوْلِهِ عَامَ تَبُوكَ: " «أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» " (¬2) . وَقَوْلُهُ: " «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» " (¬3) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَلَمْ يَرْوُوا هَذَا مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى ذِكْرِهِ [وَلَا ادَّعَاهُ عَلِيٌّ قَطُّ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَى ذِكْرِهِ] (¬4) - عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا افْتَرَاهُ الْكَذَّابُونَ. [فصل قال الرافضي الثامن قتل علي لكفار الجن والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " الثَّامِنُ: مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ ; حَيْثُ خَرَجُوا عَنِ ¬

(¬1) وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ 4/289. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/501 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ. . . . 5/42. (¬3) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/34 (¬4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوقَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ. (¬5) فِي (ك) ص 189 (م) .

الطَّرِيقِ (¬1) ، وَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ، بِقُرْبِ (¬2) وَادٍ وَعْرٍ، فَهَبَطَ جِبْرِيلُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ (¬3) طَائِفَةً مِنْ كُفَّارِ الْجِنِّ قَدِ اسْتَبْطَنُوا الْوَادِيَ يُرِيدُونَ كَيْدَهُ وَإِيقَاعَ الشَّرِّ بِأَصْحَابِهِ، فَدَعَا بِعَلِيٍّ وَعَوَّذَهُ، وَأَمَرَهُ (¬4) بِنُزُولِ الْوَادِي، فَقَتَلَهُمْ» ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: عَلِيٌّ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ هَذَا، وَإِهْلَاكُ الْجِنِّ مَوْجُودٌ لِمَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ، لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى عَلِيٍّ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلَمْ يَجْرِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا. وَقَوْلُهُ: " إِنَّ هَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ " إِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ، أَوْ فِي كِتَابٍ يُعْتَمَدُ عَلَى مُجَرَّدِ نَقْلِهِ، أَوْ صَحَّحَهُ مَنْ يَرْجِعُ إِلَى تَصْحِيحِهِ - فَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ [أَنَّ] (¬5) جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ رَوَوْهُ فَهَذَا كَذِبٌ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ رَوَاهُ مَنْ لَا يَقُومُ بِرِوَايَتِهِ حُجَّةٌ، فَهَذَا لَا يُفِيدُ. وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا يُرْوَى أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِي بِئْرِ ذَاتِ الْعَلَمِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. ¬

(¬1) ك: جُنِّبَ عَنِ الطَّرِيقِ. (¬2) ك:. . اللَّيْلُ فَنَزَلَ بِقُرْبِ. (¬3) ك: جِبْرَئِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آخِرَ اللَّيْلِ وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - أَنَّ. . (¬4) ن، س: وَأَمَرَهُمْ، م فَأَمَرَهُمْ، ك: وَأَمَرَ. (¬5) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

وَعَلِيٌّ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ تَثْبُتَ الْجِنُّ لِقِتَالِهِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ أَحَدٌ مِنَ الْإِنْسِ الْجِنَّ، بَلْ كَانَ [الْجِنُّ] (¬1) الْمُؤْمِنُونَ يُقَاتِلُونَ الْجِنَّ الْكُفَّارَ. وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَبُو الْبَقَاءِ خَالِدُ بْنُ يُوسُفَ النَّابُلْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَأَلَهُ بَعْضُ الشِّيعَةِ عَنْ قِتَالِ عَلِيٍّ (¬2) الْجِنَّ، فَقَالَ: أَنْتُمْ مَعْشَرَ الشِّيعَةِ لَيْسَ لَكُمْ عَقْلٌ، أَيُّمَا أَفْضَلُ عِنْدَكُمْ: عُمَرُ أَوْ عَلِيٌّ؟ فَقَالُوا: بَلْ عَلِيٌّ. فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ يَرْوُونَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: " «مَا رَآكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» " (¬3) فَإِذَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَهْرُبُ مِنْ عُمَرَ، فَكَيْفَ يُقَاتِلُ عَلِيًّا؟ ! وَأَيْضًا فَدَفْعُ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَإِهْلَاكُهُمْ مَوْجُودٌ لِكَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَفِي ذَلِكَ قِصَصٌ يَطُولُ وَصْفُهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " حَدِيثًا طَوِيلًا فِي مُحَارَبَتِهِ لِلْجِنِّ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي الْحَجِّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّهُ حَارَبَهُمْ بِبِئْرِ ذَاتِ الْعَلَمِ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّامِرِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ السَّكُونِيُّ، حَدَّثَنَا عِمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَى مَكَّةَ أَصَابَ النَّاسَ عَطَشٌ شَدِيدٌ وَحُرٌّ شَدِيدٌ، فَنَزَلَ ¬

(¬1) الْجِنُّ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ وَإِثْبَاتُهَا تَسْتَقِيمُ بِهِ الْعِبَارَةُ. (¬2) عَلِيٍّ: فِي (ن) فَقَطْ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/55.

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (* الْحُجْفَةَ مُعَطَّشًا وَالنَّاسُ عِطَاشٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - *) (¬1) : " هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَمْضِي فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمُ الْقِرَبُ فَيَرِدُونَ بِئْرَ (¬2) ذَاتِ الْعَلَمِ، ثُمَّ يَعُودُ، يَضْمَنُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَنَّةَ؟ " فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ فَفَزِعَ مِنَ الْجِنِّ فَرَجَعَ، ثُمَّ بَعَثَ آخَرَ وَأَنْشَدَ شِعْرًا، فَذُعِرَ مِنَ الْجِنِّ فَرَجَعَ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَنَزَلَ الْبِئْرَ وَمَلَأَ الْقِرَبَ بَعْدَ هَوْلٍ شَدِيدٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: الَّذِي هَتَفَ بِكَ مِنَ الْجِنِّ هُوَ سَمَاعَةُ بْنُ غُرَابٍ (¬3) الَّذِي قَتَلَ عَدُوَّ اللَّهِ مِسْعَرًا شَيْطَانَ الْأَصْنَامِ الَّذِي يُكَلِّمُ قُرَيْشًا مِنْهَا، وَفَزِعَ مِنْ هِجَائِي» . ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ: " وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ مُحَالٌ، وَالْفُنَيْدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَالسَّكُونِيُّ مَجْرُوحُونَ. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَوْدِيُّ: وَعِمَارَةٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ " (¬4) . قُلْتُ: وَكُتُبُ ابْنِ إِسْحَاقَ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ النَّاسُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) وَمَكَانُهُ فِيهِمَا: فَقَالَ: هَلْ. . . (¬2) ن، س: بِبِئْرِ (¬3) ب: سَمَاعَةُ بْنُ عُزَابٍ. (¬4) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " مَعَ طُولِ بَحْثِي فِيهِ، وَلَعَلَّ نُسْخَةَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْكِتَابِ كَانَتْ فِيهَا زِيَادَاتٌ سَاقِطَةٌ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا.

فصل قال الرافضي التاسع حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه والرد عليه

[فصل قال الرافضي التاسع حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " التَّاسِعُ: رُجُوعُ الشَّمْسِ لَهُ مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِيَةُ: بَعْدَهُ. أَمَّا الْأُولَى فَرَوَى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ (¬2) يَوْمًا يُنَاجِيهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا تَغَشَّاهُ الْوَحْيُ تَوَسَّدَ فَخِذَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى عَلِيٌّ الْعَصْرَ (¬3) بِالْإِيمَاءِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: سَلِ اللَّهَ تَعَالَى يَرُدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسَ لِتُصَلِّيَ الْعَصْرَ قَائِمًا، فَدَعَا ; فَرُدَّتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الْعَصْرَ قَائِمًا» . وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَ الْفُرَاتَ بِبَابِلَ اشْتَغَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ [بِتَعْبِيرِ] دَوَابِّهِمْ (¬4) ، وَصَلَّى لِنَفْسِهِ (¬5) فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْعَصْرَ، وَفَاتَ كَثِيرًا مِنْهُمْ، فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، فَسَأَلَ اللَّهَ رَدَّ الشَّمْسِ فَرُدَّتْ. وَنَظَمَهُ الْحِمْيَرِيُّ (¬6) فَقَالَ: ¬

(¬1) فِي (ك) ص 189 (م) - 190 (م) . (¬2) ك: جِبْرَئِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْوَحْيِ. . (¬3) ك (ص 190 م) فَصَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْعَصْرَ. (¬4) ن: اسْتَعْمَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ دَوَابَّهُمْ، م: اشْتَغَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ دَوَابَّهُمْ، س، ب: اسْتَعْمَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ دَوَابَّهُمْ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) وَمَعْنَاهُ: اشْتَغَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِنَقْلِ دَوَابِّهِمْ عَبْرَ النَّهْرِ. (¬5) ك: بِنَفْسِهِ (¬6) ك: السَّيِّدُ الْحِمْيَرِيُّ.

رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَمَّا فَاتَهُ ... وَقْتُ الصَّلَاةِ وَقَدْ دَنَتْ لِلْمَغْرِبِ حَتَّى تَبَلَّجَ نُورُهَا فِي وَقْتِهَا ... لِلْعَصْرِ ثُمَّ هَوَتْ هُوِيَّ الْكَوْكَبِ وَعَلَيْهِ قَدْ رُدَّتْ بِبَابِلَ مَرَّةً ... أُخْرَى وَمَا رُدَّتْ لِخَلْقٍ مُعْرِبٍ (¬1) . وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: فَضْلُ عَلِيٍّ وَوِلَايَتُهُ لِلَّهِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٌ (¬2) ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ أَفَادَتْنَا الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ، لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى كَذِبٍ وَلَا إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ. وَحَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ لَهُ قَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ، كَالطَّحَاوِيِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَكِنِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ " الْمَوْضُوعَاتِ " (¬3) فَرَوَاهُ مِنْ كِتَابِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ فِي الضُّعَفَاءِ، مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ (¬4) بْنِ مُوسَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ (¬5) ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، (* فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: لَا *) (¬6) . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ¬

(¬1) ن، س، ب: مُغْرِبِ وَفِي (ك) بَعْدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بَيْتٌ رَابِعٌ هُوَ: إِلَّا لِيُوشَعَ أَوْ لَهُ مِنْ بَعْدِهَا وَلِرَدِّهَا تَأْوِيلُ أَمْرٍ مُعْجِبِ (¬2) س، ب: عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ (¬3) (3) 1/355 - 357 (¬4) م: الْمَوْضُوعَاتِ " عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَسَيَرِدُ فِيمَا يَلِي كَمَا أَثْبَتَهُ هُنَا. (¬5) ن، م: بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، الْمَوْضُوعَاتِ: بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَسَقَطَتْ " بْنِ الْحَسَنِ " الثَّانِيَةُ مِنْ (ب) . (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنَ " الْمَوْضُوعَاتِ " وَمَوْجُودٌ فِي " تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ " " اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ "، " الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ ".

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ. فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ، ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ» ". قَالَ أَبُو الْفَرَجِ (¬1) : " وَهَذَا حَدِيثٌ (¬2) مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ، وَقَدِ اضْطَرَبَ الرُّوَاةُ فِيهِ، فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ (¬3) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (¬4) ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ (¬5) ، عَنْ أَسْمَاءَ ". قَالَ: (¬6) " وَفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَيُخْطِئُ عَلَى الثِّقَاتِ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: " وَهَذَا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْهُ " (¬7) . قُلْتُ: وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ مَسْعُودٍ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَسْمَاءَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْأَشْقَرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ (¬8) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ¬

(¬1) ص 356 (¬2) س، ب: الْحَدِيثُ وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) الْمَوْضُوعَاتِ. (¬3) ن، س، ب: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) م: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، الْمَوْضُوعَاتِ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ (¬5) ن، س، ب: عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ خَطَأٌ وَتَرْجَمَةُ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 12/443 الْأَعْلَامِ 5/328 (¬6) أَيِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ. (¬7) (7 - 7) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ سَاقِطَةٌ مِنَ " الْمَوْضُوعَاتِ ". (¬8) ب: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (س) وَهُوَ الصَّوَابُ وَتَرْجَمَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/206 - 207

الْحُسَيْنِ (¬1) ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ (¬2) ، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ (¬3) : " وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا (¬4) أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا (¬5) أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا (¬6) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ (¬7) ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَحَدَّثَتْنِي [أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ حَدَّثَتْهَا] (¬8) أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. . وَذَكَرَ حَدِيثَ رُجُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ (¬9) : " وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ. أَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ (¬10) ، فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ (¬11) : هُوَ وَاهِي الْحَدِيثِ. قَالَ: وَأَنَا لَا أَتَّهِمُ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا ابْنَ عُقْدَةَ (¬12) ; فَإِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا يُحَدِّثُ بِمَثَالِبِ الصَّحَابَةِ ". " قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (¬13) يَقُولُ: ابْنُ عُقْدَةَ لَا يَتَدَيَّنُ بِالْحَدِيثِ، كَانَ يَحْمِلُ شُيُوخًا (¬14) بِالْكُوفَةِ عَلَى الْكَذِبِ، يُسَوِّي لَهُمْ نُسَخًا، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ مِنْهُ فِي ¬

(¬1) ن، س: عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ (¬2) الْمَوْضُوعَاتِ 1/356. (¬3) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ: حَدَّثَنَا. (¬4) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ: حَدَّثَنَا. (¬5) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ: حَدَّثَنَا. (¬6) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ: حَدَّثَنَا. (¬7) س، ب: بْنِ قَيْسٍ. (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ مِنَ " الْمَوْضُوعَاتِ " وَسَقَطَ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ. (¬9) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً. (¬10) ن، س، ب: أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَرِيكٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) الْمَوْضُوعَاتِ. (¬11) الْمَوْضُوعَاتِ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ. (¬12) الْمَوْضُوعَاتِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ قُلْتُ: وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَتَّهِمُ بِهَذَا إِلَّا ابْنَ عُقْدَةَ. . (¬13) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " 1/357 بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ بِسَبْعَةِ أَسْطُرٍ وَفِيهِ: وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي غَالِبٍ. (¬14) الْمَوْضُوعَاتِ: لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شُيُوخَنَا. . .

غَيْرِ نُسْخَةٍ (¬1) ، (* وَسُئِلَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ: رَجُلُ سُوءٍ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: " وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَدَاوُدُ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ *) " (¬2) . قُلْتُ: فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا دُونَ هَذَا. وَأَمَّا الثَّانِي بِبَابِلَ فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ (¬3) . وَإِنْشَادُ الْحِمْيَرِيِّ لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ، وَالْكَذِبُ قَدِيمٌ، فَقَدْ سَمِعَهُ فَنَظَمَهُ. وَأَهْلُ الْغُلُوِّ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ يَنْظِمُونَ مَا لَا تَتَحَقَّقُ صِحَّتُهُ، لَا سِيَّمَا وَالْحِمْيَرِيُّ مَعْرُوفٌ بِالْغُلُوِّ (¬4) . وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا ¬

(¬1) الْمَوْضُوعَاتِ: وَقَدْ تَيَقَّنَا ذَلِكَ مِنْهُ فِي غَيْرِ شَيْخٍ بِالْكُوفَةِ. (¬2) الْكَلَامُ بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَلَكِنِ اخْتَلَفَ تَرْتِيبُهُ وَاخْتَلَفَتْ بَعْضُ أَلْفَاظِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَوْضُوعُ فِي تَنْزِيهِ الشَّرِيعَةِ 1/378 - 382 اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/336 - 338 الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ ص 350. (¬3) ن، م: أَنَّهُ كَذِبٌ. (¬4) أَبُو هَاشِمٍ - أَوْ أَبُو عَامِرٍ - إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفْرِغٍ الْحِمْيَرِيُّ، شَاعِرٌ رَافِضِيٌّ وُلِدَ سَنَةَ 105 وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ، قِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 173 وَقِيلَ: سَنَةَ 178 وَقِيلَ سَنَةَ 179. قَالَ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ رَافِضِيًّا خَبِيثًا. قَالَ الدَّرَاقُطْنِيُّ: كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ فِي شِعْرِهِ وَيَمْدَحُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَعَدَّهُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ مِنَ الْمُخْتَارِيَّةِ الْكَيْسَانِيَّةِ أَصْحَابِ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ وَمَذْهَبَهُ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 1/436 - 438 فَوَاتِ الْوَفَيَاتِ 1/32 - 36 الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ 10/173 - 174 رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، ص 29 - 31 الْأَعْلَامِ 1/320 - 321 الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ 1/133 - 134.

يَبْنِ، وَلَا رَجُلٌ قَدْ بَنَى بَيْتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سَقْفَهُ (¬1) ، وَلَا رَجُلٌ اشْتَرَى غَنَمًا - أَوْ خَلِفَاتٍ - وَهُوَ يَنْتَظِرُ (¬2) وِلَادَهَا. قَالَ: فَغَزَوْا، فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ، حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا، فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ» " الْحَدِيثَ (¬3) . فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ الْأُمَّةُ أَفْضَلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِذَا كَانَتْ قَدْ رُدَّتْ لِيُوشَعَ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ تُرَدَّ لِفُضَلَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فَيُقَالُ: يُوشَعُ لَمْ تُرَدَّ لَهُ الشَّمْسُ، وَلَكِنْ تَأَخَّرَ غُرُوبُهَا، طُوِّلَ لَهُ النَّهَارُ، وَهَذَا قَدْ لَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ ; فَإِنَّ طُولَ النَّهَارِ وَقِصَرَهُ لَا يُدْرَكُ. وَنَحْنُ إِنَّمَا عَلِمْنَا وُقُوفَهَا لِيُوشَعَ بِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا لَا مَانِعَ مِنْ طُولِ ذَلِكَ (¬4) ، لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَفَعَلَ ذَلِكَ. لَكِنَّ يُوشَعَ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقِتَالَ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ; لِأَجْلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَمَلِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَيَوْمَ السَّبْتِ. وَأَمَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ، فَإِنَّ الَّذِي فَاتَتْهُ الْعَصْرُ إِنْ كَانَ مُفَرِّطًا لَمْ يَسْقُطْ ذَنْبُهُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ، وَمَعَ التَّوْبَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ¬

(¬1) ن، س: سَقِيفَةً (¬2) ن، م: مُنْتَظِرٌ. (¬3) كَلِمَةُ " الْحَدِيثُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَالْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْضِعَيْنِ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/86 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمُسِ، بَابُ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ. . .) 7/21 (كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ مَنْ أَحَبَّ الْبِنَاءَ قَبْلَ الْغَزْوِ وَجَاءَ هَذَا الْمَوْضُوعُ مُخْتَصَرًا. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: مُسْلِمٍ 3/1366 - 1367 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ تَحْلِيلِ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً) الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ) 16/102 - 103 (¬4) ن، م: لِمَنْ طُوِّلَ ذَلِكَ. . .

رَدٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا، كَالنَّائِمِ وَالنَّاسِي، فَلَا مَلَامَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَأَيْضًا فَبِنَفْسِ غُرُوبِ الشَّمْسِ خَرَجَ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلصَّلَاةِ، فَالْمُصَلِّي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُصَلِّيًا فِي الْوَقْتِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ عَادَتِ الشَّمْسُ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [سُورَةُ طه: 130] يَتَنَاوَلُ الْغُرُوبَ الْمَعْرُوفَ، فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ هَذَا الْغُرُوبِ، وَإِنْ طَلَعَتْ ثُمَّ غَرَبَتْ. وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ حَصَلَتْ بِذَلِكَ الْغُرُوبِ، فَالصَّائِمُ يُفْطِرُ، وَلَوْ عَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا تَقَعُ لِأَحَدٍ، وَلَا وَقَعَتْ لِأَحَدٍ، فَتَقْدِيرُهَا تَقْدِيرُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ ; وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ الْكَلَامُ عَلَى حُكْمٍ مِثْلِ هَذَا فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُفَرِّعِينَ. وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ الْعَصْرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَصَلَّاهَا قَضَاءً، هُوَ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ رَدَّ الشَّمْسِ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: " «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» ". فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدَةً مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ (¬1) . فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّوُا الْعَصْرَ بَعْدَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/411

غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَيْسَ عَلِيٌّ بِأَفْضَلَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا صَلَّاهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ ; فَعَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا تُجْزِئُ، أَوْ نَاقِصَةً تَحْتَاجُ إِلَى رَدِّ الشَّمْسِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِرَدِّ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَتْ كَامِلَةً مُجْزِئَةً فَلَا حَاجَةَ إِلَى رَدِّهَا. وَأَيْضًا فَمِثْلُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْعَادَةِ، الَّتِي تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إِلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ عُلِمَ بَيَانُ كَذِبِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ كَانَ بِاللَّيْلِ وَقْتَ نَوْمِ النَّاسِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَوَاهُ الصَّحَابَةُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَأَخْرَجُوهُ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ (¬1) مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ (¬2) ، وَنَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَكَيْفَ بِرَدِّ الشَّمْسِ الَّتِي تَكُونُ بِالنَّهَارِ، وَلَا يَشْتَهِرُ ذَلِكَ، وَلَا يَنْقُلُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ نَقْلَ مِثْلِهِ؟ ! ¬

(¬1) م: فِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ. (¬2) جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ ذَكَرَتِ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 4/206 - 207 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَفِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَتَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/49 (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ) وَنَصُّ حَدِيثِ أَنَسٍ هُوَ: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَهُوَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى، فَقَالَ: " اشْهَدُوا " وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الْجَبَلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ: أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 6/142 - 143 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، مُسْلِمٍ 4/2158 - 2159 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ، بَابُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/71 - 73 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْقَمَرِ) وَفِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 5/204، 6/12، 135، (ط الْحَلَبِيِّ) 3/165، 220، 275، 4/81 - 82.

وَلَا يُعْرَفُ قَطُّ أَنَّ الشَّمْسَ رَجَعَتْ بَعْدَ غُرُوبِهَا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالطَّبِيعِيِّينَ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكَلَامِ يُنْكِرُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ، وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. لَكِنَّ الْغَرَضَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فِي الْفَلَكِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُنْكِرُ إِمْكَانَهُ، فَلَوْ وَقَعَ لَكَانَ ظُهُورُهُ وَنَقْلُهُ أَعْظَمَ مِنْ ظُهُورِ مَا دُونَهُ وَنَقْلِهِ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ وَحَدِيثُهُ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ مَشْهُورٌ؟ فَإِنَّ هَذَا يُوجِبُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ بِأَنَّهُ كَذِبٌ لَمْ يَقَعْ. وَإِنْ كَانَتِ الشَّمْسُ احْتَجَبَتْ بِغَيْمٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ سَحَابُهَا، فَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ، وَلَعَلَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهَا غَرَبَتْ، ثُمَّ كُشِفَ الْغَمَامُ عَنْهَا. وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ - فَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ لَهُ بَقَاءَ الْوَقْتِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ. وَمِثْلُ هَذَا يَجْرِي لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ صُنِّفَ فِيهِ مُصَنَّفٌ جُمِعَتْ فِيهِ طُرُقُهُ: صَنَّفَهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (¬1) بْنِ أَحْمَدَ الْحَكَانِيِّ سَمَّاهُ " مَسْأَلَةٌ فِي تَصْحِيحِ رَدِّ الشَّمْسِ وَتَرْغِيبِ النَّوَاصِبِ الشُّمْسِ " (¬2) وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ. وَذُكِرَ حَدِيثُ أَسْمَاءَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ. ¬

(¬1) عِبَارَةُ (ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ) : لَيْسَتْ فِي (م) . (¬2) لَمْ أَجِدْ فِيمَا بَيْنَ يَدِي مِنْ مَرَاجِعَ شَيْئًا عَنِ الْمُؤَلِّفِ أَوْ عَنِ الْكِتَابِ.

قَالَ: " أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى - وَهُوَ الْقَطْرِيُّ - عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّهِ - أُمِّ جَعْفَرٍ - عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ، فَرَجَعَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي الْعَصْرَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ عَلِيًّا [فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ] (¬1) احْتَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى نَبِيِّهِ (¬2) ، فَرُدَّ عَلَيْهِ شَرْقَهَا. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى الْجِبَالِ، فَقَامَ عَلِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ» ". قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْمُصَنِّفُ: " أُمُّ جَعْفَرٍ هَذِهِ هِيَ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالرَّاوِي عَنْهَا هُوَ ابْنُهَا عَوْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَعْرُوفُ، أَبُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالرَّاوِي عَنْهُ هُوَ مُحَمَّدُ (¬3) بْنُ مُوسَى الْمَدِينِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِالْقَطْرِيِّ. مَحْمُودٌ فِي رِوَايَتِهِ ثِقَةٌ. وَالرَّاوِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الْمَدَنِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ هَذَا الَّذِي ذُكِرَتْ رِوَايَتُهُ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْأَنْطَاكِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ (¬4) عَنْهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ حَوْصَاءَ، وَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَفِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ، فَرَجَعَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ (¬2) م: نَبِيِّكَ (¬3) ن، م، س: مَحْمُودٌ، وَسَبَقَ الِاسْمُ قَبْلَ قَلِيلٍ كَمَا وَرَدَ هُنَا. (¬4) س: وَقَدْ رَوَوْا، ب: وَقَدْ رَوَى

وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّ عَبْدَكَ عَلِيًّا احْتَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى نَبِيِّهِ، فَرُدَّ عَلَيْهَا شَرْقَهَا. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَعَلَى الْأَرْضِ، فَقَامَ عَلِيٌّ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، وَذَلِكَ فِي الصَّهْبَاءِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ» . قَالَ: وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ " تَفْسِيرِ مُتَشَابِهِ الْأَخْبَارِ " مِنْ تَأْلِيفِهِ مِنْ طَرِيقِهِ. وَمِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ دَاوُدَ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ، وَلَفْظُهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ، فَرَجَعَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَالَ: يَا عَلِيُّ صَلَّيْتَ الْعَصْرَ؟ قَالَ: لَا» . وَذَكَرَهُ. قَالَ: وَيَرْوِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ. وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْحَضْرَمِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا صَلَّى الْعَصْرَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ - أَوْ خَدَّهُ لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ - فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» " وَذَكَرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: " وَرَوَاهُ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ

ابْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ. وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَفْظُهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ فُضَيْلِ (* بْنِ مَرْزُوقٍ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ صَاحِبِ كِتَابِ " الضُّعَفَاءِ ". قُلْتُ: وَهَذَا اللَّفْظُ يُنَاقِضُ الْأَوَّلَ، فَفِيهِ أَنَّهُ نَامَ فِي حِجْرِهِ *) (¬1) مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَأَنَّ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِالصَّهْبَاءِ. وَفِي الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَيْقِظًا يُوحِي إِلَيْهِ جِبْرِيلُ، وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. وَهَذَا التَّنَاقُضُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ ; لِأَنَّ هَذَا صَرَّحَ (¬2) بِأَنَّهُ كَانَ نَائِمًا هَذَا الْوَقْتَ، وَهَذَا قَالَ: كَانَ يَقْظَانَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ ; فَإِنَّ النَّوْمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، فَكَيْفَ تَفُوتُ عَلِيًّا صَلَاةُ الْعَصْرِ؟ ثُمَّ تَفْوِيتُ الصَّلَاةِ بِمِثْلِ هَذَا، إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَائِزًا، وَإِمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ (¬3) . فَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَلِيٍّ إِثْمٌ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَيْسَ عَلِيٌّ أَفْضَلَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ الْعَصْرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّاهَا، وَلَمْ تُرَدَّ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَكَذَلِكَ لَمْ تُرَدَّ لِسُلَيْمَانَ لَمَّا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) م: صَرِيحٌ. (¬3) ن: وَإِمَّا أَنْ لَا يَجُوزَ، س، ب: وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ.

وَقَدْ نَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ عَلِيٌّ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ عَنِ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَمْ تُرْجَعْ لَهُمْ (¬1) إِلَى الشَّرْقِ. وَإِنْ كَانَ التَّفْوِيتُ مُحَرَّمًا، فَتَفْوِيتُ (¬2) الْعَصْرِ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» " (¬3) . وَعَلِيٌّ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا الْوُسْطَى، وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمَّا قَالَ: " «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا» " (¬4) وَهَذَا كَانَ فِي الْخَنْدَقِ وَخَيْبَرَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ. فَعَلِيٌّ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَفْعَلَ [مَثْلَ] (¬5) هَذِهِ الْكَبِيرَةِ، وَيُقِرُّهُ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَنْ فَعَلَ هَذَا كَانَ مِنْ مَثَالِبِهِ لَا مِنْ مَنَاقِبِهِ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ عَلِيًّا عَنْ ذَلِكَ. ثُمَّ إِذَا فَاتَتْ لَمْ يَسْقُطِ الْإِثْمُ عَنْهُ بِعَوْدِ الشَّمْسِ. وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي خَيْبَرَ فِي الْبَرِّيَّةِ قُدَّامَ الْعَسْكَرِ، وَالْمُسْلِمُونَ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، كَانَ هَذَا مِمَّا يَرَاهُ الْعَسْكَرُ ¬

(¬1) ن، م: إِلَيْهِمْ. (¬2) ن: فَنَقُولُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/212، 220 (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/43 - 44 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْهَزِيمَةِ. . .) مُسْلِمٍ 1/436 - 437 (كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، بَابُ التَّغْلِيظِ فِي تَفْوِيتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ، بَابُ الدَّلِيلِ لِمَنْ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ) الْأَحَادِيثُ 202 - 206 سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/286 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْبَقَرَةِ حَدِيثٌ 4068) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/31، 46، 177، 213. (¬5) مَثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

وَيُشَاهِدُونَهُ. وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَنْ نَقْلِهِ ; فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنَقْلِهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ، فَلَوْ نَقَلَهُ الصَّحَابَةُ لَنَقَلَهُ مِنْهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ، كَمَا نَقَلُوا أَمْثَالَهُ، لَمْ يَنْقُلْهُ الْمَجْهُولُونَ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ ضَبْطُهُمْ وَعَدَالَتُهُمْ. وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ أَسَانِيدِ هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادٌ وَاحِدٌ يَثْبُتُ، تُعْلَمُ عَدَالَةُ نَاقِلِيهِ وَضَبْطُهُمْ، وَلَا يُعْلَمُ اتِّصَالُ إِسْنَادِهِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ: " «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولَهُ» " (¬1) فَنَقَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَحَادِيثُهُمْ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ (¬2) . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ: (* لَا رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ (¬3) وَلَا أَهْلُ السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِدِ أَصْلًا (¬4) ، بَلِ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِثْلُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي هِيَ لَوْ كَانَتْ حَقًّا مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ الْمَشْهُورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَمْ يَرْوِهَا أَهْلُ الصِّحَاحِ *) (¬5) وَالْمَسَانِدِ، وَلَا نَقَلَهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحُفَّاظِ الْحَدِيثِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ! ! وَالْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْقَطْرِيُّ، عَنْ عَوْنٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ (¬6) أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ. وَعَوْنٌ وَأُمُّهُ لَيْسَا مِمَّنْ يُعْرَفُ حِفْظُهُمْ وَعَدَالَتُهُمْ، وَلَا مِنَ ¬

(¬1) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/289 (¬2) م: وَالْمَسَانِيدِ (¬3) ب: أَهْلُ الْحَدِيثِ (¬4) أَصْلًا: فِي (ن) فَقَطْ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) عَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

الْمَعْرُوفِينَ بِنَقْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يُحْتَجُّ (¬1) بِحَدِيثِهِمْ فِي أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ، فَكَيْفَ فِي مِثْلِ هَذَا؟ وَلَا فِيهِ سَمَاعُ الْمَرْأَةِ مِنْ (¬2) أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَلَعَلَّهَا سَمِعَتْ مَنْ يَحْكِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ فَذَكَرَتْهُ. وَهَذَا الْمُصَنِّفُ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَّهُ ثِقَةٌ، وَعَنِ الْقَطْرِيِّ أَنَّهُ ثِقَةٌ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ (¬3) أَنْ يَذْكُرَ عَمَّنْ بَعْدَهُمَا أَنَّهُ ثِقَةٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنْسَابَهُمْ. وَمُجَرَّدُ الْمَعْرِفَةِ بِنَسَبِ الرَّجُلِ لَا تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا ثِقَةً. وَأَمَّا الْإِسْنَادُ الثَّانِي فَمَدَارُهُ عَلَى فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْخَطَأِ عَلَى الثِّقَاتِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ (¬4) . قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: يُخْطِئُ عَلَى الثِّقَاتِ، وَيَرْوِي عَنْ عَطِيَّةَ الْمَوْضُوعَاتِ (¬5) . وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (¬6) : لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَرَّةً: هُوَ ضَعِيفٌ. وَهَذَا لَا يُنَاقِضُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيهِ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَقَوْلُ سُفْيَانَ: هُوَ ثِقَةٌ، وَقَوْلُ يَحْيَى (¬7) مَرَّةً: هُوَ ثِقَةٌ (¬8) ; فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، وَلَكِنَّهُ ¬

(¬1) ن: وَلَا يَحْتَجُّوا، س، ب: وَلَا يَحْتَجُّونَ (¬2) س، ب: عَنْ (¬3) ن، م، س: وَلَا يُمْكِنُهُ (¬4) فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْأَغَرُّ الرَّقَاشِيُّ الْكُوفِيُّ. تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7/298 - 300 مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/362 - 363 وَقَالَ الذَّهَبِيُّ عَنْهُ: " وَثَّقَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ، وَكَذَا ضَعَّفَهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قُلْتُ: وَكَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّشَيُّعِ مِنْ غَيْرِ سَبٍّ " (¬5) ذَكَرَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ نَقْلًا عَنِ ابْنِ حِبَّانَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ " 7/299 (¬6) فِي كِتَابِهِ " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " ق [0 - 9] م [0 - 9] ص 75 (ط حَيْدَرَ آبَادَ 1361 1942) . (¬7) س، ب: وَيَحْيَى (¬8) هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا جَاءَتْ فِي " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ".

يُخْطِئُ، وَإِذَا رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَا تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَرْوِيَ مَا انْفَرَدَ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ سَمَاعُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَلَا سَمَاعُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ فَاطِمَةَ، وَلَا سَمَاعُ فَاطِمَةَ مِنْ أَسْمَاءَ. وَلَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ عَدْلٌ ضَابِطٌ، وَأَنَّهُ سَمِعَ مِنَ الْآخَرِ، وَلَيْسَ هَذَا مَعْلُومًا. وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا لَمْ يَرْوِ لَهُ أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ - كَالصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ - وَلَا لَهُ ذِكْرٌ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، بِخِلَافِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، فَإِنَّ لَهَا حَدِيثًا مَعْرُوفًا، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثٍ مِثْلِ هَذَا؟ وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِينَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَكَوْنُ الرَّجُلِ أَبُوهُ كَبِيرُ الْقَدْرِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَأْمُونِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْهُ. وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ كَانَتْ عِنْدَ جَعْفَرٍ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ، وَلَهَا مِنْ كُلِّ [مِنْ] (¬1) هَؤُلَاءِ وَلَدٌ، وَهُمْ يُحِبُّونَ عَلِيًّا، وَلَمْ يَرْوِ هَذَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ أَسْمَاءَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي فِي حِجْرِ عَلِيٍّ هُوَ ابْنُهَا، وَمَحَبَّتُهُ لِعَلِيٍّ مَشْهُورَةٌ، وَلَمْ يَرْوِ هَذَا عَنْهَا. وَأَيْضًا فَأَسْمَاءُ كَانَتْ زَوْجَةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَتْ مَعَهُ فِي الْحَبَشَةِ، وَإِنَّمَا قَدِمَتْ مَعَهُ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ قَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا كَانَتْ بِخَيْبَرَ، فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَقَدْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ خَيْبَرَ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ: أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، ¬

(¬1) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

وَازْدَادَ الْعَسْكَرُ بِجَعْفَرٍ وَمَنْ قَدِمَ مَعَهُ مِنَ الْحَبَشَةِ، كَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَالْحَبَشَةِ الَّذِينَ قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرٍ فِي السَّفِينَةِ، وَازْدَادُوا أَيْضًا بِمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَلَمْ يَرْوِ هَذَا أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِأَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمُخْتَلَقِ. وَالطَّعْنُ فِي فُضَيْلٍ وَمَنْ بَعْدَهُ إِذَا تُيُقِّنَ بِأَنَّهُمْ (¬1) رَوَوْهُ، وَإِلَّا فَفِي إِيصَالِهِ إِلَيْهِمْ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الرَّاوِيَ الْأَوَّلَ عَنْ فُضَيْلٍ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ الْكُوفِيُّ (¬2) ، (* قَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ (¬3) : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ. وَقَالَ السَّعْدِيُّ: حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ *) (¬4) غَالٍ مِنَ الشَّاتِمِينَ لِلْخِيرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَالْبَلَاءُ عِنْدِي مِنْهُ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الْكُوفَةِ يُحِيلُونَ مَا يَرْوُونَ عَنْهُ مِنَ الْحَدِيثِ فِيهِ (¬5) . وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّالِثُ فَفِيهِ عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ. قَالَ ¬

(¬1) م: أَنَّهُمْ. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: حُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَشْقَرُ الْكُوفِيُّ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَتَرْجَمَتُهُ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/531 - 532 تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/335 - 337 وَاسْمُهُ الْكَامِلُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ الْفَزَارِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ مَرَّةً عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ " (¬3) ن، س، ب: وَقَالَ النَّسَبِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَالتَّصْوِيبُ مِنْ مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/531، تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/337. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/531: وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: جَمَاعَةٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ يُحِيلُونَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى حُسَيْنٍ الْأَشْقَرِ، عَلَى أَنَّ فِي حَدِيثِهِ بَعْضَ مَا فِيهِ. وَذَكَرَ لَهُ مَنَاكِيرَ، قَالَ فِي أَحَدِهَا: الْبَلَاءُ عِنْدِي مِنَ الْأَشْقَرِ ".

الْعُقَيْلِيُّ: يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَنَاكِيرِ. وَقَالَ الرَّازِيُّ: كَانَ يَكْذِبُ أَحَادِيثَ بَوَاطِلَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ (¬1) . وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ (¬2) ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ فُضَيْلٍ، وَفِي بَعْضِهَا: " حَدَّثَنَا " (¬3) فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قَالَ: " حَدَّثَنَا " (¬4) أَمْكَنَ أَنْ لَا يَكُونَ سَمِعَهُ ; فَإِنَّهُ مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى التَّشَيُّعِ، الْحُرَّاصِ عَلَى جَمْعِ أَحَادِيثِ التَّشَيُّعِ، وَكَانَ يَرْوِي الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ عَنِ الْكَذَّابِينَ، وَهُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِينَ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانُوا قَدْ قَالُوا فِيهِ: ثِقَةٌ، وَإِنَّهُ ¬

(¬1) انْظُرْ تَرْجَمَةَ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ وَيُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ الرَّهَاوِيَّ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/169 - 170 لِسَانِ الْمِيزَانِ 4/275 - 276 وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ حَدِيثَ رَدِّ الشَّمْسِ عَنْ طَرِيقِهِ: " وَقَدْ رَوَى ابْنُ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَمْ تُرَدَّ الشَّمْسُ إِلَّا عَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ". وَقَالَ الذَّهَبِيُّ - وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ - عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ: هَالِكٌ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَفَهُ بِالْحِفْظِ " وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِمَنَاكِيرَ ". وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " م [0 - 9] ق 1 ص 394 - وَنَقَلَ كَلَامَهُ الذَّهَبِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ -: " كَانَ يَكْذِبُ ". (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَنْسِيِّ (فِي (م) غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَسَبَقَ وُرُودُ الِاسْمِ كَذَلِكَ قَبْلَ صَفَحَاتِ (175 - 176) وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي الْمُخْتَارِ، وَاسْمُهُ بَاذَامُ الْعَبْسِيُّ انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7 - 53 وَفِيهَا: " وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ. . . وَقَالَ الْحَاكِمُ: سَمِعْتُ قَاسِمَ بْنَ قَاسِمٍ السَّيَّارِيَّ سَمِعْتُ أَبَا مُسْلِمٍ الْبَغْدَادِيَّ الْحَافِظَ يَقُولُ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى مِنَ الْمَتْرُوكِينَ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ لِتَشَيُّعِهِ. . . وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: كُوفِيٌّ صَالِحٌ يَتَشَيَّعُ، وَقَالَ السَّاجِيُّ: كَانَ يُفْرِطُ فِي التَّشَيُّعِ: وَقَالَ عَنْهُ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/16: ". . . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ شِيعِيًّا مُتَحَرِّقًا ". (¬3) ن، م: حَدِيثُنَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م: حَدِيثًا.

لَا يَكْذِبُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ هَلْ كَانَ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ أَمْ لَا؟ لَكِنَّهُ كَانَ يَرْوِي عَنِ الْكَذَّابِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِالْكَذِبِ بِلَا رَيْبٍ. وَالْبُخَارِيُّ لَا يَرْوِي عَنْهُ إِلَّا مَا عُرِفَ بِهِ أَنَّهُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَهُ رِوَايَاتٌ عَنْ فَاطِمَةَ سِوَى مَا قَدَّمْنَا (¬1) . ثُمَّ رَوَاهُ بِطَرِيقٍ مُظْلِمَةٍ، يَظْهَرُ أَنَّهَا كَذِبٌ لِمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ مَنُوطَةٌ بِالْحَدِيثِ، فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَفْصٍ الْكَتَّانِيِّ (¬2) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ (¬3) الْقَاضِي - هُوَ الْجَعَّانِيُّ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَسْكَرِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِعَلِيٍّ حَتَّى رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» . وَهَذَا مِمَّا لَا يُقْبَلُ نَقْلُهُ إِلَّا مِمَّنْ عُرِفَ عَدَالَتُهُ وَضَبْطُهُ، لَا مِنْ مَجْهُولِ الْحَالِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مِمَّا يَعْلَمُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّوْرِيَّ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ، وَلَا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟ وَأَحَادِيثُ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَهُمْ أَصْحَابٌ يَعْرِفُونَهَا. وَرَوَاهُ خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ فَأُمُّ أَشْعَثَ مَجْهُولَةٌ لَا يَقُومُ بِرِوَايَتِهَا شَيْءٌ. وَذَكَرَ طَرِيقًا ثَانِيًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ¬

(¬1) انْظُرْ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ قَبْلَ قَلِيلٍ. (¬2) م: أَبِي جَعْفَرٍ الْكِنَانِيِّ. وَلَمْ أَجِدِ الرَّجُلَ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ مَرَاجِعَ (¬3) م: بْنُ عَمْرٍو.

عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ. . الْحَدِيثَ. قُلْتُ (¬1) : وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِي حُسَيْنٍ الْأَشْقَرِ، فَلَوْ كَانَ الْإِسْنَادُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَالْإِسْنَادُ مُتَّصِلٌ، لَمْ يَثْبُتْ بِرِوَايَتِهِ شَيْءٌ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ؟ وَعَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ وَأَبُوهُ غَالِيَانِ فِي مَذْهَبِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ (¬2) . وَإِخْرَاجُ أَهْلِ الْحَدِيثِ (¬3) لِمَا عَرَفُوهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ لَا يُوجِبُ أَنْ يُثْبِتَ مَا انْفَرَدَ بِهِ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ هَذَا الْمُصَنِّفَ جَعَلَ هَذَا وَالَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقِ رِوَايَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ. وَهَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ لَا بِنْتُ الْحُسَيْنِ. وَكَذَلِكَ (* ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّالِثَ عَنْهَا: مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ *) (¬4) عَلِيٍّ، عَنْ أَسْمَاءَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، «رُفِعَ (¬5) إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فَجَلَّلَهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَدْبَرَتِ الشَّمْسُ، يَقُولُ: غَابَتْ أَوْ كَادَتْ تَغِيبُ، وَأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: اللَّهُمَّ رُدَّ عَلَى عَلِيٍّ الشَّمْسَ، فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَسْجِدِ» . ¬

(¬1) قُلْتُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬2) انْظُرْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَغَيْرَهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/160، تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ: 7/392 - 393. (¬3) ن، م: الصَّحِيحِ (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) ن، م: دُفِعَ.

فَيَقْتَضِي أَنَّهَا رَجَعَتْ إِلَى قَرِيبِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَأَنَّ هَذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَفِي ذَاكَ الطَّرِيقِ أَنَّهُ كَانَ بِخَيْبَرَ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا (¬1) ظَهَرَتْ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ وَاهِي الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُهُ. وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ رَابِعٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْقَاضِي - وَهُوَ الْجَعَّانِيُّ - عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ (¬2) ، (* عَنْ عَبَّادٍ (¬3) وَهُوَ الرَّوَاجِنِيُّ *) (¬4) ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ صَبَاحِ بْنِ (¬5) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ (¬6) حُسَيْنٍ الْمَقْتُولِ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: «كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَغَلَ عَلِيًّا مَا كَانَ مِنْ قَسْمِ الْمَغَانِمِ (¬7) ، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا صَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا. فَدَعَا اللَّهَ فَارْتَفَعَتْ حَتَّى تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ، فَصَلَّى عَلِيٌّ، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ سَمِعْتُ لَهَا صَرِيرًا كَصَرِيرِ الْمِنْشَارِ فِي الْحَدِيدِ» . وَهَذَا اللَّفْظُ الرَّابِعُ يُنَاقِضُ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَنَاقِضَةَ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ ¬

(¬1) إِنَّمَا سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ن، س، ب: الْجَعَّانِيِّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَلَمْ أَجِدْ رَاوِيًا بِهَذَا الِاسْمِ وَوَجَدْتُ ثَلَاثَةً اسْمُهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ. انْظُرْ مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 2/386 - 387، تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 5/131 - 134 (¬3) ن: الْوَلِيدِيِّ عَبَّادٍ. .، س، ب: بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبَّادٍ، وَهُوَ خَطَأٌ وَانْظُرْ تَرْجَمَةَ عَبَّادٍ الرَّوَاجِنِيِّ بَعْدَ صَفَحَاتٍ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) م: عَنْ. (¬6) عِبَارَةُ " أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ. . . " سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬7) ن، م: الْمَغْنَمِ

الْحَدِيثَ لَمْ يَرْوِهِ صَادِقٌ ضَابِطٌ، بَلْ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِمَّا اخْتَلَقَهُ وَاحِدٌ وَعَمِلَتْهُ يَدَاهُ، فَتَشَبَّهَ بِهِ آخَرُ، فَاخْتَلَقَ مَا يُشْبِهُ حَدِيثَ ذَلِكَ. وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ. وَفِي هَذَا أَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا اشْتَغَلَ بِقَسْمِ الْمَغَانِمِ لَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٌّ لَمْ يُقَسِّمْ مَغَانِمَ خَيْبَرَ، وَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِقِسْمَتِهَا عَنِ الصَّلَاةِ ; فَإِنَّ خَيْبَرَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ، سَنَةَ (¬1) سَبْعٍ، وَبَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، سَنَةَ سِتٍّ. وَهَذَا مِنَ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَالْخَنْدَقُ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، إِمَّا سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ أَرْبَعٍ، وَفِيهَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 238] ، وَنُسِخَ التَّأْخِيرُ بِهَا (¬2) يَوْمَ الْخَنْدَقِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ لِلْقِتَالِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (¬3) . وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ، بَلْ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِلْقِتَالِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ - فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - فَلَمْ يَتَنَازَعِ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ قَسْمِ الْغَنَائِمِ ; فَإِنَّ هَذَا لَا يَفُوتُ، وَالصَّلَاةُ تَفُوتُ. وَفِي هَذَا أَنَّهَا تَوَسَّطَتِ الْمَسْجِدَ، وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الظَّاهِرِ ; فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ غَرَائِبِ الْعَالَمِ، الَّتِي لَوْ جَرَتْ لَنَقَلَهَا الْجَمُّ الْغَفِيرُ. وَفِيهِ أَنَّهَا لَمَّا غَابَتْ سُمِعَ لَهَا صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الْمِنْشَارِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْكَذِبِ الظَّاهِرِ ; فَإِنَّ هَذَا لَا مُوجِبَ لَهُ أَيْضًا، وَالشَّمْسُ عِنْدَ غُرُوبِهَا لَا تُلَاقِي مِنَ الْأَجْسَامِ مَا يُوجِبُ هَذَا الصَّوْتَ الْعَظِيمَ، الَّذِي يَصِلُ مِنَ الْفَلَكِ الرَّابِعِ إِلَى ¬

(¬1) ن: فِي سَنَةِ. . . (¬2) ن، س: وَنُسِخَ بِهَا التَّأْخِيرُ، م: وَنُسِخَ بِهَا الْمُتَأَخِّرُ. (¬3) مَعَ أَنَّهُ كَانَ لِلْقِتَالِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَذَا فِي (ب) وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: مَعَ أَنَّهُ كَانَ الْقِتَالُ أَكْثَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

الْأَرْضِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا حَقًّا لَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ عَجَائِبِ الْعَالَمِ الَّتِي تَنْقُلُهَا الصَّحَابَةُ، الَّذِينَ نَقَلُوا مَا هُوَ دُونَ هَذَا مِمَّا كَانَ فِي خَيْبَرَ وَغَيْرِ خَيْبَرَ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَوْ رُوِيَ بِهِ مَا يُمْكِنُ صِدْقُهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ هَاشِمِ بْنَ الْبَرِيدِ كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، يَرْوِي عَنْ كُلِّ أَحَدٍ يُحَرِّضُهُ عَلَى مَا يُقَوِّي بِهِ هَوَاهُ (¬1) ، وَيَرْوِي عَنْ مَثْلِ صَبَاحٍ هَذَا، وَصَبَاحٌ هَذَا لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ. وَلَهُمْ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ صَبَاحُ بْنُ سَهْلٍ الْكُوفِيُّ، يَرْوِي عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنْ أَقْوَامٍ مَشَاهِيرَ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ. وَلَهُمْ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: صَبَاحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ الْبَجَلِيُّ (¬2) (* الْأَحْمَسِيُّ الْكُوفِيُّ يَرْوِي عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ. وَلَهُمْ شَخْصٌ يُقَالُ لَهُ صَبَاحٌ *) (¬3) الْعَبْدِيُّ (¬4) قَالَ الرَّازِيُّ: هُوَ مَجْهُولٌ. وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ مُجَالِدٍ، مَجْهُولٌ يَرْوِي عَنْهُ بَقِيَّةُ (¬5) . قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، هُوَ مِنْ شُيُوخِ بَقِيَّةَ (¬6) الْمَجْهُولِينَ. ¬

(¬1) ن: عَنْ كُلِّ أَحَدٍ عَرَضَهُ عَلَى مَا يُقَوِّي بِهِ هَوَاهُ، س: عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ (كَلَامٌ مَطْمُوسٌ) يَقْوَى بِهِ هَوَاهُ، ب: عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ غَرَضُهُ وَيَأْتِي بِمَا يُقَوِّي بِهِ هَوَاهُ. (¬2) م: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الْبَجَلِيُّ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬4) الْعَبْدِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬5) ن، س: ثِقَتُهُ، وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) (¬6) ن، س: ثِقَتِهِ. وَالْكَلِمَةُ مَنْقُوطَةٌ هُنَا فِي (م) : بَقِيَّةَ.

وَحُسَيْنٌ الْمَقْتُولُ: إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَذَلِكَ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ وَاحِدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فَاطِمَةُ أُخْتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَكَانَ هُوَ أَخْبَرَ بِهَا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَهَا مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ أَسْمَاءَ امْرَأَةِ أَبِيهِ، وَغَيْرِهَا، لَمْ يَرْوِهَا عَنْ بِنْتِهِ أَوْ أُخْتِهِ، عَنْ أَسْمَاءَ امْرَأَةِ أَبِيهِ. وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، بَلْ هُوَ غَيْرُهُ، أَوْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَلَهُمَا أُسْوَةٌ أَمْثَالُهُمَا. وَالْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِرِوَايَةِ مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ عَدْلٌ ضَابِطٌ ثِقَةٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ. وَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِنِسْبَتِهِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ مَنْ كَانَ. وَفِي أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. هَذَا إِنْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ رَوَاهُ، وَإِلَّا فَالرَّاوِي عَنْهُ عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الرَّوَاجِنِيُّ. قَالَ (¬1) ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَافِضِيًّا (* دَاعِيَةً يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ ; فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى أَحَادِيثَ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ فِي فَضَائِلِ *) (¬2) أَهْلِ الْبَيْتِ وَمَثَالِبِ غَيْرِهِمْ. وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ رَوَى عَنْهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يُعْرَفُ صِحَّتُهُ، وَإِلَّا فَحِكَايَةُ قَاسِمٍ الْمُطَرِّزِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا حَفَرَ الْبَحْرَ، وَإِنَّ الْحَسَنَ أَجْرَى فِيهِ الْمَاءَ، مِمَّا يَقْدَحُ فِيهِ قَدْحًا بَيِّنًا (¬3) . ¬

(¬1) ن: الرَّوَاحِبِيُّ، م: سَقَطَتْ كَلِمَتَا " الرَّوَاجِنِيُّ قَالَ " مِنْهَا. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) تَرْجَمَةُ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الرَّوَاجِنِيِّ الْأَسَدِيِّ، أَبُو سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 2/379 - 380، تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 5/109 - 110 وَفِيهَا هَذِهِ الْأَقْوَالُ مُفَصَّلَةٌ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَسْمَاءَ سِوَى هَؤُلَاءِ، وَرَوَى (¬1) مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عُقْدَةَ، وَكَانَ مَعَ حِفْظِهِ جَمَّاعًا لِأَكَاذِيبِ (¬2) الشِّيعَةِ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ: رَأَيْتُ مَشَايِخَ بَغْدَادَ يُسِيئُونَ (¬3) الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، يَقُولُونَ: لَا يَتَدَيَّنُ بِالْحَدِيثِ، وَيَحْمِلُ شُيُوخًا بِالْكُوفَةِ عَلَى الْكَذِبِ، وَيُسَوِّي (¬4) لَهُمْ نُسَخًا، وَيَأْمُرُهُمْ بِرِوَايَتِهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ رَجُلَ سُوءٍ (¬5) . قَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ حَدِيثِ رَدِّ الشَّمْسِ عَلَى عَلِيٍّ: هَلْ ثَبَتَ عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ لِي: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي عَلِيٍّ فِي كِتَابِهِ أَعْظَمَ مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ. قُلْتُ: صَدَقْتَ جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ. قَالَ: [حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ] ، حَدَّثَنِي أَبِي الْحَسَنُ (¬6) ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: «أَقْبَلَ عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَافَقَ ¬

(¬1) ن، م: وَرَوَاهُ (¬2) م: عَالِمَ أَكَاذِيبِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬3) ن، س: يُسِيمُونَ، م: يَبْنُونَ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) ب: يَسْأَمُونَ وَالْمُثْبَتُ مِنْ " مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ " " لِسَانِ الْمِيزَانِ " (¬4) ن، س، ب: وَيُسَمِّي، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْمِيزَانِ وَلِسَانِ الْمِيزَانِ. (¬5) ابْنُ عُقْدَةَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُقْدَةَ أَبُو الْعَبَّاسِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: شِيعِيٌّ مُتَوَسِّطٌ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقُوَّاهُ آخَرُونَ. . . وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيَّوَيْهِ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ يُمْلِي مَثَالِبَ الصَّحَابَةِ، أَوْ قَالَ: مَثَالِبَ الشَّيْخَيْنِ، فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ. . . . مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/136 - 138، لِسَانِ الْمِيزَانِ 1/263 - 266. (¬6) ن، م، س، ب: حَدَّثَنِي أَبِي الْحَسَنُ. وَسَيَرِدُ فِيمَا يَلِي مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخَبَرَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ.

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِ انْصَرَفَ وَنَزَلَ (¬1) عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُسْنِدَهُ إِلَى صَدْرِهِ حَتَّى أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ الْعَصْرَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: جِئْتُ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْكَ، فَلَمْ أَزَلْ مُسْنِدَكَ إِلَى صَدْرِي حَتَّى السَّاعَةَ. فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِبْلَةَ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ عَلِيًّا كَانَ فِي طَاعَتِكَ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَأَقْبَلَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى حَتَّى رَكَدَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَقْتَ الْعَصْرِ، فَقَامَ عَلِيٌّ مُتَمَكِّنًا (¬2) فَصَلَّى الْعَصْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى، فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ اخْتَلَطَ الظَّلَامُ، وَبَدَتِ النُّجُومُ» . قُلْتُ: بِهَذَا اللَّفْظِ الْخَامِسِ يُنَاقِضُ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ الْمُتَنَاقِضَةَ، وَيَزِيدُ النَّاظِرَ بَيَانًا فِي أَنَّهَا مَكْذُوبَةٌ مُخْتَلَقَةٌ ; فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّهَا رُدَّتْ إِلَى مَوْضِعِهَا وَقْتَ الْعَصْرِ، وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ: إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، وَفِي الْآخَرِ: حَتَّى ظَهَرَتْ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ. وَفِي هَذَا أَنَّهُ كَانَ مُسْنِدَهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَفِي ذَاكَ أَنَّهُ كَانَ رَأْسُهُ فِي حِجْرِهِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَذَا قَطُّ، وَهُوَ كَانَ أَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَرْوِيَ مِثْلَ هَذَا الْكَذِبِ، وَلَا أَبُوهُ الْحَسَنُ رَوَى هَذَا عَنْ أَسْمَاءَ. وَفِيهِ: مَا أَنْزَلَ (¬3) اللَّهُ فِي عَلِيٍّ فِي كِتَابِهِ أَعْظَمَ مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ (¬4) شَيْئًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ فِي عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي كِتَابِهِ فِي رَدِّ الشَّمْسِ شَيْئًا (¬5) . ¬

(¬1) س: أَوْ نَزَلَ. . (¬2) س، ب: مُمْكِنًا (¬3) ب: أَسْمَاءَ وَمَا أَنْزَلَ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) س، ب: فِي كِتَابِهِ فِي رَدِّ الشَّمْسِ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬5) (5 - 5) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَهَذَا الْحَدِيثُ، إِنْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، الَّذِي رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (¬1) ، فَهُوَ الَّذِي اخْتَلَقَهُ ; فَإِنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ. قَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الْأَثْبَاتِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلَا مَأْمُونٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ (¬2) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَنْبَأَنَا (¬3) عَقِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الشَّنَاسِيُّ (¬4) ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَوْصَاءَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ (¬5) ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ، عَنْ عِمَارَةَ بْنِ فَرْوٍ (¬6) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَكَرَهُ. . قَالَ الْمُصَنِّفُ: اخْتَصَرْتُهُ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ. قُلْتُ: هَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ يُعْرَفُ ¬

(¬1) كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّنَدَ الْأَخِيرَ لِلْحَدِيثِ يَبْدَأُ هَكَذَا: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي الْحَسَنُ. . . إِلَخْ (¬2) هَذِهِ الْأَقْوَالُ ذَكَرَهَا الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الْمِقْدَامِ عَمْرِو بْنِ ثَابِتِ بْنِ هُرْمُزَ الْكُوفِيِّ، يُكَنَّى أَبَا ثَابِتٍ. وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ أَيْضًا: " وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَافِضِيٌّ " وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: " سَأَلْتُ أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ فَقَالَ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، كَانَ رَدِيءَ الرَّأْيِ شَدِيدَ التَّشَيُّعِ " انْظُرِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ ق [0 - 9] م [0 - 9] ص 223، مِيزَانَ الِاعْتِدَالِ 3/249 - 250، تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 8/9 - 10. (¬3) س، ب: فَأَنْبَأَ (¬4) ن، م: الشَّاشِيُّ. (¬5) ن: النَّوْقَلِيُّ (¬6) م: فَرْدٍ

كَذِبُهُ مِنْ وُجُوهٍ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ مُضَعَّفًا، كَانَ شُعْبَةُ يُضَعِّفُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ لَا يَثْبُتُ الْإِسْنَادُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ فِيهِ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيَّ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ وَعَنْ عِمَارَةَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَحَادِيثُهُ شِبْهُ لَا شَيْءَ، وَضَعَّفَهُ جِدًّا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ [ضَعِيفُ] (¬1) الْحَدِيثِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا. وَقَالَ أَحْمَدُ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ. وَإِنْ (¬2) كَانَ حَدَّثَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيَّ، فَالْآفَةُ مِنْ هَذَا. وَإِنْ كَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهُ لَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ وَلَا إِلَى ابْنِ حَوْصَاءَ (¬3) ، فَإِنَّ هَذَيْنِ مَعْرُوفَانِ، وَأَحَادِيثُهُمَا مَعْرُوفَةٌ قَدْ رَوَاهَا عَنْهُمَا النَّاسُ (¬4) ; وَلِهَذَا لَمَّا رَوَى ابْنُ حَوْصَاءَ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ كَانَ الْإِسْنَادُ إِلَيْهِ مَعْرُوفًا عَنْهُ، رَوَاهُ بِالْأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، لَكِنَّ الْآفَةَ فِيهِ مِمَّنْ بَعْدَهُ. وَأَمَّا هَذَا فَمَنْ قَبْلَ ابْنِ حَوْصَاءَ لَا يُعْرَفُونَ (¬5) . وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْهُ، فَالْآفَةُ بَعْدَهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ ابْنَ مَرْدَوَيْهِ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ فَرَاهِيجَ، وَذَكَرَ ضَعْفَ ابْنِ فَرَاهِيجَ، وَمَعَ هَذَا فَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ فِيهِ الْكَلَامُ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ¬

(¬1) ضَعِيفُ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬2) ن، س، ب: ضَعِيفٌ إِنْ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) س: لَمْ يُثْبِتْهُ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا إِلَى ابْنِ حَوْصَاءَ، ب: لَمْ يُثْبِتْهُ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ وَإِلَّا ابْنُ حَوْصَاءَ. . . (¬4) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ. فَإِنَّ هَذَيْنِ مَعْرُوفَانِ، وَأَحَادِيثُهُمْ مَعْرُوفَةٌ، قَدْ رَوَاهَا عَنْهُمُ النَّاسُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) ن، م، س: وَلَا يُعْرَفُونَ.

إِسْمَاعِيلَ الْجُرْجَانِيُّ كِتَابَةً، أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْوَاعِظَ أَخْبَرَهُمْ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُنْعِمٍ، أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ (¬1) ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ، وَقَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَانْتَبَهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا عَلِيُّ صَلَّيْتَ الْعَصْرَ؟ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ ; كَرِهْتُ أَنْ أَضَعَ رَأْسَكَ مِنْ حِجْرِي وَأَنْتَ وَجِعٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ يَا عَلِيُّ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْكَ (¬2) الشَّمْسَ. (* فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ أَنْتَ أُؤَمِّنْ (¬3) . قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عَلِيًّا فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ ; فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ» *) (¬4) . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ لِلشَّمْسِ صَرِيرًا كَصَرِيرِ الْبَكَرَةِ، حَتَّى رَجَعَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً. قُلْتُ: هَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَكَثِيرٌ مِنْ رِجَالِهِ لَا يُعْرَفُونَ بِعَدَالَةٍ وَلَا ضَبْطٍ، وَلَا حَمْلٍ لِلْعِلْمِ (¬5) ، وَلَا لَهُمْ ذِكْرٌ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ، وَكَثِيرٌ مِنْ رِجَالِهِ (¬6) لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إِلَّا وَاحِدٌ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ - كَذَلِكَ، وَمَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ، مِثْلَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ؟ ! ¬

(¬1) عِبَارَةُ " عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) س: ادْعُ عَلَيْكَ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْكَ. . ب: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ. . (¬3) ب (فَقَطْ) ادْعُ أَنْتَ وَأَنَا أُؤَمِّنُ (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬5) ن، س، ب: وَلَا حَمْلٍ فِي الْعِلْمِ. (¬6) ب (فَقَطْ) : الْعِلْمِ وَرِجَالِهِ. . .

وَفِيهِ: أَنَّهُ كَانَ وَجِعًا، وَأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَهَا (¬1) حِينَ طَلَعَتْ كَصَرِيرِ (¬2) الْبَكَرَةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ عَقْلًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أُولَئِكَ. وَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - مَعَ مَحَبَّتِهِ لِعَلِيٍّ وَرِوَايَتِهِ لِفَضَائِلِهِ - لَرَوَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ الْمَعْرُوفُونَ، كَمَا رَوَوْا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ، مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَكَرَ الْخَوَارِجَ، قَالَ: " «تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» " (¬3) ، وَمِثْلَ رِوَايَتِهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَمَّارٍ: " «تَقْتُلُكُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» " (¬4) ، فَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَكَيْفَ لَا يَرْوِي عَنْهُ مِثْلَ هَذَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا؟ ! وَلَمْ يُحَدِّثْ بِمِثْلِ هَذَا الْحُسَيْنُ وَلَا أَخُوهُ عُمَرُ وَلَا عَلِيٌّ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَهُمَا لَحَدَّثَ بِهِ (¬5) عَنْهُمَا (¬6) الْمَعْرُوفُونَ (¬7) بِالْحَدِيثِ عَنْهُمَا ; فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا رِوَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَرْغَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ يَحْيَى السَّامَانِيُّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُسْلِمِ [بْنِ سَعِيدٍ] (¬8) بِسَامَرَّا (¬9) سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ¬

(¬1) م: صَوْتًا (¬2) ب: كَصَرِيرَةِ (¬3) انْظُرْ أَحَادِيثَ الْخَوَارِجِ الَّتِي سَبَقَتْ 1/67 - 68، 3/464، 5/47، 150 (¬4) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/413 - 420 (¬5) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬6) ن، م: عَنْهُمْ (¬7) س، ب: الْمَعْرُوفُ (¬8) بْنُ سَعِيدٍ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬9) س، ب: بِسَامَرَّى وَهِيَ مَدِينَةُ سُرَّ مَنْ رَأَى.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْكُمَيْتِ، عَنْ عَمِّهِ الْمُسْتَهِلِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي زَيْدِ بْنِ سَهْلَبٍ (¬1) ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ مُسْهِرٍ (¬2) ، قَالَتْ (¬3) : خَرَجْتُ مَعَ عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا جُوَيْرِيَةُ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِي، وَذَكَرَهُ. . قُلْتُ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ أَضْعَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ مِنَ الرِّجَالِ الْمَجَاهِيلُ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ أَحَدُهُمْ بِعَدَالَةٍ وَلَا ضَبْطٍ. وَانْفِرَادُهُمْ بِمِثْلِ هَذَا الَّذِي لَوْ كَانَ عَلِيٌّ قَالَهُ لَرَوَاهُ عَنْهُ الْمَعْرُوفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَبِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ (¬4) ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَلَا حَالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْهَا، بَلْ وَلَا تُعْرَفُ أَعْيَانُهُمْ، فَضْلًا عَنْ صِفَاتِهِمْ - لَا يَثْبُتُ فِيهِ (¬5) شَيْءٌ، وَفِيهِ مَا يُنَاقِضُ الرِّوَايَةَ الَّتِي هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ، مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ كَذِبٌ ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ رَوَوْا مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ وَمُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هُوَ دُونَ هَذَا، وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ [أَحَدٌ] (¬6) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. وَقَدْ صَنَّفَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ، كَمَا صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَضَائِلَهُ، وَصَنَّفَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي فَضَائِلِهِ، وَذَكَرَ فِيهَا أَحَادِيثَ ¬

(¬1) ن: سَلْهَبٍ (¬2) جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ مُسْهِرٍ: كَذَا فِي النُّسَخِ الْأَرْبَعِ، وَهُوَ خَطَأٌ وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ: جُوَيْرِيَةُ بْنُ مُسْهِرٍ قَبْلَ صَفَحَاتٍ وَهُوَ جُوَيْرِيَةُ بْنُ مُسْهِرٍ الْعَبْدِيُّ. (¬3) م: قَالَ. (¬4) وَهِيَ لَيْسَتِ امْرَأَةً كَمَا ذَكَرْتُ، وَلَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الرِّجَالِ امْرَأَةٌ اسْمُهَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ مُسْهِرٍ، بَلْ هُوَ جُوَيْرِيَةُ بْنُ مُسْهِرٍ الْعَبْدِيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَشِّيُّ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ كَلَامَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " لِسَانِ الْمِيزَانِ " كَمَا ذَكَرْتُ مِنْ قَبْلُ. (¬5) ب: بِهِ. (¬6) أَحَدٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

كَثِيرَةً ضَعِيفَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا ; لِأَنَّ الْكَذِبَ ظَاهِرٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ التِّرْمِذِيُّ، مَعَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ أَحَادِيثَ، كَثِيرٌ (¬1) مِنْهَا ضَعِيفٌ. وَكَذَلِكَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَجَمَعَ النَّسَائِيُّ مُصَنَّفًا فِي (¬2) خَصَائِصِ عَلِيٍّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ حَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ (¬3) عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (¬4) : لَا (¬5) يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ سَبِيلُهُ الْعِلْمَ التَّخَلُّفُ عَنْ حِفْظِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي رَدِّ الشَّمْسِ ; لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ (¬6) . قُلْتُ: أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ رَوَاهُ مِنَ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَجْمَعْ طُرُقَهُ وَأَلْفَاظَهُ الَّتِي تَدُلُّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ. وَتِلْكَ الطَّرِيقُ رَاوِيهَا مَجْهُولٌ عِنْدَهُ، لَيْسَ مَعْلُومَ الْكَذِبِ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ كَذِبُهُ. وَالطَّحَاوِيُّ لَيْسَتْ عَادَتُهُ نَقْدَ الْحَدِيثِ كَنَقْدِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; وَلِهَذَا رَوَى فِي " شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ " الْأَحَادِيثَ الْمُخْتَلِفَةَ، وَإِنَّمَا يُرَجِّحُ مَا يُرَجِّحُهُ مِنْهَا فِي الْغَالِبِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ الَّذِي رَآهُ حُجَّةً، وَيَكُونُ أَكْثَرُهَا مَجْرُوحًا مِنْ جِهَةِ (¬7) الْإِسْنَادِ لَا يَثْبُتُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ مَعْرِفَتُهُ بِالْإِسْنَادِ ¬

(¬1) ن، م، س: كَثِيرَةٌ (¬2) ن، س، ب: مِنْ (¬3) فِي كِتَابِهِ " مُشْكِلِ الْآثَارِ " 2/11، ط حَيْدَرَ آبَادَ الدِّكِنْ، 1333 (¬4) مُشْكِلُ الْآثَارِ: وَقَدْ حَكَى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ. . . . . . . (¬5) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) (¬6) مُشْكِلَ الْآثَارِ: عَنْ حِفْظِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ الَّذِي رُوِيَ لَنَا عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَجَلِّ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ. (¬7) ن، م: حُجَّةِ.

كَمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ، فَقِيهًا عَالِمًا (¬1) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: عَوْدُ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا آكَدُ حَالًا فِيمَا يَقْتَضِي نَقْلُهُ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فَضِيلَةً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ مُفَارِقٌ لِغَيْرِهِ مِنْ (¬2) فَضَائِلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ. قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ ; فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ رَوَوْا فَضَائِلَ عَلِيٍّ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَذَكَرُوهَا فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ، رَوَوْهَا عَنِ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ الثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ. فَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا رَوَاهُ الثِّقَاتُ، لَكَانُوا أَرْغَبَ فِي رِوَايَتِهِ، وَأَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى [بَيَانِ] (¬3) صِحَّتِهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا أَحَدًا رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ يُعْرَفُ أَهْلُهُ بِحَمْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يُعْرَفُونَ بِالْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ (¬4) عَلَى تَكْذِيبِهِ. ¬

(¬1) هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ سَلَمَةَ الْأَزْدِيُّ الْحَجَرِيُّ الْمِصْرِيُّ الطَّحَاوِيُّ، الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ، انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الْحَنَفِيَّةِ بِمِصْرَ، وُلِدَ وَنَشَأَ فِي طَحَا مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ. وُلِدَ سَنَةَ 239 وَتُوُفِّيَ بِالْقَاهِرَةِ سَنَةَ 321. مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ " شَرْحُ مَعَانِي الْآثَارِ "، الْمُخْتَصَرُ فِي الْفِقْهِ " وَ " مَنَاقِبُ أَبِي حَنِيفَةَ " وَ " مُشْكِلُ الْآثَارِ " انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 3/808 - 810، الْجَوَاهِرِ الْمُضِيئَةِ 1/102 - 105 وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/53 - 55، لِسَانِ الْمِيزَانِ 1/274 - 282، الْأَعْلَامِ 1/197. وَانْظُرْ مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ فِي " لِسَانِ الْمِيزَانِ " 1/277: " وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامًا لِلطَّحَاوِيِّ فِي حَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ فَتَعَقَّبَهُ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُبَيِّنَ خَطَأَهُ فِي هَذَا، وَسَكَتَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ، فَبَيَّنَ فِي كَلَامِهِ أَنَّ عِلْمَ الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ مِنْ صِنَاعَتِهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْكَلِمَةَ بَعْدَ الْكَلِمَةِ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ لَمْ يُحْكِمْهَا ". (¬2) ن، م، س: فِي (¬3) بَيَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬4) ن: الْكَبِيرَةِ.

قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو (¬1) ، أَنْبَأَنَا (¬2) سُلَيْمَانُ بْنُ عَبَّادٍ، سَمِعْتُ بَشَّارَ بْنَ دَرَّاعٍ، قَالَ: لَقِيَ أَبُو حَنِيفَةَ (¬3) مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ (¬4) فَقَالَ: عَمَّنْ رَوَيْتَ حَدِيثَ رَدِّ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكُلُّ هَذِهِ أَمَارَاتُ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ. قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَكُونُوا يُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمَشَاهِيرِ، وَهُوَ لَا يُتَّهَمُ عَلَى عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ دَارِ الشِّيعَةِ، وَقَدْ لَقِيَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَسَمِعَ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ يُحِبُّهُ وَيَتَوَلَّاهُ، وَمَعَ هَذَا أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ (¬5) . وَأَبُو حَنِيفَةَ أَعْلَمُ وَأَفْقَهُ مِنَ الطَّحَاوِيِّ وَأَمْثَالِهِ، وَلَمْ يُجِبْهُ ابْنُ النُّعْمَانِ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ، بَلْ قَالَ: عَنْ غَيْرِ مَنْ رَوَيْتَ عَنْهُ حَدِيثَ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ. فَيُقَالُ لَهُ: هَبْ أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ، فَأَيُّ شَيْءٍ فِي كَذِبِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ¬

(¬1) م: أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ. (¬2) س، ب: حَدَّثَنَا. . . (¬3) أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ إِمَامُ الْحَنَفِيَّةِ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، أَصْلُهُ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، وُلِدَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ 80 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 150 انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ 13/323 - 423، الْجَوَاهِرِ الْمُضِيئَةِ 1/26 - 32 وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 5/39 - 47 الْأَعْلَامِ 9/4 - 5 (¬4) عُرِفَ بَاسْمِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ هُوَ: مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ. تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 9/492. (¬5) ن، م: عَلَى ابْنِ مُحَمَّدٍ النُّعْمَانِ وَهُوَ خَطَأٌ.

فصل العاشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه والرد عليه

صِدْقِ هَذَا. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ (¬1) ، فَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا كَرَامَاتٌ، بَلْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ; لِلدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ عَلَى كَذِبِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْحَدِيثِ، مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يَرْوُونَ عَنِ الصَّحَابَةِ، بَلْ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا كَذَّابٌ أَوْ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ عَدْلُهُ وَضَبْطُهُ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ هَذَا مِنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ؟ ! وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَوَدُّونَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا صَحِيحًا ; لِمَا فِيهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَضِيلَةِ عَلِيٍّ، عَلَى الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَتَوَلَّوْنَهُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَجِيزُونَ التَّصْدِيقَ بِالْكَذِبِ، فَرَدُّوهُ دِيَانَةً (¬2) . [فصل العاشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الْعَاشِرُ: مَا رَوَاهُ أَهْلُ السِّيَرِ: أَنَّ الْمَاءَ زَادَ بِالْكُوفَةِ (¬4) ، وَخَافُوا الْغَرَقَ، فَفَزِعُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬5) ، فَرَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ، فَنَزَلَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ [فَصَلَّى] (¬6) ، ثُمَّ دَعَا وَضَرَبَ صَفْحَةَ (¬7) الْمَاءِ بِقَضِيبٍ كَانَ فِي يَدِهِ (¬8) ، فَغَاصَ الْمَاءُ، ¬

(¬1) ن، س، ب: ذَلِكَ (¬2) س، ب: دِيَانَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (¬3) فِي (ك) ص 190 (م) . (¬4) م: أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْكُوفَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ك: أَنَّ الْمَاءَ زَادَ فِي الْكُوفَةِ. (¬5) ك: أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (¬6) فَصَلَّى: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) . (¬7) ن، م، س، ب: صَفِيحَةَ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) (¬8) م: بِقَضِيبٍ كَانَ بِيَدِهِ، ك: بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ.

فَسَلَّمَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ (¬1) مِنَ الْحِيتَانِ، وَلَمْ يَنْطِقِ الْجَرِّيُّ وَلَا الْمَرْمَاهِيُّ (¬2) ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَنْطَقَ اللَّهُ مَا طَهَّرَهُ مِنَ السَّمَكِ، وَأَسْكَتَ مَا أَنْجَسَهُ وَأَبْعَدَهُ " (¬3) . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: [الْمُطَالَبَةُ] بِأَنْ يُقَالَ (¬4) : أَيْنَ إِسْنَادُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ الَّذِي (¬5) يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَثُبُوتِهَا؟ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْحِكَايَاتِ الْمُرْسَلَةِ بِلَا إِسْنَادٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، لَكِنْ لَا يُفِيدُ شَيْئًا. الثَّانِي: أَنَّ بَغْلَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِمْ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَتْ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا. وَهَذَا النَّاقِلُ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا إِسْنَادًا، فَكَيْفَ يُقْبَلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ حِكَايَةٍ لَا إِسْنَادَ لَهَا؟ ! الرَّابِعُ: أَنَّ السَّمَكَ كُلَّهُ مُبَاحٌ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " (¬6) . ¬

(¬1) ك: وَسَلَّمَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ. (¬2) ك: الْجِرِّيُّ وَالزَّمَّارُ وَالْمَارَمَاهِيُّ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الْجِرِّيِّ وَالْمَارَمَاهِيِّ 1/26 (ت [0 - 9] ) . وَأَمَّا الزَّمَّارُ فَلَمْ أَعْرِفْ مَا هُوَ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ فِي " تَاجِ الْعَرُوسِ ": الزِّمِّيرُ كَسِكِّيتٍ: نَوْعٌ مِنَ السَّمَكِ لَهُ شَوْكٌ نَاتِئٌ وَسَطَ ظَهْرِهِ، وَلَهُ صَخَبٌ وَقْتَ صَيْدِ الصَّيَّادِ إِيَّاهُ وَقَبْضِهِ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُ مَا يُصْطَادُ فِي الْأَوْحَالِ وَأُصُولِ الْأَشْجَارِ فِي الْمِيَاهِ الْعَذْبَةِ ". (¬3) ك: فَقَالَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنْطَقَ اللَّهُ لِي مَا طَهُرَ مِنَ السُّمُوكِ، وَأَصْمَتَ مَا حَرَّمَهُ وَأَنْجَسَهُ وَأَبْعَدَهُ. (¬4) ن، م: أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ. (¬5) ن، م: الَّتِي. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/426.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 96] . وَقَدْ أَجْمَعَ [سَلَفُ] (¬1) الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى حِلِّ السَّمَكِ كُلِّهِ. وَعَلِيٌّ مَعَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ يُحِلُّونَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْجَسَهُ؟ ! وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ جُهَّالٌ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ الْمَكْذُوبَةِ. الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: نُطْقُ السَّمَكِ لَيْسَ مَقْدُورًا لَهُ فِي الْعَادَةِ، وَلَكِنْ هُوَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ. فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْطَقَ مَا أَنْطَقَ مِنْهَا، وَأَسْكَتَ مَا أَسْكَتَهُ، إِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ، فَأَيُّ ذَنْبٍ لِمَنْ أَسْكَتَهُ اللَّهُ، حَتَّى يُقَالَ: هُوَ نَجِسٌ؟ ! وَمَنْ جَعَلَ لِلْعَجْمَاءِ ذَنَبًا بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْطِقْهَا كَانَ ظَالِمًا لَهَا. وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: بَلِ اللَّهُ أَقْدَرَهَا عَلَى ذَلِكَ، فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ (¬2) . فَيُقَالُ: إِقْدَارُهُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ - لَوْ وَقَعَ - إِنَّمَا كَانَ كَرَامَةً لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْكَرَامَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالنُّطْقِ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ، لَا بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مَعَ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ فِي إِقْدَارِهَا مَعَ - امْتِنَاعِهَا - كَرَامَةٌ لَهُ، بَلْ فِيهِ تَحْرِيمُ الطَّيِّبَاتِ عَلَى النَّاسِ، فَإِنَّ لَحْمَهَا طَيِّبٌ (¬3) ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَاتِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 160] . ¬

(¬1) سَلَفُ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) ن، م، س: فَامْتَنَعَتْ بِهِ. (¬3) س، ب: أَطْيَبُ

فصل الحادي عشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه ومخاطبته للثعبان والرد عليه

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَخْلَاقِ الْيَهُودِ، وَمَا هُوَ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الرَّافِضَةِ بِبَعِيدٍ. السَّادِسُ: أَنْ يُقَالَ: الْمَقْصُودُ هُنَا كَانَ حَاصِلًا بِنُضُوبِ الْمَاءِ، فَأَمَّا تَسْلِيمُ السَّمَكِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، وَلَا كَانَ هُنَاكَ سَبَبٌ يَقْتَضِي خَرْقَ الْعَادَةِ لِتَقْوِيَةِ الْإِيمَانِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حُجَّةً وَحَاجَةً، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حُجَّةٌ وَلَا حَاجَةٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ انْفِلَاقَ الْبَحْرِ لِمُوسَى كَانَ أَعْظَمَ مِنْ نُضُوبِ الْمَاءِ، وَلَمْ يُسَلِّمِ السَّمَكُ عَلَى مُوسَى. وَلَمَّا ذَهَبَ مُوسَى (¬1) إِلَى الْخَضِرِ وَكَانَ مَعَهُ حُوتٌ مَالِحٌ فِي مِكْتَلٍ، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ حَتَّى انْسَابَ وَنَزَلَ فِي الْمَاءِ، وَصَارَ الْبَحْرُ عَلَيْهِ سَرَبًا، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مُوسَى وَلَا عَلَى يُوشَعَ. وَالْبَحْرُ دَائِمًا يَجْزُرُ وَيَمُدُّ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّ السَّمَكَ سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ. وَعَلِيٌّ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى إِثْبَاتِ فَضَائِلِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ، الَّتِي تَعْلَمُ الْعُقَلَاءُ أَنَّهَا مِنَ الْمَكْذُوبَاتِ (¬2) . [فصل الحادي عشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه ومخاطبته للثعبان والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الْحَادِي عَشَرَ: رَوَى جَمَاعَةُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ ¬

(¬1) مُوسَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) س، ب: الْمَكْذُوبَاتِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (¬3) فِي (ك) ص 191 (م) .

عَلِيًّا كَانَ (¬1) يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، فَظَهَرَ ثُعْبَانٌ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ، وَخَافَ النَّاسُ (¬2) ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَمَنَعَهُمْ، فَخَاطَبَهُ، ثُمَّ نَزَلَ (¬3) . فَسَأَلَ النَّاسُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ حَاكِمُ الْجِنِّ، الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ قِصَّةٌ (¬4) ، فَأَوْضَحْتُهَا لَهُ، وَكَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ يُسَمُّونَ الْبَابَ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ [الثُّعْبَانُ] (¬5) : " بَابَ الثُّعْبَانِ "، فَأَرَادَ بَنُو أُمَيَّةَ إِطْفَاءَ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ، فَنَصَبُوا عَلَى ذَلِكَ الْبَابِ قَتْلَى مُدَّةً، حَتَّى سُمِّيَ: بَابَ الْقَتْلَى " (¬6) . وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ دُونَ عَلِيٍّ بِكَثِيرٍ تَحْتَاجُ الْجِنُّ إِلَيْهِ وَتَسْتَفْتِيهِ وَتَسْأَلُهُ، وَهَذَا مَعْلُومٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ وَقَعَ، فَقَدْرُهُ أَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا مِنْ أَدْنَى فَضَائِلِ مَنْ هُوَ دُونَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ، لَمْ يَنْقُصْ فَضْلُهُ بِذَلِكَ. وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ أَنْ يُثْبِتَ فَضِيلَةَ عَلِيٍّ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ يَكُونُ مُجْدِبًا (¬7) مِنْهَا، فَأَمَّا مَنْ بَاشَرَ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالدِّينِ، الَّذِينَ لَهُمْ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْخَوَارِقِ، أَوْ رَأَى فِي نَفْسِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْخَوَارِقِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يُوجِبُ أَنْ يُفَضَّلَ بِهَا عَلِيٌّ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ بِكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خَيْرٌ مِنَّا بِكَثِيرٍ، ¬

(¬1) ك: جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السِّيرَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ. . . (¬2) ك: فَخَافَ النَّاسُ مِنْهُ. (¬3) ك: ثُمَّ ذَهَبَ. (¬4) ك: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّهُ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ الْجِنِّ، الْتَبَسَ عَلَيْهِ قَضِيَّةٌ. . (¬5) الثُّعْبَانُ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) (¬6) ك: الْبَابِ فِيلًا مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى سُمِّيَ بِبَابِ الْفِيلِ. (¬7) س، ب: مُحْدِثًا، م: مُحْدِبًا. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) . وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ

فَكَيْفَ يُمْكِنُ مَعَ هَذَا أَنْ يُجْعَلَ مِثْلُ هَذَا حُجَّةً عَلَى فَضِيلَةِ عَلِيٍّ عَلَى الْوَاحِدِ مِنَّا، فَضْلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ ! وَلَكِنَّ الرَّافِضَةَ - لِجَهْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنْ طَرِيقِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ - لَيْسَ لَهُمْ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَّقِينَ مَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَهُمْ لِإِفْلَاسِهِمْ مِنْهَا إِذَا سَمِعُوا شَيْئًا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ عَظَّمُوهُ تَعْظِيمَ الْمُفْلِسِ لِلْقَلِيلِ مِنَ النَّقْدِ، وَالْجَائِعِ لِلْكِسْرَةِ مِنَ الْخُبْزِ. وَلَوْ ذَكَرْنَا مَا بَاشَرْنَاهُ نَحْنُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ رَآهُ النَّاسُ، لَذَكَرْنَا شَيْئًا كَثِيرًا. وَالرَّافِضَةُ - لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ - لَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ كَثِيرٌ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ (¬1) ، فَإِذَا سَمِعُوا مِثْلَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا لِأَفْضَلِ الْخَلْقِ، بَلْ هَذِهِ الْخَوَارِقُ الْمَذْكُورَةُ - وَمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا - يَكُونُ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَعْرُوفِينَ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا خَيْرٌ مِنْهُمْ، الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْجَمِيعَ وَيُحِبُّونَهُمْ، وَيُقَدِّمُونَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، لَا سِيَّمَا الَّذِينَ يَعْرِفُونَ قَدْرَ الصِّدِّيقِ وَيُقَدِّمُونَهُ، فَإِنَّهُمْ أَخَصُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِوِلَايَةِ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ. وَاللَّبِيبُ يَعْرِفُ ذَلِكَ بِطُرُقٍ (¬2) . إِمَّا أَنْ يُطَالِعَ الْكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ فِي أَخْبَارِ الصَّالِحِينَ وَكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، مِثْلَ كِتَابِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، وَكِتَابِ الْخَلَّالِ، وَاللَّالْكَائِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَمِثْلُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي أَخْبَارِ الصَّالِحِينَ، مِثْلَ " الْحِلْيَةِ " لِأَبِي نُعَيْمٍ، " وَصَفْوَةِ (¬3) الصَّفْوَةِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) الْأَوْلِيَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) م: بِطَرِيقٍ. (¬3) ن: صِفَةِ. .

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاشَرَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ. وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ صَادِقٌ. فَمَا زَالَ النَّاسُ فِي كُلِّ عَصْرٍ يَقَعُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَيَحْكِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَهَذَا كَثِيرٌ (¬1) فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ وَقَعَ لَهُ بَعْضُ ذَلِكَ. وَهَذِهِ جُيُوشُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَرَعِيَّتُهَا: لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. مِثْلَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَعُبُورِهِ عَلَى الْمَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَإِنَّ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ نُضُوبِ الْمَاءِ، وَمِثْلَ اسْتِقَائِهِ، وَمِثْلَ الْبَقَرِ الَّذِي كَلَّمَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فِي وَقْعَةِ الْقَادِسِيَّةِ، وَمِثْلَ نِدَاءِ عُمَرَ: " يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ " وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، وَسَارِيَةُ بِنَهَاوَنْدَ، وَمِثْلَ شُرْبِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ السُّمَّ. وَمِثْلَ إِلْقَاءِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ فِي النَّارِ، فَصَارَتْ عَلَيْهِ النَّارُ بَرْدًا وَسَلَامًا، لَمَّا أَلْقَاهُ فِيهَا الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ الْمُتَنَبِّئُ الْكَذَّابُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا امْتَنَعَ أَبُو مُسْلِمٍ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ أَلْقَاهُ فِي النَّارِ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، فَخَرَجَ مِنْهَا يَمْسَحُ جَبِينَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ وَصْفُهُ. وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ تَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ بِحَسَبِ حَاجَتِهِمْ، فَمَنْ كَانَ بَيْنَ الْكُفَّارِ أَوِ الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْفَاسِقِينَ احْتَاجَ إِلَيْهَا لِتَقْوِيَةِ الْيَقِينِ ; فَظَهَرَتْ عَلَيْهِ كَظُهُورِ النُّورِ فِي الظُّلْمَةِ. فَلِهَذَا يُوجَدُ بَعْضُهَا لِكَثِيرٍ مِنَ الْمَفْضُولِينَ، أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَدُ لِلْفَاضِلِينَ ; لِحَاجَتِهِمْ إِلَى ذَلِكَ. ¬

(¬1) كَثِيرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَهَذِهِ الْخَوَارِقُ لَا تُرَادُ لِنَفْسِهَا، بَلْ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَنْ جَعَلَهَا غَايَةً لَهُ وَيَعْبُدُ لِأَجْلِهَا، لَعِبَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَأَظْهَرَتْ لَهُ خَوَارِقَ مِنْ جِنْسِ خَوَارِقِ السَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ. فَمَنْ كَانَ لَا يَتَوَصَّلُ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِهَا، كَانَ أَحْوَجَ إِلَيْهَا، فَتَكْثُرُ فِي حَقِّهِ أَعْظَمَ مِمَّا تَكْثُرُ فِي حَقِّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْهَا ; وَلِهَذَا كَانَتْ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي الصَّحَابَةِ. وَنَظِيرُ هَذَا فِي الْعِلْمِ: عِلْمُ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِمَعْرِفَةِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ التَّوَصُّلُ إِلَى فَهْمِ كِتَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَنْحُوَ الرَّجُلُ بِكَلَامِهِ نَحْوَ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَالصَّحَابَةُ لَمَّا اسْتَغْنَوْا عَنِ النَّحْوِ وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ مَنْ بَعْدَهُمْ، صَارَ لَهُمْ مِنَ الْكَلَامِ فِي قَوَانِينِ الْعَرَبِيَّةِ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ لِلصَّحَابَةِ ; لِنَقْصِهِمْ وَكَمَالِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ صَارَ لَهُمْ مِنَ الْكَلَامِ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَأَخْبَارِهِمْ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ لِلصَّحَابَةِ (¬1) ; لِأَنَّ هَذِهِ وَسَائِلُ تُطْلَبُ لِغَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ احْتَاجَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَاسْتَغْنَى عَنْهُ الصَّحَابَةُ. وَكَذَلِكَ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ لِمَنْ لَا يَفْهَمُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ لُغَتُهُ فَارِسِيَّةٌ تُرْكِيَّةٌ وَرُومِيَّةٌ، وَالصَّحَابَةُ لَمَّا كَانُوا عَرَبًا اسْتَغْنَوْا عَنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْغَرِيبِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَالصَّحَابَةُ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ. فَمَنْ جَعَلَ النَّحْوَ وَمَعْرِفَةَ الرِّجَالِ، وَالِاصْطِلَاحَاتِ النَّظَرِيَّةَ وَالْجَدَلِيَّةَ الْمُعِينَةَ عَلَى النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ، مَقْصُودَةً لِنَفْسِهَا، رَأَى أَصْحَابَهَا أَعْلَمَ مِنْ ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

الصَّحَابَةِ، كَمَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِمَّنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ. وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا، عَلِمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ عَلِمُوا الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرِفَتُهُمْ مِثْلَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ كَانَ بَارِعًا فِي الْوَسَائِلِ. وَكَذَلِكَ الْخَوَارِقُ: كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ صَارَتْ عِنْدَهُ مَقْصُودَةً لِنَفْسِهَا، فَيُكْثِرُ الْعِبَادَةَ وَالْجُوعَ وَالسَّهَرَ وَالْخَلْوَةَ ; لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعٌ مِنَ الْمُكَاشَفَاتِ وَالتَّأْثِيرَاتِ، كَمَا يَسْعَى الرَّجُلُ لِيَحْصُلَ لَهُ مِنَ السُّلْطَانِ وَالْمَالِ. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا يُعَظِّمُ الشُّيُوخَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، كَمَا تُعَظَّمُ الْمُلُوكُ وَالْأَغْنِيَاءُ لِأَجْلِ مُلْكِهِمْ وَمِلْكِهِمْ. وَهَذَا الضَّرْبُ قَدْ يَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّحَابَةِ ; وَلِهَذَا يَكْثُرُ فِي هَذَا الضَّرْبِ الْمَنْكُوسِ الْخُرُوجُ عَنِ الرِّسَالَةِ، وَعَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَقِفُونَ مَعَ أَذْوَاقِهِمْ وَإِرَادَاتِهِمْ (¬1) ، لَا عِنْدَ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُبْتَلَوْنَ بِسَلْبِ الْأَحْوَالِ، ثُمَّ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ الْإِيمَانِ. كَمَا أَنَّ [مَنْ] (¬2) أُعْطِيَ مُلْكًا وَمَالًا فَخَرَجَ فِيهِ عَنِ الشَّرِيعَةِ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاتَّبَعَ فِيهِ هَوَاهُ، وَظَلَمَ النَّاسَ - عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ: إِمَّا بِالْعَزْلِ، وَإِمَّا بِالْخَوْفِ وَالْعَدُوِّ، وَإِمَّا بِالْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ لِنَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا هُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَيُحِبُّهُ، بَاطِنًا وَظَاهِرًا. فَكُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَتْبَعَ لِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَتْبَعَ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَانَ أَفْضَلَ. وَمَنْ حَصَلَ لَهُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ وَالطَّاعَةِ بِلَا خَارِقٍ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى خَارِقٍ. ¬

(¬1) م، س، ب: وَإِرَادَتِهِمْ (¬2) مَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س)

كَمَا أَنَّ صِدِّيقَ الْأُمَّةِ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولُ اللَّهِ آمَنُوا بِهِ (¬1) ، وَلَمْ يَحْتَاجُوا مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْخَوَارِقِ إِلَى مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ كَمَعْرِفَتِهِمْ. وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فِي تَقْرِيرِ الرِّسَالَةِ وَأَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ صِدْقِ الرَّسُولِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَأَنَّ طَرِيقَ الْمُعْجِزَاتِ طَرِيقٌ مِنَ الطُّرُقِ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ النُّظَّارِ: (* إِنَّ تَصْدِيقَ الرَّسُولِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالْمُعْجِزَةِ، كَانَ كَمَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْرِفَةَ الصَّانِعِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْمَعْرِفَةِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ (¬2) . وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ *) (¬3) الَّذِينَ يَحْصُرُونَ نَوْعًا مِنَ الْعِلْمِ بِدَلِيلٍ مُعَيَّنٍ يَدَّعُونَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، مِمَّا أَوْجَبَ تَفَرُّقَ النَّاسِ، فَطَائِفَةٌ تُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ; فَيُوجِبُونَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ مَقْدُوحًا فِي بَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ، كَأَدِلَّتِهِمْ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ. وَطَائِفَةٌ تَقْدَحُ فِي الطُّرُقِ (¬4) النَّظَرِيَّةِ جُمْلَةً، وَتَسُدُّ بَابَ النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَتَدَّعِي تَحْرِيمَ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَاسْتِغْنَاءَ النَّاسِ عَنْهُ، فَتَقَعُ الْفِتْنَةُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ (¬5) . ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) انْظُرْ فِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِعُنْوَانِ " قَاعِدَةٌ أَوَّلِيَّةٌ: أَصْلُ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَمَبْدَؤُهُ وَدَلِيلُهُ الْأَوَّلُ. . إِلَخْ فِي " مَجْمُوعِ فَتَاوَى الرِّيَاضِ " 2/1 - 97 (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) م: الطَّرِيقِ (¬5) س، ب: بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ

وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ طُرُقَ الْعِلْمِ مُتَعَدِّدَةٌ، وَقَدْ يُغْنِي اللَّهُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ تِلْكَ الطُّرُقِ الْمُعَيَّنَةِ، بَلْ عَنِ النَّظَرِ بِعُلُومٍ ضَرُورِيَّةٍ تَحْصُلُ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتِ الْعِبَادَةُ قَدْ تُعِدُّ النَّفْسَ لِتِلْكَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ حَتَّى تُحَصِّلَ إِلْهَامًا. وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ يَحْتَاجُونَ إِلَى النَّظَرِ. أَوْ إِلَى تِلْكَ الطُّرُقِ: إِمَّا لِعَدَمِ مَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ، وَإِمَّا لِشُبَهٍ عَرَضَتْ لَهُمْ لَا (¬1) تَزُولُ إِلَّا بِالنَّظَرِ. وَكَذَلِكَ [كَثِيرٌ] (¬2) مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَعْضِ السَّالِكِينَ (¬3) : مِنَ (¬4) الصَّعْقِ وَالْغَشْيِ وَالِاضْطِرَابِ عِنْدَ الذِّكْرِ وَسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَمِنَ الْفَنَاءِ عَنْ شُهُودِ الْمَخْلُوقَاتِ، بِحَيْثُ يَصْطَلِمُ (¬5) وَيَبْقَى لَا يَشْهَدُ قَلْبُهُ إِلَّا اللَّهَ، حَتَّى يَغِيبَ بِمَشْهُودِهِ عَنْ نَفْسِهِ. فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ هَذَا لَازِمًا لَا بُدَّ لِكُلِّ مَنْ سَلَكَ (¬6) مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ هُوَ الْغَايَةَ وَلَا مَقَامَ وَرَاءَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَحُ فِي هَذَا، وَيَجْعَلُهُ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ تُنْقَلْ عَنِ الصَّحَابَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ [يَقَعُ] (¬7) لِبَعْضِ السَّالِكِينَ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْوَارِدِ ¬

(¬1) م: وَلَا. . (¬2) كَثِيرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬3) ن، م، الْمَسَاكِينِ، س: الْمَشَاكِينِ. (¬4) ن، م، س: فِي. (¬5) قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي " اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ " الْوَارِدَةِ فِي الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ (ط. مَعَ التَّعْرِيفَاتِ لِلْجُرْجَانِيِّ) : " الِاصْطِلَامُ: نَوْعُ وَلَهٍ يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ فَيَسْكُنُ تَحْتَ سُلْطَانِهِ ". وَقَالَ الْقَاشَانِيُّ فِي كِتَابِهِ " اصْطِلَاحَاتِ الصُّوفِيَّةِ " ص 30 (ط. الْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ تَحْقِيقِ الدُّكْتُور مُحَمَّد كَمَال جَعْفَر، الْقَاهِرَةِ 1981) : " الِاصْطِلَامُ هُوَ الْوَلَهُ الْغَالِبُ عَلَى الْقَلْبِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْهَيَمَانِ " (¬6) ن، م، س: سَالَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬7) يَقَعُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

عَلَيْهِ، وَضَعْفِ الْقَلْبِ عَنِ التَّمْكِينِ بِحُبِّهِ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ: قَدْ يَكُونُ لِكَمَالِ قُوَّتِهِ وَكَمَالِ إِيمَانِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِضَعْفِ إِيمَانِهِ، مِثْلَ كَثِيرٍ مِنَ الْبَطَّالِينَ وَالْفُسَّاقِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الطُّرُقِ، بَلْ قَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ السَّالِكِينَ، وَلَيْسَ هُوَ الْغَايَةَ، بَلْ كَمَالُ الشُّهُودِ ; بِحَيْثُ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ، وَيَشْهَدُ مَعَانِيَ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَا يَشْغَلُهُ هَذَا عَنْ (¬1) هَذَا - هُوَ أَكْمَلُ فِي الشُّهُودِ، وَأَقْوَى فِي الْإِيمَانِ. وَلَكِنْ مَنْ عَرَضَ لَهُ تِلْكَ الْحَالُ [الَّتِي تَعْرِضُ] (¬2) احْتَاجَ إِلَى مَا يُنَاسِبُهَا. وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ تَعَرُّفَ مَرْتَبَةِ الْخَوَارِقِ وَأَنَّهَا عِنْدَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَيُحِبُّونَ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فِي مَرْتَبَةِ الْوَسَائِلِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا، كَمَا يُسْتَعَانُ بِغَيْرِ الْخَوَارِقِ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَيْهَا - اسْتِغْنَاءً بِالْمُعْتَادَاتِ - لَمْ يَتَلَفَّتُوا إِلَيْهَا. وَأَمَّا عِنْدَ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَتَّبِعُ هَوَاهُ وَيُحِبُّ الرِّيَاسَةَ عِنْدَ الْجُهَّالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهِيَ عِنْدَهُمْ أَعْلَى الْمَقَاصِدِ. كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ بِهِ إِلَّا تَحْصِيلَ رِيَاسَةٍ أَوْ مَالٍ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهُ، فَهُوَ (¬3) مَقْصُودٌ عِنْدَهُمْ لِمَنْفَعَتِهِ (¬4) لَهُمْ، وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي صِفَةِ الْعِلْمِ: إِنَّ (¬5) طَلَبَهُ لِلَّهِ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ ¬

(¬1) ب: عَنْهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) الَّتِي تَعْرِضُ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬3) ن، م، س: وَهُوَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، م، س: لِمَنْفَعَةٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) ن، س: بِأَنَّ، م: بِأَنَّهُ.

تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، بِهِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَيَعْبُدُونَهُ، وَيُمَجَّدُ اللَّهُ وَيُوَحَّدُ (¬1) . وَلِهَذَا تَجِدُ أَهْلَ الِانْتِفَاعِ بِهِ يُزَكُّونَ بِهِ نُفُوسَهُمْ، وَيَقْصِدُونَ فِيهِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ لَا اتِّبَاعَ الْهَوَى وَيَسْلُكُونَ فِيهِ سَبِيلَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَيُحِبُّونَهُ وَيَلْتَذُّونَ بِهِ، وَيُحِبُّونَ كَثْرَتَهُ وَكَثْرَةَ أَهْلِهِ، وَتَنْبَعِثُ هِمَمُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَبِمُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ (¬2) ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَذُقْ حَلَاوَتَهُ وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ إِلَّا مَالًا أَوْ رِيَاسَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ حَصَلَ لَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ سَلَكَهُ، وَرُبَّمَا رَجَّحَهُ إِذَا كَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِ. وَمَنْ عَرَفَ هَذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمَقَاصِدَ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَيَرْضَاهَا الَّتِي حَصَلَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، أَكْمَلُ مِمَّا حَصَلَ لِعُمَرَ، وَالَّتِي حَصَلَتْ لِعُمَرَ أَكْمَلُ مِمَّا حَصَلَ لِعُثْمَانَ، وَالَّتِي حَصَلَتْ لِعُثْمَانَ أَكْمَلُ مِمَّا حَصَلَ لِعَلِيٍّ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا أَعْلَمَ الْخَلْقِ بِالْحَقِّ، وَأَتْبَعَهُمْ لَهُ، وَأَحَقَّهُمْ بِالْعَدْلِ، وَإِيتَاءَ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقْدَحْ فِيهِمْ إِلَّا مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ بِالْحَقَائِقِ الَّتِي بِهَا (¬3) يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَالتَّفْضِيلَ، وَبِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ. وَلِهَذَا مَنْ لَمْ يَسْلُكْ فِي عِبَادَتِهِ الطَّرِيقَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا ¬

(¬1) عِبَارَةُ " وَيُمَجَّدُ اللَّهُ وَيُوَحَّدُ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: بِهِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَيُعْبَدُ، وَبِهِ يُمَجَّدُ اللَّهُ وَيُوَحَّدُ. وَأَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْأَثَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ " جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ " 1/54 - 55 وَرَجَّحَ وَقْفَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ عِبَارَةُ: " بِهِ يُعْرَفُ اللَّهُ. . . إِلَخْ ". (¬2) س، ب: وَبِمُقْتَضَاهُ. (¬3) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

فصل الثاني عشر كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه

وَرَسُولُهُ، وَتَعَلَّقَتْ هِمَّتُهُ بِالْخَوَارِقِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ (¬1) مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ نَوْعٌ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ بَعْضِ الْكَائِنَاتِ، أَوْ يَطِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ يَمْشِي بِهِ عَلَى الْمَاءِ، فَيَظُنُّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ، وَيَكُونُ سَبَبَ شِرْكِهِ أَوْ كُفْرِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ أَوْ فِسْقِهِ. فَإِنَّ هَذَا الْجِنْسَ قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الْمُلْحِدِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ مَنْ لَا يَرَى الصَّلَوَاتِ وَاجِبَةً، بَلْ وَلَا يُقِرُّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، بَلْ يَبْغَضُهُ وَيَبْغَضُ الْقُرْآنَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ كُفْرَهُ، وَمَعَ هَذَا تُغْوِيهِ الشَّيَاطِينُ بِبَعْضِ الْخَوَارِقِ، كَمَا تُغْوِي الْمُشْرِكِينَ، كَمَا كَانَتْ تَقْتَرِنُ بِالْكُهَّانِ وَالْأَوْثَانِ، وَهِيَ الْيَوْمَ كَذَلِكَ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ وَالتُّرْكِ وَالْحَبَشَةِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَشْهُورِينَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا الْإِسْلَامُ مِمَّنْ هُوَ كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ، أَوْ جَاهِلٌ مُبْتَدِعٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. [فصل الثاني عشر كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الثَّانِي عَشَرَ: الْفَضَائِلُ: إِمَّا نَفْسَانِيَّةٌ: أَوْ بَدَنِيَّةٌ: أَوْ خَارِجِيَّةٌ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالشَّخْصِ نَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ. وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ جَمَعَ (¬3) ¬

(¬1) س: مِنَ الْجِنِّ مِنَ الشَّيَاطِينِ، ب: مِنَ الْجِنِّ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ (¬2) فِي (ك) ص 191 (م) - 192 (م) (¬3) ك: وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ. .

الْكُلَّ. أَمَّا فَضَائِلُهُ (¬1) النَّفْسَانِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ - كَعِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَكَرَمِهِ وَحِلْمِهِ - فَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى (¬2) ، وَالْمُتَعَلِّقَةُ بِغَيْرِهِ كَذَلِكَ، كَظُهُورِ (¬3) الْعُلُومِ (¬4) عَنْهُ، وَاسْتِيفَاءِ (¬5) غَيْرِهِ مِنْهُ. وَكَذَا فَضَائِلُهُ (¬6) الْبَدَنِيَّةُ كَالْعِبَادَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَأَمَّا الْخَارِجِيَّةُ كَالنَّسَبِ فَلَمْ يَلْحَقْهُ فِيهِ أَحَدٌ ; لِقُرْبِهِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬7) - وَتَزْوِيجِهِ إِيَّاهُ بِابْنَتِهِ (¬8) سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ رَوَى أَخْطَبُ (¬9) خَوَارَزْمَ مِنْ كِتَابِ " السُّنَّةِ " (¬10) بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ زَوَّجَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ (¬11) مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَكَانَ الْخَاطِبُ جِبْرِيلَ (¬12) ، وَكَانَ مِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ فِي ¬

(¬1) ك: أَمَّا فَضْلُ، م: أَمَّا فَضِيلَةُ (¬2) ك: فَهِيَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَى. (¬3) ك: لِظُهُورِ (¬4) س، ب: الْعِلْمِ (¬5) ن، م: وَاسْتِفْتَاءِ ; ك وَاسْتِفَادَةِ (¬6) ك: فَضَائِلُ. (¬7) ك: فَكَالنَّسَبِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ أَحَدٌ فِيهِ لِقُرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. (¬8) ن، س: بِابْنَتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ك: بِنْتَهُ وَفِي هَامِشِ (س) كَتَبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضُوعِ كَتَبَ مَا يَلِي: " قَدْ زَوَّجَ عُثْمَانَ بِابْنَتَيْهِ وَقَالَ لَهُ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا لَكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُثْمَانُ أَفْضَلَ. اهـ فِي هَامِشِ الْأَصْلِ ". (¬9) م: خَطِيبُ. (¬10) ك: وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ. (¬11) ك: فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - زَوَّجَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا. . . (¬12) ك (ص 192 م) : جِبْرَئِيلَ.

سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ شُهُودًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى شَجَرَةِ طُوبَى: انْثُرِي مَا فِيكِ مِنَ الدُّرِّ وَالْجَوْهَرِ (¬1) ، فَفَعَلَتْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُورِ الْعِينِ أَنِ الْقُطْنَ، فَلَقَطْنَ مِنْهُنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (¬2) ، وَأَوْرَدَ أَخْبَارًا كَثِيرَةً فِي ذَلِكَ. وَكَانَ أَوْلَادُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْرَفَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ أَبِيهِمْ» (¬3) . وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ (¬4) قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ (¬5) بِيَدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ (¬6) هَذَا الْحُسَيْنُ (¬7) ، أَلَا فَاعْرِفُوهُ وَفَضِّلُوهُ، فَوَاللَّهِ لَجَدُّهُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ جَدِّ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ (¬8) ، هَذَا الْحُسَيْنُ جَدُّهُ (¬9) فِي الْجَنَّةِ، وَجَدَّتُهُ فِي الْجَنَّةِ، (* وَأُمُّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُ فِي الْجَنَّةِ، وَخَالُهُ فِي الْجَنَّةِ وَخَالَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَمُّهُ فِي الْجَنَّةِ، ¬

(¬1) ك: أَنِ انْثُرِي مَا فِيكِ مِنَ الدُّرَرِ وَالْجَوَاهِرِ. . . (¬2) ك: فَلَقَطْنَ فَهُنَّ يَتَهَادَيْنَ بَيْنَهُنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (¬3) ك: وَكَانَ أَوْلَادُهُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - أَشْرَفَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - وَبَعْدَ أَبِيهِمْ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -. (¬4) س، ب: وَعَنْ حُذَيْفَةَ الْيَمَانِيِّ، ك: وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِيِّ. (¬5) ن: آخِذًا. (¬6) ك: الْحُسَيْنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ. (¬7) ك: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬8) ك: مِنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ. (¬9) ك: هَذَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَدُّهُ.

وَعَمَّتُهُ فِي الْجَنَّةِ (¬1) ، وَأَخُوهُ فِي الْجَنَّةِ *) (¬2) ، وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَمُحِبُّوهُ (¬3) فِي الْجَنَّةِ، وَمُحِبُّو مُحِبِّيهِمْ فِي الْجَنَّةِ» . وَعَنْ حُذَيْفَةَ (¬4) قَالَ: «بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَرَأَيْتُ عِنْدَهُ (¬5) شَخْصًا، فَقَالَ لِي: هَلْ رَأَيْتَ (¬6) ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَذَا (¬7) مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ إِلَيَّ مُنْذُ بُعِثْتُ، أَتَانِي مِنَ اللَّهِ، فَبَشَّرَنِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ فَاضِلًا عَالِمًا، حَتَّى ادَّعَى قَوْمٌ فِيهِ الْإِمَامَةَ ". وَالْجَوَابُ: أَمَّا الْأُمُورُ الْخَارِجِيَّةُ (¬8) عَنْ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَلَا يَحْصُلُ بِهَا فَضِيلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهَا الْفَضِيلَةُ عِنْدَ اللَّهِ إِذَا كَانَتْ مُعِينَةً عَلَى ذَلِكَ ; فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ لَا الْمَقَاصِدِ، كَالْمَالِ وَالسُّلْطَانِ، وَالْقُوَّةِ وَالصِّحَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُفَضَّلُ بِهَا الرَّجُلُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا إِذَا أَعَانَتْهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ مَا يُعِينُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 13] . ¬

(¬1) ك: وَجَدَّتُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأُمُّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَمُّهُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَمَّتُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَخَالُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَخَالَتُهُ فِي الْجَنَّةِ. . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) ك: وَمُحِبُّوهُمْ. (¬4) ك: وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِيِّ (¬5) عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬6) ك: هَلْ رَأَيْتَهُ؟ (¬7) ك: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. هَذَا. . . (¬8) ب: الْخَارِجَةُ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ فَقَالَ: " أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ ". قِيلَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ (¬1) . قَالَ: " يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ ". قِيلَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ (¬2) . قَالَ: " أَفَعَنْ (¬3) مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي (¬4) ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» " (¬5) . بَيَّنَ لَهُمْ أَوَّلًا: أَنَّ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنَ نَبِيٍّ وَلَا أَبَا نَبِيٍّ، فَإِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ آزَرَ، وَهَذَا أَبُوهُ يَعْقُوبُ. وَكَذَلِكَ نُوحٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ إِسْرَائِيلَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا أَوْلَادُهُ أَنْبِيَاءَ، وَهَذَا أَوْلَادُهُ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ. فَلَمَّا ذَكَرُوا أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ إِلَّا الْأَنْسَابَ، قَالَ لَهُمْ: فَأَكْرَمُ أَهْلِ الْأَنْسَابِ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَيْسَ فِي وَلَدِ آدَمَ مِثْلُ يُوسُفَ ; فَإِنَّهُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ. فَلَمَّا أَشَارُوا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، قَالَ: " «أَفَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» " بَيَّنَ أَنَّ الْأَنْسَابَ كَالْمَعَادِنِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ كَمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْمَعْدِنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ. ¬

(¬1) ن: نَسَلُكَ. (¬2) ن: نَسَلُكَ. (¬3) م: فَعَنْ. (¬4) ن: تَسَلُونِي. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/601.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُنْبِتُ الذَّهَبَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي تُنْبِتُ الْفِضَّةَ. فَهَكَذَا مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَلِدُ الْأَفَاضِلَ، كَانَ أَوْلَادُهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَلِدُ الْمَفْضُولَ. لَكِنَّ هَذَا سَبَبٌ وَمَظِنَّةٌ وَلَيْسَ هُوَ لَازِمًا ; فَرُبَّمَا تَعَطَّلَتْ أَرْضُ الذَّهَبِ، وَرُبَّمَا قَلَّ نَبْتُهَا ; فَحِينَئِذٍ تَكُونُ أَرْضُ الْفِضَّةِ أَحَبَّ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ أَرْضٍ مُعَطَّلَةٍ. وَالْفِضَّةُ الْكَثِيرَةُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَهَبٍ قَلِيلٍ لَا يُمَاثِلُهَا فِي الْقَدْرِ. فَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْأَنْسَابِ (¬1) الْفَاضِلَةِ يُظَنُّ بِهِمُ الْخَيْرُ، وَيُكْرَمُونَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ أَحَدِهِمْ (¬2) خِلَافُ ذَلِكَ، كَانَتِ الْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَظِنَّةِ. وَأَمَّا [مَا] (¬3) عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمَظَانِّ وَلَا عَلَى الدَّلَائِلِ، إِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ هُوَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْمَظِنَّةِ. فَلِهَذَا كَانَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَهُ أَتْقَاهُمْ (¬4) . فَإِذَا قُدِّرَ (¬5) تَمَاثُلُ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ فِي التَّقْوَى، تَمَاثُلًا فِي الدَّرَجَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُو أَحَدِهِمَا أَوِ ابْنُهُ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي الْآخَرِ أَوِ ابْنِهِ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ نَسَبِهِ زِيَادَةٌ فِي التَّقْوَى كَانَ أَفْضَلَ لِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ. وَلِهَذَا حَصَلَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَنَتْنَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلْنَ صَالِحًا، لَا لِمُجَرَّدِ الْمُصَاهَرَةِ، بَلْ لِكَمَالِ الطَّاعَةِ. كَمَا أَنَّهُنَّ لَوْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ لَضُوعِفَ لَهُنَّ الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ; لِقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ. ¬

(¬1) ن، س، ب: الْأَسْبَابِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) س، ب: مِنْ أَحَدٍ. (¬3) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (¬4) م: أَزْكَاهُمْ. (¬5) قُدِّرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

فَإِنَّ ذَا الشَّرَفِ إِذَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ التَّقْوَى، كَانَ تَقْوَاهُ أَكْمَلَ مِنْ تَقْوَى غَيْرِهِ. كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا عَدَلَ كَانَ عَدْلُهُ أَعْظَمَ مِنْ عَدْلِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَصَدَ الْخَيْرَ قَصْدًا جَازِمًا (¬1) ، وَعَمِلَ مِنْهُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ كَامِلٌ (¬2) . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا (¬3) مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ ". قَالُوا: وَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: " وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» " (¬4) . وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ: " «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» " (¬5) . وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. ¬

(¬1) ن، م: حَازِمًا (¬2) ن، م، س: أَجْرُ عَامِلٍ. (¬3) ن، س: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا، م: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالٌ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/26 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/17 - 18 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنَ الْعُذْرِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/923 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْجِهَادِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/103، 160، 300، 341. وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1518 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ ثَوَابِ مَنْ حَبَسَهُ عَنِ الْغَزْوِ مَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ آخَرُ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ (فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ) . (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 4/2060 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً وَمَنْ دَعَا إِلَى هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/281 - 282 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ لُزُومِ السُّنَّةِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ (ط. الْمَدِينَةِ) 5/149 كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابٌ فِيمَنْ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ أَوْ إِلَى ضَلَالَةٍ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/75 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 18/3.

وَلِهَذَا لَمْ يُثْنِ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْقُرْآنِ بِنَسَبِهِ أَصْلًا: لَا عَلَى وَلَدِ نَبِيٍّ، وَلَا عَلَى أَبِي نَبِيٍّ، وَإِنَّمَا أَثْنَى عَلَى النَّاسِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ. وَإِذَا ذَكَرَ صِنْفًا وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ ; فَلِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ، لَا لِمُجَرَّدِ النَّسَبِ. وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ - ذَكَرَهُمْ فِي الْأَنْعَامِ - وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 87] . فَبِهَذَا حَصَلَتِ الْفَضِيلَةُ بِاجْتِبَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا بِنَفْسِ الْقَرَابَةِ. وَقَدْ يُوجِبُ النَّسَبُ حُقُوقًا، وَيُوجِبُ لِأَجْلِهِ حُقُوقًا، وَيُعَلِّقُ فِيهِ أَحْكَامًا مِنَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ، لَكِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ. وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 33] ، وَقَالَ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 54] ، كَانَ هَذَا مَدْحًا لِهَذَا الْمَعْدِنِ الشَّرِيفِ، لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَدْحِ (¬1) ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 26] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 113] . ¬

(¬1) عِبَارَةُ: " لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَدْحِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَفِي الْقُرْآنِ الثَّنَاءُ وَالْمَدْحُ لِلصَّحَابَةِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ، كَقَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] . وَقَوْلِهِ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] . وَقَوْلِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18] . وَقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 4] . وَقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8 - 9] . وَقَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] الْآيَةَ. وَهَكَذَا فِي الْقُرْآنِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْأُمَّةِ، أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ، وَالْمُقْسِطِينَ وَالصَّالِحِينَ، وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ. وَأَمَّا النَّسَبُ فَفِي الْقُرْآنِ إِثْبَاتُ حَقٍّ لِذَوِي الْقُرْبَى كَمَا ذُكِرُوا هُمْ فِي

آيَةِ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ. وَفِي الْقُرْآنِ أَمْرٌ لَهُمْ (¬1) بِمَا يُذْهِبُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرُهُمْ تَطْهِيرًا. وَفِي الْقُرْآنِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِأَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. وَفِي الْقُرْآنِ الْأَمْرُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ، وَمَحَبَّةُ أَهْلِهِ مِنْ تَمَامِ مَحَبَّتِهِ. وَفِي الْقُرْآنِ أَنَّ أَزْوَاجَهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ. وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَدْحُ أَحَدٍ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَأَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَلَا ذِكْرُ اسْتِحْقَاقِهِ الْفَضِيلَةَ عِنْدَ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَلَا تَفْضِيلُهُ عَلَى مَنْ يُسَاوِيهِ فِي التَّقْوَى بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اصْطِفَاءِ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَاصْطِفَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَذَاكَ أَمْرٌ مَاضٍ، فَأَخْبَرَنَا بِهِ فِي (¬2) جَعْلِهِ عِبْرَةً لَنَا، فَبَيَّنَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ وَالْمَدْحَ بِالْأَعْمَالِ. وَلِهَذَا ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ اصْطِفَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كُفْرِ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ وَذُنُوبِهِمْ وَعُقُوبَتِهِمْ، فَذَكَرَ فِيهِمُ النَّوْعَيْنِ: الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ. وَهَذَا مِنْ تَمَامِ تَحْقِيقِ أَنَّ النَّسَبَ الشَّرِيفَ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ الْمَدْحُ تَارَةً إِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَإِلَّا فَإِنَّ ذَمَّ صَاحِبِهِ أَكْثَرُ، كَمَا كَانَ الذَّمُّ لِمَنْ ذُمَّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَذَلِكَ الْمُصَاهَرَةُ. قَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ - وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 10 - 11] . ¬

(¬1) ن، س، ب: لِذَوِي الْقُرْبَى كَمَا ذَكَرُوهُمْ، وَفِي الْقُرْآنِ آيَةُ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ، وَفِي (ب: وَفِيهِ) أَمْرٌ لَهُمْ. . . وَالْمُثْبَتُ - وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ (م) . (¬2) ن، س: فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ فِي. . .، ب: فَأَخْبَرَ بِأَنَّ فِي. . .

وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَيُقَالُ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ أَعْجَمِيًّا، وَالْآخَرُ مِنَ الْعَرَبِ، فَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ مُجْمَلًا: إِنَّ الْعَرَبَ أَفْضَلُ جُمْلَةً، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: " «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى. النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» " (¬1) . وَقَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ. النَّاسُ رَجُلَانِ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ» " (¬2) . وَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ [وَالْعَجَمِ] (¬3) ، وَآخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَهُمَا (¬4) عِنْدَ اللَّهِ بِحَسَبِ تَقْوَاهُمَا: إِنْ تَمَاثَلَا فِيهَا تَمَاثَلَا فِي الدَّرَجَةِ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنْ تَفَاضَلَا فِيهَا تَفَاضَلَا فِي الدَّرَجَةِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَرَجُلٌ مِنَ النَّاسِ أَوِ الْعَرَبِ (¬5) أَوِ الْعَجَمِ، فَأَفْضَلُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمَا، فَإِنْ تَمَاثَلَا فِي التَّقْوَى تَمَاثَلَا فِي الدَّرَجَةِ، وَلَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ لَا (¬6) بِأَبِيهِ وَلَا ابْنِهِ، وَلَا بِزَوْجَتِهِ، وَلَا بِعَمِّهِ، وَلَا بِأَخِيهِ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/606 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/521 (¬3) وَالْعَجَمِ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬4) ن، م، س: فَهُمْ (¬5) ن، س، ب: وَرَجُلٌ مِنْ أَفْنَاءِ قُرَيْشٍ أَوِ الْعَرَبِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

كَمَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ أَوِ الْحِسَابِ، أَوِ الْفِقْهِ أَوِ النَّحْوِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَكْمَلُهُمَا بِالْعِلْمِ بِذَلِكَ أَعْلَمُهُمَا بِهِ، (* فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ تَسَاوَيَا فِي الْعِلْمِ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ بِكَوْنِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ (¬1) أَعْلَمَ مِنَ الْآخَرِ. وَهَكَذَا فِي الشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ، وَالزُّهْدِ وَالدِّينِ. إِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ، فَالْفَضَائِلُ الْخَارِجِيَّةُ لَا عِبْرَةَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى *) (¬2) ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَبَبًا فِي زِيَادَةِ الْفَضَائِلِ الدَّاخِلِيَّةِ (¬3) . وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الْفَضِيلَةُ بِالْفَضَائِلِ الدَّاخِلِيَّةِ (¬4) ، وَأَمَّا الْفَضَائِلُ الْبَدَنِيَّةُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ صَادِرَةً عَنِ الْفَضِيلَةِ النَّفْسَانِيَّةِ. وَإِلَّا فَمَنْ صَلَّى وَصَامَ، وَقَاتَلَ وَتَصَدَّقَ، بِغَيْرِ نِيَّةٍ خَالِصَةٍ لَمْ يُفَضَّلْ بِذَلِكَ ; فَالِاعْتِبَارُ بِالْقَلْبِ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَلَا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» " (¬5) . ¬

(¬1) ن: يَكُونُ ابْنَهُ أَوْ أَبِيهِ (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) ن، س، ب: الدَّاخِلَةِ. (¬4) ن، س، ب: الدَّاخِلَةِ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 1/16 (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ) وَنَصُّهُ: " الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ " وَالْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1219 - 1220 كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ أَخْذِ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1318 - 1319 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/270 - 274.

وَحِينَئِذٍ فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ (¬1) فِي الْفَضَائِلِ النَّفْسَانِيَّةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا. وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُنَازِعُونَ (¬2) فِي كَمَالِ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْكَمَالِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي كَوْنِهِ أَكْمَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ (¬3) ، وَأَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الْبَابُ لِلنَّاسِ فِيهِ طَرِيقَانِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ عَلَى بَعْضٍ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ (¬4) ; فَإِنَّ حَقَائِقَ مَا فِي الْقُلُوبِ وَمَرَاتِبَهَا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ، فَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْخَبَرِ (¬5) الصَّادِقِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَدْ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالِاسْتِدْلَالِ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الطَّرِيقَيْنِ إِذَا أُعْطِيَ حَقَّهُ مِنَ السُّلُوكِ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ أَكْمَلُ مِنْ عَلِيٍّ. وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نُقَرِّرُ ذَلِكَ فِي عُثْمَانَ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي عُثْمَانَ، كَانَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ; فَإِنَّ تَفْضِيلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ لَمْ يُنَازِعْ فِيهِ أَحَدٌ، بَلْ (¬6) وَتَفْضِيلُهُمَا عَلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَمْ يَتَنَازَعْ (¬7) فِيهِ مَنْ لَهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَدْرٌ: لَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، وَلَا أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، بَلْ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ [عَلَى ¬

(¬1) ن، س، ب: أَعْظَمَ (¬2) م: لَا يَتَنَازَعُونَ. (¬3) م: أَكْمَلَ الثَّلَاثَةِ. (¬4) ن، س: إِلَّا بِالتَّوَقُّفِ. (¬5) ب: بِخَبَرِ. . (¬6) بَلْ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (ب) . (¬7) م: لَمْ يُنَازِعْ.

ذَلِكَ] (¬1) قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، أَعْظَمُ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى إِثْبَاتِ شَفَاعَةِ نَبِيِّنَا فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَعَلَى إِثْبَاتِ الْحَوْضِ وَالْمِيزَانِ، وَعَلَى قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَعَلَى صِحَّةِ إِجَارَةِ الْعَقَارِ، وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا. بَلْ إِيمَانُ (¬2) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَدَالَتُهُمَا مِمَّا (¬3) وَافَقَتْ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ - مَعَ تَعَنُّتِهِمْ - وَهُمْ يُنَازِعُونَ فِي إِيمَانِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ. وَاتَّفَقَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ عَلِيٍّ، وَقَدْحُهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ (¬4) مِنْ قَدْحِهِمْ فِي عُثْمَانَ. وَالزَّيْدِيَّةُ بِالْعَكْسِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ كَانَ قُدَمَاؤُهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الْخَوَارِجِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ. كَمَا أَنَّ الرَّافِضَةَ (¬5) قُدَمَاؤُهُمْ يُصَرِّحُونَ بِالتَّجْسِيمِ، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ عَلَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَكَانَتِ الشِّيعَةُ الْأُولَى لَا يَشُكُّونَ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ عَلِيًّا، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِلثَّوْرِيِّ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. وَطَائِفَةٌ أُخْرَى لَا تُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (¬6) عَنْ مَالِكٍ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ، لَكِنْ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يُفَضِّلُ أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ السُّكُوتَ عَنِ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ قَوْلًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيَحْتَمِلُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ (¬7) عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ ¬

(¬1) عَلَى ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) (¬2) ن، م، س: بَلْ عَلَى إِيمَانِ. (¬3) س: بِمَا (¬4) م: أَعْظَمُ. (¬5) ن، م: الرَّوَافِضَ. (¬6) م: أَبُو الْقَاسِمِ. (¬7) م: أَبُو الْقَاسِمِ.

أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَشُكُّ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ. وَأَمَّا جُمْهُورُ النَّاسِ فَفَضَّلُوا عُثْمَانَ، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ (¬1) أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَشَايِخِ الزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ، وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ: كَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهَا أَصْحَابُهُ (¬2) . قَالَ مَالِكٌ: لَا أَجْعَلُ مَنْ خَاضَ فِي الدِّمَاءِ كَمَنْ لَمْ يَخُضْ فِيهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ بِهَذَا قَصَدَ وَالِيَ الْمَدِينَةِ الْهَاشِمِيَّ، ضَرَبَ مَالِكًا، وَجَعَلَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ سَبَبًا ظَاهِرًا. وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْكَلَامِ: الْكَرَّامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ ; وَلِهَذَا تَنَازَعُوا فِيمَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ، هَلْ يُعَدُّ مُبْتَدِعًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. فَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ كَانَ مَا سِوَاهُ أَوْكَدَ. وَأَمَّا الطَّرِيقُ التَّوْقِيفِيُّ (¬3) فَالنَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ: أَمَّا النَّصُّ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ (¬4) . ¬

(¬1) م: وَعَلَيْهِ اسْتِقْرَارُ. . . (¬2) س، ب: عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. (¬3) ن، م: التَّوْفِيقِيُّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ بِمَعْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: كُنَّا نُفَاضِلُ إِلَخْ.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَالنَّقْلُ الصَّحِيحُ قَدْ أَثْبَتَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي سِتَّةٍ، وَأَنَّ ثَلَاثَةً تَرَكُوهُ لِثَلَاثَةٍ: عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَبَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَنَمْ فِيهَا كَبِيرَ نَوْمٍ (¬1) يُشَاوِرُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدِ اجْتَمَعَ (¬2) بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، حَتَّى أُمَرَاءُ الْأَنْصَارِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ هُوَ الْأَحَقَّ، وَمَنْ كَانَ هُوَ الْأَحَقَّ كَانَ هُوَ الْأَفْضَلَ ; فَإِنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ مَنْ كَانَ أَحَقَّ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَحَقَّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَلَزِمَ: إِمَّا جَهْلُهُمْ، وَإِمَّا ظُلْمُهُمْ. فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ، وَكَانَ غَيْرُهُ أَحَقَّ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ كَانُوا جُهَّالًا، وَإِنْ عَلِمُوهُ وَعَدَلُوا عَنِ الْأَحَقِّ (¬3) إِلَى غَيْرِهِ، كَانُوا ظَلَمَةً. فَتَبَيَّنَ أَنَّ عُثْمَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ، لَزِمَ: إِمَّا جَهْلُهُمْ وَإِمَّا ظُلْمُهُمْ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ ; لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِنَّا، وَأَعْلَمُ بِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ فِيهِمَا مِنَّا، وَأَعْلَمُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي ذَلِكَ مِنَّا، وَلِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ نَكُونَ نَحْنُ أَعْلَمَ مِنْهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، مَعَ أَنَّهُمْ أَحْوَجُ إِلَى عِلْمِهَا مِنَّا ; فَإِنَّهُمْ لَوْ جَهِلُوا مَسَائِلَ أُصُولِ دِينِهِمْ وَعَلِمْنَاهَا نَحْنُ لَكُنَّا أَفْضَلَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ. ¬

(¬1) ن، س: كَثِيرًا يَوْمَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: كَثِيرًا (¬2) ن، س، ب: أَجْمَعَ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) م: الْأَحْوَالِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، س، ب: الْحَقِّ.

وَكَوْنُهُمْ عَلِمُوا الْحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ ; فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْحٌ فِي عَدَالَتِهِمْ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونُوا خَيْرَ الْقُرُونِ بِالضَّرُورَةِ. وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ أَثْنَى عَلَيْهِمْ ثَنَاءً (¬1) يَقْتَضِي غَايَةَ الْمَدْحِ، فَيَمْتَنِعُ (¬2) إِجْمَاعُهُمْ وَإِصْرَارُهُمْ عَلَى الظُّلْمِ الَّذِي هُوَ ضَرَرٌ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ كُلِّهَا ; فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ ظُلْمًا لِلْمَمْنُوعِ مِنَ الْوِلَايَةِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ ظُلْمٌ لِكُلِّ مَنْ مَنَعَ نَفْعَهُ مِنْ وِلَايَةِ الْأَحَقِّ بِالْوِلَايَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ رَاعِيَانِ: أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلرِّعَايَةِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، كَانَ مَنْعُهُ مِنْ رِعَايَتِهَا يَعُودُ بِنَقْصِ الْغَنَمِ حَقَّهَا مِنْ نَفْعِهِ. وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ دَلَّا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَأَنَّ خَيْرَهَا أَوَّلُهَا، فَإِنْ كَانُوا مُصِرِّينَ عَلَى ذَلِكَ، [لَزِمَ] (¬3) أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّةُ شَرَّ الْأُمَمِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ أَوَّلُهَا خَيْرَهَا. وَلِأَنَّا (¬4) نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسُوا مِثْلَ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ ظَالِمِينَ مُصِرِّينَ عَلَى الظُّلْمِ، فَالْأُمَّةُ كُلُّهَا ظَالِمَةٌ، فَلَيْسَتْ خَيْرَ الْأُمَمِ. وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى الْكُوفَةِ: مَنْ وَلَّيْتُمْ؟ قَالَ: " وَلَّيْنَا أَعْلَانَا ذَا فُوقٍ وَلَمْ نَأْلُ ". وَذُو الْفُوقِ هُوَ السَّهْمُ (¬5) ، يَعْنِي أَعْلَانَا سَهْمًا فِي الْإِسْلَامِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنْهُ. ¬

(¬1) م: بِثَنَاءٍ. (¬2) ن، ش، ب: فَيَمْنَعُ. (¬3) لَزِمَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬4) م: فَإِنَّا. . (¬5) فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَالْفُوقُ ": مُشْتَقُّ رَأْسِ السَّهْمِ حَيْثُ يَقَعُ الْوَتَرُ ".

قِيلَ: أَوَّلًا: هَذَا السُّؤَالُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُورِدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ ; لِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُمْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَهُنَا مَقَامَانِ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَفْضَلُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، لَكِنْ يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْمَفْضُولِ: إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا لِلْحَاجَةِ. وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ. وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ هَاهُنَا. أَمَّا الْأَوَّلُ، فَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً ; فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى تَوْلِيَةِ عَلِيٍّ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُنَازِعُ أَصْلًا، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى رَغْبَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لِعُثْمَانَ شَوْكَةٌ تُخَافُ، بَلِ التَّمَكُّنُ مِنْ تَوْلِيَةِ هَذَا كَانَ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ تَوْلِيَةِ هَذَا. فَامْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ يُمْكِنُ إِلَّا تَوْلِيَةُ الْمَفْضُولِ. وَإِذَا كَانُوا قَادِرِينَ، وَهُمْ يَتَصَرَّفُونَ لِلْأُمَّةِ (¬1) لَا لِأَنْفُسِهِمْ، لَمْ يَجُزْ لَهُمْ (¬2) تَفْوِيتُ مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ مِنْ وِلَايَةِ الْفَاضِلِ ; فَإِنَّ الْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ الْمُتَصَرِّفَ لِغَيْرِهِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَمَّا هُوَ أَصْلَحُ لِمَنِ ائْتَمَنَهُ، مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ سَوَاءً؟ وَأَمَّا الثَّانِي، فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِهِ أَشْبَهَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَالْخِلَافَةُ كَانَتْ خِلَافَةَ نُبُوَّةٍ، لَمْ تَكُنْ مُلْكًا، فَمَنْ خَلَفَ النَّبِيَّ وَقَامَ مَقَامَهُ كَانَ أَشْبَهَ بِهِ، وَمَنْ كَانَ أَشْبَهَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ، فَالَّذِي يَخْلُفُهُ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْأَشْبَهُ بِهِ أَفْضَلُ، فَالَّذِي يَخْلُفُهُ أَفْضَلُ. ¬

(¬1) ن، م، س: لِلْإِمَامَةِ وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬2) لَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَأَمَّا الطَّرِيقُ النَّظَرِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَقَالُوا: عُثْمَانُ كَانَ أَعْلَمَ بِالْقُرْآنِ، وَعَلِيٌّ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ، وَعُثْمَانُ أَعْظَمُ جِهَادًا بِمَالِهِ، وَعَلِيٌّ أَعْظَمُ جِهَادًا بِنَفْسِهِ، وَعُثْمَانُ أَزْهَدُ فِي الرِّيَاسَةِ، وَعَلِيٌّ أَزْهَدُ فِي الْمَالِ، وَعُثْمَانُ أَوْرَعُ عَنِ الدِّمَاءِ (¬1) ، وَعَلِيٌّ أَوْرَعُ عَنِ الْأَمْوَالِ، وَعُثْمَانُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَادِ نَفْسِهِ (¬2) ; حَيْثُ صَبَرَ عَنِ الْقِتَالِ وَلَمْ يُقَاتِلْ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ» " (¬3) . وَسِيرَةُ (¬4) عُثْمَانَ فِي الْوِلَايَةِ كَانَتْ (¬5) أَكْمَلَ مِنْ سِيرَةِ عَلِيٍّ، فَقَالُوا: فَثَبَتَ أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّ عِلْمَ الْقُرْآنِ أَعْظَمُ مِنْ عِلْمِ السُّنَّةِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: " «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» " (¬6) . وَعُثْمَانُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ بِلَا رَيْبٍ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَقْرَؤُهُ فِي رَكْعَةٍ. وَعَلِيٌّ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ: هَلْ حَفِظَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ أَمْ لَا؟ ¬

(¬1) م: أَوْرَعُ فِي الدُّنْيَا (¬2) م: مِنْ جِهَادِهِ نَفْسَهُ (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/89 (كِتَابُ فَضَائِلِ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَجَابِرٍ. حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 6/20، 21، 22. (¬4) ن، س: وَسِيمَا ب: وَسِيَرُ. (¬5) ن، س، ب: كَانَ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/280.

وَالْجِهَادُ بِالْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 41] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 20] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 72] (¬1) . وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يُقَاتِلُونَ دُونَ أَمْوَالِهِمْ ; فَإِنَّ الْمُجَاهِدَ بِالْمَالِ قَدْ أَخْرَجَ مَالَهُ حَقِيقَةً لِلَّهِ، وَالْمُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ لِلَّهِ يَرْجُو النَّجَاةَ، لَا يُوَافِقُ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجِهَادِ ; وَلِهَذَا أَكْثَرُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْقِتَالِ يَهُونُ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنْ يُقَاتِلَ، وَلَا يَهُونُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ مَالِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ جِهَادُهُ بِالْمَالِ أَعْظَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ جِهَادُهُ بِالنَّفْسِ أَعْظَمَ. وَأَيْضًا فَعُثْمَانُ لَهُ مِنَ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ بِالتَّدْبِيرِ فِي الْفُتُوحِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَلَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَلَهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى مَكَّةَ يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَإِنَّمَا بَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ، وَبَايَعَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَنْ عُثْمَانَ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفَضْلِ ; حَيْثُ بَايَعَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ¬

(¬1) ن، م، س: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصْرًا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا. وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .

وَأَمَّا الزُّهْدُ وَالْوَرَعُ فِي الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ عُثْمَانَ تَوَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ قَصَدَ الْخَارِجُونَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ، وَحَصَرُوهُ وَهُوَ خَلِيفَةُ الْأَرْضِ، وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ رَعِيَّتُهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لَمْ يَقْتُلْ مُسْلِمًا، وَلَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِقِتَالٍ، بَلْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ. لَكِنَّهُ فِي الْأَمْوَالِ كَانَ يُعْطِي لِأَقَارِبِهِ مِنَ الْعَطَاءِ مَا لَا يُعْطِيهِ لِغَيْرِهِمْ، وَحَصَلَ مِنْهُ نَوْعُ تَوَسُّعٍ فِي الْأَمْوَالِ، وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا فَعَلَهُ إِلَّا مُتَأَوِّلًا فِيهِ (¬1) ، لَهُ اجْتِهَادٌ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ (¬2) مِنَ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ مِنَ الْخُمْسِ وَالْفَيْءِ هُوَ لِمَنْ يَتَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَهُ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ذَوُو الْقُرْبَى الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ هُمْ ذَوُو قُرْبَى الْإِمَامِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْإِمَامُ الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَاتِ يَأْخُذُ مِنْهَا مَعَ الْغِنَى. وَهَذِهِ كَانَتْ مَآخِذَ (¬3) عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْهُ. فَمَا فَعَلَهُ هُوَ نَوْعُ تَأْوِيلٍ يَرَاهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَخُصَّ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ بِعَطَاءٍ، لَكِنِ ابْتَدَأَ بِالْقِتَالِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَدِّئًا بِالْقِتَالِ (¬4) ، حَتَّى قُتِلَ بَيْنَهُمْ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ هُوَ مُتَأَوِّلٌ فِيهِ تَأْوِيلًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَالُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ بُغَاةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ بِقَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] ¬

(¬1) ن، م، س:. . مَا فَعَلَهُ مُتَأَوِّلٌ فِيهِ. (¬2) م: طَائِفَةٌ. (¬3) ن: مَآخِذَ. وَمَعْنَى الْمُثْبَتِ: أَنَّ هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخَذَ بِهَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬4) بِالْقِتَالِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

لَكِنْ نَازَعَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، كَمَا نَازَعَ عُثْمَانَ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] . قَالُوا: فَلَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ ابْتِدَاءً، بَلْ إِذَا وَقَعَ قِتَالٌ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى قُوتِلَتْ. وَلَمْ يَقَعِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ "، رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْهَا (¬1) . وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ لَا يَجُوزُ [إِلَّا] أَنْ يَبْتَدِءُوا (¬2) الْإِمَامَ بِالْقِتَالِ، كَمَا فَعَلَتِ الْخَوَارِجُ مَعَ عَلِيٍّ، فَإِنَّ قِتَالَهُ الْخَوَارِجَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ قِتَالِ صِفِّينَ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَبْتَدِءُوا بِقِتَالٍ، بَلِ امْتَنَعُوا عَنْ مُبَايَعَتِهِ. ¬

(¬1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْأَثَرَ مَرْوِيًّا عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنْ جَاءَ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 8/172 (ط. حَيْدَرَ آبَادَ، 1354) عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَغِبَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ السُّيُوطِيُّ فِي " الدُّرِّ الْمَنْثُورِ 6/91 وَقَالَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ. (¬2) ن، س: لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَدَءُوا. .، م لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَدَأَ. . . وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .

وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ، كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، يَقُولُونَ: إِنَّ قِتَالَهُ لِلْخَوَارِجِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَأَمَّا قِتَالُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَهُوَ قِتَالُ فِتْنَةٍ. فَلَوْ قَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ نُقِيمُ الصَّلَاةَ وَنُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَلَا نَدْفَعُ زَكَاتَنَا إِلَى الْإِمَامِ، وَنَقُومُ بِوَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ (¬1) ، لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُمْ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ. وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِنَّمَا قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُمُ امْتَنَعُوا عَنْ أَدَائِهَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَلَوْ قَالُوا: نَحْنُ نُؤَدِّيهَا بِأَيْدِينَا وَلَا نَدْفَعُهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. وَلِهَذَا كَانَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ قِتَالَ فِتْنَةٍ، وَكَانَ مَنْ قَعَدَ عَنْهُ أَفْضَلَ مِمَّنْ قَاتَلَ فِيهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، بَلْ وَالثَّوْرِيِّ، وَمَنْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُ، مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَنَحْوَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ - فِيمَا نَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ - عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ، إِلَّا إِذَا ابْتَدَءُوا الْإِمَامَ بِالْقِتَالِ، وَأَمَّا إِذَا أَدَّوُا الْوَاجِبَ مِنَ الزَّكَاةِ وَامْتَنَعُوا عَنْ دَفْعِهَا إِلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَهَكَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، عَلَى أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى هُمْ قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2) . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كِلَيْهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ فِيهِ هُوَ مُتَأَوِّلٌ ¬

(¬1) م: إِلَى إِمَامٍ يَقُومُ بِوَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) فِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ مَا يَلِي: " قِفْ عَلَى بَيَانِ الْوُجُوهِ الَّتِي يُرَجَّحُ بِهَا عُثْمَانُ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَيُرَجَّحُ بِهَا شِيعَةُ عُثْمَانَ عَلَى شِيعَةِ عَلِيٍّ ".

مُجْتَهِدٌ يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ بِمُوجِبِ الْعِلْمِ وَالدَّلِيلِ، لَيْسَ لَهُمَا عَمَلٌ يُتَّهَمُونَ فِيهِ (¬1) ، لَكِنَّ اجْتِهَادَ عُثْمَانَ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَأَبْعَدَ عَنِ الْمَفْسَدَةِ ; فَإِنَّ الدِّمَاءَ خَطَرُهَا أَعْظَمُ مِنَ الْأَمْوَالِ. وَلِهَذَا كَانَتْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ هَادِيَةً مَهْدِيَّةً سَاكِنَةً، وَالْأُمَّةُ فِيهَا مُتَّفِقَةٌ، وَكَانَتْ سِتَّ سِنِينَ لَا يُنْكِرُ النَّاسُ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَنْكَرُوا أَشْيَاءَ فِي السِّتِّ الْبَاقِيَةِ، وَهِيَ دُونَ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عَلِيٍّ مِنْ حِينِ تَوَلَّى، وَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عُثْمَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَوْبَاشِ النَّاسِ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَكَثِيرٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ وَلَمْ يُبَايِعُوهُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَاتَلُوهُ، وَعُثْمَانُ فِي خِلَافَتِهِ فُتِحَتِ الْأَمْصَارُ وَقُوتِلَتْ (¬2) الْكُفَّارُ، وَعَلِيٌّ فِي خِلَافَتِهِ لَمْ يُقْتَلْ كَافِرٌ وَلَمْ تُفْتَحْ مَدِينَةٌ. فَإِنْ كَانَ مَا صَدَرَ عَنِ الرَّأْيِ، فَرَأْيُ عُثْمَانَ أَكْمَلُ، وَإِنْ كَانَ عَنِ الْقَصْدِ، فَقَصْدُهُ أَتَمُّ. قَالُوا: وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَعُثْمَانُ قَدْ زَوَّجَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَتَيْنِ مِنْ بَنَاتِهِ، وَقَالَ: " «لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ» (¬3) "، وَسُمِّيَ ذُو النُّورَيْنِ (¬4) بِذَلِكَ ; إِذْ لَمْ يُعْرَفْ أَحَدٌ جَمَعَ بَيْنَ بِنْتَيْ نَبِيٍّ غَيْرُهُ. ¬

(¬1) ن، م، س، ب: لَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ يَتَوَهَّمُونَ فِيهِ، وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ هُوَ الصَّوَابُ. (¬2) م: وَقَاتَلَ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/146. (¬4) س، ب: ذَا النُّورَيْنِ ; ن، م: ذِي النُّورَيْنِ وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.

وَقَدْ صَاهَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ هُوَ دُونَ عُثْمَانَ: أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، فَزَوَّجَهُ زَيْنَبَ أَكْبَرَ بَنَاتِهِ، وَشَكَرَ مُصَاهَرَتَهُ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى عَلِيٍّ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يُنْكِحُوا فَتَاتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنِّي لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُمْ. وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَبَدًا، إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا (¬1) ، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا "، ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: " حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» (¬2) ". وَهَكَذَا مُصَاهَرَةُ عُثْمَانَ لَهُ، لَمْ يَزَلْ فِيهَا حَمِيدًا، لَمْ يَقَعْ مِنْهُ (¬3) مَا يَعْتِبُ عَلَيْهِ فِيهَا، حَتَّى قَالَ: " «لَوْ كَانَ (¬4) عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ» ". وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُصَاهَرَتَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلُ مِنْ مُصَاهَرَةِ عَلِيٍّ لَهُ (¬5) . وَفَاطِمَةُ كَانَتْ أَصْغَرَ بَنَاتِهِ، وَعَاشَتْ بَعْدَهُ، وَأُصِيبَتْ بِهِ، فَصَارَ لَهَا مِنَ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَبِيرَةَ الْبَنَاتِ فِي الْعَادَةِ تُزَوَّجُ قَبْلَ الصَّغِيرَةِ، فَأَبُو الْعَاصِ تَزَوَّجَ أَوَّلًا زَيْنَبَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ عُثْمَانُ تَزَوَّجَ بِرُقَيَّةَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ، وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ. ¬

(¬1) ن، م: مَا رَابَهَا (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/145 (¬3) ن، م، س: مِنْهَا. (¬4) ن، م: كَانَتْ (¬5) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: أَكْمَلُ مِنْ مُصَاهَرَتِهِ لِعَلِيٍّ. وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتُّهُ يَسْتَقِيمُ بِهِ الْكَلَامُ.

قَالُوا: وَشِيعَةُ عُثْمَانَ الْمُخْتَصُّونَ بِهِ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ الْمُخْتَصِّينَ بِهِ، وَأَكْثَرَ خَيْرًا، وَأَقَلَّ شَرًّا. فَإِنَّ شِيعَةَ عُثْمَانَ أَكْثَرُ مَا نُقِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبِدَعِ انْحِرَافُهُمْ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَبُّهُمْ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ (¬1) ، لِمَا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ مِنَ الْقِتَالِ مَا جَرَى، لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُكَفِّرُوهُ وَلَا كَفَّرُوا مَنْ يُحِبُّهُ. وَأَمَّا شِيعَةُ عَلِيٍّ فَفِيهِمْ مَنْ يَكَفِّرُ الصَّحَابَةَ وَالْأُمَّةَ وَيَلْعَنُ (¬2) أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ (¬3) مِنْ ذَاكَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ. وَشِيعَةُ عُثْمَانَ تُقَاتِلُ الْكُفَّارَ، وَالرَّافِضَةُ لَا تُقَاتِلُ الْكُفَّارَ، وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زِنْدِيقٌ وَلَا مُرْتَدٌّ، وَقَدْ دَخَلَ فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ مِنَ الزَّنَادِقَةِ وَالْمُرْتَدِّينَ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَمْ تُوَالِ الْكُفَّارَ، وَالرَّافِضَةُ يُوَالُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا عُرِفَ مِنْهُمْ وَقَائِعُ (¬4) . وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَدَّعِي فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ وَلَا النُّبُوَّةَ، وَكَثِيرٌ مِنَ الدَّاخِلِينَ فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ مَنْ يَدَّعِي نُبُوَّتَهُ أَوْ إِلَهِيَّتَهُ. وَشِيعَةُ عُثْمَانَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ إِمَامٌ مَعْصُومٌ، وَلَا مَنْصُوصَ عَلَيْهِ، وَالرَّافِضَةُ تَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مَعْصُومٌ. ¬

(¬1) م: وَسَبُّهُ عَلَى الْمَنَابِرِ (¬2) ن، س، ب: وَلَعَنَهُ. (¬3) ن: أَكْبَرُ، س، ب: أَكْثَرُ (¬4) ب: كَمَا قَدْ عُرِفَ عَنْهُمْ فِي وَقَائِعَ.

وَشِيعَةُ عُثْمَانَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَتَفْضِيلِهِمَا عَلَى عُثْمَانَ، وَشِيعَةُ عَلِيٍّ الْمُتَأَخِّرُونَ أَكْثَرُهُمْ يَذُمُّونَهُمَا وَيَسُبُّونَهُمَا، وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَمُتَّفِقَةٌ عَلَى بُغْضِهِمَا وَذَمِّهِمَا، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُكَفِّرُونَهُمَا، وَأَمَّا الزَّيْدِيَّةُ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ أَيْضًا يَذُمُّهُمَا وَيَسُبُّهُمَا، بَلْ وَيَلْعَنُهُمَا، وَخِيَارُ الزَّيْدِيَّةِ الَّذِينَ يُفَضِّلُونَهُ (¬1) عَلَيْهِمَا، وَيَذُمُّونَ عُثْمَانَ أَوْ يَقَعُونَ بِهِ. وَقَدْ كَانَ أَيْضًا فِي شِيعَةِ عُثْمَانَ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا: يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ ; وَلِهَذَا لَمَّا تَوَلَّى بَنُو الْعَبَّاسِ كَانُوا أَحْسَنَ مُرَاعَاةً لِلْوَقْتِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، لَكِنْ شِيعَةُ عَلِيٍّ الْمُخْتَصُّونَ بِهِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِإِمَامَةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ، أَعْظَمُ تَعْطِيلًا لِلصَّلَاةِ، بَلْ وَلِغَيْرِهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً، فَيُعَطِّلُونَ الْمَسَاجِدَ، وَلَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ مَا هُمْ أَشَدُّ انْحِرَافًا فِيهِ مِنْ أُولَئِكَ (¬2) ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدَ مَعَ تَعْطِيلِ الْمَسَاجِدِ ; مُضَاهَاةً لِلْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، الَّذِينَ كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ ! فَالشَّرُّ وَالْفَسَادُ الَّذِي فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ الَّذِي فِي شِيعَةِ عُثْمَانَ، وَالْخَيْرُ وَالصَّلَاحُ الَّذِي فِي شِيعَةِ عُثْمَانَ، (* أَضْعَافُ أَضْعَافِ الْخَيْرِ الَّذِي فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ. وَبَنُو أُمَيَّةَ كَانُوا شِيعَةَ ¬

(¬1) ن، م، س: الَّذِينَ يُفَضِّلُونَ (¬2) ن، س: أَشَدُّ انْحِرَافًا فِيهِ مِنَ الشِّيعَةِ مِنْ أُولَئِكَ، م: أَشَدُّ انْحِرَافًا فِيهِ عَنِ الشِّيعَةِ مِنْ أُولَئِكَ وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .

عُثْمَانَ *) (¬1) ، فَكَانَ الْإِسْلَامُ وَشَرَائِعُهُ فِي زَمَنِهِمْ أَظْهَرَ وَأَوْسَعَ مِمَّا كَانَ بَعْدَهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ". وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: " «اثْنَيْ عَشَرَ أَمِيرًا» ". وَفِي لَفْظٍ: " «لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا وَلَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا» ". وَفِي لَفْظٍ: " «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» " (¬2) . وَهَكَذَا كَانَ، فَكَانَ الْخُلَفَاءُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، ثُمَّ تَوَلَّى مَنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَصَارَ لَهُ عِزٌّ وَمَنَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ، وَابْنُهُ يَزِيدُ، ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَوْلَادُهُ الْأَرْبَعَةُ، وَبَيْنَهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ حَصَلَ فِي دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ مِنَ النَّقْصِ مَا هُوَ بَاقٍ إِلَى الْآنَ ; فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ تَوَلَّوْا عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتِ الدَّوْلَةُ فِي زَمَنِهِمْ عَزِيزَةً (¬3) ، وَالْخَلِيفَةُ يُدْعَى بِاسْمِهِ: عَبْدَ الْمَلِكِ، وَسُلَيْمَانَ، لَا يَعْرِفُونَ عَضُدَ الدَّوْلَةِ، وَلَا عِزَّ الدِّينِ، وَبَهَاءَ الدِّينِ (¬4) ، وَفُلَانَ الدِّينِ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ الصَّلَوَاتِ (¬5) الْخَمْسَ، وَفِي الْمَسْجِدِ يَعْقِدُ الرَّايَاتِ وَيُؤَمِّرُ الْأُمَرَاءَ، وَإِنَّمَا يَسْكُنُ دَارَهُ، لَا يَسْكُنُونَ الْحُصُونَ، وَلَا يَحْتَجِبُونَ عَنْ (¬6) الرَّعِيَّةِ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/533 - 534. (¬3) ن، س، ب: عَرَبِيَّةً وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) م: وَلَا عِزَّ الدَّوْلَةِ وَبَهَاءَ الدَّوْلَةِ. (¬5) س، ب: يُصَلِّي بِالصَّلَوَاتِ (¬6) ن، س، ب: عَلَى. .

وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْقُرُونَ الْمُفَضَّلَةِ: قَرْنِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ. وَأَعْظَمُ مَا نَقِمَهُ النَّاسُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: تَكَلُّمُهُمْ فِي عَلِيٍّ، وَالثَّانِي: تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا. وَلِهَذَا رُئِيَ عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ الْجَمَلِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِمُحَافَظَتِي عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا، وَحُبِّي (¬1) عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. فَهَذَا حَافَظَ عَلَى هَاتَيْنِ السُّنَّتَيْنِ (¬2) حِينَ ظَهَرَ خِلَافُهُمَا ; فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِذَلِكَ. وَهَكَذَا شَأْنُ مَنْ تَمَسَّكَ (* بِالسُّنَّةِ إِذَا ظَهَرَتْ بِدْعَةٌ، مِثْلَ مَنْ تَمَسَّكَ *) (¬3) بِحُبِّ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ ; حَيْثُ يَظْهَرُ خِلَافُ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ. ثُمَّ كَانَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرَحْمَتِهِ بِالْإِسْلَامِ أَنَّ الدَّوْلَةَ لَمَّا انْتَقَلَتْ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ صَارَتْ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ، فَإِنَّ الدَّوْلَةَ الْهَاشِمِيَّةَ أَوَّلَ مَا ظَهَرَتْ (¬4) كَانَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَتْ شِيعَةُ الدَّوْلَةِ (¬5) مُحِبِّينَ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْخِلَافَةَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَعْرِفُ قَدْرَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَظْهَرْ فِي دَوْلَتِهِمْ إِلَّا تَعْظِيمُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَذِكْرُهُمْ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ (¬6) ، وَتَعْظِيمُ الصَّحَابَةِ، وَإِلَّا فَلَوْ تَوَلَّى - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - رَافِضِيٌّ يَسُبُّ الْخُلَفَاءَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ لَقَلَبَ الْإِسْلَامَ. ¬

(¬1) م:. . مُحَافَظَتِي عَلَى الصَّلَوَاتِ وَحُبِّي. . (¬2) م: عَلَى هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) م: الْهَاشِمِيَّةَ لَمَّا ظَهَرَتْ (¬5) م: فَكَانَتِ الدَّوْلَةُ. . (¬6) م: وَذِكْرُهُمْ عَلِيًّا بِالْبِرِّ وَالثَّنَاءِ خَلْفَهُمْ.

وَلَكِنْ دَخَلَ فِي غِمَارِ الدَّوْلَةِ مَنْ كَانُوا لَا يَرْضَوْنَ بَاطِنَهُ، وَمَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ، كَمَا لَمْ يُمْكِنْ عَلِيًّا قَمْعُ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَكَابِرُ عَسْكَرِهِ، كَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَهَاشِمٍ الْمِرْقَالِ، وَأَمْثَالِهِمْ. وَدَخَلَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمَجُوسِ، وَمَنْ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالزَّنَادِقَةِ، وَتَتَبَّعَهُمُ الْمَهْدِيُّ بِقَتْلِهِمْ (¬1) ، حَتَّى انْدَفَعَ بِذَلِكَ شَرٌّ كَبِيرٌ (¬2) ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ. وَكَذَلِكَ الرَّشِيدُ (¬3) ، كَانَ فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ وَالدِّينِ مَا كَانَتْ بِهِ دَوْلَتُهُ مِنْ خِيَارِ دُوَلِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَأَنَّمَا كَانَتْ تَمَامَ سَعَادَتِهِمْ، فَلَمْ يَنْتَظِمْ بَعْدَهَا الْأَمْرُ لَهُمْ، مَعَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ لَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَى الْأَنْدَلُسِ، وَلَا عَلَى أَكْثَرِ الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا غَلَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى إِفْرِيقِيَةَ مُدَّةً، ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْهُمْ. بِخِلَافِ أُولَئِكَ، فَإِنَّهُمُ اسْتَوْلَوْا عَلَى جَمِيعِ الْمَمْلَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَقَهَرُوا جَمِيعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ، وَكَانَتْ جُيُوشُهُمْ جَيْشًا بِالْأَنْدَلُسِ يَفْتَحُهُ، وَجَيْشًا بِبِلَادِ التُّرْكِ يُقَاتِلُ الْقَانَ الْكَبِيرَ (¬4) ، وَجَيْشًا بِبِلَادِ الْعَبِيدِ (¬5) ، وَجَيْشًا بِأَرْضِ الرُّومِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي زِيَادَةٍ وَقُوَّةٍ، عَزِيزًا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ. وَهَذَا تَصْدِيقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ: " «لَا ¬

(¬1) ن: يَقْتُلُهُمْ (¬2) م: كَثِيرٌ (¬3) الرَّشِيدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) م: الْكَثِيرَ. (¬5) م: الْعَبْدِ.

يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَا تَوَلَّى اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» " (¬1) . وَهَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي التَّوْرَاةِ ; حَيْثُ قَالَ فِي بِشَارَتِهِ بِإِسْمَاعِيلَ: " وَسَيَلِدُ اثْنَيْ عَشَرَ عَظِيمًا ". وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ هُمُ الَّذِينَ تَعْتَقِدُ الرَّافِضَةُ إِمَامَتَهُمْ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ سَيْفٌ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (¬2) ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ فِي خِلَافَتِهِ مِنْ غَزْوِ الْكُفَّارِ، وَلَا فَتْحِ مَدِينَةٍ، وَلَا قَتَلَ كَافِرًا، بَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدِ اشْتَغَلَ بَعْضُهُمْ بِقِتَالِ بَعْضٍ، حَتَّى طَمِعَ فِيهِمُ الْكُفَّارُ بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُمْ أَخَذُوا بَعْضَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ (¬3) ، وَإِنَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ كَانَ يُحْمَلُ إِلَيْهِ كَلَامٌ حَتَّى يَكُفَّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَيُّ عِزٍّ لِلْإِسْلَامِ فِي هَذَا، وَالسَّيْفُ يَعْمَلُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَعَدُّوهُمْ قَدْ طَمِعَ فِيهِمْ وَنَالَ مِنْهُمْ؟ ! وَأَمَّا سَائِرُ الْأَئِمَّةِ غَيْرُ عَلِيٍّ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ سَيْفٌ، لَا سِيَّمَا الْمُنْتَظَرِ، بَلْ هُوَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِإِمَامَتِهِ: إِمَّا خَائِفٌ عَاجِزٌ، وَإِمَّا هَارِبٌ (¬4) مُخْتَفٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَهُوَ لَمْ يَهْدِ ضَالًّا وَلَا أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، وَلَا نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، وَلَا نَصَرَ مَظْلُومًا، وَلَا أَفْتَى أَحَدًا فِي مَسْأَلَةٍ، وَلَا حَكَمَ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، وَسَبَقَ فِيمَا مَضَى 3/533. (¬2) الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ هُوَ الْوَحِيدَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي تُوَلَّى الْخِلَافَةَ وَكَانَتْ لَهُ رِئَاسَةُ الدَّوْلَةِ وَالسُّلْطَةِ عَلَى جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ. (¬3) ن، م: الْإِسْلَامِ. (¬4) م: أَوْ هَارِبٌ. . .

فِي قَضِيَّةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ وُجُودٌ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ حَصَلَتْ مِنْ هَذَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ بِهِ عَزِيزًا؟ ! (* ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزَالُ عَزِيزًا *) (¬1) ، وَلَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا (¬2) ، حَتَّى يَتَوَلَّى اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، [فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ] (¬3) وَآخِرُهُمُ الْمُنْتَظَرُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ الْآنَ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ عِنْدَهُمْ، كَانَ (¬4) الْإِسْلَامُ لَمْ يَزَلْ عَزِيزًا فِي الدَّوْلَتَيْنِ الْأُمَوِيَّةِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ، وَكَانَ عَزِيزًا وَقَدْ خَرَجَ الْكُفَّارُ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَفَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ لَا يَزَالُ عَزِيزًا إِلَى الْيَوْمِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ. وَأَيْضًا فَالْإِسْلَامُ عِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ هُوَ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَهُمْ أَذَلُّ فِرَقِ الْأُمَّةِ، فَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَذَلُّ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَلَا أَكْتَمُ لِقَوْلِهِ مِنْهُمْ، وَلَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا لِلتَّقِيَّةِ (¬5) مِنْهُمْ، وَهُمْ - عَلَى زَعْمِهِمْ - شِيعَةُ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهُمْ فِي غَايَةِ الذُّلِّ، فَأَيُّ عِزٍّ لِلْإِسْلَامِ بِهَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَلَى زَعْمِهِمْ؟ ! وَكَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِذَا أَسْلَمَ يَتَشَيَّعُ ; لِأَنَّهُ رَأَى فِي التَّوْرَاةِ ذِكْرُ الِاثْنَيْ عَشَرَ ; (* فَظَنَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أُولَئِكَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلِ الِاثْنَا عَشَرَ هُمْ *) (¬6) الَّذِينَ وُلُّوا عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ وِلَايَةً عَامَّةً، فَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِمْ عَزِيزًا، وَهَذَا مَعْرُوفٌ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬2) مُسْتَقِيمًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬4) م. أَنْ، ب: أَكَانَ (¬5) س: لِلنَّفَقَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: لِلنِّفَاقِ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ (¬1) الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ قَوَانِينَ الْمَمْلَكَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ، مِثْلَ الْوَزِيرِ وَالْقَاضِي وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلِ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفٍ. وَآخَرُونَ قَالُوا فِيهِ مَقَالَةً ضَعِيفَةً، كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا أَفْهَمُ مَعْنَاهُ كَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ. وَأَمَّا مَرْوَانُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ (¬2) مِنْهُمَا وِلَايَةٌ عَامَّةٌ، بَلْ كَانَ زَمَنُهُ زَمَنَ فِتْنَةٍ، لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ. وَلِهَذَا جَعَلَ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ خِلَافَةَ عَلِيٍّ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَالُوا: لَمْ تَثْبُتْ بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَقَالُوا: " مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ ". وَاسْتَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ خِلَافَتِهِ بِحَدِيثِ سَفِينَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» ". فَقِيلَ لِلرَّاوِي: إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً. فَقَالَ: " كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ " (¬3) ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ. ¬

(¬1) سُمِّيَ بِابْنِ هُبَيْرَةَ عِدَّةُ أَشْخَاصٍ، وَلَكِنِّي أُرَجِّحُ أَنَّ الَّذِي يَقْصِدُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُوَ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ الذُّهْلِيُّ الشَّيْبَانِيُّ أَبُو الْمُظَفَّرِ عَوْنُ الدِّينِ مِنْ كِبَارِ الْوُزَرَاءِ فِي الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، عَالِمٌ بِالْفِقَهِ وَالْأَدَبِ، وُلِدَ سَنَةَ 499 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 560، كَانَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ تَلَامِيذِهِ وَجَمَعَ مَا اسْتَفَادَهُ مِنْهُ فِي كِتَابٍ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 5/274 - 287 شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 4/191 - 197 الْأَعْلَامِ 9/222 (¬2) س، ب: لِأَحَدٍ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/515، 537.

فصل ما ذكره من الفضيلة بالقرابة عنه والرد عليه

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الِاثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً، سَوَاءٌ قُدِّرَ أَنَّ عَلِيًّا دَخَلَ فِيهِ، أَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، فَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْخُلَفَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَعَلِيٌّ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْخِلَافَةِ فِي زَمَنِهِ بِلَا رَيْبٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. [فصل ما ذكره من الفضيلة بالقرابة عنه والرد عليه] فَصْلٌ إِذْ تَبَيَّنَ هَذَا، فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِهِ، الَّتِي هِيَ عِنْدَ اللَّهِ فَضَائِلُ، فَهِيَ حَقٌّ. لَكِنْ لِلثَّلَاثَةِ مَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْفَضِيلَةِ بِالْقَرَابَةِ، فَعَنْهُ أَجْوِبَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ فَضِيلَةً، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ ; فَإِنَّ الْعَبَّاسَ أَقْرَبُ مِنْهُ نَسَبًا، وَحَمْزَةُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ " «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ» " (¬1) ، وَهُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْهُ. وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَنِي الْعَمِّ عَدَدٌ كَثِيرٌ، كَجَعْفَرٍ، وَعَقِيلٍ وَعَبْدِ اللَّهِ (¬2) ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْفَضْلِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ. وَكَرَبِيعَةَ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ¬

(¬1) ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " 9/268 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْحَزَوَّرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ " ثُمَّ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: " وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ " قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِيهِ ضَعْفٌ ". (¬2) ن، م: وَكَعَبْدِ اللَّهِ.

وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَلَا مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، إِلَّا مَنْ تَقَدَّمَ بِسَابِقَتِهِ، كَحَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ ; فَإِنَّ هَذَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. وَكَذَلِكَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ الَّذِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فَضَائِلِ فَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ لَا حُجَّةَ فِيهِ، مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مِنَ الْفَضَائِلِ الصَّحِيحَةِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ ذَكَرَ مَا هُوَ كَذِبٌ، كَالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَخْطَبُ (¬1) خَوَارَزْمَ: أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ، زَوَّجَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَكَانَ الْخَاطِبُ جِبْرِيلَ، وَكَانَ إِسْرَافِيلُ وَمِيكَائِيلُ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ شُهُودًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ. وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ حُذَيْفَةَ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ إِيمَانُ الْأَقَارِبِ فَضِيلَةً، فَأَبُو بَكْرٍ مُتَقَدِّمٌ فِي هَذِهِ الْفَضِيلَةِ ; فَإِنَّ أَبَاهُ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَأَبُو طَالِبٍ لَمْ يُؤْمِنْ. وَكَذَلِكَ أُمُّهُ آمَنَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَادُهُ، وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِ، وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَهُ. فَلَيْسَ فِي أَقَارِبِ أَبِي بَكْرٍ - ذُرِّيَّةِ أَبِي قُحَافَةَ - لَا مِنَ الرِّجَالِ وَلَا مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَهُ، وَكَانَتْ أَحَبَّ أَزْوَاجِهِ إِلَيْهِ. وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا عُمَرُ، وَلَكِنْ لَمْ تَكُنْ حَفْصَةُ ¬

(¬1) م: خَطِيبُ

ابْنَتُهُ بِمَنْزِلِةِ عَائِشَةَ، بَلْ حَفْصَةُ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَعَائِشَةُ كَانَ يَقْسِمُ لَهَا لَيْلَتَيْنِ، لَمَّا وَهَبَتْهَا سَوْدَةُ لَيْلَتَهَا. وَمُصَاهَرَةُ أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَأَمَّا مُصَاهَرَةُ عَلِيٍّ فَقَدْ شَرِكَهُ فِيهَا عُثْمَانُ، وَزَوَّجَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتًا بَعْدَ بِنْتٍ، وَقَالَ: " «لَوْ كَانَ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ» " ; وَلِهَذَا سُمِّيَ ذُو النُّورَيْنِ ; لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَيْ نَبِيٍّ. وَقَدْ شَرِكَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، زَوَّجَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْبَرَ بَنَاتِهِ زَيْنَبَ، وَحَمِدَ مُصَاهَرَتَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِهِ عَلِيٌّ فِي حُكْمِ الْمُصَاهَرَةِ، لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَذَكَرَ (¬1) صِهْرَهُ هَذَا. قَالَ: " «حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» " (¬2) . وَأَسْلَمَتْ زَيْنَبُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ بِمُدَّةٍ، وَتَأَيَّمَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى أَعَادَهَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ: أَعَادَهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: بَلْ جَدَّدَ لَهَا نِكَاحًا. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ أَعَادَهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ. هَذَا الَّذِي ثَبَتَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِذَا أَسْلَمَتِ الزَّوْجَةُ (¬3) قَبْلَ زَوْجِهَا، عَلَى أَقْوَالٍ مَذْكُورَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (¬4) . ¬

(¬1) س، ب: فَذَكَرَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/167. (¬3) م: الْمَرْأَةُ (¬4) س، ب: الْمَوْضِعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الفصل الرابع من منهاج الكرامة في طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر

[باب الفصل الرابع من منهاج الكرامة في طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر] [الأول من طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر النص] بَابٌ قَالَ (¬1) الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي إِمَامَةِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ (¬3) . لَنَا فِي ذَلِكَ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: النَّصُّ. وَقَدْ تَوَارَثَتْهُ الشِّيعَةُ (¬4) فِي الْبِلَادِ الْمُتَبَاعِدَةِ، خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِلْحُسَيْنِ (¬5) : " هَذَا إِمَامٌ (¬6) ابْنُ إِمَامٍ أَخُو إِمَامٍ، أَبُو أَئِمَّةٍ تِسْعَةٍ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ، اسْمُهُ كَاسْمِي (¬7) ، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا» ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: هَذَا كَذِبٌ عَلَى الشِّيعَةِ ; فَإِنَّ هَذَا لَا يَنْقُلُهُ إِلَّا طَائِفَةٌ (¬8) مِنْ طَوَائِفِ الشِّيعَةِ، وَسَائِرُ طَوَائِفِ الشِّيعَةِ تُكَذِّبُ هَذَا. وَالزَّيْدِيَّةُ بِأَسْرِهَا تُكَذِّبُ هَذَا (¬9) ، وَهُمْ أَعْقَلُ الشِّيعَةِ وَأَعْلَمُهُمْ وَخِيَارُهُمْ. وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ كُلُّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِهَذَا، وَسَائِرُ فِرَقِ الشِّيعَةِ تُكَذِّبُ بِهَذَا، إِلَّا الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ نَحْوِ سَبْعِينَ فِرْقَةً مِنْ طَوَائِفِ الشِّيعَةِ. ¬

(¬1) م: قَوْلُ. (¬2) فِي هَامِشِ (م) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ: " قِفْ: فِي الرَّدِّ عَلَى الشِّيعَةِ فِي دَعْوَاهُمُ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْأَئِمَّةِ " وَالْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 193 (م) . (¬3) ك: الِاثْنَيْ عَشَرَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -. (¬4) ك: وَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهِ الشِّيعَةُ (¬5) ك: عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - أَنَّهُ قَالَ لِلْحُسَيْنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (¬6) ك: هَذَا ابْنِي إِمَامٌ. . . (¬7) ك: اسْمُهُ اسْمِي. (¬8) س، ب: طَوَائِفُ. (¬9) م: بِهَذَا.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالشِّيعَةُ فِرَقٌ مُتَعَدِّدَةٌ جِدًّا، وَفِرَقُهُمُ الْكِبَارُ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ فِرْقَةً، كُلُّهُمْ تُكَذِّبُ هَذَا (¬1) إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً، فَأَيْنَ تَوَاتُرُ الشِّيعَةِ؟ ! الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا نَقَلَهُ غَيْرُ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ مِنَ الشِّيعَةِ مِنْ نَصٍّ آخَرَ يُنَاقِضُ هَذَا، كَالْقَائِلِينَ بِإِمَامَةِ غَيْرِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَبِمَا نَقَلَهُ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَيْضًا ; فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ يَدَّعِي مِنَ النَّصِّ [غَيْرَ] (¬2) مَا تَدَّعِيهِ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: عُلَمَاءُ الشِّيعَةِ الْمُتَقَدِّمُونَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ نَقَلَ هَذَا النَّصَّ، وَلَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابٍ، وَلَا احْتَجَّ بِهِ فِي خِطَابٍ. وَأَخْبَارُهُمْ مَشْهُورَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ ; فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا مِنِ اخْتِلَاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنَّمَا اخْتُلِقَ (¬3) هَذَا لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيُّ، وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَهُ مُحَمَّدًا غَائِبٌ، فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ هَذَا النَّصُّ، بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ وَعُلَمَاؤُهُمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الشِّيعَةِ، كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمًا يَقِينًا لَا يُخَالِطُهُ الرَّيْبُ، وَيُبَاهِلُونَ الشِّيعَةَ عَلَى ذَلِكَ، كَعَوَامِّ الشِّيعَةِ مَعَ عَلِيٍّ. فَإِنِ ادَّعَى عُلَمَاءُ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ تَوَاتُرَ هَذَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا أَقْرَبَ مِنْ دَعْوَى عُلَمَاءِ السُّنَّةِ بِكَذِبِ هَذَا. ¬

(¬1) م: بِهَذَا (¬2) غَيْرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (س) . (¬3) م: اخْتَلَفُوا.

الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّوَاتُرِ حُصُولَ مَنْ يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ. وَقَبْلَ مَوْتِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ بِإِمَامَةِ هَذَا الْمُنْتَظَرِ، وَلَا عُرِفَ مِنْ زَمَنِ عَلِيٍّ وَدَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ أَحَدٌ ادَّعَى إِمَامَةَ (¬1) الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهَذَا الْقَائِمُ. وَإِنَّمَا كَانَ الْمُدَّعُونَ يَدَّعُونَ النَّصَّ عَلَى عَلِيٍّ، أَوْ عَلَى نَاسٍ بَعْدَهُ وَأَمَّا دَعْوَى النَّصِّ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ وَهَذَا الْقَائِمُ فَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَهُ مُتَقَدِّمًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ نَقْلُهُ مُتَقَدِّمًا. السَّادِسُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ رَافِضِيٌّ أَصْلًا، وَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى عَدَدٍ قَلِيلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا رَافِضَةً فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ. وَمَعَ هَذَا فَأُولَئِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِمُ التَّوَاتُرُ ; لِأَنَّ الْعَدَدَ الْقَلِيلَ الْمُتَّفِقِينَ عَلَى مَذْهَبٍ يُمْكِنُ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ. وَالرَّافِضَةُ تُجَوِّزُ الْكَذِبَ عَلَى جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ (¬2) ، فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَنْ نَقَلَ هَذَا النَّصَّ - مَعَ قِلَّتِهِمْ - إِنْ كَانَ نَقَلَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ تَوَاتَرَ بِهِ هَذَا النَّقْلُ انْقَطَعَ التَّوَاتُرُ مِنْ أَوَّلِهِ. السَّابِعُ: أَنَّ الرَّافِضَةَ يَقُولُونَ: إِنَّ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بِجَحْدِ النَّصِّ إِلَّا عَدَدًا قَلِيلًا (¬3) نَحْوَ الْعَشَرَةِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، مِثْلَ عَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَالْمِقْدَادِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أُولَئِكَ الْجُمْهُورَ لَمْ يَنْقُلُوا هَذَا النَّصَّ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَتَمُوهُ - عِنْدَهُمْ - فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُضِيفُوا نَقْلَهُ إِلَى هَذِهِ ¬

(¬1) ن، م، س: أَئِمَّةَ وَالصَّوَابُ هُوَ الْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬2) م: عَلَى الْجُمْهُورِ وَالصَّحَابَةِ. (¬3) ن، س، ب: عَلَى عَدَدٍ قَلِيلٍ. وَفِي (م) إِلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ، وَهُوَ خَطَأٌ.

الطَّائِفَةِ. وَهَؤُلَاءِ كَانُوا - عِنْدَهُمْ - مُجْتَمِعِينَ عَلَى مُوَالَاةِ عَلِيٍّ، مُتَوَاطِئِينَ عَلَى ذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَالطَّائِفَةُ الْقَلِيلَةُ الَّتِي يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهَا عَلَى النَّقْلِ لَا يَحْصُلُ بِنَقْلِهَا (¬1) تَوَاتُرٌ ; لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ. فَإِذَا كَانَتِ الرَّافِضَةُ تُجَوِّزُ عَلَى جَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ - مَعَ كَثْرَتِهِمْ - الِارْتِدَادَ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَكِتْمَانَ مَا يَتَعَذَّرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَاطُؤُ عَلَى كِتْمَانِهِ، فَلَأَنْ يَجُوزَ عَلَى قَلِيلٍ مِنْهُمْ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ (¬2) بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِكَذِبِ الصَّحَابَةِ إِذَا نَقَلُوا مَا يُخَالِفُ هَوَاهُمْ (¬3) ، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُمْ مَعَ ذَلِكَ تَصْدِيقُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا، إِذَا كَانَ النَّاقِلُونَ [لَهُ] (¬4) مِمَّنْ لَهُ هَوًى؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ شِيعَةَ عَلِيٍّ لَهُمْ هَوًى فِي نَصْرِهِ، فَكَيْفَ يُصَدَّقُونَ فِي نَقْلِ النَّصِّ عَلَيْهِ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْعُقَلَاءَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ تَعَمُّدًا لِلْكَذِبِ وَتَكْذِيبًا لِلْحَقِّ مِنَ الشِّيعَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ (¬5) - وَإِنْ كَانُوا مَارِقِينَ - فَهُمْ يُصَدِّقُونَ، لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ يَتَدَيَّنُونَ بِالصِّدْقِ، وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَالْكَذِبُ عَلَيْهِمْ غَالِبٌ مِنْ حِينِ ظَهَرُوا. ¬

(¬1) س، ب: لَا يَحْصُلُ بِهَا (¬2) ن: تَعَمُّدًا لِلْكَذِبِ (¬3) عِبَارَةُ إِذَا نَقَلُوا مَا يُخَالِفُ هَوَاهُمْ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) لَهُ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬5) س، ب: بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْخَوَارِجِ. . .

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ أَوَّلَ مَا ظَهَرَتِ الشِّيعَةُ الْإِمَامِيَّةُ الْمُدَّعِيَةُ لِلنَّصِّ فِي أَوَاخِرِ أَيَّامِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَافْتَرَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ وَطَائِفَتُهُ الْكَذَّابُونَ، فَلَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَيُّ تَوَاتُرٍ لَهُمْ؟ ! التَّاسِعُ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي نَقَلَهَا الصَّحَابَةُ فِي فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَعْظَمُ تَوَاتُرًا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مِنْ نَقْلِ هَذَا النَّصِّ. فَإِنْ جَازَ أَنْ يُقْدَحَ فِي نَقْلِ جَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ لِتِلْكَ الْفَضَائِلِ ; فَالْقَدْحُ فِي هَذَا أَوْلَى. وَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ فِي هَذَا مُتَعَذِّرًا ; فَفِي تِلْكَ أَوْلَى. وَإِذَا ثَبَتَتْ فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا تِلْكَ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ، امْتَنَعَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ هَذَا النَّصِّ، فَإِنَّ مُخَالَفَتَهُ - لَوْ كَانَ حَقًّا - مِنْ أَعْظَمِ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. الْعَاشِرُ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ يَنْقُلُ هَذَا النَّصَّ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا. وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ (* تَحْتَاجُ إِلَى تَكْرِيرٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرُسْ نَاقِلُوهَا عَلَيْهَا لَمْ يَحْفَظُوهَا، وَأَيْنَ الْعَدَدُ الْكَبِيرُ (¬1) الَّذِينَ حَفِظُوا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ *) (¬2) كَحِفْظِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، وَحِفْظِ التَّشَهُّدِ وَالْأَذَانِ، جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ إِلَى الرَّسُولِ؟ وَنَحْنُ إِذَا ادَّعَيْنَا التَّوَاتُرَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ: نَدَّعِي تَارَةً التَّوَاتُرَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، كَتَوَاتُرِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَوَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، ¬

(¬1) س، ب: الْكَثِيرُ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

وَتَزَوُّجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَائِشَةَ وَعَلِيٍّ بِفَاطِمَةَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى نَقْلِ لَفْظٍ مُعَيَّنٍ يَحْتَاجُ إِلَى دَرْسٍ، وَكَتَوَاتُرِ مَا لِلصَّحَابَةِ مِنَ السَّابِقَةِ وَالْأَعْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَتَارَةً التَّوَاتُرُ فِي نَقْلِ أَلْفَاظٍ حَفِظَهَا مَنْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِنَقْلِهِ. الْوَجْهُ الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ الْمَنْقُولَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (¬1) يُكَذِّبُ مِثْلَ هَذَا النَّقْلِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ (¬2) مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ يُكَذِّبُونَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُثْبِتُوا النَّصَّ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ. الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ الَّذِي ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَدَدِ الِاثْنَيْ عَشَرَ مِمَّا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا وَلَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا "، ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَنِّي، فَسَأَلْتُ أَبِي: مَاذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» "، وَفِي لَفْظٍ: " «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ (¬3) عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً "، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، قُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: " كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» ". وَفِي لَفْظٍ: " «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً» " (¬4) . ¬

(¬1) م: أَهْلِ السُّنَّةِ. (¬2) ن، س، ب: أَنَّهُ. (¬3) س، ب: لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ بِرِوَايَاتِهِ فِيمَا مَضَى 3/533 ت 4.

وَالَّذِي فِي التَّوْرَاةِ يُصَدِّقُ هَذَا. وَهَذَا النَّصُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ هَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ ; لِأَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا» "، وَ " «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَزِيزًا» " وَ " «لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا» " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ أَمْرُ الْإِسْلَامِ قَائِمًا فِي زَمَانِ وِلَايَتِهِمْ، وَلَا يَكُونُ قَائِمًا إِذَا انْقَطَعَتْ وِلَايَتُهُمْ. وَعِنْدَ [هَؤُلَاءِ] (¬1) الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ لَمْ يَقُمْ أَمْرُ الْأُمَّةِ فِي مُدَّةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، بَلْ مَازَالَ أَمْرُ الْأُمَّةِ فَاسِدًا مُنْتَقِضًا (¬2) يَتَوَلَّى عَلَيْهِمُ الظَّالِمُونَ الْمُعْتَدُونَ، بَلِ الْمُنَافِقُونَ الْكَافِرُونَ، وَأَهْلُ الْحَقِّ أَذَلُّ مِنَ الْيَهُودِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عِنْدَهُمْ وِلَايَةَ الْمُنْتَظَرِ دَائِمَةٌ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى زَمَانٌ يَخْلُو عِنْدَهُمْ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ الزَّمَانُ نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَقُومُ فِيهِ أَمْرُ الْأُمَّةِ (¬3) ، وَنَوْعٌ لَا يَقُومُ، بَلْ هُوَ قَائِمٌ فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا، وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَأَيْضًا فَالْأَمْرُ الَّذِي لَا يَقُومُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا قَامَ الْمَهْدِيُّ: إِمَّا الْمَهْدِيُّ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَإِمَّا مَهْدِيُّ الرَّافِضَةِ، وَمُدَّتُهُ قَلِيلَةٌ لَا يَنْتَظِمُ فِيهَا أَمْرُ الْأُمَّةِ (¬4) . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: " «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» " وَلَوْ كَانُوا مُخْتَصِّينَ بِعَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ لَذَكَرَ مَا يُمَيَّزُونَ بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: كُلُّهُمْ مِنْ وَلَدِ ¬

(¬1) هَؤُلَاءِ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬2) ن: مُنْتَقِصًا (¬3) ن، م، س: يَقُومُ فِيهِ مِنَ الْأُمَّةِ. وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَيُبَيِّنُ صَوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) الْعِبَارَاتِ التَّالِيَةِ بَعْدَ قَلِيلٍ. (¬4) ن، م، س: لَا يَنْتَظِمُ زَمَانُ الْأُمَّةِ.

فصل حديث المهدي كما يرويه الرافضي والرد عليه

إِسْمَاعِيلَ، وَلَا مِنَ الْعَرَبِ، وَإِنْ كَانُوا كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَصَدَ الْقَبِيلَةَ الَّتِي يَمْتَازُونَ بِهَا، فَلَوِ امْتَازُوا بِكَوْنِهِمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ عَلِيٍّ مَعَ عَلِيٍّ لَذُكِرُوا بِذَلِكَ، فَلَمَّا جَعَلَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مُطْلَقًا عُلِمَ أَنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، بَلْ لَا يَخْتَصُّونَ بِقَبِيلَةٍ، بَلْ بَنُو تَيْمٍ (¬1) ، وَبَنُو عَدِيٍّ، وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنُو هَاشِمٍ، فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا مِنْ هَذِهِ الْقَبَائِلِ. [فصل حديث المهدي كما يرويه الرافضي والرد عليه] فَصْلٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ (¬2) : عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3) : " «يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِي، اسْمُهُ كَاسْمِي (¬4) ، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا (¬5) كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، وَذَلِكَ (¬6) هُوَ الْمَهْدِيُّ» " (¬7) . فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. ¬

(¬1) م: بَنُو تَمِيمٍ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) أَيِ ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص 193 وَالْكَلَامُ التَّالِي فِيهِ بَعْضُ اخْتِلَافٍ عَنْ (ك) كَمَا سَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬3) ك: وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -. . (¬4) ك: اسْمُهُ اسْمِي (¬5) ك: قِسْطًا وَعَدْلًا (¬6) ن، م، س: وَكَذَلِكَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ك: فَذَلِكَ (¬7) ك: الْمَهْدِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَصَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ.

كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: " [لَوْ] (¬1) «لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ رَجُلٌ مِنِّي، أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا» ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ (¬2) . وَأَيْضًا فِيهِ: " «الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ» " (¬3) . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِيهِ: " «يَمْلِكُ الْأَرْضَ سَبْعَ سِنِينَ» " (¬4) . وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى الْحَسَنِ وَقَالَ: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، كَمَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بَاسْمِ نَبِيِّكُمْ، يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا " (¬5) . ¬

(¬1) لَوْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/95 (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/151 (كِتَابُ الْمَهْدِيِّ، الْبَابُ الْأَوَّلُ الْحَدِيثُ رَقْمُ 4284 وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ: " الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ " فِي سُنَنِهِ 2/1368 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ) وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ " 1/108 وَقَالَ: إِنَّ الْحَكَمَ أَخْرَجَهُ 4/557. . إِلَخْ ". (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/152 (كِتَابُ الْمَهْدِيِّ، الْبَابُ الْأَوَّلُ وَنَصُّهُ فِيهِ " الْمَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الْجَبْهَةِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، وَيَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ، وَحَسَّنَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/22 - 23 وَفِي مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ " لِلتَّبْرِيزِيِّ 3/24 (ت [0 - 9] 0) . (¬5) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/153 الْمَوْضِعِ السَّابِقِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ. أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ رَأَى عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُؤْيَةً، وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ ".

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ غَلِطَ فِيهَا طَوَائِفُ: طَائِفَةٌ أَنْكَرُوهَا، وَاحْتَجُّوا (¬1) بِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا مَهْدِيَّ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ "، وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَقَدِ اعْتَمَدَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِمَّا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ يُونُسَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَالشَّافِعِيُّ رَوَاهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (¬2) . وَلَيْسَ هَذَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الْجَنَدِيِّ، وَأَنَّ يُونُسَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ. الثَّانِي: أَنَّ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ الَّذِينَ ادَّعَوْا أَنَّ هَذَا هُوَ مَهْدِيهِمْ، مَهْدِيهِمُ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَالْمَهْدِيُّ الْمَنْعُوتُ (¬3) الَّذِي وَصَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى ¬

(¬1) ن، م، س: وَاحْتَجَّتْ (¬2) الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/1340 - 1341 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ شِدَّةِ الزَّمَانِ) وَنَصُّهُ فِيهِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَنَدِيُّ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارًا، وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَلَا الْمَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ". وَتَكَلَّمَ الْمُحَقِّقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْحَدِيثِ بِمَا يُفِيدُ تَصْحِيحَهُ، وَخَالَفَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ " (رَقْمُ 77) 1/103 - 105 وَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَإِنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ 4/441 وَابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ " 1/155، وَذَكَرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ الْجَنَدِيَّ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ (ابْنُ حَجَرٍ) فِي التَّقْرِيبِ " وَأَنَّ الذَّهَبِيَّ قَالَ فِي " الْمِيزَانِ " إِنَّهُ خَبَرٌ مُنْكَرٌ ثُمَّ قَالَ: " وَقَالَ الصَّغَانِيُّ: مَوْضُوعٌ كَمَا فِي " الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ " لِلشَّوْكَانِيِّ (ص 195) وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ فِي " الْعُرْفِ الْوَرْدِيِّ فِي أَخْبَارِ الْمَهْدِيِّ " 2/274 مِنَ الْحَاوِي عَنِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي " التَّذْكِرَةِ ": إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ. . وَقَدْ أَشَارَ الْحَافِظُ فِي " الْفَتْحِ ". . إِلَى رَدِّ هَذَا الْحَدِيثِ لِمُخَالَفَتِهِ لِأَحَادِيثِ الْمَهْدِيِّ ". (¬3) ن، م، س: الْمَبْعُوثُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ; وَلِهَذَا حَذَفَتْ طَائِفَةٌ ذِكْرَ الْأَبِ مِنْ لَفْظِ الرَّسُولِ (¬1) حَتَّى لَا يُنَاقِضَ مَا كَذَبَتْ. وَطَائِفَةٌ حَرَّفَتْهُ، فَقَالَتْ: جَدُّهُ الْحُسَيْنُ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فَمَعْنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَجَعَلَتِ الْكُنْيَةَ اسْمًا. وَمِمَّنْ سَلَكَ هَذَا ابْنُ طَلْحَةَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " غَايَةَ السُّولِ فِي مَنَاقِبِ الرَّسُولِ " (¬2) ، وَمِنْ أَدْنَى نَظَرٍ يُعْرَفُ أَنَّ هَذَا تَحْرِيفٌ صَرِيحٌ (¬3) وَكَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلْ يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِهِ: " «يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي» " إِلَّا أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ؟ وَهَلْ يَدُلُّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ جَدَّهُ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؟ ثُمَّ أَيُّ تَمْيِيزٍ يَحْصُلُ لَهُ بِهَذَا؟ فَكَمْ مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْنِ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُقَالُ فِي أَجْدَادِهِمْ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ كَمَا قِيلَ فِي هَذَا؟ وَكَيْفَ يَعْدِلُ مَنْ يُرِيدُ الْبَيَانَ إِلَى مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فَيَقُولُ: اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ جَدَّهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؟ وَهَذَا كَانَ تَعْرِيفُهُ (¬4) بِأَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَوِ ابْنُ أَبِي الْحَسَنِ ; لِأَنَّ ¬

(¬1) س: حَذَفَتْ طَائِفَةٌ ذِكْرَ الْأَبِ مِنْ لَفْظِ الْأَبِ، ب: حَذَفَتْ طَائِفَةٌ لَفْظَ الْأَبِ. (¬2) هُوَ أَبُو سَالِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، الْقُرَشِيُّ النَّصِيبِيُّ (مِنْ قُرَى نَصِيبِينَ) الْعَدَوِيُّ الشَّافِعِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 582 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 652، وَزِيرٌ مِنَ الْأُدَبَاءِ الْكُتَّابِ، وَلِيَ الْوِزَارَةَ بِدِمَشْقَ ثُمَّ تَرَكَهَا وَتَزَهَّدَ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي شَذَرَاتِ الذَّهَبِ 5/259 - 260 ; طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 8/63 ; الْأَعْلَامِ 7/45 (وَذَكَرَ الزِّرِكْلِيُّ الْكِتَابَ وَاسْمَهُ: مَطَالِبُ السُّولِ فِي مَنَاقِبِ آلِ الرَّسُولِ، وَقَالَ: إِنَّهُ مَخْطُوطٌ) . (¬3) س، ب: صَحِيحٌ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) م: يُعَرِّفُهُ

جَدَّهُ عَلَى كُنْيَتِهِ أَبُو الْحَسَنِ - أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، وَأَبْيَنُ لِمَنْ يُرِيدُ الْهُدَى وَالْبَيَانَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَهْدِيَّ الْمَنْعُوتَ (¬1) مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، لَا مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ لَفْظُ حَدِيثِ عَلِيٍّ. الثَّالِثُ: أَنَّ طَوَائِفَ ادَّعَى (¬2) كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَ الْمَهْدِيَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ مِثْلُ مَهْدِيِّ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ، الَّذِي أَقَامَ دَعْوَتَهُمْ بِالْمَغْرِبِ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ، وَادَّعَوْا أَنَّ مَيْمُونًا هَذَا هُوَ (¬3) مِنْ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَإِلَى ذَلِكَ انْتَسَبَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَهُمْ مَلَاحِدَةٌ فِي الْبَاطِنِ، خَارِجُونَ عَنْ جَمِيعِ الْمِلَلِ، أَكْفَرُ مِنَ الْغَالِيَةِ كَالنُّصَيْرِيَّةِ، وَمَذْهَبُهُمْ مُرَكَّبٌ مِنْ مَذْهَبِ الْمَجُوسِ وَالصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ، مَعَ إِظْهَارِ التَّشَيُّعِ، وَجَدُّهُمْ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ كَانَ رَبِيبًا لِرَجُلٍ مَجُوسِيٍّ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ دَوْلَةٌ وَأَتْبَاعٌ. وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ كُتُبًا فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ، مِثْلَ كِتَابِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ الْهَمْدَانِيِّ، وَكِتَابِ الْغَزَالِيِّ، وَنَحْوِهِمْ. وَمِمَّنَ ادَّعَى أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ ابْنُ التُّومَرْتِ، الَّذِي خَرَجَ أَيْضًا بِالْمَغْرِبِ، وَسَمَّى أَصْحَابَهُ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ فِي خُطَبِهِمْ: " الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ "، وَ " الْمَهْدِيُّ الْمَعْلُومُ " الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا ¬

(¬1) ن، م، س: الْمَبْعُوثَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م: ادَّعَتْ. (¬3) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَظُلْمًا. وَهَذَا ادَّعَى أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ دُونَ الْحُسَيْنِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَافِضِيًّا، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْخِبْرَةِ بِالْحَدِيثِ مَا ادَّعَى بِهِ دَعْوَى تُطَابِقُ الْحَدِيثَ. وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِثْلُ عِدَّةٍ آخَرِينَ ادَّعُوْا ذَلِكَ: مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ (¬1) ، وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى ذَلِكَ فِيهِ أَصْحَابُهُ، وَهَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، وَرُبَّمَا حَصَلَ بِأَحَدِهِمْ نَفْعٌ لِقَوْمٍ، وَإِنْ حَصَلَ بِهِ ضَرَرٌ لِآخَرِينَ، كَمَا حَصَلَ بِمَهْدِيِّ الْمَغْرِبِ: انْتَفَعَ بِهِ طَوَائِفُ، وَتَضَرَّرَ بِهِ طَوَائِفُ (¬2) ، وَكَانَ فِيهِ مَا يُحْمَدُ وَإِنْ كَانَ (¬3) فِيهِ مَا يُذَمُّ. وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ وَأَمْثَالُهُ خَيْرٌ مِنْ مَهْدِيِّ الرَّافِضَةِ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ حِسٌّ وَلَا خَبَرٌ، لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَحَدٌ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الدِّينِ، بَلْ حَصَلَ بِاعْتِقَادِ وُجُودِهِ مِنَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، مَالَا يُحْصِيهِ إِلَّا رَبُّ الْعِبَادِ. وَأَعْرِفُ فِي زَمَانِنَا غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الْمَشَايِخِ، الَّذِينَ فِيهِمْ زُهْدٌ وَعِبَادَةٌ، يَظُنُّ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ، وَرُبَّمَا يُخَاطَبُ أَحَدُهُمْ بِذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً، وَيَكُونُ الْمُخَاطِبُ لَهُ بِذَلِكَ الشَّيْطَانَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ خِطَابٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ. وَيَكُونُ أَحَدُهُمُ اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ سَوَاءٌ، ¬

(¬1) ن، س، ب: مِنْهُمْ مَنْ قُبِلَ. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬2) س: وَانْتَصَرَ بِهِ طَوَائِفُ، ب: وَانْضَرَّ بِهِ طَوَائِفُ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) وَسَقَطَتِ الْعِبَارَةُ مِنْ (م) . (¬3) ب: وَكَانَ.

فصل الثاني قوله يجب في كل زمان إمام معصوم ولا معصوم غير هؤلاء والرد عليه

وَإِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ هُوَ جَدُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ ; فَقَدْ وَاطَأَ اسْمُكَ اسْمَهُ، وَاسْمُ أَبِيكَ اسْمَ أَبِيهِ. وَمَعَ هَذَا فَهَؤُلَاءِ - مَعَ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْجَهْلِ وَالْغَلَطِ - كَانُوا خَيْرًا مِنْ مُنْتَظَرِ الرَّافِضَةِ، وَيَحْصُلُ بِهِمْ (¬1) مِنَ النَّفْعِ مَا لَا يَحْصُلُ بِمُنْتَظَرِ الرَّافِضَةِ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِمْ مِنَ الضَّرَرِ مَا حَصَلَ بِمُنْتَظَرِ الرَّافِضَةِ، بَلْ مَا حَصَلَ بِمُنْتَظَرِ الرَّافِضَةِ مِنَ الضَّرَرِ أَكْثَرُ مِنْهُ (¬2) . [فصل الثاني قوله يجب في كل زمان إمام معصوم ولا معصوم غير هؤلاء والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الثَّانِي: أَنَّا (¬4) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إِمَامٌ مَعْصُومٌ، وَلَا مَعْصُومَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ إِجْمَاعًا " (¬5) . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مَنْعُ (¬6) الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: مَنْعُ طَوَائِفَ لَهُمُ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ (¬7) . ¬

(¬1) ن، م، س: بِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) ن: وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِمْ مِنَ الضَّرَرِ إِلَّا مَا حَصَلَ بِمُنْتَظَرِ الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ، م: لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنَ الضَّرَرِ إِلَّا مَا حَصَلَ بِمُنْتَظَرِ الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ، س: وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِمْ مِنَ الضَّرَرِ إِلَّا مَا حَصَلَ بِمُنْتَظَرِ الرَّافِضَةِ، بَلْ مَا حَصَلَ بِمُنْتَظَرِ الرَّافِضَةِ مِنَ الضَّرَرِ أَكْثَرُ مِنْهُ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) . (¬3) فِي (ك) ص 193 (م) (¬4) ك: أَنَّهُ (¬5) ك: هَؤُلَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - إِجْمَاعًا. (¬6) ن، س: نَمْنَعُ، ب: نَمْنَعُ. (¬7) الْمَعْنَى هُنَا أَنَّ طَوَائِفَ مِنَ الشِّيعَةِ تُنْكِرُ قَوْلَ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ وَتَقُولُ: إِنَّ هُنَاكَ أَئِمَّةً مَعْصُومِينَ غَيْرُ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ.

الثَّالِثُ (¬1) : أَنَّ هَذَا الْمَعْصُومَ الَّذِي يَدَّعُونَهُ فِي وَقْتٍ مَا لَهُ مُذْ وُلِدَ عِنْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ (¬2) أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ; فَإِنَّهُ دَخَلَ السِّرْدَابَ عِنْدَهُمْ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ خَمْسُ سِنِينَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ آخَرِينَ (¬3) ، وَلَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَقَلُّ النَّاسِ تَأْثِيرًا (¬4) ، مِمَّا يَفْعَلُهُ آحَادُ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ، فَضْلًا عَمَّا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ. فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِلْوُجُودِ (¬5) فِي مِثْلِ هَذَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا؟ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا؟ ! وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهَذَا الْمَعْصُومِ، أَيُّ لُطْفٍ وَأَيُّ مَنْفَعَةٍ (¬6) حَصَلَتْ لَهُمْ بِهِ نَفْسِهِ فِي دِينِهِمْ أَوْ دُنْيَاهُمْ؟ ! وَهَلْ هَذَا إِلَّا أَفْسَدُ مِمَّا يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ فِي الْقُطْبِ وَالْغَوْثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءٍ يُعَظِّمُونَ مُسَمَّاهَا، وَيَدَّعُونَ فِي مُسَمَّاهَا (¬7) مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ رُتْبَةِ (¬8) النُّبُوَّةِ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ الِانْتِفَاعُ الْمَذْكُورُ فِي مُسَمَّى هَذِهِ الْأَسْمَاءِ. ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: الثَّانِي الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ، الثَّالِثُ. . إِلَخْ وَسَبَقَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَمَا ذُكِرَ فِي النُّسَخِ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَعَلَّ فِي الْكَلَامِ نَقْصًا أَوْ تَحْرِيفًا، وَرَأَيْتُ أَنَّ حَذْفَهُ أَوْلَى. (¬2) ن، س: لَهُ قَدْ وُلِدَ عِنْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: قَدْ وُلِدَ عِنْدَهُمْ لِأَكْثَرَ مِنْ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) وَهُوَ الصَّوَابُ. (¬3) ن، م، س وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ آخَرِينَ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) . (¬4) ن: تَأْبِيرًا، س، ب: تَأْمِيرًا. (¬5) لِلْوُجُودِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬6) م: مَصْلَحَةٍ. (¬7) عِبَارَةُ: " وَيَدَّعُونَ فِي مُسَمَّاهَا ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬8) ن: رِيبَةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَكَمَا يَدَّعِي كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَيَاةَ الْخَضِرِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَفِيدُوا بِهَذِهِ الدَّعْوَى مَنْفَعَةً: لَا فِي دِينِهِمْ، وَلَا فِي دُنْيَاهُمْ. وَإِنَّمَا غَايَةُ مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ جَرَيَانَ بَعْضِ مَا يُقَدِّرُهُ (¬1) اللَّهُ عَلَى يَدَيْ (¬2) مِثْلِ هَؤُلَاءِ. وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ (¬3) لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِهِ، فَلَا حَاجَةَ بِهِمْ (¬4) إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ لَوْ كَانَ حَقًّا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَا يَدَّعُونَهُ بَاطِلًا؟ ! وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَتَمَثَّلُ لَهُ الْجِنِّيُّ فِي صُورَةٍ، وَيَقُولُ: أَنَا الْخَضِرُ، وَيَكُونُ كَاذِبًا. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ رِجَالَ الْغَيْبِ وَرُؤْيَتَهُمْ إِنَّمَا رَأَوُا الْجِنَّ، وَهُمْ رِجَالٌ غَائِبُونَ، وَقَدْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِنْسٌ. وَهَذَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوَاضِعَ تَطُولُ حِكَايَتُهَا مِمَّا تَوَاتَرَ عِنْدَنَا. وَهَذَا الَّذِي تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ إِمَّا مَفْقُودٌ عِنْدَهُمْ، وَإِمَّا مَعْدُومٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدٍ بِهِ، لَا فِي دِينٍ وَلَا [فِي] دُنْيَا (¬5) . فَمَنْ عَلَّقَ بِهِ دِينَهُ بِالْمَجْهُولَاتِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهَا (¬6) كَانَ ضَالًّا فِي دِينِهِ ; لِأَنَّ مَا عَلَّقَ بِهِ دِينَهُ لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ، فَهَلْ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا إِلَّا جَاهِلٌ؟ ! لَكِنَّ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ حَيَاةَ الْخَضِرِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَتُهُ، مَعَ أَنَّ الْخَضِرَ كَانَ حَيًّا مَوْجُودًا. ¬

(¬1) ن، س، ب: مَا يُقَدِّرُ. (¬2) م: عَلَى يَدِ. (¬3) س، ب: أَنَّهُمْ. (¬4) (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) . (¬5) ن: وَلَا دُنْيَا. (¬6) س، ب: مَوْتُهَا وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ن، م: الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ وَأَحْسَبُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

فصل الفضائل التي اشتمل كل واحد من الأئمة عليها الموجبة لكونه إماما والرد عليه

[فصل الفضائل التي اشتمل كل واحد من الأئمة عليها الموجبة لكونه إماما والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الثَّالِثُ: الْفَضَائِلُ الَّتِي اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهَا الْمُوجِبَةُ لِكَوْنِهِ إِمَامًا ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ تِلْكَ الْفَضَائِلَ غَايَتُهَا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا أَهْلًا أَنْ تُعْقَدَ (¬2) لَهُ الْإِمَامَةُ، لَكِنَّهُ لَا يَصِيرُ إِمَامًا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ أَهْلًا، كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ الرَّجُلُ قَاضِيًا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ أَهْلًا لِذَلِكَ. الثَّانِي: أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْإِمَامَةِ ثَابِتَةٌ لِآخَرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ كَثُبُوتِهَا لِهَؤُلَاءِ، وَهُمْ أَهْلٌ أَنْ يَتَوَلَّوُا الْإِمَامَةَ، فَلَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ، وَلَمْ يَصِيرُوا بِذَلِكَ أَئِمَّةً. الثَّالِثُ: أَنَّ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْهُمْ مَعْدُومٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ ; فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا. الرَّابِعُ: أَنَّ الْعَسْكَرِيَّيْنِ وَنَحْوَهُمَا مِنْ طَبَقَةِ أَمْثَالِهِمَا لَمْ يُعْلَمْ لَهَا تَبْرِيزٌ فِي عِلْمٍ أَوْ دِينٍ، كَمَا عُرِفَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. ¬

(¬1) فِي (ك) ص 193 (م) . (¬2) م: أَنْ تُعْتَقَدَ

باب الفصل الخامس من كلام الرافضي أن من تقدم عليا لم يكن إماما والرد عليه

[باب الفصل الخامس من كلام الرافضي أن من تقدم عليا لم يكن إماما والرد عليه] بَابٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْفَصْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ (¬2) مَنْ تَقَدَّمَهُ لَمْ يَكُنْ إِمَامًا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ (¬3) ". قُلْتُ: وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَلَّوْا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُبَايِعْهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُلْطَانٌ يُقِيمُونَ بِهِ الْحُدُودَ (¬4) ، وَيُوَفُّونَ بِهِ الْحُقُوقَ، وَيُجَاهِدُونَ بِهِ الْعَدُوَّ، وَيُصَلُّونَ بِالْمُسْلِمِينَ الْجُمَعَ وَالْأَعْيَادَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْإِمَامَةِ - فَهَذَا بُهْتٌ وَمُكَابَرَةٌ. فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ، وَالرَّافِضَةُ وَغَيْرُهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَتَوَلَّوُا الْإِمَامَةَ لَمْ تَقْدَحْ فِيهِمُ الرَّافِضَةُ. لَكِنْ هُمْ يُطْلِقُونَ ثُبُوتَ الْإِمَامَةِ وَانْتِفَاءَهَا وَلَا يُفَصِّلُونَ (¬5) : هَلِ الْمُرَادُ ثُبُوتُ نَفْسِ الْإِمَامَةِ وَمُبَاشَرَتُهَا؟ أَوْ نَفْسُ اسْتِحْقَاقِ وِلَايَةِ الْإِمَامَةِ؟ وَيُطْلِقُونَ لَفْظَ " الْإِمَامِ " عَلَى الثَّانِي، وَيُوهِمُونَ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ. ¬

(¬1) فِي (ك) ص 194 (م) . وَفِي هَامِشِ (ك) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ مَا يَلِي: " فِي بُطْلَانِ إِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ ". (¬2) ك: فِي أَنَّ. (¬3) ك: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ. (¬4) م: الْحَدَّ. (¬5) ن: وَلَا يُفَضِّلُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَصْلُحُونَ لِلْإِمَامَةِ، وَأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَصْلُحُ لَهَا دُونَهُمْ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ أَصْلَحَ لَهَا مِنْهُمْ - فَهَذَا كَذِبٌ، وَهُوَ مَوْرِدُ النِّزَاعِ. وَنَحْنُ نُجِيبُ فِي ذَلِكَ جَوَابًا عَامًّا كُلِّيًّا، ثُمَّ نُجِيبُ بِالتَّفْصِيلِ. أَمَّا الْجَوَابُ الْعَامُّ الْكُلِّيُّ فَنَقُولُ: نَحْنُ عَالِمُونَ بِكَوْنِهِمْ أَئِمَّةً صَالِحِينَ لِلْإِمَامَةِ عِلْمًا يَقِينًا قَطْعِيًّا، وَهَذَا لَا يَتَنَازَعُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ الرَّافِضَةِ، بَلْ أَئِمَّةُ الْأُمَّةِ وَجُمْهُورُهَا يَقُولُونَ: إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَفْضَلَ الْأُمَّةِ. وَهَذَا الَّذِي نَعْلَمُهُ وَنَقْطَعُ بِهِ وَنَجْزِمُ بِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَلَا ظَنِّيٍّ. أَمَّا الْقَطْعِيُّ: فَلِأَنَّ الْقَطْعِيَّاتِ لَا يَتَنَاقَضُ مُوجِبُهَا وَمُقْتَضَاهَا. وَأَمَّا الظَّنِّيَّاتُ: فَلِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا يُورِدُهُ الْقَادِحُ فَلَا يَخْلُو عَنْ أَمْرَيْنِ: إِمَّا نَقْلٌ لَا نَعْلَمُ صِحَّتَهُ، أَوْ لَا نَعْلَمُ دَلَالَتَهُ عَلَى بُطْلَانِ إِمَامَتِهِمْ، وَأَيُّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَمْ يَصْلُحْ لِمُعَارَضَتِهِ مَا عُلِمَ قَطْعًا. وَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ عَلَى ثُبُوتِ إِمَامَتِهِمْ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْنَا أَنْ نُجِيبَ عَنِ الشُّبَهِ (¬1) الْمُفَضِّلَةِ، كَمَا أَنَّ مَا عَلِمْنَاهُ قَطْعًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْنَا أَنْ نُجِيبَ عَمَّا يُعَارِضُهُ مِنَ الشُّبَهِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ مَا عُلِمَ أَيْضًا يَقِينًا بِالظَّنِّ، سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا أَوْ مُنَاظِرًا. بَلْ إِنْ تَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ فَسَادِ الشُّبْهَةِ وَبَيَّنَهُ لِغَيْرِهِ، كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ ¬

(¬1) ن، م، س: السُّنَّةِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فصل قال الرافضي الأول قول أبي بكر إن لي شيطانا يعتريني والرد عليه

وَتَأْيِيدٍ لِلْحَقِّ (¬1) فِي النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ. وَسَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَدِلَّةَ الْكَثِيرَةَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْإِمَامَةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ (¬2) . [فصل قال الرافضي الأول قول أبي بكر إن لي شيطانا يعتريني والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : الْأَوَّلُ: " قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: إِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي. وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ تَكْمِيلُ الرَّعِيَّةِ، فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنْهُمُ الْكَمَالَ؟ " وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي " يَعْنِي [عِنْدَ] (¬4) الْغَضَبِ " فَإِذَا اعْتَرَانِي فَاجْتَنِبُونِي لَا أُؤَثِّرُ فِي أَبْشَارِكُمْ (¬5) ". وَقَالَ: " أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِنْ عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ ". وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَعْظَمِ مَا يُمْدَحُ بِهِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ¬

(¬1) ن، س، ب: فِي الْحَقِّ. (¬2) ن، م: مِنْ غَيْرِهَا. (¬3) فِي (ك) ص 194 (م) . (¬4) عِنْدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ. وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ. (¬5) ن، س: أُوثِرُ فِي إِيثَارِكُمْ، م، ب: أُوتِرُ فِي إِيتَارِكُمْ وَوَجَدْتُ هَذَا النَّصَّ فِي كِتَابِ " أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ " لِلْأُسْتَاذِ عَلِيٍّ الطَّنْطَاوِيِّ (ط. الْمَطْبَعَةِ السَّلَفِيَّةِ، الطَّبْعَةِ الثَّانِيَةِ، الْقَاهِرَةِ 1372) نَقْلًا عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُوَافَقَةِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ، وَنَصُّهُ فِيهِ: " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَمَعِي شَيْطَانٌ يَعْتَرِينِي فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَقُومُوا عَنِّي، لَا أُؤَثِّرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ " فَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ.

الثَّانِي: أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي يَعْتَرِيهِ قَدْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ يَعْرِضُ لِابْنِ آدَمَ عِنْدَ الْغَضَبِ، فَخَافَ عِنْدَ الْغَضَبِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ ; فَأَمَرَهُمْ بِمُجَانَبَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» " (¬1) ; فَنَهَى عَنِ الْحُكْمِ عِنْدَ (¬2) الْغَضَبِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ (¬3) أَبُو بَكْرٍ، أَرَادَ أَنْ لَا يَحْكُمَ وَقْتَ الْغَضَبِ، وَأَمَرَهُمْ (¬4) أَنْ لَا يَطْلُبُوا مِنْهُ حُكْمًا، أَوْ يَحْمِلُوهُ (¬5) عَلَى حُكْمٍ فِي هَذَا الْحَالِ. وَهَذَا مِنْ طَاعَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْغَضَبُ يَعْتَرِي بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ، حَتَّى قَالَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ: " «اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ (¬6) : أَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً ¬

(¬1) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 9/65 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ هَلْ يَقْضِي الْحَاكِمُ أَوْ يُفْتِي وَهُوَ غَضْبَانُ) وَلَفْظُهُ: " لَا يَقْضِيَنَّ حُكْمًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ". وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1342 - 1343 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ) . وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬2) ب: فِي. (¬3) س، ب: أَرَادَ. (¬4) م: فَأَمَرَهُمْ. (¬5) ن، م، س: أَوْ يَحْمِلُونَهُ. (¬6) ن، م، س: لَنْ تَخْلُفَهُ.

وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬1) . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: «دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَغْضَبَاهُ ; فَسَبَّهُمَا وَلَعَنَهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ (¬2) أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَصَابَ هَذَانِ [الرَّجُلَانِ] (¬3) . قَالَ: " وَمَا ذَاكَ؟ " قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا. قَالَ: " أَوَمَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ . قُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ (¬4) فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا» (¬5) "، وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ: " «إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبُخَارِيِّ 8/77 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ آذَيْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً) مُسْلِمٍ 4/2008 - 2009 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَبَّهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ. . . إِلَخْ) وَجَاءَ حَدِيثٌ مُقَارِبٌ فِي مَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/298 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . وَجَاءَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصَرًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ الْأَرْقَامُ: 7309، 8184، كَمَا جَاءَ حَدِيثُ سَلْمَانَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/437. (¬2) ن: لِمَنْ، م: أَلِمَنْ (¬3) الرَّجُلَانِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) ن، م: لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ. (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي مُسْلِمٍ 4/2007 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . إِلَخْ) . وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَائِشَةَ مُقَارِبٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/52.

أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ (¬1) لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً» " (¬2) . وَأَيْضًا فَمُوسَى رَسُولٌ كَرِيمٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ (¬3) غَضَبِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ (¬4) . فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الرِّسَالَةِ، فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي الْإِمَامَةِ؟ ! مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ أَبَا بَكْرٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى فِي لِينِهِ وَحِلْمِهِ، وَشَبَّهَ عُمَرَ بِنُوحٍ وَمُوسَى فِي شِدَّتِهِ فِي اللَّهِ. فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشِّدَّةُ لَا تُنَافِي الْإِمَامَةَ، فَكَيْفَ تُنَافِيهَا شِدَّةُ أَبِي بَكْرٍ؟ ! الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصَدَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ (¬5) أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ، فَأَيُّمَا (¬6) أَكْمَلُ: هَذَا أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ عَصَاهُ، وَقَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ بِالسَّيْفِ، وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ؟ فَإِنْ قِيلَ: كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْقِتَالَ بِمَعْصِيَةِ الْإِمَامِ وَإِغْضَابِهِ. قِيلَ: وَمَنْ عَصَى أَبَا بَكْرٍ وَأَغْضَبَهُ كَانَ أَحَقَّ بِذَلِكَ، لَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَرَكَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، إِنْ كَانَ عَلِيٌّ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ عَصَى ¬

(¬1) م: وَلَيْسَ (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 4/2009 - 2010 (كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . إِلَخْ) . (¬3) ن، م، س: مَنَّ (¬4) ذَكَرَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - غَضَبَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ. .) الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 154] ، وَقَوْلِهِ: (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا. .) [سُورَةُ طه 86] . (¬5) ب: احْتِرَازَ. (¬6) ن، م: فَإِنَّمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

عَلِيًّا وَأَغْضَبَهُ جَازَ أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ، وَمَنْ عَصَى أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْدِيبُهُ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ أَكْمَلُ (¬1) مِنَ الَّذِي فَعَلَهُ عَلِيٌّ. وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّ رَجُلًا أَغْضَبَ أَبَا بَكْرٍ. قَالَ (¬2) : فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتِي غَضَبَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬3) . فَلَمْ يَسْتَحِلَّ أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ. وَالْعُلَمَاءُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا سَبَّهُ إِلَّا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الدِّمَاءِ إِلَّا الرَّسُولُ. وَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَمَا آذَاهُ بِكَلِمَةٍ، فَضْلًا عَنْ فِعْلٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ امْتَنَعُوا عَنْ بَيْعَتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَمَا أَزْعَجَهُمْ، وَلَا (¬4) أَلْزَمَهُمْ بَيْعَتَهُ. فَهَلْ هَذَا كُلُّهُ إِلَّا مِنْ كَمَالِ وَرَعِهِ عَنْ أَذَى الْأُمَّةِ، وَكَمَالِ عَدْلِهِ وَتَقْوَاهُ؟ وَهَكَذَا قَوْلُهُ: فَإِذَا اعْتَرَانِي فَاجْتَنِبُونِي. الْخَامِسُ: أَنَّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) س، ب: أَكْبَرُ. (¬2) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 7/100 - 102 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ الْحُكْمِ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَابُ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْأَعْمَشِ. .) . (¬4) س، ب: وَمَا.

وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ ". قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ (¬1) فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَمَعِي (¬3) شَيْطَانٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". قَالَتْ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَتْ: " وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ» (¬4) . وَالْمُرَادُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ: اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ لِي. وَمَنْ قَالَ: حَتَّى أَسْلَمَ أَنَا، فَقَدْ حَرَّفَ مَعْنَاهُ. وَمَنْ قَالَ: الشَّيْطَانُ صَارَ مُؤْمِنًا (¬5) ، فَقَدْ حَرَّفَ لَفْظَهُ. وَقَدْ قَالَ مُوسَى لَمَّا قَتَلَ الْقِبْطِيَّ: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 15] ، وَقَالَ فَتَى مُوسَى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 63] . وَذَكَرَ اللَّهُ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 36] ، وَقَوْلُهُ: ¬

(¬1) م: إِلَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَانَنِي عَلَيْهِ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى. (¬3) م: وَمَعِي. . (¬4) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي: مُسْلِمٍ 4/2168 (كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، بَابُ تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ. . .) وَنَصُّهُ. . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا. قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ: " مَالَكِ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟ فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَمَعِي شَيْطَانٌ؟ . . الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/115 (¬5) س، ب: مَأْمُونًا.

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 20] . فَإِذَا كَانَ عَرْضُ (¬1) الشَّيْطَانِ لَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي إِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ؟ ! وَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ مُئَوَّلَةٌ. قِيلَ لَهُ: فَيَجُوزُ لِغَيْرِكَ أَنْ يَتَأَوَّلَ قَوْلَ الصِّدِّيقِ، لِمَا ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ مِنْ إِيمَانِهِ وَعِلْمِهِ، وَتَقْوَاهُ وَوَرَعِهِ. فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ يُعَارِضُ مَا عُلِمَ (¬2) . وَجَبَ تَأْوِيلُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " فَإِنَ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي "، فَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَدْلِهِ وَتَقْوَاهُ، وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ إِمَامٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَوَاجِبٌ عَلَى الرَّعِيَّةِ أَنْ تُعَامِلَ الْأَئِمَّةَ بِذَلِكَ، فَإِنِ اسْتَقَامَ الْإِمَامُ (¬3) أَعَانُوهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ زَاغَ وَأَخْطَأَ بَيَّنُوا لَهُ الصَّوَابَ وَدَلُّوهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ظُلْمًا مَنَعُوهُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَادًا لِلْحَقِّ، كَأَبِي بَكْرٍ، فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ (¬4) ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ الظُّلْمِ إِلَّا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْهُ، لَمْ يَدْفَعُوا الشَّرَّ الْقَلِيلَ بِالشَّرِّ الْكَثِيرِ. ¬

(¬1) ن، س: غَرَضُ. (¬2) ن، س، ب: مَا وَرَدَ. (¬3) الْإِمَامُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) م: فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ تَكْمِيلُ الرَّعِيَّةِ، فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنْهُمُ التَّكْمِيلَ؟ " عَنْهُ أَجْوِبَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّا (¬1) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِمَامَ يُكَمِّلُهُمْ وَهُمْ لَا يُكَمِّلُونَهُ أَيْضًا (¬2) ، بَلِ الْإِمَامُ وَالرَّعِيَّةُ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لَا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، بِمَنْزِلَةِ أَمِيرِ الْجَيْشِ وَالْقَافِلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَالدِّينُ قَدْ عُرِفَ بِالرَّسُولِ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ الْإِمَامِ دِينٌ يَنْفَرِدُ بِهِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِيهَا بَيِّنًا أَمَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَبَيِّنًا لِلْإِمَامِ دُونَهُمْ بَيَّنَهُ لَهُمْ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَبِهًا عَلَيْهِمُ اشْتَوَرُوا فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لِأَحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ دُونَ الْإِمَامِ بَيَّنَهُ لَهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَ الِاجْتِهَادُ، فَالْإِمَامُ هُوَ الْمُتَّبَعُ فِي اجْتِهَادِهِ، إِذْ لَا بُدَّ مِنَ التَّرْجِيحِ، وَالْعَكْسُ مُمْتَنِعٌ. وَهَذَا كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ الْإِمَامِيَّةُ فِي نُوَّابِ الْمَعْصُومِ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْكُلِّيَّاتُ فَلَا بُدَّ فِي تَبْيِينِ الْجُزْئِيَّاتِ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَحِينَئِذٍ فَكُلُّ إِمَامٍ هُوَ نَائِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا رَيْبَ فِي عِصْمَتِهِ، وَنُوَّابُهُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ نُوَّابِ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ نُوَّابَهُ أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا بِمَا قَامَ بِهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ اسْتِخْلَافَهُمْ، فَإِنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُتَوَلٍّ، سَوَاءٌ وَلَّاهُ (¬3) الرَّسُولُ أَوْ غَيْرُهُ، وَطَاعَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَطَاعَتِهِ فِي ¬

(¬1) ن، م، س: أَنْ. (¬2) م: وَأَيْضًا. (¬3) س، ب: وُلَاةُ.

حَيَاتِهِ، وَلَوْ وَلَّى هُوَ رَجُلًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَخْلُوقَيْنِ قَدِ اسْتُكْمِلَ بِالْآخَرِ، كَالْمُتَنَاظِرَيْنِ فِي الْعِلْمِ، وَالْمُتَشَاوِرَيْنِ فِي الرَّأْيِ، وَالْمُتَعَاوِنَيْنِ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي مَصْلَحَةِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا. وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ هَذَا فِي الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُمْكِنَاتِ الْمُحْدَثَاتِ فَاعِلٌ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِهِ، غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى أَحَدٍ ; لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى الدَّوْرِ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ وَالتَّسَلْسُلِ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَخْلُوقَانِ فَكِلَاهُمَا يَسْتَفِيدُ حَوْلَهُ وَقُوَّتَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنَ الْآخَرِ، فَلَا دَوْرَ فِي ذَلِكَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَا زَالَ الْمُتَعَلِّمُونَ يُنَبِّهُونَ مُعَلِّمَهُمْ عَلَى أَشْيَاءَ، وَيَسْتَفِيدُهَا الْمُعَلِّمُ مِنْهُمْ، مَعَ أَنَّ عَامَّةَ مَا عِنْدَ الْمُتَعَلِّمِ مِنَ الْأُصُولِ تَلَقَّاهَا مِنْ مُعَلِّمِهِ. وَكَذَلِكَ فِي الصُّنَّاعِ وَغَيْرِهِمْ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِ اسْتَفَادَ مِنَ الْخَضِرِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ الْهُدْهُدُ لِسُلَيْمَانَ: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 22] وَلَيْسَ الْهُدْهُدُ قَرِيبًا مِنْ سُلَيْمَانَ. وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِي الرَّأْيِ. كَمَا (¬1) قَالَ لَهُ الْحُبَابُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ: أَهُوَ مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَدَّاهُ، أَمْ هُوَ الْحَرْبُ ¬

(¬1) كَمَا سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَالرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ: " بَلْ (¬1) هُوَ الْحَرْبُ وَالرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ " فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلِ قِتَالٍ. [قَالَ:] (¬2) فَرَجَعَ إِلَى رَأْيِ الْحُبَابِ (¬3) . وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ، كَانَ قَدْ رَأَى أَنْ يُصَالِحَ غَطَفَانَ عَلَى نِصْفِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، وَيَنْصَرِفَ عَنِ الْقِتَالِ. فَجَاءَهُ سَعْدٌ (¬4) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا فَسَمْعًا وَطَاعَةً، أَوْ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ إِنَّمَا فَعَلْتَ هَذَا لِمَصْلَحَتِنَا، فَلَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا يَنَالُونَ مِنْهَا تَمْرَةً (¬5) إِلَّا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ، فَلَمَّا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ نُعْطِيهِمْ تَمْرَنَا (¬6) ، مَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ، أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَبِلَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ (¬7) . وَعُمَرُ أَشَارَ عَلَيْهِ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي نَحْرِ الرِّكَابِ أَنْ يَجْمَعَ أَزْوَادَهُمْ وَيَدْعُوَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، فَقَبِلَ مِنْهُ (¬8) . وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَرُدَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمَّا أَرْسَلَهُ بِنَعْلَيْهِ يُبَشِّرُ مَنْ لَقِيَهُ وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِالْجَنَّةِ، لَمَّا خَافَ أَنْ يَتَّكِلُوا، فَقَبِلَ مِنْهُ (¬9) . ¬

(¬1) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/272، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 2/402، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ، ص 77 - 78. (¬4) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: سَعِيدٌ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (¬5) م: ثَمَرَةً (¬6) ن، م: ثَمَرَنَا. (¬7) انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/234، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 3/201 - 202 إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ، ص 235 - 236. (¬8) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى. (¬9) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.

وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ (¬1) نَصٌّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ كَانَ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِمَنْ خَالَفَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا نَازَعَهُ [عُمَرُ] (¬2) فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَنَازَعُوهُ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَنَازَعُوهُ فِي إِرْسَالِ جَيْشِ أُسَامَةَ - لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ، بَلْ بَيَّنَ لَهُمْ دَلَالَةَ النَّصِّ عَلَى مَا فَعَلَهُ. وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوصَةً، بَلْ يُقْصَدُ بِهَا الْمَصْلَحَةُ، فَهَذِهِ لَيْسَ هُوَ فِيهَا بِأَعْظَمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَا زَادَهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ إِلَّا شَرَفًا وَتَعْظِيمًا، وَلَمْ تُعَظِّمِ الْأُمَّةُ أَحَدًا بَعْدَ نَبِيِّهَا كَمَا عَظَّمَتِ الصِّدِّيقَ، وَلَا أَطَاعَتْ أَحَدًا كَمَا أَطَاعَتْهُ، مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ أَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا، وَلَا رَهْبَةٍ أَخَافَهُمْ بِهَا، بَلِ الَّذِينَ بَايَعُوا الرَّسُولَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَايَعُوهُ طَوْعًا، مُقِرِّينَ بِفَضِيلَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ. ثُمَّ مَعَ هَذَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي عَهْدِهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي دِينِهِمْ [إِلَّا] (¬3) وَأَزَالَ الِاخْتِلَافَ بِبَيَانِهِ لَهُمْ، وَمُرَاجَعَتِهِمْ لَهُ. وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. وَكَانَ عُمَرُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ عُثْمَانُ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ (¬4) ، فَلَا قَوَّمَهُمْ وَلَا قَوَّمُوهُ، فَأَيُّ الْإِمَامَيْنِ حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ أَكْثَرَ؟ وَأَيُّ الْإِمَامَيْنِ أَقَامَ الدِّينَ وَرَدَّ الْمُرْتَدِّينَ، ¬

(¬1) م: فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ. (¬2) عُمَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬3) إِلَّا: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬4) س، ب: فَقَاتَلُوهُ.

فصل قال الرافضي الثاني قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها والرد عليه

وَقَاتَلَ الْكَافِرِينَ، وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ: (¬1) كَلِمَةُ الْمُؤْمِنِينَ؟ هَلْ يُشَبِّهُ هَذَا بِهَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ النَّقْصِ مِنَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ ! [فصل قال الرافضي الثاني قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الثَّانِي: قَوْلُ عُمَرَ: كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، وَقَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهَا، فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ. وَكَوْنُهَا فَلْتَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ عَنْ رَأْيٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ سَأَلَ وِقَايَةَ شَرِّهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ يَعُودُ إِلَى مِثْلِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ (¬3) يُوجِبُ الطَّعْنَ فِيهِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ لَفْظَ عُمَرَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْ خُطْبَةِ عُمَرَ الَّتِي قَالَ فِيهَا: " ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: " وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا " فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُبَايِعْ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ: " وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا ¬

(¬1) الْكَلِمَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬2) فِي (م) ص 194 (م) . (¬3) ك: وَكُلُّ ذَلِكَ.

فصل قال الرافضي الثالث قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحوال إلى علي والرد عليه

شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ (¬1) أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ - وَاللَّهِ - أَنْ أُقَدَّمَ فَيُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي [ذَلِكَ] (¬2) مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ [مِنْ] (¬3) أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ لِي نَفْسِي شَيْئًا عِنْدَ الْمَوْتِ (¬4) لَا أَجِدُهُ الْآنَ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ (¬5) . وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فَجْأَةً لَمْ تَكُنْ قَدِ اسْتَعْدَدْنَا لَهَا وَلَا تَهَيَّأْنَا ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَجْتَمِعَ لَهَا النَّاسُ ; إِذْ كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا، وَلَيْسَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ مَنْ يَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَى تَفْضِيلِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعَةِ رَجُلٍ دُونَ مَلَأٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوهُ. وَهُوَ لَمْ يَسْأَلْ وِقَايَةَ شَرِّهَا، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّ الْفِتْنَةِ بِالِاجْتِمَاعِ (¬6) . [فصل قال الرافضي الثالث قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحوال إلى علي والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬7) : " الثَّالِثُ: قُصُورُهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالْتِجَاؤُهُمْ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ إِلَى عَلِيٍّ (¬8) ". ¬

(¬1) م، س، ب: وَيَدِ. (¬2) ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬4) ن، س: عِنْدَ مَوْتٍ، ب: عِنْدَ مَوْتِي. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي الْأَصْلِ 1/360 4/435. (¬6) ب: بِالْإِجْمَاعِ. (¬7) فِي (ك) ص 194 (م) . (¬8) ك: وَالِالْتِجَاءُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ إِلَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ. أَمَّا أَبُو بَكْرٍ: فَمَا عُرِفَ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا أَصْلًا. وَعَلِيٌّ قَدْ رَوَى عَنْهُ وَاحْتَذَى حَذْوَهُ وَاقْتَدَى بِسِيرَتِهِ. وَأَمَّا عُمَرُ: فَقَدِ (* اسْتَفَادَ عَلِيٌّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَفَادَ عُمَرُ مِنْهُ. وَأَمَّا عُثْمَانُ: فَقَدْ كَانَ أَقَلَّ عِلْمًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ هَذَا فَمَا كَانَ *) (¬1) يَحْتَاجُ إِلَى عَلِيٍّ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ شَكَا إِلَى عَلِيٍّ بَعْضَ سُعَاةِ عُمَّالِ عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُثْمَانُ (¬2) : لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ. وَصَدَقَ عُثْمَانُ، وَهَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ وَنُصُبُهَا الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ (¬3) فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مِنْ أَرْبَعِ طُرُقٍ: أَصَحُّهَا عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ (* الَّذِي كَتَبَهُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (¬4) ، وَعَمِلَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ. وَبَعْدَهُ كِتَابُ *) (¬5) عُمَرَ (¬6) . وَأَمَّا الْكِتَابُ الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ فَفِيهِ أَشْيَاءُ لَمْ يَأْخُذْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) س، ب: عَلِيٌّ. (¬3) م: التَّوَقُّفِ. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ (قَالَ النَّابُلْسِيُّ فِي ذَخَائِرِ الْمَوَارِيثِ 3/144 - 145 فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: فِي الزَّكَاةِ وَفِي الْخُمْسِ وَفِي الشَّرِكَةِ وَفِي اللِّبَاسِ وَفِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى) وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/116 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْعَرَضِ مِنَ الزَّكَاةِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/129 - 131 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابٌ فِي زَكَاةِ السَّائِمَةِ، الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ 1/183 - 184 (حَدِيثٌ رَقْمُ (72) وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " رَوَاهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعَ صَحِيحَةٍ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ. (¬5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬6) جَاءَ كِتَابُ عُمَرَ فِي الزَّكَاةِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/132 - 134 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/66 - 67 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ) ; الْمُوَطَّأِ 1/257 - 259 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ) .

الْعُلَمَاءِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خُمُسُ (¬1) شَاةٍ " ; فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَلِهَذَا كَانَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: إِمَّا مَنْسُوخٌ، وَإِمَّا خَطَأٌ فِي النَّقْلِ. وَالرَّابِعُ: كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، كَانَ قَدْ كَتَبَهُ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَانَ. وَكِتَابُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ آخِرُ الْكُتُبِ، فَكَيْفَ يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، وَقُضَاتُهُ لَمْ يَكُونُوا يَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ، بَلْ كَانَ شُرَيْحٌ [الْقَاضِي] (¬2) وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْقُضَاةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ عَلِيٍّ يَقْضُونَ بِمَا تَعَلَّمُوهُ (¬3) مِنْ [غَيْرِ] (¬4) عَلِيٍّ، وَكَانَ شُرَيْحٌ قَدْ تَعَلَّمَ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَبِيدَةُ تَعَلَّمَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَكَانُوا لَا يُشَاوِرُونَهُ فِي عَامَّةِ مَا يَقْضُونَ بِهِ ; اسْتِغْنَاءً بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَلْتَجِئَانِ إِلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ. وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ: كَانَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، وَالْآنَ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ يُبَعْنَ. فَقَالَ لَهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ (¬5) أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ. ¬

(¬1) خَمْسٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) الْقَاضِي: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬3) ن، م، س: يَعْلَمُوهُ. (¬4) غَيْرِ: فِي (ب) فَقَطْ. (¬5) ن، س: الْجَمَاعَاتِ.

فَهَذَا قَاضِيهِ لَا يَرْجِعُ إِلَى رَأْيِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (¬1) ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ إِنَّمَا مَنَعَ بَيْعَهَا تَقْلِيدًا لِعُمَرَ، لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ. فَإِذَا كَانُوا لَا يَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَيْفَ يَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهَا، وَفِيهَا مِنَ النُّصُوصِ مَا يَشْفِي وَيَكْفِي؟ ! وَإِنَّمَا كَانَ يَقْضِي وَلَا يُشَاوِرُ عَلِيًّا، وَرُبَّمَا قَضَى بِقَضِيَّةٍ أَنْكَرَهَا عَلِيٌّ لِمُخَالَفَتِهَا قَوْلَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، كَابْنَيْ عَمٍّ (¬2) وَأَخَوَيْنِ (¬3) أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ قَضَى لَهُ بِالْمَالِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَقَالَ: بَلْ يُعْطَى السُّدُسَ، وَيَشْتَرِكَانِ (¬4) فِي الْبَاقِي. وَهَذَا قَوْلُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ: زَيْدٍ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنِ النَّاسُ مُقَلِّدِينَ فِي ذَلِكَ أَحَدًا. وَقَوْلُ عَلِيٍّ فِي الْجَدِّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا ابْنَ أَبِي لَيْلَى. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ بِهِ أَصْحَابُهُ، وَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَقَوْلُ زَيْدٍ قَالَ بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأَمَّا قَوْلُ الصِّدِّيقِ فَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ كِتَابًا كَبِيرًا فِيمَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ ; لِكَوْنِ قَوْلِ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَتْبَعَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَانَ الْمَرْجُوحُ مِنْ قَوْلِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَرْجُوحِ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَالرَّاجِحُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ أَكْثَرُ، فَكَيْفَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ؟ ! ¬

(¬1) ن: لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي رَأْيِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، م: لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي رَأْيِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. (¬2) ن، م، س: كَابْنِ عَمٍّ. (¬3) وَأَخَوَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬4) ن: وَيُشْرَكَانِ.

فصل قال الرافضي الرابع الوقائع الصادرة عنهم

[فصل قال الرافضي الرابع الوقائع الصادرة عنهم] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الرَّابِعُ: الْوَقَائِعُ الصَّادِرَةُ عَنْهُمْ (¬2) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكْثَرُهَا ". قُلْنَا: الْجَوَابُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْهَا مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا. وَبَيَانُ الْجَوَابِ (¬3) عَمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ أَيْسَرُ مِنَ الْجَوَابِ عَمَّا يُنْكَرُ عَلَى عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ لَهُ عِلْمٌ وَعَدْلٌ أَنْ يَجْرَحَهُمْ وَيُزَكِّيَ عَلِيًّا، بَلْ مَتَى زَكَّى عَلِيًّا كَانُوا أَوْلَى بِالتَّزْكِيَةِ، وَإِنْ جَرَحَهُمْ كَانَ قَدْ طَرَقَ الْجَرْحُ إِلَى عَلِيٍّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَالرَّافِضَةُ إِنْ طَرَدَتْ قَوْلَهَا لَزِمَهَا جَرْحُ عَلِيٍّ أَعْظَمَ مِنْ جَرْحِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ لَمْ تَطْرُدْهُ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ وَتَنَاقُضُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. كَمَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إِذَا قَدَحُوا فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ دُونَ نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى، فَمَا يُورِدُ الْكِتَابِيُّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ سُؤَالًا إِلَّا وَيَرِدُ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى أَعْظَمُ مِنْهُ، وَمَا يُورِدُ الرَّافِضِيُّ عَلَى إِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا وَيَرِدُ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَمَا يُورِدُهُ (¬4) الْفَيْلَسُوفُ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِهِ يَرِدُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِمَّا يَرِدُ عَلَى الْأَقْرَبِ إِلَى الْحَقِّ (¬5) . ¬

(¬1) فِي (ك) ص 194 (م) . (¬2) ك: مِنْهُمْ. (¬3) ن، م: وَبَيَانُ أَنَّ الْجَوَابَ. (¬4) س، ب: وَمَا يُورِدُ. (¬5) عِبَارَةُ إِلَى الْحَقِّ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

فصل قال الرافضي الخامس قوله تعالى " لا ينال عهدي الظالمين " أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والرد عليه

وَمِنَ الطُّرُقِ الْحَسَنَةِ فِي مُنَاظَرَةِ هَذَا أَنْ يُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا يُورِدُهُ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وَمَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ ; فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ نَافِعَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ فُهِمَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا يُورِدُ عَلَى الْحَقِّ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْحَيْرَةِ وَالْعَجْزِ عَنِ الْجَوَابِ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُ: جَوَابُكَ عَنْ هَذَا هُوَ جَوَابُنَا عَنْ هَذَا. [فصل قال الرافضي الخامس قوله تعالى " لا ينال عهدي الظالمين " أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 124] أَخْبَرَ بِأَنَّ عَهْدَ الْإِمَامَةِ لَا يَصِلُ إِلَى الظَّالِمِ. وَالْكَافِرُ ظَالِمٌ (¬2) ; لِقَوْلِهِ: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 254] . وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ كَانُوا كُفَّارًا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، إِلَى أَنْ ظَهَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: الْكُفْرُ الَّذِي يَعْقُبُهُ الْإِيمَانُ الصَّحِيحُ لَمْ يَبْقَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْهُ ذَمٌّ. هَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، بَلْ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 38] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 194 (م) . (¬2) ظَالِمٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) .

الصَّحِيحِ (¬1) : " «إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» "، وَفِي لَفْظٍ: " «يَهْدِمُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» " (¬2) . الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِأَفْضَلَ مِمَّنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ (¬3) ، وَعَامَّتُهُمْ أَسْلَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الثَّانِي الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ. وَلِهَذَا قَالَ (¬4) أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَبْعَثَ نَبِيًّا (¬5) مِمَّنْ آمَنَ بِالْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَبْعَثَ نَبِيًّا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، فَمِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِمَا أَوْلَى وَأَحْرَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 26] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ - وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 13 - 14] . وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ - قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 88 - 89] . ¬

(¬1) عِبَارَةُ " فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/598 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ. . . (¬3) سَبَقَ هَذَا الْخَبَرُ فِيمَا مَضَى 2/35. (¬4) ن، م: كَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) نَبِيًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَطَرْدُ هَذَا: مَنْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ وَغُفِرَ لَهُ (¬1) لَمْ يَقْدَحْ (¬2) فِي عُلُوِّ دَرَجَتِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ. وَالرَّافِضَةُ لَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلٌ فَارَقُوا بِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ وَدَلَائِلَ الْعُقُولِ، وَالْتَزَمُوا لِأَجْلِ ذَلِكَ مَا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ، كَدَعْوَاهُمْ إِيمَانَ آزَرَ، وَأَبَوَيِ النَّبِيِّ وَأَجْدَادِهِ وَعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مُؤْمِنًا مِنْ قُرَيْشٍ: لَا رَجُلٌ وَلَا صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ، وَلَا الثَّلَاثَةُ (¬3) ، وَلَا عَلِيٌّ، وَإِذَا قِيلَ عَنِ الرِّجَالِ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَالصِّبْيَانُ (¬4) كَذَلِكَ: عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ قِيلَ: كُفْرُ الصَّبِيِّ لَيْسَ مِثْلَ كُفْرِ الْبَالِغِ. قِيلَ: وَلَا إِيمَانُ الصَّبِيِّ مِثْلَ إِيمَانِ الْبَالِغِ ; فَأُولَئِكَ يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَهُمْ بَالِغُونَ، وَعَلِيٌّ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَهُوَ دُونَ الْبُلُوغِ. وَالصَّبِيُّ الْمَوْلُودُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا ¬

(¬1) س: وَطَرْدُ هَذَا مِنْ بَابِ الذَّنْبِ وَغُفِرَ لَهُ، ب: وَطَرْدُ هَذَا مِنْ بَابِ الذَّنْبِ وَغُفْرَانِهِ لَهُ. . (¬2) م: وَلَمْ يَقْدَحْ (¬3) ن: وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا الثَّلَاثَةُ. (¬4) س، ب: وَالصُّلْبَانُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَهَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ؟ (¬1) عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَكَانَ إِسْلَامُ الثَّلَاثَةِ مُخْرِجًا لَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا إِسْلَامُ عَلِيٍّ، فَهَلْ يَكُونُ مُخْرِجًا لَهُ مِنَ الْكُفْرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ إِسْلَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ مُخْرِجٍ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ. وَأَمَّا كَوْنُ صَبِيٍّ مِنَ الصِّبْيَانِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ، فَهُوَ لَمْ يُعْرَفْ ; فَلَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِأَنَّ عَلِيًّا أَوِ الزُّبَيْرَ (¬2) وَنَحْوَهُمَا (¬3) لَمْ يَسْجُدُوا لِصَنَمٍ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَعَنَا نَقْلٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ، بَلْ وَلَا مَعَنَا نَقْلٌ مُعَيَّنٌ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ سَجَدَ لِصَنَمٍ. بَلْ هَذَا يُقَالُ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ قُرَيْشٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَسْجُدُوا لِلْأَصْنَامِ ; وَحِينَئِذٍ فَهَذَا مُمْكِنٌ فِي الصِّبْيَانِ، كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. الرَّابِعُ: أَنَّ أَسْمَاءَ الذَّمِّ: كَالْكُفْرِ، وَالظُّلْمِ، وَالْفِسْقِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ - لَا تَتَنَاوَلُ إِلَّا مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ (* صَارَ مُؤْمِنًا بَعْدَ الْكُفْرِ، وَعَادِلًا بَعْدَ الظُّلْمِ، وَبَرًّا بَعْدَ الْفُجُورِ - فَهَذَا تَتَنَاوَلُهُ أَسْمَاءُ الْمَدْحِ *) (¬4) دُونَ أَسْمَاءِ الذَّمِّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 124] ، أَيْ: ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) م: وَالزُّبَيْرَ. (¬3) س، ب: أَوْ نَحْوَهُمَا. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

يَنَالُ الْعَادِلَ دُونَ الظَّالِمِ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ شَخْصًا كَانَ ظَالِمًا ثُمَّ تَابَ وَصَارَ عَادِلًا تَنَاوَلَهُ (¬1) الْعَهْدُ كَمَا يَتَنَاوَلُهُ سَائِرُ آيَاتِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ. لِقَوْلِهِ (¬2) تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 22] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [سُورَةُ الطُّورِ: 17] (¬3) . الْخَامِسُ: أَنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ بَعْدَ إِيمَانِهِ كَافِرٌ، فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَكَيْفَ يُقَالُ عَنْ أَفْضَلِ الْخَلْقِ إِيمَانًا: إِنَّهُمْ كُفَّارٌ ; لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ. السَّادِسُ: أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ - إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 10 - 11. السَّابِعُ: أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا - لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 72 - 73] . فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْ جِنْسِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ ظَلُومٌ جَهُولٌ، وَاسْتَثْنَى مِنَ الْعَذَابِ مَنْ تَابَ. وَنُصُوصُ الْكِتَابِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ لَا بُدَّ أَنْ يَتُوبَ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْعِصْمَةِ: هَلِ الْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنَ الذُّنُوبِ أَمْ لَا فَيَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ؟ وَالْكَلَامُ فِيهَا مَبْسُوطٌ قَدْ تَقَدَّمَ. ¬

(¬1) س، ب: يَتَنَاوَلُهُ. . (¬2) ب: كَقَوْلِهِ. (¬3) م:. . . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ.

فصل قال الرافضي السادس قول أبي بكر أقيلوني فلست بخيركم والرد عليه

[فصل قال الرافضي السادس قول أبي بكر أقيلوني فلست بخيركم والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " السَّادِسُ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: " أَقِيلُونِي ; فَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ (¬2) "، وَلَوْ كَانَ إِمَامًا لَمْ يَجُزْ لَهُ طَلَبُ الْإِقَالَةِ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا: أَوَّلًا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّنَ صِحَّتُهُ، وَإِلَّا فَمَا كَلُّ مَنْقُولٍ صَحِيحٌ. وَالْقَدْحُ بِغَيْرِ الصَّحِيحِ لَا يَصِحُّ. وَثَانِيًا: إِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَمْ تَجُزْ مُعَارَضَتُهُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: الْإِمَامُ لَا يَجُوزُ لَهُ طَلَبُ الْإِقَالَةِ ; فَإِنَّ هَذِهِ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، فَلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ طَلَبُ الْإِقَالَةِ إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ؟ بَلْ إِنْ كَانَ قَالَهُ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا (¬3) إِجْمَاعٌ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ وَلَا نَصٌّ، فَلَا يَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَهُ فَلَا يَضُرُّ تَحْرِيمُ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا تَثْبِيتُ كَوْنِ الصِّدِّيقِ قَالَهُ، وَالْقَدْحُ فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَا يُبَالِي مَا يَقُولُ. وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا (¬4) يَدُلُّ عَلَى الزُّهْدِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْوَرَعِ فِيهَا، وَخَوْفِ اللَّهِ أَنْ لَا يَقُومَ بِحُقُوقِهَا. وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا يَقُولُهُ الرَّافِضُةُ: إِنَّهُ كَانَ طَالِبًا لِلرِّيَاسَةِ، رَاغِبًا فِي الْوِلَايَةِ. ¬

(¬1) فِي (ك) ص 195 (م) . (¬2) ك: فَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ وَعَلِيٌّ فِيكُمْ. (¬3) ن، م: مَعْنَاهُ. (¬4) ب: وَهَذَا.

فصل قال الرافضي السابع قول أبي بكر عند موته ليتني سألت رسول هل للأنصار في هذا الأمر حق والرد عليه

[فصل قال الرافضي السابع قول أبي بكر عند موته ليتني سألت رسول هل للأنصار في هذا الأمر حق والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " السَّابِعُ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَيْتَنِي كُنْتُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِي هَذَا الْأَمْرِ حَقٌّ؟ وَهَذَا (¬2) يَدُلُّ عَلَى شَكِّهِ فِي صِحَّةِ بَيْعَةِ نَفْسِهِ، مَعَ أَنَّهُ الَّذِي دَفَعَ الْأَنْصَارَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ لِمَا قَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، بِمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» " (¬3) . وَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» " (¬4) فَهُوَ حَقٌّ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الصِّدِّيقَ شَكَّ فِي هَذَا، أَوْ فِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ فَقَدْ كَذَبَ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ: لَيْتَنِي كُنْتُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِي الْخِلَافَةِ نَصِيبٌ؟ فَقَدْ كَذَبَ ; فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الصَّحَابَةِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُشَكَّ فِيهَا ; لِكَثْرَةِ النُّصُوصِ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا النَّقْلِ. وَإِنْ قُدِّرَ صِحَّتُهُ، فَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِلصِّدِّيقِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ النَّصَّ، ¬

(¬1) فِي (ك) ص 195 (م) (¬2) وَهَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) . (¬3) ك: بِمَا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -: إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.

فصل قال الرافضي الثامن قول أبي بكر في مرض موته ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكبسه والرد عليه

وَاجْتَهَدَ فَوَافَقَ اجْتِهَادُهُ النَّصَّ. ثُمَّ مِنِ اجْتِهَادِهِ وَوَرَعِهِ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نَصٌّ يُعِينُهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ (¬1) ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ ; حَيْثُ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ النَّصَّ، وَيَدُلُّ عَلَى وَرَعِهِ ; حَيْثُ خَافَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ، فَأَيُّ قَدْحٍ فِي هَذَا؟ ! [فصل قال الرافضي الثامن قول أبي بكر في مرض موته ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكبسه والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " الثَّامِنُ: قَوْلُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: لَيْتَنِي كُنْتُ تَرَكْتُ بَيْتَ (¬3) فَاطِمَةَ لَمْ أَكْبِسْهُ (¬4) ، وَلَيْتَنِي كُنْتُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِ أَحَدِ (¬5) الرَّجُلَيْنِ، وَكَانَ هُوَ الْأَمِيرَ، وَكُنْتُ الْوَزِيرَ (¬6) ; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِقْدَامِهِ عَلَى بَيْتِ (¬7) فَاطِمَةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا فِيهِ " (¬8) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَدْحَ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَثْبُتَ اللَّفْظُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَيَكُونَ ¬

(¬1) ن، م: نَصٌّ بِعَيْنِهِ عَنِ الِاجْتِهَادِ. (¬2) فِي (ك) ص 195 (م) . (¬3) بَيْتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . وَفِي (ك) : بِنْتَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) م: لَمْ أَكْتَسِهِ، ك: لَمْ أَكْشِفْهُ. (¬5) ن، م: وَلَيْتَنِي كُنْتُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ كُنْتُ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِ أَحَدِ. . .، ك: وَلَيْتَنِي فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ كُنْتُ ضَرَبْتُ يَدِي عَلَى يَدِ أَحَدِ. (¬6) ك: وَكُنْتُ أَنَا الْوَزِيرَ. (¬7) ك: بِنْتِ. (¬8) ك:. . فِيهِ، وَعَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْفَضْلَ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ.

دَالًّا دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى الْقَدْحِ، فَإِذَا انْتَفَتْ إِحْدَاهُمَا انْتَفَى الْقَدْحُ، فَكَيْفَ إِذَا انْتَفَى كُلٌّ مِنْهُمَا؟ ! وَنَحْنُ نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَقْدَمْ عَلَى عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذَى، بَلْ وَلَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْمُتَخَلِّفِ عَنْ بَيْعَتِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا. وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ كَبَسَ الْبَيْتَ لِيَنْظُرَ هَلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي يُقَسِّمُهُ، وَأَنْ يُعْطِيَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَهُمْ لَجَازَ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ. وَأَمَّا إِقْدَامُهُ عَلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ بِأَذًى، فَهَذَا مَا وَقَعَ فِيهِ قَطُّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَإِنَّمَا يَنْقُلُ مِثْلَ (¬1) هَذَا جُهَّالُ الْكَذَّابِينَ، وَيُصَدِّقُهُ حَمْقَى (¬2) الْعَالَمِينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الصَّحَابَةَ هَدَمُوا بَيْتَ فَاطِمَةَ، وَضَرَبُوا بَطْنَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ. وَهَذَا كُلُّهُ دَعْوَى مُخْتَلِقٍ، وَإِفْكٌ مُفْتَرًى، بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَرُوجُ إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَنْعَامِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَيْتَنِي كُنْتُ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ " فَهَذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ صِحَّتَهُ، فَإِنْ كَانَ قَالَهُ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَخَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. ¬

(¬1) مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬2) ن: حَمْقَاءُ.

فصل قال الرافضي التاسع تجهيز الرسول لجيش أسامة وفيه أبي بكر وعمر وعثمان والرد عليه

[فصل قال الرافضي التاسع تجهيز الرسول لجيش أسامة وفيه أبي بكر وعمر وعثمان والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " التَّاسِعُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَهِّزُوا جَيْشَ أُسَامَةَ» ، وَكَرَّرَ الْأَمْرَ [بِتَنْفِيذِهِ] (¬2) ، وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَلَمْ يُنَفِّذْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ (¬3) مَنْعَهُمْ مِنَ التَّوَثُّبِ (¬4) عَلَى الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، فَلَمْ يَقْبَلُوا (¬5) مِنْهُ. وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ ; فَإِنَّ هَذَا لَا يُرْوَى بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ، وَلَا صَحَّحَهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ النَّقْلِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْمَنْقُولَاتِ لَا يَسُوغُ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ بِثُبُوتِهَا، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ أَحَدٍ مَا شَاءَ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ النَّقْلِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ: لَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُثْمَانُ، وَإِنَّمَا قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ (¬6) عُمَرُ. وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الصَّلَاةِ حَتَّى مَاتَ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصُّبْحَ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَقَدْ كَشَفَ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 195 (م) . (¬2) بِتَنْفِيذِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، س) ، (ب) . (¬3) ك: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَرَادَ. (¬4) س، ب: الْوَثْبِ. (¬5) ك: فَلَمْ يَقْبَلُوهُ. . (¬6) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

سِجْفَ الْحُجْرَةِ، فَرَآهُمْ صُفُوفًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ. فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ هَذَا قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ؟ ! الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَرَادَ تَوْلِيَةَ عَلِيٍّ لَكَانَ هَؤُلَاءِ أَعْجَزَ أَنْ يَدْفَعُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكَانَ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَنْ يَدَعُوْا هَؤُلَاءِ يُخَالِفُونَ أَمْرَهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَاتَلَ ثُلُثُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَكْثَرُ مَعَ عَلِيٍّ لِمُعَاوِيَةَ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَعَهُ نَصًّا، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ نَصٌّ لَقَاتَلَ مَعَهُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَلَمْ يَأْمُرْ عَلِيًّا، فَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ الْخَلِيفَةَ لَكَانَ يَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ وَلَمْ يُؤَمِّرْ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَطُّ؟ ! بَلْ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ لِبِلَالٍ: " إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ " (¬1) ، وَكَذَلِكَ فِي مَرَضِهِ، وَلَمَّا أَرَادَ إِقَامَةَ الْحَجِّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَحُجَّ، وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ تَابِعًا لَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ، بِعَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَيَأْمُرُ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ فَيُطِيعُونَهُ، وَقَدْ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ فِي حَجَّةِ سَنَةِ تِسْعٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُؤَمَّرًا عَلَيْهِمْ إِمَامًا لَهُمْ. ¬

(¬1) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ ص. فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ.

فصل قال الرافضي العاشر أنه لم يول أبا بكر شيئا من الأعمال وولى عليه والرد عليه

[فصل قال الرافضي العاشر أنه لم يول أبا بكر شيئا من الأعمال وولى عليه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الْعَاشِرُ: أَنَّهُ لَمْ يُولِّ (¬2) أَبَا بَكْرٍ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ، وَوَلَّى عَلَيْهِ " (¬3) . وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ. بَلِ الْوِلَايَةُ الَّتِي وَلَّاهَا أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَهِيَ وِلَايَةُ الْحَجِّ. وَقَدْ وَلَّاهُ غَيْرَ ذَلِكَ. الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَلَّى مَنْ هُوَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ دُونَ أَبِي بَكْرٍ، مِثْلَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ; فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وِلَايَتَهُ لِكَوْنِهِ نَاقِصًا عَنْ هَؤُلَاءِ. الثَّالِثُ: أَنَّ عَدَمَ وِلَايَتِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ، بَلْ قَدْ يَتْرُكُ وِلَايَتَهُ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهُ فِي (¬4) تِلْكَ الْوِلَايَةَ، وَحَاجَتُهُ إِلَيْهِ فِي الْمُقَامِ عِنْدَهُ وَغَنَائِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّهُ هُوَ وَعُمَرُ كَانَا مِثْلَ الْوَزِيرَيْنِ لَهُ. يَقُولُ كَثِيرًا: " دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " وَ " خَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ "، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَسْمُرُ عِنْدَهُ عَامَّةَ لَيْلِهِ. ¬

(¬1) فِي (ك) ص 196 (م) (¬2) ك: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لَمْ يُولِّ. . (¬3) ب: وَوَلَّى عَلِيًّا، ك: وَوَلَّى غَيْرَهُ. (¬4) ن، م، س: مِنْ.

فصل قال الرافضي الحادي عشر أن رسول الله أنفذه لأداء سورة براءة ثم رده والرد عليه

وَعُمَرُ لَمْ يَكُنْ يُوَلِّي أَهْلَ الشُّورَى (¬1) ، كَعُثْمَانَ (¬2) ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُمْ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ وَلَّاهُ مِثْلَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَغَيْرِهِمَا ; لِأَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهَؤُلَاءِ فِي حُضُورِهِ أَكْمَلُ مِنِ انْتِفَاعِهِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وِلَايَةٍ يَكْفِي فِيهَا مَنْ دُونَهُمْ. وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ يَدْخُلُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَلِيهِ عُمَرُ، وَقَالَ لَهُمَا: " «إِذَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى شَيْءٍ لَمْ أُخَالِفْكُمَا» " (¬3) . وَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ الْوَفْدُ شَاوَرَهُمَا، فَقَدْ يُشِيرُ هَذَا بِشَيْءٍ، وَيُشِيرُ هَذَا بِشَيْءٍ ; وَلِذَلِكَ شَاوَرَهُمَا فِي أَسْرَى بَدْرٍ، وَكَانَ مُشَاوَرَتُهُ لِأَبِي بَكْرٍ أَغْلَبَ، وَاجْتِمَاعُهُ (¬4) بِهِ أَكْثَرَ. هَذَا أَمْرٌ يَعْلَمُهُ مَنْ تَدَبَّرَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي يَطُولُ ذِكْرُهَا. [فصل قال الرافضي الحادي عشر أن رسول الله أنفذه لأداء سورة براءة ثم رده والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬5) : " الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفَذَهُ لِأَدَاءِ سُورَةِ بَرَاءَةَ، ثُمَّ أَنْفَذَ عَلِيًّا (¬6) ، وَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ، وَأَنْ يَتَوَلَّى هُوَ ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يَصْلُحُ لِأَدَاءِ سُورَةٍ أَوْ بَعْضِهَا، فَكَيْفَ (¬7) يَصْلُحُ ¬

(¬1) ن، س: وَعُمَرُ لَمْ يَكُنْ يُوَالِي أَهْلَ الشُّورَى، م: وَعُمَرُ لَمْ يَكُونُوا فِي أَهْلِ الشُّورَى. (¬2) س: وَعُثْمَانَ، ب: عُثْمَانَ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/156 وَنَصُّهُ هُنَاكَ: " لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا ". (¬4) س، ب: فَاجْتِمَاعُهُ. (¬5) فِي (ك) ص 196 (م) . (¬6) ك: ثُمَّ أَنْقَذَ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَلْفَهُ. (¬7) ك: كَيْفَ. .

لِلْإِمَامَةِ الْعَامَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِأَدَاءِ الْأَحْكَامِ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ؟ ! " وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِالتَّوَاتُرِ الْعَامِّ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ، لَمْ يَرُدَّهُ وَلَا رَجَعَ، بَلْ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ ذَلِكَ الْعَامَ، وَعَلِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّتِهِ، يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ، وَيَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ كَسَائِرِ مَنْ مَعَهُ. وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَمْ يَخْتَلِفِ اثْنَانِ فِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْحَجَّ ذَلِكَ الْعَامَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ؟ ! وَلَكِنْ أَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ (¬1) لِيَنْبِذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَهْدَهُمْ ; لِأَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ جَارِيَةً أَنْ لَا يَعْقِدَ الْعُقُودَ (¬2) وَلَا يَحُلَّهَا إِلَّا الْمُطَاعُ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَقْبَلُونَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ م: وَفِي الصَّحِيحِ (¬3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: " أَنْ (¬4) : «لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» " (¬5) ، وَفِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) بِعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ن، س، ب: الْعُهُودَ. (¬3) . (¬4) أَنْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) . (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْجُزْءِ السَّابِقِ ص 475.

وَسَلَّمَ - بِعَلِيٍّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، فَأَذَّنَ عَلِيٌّ مَعَنَا (¬1) فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ، وَبِأَنْ (¬2) لَا يَحُجَّ (* بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» . قَالَ: فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَلَمْ يَحُجَّ *) (¬3) عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ - الَّتِي حَجَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْرِكٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ (¬4) : " وَمَا حَصَلَ فِي حَجَّةِ الصِّدِّيقِ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَطَبَ بِالنَّاسِ فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ وَالْجَمْعِ الْعَظِيمِ، وَالنَّاسُ مُنْصِتُونَ لِخُطْبَتِهِ، يُصَلُّونَ خَلْفَهُ، وَعَلِيٌّ مِنْ جُمْلَتِهِمْ. وَفِي السُّورَةِ فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ وَذِكْرُ الْغَارِ، فَقَرَأَهَا عَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ، فَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ ". وَتَأْمِيرُهُ لِأَبِي بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ هَذَا كَانَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ؟ " (¬5) ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ وَنَحْوَهُ مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ وَسِيرَتِهِ وَأُمُورِهِ وَوَقَائِعِهِ، يَجْهَلُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ مَعْلُومٌ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالسِّيرَةِ، وَيَجِيئُونَ إِلَى مَا وَقَعَ فَيَقْبَلُونَهُ، وَيُزِيدُونَ فِيهِ وَيُنْقِصُونَ. وَهَذَا الْقَدْرُ، وَإِنْ كَانَ الرَّافِضِيُّ لَمْ يَفْعَلْهُ، فَهُوَ فِعْلُ شُيُوخِهِ وَسَلَفِهِ ¬

(¬1) ن، م: مَعَنَا عَلِيٌّ. (¬2) ن، س: بِأَنْ م: أَنْ. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬4) لَمْ أَجِدِ الْكَلَامَ التَّالِيَ بِنَصِّهِ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ كُتُبِ ابْنِ حَزْمٍ: الْفِصَلِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ كَلَامًا مُقَارِبًا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْكَلَامِ التَّالِي فِي الْفِصَلِ 4/222. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/501.

الَّذِينَ قَلَّدَهُمْ، وَلَمْ يُحَقِّقْ مَا قَالُوهُ، وَيُرَاجِعْ (¬1) مَا هُوَ الْمَعْلُومُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَهُمْ، الْمَعْلُومُ لِعَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ. الثَّانِي: قَوْلُهُ: " الْإِمَامَةُ الْعَامَّةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِأَدَاءِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِلَى الْأُمَّةِ ". قَوْلٌ بَاطِلٌ ; فَالْأَحْكَامُ كُلُّهَا قَدْ تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ عَنْ نَبِيِّهَا، لَا تَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْإِمَامِ، إِلَّا كَمَا تَحْتَاجُ إِلَى نَظَائِرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَتْ عَامَّةُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ مَعْلُومَةً، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا زَمَنَ الصِّدِّيقِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، إِلَّا وَاتَّفَقُوا بَعْدَ النِّزَاعِ بِالْعِلْمِ الَّذِي (¬2) كَانَ يُظْهِرُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ يَعْلَمُ عَامَّةَ الشَّرِيعَةِ، وَإِذَا خَفِيَ عَنْهُ (¬3) الشَّيْءُ الْيَسِيرُ سَأَلَ عَنْهُ الصَّحَابَةَ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ (¬4) ، كَمَا «سَأَلَهُمْ عَنْ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ (¬5) ، فَأَخْبَرَهُ مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا (¬6) السُّدُسَ» (¬7) . ¬

(¬1) ن، م، س: رَاجَعَ. (¬2) س، ب: بِالَّذِي. (¬3) م: عَلَيْهِ. (¬4) م: عِلْمٌ مِنْ ذَلِكَ. (¬5) س، ب: الْجَدِّ. (¬6) س، ب: أَعْطَاهُ. (¬7) فِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ 6/261 وَلَنَا مَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ قَالَ: " جَاءَتِ الْجَدَّاتُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شَيْءٌ، وَمَا أَعْلَمُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا وَلَكِنِ ارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْطَاهَا السُّدُسَ ; فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَأَمْضَاهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ ".

وَلَمْ يُعْرَفْ لِأَبِي بَكْرٍ فُتْيَا وَلَا حُكْمٌ خَالَفَ نَصًّا، وَقَدْ عُرِفَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءُ (¬1) ، وَالَّذِي عُرِفَ لِعَلِيٍّ أَكْثَرُ مِمَّا عُرِفَ لَهُمَا (¬2) . مِثْلَ قَوْلِهِ فِي [الْحَامِلِ] (¬3) الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِنَّهَا تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ لَمَّا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِثَلَاثِ لَيَالٍ: " حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ "، وَلَمَّا قَالَتْ لَهُ: إِنَّ أَبَا السَّنَابِلِ قَالَ: مَا أَنْتِ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْكِ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ. قَالَ: " كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ» " (¬4) . وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " خِلَافُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ " مِنْ أَقْوَالِ عَلِيٍّ الَّتِي تَرَكَهَا النَّاسُ لِمُخَالَفَتِهَا النَّصَّ أَوْ مَعْنَى النَّصِّ جُزْءًا كَبِيرًا. وَجَمَعَ بَعْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا نَاظَرَهُ الْكُوفِيُّونَ يَحْتَجُّ بِالنُّصُوصِ، فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَمَعَ لَهُمْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً (¬5) مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ تَرَكُوهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ، يَقُولُ: إِذَا جَازَ لَكُمْ خِلَافُهُمَا (¬6) فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى خِلَافِهِمَا (¬7) ، فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ. وَلَمْ يُعْرَفْ لِأَبِي بَكْرٍ مِثْلُ هَذَا. ¬

(¬1) س، ب: شَيْءٌ. (¬2) ن، م، س: مِنْهُمَا. (¬3) الْحَامِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/243. (¬5) ن، م: شَيْئًا كَثِيرًا. (¬6) ن، م، س: خِلَافُهَا. (¬7) ن، م، س: خِلَافِهَا.

فصل قال الرافضي الثاني عشر قول عمر إن محمدا لم يمت وهذا يدل على قلة علمه والرد عليه

الثَّالِثُ: أَنَّ الْقُرْآنَ بَلَّغَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ لِتَبْلِيغِهِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ تَبْلِيغَ الْقُرْآنِ يَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ ; فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْآحَادِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَوْسِمَ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ يَحُجُّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُنَادِيَ فِي الْمَوْسِمِ: " «أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» " كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) . فَأَيُّ حَاجَةٍ كَانَتْ بِالْمُشْرِكِينَ إِلَى أَنْ يُبَلَّغُوا الْقُرْآنَ (¬2) . [فصل قال الرافضي الثاني عشر قول عمر إن محمدا لم يمت وهذا يدل على قلة علمه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الثَّانِي عَشَرَ: قَوْلُ عُمَرَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَمُتْ، وَهَذَا يَدُلُّ (¬4) عَلَى قِلَّةِ عِلْمِهِ، وَأَمَرَ بِرَجْمِ حَامِلٍ، فَنَهَاهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي غَلِطَ فِيهَا وَتَلَوَّنَ فِيهَا ". ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ وَفِي الْجُزْءِ السَّابِقِ 7 (¬2) س، ب: الْقُرْآنَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (¬3) فِي (ك) ص 196 (م) . (¬4) ك: إِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - لَمْ يَمُتْ، وَهُوَ يَدُلُّ. . .

وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «قَدْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» " (¬1) وَمِثْلُ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ لِعَلِيٍّ. وَأَنَّهُ قَالَ: " «رَأَيْتُ أَنِّي أُتِيتُ بِقَدَحٍ فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ حَتَّى أَنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ " قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمُ» (¬2) . فَعُمَرُ كَانَ أَعْلَمَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ. وَأَمَّا كَوْنُهُ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ، فَهَذَا كَانَ سَاعَةً، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَوْتُهُ، وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ كَثِيرًا قَدْ يَشُكُّ الْإِنْسَانُ فِي مَوْتِ مَيِّتٍ سَاعَةً وَأَكْثَرَ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَوْتُهُ، وَعَلِيٌّ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ أُمُورٌ بِخِلَافِ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ فِيهَا أَضْعَافَ ذَلِكَ، بَلْ ظَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي إِمَامَتِهِ كَفُتْيَاهُ فِي الْمُفَوِّضَةِ الَّتِي مَاتَتْ وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَأَمَّا الْحَامِلُ، فَإِنْ كَانَ (¬3) لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَمَرَ بِرَجْمِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ عَلِيًّا أَخْبَرَنِي بِهَا لَرَجَمْتُهَا، فَقَتَلْتُ الْجَنِينَ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي خَافَ مِنْهُ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬3) س، ب: كَانَتْ

وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ جَوَازَ رَجْمِ الْحَامِلِ، فَهَذَا مِمَّا قَدْ يَخْفَى، فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَاءَ فِي مَوْضِعٍ بِقَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْحَامِلِ تَبَعًا كَمَا إِذَا حُوصِرَ الْكُفَّارُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ وَنَصَبَ عَلَيْهِمُ الْمَنْجَنِيقَ، وَقَدْ يَقْتُلُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ، فَقَالَ: " هُمْ مِنْهُمْ» " (¬1) . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ (¬2) وَالصِّبْيَانِ. وَقَدِ اشْتَبَهَ هَذَا عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمَنَعُوا مِنَ الْبَيَاتِ خَوْفًا مِنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. فَكَذَلِكَ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ ظَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّ الرَّجْمَ حَدٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ. لَكِنَّ السُّنَّةَ فَرَّقَتْ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ كَالْحَدِّ وَبَيْنَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ كَالْبَيَاتِ وَالْحِصَارِ. وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُرَاجِعُهُ آحَادُ النَّاسِ حَتَّى فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ قَالَتِ امْرَأَةٌ لَهُ: أَمِنْكَ نَسْمَعُ أَمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: بَلْ (¬3) مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬2) بَعْدَ كَلِمَةِ " النِّسَاءِ " تُوجَدُ وَرَقَةٌ لَمْ تُصَوَّرْ مِنْ نُسْخَةِ (م) أَوْ قَدْ تَكُونُ مَفْقُودَةً مِنَ النُّسْخَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَسَأُنَبِّهُ عَلَى النُّسْخَةِ عِنْدَ الْعَوْدَةِ إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ (¬3) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

[سُورَةُ النِّسَاءِ: 20] فَقَالَ: امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ (¬1) . وَكَذَلِكَ كَانَ يَرْجِعُ إِلَى عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. وَصَاحِبُ الْعِلْمِ الْعَظِيمِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، لَمْ (¬2) يَقْدَحْ هَذَا فِي كَوْنِهِ أَعْلَمَ مِنْهُ، فَقَدْ تَعَلَّمَ مُوسَى مِنَ الْخَضِرِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ، وَتَعَلَّمَ سُلَيْمَانُ مِنَ الْهُدْهُدِ خَبَرَ بِلْقِيسَ. وَكَانَ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ مَنْ يُشِيرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ (¬3) ، وَكَانَ عُمَرُ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ مُرَاجَعَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ فِي مَوَاضِعَ: كَالْحِجَابِ، وَأُسَارَى بَدْرٍ، وَاتِّخَاذِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، وَقَوْلِهِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُرَاجَعَةُ لَمْ تَكُنْ لَا (¬4) لِعُثْمَانَ وَلَا لِعَلِيٍّ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ: " «لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ» " (¬5) ، " «وَلَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ» " (¬6) . ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِيمَا مَضَى (¬2) ن، س: وَلَمْ (¬3) عِبَارَةُ " فِي بَعْضِ الْأُمُورِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (¬4) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

فصل قال الرافضي الثالث عشر أنه ابتدع التراويح والرد عليه

[فصل قال الرافضي الثالث عشر أنه ابتدع التراويح والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّهُ ابْتَدَعَ التَّرَاوِيحَ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ (¬2) إِنَّ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً بِدْعَةٌ، وَصَلَاةُ الضُّحَى بِدْعَةٌ، فَإِنَّ قَلِيلًا (¬3) فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ» ، وَخَرَجَ عُمَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلًا فَرَأَى الْمَصَابِيحَ فِي الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا لِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ وَنِعْمَتِ (¬4) الْبِدْعَةُ، فَاعْتَرَفَ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ ". فَيُقَالُ: مَا رُئِيَ فِي طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ أَجْرَأَ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الرَّافِضَةِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَالْوَقَاحَةُ الْمُفْرِطَةُ فِي الْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا كَذِبٌ، فَهُوَ مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ كَمَا قَالَ فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 196 (م) (¬2) ك: يَا أَيُّهَا النَّاسُ. (¬3) ك: وَصَلَاةُ الضُّحَى بِدْعَةٌ، أَلَا فَلَا تَجْمَعُوا لَيْلًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي النَّافِلَةِ وَلَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الضُّحَى، فَإِنَّ قَلِيلًا. (¬4) ك: وَنِعْمَ.

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ، فَيُقَالُ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ؟ وَفِي أَيِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ رُوِيَ هَذَا؟ وَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ: إِنَّ هَذَا صَحِيحٌ؟ . الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَدْنَى مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ: لَا كُتُبِ الصَّحِيحِ وَلَا السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِدِ، وَلَا الْمُعْجَمَاتِ وَلَا الْأَجْزَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ: لَا صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ، بَلْ هُوَ كَذِبٌ بَيِّنٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةً لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى صَلَاتَهُ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَفِقَ رِجَالٌ يَقُولُونَ: الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ،

وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ» ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ (¬1) . «وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ (¬2) ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلِهِ "، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ (¬3) [الثَّالِثَةُ] جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ (¬4) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 2/11 (كِتَابُ الْجُمُعَةِ، بَابُ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ 3/45 (كِتَابُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، بَابُ فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/67 (كِتَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ، بَابٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) (¬2) (2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) اللَّيْلَةُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/68 (كِتَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ، بَابٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/150 (كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ مَا جَاءَ مِنْ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/202 - 203 (كِتَابُ قِيَامِ اللَّيْلِ، بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 5/159 - 160، 163، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/420 - 421 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا بَابُ مَا جَاءَ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 2/494 - 495

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، وَيَقُولُ: " «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» " فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ (¬1) . وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ لَيْلَةً مِنْ رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ (¬2) ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي تَقُومُونَ يُرِيدُ بِذَلِكَ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ (¬3) . وَهَذَا الِاجْتِمَاعُ الْعَامُّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ فُعِلَ سَمَّاهُ بِدْعَةً، لِأَنَّ مَا فُعِلَ ابْتِدَاءً ¬

(¬1) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3/44 - 45 (كِتَابُ التَّرَاوِيحِ، بَابُ فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) ، مُسْلِمٍ 1/523 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ) وَهُوَ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/66 - 67 (كِتَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ بَابٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ (الْمُوَطَّأِ) 1/113 - 114 (كِتَابُ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ (¬2) فِي هَامِشِ (س) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَلِي: الْبِدْعَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الضَّلَالَةُ دُونَ الْبِدْعَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالتَّرَاوِيحُ مِنَ الثَّانِي (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/45 (كِتَابُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، بَابُ فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) الْمُوَطَّأِ 1/114 - 115 (كِتَابُ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ)

يُسَمَّى بِدْعَةً فِي اللُّغَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدْعَةً شَرْعِيَّةً ; فَإِنَّ الْبِدْعَةَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي هِيَ ضَلَالَةٌ هِيَ مَا فُعِلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ كَاسْتِحْبَابِ مَا لَمْ يُحِبَّهُ اللَّهُ، وَإِيجَابِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ، فَلَا بُدَّ مَعَ الْفِعْلِ (¬1) مِنِ اعْتِقَادٍ يُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ، وَإِلَّا فَلَوْ عَمِلَ الْإِنْسَانُ فِعْلًا مُحَرَّمًا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ لَمْ يُقَلْ إِنَّهُ فَعَلَ بِدْعَةً. الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ قَبِيحًا مَنْهِيًّا عَنْهُ لَكَانَ عَلِيٌّ أَبْطَلَهُ لَمَّا صَارَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، فَلَمَّا كَانَ جَارِيًا فِي ذَلِكَ مَجْرَى عُمَرَ دَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، بَلْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: نَوَّرَ اللَّهُ عَلَى عُمَرَ قَبْرَهُ كَمَا نَوَّرَ عَلَيْنَا مَسَاجِدَنَا. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّ عَلِيًّا دَعَا الْقُرَّاءَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ عِشْرِينَ رَكْعَةً، قَالَ (¬2) : وَكَانَ عَلِيٌّ يُوتِرُ بِهِمْ (¬3) . وَعَنْ عَرْفَجَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِقِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إِمَامًا وَلِلنِّسَاءِ إِمَامًا، قَالَ عَرْفَجَةُ: فَكُنْتُ أَنَا إِمَامَ النِّسَاءِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ " (¬4) . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ: هَلْ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ أَمْ فِعْلُهُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، هُمَا: قَوْلَانِ ¬

(¬1) ن: الْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ فِي: سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 2/496 - 497 (¬4) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَرْفَجَةَ السُّلَمِيِّ فِي: سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 2/4

لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ يُرَجِّحُونَ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً مِنْهُمُ اللَّيْثُ، وَأَمَّا مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ فَيُرَجِّحُونَ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) . وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: " «الرَّجُلُ إِذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ [اللَّهُ] لَهُ (¬2) قِيَامَ لَيْلَةٍ» " (¬3) . وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «أَفْضَلُ [الصَّلَاةِ] (¬4) صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا لَمْ تُشْرَعْ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَأَمَّا مَا شُرِعَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ (¬5) كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، فَفِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَوَاتِرَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/147 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً، قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ " وَالْحَدِيثُ أَيْضًا - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/28 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لِأَمْرِ اللَّهِ) ، 9/95 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ. .) مُسْلِمٍ 1/539 - 540 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ (¬2) ن: كَتَبَ لَهُ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (ص 307) (¬4) الصَّلَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (¬5) عِبَارَةُ " وَأَمَّا مَا شُرِعَتْ لَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ " سَاقِطَةٌ مِنْ (س) . وَفِي (ب) : أَمَّا.

قَالُوا: فَقِيَامُ (¬1) رَمَضَانَ إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْتَرَضَ، وَهَذَا قَدْ أُمِنَ بِمَوْتِهِ، فَصَارَ هَذَا كَجَمْعِ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ. وَإِذَا كَانَتِ الْجَمَاعَةُ مَشْرُوعَةً فِيهَا فَفِعْلُهَا فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ، فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي أَوَّلِهِ أَفْضَلُ، وَالْوَقْتُ الْمَفْضُولُ قَدْ يَخْتَصُّ الْعَمَلُ فِيهِ بِمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَفْضَلُ مِنَ التَّفْرِيقِ بِسَبَبٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا الْحَاضِرِ (¬2) أَفْضَلُ، وَالْإِبْرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَفْضَلُ. وَأَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالصَّلَاةُ عَقِبَ الزَّوَالِ أَفْضَلُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِالْجُمُعَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّاسِ، وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ إِلَّا إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الِانْتِظَارُ، فَصَلَاتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ الِاجْتِمَاعُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي: إِذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ. وَفِي السُّنَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ¬

(¬1) ن: قِيَامُ (¬2) ن: الْخَاصِّ

" «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ» " (¬1) . وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَسْتَحِبُّ إِذَا أُسْفِرَ بِالصُّبْحِ أَنْ يُسْفَرَ بِهَا لِكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَ التَّغْلِيسُ أَفْضَلَ. فَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْوَقْتَ الْمَفْضُولَ قَدْ يَخْتَصُّ بِمَا يَكُونُ الْفِعْلُ فِيهِ أَحْيَانًا أَفْضَلَ. وَأَمَّا الضُّحَى فَلَيْسَ لِعُمَرَ فِيهَا اخْتِصَاصٌ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (¬2) مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» " (¬3) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/151 - 152 (كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابٌ فِي فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ فِيهَا: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا الصُّبْحَ، فَقَالَ: " أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا قَالَ " أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ، وَإِنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ. . الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/104 - 105 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ الْجَمَاعَةِ إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/140. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/254 - 255 (¬2) أَيَّامٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/41 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ صِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ. . .) وَجَاءَ مُخْتَصَرًا فِيهِ 2/57 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ كَامِلًا فِي: مُسْلِمٍ 1/499 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى. . . سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/89 (كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابٌ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ

فصل قال الرافضي الرابع عشر أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها والرد عليه

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِثْلُ (¬1) حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (¬2) . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» " (¬3) . [فصل قال الرافضي الرابع عشر أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ: (¬4) " الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ أُمُورًا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا، حَتَّى أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ كَافَّةً، وَاجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى إِمَامَتِهِ وَإِمَامَةِ صَاحِبَيْهِ ". ¬

(¬1) ن، س: مِنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 499 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى. .) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/89 (كِتَابُ الْوَتْرِ، بَابٌ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ) (¬3) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/498 - 499 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى. . .) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/36 - 37 (كِتَابُ التَّطَوُّعِ، بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى) : 4/489 - 490 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) . وَقَالَ الْمُعَلِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالسُّلَامَى بِزِنَةِ الْخُزَامَى - أَرَادَ بِهِ هُنَا كُلَّ عَظْمٍ وَمَفْصِلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَكَةِ وَيَقَعُ بِهِ الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ " (¬4) فِي (ك) ص 197 (م)

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ، فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ بَايَعُوا عُثْمَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَفِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، لَمْ يَخْتَلِفْ فِي إِمَامَتِهِ (¬1) اثْنَانِ، وَلَا تَخَلَّفَ عَنْهَا أَحَدٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا كَانَتْ أَوْكَدَ مِنْ غَيْرِهَا (¬2) بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَتَلُوهُ فَنَفَرٌ قَلِيلٌ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَعِيبُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ: " خَرَجُوا عَلَيْهِ كَاللُّصُوصِ مِنْ وَرَاءِ الْقَرْيَةِ، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ كُلَّ قِتْلَةٍ، وَنَجَا مَنْ نَجَا مِنْهُمْ تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ " يَعْنِي هَرَبُوا لَيْلًا. وَمَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ لَمْ يَشْهَدُوا قَتْلَهُ فَلَمْ يَقْتُلْهُ بِقَدْرِ مَنْ بَايَعَهُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَقْتُلُوهُ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ دَخَلَ فِي قَتْلِهِ كَمَا دَخَلُوا فِي بَيْعَتِهِ، بَلِ الَّذِينَ قَتَلُوهُ أَقَلُّ مِنْ عُشْرِ مِعْشَارِ مَنْ بَايَعَهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَيْعَتِهِ؟ ! لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِهِمْ، وَأَعْظَمِهِمْ تَعَمُّدًا لِلْكَذِبِ عَلَيْهِمْ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى عَلِيٍّ وَقَاتَلُوهُ أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى عُثْمَانَ وَقَتَلُوهُ، فَإِنَّ عَلِيًّا قَاتَلَهُ بِقَدْرِ الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَقَطَعَهُ كَثِيرٌ مِنْ عَسْكَرِهِ: خَرَجُوا عَلَيْهِ وَكَفَّرُوهُ، وَقَالُوا: أَنْتَ ارْتَدَدْتَ عَنِ الْإِسْلَامِ، لَا نَرْجِعُ إِلَى طَاعَتِكَ حَتَّى تَعُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ. ¬

(¬1) ن، س: فِي زَمَنِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) س: مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

ثُمَّ إِنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ قَتَلَهُ قَتْلَ مُسْتَحِلٍّ لِقَتْلِهِ مُتَقَرِّبٍ إِلَى اللَّهِ بِقَتْلِهِ مُعْتَقِدًا فِيهِ أَقْبَحَ مِمَّا اعْتَقَدَهُ قَتَلَةُ عُثْمَانَ فِيهِ. فَإِنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا مُظْهِرِينَ لِكُفْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَدَّعُونَ الظُّلْمَ وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَكَانُوا (¬1) يَجْهَرُونَ بِكُفْرِ عَلِيٍّ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ لِحِصَارِ عُثْمَانَ حَتَّى قُتِلَ. فَإِنْ كَانَ هَذَا حُجَّةً فِي الْقَدْحِ فِي عُثْمَانَ كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً فِي الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كِلَيْهِمَا (¬2) حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ، لَكِنَّ الْقَادِحَ فِي عُثْمَانَ بِمَنْ قَتَلَهُ أَدْحَضُ حُجَّةً مِنَ الْقَادِحِ فِي عَلِيٍّ بِمَنْ قَاتَلَهُ، فَإِنَّ الْمُخَالِفِينَ لِعَلِيٍّ الْمُقَاتِلِينَ لَهُ كَانُوا أَضْعَافَ الْمُقَاتِلِينَ لِعُثْمَانَ، بَلِ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلِيًّا كَانُوا أَفْضَلَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الَّذِينَ حَاصَرُوا عُثْمَانَ وَقَتَلُوهُ، وَكَانَ فِي الْمُقَاتِلِينَ (¬3) لِعَلِيٍّ أَهْلُ زُهْدٍ وَعِبَادَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ قَتَلَةُ عُثْمَانَ لَا فِي الدِّيَانَةِ وَلَا فِي إِظْهَارِ تَكْفِيرِهِ مِثْلَهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَعَلِيٌّ خَلِيفَةٌ رَاشِدٌ وَالَّذِينَ اسْتَحَلُّوا دَمَهُ ظَالِمُونَ مُعْتَدُونَ فَعُثْمَانُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ عَلِيٍّ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ أَحَدٌ مَعَ أَنَّ بَيْعَةَ الصِّدِّيقِ تَخَلَّفَ عَنْهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَاتَ وَلَمْ يُبَايِعْهُ وَلَا بَايَعَ عُمَرَ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ ¬

(¬1) ن، س: كَانُوا (¬2) ن، س: كِلَاهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) س: الْقَاتِلِينَ

عُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ تَخَلُّفُ سَعْدٍ عَنْهَا قَادِحًا فِيهَا، لِأَنَّ سَعْدًا لَمْ يَقْدَحْ فِي الصِّدِّيقِ وَلَا فِي أَنَّهُ أَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ، بَلْ كَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، لَكِنْ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرٌ. وَقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» " (¬1) فَكَانَ مَا ظَنَّهُ سَعْدٌ خَطَأً مُخَالِفًا لِلنَّصِّ الْمَعْلُومِ، فَعُلِمَ أَنَّ تَخَلُّفَهُ خَطَأٌ بِالنَّصِّ، (2 وَإِذَا عُلِمَ الْخَطَأُ بِالنَّصِّ 2) (¬2) لَمْ يُحْتَجْ فِيهِ إِلَى الْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا بَيْعَةُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهَا أَحَدٌ مَعَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَانْتِشَارِهِمْ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَمِنْ سَوَاحِلِ الشَّامِ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ، وَمَعَ كَوْنِهِمْ كَانُوا ظَاهِرِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ يُقَاتِلُونَهُمْ، وَهِيَ فِي زِيَادَةِ فَتْحٍ وَانْتِصَارٍ، وَدَوَامِ دَوْلَةٍ، وَدَوَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُبَايَعَتِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ سِتَّ سِنِينَ نِصْفَ خِلَافَتِهِ، مُعَظِّمِينَ لَهُ مَادِحِينَ لَهُ، لَا يَظْهَرُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّكَلُّمُ فِيهِ بِسُوءٍ. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا صَارَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَجُمْهُورُهُمْ لَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ إِلَّا بِخَيْرٍ وَكَانَتْ قَدْ طَالَتْ عَلَيْهِمْ إِمَارَتُهُ، فَإِنَّهُ بَقِيَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ تَدُمْ خِلَافَةُ أَحَدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ مَا دَامَتْ خِلَافَتُهُ، فَإِنَّ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ كَانَتْ سَنَتَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثَةِ، وَخِلَافَةَ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَبَعْضَ الْأُخْرَى، وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ أَرْبَعَ سِنِينَ وَبَعْضَ الْخَامِسَةِ، وَنَشَأَ فِي خِلَافَتِهِ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب)

كُرْهًا فَكَانَ مُنَافِقًا مِثْلَ ابْنِ سَبَأٍ وَأَمْثَالِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ سَعَوْا فِي الْفِتْنَةِ بِقَتْلِهِ. وَفِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَسْمَعُ الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 47] أَيْ: وَفِيكُمْ مَنْ يَسْمَعُ (¬1) مِنْهُمْ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ، وَيَقْبَلُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَيْهِ. وَهَكَذَا فَعَلَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقُونَ: لَبَّسُوا عَلَى بَعْضِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ يُحِبُّ عُثْمَانَ وَيَبْغَضُ مَنْ كَانَ يَبْغَضُهُ حَتَّى تَقَاعَدَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ نَصْرِهِ. وَكَانَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ عَامَّتُهُمْ مِنْ أَوْبَاشِ الْقَبَائِلِ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ ذِكْرٌ بِخَيْرٍ وَلَوْلَا الْفِتْنَةُ لَمَا ذُكِرُوا. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَمِنْ حِينِ تَوَلَّى تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ قَرِيبٌ مِنْ نِصْفِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ قَعَدَ عَنْهُ فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ، وَلَا قَاتَلَهُ مِثْلُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُ (¬2) . ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ رَجَعُوا عَنْهُ مِنْهُمْ مَنْ كَفَّرَهُ وَاسْتَحَلَّ دَمَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ كَعَقِيلٍ أَخِيهِ وَأَمْثَالِهِ. ¬

(¬1) ن: يَسْتَمِعُ (¬2) عِنْدَ عِبَارَةِ " وَمِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُ " تَعُودُ نُسْخَةُ (م)

باب الفصل السادس في فسخ حججهم على إمامة أبي بكر

وَلَمْ تَزَلْ شِيعَةُ عُثْمَانَ الْقَادِحِينَ فِي عَلِيٍّ تَحْتَجُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً رَاشِدًا وَمَا كَانَتْ (¬1) حُجَّتُهُمْ أَعْظَمَ مِنْ حُجَّةِ الرَّافِضَةِ، فَإِذَا (¬2) كَانَتْ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةً وَعَلِيٌّ قُتِلَ مَظْلُومًا فَعُثْمَانُ أَوْلَى بِذَلِكَ. [باب الفصل السادس في فسخ حججهم على إمامة أبي بكر] [الأول الإجماع والجواب منع الإجماع والرد عليه] بَابٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي فَسْخِ (¬4) حُجَجِهِمْ (¬5) عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: الْإِجْمَاعُ، وَالْجَوَابُ: مَنْعُ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَمْ يُوَافِقُوا عَلَى ذَلِكَ وَجَمَاعَةً مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ كَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ وَعَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ (¬6) [وَابْنِ عَبَّاسٍ] (¬7) . ¬

(¬1) ن، م، س: مَا كَانَتْ (¬2) س، ب: وَإِذَا (¬3) فِي (ك) ص 197 (م) (¬4) فَسْخِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (ك) : نَسْخِ (¬5) س، ب حُجَّتِهِمْ (¬6) م: ك: وَخَالِدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، صَحَابِيٌّ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، اخْتُلِفَ فِي يَوْمِ اسْتِشْهَادِهِ فَقِيلَ فِي: يَوْمِ مَرْجِ الصُّفَّرِ، وَقِيلَ: يَوْمَ أَجْنَادَيْنِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 1/406، طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 4/94 - 100 (¬7) وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي (ك) فَقَطْ

حَتَّى أَنَّ أَبَاهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ (¬1) ، وَقَالَ: مَنِ اسْتُخْلِفَ عَلَى النَّاسِ (¬2) ؟ فَقَالُوا: ابْنُكَ، فَقَالَ: وَمَا فَعَلَ الْمُسْتَضْعَفَانِ؟ إِشَارَةٌ إِلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ (¬3) ، قَالُوا: اشْتَغَلُوا بِتَجْهِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَوْا [أَنَّ] (¬4) ابْنَكَ أَكْبَرُ [الصَّحَابَةِ سِنًّا، فَقَالَ: أَنَا] أَكْبَرُ (¬5) مِنْهُ. وَبَنُو حَنِيفَةَ كَافَّةً لَمْ يَحْمِلُوا (¬6) الزَّكَاةَ إِلَيْهِ، حَتَّى سَمَّاهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ، فَأَنْكَرَ (¬7) عُمَرُ عَلَيْهِ، وَرَدَّ السَّبَايَا أَيَّامَ خِلَافَتِهِ. وَالْجَوَابُ: بَعْدَ أَنْ يُقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ إِخْوَانِ الْمُرْتَدِّينَ مَا تَحَقَّقَ بِهِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ أَنَّهُمْ إِخْوَانُ الْمُرْتَدِّينَ حَقًّا، وَكَشَفَ أَسْرَارَهُمْ وَهَتَكَ أَسْتَارَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَزَالُ يَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ تُبَيِّنُ عَدَاوَتَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِخِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} . ¬

(¬1) أَيْ أَنَّ أَبَا قُحَافَةَ وَالِدَ أَبِي بَكْرٍ أَنْكَرَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ النَّاسُ ابْنَهُ (¬2) ك: مَنِ اسْتَخْلَفَ النَّاسُ (¬3) ك: إِشَارَةٌ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَبَّاسٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬4) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬5) ن، م، س: وَابْنُكَ أَكْبَرُ مِنْهُ، ب: ابْنُكَ أَكْبَرُ سِنًّا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) وَهُوَ الصَّوَابُ (¬6) ن، م، س، ب: وَلَمْ يَحْمِلُوا، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) (¬7) ك: وَأَنْكَرَ

فَنَقُولُ: مَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالسِّيرَةِ، وَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ، جَزَمَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بِأَنَّ قَائِلَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَخْبَارِ الصَّحَابَةِ، وَإِمَّا أَنَّهُ مِنْ أَجْرَأِ النَّاسِ عَلَى الْكَذِبِ، فَظَنِّي أَنَّ هَذَا الْمُصَنِّفَ وَأَمْثَالَهُ مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ يَنْقُلُونَ مَا فِي كُتُبِ سَلَفِهِمْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ مِنْهُمْ لِذَلِكَ، وَلَا نَظَرٍ فِي أَخْبَارِ (¬1) الْإِسْلَامِ، وَفِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَ أَحْوَالَ الْإِسْلَامِ فَيَبْقَى هَذَا وَأَمْثَالُهُ فِي ظُلْمَةِ الْجَهْلِ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُفْتَرِينَ لِلْكَذِبِ (¬2) مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ كَثِيرُونَ جِدًّا (¬3) وَغَالِبُ الْقَوْمِ ذَوُو هَوًى أَوْ جَهْلٍ فَمَنْ حَدَّثَهُمْ بِمَا يُوَافِقُ هَوَاهُمْ صَدَّقُوهُ، وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ، وَمَنْ حَدَّثَهُمْ (¬4) بِمَا يُخَالِفُ أَهْوَاءَهُمْ كَذَّبُوهُ، وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ وَلَهُمْ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 32] كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ لَهُمْ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33] . وَمِنْ أَعْظَمِ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ جَعْلُهُ (¬5) بَنِي حَنِيفَةَ ¬

(¬1) م: وَلَا نَظَرُوا أَخْبَارَ (¬2) م: الْكَذِبَ (¬3) م: كَثِيرٌ جِدًّا (¬4) س، ب: يُحَدِّثُهُمْ (¬5) م: جَعْلُ

مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّهُمْ لَمَّا امْتَنَعُوا عَنْ بَيْعَتِهِ وَلَمْ يَحْمِلُوا (¬1) إِلَيْهِ الزَّكَاةَ سَمَّاهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِهِ. وَبَنُو حَنِيفَةَ قَدْ عَلِمَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِالْيَمَامَةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّسَالَةِ، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي آخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ (¬2) هُوَ وَالْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ بِصَنْعَاءِ الْيَمَنِ وَكَانَ اسْمُهُ عَبْهَلَةَ، وَاتَّبَعَ الْأَسْوَدَ أَيْضًا خَلْقٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ قَتَلَهُ اللَّهُ بِيَدِ فَيْرُوزَ الدَّيْلِمِيِّ وَمَنْ أَعَانَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ قَتْلُهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ (¬3) لَيْلَةَ قُتِلَ، وَقَالَ: " «قَتَلَهُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ (¬4) بَيْتٍ صَالِحِينَ» " (¬5) . وَالْأَسْوَدُ ادَّعَى الِاسْتِقْلَالَ بِالنُّبُوَّةِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمُشَارَكَةِ، وَغَلَبَ عَلَى الْيَمَنِ وَأَخْرَجَ مِنْهَا عُمَّالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى قَتَلَهُ ¬

(¬1) ن، م، س امْتَنَعُوا عَنْ بَيْعَتِهِ لَمْ يَحْمِلُوا. . (¬2) فَقُتِلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬3) بِقَتْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬5) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ " الِاسْتِيعَابِ " عَلَى هَامِشِ الْإِصَابَةِ 3/202) قَالَ " سَيْفُ (بْنُ عُمَرَ) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الشَّنَوِيُّ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَى الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمَاءِ اللَّيْلَةَ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْأَسْوَدُ الْكَذَّابُ الْعَنْسِيُّ، فَخَرَجَ لِيُبَشِّرَنَا فَقَالَ: " قُتِلَ الْأَسْوَدُ الْبَارِحَةَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مُبَارَكِينَ " قِيلَ " وَمَنْ قَتَلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ "

اللَّهُ، وَنَصَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ (¬1) ، بَعْدَ أَنْ جَرَتْ أُمُورٌ، وَقَدْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ. وَأَمَّا مُسَيْلِمَةُ فَإِنَّهُ ادَّعَى الْمُشَارَكَةَ فِي النُّبُوَّةِ، وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنَّ فِي يَدِي سُوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَقِيلَ لِي: انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ: صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ» " (¬2) وَأَمْرُ مُسَيْلِمَةَ وَادِّعَاؤُهُ النُّبُوَّةَ وَاتِّبَاعُ بَنِي حَنِيفَةَ لَهُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى، إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ. وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ عَلِمَهُ مَنْ [يَعْلَمُهُ مِنَ] الْيَهُودِ (¬3) وَالنَّصَارَى، فَضْلًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَقُرْآنُهُ الَّذِي قَرَأَهُ قَدْ حَفِظَ النَّاسَ مِنْهُ سُوَرًا إِلَى الْيَوْمِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: يَا ضِفْدَعُ بَنْتَ ضِفْدَعَيْنِ، نِقِّي كَمْ تَنِقِّينَ، لَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينَ، وَلَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينَ، رَأْسُكِ فِي الْمَاءِ وَذَنَبُكِ فِي الطِّينِ. وَمِثْلَ قَوْلِهِ: الْفِيلُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلُ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا لَقَلِيلُ. ¬

(¬1) س، ب: الْمُسْلِمُونَ (¬2) سَيَرِدُ الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا بَعْدَ صَفَحَاتٍ (ص 328) فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ (¬3) ن: قَدْ عَلِمَهُ مِنَ الْيَهُودِ ; س، ب: قَدْ عَلِمَهُ الْيَهُودُ

وَمِثْلَ قَوْلِهِ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْجَمَاهِرْ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَهَاجِرْ، وَلَاتُطِعْ كُلَّ سَاحِرٍ (¬1) وَكَافِرْ. وَمِثْلَ قَوْلِهِ: وَالطَّاحِنَاتِ طَحْنًا، وَالْعَاجِنَاتِ عَجْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خُبْزًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا إِنَّ الْأَرْضَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قُرَيْشٍ نِصْفَيْنِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ لَا يَعْدِلُونَ. وَأَمْثَالَ هَذَا الْهَذَيَانِ. وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ طَلَبَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُسْمِعُوهُ شَيْئًا مِنْ قُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ، فَلَمَّا أَسْمَعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: " وَيْحَكُمْ أَيْنَ يَذْهَبُ بِعُقُولِكُمْ؟ إِنَّ هَذَا كَلَامٌ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِلٍّ " أَيْ مِنْ رَبٍّ (¬2) . وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ قَدْ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ: " مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ (¬3) فِي الْأَمْرِ مَعَكَ " فَكَتَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. وَلَمَّا جَاءَ رَسُولُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا أَظْهَرَ أَحَدُ الرَّسُولَيْنِ الرِّدَّةَ ¬

(¬1) ن: سَافِرٍ، م: مُسَافِرٍ (¬2) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " " وَفِي حَدِيثِ الصِّدِّيقِ لَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ كَلَامُ مُسَيْلِمَةَ قَالَ: " إِنَّ هَذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِلٍّ " أَيْ مِنْ رُبُوبِيَّةٍ. وَالْإِلُّ بِالْكَسْرِ هُوَ اللَّهُ تَعَالِي، وَقِيلَ: الْإِلُّ: هُوَ الْأَصْلُ الْجَيِّدُ، أَيْ لَمْ يَجِئْ مِنَ الْأَصْلِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ الْقُرْآنُ. . " (¬3) س، ب: فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ أُشْرِكْتُ

بِالْكُوفَةِ فَقَتَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَذَكَّرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا (¬1) . وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ قَدْ (¬2) قَدِمَ فِي وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَشْرَكَنِي فِي الْأَمْرِ مَعَهُ " وَاسْتَشْهَدَ بِرَجُلَيْنِ (¬3) : أَحَدُهُمَا الرَّحَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ، فَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ. وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَالثَّانِي: الرَّحَّالُ هَذَا: " إِنَّ أَحَدَكُمْ ضِرْسُهُ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ كَذَا وَكَذَا» " فَاسْتُشْهِدَ الثَّالِثُ فِي سَبِيلِ [اللَّهِ] (¬4) وَبَقِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ خَائِفًا حَتَّى شَهِدَ هَذَا لِمُسَيْلِمَةَ بِالنُّبُوَّةِ، وَاتَّبَعَهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ هُوَ كَانَ الْمُرَادَ بِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5) . وَكَانَ مُؤَذِّنُ مُسَيْلِمَةَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا وَمُسَيْلِمَةَ رَسُولَا اللَّهِ. ¬

(¬1) ذَكَرَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ تَفْصِيلًا ابْنُ كَثِيرٍ فِي " السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ " 4/97 - 99. وَانْظُرْ أَيْضًا سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 4/247 إِمْتَاعَ الْأَسْمَاعِ، ص 508 - 509 زَادَ الْعِمَادِ 3/610 - 613 (¬2) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) س، ب: رَجُلَيْنِ (¬4) لَفْظُ الْجَلَالَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي (ن) (¬5) قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ " 4/97: " وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرَّحَّالَ بْنَ عُنْفُوَةَ - وَاسْمُهُ نَهَارُ بْنُ عُنْفُوَةَ - وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَتَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَصَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةً. وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ، فَقَالَ لَهُمْ: " أَحَدُكُمْ ضِرْسُهُ فِي النَّارِ مِثْلُ أُحُدٍ " فَلَمْ يَزَالَا خَائِفَيْنِ حَتَّى ارْتَدَّ الرَّحَّالُ مَعَ مُسَيْلِمَةَ وَشَهِدَ لَهُ زُورًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْرَكَهُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ وَأَلْقَى إِلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَحْفَظُهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَادَّعَاهُ مُسَيْلِمَةُ لِنَفْسِهِ، فَحَصَلَ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ لِبَنِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ "

وَمِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْأُمَّةِ - أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ - أَنَّهُ قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ؛ وَأَعْظَمُ النَّاسِ رِدَّةً كَانَ بَنُو حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُ لَهُمْ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ، بَلْ قَاتَلَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَكَانُوا فِيمَا يُقَالُ نَحْوَ مِائَةِ أَلْفٍ. وَالْحَنَفِيَّةُ أُمُّ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ سُرِّيَّةُ عَلِيٍّ كَانَتْ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَبِهَذَا احْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ سَبْيَ الْمُرْتَدَّاتِ إِذَا كَانَ الْمُرْتَدُّونَ مُحَارِبِينَ، فَإِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ مَعْصُومِينَ، فَكَيْفَ اسْتَجَازَ عَلِيٌّ أَنْ يَسْبِيَ نِسَاءَهُمْ؟ وَيَطَأَ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ؟ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ، فَأُولَئِكَ نَاسٌ آخَرُونَ، وَلَمْ يَكُونُوا يُؤَدُّونَهَا وَقَالُوا: لَا نُؤَدِّيهَا إِلَيْكَ، بَلِ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَاتَلَهُمْ عَلَى هَذَا، لَمْ يُقَاتِلْهُمْ لِيُؤَدُّوهَا إِلَيْهِ، وَأَتْبَاعُ الصِّدِّيقِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا يَقُولُونَ: إِذَا قَالُوا: نَحْنُ نُؤَدِّيهَا (¬1) وَلَا نَدْفَعُهَا إِلَى الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ لَعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الصِّدِّيقَ، إِنَّمَا قَاتَلَ مَنِ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا جُمْلَةً لَا مَنْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّيهَا بِنَفْسِي. وَلَوْ عَدَّ هَذَا الْمُفْتَرِي الْرَافِضِيُّ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَجُوسَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ عَدِّهِ لِبَنِي حَنِيفَةَ، بَلْ كُفْرُ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ ; فَإِنَّ أُولَئِكَ كُفَّارٌ مِلِّيُّونَ (¬2) وَهَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ، وَأُولَئِكَ يُقِرُّونَ ¬

(¬1) ن، م: نَحْنُ لَا نُؤَدِّيهَا. . .، وَهُوَ خ (¬2) س، ب: أَصْلِيُّونَ

بِالْجِزْيَةِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ (¬1) ، وَأُولَئِكَ لَهُمْ كِتَابٌ، أَوْ شِبْهَةُ كِتَابٍ، وَهَؤُلَاءِ اتَّبَعُوا مُفْتَرِيًا كَذَّابًا؛ لَكِنْ كَانَ مُؤَذِّنُهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا وَمُسَيْلِمَةَ رَسُولَا اللَّهِ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ مُحَمَّدًا وَمُسَيْلِمَةَ سَوَاءً. وَأَمْرُ مُسَيْلِمَةَ مَشْهُورٌ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، وَالْمَغَازِي وَالْفُتُوحِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالْكَلَامِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ خَلُصَ إِلَى الْعَذَارَى فِي خُدُورِهِنَّ، بَلْ قَدْ أَفْرَدَ الْإِخْبَارِيُّونَ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ كُتُبًا سَمَّوْهَا كُتُبَ " الرِّدَّةِ " وَ " الْفُتُوحِ " مِثْلَ كِتَابِ " الرِّدَّةِ " لِسَيْفِ بْنِ عُمَرَ (¬2) وَالْوَاقِدَيِّ وَغَيْرِهِمَا، يَذْكُرُونَ فِيهَا مِنْ تَفَاصِيلِ أَخْبَارِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقِتَالِهِمْ مَا يَذْكُرُونَ كَمَا قَدْ أَوْرَدُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفُتُوحِ الشَّامِ. فَمِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَمِنْهُ مَا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ، وَمِنْهُ أَشْيَاءُ مَقَاطِيعُ وَمَرَاسِيلُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صِدْقًا وَكَذِبًا وَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَكَذِبٌ. ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) س، ب: وَالْفُتُوحِ كَسَيْفِ بْنِ عُمَرَ. . وَتَكَلَّمَ سَزْكِينُ (م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص 102 عَلَى كِتَابِ " الرِّدَّةِ - لِلْوَاقِدِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُ صَفَحَاتٍ مَخْطُوطَةً وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبَيْشٍ اقْتَبَسَ مِنْهُ فِي " كِتَابِ الْمَغَازِي " كَمَا تُوجَدُ قِطَعٌ مِنْهُ فِي كِتَابِ " الْإِصَابَةِ " بَيَّنَ سِزْكِينُ مَوَاضِعَهَا. وَتَكَلَّمَ سِزْكِينُ أَيْضًا عَلَى سَيْفِ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيِّ الْمُتَوَفَّى فِي عَهْدِ هَارُونَ الرَّشِيدِ (مِنْ 170 - 193 هـ) وَذَكَرَ مِنْ كُتُبِهِ كِتَابَ " الْفُتُوحِ الْكَبِيرِ وَالرِّدَّةِ " وَذَكَرَ عَدَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ اقْتَبَسُوا مِنْهُ وَاعْتَمَدُوا مِثْلَ الطَّبَرِيِّ وَابْنِ عَسَاكِرَ وَيَاقُوتٍ وَابْنِ حَجَرٍ. انْظُرْ سِزْكِينَ (م 1، ج [0 - 9] ، ص 133 - 134)

لَكِنَّ تَوَاتُرَ رِدَّةِ مُسَلْيِمَةَ وَقِتَالِ الصِّدِّيقِ وَحَرْبِهِ [لَهُ] (¬1) كَتَوَاتُرِ هِرَقْلَ وَكِسْرَى وَقَيْصَرَ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ قَاتَلَهُ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَتَوَاتُرِ كُفْرِ مَنْ قَاتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ مِثْلَ عُتْبَةَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَحُيَيِ بْنِ أَخْطَبَ، وَتَوَاتُرِ نِفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. بَلْ تَوَاتُرُ رِدَّةِ مُسَيْلِمَةَ وَقِتَالِ الصِّدِّيقِ لَهُ أَظْهَرُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ قِتَالِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، وَمِنْ كَوْنِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ قَاتَلَا عَلِيًّا، وَمِنْ كَوْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ عَلِيٍّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ اتَّبَعْتُهُ، فَقَدَّمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مَنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِطْعَةٌ مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: " «لَوْ سَأَلَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ (¬2) فِيكَ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي» "، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أُرِيتُ (¬3) فِيكَ مَا رَأَيْتُ " ¬

(¬1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) م: رِيتُ ن، س، ب: رَأَيْتُ وَالْمُثْبَتُ هُوَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَسَيَتَكَرَّرُ بَعْدَ قَلِيلٍ كَمَا أَثْبَتَهُ هُنَا (¬3) عَنْهُ زِيَادَةٌ فِي (م)

فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سُوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ (¬1) فِي الْمَنَامِ أَنْ أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ (¬2) مُسَيْلِمَةَ» " (¬3) . وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " إِنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ قِتَالَ أَهْلِ الرِّدَّةِ ". فَمِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَى عُمَرَ، بَلِ الصَّحَابَةُ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى قِتَالِ مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ كَانَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ، وَامْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَهَؤُلَاءِ حَصَلَ لِعُمَرَ أَوَّلًا شُبْهَةٌ فِي قِتَالِهِمْ، حَتَّى نَاظَرَهُ الصِّدِّيقُ، وَبَيَّنَ لَهُ وُجُوبَ قِتَالِهِمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ ¬

(¬1) س، ب: رَأَيْتُ (¬2) س، ب فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ. (¬3) س، ب أَيْ وَالْأَخَرُ

النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، [وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» ] (¬1) "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ يَقُلْ إِلَّا بِحَقِّهَا؟ ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّهَا. وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ " (¬2) . وَعُمَرُ احْتَجَّ بِمَا بَلَغَهُ أَوْ سَمِعَهُ (¬3) مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّنَ لَهُ الصِّدِّيقُ أَنَّ قَوْلَهُ: " بِحَقِّهَا " يَتَنَاوَلُ الزَّكَاةَ، فَإِنَّهُمَا حَقُّ الْمَالِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: (¬4) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا» " (¬5) . فَهَذَا اللَّفْظُ الثَّانِي الَّذِي قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ فِقْهَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقِتَالِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} ¬

(¬1) وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا مَضَى (¬3) ن، م: وَسَمِعَ (¬4) م: يَشْهَدُو (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/75 - 76، 1/117

[سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5] فَعَلَّقَ تَخْلِيَةَ السَّبِيلِ عَلَى الْإِيمَانِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ. وَالْأَخْبَارُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَدْ (¬1) قَبَضَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَى أَصْحَابِهَا لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَتَرَبَّصُ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهَا لَمَّا قَاتَلَهُمْ صَارَتِ الْعُمَّالُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى الصَّدَقَاتِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُمْ يَقْبِضُونَهَا، كَمَا كَانُوا يَقْبِضُونَهَا فِي زَمَنِهِ وَيَصْرِفُونَهَا كَمَا كَانُوا يَصْرِفُونَهَا. «وَكَتَبَ الصِّدِّيقُ لِمَنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ كِتَابًا لِلصَّدَقَةِ فَقَالَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالَّتِي أَمَرَ بِهَا» ". وَبِهَذَا الْكِتَابِ وَنَظَائِرِهِ يَأْخُذُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ؛ فَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا وَلَّى أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، لَا هُوَ وَلَا عُمَرُ بِخِلَافِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فَإِنَّهُمَا وَلَّيَا أَقَارِبَهُمَا. فَإِنْ جَازَ أَنْ يَطْعَنَ فِي الصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ أَنَّهُمَا قَاتَلَا لِأَخْذِ الْمَالِ، فَالطَّعْنُ فِي غَيْرِهِمَا أَوْجَهُ فَإِذَا وَجَبَ الذَّبُّ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَهُوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْجَبُ. وَعَلِيٌّ يُقَاتِلُ لِيُطَاعَ وَيَتَصَرَّفَ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، فَكَيْفَ يَجْعَلُ هَذَا ¬

(¬1) (قَدْ) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

قِتَالًا عَلَى الدِّينِ؟ وَأَبُو بَكْرٍ يُقَاتِلُ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَرَكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لِيُطِيعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَطْ، وَلَا يَكُونُ هَذَا قِتَالًا (¬1) عَلَى الدِّينِ؟ . وَأَمَّا الَّذِينَ عَدَّهُمْ هَذَا الرَّافِضِيُّ أَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ الصِّدِّيقِ مَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ إِلَّا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَإِنَّ مُبَايَعَةَ هَؤُلَاءِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُنْكَرَ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ وَالْمَنْقُولَاتِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ. وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مَا خَرَجَ فِي السَّرِيَّةِ حَتَّى بَايَعَهُ، وَلِهَذَا يَقُولُ لَهُ: " يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ". وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ ذَكَرَهُ بَايَعَهُ، لَكِنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ كَانَ نَائِبًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا أَكُونُ نَائِبًا لِغَيْرِهِ» " فَتَرَكَ الْوِلَايَةَ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الْمُقِرِّينِ بِخِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ وَبَنُو هَاشِمٍ فَكُلُّهُمْ بَايَعَهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا وَهُوَ مُبَايِعٌ لَهُ. لَكِنْ قِيلَ: [عَلِيٌّ] (¬2) تَأَخَّرَتْ بَيْعَتُهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بَلْ بَايَعَهُ ثَانِيَ يَوْمٍ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَقَدْ بَايَعُوهُ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ. ¬

(¬1) ن، م: قِتَالٌ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

ثُمَّ جَمِيعُ النَّاسِ بَايَعُوا عُمَرَ إِلَّا سَعْدًا، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَةِ عُمَرَ أَحَدٌ إِلَا بِنُو هَاشِمٍ وَلَا غَيْرُهُمْ. وَأَمَّا بَيْعَةُ عُثْمَانَ فَاتَّفَقَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهَا، وَكَانَ سَعْدٌ قَدْ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَلَمْ يُدْرِكْهَا، وَتَخَلُّفُ سَعْدٍ قَدْ عُرِفَ سَبَبُهُ؛ فَإِنَّهُ (¬1) كَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ أَمِيرًا، وَيَجْعَلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرًا وَمِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرًا، وَمَا طَلَبَهُ (¬2) سَعْدٌ لَمْ يَكُنْ سَائِغًا بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْوَاحِدِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ، ثَبَتَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ كَانَ صَوَابًا، وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ الَّذِي عُرِفَ خَطَؤُهُ بِالنَّصِّ شَاذٌّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُظْهِرُ حُجَّةً شَرْعِيَّةً مِنِ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، فَإِنَّ هَذَا يُسَوِّغُ خِلَافَةً، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ مَعَهُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ. كَمَا كَانَ الْحَقُّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي تَجْهِيزِ جَيْشِ أُسَامَةَ وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبَيَّنَ صَوَابُ رَأْيِهِ فِيمَا بَعْدُ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ فَمِنَ الْكَذِبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَبُو قُحَافَةَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، أَتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامَةِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ مَكَانَهُ لَأَتَيْنَاهُ» " (¬3) إِكْرَامًا لِأَبِي بَكْرٍ. وَلَيْسَ ¬

(¬1) ن، س، ب: وَإِنْ (¬2) م: وَمَا طَلَبَ (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/16

فِي الصَّحَابَةِ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَوْلَادُهُ، وَأَدْرَكُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَدْرَكَهُ أَيْضًا بَنُو أَوْلَادِهِ: إِلَّا أَبُو بَكْرٍ مِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. فَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنِينَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ كُلُّهُمْ أَيْضًا آمَنُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبُوهُ وَأُمُّ أَبِي بَكْرٍ أُمُّ الْخَيْرِ (¬1) آمَنَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ إِيمَانٍ لَيْسَ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ مِثْلُ هَذَا لِغَيْرِ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ. وَكَانَ يُقَالُ: لِلْإِيمَانِ بُيُوتٌ وَلِلنِّفَاقِ بُيُوتٌ فَبَيْتُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُيُوتِ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَبَنُو النَّجَّارِ مِنْ بُيُوتِ الْإِيمَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ (¬2) . وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُمْ قَالُوا لِأَبِي قُحَافَةَ: إِنَّ ابْنَكَ أَكْبَرُ الصَّحَابَةِ سِنًّا " كَذِبٌ ظَاهِرٌ، وَفِي الصَّحَابَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَسَنُّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَ الْعَبَّاسِ، فَإِنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ أَسَنَّ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَسَنَّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (¬3) : " لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ: يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - مَاتَ وَسِنُّهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَأَنَّهُ اسْتَوْفَى سِنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَا لَا يَصِحُّ، لَكِنَّ الْمَأْثُورَ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) س، ب: وَأُمُّ الْخَيْرِ (¬2) م: مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ (¬3) أَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْكَلَامَ التَّالِيَ فِي " الِاسْتِيعَابِ " وَلَكِنْ عَلَى غَيْرِ التَّرْتِيبِ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا. انْظُرْ الِاسْتِيعَابَ 2/248، 2/24

وَسَلَّمَ - ارْتَجَّتْ مَكَّةُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو قُحَافَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: أَمْرٌ جَلِيلٌ، فَمِنْ وَلِيَ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: ابْنُكَ، قَالَ: فَهَلْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ؟ ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ ". وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ عَنْ مَنْعِهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَإِلَّا فَالْبَقِيَّةُ كُلُّهُمْ بَايَعُوهُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَخَلَّفَتْ عَنْ مُبَايَعَتِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ بَايَعَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ رَهْبَةٍ وَلَا رَغْبَةٍ. وَالرِّسَالَةُ الَّتِي يَذْكُرُ بَعْضُ الْكُتَّابِ أَنَّهُ أَرْسَلَهَا إِلَى عَلِيٍّ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ عَلِيٌّ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، فَذَهَبَ هُوَ إِلَيْهِمْ فَاعْتَذَرَ عَلِيٌّ إِلَيْهِ وَبَايَعَهُ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (¬1) : أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» " وَإِنَّمَا ¬

(¬1) الْكَلَامُ التَّالِي - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/139 - 140 " كِتَابُ الْمَغَازِي: بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ "؛ مُسْلِمٍ 3/1380 - 1381 " كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ " وَانْظُرْ مَا سَبَقَ: 4/196 (ت [0 - 9] ) ، 4/232 - 233

يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ، وَإِنِّي لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ "، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ. وَكَانَ لِعَلِيٍّ وَجْهٌ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا مَاتَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، وَلَا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ كَرَاهَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟ وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضِيلَتَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نُنَفِّسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ اسْتَبْدَدْتَ بِالْأَمْرِ عَلَيْنَا وَكُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِيهِ حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ؛ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ (¬1) فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْحَقِّ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ، فَقَالَ: عَلِيٌّ ¬

(¬1) س، ب: الْأُمُورِ

لِأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ الَّذِي اعْتَذَرَ بِهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارٌ لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا؛ فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِمَامَةِ لَا يَضُرُّ فِيهِ تَخَلُّفُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالطَّائِفَةِ الْقَلِيلَةِ فَإِنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ لَمْ يَكَدْ يَنْعَقِدُ إِجْمَاعٌ عَلَى إِمَامَةٍ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَةَ أَمْرٌ مُعَيَّنٌ فَقَدْ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ لِهَوًى لَا يُعْلَمُ كَتَخَلُّفِ سَعْدٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَشْرَفَ إِلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ أَمِيرًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ، فَبَقِيَ (¬1) فِي نَفْسِهِ بَقِيَّةُ هَوًى. وَمَنْ تَرَكَ الشَّيْءَ لِهَوًى، لَمْ يُؤَثِّرْ تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ كَالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَوْ خَالَفَ فِيهِ الْوَاحِدُ، أَوْ الِاثْنَانِ فَهَلْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ كَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَالثَّانِي: يُعْتَدُّ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامَةِ أَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ يُوجِبُهُ عَلَى ¬

(¬1) ن، م، س: بَقِيَ

نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَالْقَائِلُ بِتَحْرِيمِهِ يُحَرِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، فَالْمُنَازِعُ فِيهِ لَيْسَ مُتَّهَمًا؛ وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الرَّجُلِ لِلْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِصَّةِ وَإِنْ كَانَ خَصْمًا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُهَا وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ الْيَوْمَ مَحْكُومًا لَهُ بِالْحَدِيثِ فَغَدًا يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ خَصْمٌ، وَالْخَصْمُ لَا يَكُونُ شَاهِدًا. فَالْإِجْمَاعُ عَلَى إِمَامَةِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَ حُكْمًا عَلَى أَمْرٍ عَامٍّ كُلِّيٍّ، كَالْأَحْكَامِ عَلَى أَمْرٍ خَاصٍّ مُعَيَّنٍ. وَأَيْضًا فَالْوَاحِدُ إِذَا خَالَفَ النَّصَّ الْمَعْلُومَ، كَانَ خِلَافُهُ شَاذًّا كَخِلَافِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ أُبِيحَتْ لِلْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَإِنَّ هَذَا لَمَّا جَاءَتِ السَّنَةُ الصَّحِيحَةُ بِخِلَافِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَسَعْدٌ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يُوَلُّوا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ قُرَيْشٍ» فَلَوْ كَانَ الْمُخَالِفُ قُرَشِيًّا وَاسْتَقَرَّ خِلَافُهُ لَكَانَ شُبْهَةً، بَلْ عَلِيٌّ كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ تَوَاتَرَ أَنَّهُ بَايَعَ الصِّدِّيقَ طَائِعًا مُخْتَارًا. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ خِلَافَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ وَبِقَدْرِهِمْ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخِلَافَةِ إِلَّا اتِّفَاقُ أَهْلِ الشَّوْكَةِ وَالْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُقَامُ بِهِمُ الْأَمْرُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَامَ بِهِمْ مَقَاصِدُ الْإِمَامَةِ.

وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ (¬1) الْجَمَاعَةِ» " (¬2) . وَقَالَ: " «إِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ (¬3) أَبْعَدُ» " (¬4) ". ¬

(¬1) ن، س، ب: عَلَى (¬2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَلَفْظُهُ: " يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ " وَالْحَدِيثُ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/336 وَقَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّهُ فِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي " الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ " لِلْبَيْهَقِيِّ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ وَفِي " السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَهُوَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ وَجَاءَتْ عِبَارَةُ " فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ " فِي حَدِيثِ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/84 - 85 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ قَتْلِ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَنَصُّهُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ: " إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ " وَجَاءَتْ عِبَارَةُ " وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ " أَيْضًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 - 316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي - أَوْ قَالَ: أَمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَلِيمَانُ الْمَدِينِيُّ وَهُوَ عِنْدِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " (¬3) مَعَ: كَذَا فِي (م) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَلَى (¬4) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ:. . . عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا فَقَالَ: " أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. . . " وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي " الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ " 1/204 - 205 (رَقْمُ 114) ، 230 - 231 (رَقْمُ 177) وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ

وَقَالَ: " «إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، وَالذِّئْبُ إِنَّمَا يَأْخُذُ الْقَاصِيَةَ» " (¬1) . وَقَالَ: " «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ» " (¬2) . الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ أَعْظَمَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مُبَايَعَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ ثُلُثَ الْأُمَّةِ - أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ - لَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، بَلْ قَاتَلُوهُ وَالثُّلُثَ الْآخَرَ لَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ أَيْضًا؛ وَالَّذِينَ (¬3) لَمْ يُبَايِعُوهُ مِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ، فَإِنْ جَازَ الْقَدْحُ فِي الْإِمَامَةِ بِتَخَلُّفِ بَعْضِ الْأُمَّةِ عَنِ الْبَيْعَةِ كَانَ الْقَدْحُ فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ أَوْلَى بِكَثِيرٍ. ¬

(¬1) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/232 - 233، 243 وَنَصُّهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ؛ فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ ". وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/53 وَذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/219، وَقَالَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ إِلَّا الْعَلَاءَ بْنَ زِيَادٍ، قِيلَ، إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ " (¬2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَسَبَقَ قَبْلَ قَلِيلٍ كَلَامِي فِي التَّعْلِيقَاتِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَفِيهِ الْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ " وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ "؛ أَمَّا عِبَارَةُ " عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ " فَجَاءَتْ ضِمْنَ أَحَادِيثَ، انْظُرِ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/278، 282 - 283 (¬3) ن، م، س: فَالَّذِينَ

وَإِنْ قِيلَ: جُمْهُورُ الْأُمَّةِ لَمْ تُقَاتِلْهُ، أَوْ قِيلَ بَايَعَهُ أَهْلُ الشَّوْكَةِ وَالْجُمْهُورُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَانَ هَذَا فِي حَقٍّ أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَإِذَا قَالَتِ الرَّافِضَةُ: إِمَامَةٌ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِجْمَاعِ وَالْمُبَايَعَةِ. قِيلَ: النُّصُوصُ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، لَا عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَكَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ أَنَّ النُّصُوصَ دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْخَلِيفَةَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ فَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ لَا تَحْتَاجُ إِلَى الْإِجْمَاعِ؛ بَلِ النُّصُوصُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّتِهَا وَعَلَى انْتِفَاءِ مَا يُنَاقِضُهَا. الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي وُجُودِهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ وَاتِّفَاقِ النَّاسِ بِأَنَّهُ تَوَلَّى الْأَمْرَ وَقَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلَفَهُ فِي أُمَّتِهِ وَأَقَامَ الْحُدُودَ وَاسْتَوْفَى الْحُقُوقَ وَقَاتَلَ الْكُفَّارَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَوَلَّى الْأَعْمَالَ وَقَسَّمَ الْأَمْوَالَ وَفَعَلَ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُ (¬1) الْإِمَامُ، بَلْ هُوَ أَوَّلُ (¬2) مَنْ بَاشَرَ الْإِمَامَةَ فِي الْأُمَّةِ. وَأَمَّا إِنْ أُرِيدَ بِإِمَامَتِهِ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ، فَهَذَا عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ الْإِجْمَاعِ، فَلَا طَرِيقَ يَثْبُتُ بِهَا كَوْنُ عَلِيٍّ مُسْتَحِقًّا لِلْإِمَامَةِ إِلَّا وَتِلْكَ الطَّرِيقُ يَثْبُتُ بِهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُسْتَحِقٌّ لِلْإِمَامَةِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ لِلْإِمَامَةِ (¬3) مِنْ عَلِيٍّ ¬

(¬1) س، ب: مَا فَعَلَ (¬2) م: أَوَّلُ (¬3) س، ب: بِالْإِمَامَةِ

فصل قال الرافضي الإجماع ليس أصلا في الدلالة بل لا بد أن يستند المجمعون على حكم حتى يجتمعوا عليه

وَغَيْرِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْأُولَى وَلَا فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ حَاصِلًا. [فصل قال الرافضي الإجماع ليس أصلا في الدلالة بل لا بد أن يستند المجمعون على حكم حتى يجتمعوا عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَأَيْضًا (¬2) الْإِجْمَاعُ لَيْسَ أَصْلًا فِي الدَّلَالَةِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَنِدَ (¬3) الْمُجْمِعُونَ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ خَطَأً؛ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ إِمَّا عَقْلِيٌّ، وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ دَلَالَةٌ عَلَى إِمَامَتِهِ وَإِمَّا نَقْلِيٌّ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا نَصٍّ عَلَى إِمَامٍ (¬4) ، وَالْقُرْآنُ خَالٍ مِنْهُ فَلَوْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مُتَحَقِّقًا كَانَ خَطَأً فَتَنْتَفِي (¬5) دَلَالَتُهُ ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: " الْإِجْمَاعُ لَيْسَ أَصْلًا فِي الدَّلَالَةِ ". إِنْ أَرَادَ بِهِ أَمْرَ الْمُجْتَمِعِينَ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ؛ فَإِنَّ أَمْرَ الرَّسُولِ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُ لِذَاتِهِ، بَلْ لِأَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ¬

(¬1) فِي (ك) ص 197 (م) - 198 (م) (¬2) ن، س، ب أَيْضًا (¬3) س: يَسْتَدِلَّ (¬4) ك (ص 198 م) : عَلَى إِمَامَتِهِ (¬5) م: فَتَبْتَغِي، س، ب فَتُنْفَى، ك: فَيَنْتَفِي

اللَّهَ؛ فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا يُطَاعُ أَحَدٌ لِذَاتِهِ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَهُ الْحُكْمُ وَلَيْسَ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ (¬1) طَاعَةُ الرَّسُولِ ; لِأَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللَّهِ وَوَجَبَتْ طَاعَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجْتَمِعِينَ، لِأَنَّ طَاعَتَهُمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَوَجَبَ تَحْكِيمُ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ تَحْكِيمُ (¬2) الْأُمَّةِ، لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ اللَّهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» " (¬3) . وَقَدْ قَامَتِ الْأَدِلَّةُ (¬4) الْكَثِيرَةُ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، بَلْ مَا أَمَرَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. وَالْأُمَّةُ أَمَرَتْ بِطَاعَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي إِمَامَتِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِذَلِكَ، فَمَنْ عَصَاهُ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْحَقِّ، وَقَدْ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ، فَهَذَا قَدْحٌ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَدَعْوَى أَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ تَجْتَمِعُ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالْخَطَأِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الرَّافِضَةِ الْمُوَافِقِينَ لِلنَّظَّامِ. وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: كَوْنُ عَلِيٍّ إِمَامًا وَمَعْصُومًا (¬5) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ ¬

(¬1) ب: وَجَبَ (¬2) م: حُكْمُ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/255 (¬4) ن، م: الدَّلَالَةُ (¬5) ن، س، ب: إِمَامًا مَعْصُومًا

الْإِمَامِيَّةِ (¬1) أَثْبَتُوهُ بِالْإِجْمَاعِ، إِذْ عُمْدَتُهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ عَلَى مَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَعَلَى الْإِجْمَاعِ، وَعَلَى مَا يَنْقُلُونَهُ؛ فَهُمْ يَقُولُونَ (¬2) : عُلِمَ بِالْعَقْلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ (¬3) لِلنَّاسِ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ وَإِمَامٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ؛ وَغَيْرُ عَلِيٍّ لَيْسَ مَعْصُومًا وَلَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ * بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ الْمَعْصُومُ هُوَ عَلِيًّا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ حُجَجِهِمْ. فَيُقَالُ لَهُمْ * (¬4) : إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً، فَقَدْ بَطَلَتْ تِلْكَ الْحُجَجُ فَبَطَلَ مَا بَنَوْهُ عَلَى الْإِجْمَاعِ مِنْ أُصُولِهِمْ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ، وَإِذَا بَطَلَ ثَبَتَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ حَقًّا، فَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ سَوَاءٌ قَالُوا: الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ أَمْ لَمْ يَقُولُوا، وَإِذَا بَطَلَ قَوْلُهُمْ ثَبَتَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ (¬5) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ نَدَعُ الْإِجْمَاعَ وَلَا نَحْتَجُّ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُصُولِنَا، وَإِنَّمَا عُمْدَتُنَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ. قِيلَ لَهُمْ: إِذَا لَمْ تَحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْقَ مَعَكُمْ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ غَيْرُ النَّقْلِ الْمَعْلُومِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى نَعْلَمَ عِصْمَةَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ. ¬

(¬1) م: مِنْ أُصُولِ الْإِمَامَةِ (¬2) م: عَلَى مَا يَنْقُلُونَهُ مِنْهُمْ وَيَقُولُونَ. . . (¬3) ن، س: إِذْ لَا بُدَّ ; ب: أَنَّهُ لَا بُدَّ. (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

وَعِصْمَةُ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِنَقْلٍ عَمَّنْ عُلِمَ عِصْمَتُهُ؛ وَالْمَعْلُومُ عِصْمَتُهُ هُوَ الرَّسُولُ؛ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ مَعْلُومٌ عَنِ الرَّسُولِ بِمَا يَقُولُونَهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ (¬1) أَصْلًا: لَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَلَا فِي فُرُوعِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إِلَى دَعْوَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ بِالنَّصِّ؛ فَإِنْ أَثْبَتُّمُ النَّصَّ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِنَفْيِكُمْ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ تُثْبِتُوهُ إِلَّا بِالنَّقْلِ الْخَاصِّ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُكُمْ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا يَنْقُلُهُ الْجُمْهُورُ وَأَكْثَرُ الشِّيعَةِ مِمَّا يُنَاقِضُ هَذَا الْقَوْلَ يُوجِبُ عِلْمًا يَقِينِيًّا بِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَنْ تَدَبَّرَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ لَا يَرْجِعُونَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَنْفَرِدُونَ بِهِ عَنِ الْجُمْهُورِ إِلَى الْحُجَّةِ أَصْلًا: لَا عَقْلِيَّةٍ وَلَا سَمْعِيَّةٍ، وَلَا نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ؛ وَإِنَّمَا عُمْدَتُهُمْ دَعْوَى نَقْلٍ مَكْذُوبٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، أَوْ دَعْوَى دَلَالَةِ نَصٍّ، أَوْ قِيَاسٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ. وَهُمْ وَسَائِرُ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ؛ وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى حُجَّةٍ صَحِيحَةٍ: لَا عَقْلِيَّةٍ وَلَا سَمْعِيَّةٍ، وَإِنَّمَا لَهُمْ شُبُهَاتٌ؛ لَكِنَّ حُجَجَهُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَجِ الرَّافِضَةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، أَمَّا السَّمْعِيَّاتُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ كَمَا تَتَعَمَّدُهُ الرَّافِضَةُ وَلَهُمْ فِي النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ شُبْهَةٌ أَقْوَى مِنْ شُبَهِ الرَّافِضَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ سَائِرَ أَهْلِ الْبِدَعِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ مِنْهُمْ، وَالرَّافِضَةُ أَجْهَلُ الطَّوَائِفِ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ¬

(¬1) سَمْعِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِمْ وَكَلَامِهِمْ مِنَ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ فِي الْمَنْقُولَاتِ مَا لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ، وَكَذَلِكَ لَهُمْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مَقَايِيسُ هِيَ مَعَ ضَعْفِهَا وَفَسَادِهَا أَجْوَدُ مِنْ مَقَايِيسِ الرَّافِضَةِ. وَأَيْضًا فَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى (¬1) مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ بِالدَّلَالَةِ الْمَبْسُوطَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. وَنَحْنُ لَا نَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِ إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا غَيْرِهِ إِلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ، وَلَا نَشْتَرِطُ فِي إِمَامَةِ أَحَدٍ هَذَا الْإِجْمَاعَ؛ لَكِنْ هُوَ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ اعْتَمَدُوا عَلَى الْإِجْمَاعِ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ، فَنُشِيرُ إِلَى بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ. فَنَقُولُ أَوَّلًا: مَا مِنْ حُكْمٍ اجْتَمَعَتْ (¬2) الْأُمَّةُ عَلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ، فَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى نَصٍّ مَوْجُودٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ مِمَّا دَرَسَ عِلْمُهُ، وَالنَّاسُ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْإِجْمَاعِ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَنَحْنُ نُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُجْمِعِينَ (¬3) قَالَ عَنِ اجْتِهَادٍ، لَكِنْ لَا يَكُونُ النَّصُّ خَافِيًا عَلَى جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَا مِنْ حُكْمٍ يُعْلَمُ أَنَّ فِيهِ إِجْمَاعًا إِلَّا وَفِي الْأُمَّةِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ نَصًّا. وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى النَّصِّ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 115] . فَعُلِّقَ الْوَعِيدُ ¬

(¬1) س، ب: عَلَى (¬2) م: أَجْمَعَتِ (¬3) س، ب: الْمُجْتَمِعِينَ

بِمُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (¬1) مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ تُوجِبُ الْوَعِيدَ وَلَكِنْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَلِهَذَا (¬2) عَلَّقَهُ بِهِمَا، كَمَا يُعَلِّقُهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ أَيْضًا. وَخِلَافَةُ الصِّدِّيقِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ النُّصُوصَ الْكَثِيرَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَصَوَابٌ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا: هَلِ انْعَقَدَتْ بِالنَّصِّ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ كَخِلَافَةِ عُمَرَ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِيَارِ؟ . وَأَمَّا دَلَالَةُ النُّصُوصِ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَصَوَابٌ؛ فَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا نَازَعَ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ؛ كُلُّهُمْ يَحْتَجُّ عَلَى صِحَّتِهَا بِالنُّصُوصِ، إِذَا كُنَّا نُبَيِّنُ أَنَّ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَانَ ذِكْرَ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى النَّصِّ لَا يُفَارِقُهُ الْبَتَّةَ. وَمَعَ هَذَا فَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ: قَدْ لَا يَكُونُ مَعَهُ نَصٌّ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِيجَابَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ هُوَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، بَلْ هُوَ نَفْسُهُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُوجِبُوا كُلَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحَرِّمُوا كُلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُوجِبُوا حَرَامًا، وَيُحَرِّمُوا وَاجِبًا بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ السُّكُوتُ عَنْ ¬

(¬1) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ب: وَلِهَذَا

الْحَقِّ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ نُجَوِّزُ السُّكُوتَ عَنِ الْحَقِّ وَالتَّكَلُّمَ بِنَقِيضِهِ مِنَ الْبَاطِلِ؟ وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَانُوا قَدْ أَمَرُوا بِالْمُنْكِرِ وَنَهَوْا عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصْرِ. فَلَوْ كَانَتْ وِلَايَةُ أَبِي بَكْرٍ حَرَامًا، وَطَاعَتُهُ حَرَامًا مُنْكَرًا لَوَجَبَ أَنْ يَنْهَوْا عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ مُبَايَعَةُ عَلِيٍّ وَاجِبَةً لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَأْمُرُوا بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مُبَايَعَةَ هَذَا إِذْ ذَاكَ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفًا وَلَا وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا، وَمُبَايِعَةَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُنْكَرًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 143] وَقَوْلُهُ: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 87] . وَمَنْ جَعَلَهُمُ الرَّبُّ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا يَشْهَدُونَ بِهِ، ذَوِي عَدْلٍ فِي شَهَادَتِهِمْ، فَلَوْ كَانُوا يُحَلِّلُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ (¬1) اللَّهُ وَيُوجِبُونَ مَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَيُسْقِطُونَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانُوا يَجْرَحُونَ الْمَمْدُوحَ وَيَمْدَحُونَ الْمَجْرُوحَ. ¬

(¬1) ن، س، ب: مَا حَلَّ

فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَالِمِينَ بِمَا شَهِدُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا مُطِيعٌ لِلَّهِ وَهَذَا عَاصٍ لِلَّهِ وَهَذَا فَعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الثَّوَابَ وَهَذَا فَعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِقَابَ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّاسِ تَتَنَاوَلُ الشَّهَادَةَ بِمَا فَعَلُوهُ مِنْ مَذْمُومٍ وَمَحْمُودٍ. وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ هَذَا مُطِيعٌ وَهَذَا عَاصٍ هِيَ تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِأَفْعَالِهِمْ وَأَحْكَامَ أَفْعَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: " وَجَبَتْ " وَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُكَ: وَجَبَتْ؟ قَالَ: " هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتُ وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ، وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقُلْتُ: وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» " (¬1) . وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الْآيَةَ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 115] فَإِنَّهُ تَوَعَّدَ عَلَى الْمُشَاقَّةِ لِلرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَذْمُومٌ؛ فَإِنَّ مُشَاقَّةَ الرَّسُولِ وَحْدَهَا مَذْمُومَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/498، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَأَنَّ حَدِيثًا آخَرَ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي الْمُسْنَدِ، إِلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ بَعْدَ إِيرَادِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ "

مَذْمُومًا لَكَانَ قَدْ رَتَّبَ الْوَعِيدَ عَلَى وَصْفَيْنِ: مَذْمُومٍ وَغَيْرِ مَذْمُومٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 68، 69] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ مَذْمُومٌ شَرْعًا. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أَوْجَبُوا أَشْيَاءَ وَحَرَّمُوا أَشْيَاءَ فَخَالَفَهُمْ مُخَالِفٌ، وَقَالَ: إِنَّ مَا أَوْجَبُوهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَمَا حَرَّمُوهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَقَدِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسَبِيلِهِمِ اعْتِقَادَاتُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَذْمُومًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَبِيلُهُمْ صَوَابًا وَحَقًّا لَمْ يَكُنِ الْمُخَالِفُ لَهُمْ مَذْمُومًا. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] : فَجَعَلَ وُجُوبَ الرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (¬1) مُعَلَّقًا (¬2) بِالتَّنَازُعِ. وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدِمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ التَّنَازُعِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ وَخَطَأٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ وُجُوبُ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَأَجْلِ بَاطِلِهِمْ وَخَطَئِهِمْ ; وَلِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَقٌّ حَالَ إِجْمَاعِهِمْ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) س، ب: وَرَدَ مُعَلَّقًا. .

وَنِزَاعِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَجِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُوَافِقٌ لَهُ لَا مُخَالِفٌ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَدِلُّ بِالْإِجْمَاعِ مُتَّبِعًا لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الرَّدِّ إِلَيْهِ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] أَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الِافْتِرَاقِ فَلَوْ كَانَ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ قَدْ يَكُونُونَ مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَارَةً وَعَاصِينَ لَهُ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ اجْتِمَاعًا عَلَى طَاعَةٍ؛ وَاللَّهُ أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا ; وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ إِذَا كَانَ مَعَهُ طَاعَةٌ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَنَوْعٌ يَعْصِيهِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُطِيعِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فُرْقَةٌ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] فَجَعَلَ مُوَالَاتَهُمْ كَمُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمُوَالَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِطَاعَةِ أَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ لَا تَتِمُّ مُوَالَاتُهُمْ إِلَّا بِطَاعَةِ أَمْرِهِمْ؛ وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ أَمْرًا مُتَّفَقًا؛ فَإِنْ أَمَرَ بَعْضَهُمْ بِشَيْءٍ وَأَمَرَ آخَرَ (¬1) بِضِدِّهِ لَمْ يَكُنْ مُوَالَاةُ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ مُوَالَاةِ هَذَا، فَكَانَتِ الْمُوَالَاةُ فِي حَالِ النِّزَاعِ بِالرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَأَيْضًا فَقَدَ (¬2) ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ ¬

(¬1) م: الْآخَرَ (¬2) ن، س، ب: قَدْ

مُتَعَدِّدَةِ الْأَمْرِ بِالِاعْتِصَامِ بِالْجَمَاعَةِ وَالْمَدْحِ لَهَا، وَذَمِّ الشُّذُوذِ، وَأَنَّ الْخَيْرَ وَالْهُدَى وَالرَّحْمَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُ لَنْ يَزَالَ فِيهَا (¬1) طَائِفَةٌ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا يَجْمَعُ اللَّهُ أُمَّتِي (¬2) عَلَى الضَّلَالَةِ أَبَدًا، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ» (¬3) ". وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬

(¬1) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬2) م: لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي (¬3) سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 - 316 (انْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "، وَرَوَاهُ الْهَيْثَمِيُّ " فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " 5/218 عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِلَفْظِ: لَنْ تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ " وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ رِجَالُ أَحَدِهِمَا ثِقَاتٌ رِجَالُ الصَّحِيحِ، خَلَا مَرْزُوقٍ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ. " وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُنَنِهِ 3/316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ: " يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ " وَسَبَقَ أَنْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَإِلَى كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ عَلَيْهِ (هَذَا الْجُزْءُ. . . . . . .) وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/116 مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: " فَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الْعَدَنِيُّ هَذَا قَدْ عَدَّلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ إِمَامُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَتَعْدِيلُهُ حُجَّةٌ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: " إِبْرَاهِيمُ عَدَّلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ "

" «مَنْ خَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» " (¬1) . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ حَتَّى يُرَاجِعَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامُ جَمَاعَةٍ؛ فَإِنَّ مِيتَتَهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» " (¬2) . وَعَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «آمُرُكُمْ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِنَّ: الْجَمَاعَةُ، وَالسَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجِهَادُ فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِهِ (¬3) إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ» " (¬4) . ¬

(¬1) رَوَى الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/117 مِنْ طَرِيقَيْنِ وَقَالَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: " خَالِدُ بْنُ وَهْبَانِ لَمْ يُجَرَّحْ فِي رِوَايَاتِهِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ إِلَّا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْمَتْنَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: وَخَالِدٌ لَمْ يُضَعَّفْ " (¬2) رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/117 وَقَالَ كَمَا ذَكَرْتُ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ أَنَّهُ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَأَعَادَ الذَّهَبِيُّ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْحَاكِمُ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَبْلَ هَذَا 1/77 - 78 وَلَكِنَّهُ مُطَوَّلٌ وَقَالَ: " وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا عَنِ اللَّيْثِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَرَوَاهُ حَجَّاجُ الْأَعْوَرُ عَنِ اللَّيْثِ (¬3) مِنْ رَأْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬4) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/225 - 227 (كِتَابُ الْأَمْثَالِ، بَابُ مَا جَاءَ مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ) وَأَوَّلُهُ فِيهَا: " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا. . الْحَدِيثَ ". وَفِيهِ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ. . . إِلَخْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ "، وَالْحَدِيثُ فِي " الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/1130، 202. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 2/97 - 100 وَقَالَ إِنَّهُ فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: حم (مُسْنَدُ أَحْمَدَ) تخ (الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ) ت (سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ) ن (سُنَنُ النَّسَائِيِّ) حب (صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ) ك (الْمُسْتَدْرَكُ لِلْحَاكِمِ) وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/117 - 118 مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا أَصَّلْنَاهُ فِي الصَّحَابَةِ، إِذَا لَمْ نَجِدْ لَهُمْ إِلَّا رَاوِيًا وَاحِدًا؛ فَإِنَّ الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ. سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ سَمِعْتُ الدُّورِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: الْحَارِثُ الْأَشْعَرِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَمْ يُخَرِّجَاهُ لِأَنَّ الْحَارِثَ تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو سَلَّامٍ "

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا دَخَلَ النَّارَ» " (¬1) . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مِنْ فَارَقَ أُمَّتَهُ (¬2) ، أَوْ عَادَ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُ» " (¬3) . وَعَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ: أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ لَيَالِيَ سَارَ النَّاسُ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَاسْتَبْدَلَ (¬4) الْإِمَارَةَ لَقِيَ اللَّهَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ» " (¬5) . ¬

(¬1) رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ الْحَاكِمِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/118، وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ (¬2) م: إِمَامَهُ. وَفِي " الْمُسْتَدْرَكِ " وَتَلْخِيصِ الْمُسْتَدْرَكِ " أُمَّةً (¬3) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/118 وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ (¬4) فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " وَ " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " وَاسْتَذَلَّ (¬5) الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/119 وَقَالَ الْحَاكِمُ " تَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ كَثِيرٍ " وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: " صَحِيحٌ، وَكَثِيرٌ رَوَاهُ عَنْهُ الْقَطَّانُ "، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَهُوَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ 1/119، وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَإِنَّ كَثِيرَ بْنَ أَبِي كَثِيرٍ كُوفِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَلَمْ يُذْكَرْ بِجَرْحٍ "، وَرَوَاهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي " مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ " 5/222 وَقَالَ: " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ "

وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: " «ثَلَاثَةٌ لَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَعَصَى إِمَامَهُ فَمَاتَ عَاصِيًا. . .» " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬1) . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ إِلَى الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَالشَّهْرُ إِلَى الشَّهْرِ - يَعْنِي رَمَضَانَ - كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا "، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: " إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ " فَعَرَفْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ فَقَالَ: " إِلَّا مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكِ السُّنَّةِ، وَأَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِكَ، ثُمَّ تُخَالِفَ تَقَاتِلَهُ بِسَيْفِكَ. وَتَرْكُ السُّنَّةِ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَمَاعَةِ» " (¬2) . وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " «نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَ امْرِئٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَمَلَهَا (¬3) ، فَرُبَّ حَامِلِ فَقْهٍ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي " الْمُسْتَدْرَكِ 1/119. وَقَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدِ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً " وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/119 - 120 وَفِيهِ: " إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ " فَعَرَفْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ، فَقَالَ: " إِلَّا مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ؟ قَالَ: " أَمَّا نَكْثُ الصَّفْقَةِ: أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِكَ، ثُمَّ تُخَالِفَ إِلَيْهِ فَتُقَابِلُهُ بِسَيْفِكَ، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ فَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَمَاعَةِ ". ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ؛ فَقَدِ احْتَجَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً " وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ (¬3) م: فَوَعَاهَا

غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثٌ لَا يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبٌ مُؤْمِنٌ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» " (¬1) رَوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " وَذَكَرَ أَنَّهَاعَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ وَهُدًى وَصَوَابٍ، وَأَنَّ أَحَقَّ الْأُمَّةِ بِذَلِكَ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ كَانَ حَقًّا وَهَدًى وَصَوَابًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّلَفَ كَانَ يَشْتَدُّ إِنْكَارُهُمْ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، وَيَعُدُّونَهُ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَائِعًا عِنْدَهُمْ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَكَانُوا يَنْكَرُونَ عَلَيْهِ إِنْكَارًا هُمْ قَاطِعُونَ بِهِ لَا يُسَوِّغُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عِنْدَهُمْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ. ¬

(¬1) وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/322 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ فَضْلِ نَشْرِ الْعِلْمِ) . سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/141 - 142 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ بَلَغَ عِلْمًا) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/225 وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ فَقَدْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " كَمَا صَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي " صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " 6/30

وَالْعُقُولُ الْمُتَبَايِنَةُ لَا تَتَّفِقُ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُؤٍ وَلَا تَشَاعُرٍ، إِلَّا لِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَإِلَّا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، بَلْ لَا يُوجِبُ الظَّنَّ لَمْ تَكُنِ الطَّوَائِفُ الْكَثِيرَةُ مَعَ تَبَايُنِ هِمَمِهِمْ وَقَرَائِحِهِمْ وَعَدَمِ تَوَاطُئِهِمْ يَقْطَعُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا قَطْعَ فِيهِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ تُوجِبُ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً يَجِبُ اتِّبَاعُهَا وَيَحْرُمُ خِلَافُهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّنَّةَ وَالشِّيعَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلِيٌّ مَعَهُمْ كَانَ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لَمْ تَثْبُتْ إِلَّا بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ مِنْ غَيْرِهِ إِذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ وَلَا الْمَعْقُولِ مَا يَنْفِي الْعِصْمَةَ عَنْ (¬1) غَيْرِهِ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ تَنَاقُضَ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ بَنَوْهُ عَلَى الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ قَدَحُوا فِيهِ وَالْقَدْحُ فِيهِ قَدْحٌ فِي عِصْمَةِ عَلِيٍّ فَلَا يَبْقَى لَهُمْ مَا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَهَذَا شَأْنُهُمْ فِي عَامَّةِ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي يَنْفَرِدُونَ بِهَا. وَلِهَذَا قَالَ فِيهِمُ الشَّعْبِيُّ: " يَأْخُذُونَ بِأَعْجَازٍ لَا صُدُورَ لَهَا " أَيْ بِفُرُوعٍ لَا أُصُولَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ لَيْسَ بِحُجَّتِهِمْ (¬2) لَمْ تَثْبُتْ عِصْمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً لَمْ يَحْتَجْ إِلَى عِصْمَتِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ ¬

(¬1) س، ب: مِنْ (¬2) ب: لَيْسَ بِحُجَّةٍ

فصل قال الرافضي الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة ومعلوم أنه لم يحصل والرد عليه

حُجَّةً لِأَجْلِ عَلِيٍّ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً، (¬1) وَإِلَّا لَزِمَ بُطْلَانُ قَوْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ. [فصل قال الرافضي الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة ومعلوم أنه لم يحصل والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ إِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ قَوْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ، بَلْ وَلَا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ أَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى الْإِمَامَةِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِمَامَةُ، فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ أَهْلِ الشَّوْكَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَمَكِّنًا بِهِمْ مِنْ تَنْفِيذِ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ رُءُوسُ الشَّوْكَةِ عَدَدًا قَلِيلًا، وَمَنْ سِوَاهُمْ مُوَافِقٌ لَهُمْ حَصَلَتِ الْإِمَامَةُ بِمُبَايَعَتِهِمْ لَهُ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْكَلَامِ فَقَدَّرَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِعَدَدٍ، وَهِيَ تَقْدِيرَاتٌ بَاطِلَةٌ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ، فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إِمَّا الْجَمِيعُ وَإِمَّا الْجُمْهُورُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ حَاصِلَةٌ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَلَمْ يَتَّفِقْ عَلَى قَتْلِهِ إِلَّا طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، لَا يَبْلُغُونَ نِصْفَ عُشْرِ عُشْرِ عُشْرِ الْأُمَّةِ؛ كَيْفَ وَأَكْثَرُ جَيْشِ عَلِيٍّ وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَالَّذِينَ قَعَدُوا عَنِ الْقِتَالِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ وَإِنَّمَا كَانَ قَتَلَةُ عُثْمَانَ فِرْقَةً يَسِيرَةً مِنْ عَسْكَرِ عَلِيٍّ. ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) فِي " ك) ص 198 (م)

فصل قال الرافضي كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع والرد عليه

وَالْأُمَّةُ كَانُوا فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ مِئِي أُلُوفٍ (¬1) ، وَالَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِهِ الْأَلْفُ أَوْ نَحْوُهُمْ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَعِيبُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ: " خَرَجُوا عَلَيْهِ كَاللُّصُوصِ مِنْ وَرَاءِ الْقَرْيَةِ، وَقَتَلَهُمُ اللَّهُ كُلَّ قِتْلَةٍ، وَنَجَا مَنْ نَجَا مِنْهُمْ تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ ". [فصل قال الرافضي كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : " وَأَيْضًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، فَأَيُّ عَاصِمٍ لَهُمْ عَنِ الْكَذِبِ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ؟ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إِذَا حَصَلَ [حَصَلَ لَهُ] مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ لِلْآحَادِ (¬3) ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ حُكْمَ الْوَاحِدِ الِاجْتِمَاعَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخْبِرِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالْكَذِبُ، فَإِذَا انْتَهَى الْمُخْبِرُونَ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ وَالْغَلَطُ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ اللُّقَمِ وَالْجُرَعِ وَالْأَقْدَاحِ لَا يُشْبِعُ وَلَا يَرْوِي وَلَا يُسْكِرُ؛ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ عَدَدٌ كَثِيرٌ أَشْبَعَ وَأَرْوَى وَأَسْكَرَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ فَإِذَا اجْتَمَعَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ قَدَرُوا عَلَى الْقِتَالِ؛ فَالْكَثْرَةُ (¬4) تُؤَثِّرُ فِي زِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَزِيَادَةِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَلِهَذَا قَدْ يُخْطِئُ ¬

(¬1) ن، م: مِئِينَ أُلُوفٍ (¬2) فِي (ك) ص 198 (م) (¬3) إِذَا حَصَلَ مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ لِلْآحَادِ، م: إِذَا حَصَلَ لَهُ مَا لَيْسَ لِلْآحَادِ، س، ب إِذَا حَصَلَ مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ مِنْ (ب: فِي) الْآحَادِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ (¬4) ن، س، ب: وَالْكَثْرَةُ

الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ فِي مَسَائِلِ الْحِسَابِ؛ فَإِذَا كَثُرَ الْعَدَدُ امْتَنَعَ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ عِلْمَ الِاثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ عِلْمِ أَحَدِهِمَا إِذَا انْفَرَدَ وَقَوَّتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَوَّتِهِ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْخَطَأِ حَالَ الِانْفِرَادِ وُقُوعُهُ حَالَ الْكَثْرَةِ. قَالَ تَعَالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 282] . وَالنَّاسُ فِي الْحِسَابِ قَدْ يُخْطِئُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ وَلَا تُخْطِئُ الْجَمَاعَةُ كَالْهِلَالِ فَقَدْ يَظُنُّهُ الْوَاحِدُ هِلَالًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَأَمَّا الْعَدَدُ الْكَثِيرُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمُ الْغَلَطُ. وَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا وَكَثُرُوا يَكُونُ دَاعِيهِمْ إِلَى الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ أَقَلَّ مِنْ دَاعِيهِمْ إِذَا كَانُوا قَلِيلًا فَإِنَّهُمْ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ؛ فَإِنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالتَّمَدُّنَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا مَعَ قَانُونِ عَدْلِيٍّ فَلَا يُمْكِنُ أَهْلُ مَدِينَةٍ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إِبَاحَةِ ظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ، بَلْ نَجِدُ الْأَمِيرَ إِذَا ظَلَمَ بَعْضَ الرَّعِيَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَا يُظْلَمُ حِينَ يَظْلِمُ الرَّعِيَّةَ، وَمَا اسْتَوَوْا كُلُّهُمْ [فِيهِ] (¬1) فَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَجْمُوعَ قَدْ خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَفْرَادِ سَوَاءٌ كَانَ اجْتِمَاعَ أَعْيَانٍ أَوْ أَعْرَاضٍ. وَمِنَ الْأَمْثَالِ الَّتِي يَضْرِبُهَا الْمُطَاعُ لِأَصْحَابِهِ: أَنَّ السَّهْمَ الْوَاحِدَ (¬2) ¬

(¬1) فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬2) الْوَاحِدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

فصل قال الرافضي لو أجمعوا على خلاف النص على علي لكان خطأ عندهم والرد عليه

يُمْكِنُ كَسْرُهُ، وَإِذَا اجْتَمَعَتِ السِّهَامُ لَمْ (¬1) يُمْكِنْ كَسْرُهَا وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَغْلِبُهُ عَدُوُّهُ وَيَهْزِمُهُ، فَإِذَا صَارُوا عَدَدًا كَثِيرًا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، كَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ حَالَ الِانْفِرَادِ. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ قَدْ يَكُونُ خَطَأً؛ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ عَلِيًّا مَعْصُومٌ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عُلِمَتْ عِصْمَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْصُومَ سِوَاهُ؛ فَإِذَا جَازَ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ أَخْطَأَ (¬2) أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ غَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الْمَعْصُومُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَدْحَهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ يُبْطِلُ الْأَصْلَ الَّذِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ فِي إِمَامَةِ الْمَعْصُومِ وَإِذَا بَطَلَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ بَطَلَ أَصْلُ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ؛ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ إِنْ قَدَحُوا فِي الْإِجْمَاعِ بَطَلَ أَصْلُ مَذْهَبِهِمْ وَإِنْ سَلَّمُوا أَنَّهُ حُجَّةٌ بَطَلَ مَذْهَبُهُمْ فَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ مَذْهَبِهِمْ (¬3) عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. [فصل قال الرافضي لو أجمعوا على خلاف النص على علي لكان خطأ عندهم والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬4) : " وَقَدْ بَيَّنَّا ثُبُوتَ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى إِمَامَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ لَكَانَ (¬5) خَطَأً، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْوَاقِعَ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ يَكُونُ عِنْدَهُمْ خَطَأً ". ¬

(¬1) ب: لَا (¬2) م: خَطَأً (¬3) ن، س، ب: حُجَّتِهِمْ (¬4) فِي (ك) ص 198 (م) . (¬5) ك: كَانَ

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ بِبَيَانِ بُطْلَانِ كُلِّ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِمَامٌ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ. الثَّانِي: أَنَّ النُّصُوصَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ الْمَعْلُومُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ لَا سَمْعِيَّةٌ لَا سِيَّمَا مَعَ النُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُ؛ فَلَوْ قُدِّرَ وُرُودُ خَبَرٍ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ كَانَ بَاطِلًا؛ إِمَّا لِكَوْنِ الرَّسُولِ لَمْ يَقُلْهُ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَعَارُضُ النَّصِّ الْمَعْلُومِ وَالْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ (¬1) ، فَإِنَّ كِلَيْهِمَا حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ، وَالْقَطْعِيَّاتُ لَا يَجُوزُ تَعَارُضُهَا لِوُجُوبِ وُجُودِ مَدْلُولَاتِهَا فَلَوْ تَعَارَضَتْ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَكُلُّ مَنِ ادَّعَى إِجْمَاعًا يُخَالِفُ نَصًّا فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ؛ إِمَّا بُطْلَانُ إِجْمَاعِهِ، وَإِمَّا بُطْلَانُ نَصِّهِ وَكُلُّ نَصٍّ اجْتَمَعَتْ (¬2) الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ عُلِمَ النَّصُّ النَّاسِخُ لَهُ. وَأَمَّا أَنْ يَبْقَى (¬3) فِي الْأُمَّةِ نَصٌّ مَعْلُومٌ وَالْإِجْمَاعُ مُخَالِفٌ لَهُ؛ فَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ وَقَدْ دَلَّ الْإِجْمَاعُ الْمَعْلُومُ وَالنَّصُّ الْمَعْلُومُ عَلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبُطْلَانِ غَيْرِهَا. وَنَصُّ الرَّافِضَةِ مِمَّا نَحْنُ نَعْلَمُ كَذِبَهُ بِالِاضْطِرَارِ وَعَلَى كَذِبِهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ. ¬

(¬1) الْمَعْلُومِ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) م: أَجْمَعَتْ. (¬3) س: يُنْفَى، ب: يُلْفَى

فصل قول الرافضي برد حديث اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر والرد عليه

[فصل قول الرافضي برد حديث اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " الثَّانِي: مَا رَوَوْهُ (¬2) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَالْجَوَابُ: الْمَنْعُ مِنَ الرِّوَايَةِ وَمِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْإِمَامَةِ؛ فَإِنَّ (¬3) الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمْ أَئِمَّةً، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ (¬4) اخْتَلَفَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ فَلَا يُمْكِنُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُعَارِضٌ لِمَا (¬5) رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهُمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى انْتِفَاءِ إِمَامَتِهِمْ» ". وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَقْوَى مِنَ النَّصِّ الَّذِي يَرْوُونَهُ فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ؛ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمِدَةِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ (¬6) . ¬

(¬1) ك: ص 198 (م) (¬2) ك: مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ. (¬3) ك: لِأَنَّ. (¬4) قَدْ: لَيْسَتْ فِي (ك) . (¬5) ك: بِمَا (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/489.

وَأَمَّا النَّصُّ عَلَى عَلِيٍّ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمِدَةِ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِهِ حَتَّى قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ (¬1) : وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ رِوَايَةً عَنْ أَحَدٍ فِي هَذَا النَّصِّ الْمُدَّعَى إِلَّا رِوَايَةً وَاهِيَةً عَنْ مَجْهُولٍ إِلَى مَجْهُولٍ (¬2) يُكَنَّى أَبَا الْحَمْرَاءِ لَا نَعْرِفُ (¬3) مَنْ هُوَ فِي الْخَلْقِ. فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُقْدَحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ تَصْحِيحِ النَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ. وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَالْحُجَّةُ (¬4) فِي قَوْلِهِ: " «بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي» " أَخْبَرَ أَنَّهُمَا مِنْ بَعْدِهِ، وَأَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَلَوْ كَانَا ظَالِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ (¬5) فِي كَوْنِهِمَا بَعْدَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِالظَّالِمِ، فَإِنَّ الظَّالِمَ لَا يَكُونُ قُدْوَةً يُؤْتَمُّ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 124] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الظَّالِمَ لَا يُؤْتَمُّ بِهِ. وَالِائْتِمَامُ هُوَ الِاقْتِدَاءُ؛ فَلَمَّا أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ بَعْدَهُ وَالِاقْتِدَاءُ هُوَ الِائْتِمَامُ مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّهُمَا يَكُونَانِ بَعْدَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا إِمَامَانِ [قَدْ أُمِرَ بِالِائْتِمَامِ بِهِمَا] (¬6) بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " اخْتَلَفَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ " فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ ¬

(¬1) فِي الْفِصَلِ 4/161 - 162 (¬2) الْفِصَلُ: عَنْ مَجْهُولِينَ إِلَى مَجْهُولٍ. (¬3) الْفِصَلُ لَا يُعْرَفُ (وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م)) (¬4) ن، م، س: بِالْحُجَّةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬5) أَوْ كَافِرَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ.

لَا يَكَادُ يُعْرَفُ اخْتِلَافُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَحَدِهِمَا فِيهِ رِوَايَتَانِ كَالْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ؛ فَإِنَّ عُمَرَ عَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ: هَلْ يُسَوَّى فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ يُفَضَّلُ؟ فَالتَّسْوِيَةُ جَائِزَةٌ بِلَا رَيْبٍ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَسِّمُ الْفَيْءَ وَالْغَنَائِمَ فَيُسَوَّى بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَمُسْتَحَقِّي الْفَيْءِ. وَالنِّزَاعُ فِي جَوَازِ التَّفْضِيلِ، وَفِيهِ لِلْفُقَهَاءِ قَوْلَانِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِلْمَصْلَحَةِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُفَضِّلُ أَحْيَانًا فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَالْفَيْءِ، وَكَانَ يُفَضِّلُ السَّرِيَّةَ فِي الْبَدْأَةِ: الرُّبْعُ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ: الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ؛ فَمَا فَعَلَهُ الْخَلِيفَتَانِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اخْتَارَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ التَّسْوِيَةَ وَقَالَ لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَجْعَلَ النَّاسَ بَابًا (¬1) وَاحِدًا ". وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ التَّفْضِيلَ وَعَنْ عَلِيٍّ التَّسْوِيَةَ؛ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَوَّغُ فِيهِ إِنْكَارٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: فَضَّلَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّفْضِيلَ كَمَا أُنْكِرَ عَلَى عُثْمَانَ فِي بَعْضِ قَسْمِهِ؛ وَأَمَّا تَفْضِيلُ عُمَرَ فَمَا بَلَغَنَا أَنَّ أَحَدًا ذَمَّهُ فِيهِ. وَأَمَّا تَنَازُعُهُمَا فِي تَوْلِيَةِ خَالِدٍ وَعَزْلِهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا فَعَلَ مَا كَانَ أَصْلَحَ؛ فَكَانَ الْأَصْلَحُ لِأَبِي بَكْرٍ تَوْلِيَةَ خَالِدٍ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَلْيَنُ مِنْ عُمَرَ، فَيَنْبَغِي لِنَائِبِهِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ نَائِبِ عُمَرَ، فَكَانَتِ اسْتِنَابَةُ عُمَرَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ [أَصْلَحَ لَهُ] (¬2) وَاسْتِنَابَةُ أَبِي بَكْرٍ لِخَالِدٍ أَصْلَحَ لَهُ، وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ. ¬

(¬1) ن، س، ب: بَيَانًا (¬2) أَصْلَحَ لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه

وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ شَرَائِعُ كُلِّيَّةٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِيهَا: إِمَّا نَادِرٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ، وَإِمَّا لِأَحَدِهِمَا فِيهِ قَوْلَانِ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ: النَّصُّ يُوجِبُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمَا فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَفِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَتَسْوِيغُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِ الْآخَرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا يُوجِبُ الِائْتِمَامَ بِهِمَا فَطَاعَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ إِمَامًا وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَمَّا بَعْدُ زَوَالِ إِمَامَتِهِ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمَا أَنَّهُمَا إِذَا تَنَازَعَا رُدَّ مَا تَنَازَعَا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ فَبِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» "، فَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ أَهْلُ (¬1) الْحَدِيثِ؛ قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَيْسَ هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمِدَةِ (¬2) . وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ (بَعْدِي) وَالْحُجَّةُ هُنَاكَ قَوْلُهُ (بَعْدِي) . وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَهَذَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ. [فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " الثَّالِثُ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ كَآيَةِ (¬4) ¬

(¬1) م: أَثَمَةُ (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى (¬3) فِي (ك) ص 198 (م) - 202 (م) . (¬4) ن، م، س: كَلَيْلَةِ.

الْغَارِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17] ، وَقَوْلُهُ: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] وَالدَّاعِي هُوَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ أَنِيسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَرِيشِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنْفَقَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ ". قَالَ (¬1) : " وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ لَهُ فِي الْغَارِ لِجَوَازِ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ حَذَرًا مِنْهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ (¬2) لِقَوْلِهِ: {لَا تَحْزَنْ} فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ (¬3) وَقِلَّةِ صَبْرِهِ (¬4) ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِ رِضًا بِمُسَاوَاتِهِ (¬5) النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ; وَلِأَنَّ الْحُزْنَ إِنْ كَانَ طَاعَةً اسْتَحَالَ أَنْ يَنْهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً كَانَ مَا ادَّعُوهُ مِنَ الْفَضِيلَةِ رَذِيلَةً (¬6) . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَيْثُ ذَكَرَ إِنْزَالَ السِّكِّينَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ¬

(¬1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً ص 199 (م) (¬2) ك: عَلَى نَقْصِهِ. (¬3) ن، س، ب: عَلَى خَوْفِهِ. (¬4) ك: عَلَى خَوَرِهِ وَنَقْصِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ. (¬5) ك: بِمُسَاوَاةِ. (¬6) ك: كَانَ مَا ادَّعُوهُ فَضِيلَةً رَذِيلَةً.

شَرَكَ (¬1) مَعَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا نَقْصَ (¬2) أَعْظَمُ مِنْهُ. وَأَمَّا: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} ، فَإِنَّ (¬3) الْمُرَادَ «أَبُو الدَّحْدَاحِ، حَيْثُ اشْتَرَى نَخْلَةَ شَخْصٍ لِأَجْلِ جَارِهِ، وَقَدْ عَرَضَ (¬4) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَاحِبِ النَّخْلَةِ نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ، فَأَبَى فَسَمِعَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَاشْتَرَاهَا بِبُسْتَانٍ لَهُ وَوَهَبَهَا الْجَارَ (¬5) ؛ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِوَضَهَا لَهُ بُسْتَانًا فِي الْجَنَّةِ» (¬6) . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] (¬7) ، [يُرِيدُ سَنَدْعُوكُمْ إِلَى قَوْمٍ] (¬8) ، فَإِنَّهُ أَرَادَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَالْتَمَسَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى غَنِيمَةِ خَيْبَرَ فَمَنَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ¬

(¬1) س، ب: أَشْرَكَ. (¬2) س، ب: وَلَا نَقِيضَ (¬3) ك: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالِي: (وَسَيُجَنِّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي) فَإِنَّ. . . (¬4) ك: عَوَّضَ. (¬5) م: الْجَارَةَ، ك: لِلْجَارِ الْفَقِيرِ (¬6) ك: فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ بُسْتَانًا عِوَضَهَا فِي الْجَنَّةِ. (¬7) ك: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالِي (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَعِبَارَةُ " إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ " فِي (م) فَقَطْ، وَلَمْ تَرِدْ فِي (ن) ، (س) (ب) . (¬8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (س) ، (ب) فَقَطْ.

{قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 15] لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] يُرِيدُ سَنَدْعُوكُمْ (¬1) فِيمَا بَعْدُ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَقَدْ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى غَزَوَاتٍ كَثِيرَةٍ (¬2) : كَمُؤْتَةَ وَحُنَيْنٍ، وَتَبُوكَ، وَغَيْرِهِمَا؛ فَكَانَ (¬3) الدَّاعِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ [عَلِيٌّ] هُوَ الدَّاعِيَ (¬4) ، حَيْثُ قَاتَلَ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ؛ وَكَانَ رُجُوعُهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ [إِسْلَامًا] (¬5) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي» ، وَحَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفْرٌ. وَأَمَّا كَوْنُهُ أَنِيسَهُ فِي الْعَرِيشِ (¬6) يَوْمَ بَدْرٍ فَلَا فَضْلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُنْسُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى مُغْنِيًا لَهُ عَنْ كُلِّ أَنِيسٍ؛ لَكِنْ لَمَّا عَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَمْرَهُ ¬

(¬1) ك: (ص 200 م) يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالِي: أَنَّهُ سَنَدْعُوكُمْ. . (¬2) ك: وَقَدْ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ إِلَى غَزَاةٍ كَثِيرَةٍ. (¬3) ك: وَكَانَ. (¬4) ك: وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ن، س: وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّاعِيَ. (¬5) إِسْلَامًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬6) ك: وَأَمَّا كَوْنُهُ أَنِيسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - فِي الْعَرِيشِ.

لِأَبِي بَكْرٍ بِالْقِتَالِ (¬1) يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الْحَالِ حَيْثُ هَرَبَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ (¬2) فِي غَزَوَاتِهِ. وَأَيُّمَا (¬3) أَفْضَلُ: الْقَاعِدُ عَنِ الْقِتَالِ، أَوِ الْمُجَاهِدُ (¬4) بِنَفْسِهِ فِي (¬5) سَبِيلِ اللَّهِ؟ . وَأَمَّا إِنْفَاقُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذِبٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مَالٍ، فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ فَقِيرًا فِي الْغَايَةِ، وَكَانَ يُنَادِي عَلَى مَائِدَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ بِمُدٍّ (¬6) كُلَّ يَوْمٍ (¬7) يَقْتَاتُ بِهِ؛ فَلَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ غَنِيًّا لَكَفَى أَبَاهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُعَلِّمًا لِلصِّبْيَانِ وَفِي الْإِسْلَامِ كَانَ خَيَّاطًا (¬8) ، وَلَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ النَّاسُ عَنِ الْخِيَاطَةِ فَقَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى (¬9) الْقُوتِ فَجَعَلُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ (¬10) ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (¬11) ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى ¬

(¬1) ك: أَمْرَهُ أَبَا بَكْرٍ بِالْقِتَالِ. (¬2) ن، م، س: حَيْثُ هَرَبَ عَدُوُّهُ مَرَّاتٍ، ك: حَيْثُ هَرَبَ عِدَّةَ مَرَارَةٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) . (¬3) ن: وَأَمَّا م، س: وَإِنَّمَا. (¬4) ن، س: وَالْمُجَاهِدُ (¬5) ك: بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي. . . (¬6) س، ب: لِمُدٍّ (¬7) ك: فِي كُلِّ يَوْمٍ (¬8) ك: خَيَّاطًا، وَكُلُّ يَوْمٍ يَخِيطُ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ. . (¬9) ك: مِنِ الْخِيَاطَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي لَأَحْتَاجُ إِلَى. . (¬10)) ن، س، ب: فِي كُلِّ يَوْمٍ. (¬11)) ك: مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَنِيًّا بِمَالِ خَدِيجَةَ (¬1) ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَرْبِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ. وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ الْبَتَّةَ شَيْءٌ (¬2) ، ثُمَّ لَوْ أَنْفَقَ لَوَجَبَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ قُرْآنٌ، كَمَا نَزَلَ فِي عَلِيٍّ: {هَلْ أَتَى} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 1] . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَشْرَفُ مِنَ الَّذِينَ (¬3) تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالَ الَّذِي يَدَّعُونَ إِنْفَاقَهُ أَكْثَرُ (¬4) ، فَحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ؛ دَلَّ (¬5) عَلَى كَذِبِ النَّقْلِ. وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ فِي الصَّلَاةِ (¬6) فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ بِلَالًا لَمَّا أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ أَمَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ التَّكْبِيرَ فَقَالَ: مَنْ يُصَلِّي (¬7) بِالنَّاسِ؟ فَقَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، ¬

(¬1) ك: مِنْ مَالِ خَدِيجَةَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ -. (¬2) ك (ص 201 م) : لِأَبِي بَكْرٍ شَيْءٌ الْبَتَّةَ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. (¬3) ك: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ كَانَ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ. . . " صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي (م) فَقَطْ (¬4) ك: كَانَ أَكْثَرَ. . (¬5) ك: لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ دَلَّ. . (¬6) ك: بِالصَّلَاةِ. (¬7) ك: لِلصَّلَاةِ أَمَرَتْ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدَّمَ أَبُوهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ الشَّدِيدِ، وَالصَّحَابَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَسَمِعُوا حَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكُلُّهُمْ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ غَرْوَ بُكَاءٍ، وَفَاتَ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - سَمِعَ التَّكْبِيرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسَمِعَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَقَوْلَ حَفْصَةَ لِأَبِيهَا عُمَرَ وَتَشَوَّشَ الْأَحْوَالُ وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ، سَأَلَ: مَنْ يُصَلِّي. . .

فَقَالَ (¬1) : أَخْرَجُونِي فَخَرَجَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَنَحَّاهُ (¬2) عَنِ الْقِبْلَةِ وَعَزَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ (¬3) وَتَوَلَّى هُوَ الصَّلَاةَ (¬4) ". قَالَ الرَّافِضِيُّ: " فَهَذِهِ حَالٌ (¬5) أَدِلَّةِ الْقَوْمِ (¬6) ، فَلْيَنْظُرِ الْعَاقِلُ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ وَلِيَقْصِدِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ (¬7) دُونَ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَيَتْرُكْ تَقْلِيدَ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ؛ فَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى [فِي كِتَابِهِ] (¬8) عَنْ ذَلِكَ وَلَا تُلْهِيهِ الدُّنْيَا عَنْ إِيصَالِ الْحَقِّ [إِلَى] (¬9) مُسْتَحِقِّهِ، وَلَا ¬

(¬1) فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . (¬2) ك: وَالْعَبَّاسِ، وَذَهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ فِي الْمِحْرَابِ فَنَحَّاهُ. (¬3) عَنِ الصَّلَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) (¬4) م: هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ. (¬5) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ سُطُورًا عَدِيدَةً مِنْ (ك) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ: " الصَّلَاةُ؟ وَصَلَّى بِالنَّاسِ خَفِيفًا وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَخَطَبَ مُخْتَصَرًا لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ طَلَبَ الِاسْتِحْلَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَوَدَّعَهُمْ وَنَصَحَهُمْ، وَاسْتَوْصَى لِعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَوْدَعَهُمْ إِلَيْهِ، وَنَزَلَ مِنِ الْمِنْبَرِ، وَنَامَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ، وَدَعَا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَصَّى لَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَزَقَّهُ مِنَ الْعُلُومِ، وَأَوْصَى بِالصَّبْرِ بَعْدَهُ عَلَى مَا فَعَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَحْوَالَ الشُّيُوخِ وَمُخَالَفَتَهُمْ، وَقَالَ: انْظُرْ حَتَّى لَمْ يَكُنْ بِالسَّيْفِ بَيْنَهُمُ اللَّهُ عَلَى إِهْرَاقِ دِمَائِهِمْ بِقَدْرِ الْمَحَجَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةُ فَسَادٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَزِيدُ الْمُقَاتَلَةُ مَعَهُمْ إِلَّا زِيَادَةَ الْخُصُومَةِ، وَانْحِطَاطُ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، فَكُنْ لَهُ وَلِأَوْلَادِهِ وَأَصْحَابِهِ حِصْنًا وَحِمَايَةً مِنِ الْفِتَنِ؛ وَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ، وَلَا تَكُنْ لِإِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَيْتَامِ وَالْأَرَامِلِ وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ - فَهَذَا حَالُ. . . ". (¬6) ك (ص 202 م) : أَدِلَّةِ هَؤُلَاءِ. (¬7) ك: الْإِنْصَافِ مَا فَعَلُوا بَعْدَهُ، وَمَا هَتَكُوا أَسْتَارَ الدِّينِ، وَيَقْصِدْ طَلَبَ الْحَقِّ، م: الْإِنْصَافِ وَلِيُفَضِّلِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ. (¬8) فِي كِتَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (¬9) إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

يَمْنَعِ الْمُسْتَحِقَّ عَنْ حَقِّهِ (¬1) ، فَهَذَا آخِرُ مَا أَرَدْنَا (¬2) إِثْبَاتَهُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ (¬3) . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْبُهْتِ وَالْفِرْيَةِ مَا لَا يُعْرَفُ مِثْلُهُ لِطَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّافِضَةَ فِيهِمْ شَبَهٌ قَوِيٌّ مِنَ الْيَهُودِ؛ فَإِنَّهُمْ قَوْمُ بُهْتٍ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. وَظُهُورُ فَضَائِلِ شَيْخَيِ الْإِسْلَامِ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَظْهَرُ بِكَثِيرٍ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ مِنْ فَضْلِ غَيْرِهِمَا؛ فَيُرِيدُ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ قَلْبَ الْحَقَائِقِ، وَلَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 32] ، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 17] وَنَحْوِ هَذِهِ الْآيَاتِ. فَإِنَّ (¬4) الْقَوْمَ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَقِ تَكْذِيبًا بِالْحَقِّ وَتَصْدِيقًا بِالْكَذِبِ؛ وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يُمَاثِلُهُمْ فِي ذَلِكَ. ¬

(¬1) ك: وَلَا يَمْنَعْ عَنِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ. (¬2) ن، م، س: أَوْرَدْنَا. (¬3) ك: فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ. وَبَعْدَ كَلِمَةِ الرِّسَالَةِ يُوجَدُ فِي (ك) الْكَلَامُ التَّالِي: " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمَحْجُوبِينَ كَالشَّمْسِ بَيْنَ الْبِحَارِ وَالْبَدْرِ مِنَ الْأَحْسَابِ. (¬4) س، ب: وَإِنَّ.

أَمَّا قَوْلُهُ: " لَا فَضِيلَةَ فِي الْغَارِ ". فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي الْغَارِ ظَاهِرَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَأَخْبَرَ الرَّسُولُ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬1) أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ وَمَعَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] . وَقَدْ أَخْرَجَا (¬2) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ «نَظَرْتُ إِلَى إِقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» " (¬3) . وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ مِنْهُمْ، فَهُوَ مِمَّا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى مَعْنَاهُ يَقُولُ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . وَالْمَعِيَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ؛ فَالْعَامَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ¬

(¬1) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬2) ن، س، ب: أَخْرَجَاهُ (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. . .) ، مُسْلِمٌ 4/1854 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ: مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. . .) .

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 4] (¬1) . وَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 7] . فَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُتَنَاجِينَ (¬2) ، وَكَذَلِكَ الْأُولَى عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. وَلَمَّا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ فِي الْمَعِيَّةِ أَنَّهُ رَابِعُ الثَّلَاثَةِ وَسَادِسُ الْخَمْسَةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» "، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعَهُمَا كَانَ ثَالِثَهُمَا كَمَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى مَعْنَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَ هَذِهِ مَعِيَّةً خَاصَّةً وَتِلْكَ عَامَّةً. وَأَمَّا الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَّا قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لَهُمَا دُونَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَهُوَ مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ دُونَ فِرْعَوْنَ. وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " (¬3) كَانَ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا دُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُعَادُونَهُمَا ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) م: مُتَنَاجِيَيْنِ. (¬3) هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَسَيُورِدُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مُطَوَّلًا فِيمَا بَعْدُ، وَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 573.

وَيَطْلُبُونَهُمَا كَالَّذِينَ كَانُوا فَوْقَ الْغَارِ وَلَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ (¬1) إِلَى قَدَمَيْهِ لِأَبْصَرَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لَهُمْ دُونَ الْفُجَّارِ وَالظَّالِمِينَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 153] تَخْصِيصٌ لَهُمْ (¬2) دُونَ الْجَازِعِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي} الْآيَةَ [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 12] ، وَقَالَ: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 12] . وَفِي ذِكْرِهِ (¬3) سُبْحَانَهُ لِلْمَعِيَّةِ عَامَّةً تَارَةً وَخَاصَّةً أُخْرَى: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ (¬4) أَنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، أَوْ أَنَّ وُجُودَهُ عَيْنُ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ الْعَامِّ وَالِاتِّحَادِ الْعَامِّ أَوِ الْوَحْدَةِ (¬5) الْعَامَّةِ ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَخْتَصُّ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَلَا مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، بَلْ هُوَ فِي الْحُشُوشِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ [وَأَجْوَافِ الْبَهَائِمِ] (¬6) ، كَمَا هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ [فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ كَانَ هَذَا مُنَاقِضًا لِهَذَا الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَخْتَصُّ ¬

(¬1) م: أَحَدٌ مِنْهُمْ (¬2) (2 - 2) : فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ. (¬3) ن، س، ب: فِي ذِكْرِهِ (¬4) م: بِتِلْكَ. (¬5) م: وَالْإِلْحَادِ الْعَامِّ وَالْوَحْدَةِ. . (¬6) وَأَجْوَافِ الْبَهَائِمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)

بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَلَا مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، بَلْ هُوَ فِي الْحُشُوشِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ] (¬1) . وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَعِيَّةِ تَارَةً وَعُمُومِهَا أُخْرَى؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِلَفْظِ " الْمَعِيَّةِ " اخْتِلَاطَهُ. وَفِي هَذَا أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَدَّعِي أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ هُوَ الْحُلُولُ؛ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ أَصْلًا يَقِيسُ عَلَيْهِ مَا يَتَأَوَّلُهُ مِنَ النُّصُوصِ. فَيُقَالُ لَهُ: قَوْلُكَ إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خَطَأٌ كَمَا أَنَّ قَوْلَ قَرِينِكَ الَّذِي اعْتَقَدَ هَذَا الْمَدْلُولَ خَطَأٌ، وَذَلِكَ لِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ لَفْظَ (مَعَ) فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالِاقْتِرَانِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَلِطٌ بِالثَّانِي فِي عَامَّةِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 29] لَمْ يَرِدْ أَنَّ ذَوَاتَهُمْ مُخْتَلِطَةٌ بِذَاتِهِ. وَقَوْلُهُ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 119] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 75] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [سُورَةُ هُودٍ: 40] . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) .

وَقَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ أَيْضًا: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 64] . وَقَوْلُهُ عَنْ هُودٍ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 72] (¬1) . وَقَوْلُ قَوْمِ شُعَيْبٍ: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 88] . وَقَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} الْآيَةَ (¬2) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 146] . وَقَوْلُهُ: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 68] . وَقَوْلُهُ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 53] . وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 11] . وَقَوْلُهُ عَنْ نُوحٍ: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} [سُورَةُ هُودٍ: 48] . وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 47] . ¬

(¬1) ن، س، ب: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) كَلِمَةُ " الْآيَةَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

وَقَوْلُهُ: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 83] . وَقَوْلُهُ: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 87] . وَقَالَ: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 88] . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَائِرِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ. وَإِذَا كَانَ لَفْظُ " مَعَ " إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي كَوْنِ الْمَخْلُوقِ مَعَ الْمَخْلُوقِ لَمْ تَدُلَّ عَلَى اخْتِلَاطِ ذَاتِهِ بِذَاتِهِ؛ فَهِيَ أَنْ لَا تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْخَالِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَدَعْوَى ظُهُورِهَا فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهَا (¬1) فِي اللُّغَةِ وَلَا اقْتَرَنَ بِهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى الظُّهُورِ؛ فَكَانَ الظُّهُورُ مُنْتَفِيًا (¬2) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الظُّهُورُ فِيمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ فَانْتِفَاؤُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ عَنْهُ أَوْلَى. الثَّانِي (¬3) : أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جَعَلَ الْمَعِيَّةَ خَاصَّةً أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَهَا عَامَّةً، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ اخْتِلَاطَ ذَاتِهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ لَكَانَتْ عَامَّةً لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ. الثَّالِثُ (¬4) : أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْمَعِيَّةِ، كَمَا ¬

(¬1) ن، م، س: مَعْنَاهُ (¬2) ن، م، س: مَنْفِيًّا. (¬3) ن، س: الثَّالِثُ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي بَعْدَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي سَبَقَ قَبْلَ صَفَحَاتٍ () (¬4) ن، م، س: الرَّابِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ.

قَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمُجَادَلَةِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ: 7] فَافْتَتَحَهَا بِالْعِلْمِ، وَخَتَمَهَا بِالْعِلْمِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ عَالِمٌ بِهِمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ. وَهَكَذَا فَسَّرَهَا السَّلَفُ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَفِي آيَةِ الْحَدِيدِ قَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 4] فَخَتَمَهَا أَيْضًا بِالْعِلْمِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ هَذَا كُلَّهُ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَوْعَالِ: " «وَاللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ» " (¬1) فَهُنَاكَ أَخْبَرَ بِعُمُومِ الْعِلْمِ لِكُلِّ نَجْوَى. ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/319 - 320 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي الْجَهْمِيَّةِ) وَنَصُّهُ: " كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ قَالُوا: السَّحَابَ. قَالَ: " وَالْمُزْنَ؟ " قَالُوا: وَالْمُزْنَ. قَالَ: " وَالْعَنَانَ؟ " قَالُوا: وَالْعَنَانَ - قَالَ: أَبُو دَاوُدَ لَمْ أُتْقِنِ الْعَنَانَ جَيِّدًا - قَالَ: " هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ " قَالُوا: لَا نَدْرِي. قَالَ: " إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ، " حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ " ثُمَّ فَوْقَ السَّحَابَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ ". قَالَ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " غَرِيبٌ. وَرَوَى شَرِيكٌ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سِمَاكٍ فَوَقَفَهُ " وَالْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ (انْظُرِ الْأَرْقَامَ 4723، 4724، 4725) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/96 - 97 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ الْحَاقَّةِ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: أَلَا يُرِيدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ يَحُجَّ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ نَحْوَهُ وَرَفَعَهُ. وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الرَّازِيُّ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، 1 69 الْمُقَدِّمَةُ: بَابٌ فِيمَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ) ، الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ 3/202 - 203، 204 - 205 (رَقْمُ 1770 - 1771) وَعَلَّقَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر تَعْلِيقًا مُسْهَبًا، وَقَالَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَعَنِ الثَّانِي: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ (ص 204) : " فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالَّذِي قَبْلَهُ وَحْدَهُمَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، لِضَعْفِهِمَا كَمَا تَرَى؛ وَلَكِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ سِمَاكٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكٍ،. . . وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صِحَاحٌ ". ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى رِجَالِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ مُوَثِّقًا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: " وَرَوَاهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ 286 - 287 مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ وَإِسْنَادِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ 2/500 - 501 مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ عَنِ الْأَحْنَفِ عَنِ الْعَبَّاسِ مُخْتَصَرًا مَوْقُوفًا، وَقَالَ: " صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ". ثُمَّ ذَكَرَ الْحَاكِمُ طَرِيقًا آخَرَ مَرْفُوعًا وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ الْأَوَّلَ الْمَوْقُوفَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَضَعَّفَ الطَّرِيقَ الْمَرْفُوعَ. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي كِتَابِ " رَدِّ الْإِمَامِ الدَّارِمِيِّ. . . عَلَى بِشْرِ الْمَرِيسِ الْعَنِيدِ "، ص 73 (تَحْقِيقُ الْفِقِي) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي كِتَابِ " التَّوْحِيدِ. . " لِابْنِ خُزَيْمَةَ، ص 107 - 108 (تَحْقِيقُ الْهَرَّاسِ) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا. وَحَدَّثَنِي أَخِي الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ بْنُ لُطْفِي الصَّبَّاغُ أَنَّ الشَّيْخَ مُحَمَّد نَاصِر الدَّيْنِ الْأَلْبَانِيَّ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَخْرِيجِهِ لِسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَقَالَ: " ضَعِيفٌ "، وَأَحَالَ إِلَى كِتَابِهِ " الظِّلَالَ " 577 وَهَذَا أَمْلَاهُ عَلَيَّ الدُّكْتُورُ الصَّبَّاغُ مِنَ النُّسْخَةِ الْمَخْطُوطَةِ لِتَخْرِيجِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ لِلْأَلْبَانِيِّ الَّذِي يُطْبَعُ صَحِيحُهُ الْآنَ فِي مَكْتَبِ التَّرْبِيَةِ الْعَرَبِيِّ لِدُوَلِ الْخَلِيجِ. وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ " مُخْتَصَرِ الْعُلُوِّ لِلْعَلِيِّ الْغَفَّارِ " لِلذَّهَبِيِّ، ص 12 - 13 " الطَّبْعَةُ الْأُولَى، الْمَكْتَبُ الْإِسْلَامِيُّ، بَيْرُوتَ، 1401 1981 حَيْثُ يَقُولُ: " وَقَدْ أَحْذِفُ مَا صَرَّحَ الْمُؤَلِّفُ بِثُبُوتِهِ أَوْ نَقْلِهِ عَنْ غَيْرِهِ، لِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ ظَهَرَتْ لِي كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. . . وَكَحَدِيثِ الْأَوْعَالِ الَّذِي يُرْوَى عَنِ الْعَبَّاسِ (ص 49 - 50) وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي الْمَصْدَرِ السَّابِقِ " سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ " رَقْمُ 1247. . . وَالَّذِي أَعْلَمُهُ أَنَّ الْجُزْءَ الثَّالِثَ مِنْ كِتَابِ سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ " الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي بَعْدَ رَقْمِ الْأَلْفِ - حَسَبَ تَرْقِيمِهِ - لَمْ يُطْبَعْ أَوْ لَمْ يُوَزَّعْ بَعْدُ.

وَهُنَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ

مِنْهَا (¬1) ، وَهُوَ مَعَ الْعِبَادِ أَيْنَمَا كَانُوا: يَعْلَمُ أَحْوَالَهُمْ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] فَقَدْ دَلَّ السِّيَاقُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ مُجَرَّدَ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، بَلْ هُوَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بِتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ، وَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْمُتَّقِينَ مَخْرَجًا وَيَرْزُقُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] فَإِنَّهُ مَعَهُمَا بِالتَّأْيِيدِ وَالنَّصْرِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ كَمَا إِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ مَنْ يَخَافُ فَقَالَ لَهُ مَنْ يَنْصُرُهُ: " نَحْنُ مَعَكَ " أَيْ مُعَاوِنُوكَ وَنَاصِرُوكَ عَلَى عَدُوِّكَ. ¬

(¬1) ن، م، س: وَمَا يَنْزِلُ فِيهَا.

وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَدِيقِهِ: " إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمَا بِالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا فِيمَا فَعَلَاهُ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لَهُمَا وَمُعِينٌ وَنَاصِرٌ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُشَارَكَةِ الصِّدِّيقِ لِلنَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْمَعِيَّةِ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا الصِّدِّيقُ لَمْ يُشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ: " إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا هِيَ مَعِيَّةُ الِاخْتِصَاصِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعَهُمْ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُنِي وَيَنْصُرُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَدُوِّنَا وَيُعِينُنَا عَلَيْهِمْ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَصْرَ اللَّهِ نَصْرُ إِكْرَامٍ وَمَحَبَّةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سُورَةُ غَافِرٍ: 51] وَهَذَا غَايَةُ الْمَدْحِ لِأَبِي بَكْرٍ؛ إِذْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ الرَّسُولُ بِالْإِيمَانِ الْمُقْتَضِي نَصْرَ اللَّهِ لَهُ مَعَ رَسُولِهِ (¬1) ، وَكَانَ مُتَضَمِّنًا شَهَادَةَ الرَّسُولِ لَهُ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ الْمُقْتَضِي نَصْرَ اللَّهِ لَهُ مَعَ رَسُولِهِ (¬2) فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي بَيَّنَ اللَّهُ فِيهَا غِنَاهُ عَنِ الْخَلْقِ فَقَالَ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ إِنَّ اللَّهَ عَاتَبَ الْخَلْقَ جَمِيعَهُمْ فِي نَبِيِّهِ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. وَقَالَ مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ كَذَّبَ الْقُرْآنَ. ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ وَغَيْرِهِ: هَذِهِ الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ لَمْ تَثْبُتْ لِغَيْرِ أَبِي بَكْرٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» "؛ بَلْ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُمَا فِي اللَّفْظِ كَمَا ظَهَرَ فِي الْمَعْنَى فَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ " فَلَمَّا تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ صَارُوا يَقُولُونَ: " وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ " فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ مُضَافٌ تَحْقِيقًا (¬1) لِقَوْلِهِ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} "، «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ، ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى عُمَرُ بَعْدَهُ صَارُوا يَقُولُونَ: " أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ " فَانْقَطَعَ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي امْتَازَهُ بِهِ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الصُّحْبَةَ فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ؛ فَيُقَالُ: صَحِبَهُ سَاعَةً وَيَوْمًا وَجُمُعَةً وَشَهْرًا وَسَنَةً وَصَحِبَهُ عُمُرَهُ كُلَّهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 36] قِيلَ: هُوَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ وَقِيلَ الزَّوْجَةُ وَكِلَاهُمَا تَقِلُّ صُحْبَتُهُ [وَتَكْثُرُ] (¬2) ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّوْجَةَ صَاحِبَةً فِي قَوْلِهِ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 101] . وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي " الرِّسَالَةِ " الَّتِي رَوَاهَا عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ ¬

(¬1) س: فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ تَحْقِيقًا، ب: فَيُضِيفُونَ الْخَلِيفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ تَحْقِيقًا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) تَكْثُرُ: فِي (م) فَقَطْ. وَكَلِمَةُ " تَقِلُّ " غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) ، (م) . وَفِي (س) : نُقِلَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

عَنْهُ (¬1) : " مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةً، أَوْ شَهْرًا (¬2) ، أَوْ يَوْمًا، أَوْ سَاعَةً (¬3) ، أَوْ رَآهُ مُؤْمِنًا (¬4) بِهِ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ ". وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ: يَعُدُّونَ فِي أَصْحَابِهِ مِنْ قَلَّتْ صُحْبَتُهُ وَمِنْ كَثُرَتْ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ ضَعِيفٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ» . وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُبْعَثُ مِنْهُمْ (¬5) الْبَعْثُ فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ. ¬

(¬1) هَذِهِ " الرِّسَالَةُ " أَوْرَدَهَا ابْنُ أَبِي يَعْلَى فِي تَرْجَمَةِ عَبْدُوسَ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ فِي " طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ " 1/241 - 246، وَالنَّصُّ التَّالِي فِي 1/243. (¬2) الرِّسَالَةُ: كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا. (¬3) عِبَارَةُ " مُؤْمِنًا بِهِ " لَيْسَتْ فِي " الرِّسَالَةِ ". (¬4) م: سَنَةً وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَسَاعَةً. (¬5) م: فِيهِمْ.

ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّانِي، فَيَقُولُونَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّالِثُ فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، ثُمَّ يَكُونُ الْبَعْثُ الرَّابِعُ فَيُقَالُ: هَلْ تَرَوْنَ فِيكُمْ أَحَدًا رَأَى مَنْ رَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ بِهِ» وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ (¬1) كَالرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ لَكِنَّ لَفْظَهُ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَقَالَ فِيهَا كُلِّهَا: (صَحِبَ) ، وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى ذِكْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَهُمْ (¬2) الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ وَأَمَّا الْقَرْنُ الرَّابِعُ فَهُوَ فِي بَعْضِهَا؛ وَذِكْرُ الْقَرْنِ الثَّالِثِ ثَابِتٌ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ (¬3) . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونَنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِئُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» " (¬4) . ¬

(¬1) س، ب: مَرَاتِبَ (¬2) ن، م: وَهِيَ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35 وَتَكَلَّمْتُ هُنَاكَ عَلَى رِوَايَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَأَمَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهِيَ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/3 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . الْبَابُ الْأَوَّلُ) وَأَوَّلُهُ فِيهِ: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ أَيْضًا فِي: الْبُخَارِيِّ 8/91 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا) 8/134 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِذَا قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ. .)

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ؛ قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَقَالَ (¬1) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ (¬2) يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ وَلَا يُوفُونَ» " (¬3) وَفِي رِوَايَةٍ: " وَيَحْلِفُونَ وَلَا يُسْتَحْلَفُونَ " (¬4) فَقَدْ شَكَّ عِمْرَانُ (¬5) فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ. وَقَوْلُهُ: " يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ " حَمَلَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مُطْلَقِ الشَّهَادَةِ حَتَّى كَرِهُوا أَنْ يَشْهَدَ الرَّجُلُ بِحَقٍّ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ إِذَا عَلِمَ الشَّهَادَةَ وَجَمَعُوا بِذَلِكَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: " «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» " (¬6) . وَقَالَ طَائِفَةٌ أُخْرَى: إِنَّمَا الْمُرَادُ ذَمُّهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، أَيْ يَشْهَدُونَ ¬

(¬1) م: قَالَ (¬2) ن، م، س: قَرْنٌ (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/3 - 4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . .) الْبَابُ الْأَوَّلُ 8/19 (كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا. . .) 8/141 - 142 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ لَا يَفِي بِالنَّذْرِ) ، مُسْلِمٍ 4/1964 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضْلِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. . .) حَدِيثٌ رَقْمُ 214 (¬4) الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ 4/1965 (حَدِيثٌ رَقْمُ 215. (¬5) س، ب: عُمَرُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: مُسْلِمٍ 3/1344 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ بَيَانِ خَيْرِ الشُّهُودِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/414 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابٌ فِي الشَّهَادَاتِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/373 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، الْبَابُ الْأَوَّلُ) .

بِالْكَذِبِ كَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى الْخِيَانَةِ وَتَرْكِ الْوَفَاءِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ [مِنْ] (¬1) آيَاتِ النِّفَاقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْلِهِ: " «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬2) . وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْحَقِّ إِذَا أَدَّاهَا الشَّاهِدُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ فَقَدْ قَامَ بِالْقِسْطِ وَأَدَّى الْوَاجِبَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَا يُؤَدِّيهِ إِلَّا بِالسُّؤَالِ كَمَنْ لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَمَانَةٌ، فَأَدَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَدَاءَهَا حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا صَاحِبُهَا وَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُحْوِجَ صَاحِبَهَا إِلَى ذُلِّ السُّؤَالِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. وَهَذَا يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْفُقَهَاءِ فِي الْخَصْمِ إِذَا ادَّعَى وَلَمْ يَسْأَلِ الْحَاكِمَ سُؤَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ يَسْأَلُهُ الْجَوَابَ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ الْجَوَابَ (¬3) وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى سُؤَالِ الْمُدَّعَى، لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تُغْنِي عَنِ السُّؤَالِ. فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: " «هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ "، ثُمَّ قَالَ: " هَلْ فِيكُمْ [مَنْ رَأَى] (¬4) مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -؟ "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّائِيَ هُوَ الصَّاحِبُ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ فِي السُّؤَالِ (¬5) : " هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ [مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ؟] (¬6) "، ثُمَّ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّاحِبِ الرَّائِيَ. ¬

(¬1) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ب) (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/82 (¬3) الْجَوَابُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬4) مَنْ رَأَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (¬5) عِبَارَةُ " فِي السُّؤَالِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬6) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (س) : مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . .

وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: " «هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ * ثُمَّ يُقَالُ فِي الثَّالِثَةِ: " هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى [مَنْ رَأَى] (¬1) أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -. * (¬2) وَمَعْلُومٌ إِنْ كَانَ (¬3) الْحُكْمُ لِصَاحِبِ الصَّاحِبِ مُعَلَّقًا (¬4) بِالرُّؤْيَةِ (¬5) ؛ فَفِي الَّذِي صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَ فِيهَا كُلِّهَا: " صَحِبَ " وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِنْ (¬6) كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ أَلْفَاظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بَعْضَهَا وَالرَّاوِي مِثْلُ أَبِي سَعِيدٍ يَرْوِي اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى؛ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَهُمْ هُوَ مَعْنَى الْآخَرِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي مَا سَمِعُوهُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (رَأَى) فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ " صَحِبَ " فِي طَبَقَةٍ أَوْ طَبَقَاتٍ؛ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الرُّؤْيَةَ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ؛ فَإِنَّ الصُّحْبَةَ اسْمُ جِنْسٍ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَالْعُرْفُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَيِّدِ الصُّحْبَةَ بِقَيْدٍ وَلَا قَدَّرَهَا بِقَدْرٍ؛ بَلْ عَلَّقَ (¬7) الْحُكْمَ بِمُطْلَقِهَا، وَلَا مُطْلَقَ لَهَا إِلَّا الرُّؤْيَةُ. ¬

(¬1) مَنْ رَأْى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) ن، م، س: أَنَّهُ كَانَ (¬4) م: مُتَعَلِّقًا. (¬5) ن: بِالرِّوَايَةِ (¬6) ن: وَإِنْ (¬7) س: بِقَدْرٍ لَوْ عَلَّقَ:. .، ب: بِقَدْرٍ وَعَلَّقَ. .

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَالُ: صَحِبَهُ سَاعَةً وَصَحِبَهُ سَنَةً وَشَهْرًا فَتَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ لَمْ يَجُزْ تَقْيِيدُهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ بَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُجَرَّدَ رُؤْيَةِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ لَا تُوجِبُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ صَحِبَهُ وَلَكِنْ إِذَا رَآهُ عَلَى وَجْهِ الِاتِّبَاعِ لَهُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ (¬1) ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِرُؤْيَةِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ رُؤْيَةَ مَنْ قَصَدَهُ لِأَنْ يُؤْمِنَ بِهِ، وَيَكُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَعْوَانِهِ الْمُصَدِّقِينَ لَهُ، فِيمَا أَخْبَرَ (¬2) الْمُطِيعِينَ لَهُ فِيمَا أَمَرَ الْمُوَالِينَ لَهُ الْمُعَادِينَ لِمَنْ عَادَاهُ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكُلِّ شَيْءٍ. وَامْتَازَ (¬3) [أَبُو بَكْرٍ] عَنْ سَائِرِ (¬4) الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ رَآهُ وَهَذِهِ حَالُهُ مَعَهُ فَكَانَ صَاحِبًا لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَدَلِيلٌ ثَانٍ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ قَالَ: " بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» " (¬5) . ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) م: فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ. (¬3) ب: وَامْتَازَا، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) ن، م، س: وَامْتَازُوا عَنْ سَائِرِ. .، ب: وَامْتَازَا عَنْ سَائِرِ. . وَالْكَلَامُ نَاقِصٌ؛ وَلَعَلَّ مَا أُثْبِتُهُ تَسْتَقِيمُ بِهِ الْعِبَارَةُ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 7

وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ: " إِخْوَانِي " أَرَادَ بِهِ: إِخْوَانِي الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَصْحَابِي (¬1) ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَزِيَّةُ الصُّحْبَةِ (¬2) ، ثُمَّ قَالَ: " «قَوْمٌ يَأْتُونَ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» "؛ فَجَعَلَ هَذَا حَدًّا فَاصِلًا بَيْنَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ وَدَّ أَنْ يَرَاهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَرَآهُ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ (¬3) لَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَانِ الَّذِينَ لَمْ يَرَهُمْ وَلَمْ يَرَوْهُ. فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الصُّحْبَةَ اسْمُ جِنْسٍ تَعُمُّ قَلِيلَ الصُّحْبَةِ وَكَثِيرَهَا، وَأَدْنَاهَا أَنْ يَصْحَبَهُ زَمَنًا قَلِيلًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّدِّيقَ فِي ذُرْوَةِ سَنَامِ الصُّحْبَةِ، وَأَعْلَى مَرَاتِبِهَا فَإِنَّهُ صَحِبَهُ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ (¬4) اللَّهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ وَمِنَ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ وَمِنَ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَتَنَازَعُوا فِي أَوَّلِ مَنْ نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ خَدِيجَةَ، فَإِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَسْلَمَ قَبْلَ عَلِيٍّ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَسْبَقُ صُحْبَةً كَمَا كَانَ أَسْبَقَ إِيمَانًا، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَكْمَلَ وَأَنْفَعَ لَهُ مِنْ صُحْبَةِ عَلِيٍّ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّهُ شَارَكَهُ فِي الدَّعْوَةِ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَكَابِرُ أَهْلِ الشُّورَى (¬5) ، كَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ ¬

(¬1) ن، س، ب: أَصْحَابِيَ (¬2) م: مَزِيدُ الصُّحْبَةِ، س، ب: مَزِيَّةٌ فِي الصُّحْبَةِ. (¬3) م: مِنَ الصَّحَابَةِ (¬4) ن: فَإِنَّهُ بَعَثَهُ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬5) م: الشَّكَّةِ.

وَسَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ يَدْفَعُ عَنْهُ مَنْ يُؤْذِيهِ، وَيَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى الْقَبَائِلِ وَيُعِينُهُ فِي الدَّعْوَةِ، وَكَانَ يَشْتَرِي الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ كَبِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ اشْتَرَى سَبْعَةً مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ، فَكَانَ أَنْفَعَ النَّاسِ لَهُ فِي صُحْبَتِهِ مُطْلَقًا. وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مُصَاحَبَةَ أَبِي بَكْرٍ لَهُ كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْ مُصَاحَبَةِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ [مِنْ وُجُوهٍ] (¬1) : أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ أَدْوَمَ اجْتِمَاعًا بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَسَفَرًا وَحَضَرًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: " «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمْضِ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِينَا فِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ» " (¬2) . فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَذْهَبُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَالْإِسْلَامُ إِذَا ذَاكَ ضَعِيفٌ وَالْأَعْدَاءُ كَثِيرَةٌ، وَهَذَا غَايَةُ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِصَاصِ فِي الصُّحْبَةِ. وَأَيْضًا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَسْمُرُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْعِشَاءِ يَتَحَدَّثُ مَعَهُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَأَيْضًا فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ أَوَّلُ مَنْ يَتَكَلَّمُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشُّورَى وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ غَيْرُهُ فَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ فَإِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ اتَّبَعَ رَأْيَهُ دُونَ رَأْيِ مَنْ يُخَالِفُهُ. ¬

(¬1) عِبَارَةُ " مِنْ وُجُوهٍ " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) سَيَرِدُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أُسِرَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: " مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، فَأَرَى أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةُ فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ؛ وَلَكِنْ أَنْ تَمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ: تُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمْكِنَ حَمْزَةَ مِنَ الْعَبَّاسِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ - قَرِيبٍ لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. وَأَشَارَ ابْنُ رَوَاحَةَ بِتَحْرِيفِهِمْ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى عُمَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الرَّأْيُ مَا رَأَى ابْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ: فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ» . وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (¬1) . وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِي يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةَ لَمَّا شَاوَرَهُمْ عَلَى أَنْ يُغِيرَ عَلَى ذُرِّيَّةِ الَّذِينَ أَعَانُوا قُرَيْشًا، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الْبَيْتِ؛ فَمَنْ صَدَّهُ قَاتَلَهُ، وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ (¬2) عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ وَالْفِقْهِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (¬3) . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ ¬

(¬1) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ. (¬2) س، ب: مَعْلُومٌ (¬3) النَّصُّ التَّالِي فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/323 - 326، 4/328 - 331

الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ (¬1) ، قَالَا: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ (¬2) الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعِ عَشْرَةِ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ (¬3) وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ؛ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ» "، قَالَ أَحْمَدُ: " وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ " (¬4) : " «قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَشِيرُوا عَلَيَّ (¬5) : أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ (¬6) إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ؛ فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ (¬7) ، وَإِنْ نَجَوْا يَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ، أَوْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؛ إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ وَلَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ (¬8) ، وَلَكِنْ مَنْ ¬

(¬1) الْمُسْنَدُ: يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ (¬2) الْمُسْنَدُ: زَمَانَ (¬3) الْمُسْنَدُ: بِالْعُمْرَةِ (¬4) هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَرِضَةُ جَاءَتْ فِي الْمُسْنَدِ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ بِسَطْرَيْنِ. (¬5) ن. م. س: إِلَيَّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْمُسْنَدِ. (¬6) الْمُسْنَدُ: نَمِيلَ. (¬7) ن: مَحْزُونِينَ. وَفِي الْمُسْنَدِ بَعْدَ عِبَارَةِ " وَإِنْ نَجَوْا ": وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: مَحْزُونِينَ، وَإِنْ يَحْنُونَ تَكُنْ. . . (¬8) الْمُسْنَدُ:. . . نُقَاتِلُ أَحَدًا. .

حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَرَوِّحُوا إِذًا» ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - (¬1) ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدِيثُ (¬2) الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ". وَمِنْ هُنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقٍ وَرَوَاهُ فِي الْمُغَازِي وَالْحَجِّ (¬3) . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ (¬4) «حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ، فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ (¬5) بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ؛ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ ¬

(¬1) هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ هِيَ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - 3/129 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشُورَةِ) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ هُنَا. (¬2) الْمُسْنَدُ: فِي حَدِيثِ (¬3) الْحَدِيثُ - مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/168 - 169 (كِتَابُ الْحَجِّ، بَابُ مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ) 3/193 - 198 (كِتَابُ الشُّرُوطِ، بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ. . .) 5/126 - 127 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ 4/32 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي صُلْحِ الْعَدُوِّ) . وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى (¬4) الْكَلَامُ التَّالِي فِي الْمُسْنَدِ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ 3/193 - 194 (كِتَابُ الشُّرُوطِ. . .) (¬5) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: حَتَّى إِذَا هُوَ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ.

عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ (¬1) : حَلْ حَلْ فَأَلْحَتْ فَقَالُوا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ (¬2) ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، " مَا خَلَأَتِ [الْقَصْوَاءُ] (¬3) وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ؛ ثُمَّ قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا "، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ وَشَكُوْا (¬4) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَطَشَ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ (¬5) فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ (¬6) حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ وَنَفَرٌ (¬7) مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ (¬8) اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ» " وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: " مُسْلِمِهِمْ وَمُشْرِكِهِمْ (¬9) " «فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةَ وَمَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكُ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. ¬

(¬1) الْمُسْنَدُ (فَقَطْ) : فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (¬2) تَكَرَّرَتْ عِبَارَةُ " خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ " فِي (ن) فَقَطْ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي " الْبُخَارِيِّ " (¬3) الْقَصْوَاءُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬4) الْمُسْنَدُ: فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ فَشُكِيَ، الْبُخَارِيُّ: فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ. (¬5) ن، م، س: فِيهَا (¬6) بِالرِّيِّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬7) الْمُسْنَدُ. الْبُخَارِيُّ: فِي نَفَرٍ. (¬8) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: لِرَسُولِ. . (¬9) فِي رِوَايَةِ الْمُسْنَدِ 4/323: مُسْلِمِهَا وَمُشْرِكِهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ؛ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِنْ أَظْهَرُ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدَ جَمُّوا (¬1) وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي وَلَيُنْفِذَنَّ (¬2) اللَّهُ أَمْرَهُ ". قَالَ بُدَيْلٌ: " سَأُبْلِغُهُمْ مَا تَقُولُ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا؛ فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا؛ فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ (¬3) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ (¬4) ؟ ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ فَلَمَّا بَلَّحُوا (¬5) عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ (¬6) وَدَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ ¬

(¬1) فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: أَيِ اسْتَرَاحُوا مِنْ جُهْدِ الْحَرْبِ. (¬2) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: أَوْ لَيُنْفِذَانَّ. (¬3) ن، م، س: بِالْوَلَدِ. (¬4) ن، م، س: بِالْوَالِدِ. (¬5) بَلَّحُوا: أَيْ عَجَزُوا. (¬6) مِنْهُ: لَيْسَتْ فِي " الْمُسْنَدِ " وَ " الْبُخَارِيِّ ".

فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ (¬1) ، هَلْ سَمِعْتُ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ (¬2) اجْتَاحَ أَصْلَهُ (¬3) قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى، فَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى (¬4) وُجُوهًا وَإِنِّي لَأَرَى أَوْبَاشًا (¬5) مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ: " خُلَقَاءَ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ (¬6) " فَقَالَ [لَهُ] (¬7) أَبُو بَكْرٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ (¬8) أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ؛ فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ (¬9) السَّيْفِ، وَيَقُولُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ (¬10) فَقَالَ: مَنْ ذَا (¬11) ؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. ¬

(¬1) الْبُخَارِيُّ: آمُرَ قَوْمَكَ. (¬2) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ (¬3) ب، فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: أَهْلَهُ. (¬4) م، ب: لَا أَرَى. (¬5) ن، س: وَأَرَى أَوْبَاشًا، م: وَأَرَى أَوَشَاصًا. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَشْوَابًا ". (¬6) الْعِبَارَاتُ الْمُعْتَرِضَةُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْنَدِ. (¬7) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬8) سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِيمَا مَضَى (¬9) فِي " الْمُسْنَدِ " فَقَطْ: بِنَصْلِ. (¬10)) ن، م، س، الْمُسْنَدُ: يَدَهُ. (¬11)) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مَنْ هَذَا.

قَالَ: أَيْ غُدَرُ، أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا (¬1) فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، [ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ] (¬2) ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ. ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنَيْهِ (¬3) ؛ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ [عِنْدَهُ] (¬4) وَمَا يَحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ [وَاللَّهِ] (¬5) لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا عَظِيمًا (¬6) قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ (¬7) مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ بِنُخَامَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ (¬8) رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ (¬9) . ¬

(¬1) ن، م، س: أَقْوَامًا. (¬2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (¬3) الْمُسْنَدُ: يَرْمُقُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنِهِ (¬4) عِنْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬5) وَاللَّهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (س) . (¬6) عَظِيمًا: لَيْسَتْ فِي (م) ، الْبُخَارِيِّ، الْمُسْنَدِ. (¬7) س، ب: يُعَظِّمُهُ قَوْمُهُ وَأَصْحَابُهُ. (¬8) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ. . (¬9) فِي (ن) ، (م) ، (س) : سَبَقَتْ عِبَارَةُ " وَإِذَا تَكَلَّمَ. . " عِبَارَةَ: وَإِذَا تَوَضَّأَ. . "

وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ (¬1) : دَعُونِي آتِهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وَأَصْحَابِهِ (¬2) ] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ " [فَبُعِثَتْ لَهُ] وَاسْتَقْبَلَهُ (¬3) النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يُصَدَّ (¬4) عَنِ الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ (¬5) ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدَّ (¬6) عَنِ الْبَيْتِ؛ فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ (¬7) ؛ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَذَا مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ " فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ "، قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلٌ، فَقَالَ لَهُ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ (¬8) كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬

(¬1) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مِنْ بَنِي كِنَانَةَ. (¬2) وَأَصْحَابِهِ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) ، (س) . (¬3) ن، س: فَبَعَثُوهَا لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ، م: فَابْعَثُوهَا لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ. (¬4) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا. (¬5) م: وَاسْتُشْعِرَتْ. (¬6) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: أَنْ يُصَدُّوا. (¬7) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: آتِهِ؛ فَقَالُوا ائْتِهِ. (¬8) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: وَبَيْنَكُمْ

اكْتُبْ (¬1) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَمَا أَدْرِي (¬2) مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ "، ثُمَّ قَالَ: " هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ "؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي؛ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: " لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ". قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " عَلَى أَنْ تُخَلُّوا (¬3) بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَطُوفَ بِهِ " (¬4) ؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضَغْطَةً، وَلَكِنَّ ذَاكَ (¬5) مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ (¬6) فَكَتَبَ، وَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنْ (¬7) لَا يَأْتِيَكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ (¬8) أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ ¬

(¬1) اكْتُبْ: لَيْسَتْ فِي " الْبُخَارِيِّ ". (¬2) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي. (¬3) س، ب: يُخَلُّوا. (¬4) الْمُسْنَدُ، الْبُخَارِيُّ: وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ (¬5) الْبُخَارِيُّ: ذَلِكَ، الْمُسْنَدُ: لَكَ (¬6) م: الْقَابِلِ. (¬7) الْبُخَارِيُّ: الْمُسْنَدُ: أَنَّهُ. (¬8) الْبُخَارِيُّ: إِذْ دَخَلَ.

بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ (¬1) أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ؛ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ قَالَ: فَوَاللَّهِ إِذًا لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَأَجِزْهُ لِي " قَالَ: مَا أَنَا مُجِيزُهُ (¬2) ، قَالَ: " بَلَى فَافْعَلْ " قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ؛ قَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ، وَقَدْ كَانَ (¬3) عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ (¬4) : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي (¬5) الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي "؛ قُلْتُ: أَوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا: أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ (¬6) ؟ قَالَ: " فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ آتِيهِ (¬7) الْعَامَ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ: " فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ " (¬8) قَالَ (¬9) : فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ: أَلَيْسَ ¬

(¬1) س، ب: يَا مُحَمَّدُ هَذَا. . (¬2) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: بِمُجِيزِهِ لَكَ. (¬3) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: وَكَانَ قَدْ. . (¬4) س، ب: قَالَ عُمَرُ. (¬5) ن، م: فَلِمَ نُعْطَى. (¬6) س، ب: وَنَطُوفُ بِهِ. (¬7) الْبُخَارِيُّ: أَنَّا نَأْتِيهِ. الْمُسْنَدُ: أَنَّكَ تَأْتِيهِ. (¬8) م: تَطُوفُ بِهِ، الْمُسْنَدُ: وَمُتَطَوِّفٌ بِهِ (¬9) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) .

هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى (¬1) ، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ (¬2) فَوَاللَّهِ [إِنَّهُ] عَلَى الْحَقِّ (¬3) ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ (¬4) تَأْتِيهِ الْعَامَ (¬5) ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ؛ قَالَ عُمَرُ (¬6) : فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: " قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا " قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ (¬7) دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ (¬8) ، * حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ [فَيَحْلِقَكَ] (¬9) ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ فَنَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ * (¬10) ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى ¬

(¬1) (1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) الْمُسْنَدُ: فَاسْتَمْسِكْ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: بِغَرْزِهِ، وَقَالَ: تَطُوفُ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، م: فَاسْتَمْسِكْ بِعُرْوَتِهِ. (¬3) ن: فَوَاللَّهِ عَلَى الْحَقِّ، س، ب فَهُوَ وَاللَّهِ عَلَى الْحَقِّ، الْمُسْنَدُ: فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ. (¬4) س، ب: أَفَأَخْبَرَ أَنَّكَ، الْمُسْنَدُ: أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ. (¬5) م: آتِيهِ الْعَامَ، الْمُسْنَدُ: يَأْتِيهِ الْعَامَ (¬6) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ (¬7) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: مِنْهُمْ أَحَدٌ (¬8) ن، م: وَلَا تُكَلِّمْ مِنْهُمْ أَحَدًا، الْبُخَارِيُّ، وَالْمُسْنَدُ: ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً. (¬9) فَيَحْلِقَكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) (¬10) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . وَسَقَطَتْ بَعْضُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مِنْ (س) .

كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَ (¬1) نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ: 10] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ؛ فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ؛ فَجَاءَ (¬2) أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ (¬3) فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ؛ فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ [مِنْهُ] (¬4) ، فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى آتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَآهُ لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ وَفَى بِذِمَّتِكَ (¬5) ، فَلَقَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي ¬

(¬1) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: ثُمَّ جَاءَهُ. (¬2) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: فَجَاءَهُ (¬3) بَعْدَ كَلِمَةِ " مُسْلِمٌ " جَاءَتْ عِبَارَاتٌ فِي " الْمُسْنَدِ " زِيَادَةٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ. (¬4) مِنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬5) س، ب: لَقَدْ وَفَى اللَّهُ بِذِمَّتِكَ، الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ.

اللَّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ " فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ؛ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَتَفَلَّتَ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ (¬1) بْنُ سُهَيْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ (¬2) أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ؛ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوهَا (¬3) ، فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: فَمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 24] حَتَّى بَلَغَ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 26] وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَلَمْ يُقِرُّوا بِـ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيِّ (¬4) عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ (¬5) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ (¬6) ، وَهُوَ ¬

(¬1) الْبُخَارِيُّ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ، الْمُسْنَدُ: وَيَتَفَلَّتُ أَبُو جَنْدَلِ. . (¬2) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) . (¬3) الْبُخَارِيُّ، الْمُسْنَدُ: إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا. (¬4) م: السَّنَدِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْيَمَانِ الْجُعَفِيُّ الْبُخَارِيُّ الْحَافِظُ، أَبُو جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِالْمُسْنَدِيِّ (بِفَتْحِ النُّونِ) ؛ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ الْمُسْنَدَاتِ وَيَرْغَبُ عَنِ الْمُرْسَلَاتِ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ " مُسْنَدَ الصَّحَابَةِ " بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَهُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 229. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/9 - 10، تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/492 - 493 الْأَعْلَامِ 4/260 (¬5) وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الشُّرُوطِ، بَابُ الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ 3/193 - 197. (¬6) وَهِيَ الرِّوَايَةُ فِي 4/328 - 331

أَجَلُّ قَدْرًا مِنَ الْمُسْنَدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ؛ فَمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ هِيَ أَثْبَتُ مِمَّا فِي الْبُخَارِيِّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (¬1) الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ فَكَتَبَ: هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: لَا تَكْتُبْ رَسُولَ اللَّهِ؛ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: " امْحُهُ "، فَقَالَ: " مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحُوهُ " قَالَ: فَمَحَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ (¬2) ، قَالَ: وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلُوا فَيُقِيمُوا بِهَا (¬3) ثَلَاثًا، وَلَا يَدْخُلُوا بِسِلَاحٍ إِلَّا جُلُبَّانَ السِّلَاحِ. قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: وَمَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ قَالَ: الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ» " (¬4) . ¬

(¬1) ن، س: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) بِيَدِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬3) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي " الْبُخَارِيِّ 3/184 - 185 (كِتَابُ الصُّلْحِ بَابُ كَيْفَ يَكْتُبُ هَذَا مَا صَالَحَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. .) \ 4 103 - 104 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ وَقْتٍ مَعْلُومٍ، مُسْلِمٍ 3/1409 - 1411 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/227 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/289، 291، 302. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ 12/136: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، جُلُبَّانُ السِّلَاحِ هُوَ الْقِرَابُ وَمَا فِيهِ، وَالْجُلُبَّانُ بِضَمِّ الْجِيمِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ ضَبَطْنَاهُ (جُلُبَّانُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَصَوَّبَهُ هُوَ وَثَابِتٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ ثَابِتٌ سِوَاهُ، وَهُوَ أَلْطَفُ مِنَ الْجِرَابِ يَكُونُ مِنَ الْأُدْمِ يُوضَعُ فِيهِ السَّيْفُ مُغْمَدًا وَيَطْرَحُ فِيهِ الرَّاكِبُ سَوْطَهُ وَأَدَوَاتِهِ وَيُعَلِّقُهُ فِي الرَّحْلِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا شَرَطُوا هَذَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ دُخُولُ الْغَالِبِينَ الْقَاهِرِينَ وَالثَّانِي أَنَّهُ إِنْ عَرَضَ فِتْنَةٌ أَوْ نَحْوُهَا يَكُونُ فِي الِاسْتِعْدَادِ بِالسِّلَاحِ صُعُوبَةٌ. "

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: «قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ وَفِي لَفْظِ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ؛ لَقَدْ كُنَّا [مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] (¬1) يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَجَاءَ (¬2) عُمَرُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ قَالَ: " بَلَى "، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: " بَلَى "، قَالَ: فَفِيمَ (¬3) نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ ، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؛ قَالَ: " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا "، قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَتْحِ؛ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (ب) فَقَطْ (¬2) ن، م: فَجَاءَ. (¬3) س، ب: فِيمَ.

فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ (¬1) هُوَ؟ قَالَ: " نَعَمْ» " (¬2) . وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ (¬3) " فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ ". وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا: " «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ (¬4) ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ (¬5) ، وَلَوْ [أَنِّي] (¬6) أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ لَرَدَدْتُهُ» " (¬7) . وَفِي رِوَايَةٍ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ (¬8) : " وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ قَطُّ إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ إِلَّا أَمْرَكُمْ هَذَا " (¬9) ، " مَا ¬

(¬1) ن، م: أَفَتْحٌ؟ (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ ابْنِ سَلَمَةَ الْأَسَدِيِّ (تَرْجَمَتُهُ فِي الْإِصَابَةِ 2/162 - 163، أُسْدِ الْغَابَةِ 2/527 - 528) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 4/103 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ، بَابُ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ. . .) 6/136 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، بَابُ سُورَةِ الْفَتْحِ) مُسْلِمٍ 3/1411 - 1412 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. .) الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/485 - 486 (عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) . (¬3) مُسْلِمٍ 3/1412 فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (¬4) ن، م: آرَاءَكُمْ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي (س) وَ (ب) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (¬5) وَهُوَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ (¬6) أَنِّي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (¬7) الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 3/1412 (الْمَوْضِعُ السَّابِقُ حَدِيثٌ رَقْمُ 95) الْمُسْنَدِ 3/485. (¬8) هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/128 - 129 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ) وَنَصُّهُ: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخِيرُهُ فَقَالَ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتِنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. . . الْحَدِيثَ. (¬9) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فِي مُسْلِمٍ (حَدِيثٌ رَقْمُ 95) .

نَسُدُّ مِنْهُ خَصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خَصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ (¬1) " يَعْنِي يَوْمَ صِفِّينَ. وَقَالَ ذَلِكَ سَهْلٌ يَوْمَ صِفِّينَ لَمَّا خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيٍّ حِينَ أَمَرَ بِمُصَالَحَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ هِيَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ تُبَيِّنُ اخْتِصَاصَ أَبِي بَكْرٍ [بِمَنْزِلَةٍ] (¬2) مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا عُمَرُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَعْظَمُ إِيمَانًا وَمُوَافَقَةً وَطَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ، وَلَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالشُّورَى قَبْلَهُ. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ وَحْدَهُ فِي الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ وَإِنَّهُ [كَانَ] (¬3) يَبْدَأُ بِالْكَلَامِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاوَنَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا كَانَ يُفْتِي بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاسُوسُهُ الْخُزَاعِيُّ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعُوا لَهُ الْأَحَابِيشَ، وَهِيَ الْجَمَاعَاتُ (¬4) الْمُسْتَجْمَعَةُ مِنْ ¬

(¬1) هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَاءَتْ فِي مُسْلِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَدِيثِ التَّالِي (رَقْمُ 96) \ 4/1413. وَجَاءَتِ الْعِبَارَاتُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ مُجْتَمِعَةً فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ 4 485 وَلَكِنْ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ. وَنَصُّ الْحَدِيثِ: ". . وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَنْ عَوَاتِقِنَا مُنْذُ أَسْلَمْنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلَ بِنَا عَلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ إِلَّا هَذَا الْأَمْرَ مَا سَدَدْنَا خَصْمًا إِلَّا انْفَتَحَ لَنَا خَصْمٌ آخَرُ ". (¬2) بِمَنْزِلَةِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ. (¬3) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (م) فَقَطْ (¬4) م: الْجَمَاعَةُ.

قَبَائِلَ، وَالتَّحَبُّشُ: التَّجَمُّعُ، وَأَنَّهُمْ مُقَاتِلُوهُ وَصَادُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ، اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ أَهْلَ الْمَشُورَةِ مُطْلَقًا، هَلْ يَمِيلُ إِلَى ذَرَارِيِّ الْأَحَابِيشِ؟ أَوْ يَنْطَلِقُ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَبْدَأَ أَحَدًا بِالْقِتَالِ، فَإِنَّا لَمْ نَخْرُجْ إِلَّا لِلْعُمْرَةِ لَا لِلْقِتَالِ؛ فَإِنْ مَنَعَنَا أَحَدٌ (¬1) مِنْ (¬2) الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ لِصَدِّهِ لَنَا عَمَّا قَصَدْنَا لَا مُبْتَدِئِينَ (¬3) لَهُ بِقِتَالٍ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " رَوِّحُوا إِذًا "، ثُمَّ إِنَّهُ [لَمَّا] تَكَلَّمَ (¬4) عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ ثَقِيفٍ وَحُلَفَاءِ قُرَيْشٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَخَذَ يَقُولُ لَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ: " إِنَّهُمْ أَشْوَابٌ " أَيْ: أَخْلَاطٌ وَفِي الْمُسْنَدِ أَوْبَاشٌ يَفِرُّونَ عَنْكَ وَيَدَعُوكَ، قَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ وَلَمَّا يُجَاوِبْهُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَرَعَى حُرْمَتَهُ وَلَمْ يُجَاوِبْهُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. وَلِهَذَا قَالَ: مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّصْرِيحِ بِاسْمِ الْعَوْرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَ مِنَ الْفُحْشِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. كَمَا فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَتَعَزَّى بِعَزَاءٍ (¬5) الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ هَنَ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا» " رَوَاهُ ¬

(¬1) ب: أَحْمَدُ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ. (¬2) ن، م: عَنْ (¬3) س، ب: مُبْتَدِينَ. (¬4) ن، س: ثُمَّ إِنَّهُ تَكَلَّمَ، م: ثُمَّ تَكَلَّمَ. (¬5) ن، م، س: بِعِزَى.

أَحْمَدُ (¬1) فَسَمِعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَجُلًا يَقُولُ: يَا فُلَانُ، فَقَالَ: اعْضَضْ أَيْرَ أَبِيكَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بِهَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬2) . ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا صَالَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا كَانَ ظَاهِرُ الصُّلْحِ فِيهِ غَضَاضَةٌ وَضَيْمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاعَةً لِلَّهِ وَثِقَةً بِوَعْدِهِ لَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُ عَلَيْهِمْ، وَاغْتَاظَ مِنْ ذَلِكَ جُمْهُورُ النَّاسِ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى عَلَى مِثْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ؛ وَلِهَذَا كَبَّرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬3) لَمَّا مَاتَ تَبْيِينًا لِفَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ يَعْنِي سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَعَلِيٌّ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ مِنِ الْكِتَابِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكِتَابَ وَمَحَاهُ بِيَدِهِ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/521 وَبَيَّنْتُ فِي تَعْلِيقِي مَكَانَ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ وَشَرَحْتُ فِيهِ أَلْفَاظَهُ. (¬2) جَاءَتْ أَحَادِيثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/136 بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا رِوَايَةُ عَتِيِّ بْنِ ضَمْرَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: إِنِّي أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ، إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ وَلَا تُكَنُّوا " وَفِي " النِّهَايَةِ " فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " لِابْنِ الْأَثِيرِ مَادَّةُ " عَضَضَ ": مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكَنُّوا - أَيْ قُولُوا لَهُ: اعْضَضْ بِأَيْرِ أَبِيكَ، وَلَا تُكَنُّوا عَنِ الْأَيْرِ بِالْهَنِ تَنْكِيلًا لَهُ وَتَأْدِيبًا " (¬3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (¬1) أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: " امْحُ رَسُولَ اللَّهِ " قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا؛ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ (¬2) فَكَتَبَ: " هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ". وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَقُولُ: " لَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَدَدْتُهُ "، وَعُمَرُ يُنَاظِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ: إِذَا كُنَّا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَقَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ وَأَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَعَمِلَ لَهُ أَعْمَالًا (¬3) . وَأَبُو بَكْرٍ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (¬4) لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ مُخَالَفَةٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ، بَلْ لَمَّا نَاظَرَهُ عُمَرُ بَعْدَ مُنَاظَرَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَهُ أَبُو بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ جَوَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأُمُورِ دَلَالَةً عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمُنَاسَبَتِهِ لَهُ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَعِلْمًا وَحَالًا؛ إِذْ كَانَ قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ وَعَمَلُهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ. وَفِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا تَقَدُّمُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ؛ فَأَيْنَ مَقَامُهُ مِنْ مَقَامِ غَيْرِهِ؟ ! هَذَا يُنَاظِرُهُ لِيَرُدَّهُ عَنْ ¬

(¬1) سَبَقَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَبْلَ صَفَحَاتٍ () وَسَأُقَابِلُ الْكَلَامَ التَّالِيَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالرِّوَايَةُ التَّالِيَةُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/184 - 185. (¬2) عِبَارَةُ " وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ " لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ، وَلَعَلَّهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ. (¬3) الْكَلَامُ السَّابِقُ هُوَ مُلَخَّصٌ لِمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ سَابِقَةٍ. (¬4) م: وَلِرَسُولِهِ.

أَمْرِهِ؛ وَهَذَا يَأْمُرُهُ لِيَمْحُوَ اسْمَهُ فَلَا يَمْحُوهُ، وَهَذَا يَقُولُ: لَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَدَدْتُهُ، وَهُوَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ فَيَتَوَقَّفُونَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبُغْضُ الْكُفَّارِ وَمَحَبَّتُهُمْ أَنْ يَظْهَرَ الْإِيمَانُ عَلَى الْكُفْرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَدْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ غَضَاضَةٌ وَضَيْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ. وَرَأَوْا أَنَّ قِتَالَهُمْ لِئَلَّا يُضَامُوا هَذَا الضَّيْمَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ الْمُصَالَحَةِ الَّتِي فِيهَا مِنَ الضَّيْمِ مَا فِيهَا. لَكِنْ مَعْلُومٌ وُجُوبُ تَقْدِيمِ النَّصِّ عَلَى الرَّأْيِ، وَالشَّرْعِ عَلَى الْهَوَى؛ فَالْأَصْلُ الَّذِي افْتَرَقَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ بِالرُّسُلِ وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ: تَقْدِيمُ نُصُوصِهِمْ عَلَى الْآرَاءِ وَشَرْعِهِمْ عَلَى الْأَهْوَاءِ، وَأَصْلُ الشَّرِّ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّأْيِ عَلَى النَّصِّ وَالْهَوَى * عَلَى الشَّرْعِ؛ فَمَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ فَرَأَى مَا فِي النَّصِّ وَالشَّرْعِ (¬1) مِنَ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ * (¬2) الِانْقِيَادُ لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرْعِهِ (¬3) وَلَيْسَ لَهُ مُعَارَضَتُهُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ. كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ (¬4) وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي " (¬5) فَبَيَّنَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ مُرْسِلُهُ، لَا يَفْعَلُ مِنْ تِلْقَاءِ ¬

(¬1) ن، س: وَشَرْعٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬3) وَشَرْعِهِ: سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) م: لَرَسُولُ اللَّهِ (¬5) جَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ ضِمْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُ نَصِّهِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (519 - 520)

نَفْسِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُطِيعُهُ لَا يَعْصِيهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَّبِعُ لِرَأْيِهِ (¬1) وَهَوَاهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ نَاصِرُهُ فَهُوَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا حَصَلَ؛ فَإِنَّ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَعُلُوِّ الدِّينِ مَا ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ هَذَا فَتْحًا مُبِينًا فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ حُسْنَ مَا فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، بَلْ رَأَى ذَلِكَ ذُلًّا وَعَجْزًا وَغَضَاضَةً وَضَيْمًا. وَلِهَذَا تَابَ الَّذِينَ عَارَضُوا ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا فِي الْحَدِيثِ رُجُوعُ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ اعْتَرَفَ بِخَطَئِهِ حَيْثُ قَالَ: " وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ " وَجَعَلَ رَأْيَهُمْ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّهِمُوا رَأْيَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ؛ فَإِنَّ الرَّأْيَ يَكُونُ خَطَأً، كَمَا كَانَ رَأْيُهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ خَطَأً، وَكَذَلِكَ عَلَى الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْحَلْقِ وَالنَّحْرِ حَتَّى فَعَلَ هُوَ ذَلِكَ قَدْ تَابُوا مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ. وَالْقِصَّةُ كَانَتْ عَظِيمَةً بَلَغَتْ مِنْهُمْ مَبْلَغًا عَظِيمًا لَا تَحْمِلُهُ عَامَّةُ النُّفُوسِ وَإِلَّا فَهُمْ (¬2) خَيْرُ الْخَلْقِ، وَأَفْضَلُ النَّاسِ وَأَعْظَمُهُمْ عِلْمًا وَإِيمَانًا وَهُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ رَضِيَ [اللَّهُ] عَنْهُمْ (¬3) وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَالِاعْتِبَارُ فِي الْفَضَائِلِ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ، وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ ¬

(¬1) ن، س: بِرَأْيِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) س: إِلَّا فَهُمْ، ب: إِلَّا مَنْ هُمْ. . . (¬3) ن، م: وَقَدْ رَضِيَ عَنْهُمْ.

عَلَيْنَا مِنْ تَوْبَةِ أَنْبِيَائِهِ، وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِمْ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنْ عَلَى الدَّرَجَاتِ وَكَرَامَةِ اللَّهِ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ جَرَتْ لَهُمْ أُمُورٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بُغْضُهُمْ لِأَجْلِهَا؛ إِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ. وَهَكَذَا السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مَنْ ظُنَّ بُغْضُهُمْ [لِأَجْلِهَا إِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ] (¬1) كَمَا ذُكِرَ (¬2) ، فَهُوَ جَاهِلٌ؛ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ أَنَّ الصِّدِّيقَ أَكْمَلُ الْقَوْمِ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَسْبَقُهُمْ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُسَاوِيهِ. وَهَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ إِلَّا مَنْ كَانَ جَاهِلًا بِحَالِهِمْ مَعَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ كَانَ صَاحِبَ هَوًى صَدَّهُ اتِّبَاعُ هَوَاهُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلِمٌ وَعَدْلٌ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَكٌّ، كَمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ شَكٌّ؛ بَلْ كَانُوا مُطْبِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِ الصِّدِّيقِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَتَابِعِيهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَدَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَاللَّيْثِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مُخَالَفَةَ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الرَّسُولِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ - أَوْ غَيْرَهُ - لَمْ تَكُنْ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا فَهُوَ غَالِطٌ، كَمَا قَالَ مَنْ أَخَذَ يَعْتَذِرُ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) . (¬2) ن، م، س: لِمَا ذُكِرَ.

لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ عُذْرًا يُقْصَدُ بِهِ (¬1) رَفْعُ الْمَلَامِ: بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا تَأَخَّرُوا عَنِ النَّحْرِ وَالْحَلْقِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ النَّسْخَ وَنُزُولَ الْوَحْيِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّمَا تَخَلَّفَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ طَاعَتِهِ إِمَّا تَعْظِيمًا لِمَرْتَبَتِهِ أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ، أَوْ يَقُولُ: مُرَاجَعَةُ مَنْ رَاجَعَهُ فِي مُصَالَحَةِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا كَانَتْ قَصْدًا لِظُهُورِ الْإِيمَانِ عَلَى الْكُفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَيُقَالُ: الْأَمْرُ الْجَازِمُ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، مُوجِبٌ لِطَاعَتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بَعْضُ النَّاسِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَازِمٍ أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، وَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ الْجَزْمِ وَالْإِيجَابِ فَلَمْ يَسْتَرِبْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَمْرَهُ بِالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ كَانَ جَازِمًا وَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْفِعْلُ عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ رَدَّدَهُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، وَرَوَى أَنَّهُ غَضِبَ وَقَالَ: مَالِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا (¬2) يُتَّبَعُ (¬3) . وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. ¬

(¬1) س: لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَ عُذْرِ مَا يُقْصَدُ بِهِ، ب: لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ عُذْرًا مَا يُقْصَدُ بِهِ. وَسَقَطَتْ " بِهِ " مِنْ (م) . (¬2) ن: س، ب: وَلَا. (¬3) الْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/993 (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ فَسْخِ الْحَجِّ) وَنَصُّهُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: " اجْعَلُوا حَجَّتَكُمْ عُمْرَةً " فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ. فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ قَالَ: " انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا " فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ؛ فَغَضِبَ، فَانْطَلَقَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ؟ أَغْضَبَهُ اللَّهُ! قَالَ: " وَمَالِي لَا أَغْضَبُ، وَأَنَا آمِرٌ أَمْرًا فَلَا أُتَّبَعُ؟ " وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ 4 286.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّحَلُّلِ (¬1) بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ الَّتِي أُحْصِرُوا فِيهَا كَانَ أَوْكَدَ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجِّ الْوَدَاعِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى مَحْوِ اسْمِهِ مِنِ الْكِتَابِ لِيَتِمَّ الصُّلْحُ؛ وَلِهَذَا مَحَاهُ بِيَدِهِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ كَانَ جَازِمًا. وَالْمُخَالِفُ لِأَمْرِهِ إِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فَهُوَ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا لَا يَجِبُ، لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ احْتِرَامِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ لِمَا (¬2) فِيهِ مِنِ انْتِظَارِ الْعُمْرَةِ وَعَدَمِ إِتْمَامِ ذَلِكَ الصُّلْحِ. فَحَسْبُ الْمُتَأَوِّلِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فَإِنَّهُ مَعَ جَزْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَشَكِّيهِ مِمَّنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَقَوْلَهُ: " مَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمِرٌ بِالْأَمْرِ (¬3) وَلَا أُتَّبَعُ (¬4) " لَا يُمْكِنُ (¬5) تَسْوِيغُ الْمُخَالَفَةِ؛ لَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَابُوا مِنْهُ كَمَا تَابُوا مِنْ غَيْرِهِ. فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عِصْمَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَيَقْدَحُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِ الْمَعْصُومِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي تَوْبَةِ مَنْ تَابَ، وَحَصَلَ لَهُ بِالذَّنْبِ نَوْعٌ مِنِ الْعِقَابِ فَأَخَذَ يَنْفِي عَلَى الْفِعْلِ مَا يُوجِبُ الْمَلَامَ، وَاللَّهُ قَدْ لَامَهُ لَوْمَ الْمُذْنِبِينَ (¬6) فَيَزِيدُ تَعْظِيمَ الْبَشَرِ فَيَقْدَحُ (¬7) فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ (¬8) . ¬

(¬1) س، ب: مِنَ التَّحَلُّلِ. (¬2) م: وَلِمَا. (¬3) س، ب: بِالْمَعْرُوفِ. (¬4) م: فَلَا أُتَّبَعُ. (¬5) م: وَلَا يُمْكِنُ. . . (¬6) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى لَامَ مَنْ فَعَلَ الذَّنْبَ لَوْمَ الْمُذْنِبِينَ، ثُمَّ تَابَ الْمُذْنِبُ عَنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ. (¬7) س، ب: فَيَقِلُّ. (¬8) أَيْ أَنَّ هَذَا الَّذِي يُثْبِتُ عِصْمَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، يَزِيدُ تَعْظِيمَ هَذَا الذَّنْبِ مِنَ الْبَشَرِ، وَيُقَدِّمُ بِذَلِكَ فِي اللَّهِ تَعَالَى؛ إِذْ إِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ وَنَهْيَهُ، وَيَعُدُّ الْمُذْنِبَ غَيْرَ مُذْنِبٍ.

وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ تَنْقُلُ الْعَبْدَ إِلَى مَرْتَبَةٍ أَكْمَلَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ؛ عَلِمَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ اللَّهُ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا فَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَكُونُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ إِلَّا وَاحِدٌ كَانَ يَكُونُ هُوَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ، مِثْلَ سَفَرِهِ فِي الْهِجْرَةِ وَمُقَامِهِ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْعَرِيشِ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِيهِ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، وَمِثْلَ خُرُوجِهِ إِلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ كَانَ يَكُونُ مَعَهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ. وَهَذَا الِاخْتِصَاصُ فِي الصُّحْبَةِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا مَنْ كَانَ جَاهِلًا أَحْوَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَذَّابًا فَذَلِكَ يُخَاطَبُ (¬1) خِطَابَ مِثْلِهِ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] لَا يَخْتَصُّ بِمُصَاحَبَتِهِ فِي الْغَارِ، بَلْ هُوَ صَاحِبُهُ الْمُطْلَقُ الَّذِي كَمُلَ [فِي] الصُّحْبَةِ (¬2) كَمَالًا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَصَارَ مُخْتَصًّا بِالْأَكْمَلِيَّةِ (¬3) مِنَ الصُّحْبَةِ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «أَيُّهَا النَّاسُ اعْرَفُوا لِأَبِي بَكْرٍ حَقَّهُ؛ فَإِنَّهُ لَمْ ¬

(¬1) س: أَوْ كَذَّابًا يُخَاطِبُ، ب: أَوْ كَذَّابًا فَيُخَاطَبُ. (¬2) ن، م، س: كَمَّلَ الصُّحْبَةَ. . . (¬3) م: بِالْأَهْلِيَّةِ.

يَسُؤْنِي قَطُّ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ» " (¬1) . فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[خَصَّهُ] (¬2) دُونَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَيْضًا؛ لَكِنْ خَصَّهُ بِكَمَالِ الصُّحْبَةِ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ فَضَائِلَ الصِّدِّيقِ خَصَائِصُ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ فَضَائِلَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَتَدَبَّرِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ التى صَحَّحَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الَّذِينَ كَمُلَتْ خِبْرَتُهُمْ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَحَبَّتُهُمْ لَهُ، وَصِدْقُهُمْ فِي التَّبْلِيغِ عَنْهُ وَصَارَ هَوَاهُمْ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ إِلَّا مَعْرِفَةُ مَا قَالَهُ، وَتَمْيِيزُهُ عَمَّا يُخْلَطُ بِذَلِكَ مِنْ كَذِبِ الْكَاذِبِينَ وَغَلَطِ الْغَالِطِينَ. كَأَصْحَابِ الصَّحِيحِ: مِثْلِ: الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، ¬

(¬1) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ؛ وَلَكِنْ جَاءَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ (تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ مُصْطَفَى عَبْد الْوَاحِدِ) 4/426 وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَزِيرُ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الَمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الَمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ شَبَّانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ مِسْمَعٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ أَخِي كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَسُؤْنِي قَطُّ فَاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ رَاضٍ فَاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُمْ ". (¬2) خَصَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَمَكَانُهَا فِي (س) بَيَاضٌ.

وَالْبَرْقَانِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَمِثْلِ صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ مَنْدَهْ (¬1) وَأَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ وَالْحَاكِمِ. وَمَا صَحَّحَهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ [الَّذِينَ] (¬2) هُمْ أَجَلُّ مِنْ هَؤُلَاءِ، أَوْ مِثْلُهُمْ (¬3) مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، مِثْلُ: مَالِكٍ وَشُعْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ وَابْنِ الْمَدِينِي، وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّيْنِ، وَخَلَائِقَ لَا يُحْصِي عَدَدُهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. فَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَاقِلُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ عَرَفَ الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِذَلِكَ وَأَشَدِّهِمْ رَغْبَةً فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَأَعْظَمِهِمْ ذَبًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى سُنَّتِهِ وَحَدِيثِهِ وَالْأَنْصَارُ لَهُ فِي الدِّينِ يَقْصِدُونَ ضَبْطَ مَا قَالَهُ وَتَبْلِيغَهُ لِلنَّاسِ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ مَا كَذَبَهُ الْكَذَّابُونَ (¬4) ، وَغَلَطَ فِيهِ الْغَالِطُونَ، وَمَنْ شَرَكَهُمْ فِي عِلْمِهِمْ عَلِمَ مَا قَالُوهُ، وَعَلِمَ بَعْضَ قَدْرِهِمْ، وَإِلَّا فَلْيُسَلِّمِ الْقَوْسَ إِلَى بَارِيهَا، كَمَا يُسَلِّمُ إِلَى الْأَطِبَّاءِ طِبَّهُمْ، وَإِلَى النُّحَاةِ نَحْوَهُمْ، وَإِلَى الْفُقَهَاءِ فِقْهَهُمْ، وَإِلَى أَهْلِ الْحِسَابِ حِسَابَهُمْ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ قَدْ يَتَّفِقُونَ عَلَى خَطَأٍ فِي ¬

(¬1) م: وَابْنِ مُنْكَ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ. (¬2) الَّذِينَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ (¬3) ن، س، ب: وَأَمْثَالُهُمْ. (¬4) ن، م: الْكَاذِبُونَ.

صِنَاعَتِهِمْ؛ إِلَّا الْفُقَهَاءُ فِيمَا (¬1) يُفْتُونَ بِهِ مِنَ الشَّرْعِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ فِيمَا يُفْتُونَ بِهِ مِنَ النَّقْلِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى التَّصْدِيقِ بِكَذِبٍ، وَلَا عَلَى التَّكْذِيبِ بِصِدْقٍ؛ بَلْ إِجْمَاعُهُمْ مَعْصُومٌ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَنَّ إِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ مَعْصُومٌ (¬2) فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْفِعْلِ بِدُخُولِهِ فِي أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ، أَوْ تَحْلِيلِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا وَجَدَ فَضَائِلَ الصِّدِّيقِ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ كَثِيرَةً، وَهِيَ خَصَائِصُ. مِثْلُ حَدِيثِ الْمُخَالَّةِ، وَحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، وَحَدِيثِ إِنَّهُ أَحَبُّ الرِّجَالِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدِيثِ الْإِتْيَانِ (¬3) إِلَيْهِ بَعْدَهُ، وَحَدِيثِ كِتَابَةِ الْعَهْدِ إِلَيْهِ بَعْدَهُ، وَحَدِيثِ تَخْصِيصِهِ بِالتَّصْدِيقِ (¬4) ابْتِدَاءً وَالصُّحْبَةِ، وَتَرْكِهِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " «فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي» " (¬5) وَحَدِيثِ دَفْعِهِ عَنْهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ لَمَّا وَضَعَ الرِّدَاءَ فِي عُنُقِهِ حَتَّى خَلَّصَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ؟ ! وَحَدِيثِ اسْتِخْلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْحَجِّ، وَصَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقِيَادِ الْأُمَّةِ [لَهُ] (¬6) ، وَحَدِيثِ الْخِصَالِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ فِي يَوْمٍ، وَمَا اجْتَمَعَتْ فِي رَجُلٍ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. ¬

(¬1) م: فَمَا. . (¬2) ن: مَعْصُومُونَ. (¬3) ن: الِاثْنَانِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ن، س، ب: بِالصِّدِّيقِ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى. (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

ثُمَّ لَهُ (¬1) مَنَاقِبُ يَشْرَكُهُ فِيهَا عُمَرُ كَشَهَادَتِهِ بِالْإِيمَانِ لَهُ وَلِعُمَرَ، وَحَدِيثِ عَلِيٍّ حَيْثُ يَقُولُ: «كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " خَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» " (¬2) وَحَدِيثِ اسْتِقَائِهِ مِنَ الْقَلِيبِ، وَحَدِيثِ الْبَقَرَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أُؤْمِنُ بِهَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» " (¬3) وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنَاقِبُ عَلِيٍّ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ فَأَصَحُّهَا قَوْلُهُ: " «يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» " (¬4) ، وَقَوْلُهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: " «أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» " (¬5) وَمِنْهَا دُخُولُهُ فِي الْمُبَاهَلَةِ (¬6) وَفِي الْكِسَاءِ (¬7) وَمِنْهَا قَوْلُهُ: " «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» " (¬8) ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خَصَائِصُ. وَحَدِيثُ: " «لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» " (¬9) ، وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الشُّورَى وَإِخْبَارِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَهُوَ رَاضٍ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطِلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬10) . ¬

(¬1) م: وَلَهُ. (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/289 (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/442 (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى. (¬7) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ (¬8) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ 4/34 (¬9) مَضَى هَذَا الْحَدِيثُ 4/296 (ج) . (¬10)) سَبَقَ الْحَدِيثُ 5/59 - 60 - 6) .

فَمَجْمُوعُ مَا فِي الصَّحِيحِ لِعَلِيٍّ نَحْوُ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ، لَيْسَ فِيهَا مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلِأَبِي بَكْرٍ فِي الصِّحَاحِ (¬1) نَحْوَ عِشْرِينَ حَدِيثًا أَكْثَرُهَا خَصَائِصُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: صَحَّ لِعَلِيٍّ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا لَمْ يَصِحَّ لِغَيْرِهِ؛ كَذِبٌ لَا يَقُولُهُ أَحْمَدُ وَلَا غَيْرُهُ (¬2) مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ؛ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: رُوِيَ لَهُ مَا لَمْ يُرْوَ لِغَيْرِهِ، لَكِنَّ أَكْثَرَ ذَلِكَ مِنْ نَقْلِ مَنْ عُلِمَ كَذِبُهُ أَوْ خَطَؤُهُ؛ وَدَلِيلٌ وَاحِدٌ صَحِيحُ الْمُقَدِّمَاتِ سَلِيمٌ عَنِ الْمُعَارَضَةِ خَيْرٌ مِنْ عِشْرِينَ دَلِيلًا مُقَدِّمَاتُهَا ضَعِيفَةٌ، بَلْ بَاطِلَةٌ، وَهِيَ مُعَارَضَةٌ بِأَصَحَّ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهَا. وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ اخْتِصَاصِهِ فِي الصُّحْبَةِ الْإِيمَانِيَّةِ بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ مَخْلُوقٌ، لَا فِي قَدْرِهَا وَلَا فِي صِفَتِهَا وَلَا فِي نَفْعِهَا (¬3) ، فَإِنَّهُ لَوْ أُحْصِيَ الزَّمَانُ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالزَّمَانُ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ (¬4) أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ لَوَجَدَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ مَا اخْتَصَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا أَقُولُ ضِعْفَهُ (¬5) . وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمْ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ. وَأَمَّا كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَصْدِيقِهِ لَهُ فَهُوَ ¬

(¬1) م فِي الصَّحِيحِ. (¬2) س، ب: وَغَيْرُهُ (¬3) س: بَعْضِهَا، ب: نَوْعِهَا. (¬4) م: الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ عُمَرُ أَوْ عَلِيٌّ (¬5) ن، س، ب: ضَعِيفَةً، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

مُبَرَّزٌ فِي ذَلِكَ عَلَى سَائِرِهِمْ تَبْرِيزًا بَايَنَهُمْ فِيهِ مُبَايِنَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ وَمَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. وَأَمَّا نَفْعُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَاوَنَتُهُ لَهُ عَلَى الدِّينِ فَكَذَلِكَ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مَقَاصِدُ الصُّحْبَةِ وَمَحَامِدُهَا الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الصَّحَابَةُ (¬1) أَنْ يُفَضَّلُوا بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ فِيهَا مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِقَدْرِهَا وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا وَفَائِدَتِهَا مَا لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ أَحَدٌ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطُرُقِ ثَوْبِهِ حَتَّى أُبْدِيَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ "، وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ (¬2) ، فَقَالَ: " يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ " ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالُوا: لَا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ. مَرَّتَيْنِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ. وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي ". مَرَّتَيْنِ. فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا» (¬3) . ¬

(¬1) م: الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الصُّحْبَةَ، ب: وَيَسْتَحِقُّ الصَّحَابَةُ، ن، س: تَسْتَحِقُّ الصِّيَانَةَ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا آتِيهِ. (¬2) ن، م، س: فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ. (¬3) سِيقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 7/228 - 229

وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ (¬1) فَانْصَرَفَ عَنْهُ مُغْضَبًا فَأَتْبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ؛ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ؛ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -. . الْحَدِيثَ. قَالَ: وَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ: " «إِنِّي قُلْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ» " (¬2) . فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ تَخْصِيصُهُ بِالصُّحْبَةِ فِي قَوْلِهِ: " «فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟» " وَبَيَّنَ فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى النَّاسِ قَالَ: " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا "، قَالُوا: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ؛ فَهَذَا يُبَيِّنُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُ قَطُّ، وَأَنَّهُ صَدَّقَهُ (¬3) حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ طُرًّا. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ صَدَّقَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ بَلَغَهُمُ الرِّسَالَةُ وَهَذَا (¬4) حَقٌّ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا بُلِّغَ الرِّسَالَةَ فَآمَنَ (¬5) . وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ " وَمَعَهُ يَوْمَئِذٌ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ» (¬6) . ¬

(¬1) س: فَأَغْضَبَ أَبَا بَكْرٍ، ب: فَأَغْضَبَهُ أَبُو بَكْرٍ. (¬2) هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْبُخَارِيِّ 6/59 - 60 وَسَبَقَ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا فِي الْجُزْءِ السَّابِقِ (ص) . (¬3) م: صَدَّقَ (¬4) م: فَهَذَا (¬5) ب: آمَنَ (¬6) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: مُسْلِمٍ 1/569 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ إِسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ) وَأَوَّلُهُ. . . عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ: وَكُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ. . الْحَدِيثَ وَفِيهِ: قُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: " أَنَا نَبِيٌّ ". . وَفِيهِ قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ " (قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٌ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ مَعَهُ. . . وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 1/283 - 284 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ إِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/434 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَيِّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/111 - 113، 113 - 114.

وَأَمَّا خَدِيجَةُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ؛ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ عِيَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي بَيْتِهِ وَخَدِيجَةُ عُرِضَ عَلَيْهَا أَمْرُهُ لَمَّا فَجَأَهُ الْوَحْيُ، وَصَدَّقَتْهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّبْلِيغِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ الْإِيمَانُ بِهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ إِذَا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ فَأَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِهِ بَعْدَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ عَلِيًّا إِلَى الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ صَبِيًّا، وَالْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعٌ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِالْإِيمَانِ وَبَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ أَبَا بَكْرٍ وَيُبَلِّغَهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُمْكِنُ أَنَّهُ آمَنَ بِهِ لَمَّا سَمِعَهُ يُخْبِرُ خَدِيجَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُبَلِّغْهُ؛ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: " «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ فَقُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ» " كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (¬1) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ بَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ كَذَّبَهُ أَوَّلًا إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَدِيجَةَ وَعَلِيًّا وَزَيْدًا كَانُوا فِي دَارِهِ، وَخَدِيجَةُ لَمْ تُكَذِّبْهُ فَلَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِيمَنْ بُلِّغَ. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: " حُرٌّ وَعَبْدٌ» " (¬1) . وَالَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مُوَافِقٌ لِهَذَا، أَيْ: اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُبَلَّغِينَ الْمَدْعُوِّينَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ: " وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ " (¬2) ، وَهَذِهِ خَاصَّةٌ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا [النَّبِيُّ]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَادِيثِ الْمُخَالَّةِ الَّتِي هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ؛ فَقَالَ: " إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ مِنْ (¬3) آمَنِ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ (¬4) ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا؛ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ. لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (¬5) : " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي (¬6) لَاتَّخَذْتُ (¬7) أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ (¬2) فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ السَّابِقِ الَّذِي مَضَى (¬3) النَّبِيُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬4) زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ (¬5) (4 - 4) : زِيَادَةٌ فِي (ن) فَقَطْ (¬6) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (ب) (¬7) م: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ. . .

وَمَوَدَّتُهُ» . * وَفِي رِوَايَةٍ " إِلَّا خُلَّةَ الْإِسْلَامِ ". وَفِيهِ: " قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ (¬1) الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. وَفِي رِوَايَةٍ: " وَبَيَّنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ "، وَفِيهِ فَقَالَ: " «لَا تَبْكِ إِنَّ آمَنَ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ * (¬2) لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» " (¬3) . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: " «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمَنَ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي ". وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) الْحَيَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 1/512 - 513 وَانْظُرْ أَيْضًا.

وَسَلَّمَ -: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا * لَاتَّخَذْتُهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا * (¬1) لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا؛ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا» ". وَفِي رِوَايَةٍ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ؛ وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» ". وَفِي أُخْرَى: " «أَلَا إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّ مِنْ خَلِّهِ (¬2) ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا إِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» " (¬3) . فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا مِمَّا تُبَيِّنُ اخْتِصَاصَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ فَضَائِلِ الصُّحْبَةِ وَمَنَاقِبِهَا وَالْقِيَامِ [بِهَا] وَبِحُقُوقِهَا (¬4) بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى اسْتَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ خَلِيلُهُ دُونَ الْخَلْقِ، لَوْ كَانَتِ الْمُخَالَّةُ مُمْكِنَةً. وَهَذِهِ النُّصُوصُ صَرِيحَةٌ بِأَنَّهُ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ؛ قَالَ: " فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ قُلْتُ (¬5) : فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: " أَبُوهَا " قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ عُمَرُ: وَعَدَّ رِجَالًا» ". وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " قَالَ: فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي آخِرَهُمْ " (¬6) . ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) ن، س: إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خَلِيلِهِ، م: إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ. (¬3) انْظُرْ مَا سَبَقَ 1/512، 2/436 (¬4) ن، س، ب: وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا. (¬5) ن، م، س: قَالَ. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/354.

فصل مما يبين فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال

[فصل مما يبين فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال] فَصْلٌ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ مِنَ الْقُرْآنِ فَضِيلَةَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ نَصْرَهُ لِرَسُولِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ (¬1) الَّتِي يُخْذَلُ فِيهَا عَامَّةُ الْخَلْقِ إِلَّا مَنْ نَصَرَهُ (¬2) اللَّهُ: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] أَيْ: أَخْرَجُوهُ فِي هَذِهِ الْقِلَّةِ مِنَ الْعَدَدِ لَمْ يَصْحَبْهُ إِلَّا الْوَاحِدُ؛ فَإِنَّ الْوَاحِدَ أَقَلُّ مَا يُوجَدُ فَإِذَا لَمْ يَصْحَبْهُ إِلَّا وَاحِدٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ. ثُمَّ قَالَ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ مُشْفِقًا عَلَيْهِ مُحِبًّا لَهُ نَاصِرًا لَهُ حَيْثُ حَزِنَ، وَإِنَّمَا يَحْزَنُ الْإِنْسَانُ حَالَ الْخَوْفِ عَلَى مَنْ يُحِبُّهُ، وَأَمَّا عَدُوُّهُ فَلَا يَحْزَنُ إِذَا انْعَقَدَ سَبَبُ هَلَاكِهِ. فَلَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مُبْغِضًا (¬3) كَمَا يَقُولُ الْمُفْتَرُونَ لَمْ يَحْزَنْ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْحُزْنِ، بَلْ كَانَ يُضْمِرُ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ، وَلَا كَانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ". فَإِنْ قَالَ الْمُفْتَرِي: إِنَّهُ خَفِيَ عَلَى الرَّسُولِ حَالُهُ لَمَّا أَظْهَرَ لَهُ الْحُزْنَ، وَكَانَ فِي الْبَاطِنِ مُبْغِضًا. ¬

(¬1) م: الْحَالَةِ (¬2) م: نَصَرَ (¬3) ن، م: مُبْغِضًا لَهُ.

قِيلَ لَهُ فَقَدْ قَالَ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} "، فَهَذَا إِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُمَا [جَمِيعًا] بِنَصْرِهِ (¬1) ، وَلَا يَجُوزُ لِلرَّسُولِ أَنْ يُخْبِرَ بِنَصْرِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ اللَّهَ (¬2) مَعَهُمْ وَيَجْعَلُ (¬3) ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقًا فَإِنَّهُ مَعْصُومٌ فِي خَبَرِهِ عَنِ اللَّهِ لَا يَقُولُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَقَّ؛ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُ بَعْضِ النَّاسِ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَمَا قَالَ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 101] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِهِمْ. وَلِهَذَا «لَمَّا جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ عَامَ تَبُوكَ فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ وَيَعْتَذِرُونَ، وَكَانَ يَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، لَا يُصَدِّقُ أَحَدًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاءَ كَعْبٌ وَأَخْبَرَهُ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ (¬4) قَالَ: " أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَدَقَ "، أَوْ قَالَ: " صَدَقَكُمْ» " (¬5) . وَأَيْضًا فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا (¬6) قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَعْطَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَتَرَكْتَ فُلَانًا وَهُوَ (¬7) مُؤْمِنٌ " قَالَ: " أَوْ مُسْلِمٌ " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» (¬8) فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ إِخْبَارَهُ بِالْإِيمَانِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ إِلَّا ظَاهِرَ الْإِسْلَامِ. ¬

(¬1) ن: فَهَذَا إِخْبَارٌ أَنَّ اللَّهَ مَعَنَا بِنَصْرِهِ، س، ب: فَهَذَا إِخْبَارٌ أَنَّ اللَّهَ مَعَنَا. (¬2) س، ب: وَاللَّهُ (¬3) م: وَيَحْصُلُ (¬4) ن، م: أَمَرَهُمْ (¬5) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِيمَا مَضَى 2/433 (¬6) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬7) ن، م: هُوَ (¬8) الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4 4 - 305 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 8/103 - 104 (كِتَابُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ، بَابُ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا. .) وَانْظُرِ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ فِيمَا مَضَى 1/64 - 65.

فَكَيْفَ يَشْهَدُ لِأَبِي بَكْرٍ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُمَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ؟ وَالْكَلَامُ بِلَا عِلْمٍ لَا يَجُوزُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنِ الرَّسُولِ إِخْبَارَ مُقَرِّرٍ لَهُ، لَا إِخْبَارَ مُنْكِرٍ لَهُ فَعَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " مِنَ الْخَبَرِ الصِّدْقِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَضِيَهُ لَا مِمَّا (¬1) أَنْكَرَهُ وَعَابَهُ. وَأَيْضًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ أَضْعَفَ النَّاسِ عَقْلًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُ مَنْ يَصْحَبُهُ فِي مِثْلِ هَذَا السَّفَرِ الَّذِي يُعَادِيهِ فِيهِ الْمَلَأُ الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ (¬2) ، وَيَطْلُبُونَ قَتْلَهُ، وَأَوْلِيَاؤُهُ هُنَاكَ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُ؛ فَكَيْفَ يَصْحَبُ وَاحِدًا مِمَّنْ يُظْهِرُ لَهُ مُوَالَاتَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَظْهَرَ لَهُ هَذَا حُزْنَهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَدُوٌّ لَهُ فِي الْبَاطِنِ. وَالْمَصْحُوبُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ وَلِيَهُ، وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا أَحْمَقُ النَّاسِ وَأَجْهَلُهُمْ. فَقَبَّحَ اللَّهُ مَنْ نَسَبَ رَسُولَهُ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ عَقْلًا وَعِلْمًا وَخِبْرَةً إِلَى مِثْلِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ وَالْغَبَاوَةِ. وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَلِكِ الْمَغُولِ خُدَابَنْدَهْ (¬3) الَّذِي صَنَّفَ لَهُ هَذَا الرَّافِضِيُّ ¬

(¬1) ن، م، س: مِمَّنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) م: الَّذِي هُمْ أَظْهَرُهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) ن، م، س، ب: خُرَبَنْدَاهْ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي (ك) ص 77 (م) وَهُوَ أُلْجَايِتُوخُدَابَنْدَهْ. وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ، وَانْظُرْ أَيْضًا مَقَالَةَ كَرَامَرْزَ فِي: دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا: وَلُقِّبَ فِي شَبَابِهِ " خَرْبَنْدَهْ " وَهُنَاكَ تَفَاسِيرُ مُخْتَلِفَةٌ لِهَذَا اللَّقَبِ. . عَلَى أَنَّ بُلُوشِيهَ. . يَقُولُ إِنَّ: خَرْبَنْدَهْ كَلِمَةٌ مَغُولِيَّةٌ مَعْنَاهَا الثَّالِثُ. . وَقَدْ عَهِدَتْهُ أُمُّهُ أَرُكُ خَاتُونَ خُدَابَنْدَهْ. . ".

فصل مما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة

كِتَابَهُ هَذَا فِي الْإِمَامَةِ أَنَّ الرَّافِضَةَ لَمَّا صَارَتْ تَقُولُ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُبْغِضُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ عَدُوَّهُ، وَيَقُولُونَ مَعَ هَذَا إِنَّهُ صَحِبَهُ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْفَارِ خَوْفًا. قَالَ كَلِمَةً تَلْزَمُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْخَبِيثِ، وَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْهَا، لَكِنْ ذَكَرَهَا عَلَى مَنِ افْتَرَى الْكَذِبَ الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّسُولِ مِثْلُهَا حَيْثُ قَالَ: " كَانَ قَلِيلَ الْعَقْلِ ". وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِعْلَ مَا قَالَتْهُ الرَّافِضَةُ فَهُوَ قَلِيلُ الْعَقْلُ. وَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَصَدِيقَهُ مِنْ كَذِبِهِمْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمْ يَسْتَلْزِمُ الْقَدْحَ فِي الرَّسُولِ. [فصل مما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة] فَصْلٌ. وَمِمَّا يُبَيِّنَ أَنَّ الصُّحْبَةَ فِيهَا خُصُوصٌ وَعُمُومٌ، كَالْوِلَايَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِيمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَتَفَاضَلُ فِيهَا النَّاسُ فِي قَدْرِهَا وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» ". انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِذِكْرِ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ (¬1) دُونَ الْبُخَارِيِّ (¬2) فَالنَّبِيُّ ¬

(¬1) ن: خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، م: خَالِدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ. (¬2) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 2/20 - 21 وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمٍ 4/1967 - 1968 (حَدِيثٌ رَقْمُ 222) .

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِخَالِدٍ وَنَحْوِهِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَمْثَالَهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَنَحْوَهُ هُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَهُمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ وَأَخَصُّ بِصُحْبَتِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعْدَ مُصَالَحَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ وَمِنْهُمْ خَالِدٌ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَأَمْثَالُهُمْ. وَهَؤُلَاءِ أَسْبَقُ مِنَ الَّذِينَ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ وَسُمُّوا الطُّلَقَاءَ مِثْلَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو (¬1) . وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَابْنَيْهِ يَزِيدَ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ بَرَزَ بِعِلْمِهِ عَلَى بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَهُ كَثِيرًا (¬2) كَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ (¬3) وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَلَى بَعْضِ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ وَكَمَا بَرَزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَكْثَرِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَهُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ نَهْيٌ لِمَنْ صَحِبَهُ آخِرًا يَسُبُّ مَنْ صَحِبَهُ أَوَّلًا لِامْتِيَازِهِمْ عَنْهُمْ (¬4) فِي الصُّحْبَةِ بِمَا لَا يُمْكِنُ (¬5) أَنْ يَشْرَكَهُمْ فِيهِ حَتَّى قَالَ: ¬

(¬1) ن، م، س: سَهْلِ بْنِ عَمْرٍو. وَمَا أُثْبِتُهُ مِنْ (ب) . وَتَرْجَمَةُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. . الْعَامِرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي " الْإِصَابَةِ 2/92 - 93 وَفِيهَا مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ ثَلَاثَةً مِنَ الصَّحَابَةِ اسْمُهُمْ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو؛ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَامِرِيُّ أَخُو سُهَيْلٍ. وَقَالَ عَنْهُ: " ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ بِالْفَتْحِ " (¬2) ن: كَثِيرٌ، م: بِكَثِيرٍ. (¬3) ن، م: بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) ب: عَنْهُ (¬5) ن، س: مِمَّا لَا يُمْكِنُ ب: بِمَا لَا يُمْكِنُهُ.

قول الرافضي يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه والرد عليه

" «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» ". فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ بَعْدِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ التَّابِعِينَ لِلسَّابِقِينَ مَعَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ وَهُمْ أَصْحَابُهُ السَّابِقُونَ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِحَالٍ مَعَ أَصْحَابِهِ؟ ! . وَقَوْلُهُ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» " قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجُوهُ فِي الصَّحِيحِ (¬1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» " تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/20 - 21. . فَصْلٌ. [قول الرافضي يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه والرد عليه] وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " يَجُوزُ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ مَعَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ حَذَرًا مِنْهُ ". وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاؤُهَا. أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ مُوَالَاتُهُ لَهُ وَمَحَبَّتُهُ لَا عَدَاوَتُهُ، فَبَطَلَ هَذَا. الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُحِبًّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا بِهِ، مِنْ أَعْظَمِ الْخَلْقِ اخْتِصَاصًا بِهِ، أَعْظَمُ مِمَّا تَوَاتَرَ ¬

(¬1) ن، س مَا أَخْرَجُوهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، ب: مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

مِنْ شَجَاعَةِ عَنْتَرَةَ، وَمِنْ سَخَاءِ حَاتِمٍ، وَمِنْ مُوَالَاةِ عَلِيٍّ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاتُرَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ فِيهَا الْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ عَلَى مَقْصُودٍ وَاحِدٍ. وَالشَّكُّ فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ كَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَأَشَدَّ، وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يُنْكِرُ كَوْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَدْفُونَيْنِ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَبَعْضُ غُلَاتِهِمْ يُنْكِرُ أَنَّ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَهُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي الْغَارِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُهْتَانِهِمْ بِبَعِيدٍ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَوْمُ بُهْتٍ يَجْحَدُونَ الْمَعْلُومَ ثُبُوتَهُ (¬1) بِالِاضْطِرَارِ، وَيَدَعُونَ ثُبُوتَ مَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ بِالِاضْطِرَارِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: لَوْ قِيلَ: مَنْ أَجْهَلُ النَّاسِ؟ لَقِيلَ: الرَّافِضَةُ حَتَّى فَرَضَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ \ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ: فِيمَا إِذَا أَوْصَى (¬2) لِأَجْهَلِ النَّاسِ؛ قَالَ: هُمُ الرَّافِضَةُ، لَكِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوَقْفَ لَا يَكُونَانِ (¬3) مَعْصِيَةً، بَلْ عَلَى جِهَةٍ لَا تَكُونُ مَذْمُومَةً فِي الشَّرْعِ. وَالْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ لِأَجْهَلِ النَّاسِ فِيهِ جَعْلُ (¬4) الْأَجْهَلِيَّةِ وَالْبِدْعِيَّةِ مُوجِبَةً لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَكْفَرِ النَّاسِ، أَوْ لِلْكَفَّارِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يُجْعَلُ الْكُفْرُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ. وَكَوْنُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ مُوَالِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ؛ أَمْرٌ عَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَالْأَبْرَارُ وَالْفُجَّارُ حَتَّى أَنِّي أَعْرِفُ طَائِفَةً مِنَ الزَّنَادِقَةِ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ النَّبِيُّ - صَلَّى ¬

(¬1) ن: نَبُوَّتَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) م: وَصَّى. (¬3) ن، م، س: لَا تَكُونُ. (¬4) ن، س: جَهْلُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَثَالِثُهُمَا عُمَرُ؛ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ عُمَرُ مُطَّلِعًا عَلَى سِرِّهِمَا كُلِّهِ، كَمَا وَقَعَتْ دَعْوَةُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْقَرَامِطَةِ، فَكَانَ (¬1) كُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى إِمَامِهِمْ [كَانَ] (¬2) أَعْلَمَ بِبَاطِنِ الدَّعْوَةِ، وَأَكْتَمَ لِبَاطِنِهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا جَعَلُوهُمْ مَرَاتِبَ: فَالزَّنَادِقَةُ الْمُنَافِقُونَ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْظَمُ مُوَالَاةً وَاخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِهِ، جَعَلُوهُ مِمَّنْ يَطَّلِعُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَيَكْتُمُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُعَاوِنُهُ عَلَى مَقْصُودِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ عَدُوَّهُ (¬3) ، كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِرْيَةً، ثُمَّ إِنَّ قَاتِلَ هَذَا إِذَا قِيلَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي عَلِيٍّ، وَقِيلَ [لَهُ] لَهُ زِيَادَةٌ فِي (م) .: إِنَّهُ كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُعَادِيًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّهُ كَانَ عَاجِزًا فِي وِلَايَةِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْ إِفْسَادِ مِلَّتِهِ؛ فَلَمَّا ذَهَبَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَبَقِيَ هُوَ؛ طَلَبَ حِينَئِذٍ إِفْسَادَ مِلَّتِهِ وَإِهْلَاكَ أُمَّتِهِ، وَلِهَذَا قَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ مُرَادُهُ إِهْلَاكَ الْبَاقِينَ؛ لَكِنْ عَجَزَ؛ وَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ انْتَسَبَ إِلَيْهِ الزَّنَادِقَةُ الْمُنَافِقُونَ الْمُبْغِضُونَ لِلرَّسُولِ كَالْقَرَامِطَةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ، فَلَا تَجِدُ عَدُوًّا لِلْإِسْلَامِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِإِظْهَارِ مُوَالَاةٍ عَلَى اسْتِعَانَةٍ لَا تُمْكِنُهُ بِإِظْهَارِ مُوَالَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. ¬

(¬1) س، ب: وَكَانَ (¬2) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬3) س، ب: عَدُوًّا.

فَالشُّبْهَةُ فِي دَعْوَى مُوَالَاةِ عَلِيٍّ لِلرَّسُولِ أَعْظَمُ مِنَ الشُّبْهَةِ فِي دَعْوَى مُعَادَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ؛ لَكِنَّ الْحُجَجَ الدَّالَّةَ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي أَبِي بَكْرٍ أَعْظَمُ مِنَ الْحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى بُطْلَانِهَا فِي حَقِّ عَلِيٍّ؛ فَإِذَا كَانَتِ الْحُجَّةُ عَلَى مُوَالَاةِ عَلِيٍّ صَحِيحَةً، وَالْحُجَّةُ عَلَى مُعَادَاتِهِ بَاطِلَةً، فَالْحُجَّةُ عَلَى مُوَالَاةِ أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَى مُعَادَاتِهِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " اسْتَصْحَبَهُ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ أَمْرَهُ ". كَلَامُ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَا وَقَعَ، فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ ظَاهِرٌ عَرَفَهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَأَرْسَلُوا الطَّلَبَ، فَإِنَّهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَرَفُوا فِي صَبِيحَتِهَا أَنَّهُ خَرَجَ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِ الطُّرُقِ يَبْذُلُونَ الدِّيَةَ فِيهِ، وَفِي أَبِي بَكْرٍ بَذَلُوا الدِّيَةَ لِمَنْ يَأْتِي بِأَبِي بَكْرٍ؛ فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَخَافُ؟ وَكَوْنُ الْمُشْرِكِينَ بَذَلُوا الدِّيَةَ لِمَنْ يَأْتِي بِأَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مُوَالَاتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ كَانَ عَدُوَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْبَاطِنِ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ خَرَجَ لَيْلًا، كَانَ وَقْتُ الْخُرُوجِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِأَبِي بَكْرٍ وَاسْتِصْحَابِهِ (¬1) مَعَهُ؟ . فَإِنْ قِيلَ: فَلَعَلَّهُ عَلِمَ خُرُوجَهُ دُونَ غَيْرِهِ؟ . قِيلَ: أَوَّلًا: قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي وَقْتٍ لَا يُشْعَرُ بِهِ، كَمَا ن: لَا يُشْعَرُ بِهِ بِخُرُوجِهِ كَمَا، (¬2) خَرَجَ ¬

(¬1) س، ب: وَأَصْحَابِهِ (¬2) س، ب: لَا يُشْعَرُ بِخُرُوجِهِ كَمَا.

فِي وَقْتٍ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ [لَا] يُعِينَهُ (¬1) . فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْهِجْرَةِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ حَتَّى هَاجَرَ مَعَهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَهُ بِالْهِجْرَةِ فِي خَلْوَةٍ (¬2) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أُبَيٍّ فِي مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا، فَقَالَ لِعَازِبٍ (¬3) : ابْعَثِ ابْنَكَ مَعِي يَحْمِلُهُ إِلَى مَنْزِلِي فَحَمَلْتُهُ وَخَرَجَ أُبَيٌّ مَعَهُ يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ؛ فَقَالَ أُبَيٌّ: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا لَيْلَةَ سَرَيْتَ (¬4) مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ سَرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ، فَلَا يَمُرُّ بِنَا فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى رَفَعْتُ (¬5) لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهَا فَأَتَيْتُ الصَّخْرَةَ فَسَوَّيْتُ بِيَدِي مَكَانًا يَنَامُ فِيهِ [النَّبِيُّ] النَّبِيُّ: (¬6) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّهَا، ثُمَّ بَسَطْتُ عَلَيْهِ فَرْوَةً (¬7) ، ثُمَّ قُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ (¬8) ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ¬

(¬1) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَنْ يُعِينَهُ. وَنَبَّهَ مُحَقِّقُ (ب) عَلَى مَا أَثْبَتَهُ مِنْ إِضَافَةِ " لَا " لِتَسْتَقِيمَ الْعِبَارَةُ. (¬2) يَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي (انْظُرْ ص.) . (¬3) سَأُقَابِلُ النَّصَّ التَّالِيَ عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِبَيَانِ الْفُرُوقِ الْهَامَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (¬4) م. سِرْتَ. وَسَرَى وَأَسْرَى لُغَتَانِ بِمَعْنًى (¬5) ن، م: وَقَعْتُ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " الْبُخَارِيِّ " وَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ: أَيْ ظَهَرَتْ لِأَبْصَارِنَا. (¬6) سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (م) : رَسُولُ اللَّهِ (¬7) الْمُرَادُ الْفَرْوَةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي تُلْبَسُ. (¬8) فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مُسْلِمٍ: " أَيْ أُفَتِّشُ لِئَلَّا يَكُونَ عَدُوٌّ "

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّهَا، وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا فَلَقِيتُهُ؛ فَقُلْتُ: لِمَنْ (¬1) . أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - يُرِيدُ مَكَّةَ (¬2) - لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلِبُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَخَذَ شَاةً؛ فَقُلْتُ [لَهُ] (¬3) انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ الشَّعْرِ وَالتُّرَابِ وَالْقَذَى، فَحَلَبَ لِي فِي قَعْبٍ مَعَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، قَالَ: وَمَعِي إِدَاوَةٌ (¬4) أَرْتَوِي فِيهَا (¬5) لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬6) مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ فَوَافَيْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ الْمَاءَ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْرَبْ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: " أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ " قُلْتُ: بَلَى، فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا زَالَتْ (¬7) الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ (¬8) فَقُلْتُ: ¬

(¬1) م: مَنْ. (¬2) الْبُخَارِيُّ: الْمَدِينَةَ أَوْ مَكَّةَ. . وَفِي التَّعْلِيقِ عَلَى مُسْلِمٍ: " الْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ هُنَا مَكَّةَ، وَلَمْ تَكُنْ مَدِينَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُمِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ إِنَّمَا كَانَ اسْمُهَا يَثْرِبَ ". (¬3) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) الْقَعْبُ: قَدَحٌ مِنْ خَشَبٍ مُقَعَّرٍ، وَالْكُثْبَةُ هِيَ قَدْرُ الْحَلْبَةِ مِنَ اللَّبَنِ أَوِ الْقَلِيلِ مِنْهُ، وَالْإِدَاوَةُ كَالرَّكْوَةِ، وَهِيَ إِنَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ. (¬5) م: فِيهِ (¬6) لِيَشْرَبَ س، ب: يَشْرَبُ (¬7) الْبُخَارِيُّ: مَا مَالَتْ. (¬8) فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ أَيْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ. وَرَوَى: جُدَدٍ، وَهُوَ الْمُسْتَوَى وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً صُلْبَةً "

يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُتِينَا (¬1) ، فَقَالَ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا اللَّهَ لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا اللَّهَ فَنَجَا فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ قَدْ كُفِيتُمْ مَا هُنَا، وَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ، وَقَالَ (¬2) : خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي فَإِنَّكَ تَمُرُّ بِإِبِلِي وَغِلْمَانِي، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ فَقَالَ: " لَا حَاجَةَ لِي فِي إِبِلِكَ " قَالَ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ "؛ فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ، وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ (¬3) يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ» (¬4) ". وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً؛ فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا ¬

(¬1) س، ب: أُوتِينَا. (¬2) الْعِبَارَاتُ لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ فِي رِوَايَةٍ فِي " مُسْلِمٍ " " الْمُسْنَدِ " (¬3) ن، م، س: فِي الطَّرِيقِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، مُسْلِمٍ. (¬4) الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي " الْبُخَارِيِّ 4/201 - 202 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 5/3 - 4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ: مَنَاقِبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. . .) مُسْلِمٍ 4/2309 - 2311 (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، بَابٌ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ. . .) الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/152 - 156.

إِلَى الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ (¬1) لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ (¬2) . وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ (¬3) فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ فَإِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينَ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ (¬4) ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَاعْبُدْ (¬5) رَبَّكَ بِبَلَدِكَ (¬6) ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ (¬7) ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيُقْرِي الضَّيْفَ، ¬

(¬1) مِنْ فَتْحِ الْبَارِي " 7/232: " بَرْكَ الْغِمَادِ. . مَوْضِعٌ عَلَى خَمْسِ لَيَالٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى جِهَةِ الْيَمَنِ، وَقَالَ الْبَكْرِيُّ: هِيَ أَقَاصِي هَجَرَ، وَحَكَى الْهَمْدَانِيُّ فِي أَنْسَابِ الْيَمَنِ: وَهُوَ فِي أَقْصَى الْيَمَنِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ". (¬2) ابْنُ الدُّغُنَّةِ: بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ لِاسْتِرْخَاءٍ فِي لِسَانِهِ وَالصَّوَابُ الْكَسْرُ. وَثَبَتَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ مِنْ طَرِيقٍ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَقِيلَ: أُمُّ أَبِيهِ، وَقِيلَ: دَابَّتُهُ، وَمَعْنَى " الدَّغِنَةِ " الْمُسْتَرْخِيَةُ، وَأَصْلُهَا الْغَمَامَةُ الْكَثِيرَةُ الْمَطَرِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ. . " (¬3) قَوْلُهُ: " وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ " بِالْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ بَنِي الْهُونِ: بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ، ابْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ؛ وَكَانُوا حُلَفَاءَ بَنِي زُهْرَةَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا يُضْرَبُ بِهِمُ الْمَثَلُ فِي قُوَّةِ الرَّمْيِ ". (¬4) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " وَفِي مُوَافَقَةِ وَصْفِ ابْنِ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا وَصَفَتْ بِهِ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَاتِّصَافِهِ بِالصِّفَاتِ الْبَالِغَةِ فِي أَنْوَاعِ الْكَمَالِ ". (¬5) م: فَارْجِعِي فَاعْبُدْ. . . (¬6) ن، م، س: بِبِلَادِكَ. (¬7) ن: فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ.

وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ (¬1) قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا (¬2) بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنَّ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنَّ (¬3) بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ. ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى بِفِنَاءِ دَارِهِ مَسْجِدًا، وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَتَنْقَصِفُ (¬4) عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، [وَهُمْ] يَعْجَبُونَ [مِنْهُ] وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ (¬5) ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا [قَدْ] (¬6) أَجَرْنَا (¬7) أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِلَّا فَإِنْ أَبَى (¬8) إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ ¬

(¬1) م: وَأَنْفَذَتْ، س، ب: فَأَنْفَذَ (¬2) ن: وَلَا يُؤْذِنَا (¬3) ن، م: وَلَا يَشْتَغِلَنَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) فِي الْبُخَارِيِّ فِي " مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ " فَيَتَقَذَّفُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ بِلَفْظِ " فَيَتَقَصَّفُ " أَيْ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْقُطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَكَادُ يَنْكَسِرُ، وَأَطْلَقَ يَتَقَصَّفُ مُبَالِغَةً؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ ". (¬5) ن م، س: وَيَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. (¬6) قَدْ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬7) أَجَرْنَا: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْقَابِسِيِّ بِالزَّاءِ: أَيْ أَبَحْنَا لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ". (¬8) ن، م: وَإِنْ أَبَى.

أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ؛ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ (¬1) ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ؛ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ؛ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ (¬2) فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ (¬3) ، وَرَسُولُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَدْ أُرِيتُ (¬4) دَارَ هِجْرَتِكُمْ: ذَاتَ نَخْلٍ، بَيْنَ لَابَتَيْنِ - وَهُمَا الْحُرَّتَانِ - (¬5) فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " عَلَى رِسْلِكَ (¬6) ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ " نَعَمْ " فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ (¬7) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ - وَهُوَ ¬

(¬1) ن، م: أَنْ نُحَقِّرَكَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " نُخْفِرَكَ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ نَغْدِرَ بِكَ. يُقَالُ: خَفَرَهُ إِذَا حَفِظَهُ وَأَخْفَرَهُ إِذَا غَدَرَ بِهِ ". (¬2) ن: أَنِّي أُحْقِرْتُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬3) بِجِوَارِ اللَّهِ: أَيْ أَمَانِهِ وَحِمَايَتِهِ. (¬4) م: قَدْ رَأَيْتُ. (¬5) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، " قَوْلُهُ: بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحُرَّتَانِ: هَذَا مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ، وَالْحُرَّةُ أَرْضٌ حِجَارَتُهَا سُودٌ ". (¬6) عَلَى رِسْلِكَ: بِكَسْرِ أَوَّلِهِ: أَيْ عَلَى مَهْلِكَ، وَالرِّسْلُ: السَّيْرُ الرَّقِيقُ. (¬7) فَحَبَسَ نَفْسَهُ: أَيْ مَنَعَهَا مِنِ الْهِجْرَةِ

الْخَبَطُ (¬1) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ (¬2) : قَالَتْ عَائِشَةُ (¬3) : فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ (¬4) : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَقَنِّعًا (¬5) فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ: " أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ (¬6) يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ (¬7) يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بِالثَّمَنِ " قَالَتْ عَائِشَةُ: ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحُ الْبَارِّي 7/235) : " قَوْلُهُ: وَرَقَ السَّمُرِ: بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ قَوْلُهُ: وَهُوَ الْخَبَطُ: مُدْرَجٌ أَيْضًا فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ، وَيُقَالُ: السَّمُرُ: شَجَرَةُ أُمِّ غِيلَانَ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا لَهُ ظِلٌّ ثَخِينٌ، وَقِيلَ: السَّمُرُ وَرَقُ الطَّلْحِ، وَالْخَبَطُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ) : مَا يُخْبَطُ بِالْعَصَا فَيَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ ". (¬2) ن: قَالَ ابْنُ عُرْوَةَ، وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " الْبُخَارِيِّ ". (¬3) عَائِشَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) س، ب لِأَبِي. (¬5) قَوْلُهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ مُتَقَنِّعًا: أَيْ مُغَطِّيًا رَأْسَهُ. (¬6) ن، م: بِأَبِي وَأُمِّي. . . (¬7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ " فَتْحُ الْبَارِي 7/235) : " الصَّحَابَةَ بِالنَّصْبِ: أَيْ أُرِيدُ الْمُصَاحَبَةَ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.

فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ (¬1) الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا (¬2) لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ (¬3) ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ (¬4) عَلَى فَمِ الْجِرَابِ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وَأَبُو بَكْرٍ] (¬5) بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَمَكَثَا (¬6) فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيَدَّلِجُ (¬7) مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ (¬8) قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، وَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكَادَانِ بِهِ (¬9) إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً) (¬10) مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا (¬11) عَلَيْهِمَا ¬

(¬1) س، ب أَحَبَّ (وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْحَثِّ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي ذَرٍّ " أَحَبَّ " بِالْمُوَحَّدَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَالْجِهَازُ. . وَهُوَ مَا. يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي السَّفَرِ ". (¬2) س، ب: وَوَضَعْنَا (¬3) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " قَوْلُهُ: وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ: أَيْ زَادًا فِي جِرَابٍ، لِأَنَّ أَصْلَ السُّفْرَةِ فِي اللُّغَةِ الزَّادُ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْمُسَافِرِ، ثُمَّ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وِعَاءِ الزَّادِ ". (¬4) ن، م، س: فَرَبَطَتْهُ. (¬5) وَأَبُو بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَهِيَ فِي " الْبُخَارِيِّ " (¬6) الْبُخَارِيُّ: فَكَمَنَّا. (¬7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فَتْحُ الْبَارِّي 7/237) : " قَوْلُهُ: ثَقِفٌ (بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا وَبَعْدَهَا فَاءٌ: الْحَاذِقُ. . . قَوْلُهُ: لَقِنٌ (بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ بَعْدَهَا نُونٌ) اللَّقِنُ: السَّرِيعُ الْفَهْمِ. قَوْلُهُ: فَيَدَّلِجُ (بِتَشْدِيدِ الدَّالِ بَعْدَهَا جِيمٌ: أَيْ يَخْرُجُ بِسَحَرٍ إِلَى مَكَّةَ ". (¬8) م: فِي. (¬9) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " أَيْ يَطْلُبُ لَهُمَا فِيهِ الْمَكْرُوهُ، وَهُوَ مِنَ الْكَيْدِ " (¬10) ن، س: بِمِنْحَةٍ، م: لِمِنْحَةٍ. (¬11) 11) ن، م، س: وَيُرْبِحُهَا.

حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ (¬1) ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا (¬2) حَتَّى يَنْعَقَ بِهَا (¬3) عَامِرٌ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وَأَبُو بَكْرٍ] (¬4) رَجُلًا مَنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ (¬5) (¬6) (¬7) فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كَفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ (¬8) غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ وَأَخَذَ بِهِمَا طَرِيقَ السَّاحِلِ» " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: " جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) رِسْلٍ: هُوَ اللَّبَنُ الطَّرِيُّ (¬2) ن، م: وَوَصِيفِهِمَا، س: وَوَضِيفِهِمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ اللَّبَنُ الَّذِي وُضِعَتْ فِيهِ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ بِالشَّمْسِ أَوِ النَّارِ لِيَنْعَقِدَ وَتَزُولَ رَخَاوَتُهُ. (¬3) ن، م، س: حَتَّى يَأْتِيَهُمَا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (¬4) وَأَبُو بَكْرٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) ، وَهِيَ فِي (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (¬5) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ: هُوَ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، بَيَّنَهُ ابْنُ سَعْدٍ،. . . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: إِنَّمَا سُمِّيَ خِرِّيتًا لِأَنَّهُ يَهْدِي بِمِثْلِ خَرْتِ الْإِبْرَةِ أَيْ ثُقْبِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَهْتَدِي لِأُخْرَاتِ الْمَغَازَةِ وَهِيَ طُرُقُهَا الْخَفِيَّةُ ". (¬6) - قَدْ غَمَسَ حِلْفًا (¬7) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " أَيْ كَانَ حَلِيفًا، وَكَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا غَمَسُوا أَيْمَانَهُمْ فِي دَمٍ أَوْ خَلُوقٍ أَوْ فِي شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ تَخَاوُتُهُ. (¬8) ن، م، س: فَوَاعَدَاهُ.

وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةَ (¬1) بِالسَّاحِلِ: أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ [لَهُ] (¬2) : إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقَا بِأَعْيُنِنَا (¬3) ، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسُهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، ثُمَّ خَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجَّةِ الْأَرْضِ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ (¬4) حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي (¬5) حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا (¬6) : أَضُرُّهُمْ ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " أَسْوِدَةُ: أَيْ أَشْخَاصًا ". (¬2) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (¬3) ن، م، س: عَيْنًا وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " أَيْ فِي نَظَرِنَا مُعَايَنَةٌ يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ " (¬4) م: وَحَفِظْتُ إِلَيْهِ، س: وَحَفِظْتُ عَلَيْهِ. وَالْمُثْبَتُ فِي (ن) وَ (ب) الْبُخَارِيِّ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " فَخَطَطْتُ: بِالْمُعْجَمَةِ، وَلِلْكَشْمَيْهَنِيِّ وَالْأُصَيْلِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ، أَيْ أَمْكَنَهُ أَسْفَلَهُ وَقَوْلُهُ: بِزُجَّةٍ: الزُّجُّ بِضَمِّ الزَّايِ بَعْدَهَا جِيمٌ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ. . . قَوْلُهُ: " وَخَفَضْتُ " أَيْ أَمْسَكَهُ بِيَدِهِ وَجَرَّ زُجَّهُ عَلَى الْأَرْضِ فَخَطَّهَا بِهِ لِئَلَّا يَظْهَرَ بَرِيقُهُ لِمَنْ بَعُدَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتْبَعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَيَشْرَكُوهُ فِي الْجَعَالَةِ ". (¬5) ن: نَفَرَتْ بِي. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " التَّقْرِيبُ: السَّيْرُ دُونَ الْعَدْوِ وَفَوْقَ الْعَادَةِ " (¬6) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " وَالْأَزْلَامُ: هِيَ الْأَقْدَاحُ وَهِيَ السِّهَامُ الَّتِي لَا رِيشَ لَهَا وَلَا نَصْلَ ". وَفِي " لِسَانِ الْعَرَبِ ": " وَاسْتَقْسِمُوا بِالْأَقْدَاحِ: قَسَّمُوا الْجَزُورَ عَلَى مِقْدَارِ حُظُوظِهِمْ مِنْهَا ".

أَرُدُّهُ فَآخُذُ الْمِائَةَ نَاقَةٍ أَمْ لَا؟ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ (¬1) ، فَرَكِبْتُ [فَرَسِي] (¬2) - وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ - تُقَرِّبُ [بِي] حَتَّى [إِذَا] سَمِعْتُ (¬3) قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ (¬4) يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لَأَثَرِ يَدَيْهَا (¬5) غُبَارٌ (¬6) سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا؛ فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ (¬7) رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬8) ". الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْغَارِ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ: أَيْ لَا تَضُرُّهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَمُوسَى وَابْنُ إِسْحَاقَ وَزَادَ: وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَرُدَّهُ فَآخُذُ الْمِائَةَ نَاقَةٍ ". (¬2) فَرَسِي سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَهِيَ فِي (ب) ، الْبُخَارِيِّ (¬3) ن، م، س: فَقَرُبْتُ حَتَّى سَمِعْتُ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (¬4) أَيْ غَاصَتْ. (¬5) ن: إِذَا الْأَمْرُ يَدَيْهَا، إِذَا الْأَمْرُ بَدْهًا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، (ب) ، الْبُخَارِيِّ. (¬6) الْبُخَارِيِّ: عُثَانٌ. وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ: غُبَارٌ وَعُثَانٌ. أَيْ دُخَانٌ. (¬7) أَمْرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (¬8) - الْحَدِيثُ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارَبَةٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/58 - 6 - (كِتَابُ مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ، بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) وَجَاءَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرًا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/96 - 97 (كِتَابُ الْكَفَالَةِ، بَابُ جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقْدِهِ) .

يُعْلِمَهُمْ بِخَبَرِهِ. السَّادِسُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَالْعَدُوُّ (¬1) قَدْ جَاءَ إِلَى الْغَارِ، وَمَشَوْا فَوْقَهُ، كَانَ يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْغَارِ، وَيُنْذِرَ الْعَدُوَّ بِهِ، وَهُوَ وَحْدُهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْمِيهِ مِنْهُ وَمِنَ الْعَدُوِّ؛ فَمَنْ يَكُونُ مُبْغِضًا لِشَخْصٍ طَالِبًا لِإِهْلَاكِهِ يَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي لَا يَظْفَرُ فِيهَا عَدُوٌّ بِعَدُوِّهِ إِلَّا أَخَذَهُ؛ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ فِي الْغَارِ وَالْعَدُوُّ قَدْ صَارُوا (¬2) عِنْدَ الْغَارِ، وَلَيْسَ لِمَنْ فِي الْغَارِ هُنَاكَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْعَدُوُّ الظَّاهِرُونَ الْغَالِبُونَ الْمُتَسَلِّطُونَ بِمَكَّةَ، لَيْسَ بِمَكَّةَ مَنْ يَخَافُونَهُ إِذَا أَخَذُوهُ؛ فَإِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُمْ مُبَاطِنًا لَهُمْ كَانَ الدَّاعِي إِلَى أَخْذِهِ تَامًّا، وَالْقُدْرَةُ تَامَّةً، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَالدَّاعِي التَّامُّ وَجَبَ وُجُودُ الْفِعْلِ؛ فَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّاعِي، أَوِ انْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ، وَالْقُدْرَةُ مَوْجُودَةٌ؛ فَعَلِمَ انْتِفَاءَ الدَّاعِي وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي أَذَاهُ، كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلَّا مَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى الْعَدُوِّ يَدُلُّهُمْ (¬3) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَدَغَتْهُ حَيَّةٌ (¬4) فَرَدَّهَا حَتَّى كَفَّتْ عَنْهُ الْأَلَمَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إِنْ نَكَثْتَ نَكَثَ يَدُكَ، وَإِنَّهُ نَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَاتَ مِنْهَا، وَهَذَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ مِنْ وُجُوهٍ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهَا. ¬

(¬1) م: فَالْعَدُوُّ (¬2) م: قَدْ صَارَ (¬3) س، ب: وَيَدُلُّهُمْ (¬4) ن، م: الْحَيَّةُ.

فصل قول الرافضي إن الآية تدل على نقص خور أبي بكر وقلة صبره وعدم يقينه وعدم رضاه والرد عليه

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَظْهَرَ كَعْبَهُ لِيَشْعُرُوا بِهِ، فَلَدْغَتْهُ الْحَيَّةُ، وَهَذَا مِنْ نَمَطِ الَّذِي قَبْلَهُ. [فصل قول الرافضي إن الآية تدل على نقص خور أبي بكر وَقِلَّةِ صَبْرِهِ وَعَدَمِ يَقِينِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ والرد عليه] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ، وَقِلَّةِ صَبْرِهِ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِمُسَاوَاتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ". فَالْجَوَابُ: أَوَّلًا: أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ: " إِنَّهُ اسْتَصْحَبَهُ حَذَرًا مِنْهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ " فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ عَدُوَّهُ، وَكَانَ مُبَاطِنًا لَعِدَاهُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْرَحَ وَيُسَرَّ وَيَطْمَئِنَّ إِذَا جَاءَ الْعَدُوُّ، وَأَيْضًا فَالْعَدُوُّ قَدْ جَاءُوا وَمَشَوْا فَوْقَ الْغَارِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْذِرَهُمْ بِهِ. وَأَيْضًا فَكَانَ الَّذِي يَأْتِيهِ بِأَخْبَارِ قُرَيْشٍ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِمْ قُرَيْشًا. وَأَيْضًا فَغُلَامُهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ رَوَاحِلُهُمَا فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لِغُلَامِهِ: أَخْبِرْهُمْ بِهِ. فَكَلَامُهُمْ فِي هَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ: إِنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا وَيُثْبِتُ أَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُهَاجِرِينَ مُنَافِقٌ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُهَاجِرْ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، وَالْكَافِرُ بِمَكَّةَ لَمْ يَكُنْ يَخْتَارُ

الْهِجْرَةَ، وَمُفَارَقَةَ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ لِنَصْرِ عَدُوِّهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَارُهَا الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8] . وَقَوْلِهِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 39، 40] . وَأَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ يَسْتَلْزِمُ إِيمَانَهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَخْتَارُ لِمُصَاحَبَتِهِ فِي سَفَرِ هِجْرَتِهِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْفَارِ خَوْفًا، وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي جُعِلَ مَبْدَأَ التَّارِيخِ لِجَلَالَةِ قَدْرِهِ فِي النُّفُوسِ وَلِظُهُورِ أَمْرِهِ، فَإِنَّ التَّارِيخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ لِعَامَّةِ النَّاسِ لَا يَسْتَصْحِبُ الرَّسُولُ فِيهِ مَنْ يَخْتَصُّ بِصُحْبَتِهِ إِلَّا وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ طُمَأْنِينَةً إِلَيْهِ وَوُثُوقًا بِهِ. وَيَكْفِي هَذَا فِي فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ، وَتَمْيِيزِهِ عَلَى (¬1) غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ الصِّدِّيقِ الَّتِي لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ. ¬

(¬1) م: عَنْ.

فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ ". فَنَقُولُ: أَوَّلًا: النَّقْصُ نَوْعَانِ نَقْصٌ يُنَافِي إِيمَانَهُ، وَنَقْصٌ عَمَّنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ. فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] . وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 139] . وَقَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 87، 88] فَقَدَ نَهَى نَبِيَّهُ عَنِ الْحُزْنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ جُمْلَةً فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْإِيمَانَ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَاقِصٌ عَمَّنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ مِنْ حَالِ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عُمَرَ، أَوْ غَيْرَهُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي

هَذِهِ الْحَالِ، وَلَوْ كَانُوا مَعَهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ حَالَهُمْ يَكُونُ أَكْمَلُ مِنْ حَالِ الصِّدِّيقِ، بَلِ الْمَعْرُوفُ مِنْ حَالِهِمْ دَائِمًا وَحَالِهِ أَنَّهُمْ وَقْتَ الْمَخَاوِفِ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَكْمَلَ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ يَقِينًا وَصَبْرًا، وَعِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِ الرَّيْبِ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَعْظَمَ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَعِنْدَ مَا يَتَأَذَّى مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَتْبَعَهُمْ لِمَرْضَاتِهِ وَأَبْعَدَهُمْ عَمَّا يُؤْذِيهِ. هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ لِكُلِّ مَنِ اسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ فِي مَحْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ وَمَوْتُهُ كَانَ أَعْظَمَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَزَلْزَلَ بِهَا الْإِيمَانُ، حَتَّى ارْتَدَّ أَكْثَرُ (¬1) الْأَعْرَابِ، وَاضْطَرَبَ لَهَا عُمَرُ الَّذِي كَانَ أَقْوَاهُمْ إِيمَانًا وَأَعْظَمَهُمْ يَقِينًا كَانَ (¬2) مَعَ هَذَا تَثْبِيتُ اللَّهِ تَعَالَى لِلصِّدِّيقِ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ فِي يَقِينِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ وَعِلْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَكْمَلَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَقَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} الْآيَةَ [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] (¬3) . ¬

(¬1) أَكْثَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ن، م، س: وَكَانَ (¬3) سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا بَعْدَ قَلِيلٍ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَلِكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلْيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 30] ، وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 144] قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ " (¬1) . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْأَخِيرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَهَّدَ (¬2) وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدَبِّرَنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ، فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا ¬

(¬1) الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ 5/6 - 7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .) (¬2) فَتَشَهَّدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ، س) ، (ب)

تَهْتَدُونَ بِهِ، وَبِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِهِمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ (¬1) . وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ (¬2) فِي الْبُخَارِيِّ: أَمَّا بَعْدُ فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الَّذِي هَدَى بِهِ رَسُولَهُ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا، وَإِنَّمَا (¬3) هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " الِاعْتِصَامِ بِالسَّنَةِ " (¬4) . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَتْ: " مَا كَانَ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ (¬5) ، وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى وَعَرَّفَهُمُ الْحَقَّ (¬6) " الَّذِي عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا فَقِصَّةُ يَوْمِ بَدْرٍ فِي الْعَرِيشِ وَيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةَ فِي طُمَأْنِينَتِهِ وَسَكِينَتِهِ مَعْرُوفَةٌ، بَرَزَ بِذَلِكَ (¬7) عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إِلَى ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/81 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الِاسْتِخْلَافِ) . (¬2) س، ب: أُخْرَى. (¬3) ن، م، س: لِمَا. (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 9/91 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .) . (¬5) ن، س، ب: لَقَدْ خَوَّفَ اللَّهُ عُمَرَ النَّاسَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، الْبُخَارِيِّ. (¬6) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 5/7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. . .) (¬7) م: يَزِيدُ بِذَلِكَ.

الْجَزَعِ؟ ! . وَأَيْضًا فَقِيَامُهُ بِقِتَالِ (¬1) الْمُرْتَدِّينَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَتَثْبِيتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ تَجْهِيزِ أُسَامَةَ، مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَعْظَمُ النَّاسِ طُمَأْنِينَةً وَيَقِينًا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ قَدْ نَزَلَ بِكَ مَا لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ لَهَاضَهَا، وَبِالْبِحَارِ لَغَاضَهَا، وَمَا نَرَاكَ ضَعُفْتَ فَقَالَ: مَا دَخَلَ قَلْبِي رُعْبٌ بَعْدَ لَيْلَةِ الْغَارِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى حُزْنِي - أَوْ كَمَا قَالَ - قَالَ: لَا عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِهَذَا الْأَمْرِ بِالتَّمَامِ. ثُمَّ يُقَالُ: مَنْ شَبَّهَ يَقِينَ أَبِي بَكْرٍ وَصَبْرَهُ بِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ وَالسُّنِّيُّ لَا يُنَازِعُ فِي فَضْلِهِ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَكِنَّ الرَّافِضِيَّ (¬2) الَّذِي ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْمَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ دَعْوَاهُ (¬3) بُهْتٌ وَكَذِبٌ وَفِرْيَةٌ، فَإِنَّ مَنْ تَدَبَّرَ سِيرَةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّهُمَا كَانَا فِي الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وَقِلَّةِ الْجَزَعِ فِي الْمَصَائِبِ أَكْمَلَ مِنْ عَلِيٍّ، فَعُثْمَانُ حَاصَرُوهُ وَطَلَبُوا خَلْعَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ، أَوْ قَتْلَهُ (¬4) وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَهُوَ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ مُقَاتَلَتِهِمْ إِلَى أَنْ قُتِلَ شَهِيدًا وَمَا دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ أَعْظَمِ الصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ؟ ! . وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ صَبْرُهُ كَصَبْرِ عُثْمَانَ، بَلْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ إِظْهَارِ التَّأَذِّي مِنْ عَسْكَرِهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ، وَمِنَ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ ¬

(¬1) م، ن: فِي قِتَالِ. (¬2) ب (فَقَطْ) : وَلَكِنَّ دَعْوَى الرَّافِضِي. . . (¬3) م: دَعْوَى، ن، س: هِيَ دَعْوَى. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬4) م: مِنْ خِلَافَتِهِ.

فصل قول الرافضي إن الآية تدل على خوره. . . والرد عليه

يُقَاتِلُهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ يَظْهَرُ مِثْلُهُ لَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ مَعَ كَوْنِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ كَانُوا كُفَّارًا، وَكَانَ الَّذِينَ مَعَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَدُوِّهِمْ أَقَلَّ مِنَ الَّذِينَ مَعَ عَلِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُهُ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَانُوا أَضْعَافَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ جَيَّشُ مُعَاوِيَةَ أَكْثَرَ مِنْ جَيْشٍ عَلِيٍّ، بَلْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوْفَ الْإِمَامِ مِنِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ خَوْفِهِ مِنِ اسْتِيلَاءِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَعْضٍ فَكَانَ مَا يَخَافُهُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَعْظَمَ مِمَّا يَخَافُهُ عَلِيٌّ وَالْمُقْتَضِي لِلْخَوْفِ مِنْهُمْ أَعْظَمَ وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا أَكْمَلَ يَقِينًا وَصَبَرًا مَعَ أَعْدَائِهِمْ وَمُحَارِبِيهِمْ مِنْ عَلِيٍّ مَعَ أَعْدَائِهِ وَمُحَارِبِيهِ (¬1) فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ يَقِينَ عَلِيٍّ وَصَبْرَهُ (¬2) كَانَ أَعْظَمَ مَنْ يَقِينِ أَبِي بَكْرٍ وَصَبْرِهِ وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ نَوْعِ السَّفْسَطَةِ وَالْمُكَابَرَةِ لِمَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ خِلَافُهُ؟ ! . [فصل قول الرافضي إن الآية تدل على خوره. . . والرد عليه] فَصْلٌ. قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " إِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ بِاللَّهِ، وَعَدَمِ رِضَاهُ بِمُسَاوَاتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ". ¬

(¬1) ن، س، ب: وَمُحَارَبَتِهِمْ مِنْ عَلِيٍّ مَعَ أَعْدَائِهِ وَمُحَارَبَتِهِ. . . وَكَلِمَةُ " وَمُحَارَبَتِهِمْ " وَ " مُحَارَبَتِهِ " غَيْرُ مَنْقُوطَتَيْنِ فِي (م) . وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ (¬2) ن، س: أَوْ صَبْرَهُ.

فَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ مِنْهُ ظَاهِرٌ، لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ (¬1) لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ فِيمَا بَعْدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 1] ، فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُطِيعُهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 88] ، (2 أَوْ {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} 2) (¬2) [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 22] فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا قَطُّ لَا سِيَّمَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَالْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الشِّرْكِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فَقَوْلُهُ لَا تَحْزَنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ (¬3) قَدْ حَزِنَ، لَكِنْ مِنَ الْمُمْكِنِ فِي الْعَقْلِ أَنَّهُ يَحْزَنُ فَقَدْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَفْعَلَهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ حَزِنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُقْتَلَ فَيَذْهَبُ (¬4) الْإِسْلَامُ، وَكَانَ يَوَدُّ أَنْ يَفْدِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ مَعَهُ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ كَانَ يَمْشِي أَمَامَهُ تَارَةً وَوَرَاءَهُ تَارَةً فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " «أَذْكُرُ الرَّصْدَ فَأَكُونُ أَمَامَكَ، وَأَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَكُونُ وَرَاءَكَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ ¬

(¬1) ن، س، ب: شَيْءٍ (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) ن، س، ب: وَيَذْهَبُ.

فِي كِتَابِ " مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ " فَقَالَ (¬1) : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: «لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ (¬2) طَرِيقَ ثَوْرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَمْشِي خَلْفَهُ وَيَمْشِي أَمَامَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَافُ أَنْ تُؤْتَى مِنْ خَلْفِكَ فَأَتَأَخَّرُ، وَأَخَافُ أَنْ تُؤْتَى مِنْ أَمَامِكَ فَأَتَقَدَّمُ، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْغَارِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمَا أَنْتَ حَتَّى أُقِمَّهُ» (¬3) ، قَالَ نَافِعٌ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى جُحْرًا فِي الْغَارِ فَأَلْقَمَهَا قَدَمَهُ، وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَسْعَةٌ، أَوْ لَدْغَةٌ كَانَتْ بِي» ". وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ يَرْضَى بِمُسَاوَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ الْكَاذِبُ الْمُفْتَرِي عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِأَنْ يَمُوتَا جَمِيعًا، بَلْ كَانَ لَا يَرْضَى بِأَنْ يُقْتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعِيشُ هُوَ (¬4) ، بَلْ كَانَ يَخْتَارُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَالصِّدِّيقُ أَقْوَمُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 6] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» " (¬5) . ¬

(¬1) فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ " 1/62 - 63 (¬2) فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ: وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَا. (¬3) س، ب: أُيِمَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬4) س، ب: وَهُوَ يَعِيشُ (¬5) سَبَقَ هَذَا فِيمَا مَضَى 2/447

وَحُزْنُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ مُوَالَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَنُصْحِهِ لَهُ وَاحْتِرَاسِهِ عَلَيْهِ وَذَبِّهِ عَنْهُ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ بِالْحُزْنِ نَوْعُ ضَعْفٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاتِّصَافَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَعَ عَدَمِ الْحُزْنِ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْحُزْنِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا ذَنْبٌ يُذَمُّ بِهِ (¬1) ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُزْنَ عَلَى الرَّسُولِ أَعْظَمُ مِنْ حَزْنِ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنِهِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ الرَّسُولِ أَوْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ لِابْنِهِ. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ يَعْقُوبَ أَنَّهُ حَزِنَ عَلَى ابْنِهِ يُوسُفَ وَقَالَ: {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ يُوسُفَ: 84 - 86] ، فَهَذَا إِسْرَائِيلُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ قَدْ حَزِنَ عَلَى ابْنِهِ هَذَا الْحُزْنَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُمَّا يُسَبُّ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُسَبُّ أَبُو بَكْرٍ إِذَا حَزِنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْفًا أَنْ يُقْتَلَ، وَهُوَ الَّذِي عُلِّقَتْ بِهِ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ ! . ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةِ - وَغَيْرَهُمْ - يَحْكُونَ عَنْ فَاطِمَةَ مِنْ حُزْنِهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يُوصَفُ، وَأَنَّهَا بِنْتُ بَيْتِ الْأَحْزَانِ، وَلَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ ذَمًّا لَهَا مَعَ أَنَّهُ حُزْنٌ عَلَى أَمْرٍ فَائِتٍ لَا يَعُودُ وَأَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا حَزِنَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ خَوْفَ أَنْ يُقْتَلَ وَهُوَ حَزْنٌ يَتَضَمَّنُ الِاحْتِرَاسَ، وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ لَمْ يَحْزَنْ هَذَا الْحُزْنَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَحُزْنُ أَبِي بَكْرٍ بِلَا رَيْبٍ ¬

(¬1) م: يُلْزَمُ بِهِ.

أَكْمَلُ مِنْ حَزْنِ فَاطِمَةَ، فَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا عَلَى حُزْنِهِ، فَفَاطِمَةُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَأَبُو بَكْرٍ أَحَقُّ بِأَنْ لَا يُذَمَّ عَلَى حُزْنِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُزْنِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ قِيلَ: أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا حَزِنَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَقْتُلُهُ الْكُفَّارُ. قِيلَ: فَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ إِنَّهُ كَانَ عَدُوَّهُ، وَكَانَ اسْتَصْحَبَهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ. وَقِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ بِمَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ حَالِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ يُقَالُ هَبْ أَنَّ حُزْنَهُ كَانَ عَلَيْهِ، وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَيَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْتَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ حَزِنَ خَوْفًا أَنْ يَقْتُلَهُ عَدُوُّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِهِ هَذَا السَّبَّ. ثُمَّ إِنْ قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ ذَنْبٌ فَلَمْ يَصْبِرْ عَنْهُ، بَلْ لَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ انْتَهَى فَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ انْتَهَوْا عَنْهَا، وَلَمْ يَكُونُوا مَذْمُومِينَ بِمَا فَعَلُوهُ قَبْلَ النَّهْيِ. وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ يَنْقُلُونَ عَنْ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ مِنَ الْجَزَعِ وَالْحُزْنِ عَلَى فَوْتِ مَالِ فَدَكَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمِيرَاثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ صَاحِبَهُ إِنَّمَا يَحْزَنُ عَلَى فَوْتِ الدُّنْيَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 23] فَقَدْ دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنْ لَا يَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُزْنَ عَلَى الدُّنْيَا أَوْلَى بِأَنْ يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْحُزْنِ عَلَى الدِّينِ.

فصل قول الرافضي إن الآية تدل على قلة صبره والرد عليه

وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ حَزِنَ عَلَى الدُّنْيَا، فَحُزْنُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفًا أَنْ يُقْتَلَ أَوْلَى أَنْ يُعْذَرَ بِهِ مِنْ حُزْنِهِ عَلَى مَالٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ. وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ يَذْكُرُونَ فِيمَنْ يُوَالُونَهُ مِنْ أَخْبَارِ الْمَدْحِ، وَفِيمَنْ يُعَادُونَهُ مِنْ أَخْبَارِ الذَّمِّ مَا هُوَ بِالْعَكْسِ أَوْلَى فَلَا تَجِدُهُمْ يَذُمُّونَ أَبَا بَكْرٍ وَأَمْثَالِهِ بِأَمْرٍ إِلَّا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ ذَمًّا لَكَانَ عَلِيٌّ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَلَا يَمْدَحُونَ عَلِيًّا بِمَدْحٍ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَدْحًا إِلَّا وَأَبُو بَكْرٍ أَوْلَى بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَكْمَلُ فِي الْمَمَادِحِ كُلِّهَا، وَأَبْرَأُ مِنَ الْمَذَامِّ كُلِّهَا: حَقِيقِيِّهَا (¬1) وَخَيَالِيِّهَا. [فصل قول الرافضي إن الآية تدل على قلة صبره والرد عليه] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ صَبْرِهِ ". فَبَاطِلٌ (¬2) ، بَلْ وَلَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِ شَيْءٍ مِنَ الصَّبْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَصَائِبِ وَاجِبٌ (¬3) بِالْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، وَمَعَ هَذَا فَحُزْنُ الْقَلْبِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ عَلَى دَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا عَلَى (¬4) حُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُ عَلَى هَذَا - يَعْنِي اللِّسَانَ - أَوْ ¬

(¬1) ن: حَقِيقِهَا (¬2) ن، م، س: بَاطِلٌ. (¬3) وَاجِبٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) عَلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

كلام الرافضي على حزن أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه

يَرْحَمُ» " (¬1) . وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ يَقِينِهِ بِاللَّهِ ". كَذِبٌ وَبُهْتٌ (¬2) ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ حَزِنُوا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ يَقِينِهِمْ بِاللَّهِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْ يَعْقُوبَ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: " «تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (¬3) ". وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ الْحُزْنِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " يَدُلُّ عَلَى الْخَوَرِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ". هُوَ بَاطِلٌ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ. [كلام الرافضي على حزن أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه] فَصْلٌ. وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ كَانَ الْحُزْنُ طَاعَةً اسْتَحَالَ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً كَانَ مَا ادَّعَوْهُ فَضِيلَةً رَذِيلَةً ". ¬

(¬1) الْحَدِيثَ ـ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 2/84 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمَرِيضِ) وَأَوَّلُهُ: " اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ. . . وَمِنْهُ: أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ. . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: مُسْلِمٍ 2/636 (كِتَابُ الْجَنَائِزِ، بَابُ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) وَجَاءَتْ بَعْضُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فِي: الْبُخَارِيِّ 7/51 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأُمُورِ) . (¬2) ن، م: كَذِبٌ بَحْتٌ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/46 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: " إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ. . .

وَالْجَوَابُ أَوَّلًا: أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُزْنِ كَانَ هُوَ الْفَضِيلَةَ، بَلِ الْفَضِيلَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} الْآيَةَ [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . فَالْفَضِيلَةُ كَوْنُهُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاخْتَصَّ بِصُحْبَتِهِ، وَكَانَ لَهُ كَمَالُ الصُّحْبَةِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " (¬1) ، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ مُوَافَقَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحَبَّتِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ، وَكَمَالِ مَعُونَتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَالَاتِهِ فَفِي (¬2) هَذِهِ الْحَالِ مِنْ كَمَالِ إِيمَانِهِ، وَتَقْوَاهُ مَا (¬3) هُوَ الْفَضِيلَةُ. وَكَمَالُ مَحَبَّتِهِ وَنَصْرِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُوجِبُ لِحُزْنِهِ إِنْ كَانَ حَزِنَ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ حَزِنَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُقَالُ: ثَانِيًا: هَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] ، وَقَوْلِهِ: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [سُورَةُ الْحِجْرِ: 88] وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى: {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [سُورَةُ طه: 21] . ¬

(¬1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص (¬2) ن، س، ب: فِي (¬3) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

فَيُقَالُ: إِنْ كَانَ الْخَوْفُ طَاعَةً فَقَدْ نَهَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً فَقَدْ عَصَى. وَيُقَالُ: إِنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَثْبُتَ، لِأَنَّ الْخَوْفَ يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوجِبُ الْأَمْنَ فَإِذَا حَصَلَ مَا يُوجِبُ الْأَمْنَ زَالَ الْخَوْفُ. فَقَوْلُهُ لِمُوسَى {وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [سُورَةُ طه: 21] هُوَ أَمْرٌ مَقْرُونٌ بِخَبَرِهِ بِمَا يُزِيلُ الْخَوْفَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [سُورَةُ طه: 67، 68] هُوَ نَهْيٌ عَنِ الْخَوْفِ مَقْرُونٌ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَهُ. * وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصِدِّيقِهِ: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} نَهْيٌ عَنِ الْحُزْنِ مَقْرُونٌ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَهُ * (¬1) وَهُوَ قَوْلُهُ. إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا وَإِذَا حَصَلَ الْخَبَرُ بِمَا يُوجِبُ زَوَالَ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ زَالَ وَإِلَّا فَهُوَ تَهَجُّمٌ عَلَى الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَهَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ مَدْيَنَ لِمُوسَى لَمَّا قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 25] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 139] قَرَنَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُزِيلُهُ مِنْ إِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ هُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] مَقْرُونٌ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] وَإِخْبَارُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَعَهُمْ يُوجِبُ زَوَالَ الضَّيِّقِ مِنْ مَكْرِ عَدُوِّهِمْ. وَقَدْ قَالَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ بَدْرٍ: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 126] . وَيُقَالُ: ثَالِثًا: لَيْسَ فِي نَهْيِهِ عَنِ الْحُزْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ قَدْ يَنْهَى عَنْهُ لِئَلَّا يُوجَدَ إِذَا وُجِدَ مُقْتَضِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُهُ مَعْصِيَةً لَوْ وُجِدَ فَالنَّهْيُ قَدْ يَكُونُ نَهْيَ تَسْلِيَةٍ وَتَعْزِيَةٍ وَتَثْبِيتٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَعْصِيَةً، بَلْ قَدْ يَكُونُ مِمَّا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُنْهَى وَقَدْ يَكُونُ الْحُزْنُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَلِذَلِكَ قَدْ يُنْهَى الرَّجُلُ عَنْ إِفْرَاطِهِ فِي الْحُبِّ وَإِنْ كَانَ الْحُبُّ مِمَّا لَا يُمْلَكُ وَيُنْهَى عَنِ الْغَشْيِ وَالصَّعْقِ وَالِاخْتِلَاجِ وَإِنْ كَانَ هَذَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ إِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مَحْظُورًا. فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ قَدْ نُهِيَ عَمَّا لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالضِّدِّ الْمُنَافِي لِلْحُزْنِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اكْتِسَابِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْتَرْسِلُ فِي أَسْبَابِ الْحُزْنِ وَالْخَوْفِ وَسُقُوطِ بَدَنِهِ فَإِذَا سَعَى فِي اكْتِسَابِ (¬2) مَا يُقَوِّيهِ ثَبَتَ قَلْبُهُ وَبَدَنُهُ، وَعَلَى ¬

(¬1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) م فِي اكْتِسَابِهِ.

هَذَا فَيَكُونُ النَّهْيُ (¬1) عَنْ هَذَا أَمْرًا (¬2) بِمَا يُزِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً كَمَا يُؤْمَرُ الْإِنْسَانُ بِدَفْعِ عَدُوِّهُ عَنْهُ، وَبِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْذِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَصَلَ بِذَنْبٍ مِنْهُ. وَالْحُزْنُ يُؤْذِي الْقَلْبَ، فَأُمِرَ بِمَا يُزِيلُهُ كَمَا يُؤْمَرُ بِمَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، وَالْحُزْنُ (¬3) إِنَّمَا حَصَلَ بِطَاعَةٍ، وَهُوَ مَحَبَّةُ الرَّسُولِ وَنُصْحُهُ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَعْصِيَةٍ (¬4) يُذَمُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ الطَّاعَةِ لِضَعْفِ الْقَلْبِ الَّذِي لَا يُذَمُّ (¬5) الْمَرْءُ عَلَيْهِ وَأُمِرَ بِاكْتِسَابِ قُوَّةٍ تَدْفَعُهُ عَنْهُ لِيُثَابَ عَلَى ذَلِكَ. وَيُقَالُ: رَابِعًا لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْحُزْنَ كَانَ مَعْصِيَةً فَهُوَ فَعَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ فَلَمَّا نُهِيَ عَنْهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَمَا فُعِلَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَا إِثْمَ فِيهِ كَمَا كَانُوا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ يَشْرَبُونَهَا وَيُقَامِرُونَ فَلَمَّا نُهُوا عَنْهَا انْتَهَوْا، ثُمَّ تَابُوا كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ (¬6) : " وَأَمَّا حُزْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ (¬7) كَانَ غَايَةَ الرِّضَا لِلَّهِ فَإِنَّهُ (¬8) كَانَ إِشْفَاقًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ (¬9) كَانَ اللَّهُ مَعَهُ وَاللَّهُ لَا يَكُونُ قَطُّ مَعَ الْعُصَاةِ (¬10) بَلْ عَلَيْهِمْ، وَمَا حَزِنَ أَبُو بَكْرٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ ¬

(¬1) ن، م: الْمَنْهِيُّ (¬2) أَمْرًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬3) (3 - 3) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) م: مَعْصِيَةً (¬5) م: لَا يَلُومُ (¬6) فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلِ. . . " 4/221 (¬7) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، (س) ، (ب) . وَفِي " الْفِصَلِ ": عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬8) الْفِصَلُ: لِأَنَّهُ (¬9) ن، م، س وَكَذَلِكَ (¬10)) الْفِصَلُ: وَهُوَ تَعَالِي لَا يَكُونُ مَعَ الْعُصَاةِ.

نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُزْنِ، وَلَوْ كَانَ لِهَؤُلَاءِ الْأَرْذَالِ (¬1) حَيَاءٌ، أَوْ عِلْمٌ لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا، إِذْ لَوْ كَانَ حُزْنُ أَبِي بَكْرٍ عَيْبًا عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَيْبًا (¬2) ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [سُورَةُ الْقَصَصِ: 35] ، ثُمَّ قَالَ عَنِ السَّحَرَةِ لَمَّا قَالُوا (¬3) : {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [سُورَةُ طه: 67، 68] (¬4) ، فَهَذَا مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِيمُهُ كَانَ قَدْ (¬5) أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِمَا، وَأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ (¬6) ، ثُمَّ أَوْجَسَ (¬7) فِي نَفْسِهِ خِيفَةً بَعْدَ ذَلِكَ فَإِيجَاسُ (¬8) مُوسَى لَمْ يَكُنْ (¬9) إِلَّا لِنِسْيَانِهِ الْوَعْدَ الْمُتَقَدِّمَ، وَحُزْنُ أَبِي بَكْرٍ كَانَ قَبْلَ (¬10) أَنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَأَمَّا ¬

(¬1) 1) س، ب: الْأَرَاذِلِ (¬2) 2) الْفِصَلُ: عَلَى مُحَمَّدٍ وَمُوسَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْبًا (¬3) 3) الْفِصَلُ: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى عَنِ السَّحَرَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى. . (¬4) 4) فِي الْفِصَلِ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الْآيَاتِ كُلَّهَا مُتَّصِلَةً (¬5) 5) الْفِصَلُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ. (¬6) 6) الْفِصَلُ: إِلَيْهِ، وَأَنَّ مُوسَى وَمَنِ اتَّبَعَهُ هُوَ الْغَالِبُ. . (¬7) 7) ن، س، ب: وَأَوْجَسَ. (¬8) 8) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ كَلَامَ ابْنِ حَزْمٍ وَتَرَكَ مَا يَقْرُبُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَبَدَأَ كَلَامَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِبَارَةِ: " بَلْ إِيجَاسُ. . (¬9) الْفِصَلُ: مُوسَى الْخِيفَةَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ. . . (¬10)) الْفِصَلُ: وَحُزْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِضًا لِلَّهِ تَعَالِي قَبْلَ. .

مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ (¬1) : {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [سُورَةُ لُقْمَانَ: 23] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 127] ، وَقَالَ: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [سُورَةُ يس: 76] (¬2) ، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [سُورَةُ فَاطِرٍ: 8] ، وَوَجَدْنَاهُ (¬3) تَعَالَى قَدْ قَالَ: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 33] فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ يَعْلَمُ (¬4) أَنَّ رَسُولَهُ (¬5) يُحْزِنُهُ الَّذِي يَقُولُونَ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَيَلْزَمُهُمْ (¬6) فِي حَزْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالَّذِي أَوْرَدُوا (¬7) فِي حَزْنِ أَبِي بَكْرٍ سَوَاءً (¬8) وَنَعَمْ (¬9) إِنَّ حُزْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَ مِنَ الْكُفْرِ كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ (¬10) حُزْنُ أَبِي بَكْرٍ طَاعَةً لِلَّهِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ عَنْهُ، وَمَا حَزِنَ أَبُو بَكْرٍ ¬

(¬1) الْفِصَلُ:. . يَنْهَى عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ نَهْيٌ عَنِ الْحُزْنِ، وَأَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ. (¬2) زَادَ فِي " الْفِصَلِ " إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَبَعْدَهَا: وَقَالَ تَعَالَى. (¬3) قَبْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي " الْفِصَلِ " ذَكَرَ آيَةَ رَقْمِ 6 مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ " فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ. . . (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) (¬5) الْفِصَلُ 4/222: " وَقَالَهُ أَيْضًا فِي الْأَنْعَامِ. فَهَذَا اللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَنَا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬6) الْفِصَلُ: وَنَهَاهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ نَصًّا، فَيَلْزَمُهُمْ. (¬7) الْفِصَلُ:. . وَسَلَّمَ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَالَّذِي أَرَادُوا. . (¬8) الْفِصَلُ:. . سَوَاءً سَوَاءً (¬9) ب (فَقَطْ) : وَنَعْلَمُ. (¬10) الْفِصَلُ: قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا حَزِنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُ رَبُّهُ تَعَالَى عَنِ الْحُزْنِ، كَمَا كَانَ.

فصل الكلام على قوله تعالى لا تحزن إن الله معنا

بَعْدَ (¬1) مَا نَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُزْنِ، فَكَيْفَ وَقَدْ يُمْكِنُ (¬2) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ حَزِنَ (¬3) يَوْمَئِذٍ؟ ، لَكِنْ نَهَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ (¬4) أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حُزْنٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (¬5) : {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 24] . [فصل الكلام على قوله تعالى لا تحزن إن الله معنا] فَصْلٌ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (¬6) : وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] لَا يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّ الصُّحْبَةَ قَدْ تَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا - كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا - وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا - وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 32، 35] إِلَى قَوْلِهِ: ¬

(¬1) الْفِصَلُ: قَبْلَ أَنْ يَنْهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْحُزْنِ، وَمَا حَزِنَ أَبُو بَكْرٍ قَطُّ بَعْدَ. . . (¬2) م: وَقَدْ يَكُونُ. (¬3) الْفِصَلُ: وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يَحْزَنْ. . . (¬4) عَنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬5) الْفِصَلُ:. . تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬6) (6 - 6) : هَذِهِ الْعِبَارَاتُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَهِيَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ النُّسَّاخِ.

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 37] الْآيَةَ. فَيُقَالُ: مَعْلُومٌ أَنَّ لَفْظَ " الصَّاحِبِ " فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، أَوْ عَدُوُّهُ، أَوْ مُؤْمِنٌ، أَوْ كَافِرٌ، إِلَّا لِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 36] ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ وَالزَّوْجَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ (¬1) . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [سُورَةُ النَّجْمِ: 1، 2] وَقَوْلُهُ: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [سُورَةُ التَّكْوِيرِ: 22] الْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ صَحِبَ الْبَشَرَ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ صَحِبَهُمْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْمُشَارَكَةِ مَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَنْقُلُوا عَنْهُ مَا جَاءَهُ مِنَ الْوَحْيِ، وَمَا يَسْمَعُونَ بِهِ كَلَامَهُ وَيَفْقَهُونَ مَعَانِيَهِ بِخِلَافِ الْمَلَكِ الَّذِي لَمْ يَصْحَبْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمُ الْأَخْذُ عَنْهُ. وَأَيْضًا قَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَشَرٌ مِنْ جِنْسِهِمْ (¬2) ، وَأَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ بِلِسَانِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 128] ، وَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 4] فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ صَحِبَهُمْ كَانَ قَدْ تَعَلَّمَ لِسَانَهُمْ، وَأَمْكَنَهُ ¬

(¬1) م: وَكُفْرٍ. (¬2) ن، م، س: أَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِمْ بَشَرٌ.

أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِلِسَانِهِمْ (¬1) ، فَيُرْسِلُ رَسُولًا بِلِسَانِهِمْ لِيَتَفَقَّهُوا (¬2) عَنْهُ، فَكَانَ ذِكْرُ صُحْبَتِهِ لَهُمْ هُنَا عَلَى اللُّطْفِ بِهِمْ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ. وَهَذَا بِخِلَافِ إِضَافَةِ الصُّحْبَةِ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحْدُكُمُ مِثْلَ أُحِدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» " (¬3) ، وَقَوْلُهُ: " «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكِي لِي صَاحِبِي» ؟ " (¬4) وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. فَإِنَّ إِضَافَةَ الصُّحْبَةِ إِلَيْهِ فِي خِطَابِهِ (¬5) وَخِطَابُ الْمُسْلِمِينَ تَتَضَمَّنُ صُحْبَةَ مُوَالَاةٍ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِهِ فَلَا يُطْلَقُ لَفْظُ صَاحِبِهِ عَلَى مَنْ صَحِبَهُ فِي سَفَرِهِ وَهُوَ كَافِرٌ بِهِ. وَالْقُرْآنُ يَقُولُ فِيهِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَأَخْبَرَ الرَّسُولُ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ وَمَعَ صَاحِبِهِ، وَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ تَتَضَمَّنُ النَّصْرَ وَالتَّأْيِيدَ، وَهُوَ إِنَّمَا يَنْصُرُهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَكُلُّ كَافِرٍ عَدُوُّهُ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُؤَيِّدًا لَهُ وَلِعَدُوِّهِ مَعًا، وَلَوْ كَانَ مَعَ عَدُوِّهِ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْحُزْنَ، وَيُزِيلُ السَّكِينَةَ فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَ صَاحِبِهِ تَضَمَّنَ صُحْبَةَ وِلَايَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَتَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ لَهُ وَبِهِ. ¬

(¬1) ن، م، س: بِلِسَانِهِ. (¬2) ن، م: لِيَفْقَهُوا. . (¬3) ن، م: نِصْفَهُ. وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/21. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ (¬5) ن، م، س: فَإِنَّ إِضَافَةَ الصُّحْبَةِ إِلَيْهِ مَا بَلَغَ فِي خِطَابِهِ، وَجَاءَتْ عِبَارَةُ " مَا بَلَغَ " فِي النُّسَخِ الثَّلَاثِ تَحْتَ عِبَارَةِ " مَا بَلَغَ " فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّابِقِ. . مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ. . . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ نَظَرٍ مِنَ النُّسَّاخِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلِذَلِكَ أَصَابَ مُحَقِّقُ (ب) بِحَذْفِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ.

وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: " {لَا تَحْزَنْ} " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، وَإِنَّهُ حَزِنَ خَوْفًا مِنْ عَدُوِّهِمَا فَقَالَ لَهُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، وَلَوْ كَانَ عَدُوَّهُ لَكَانَ لَمْ يَحْزَنْ إِلَّا حَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَهْرِهِ فَلَا يُقَالُ لَهُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، لِأَنَّ كَوْنَ اللَّهِ (¬1) مَعَ نَبِيِّهِ مِمَّا يَسُرُّ النَّبِيَّ، وَكَوْنَهُ مَعَ عَدُوِّهِ مِمَّا يَسُوءُهُ فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: {لَا تَحْزَنْ} ، ثُمَّ قَوْلِهِ: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] . وَنَصْرُهُ لَا يَكُونُ بِأَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ عَدُوُّهُ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِاقْتِرَانِ وَلِيِّهِ وَنَجَاتِهِ مِنْ عَدُوِّهِ فَكَيْفَ [لَا] يَنْصُرُ (¬2) عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مَنْ يَكُونُونَ قَدْ لَزِمُوهُ، وَلَمْ يُفَارِقُوهُ (¬3) لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَهُمْ مَعَهُ فِي سَفَرِهِ؟ . وَقَوْلُهُ: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَخْرَجَهُ، أَيْ: أَخْرَجُوهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ نَبِيًّا ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ فَيَكُونُ الِاثْنَانِ مُخْرَجَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْرُجَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِلَّا مَعَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَوْ أُخْرِجَ دُونَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُخْرِجَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ أَخْرَجُوهُ ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَأَخْرَجُوهُ مُصَاحِبًا لِقَرِينِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَعَهُ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونُوا (¬4) أَخْرَجُوهُمَا. وَذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ أَخْرَجُوا الْمُهَاجِرِينَ كُلَّهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [سُورَةُ الْحَشْرِ: 8] . ¬

(¬1) س، ب: لِأَنَّ كَوْنَهُ. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: فَكَيْفَ يَنْصُرُ. . . إِلَخ. . وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) ن، س، ب: مَنْ يَكُونُ قَدْ لَزِمُوهُ لَمْ يُفَارِقُوهُ. (¬4) م: أَنْ يَكُونَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ - الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 39، 40] . وَقَالَ: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 9] . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مَنَعُوهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ مَعَ الْإِيمَانِ، وَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ تَرْكُ الْإِيمَانِ فَقَدْ أَخْرَجُوهُمْ (* إِذَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ أَخْرَجُوا صَاحِبَهُ كَمَا أَخْرَجُوهُ، وَالْكُفَّارُ إِنَّمَا أَخْرَجُوا *) (¬1) أَعْدَاءَهُمْ لَا مَنْ كَانَ كَافِرًا مِنْهُمْ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صُحْبَتَهُ صُحْبَةُ مُوَالَاةٍ وَمُوَافَقَةٍ عَلَى الْإِيمَانِ لَا صُحْبَةٌ مَعَ الْكُفْرِ. وَإِذَا قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُظْهِرًا لِلْمُوَافَقَةِ، وَقَدْ كَانَ يُظْهِرُ الْمُوَافَقَةَ لَهُ مَنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقًا، وَقَدْ يَدْخُلُونَ فِي لَفْظِ الْأَصْحَابِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ لَمَّا اسْتُؤْذِنَ فِي قَتْلِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ قَالَ: " لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ " (¬2) فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ كَانَ النَّاسُ يُدْخِلُونَ فِيهِ مَنْ هُوَ مُنَافِقٌ. ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) مِثْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

قِيلَ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَكْثَرُهُمُ انْكَشَفَ حَالُهُ لَمَّا نَزَلْ فِيهِمُ الْقُرْآنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَرِّفُ كُلًّا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَالَّذِينَ بَاشَرُوا ذَلِكَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ. وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ، أَوْ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مُشْرِكًا أَمْرٌ لَا يَخْفَى مَعَ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] ، وَقَالَ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] ، فَالْمُضْمِرُ لِلْكُفْرِ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ، وَأَمَّا بِالسِّيمَا فَقَدْ يُعْرَفُ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 10] . وَالصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ يُعَظِّمُهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدِّينِ، كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ، وَلَمْ يُعَظِّمِ الْمُسْلِمُونَ ـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ـ عَلَى الدِّينِ مُنَافِقًا. وَالْإِيمَانُ يُعْلَمُ مِنَ الرَّجُلِ كَمَا يُعْلَمُ سَائِرُ أَحْوَالِ قَلْبِهِ مِنْ مُوَالَاتِهِ وَمُعَادَاتِهِ وَفَرَحِهِ وَغَضَبِهِ وَجُوعِهِ وَعَطَشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَهَا لَوَازِمُ ظَاهِرَةٌ. وَالْأُمُورُ الظَّاهِرَةُ تَسْتَلْزِمُ أُمُورًا بَاطِنَةً وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ

النَّاسُ فِيمَنْ جَرَّبُوهُ وَامْتَحَنُوهُ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ (¬1) وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَجَابِرَ، أَوْ نَحْوَهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِالرَّسُولِ مُحِبِّينَ لَهُ مُعَظِّمِينَ لَهُ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ، فَكَيْفَ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَخْبَارُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ وَمَحَبَّتُهُمْ وَنَصْرُهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ طَبَّقَتِ الْبِلَادَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا؟ ! . فَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ، وَلَا يُجْعَلَ وُجُودُ قَوْمٍ مُنَافِقِينَ مُوجِبًا لِلشَّكِّ فِي إِيمَانِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ، بَلْ نَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ إِيمَانَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْفُضَيْلِ وَالْجُنَيْدِ، وَمَنْ هُوَ دُونَ هَؤُلَاءِ، فَكَيْفَ لَا يُعْلَمُ إِيمَانُ الصَّحَابَةِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ إِيمَانَ كَثِيرٍ مِمَّنْ بَاشَرْنَاهُ مِنَ الْأَصْحَابِ؟ ! . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الصَّادِقِ فِي أَخْبَارِهِ (* إِذَا كَانَ دَعْوَى نُبُوَّةٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَكَذِبِ الْكَاذِبِ *) (¬2) مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ. وَإِظْهَارُ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِمَّا صَادِقٌ وَإِمَّا كَاذِبٌ. فَهَذَا يُقَالُ أَوَّلًا، وَيُقَالُ ثَانِيًا: وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ نِزَاعًا ـ: أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ أَصْلًا، وَذَلِكَ ¬

(¬1) م: وَابْنَ عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّمَا هَاجَرُوا بِاخْتِيَارِهِمْ لَمَّا آذَاهُمُ الْكُفَّارُ عَلَى الْإِيمَانِ وَهُمْ (¬1) بِمَكَّةَ لَمْ يَكُنْ يُؤْمِنُ أَحَدُهُمْ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، بَلْ مَعَ احْتِمَالِ الْأَذَى فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَحْتَاجُ أَنْ يُظْهِرَ الْإِيمَانَ وَيُبْطِنَ الْكُفْرَ لَا سِيَّمَا إِذَا هَاجَرَ إِلَى دَارٍ يَكُونُ فِيهَا سُلْطَانُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ فِي قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ صَارَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِهِ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُظْهِرَ مُوَافَقَةَ قَوْمِهِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ صَارَ لَهُمْ سُلْطَانٌ وَعِزٌّ وَمَنَعَةٌ وَصَارَ مَعَهُمُ السَّيْفُ يَقْتُلُونَ مَنْ كَفَرَ. وَيُقَالُ: ثَالِثًا: عَامَّةُ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ إِذَا عَاشَرَ أَحَدُهُمُ الْآخَرَ مُدَّةً يَتَبَيَّنُ لَهُ صَدَاقَتُهُ مِنْ عَدَاوَتِهِ (¬2) فَالرَّسُولُ يَصْحَبُ أَبَا بَكْرٍ بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ هَلْ هُوَ صَدِيقُهُ، أَوْ عَدُوُّهُ وَهُوَ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي دَارِ الْخَوْفِ وَهَلْ هَذَا إِلَّا قَدْحٌ فِي الرَّسُولِ؟ . ثُمَّ يُقَالُ: جَمِيعُ النَّاسِ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ أَعْظَمُ أَوْلِيَائِهِ مِنْ حِينِ الْمَبْعَثِ (¬3) إِلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، وَدَعَا غَيْرَهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ حَتَّى آمَنُوا وَبَذَلَ أَمْوَالَهُ فِي تَخْلِيصِ مَنْ كَانَ آمَنَ بِهِ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِثْلِ بِلَالٍ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى الْمَوْسِمِ فَيَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَيَأْتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بَيْتِهِ: إِمَّا غَدْوَةً وَإِمَّا عَشِيَّةً، وَقَدْ آذَاهُ الْكُفَّارُ عَلَى إِيمَانِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَلَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَّةِ أَمِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْعَرَبِ سَيِّدُ (¬4) الْقَارَةِ، وَقَالَ: إِلَى ¬

(¬1) ن، م، س: وَهُوَ. (¬2) ن، م: مِنْ عَدُوِّهِ (¬3) م: الْبَعْثِ. (¬4) م. وَسَيِّدُ. .

أَيْنَ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ: فَهَلْ يَشُكُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٌ مَنْ عَقْلٍ؟ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ الْمُوَالَاةِ وَالْمَحَبَّةِ لِلرَّسُولِ وَلِمَا جَاءَ بِهِ؟ ! وَأَنَّ مُوَالَاتَهُ وَمَحَبَّتَهُ بَلَغَتْ بِهِ إِلَى أَنْ يُعَادِيَ قَوْمَهُ، وَيَصْبِرَ عَلَى أَذَاهُمْ وَيُنْفِقَ أَمْوَالَهُ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ؟ ! . وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَكُونُ مُوَالِيًا لِغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْمِحَنِ وَالشَّدَائِدِ وَمُعَادَاةِ النَّاسِ وَإِظْهَارِ مُوَافَقَتِهِ عَلَى مَا يُعَادِيهِ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِذَا أَظْهَرَ اتِّبَاعَهُ وَمُوَافَقَتَهُ عَلَى مَا يُعَادِيهِ عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ، وَقَدْ صَبَرَ عَلَى أَذَى الْمُعَادِينَ وَبَذَلَ الْأَمْوَالَ فِي مُوَافَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى ذَلِكَ مِنَ الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِمُوَافَقَتِهِ فِي مَكَّةَ (¬1) شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا لَا مَالٌ وَلَا رِيَاسَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا هُوَ أَذًى وَمِحْنَةً وَبَلَاءً. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يُظْهِرُ مُوَافَقَتَهُ لِلْغَيْرِ: إِمَّا لِغَرَضٍ يَنَالُهُ مِنْهُ، أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ يَنَالُهُ بِذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَهُ أَوِ الِاحْتِيَالَ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ مُنْتَفِيًا بِمَكَّةَ، فَإِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَقْصِدُونَ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ عَدَاوَةً لِأَبِي بَكْرٍ لَمَّا آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ بِهِمُ اتِّصَالٌ يَدْعُو إِلَى ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، بَلْ كَانُوا أَقْدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذًى قَطُّ مِنْ أَبَى بَكْرٍ مَعَ خَلْوَتِهِ بِهِ، وَاجْتِمَاعِهِ بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَمَكُّنِهِ مِمَّا يُرِيدُ الْمُخَادِعُ مِنْ إِطْعَامِ سُمٍّ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) ن، م، س: مِنْ مَكَّةَ.

وَأَيْضًا فَكَانَ حِفْظُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَحِمَايَتُهُ لَهُ يُوجِبُ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى ضَمِيرِهِ السُّوءِ لَوْ كَانَ مُضْمِرًا لَهُ سُوءًا، وَهُوَ قَدْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي نَفْسِ أَبِي عَزَّةَ لَمَّا جَاءَ مُظْهِرًا لِلْإِيمَانِ بِنِيَّةِ الْفَتْكِ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي قَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ أَطْلَعَهُ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْحَجَبِيِّ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، وَهُمْ بِالسَّوْأَةِ، وَأَطْلَعَهُ عَلَى مَا فِي نَفْسِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ لَمَّا جَاءَ مِنْ مَكَّةَ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ يُرِيدُ الْفَتْكَ بِهِ، وَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحُلُّوا حِزَامَ نَاقَتِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ دَائِمًا لَيْلًا وَنَهَارًا حَضَرًا وَسَفَرًا فِي خَلْوَتِهِ وَظُهُورِهِ وَيَوْمَ بَدْرٍ يَكُونُ مَعَهُ وَحْدَهُ فِي الْعَرِيشِ، وَيَكُونُ فِي قَلْبِهِ ضَمِيرُ سُوءٍ وَالنَّبِيُّ (¬1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْلَمُ ضَمِيرَ ذَلِكَ قَطُّ، وَأَدْنَى مَنْ لَهُ نَوْعُ فِطْنَةٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ فِي أَقَلِّ مِنْ هَذَا الِاجْتِمَاعِ، فَهَلْ يَظُنُّ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدِّيقِهِ إِلَّا مَنْ هُوَ مَعَ فَرْطِ جَهْلِهِ وَكَمَالِ نَقْصِ عَقْلِهِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَنَقُّصًا لِلرَّسُولِ وَطَعْنًا فِيهِ وَقَدْحًا فِي مَعْرِفَتِهِ؟ ! ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْجَاهِلُ مَعَ ذَلِكَ مُحِبًّا لِلرَّسُولِ (¬2) فَهُوَ كَمَا قِيلَ: " عَدُوٌّ عَاقِلٌ خَيْرٌ مِنْ صَدِيقٍ جَاهِلٍ ". وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُحِبُّ الرَّسُولَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ تَشَيَّعَ قَدْ تَلَقَّى مِنَ الرَّافِضَةِ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ قَدْحًا فِي الرَّسُولِ، فَإِنَّ أَصْلَ الرَّفْضِ إِنَّمَا أَحْدَثَهُ زِنْدِيقٌ غَرَضُهُ إِبْطَالُ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْقَدْحُ ¬

(¬1) ب (فَقَطْ) : لِلنَّبِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) ن: تَنَقُّصًا بِالرَّسُولِ، س، ب: نَقْصًا بِالرَّسُولِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) .

فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ شَيْخُ الرَّافِضَةِ لَمَّا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، أَرَادَ أَنْ يُفْسِدَ الْإِسْلَامَ بِمَكْرِهِ وَخُبْثِهِ كَمَا فَعَلَ بُولِصُ بِدِينِ النَّصَارَى فَأَظْهَرَ النُّسْكَ، ثُمَّ أَظْهَرَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى سَعَى فِي فِتْنَةِ عُثْمَانَ وَقَتْلِهِ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ عَلَى الْكُوفَةِ أَظْهَرَ الْغُلُوَّ فِي عَلِيٍّ وَالنَّصِّ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ بِذَلِكَ مِنْ أَغْرَاضِهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَطَلَبَ قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى قَرْقِيسِيَا (¬1) وَخَبَرُهُ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَإِلَّا فَمَنْ لَهُ أَدْنَى خِبْرَةٍ بِدِينِ الْإِسْلَامِ يَعْلَمُ أَنَّ مَذْهَبَ الرَّافِضَةِ مُنَاقِضٌ لَهُ، وَلِهَذَا كَانَتِ الزَّنَادِقَةُ الَّذِينَ قَصْدُهُمْ إِفْسَادُ الْإِسْلَامِ يَأْمُرُونَ بِإِظْهَارِ التَّشَيُّعِ وَالدُّخُولِ إِلَى مَقَاصِدِهِمْ مِنْ بَابِ الشِّيعَةِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ إِمَامُهُمْ صَاحِبُ " الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ " وَ " النَّامُوسِ الْأَعْظَمِ ". قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ (¬2) : وَقَدِ اتَّفَقَ جَمِيعُ الْبَاطِنِيَّةِ وَكُلُّ مُصَنِّفٍ لِكِتَابٍ وَرِسَالَةٍ مِنْهُمْ فِي تَرْتِيبِ الدَّعْوَةِ الْمُضِلَّةِ عَلَى أَنَّ مِنْ سَبِيلِ الدَّاعِي إِلَى دِينِهِمْ وَرِجْسِهِمُ الْمُجَانِبِ لِجَمِيعِ أَدْيَانِ الرُّسُلِ وَالشَّرَائِعِ أَنْ يُجِيبَ (¬3) الدَّاعِي إِلَيْهِ النَّاسَ بِمَا يَبِينُ وَمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ ¬

(¬1) م: أَفْرِيقِيشَا، س: قِرِيقِيشَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬2) لَمْ أَجِدِ الْكَلَامَ التَّالِيَ فِي طَبْعَتَيِ: " التَّمْهِيدِ " الْأَوَّلِ بِتَحْقِيقِ الدُّكْتُورِ مُحَمَّد عَبْد الْهَادِي أَبِي رَيْدَة وَالْأُسْتَاذُ مَحْمُود مُحَمَّد الْخُضَيْري، وَالثَّانِيَةُ بِتَحْقِيقِ رتشرد يُوسُف مكارثي، كَمَا لَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ " الْإِنْصَافِ " بِتَحْقِيقِ الشَّيْخِ مُحَمَّد زَاهِد الْكَوْثَرِيِّ. وَلَعَلَّهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ مِنْ كُتُبِ الْبَاقِلَّانِيِّ الْمَفْقُودَةِ، وَقَدْ يَكُونُ كِتَابُ " كَشْفُ الْأَسْرَارِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَاطِنِيَّةِ " وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ الْخُضَيْرِيُّ وَالدُّكْتُورُ أَبُو رَيْدَة ضِمْنَ مُصَنَّفَاتِ الْبَاقِلَّانِيِّ (ص 59) مِنْ طَبْعَتِهِمَا " لِلتَّمْهِيدِ ". (¬3) ن، س، ب: أَنْ يَجْتَنِبَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) وَالْكَلِمَةُ فِيهَا غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ.

وَمَذَاهِبِهِمْ، وَقَالُوا لِكُلِّ دَاعٍ لَهُمْ إِلَى ضَلَالَتِهِمْ مَا أَنَا حَاكٍ لِأَلْفَاظِهِمْ وَصِيغَةِ قَوْلِهِمْ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ كُفْرُهُمْ وَعِنَادُهُمْ لِسَائِرِ (¬1) الرُّسُلِ وَالْمِلَلِ فَقَالُوا لِلدَّاعِي: " يَجِبُ عَلَيْكَ إِذَا وَجَدْتَ مَنْ تَدْعُوهُ مُسْلِمًا: أَنْ تَجْعَلَ التَّشَيُّعَ عِنْدَهُ دِينَكَ وَشِعَارَكَ، وَاجْعَلِ الْمَدْخَلَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ ظُلْمِ السَّلَفِ وَقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ (¬2) وَسَبْيِهِمْ نِسَاءَهُ (¬3) وَذُرِّيَّتِهِ وَالتَّبَرِّي مِنْ تَيْمٍ وَعَدِيٍّ وَمَنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، وَأَنْ تَكُونَ قَائِلًا بِالتَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ وَالْبَدْءِ وَالتَّنَاسُخِ وَالرَّجْعَةِ وَالْغُلُوِّ، وَأَنَّ عَلِيًّا (¬4) إِلَهٌ يَعْلَمُ الْغَيْبَ مُفَوَّضٌ (¬5) إِلَيْهِ خَلْقُ الْعَالَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَعَاجِيبِ الشِّيعَةِ (¬6) وَجَهْلِهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلَى إِجَابَتِكَ بِهَذَا النَّامُوسِ حَتَّى تَتَمَكَّنَ (¬7) مِنْهُمْ مِمَّا (¬8) تَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَنْتَ وَمَنْ بَعْدَكَ، مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَتُرَقِّيَهِمْ إِلَى حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ حَالًا فَحَالًا، وَلَا تَجْعَلَ كَمَا جَعَلَ الْمَسِيحُ نَامُوسَهُ فِي زُورِ (¬9) مُوسَى الْقَوْلُ بِالتَّوْرَاةِ وَحِفْظُ السَّبْتِ، ثُمَّ عَجِلَ وَخَرَجَ عَنِ الْحَدِّ، وَكَانَ لَهُ مَا كَانَ يَعْنِي مِنْ قَتْلِهِمْ لَهُ بَعْدَ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَرَدِّهِمْ عَلَيْهِ وَتَفَرُّقِهِمْ عَنْهُ فَإِذَا آنَسْتَ مِنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ عِنْدَ الدَّعْوَةِ إِجَابَةً وَرُشْدًا أَوْقَفْتَهُ عَلَى مَثَالِبِ عَلِيٍّ وَوَلَدِهِ، وَعَرَّفْتَهُ حَقِيقَةَ الْحَقَّ لِمَنْ هُوَ وَفِيمَنْ هُوَ وَبَاطِلُ بُطْلَانِ (¬10) كُلُّ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ ¬

(¬1) ب: بِسَائِرِ (¬2) م: الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬3) ن: لِنِسَائِهِ، م لِبَنَاتِهِ (¬4) إِلَهٌ: فِي (ن) فَقَطْ. (¬5) م: إِنَّهُ مُفَوَّضٌ. . (¬6) م: مِنَ الْأَعَاجِيبِ الشِّيعَةِ. . (¬7) ب: تَمَكَّنَ. (¬8) س، ب: مَا (¬9) م: وَزُورِ. (¬10)) م: وَبُطْلَانُ

مِنَ الرُّسُلِ، وَمَنْ وَجَدْتَهُ صَابِئًا فَأَدْخِلْهُ مَدَاخِلَهُ بِالْأَشَانِيعِ (¬1) وَتَعْظِيمِ الْكَوَاكِبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ دِينُنَا وَجُلُّ مَذْهَبِنَا فِي أَوَّلِ أَمْرِنَا، وَأَمْرِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْأَشَانِيعِ يَقْرُبُ عَلَيْكَ أَمْرُهُ جِدًّا وَمَنْ وَجَدْتَهُ مَجُوسِيًّا اتَّفَقْتَ مَعَهُ فِي الْأَصْلِ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ تَعْظِيمِ النَّارِ وَالنُّورِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ السَّابِقِ (¬2) ، وَأَنَّهُ نَهْرٌ مِنَ الَّذِي (¬3) يَعَرِفُونَهُ، وَثَالِثُهُ الْمَكْنُونُ مَنْ ظَنِّهِ (¬4) الْجَيِّدِ وَالظُّلْمَةُ الْمَكْتُوبَةُ فَإِنَّهُمْ مَعَ الصَّابِئِينَ أَقْرَبُ الْأُمَمِ إِلَيْنَا، وَأَوْلَاهُمْ بِنَا لَوْلَا يَسِيرٌ صَحَّفُوهُ بَجَهْلِهِمْ بِهِ "، قَالُوا: " وَإِنْ ظَفِرْتَ بِيَهُودِيٍّ فَادْخُلْ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ انْتِظَارِ الْمَسِيحِ، وَأَنَّهُ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ الْمُسْلِمُونَ بِعَيْنِهِ، وَعَظِّمِ السَّبْتَ عِنْدَهُمْ وَتَقَرَّبْ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُ مِثْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَمْثُولٍ، وَأَنَّ مَمْثُولَهُ (¬5) يَدُلُّ عَلَى السَّابِعِ الْمُنْتَظَرِ يَعْنُونَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَأَنَّهُ دَوْرُهُ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ وَهُوَ الْمَهْدِيُّ وَعِنْدَ مَعْرِفَتِهِ تَكُونُ (¬6) الرَّاحَةُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَتَرْكُ التَّكْلِيفَاتِ كَمَا أَمَرُوا بِالرَّاحَةِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَأَنَّ رَاحَةَ السَّبْتِ هُوَ دَلَالَةٌ عَلَى الرَّاحَةِ مِنَ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَاتِ فِي دَوْرِ السَّابِعِ الْمُنْتَظَرِ، وَتَقَرَّبْ مِنْ قُلُوبِهِمْ بِالطَّعْنِ عَلَى النَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ الْجُهَّالِ الْحَيَارَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ¬

(¬1) ن، س، ب: فَدَاخِلْهُ بِالْأَشَانِيعِ. (¬2) م: مِنَ السَّابِقِ. (¬3) م: نَمْتَرُ مِنَ الَّذِينَ. . . وَالْعِبَارَةُ فِي كُلِّ النُّسَخِ غَيْرُ وَاضِحَةٍ. (¬4) س، ب طَبِّهِ. وَالْكَلَامُ مُحَرَّفٌ وَغَيْرُ وَاضِحٍ فِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَالَّتِي قَبْلَهَا. (¬5) م: وَأَنَّهُ مَمْثُولٌ. . (¬6) ن، س، ب: وَعِنْدَهُ مَعْرِفَتُهُ بِكَوْنِ. . .

لَمْ يُولَدْ وَلَا أَبَّ لَهُ، وَقَوِّ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّ يُوسُفَ النَّجَّارَ أَبُوهُ وَأَنَّ مَرْيَمَ أُمُّهُ، وَأَنَّ يُوسُفَ النَّجَّارَ كَانَ يَنَالُ مِنْهَا مَا يَنَالُ الرِّجَالُ مِنَ النِّسَاءِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَلْبَثُوا أَنْ يَتَّبِعُوكَ ". قَالَ: " وَإِنْ وَجَدْتَ الْمُدَّعَى نَصْرَانِيًّا فَادْخُلْ عَلَيْهِ بِالطَّعْنِ عَلَى الْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، وَصِحَّةِ قَوْلِهِمْ فِي الثَّالُوثِ، وَأَنَّ الْأَبَ وَالِابْنَ وَرُوحَ الْقُدُسِ صَحِيحٌ وَعَظِّمِ الصَّلِيبَ عِنْدَهُمْ، وَعَرِّفْهُمْ تَأْوِيلَهُ. وَإِنْ وَجَدْتَهُ مَثَانِيًّا، فَإِنَّ الْمَثَانِيَّةَ (¬1) تُحَرِّكُ الَّذِي مِنْهُ يَعْتَرِفُ، فَدَاخِلْهُمْ بِالْمُمَازَجَةِ (¬2) فِي الْبَابِ السَّادِسِ فِي الدَّرَجَةِ السَّادِسَةِ مِنْ حُدُودِ الْبَلَاغِ الَّتِي يَصِفُهَا (¬3) مِنْ بَعْدُ، وَامْتَزِجْ بِالنُّورِ وَبِالظَّلَامِ (¬4) ، فَإِنَّكَ تَمْلِكُهُمْ بِذَلِكَ، وَإِذَا آنَسْتَ مِنْ بَعْضِهِمْ رُشْدًا فَاكْشِفْ لَهُ الْغِطَاءَ. وَمَتَى وَقَعَ إِلَيْكَ فَيْلَسُوفٌ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ هُمُ الْعُمَدَةُ لَنَا، وَقَدْ أَجْمَعْنَا [نَحْنُ] (¬5) ، وَهُمْ عَلَى إِبْطَالِ نَوَامِيسِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ لَوْلَا مَا يُخَالِفُنَا بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ لِلْعَالَمِ مُدَبِّرًا لَا يَعْرِفُونَهُ، فَإِنْ (¬6) وَقَعَ الِاتِّفَاقُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا مُدَبِّرَ لِلْعَالَمِ فَقَدْ زَالَتِ الشُّبْهَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. وَإِذَا وَقَعَ لَكَ ثِنْوِيٌّ مِنْهُمْ فَبَخٍ بَخٍ، قَدْ ظَفِرَتْ يَدَاكَ (¬7) بِمَنْ يَقِلُّ مَعَهُ تَعَبُكَ وَالْمَدْخَلُ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ التَّوْحِيدِ، وَالْقَوْلِ بِالسَّابِقِ وَالتَّالِي وَرَتِّبْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مَرْسُومٌ لَكَ فِي أَوَّلِ دَرَجَةِ الْبَلَاغِ وَثَانِيهِ وَثَالِثِهِ. ¬

(¬1) ن، س، ب: مُتَبَايِنًا فَإِنَّ الْمُبَايَنَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) ن، س، ب: الْمُمَازَحَةِ. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) . (¬3) ن، م: الَّذِي نَصِعُهَا (الْكَلِمَةُ الْأَخِيرَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) س: الَّذِي نَصِفُهَا. (¬4) م: وَامْتَزِجِ النُّورَ بِالظَّلَامِ. (¬5) نَحْنُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ (¬6) ن، س: فَإِنَّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬7) ن: بِذَلِكَ، م: بِذَلِكَ

وَسَنَصِفُ لَكَ عَنْهُمْ مِنْ بَعْدُ، وَاتَّخِذْ غَلِيظَ الْعُهُودِ، وَتَوْكِيدَ الْأَيْمَانِ وَشِدَّةَ الْمَوَاثِيقِ جُنَّةً لَكَ وَحِصْنًا، وَلَا تَهْجِمْ عَلَى مُسْتَجِيبِكَ بِالْأَشْيَاءِ (¬1) الْكِبَارِ الَّتِي يَسْتَبْشِعُونَهَا حَتَّى تُرَقِّيَهُمْ إِلَى أَعْلَى الْمَرَاتِبِ: حَالًا فَحَالَا، وَتُدَرِّجَهُمْ دَرَجَةً دَرَجَةً عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ مِنْ بَعْدُ، وَقِفْ بِكُلِّ فَرِيقٍ حَيْثُ احْتِمَالُهُمْ، فَوَاحِدٌ لَا تَزِيدُهُ عَلَى التَّشَيُّعِ وَالِائْتِمَامِ بِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَنَّهُ حَيٌّ، لَا تُجَاوِزُ بِهِ هَذَا الْحَدَّ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يَكْثُرُ بِهِ وَبِمَوْضِعِ اسْمِهِ وَأَظْهِرْ لَهُ الْعَفَافَ عَنِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، وَخَفِّفْ عَلَيْهِ وَطْأَتَكَ مَرَّةً بِصَلَاةِ (¬2) السَّبْعِينَ، وَحَذِّرْهُ الْكَذِبَ وَالزِّنَا وَاللُّوَاطَ وَشُرْبَ النَّبِيذِ، وَعَلَيْكَ فِي أَمْرِهِ بِالرِّفْقِ وَالْمُدَارَاةِ لَهُ وَالتَّوَدُّدِ وَتَصَبَّرْ لَهُ إِنْ كَانَ هَوَاهُ مُتَّبِعًا لَكَ تَحْظَ (¬3) عِنْدَهُ، وَيَكُونُ لَكَ عَوْنًا عَلَى دَهْرِكَ، وَعَلَى مَنْ لَعَلَّهُ يُعَادِيكَ (¬4) مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَلَا تَأْمَنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَلَيْكَ بَعْضُ أَصْحَابِكَ وَلَا تُخْرِجْهُ (¬5) عَنْ عِبَادَةِ إِلَهِهِ، وَالتَّدَيُّنِ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَوْلِ بِإِمَامَةِ عَلِيٍّ وَبَنِيهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَقِمْ لَهُ دَلَائِلِ الْأَسَابِيعِ فَقَطْ وَدُقَّهُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ دَقًّا وَشِدَّةِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّكَ يَوْمَئِذٍ إِنْ أَوْمَأْتَ إِلَى كَرِيمَتِهِ (¬6) فَضْلًا عَنْ مَالِهِ لَمْ يَمْنَعْكَ، وَإِنْ أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ فَوَّضَ إِلَيْكَ مَا خَلَّفَهُ، وَوَرَّثَكَ إِيَّاهُ وَلَمْ يَرَ فِي الْعَالَمِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْكَ، وَآخَرُ تُرَقِّيهِ إِلَى نَسْخِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ السَّابِعَ هُوَ الْخَاتَمُ لِلرُّسُلِ، وَأَنَّهُ يَنْطِقُ كَمَا يَنْطِقُونَ وَيَأْتِي بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَاحِبُ ¬

(¬1) س: بِالِاسْتِنَا، ب: بِالْاسْتِنَادَاتِ (¬2) م: مِنْ صَلَاةِ. . (¬3) س: بِخَطٍ. (¬4) ن، م: يُعَانِدُكَ. (¬5) ن، م، س: وَلَا تُخْرِجْهُمْ. (¬6) ن، م، س: إِلَى كَرِيمِهِ.

الدَّوْرِ السَّادِسِ وَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ إِمَامًا، وَإِنَّمَا كَانَ سَوْسًا (¬1) لِمُحَمَّدٍ وَحَسِّنِ الْقَوْلَ فِيهِ وَإِلَّا سِيَاسِيَّةً (¬2) ، فَإِنَّ هَذَا بَابٌ كَبِيرٌ، وَعَمَلٌ عَظِيمٌ مِنْهُ تَرْقَى إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَأَكْبَرُ مِنْهُ وَيُعِينُكَ عَلَى زَوَالِ مَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلَكَ، مِنْ وُجُوبِ زَوَالِ النُّبُوَّاتِ عَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَرْتَفِعَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إِلَّا إِلَى مَنْ تُقَدِّرُ فِيهِ النَّجَابَةَ (¬3) ، وَآخَرُ تُرَقِّيهِ مِنْ هَذَا إِلَى مَعْرِفَةِ الْقُرْآنِ وَمُؤَلِّفِهِ وَسَبَبِهِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِكَثِيرٍ مِمَّنْ يَبْلُغُ مَعَكَ إِلَى هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَتُرَقِّيَهُ إِلَى غَيْرِهَا أَلَّا يَغْلَطُونَ الْمُؤَانَسَةَ وَالْمُدَارَسَةَ، وَاسْتِحْكَامَ الثِّقَةِ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لَكَ عَوْنًا عَلَى تَعْطِيلِ النُّبُوَّاتِ، وَالْكُتُبِ الَّتِي يَدَّعُونَهَا مُنَزَّلَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَآخَرُ تُرَقِّيهِ إِلَى إِعْلَامِهِ أَنَّ الْقَائِمَ قَدْ مَاتَ، وَأَنَّهُ يَقُومُ رُوحَانِيًّا، وَأَنَّ الْخَلْقَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ بِصُورَةٍ رُوحَانِيَّةٍ تَفْصِلُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْتَصْفِي (¬4) الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِصُوَرٍ رُوحَانِيَّةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَيْضًا عَوْنًا لَكَ عِنْدَ إِبْلَاغِهِ إِلَى إِبْطَالِ الْمَعَادِ الَّذِي يَزْعُمُونَهُ وَالنُّشُورِ مِنَ الْقَبْرِ. وَآخَرُ تُرَقِّيهِ مِنْ هَذَا إِلَى إِبْطَالِ أَمْرِ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ وَالْجِنِّ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ آدَمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَتُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلَ الْمَرْسُومَةَ فِي كُتُبِنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعِينُكَ وَقْتَ بَلَاغِهِ عَلَى تَسْهِيلِ التَّعْطِيلِ لِلْوَحْيِ (¬5) وَالْإِرْسَالِ إِلَى الْبِشْرِ بِمَلَائِكَةٍ، وَالرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ (¬6) ، وَالْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. ¬

(¬1) ب: سَوَّاسًا (¬2) ب: وَالْأَسَاسِيَّةُ (¬3) م: النَّجَاةَ (¬4) ن، م، س: وَيَسْتَفِي (¬5) س، ب: وَالْوَحْيِ. (¬6) م: الْجِنِّ.

وَآخَرُ تُرَقِّيهِ إِلَى أَوَائِلِ دَرَجَةِ التَّوْحِيدِ، وَتُدْخِلُ عَلَيْهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُهُمُ الْمُتَرْجَمُ بِكِتَابِ " الدَّرْسِ الشَّافِي لِلنَّفْسِ " مِنْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ وَلَا صِفَةَ وَلَا مَوْصُوفَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُعِينُكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِلَهِيَّةِ لِمُسْتَحَقِّهَا عِنْدَ الْبَلَاغِ ". وَإِلَى ذَلِكَ يُعْنُونَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ دَاعٍ مِنْهُمْ يَتَرَقَّى دَرَجَةً دَرَجَةً إِلَى أَنْ يَصِيرَ إِمَامًا نَاطِقًا، ثُمَّ يَنْقَلِبُ إِلَهًا رُوحَانِيًّا عَلَى مَا سَنَشْرَحُ قَوْلَهُمْ فِيهِ مِنْ بَعْدُ. قَالُوا: " وَمَنْ بَلَّغْتَهُ إِلَى هَذَا الْمَنْزِلَةِ فَعَرِّفْهُ (¬1) حَسَبَ مَا عَرَّفْنَاكَ مِنْ حَقِيقَةِ أَمْرِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَأَبَاهُ مُحَمَّدًا (¬2) كَانَا مِنْ نُوَّابِهِ، فَفِي ذَلِكَ (¬3) عَوْنٌ لَكَ عَلَى إِبْطَالِ إِمَامَةِ عَلِيٍّ وَوَلَدِهِ عِنْدَ الْبَلَاغِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الْقَوْلِ بِالْحَقِّ "، ثُمَّ لَا يَزَالُ كَذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى عَلَى تَدْرِيجٍ يَصِفُهُ عَنْهُمْ فِيمَا بَعْدُ. قَالَ الْقَاضِي: " فَهَذِهِ وَصَّيْتُهُمْ جَمِيعًا لِلدَّاعِي إِلَى مَذَاهِبِهِمْ وَفِيهَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ لِكُلِّ عَاقِلٍ عَلَى كُفْرِ الْقَوْمِ وَإِلْحَادِهِمْ، وَتَصْرِيحِهِمْ بِإِبْطَالِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَمُحْدِثِهِ وَتَكْذِيبِ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجَحْدِ الْمَعَادِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِجَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا يَتَمَخْرَقُونَ بِذِكْرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي، وَالنَّاطِقِ وَالْأَسَاسِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَخْدَعُونَ بِهِ الضُّعَفَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَجَابَ لَهُمْ مُسْتَجِيبٌ أَخَذُوهُ بِالْقَوْلِ بِالدَّهْرِ وَالتَّعْطِيلِ (¬4) . ¬

(¬1) ن، س، ب: تَعْرِفُهُ. (¬2) م: وَأَبَا مُحَمَّدٍ. (¬3) س، ب: وَفِي ذَلِكَ (¬4) (4) م: بِالدَّهْرِ سَوَا التَّعْطِيلِ

وَسَأَصِفُ مِنْ بَعْدُ مِنْ عَظِيمِ سَبِّهِمْ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَتَجْرِيدِهِمُ الْقَوْلَ بِالِاتِّحَادِ، (¬1) وَأَنَّهُ نِهَايَةُ دَعْوَتِهِمْ مَا يَعْلَمُ بِهِ كُلُّ قَارٍّ لَهُ عَظِيمُ (¬2) كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ لِلدِّينِ. قُلْتُ: وَهَذَا بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْمَلَاحِدَةَ مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَالْغُلَاةِ النُّصَيْرِيَّةِ وَغَيْرِ النُّصَيْرِيَّةِ إِنَّمَا يُظْهِرُونَ التَّشَيُّعَ، وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ أَكْفَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّشَيُّعَ دِهْلِيزُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ. وَالصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الْإِمَامُ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، وَهَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ، فَالصِّدِّيقُ وَحِزْبُهُ هُمْ أَعْدَاؤُهُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الصُّحْبَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] صُحْبَةُ مُوَالَاةٍ لِلْمَصْحُوبِ (¬3) وَمُتَابَعَةٍ لَهُ (¬4) لَا صُحْبَةُ نِفَاقٍ (¬5) كَصُحْبَةِ الْمُسَافِرِ لِلْمُسَافِرِ، وَهِيَ مِنَ الصُّحْبَةِ الَّتِي يَقْصِدُهَا الصَّاحِبُ لِمَحَبَّةِ الْمَصْحُوبِ كَمَا هُوَ (¬6) مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْخَلَائِقِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِمَا تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْأُمُورِ الْكَثِيرَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ فِي الْغَايَةِ مِنْ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَالَاتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ أَعْظَمُ مِمَّا يَعْلَمُونَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُسْلِمًا، وَأَنَّهُ كَانَ ابْنُ عَمِّهِ. وَقَوْلُهُ: " {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " لَمْ يَكُنْ لِمُجَرَّدِ الصُّحْبَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ¬

(¬1) م: وَتَحْرِيفِهِمُ الْقَوْلَ بِالْإِلْحَادِ. (¬2) س: كُلٌّ مَنْ قَارَلَهُ عَظِيمُ. .، ب: كُلٌّ مَنْ قَارَنَ عَظِيمَ. . (¬3) م: مُوَالَاةِ الْمَصْحُوبِ (¬4) س، ب: وَمُبَايَعَةٍ لَهُ. (¬5) ن، م: إِنْفَاقٍ (¬6) ن، م، س: كَمَا هَذَا

مُتَابَعَةٌ (¬1) ، فَإِنَّ هَذِهِ تَحْصُلُ لِلْكَافِرِ إِذَا صَحِبَ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ اللَّهُ مَعَهُ، بَلْ إِنَّمَا كَانَتِ الْمَعِيَّةُ لِلْمُوَافَقَةِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْمُوَالَاةِ لَهُ وَالْمُتَابَعَةِ. وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِلرَّسُولِ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ بِحَسَبِ هَذَا الِاتِّبَاعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 64] أَيْ: حَسْبُكَ وَحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ، فَكُلُّ مَنِ اتَّبَعَ الرَّسُولَ مِنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ حَسْبُهُ (¬2) ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنُ اللَّهِ مَعَهُ. وَالْكِفَايَةُ الْمُطْلَقَةُ مَعَ الِاتِّبَاعِ الْمُطْلَقِ، وَالنَّاقِصَةُ مَعَ النَّاقِصِ (¬3) ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَنْ يُعَادِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَاللَّهُ حَسْبُهُ، وَهُوَ مَعَهُ وَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، فَإِنَّ هَذَا قَلْبُهُ مُوَافِقٌ لِلرَّسُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِبَهُ بِبَدَنِهِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْقَلْبُ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ " قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: " وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» " (¬4) . ¬

(¬1) س، ب: مُبَايَعَةٌ (¬2) ب: فَإِنَّهُ حَسْبُهُ. (¬3) ن: وَالنَّاقِضُ مَعَ النَّاقِصِ، س: وَالنَّاقِصُ مَعَ النَّاقِصِ. وَالْكَلِمَتَانِ غَيْرُ مَنْقُوطَتَيْنِ فِي (م) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/26 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/17 - 18 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنَ الْعُذْرِ) سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/923 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْجِهَادِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/103، 160، 300، 341. وَجَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 3/518 (كِتَابُ الْإِمَارَةِ، بَابُ ثَوَابِ مَنْ حَبَسَهُ عَنِ الْغَزْوِ مَرَضٌ أَوْ عُذْرٌ آخَرُ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ (فِي الْمَوْضِعِ السَّابِقِ) .

فصل قول الرافضي إن إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده يعني نقصه والرد عليه

فَهَؤُلَاءِ بِقُلُوبِهِمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْغُزَاةِ، فَلَهُمْ مَعْنَى صُحْبَتِهِ فِي الْغَزَاةِ، فَاللَّهُ مَعَهُمْ بِحَسَبِ تِلْكَ الصُّحْبَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. وَلَوِ انْفَرَدَ الرَّجُلُ [فِي] (¬1) بَعْضِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ بِحَقٍّ جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَمْ تَنْصُرْهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَهُ، وَلَهُ نَصِيبٌ (¬2) مِنْ قَوْلِهِ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] ، فَإِنَّ نَصْرَ الرَّسُولِ هُوَ نَصْرُ دِينِهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ حَيْثُ كَانَ، وَمَتَى كَانَ، وَمَنْ وَافَقَهُ فَهُوَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى، فَإِذَا قَامَ بِهِ ذَلِكَ الصَّاحِبُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَمَعَ ذَلِكَ الْقَائِمِ بِهِ. وَهَذَا الْمُتَّبِعُ لَهُ حَسْبُهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَسْبُ الرَّسُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 64] . [فصل قول الرافضي إن إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده يعني نقصه والرد عليه] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: " إِنَّ الْقُرْآنَ حَيْثُ ذَكَرَ إِنْزَالَ السَّكِينَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَكَ مَعَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ، وَلَا نَقْصَ أَعْظَمَ مِنْهُ ". ¬

(¬1) فِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . (¬2) ن، م: وَلَهُ عَبْرُهُ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) وَفِي (س) بَيَاضٌ مَكَانَ كَلِمَةِ (عَبْرُهُ) .

فَالْجَوَابُ: أَوَّلًا (¬1) : أَنَّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ (¬2) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إِلَّا فِي قِصَّةِ حُنَيْنٍ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ - ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 25، 26] فَذَكَرَ إِنْزَالَ السَّكِينَةِ عَلَى الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَوَلِّيَتَهُمْ (¬3) مُدْبِرِينَ. وَقَدْ ذَكَرَ إِنْزَالَ السَّكِينَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ مَعَهُمُ الرَّسُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 4] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 18] . وَيُقَالُ: ثَانِيًا: النَّاسُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْمَذْكُورِينَ وَلِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى إِنْزَالِ السَّكِينَةِ (¬4) ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَنْزَلَهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. ¬

(¬1) أَوَّلًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ن، س: يُوهِمُ أَنَّ، م: وَهُمْ أَنَّ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) (¬3) م. ثُمَّ أَنْ ذَكَرَ تَوَلَّيْتُمْ. (¬4) عِبَارَةُ " فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ (¬1) لِكَمَالِ طُمَأْنِينَتِهِ بِخِلَافِ إِنْزَالِهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا لِانْهِزَامِ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَإِقْبَالِ الْعَدُوِّ نَحْوَهُ (¬2) وَسَوْقِهِ بِبَغْلَتِهِ إِلَى الْعَدُوِّ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا عَادَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] ; وَلِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ كَانَ فِي ذِكْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ صَاحِبِهِ ضِمْنًا وَتَبَعًا. لَكِنْ يُقَالُ: عَلَى هَذَا لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِهِ (¬3) : {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمَتْبُوعُ الْمُطَاعُ، وَأَبُو بَكْرٍ تَابِعٌ مُطِيعٌ، وَهُوَ صَاحِبُهُ وَاللَّهُ مَعَهُمَا، فَإِذَا حَصَلَ (¬4) لِلْمَتْبُوعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ سَكِينَةٌ وَتَأْيِيدٌ كَانَ ذَلِكَ لِلتَّابِعِ أَيْضًا بِحُكْمِ الْحَالِ فَإِنَّهُ صَاحِبٌ تَابِعٌ لَازِمٌ، وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُذْكَرَ هَنَا أَبُو بَكْرٍ لِكَمَالِ الْمُلَازِمَةِ وَالْمُصَاحِبَةِ الَّتِي تُوجِبُ مُشَارَكَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّأْيِيدِ. بِخِلَافِ حَالِ الْمُنْهَزِمِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى نُزُولِ السَّكِينَةِ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ بِانْهِزَامِهِمْ فَارَقُوا الرَّسُولَ، وَلِكَوْنِهِمْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ مِنَ الصُّحْبَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْمُلَازَمَةِ مَا ثَبَتَ لِأَبِي بَكْرٍ. ¬

(¬1) الْحَالُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) م: وَقِتَالِ الْعَدُوِّ بِحَدِّهِ (¬3) ن، م، س: لَمَّا قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ. (¬4) ن، م: فَإِذَا يَحْصُلُ.

وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا وَصَفَهُ بِالصَّحْبِهِ الْمُطْلَقَةِ الْكَامِلَةِ، وَوَصَفَهَا فِي أَحَقِّ (¬1) الْأَحْوَالِ أَنْ يُفَارِقَ الصَّاحِبُ فِيهَا صَاحِبَهُ، وَهُوَ حَالُ شِدَّةِ الْخَوْفِ، كَانَ هَذَا دَلِيلًا بِطَرِيقِ الْفَحْوَى عَلَى أَنَّهُ صَاحِبُهُ وَقْتَ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ صَاحِبُهُ فِي حَالِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ، فَلَأَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ فِي حَالِ حُصُولِ (¬2) النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَلَمْ يَحْتَجْ أَنَّ يَذْكُرَ صُحْبَتَهُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ وَالْحَالِ عَلَيْهَا. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ صَاحِبُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ عُلِمَ أَنَّ مَا حَصَلَ لِلرَّسُولِ مِنْ إِنْزَالِ السَّكِينَةِ وَالتَّأْيِيدِ بِإِنْزَالِ الْجُنُودِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا النَّاسُ لِصَاحِبِهِ الْمَذْكُورِ فِيهَا أَعْظَمُ مِمَّا لِسَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ بَيَانِهِ. وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 62] (¬3) ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ (¬4) [فِي قَوْلِهِ: (أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ] (¬5) إِنْ عَادَ إِلَى اللَّهِ، فَإِرْضَاؤُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِرْضَاءِ الرَّسُولِ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الرَّسُولِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ (* إِرْضَاؤُهُ إِلَّا بِإِرْضَاءِ اللَّهِ، فَلَمَّا كَانَ إِرْضَاؤُهُمَا لَا يَحْصُلُ أَحَدُهُمَا إِلَّا مَعَ الْآخَرِ، وَهُمَا يَحْصُلَانِ بِشَيْءٍ *) (¬6) وَاحِدٍ، وَالْمَقْصُودُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ إِرْضَاءُ اللَّهِ وَإِرْضَاءُ الرَّسُولِ تَابِعٌ، وَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ، وَكَذَلِكَ وَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} ; لِأَنَّ نُزُولَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ مُشَارَكَةَ الْآخَرِ لَهُ، إِذْ مُحَالٌ ¬

(¬1) ن، س: فِي حَقِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (¬2) س، ب: حُضُورِ (¬3) م:. . أَنْ تُرْضُوهُ (¬4) (4 - 4) : زِيَادَةٌ فِي (م) (¬5) زِيَادَةٌ فِي (م) (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

أَنْ يَنْزِلَ (¬1) ذَلِكَ عَلَى الصَّاحِبِ دُونَ الْمَصْحُوبِ، أَوْ عَلَى الْمَصْحُوبِ دُونَ الصَّاحِبِ الْمُلَازِمِ (¬2) ، فَلَمَّا كَانَ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا مَعَ الْآخَرِ وَحَّدَ الضَّمِيرَ، وَأَعَادَهُ إِلَى الرَّسُولِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالصَّاحِبُ تَابِعٌ لَهُ. وَلَوْ قِيلَ: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمَا وَأَيَّدَهُمَا، لَأَوْهَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ شَرِيكٌ فِي النُّبُوَّةِ، كَهَارُونَ مَعَ مُوسَى حَيْثُ قَالَ: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} الْآيَةَ [سُورَةُ الْقَصَصِ: 35] ، وَقَالَ: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ - وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ - وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ - وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ - وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 114 - 118] ، فَذَكَرَهُمَا أَوَّلًا وَقَوْمَهُمَا فِيمَا يُشْرِكُونَهُمَا (¬3) فِيهِ. كَمَا قَالَ: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 26] إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي حُصُولَ النَّجَاةِ وَالنَّصْرِ لِقَوْمِهِمَا إِذَا نُصِرَا وَنُجِّيَا، ثُمَّ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمَا ذَكَرَهُمَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ إِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي النُّبُوَّةِ لَمْ يُفْرِدْ مُوسَى كَمَا أَفْرَدَ الرَّبُّ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 62] ، وَقَوْلِهِ: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 24] . فَلَوْ قِيلَ: أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِمَا وَأَيَّدَهُمَا لَأَوْهَمَ الشَّرِكَةَ، بَلْ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَى الرَّسُولِ الْمَتْبُوعِ، وَتَأْيِيدُهُ تَأْيِيدٌ لِصَاحِبِهِ التَّابِعِ لَهُ الْمُلَازِمِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ. ¬

(¬1) م: أَوْ مُحَالٌ أَنْ يَقُولَ. . . (¬2) ن، م، س اللَّازِمِ. (¬3) م: يُشْرِكُوهُمَا، ب: يُشَارِكُونَهُمَا

فصل كلام الرافضي على قوله تعالى وسيجنبها الأتقى والرد عليه

وَلِهَذَا لَمْ يُنْصَرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ (¬1) فِي مَوْطِنٍ إِلَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْظَمَ الْمَنْصُورِينَ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَعْظَمُ يَقِينًا وَثَبَاتًا فِي الْمَخَاوِفِ مِنْهُ، وَلِهَذَا قِيلَ: لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَ. كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَاسْتَاءَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» " (¬2) . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: مَا سَبَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ. [فصل كلام الرافضي على قوله تعالى وسيجنبها الأتقى والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ: " وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17] ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَبُو الدَّحْدَاحِ حَيْثُ اشْتَرَى نَخْلَةً لِشَخْصٍ لِأَجْلِ جَارِهِ، وَقَدْ عَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ¬

(¬1) قَطُّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/490.

صَاحِبِ النَّخْلَةِ نَخْلَةً (¬1) فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَاشْتَرَاهَا بِبُسْتَانٍ لَهُ وَوَهَبَهَا الْجَارَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بُسْتَانًا عِوَضَهَا فِي الْجَنَّةِ ". وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مُخْتَصَّةً بِأَبِي الدَّحْدَاحِ دُونَ أَبِي بَكْرٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَأَسْبَابِ نُزُولِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ (¬2) السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَقِصَّةُ أَبِي الدَّحْدَاحِ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالْأَنْصَارُ إِنَّمَا صَحِبُوهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ تَكُنِ الْبَسَاتِينُ وَهِيَ الْحَدَائِقُ الَّتِي تُسَمَّى بِالْحِيطَانِ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ فَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ لَمْ تَنْزِلْ إِلَّا بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ (¬3) ، بَلْ إِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، فَمَعْنَاهُ ¬

(¬1) نَخْلَةً: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (¬2) س، ب: نُزُولِهِ، وَهَذِهِ. (¬3) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ (الْإِصَابَةُ 4/59 - 60) " أَبُو الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيُّ حَلِيفٌ لَهُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَلَا نَسَبِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ حَلِيفٌ لَهُمْ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: أَبُو الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيُّ وَلَمْ يَزِدْ: وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اعْطِهْ إِيَّاهَا بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ " فَأَبَى. قَالَ: فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ، فَقَالَ لَهُ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي. قَالَ فَفَعَلَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي فَاجْعَلْهَا لَهُ فَقَدَ أَعَطَيْتُكَهَا. فَقَالَ: " كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَّاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ " قَالَهَا مِرَارًا. . إِلَخْ. . ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: " وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَمَّا نَزَلَتْ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) فَقَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهُ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: " نَعَمْ " الْحَدِيثَ، وَفِيهِ ذَكَرَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ.

أَنَّهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْآيَةِ وَمِمَّنْ شَمِلَهُ حُكْمُهَا وَعُمُومُهَا، فَإِنَّ كَثِيرًا مَا يَقُولُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا " وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَتَنَاوَلَتْهُ، وَأُرِيدَ بِهَا هَذَا الْحُكْمُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ قَدْ تَنْزِلُ (¬1) الْآيَةُ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ وَمَرَّةً لِهَذَا السَّبَبِ. فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يُمْكِنُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي قِصَّةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ، (¬2) وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ أَبُو الدَّاحْدَاحِ (¬3) ، وَقَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ (¬4) . وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ (¬5) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالثَّعْلَبِيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (¬6) . وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ سَبْعَةً كُلُّهُمْ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ: بِلَالًا وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ وَالنَّهْدِيَّةَ، ¬

(¬1) م: قَدْ نَزَلَتْ (¬2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) انْظُرْ: تَفْسِيرُ الطَّبَرَيِّ (ط. بُولَاقَ) 30 - 146. (¬5) ب: ذَكَرَ. (¬6) انْظُرْ: الدُّرَّ الْمَنْثُورَ 6/359 - 360، تَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ 20/88 - 89.

وَابْنَتَهَا (¬1) وَزُنَيْرَةَ وَأُمَّ عُمَيْسٍ وَأَمَةَ بَنِي الْمُؤَمِّلِ، قَالَ سُفْيَانُ: فَأَمَّا زُنَيْرَةُ فَكَانَتْ رُومِيَّةً، وَكَانَتْ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ عَمِيَتْ، فَقَالُوا: أَعْمَتْهَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى، قَالَتْ: فَهِيَ كَافِرَةٌ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهَا بَصَرَهَا، وَأَمَّا بِلَالُ فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ مَدْفُونٌ فِي الْحِجَارَةِ، فَقَالُوا: لَوْ أَبَيْتَ إِلَّا أُوقِيَّةً لَبِعْنَاكَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ أَبَيْتُمْ إِلَّا مِائَةَ أُوقِيَّةٍ لَأَخَذْتُهُ، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17] إِلَى آخَرِ السُّورَةِ. وَأَسْلَمَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فَأَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} ، وَقَالَ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 13] فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَتْقَى الْأُمَّةِ دَاخِلًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ أَبَا الدَّحْدَاحِ وَنَحْوَهُ أَفْضَلُ وَأَكْرَمُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ، بَلِ الْأُمَّةُ كُلُّهُمْ - سُنِّيُّهُمْ وَغَيْرُ سُنِّيِّهِمْ - مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالَهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي الدَّحْدَاحِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى فِيهِمْ. وَهَذَا الْقَائِلُ قَدِ ادَّعَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي الدَّحْدَاحِ، فَإِذَا كَانَ الْقَائِلُ قَائِلَيْنِ: قَائِلًا يَقُولُ: نَزَلَتْ فِيهِ، وَقَائِلًا يَقُولُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ كَانَ هَذَا الْقَائِلُ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ الْقُرْآنُ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ عُمُومُ الْأَيَّةِ لَهُمَا، فَأَبُو بَكْرٍ أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِيهَا مِنْ أَبِي الدَّحْدَاحِ. ¬

(¬1) س: وَابْنَيْهَا. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (ن) .

وَكَيْفَ (¬1) لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ كَمَالِ أَبِي بَكْرٍ» " (¬2) فَقَدْ نَفَى عَنْ جَمِيعِ [مَالِ] (¬3) الْأُمَّةِ أَنْ يَنْفَعَهُ كَنَفْعِ مَالِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَيْفَ تَكُونُ تِلْكَ الْأَمْوَالُ (¬4) الْمَفْضُولَةُ دَخَلَتْ فِي الْآيَةِ وَالْمَالُ الَّذِي هُوَ أَنْفَعُ الْأَمْوَالِ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا؟ ! . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْأَتْقَى هُوَ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ [يَتَزَكَّى] (¬5) ، وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ أَتْقَاهُمْ، كَانَ هَذَا أَفْضَلُ النَّاسِ وَالْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ أَبُو بَكْرٍ، وَقَوْلُ الشِّيعَةِ عَلِيٌّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْأَتْقَى الَّذِي هُوَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ وَاحِدًا غَيْرَهُمَا، وَلَيْسَ مِنْهُمَا (¬6) وَاحِدٌ يَدْخُلُ فِي الْأَتْقَى، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْأَتْقَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ دَاخِلًا فِي الْآيَةِ وَيَكُونُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ عَلِيٍّ لِأَسْبَابٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 18] وَقَدْ ثَبَتَ فِي النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَنْفَقَ مَالَهُ، وَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ ¬

(¬1) س، ب: فَكَيْفَ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21 (¬3) مَالِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) (¬4) س، ب: الْأُمُورُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬5) يَتَزَكَّى: زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬6) ن، م، س: فِيهِمَا.

وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيَّ [فِي] (¬1) نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ» "، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ " مَرَّتَيْنِ» (¬3) فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ " فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ؟ " (¬5) . وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ " قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) عَلَيَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، فِي " سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ. انْظُرْ 1/512. (¬3) مَرَّتَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى. 5/21.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ " قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (¬1) . فَهَذِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ الصَّرِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إِنْفَاقًا لِمَالِهِ فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُونُهُ لِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَبِي طَالِبٍ لِمَجَاعَةٍ حَصَلَتْ بِمَكَّةَ، وَمَا زَالَ عَلِيٌّ فَقِيرًا حَتَّى تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ وَهُوَ فَقِيرٌ، وَهَذَا مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَكَانَ فِي عِيَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُنْفِقُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنْفَقَهُ لَكِنَّهُ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ لَا مُنْفِقًا. السَّبَبُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 19] وَهَذِهِ لِأَبِي بَكْرٍ دُونَ عَلِيٍّ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ نِعْمَةُ الْإِيمَانِ أَنْ (¬2) هَدَاهُ اللَّهُ بِهِ وَتِلْكَ النِّعْمَةُ (¬3) لَا يُجْزَى بِهَا الْخَلْقُ، بَلْ أَجْرُ الرَّسُولِ فِيهَا عَلَى اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [سُورَةُ ص: 86] ، وَقَالَ: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 47] . وَأَمَّا النِّعْمَةُ الَّتِي يُجْزَى بِهَا الْخَلْقُ فَهِيَ نِعْمَةُ الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ تَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ نِعْمَةُ الدُّنْيَا، بَلْ نِعْمَةُ دِينٍ، بِخِلَافِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ نِعْمَةُ دُنْيَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْزَى. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/52 (¬2) م: إِذْ. (¬3) م: نِعْمَةُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبٌ (¬1) يُوَالِيهِ لِأَجْلِهِ وَيُخْرِجُ مَالَهُ إِلَّا الْإِيمَانُ، وَلَمْ يَنْصُرْهُ كَمَا نَصَرَهُ أَبُو طَالِبٍ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ، وَكَانَ عَمَلُهُ كَامِلًا فِي إِخْلَاصِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 20، 21] . وَكَذَلِكَ خَدِيجَةُ كَانَتْ زَوْجَتَهُ، وَالزَّوْجَةُ قَدْ تُنْفِقُ مَالَهَا عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَلِيٌّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لَكَانَ قَدْ (¬2) أَنْفَقَ عَلَى قَرِيبِهِ، وَهَذِهِ أَسْبَابٌ قَدْ يُضَافُ الْفِعْلُ إِلَيْهَا بِخِلَافِ إِنْفَاقِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ إِلَّا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ فَكَانَ مِنْ أَحَقِّ الْمُتَّقِينَ بِتَحْقِيقِ قَوْلِهِ: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} ، وَقَوْلُهُ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17 - 20] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالْمَعْنَى: لَا يَقْتَصِرُ فِي الْعَطَاءِ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ يُكَافِئُهُ بِذَلِكَ (¬3) ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ لِلنَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْمُبَايَعَةِ وَالْمُؤَاجَرَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ، فَيَكُونُ عَطَاؤُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ نِعْمَةٌ يَحْتَاجُ أَنْ يَجْزِيَهُ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ ¬

(¬1) ن، م، س: عِنْدَهُ سَبَبٌ. . . (¬2) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬3) ن، م: لِذَلِكَ

أَنْ يُعْطِيَهُ مُجَازَاةً عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الَّذِي مَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِذَا أَعْطَى مَالَهُ يَتَزَكَّى فِي مُعَامَلَتِهِ لِلنَّاسِ (¬1) دَائِمًا (¬2) يُكَافِئُهُمْ وَيُعَاوِضُهُمْ وَيُجَازِيهِمْ، فَحِينَ إِعْطَائِهِ مَالَهُ يَتَزَكَّى لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى. وَفِيهِ أَيْضًا مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْفَضْلَ بِالصَّدَقَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ مِنَ الْمُعَاوَضَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 219] فَمَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ مِنْ أَثْمَانٍ وَقَرْضٍ (¬3) وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يُقَدِّمُ الصَّدَقَةَ عَلَى قَضَاءِ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهَلْ تُرَدُّ صَدَقَتُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لِلْفُقَهَاءِ فَهَذِهِ الْآيَةُ يَحْتَجُّ بِهَا مِنْ تُرَدُّ صَدَقَتُهُ (¬4) ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَثْنَى عَلَى مَنْ آتَى مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ نِعْمَةً تُجْزَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْزِيَ بِهَا (¬5) قَبْلَ أَنْ يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، فَإِذَا آتَى مَالَهُ يَتَزَكَّى قَبْلَ أَنْ يَجْزِيَ بِهَا (¬6) لَمْ يَكُنْ مَمْدُوحًا، فَيَكُونُ عَمَلُهُ مَرْدُودًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» " (¬7) . ¬

(¬1) س، ب: فِي مُعَامَلَةِ النَّاسِ. (¬2) م: وَإِنَّمَا. (¬3) ن: إِيمَانٍ وَفَرْضٍ، م، س: إِيمَانٍ وَقَرْضٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) (¬4) (4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬5) م: أَنْ يَجْزِيَهُ بِهَا. (¬6) م: قَبْلَ أَنْ يَجْزِيَهُ بِهَا. (¬7) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 3/184 (كِتَابُ الصُّلْحِ، بَابُ إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ. . .) ، 5/69 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ النَّجَشِ) ، 9/107 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، بَابُ إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ أَوِ الْحَاكِمُ) مُسْلِمٍ 3/1343 - 1344 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ نَقْضِ الْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ وَرَدِّ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/280 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي لُزُومِ السُّنَّةِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/7 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ تَعْظِيمِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّغْلِيظُ عَلَى مَنْ عَارَضَهُ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/146

الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ دَخَلَ فِيهَا مَنْ دَخَلَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَأَبُو بَكْرٍ أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَيَكُونُ هُوَ الْأَتْقَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَيَكُونُ أَفْضَلَهُمْ، وَذَلِكَ (* لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْأَتْقَى بِصِفَاتٍ أَبُو بَكْرٍ أَكْمَلُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ *) (¬1) وَهُوَ قَوْلُهُ: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} وَقَوْلُهُ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 18 - 20] . أَمَّا إِيتَاءُ الْمَالِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ إِنْفَاقَ أَبِي بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ إِنْفَاقِ غَيْرِهِ، وَأَنَّ مُعَاوَنَتَهُ لَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَكْمَلُ مِنْ مُعَاوَنَةِ غَيْرِهِ (¬2) . وَأَمَّا ابْتِغَاءُ النِّعْمَةِ الَّتِي تُجْزَى فَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَطْلُبْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالًا قَطُّ وَلَا حَاجَةً دُنْيَوِيَّةً، وَأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْعِلْمَ لِقَوْلِهِ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي "، فَقَالَ: " قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ: وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512.

إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» " (¬1) . وَلَا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالًا يَخُصُّهُ بِهِ قَطُّ، بَلْ إِنْ حَضَرَ غَنِيمَةً كَانَ كَآحَادِ الْغَانِمِينَ، وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ كُلَّهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْمُنْفِقِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَبَنِي هَاشِمٍ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ مَا لَا يُعْطَى غَيْرَهُمْ، فَقَدْ أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمَطْلَبِ مِنَ الْخُمْسِ مَا لَمْ يُعْطِ (¬2) غَيْرَهُمْ، وَاسْتَعْمَلَ عُمَرَ وَأَعْطَاهُ عَمَالَةً، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا فَكَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ النِّعْمَةِ الَّتِي تُجْزَى وَأَوْلَاهُمْ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي لَا تُجْزَى. وَأَمَّا إِخْلَاصُهُ فِي ابْتِغَاءِ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، فَهُوَ أَكْمَلُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَكْمَلُ مَنْ تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ فِي الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ. كَمَا أَنَّهُ أَكْمَلُ مَنْ تَنَاوَلَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33] . وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/166 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ) 8/72 (كِتَابُ الدَّعَوَاتِ، بَابُ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ) 9/118 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) مُسْلِمٍ 4/2078 (كِتَابُ الذَّكَرِ وَالدُّعَاءِ. . بَابُ اسْتِحْبَابِ خَفْضِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. (¬2) ن، س، ب: مَالَا يُعْطِي. .

فصل كلام الرافضي على قوله تعالى قل للمخلفين من الأعراب والرد عليه

وَقَوْلُهُ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 100] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَدْحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَأَبُو بَكْرٍ أَكْمَلُ الْأُمَّةِ فِي الصِّفَاتِ الَّتِي يَمْدَحُ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَوْلَاهُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا (¬1) وَأَكْمَلُ مَنْ دَخَلَ فِيهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ. [فصل كلام الرافضي على قوله تعالى قل للمخلفين من الأعراب والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬2) : وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] (¬3) فَإِنَّهُ أَرَادَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْحُدَيْبِيَةَ وَالْتَمَسَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى غَنِيمَةِ خَيْبَرَ فَمَنَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 15] ; لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] ، وَقَدْ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزَوَاتٍ كَثِيرَةٍ (¬4) ¬

(¬1) فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) سَبَقَ إِيرَادُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَبْلُ () وَهُوَ فِي (ك) ص 199 (م) - 200 (م) . (¬3) فِي (ك) - كَمَا ذَكَرْتُ مِنْ قَبْلُ: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬4) ك: ثُمَّ قَالَ: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ) (سُورَةُ الْفَتْحِ: 16) يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سَنَدْعُوكُمْ فِيمَا بَعْدُ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَقَدْ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ إِلَى غَزَاةٍ كَثِيرَةٍ. . . إِلَخ وَانْظُرْ مَا سَبَقَ.

كَمُؤْتَةَ وَحُنَيْنٍ وَتَبُوكَ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ الدَّاعِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلِيًّا حَيْثُ قَاتَلَ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ، وَكَانَ رُجُوعُهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ إِسْلَامًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي وَحَرْبُ (¬1) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ» ". فَالْجَوَابُ: أَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ فَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} الْآيَةَ [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 83] قَالُوا: فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ لِهَؤُلَاءِ: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا، فَعُلِمَ أَنَّ الدَّاعِيَ لَهُمْ إِلَى الْقِتَالِ لَيْسَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَلَيْسَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ (¬2) ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ الَّذِينَ دَعَوُا النَّاسَ إِلَى قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمْ، أَوْ يُسْلِمُونَ حَيْثُ قَالَ تُقَاتِلُونَهُمْ، أَوْ يُسْلِمُونَ. وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا الْمَذْكُورِينَ فِي " سُورَةِ الْفَتْحِ " هُمُ الْمُخَاطَبِينَ فِي سُورَةِ " بَرَاءَةَ " وَمِنْ هُنَا صَارَ فِي الْحُجَّةِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الَّذِينَ فِي سُورَةِ " الْفَتْحِ " هُمُ الَّذِينَ دُعُوا زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ لِيَخْرُجُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا ¬

(¬1) ك: حَرْبِي وَسِلْمُكَ سِلْمِي، وَحَرْبُ. . . (¬2) ن، م، س: وَلَيْسَ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ. .

أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى مَكَّةَ وَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَصَالَحَهُمْ عَامَ حِينَئِذٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ (¬1) ، وَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وَسُورَةُ الْفَتْحِ نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 196] ، وَفِيهَا نَزَّلَتْ فِدْيَةُ الْأَذَى فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ (¬2) : {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 196] ، وَلَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ، وَفِيهَا أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدِمَ جَعْفَرٌ وَغَيْرُهُ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، وَلَمْ يُسْهِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ شَهِدَ خَيْبَرَ إِلَّا لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَهْلَ السَّفِينَةِ الَّذِينَ قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرٍ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ (¬3) قَوْلُهُ: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 15] إِلَى قَوْلِهِ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] وَقَدْ دَعَا النَّاسَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ سَنَةَ سَبْعٍ وَدَعَاهُمْ عَقِبَ الْفَتْحِ إِلَى قِتَالِ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ، ثُمَّ حَاصَرَ الطَّائِفَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَتْ هِيَ آخِرَ الْغَزَوَاتِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) م: وَصَالَحَهُمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ (¬2) ن، م، س:. . . بْنُ عَجْرَةَ وَقَوْلُهُ. . (¬3) ن، س: نُزُولُ

وَسَلَّمَ، وَغَزَا تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ: غَزَا فِيهَا النَّصَارَى بِالشَّامِ وَفِيهَا أَنْزَلَ اللَّهُ (¬1) سُورَةَ بَرَاءَةَ، وَذَكَرَ فِيهَا الْمُخَلَّفِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 83] . وَأَمَّا مُؤْتَةُ فَكَانَتْ سَرِيَّةً قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» " (¬2) ، وَكَانَتْ بَعْدَ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَقَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَإِنَّ جَعْفَرًا حَضَرَ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَتَنَازَعَ هُوَ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ قَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءَ امْرَأَةِ جَعْفَرٍ خَالَةِ الْبِنْتِ، وَقَالَ: " «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» " (¬3) ، وَلَمْ يَشْهَدْ زَيْدٌ وَلَا جَعْفَرٌ وَلَا ابْنُ رَوَاحَةَ فَتَحَ مَكَّةَ ; لِأَنَّهُمُ اسْتُشْهِدُوا قَبْلَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْآيَةِ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَّصِفُونَ بِأَنَّهُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَبِأَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ، أَوْ يُسْلِمُونَ قَالُوا: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَعَاهُمْ (¬4) إِلَى قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ وَهَوَازِنَ عُقَيْبَ عَامِ الْفَتْحِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ دُعُوْا إِلَيْهِمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ جِنْسِهِمْ لَيْسَ هُوَ أَشَدَّ بَأْسًا مِنْهُمْ كُلُّهُمْ عَرَبٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَقِتَالُهُمْ مَنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ ¬

(¬1) لَفْظُ الْجَلَالَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي (س) ، (ب) (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/278 (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/34. (¬4) ن، س، ب: أَنْ يَكُونَ دُعَاءُهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) .

حَوْلَهَا كَانُوا أَشَدَّ بَأْسًا وَقِتَالًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحِدٍ وَالْخَنْدَقِ مِنْ أُولَئِكَ وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ السَّرَايَا. فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَقَعُ الدَّعْوَةُ إِلَى قِتَالِهِمْ لَهُمُ اخْتِصَاصٌ بِشِدَّةِ الْبَأْسِ مِمَّنْ دُعُوا إِلَيْهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] ، وَهُنَا صِنْفَانِ: أَحَدُهُمَا: بَنُو الْأَصْفَرِ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى قِتَالِهِمْ عَامَ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ فَإِنَّهُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَهُمْ أَحَقُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَأَوَّلُ قِتَالٍ كَانَ مَعَهُمْ عَامَ مُؤْتَةَ عَامَ ثَمَانٍ قَبْلَ تَبُوكَ فَقُتِلَ فِيهَا أُمَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ زَيْدٌ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ كَالْمُنْهَزِمِينَ. وَلِهَذَا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعُوا: «نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، فَقَالَ: " بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، أَنَا فِئَتُكُمْ وَفِئَةُ كُلُّ مُسْلِمٍ» " (¬1) . وَلَكِنْ قَدْ عَارَضَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقَوْلِهِ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَتَأَوَّلَ الْآيَةَ طَائِفَةٌ أُخْرَى فِي الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ أَصْحَابَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَلَقِيَ الْمُسْلِمُونَ فِي قِتَالِهِمْ شِدَّةً ¬

(¬1) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/63 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/130 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ) الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 7/234. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. . . وَمَعْنَى قَوْلِهِ: بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ. وَالْعَكَّارُ الَّذِي يَفِرُّ إِلَى إِمَامِهِ لِيَنْصُرَهُ، لَيْسَ يُرِيدُ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ " وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر الْحَدِيثَ (وَانْظُرْ تَعْلِيقَهُ) .

عَظِيمَةً وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ يَوْمَئِذٍ بِالْقُرَّاءِ (¬1) ، وَكَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَاحِمِ الَّتِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَدُوِّهِمْ، وَالْمُرْتَدُّونَ يُقَاتِلُونَ، أَوْ يُسْلِمُونَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ وَأَصْحَابُهُ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي الدُّعَاءِ إِلَى قِتَالِهِمْ. وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا مُقَاتَلَتِهِمْ لَهُمْ وَإِمَّا إِسْلَامِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَهُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ دُعُوا إِلَيْهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَلَا أَسْلَمُوا، بَلْ صَالَحَهُمُ الرَّسُولُ بِلَا إِسْلَامٍ وَلَا قِتَالٍ، فَبَيَّنَ الْقُرْآنُ الْفَرْقَ بَيْنَ مَنْ دُعُوا إِلَيْهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَيْنَ مَنْ يُدْعَوْنَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ إِذَا فُرِضَ (¬2) عَلَيْهِمِ الْإِجَابَةُ وَالطَّاعَةُ إِذَا دُعُوا إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَلَأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمُ الطَّاعَةُ إِذَا دُعُوا إِلَى مَنْ لَيْسَ بِذِي بَأْسٍ شَدِيدٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، فَتَكُونُ الطَّاعَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَهَوَازِنَ وَثَقِيفَ. ثُمَّ لَمَّا دَعَاهُمْ (¬3) بَعْدَ هَؤُلَاءِ إِلَى بَنِي الْأَصْفَرِ كَانُوا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَالْقُرْآنُ قَدْ وَكَّدَ الْأَمْرَ فِي عَامِ تَبُوكَ، وَذَمَّ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْجِهَادِ ذَمًّا عَظِيمًا كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ سُورَةُ بَرَاءَةَ، وَهَؤُلَاءِ وُجِدَ فِيهِمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: الْقِتَالُ أَوِ الْإِسْلَامُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} ¬

(¬1) ب: (فَقَطْ) : بِالْفَرَّاءِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ظَاهِرٌ. (¬2) م: عُرِضَ (¬3) م: ثُمَّ لَمَّا دَعْوَاهُمْ. . .

[سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا، وَلَا قَالَ: قَاتِلُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، بَلْ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ، أَوْ يُسْلِمُونَ، ثُمَّ إِذَا قُوتِلُوا فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: {تُقَاتِلُونَهُمْ} مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، لَكِنْ يُقَالُ قَوْلُهُ: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] كَلَامٌ حُذِفَ فَاعِلُهُ فَلَمْ يُعَيَّنِ الْفَاعِلُ الدَّاعِي لَهُمْ إِلَى الْقِتَالِ، فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى وُجُوبِ الطَّاعَةِ لِكُلِّ مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يُقَاتِلُونَهُمْ، أَوْ يُسْلِمُونَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، ثُمَّ قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَعُثْمَانُ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ الْبَرْبَرِ وَنَحْوِهِمْ، وَالْآيَةُ تَتَنَاوَلُ هَذَا الدُّعَاءَ كُلَّهُ. أَمَّا تَخْصِيصُهَا بِمَنْ دَعَاهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَهُ (¬1) طَائِفَةٌ مِنَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَا عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَخَطَأٌ، بَلْ إِذَا قِيلَ: تَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا كَانَ هَذَا مِمَّا يُسَوَّغُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْآيَةِ (¬2) وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِهَا، وَلِهَذَا وَجَبَ قِتَالُ الْكُفَّارِ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ دَعَا إِلَى قِتَالِهِمْ، وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ تُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالِ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أَعْظَمُ مِنَ الْعَرَبِ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا، وَإِمَّا أَنْ يُقَاتَلُوا بِخِلَافِ مَنْ دُعُوا إِلَيْهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّ بَأْسَهُمْ لَمْ يَكُنْ شَدِيدًا مِثْلَ هَؤُلَاءِ وَدُعُوا إِلَيْهِمْ فَفِي ذَلِكَ لَمْ يُسْلِمُوا وَلَمْ يُقَاتَلُوا. ¬

(¬1) س، ب: كَمَا قَالَ. (¬2) م: يُرَادُ بِهِ الْآيَةُ.

وَكَذَلِكَ عَامَ الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ لَمْ يُسْلِمُوا وَلَمْ يُقَاتَلُوا، لَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ أَسْلَمُوا. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الرُّومُ وَالْفُرْسُ وَنَحْوُهُمْ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِتَالِهِمْ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا، وَأَوَّلُ الدَّعْوَةِ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ عَامَ مُؤْتَةَ وَتَبُوكَ، وَعَامَ تَبُوكَ لَمْ يُقَاتِلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسْلِمُوا، لَكِنْ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا الْإِسْلَامُ وَإِمَّا الْقِتَالُ، وَبَعْدَ الْقِتَالِ أَدَّوُا الْجِزْيَةَ لَمْ يُصَالِحُوا ابْتِدَاءً كَمَا صَالَحَ الْمُشْرِكُونَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَتَكُونُ دَعْوَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ دَاخِلَةً فِي الْآيَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِتَالَ عَلِيٍّ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ (¬1) ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ لَمْ يَكُونُوا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أَعْظَمَ مِنْ بَأْسِ أَصْحَابِهِ، بَلْ كَانُوا مِنْ جِنْسِهِمْ، وَأَصْحَابُهُ كَانُوا أَشَدَّ بَأْسًا. وَأَيْضًا فَهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُقَاتِلُونَ، أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ (¬2) : " «حَرْبُكَ حَرْبِي» " لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، فَلَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَكَيْفَ وَهُوَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ؟ . وَمِمَّا يُوَضِّحُ الْأَمْرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ نُزُولِ " بَرَاءَةَ " وَآيَةِ الْجِزْيَةِ كَانَ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ تَارَةً يُقَاتِلُهُمْ، وَتَارَةً يُعَاهِدُهُمْ فَلَا يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يُسْلِمُونَ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ " بَرَاءَةَ " وَأَمَرَهُ فِيهَا بِنَبْذِ ¬

(¬1) ن، م: لَمْ يَتَنَاوَلِ الْآيَةَ. (¬2) ن، م، س: وَمَنْ ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلِهِ. .

الْعَهْدِ (¬1) إِلَى الْكُفَّارِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، صَارَ حِينَئِذٍ مَأْمُورًا بِأَنْ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى قِتَالِ مَنْ لَا بُدَّ مِنْ قِتَالِهِمْ، أَوْ إِسْلَامِهِمْ (¬2) ، وَإِذَا قَاتَلَهُمْ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعَاهِدَهُمْ بِلَا جِزْيَةٍ، كَمَا [كَانَ] (¬3) (¬4) يُعَاهِدُ الْكُفَّارَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا عَاهَدَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِيهَا دَعَا الْأَعْرَابَ إِلَى قِتَالِهِمْ، وَأُنْزِلَ فِيهَا سُورَةُ الْفَتْحِ، وَكَذَلِكَ دَعَا الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ فِيهَا: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَعَاهُمْ إِلَيْهِمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى قِتَالِهِمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ بِخِلَافِ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ. وَالثَّانِي: أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَهُمْ، أَوْ يُسْلِمُونَ لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تُصَالِحُوهُمْ وَلَا تُعَاهِدُوهُمْ بِدُونِ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، كَمَا قَاتَلَ أَهْلَ مَكَّةَ وَغَيْرَهُمْ، وَالْقِتَالُ إِلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أُولِي الْبَأْسِ (¬5) لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يُعَاهِدُونَ بِلَا جِزْيَةٍ، فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ أَوْ يُسْلِمُونَ وَمَنْ يُعَاهِدُ بِلَا جِزْيَةٍ لَهُ (¬6) حَالٌ ثَالِثٌ: لَا يُقَاتَلُ فِيهَا وَلَا يُسْلِمُ، وَلَيْسُوا أَيْضًا مِنْ جِنْسِ الْعَرَبِ الَّذِينَ " (* قُوتِلُوا قَبْلَ ذَلِكَ. ¬

(¬1) م: الْعُهُودِ (¬2) س، ب: قِتَالِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ (¬3) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) (¬4) م: أُولِي بِأْسٍ شَدِيدٍ. . (¬5) ن، م، س: فَإِنَّهُ. (¬6) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصْفَ [لَا] يَتَنَاوَلُ (¬1) الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ *) (¬2) بِحُنَيْنٍ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ بَأْسُهُمْ مِنْ جِنْسِ بَأْسِ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ قُوتِلُوا قَبْلَ ذَلِكَ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصْفَ يَتَنَاوَلُ فَارِسَ وَالرُّومَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ، أَوْ يُسْلِمُونَ وَإِذَا قُوتِلُوا [قَبْلَ ذَلِكَ] (¬3) فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. وَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ دَخَلَ ذَلِكَ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ ; لِأَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ أَوْ يُسْلِمُونَ، كَانَ أَوْجَهَ مِنْ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ قِتَالُ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ حُنَيْنٍ الَّذِينَ قُوتِلُوا فِي حَالٍ كَانَ يَجُوزُ فِيهَا مُهَادَنَةُ الْكُفَّارِ، فَلَا يُسْلِمُونَ وَلَا يُقَاتَلُونَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ عُهُودٌ بِلَا جِزْيَةٍ فَأَمْضَاهَا لَهُمْ، وَلَكِنْ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَامَ تِسْعٍ سَنَةَ غَزْوَةِ تَبُوكَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ تَبُوكَ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: «أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ عَهْدٌ، فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ يَأْمُرُهُ بِنَبْذِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ، وَتَأْجِيلِ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» كَانَ آخِرُهَا شَهْرَ رَبِيعٍ سَنَةَ عَشْرٍ. وَهَذِهِ الْحُرُمُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الْآيَةَ (¬4) [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5] ، لَيْسَ الْمُرَادُ الْحُرُمَ ¬

(¬1) ن، س: أَنَّ الْوَصْفَ يَتَنَاوَلُ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬3) قَبْلَ ذَلِكَ: فِي (م) فَقَطْ. (¬4) كَلِمَةُ " الْآيَةِ ": سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 36] ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ، وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَخْذِهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ. وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي سَائِرِ الْكُفَّارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: جَمِيعُهُمْ يُقَاتَلُونَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقِيلَ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَقِيلَ: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُتَّفِقَانِ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ لَمْ تَنْزِلْ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِتَالِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَإِنَّ آخِرَ غَزَوَاتِهِ لِلْعَرَبِ كَانَتْ غَزْوَةَ الطَّائِفِ، وَكَانَتْ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَحُنَيْنٌ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ غَزَا النَّصَارَى عَامَ تَبُوكَ، وَفِيهَا نَزَلَتْ سُورَةُ " بَرَاءَةَ " وَفِيهَا أُمِرَ \ بِالْقِتَالِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ

فِي صَحِيحِهِ (¬1) ، وَصَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى الْجِزْيَةِ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَدَّى الْجِزْيَةَ وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ تِسْعٍ نَفَى الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْحَرَمِ، وَنَبَذَ الْعُهُودَ إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، وَأَسْلَمَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْعَرَبِ كُلُّهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ مُعَاهِدٌ لَا بِجِزْيَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا (¬2) وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يُعَاهِدُهُمْ بِلَا جِزْيَةٍ، فَعَدَمُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ (¬3) : هَلْ كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مَنْ يُقَاتِلُ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، بَلْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ لِمَا رَأَوْا مِنْ حُسْنِ الْإِسْلَامِ وَظُهُورِهِ، وَقُبْحِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَنَفَتِهِمْ مِنْ أَنْ يُؤْتُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ؟ . أَوْ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْهُمْ، بَلْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تُؤْخَذُ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ كَمَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَمَّا أُمِرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ 3/1357 - 1358 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ تَأْمِيرِ الْإِمَامِ الْأُمَرَاءَ عَلَى الْبُعُوثِ. . .) وَنَصُّهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ. . . ثُمَّ قَالَ: " اغْزُوَا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ. . . وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ (أَوْ خِلَالٍ) فَأَيَّتَهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ. . . فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/953 - 954 (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ وَصِيَّةِ الْإِمَامِ) ، الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 5/352، 358 وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ. (¬2) س، ب: فَلَمْ يَبْقَ مَعَاهِدٌ بِجِزْيَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا. (¬3) ن، م، س: عَنْهُمْ.

صَاغِرُونَ وَنُهِيَ عَنْ مُعَاهَدَتِهِمْ بِلَا جِزْيَةٍ، كَمَا كَانَ الْأَمْرُ أَوَّلًا، وَكَانَ (¬1) هَذَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْلَى أَنْ لَا يُهَادَنَ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، بَلْ يُقَاتَلُ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجُوسِ: " «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» " وَصَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَفِيهِمْ مَجُوسٌ وَاتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ (¬2) وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ الْأَمْرُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ وَيُهَادِنُهُمْ بِلَا جِزْيَةٍ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ نُزُولِ بَرَاءَةَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ " بَرَاءَةُ " أَمَرَهُ فِيهَا بِنَبْذِ هَذِهِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، فَغَيْرُهُمْ أَوْلَى أَنْ يُقَاتَلُوا وَلَا يُعَاهَدُوا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} ، وَقَالَ: ¬

(¬1) ن، س، ب: كَانَ (¬2) فِي الْمُوَطَّأِ 1/278 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ جِزْيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ) فِي الْحَدِيثِ رَقْمِ 41 عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ، وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَخَذَهَا مِنَ الْبَرْبَرِ. وَفِي حَدِيثِ رَقْمِ 42 أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " وَفِي الْبُخَارِيِّ 4/96 (كِتَابُ الْجِزْيَةِ، بَابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ) أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَأْخُذِ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. وَفِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا.

{فَإِنْ تَابُوا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5] (¬1) وَلَمْ يَقُلْ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا. وَقَوْلُهُ: " «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " (¬2) حَقٌّ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَمْ يُقَاتَلْ (¬3) بِحَالٍ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْهَا قُوتِلَ حَتَّى يُعْطِي الْجِزْيَةَ» ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ صَرِيحًا عَنْ أَحْمَدَ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي " مُخْتَصَرِهِ (¬4) " وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ آيَةَ بَرَاءَةَ لَفْظُهَا يَخُصُّ النَّصَارَى، وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا يَتَنَاوَلُ الْيَهُودَ وَالْمَجُوسَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُنْحَصِرًا بَيْنَ أَنْ يُقَاتِلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَبَيْنَ إِسْلَامِهِمْ إِذَا كَانَ هُنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مُعَاهَدَتُهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْقِتَالِ أَوِ الْإِسْلَامِ، وَالْقِتَالُ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، فَصَارَ هَؤُلَاءِ إِمَّا مُقَاتِلِينَ وَإِمَّا مُسْلِمِينَ وَلَمْ يَقُلْ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ قِتَالُهُمْ إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا، ¬

(¬1) س، ب: (وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا) ، م: (وَاحْصُرُوهُمْ) وَقَالَ: فَإِنْ تَابُوا: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ن) . (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/75 - 71 (¬3) س، ب:. . لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَقٌّ لَمْ يُقَاتَلْ. (¬4) ن، س: الْحِرَفِيُّ، ب: الْحِرْقِيُّ. وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْخِرَقِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، نِسْبَتُهُ إِلَى بَيْعِ الْخِرَقِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 334 بِدِمَشْقَ، مِنْ تَصَانِيفِهِ الَّتِي بَقَتْ " الْمُخْتَصَرُ فِي الْفِقْهِ " وَيُعْرَفُ بِمُخْتَصَرِ الْخِرَقِيِّ، طُبِعَ فِي دِمَشْقَ سَنَةَ 1378. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 3/115، تَارِيخِ بَغْدَادَ 11/234 - 235، طَبَقَاتِ الْحَنَابِلَةِ 2/75 - 118 الْأَعْلَامِ 5/202 سزكين م 1 ج [0 - 9] ص 235.

وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ لَمْ يُقَاتَلُوا وَلَكِنَّهُمْ مُقَاتَلِينَ أَوْ مُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ بِغَيْرِ الْقِتَالِ ; لِأَنَّهُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَلَا يَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ وَعُثْمَانَ فِي خِلَافَتِهِمْ قُوتِلَ هَؤُلَاءِ وَضُرِبَتِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْمَغْرِبِ، فَأَعْظَمُ قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَأَشَدُّهُ كَانَ فِي خِلَافَةِ هَؤُلَاءِ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَفِي غَزْوَةِ مَؤْتَةَ اسْتَظْهَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقُتِلَ زَيْدٌ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَأَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدٌ وَغَايَتُهُمْ أَنْ نَجَوْا. وَاللَّهُ أَخْبَرَ أَنَّنَا نُقَاتِلُهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَهَذِهِ صِفَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الثَّلَاثَةِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةَ مُخْتَصَّةً بِغَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي فُتُوحِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْمَغْرِبِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ، وَهِيَ الْغَزَوَاتُ الَّتِي أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهَا الْإِسْلَامَ، وَظَهَرَ الْهُدَى وَدِينُ الْحَقِّ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يُغْزَى مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ دَعَا، بَرًّا كَانَ أَوْ، فَاجِرًا فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْجِهَادِ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ (¬1) دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ إِمَامٌ عَدْلٌ. فَيُقَالُ: هَذَا يَنْفَعُ أَهْلَ السُّنَّةِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَا تَرَى الْجِهَادَ إِلَّا مَعَ إِمَامٍ (¬2) مَعْصُومٍ، وَلَا مَعْصُومَ عِنْدَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا عَلِيٌّ، فَهَذِهِ الْآيَةُ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) ن، س، ب: أَمِيرٍ.

حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ غَزْوِ الْكُفَّارِ مَعَ جَمِيعِ الْأُمَرَاءِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ أَفْضَلُ مَنْ غَزَا الْكُفَّارَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَهُ الْكُفَّارَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا ظَالِمًا فَاجِرًا مُعْتَدِيًا، لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ حَيْثُ وَعَدَ عَلَى طَاعَتِهِ بِأَنْ يُؤْتِي أَجْرًا حَسَنًا، وَوَعَدَ عَلَى التَّوَلِّي عَنْ طَاعَتِهِ (¬1) بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِالْآيَةِ عَلَى عَدْلِ الْخُلَفَاءِ ; لِأَنَّهُ وَعَدَ بِالْأَجْرِ الْحَسَنِ عَلَى مُجَرَّدِ الطَّاعَةِ إِذَا دَعَوْا إِلَى الْقِتَالِ، وَجَعَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَوَلَّى مِنْ قَبْلُ مُعَذَّبًا عَذَابًا أَلِيمًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمِيرَ الْغَازِيَ إِذَا كَانَ فَاجِرًا لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الْقِتَالِ مُطْلَقًا، بَلْ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ طَاعَتِهِ لَا يَتَوَلَّى كَمَا تَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّي عَنْ طَاعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ تَوَلَّى كَمَا تَوَلَّى مِنْ قَبْلُ إِذَا كَانَ أَمْرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُطَابِقًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا الْمَوْضِعُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ وَدِقَّةٌ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَيْهِ فَفِي غَيْرِهِ مَا يُغْنِي عَنْهُ. ¬

(¬1) م: وَوَعَدَ عَلَى التَّوَلِّي مِنْ طَاعَتِهِ، س: وَوَعَدَ عَلَى الْمُتَوَلِّي عَنْ طَاعَتِهِ، ب: وَوَعَدَ الْمُتَوَلِّي عَنْ طَاعَتِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيٍّ (¬1) : " إِنَّ الدَّاعِيَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلِيًّا دُونَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ (¬2) لَمَّا قَاتَلَ (¬3) النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ " يَعْنِي: أَهْلَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ وَالْحَرُورِيَّةَ وَالْخَوَارِجَ. فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا أَشَدَّ بَأْسًا مَنْ بَنِي جِنْسِهِمْ، بَلْ مَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ يَوْمَ الْجَمَلِ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَجَيْشُهُ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ الْخَوَارِجُ كَانَ جَيْشُهُ أَضْعَافَهُمْ وَكَذَلِكَ أَهْلُ صِفِّينَ كَانَ جَيْشُهُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وَكَانُوا مِنْ جِنْسِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ فِي وَصْفِهِمْ بِأَنَّهُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ مَا يُوجِبُ امْتِيَازُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ وَفَارِسَ وَالرُّومَ كَانُوا فِي الْقِتَالِ أَشَدَّ بَأْسًا مِنْ هَؤُلَاءِ بِكَثِيرٍ، وَلَمْ يَحْصُلْ فِي أَصْحَابِ عَلِيٍّ مِنَ الْخَوَارِجِ مِنَ اسْتِحْرَارِ (¬4) الْقَتْلِ مَا حَصَلَ فِي جَيْشِ الصِّدِّيقِ الَّذِينَ قَاتَلُوا أَصْحَابَ مُسَيْلِمَةَ، وَأَمَّا فَارِسُ وَالرُّومُ فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ قِتَالَهُمْ كَانَ أَشَدُّ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعَرَبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ قِتَالُ الْعَرَبِ لِلْكُفَّارِ (* فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَفْضَلَ وَأَعْظَمَ، فَذَاكَ لِقِلَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَضَعْفِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ لَا أَنَّ (¬5) عَدُوَّهُمْ *) (¬6) ¬

(¬1) فِي (ك) ص 200 (م) وَسَبَقَ إِيرَادُ هَذَا الْكَلَامِ فِيمَا مَضَى (¬2) عِبَارَةُ " دُونَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ " لَيْسَتْ فِي " ك " (¬3) ك: حَيْثُ قَاتَلَ (¬4) ن، م، س: مِنَ الْخَوَارِجِ وَاسْتِحْرَارِ. . . وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) . (¬5) ن: إِلَّا أَنَّ. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

كَانَ أَشَدَّ بَأْسًا مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 123] ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَالْجِنْسُ (¬1) فَلَيْسَ فِي بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنَ الْبَأْسِ مَا كَانَ فِي فَارِسَ وَالرُّومِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ لِلْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَهُمْ إِلَّا مِنْ أَضْعَفِ جِيرَانِهِمْ وَرَعَايَاهُمْ، وَكَانُوا يَحْتَقِرُونَ أَمْرَهُمْ غَايَةَ الِاحْتِقَارِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَيَّدَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَيَّدَ بِهِ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّتِهِ الْجَمِيلَةِ مَعَهُمْ لَمَا كَانُوا مِمَّنْ يَثْبُتُ مَعَهُمْ فِي الْقِتَالِ، وَيَفْتَحُ الْبِلَادَ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ عَدَدًا وَأَعْظَمُ قُوَّةً وَسِلَاحًا، لَكِنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوَى بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ الَّتِي خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهَا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدْعُ نَاسًا بَعِيدِينَ مِنْهُ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ، وَلَمَّا قَدِمَ الْبَصْرَةَ لَمْ يَكُنْ فِي نِيَّتِهِ قِتَالُ أَحَدٍ، بَلْ وَقَعَ الْقِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَمِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَكَانَ بَعْضُ عَسْكَرِهِ يَكْفِيهِمْ، لَمْ يَدْعُ أَحَدًا إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْرَابِ الْحِجَازِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَلِيًّا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي قِتَالِ هَؤُلَاءِ فَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ بِطَاعَةِ مَنْ يُقَاتِلُ أَهْلَ الصَّلَاةِ لِرَدِّهِمْ إِلَى طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَلَا يَأْمُرُ بِطَاعَةِ مَنْ يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ لِيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ طَاعَةِ عَلِيٍّ لَيْسَ بِأَبْعَدَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ وَالْقُرْآنَ، وَلَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، بَلْ هَؤُلَاءِ ¬

(¬1) ن، م، س: وَالْجَيْشُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

أَعْظَمُ ذَنْبًا، وَدُعَاؤُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ وَقِتَالُهُمْ أَفْضَلُ، إِنْ قُدِّرَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلِيًّا كُفَّارٌ. وَإِنْ قِيلَ: هُمْ مُرْتَدُّونَ، كَمَا تَقَوَّلَهُ الرَّافِضَةُ. فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ إِلَى أَنْ يُؤْمِنَ بِرَسُولٍ آخَرَ غَيْرِ مُحَمَّدٍ كَأَتْبَاعِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ فَهُوَ أَعْظَمُ رِدَّةً مِمَّنْ لَمْ يُقِرَّ بِطَاعَةِ الْإِمَامِ مَعَ إِيمَانِهِ بِالرَّسُولِ. فَبِكُلِّ حَالٍ لَا يُذْكَرُ ذَنْبٌ لِمَنْ قَاتَلَهُ عَلِيٌّ إِلَّا وَذَنْبُ مَنْ قَاتَلَهُ الثَّلَاثَةُ أَعْظَمُ، وَلَا يُذْكَرُ فَضْلٌ وَلَا ثَوَابٌ لِمَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ إِلَّا وَالْفَضْلُ وَالثَّوَابُ لِمَنْ قَاتَلَ مَعَ الثَّلَاثَةِ أَعْظَمُ. هَذَا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَاتَلَهُ عَلِيٌّ كَافِرًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ لَا يَقُولُهُ إِلَّا حُثَالَةُ الشِّيعَةِ، وَإِلَّا فَعُقَلَاؤُهُمْ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُكَفِّرُونَ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا سُلِّمَ أَنَّ ذَلِكَ الْقِتَالَ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ، كَيْفَ وَقَدْ عُرِفَ نِزَاعُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ بِعْدَهُمْ فِي هَذَا الْقِتَالِ هَلْ كَانَ مِنْ بَابِ قِتَالِ الْبُغَاةِ الَّذِي وُجِدَ فِي شَرْطِ وُجُوبِهِ الْقِتَالُ فِيهِ (¬1) ، أَمْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْمُوجِبِ لِلْقِتَالِ. وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ قِتَالَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقِتَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ، بَلْ عَدُّوهُ قِتَالَ فِتْنَةٍ. ¬

(¬1) ن: الَّذِي وُجِدَ فِي شَرْطِ وُجُوبِ الْقِتَالِ فِيهِ، س، ب: الَّذِي وُجِدَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقِتَالِ فِيهِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) .

وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَجُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ. فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ (¬1) الْقُدُورِيُّ (¬2) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْبُغَاةِ إِلَّا أَنْ يَبْدَأُوا بِالْقِتَالِ، وَأَهْلُ صِفِّينَ لَمْ يَبْدَأُوا عَلِيًّا بِقِتَالٍ. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَعْيَانِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ، وَأَعْيَانِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَمَالِكٍ وَأَيُّوبَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ وَأَنَّ تَرْكَهُ كَانَ خَيْرًا مِنْ فِعْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ قِتَالِ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ أَهِلِ النَّهْرَوَانِ، فَإِنَّ قِتَالَ هَؤُلَاءِ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاءِ السُّنَّةِ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ «أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ: " هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ "، قَالُوا لَا، قَالَ: " فَإِنِّي أَرَى (¬3) مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ» " (¬4) . ¬

(¬1) س، ب: يَذْكُرُهُ (¬2) هُوَ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْقُدُورِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 362 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 428 بِبَغْدَادَ، مِنْ أَئِمَّةِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ، رَوَى عَنْهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، وَمِنْ مُصَنَّفَاتِهِ الْمُخْتَصَرُ الْمَعْرُوفُ بِاسْمِهِ " الْقُدُورِيُّ " فِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَطْبُوعٌ انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْجَوَاهِرِ الْمُضِيَّةِ 1/93 - 94، تَاجِ التَّرَاجِمِ لِابْنِ قَطْلُوبُغَا (ط. الْمُثَنَّى، بَغْدَادَ، 1962) ص، تَارِيخِ بَغْدَادَ 4/377، وَفَيَاتِ الْأَعْيَانِ 1/60 - 61، الْأَعْلَامِ 1/206، سِزْكِينَ م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص 115 - 124. (¬3) ن: لَأَرَى. (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/451.

(* وَفِي السُّنَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ، قَتْلَاهَا فِي النَّارِ، اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ» *) (¬1) " (¬2) . وَفِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ مَنْ أَشْرَفَ لَهَا اسْتَشْرَفَتْ لَهُ، وَاسْتِشْرَافُ اللِّسَانِ فِيهَا كَوُقُوعِ السَّيْفِ» " (¬3) . وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ» " (¬4) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/144 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ، بَابٌ فِي كَفِّ اللِّسَانِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/320 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي الْفِتْنَةِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ " سَنَنُ ابْنُ مَاجَهْ 2/1312 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ كَفِّ اللِّسَانِ فِي الْفِتْنَةِ) الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 11/189 - 192 (حَدِيثٌ رَقْمُ 6980) وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ. " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . وَقَوْلُهُ " تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ " بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَيْ تَسْتَوْعِبُهُمْ هَلَاكًا، يُقَالُ اسْتَنْظَفْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَخَذْتَهُ كُلَّهُ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْقَارِي. . . وَقِيلَ: أَيْ تُطَهِّرُهُمْ مِنَ الْأَرْذَالِ وَأَهْلِ الْفِتَنِ ". (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/143 (كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ، بَابٌ فِي كَفِّ اللِّسَانِ) وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ فِي السَّنَدِ: " عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ ". (¬4) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/34 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/330 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ سَتَكُونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ) الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/289.

وَسَلَّمَ: " سَتَكُونُ فِتْنَةٌ (¬1) الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يَسْتَشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْ لَهُ وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ» " (¬2) . وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ (¬3) فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ فِيهِ: " «فَإِذَا نَزَلَتْ، أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ " قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: " يَعْمَدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ (¬4) فَيَقْتُلُنِي؟ فَقَالَ: " يَبُوءُ (¬5) بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ (¬6) مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» " (¬7) . وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْرُوفٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالَّذِينَ رَوَوْا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، ¬

(¬1) ن، م: فِتَنٌ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 (¬3) ن، س: أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬4) م: بِسَهْمٍ (¬5) ن، س: تَبُوءُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬6) ن، س: فَتَكُونُ، م: فَيَكُونُ (¬7) الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 4/2212 - 2213 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) .

وَغَيْرِهِمْ (¬1) ، جَعَلُوا قِتَالَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ جَعَلُوا ذَلِكَ أَوَّلَ قِتَالِ فِتْنَةٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ وَقَعَدُوا عَنِ الْقِتَالِ، وَأَمَرُوا غَيْرَهُمْ بِالْقُعُودِ عَنِ الْقِتَالِ كَمَا اسْتَفَاضَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ عَنْهُمْ. وَالَّذِينَ قَاتَلُوا مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِحُجَّةٍ تُوجِبُ الْقِتَالَ لَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ سَنَةٍ، بَلْ أَقَرُّوا بِأَنَّ (¬2) قِتَالَهُمْ كَانَ رَأْيًا رَأَوْهُ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَسْكَرَيْنِ (¬3) أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ، فَيَكُونُ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ [أَوْلَى] (¬4) ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَحْيَانًا يُظْهِرُ فِيهِ النَّدَمَ وَالْكَرَاهَةَ لِلْقِتَالِ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ شَيْءٌ (¬5) مِنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، مِمَّا (¬6) يُوجِبُ رِضَاهُ وَفَرَحَهُ، بِخِلَافِ قِتَالِهِ لِلْخَوَارِجِ، فَإِنَّهُ كَانَ ¬

(¬1) جَاءَ حَدِيثُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 140 - 141 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/329 - 330 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّهُ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: " وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَأَبِي بَكْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي وَاقِدٍ وَأَبِي مُوسَى وَخَرْشَةَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَزَادَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رَجُلًا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ " وَالْحَدِيثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/29 وَصَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ) وَهُوَ أَيْضًا فِيهِ 3/98، 6/141 - 142، (ط الْحَلَبِيِّ) 4/106، 110، 5/39 - 40 - 48، 110 وَانْظُرْ مَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا 1/539 - 542. (¬2) س، ب: أَنَّ (¬3) م: فِي الْعَسْكَرِ. (¬4) كَلِمَةُ " أَوْلَى " زِدْتُهَا لِيَسْتَقِيمَ بِهَا الْكَلَامُ، وَقَدْ نَبَّهَ مُحَقِّقُ (ب) إِلَى ضَرُورَةِ إِضَافَتِهَا (¬5) شَيْءٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (¬6) مِمَّا: فِي جَمِيعِ النُّسَخِ " مَا " وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ، وَبِهِ تَسْتَقِيمُ الْعِبَارَةُ.

يُظْهِرُ فِيهِ مِنَ الْفَرَحِ وَالرِّضَا وَالسُّرُورِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ قِتَالَهُمْ كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ يَتَقَرَّبُ (¬1) بِهِ إِلَى اللَّهِ، لِأَنَّ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ مِنَ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ وَالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ (¬2) مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» . (¬3) وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ قَالَ: " «ذَكَرَ قَوْمًا يَخْرُجُونَ فِي أُمَّتِهِ يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ (¬4) سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ، أَوْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ (¬5) : " فَأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ» ". وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ (¬6) : " «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ (¬7) كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا ¬

(¬1) م: وَيَتَقَرَّبُ. . . (¬2) ن: عَنْ حِينِ فُرْقَةٍ، س: عَنْ خَيْرِ فِرْقَةٍ، م، ب: عَلَى خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/306 وَفِي الْجُزْءِ الرَّابِعِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ. (¬4) م: أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ. وَفِي مُسْلِمٍ 2/745 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ) : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ، يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ (وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى التَّحَلُّقُ) وَقَالَ: " هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ (أَوْ مِنْ أَشَرِّ الْخَلْقِ) يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ " وَسِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ: أَيْ عَلَامَتُهُمْ حَلْقُ الرُّءُوسِ. (¬5) فِي آخِرِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي مُسْلِمٍ (رَقْمُ 149) . (¬6) الْبُخَارِيُّ 9/161 (كِتَابُ التَّوْحِيدِ، بَابُ قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ) . وَهُوَ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) . 3/64. (¬7) الْبُخَارِيِّ، الْمُسْنَدِ: مِنَ الدِّينِ.

يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ» " (¬1) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ فِي قِرَاءَتِكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ (¬2) يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ لَنَكَلُوا (¬3) عَنِ الْعَمَلِ آيَتُهُمْ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ، لَيْسَ فِيهَا ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِهِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ» " (¬4) . الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْآيَةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْقِتَالَ مَعَ عَلِيٍّ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ قَالَ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ (¬5) : الْمُقَاتَلَةُ أَوِ الْإِسْلَامُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ دَعَا إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ ¬

(¬1) الْبُخَارِيِّ، الْمُسْنَدِ: ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى (الْمُسْنَدِ: عَلَى) فُوقِهِ: قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ . قَالَ سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، أَوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ (الْمُسْنَدِ: وَالتَّسْبِيبُ) . (¬2) ب (فَقَطْ) : لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، س: لَا يُجَاوِزُ صَلَوَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ. وَالْمُثْبَتُ هُوَ الَّذِي فِي " مُسْلِمٍ ". (¬3) لَنَكَلُوا: كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ. وَفِي مُسْلِمٍ: لَاتَّكَلُوا. (¬4) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ - بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فِي: مُسْلِمٍ 2/748 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قَتْلِ الْخَوَارِجِ) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/336 - 337 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/89 - 90 (حَدِيثٌ رَقْمُ 706) . (¬5) ن، م: أَمْرَيْنِ.

فِيهِمْ خَلْقٌ لَمْ يُقَاتِلُوهُ أَلْبَتَّةَ، بَلْ تَرَكُوا قِتَالَهُ فَلَمْ يُقَاتِلُوهُ وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ، فَكَانُوا صِنْفًا ثَالِثًا: لَا قَاتَلُوهُ (¬1) وَلَا قَاتَلُوا مَعَهُ وَلَا أَطَاعُوهُ، وَكُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى إِسْلَامِهِمُ الْقُرْآنُ وَالسَّنَةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 9] ، فَوَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ مَعَ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِخْوَةٌ (¬2) وَأَنَّ الْأُخُوَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْحَسَنِ: " «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» " (¬3) فَأَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ عَسْكَرِ عَلِيٍّ وَعَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كِلَيْهِمَا مُسْلِمُونَ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا، وَيُثْنِي عَلَى (¬4) مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ كَانَ رِضًى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (¬5) ، وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ رِضًى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. وَأَيْضًا فَالنَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الطَّائِفَتَيْنِ ¬

(¬1) ن، م: لَا قَاتَلُوا. (¬2) ن، س: وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ إِخْوَةٌ. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 - 540. (¬4) س: وَبَيْنَ عَلِيٍّ، ب. وَأَثْنَى عَلَى. (¬5) ن، س: رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَوَرِثُوا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَسْبُوا ذَرَارِيِّهِمْ، وَلَمْ يَغْنَمُوا أَمْوَالَهُمُ الَّتِي لَمْ يَحْضُرُوا بِهَا الْقِتَالَ، بَلْ كَانَ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَخَلْفَ بَعْضٍ. وَهَذَا أَحَدُ مَا نَقِمَتْهُ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيٍّ، فَإِنَّ مُنَادِيَهِ نَادَى يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَمْ يَغْنَمْ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا سَبَى (¬1) ذَرَارِيَّهُمْ وَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى الْخَوَارِجِ، وَنَاظَرَهُمْ فِي ذَلِكَ. فَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ (¬2) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الطَّبَرَانِيِّ (¬3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَسُلَيْمَانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ (¬4) وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ الْحَنَفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬5) قَالَ: " لَمَّا اعْتَزَلْتِ الْحَرُورِيَّةُ، قُلْتُ لَعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ عَنِ الصَّلَاةِ فَلَعَلِّي آتِي (¬6) هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَأُكَلِّمُهُمْ، قَالَ: إِنِّي أَتَخَوَّفُهُمْ عَلَيْكَ، قَالَ: قُلْتُ: كَلَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَبِسْتُ أَحْسَنَ [مَا أَقْدِرُ] عَلَيْهِ (¬7) مِنْ هَذِهِ الْيَمَانِيَّةِ (¬8) ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَائِلُونَ فِي نَحْرِ (¬9) ¬

(¬1) م: وَلَا يَغْنَمُ أَمْوَالَهُمْ وَلَا يَسْبِي. . . (¬2) فِي كِتَابِهِ " حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ " 1/318 - 320 (¬3) م: عَنْ سُلَيْمَانَ الطَّبَرَانِيِّ. (¬4) ن:. . . بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ، س، ب: بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ. وَالْمُثْبَتُ. مِنْ (م) . (¬5) يُوجَدُ فِي " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ " اخْتِلَافَاتٌ يَسِيرَةٌ فِي الْمُسْنَدِ. (¬6) حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ: أَبْرِدْ عَنِّي الصَّلَاةَ لَعَلِّي آتِي. (¬7) ن، م، س، ب: فَلَسْتُ أَحْسَنَ (بَيَاضٍ) عَلَيْهِ. وَالتَّصْوِيبُ مِنْ " حِيلَةِ الْأَوْلِيَاءِ ". (¬8) ن، س، ب: الثَّمَانِيَةِ، وَالْكَلِمَةُ فِي (م) غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ " حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ ". (¬9) م: فِي حَرِّ. .

الظَّهِيرَةِ، فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ قَوْمًا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيَهُمْ كَأَنَّهَا ثَفِنُ الْإِبِلِ (¬1) وَوُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ (¬2) مِنْ آثَارِ السُّجُودِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ أَحَدِّثُكُمْ عَلَى (¬3) أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ الْوَحْيُ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُحَدِّثُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنُحَدِّثَنَّهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرُونِي مَا تَنْقِمُونَ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنِهِ (¬4) وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ مَعَهُ؟ قَالُوا: نَنْقِمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالُوا: أَوَّلُهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 57] قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ لَئِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أَمْوَالُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَقَدَ (¬5) حَرُمَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالُوا: وَمَحَا نَفْسَهُ مِنْ (¬6) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ. قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأَتُ عَلَيْكُمْ كِتَابَ اللَّهِ (¬7) الْمُحْكَمَ، وَحَدَّثْتُكُمْ ¬

(¬1) ن: نَفِنُ الْإِبِلِ. وَفِي " حِيلَةِ الْأَوْلِيَاءِ: ثَفِنُ إِبِلٍ. وَفِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ ": " الثَّفِنَةُ: الرُّكْبَةُ وَالْجُزْءُ مِنْ جِسْمِ الدَّابَّةِ تَلْقَى بِهِ الْأَرْضَ فَيَغْلُظُ وَيَجْمُدُ ". (¬2) ن، س: مُعْلَنَةٌ، حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ: مُقْلَبَةٌ. (¬3) ن، م، س، ب: عَنْ وَالتَّصْوِيبُ مِنْ " الْحِلْيَةِ ". (¬4) ن، س، ب: وَأَمِينِهِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، " الْحِلْيَةِ ". (¬5) الْحِلْيَةِ: لَقَدْ. (¬6) الْحِلْيَةِ: عَنْ (¬7) الْحِلْيَةِ: مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. .

عَنْ (¬1) سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ مَا لَا تُنْكِرُونَ أَتَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 95] ، وَقَالَ: فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 35] أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَفَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ (* أَحَقُّ أَمْ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ؟ قَالُوا: فِي [حَقْنِ] *) (¬2) دِمَائِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، قَالَ (¬3) : أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ (¬4) : وَأَمَّا قَوْلُكُمْ قَاتَلَ (¬5) وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ (¬6) ، ثُمَّ تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ أُمَّكُمْ (¬7) فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَخَرَجْتُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 6] وَأَنْتُمْ مُتَرَدِّدُونَ (¬8) بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ فَاخْتَارُوا أَيُّهُمَا شِئْتُمْ أَخْرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. ¬

(¬1) الْحِلْيَةِ: مِنْ (¬2) حَقْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) وَأَثْبَتُّهَا مِنَ الْحِلْيَةِ 1/319. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬4) قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬5) الْحِلْيَةِ: إِنَّهُ قَاتَلَ. . . (¬6) م: أُمَّكُمْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. (¬7) الْحِلْيَةِ: بِأُمِّكُمْ. (¬8) الْحِلْيَةِ: فَأَنْتُمْ تَتَرَدَّدُونَ. . .

قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ (¬1) كِتَابًا، فَقَالَ: اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى (¬2) عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ " وَرَسُولُ اللَّهِ (¬3) كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ أَخْرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ فَرَجَعَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَقُتِلُوا» ". وَأَمَّا تَكْفِيرُ هَذَا الرَّافِضِيِ وَأَمْثَالِهِ لَهُمْ، وَجَعْلُ رُجُوعِهِمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ إِسْلَامًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا زَعَمَهُ: " «يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي» "، فَيُقَالُ: مِنَ الْعَجَائِبِ وَأَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَخْذُولِينَ أَنْ يُثْبِتُوا مِثْلَ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الَّتِي يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهَا لَا هُوَ فِي الصِّحَاحِ وَلَا السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِدِ وَلَا الْفَوَائِدِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَنَاقَلُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَيَتَدَاوَلُونَهُ بَيْنَهُمْ، وَلَا هُوَ عِنْدَهُمْ لَا صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ وَلَا ضَعِيفٌ، بَلْ هُوَ أَخَسُّ (¬4) مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَظْهَرِ الْمَوْضُوعَاتِ كَذِبًا، فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ الطَّائِفَتَيْنِ ¬

(¬1) الْحِلْيَةِ: بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ (¬2) م: قَضَى (¬3) الْحِلْيَةِ: فَرَسُولُ اللَّهِ (¬4) ن، م: أَحْسَنُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

فصل كلام الرافضي على كون أبي بكر كان أنيس النبي صلى الله عليه وسلم في العريش يوم بدر والرد عليه

مُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ جَعَلَ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ خَيْرًا مِنَ الْقِتَالِ فِيهَا، وَأَنَّهُ أَثْنَى عَلَى مَنْ أَصْلَحَ بِهِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَلَوْ كَانَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مُرْتَدِّينَ عَنِ الْإِسْلَامِ لَكَانُوا أَكْفَرَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْبَاقِينَ عَلَى دِينِهِمْ وَأَحَقَّ بِالْقِتَالِ *) (¬1) مِنْهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى قِتَالِهِمْ، بَلْ (¬2) وَسَبَوْا ذَرَارِيَّهُمْ، وَتَسَرَّى عَلِيٌّ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ بِالْحَنَفِيَّةِ: أَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. [فصل كلام الرافضي على كون أبي بكر كان أنيس النبي صلى الله عليه وسلم في العريش يوم بدر والرد عليه] فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬3) : " وَأَمَّا كَوْنُهُ أَنِيسَهُ فِي الْعَرِيشِ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَا فَضْلَ فِيهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أُنْسُهُ بِاللَّهِ مُغْنِيًا لَهُ عَنْ كُلِّ أَنِيسٍ، لَكِنْ لَمَّا عَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَمْرَهُ لِأَبِي بَكْرٍ (¬4) بِالْقِتَالِ يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الْحَالِ حَيْثُ هَرَبَ عِدَّةَ مِرَارٍ فِي غَزَوَاتِهِ، وَأَيُّمَا أَفْضَلُ: الْقَاعِدُ عَنِ الْقِتَالِ، أَوِ الْمُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ (¬5) فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ ". الْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ لِهَذَا الْمُفْتَرِي الْكَذَّابِ مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ أَظْهَرِ الْبَاطِلِ مِنْ وُجُوهٍ (¬6) : ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (¬2) بَلْ: زِيَادَةٌ فِي (ن) (¬3) الْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 200 (م) وَسَبَقَ إِيرَادُهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ (¬4) ك: أَمَرَهُ أَبَا بَكْرٍ. (¬5) ك: بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ. . (¬6) ن، س، ب: بِوُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ " هَرَبَ عِدَّةَ مِرَارٍ فِي غَزَوَاتِهِ " يُقَالُ لَهُ: هَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَائِلَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْوَالِهِ، وَالْجَهْلُ بِذَلِكَ غَيْرُ مُنْكَرٍ مِنَ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ، وَأَعْظَمِهِمْ تَصْدِيقًا بِالْكَذِبِ فِيهَا وَتَكْذِيبًا بِالصِّدْقِ مِنْهَا. وَذَلِكَ أَنَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ هِيَ أَوَّلُ مَغَازِي الْقِتَالِ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ غَزَاةٌ مَعَ الْكُفَّارِ أَصْلًا، وَغَزَوَاتُ الْقِتَالِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ غَزَوَاتٍ: بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَغَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ وَخَيْبَرَ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، وَأَمَّا الْغَزَوَاتُ الَّتِي لَمْ يُقَاتِلُ فِيهَا فَهِيَ نَحْوُ بِضْعَةَ عَشَرَ، وَأَمَّا السَّرَايَا فَمِنْهَا مَا كَانَ فِيهِ قِتَالٌ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِتَالٌ. وَبِكُلِّ حَالٍ فَبَدْرٌ أُولَى (¬1) مَغَازِي الْقِتَالِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي يَعْلَمُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ وَالْفِقْهِ وَالتَّوَارِيخِ وَالْأَخْبَارِ، يَعْلَمُونَ أَنَّ بَدْرًا هِيَ أَوَّلُ الْغَزَوَاتِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ قَبْلَهَا غَزْوَةٌ وَلَا سَرِيَّةٌ كَانَ فِيهَا قِتَالٌ، إِلَّا قِصَّةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ (¬2) ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ. ¬

(¬1) ن، س، ب: أَوَّلُ. (¬2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: إِلَّا قِصَّةَ بَنِي الْحَضْرَمِيِّ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ. وَاسْمُ الْحَضْرَمِيِّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ، وَيُقَالُ: مَالِكُ بْنُ عِبَادٍ. وَانْظُرْ سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 2/252 - 256.

فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ هَرَبَ قَبْلَ ذَلِكَ عِدَّةَ مِرَارٍ (¬1) فِي مَغَازِيهِ؟ ! . الثَّانِي: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَهْرَبْ قَطُّ حَتَّى يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَنْهَزِمْ لَا هُوَ وَلَا عُمَرُ وَإِنَّمَا كَانَ عُثْمَانُ تَوَلَّى، وَكَانَ مِمَّنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ إِنَّهُمَا انْهَزَمَا مَعَ مَنِ انْهَزَمَ، بَلْ ثَبَتَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ السِّيرَةِ (¬2) ، لَكِنَّ بَعْضَ الْكَذَّابِينَ ذَكَرَ أَنَّهُمَا أَخَذَا الرَّايَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَرَجَعَا وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِي الْكَذِبِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا انْهَزَمَا [مَعَ مَنِ انْهَزَمَ] (¬3) ، وَهَذَا كَذِبٌ كُلُّهُ. وَقَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ كَذِبٌ، فَمَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا هُوَ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ ذَلِكَ بِنَقْلٍ يُصَدَّقُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى هَذَا فَأَيْنَ النَّقْلُ الْمُصَدَّقُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ هَرَبَ فِي غَزْوَةٍ وَاحِدَةٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هَرَبَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ؟ ! . الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْجُبْنِ بِهَذِهِ الْحَالِ (¬4) لَمْ يَخُصُّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَصْحَابِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ، بَلْ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ مِثْلَ هَذَا فِي الْغَزْوِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ (* يَسْتَصْحِبَ مُنْخَذِلًا (¬5) وَلَا مُرْجِفًا، فَضْلًا عَنْ أَنَّ *) (¬6) يُقَدَّمُ (¬7) عَلَى سَائِرِ أَصْحَابِهِ، وَيَجْعَلَهُ مَعَهُ فِي عَرِيشِهِ. ¬

(¬1) م: مَرَّاتٍ (¬2) س، ب: السِّيَرِ. (¬3) مَعَ مَنِ انْهَزَمَ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬4) س، ب: الْحَالَةُ. (¬5) م: مَخْذُولًا. (¬6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬7) ب: يُقَدِّمَهُ

الرَّابِعُ: أَنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ثَبَاتِهِ وَقُوَّةِ يَقِينِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ يُكَذِّبُ هَذَا الْمُفْتَرِي، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: " اللَّهُمَّ أَنْجَزَ لِي مَا وَعَدْتِنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ " فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكَبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} » [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 9] الْآيَةَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬1) . الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ السِّيرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَقْوَى قَلْبًا مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ لَا يُقَارِبُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ حِينِ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يَزَلْ مُجَاهِدًا ثَابِتًا (¬2) مِقْدَامًا شُجَاعًا، لَمْ يُعْرَفْ قَطُّ أَنَّهُ جَبُنَ عَنْ قِتَالِ عَدُوٍّ، بَلْ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعُفَتْ قُلُوبُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي يُثَبِّتُهُمْ حَتَّى قَالَ أَنَسٌ: " خَطَبْنَا أَبُو بَكْرٍ وَنَحْنُ كَالثَّعَالِبِ فَمَا زَالَ يُشَجِّعُنَا حَتَّى صِرْنَا كَالْأُسُودِ ". وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ تَأَلَّفِ النَّاسَ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬2) ثَابِتًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

وَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: أَجَبَّارٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوَّارٌ فِي الْإِسْلَامِ؟ ! عَلَامَ أَتَأَلَّفُهُمْ: عَلَى حَدِيثٍ مُفْتَرًى أَمْ عَلَى شِعْرٍ مُفْتَعَلٍ؟ ! . السَّادِسُ: قَوْلُهُ: " أَيُّمَا أَفْضَلُ: الْقَاعِدُ عَنِ الْقِتَالِ، أَوِ الْمُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ ! . فَيُقَالُ: بَلْ كَوْنُهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالِ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْعَدُوُّ يَقْصِدُهُ، فَكَانَ ثُلُثُ الْعَسْكَرِ حَوْلَهُ يَحْفَظُونَهُ مِنَ الْعَدْوِ، وَثُلُثُهُ اتَّبَعَ الْمُنْهَزِمِينَ وَثُلُثُهُ أَخَذُوا الْغَنَائِمَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ. السَّابِعُ: قَوْلُهُ: " إِنَّ أُنْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَبِّهِ كَانَ مُغْنِيًا لَهُ عَنْ كُلِّ أَنِيسٍ ". فَيُقَالُ: قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهُ كَانَ أَنِيسَهُ فِي الْعَرِيشِ، لَيْسَ هُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، وَمَنْ قَالَهُ، وَهُوَ يَدْرِي مَا يَقُولُ، لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ يُؤْنِسُهُ لِئَلَّا يَسْتَوْحِشَ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يُعَاوِنُهُ عَلَى الْقِتَالِ، كَمَا كَانَ مَنْ هُوَ دُونَهُ يُعَاوِنُهُ عَلَى الْقِتَالِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 62] وَهُوَ أَفْضَلُ (¬1) الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِمْ. وَقَالَ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 84] ، وَكَانَ الْحَثُّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعَاوِنَهُ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ وَعَلَى الرَّسُولِ أَنْ يُحَرِّضَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَيُقَاتِلُ بِهِمْ عَدُوَّهُ ¬

(¬1) ن، م، س: وَأَفْضَلُ أَفْضَلُ:. . وَهُوَ خَطَأٌ، وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

بِدُعَائِهِمْ وَرَأْيِهِمْ وَفِعْلِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاسْتِعَانَةُ [بِهِ] (¬1) عَلَى الْجِهَادِ. الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ \: [مِنْ] (¬2) الْمَعْلُومِ لِعَامَّةِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ مُقَدَّمَ الْقِتَالِ الْمَطْلُوبِ، الَّذِي قَدْ قَصَدَهُ أَعْدَاؤُهُ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، إِذَا أَقَامَ فِي عَرِيشٍ، أَوْ قُبَّةٍ أَوْ حَرْكَاةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُجِنُّهُ (¬3) ، وَلَمْ يَسْتَصْحِبْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا وَاحِدًا، وَسَائِرُهُمْ خَارِجَ ذَلِكَ الْعَرِيشِ لَمْ يَكُنْ هَذَا إِلَّا أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ، وَأَعْظَمُهُمْ مُوَالَاةً لَهُ وَانْتِفَاعًا بِهِ. وَهَذَا النَّفْعُ فِي الْجِهَادِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ قُوَّةِ الْقَلْبِ وَثَبَاتِهِ، لَا مَعَ ضِعْفِهِ وَخَوَرِهِ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ أَكْمَلَهُمْ إِيمَانًا وَجِهَادًا، وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ هُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ فَمَنْ كَانَ أَفْضَلَ فِي ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ مُطْلَقًا. قَالَ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 19، 20] فَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ، وَالصِّدِّيقُ أَكْمَلُ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قِتَالُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ (¬4) الَّذِينَ قَاتَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّ عَلِيًّا قَاتَلَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ يَوْمَ بَدْرٍ وَلَا أُحُدٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. ¬

(¬1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) (¬2) مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬3) ن، م، س: مِمَّا يُحِبُّهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَيُجِنُّهُ: يُخْفِيهِ. (¬4) م: كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.

فَفَضِيلَةُ الصِّدِّيقِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ، وَفَضِيلَةُ عَلِيٍّ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ خَرَجَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْعَرِيشِ، وَرَمَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّمْيَةَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 17] وَالصِّدِّيقُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَأَيْتُكَ يَوْمَ بَدْرٍ فَصَدَفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ: لَكِنِّي لَوْ رَأَيْتُكَ لَقَتَلْتُكَ. فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : " وَأَمَّا إِنْفَاقُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَذِبٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مَالٍ، فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ فَقِيرًا فِي الْغَايَةِ، وَكَانَ يُنَادِي عَلَى مَائِدَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ كُلَّ يَوْمٍ بِمُدٍّ (¬2) يَقْتَاتُ بِهِ، وَلَوْ (¬3) كَانَ أَبُو بَكْرٍ غَنِيًّا لَكَفَى أَبَاهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُعَلِّمًا لِلصِّبْيَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِي الْإِسْلَامِ كَانَ خَيَّاطًا (¬4) ، وَلَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ النَّاسُ عَنِ الْخِيَاطَةِ، فَقَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ (¬5) إِلَى الْقُوتِ ¬

(¬1) الْكَلَامُ التَّالِي فِي (ك) ص 200 (م) وَسَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬2) ك: بِمُدٍّ فِي كُلِّ يَوْمٍ. (¬3) ك: فَلَوْ. (¬4) ك: خَيَّاطًا، وَكُلَّ يَوْمٍ يَخِيطُ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ. (¬5) ك: مِنَ الْخِيَاطَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي لَأَحْتَاجُ.

فَجَعَلُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ " (¬1) . وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ وَالْبُهْتَانِ أَنْ يُنْكِرَ الرَّجُلُ مَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ وَشَاعَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَامْتَلَأَتْ بِهِ الْكُتُبُ: كُتُبُ الْحَدِيثِ الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي أَخْبَارِالْقَوْمِ وَفَضَائِلِهِمْ، ثُمَّ يَدَّعِي شَيْئًا مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَلَا يَنْقُلُهُ بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ وَلَا إِلَى كِتَابٍ (¬2) يَعْرِفُهُ يُوثَقُ بِهِ، وَلَا يَذْكُرُ مَا قَالَهُ، فَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ نَاظَرَ أَجْهَلَ الْخَلْقِ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: بَلِ الَّذِي ذَكَرْتَ هُوَ الْكَذِبُ وَالَّذِي قَالَهُ مُنَازِعُوكَ هُوَ الصِّدْقُ فَكَيْفَ تُخْبِرُ عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا، وَلَا نَقْلٍ يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ؟ وَمَنِ الَّذِي نَقَلَ مِنَ الثِّقَاتِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ؟ . ثُمَّ يُقَالُ: أَمَّا إِنْفَاقٌ أَبِي بَكْرٍ مَالَهُ، فَمُتَوَاتِرٌ مَنْقُولٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى قَالَ: " «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ» " (¬3) ، وَقَالَ: " «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ» " (¬4) ، وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَى الْمُعَذَّبِينَ مِنْ مَالِهِ: بِلَالًا وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ اشْتَرَى سَبْعَةَ أَنْفُسٍ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: " إِنَّ أَبَاهُ كَانَ يُنَادِي عَلَى مَائِدَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ. فَهَذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا يُعْرَفُ بِهِ صِحَّتَهُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَضُرَّ، فَإِنَّ هَذَا ¬

(¬1) ك مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ (¬2) ب: يُعْرَفُ (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/512.

كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ مَاتَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَكَانَ لِأَبِي قُحَافَةَ مَا يُعِينُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ قَطُّ أَنَّ أَبَا قُحَافَةَ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ وَقَدْ عَاشَ أَبُو قُحَافَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَوَرِثَ السُّدُسَ فَرَدَّهُ عَلَى أَوْلَادِهِ لِغِنَاهُ عَنْهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لَكَانَ الصِّدِّيقُ يَبَرُّهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَةٍ بَعِيدَةٍ، وَكَانَ مِمَّنْ تَكَلَّمُ (¬1) فِي الْإِفْكِ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} إِلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ النُّورِ: 22] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ، وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (¬2) وَقَدِ اشْتَرَى بِمَالِهِ سَبْعَةً مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ، وَلَمَّا هَاجَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَصْحَبَ مَالَهُ فَجَاءَ أَبُو قُحَافَةَ، وَقَالَ لِأَهْلِهِ: ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ بِنَفْسِهِ فَهَلْ تَرَكَ مَالَهُ عِنْدَكُمْ أَوْ أَخَذَهُ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقُلْتُ: بَلْ تَرَكَهُ، وَوَضَعْتُ فِي الْكُوَّةِ شَيْئًا، (* وَقُلْتُ: هَذَا هُوَ الْمَالُ لِتَطِيبَ نَفْسِهِ أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِعِيَالِهِ، وَلَمْ يَطْلُبْ أَبُو قُحَافَةَ مِنْهُمْ شَيْئًا *) (¬3) ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى غِنَاهُ. ¬

(¬1) ن، س، ب: يَتَكَلَّمُ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ 3/173 - 176 (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، بَابُ تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بِعْضِهِنَّ بَعْضًا) ، 6/101 - 105 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النُّورِ، بَابُ: لَوْلَا إِذَ سَمِعْتُمُوهُ. . .) ، 8/138 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ، بَابُ الْيَمِينِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَفِي الْمَعْصِيَةِ وَفِي الْغَضَبِ) مُسْلِمٍ 4/2129 - 2137 (كِتَابُ التَّوْبَةِ، بَابٌ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ) الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 6/194 - 198. (¬3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

وَقَوْلُهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُعَلِّمًا لِلصِّبْيَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَهَذَا مِنَ الْمَنْقُولِ الَّذِي لَوْ كَانَ صِدْقًا لَمْ يَقْدَحْ فِيهِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ (¬1) الْمُسْلِمِينَ يُؤَدِّبُونَ، مِنْهُمْ أَبُو صَالِحٍ صَاحِبُ (¬2) الْكَلْبِيِّ كَانَ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَكَانَ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ يُعَلِّمَانِ الصِّبْيَانَ فَلَا يَأْخُذَانِ أَجْرًا، وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ (¬3) . وَحُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، وَهُوَ ابْنُ ذَكْوَانَ وَالْقَاسِمُ بْنُ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَحَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ مَوْلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ. وَمِنْهُمْ عَلْقَمَةُ بْنُ أَبِي عَلْقَمَةَ، وَكَانَ يَرْوِي عَنْهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَكَانَ لَهُ مَكْتَبٌ يُعَلِّمُ فِيهِ. وَمِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْإِمَامُ الْمُجْمَعُ عَلَى إِمَامَتِهِ وَفَضْلِهِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ (¬4) مِنَ الْكَذِبِ الْمُخْتَلَقِ؟ ! . بَلْ لَوْ كَانَ الصِّدِّيقُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَرْذَلِينَ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِيهِ، فَقَدْ كَانَ سَعْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَصُهَيْبُ وَبِلَالٌ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرْدَهُمْ فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَنْزَلَ: ¬

(¬1) عُلَمَاءِ: سَاقِطَةٌ مَنْ (م) . (¬2) صَاحِبُ: سَاقِطَةٌ مَنْ (س) ، (ب) . (¬3) م. وَعَبْدُ الْكَرِيمِ وَأَبُو أُمَيَّةَ (¬4) ذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 52، 53] . وَقَوْلَهُ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 28] . وَقَالَ فِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ - وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ - وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ - وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ - وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ - فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ - عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} إِلَى آخَرِ السُّورَةِ [سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 29 - 34] . وَقَالَ: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 212] . وَقَالَ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أَهَؤُلَاءِ {الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 48، 49] . وَقَالَ: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ - أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [سُورَةُ ص: 62، 63] . وَقَالَ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: 111] .

وَقَالَ تَعَالَى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [سُورَةُ هُودٍ: 27] وَقَالَ عَنْ قَوْمِ صَالِحٍ: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ - قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 75، 76] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ هِرَقْلَ سَأَلَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ» (¬1) . فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ كَعَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي كَمَالِ إِيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ، كَمَا لَمْ يَقْدَحْ فِي إِيمَانِ هَؤُلَاءِ وَتَقْوَاهُمْ، وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ. وَلَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِضَةِ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْمُشْرِكِينَ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَصَّبُونَ لِلنَّسَبِ وَالْآبَاءِ لَا لِلدِّينِ، وَيَعِيبُونَ الْإِنْسَانَ بِمَا لَا يَنْقُضُ إِيمَانَهُ وَتَقْوَاهُ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ ظَاهِرَةً عَلَيْهِمْ فَهُمْ يُشْبِهُونَ الْكُفَّارَ مِنْ وُجُوهٍ خَالَفُوا بِهَا أَهْلَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ: " إِنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ خَيَّاطًا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ النَّاسُ عَنِ الْخِيَاطَةِ ". كَذِبٌ ظَاهِرٌ، يَعْرِفُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ لَوْ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/434.

كَانَ حَقًّا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ خَيَّاطًا، وَإِنَّمَا كَانَ تَاجِرًا تَارَةً يُسَافِرُ فِي تِجَارَتِهِ وَتَارَةً لَا يُسَافِرُ، وَقَدْ سَافَرَ إِلَى الشَّامِ فِي تِجَارَتِهِ (¬1) فِي الْإِسْلَامِ، وَالتِّجَارَةُ كَانَتْ أَفْضَلُ مَكَاسِبِ قُرَيْشٍ، وَكَانَ خِيَارُ أَهْلِ الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ أَهْلَ التِّجَارَةِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُمْ بِالتِّجَارَةِ، وَلَمَّا وُلِّيَ أَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَ لِعِيَالِهِ فَمَنَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: هَذَا يَشْغَلُكَ عَنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَ عَامَّةُ مَلَابِسِهِمُ الْأَرْدِيَةَ وَالْأُرُزَ، فَكَانَتِ الْخِيَاطَةُ فِيهِمْ قَلِيلَةً جِدًّا، وَقَدْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ خَيَّاطٌ دَعَا (¬2) النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهِ (¬3) . وَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ الْمَشْهُورُونَ فَمَا أَعْلَمُ فِيهِمْ خَيَّاطًا مَعَ أَنَّ الْخِيَاطَةَ مِنْ أَحْسَنِ الصِّنَاعَاتِ وَأَجَلِّهَا. وَإِنْفَاقُ أَبِي بَكْرٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هُوَ مِنَ الْمُتَوَاتِرِ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (¬4) ، وَكَانَ مُعَظَّمًا فِي قُرَيْشٍ مُحَبَّبًا مُؤْلَفًا خَبِيرًا بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَأَيَّامِهِمْ، وَكَانُوا يَأْتُونَهُ لِمَقَاصِدِ التِّجَارَةِ وَلِعِلْمِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ لَهُ ابْنُ الدَّغِنَّةِ، ¬

(¬1) ن، م: فِي تِجَارَةٍ (¬2) س، ب عِنْدَ (¬3) ب: لِآلِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 7/68 (كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ، بَابُ مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ. . .) وَنَصُّهُ. . . سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ. قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمَئِذٍ. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ 3/61 (كِتَابُ الْبُيُوعِ، بَابُ ذِكْرِ الْخَيَّاطِ، مُسْلِمٍ 3/1615 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ جَوَازِ أَكْلِ الْمَرَقِ. . .) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالدُّبَّاءُ. الْيَقْطِينُ أَوِ الْقَرْعُ الْوَاحِدَةُ: دُبَّاءَةٌ. (¬4) م: فِي الْإِسْلَامِ.

" مِثْلُكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ " (¬1) . وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ (¬2) عَابَ أَبَا بَكْرٍ بِعَيْبٍ، وَلَا نَقَصَهُ وَلَا اسْتَرْذَلَهُ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَهُمْ عَيْبٌ (¬3) إِلَّا إِيمَانَهُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ قُرَيْشٍ وَلَا نَقْصٌ وَلَا يَذُمُّونَهُ بِشَيْءٍ قَطُّ، بَلْ كَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَهُمْ بَيْتًا وَنَسَبًا مَعْرُوفًا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَكَذَلِكَ صِدِّيقُهُ الْأَكْبَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْبٌ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعُيُوبِ. وَابْنُ الدَّغِنَّةِ سَيِّدُ الْقَارَةِ إِحْدَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ كَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَ قُرَيْشٍ يُجِيرُونَ مَنْ أَجَارَهُ لِعَظَمَتِهِ عِنْدَهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لِمَا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَّةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدُ رَبِّي، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَّةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ فَارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَّةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَّةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬2) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬3) ن: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْبٌ عِنْدَهُمْ. .

الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَلَمْ يُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَّةِ، وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَّةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيهَا، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِنَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَّةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَّةِ، فَقَدِمَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجْرَنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَجَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَّةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ عَلَيْكَ جِوَارِكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬1) ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْجُزْءِ.

فَقَدْ وَصَفَهُ ابْنُ الدَّغِنَّةِ بِحَضْرَةِ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ بِمِثْلِ مَا «وَصَفَتْ بِهِ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَقَالَ لَهَا: " لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى عَقْلِي " فَقَالَتْ لَهُ: " كَلَّا وَاللَّهِ لَنْ يُخْزِيَكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» " (¬1) . فَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ النَّبِيِّينَ، وَصِدِّيقُهُ أَفْضَلُ الصِّدِّيقِينَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَالَ: إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ "، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَبْكِ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّتْ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» " (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/419 - 420 (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ. انْظُرْ 1/512.

إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ (¬1) ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ " مَرَّتَيْنِ» (¬2) . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنُّ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا» " فَذَكَرَ تَمَامَهُ (¬3) . وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «مَا نَفَعَنِي مَالٌ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ " فَبَكَى وَقَالَ: وَهَلْ أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ؟ (¬4) . وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا مَالُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْفَعُ لِي مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ " وَمِنْهُ أَعْتَقَ بِلَالًا» ، وَكَانَ يَقْضِي فِي مَالِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا يَقْضِي الرَّجُلُ فِي مَالِ نَفْسِهِ. ¬

(¬1) ن، س: صَدَقَ (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ (¬3) انْظُرْ مَا سَبَقَ 1/512 (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/21.

فصل كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة غنيا بمال خديجة ولم يحتج إلى الحرب

[فصل كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَنِيًّا بِمَالِ خَدِيجَةَ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَرْبِ] فَصْلٌ. وَقَوْلُهُ: (¬1) " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَنِيًّا بِمَالِ خَدِيجَةَ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَرْبِ " (¬2) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ إِنْفَاقَ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ نَفَقَةً عَلَى النَّبِيِّ (¬3) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَغْنَى رَسُولَهُ عَنْ مَالِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، بَلْ كَانَ مَعُونَةً لَهُ عَلَى إِقَامَةِ الْإِيمَانِ، فَكَانَ إِنْفَاقُهُ فِيمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَا نَفَقَةً عَلَى نَفْسِ الرَّسُولِ، فَاشْتَرَى الْمُعَذَّبِينَ مِثْلَ بِلَالٍ وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ وَزُنَيْرَةَ وَجَمَاعَةً. فَصْلٌ. وَقَوْلُهُ (¬4) : " وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ ". فَهَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، بَلْ كَانَ يُعِينُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالِهِ وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَأَصْحَابُ الصُّفَّةِ كَانُوا فُقَرَاءَ، فَحَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ¬

(¬1) فِي (ك) ص 200 (م) - 201 (م) وَسَبَقَ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬2) ك: إِلَى الْحَرْبِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ. (¬3) م: نَفَقَةً لِلنَّبِيِّ. (¬4) فِي " ك " ص 201 (م) وَسَبَقَ إِيرَادُهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ.

طُعْمَتِهِمْ، فَذَهَبَ بِثَلَاثَةٍ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ (¬1) ، قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فَقَرَاءَ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ وَسَادِسٍ، أَوْ كَمَا قَالَ: وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬2) . وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ فَقُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَالٍ عِنْدَهُ فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ "، فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ (¬3) . ¬

(¬1) ن، م، س: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/120 (كِتَابُ الْمَوَاقِيتِ، بَابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالْأَهْلِ) ، 4/194 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 1702، 1704، 1712، 1713. (¬3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/52.

فصل قول كلام الرافضي لو أنفق أبو بكر لوجب أن ينزل فيه قرآن مثل علي رضي الله عنهما والرد عليه

[فصل قول كلام الرافضي لو أنفق أبو بكر لوجب أن ينزل فيه قرآن مثل علي رضي الله عنهما والرد عليه] فَصْلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (¬1) : " ثُمَّ لَوْ أَنْفَقَ لَوَجَبَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ قُرْآنٌ، كَمَا أُنْزِلَ (¬2) فِي عَلِيٍّ {هَلْ أَتَى} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 1] (¬3) . وَالْجَوَابُ: أَمَّا نُزُولُ: {هَلْ أَتَى} فِي عَلِيٍّ فَمِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّمَا يُذْكُرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذِكْرِ أَشْيَاءَ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَالدَّلِيلُ الظَّاهِرُ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ أَنَّ سُورَةَ {هَلْ أَتَى} مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، نَزَلَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ بِفَاطِمَةَ، وَيُوَلَدَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَمْ يَنْزِلْ قَطُّ قُرْآنٌ فِي إِنْفَاقِ عَلِيٍّ بِخُصُوصِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، بَلْ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي عِيَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ كَانَ أَحْيَانًا يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ: كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَلَمَّا تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَهْرٌ (¬4) إِلَّا دِرْعَهُ، وَإِنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى الْعُرْسِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ. ¬

(¬1) فِي " ك " ص 201 (م) . وَسَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬2) م، س، ب: أَنْزَلَ (¬3) ن، س، ب: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ. (¬4) س، ب: مَالٌ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ (¬1) مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَارِفًا مِنَ الْخُمْسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبَتَنِيَ بِفَاطِمَةَ (¬2) وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ يَرْتَحِلُ مَعِي، فَنَأْتِي بِإِذْخِرٍ (¬3) أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ (¬4) لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الْأَقْتَابِ (¬5) وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى (¬6) جَانِبِ بَيْتِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: وَحَمْزَةُ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، وَقَيْنَةٌ (¬7) تُغَنِّيهِ، فَقَالَتْ: أَلَا يَا حَمْزُ (¬8) لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ (¬9) . ¬

(¬1) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 6/199 " الشَّارِفُ: الْمُسِنُّ مِنَ النُّوقِ، وَلَا يُقَالُ لِلذَّكَرِ عَلَى الْأَكْثَرِ. (¬2) أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ: أَيْ أَدْخُلَ بِهَا. (¬3) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ ": " الْإِذْخِرِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: حَشِيشَةٌ طَيِّبَةُ الرَّائِحَةِ تُسَقَّفُ بِهَا الْبُيُوتُ فَوْقَ الْخَشَبِ ". (¬4) ن، م: أَنْ نَجْمَعَ. وَالْمُثْبَتُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. (¬5) فِي " الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ " " الْقَتَبُ: الرَّحْلُ الصَّغِيرُ عَلَى قَدْرِ سَنَامِ الْبَعِيرِ. وَالْجَمْعُ أَقْتَابٌ ". (¬6) م: فِي. (¬7) الْقَيْنَةُ: هِيَ الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ. (¬8) ن: خَمْرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬9) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 6/200 " وَالشُّرُفُ: جَمْعُ شَارِفٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالنِّوَاءُ: بِكَسْرِ النُّونِ، وَالْمَدُّ مُخَفَّفًا: جُمَعُ نَاوِيَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ السَّمِينَةُ. . وَحَكَى الْمَرْزُبَانِيُّ فِي " مُعْجَمِ الشُّعَرَاءِ " أَنَّ هَذَا الشِّعْرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ، وَبَقِيَّتُهُ، " وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفَنَاءِ ". . وَأَرَادَ الَّذِي نَظَمَ هَذَا الشِّعْرَ، وَأَمَرَ الْقَيْنَةَ أَنْ تُغَنِّيَ بِهِ أَنْ يَبْعَثَ هِمَّةَ حَمْزَةَ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَرَمِهِ عَلَى نَحْرِ النَّاقَتَيْنِ لِيَأْكُلُوا مِنْ لَحْمِهَا. . . وَقَوْلُهُ. . يَا حَمْزُ: تَرْخِيمٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَذَكَرَ الْبَيْتَ أَيْضًا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ " مَادَّةُ " شَرَفَ ".

فَثَارَ إِلَيْهَا حَمْزَةُ، فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهَا (¬1) ، وَبَقَرَهُ (¬2) خَوَاصِرَهَا " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (¬3) فِي الْبُخَارِيِّ (¬4) وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ. وَأَمَّا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكُلُّ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي مَدْحِ الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ أَوَّلُ الْمُرَادِينَ بِهَا مِنَ الْأُمَّةِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 10] ، وَأَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ هَؤُلَاءِ وَأَوَّلُهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 20] . وَقَوْلُهُ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 18] فَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ مِثْلُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمَا بِالْأَسَانِيدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ. ¬

(¬1) الْجَبُّ: الِاسْتِئْصَالُ فِي الْقَطْعِ، وَالسَّنَامِ: مَا عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ. (¬2) بَقَرَ: أَيْ شَقَّ. (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/78 - 79 (كِتَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ، بَابُ فَرْضِ الْخُمْسِ) ، 5/82 - 83 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، مُسْلِمٍ 3/1586 - 1570 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.) . (¬4) ن، س، ب: قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) وَلَمْ أَجِدِ الْكَلَامَ التَّالِيَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ.

فصل قول الرافضي إن أبا بكر لم يقدم في الصلاة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحاه والرد عليه

[فصل قول الرافضي إن أبا بكر لم يقدم في الصلاة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحاه والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ (¬1) : وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ فِي الصَّلَاةِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّ بِلَالًا لَمَّا أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ (¬2) ، أَمَرَتْ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ (¬3) فَلَمَّا أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ التَّكْبِيرَ، فَقَالَ: مَنْ يُصَلِّي (¬4) بِالنَّاسِ فَقَالُوا: أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: أَخْرِجُونِي فَخَرَجَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَنَحَّاهُ (¬5) عَنِ الْقِبْلَةِ وَعَزَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ، وَتَوَلَّى الصَّلَاةَ " (¬6) . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: مَنْ ذَكَرَ مَا نَقَلْتَهُ بِإِسْنَادٍ يَوْثَقُ [بِهِ] ؟ (¬7) وَهَلْ هَذَا ¬

(¬1) فِي (ك) ص 201 (م) وَسَبَقَ إِيرَادُ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْجُزْءِ. (¬2) ك لِلصَّلَاةِ (¬3) ك: أَنْ يُقَدَّمَ أَبُوهَا. وَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تُوجَدُ الْعِبَارَاتُ التَّالِيَةُ الَّتِي لَمْ تَرِدُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ " وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ الْمَرَضِ الشَّدِيدِ، وَالصَّحَابَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَسَمِعُوا حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ فَكُلُّهُمْ فِي حُزْنٍ وَبُكَاءٍ غَرْوَ بُكَاءٍ، وَفَاتَ الصَّلَاةَ. (¬4) ك: سَمِعَ التَّكْبِيرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسَمِعَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَقَوْلَ حَفْصَةَ لِأَبِيهَا عُمَرَ، وَتَشَوُّشَ الْأَحْوَالِ وَتَفَرُّقَ الْقَوْمِ سَأَلَ مَنْ يُصَلِّي. . . (¬5) ك: بَيْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْعَبَّاسِ، وَذَهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ فِي الْمِحْرَابِ فَنَحَّاهُ (¬6) ك: وَعَزَلَهُ وَتَوَلَّى هُوَ الصَّلَاةَ. (¬7) بِهِ: فِي (م) فَقَطْ. .

إِلَّا فِي كُتُبِ مَنْ نَقَلَهُ مُرْسَلًا مِنَ الرَّافِضَةِ، الَّذِينَ هُمْ مَنْ أَكْذِبِ النَّاسِ وَأَجْهَلِهِمْ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ مِثْلِ الْمُفِيدِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَالْكَرَاجِكِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ حَالِ الرَّسُولِ وَأَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ؟ . وَيُقَالُ: ثَانِيًا: هَذَا كَلَامُ جَاهِلٍ يَظُنُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ إِلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي بِهِمْ حَتَّى مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِذْنِهِ وَاسْتِخْلَافِهِ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، بَعْدَ أَنْ رَاجَعَتْهُ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ فِي ذَلِكَ وَصَلَّى بِهِمْ أَيَّامًا مُتَعَدِّدَةً، وَكَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَهُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمَّا ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، فِي غَيْرِ سَفَرٍ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ، وَفِي مَرَضِهِ (¬1) إِلَّا أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ مَرَّةً صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ عَامَ تَبُوكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ ذَهَبَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ فَتَأَخَّرَ، وَقَدَّمَ الْمُسْلِمُونَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَأَدْرَكَ مَعَهُ (¬2) رَكْعَةً، وَقَضَى رَكْعَةً، وَأَعْجَبَهُ مَا فَعَلُوهُ مِنْ صَلَاتِهِمْ (¬3) ¬

(¬1) س، ب فِي حَالِ سَفَرٍ، وَفِي (س: فِي) حَالِ غَيْبَتِهِ فِي مَرَضِهِ. . (¬2) ن، م، س: فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ مَعَهُ. .، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) ن: وَأَعْجَبَهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ صَلَاتِهِمْ، س: وَأَعْجَبَهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ صَلَوَاتِهِمْ، ب: وَأَعْجَبَهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ صِلَاتِهِ.

لَمَّا تَأَخَّرَ (¬1) ، فَهَذَا إِقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَكَانَ إِذَا سَافَرَ عَنِ الْمَدِينَةِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ، كَمَا اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ تَارَةً، وَعَلِيًّا تَارَةً فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُمَا تَارَةً. فَأَمَّا فِي حَالِ غَيْبَتِهِ وَمَرَضِهِ (¬2) فَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ لَا عَلِيًّا وَلَا غَيْرَهُ وَاسْتِخْلَافُهُ لِلصِّدِّيقِ فِي الصَّلَاةِ مُتَوَاتِرٌ ثَابِتٌ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِدِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ: " مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ " فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ (¬3) فِيهِ مُرَاجَعَةَ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (¬4) . ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/317 - 318 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ تَقْدِيمِ الْجَمَاعَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ إِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ. .) وَأَوَّلُهُ. أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ. . . وَفِيهِ: فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: " أَحْسَنْتُمْ " أَوْ قَالَ: " قَدْ أَصَبْتُمْ " يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا " وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/73 - 74 (كِتَابُ الطَّهَارَةِ، بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/130 - 131. (¬2) س، ب: غَيْبَتِهِ فِي مَرَضِهِ. (¬3) ن: وَذُكِرَ بِالْبُخَارِيِّ فِيهِ. . (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512.

وَهَذَا الَّذِي فِيهِ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِهِمْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بِالنَّقْلِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ أَيَّامًا مُتَعَدِّدَةً حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي بِهِمْ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، وَحُجْرَتُهُ إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَيَمْتَنِعُ وَالْحَالُ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَلَا مُرَاجَعَةِ أَحَدٍ فِي ذَلِكَ. وَالْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُمَا كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ، وَقَدْ خَرَجَ بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْتِدَاءَ مَرَضِهِ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَتُوُفِّيَ بِلَا خِلَافٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنَ الْأُسْبُوعِ الثَّانِي، فَكَانَ مُدَّةَ مَرَضِهِ فِيمَا قِيلَ: اثَّنَيْ عَشَرَ يَوْمًا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ (¬1) ؟ " قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ " فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: " أَصَلَّى النَّاسُ؟ " فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) س، ب: أَصُلِّيَ بِالنَّاسِ.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا - يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ وَقَالَ لَهُمَا: " أَجْلَسَانِي إِلَى جَنْبِهِ " (¬1) فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ (¬2) بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يَصِلُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي [بِهِ] (¬3) عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هَاتِ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لَا؟ قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» (¬4) . ¬

(¬1) ن: إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ. (¬2) فِي " الْبُخَارِيِّ " يَأْتَمُّ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي " الْبُخَارِيِّ " قَائِمٌ. (¬3) بِهِ. زِيَادَةٌ فِي (م) . (¬4) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/138 - 139 (كِتَابُ الْآذَانِ، بَابُ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ) مُسْلِمٍ 1/311 - 313 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ. . .) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/101 - 102 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ الِائْتِمَامِ بِالْإِمَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا) الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 7/152 - 153 (رَقْمُ 5141) وَ " ط الْحَلَبِيِّ " 6/251 وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ ": " الْمِخْضَبُ بِالْكَسْرِ:. شِبْهُ الْمِرْكَنِ، وَهِيَ إِجَّانَةٌ تُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ) وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " 2/174: " ثُمَّ ذَهَبَ (لِيَنُوءَ) بِضَمِّ النُّونِ بَعْدَهَا مَدَّةٌ: أَيْ لِيَنْهَضَ بِجَهْدٍ ".

فَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي اتَّفَقَتْ فِيهِ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ كِلَاهُمَا يُخْبِرَانِ بِمَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتِخْلَافِ \ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا، وَأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، بَلْ يُقِيمُ مَكَانَهُ، وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَصْدِيقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ، وَتَفَقَّهُوا فِي مَسَائِلَ فِيهِ مِنْهَا صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ هُوَ وَالنَّاسُ هَلْ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ؟ أَوْ كَانَ ذَلِكَ نَاسِخًا لِمَا اسْتَفَاضَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ " وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ "؟ ، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إِذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا، وَهَذَا عَلَى مَا إِذَا حَصَلَ الْقُعُودُ فِي أَثْنَائِهَا: عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالثَّانِي: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّالِثُ: قَوْلُ أَحْمَدَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَأْمُرُ الْمُؤْتَمِّينَ (¬1) بِالْقُعُودِ إِذَا قَعَدَ الْإِمَامُ لِمَرَضٍ وَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إِذَا اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ خَلِيفَةً، ثُمَّ حَضَرَ الْإِمَامُ هَلْ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِهِمْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ، وَفَعَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى ¬

(¬1) ن، م: الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

سَنَذْكُرُهَا، أَمْ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: هُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَقَدْ صَدَّقَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَائِشَةَ فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ الشَّيْءِ بِسَبَبِ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَلِيٍّ ; وَلِذَلِكَ لَمْ تُسَمِّهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَمِيلُ إِلَى عَلِيٍّ وَلَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا فَقَطْ صَدَّقَهَا فِي جَمِيعِ مَا قَالَتْ، وَسَمَّى الرَّجُلَ الْآخَرَ عَلِيًّا فَلَمْ يُكَذِّبْهَا، وَلَمْ يُخَطِّئْهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا رَوَتْهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَإِلَّا إِنِّي كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ (¬1) لَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ أَحَدٌ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ» ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: " وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2) ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا «قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا ¬

(¬1) أَنَّهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (¬2) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 6/12 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتِهِ،) مُسْلِمٍ 1/313 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ. . .) حَدِيثٌ رَقْمُ 93، وَقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي " لِسَانِ الْعَرَبِ " " وَعَدَلَ عَنِ الشَّيْءِ يَعْدِلُ عَدْلًا وَعُدُولًا. حَادَ وَالْمَعْنَى: أَيْ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحِيدُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَخْتَارُ غَيْرَهُ.

يُسْمِعُ [النَّاسَ] (¬1) ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَقَالَ: " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " قَالَتْ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قَوْلِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ فَقَالَتْ لَهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكُنَّ (¬2) لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " قَالَتْ: فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ» (¬3) ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (¬4) : «فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ (¬5) يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا» " (¬6) . فَفِي هَذَا أَنَّهَا رَاجَعَتْهُ وَأَمَرَتْ حَفْصَةُ بِمُرَاجَعَتِهِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَامَهُنَّ عَلَى هَذِهِ الْمُرَاوَدَةِ، وَجَعَلَهَا مِنَ الْمُرَاوَدَةِ عَلَى الْبَاطِلِ كَمُرَاوَدَةِ صَوَاحِبِ يُوسُفَ لِيُوسُفَ. ¬

(¬1) النَّاسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (¬2) م: إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ. . (¬3) الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/133 - 134 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ) 1/143 - 144 - 144 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، بَابُ الرَّجُلِ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ عُذْرٌ. . .) حَدِيثٌ رَقْمُ 95 سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/98 - 101 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ الِائْتِمَامِ بِالْإِمَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/159، 210، 224. (¬4) فِي: الْبُخَارِيِّ: 1/144 - 145 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ إِذَا بَكَى الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ) . (¬5) ن، س، ب: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ. . . وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، الْبُخَارِيُّ. (¬6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512.

فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي يُذَمُّ مَنْ يُرَاوِدُ عَلَيْهِ كَمَا ذَمَّ النِّسْوَةَ عَلَى مُرَاوَدَةِ يُوسُفَ، هَذَا مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ قَالَ لِعُمْرَ يُصَلِّي فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عُمَرُ، وَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَكَانَ فِي هَذَا اعْتِرَافُ عُمَرَ لَهُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، كَمَا اعْتَرَفَ لَهُ بِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُ وَمِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ. كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ لَمَّا ذَكَرَتْ خُطْبَةُ أَبِي بَكْرٍ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَالَتْ: وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ (¬1) عُمَرُ يَتَكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي هَيَّأْتُ كَلَامًا أَعْجَبَنِي خِفْتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغُ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ (¬2) بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَقُهُمْ (¬3) أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ (¬4) . ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ب خَبَّابُ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬3) م. وَأَعَزُّهُمْ (¬4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/715، 2/50.

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ إِخْبَارُ عُمَرَ بَيْنَ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَخَيْرُهُمْ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عِلَّةُ مُبَايَعَتِهِ فَقَالَ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِيُبَيِّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ تَوْلِيَةُ الْأَفْضَلِ، وَأَنْتَ أَفْضَلُنَا (¬1) فَنُبَايِعُكَ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سُئِلَ: مَنْ أَحَبُّ الرِّجَالِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: " أَبُو بَكْرٍ» " (¬2) . وَلَمَّا قَالَ: " «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا» " (¬3) ، وَهَذَا مِمَّا يَقْطَعُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ عِلْمِهِمْ لَمْ يَسْمَعْهُ، أَوْ سَمِعَهُ وَلَا يَعْرِفُ أَصِدْقٌ هُوَ أَمْ كَذِبٌ؟ فَلِكُلِّ عِلْمِ رِجَالٌ يَقُومُونَ بِهِ، وَلِلْحُرُوبِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، وَلِلدَّوَاوِينِ حُسَّابٌ وَكُتَّابٌ. ¬

(¬1) م وَأَنْتَ أَفْضَلُ. (¬2) يُشِيرُ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/5 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. .) وَنَصُّهُ. . حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَاتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ " عَائِشَةُ " فَقُلْتُ: مَنِ الرِّجَالِ؟ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " فَعَدَّ رِجَالًا. . وَالْحَدِيثُ فِي: الْبُخَارِيِّ 5/165 - 166 (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ) ، مُسْلِمٍ 4/1856 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. . .) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/364 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى 4/303. (¬3) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/512.

وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ هُمُ الَّذِينَ عَنَتْهُمْ عَائِشَةُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ [ابْنِ] (¬1) أَبِي مُلَيْكَةَ (¬2) ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، وَسُئِلَتْ: مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ قِيلَ لَهَا: مَنْ بَعْدَ عُمَرَ، قَالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا (¬3) . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ اسْتِخْلَافَهُ فِي الصَّلَاةِ كَانَ أَيَّامًا مُتَعَدِّدَةً (¬4) ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الصَّحَابَةِ، وَرَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ قَوْلُهُ: " «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» " وَمُرَاجَعَةُ عَائِشَةَ لَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَذِكْرُ الْمُرَاجِعَةِ مَرَّتَيْنِ، وَفِيهِ قَوْلُهُ: " «مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ» "، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي بِهِمْ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ حَتَّى مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَآهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ آخِرَ صَلَاةٍ فِي حَيَاتِهِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَسُرَّ بِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ (¬5) . ¬

(¬1) ابْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) 0 ب (¬2) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ التَّيْمِيُّ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 117 تَرْجَمَتُهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 5/306، الْأَعْلَامِ 4/236 - 237. (¬3) الْحَدِيثَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي مُسْلِمٍ 4/1856 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. . . الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 6/3 وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/497 (¬4) م: مَعْلُومَةً (¬5) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَذَكَرْتُ بَعْضَ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَالْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/132 (كِتَابُ الْآذَانِ، بَابُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) . وَالْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/133 (الْكِتَابُ وَالْبَابُ السَّابِقَانِ) ، وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 1/313 - 316 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ) وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فِي الْأَلْفَاظِ، وَإِنْ تَنَاوُلَ نَفْسَ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/134 - 135 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ) . وَالْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/275 - 276 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ 58 وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ " وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَيْضًا فِي الْمُسْنَدِ " ط الْحَلَبِيِّ) 6/96، 202، 210، 224، 228، 229، 270

كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا، قَالَ (¬1) : فَبُهِتْنَا وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْفَرَحِ بِخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ لِلصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْخَى السِّتْرَ، قَالَ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ: قَالَ: فَهَمَّ النَّاسُ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحًا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ ¬

(¬1) قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (م)

الْفَجْرِ» (¬1) . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: آخِرُ نَظْرَةِ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَشَفَ السِّتَارَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ (¬2) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ (¬3) ، فَرَفَعَهُ فَلَمَّا وَضَحَ لَنَا وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا قَطُّ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِهِ حِينَ وَضَحَ لَنَا (¬4) قَالَ: فَأَوْمَأَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ» (¬5) . فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَسٌ أَنَّ هَذِهِ الْخَرْجَةَ الثَّانِيَةَ إِلَى بَابِ الْحُجْرَةِ كَانَتْ بَعْدَ احْتِبَاسِهِ ثَلَاثًا، وَفِي تِلْكَ الثَّلَاثِ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ قَبْلَ خَرْجَتِهِ الْأُولَى الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بَيْنَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ، وَتِلْكَ كَانَ ¬

(¬1) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/47 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ هَلْ يَلْتَفِتُ لِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ. .) مُسْلِمٍ 1/315 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ. . . حَدِيثٌ رَقْمُ 98. (¬2) مُسْلِمٌ: الْمَوْضِعُ السَّابِقُ حَدِيثٌ رَقْمُ 99 (¬3) ن، م، س: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِجَابِ (¬4) م: حِينَ وَضَحَ لَنَا وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْبُخَارِيِّ 1/132 - 133 (كِتَابُ الْأَذَانِ - بَابُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) مُسْلِمٍ 1/315 (بَابُ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ) . . حَدِيثٌ رَقْمُ 98.

يُصَلِّي قَبْلَهَا أَيَّامًا، فَكُلُّ هَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ أَوْمَأَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ هَذِهِ الصَّلَاةَ الْآخِرَةَ الَّتِي هِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا الْمُسْلِمُونَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَا بَاشَرَهُ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ إِمَّا فِي الصَّلَاةِ، وَإِمَّا قَبْلَهَا. وَفِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلًا فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ هِيَ الْمُبَلِّغَةَ لِأَمْرِهِ وَلَا قَالَتْ لِأَبِيهَا: إِنَّهُ أَمَرَهُ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ الْمُفْتَرُونَ. فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الْكَذَّابِينَ: إِنَّ بِلَالًا لَمَّا أَذَّنَ أَمَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا بَكْرٍ، كَذِبٌ وَاضِحٌ لَمْ تَأْمُرْهُ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَمْ تَأْمُرْهُ بِشَيْءٍ وَلَا أَخَذَ بِلَالٌ ذَلِكَ عَنْهَا، بَلْ هُوَ الَّذِي آذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَهُ: لِبِلَالٍ وَغَيْرِهِ: " «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» " فَلَمْ يَخُصَّ عَائِشَةَ بِالْخِطَابِ، وَلَا سَمِعَ ذَلِكَ بِلَالٌ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: " فَلَمَّا أَفَاقَ سَمِعَ التَّكْبِيرَ، فَقَالَ: مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ؟ فَقَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَخْرِجُونِي ". فَهُوَ كَذِبٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ (¬1) الْمُسْتَفِيضَةِ الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِهِمْ أَيَّامًا قَبْلَ خُرُوجِهِ، كَمَا صَلَّى بِهِمْ أَيَّامًا بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ فِي مَرَضِهِ غَيْرُهُ. ثُمَّ يُقَالُ: مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ ¬

(¬1) ن، م: بِالنُّقُولِ

أَيَّامًا مُتَعَدِّدَةً عَجَزَ فِيهَا عَنِ الصَّلَاةِ (* بِالنَّاسِ أَيَّامًا، فَمَنِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الْأَيَّامَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ؟ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: لَا صَادِقٌ *) (¬1) وَلَا كَاذِبٌ: أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ، لَا عُمَرُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا، وَقَدْ صَلَّوْا جَمَاعَةً، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِهِمْ كَانَ أَبَا بَكْرٍ. وَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَشَرْعًا، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِإِذْنِهِ. كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ رُوجِعَ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ؟ فَلَامَ مَنْ رَاجَعَهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرِ الَّذِي أَنْكَرَهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِذَلِكَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ لَا غَيْرُهُ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا لِأَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، أَوْ يَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» " (¬2) . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: «قَالَتْ عَائِشَةُ: وَارَأْسَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَاكَ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثَكْلَتَاهُ، وَاللَّهِ إِنِّي لِأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَظَلَلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَارَأْسَاهُ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ ¬

(¬1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬2) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/492

أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، وَيَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ» " (¬1) . وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ هَمُّهُ بِأَنْ يَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا بِالْخِلَافَةِ ; لِئَلَّا يَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا (¬2) أَوْلَى، ثُمَّ قَالَ: " «يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُؤْمِنُونَ» " فَلَمَّا عَلِمَ الرَّسُولُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَخْتَارُ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، وَالْمُؤْمِنُونَ لَا يَخْتَارُونَ إِلَّا إِيَّاهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ عَنِ الْكِتَابِ، فَأَبْعَدَ اللَّهُ مَنْ لَا يَخْتَارُ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ. وَقَدْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فِي مَرَضِهِ، (* «قَالَ لِعَائِشَةَ: " ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ» "، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا اشْتَكَتْ عَائِشَةُ: " «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ أَكُتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا» " (¬3) . ثُمَّ إِنَّهُ عَزَمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي مَرَضِهِ *) (¬4) عَلَى الْكِتَابِ مَرَّةً أُخْرَى، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " «يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ، اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَجَعُ، فَقَالَ: " ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكُتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا " فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ هَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ، فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: " ذَرُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ " فَأَمَرَهُمْ بِثَلَاثٍ، فَقَالَ: " أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ " وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا» " (¬5) . ¬

(¬1) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/496 - 497 (¬2) م: لِئَلَّا يَقُولَ الْقَائِلُ: إِنِّي. . (¬3) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/492 (¬4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (¬5) م: أَوْ قَالَهَا فَنَسِيَهَا، س: أَوْ قَالَ فَنَسِيَهَا. وَانْظُرْ مَا سَبَقَ.

وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: " «وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» " فَقَالَ بَعْضُهُمْ - وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ -: «رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا قَالَ عُمَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (¬1) غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ قَالَ: " قُومُوا عَنِّي» " قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ الرَّاوِي (¬2) عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كِتَابِهِ " (¬3) ، فَحَصَلَ لَهُمْ شَكٌّ: هَلْ قَوْلُهُ: " «أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا (¬4) بَعْدَهُ» " هُوَ مِمَّا أَوْجَبَهُ الْمَرَضُ، أَوْ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ؟ وَإِذَا حَصَلَ الشَّكُّ لَهُمْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْمَقْصُودُ، فَأَمْسَكَ عَنْهُ وَكَانَ لِرَأْفَتِهِ (¬5) بِالْأُمَّةِ يُحِبُّ أَنْ يَرْفَعَ الْخِلَافَ بَيْنَهَا، وَيَدْعُوَ اللَّهَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ قَدَرَ اللَّهِ قَدْ مَضَى بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْخِلَافِ. كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ¬

(¬1) (1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ن، س: الرَّازِيُّ (¬3) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ (¬4) ن، س، س لَا تَضِلُّوا (¬5) ن، م، س: وَكَانَ الرَّأْفَةَ.

فَيَجْتَاحُهُمْ (¬1) فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلَتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» " (¬2) . وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْكِتَابِ "، فَإِنَّ ذَلِكَ رَزِيَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ شَكَّ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَقَدَحَ فِيهَا إِذْ لَوْ كَانَ الْكِتَابُ الَّذِي هَمَّ بِهِ أَمْضَاهُ لَكَانَتْ شُبْهَةُ هَذَا الْمُرْتَابِ تَزُولُ بِذَلِكَ، وَيَقُولُ: خِلَافَتُهُ ثَبَتَتْ (¬3) بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ الْجَلِيِّ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ هَذَا كَانَ رَزِيَّةً فِي حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ قَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، وَبَيَّنَ الْأَدِلَّةَ الْكَثِيرَةَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ الْمُقَدَّمُ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ رَزِيَّةً فِي حَقِّ أَهْلِ التَّقْوَى الَّذِينَ يَهْتَدُونَ بِالْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ رَزِيَّةً فِي حَقِّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، كَمَا كَانَ نَسْخُ مَا نَسَخَهُ اللَّهُ، وَإِنْزَالُ الْقُرْآنِ، وَانْهِزَامُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَصَائِبِ الدُّنْيَا رَزِيَّةً فِي حَقِّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ. قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 7] . وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي حَقِّ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ مِمَّا يَزِيدُهُمُ اللَّهُ بِهِ عِلْمًا وَإِيمَانًا. ¬

(¬1) فَيَجْتَاحُهُمْ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬3) ن: تَثْبُتُ

وَهَذَا كَوُجُودِ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَاتِ أَهْلِ (¬1) الْإِيمَانِ بِمُخَالَفَتِهِمْ وَمُجَاهَدَتِهِمْ مَعَ مَا فِي وُجُودِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ لِمَنْ أَضَلُّوهُ وَأَغْوَوْهُ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: 31] . وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 143] . وَقَوْلِ مُوسَى: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 155] . وَقَوْلِهِ: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} [سُورَةُ الْقَمَرِ: 27] . وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ - وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 52 - 54] . ¬

(¬1) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

فصل: النبي أرشد الأمة إلى خلافة الصديق

[فصل: النَّبِيُّ أَرْشَدَ الْأُمَّةَ إِلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ] فَصْلٌ (¬1) . وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْشَدَ الْأُمَّةَ إِلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ. مِثْلُ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ - كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ - قَالَ: " فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» " (¬2) . وَالرَّسُولُ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَخْتَارُ غَيْرَهُ (¬3) ، وَالْمُؤْمِنُونَ لَا يَخْتَارُونَ غَيْرَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» " فَكَانَ فِيمَا دَلَّهُمْ بِهِ مِنَ الدَّلَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَا عَلِمَ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُقَدِّرُهُ مِنَ الْخَيْرِ الْمُوَافِقِ لِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَمَامُ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، قَدَرًا وَشَرْعًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ (¬4) مِنْ وُجُوهٍ، وَأَنَّهُمْ إِذَا وَلَّوْا بِعِلْمِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ مَنْ عَلِمُوا أَنَّهُ الْأَحَقُّ بِالْوِلَايَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ مَا لَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ. وَبَيَانُ الْأَحْكَامِ يَحْصُلُ تَارَةً بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ الْمُؤَكَّدِ، وَتَارَةً بِالنَّصِّ ¬

(¬1) م. فَائِدَةٌ (¬2) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 1/488 (¬3) م: وَالرَّسُولُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ غَيْرَهُ (¬4) مَا قَدَّرَ اللَّهُ كَانَ أَفْضَلَ فِي الْأُمَّةِ.

الْجَلِيِّ الْمُجَرَّدِ، وَتَارَةً بِالنَّصِّ الَّذِي قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِيهِ شُبْهَةٌ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ. وَذَلِكَ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي الْبَلَاغِ الْمُبِينِ، فَإِنَّهُ مَنْ لَيْسَ (¬1) شَرْطُ الْبَلَاغِ الْمُبِينِ أَنْ لَا يُشْكِلَ عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَنْضَبِطُ، وَأَذْهَانُ النَّاسِ وَأَهْوَاؤُهُمْ مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا عَظِيمًا، وَفِيهِمْ مَنْ يَبْلُغُهُ الْعِلْمُ، وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَبْلُغُهُ إِمَّا لِتَفْرِيطِهِ وَإِمَّا لِعَجْزِهِ. وَإِنَّمَا عَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ: الْبَيَانُ الْمُمْكِنُ، وَهَذَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - قَدْ حَصَلَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ بَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، وَتَرَكَ الْأُمَّةَ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدَهُ إِلَّا هَالِكٌ، وَمَا تَرَكَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا أَمَرَ الْخَلْقَ بِهِ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ. وَأَيْضًا فَأَمْرُ النَّبِيِّ (¬2) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ إِذَا غَابَ، وَإِقْرَارُهُ إِذَا حَضَرَ قَدْ كَانَ فِي صِحَّتِهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّلَاةِ، فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ التَّصْفِيقِ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ ¬

(¬1) لَيْسَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (¬2) ب: فَأَمَرَ النَّبِيَّ اللَّهُ: وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ فِيمَا يَظْهَرُ.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لِي أَرَاكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَقَ الصُّفُوفَ حَتَّى قَامَ عِنْدَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ، وَفِيهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حُبِسَ وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، وَفِي رِوَايَةٍ: " أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلَاتِكُمْ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ، إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَّا الْتَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّي بِالنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ " وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ، وَفِيهِ فَلَمَّا أَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ امْضِهْ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيْهَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى.

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحْ بَيْنَهُمْ، [وَفِي رِوَايَةٍ:] (¬1) فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، فَهَذَا [الْحَدِيثُ] (¬2) مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهُوَ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ (¬3) ، وَفِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَّهُمْ فِي مَغِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَهِيَ الْوُسْطَى الَّتِي أُمِرُوا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا خُصُوصًا، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَشْغُولًا، ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَ أَهْلِ قُبَاءٍ لَمَّا اقْتَتَلُوا، وَقَدْ عَلِمُوا مِنْ سُنَّتِهِ أَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَحَدَهُمْ، كَمَا قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، لَمَّا أَبْطَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَهَبَ هُوَ وَالْمُغِيرَةُ (¬4) لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، وَبِلَالٌ هُوَ الْمُؤَذِّنُ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ (¬5) مِنْ غَيْرِهِ، فَسَأَلَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ فَصَلَّى بِهِمْ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِتَقْدِيمِهِ. ¬

(¬1) وَفِي رِوَايَةٍ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬2) الْحَدِيثُ: زِيَادَةٌ فِي (م) (¬3) الْحَدِيثُ بِرِوَايَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 1/137 - 138 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ. .) 2/70 (كِتَابُ السَّهْوِ، بَابُ الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ) ، مُسْلِمٍ 1/316 317 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ تَقْدِيمِ الْجَمَاعَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ. . .) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/340 - 341 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ التَّصْفِيقِ فِي الصَّلَاةِ) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/60 - 60 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ إِذَا تَقَدَّمَ الرَّجُلُ مِنَ الرَّعِيَّةِ. .) (¬4) م حِينَ ذَهَبَ النَّبِيُّ وَالْمُغِيرَةُ (¬5) م: بِمِثْلِ ذَلِكَ

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُمْ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَقَالَ لِبِلَالٍ: " إِنْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَمْ آتِكَ، فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُتِمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ، فَسَلَكَ أَبُو بَكْرٍ مَسْلَكَ الْأَدَبِ مَعَهُ، وَعَلِمَ أَنَّ أَمْرَهُ أَمْرُ إِكْرَامٍ لَا أَمْرُ إِلْزَامٍ، فَتَأَخَّرَ تَأَدُّبًا مَعَهُ لَا مَعْصِيَةً لِأَمْرِهِ، فَإِذَا كَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحُضُورِهِ عَلَى إِتْمَامِ الصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَلَّى الْفَجْرَ خَلَفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ صَلَّى إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ وَقَضَى الْأُخْرَى، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ فِي مَرَضِهِ وَإِذْنِهِ لَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ حَتَّى يَخْرُجَ لِيَمْنَعَهُ مِنْ إِمَامَتِهِ بِالنَّاسِ؟ ! . فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ حَالَ الصِّدِّيقِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي غَايَةِ الْمُخَالَفَةِ لِمَا هِيَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةِ الْمُفْتَرِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ هُمْ رِدْءُ الْمُنَافِقِينَ، وَإِخْوَانُ الْمُرْتَدِّينَ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ يُوَالُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ، وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَأَعْوَانَهُ هُمْ أَشَدُّ الْأُمَّةِ جِهَادًا لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 54] . فَأَعْوَانُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ خَيْرُ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ فِي السَّلَفِ

وَالْخَلَفِ، فَخِيَارُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ كَانُوا يُقَدِّمُونَهُ فِي الْمَحَبَّةِ عَلَى غَيْرِهِ وَيَرْعَوْنَ حَقَّهُ، وَيَدْفَعُونَ عَنْهُ مَنْ يُؤْذِيهِ. مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَرَاءَ الْأَنْصَارِ اثْنَانِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَفْضَلُهُمَا. فَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدٍ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِهِ، وَحَمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ» (¬1) . وَلَمَّا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِحُكْمٍ لَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ» " (¬2) . وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ وَابْنُ عَمِّهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ كَانَا (¬3) مِنْ أَعْظَمِ أَنْصَارِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنَتِهِ عَلَى أَهْلِ الْإِفْكِ، وَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَ الْمُهَاجِرِينَ عَنْ يَمِينِهِ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَأْسَ الْأَنْصَارِ عَنْ يَسَارِهِ، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ عَقِبَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ حُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. وَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، مَا نَزَلَ مَا تَكْرَهِينَهُ (¬4) إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ فِيهِ فَرَجًا، وَجَعْلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً. ¬

(¬1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى (¬2) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/332 (¬3) ن، م، س: كَانَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (¬4) م أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ.

وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ خِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَكَانَا مِنْ أَعْظَمِ أَعْوَانِ الصِّدِّيقِ، وَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الَّذِي تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ، وَعَنِ الْقِيَامِ عَلَى أَهْلِ الْإِفْكِ، وَعَزْلِهِ عَنِ الْإِمَارَةِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْجِنَّ قَتَلَتْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَكَذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ مِنْ نُصْرَةِ الصِّدِّيقِ، وَفِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْقِيَامِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمُعَاوَنَتِهِ أَبِي بَكْرٍ مَا كَانَ لِغَيْرِهِ، وَاللَّهُ حَكَمٌ عَدْلٌ يَجْزِي النَّاسَ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَفَضَّلَ الرُّسُلَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَأُولُو الْعَزْمِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الرُّسُلِ، وَكَذَلِكَ فَضَّلَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَكُلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَاتِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ إِلَى الصِّدِّيقِ أَقْرَبَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، كَانَ أَفْضَلَ فَمَا زَالَ خِيَارُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الصِّدِّيقِ (¬1) قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَذَلِكَ لِكَمَالِ نَفْسِهِ وَإِيمَانِهِ. وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ رِعَايَةً لِحَقِّ قَرَابَةِ (¬2) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ كَمَالَ مَحَبَّتِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ سِرَايَةَ الْحُبِّ لِأَهْلِ بَيْتِهِ، إِذْ كَانَ رِعَايَةُ ¬

(¬1) مَعَ الصِّدِّيقِ: سَاقِطَةٌ مِنْ س، (ب) (¬2) م. لِقَرَابَةِ.

أَهْلِ بَيْتِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: " ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي آلِ بَيْتِهِ " رَوَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ (¬1) ، وَقَالَ: " وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي " (¬2) . ¬

(¬1) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ 4/254 وَبَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي (ن) كُتِبَ مَا يَلِي: " تَمَّ الْكِتَابُ بِمَنِّ اللَّهِ وَكَرَمِهِ وَإِعَانَتِهِ وَجَزِيلِ نِعَمِهِ، نَهَارَ الْجُمْعَةِ الْمُعَظَّمِ، حَادِيَ عِشْرِينَ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى، أَحَدِ شُهُورِ عَامِ خَمْسٍ بَعْدَ الْأَلْفِ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَذَلِكَ بِخَطِّ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ الْمُعْتَرِفِ بِالذَّنْبِ وَالتَّقْصِيرِ، الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْمَنَّانِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَّانِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ، وَيُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيَاضٌ يَبْدَأُ مِنْ مُنْتَصَفِ الصَّفْحَةِ إِلَى قُرْبِ نِهَايَتِهَا، حَيْثُ يُوجَدُ إِطَارٌ مُزَخْرَفٌ كُتِبَ فِيهِ بِخَطٍّ كَبِيرٍ " وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ " وَأَمَّا نُسْخَةُ (م) فَكُتِبَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَلِي: " تَمَّ الْكِتَابُ بِعَوْنِ اللَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. أَمَّا نُسْخَةُ (س) فَكُتِبَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ عِبَارَاتٌ اسْتَغْرَقَتْ أَكْثَرَ مِنْ صَفْحَتَيْنِ هِيَ نَفْسُ الْعِبَارَاتِ الَّتِي انْتَهَتْ بِهَا النُّسْخَةُ الْمَطْبُوعَةُ بِبُولَاقَ (ب) وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي مُقَدِّمَةِ الطَّبْعَةِ الْأُولَى، عَلَى أَنَّهَا زَادَتْ بَعْدَهَا عِدَّةَ سُطُورٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي نُسْخَةِ (ب) وَهِيَ " وَإِلَى هُنَا انْتَهَى مَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَصْلِ، وَيَقُولُ أَضْعَفُ الْعِبَادِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ يُوسُف حُسَيْن بْنُ الْقَاضِي مُحَمَّدِ حَسَن الْخَانَفُورِيُّ الْحَنْبَلِيُّ السَّلَفِيُّ أَنَّهُ قَدِ اسْتَتَبَّ إِتْمَامُ هَذَا الْكِتَابِ ضَحْوَةَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسَ شَهْرِ اللَّهِ الْحَرَامِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ بَعْدَ أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ بِعَوْنِ اللَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ بِهِمَّتِي الْقَاصِرَةِ، وَيَدِي الْفَاتِرَةِ، فَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي فِيهِ نَصِيبًا مِنَ الْآخِرَةِ، وَأَحْسَنَ عَاقِبَتِي وَعَاقِبَةَ وَالِدَيَّ وَأُسْتَاذِي وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجَارَنَا وَإِيَّاهُمْ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَصَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَيْرٍ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَجَمِيعِ أَئِمَّةِ دِينِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا كَثِيرًا، وَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. " (¬2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/245

§1/1